سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 8

أحداث

روسيا تملأ الفراغ الأميركي وتمنع احتكاكاً سوريّاً – تركيّاً

تدافع “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) المؤلفة في معظمها من مقاتلين أكراد بشراسة عن بلدة رأس العين الحدودية في شمال شرق سوريا، بعد أسبوع من هجوم تركي واسع غيّر خريطة التحالفات في البلاد، وقت أعلنت موسكو أن قواتها تسيّر دوريات في محيط مدينة منبج بريف حلب لمنع احتكاك تركي مع قوات النظام السوري.

وهو اليوم السابع للهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سوريا والذي تسبّب بموجة نزوح ضخمة وأجبر منظمات إغاثة دولية على تعليق عملها.

ويعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة اليوم في شأن الهجوم التركي، هو الثاني خلال أسبوع، بناء على طلب قدمته دول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا.

وعلى رغم الضغوط الدولية، حافظ أردوغان على لهجة التحدي، إذ كتب مقالاً في صحيفة “الوول ستريت جورنال” قال فيه: “سنضمن ألا يغادر أي مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية شمال شرق سوريا”.

وأفاد “المرصد السوري لحقوق الانسان” أن “قسد” شنت هجوماً مضاداً على القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في منطقة رأس العين الحدودية.

وتحدث مراسل لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” عند أطراف المدينة عن اشتباكات عنيفة مستمرة.

وأوضح مدير “المرصد” رامي عبد الرحمن أن “صمود قوات سوريا الديموقراطية في رأس العين ناتج من تحصينات وأنفاق يتحركون عبرها، فضلاً عن تعزيزات لم تتوقف عن الوصول إليها”.

وتمكنت تركيا ومقاتلون سوريون موالون لها خلال أسبوع من الهجوم، من السيطرة على منطقة حدودية تمتد بطول 120 كيلومتراً من محيط بلدة رأس العين شمال الحسكة، وصولاً إلى مدينة تل أبيض شمال الرقة. وتمكنت من التقدم في بعض المناطق إلى عمق يتخطى 30 كيلومتراً.

وفي موازاة ذلك، تابعت قوات النظام لليوم الثاني انتشارها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، استناداً الى اتفاق بين الطرفين تم برعاية روسية.

ورفع جنود سوريون، كما قال “المرصد”، العلم السوري داخل مدينة منبج في شمال محافظة حلب، غداة دخولهم إياها ليلاً.

وأكد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الثلثاء مغادرة قواته منطقة منبج.

وباتت قوات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى (الرقة) وتل تمر (الحسكة) وهي تنتشر في مناطق حدودية أخرى.

ويعد هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجاً منها بدءاً من عام 2012، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، ولا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.

وأعلن الموفد الروسي الخاص الى سوريا ألكسندر لافرنتييف أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيشين التركي والسوري عند خط التماس بينهما في المناطق الحدودية.

ورأى أنه ليس من حق تركيا أن تنشر قواتها بصفة دائمة في سوريا. وأضاف أنه بموجب اتفاقات سابقة، يمكن الجيش التركي التوغل إلى مسافة تراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات فقط داخل الأراضي السورية.

وشدد على أن موسكو لا توافق على العملية العسكرية التركية في سوريا.

ولم يجد الأكراد، بعد تخلي واشنطن عنهم، خياراً أمامهم سوى التوجه نحو دمشق لطلب مؤازرتها. وتصر الإدارة الذاتية على أن الاتفاق “عسكري” ولن يؤثر على عمل مؤسساتها.

واستناداً الى “المرصد” فإن الهجوم التركي أسفر عن مقتل نحو 71 مدنياً و158 مقاتلاً من “قسد”. كما دفع 160 ألف شخص إلى النزوح عن منازلهم، استناداً إلى الأمم المتحدة.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية توقف منظمات الإغاثة الدولية عن العمل وسحب موظفيها من مناطقها، محذرة من “تفاقم الأزمة الإنسانية” في منطقة تضم أساساً مخيمات نازحين تؤوي عشرات الآلاف.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية توجّه مزيد من طواقم المنظمات الدولية غير الحكومية إلى العراق وتعليق عملياتها. ولا يشمل ذلك وكالات الأمم المتحدة.

مساع أميركية

وفيما تمضي تركيا في هجومها العسكري، كشف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية في مؤتمر صحافي، أن واشنطن تعتزم التركيز على مسعى ديبلوماسي لوقف النار في سوريا.

وقال إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستواصل الضغط على تركيا بينما تقوّم الموقف، مشيراً إلى أن في الإمكان زيادة العقوبات إذا لم تحلّ الأزمة. وأوضح أن أميركا لا تزال تسيطر على المجال الجوي في شمال شرق سوريا. وأشار الى أنه لم تلاحظ حتى الآن عمليات هروب كبيرة ناجحة لعناصر من تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) المحتجزين.

وصرح الناطق العسكري الاميركي الكولونيل مايلز ب. كاغينز بأن القوات الاميركية قد استكملت انسحابها من مدينة منبج. وقال إنه خلال عملية الانسحاب أبقت القوات الاميركية الاتصالات مفتوحة مع الأتراك والروس ليتم الانسحاب بسلام.

وأوردت وكالة “إنترفاكس” الروسية المستقلة أن وزيري الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو والاميركي مارك إسبر أجريا محادثة هاتفية في شأن الوضع في سوريا.

وأعلن مسؤول أميركي أن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس سيتوجه إلى تركيا خلال الساعات الـ 24 المقبلة سعياً إلى وقف الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد.

وأفادت وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير مايك بومبيو بحث في اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي برهم صالح في التوغل العسكري التركي في سوريا ورغبة الولايات المتحدة في إنهائه فوراً.

ضغوط أوروبية

وعلى غرار فرنسا والمانيا، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا “التي يمكن أن تُستخدم” في الهجوم.

كما أعلنت الحكومة الاشتراكية في اسبانيا تعليق صادرات الاسلحة الى تركيا ودعتها الى وقف عمليتها العسكرية فوراً في شمال سوريا.

وحذّرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الدول الأوروبية من نقل المشتبه في انتمائهم إلى التنظيم الجهادي من سجون المقاتلين الأكراد إلى العراق، حيث تجري محاكمات “غير نزيهة” يتخللها الكثير من الانتهاكات.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان أنه سيزور العراق لاجراء محادثات مع السلطات العراقية “والأكراد” في شأن “الأمن في المخيمات التي يعتقل فيها الجهاديون الأجانب”.

—————–

أردوغان يستبعد أي محادثات مع القوات الكردية السورية

أنقرة: استبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، إجراء أي محادثات مع القوات الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة “إرهابية”، من أجل وقف الهجوم التركي الجاري حاليا في شمال سوريا.

وقال أردوغان في خطاب أمام البرلمان: “هناك بعض القادة الذين يحاولون القيام بوساطة. لم يحصل إطلاقا في تاريخ الجمهورية التركية أن تجلس الدولة على نفس الطاولة مع منظمة إرهابية”.

(أ ف ب)

—————-

أردوغان قبيل زيارة بنس: الهجوم في سوريا سينتهي إذا انسحب المقاتلون الأكراد

أنقرة: قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، إن الهجوم التركي على شمال شرق سوريا سينتهي إذا ألقى المسلحون الأكراد أسلحتهم وانسحبوا من المنطقة الآمنة المقرر إقامتها، لكنه حذر من أنه ليس بوسع أي قوة وقف الهجوم حتى ذلك الحين.

وقد يصعد ذلك التوتر أكثر قبل زيارة مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، الأربعاء، لتركيا.

وقال أردوغان إن أسرع حل هو أن يلقي المسلحون أسلحتهم وينسحبوا من المنطقة بحلول مساء اليوم الأربعاء.

وأضاف أن العملية التركية ستنتهي عندما تكمل تركيا إقامة “المنطقة الآمنة”، وأشار إلى أن بلاده غير مستعدة للتفاوض على ذلك.

من ناحية ثانية، قال أردوغان إنه سيقرر بعد اجتماعات مع وفد أمريكي يزور تركيا هذا الأسبوع ما إذا كان سيمضي قدما في زيارة مزمعة إلى الولايات المتحدة الشهر القادم.

ووأوضح أن ذلك يأتي لأن “الجدل والمناقشات والمحادثات في الكونغرس فيما يتعلق بشخصي وأسرتي وأصدقائي الوزراء تنم عن عدم احترام” للحكومة التركية.

ومن المقرر أن يجتمع أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني، وأن يلتقي بنس الخميس لبحث التوغل التركي في شمال سوريا.

(وكالات)

———————–

اردوغان يعلن مساحة المنطقة الآمنة… وروسيا: لا يحق لتركيا نشر قوات في سوريا بشكل دائم

هبة محمد

عواصم ـ «القدس العربي» ـ ووكالات: استمرت العملية العسكرية المشتركة بين قوات الجيش الوطني والقوات التركية الحليفة والداعمة لها، ضد قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا، وسط ضغوط دولية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، عن منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بطول 444 كم وعمق 32 كم، بعدما تمكن جيشه من دخول 57 بلدة وقرية شرقاً، وتوقفه في محيط منبج التي تبدو محاصرة، مع غموض في موقف السيطرة عليها.

وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن هناك اشتباكات عنيفة اندلعت بين فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا من جانب، وقوات سوريا الديمقراطية من جانب آخر، وذلك على محور قرية هوشان على بعد نحو 2 كلم من بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي.

وأوضح المرصد أن الاشتباكات جاءت على خلفية هجوم قوات المعارضة على المنطقة، مضيفا أن المحور كانت فيه قوات النظام إلا أنهم أخلوا مواقعهم وانسحبوا أثناء الاشتباكات.

وفيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، أن «الجيش السوري يسيطر بشكل كامل على مدينة منبج»، وأن «الشرطة العسكرية الروسية تسير دوريات على طول خط التماس شمال غربي منبج»، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف الحمود لـ«القدس العربي»: «داخل منبج لا يوجد أي عنصر للنظام» لكن النظام السوري «سلم «ب ي د» (الكردي) مدافع فوزديكا ودبابتين وعربتين ب م ب، كما أن قوات النظام الموجودة سابقاً في ناحية العريمة انتشرت في الريف المحيط في منبج شرقاً وغرباً»، مضيفاً أنه «لا سيطرة للنظام على مدينة منبج وهي حالياً خارج سيطرة أي جهة».

كما قال القيادي العسكري المقرب من أنقرة مصطفى سيجري لـ«القدس العربي»، إن النظام لم يدخل مدينة منبج إنما رفع علمه بحسب التفاهمات التي جرت منذ فترة قريبة ما بين وفد من قوات سوريا الديمقراطية، برئاسة الهام أحمد، ورئيس مكتب «الأمن الوطني» اللواء علي مملوك».

من جهته قال ألكسندر لافرينتييف مبعوث الكرملين إلى سوريا، أمس الثلاثاء، إنه ليس من حق تركيا أن تنشر قواتها بشكل دائم في سوريا.

وأضاف للصحافيين في أبو ظبي، أنه وفقا لاتفاقات سابقة فإن بوسع الجيش التركي التوغل لمسافة تتراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات فحسب داخل الأراضي السورية.

وتابع قائلا إن موسكو لا توافق على العملية العسكرية التركية في سوريا.

فرنسياً، قال إدوار فيليب رئيس الوزراء، أمس الثلاثاء، إن القرارات التي اتخذتها تركيا والولايات المتحدة في سوريا ستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة، وإن إجراءاتهما ستؤدي لا محالة إلى عودة تنظيم «الدولة» في سوريا والعراق، حسب رويترز.

أممياً، أعلنت مصادر دبلوماسية لوكالة فرانس برس الثلاثاء أن الأعضاء الأوروبيين في مجلس الأمن الدولي طلبوا عقد اجتماع جديد مغلق، اليوم الأربعاء، حول الهجوم العسكري التركي في سوريا.

——————–

التايمز: تركيا المعزولة والمهددة بالعقوبات تبحث عن مخرج سريع

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلتها في إسطنبول حنا لوسيند سميث، قالت فيه إن تركيا المعزولة والتي تواجه عقوبات، تبحث عن مخرج سريع بعد العملية التي شنتها ضد أكراد سوريا والتغير في الموقف الأمريكي.

وقالت إن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اتسمت فترة حكمه بالمغامرات يواجه أخطر حرب في حروبه الثلاثة التي خاضها في سوريا، فهذه الحرب الأخيرة قد تبدو حماقة باعتبارها عدوانا ضد المقاتلين الأكراد الذين نالوا إعجابا بسبب دورهم في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش)، وتحركا أدى لأزمة إنسانية في منطقة من سوريا لم تصلها الحرب الأهلية.

وقاد أردوغان بلاده إلى عزلة لم تشهد مثلها منذ عقود، بما فيها حظر تصدير السلاح وعقوبات أمريكية، وهناك مخاطر بدخول تركيا في المستنقع السوري خاصة بعد دخول القوات التابعة للنظام على الخط الآخر من المعركة. وفي الوقت الحالي تعتبر العقوبات الأمريكية محدودة لكنها قد تتوسع حالة رفض أردوغان وقف عمليته العسكرية، مما سيؤدي إلى متاعب اقتصادية على الأتراك الذين يعانون من زيادة نسبة البطالة والتضخم، في وقت يتزايد فيه عدد القتلى من الجنود الأتراك والمدنيين، ويجب أن لا يكون هذا نذير خير لزعيم تتراجع شعبيته، كما حصل في الانتخابات البلدية التي خسر فيها حزبه مدينة إسطنبول وأنقرة للمعارضة.

قد يكون هذا الوجه المخيف للحملة العسكرية التركية إلا أن هناك وجها آخر مرتبطا بأردوغان الذي يعرف كيف يحول الشدائد لانتصارات. فوصول القوات السورية قد يمنحه فرصة للخروج من رمال سوريا المتحركة، خاصة بعد سيطرة قواته على تل أبيض ورأس العين ذات الغالبية العربية واللتين سيكون من السهل على تركيا إدارتهما. وعندها تزعم أن وصول القوات النظامية السورية يعني عدم وجود قوات حماية الشعب على حدودها. وقد يكون هذا السيناريو المرضي لبلد يعيش حالة من الهيجان. ففي داخل تركيا يقوم أردوغان بتسويق العملية على أنها ضد الإرهاب، وهو كلام يقبله السكان الذين عانوا من سنوات الحرب ضد الانفصاليين الأكراد في الجنوب.

وقدم أردوغان رؤية مختلفة بمقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الذي أطر الهجوم بأنه محاولة لإنهاء الأزمة الإنسانية ومعالجة العنف وعدم الاستقرار اللذين يعدان أساسا لموجات اللجوء، وهو كلام يمتع آذان الناس في الغرب. ولأنه يسيطر على البلاد بشكل كامل فلن يأتي أحد ليتحداه عندما يقول إن العملية تهدف لتحسين الأمن.

وأدت العملية لدق إسفين بين المعارضة العلمانية والحزب الكردي الرئيسي المتحالف معها. ولو قرر أردوغان الدعوة لانتخابات عاجلة، وهو ما يعتقد البعض أنه سيفعله، فإنه سيستفيد من موجة النصر في سوريا، وهي رقصة نصر فارغة.

—————–

معارك عنيفة في شمال سوريا.. وأردوغان “غير قلق” من العقوبات الأمريكية

رأس العين (سوريا): دارت معارك عنيفة في شمال سوريا الثلاثاء بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة والجيش التركي وفصائل سورية موالية له من جهة ثانية، في اليوم السابع من هجوم تشنّه تركيا ضد الأكراد ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقناعها بوقفه من خلال فرض عقوبات عليها وإرساله نائبه ووزير خارجيته إلى أنقرة للتفاوض على وقف لإطلاق النار.

وبدأ الهجوم بعد إعلان ترامب سحب قوات بلاده من شمال سوريا، ما أفسح المجال أمام فتح جبهة جديدة في النزاع المعقد المستمر منذ ثماني سنوات تقريبا والذي أوقع أكثر من 370 ألف قتيل.

وكان الجنود الأميركيون متواجدين في شمال البلاد دعماً لقوات سوريا الديموقراطية التي خاضت معارك عنيفة ضد تنظيم “الدولة” ونجحت في اقتلاعه من كل المناطق التي كان سيطر عليها منذ 2014 في سوريا.

ووجد الأكراد أنفسهم وحدهم في مواجهة تركيا، عدوهم المزمن، فما كان منهم إلا أن طلبوا العون من النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران. وبدا أن موسكو هي التي هندست الاتفاق بين الأكراد ودمشق.

وبموجب هذا الاتفاق، أرسلت الحكومة السورية قوات الى مناطق الأكراد دخلت وحدات منها مدينة منبج في محافظة حلب للحؤول دون أن يدخلها الأتراك. وأعلنت موسكو أن قواتها تسيّر دوريات في محيط منبج لمنع أي احتكاك تركي مع قوات النظام.

والثلاثاء قتل عسكريان في الجيش السوري بقصف مدفعي شنّته فصائل موالية لتركيا على أطراف عين عيسى، البلدة الواقعة في شمال سوريا على بعد 30 كيلومتراً من الحدود التركية، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي محاولة لوقف الهجوم التركي أعلن البيت الأبيض الثلاثاء أنّ نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس سيتوجه الأربعاء إلى أنقرة حيث سيلتقي الخميس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإقناعه بإعلان “وقف فوري لإطلاق النار”.

ويرأس بنس في زيارته إلى تركيا وفداً يضمّ كلاً من وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين والمبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، بحسب الرئاسة الأمريكية.

وقال البيت الأبيض في بيان إنّ زيارة بنس تهدف إلى تأمين “وقف فوري لإطلاق النار وتوفير الظروف لحل تفاوضي”.

وأضاف أن بنس سيعقد الخميس اجتماعاً ثنائياً مع أردوغان “سيجدّد خلاله التأكيد على التزام الرئيس ترامب الإبقاء على العقوبات الاقتصادية العقابية على تركيا إلى حين التوصل إلى حل”.

غير أنّ أردوغان أكّد الأربعاء أنّ بلاده غير قلقة من العقوبات الأمريكية ولن تمتثل أبداً لطلب واشنطن بإعلان وقف لإطلاق النار.

ونقلت صحيفة “حرييت” التركية عن أردوغان قوله “إنهم يطلبون منّا أن نعلن وقفاً لإطلاق النار. لا يمكننا أبداً أن نعلن وقفاً لإطلاق النار”.

وأضاف: “لا يمكننا أن نعلن وقفاً لإطلاق النار” قبل أن تقضي تركيا على أي وجود “للتنظيم الإرهابي” قرب حدودها، في إشارة إلى الوحدات الكردية.

من جهته هدّد الرئيس الأمريكي أنقرة بالمزيد من العقوبات الاقتصادية إذا لم توقف هجومها.

وقال ترامب: “لقد فرضنا أقوى العقوبات التي يمكنكم تخيّلها”، مضيفاً أنّه في حال تبيّن أنّ هذه العقوبات لن يكون لها التأثير الكافي فإن الولايات المتحدة تمتلك خيارات كثيرة أخرى “بما في ذلك فرض رسوم جمركية ضخمة على صادرات الصلب” التركية إلى الولايات المتحدة.

وردّاً على التهديدات الأمريكية قال أردوغان: “إنّهم يضغطون علينا لوقف العملية. لدينا هدف واضح. لسنا قلقين بشأن العقوبات”.

كما بدا الرئيس التركي شبه مرتاحا لدخول قوات النظام السوري مدينة منبج تلبية لنداء وجّهه الأكراد لدمشق منعاً لسيطرة تركيا على هذه المدينة.

وقال أردوغان إنّ “دخول النظام إلى منبج ليس تطوّراً سلبياً جداً بالنسبة لنا. لماذا؟ لأنّها أرضهم”، مشدّداً على أنّ ما يهم أنقرة هو القضاء على تهديد المقاتلين الأكراد.

وبحسب الرئاسة التركية فقد أبلغ أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال مكالمة هاتفية ليل الثلاثاء أنّ العملية العسكرية التركية ستساهم في ضمان سلامة الأراضي السورية وكذلك في الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب.

ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً مغلقاً الأربعاء حول الهجوم التركي، هو الثاني خلال أسبوع.

ومنذ بداية الهجوم أعلنت أنقرة أنها تهدف من خلاله الى إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 32 كلم على حدودها تعيد إليها قسماً من اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها والبالغ عددهم 3,6 مليوناً، وتبعد عن حدودها الأكراد الذين تعتبر أنهم مصدر زعزعة لاستقرارها.

وسيطرت القوات التركية خلال الأيام الماضية على شريط حدودي بطول 120 كلم، وتتركز المعارك حاليا في اتجاه مدينة رأس العين التي تعتبر المنطقة الأخيرة المستهدفة في الهجوم في مرحلة أولى.

وأشار المرصد مساء الثلاثاء الى “معارك عنيفة” غرب رأس العين وفي محيط مدينة تل أبيض التي سيطر عليها الأتراك.

وفي منبج، رفع جنود سوريون الثلاثاء، وفق المرصد، العلم السوري داخل المدينة، غداة دخولهم إليها ليلاً.

وباتت قوات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى في محافظة الرقة وتل تمر في محافظة الحسكة، وتنتشر في مناطق حدودية أخرى، وفق المرصد.

ويعدّ هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجياً منها بدءاً من عام 2012، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.

وتسبّب الهجوم التركي، وفق المرصد، بمقتل نحو 71 مدنياً و158 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. كما دفع بـ160 ألفاً إلى النزوح من منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.

وأحصت أنقرة من جهتها مقتل ستة جنود أتراك، و20 مدنياً جراء قذائف اتهمت المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدودية، في حين سجّل سقوط 128 قتيلا في صفوف الفصائل السورية الموالية لتركيا.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء توقف منظمات الإغاثة الدولية عن العمل وسحب موظفيها من مناطقها، محذرة من “تفاقم الأزمة الإنسانية” في منطقة تضم مخيمات نازحين تؤوي عشرات الآلاف.

وبعد فرنسا وألمانيا، أعلنت بريطانيا وإسبانيا والسويد وكندا الثلاثاء تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا.

وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي على المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية. ويحتفظ الأكراد بالآلاف من الجهاديين وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.

وقال مسؤول أمريكي، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لم تلاحظ حتى الآن حدوث عملية فرار “واسعة” لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه قال إن ما بين 50 و150 من زوجات وأطفال أسرى التنظيم الدولة الإسلامية فرّوا أثناء الفوضى التي أعقبت الهجوم التركي.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الثلاثاء أنه سيزور العراق لمحادثات مع السلطات العراقية “والأكراد” بشأن “الأمن في المخيمات التي يعتقل فيها الجهاديون الأجانب.

وسبق للإدارة الذاتية الكردية أن سلمت عددا من الجهاديين الأجانب الى السلطات العراقية لمحاكمتهم في العراق.

(أ ف ب)

——————

ماهي العبارة التي حذفتها بعض المواقع من تصريح أردوغان عن “القبول بدخول النظام لمنبج”؟

حذفت بعض المواقع الإعلامية التركية الناطقة بالعربية، من حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إحدى العبارات الواردة في تصريحات أردوغان عن قبوله لدخول النظام السوري لمنبج، بينما وردت العبارة في النسخة الإنكليزية والتركية من هذه المواقع، دون حذف.

الرئيس التركي، قال في تصريحات لقناة NTV التركية، إنه لا يرى أن دخول النظام السوري “أمر سلبي” للغاية بالنسبة له، فهي بالنهاية “أرضهم”، ولكن ما يهمه هو عدم وجود “التنظيمات الإرهابية”.

وبالاطلاع على النص الأصلي الوارد في موقع قناة NTV، نجد أن العبارة وردت نصا بالشكل التالي: (ليس سلبياً للغاية بالنسبة لي، أن دخل النظام في منبج. لماذا؟ في النهاية هي أرضهم، لكن من المهم بالنسبة لي أنه لا توجد منظمات إرهابية).

وفور نشر وكالة رويترز للتصريحات حسب النص الأصلي، قامت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي الإعلامية الناطقة بالعربية، بنشرها أولا، ثم سارعت بحذفها، لكن العبارة ظلت موجودة ضمن النصوص الداخلية للمواضيع، كما في موقع تي آر تي عربي، لكن نفس القناة تجنبت ذكر العبارة في حسابها العربي على موقع تويتر، لكن حسابيها باللغة الإنكليزية والتركية ذكرا العبارة.

وبينما تجنبت وكالة الأناضول، الرسمية التركية، ذكر هذه العبارة، نشرتها جريدة يني شفق المقربة من الحكومة، وأبرزتها معظم المواقع التركية الأخرى.

ويبدو أن الحرج الذي تسببت فيه هذه التصريحات بالنسبة للجمهور العربي المعارض بشدة للنظام السوري، دفع بتلك المواقع القريبة من الحكومة التركية لحذف تلك العبارة، خصوصا أنها تأتي بعد 24 ساعة على تصريحات مناقضة لأردوغان، تتحدث عن استمرار عملية “نبع السلام” و”منبج سيدخلها أصحابها الحقيقيون”.

ورغم الانتقادات التي أثارتها العبارة، في صفوف جمهور المعارضة السورية، إلا أن هذه التصريحات ليست الأولى للحكومة التركية، فقد سبق للخارجية التركية ورئاسة الوزراء التصريح أكثر من مرة بالترحيب “بسيطرة الجيش السوري على أراضيه”.

كما أن نصوص تفاهمات أستانة تتحدث عن احترام سيادة ووحدة أراضي الدولة السورية، وعمليا فإن أنقرة تدخلت في سوريا وفق تفاهمات مع موسكو في إطار أستانة الذي يحدد نشاطها العسكري ضد الفصائل الكردية فقط، وقد منعت الفصائل المنضوية في عملياتها العسكرية من مقاتلة النظام السوري خلال معارك درع الفرات أو غصن الزيتون، إذ كانت معاركها موجهة ضد التنظيمات الكردية تحديدا.

ويبدو اختلاف الأولويات بالنسبة لحلفاء المعارضة السورية معضلة مستمرة تواجههم في نزاعهم مع النظام السوري، فبينما تهدف الثورة السورية لإسقاط النظام السوري، فأن أحد أهم حلفائهم، تركيا، باتت حليفة لحلفاء النظام، طهران وموسكو، وباتت أولوياتها في سوريا هي محاربة التنظيمات الكردية وليس نظام الأسد.

——————-

“فورين نيوز”: واشنطن دربت القوات الكردية لمواجهة عملية تركية

واشنطن: كشفت مجلة “فورين نيوز” الأمريكية، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة دربت عناصر من القوات الكردية لمواجهة احتمال تعرضها لعملية عسكرية بشرق الفرات من قبل تركيا.

ونقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن القوات عملت على بناء شبكة أنفاق بشرق نهر الفرات تحسبا لهجوم تركي محتمل بعد عملية “غصن الزيتون” التي استهدفت التنظيمات الكردية بمنطقة عفرين، شمالي سوريا.

وأضافت أن التنظيمات الكردية كانت  تهدف لحماية نفسها امام العمليات الجوية والصمود أمام الجيش التركي إلى حين وصول قوة تقليدية مثل روسيا على أقل تقدير”.

وأشارت إلى أن الجيش الأمريكي درب عناصر التنظيمات على كيفية التنسيق داخل الأنفاق خلال تدخل تركي عسكري محتمل، إلى جانب تدريبهم على التكتيكات الدفاعية العميقة.

يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد ادعت هدم الخنادق العسكرية في المنطقة الواقعة بين مديني “رأس العين” و”تل أبيض”.

(الأناضول)

——————

البنتاغون تتمسك بمبيعات الأسلحة لتركيا… والتعاون مع المليشيات الكردية

تتحضر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لإعداد استثنناء؛ يضمن عدم تأثر مبيعات الأسلحة بين الولايات المتحدة وتركيا بالعقوبات، في وقت تتمسك بمواصلة التعاون مع المقاتلين الأكراد في “قوات سورية الديموقراطية” (قسد) في الحرب ضد “داعش”.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أمس الثلاثاء، أنّه سيتم إعداد استثنناء؛ لضمان عدم تأثر مبيعات الأسلحة بين الولايات المتحدة وتركيا، بالعقوبات المفروضة على وزارة دفاع الأخيرة.

وجاء ذلك في تصريحات صحافية، أدلى بها مسؤول رفيع المستوى بالوزارة الأميركية، قيّم خلالها العقوبات التي فرضت على تركيا، يوم الإثنين، على خلفية قيامها بشن عملية عسكرية في سورية.

ونقلت وكالة “الأناضول” تصريحات هذا المسؤول، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، مؤكداً أن “وزارة الخزانة تعد حالياً، استثناءً عاماً لم ينته بعد، لعدم تأثر الأنشطة القائمة بين البلدين، بسبب العقوبات، والهدف هنا هو استثناء المبيعات العسكرية، وبنود أخرى من تلك العقوبات”.

ولفت المسؤول إلى ضرورة النظر للاستثناء الذي تعده الوزارة، مضيفاً: “الهدف هو الإبقاء على استمرار العلاقات الدبلوماسية التي تجريها وزارة الخارجية، والأنشطة التي تقوم بها وزارتنا وغيرها من الأعمال الرسمية”.

وأعرب المسؤول عن رغبتهم في إبقاء المباحثات الدبلوماسية مع أنقرة من أجل إيقاف أنشطتها في سورية، مضيفاً: “هذه العلاقة طويلة، أي العلاقات العسكرية، وقوية لدرجة تحتم علينا النظر إلى ما وراء الأزمة القائمة للإبقاء على استمرارها”.

والإثنين، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية، وزراء الدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، ووزارتي الدفاع والطاقة والموارد الطبيعية في لائحة العقوبات.

على خط مواز، أعلن مسؤول في البنتاغون، أمس الثلاثاء، أنّ الولايات المتحدة تريد مواصلة التعاون مع المقاتلين الأكراد في “قوات سورية الديموقراطية” في الحرب ضد “داعش”.

وقال المسؤول، بحسب ما نقلته وكالة “فرانس برس”: “سنرى نوع الدعم الذي يمكننا الاستمرار في تقديمه لقوات سورية الديموقراطية حتى إن لم تعد لدينا قوات في شمال سورية”.

ومنذ أسبوع، يشنّ الجيش التركي عملية عسكرية على “وحدات حماية الشعب”، العمود الفقري لـ”قوات سورية الديموقراطية”، لإبعاد هذه المليشيات الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيمات “إرهابية”، عن الحدود الجنوبية لتركيا.

وفي ظل العملية التركية، أعلنت الولايات المتحدة، سحب كل قواتها من شمال شرقي سورية والبالغ عديدها حوالي ألف عسكري، والإبقاء بالمقابل على حوالى 150 جندياً أميركياً ينتشرون في قاعدة التنف في جنوب سورية على الحدود مع الأردن.

وقال المسؤول الكبير في البنتاغون: “سنحافظ على موقع التنف الذي سيسمح لنا على الأرجح بمواصلة هذه المهمة في الجنوب”.

وأضاف: “قوات سورية الديموقراطية كانت شريكاً مهماً، وأعتقد أنّهم أشاروا إلى استعدادهم لمواصلة القتال ضد داعش في سورية”.

وتابع: “أعتقد أنّه ستكون هناك محادثات حول الطريقة التي يمكننا من خلالها مساعدتهم على مواصلة القتال في سورية”.

وردّاً على سؤال عن انعدام ثقة المقاتلين الأكراد بالولايات المتحدة، بعدما تخلّت عنهم، قال المسؤول في البنتاغون إنّ “العلاقات بين الأكراد والجيش الأميركي لا تزال قوية بما يكفي لمواصلة التعاون بين الطرفين”.

وأضاف: “ما زلنا نتواصل على مستوى عالٍ جداً وتربطهم علاقات قوية جداً بالجيش الأميركي. أعتقد أنّه بإمكاننا الحفاظ على هذه العلاقة”.

————————-

قوات النظام السوري في منبج… ومعارك عنيفة في رأس العين

تركيا تكثف قصف الشمال السوري في اليوم السابع للهجوم

كثّفت القوات التركية قصفها المدفعي، أمس (الثلاثاء)، على رأس العين وسط اشتباكات عنيفة بينها والفصائل الموالية لها مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي ترددت أنباء عن استعادتها السيطرة على رأس العين بالكامل، كما استمر القصف المتبادل على محور منبج في الوقت الذي دخلت فيه قوات النظام المدينة بعد إعلان التحالف الدولي للحرب على «داعش» الانسحاب منها.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل جندي وإصابة 8 بهجوم صاروخي شنته «قسد» من منبج، لافتة إلى أنه تم «تحييد» 15 من مقاتليها ليرتفع عدد من تم تحييدهم من «قسد» إلى 595 مقاتلاً منذ انطلاق عملية «نبع السلام» العسكرية في شرق الفرات في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وأفاد التلفزيون الرسمي السوري بأن وحدات من الجيش انتشرت في مدينة منبج. ونقل عن مصدر عسكري، أن الجيش أصبح على بعد 10 كم عن الجيش التركي بين بلدتي تل تمر ورأس العين، وقد يحدث اشتباك بين الجيشين في أي لحظة، إلا أن موسكو أعلنت أن اتصالات جارية بين الحكومتين التركية والسورية لمنع الدخول في اشتباكات.

وقالت ولاية ماردين التركية الحدودية في بيان، إن مواطنين قتلا جراء سقوط قذائف هاون وقذائف صاروخية أطلقتها قوات «قسد» على قضاء «كيزل تبه»، وأنه تم استهداف المدنيين في حيي تلشليجا وأوتلوك التابعين للقضاء، بقذائف هاون وقذائف صاروخية، وأسفر الهجوم عن مقتل مدنيين اثنين وإصابة 12 آخرين بجروح.

من جانبه، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إن 69 مدنياً قتلوا في القصف المدفعي والجوي والإعدامات الميدانية التي نفذتها القوات التركية والفصائل الموالية لها، وهناك 120 مصاباً من المدنيين، وباتت الأوضاع الإنسانية كارثية بعد تزايد عدد النازحين إلى ما يزيد على 250 ألفاً.

من ناحية أخرى، قال «المرصد» إن «قسد» تمكنت من استعادة مدينة رأس العين القريبة من الحدود مع تركيا بالكامل في إطار هجوم بدأته مساء أول من أمس ضد القوات التركية والفصائل الموالية لها في المنطقة، وإن قوات «قسد»، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، نجحت في السيطرة على المدينة ليقتصر وجود القوات التركية على منطقة معبر رأس العين، كما نجحت في السيطرة على بلدة تل حلف بمحيط رأس العين.

وبدأت قوات النظام دخولها إلى مدينة منبج بالريف الشمالي الشرقي لمدينة حلب، بالتزامن مع استمرار انسحاب قوات التحالف الدولي من المدينة. ورصد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عمليات قصف واستهدافات متبادلة تشهدها محاور بريف منبج، حيث تستهدف القوات التركية والفصائل الموالية لها قرى العسلية وجبل الصيادة والمحسنة والفارات بريف منبج الشمالي الغربي، وسط استهداف من قبل مجلس منبج العسكري وقوات النظام لأماكن انتشارها بريف المنطقة، ومعلومات عن خسائر بشرية بين الطرفين.

وقال التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، إن قواته غادرت مدينة منبج بشمال سوريا، أمس، بعد أن ذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قوات النظام دخلت المدينة.

وقال المتحدث العسكري الكولونيل، ميليس بي كاجينز، على «تويتر»، إن القوات الأميركية تنفذ انسحاباً مخططاً له من شمال شرقي سوريا. ونحن خارج منبج. وقالت وزارة الدفاع الروسية، إن قوات النظام سيطرت سيطرة كاملة على منبج، في حين أعلنت الشرطة العسكرية الروسية أنها تقوم بدوريات على خط التماس بين الجيش التركي وقوات النظام بشمال سوريا.

كانت الفصائل الموالية لتركيا أعلنت أول من أمس أنها بدأت معركة منبج. وقالت في بيان على صفحتها على «تلغرام»، إنها «انطلقت لفتح محور جديد بهدف تحرير مدينة منبج ومحيطها من (قسد) ضمن العملية العسكرية التركية».

وتقع منبج على بعد 30 كيلومتراً من الحدود التركية. وسبق أن انتشرت وحدات من النظام على تخومها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بناءً على طلب كردي أيضاً لردع هجوم لوحت تركيا بشنه آنذاك، إلا أن وجودها كان رمزياً.

وأشار «المرصد السوري» إلى أن رتلاً من قوات النظام كان من المرتقب أن يدخل مدينة عين العرب (كوباني) عاد إلى منطقة منبج بعد رفض القوات الأميركية السماح له بالمرور.

واستكملت قوات النظام انتشارها على محاور في منطقة عين عيسى شمال مدينة الرقة.

وأجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي مايك بومبيو أمس لبحث التطورات الخاصة بالعملية العسكرية التركية والموقف الأميركي منها بعد إعلان عقوبات على عدد من الوزراء الأتراك بينهم وزير الدفاع خلوصي أكار.

وأعلن بومبيو أمس أنه سيزور مقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) لحث الأعضاء على تبني إجراءات ضد تصرفات تركيا» الفظيعة» في سوريا.

من جانبه، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن بلاده عازمة على «تطهير» المنطقة الممتدة من منبج السورية حتى بداية الحدود التركية مع العراق في إطار عملية «نبع السلام» العسكرية.

وقال، في كلمة خلال القمة السابعة لـ«المجلس التركي»، للدول الناطقة بالتركية بالعاصمة الآذرية باكو أمس، «خلال فترة قصيرة سنؤمّن المنطقة الممتدة من منبج حتى بداية حدودنا مع العراق بعمق 32 كيلومتراً وعرض 444 كيلومتراً، لضمان عودة طوعية لمليون سوري إلى منازلهم في المرحلة الأولى ومليوني سوري في المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن العملية العسكرية طهرت حتى صباح أمس (الثلاثاء) مساحة نحو ألف كيلومتر مربع من عناصر الوحدات الكردية.

وفي مقال لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية نشر أمس، قال إردوغان إن «عملية نبع السلام تقدم للمجتمع الدولي فرصة لإنهاء حالة الحرب بالوكالة في سوريا وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة وعلى الاتحاد الأوروبي والعالم دعم الخطوات التي تقوم بها تركيا». وتابع: «سنعمل على ضمان عدم مغادرة مقاتلي (داعش) شمال شرقي سوريا، ومستعدون للتعاون مع الدول التي ينتمي لها الإرهابيون والمؤسسات الدولية لإعادة تأهيل زوجاتهم وأطفالهم».

في غضون ذلك، قال مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إن تركيا يمكن أن تقع تحت طائلة القانون الدولي، بسبب عمليات الإعدام التي قد تكون أنقرة مسؤولة عنها بحكم القانون الدولي بما فيها التي نفذتها القوات الموالية لها بحق المقاتلين الأكراد وبحق السياسية الكردية هفرين خلف التي قتلها مسلحون موالون لتركيا في كمين على طريق بشمال سوريا السبت الماضي.

——————–

أردوغان يُفاجئ وفد ترامب القادم إلى أنقرة بهذا القرار

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، أنه لن يلتقي نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو، أثناء زيارتهما المتوقعة للعاصمة التركية أنقرة.

وقال أردوغان: إن “زيارته إلى الولايات المتحدة هو موضوع سيتم تقييمه بعد المباحثات مع الوفود الأمريكية التي ستأتي إلى تركيا، لأن النقاشات والمفاوضات والخطابات التي جرت في الكونغرس حول شخصي وأسرتي والوزراء تعد إساءة كبيرة جداً للدولة التركية وتجاوزاً للحدود”، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب).

وأشار إلى أن “بنس” سيلتقي نظيره التركي، في إشارة إلى فؤاد أقطاي نائب أردوغان.

وأمس الثلاثاء، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن نائبه ووزير خارجيته سيتوجهان، الأربعاء، إلى تركيا للتفاوض مع رئيسها أردوغان حول الوضع في شمال شرق سوريا.

ونقلت قناة “سي بي إس” أن ترامب كلف بنس وبومبيو بإنجاح المفاوضات مع أردوغان بشأن تحقيق وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا.

————————–

تفاهمات دولية تعقد المشهد.. من سيظفر بــ”كعكة” منبج؟

يبدو أن التفاهمات الدولية غير المعلنة بما يخص مناطق شرق الفرات شمالي سوريا هي التي تحاول أن تفرض الأمر الواقع في سير عملية “نبع السلام” التركية، والتي اتجهت قواتها بصحبة فصائل سورية معارضة إلى غرب الفرات نحو مدينة منبج وعين العرب (كوباني).

ويبدو أن الضغوط الأمريكية الأوروبية من جهة، والروسية الإيرانية من جهة أخرى، على تركيا لم تثنها عن متابعة العملية، التي تسير ضمن أهداف محددة في مناطق شرق الفرات، لكن دخول نظام الأسد على الخط واقترابه من الحدود السورية التركية يعد تحولاً كبيراً، ويذكر بما حدث أثناء عملية غصن الزيتون عام 2018 عندما استعانت الوحدات الكردية بمليشيات تابعة لنظام الأسد لكنها انسحبت على وقع الاستهداف التركي لها.

عودة النظام إلى ريف حلب

ورغم إعلان إعلام نظام الأسد أن قواته دخلت إلى مدينة منبج ضمن تعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تمثل الوحدات الكردية قوتها الضاربة، فإن الأنباء تشير إلى أن قوات من المليشيات الكردية هي من دخلت إلى مناطق النظام ورفعت علمه لإيهام الأتراك بدخول النظام إلى منبج.

وذكرت وسائل إعلام محلية معارضة، يوم الثلاثاء (15 أكتوبر 2019)، أن “القوات التي دخلت مدينة منبج بريف حلب الشرقي، تتبع للوحدات الكردية ولا علاقة لها بقوات النظام”.

وقالت شبكة “نيوز بلدي” السورية عن مصادر (لم تسمها): إن “الرتل الذي دخل منبج؛ قدم من حي الشيخ مقصود في حلب، حيث اشترط النظام لقبول عبوره من العريمة رفع أعلامه لإظهار دخوله إلى منبج”.

ويوم الثلاثاء أعلن “الجيش الوطني السوري”، الذي يشارك تركيا في عملية “نبع السلام”، أنه ينوي التقدم نحو مدينة منبج، مؤكداً أن من دخلها هم مقاتلون أكراد وليسوا تابعين لقوات النظام.

وقالت وكالة رويترز، نقلاً عن المتحدث باسم ” الوطني السوري”، يوسف حمود، أنّ “معظم القوات التي دخلت منبج هي من المقاتلين الأكراد القادمين من حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب”.

وأردف حمود أنّ “القوات التي دخلت إلى منبج يحكى أنها قوات نظام، لكن غالبيتها من عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، مضيفاً أن قواته “ستواصل التقدم صوب منبج على الرغم من الإعلان عن دخول النظام إليها”.

    الدبابة الأولى كانت غنيمة في ريف منبج

    والثانية مازالت تحترق بالقرب من عين عيسى

    — الرائد يوسف حمود (@Yusuf1975hamoud) October 15, 2019

وفي إطار التأكيد التركي أن ملف منبج منتهٍ، وأن دخولها مسألة وقت لا أكثر، ذكرت شبكة “نداء سوريا” المحلية، يوم الثلاثاء (15 أكتوبر 2019)، أن “اجتماعاً بدأ بين مسؤولين أتراك وروس في منطقة (عون الدادات) شرق محافظة حلب للتباحث حول ملف مدينة منبج”.

وأضافت الشبكة أن “رتلاً عسكرياً تركياً يضم صواريخ ومدرعات عسكرية اتجه من مدينة جرابلس بمناطق درع الفرات شرق حلب إلى تخوم مدينة منبج الواقعة شمالها”.

وفي إطار ذلك قال الباحث السياسي فراس فحام، في حديث خاص لموقع “الخليج أونلاين”: إن “دخول قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة منبج (إن حصل) ما كان ليحدث لولا الانسحاب العسكري الأمريكي من القواعد المحيطة بمنبج، ويبدو أن واشنطن أرادت من هذه الخطوة جعل تركيا في صدام ومواجهة مباشرة مع الروس”.

وأضاف فحام أن “الاجتماع الأخير الذي شهدته قاعدة (عون الدادات) شرق حلب بين الروس والأتراك للتفاوض حول مستقبل منبج من الواضح أنه لم يخرج بتفاهمات حول مستقبل تلك المنطقة”.

الصدام مع قوات الأسد

ورغم الأنباء المتضاربة في ماهية القوات التي سيطرت على مدينة منبج فإن وزارة الدفاع الروسية أعلنت، يوم الثلاثاء (14 أكتوبر 2019)، أن قوات النظام باتت تسيطر بشكل كامل على مدينة منبج.

وأضافت الوزارة في بيان لها أن “الشرطة العسكرية الروسية تسير دوريات على طول خط التماس شمال غرب منبج، وأن القوات الأمريكية غادرت منبج باتجاه الحدود السورية العراقية”، مبينة أن القوات الروسية والجيش التركي ينسقان التحركات العسكرية حول منبج.

بدوره قال الائتلاف الوطني السوري في تغريدة على حسابه بمنصة “تويتر”، يوم الثلاثاء: إن “مقاتلات حربية تستهدف رتلاً عسكرياً لنظام الأسد قرب قرية العسلية بريف منبج وتدمر الرتل بشكل كامل”، دون ذكر تفاصيل أخرى.

من جانبه قال مصدر من النظام السوري: إن “أكثر من 7 عربات زيل مليئة برجال الجيش العربي السوري احترقت بالكامل؛ جراء استهداف طيران مجهول لرتل عسكري قرب منبج”.

لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال للصحفيين في رحلة عودته من العاصمة الأذرية “باكو”، يوم الثلاثاء (15 أكتوبر 2019): إنّ “المحادثات مع واشنطن وموسكو بشان مدينتي كوباني ومنبج في سوريا مستمرة”، مضيفاً أنه “ليس سلبياً أن تدخل قوات نظام الأسد منبج ما دام المسلحون الأكراد قد خرجوا من المنطقة”.

وقال أيضاً إنه أبلغ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن تركيا “لن تتفاوض مع منظمة إرهابية”، رداً على عرض الرئيس ترامب الوساطة.

ويرى الباحث فراس فحام أنّ “حصول أي صدام بين تركيا وجيش النظام مرتبط بوجود تفاهمات بين تركيا وروسيا، ففي حال سحبت روسيا الغطاء عن المليشيات التابعة للنظام وأصرت الأخيرة على دخول مناطق متفاهم عليها بين أنقرة وموسكو فمن الممكن استهدافها، كما حصل في منطقة عفرين في العام الماضي؛ عندما حاولت قوات النظام خرق الاتفاقات الروسية التركية ودخلت إلى عفرين من أجل تأمين مواقع وحدات الحماية، ولكن الطيران التركي تعامل معها وأرغمها على الانسحاب”.

وأشار إلى أنّ “المسألة مرتبطة بوجود غطاء روسي لتحركات النظام في مناطق شمال سوريا، أو أن هذه التحركات جاءت بدفع إيراني أو من قبل نظام الأسد وحده”.

واعتبر الباحث السوري أن “الخاسر الأكبر من عملية نبع السلام هو وحدات الحماية الكردية؛ إذ خسرت مشروعها الذي عملت عليه سنوات طويلة بدعم من الولايات المتحدة؛ خاصة في حال تمكنت القوات التركية من دخول منطقة عين العرب، وبذلك دقت المسمار الأخير في نعش مشروع المسلحين الأكراد كما دخلت عفرين في وقت سابق، والآن دخلت رأس العين وتل أبيض”.

وقال: إن “ما حصل سيمكن القوات التركية والجيش الوطني السوري المتحالف معها من إنشاء حواجز بشرية تمنع الوحدات من إعادة وصل (الكانتونات) الانفصالية في الجزيرة السورية وصولاً إلى ريف حلب الشمالي فعفرين”.

وكانت المليشيات الكردية قد سيطرت على مدينة منبج (مدينة عربية بالكامل) منتصف أغسطس عام 2016، بعد معارك مع تنظيم “داعش” الذي انسحب من المدينة بعد اتفاق مع المقاتلين الأكراد.

وتواجه أنقرة ضغوطاً كبيرة لإيقاف عمليتها العسكرية في شرق الفرات، والتي امتدت حالياً إلى مناطق في غربه، وهو ما عرضها لعقوبات أمريكية وأخرى قد تكون قادمة في الطريق إذا ما استمرت فيها، ولكن يبدو أنها لن توقف العملية قبل إتمام أهدافها أو الحصول على أكبر قدر منها.

وفي إطار ذلك، ذكرت وكالة الأناضول أنّ الجيش الوطني السوري أرسل تعزيزات عسكرية للقوات المشاركة في “نبع السلام”، تضمنت مقاتلين وذخائر وآليات حفر، بالإضافة إلى 1000 مقاتل من قوات النخبة التركية أُعلن عنهم في وقت سابق، توجهوا جميعاً نحو منبج.

وذكرت قناة “إن تي في” التركية أن الرئيس أردوغان أبلغ نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، بأن تركيا “لن تعلن مطلقاً وقف إطلاق النار في شمال سوريا، وأنه ليس قلقاً من العقوبات الأمريكية على أنقرة بسبب الهجوم”.

وحول العقوبات الأمريكية على تركيا قال فحام: إنها “جاءت من الرئيس دونالد ترامب لامتصاص الضغط الداخلي الهائل من تيارات مختلفة، خاصة في الكونغرس، الذي يحاول أن يصعد ضد تركيا بعد شن العملية العسكرية من كلا الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي”.

وبيّن أن “ترامب يحاول أن يقود هو العقوبات ويضبط إيقاعها ويفرغ مساعي الكونغرس من مضمونها، ويبدو أيضاً أن هناك تجاوزات من قبل تركيا للتفاهمات مع واشنطن عندما توجهت إلى منبج وبدأت تحشد قرب عين العرب؛ إذ يبدو أن هذا لم يكن متفقاً عليه مع الأمريكيين، وهناك تغيرات حصلت على أرض الواقع، ما دفع واشنطن لتصعيد لهجتها مؤخراً”.

ولفت إلى أن “تركيا استطاعت فرض أمر واقع في مناطق شمال سوريا، وهي تدرك أنه من الصعب أن تسيطر على المناطق التي فيها القوات الأمريكية والوحدات الكردية، ولكن بدخولها إلى تلك المناطق استطاعت أن تفرض رؤيتها هناك، وأصبحت في موقف تفاوضي أكبر”.

ولفت إلى أنه “من الممكن في قابل الأيام أن يعود الهدوء إلى المنطقة، وتستأنف المفاوضات بين أنقرة وواشنطن من أجل التباحث بخصوص المنطقة الآمنة ومستقبل الوحدات الكردية”.

وكانت الفصائل الكردية أعلنت، الأحد (13 أكتوبر)، توصلها إلى اتفاق مع النظام السوري ينص على انتشار جيش الأسد على طول الحدود مع تركيا.

وأطلقت تركيا، الأربعاء (9 أكتوبر)، عملية عسكرية سمَّتها “نبع السلام”، شرقي نهر الفرات بالشمال السوري، قالت إنها تسعى من خلالها إلى تحييد المليشيات الكردية الانفصالية على حدودها مع سوريا، إضافة إلى القضاء على فكرة إنشاء كيان كردي بين البلدين، وإبقاء سوريا موحدةً أرضاً وشعباً.

إضافة إلى ذلك تُمني تركيا النفس بإقامة منطقة آمنة تُمهد الطريق أمام عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ديارهم وأراضيهم بعد نزوح قسري منذ سنوات، وتغيير ديمغرافي طال تلك المنطقة بعد سيطرة المليشيات الكردية عليها.

—————

عملية “نبع السلام”.. أردوغان يعلن شروط إنهاء القتال

وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأربعاء شروطا لوقف القتال في شمال سوريا، وقال إن عملية “نبع السلام” العسكرية مستمرة حتى تحقيق أهدافها. وقد أصدرت كل من موسكو وطهران بيانا جديدا، في حين يتوقع أن يبحث مجلس الأمن تلك العملية في وقت لاحق اليوم.

العملية مستمرة

وفي خطاب في كلمة أمام نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم، قال أردوغان إنه لا يمكن لأي قوة وقف العملية التي تشنها قواته في سوريا قبل أن تحقق أهدافها.

وأضاف أن تلك العملية ستنتهي عندما تكمل تركيا “إقامة المنطقة الآمنة” من منبج حتى الحدود مع العراق.

وخاطب المنتقدين قائلا “إذا كنتم تريديون رؤية مجازر ضد المدنيين، انظروا إلى قبرص قبل التدخل التركي، وإلى فلسطين حيث يقتل فيها المسلمون بالشوارع عمدًا”.

كما حث أردوغان المقاتلين الأكراد على إلقاء السلاح والانسحاب من الحدود التركية. واستبعد أي محادثات معهم، منتقدا وساطة أميركية بهذا الخصوص.

وشدد على أن أسرع حل للقضية السورية هو أن يلقي جميع المسلحين أسلحتهم وينسحبوا خارج “المنطقة الآمنة” بشمال سوريا الليلة.

موقف روسي

قال الكرملين اليوم الأربعاء إن العملية العسكرية التركية يجب ألا تضر بالعملية السياسية في سوريا.

وفي ذات الوقت، أوضح المتحدث باسم الكرملين أن موسكو تحترم في الوقت نفسه حق تركيا في الدفاع عن النفس.

تصريح إيراني

قال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي إن بلاده تدرك قلق تركيا بشأن تأمين حدودها الجنوبية، لكنها لا ترى أن العمليات العسكرية هي الحل.

وأضاف ربيعي -في تصريح صحفي- أن الأحداث الأخيرة أثبتت أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة، معربا عن قلق بلاده بشأن أمن الأكراد في شمال سوريا.

وقال كذلك “نرى أن الحل الوحيد لضمان الأمن في شمال سوريا هو استقرار الجيش السوري في هذه المنطقة ومواصلة مسار أستانا وايجاد مناطق خفض التوتر. إيران مستعدة للمساهمة في ذلك”.

مجلس الأمن

وفي ذات السياق، يبحث مجلس الأمن الدولي اليوم العملية التركية، وكان من المقرر عقد الاجتماع اليوم حيث طلبت ألمانيا مناقشة الهجوم على سوريا.

 وكان المجلس قد بحث الخميس الماضي ما سماه الهجوم التركي على سوريا خلف أبواب مغلقة، إلا أنه فشل في الاتفاق على بيان مشترك.

 وفي أعقاب الاجتماع، دعت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إلى وقف العملية التركية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————-

التحالف الدولي ينسحب من منبج ويمنع قوات النظام من دخول عين العرب

أعلنت قوات التحالف الدولي -الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية- انسحابها من مدينة منبج، وقالت إنها تنفذ انسحابا مدروسا من شمال شرقي سوريا.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن قوات النظام السوري سيطرت على ألف كيلومتر مربع حول المدينة.

وكانت مصادر محلية قالت للجزيرة إن عربات للشرطة العسكرية الروسية دخلت المدينة الواقعة في ريف حلب الشرقي، والتي كانت تخضع لسيطرة ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية الكردية.

وأضافت المصادر نفسها أن نحو ثماني عربات عسكرية أميركية تمركزت على طرفي جسر “قرة قوزاق” في ريف منبج الشرقي، وذلك لمنع قوات النظام من الانتقال إلى مدينة عين العرب (كوباني) شرق نهر الفرات.

وقالت أيضا إن التمركز الأميركي على الجسر جاء بعد تمركز نقاط للنظام السوري في ريف منبج الشرقي على الجهة المقابلة للقوات الأميركية على نهر الفرات. كما نشر النظام قوات له في ريف منبج الشمالي.

يُذكر أن جسر “قرة قوزاق” يبعد عن مدينة عين العرب (أهم معاقل “قوات سوريا الديمقراطية” شرق الفرات) نحو 25 كيلومترا.

استعراض القوة

وعلى صعيد متصل، قال مسؤول أميركي إن طائرات عسكرية تابعة لبلاده حلقت في استعراض للقوة في سوريا لتفريق قوات مدعومة من تركيا قرب جنود أميركيين، حسب قوله.

من جهته، أعلن المتحدث باسم الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي أحمد سليمان أن “قوات سوريا الديمقراطية” ستدخل مع الجيش السوري في آلية أمنية مشتركة، في إطار صفقة مع دمشق.

وقال سليمان إن مقاتلي “سوريا الديمقراطية” لا يحتاجون إلى سحب عناصرهم من المناطق الواقعة في شمال البلاد والتي ما زالت تحت سيطرتهم.

وفي وقت سابق، أعلنت قوات المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على 11 قرية في محيط تل أبيض ورأس العين شرق الفرات شمالي البلاد.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————-

بيان إلى الرأي العام عن مجلس سوريا الديمقراطية

لقد تمادى الجيش التركي في إجرامه لينسحب من الآلية الأمنية التي رسمها الاتفاق معه وتم تنفيذها من قوات سوريا الديمقراطية مابين تل أبيض ورأس العين . لقد تبينت النوايا العدوانية التركية والسعي لاحتلال مناطق جديدة منذ الإعلان عن عمليات قتالية على شمال وشرق سوريا بهدف تهجير سكانها الأصليين وإسكان عوائل المرتزقة التابعين له من مختلف المحافظات السورية، ساعياً لتغيير ديمغرافي والتحكم بمصير اللاجئين والتلاعب بهم لإعادة المشروع العثماني والميثاق المللي واستمرار الابتزاز عبر المأساة السورية. وقد شن الاحتلال التركي هجماته على عدد من القرى الآمنة وقصف المدن الحدودية مستخدماً المدفعية والطيران الحربي، وإدخال المرتزقة من عملائه، وتحريض الخلايا النائمة التي زرعها منذ اقتلاع داعش في مناطقنا، مخلفاً الكثير من الدمار والخراب وموقعاً عشرات الشهداء المدنيين ومئات الجرحى و استهدافه لجموع المدنيين العزل دون أي وازع، فضلاً عن نزوح مئات الآلاف من مدنهم وقراهم نتيجة القصف التركي العشوائي على الأحياء والقرى الآهلة بالسكان مستغلا الظروف الدولية الطارئة وتخاذل المجتمع الدولي.

لم يكن مفاجئاً حجم التضامن الكبير الذي أبدته دول ومجتمعات ونخب وأوساط سياسية مهمة حول العالم مع المقاتلين والمقاتلات في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ووقوفهم إلى جانب القوات في معركتها ضد العدوان التركي. ورحبنا بهذه المواقف، كالموقف الاوربي وموقف جامعة الدول العربية الرافض للتدخل التركي، ودور مصر التي استقبل وزير خارجيتها وفداً من قيادة مجلس سوريا الديمقراطية.

وفي الوقت الذي أعطينا الفرصة لإيجاد مخرج وحل دبلوماسي فإن كل ساعة تمضي كان يرتقي فيها المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين، وكل ما صدر من مواقف إيجابية لم تردع الجيش التركي المستمر في ارتكابه المجازر بحق المدنيين.

من هنا فإننا في مجلس سوريا الديمقراطية نرى بأن قوات سوريا الديمقراطية قد أبدت كل الالتزام تجاه مهام رئيسية جسيمة في حماية المدنيين، وحماية سجون ومخيمات الدواعش من الفوضى والفلتان، والدفاع عن الحدود السورية ضد الاحتلال التركي. وجاءت مذكرة التفاهم مع الجيش الروسي في سوريا حول التنسيق مع قوات الحكومة السورية بغرض حماية الحدود السيادية لسوريا كخطوة ضرورية لدرء العدوان التركي، وتمهيد الأرض لإيجاد مزيد من التفاهمات حول القضايا الأمنية والإدارية لاحقاً.

مجلس سوريا الديمقراطية يؤكد تمسكه بموقفه الثابت المناهض للاحتلال التركي وأن الأولوية هي لمقاومة هذا الاحتلال، كما يؤكد أن أحد أسباب استمرار الأزمة في سوريا كان الإصرار على الخيار العسكري وعدم إعطاء الفرصة للحوار السوري الداخلي وأن الحوار يجب أن يطلق بين السوريين وأن يستمر حتى إنهاء كافة التهديدات ضد سوريا وشعبها.

كما أن مجلسنا يؤكد بأن النظام التركي يستمر بالتلاعب بمصير السوريين واستخدام اللاجئين في تركيا كورقة للضغط على أوربا لتحقيق أجنداته ويسعى للتلاعب بورقة داعش لاحقاً. ولذلك فإننا نؤكد أن المجتمع الدولي مازال مطالباً بالقيام بواجباته الأخلاقية والإنسانية تجاه السوريين وأزمتهم، عبر ممارسة المزيد من الضغوط لوقف العدوان التركي، و إيجاد حل سياسي نهائي للأزمة السورية ينهي السياسات الإقليمية والدولية المتناقضة التي أنهكت الشعب السوري، والتي تهدد وحدة سوريا بالانقسام والتفتت .

إننا سنعمل بكل الوسائل والسبل على الدفاع عن أرضنا، وعلى استمرار الحوار للوصول إلى تفاهمات ترضي شعوبنا في تحقيق الحرية والكرامة وبناء الدولة المستقرة الواحدة والنظام الديمقراطي الذي يحقق العدل والسلام.

مجلس سوريا الديمقراطية

16 نشرين الأول 2019

———————–

=========================

مقالات

العملية التركية تنهي أسبوعها الأول

تدخل العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا أسبوعها الثاني اليوم، وكانت الحصيلة الميدانية لأسبوعها الأول سيطرة الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له على مدينة تل أبيض شمال محافظة الرقة على الحدود مع تركيا، بالإضافة إلى عشرات القرى والبلدات في محيط مدينتي تل أبيض ورأس العين/سري كانييه وعلى طول الشريط الحدودي الواصل بينهما، وصولاً إلى أجزاء واسعة من طريق الحسكة حلب الدولي في عمق الأراضي السورية على بعد نحو 30 من الحدود.

وتستمر المعارك متفاوتة العنف على جبهات عديدة أبرزها جبهة مدينة رأس العين، التي تمكن مقاتلو قسد من استعادة السيطرة عليها بعد أن كان مقاتلو «الجيش الوطني» المدعومين من أنقرة قد سيطروا على أجزاء واسعة منها في وقت سابق، بالإضافة إلى معارك على محور تل هوشان المؤدي إلى مدينة عين عيسى جنوب تل أبيض، ومعارك على الطريق المؤدي إلى مدينة تل تمر جنوب رأس العين.

على الجانب الإنساني، أسفرت العملية العسكرية التركية عن عشرات الضحايا المدنيين حتى الآن، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عددهم بلغ حتى يوم أمس 71 شخصاً، فيما أسفر القصف المضاد الذي نفذته قوات سوريا الديمقراطية على مناطق تقع تحت سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة في ريف حلب، وعلى عدة مدن في الأراضي التركية، أبرزها نصيبين وأغجا قلعة، عن عشرات الضحايا والجرحى في صفوف المدنيين أيضاً. كذلك تتصاعد حركة النزوح من مناطق عدة جراء الحملة العسكرية، حتى تجاوز عدد النازحين ربع مليون نسمة حتى مساء أمس بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتعيش أعداد كبيرة منهم ظروفاً بالغة الصعوبة نتيجة غياب الدعم والاستجابة الأولية الطارئة.

بالتزامن مع هذه العمليات، بدأت واشنطن منذ يومين عمليات انسحاب واسعة من الشمال السوري، إذ انسحبت القوات الأميركية المتمركزة في مدينة منبج، لتدخل إليها قوات تابعة للنظام السوري بموجب اتفاق مع قيادة قسد. وتتحدث تسريبات عن أن هناك مفاوضات بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري برعاية روسية، بهدف تسليم جميع جبهات ومناطق سيطرة قسد لقوات النظام السوري. وليس ثمة ما يؤكد أن هذا الاتفاق قد أُنجز فعلاً، غير أن مواصلة القوات الأميركية لانسحابها سيجعله أمراً مرجحاً في الأيام القادمة، وهو ما يؤكده انتشار قوات النظام السوري في عدة مناطق، من بينها منبج ومحيطها، واللواء 93 قرب عين عيسى وسط محافظة الرقة، وبلدة تل تمر ومحيطها شرق محافظة الحسكة، ومواقع عسكرية قرب مدينة الطبقة وسد الفرات.

وليس مؤكداً بعد مدى الانسحاب الأميركي من المنطقة، وما إذا كان سينتهي إلى انسحاب كامل من الشأن السوري ميدانياً وسياسياً، إذ تواصل الولايات المتحدة محاولاتها لضبط الأوضاع، من خلال الضغط على الجانب التركي لوقف إطلاق النار، وهو ما رفضه الرئيس التركي يوم أمس بشكل قاطع؛ وكذلك من خلال إظهارها تشدداً بخصوص دخول قوات الأسد إلى مناطق بعينها مثل كوباني، في الوقت الذي مرت فيه أرتال القوات الأميركية إلى جانب الشاحنات التي تنقل عناصر قوات النظام المتجهين نحو منبج. وفي هذا السياق، كان رتل تابع لقوات النظام قد تعرض لقصف من قبل طيران مجهول قرب قرية العسيلة بريف منبج، كما أن قوات التحالف الدولي تواصل تأكيد حضورها في ريف دير الزور بالنيران، من خلال الغارات المتكررة على ميليشيات مرتبطة بإيران هناك.

ولكن يبقى أن الاتجاه العام يشير إلى أن ترامب مصرّ على مغادرة سوريا نهائياً، وهو ما يواجه ممانعة من قبل دوائر في البنتاغون والكونغرس الأميركي، ومن حلفاء واشنطن الرئيسيين في التحالف الدولي، وخاصة بريطانيا وفرنسا اللتين أعلنتا مواقف أكثر حزماً من العملية التركية، لكن مسؤولين فيهما تحدثوا في الوقت نفسه عن أن الدولتين قد تسحبان عناصرهما من سوريا أيضاً قريباً. وقد دعا وزير الخارجية الفرنسي إيف لوديريان إلى اجتماع للدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، لمناقشة الخلافات بين الأوروبيين والولايات المتحدة حسب ما صرح الوزير الفرنسي.

موسكو من جهتها قالت إنها منعت حدوث اشتباكات بين القوات التركية وقوات النظام السوري التي بدأت تنتشر على مقربة من مناطق المعارك، ولا يبدو حتى اللحظة أن هناك خطة لسيطرة النظام السوري بشكل كامل على مناطق سيطرة قسد التي انسحبت منها القوات الأميركية بشكل مفاجئ تاركة إياها تحت رحمة العمليات التركية، كما أن النظام لا يملك لوحده قوات كافية للسيطرة على مناطق واسعة كهذه، وهو ما يفتح الباب على تفاهمات محتملة بين نظام الأسد والجانب التركي برعاية روسية.

وبخصوص هذه المسألة، قال الرئيس التركي للصحفيين خلال عودته من باكو عاصمة أذربيجان يوم أمس إن «دخول النظام إلى منبج ليس تطوراً سلبياً جداً بالنسبة لنا. لماذا؟ لأنها أرضهم»، ويلتقي هذا التصريح بشكل أو بآخر مع ما قاله يوسف الحمود، الناطق باسم «الجيش الوطني» المعارض المدعوم من أنقرة، عندما تحدّث عن أنه «لا وجود لعناصر تابعة للنظام في منبج، بل قام عناصر قوات سوريا الديموقراطية بتغيير بدلاتهم ورفع علم النظام»، وهو ما يعني أن هذه القوات ليست بصدد الاشتباك مع قوات النظام حال تأكدها أن هذه القوات ليست تابعة لقسد.

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تتفاعل قضية الانتهاكات والإعدامات الميدانية التي ارتكبتها قوات سورية مدعومة من تركيا في سياق العملية، ومن بينها إعدام السياسية الكردية هيفرين خلف، التي تم توجيه الاتهام للفصائل الموالية لتركيا بتصفيتها منذ لحظة اغتيالها، غير أن أياً من هذه الفصائل لم يعلّق على الأمر حتى يوم أمس، بعد أن حصلت صحيفة الواشنطن بوست على معلومات حول اغتيالها، وبعد أن انتشر تسجيل مصور يظهر إعدامها ميدانياً على يد فصيل «أحرار الشرقية» المشارك في العملية التركية.

وفي تعليقه على هذه المعلومات، قال حسان الشامي الناطق باسم «أحرار الشرقية»، إن هيفرين لم تكن سياسية بل «جاسوسة أميركية»، وأضاف: «نشارك في أحرار الشرقية وفصائل الجيش الوطني السوري الأخرى في عملية نبع السلام مع الإخوة الأتراك. الهدف من هذه العملية هو محاربة الإرهاب (…) إذا وجدنا إرهابياً أو جاسوساً، ماذا تتوقع منا أن نفعل؟». وتأتي هذه التصريحات لتؤكد مسؤولية هذه المجموعة عن ارتكاب جريمة قتل السياسية السورية الكردية، كما أن العبارات التي استخدمها الشامي لتبرير هذه الجريمة تؤكد مسؤولية الفصيل الكاملة عنها وليس مسؤولية عناصر فيه فقط، ومن ثم مسؤولية قيادة «الجيش الوطني» الذي يتبع له هذا الفصيل.

يبدو أن استمرار المسار الحالي للأحداث سيقود إلى اقتسام السيطرة على الجزيرة السورية بين تركيا والقوات السورية الموالية لها من جهة، وبين النظام السوري وحلفائه من جهة أخرى، مع بقاء قوات سوريا الديمقراطية في بعض المناطق تحت رعاية روسية ريثما يتم الاتفاق النهائي على مصيرها. غير أن الوصول إلى هذه النتيجة ليس محسوماً بعد، خاصة في مناطق الكثافة الكردية في محافظة الحسكة حيث يُحتمل أن تواجه القوات التركية مقاومة أكثر شراسة، وفي مناطق ريف دير الزور الخاضعة لسيطرة قسد، التي قد لا ترغب الولايات المتحدة بمغادرتها خشية وقوعها تحت سيطرة ميليشيات إيرانية، والتي خرج أهلها في مظاهرات اليوم رافضين لدخول قوات النظام إليها.

موقع الجمهورية

——————

التدخلات الأجنبية والمصير السوري/ برهان غليون

فجرت الحرب الجديدة التي أعلنتها الحكومة التركية، مدعومة بفصائل من “الجيش الوطني” السوري، في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ضمانا للأمن القومي التركي وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ضد قوات الحماية الشعبية، فجّرت ما كان يجري خفيةً من نزاع عميق على الأرض والموارد ومستقبل النظام السياسي ومصير البلاد بين السوريين أنفسهم. فخرجت النفوس عن طورها، وبرز خطاب الكراهية والعنصرية، كما لم يشهده المجتمع السوري في أي وقت، ليس بين النخب الكردية والعربية فحسب، وإنما بين أصحاب المواقف المختلفة من الكرد والعرب على السواء، وتفاقم العداء في صفوفهم، ربما أكثر مما تجلّى ضد المتدخلين الخارجيين.

لا يمكن لوطني، كائنا ما كان دينه وعقيدته، أن يوافق على تدخل قوى أجنبية في بلده، مهما كانت أسبابه وادّعاءاته، ولا يمكن لأي تدخلٍ أجنبي، دعما لهذا الطرف أو ذاك، أن يكون مفيدا للسوريين، أو أن يخدم مصالحهم. وليس هناك اليوم أي متدخلٍ دوليٍّ يدّعي حرصه على مصالح السوريين. والترك، مثل الأميركيين والإيرانيين والروس والأوروبيين وغيرهم، لا يخفون دوافع تدخلاتهم القومية، الأمنية أو السياسية. ومن هذه الزاوية، جميع التدخلات الخارجية مدانة من دون تحفظ، ولا يوجد أي سبب تخفيفي لأي منها.

(1)

البقاء عند الإدانة لا يوقف التدخلات الأجنبية، بل ربما عمّق من الخلاف بين السوريين، وزاد بالعكس من حاجة أطرافهم المتنازعة إلى مزيد منها، في غياب الحلول الذاتية المتفاوض عليها لحروبهم المستمرة. وقد وصلت بهم الحال اليوم إلى نقطةٍ لم يعد فيها أملٌ لطرفٍ في الحفاظ على ما تبقى له من رهاناتٍ إلا في الارتماء على طلب الحماية الخارجية، والقبول بالعمل تحت إمرة هذه الدول الأجنبية، وفي خدمتها، بما يعنيه ذلك من تقديم مزيدٍ من التنازلات لها على حساب مستقبل سورية وسيادتها واستقلالها ومصالحها الوطنية.

ليست متلازمة الانقسام والتدخل حكرا على الحالة السورية، إنما هي قاعدة عامة، يمكن معاينتها في كل المجتمعات المنقسمة على نفسها، فكما يغذّي الشقاق الداخلي الطلب على الحماية الخارجية، تغذّي التدخلات الأجنبية الانقسام بين السوريين وتعمّقه، فهي تراهن على تأجيج الخلافات الداخلية، السياسية والمذهبية والأقوامية، لتوسع نفوذها وتعزّز دورها.

ليس من المبالغة القول إن جميع الأطراف السورية قد اعتمدت التدخل الأجنبي سلاحا رئيسيا في رهانها لربح الحرب ضد الأطراف الأخرى. وكان أولها النظام الحاكم الذي فتح أبواب التدخل الإيراني والروسي على مصراعيه، على أمل أن يقضي على ثورة الشعب، ويُحبط إرادته التحرّرية، وحقه في المشاركة في تقرير مصير البلاد وسياساتها. كما لعب الرهان على التدخل الدولي ضد نظام الأسد أيضا دورا رئيسا في إضاعة بوصلة الانتفاضة السلمية السياسية، وتشتيت جمهورها. ولم تشذ النخب الكردية التي اختارت، منذ البداية، طريق العمل المنفرد والأجندات القومية ضد مشروع الديمقراطية السورية عن هذا الموقف. وشجع دعم الدول الأجنبية الأطراف السورية المتنازعة على التطرّف في المواقف، واحدتها تجاه الأخرى، وساهم في قتل روح الحوار أو البحث عن حلول سياسية تفاوضية. وكانت نتيجة ذلك تجذير الانقسام بين القوى السورية وفرض الوصاية العملية عليها، قبل التخلي المفاجئ عن دعمها وتركها لمصيرها، من دون قدرة على الحسم العسكري أو التفاهم السياسي. حصل هذا مع فصائل الثورة السورية، ويحصل اليوم مع الإدارة الذاتية الكردية، أما الأسد فقد تحوّل إلى مجرّد واجهة لسلطات الاحتلال الأجنبية.

(2)

ليست هناك أي حتمية في الاحتراب بين الطوائف والقوميات والأجناس، لا في بلادنا ولا في أي بلاد أخرى. يرتبط الأمر بتصوّرنا لمصالحنا ومصالح الآخرين، ومعايير تعاملنا مع هذه المصالح الذي يعكس أيضا معاييرنا الأخلاقية وقواعد تفكيرنا القانونية والسياسية. وليس هناك أيضا أي سببٍ، ولا أي دافع، ولا أي مصلحة، تفسر التدهور الخطير الذي شهدته في السنوات الأخيرة، بعد الثورة، العلاقات بين العرب والكرد السوريين. وليس من الصحيح أن هناك تناقضات في التصورات والاعتقادات والثقافات تحول دون التفاهم بينهم اليوم، ولا أن هناك مظالم لا يمكن جبرها للكرد عند العرب والعكس.

المسؤول الأول عن الانقسام ونمو المشاعر السلبية التي ترتبط به تجاه الآخر داخل المجتمع الواحد هو التطرّف والأنانية القومية وعقلية “عليهم عليهم، معاهم معاهم”، وسيطرة منطق الغريزة ونفسية القطيع. والمقصود بالتطرّف والأنانية القومية التمركز على الذات واتباع أهوائها وتجاهل مصالح الآخرين، وأحلامهم ومخاوفهم ومشاعرهم وغرائزهم أيضا. ولا تأخذ التدخلات الأجنبية قيمتها إلا لأنها تدغدغ هذه الأنانية القومية والتطرّف وتعزّز اقتناع أصحابهما بأنهم ليسوا بحاجةٍ إلى التفاوض على مطالبهم وأهدافهم ومصالحهم مع الأطراف الأخرى، ولا الاعتراف لغيرهم بحقوقٍ يعتقدون أنهم الوحيدون الذين يستحقونها.

وليس الجمهور العام هو الذي يصوغ فكر التطرّف والأنانية، وإنما هي النخب السياسية والاجتماعية التي تقود الجماهير، وتعرف المصالح العامة لهم، أو ما تعتبره هي، من وجهة نظر مصالحها الخاصة في القيادة والسلطة، بمثابة مصالح أساسية. وعلى طبيعة هذا التعريف، تتحدد طرق الدفاع عن هذه المصالح ووسائل العمل العنيفة أو السلمية لتحقيقها، ومن ضمنها أيضا الابتعاد عن سبل الحوار والتفاوض وتبنّي الحلول العنيفة، أو استسهال اللجوء إلى الدعم الخارجي، لتأمين نجاحها وفرضها أمرا واقعا على الأطراف الأخرى.

ولا شك في أن تجاهل السلطات السورية الطويل حقوق الكرد في الاعتراف بهويتهم القومية، وضمان مساواتهم بمواطنيهم العرب، وتجاهل أي خطط تنموية لمناطق الجزيرة السورية التي تضم أهم موارد البلاد وثرواتها الطبيعية، قد أحدث شعورا عميقا بالإحباط والغربة والإهمال عند جمهور الكرد، وبشكل أكبر عند نخبهم. ولا يوجد شك في أن بعض هذه النخب، والمقصود هنا حزب الاتحاد الديمقراطي الذي نجح في استقطاب جمهور مهم من كرد سورية، اعتقدت، مع الفوضى العارمة التي حلت بالمجتمع السوري نتيجة حرب الإبادة الجماعية، أن الفرصة أصبحت سانحةً لتحقيق الحلم القومي الكردي الذي أجهض في تركيا، وأنها تستطيع، انطلاقا من الجزيرة السورية، وبالتحالف الضمني مع النظام ضد فصائل الثورة، تكوين هيكلية سلطة مستقلة، داخل الدولة أو بموازاتها، تابعة لها وشبه سيدة. ووجدت في تقاطع مصالح الأميركيين معها، الوسيلة الكفيلة بإيصالها إلى مبتغاها. هكذا، بعدما بدأت بمشروع برلمان غرب كردستان، ثم بإعلان تشكيل الكانتونات الثلاثة، أطلقت مشروع “روج آفا”. وأغرتها القوة العسكرية التي توفرت لها نتيجة انخراطها مع الأميركيين في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بأن توسع قاعدة سيطرتها الجغرافية، فأنشأت ما سمتها “فيدرالية الشمال”، بعد إلحاق مناطق ليس للكرد وجود يذكر فيها، كمحافظتي الرقة ودير الزور، وأحكمت السيطرة الحزبية عليها، وفرضت عقيدة حزبها الشمولية، ولغتها على سكانها، وجعلت حق الدخول إليها والخروج منها لجميع السوريين، بمن فيهم الكرد غير الموالين لها، منوطا بإرادتها وحدها.

وما من شك في المقابل في أن قسما كبيرا من السوريين الذين أحبطت آمالهم في التحرّر والانعتاق، بمن فيهم قطاعات واسعة من الرأي العام الكردي، لم تجد في هذا المشروع المفروض من جانب واحد، والقائم على أنقاض المجتمعات المحلية العربية وغير العربية، والذي وضع يده على موارد البلاد الاستراتيجية الرئيسية في الجزيرة، من ماء ونفط وغاز ومحاصيل زراعية، إلا تجسيدا لسياسة فرض الأمر الواقع، من دون مراعاةٍ لأي معيار سوى معيار القوة والاستقواء بالأجنبي. وهذا ما حدا بكثيرين منهم إلى رؤية التدخل التركي من منظار الانتقام من سياسة وضع اليد والانفراد بالقرار والاستهانة الكاملة بحقوق الأطراف الأخرى ومصيرها.

والواقع، لم تفعل قوات الحماية الشعبية سوى تطبيق القاعدة التي عمّم استخدامها حكم نظام الأسد التي يفرض فيها كل طرف إرادته على الأطراف الأخرى بقوة ذراعه، من دون النظر في مصالح غيره، أو التفاهم معهم، أو إيلاء أدنى اعتبار لآرائهم أو مشاعرهم أو تطلعاتهم وحقوقهم. وقد اعتمد هذا التغول الذي مارسه الأسد على المجتمع والدولة، وجعل منه أسلوب إدارته الشؤون العمومية، على عنصرين أساسيين: القوة الخاصة المستقلة عن المجتمع، أي المرتزقة الداخلية، والدعم الأجنبي. والسلطة التي لا تنبع إلا من القوة والدعم الخارجي تتهاوى، حالما يزول عامل التفوق بالقوة، أو يتخلى عنها حماتها الخارجيون. وعكسها السلطة التي تقوم على تفاهم بين الأفراد والجماعات على مبادئ العمل الجماعي، وتعريف المصالح العامة والخاصة، وتقاسم الحقوق والواجبات.

هكذا حاولت قوات الحماية الشعبية الكردية أن تعيد إنتاج نظام إدارة الأسد، ولكن على نطاق أضيق هو الجزيرة السورية. واعتبرت أن امتلاكها القوة يخوّلها الحق في الانفراد بالقرار وممارسة السلطة الشاملة. ووجدت في الدعم الخارجي، كما فعلت قوى معارضة عديدة، سبيلا مشروعا لتحقيق حلم الكرد القومي، بصرف النظر ومن دون أي اعتبار لمصالح بقية السوريين وأحلامهم، فصار بناء الكيان السياسي الجديد المستقل المصلحة الأولى التي تحكم جميع المصالح الأخرى، وتُخضعها لحسابها، بما في ذلك مصير الكرد أنفسهم. ولذلك لن تكون أجندة الديمقراطية السورية العامة الضحية الرئيسية لهذا الفكر الشمولي فحسب، وإنما جمهور الكرد ذاتهم الذين وقع على كاهلهم عبء القتال المرير من أجل مشروعٍ لا يقوم على أي أسس سياسية مفاوض عليها وثابتة.

بعزوف النخب السياسية السورية عن العمل لبلورة أجندة سورية وطنية واحدة، وسعي كل واحدة منها إلى استثمار ثورة السوريين لتحقيق مشاريع خاصة بها، ما كان يمكن للمصالح إلا أن تصطدم بعضها ببعض، حصل التدخل التركي أم لم يحصل. وكان من الطبيعي أن يهجر الجميع ميدان السياسة الذي يفترض قبول الحوار والتفاوض، للوصول إلى تسوياتٍ مقبولة وثابتة، مما لا ينسجم مع تطلعاتهم القصوى، إلى ميدان الحرب التي يفرض فيها المتغلّب إرادته بالقوة، ويبحث عن القوة حيثما وجدت في الداخل أو الخارج، عند الطوائف والعشائر أو في صفوف الدواعش وفرق المرتزقة ومليشياتها على اختلاف أجناسها وأصولها. كما كان من الطبيعي أن يتغلب خطاب الكراهية وتبادل الشتائم والاتهامات والإهانات العنصرية على أي دعوةٍ فكريةٍ أو مناظرةٍ سياسية. وفي هذا المجال، يصدق قول المسيح: من ليس لديه خطيئة فليرمها بحجر.

(3)

لن يستطيع السوريون التغلب على شهوة التدخل الأجنبي، والعيش في أحضانه، والعمل على أجندته، كما حصل لأسلافهم المناذرة والغساسنة في الماضي غير البعيد، إلا بمقدار ما تنجح نخبهم في تجاوز عقمها السياسي وتمركزها على الذات، ورفضها قبول شركاء لها على الأرض وفي الجغرافيا ذاتها، أي في تخليها عن منطق “أنا ومن بعدي الطوفان” الذي قاد الأسد إلى تدمير وطنٍ كاد يتحوّل إلى ملك خاص له ولأسرته. ولن يحصل ذلك، ما لم تنظر كل واحدة منها إلى مصالح جمهورها الشعبي، وتهتم به، وترأف بحاله، وتسعى إلى التخفيف من معاناته وتقدّمها على مصالحها الخاصة، أي قبل أن ترى في السلطة والقيادة مسؤولية وخدمة عامة لا وسيلة للتسلط والتميز ومراكمة المنافع والمصالح والامتيازات الفردية والفئوية.

ولن تولد نخبة وطنية تسمو بنفسها عن صغائر المحاصصة المادية والسلطوية على المستوى العام، وتضع الدولة وأجهزتها في خدمة الشعوب والمجتمعات، لا في خدمة مصالحها الخاصة، إلا عندما يتطوّر الشعور بالمسؤولية عند النخب والقيادات الأهلية تجاه جماعاتها ومناطقها وأحيائها التي تمارس الزعامة عليها. وعندئذ، يمكن للنخب أن تتجاوز الخلافات العميقة التي تمزّق صفوفها وتشوّش فكرها، وأن تقدم منطق التعاون لتحقيق مصالح مشتركة لجميع الفئات والجماعات على منطق الأنانية الذاتية أو الطائفية أو القومية، وتظهر الحاجة للسياسة، ويصبح من الممكن ليس قبول وجود الآخر المختلف فحسب، وإنما الأمل بتحويله إلى شريك مفيد، بدل أن يكون عدوا، كما هو عليه الحال اليوم في أوضاعنا. فليس هناك، ولا توجد في التاريخ الماضي والحاضر أمم جاهزة وناجزة. نحن الذين نصنع من أجزائنا وشتاتنا أمةً ببناء وشائج القربى وتنمية روح الاعتراف المتبادل، وتعميق التفاهم والتعاون في ما بيننا، فنتحوّل إلى شركاء في الوطن، حاضرا ومستقبلا، ونحن الذين نعمل، أيضا، وبالعكس، على تمزيق ما تبقى من وشائج القربى والعلائق والقرابات والتفاهمات والمصالح المتبادلة، ونتحوّل إلى فصائل وقبائل وإمارات حرب، كما نفعل اليوم، عندما نصمّم على تعميق الخلافات وتضخيم المظالم، وتناحر الهويات المتجاورة، ونترك العنان لغرائز العنف والعداء والانتقام والكراهية التي يغذّيها الإحباط والغضب والمخاوف، تسيطر علينا، ونغطي بها على فشلنا أو تخلينا عن مسؤولياتنا. وهذا ما يقودنا إلى السقوط في فخ العدمية السياسية، حيث يصبح كل شيءٍ مباحا، قبول الوصاية والعمالة والقتل على الهوية.

كما هو الحال عند جميع الشعوب، تزخر حياة السوريين بعلاقات القربى الكثيرة والراسخة، والتي هي ثمرة الانتماء لتاريخ وثقافة وحياة اجتماعية مشتركة. لكنها تفيض أيضا اليوم، كما الحال في مجتمعات عديدة، بكثير من التناقضات والتصورات والمصالح المتنافرة ومشاعر الظلم والكراهية والعداء المتبادل. وإلينا وحدنا يرجع القرار، أو الاختيار في ما إذا كنا نريد أو كان من مصلحتنا أن نستثمر في وشائج القربى، ونعمل على تعزيزها والمساعدة على حل التناقضات وتباين الرؤى والمصالح التي أنتجتها الأحداث التاريخية والجيوسياسية القاسية، أو أن نستثمر في هذه التناقضات، ونسعرها، ونعمل على تعميق القطيعة بين الجماعات والمناطق والتيارات المختلفة التي نسجت تاريخنا، وشكلت هويتنا المتعدّدة والواحدة معا. وليس هناك أحدٌ غيرنا قادرا على اتخاذ هذا القرار، ولا توجد بوصلةٌ تهدينا إلى طريق الصواب سوى محاكمتنا العقلية ورؤيتنا للمستقبل الذي نريد، ووعينا بالممكن والواقعي والمستحيل التاريخي والسياسي معا. وفي نظري أن كلفة تفجير الكيان السوري القائم أو تركه في حالة الخراب والفوضى، وهو بالتأكيد كيان مصطنع، مثل جميع الكيانات السياسية الحاضرة والماضية والمقبلة من دون استثناء، سوف تظل أكبر بكثير من كلفة معالجة الكسور والرضوض والاختناقات التي تشل حركته وتعطل حياته اليوم، ومن الجهود المطلوبة لتجاوز الخلافات وصوْغ التسويات التي تعيد إلى روح الوطنية السورية الحياة، بعدما كادت تقضي تحت ركام حرب الإبادة الجماعية والاحتراب.

ليست هناك حتمية تقضي بأن تظل سورية واحدةً ومستقلةً وحيةً أو أن تزول، ولا بأن نكون أمة واحدة، أو شعبا حرا. ولا ينبغي الاعتقاد أن هناك أمة يمكن أن تقوم وتستمر في عصرنا الراهن على قاعدة الوصاية والقهر والاستزلام وطغيان المصالح الخاصة وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح. وليس هناك ما يساعدنا على تجاوز نداء التطرّف والأنانية القومية والتمحور على الذات سوى الأخذ بمعيار العدل، وهو أن لا تقبل لنفسك ما ترفضه للغير، ولا ترفض لنفسك ما تقبل به لغيرك. وهو مبدأ الحقوق والواجبات المتساوية.

وعندئذٍ، تبرز ضرورة التعاهد على وإرساء مبادئ مشتركة وثابتة: أن لا نقبل بأي تدخل خارجي، وخارج عن إرادتنا حل مشكلاتنا ونزاعاتنا الداخلية، وأن لا نحيد عن قاعدة التفاوض والحوار في حل المشكلات التي تعترض مسارنا الجماعي، مهما كان حجمها ونوعها، وأن نلتزم أمام أنفسنا والعالم بمبادئ العيش المشترك، والعمل من سورية وطنا، لا معبرا للوصول إلى أوطان أخرى متصوّرة، أو مركبا لتحقيق أحلام خارجية، وهمية أو ممكنة. عندئذ فقط يصبح التفكير ببناء سورية بلدا حرا لمواطنين أحرار مركز الجهد الجماعي وغاية كل فرد. على غير هذه القواعد، لا تقوم دولة ولا تستمر جماعة في البقاء. وبخلافها سوف تستمر الحروب وتتوالى التدخلات، أكثر حدّة وشراسة وأذى، وربما تنهي حياتنا أو حياة معظمنا في المنافي والمخيمات.

العربي الجديد

———————–

ملاحظات أولية على الحملة التركية الثالثة/ موفق نيربية

كانت «ضربة معلم» من قبل أردوغان، يقول سونير كابتاغاي، رئيس برنامج البحث التركي في معهد واشنطن. فقد التقت رؤية الرئيس التركي في دخول سوريا مع رؤية ترامب في الخروج منها في لحظة واحدة. وجاءت هذه الكلمات في ردٍ على مراسلين صحافيين، الاثنين الماضي، حول الغزو العسكري التركي الجديد. معلق آخر قال إن إعلان ترامب كان ضغطاً على زناد الغزو التركي.

هذا أفضل من البحث المباشر في احتمال أن تلك المكالمة الهاتفية بين ترامب وأردوغان، كانت آخر توقيع على الأمر اليومي بالتدخل، أو من تصديق ذلك الشخص المجهول من مجلس الأمن القومي، الذي سمع طرفاً من تلك المكالمة، وأفاد لـ»نيوزويك» بأن ترامب كان يبدو وكأنه ضُبِط، وكذلك يبدو متداعياً. مع أن ما تلا ذلك اضطُر ترامب والبنتاغون مراراً لنفي احتمال أن الضوء الأخضر أُعطي للعملية العسكرية، التي كان إردوغان يتحفز لها منذ زمنٍ طويل. ولكن النفي المتكرر هذا انصبّ على عدم تأييد العملية، لا دعمها أو التدخل فيها، الأمر الذي يعني من دون شكٍ عدم معارضتها في النتيجة، إلا إذا تجاوزت حدوداً معينة غير معروفة، حتى الآن، مع أن تأكيد الحكومة التركية على نيّتها عدم تجاوز الثلاثين كيلومترا توحي بشيء من تلك الحدود، ربما يحتاج بعدُ إلى تحديد المسافة بالاتجاه العمودي على العمق.

منذ مطلع 2015، في ذروة نجاحات المعارضة المسلحة، بشكل هدد وجود النظام عملياً، الأمر الذي دفعه لسحب الكثير من قواته في شمال شرق سوريا إلى الداخل، وبالتوازي مع بداية عمل التحالف الدولي ضد «داعش» وبحثه عن حليف على الأرض؛ تفاقمت عنجهية حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، مستندة إلى انتصارات مشهودة ضد «داعش»، لا يقلل من أهميتها كونها تحققت بدعم جوهري من قوات التحالف. وكان ينبغي أخذ علاقة انتصارات قوات حماية الشعب (YPG) بتقدم المعارضة المشار إليه، لو توفرت النية والانسجام وبعض التواضع.

تمثلت تلك العنجهية بالموقف السلبي من القوى العربية والسكان والمعارضة، وبفتح مسارب للحوار مع النظام نكاية بخصومه، وبتأسيس نظام للحكم المحلي، يعتمد رؤية فيها شيء من الغرابة، تذكّر بالسوفييتات ومؤتمرات القذافي، مع ظهور ملامح شمولية واستبدادية في ممارسة السلطة وقمع الآخرين. وكذلك في سلوك تمييزي وعدواني واضح ضد العرب، كما حدث في السيطرة على تل أبيض، ثم عين عيسى، فالرقة في النهاية. وفي الوقت ذاته، كان إقصائياً وقمعياً نهجُ حزب الاتحاد وقوات حماية الشعب التابعة له مع القوى السياسية الكردية الأخرى، وخصوصاِ تلك المنضوية في المجلس الوطني الكردي، والمتحالفة في إطار ائتلاف المعارضة المتمركز في اسطنبول، حين شنّت القوات التركية حملتها الثانية تحت اسم عملية «غصن الزيتون» في عفرين (بعد الحملة الأولى درع الفرات بين إعزاز وجرابلس والباب)، ساهمت معها جماعات معارضة مسلحة أخرى، ثم تمّ إحلال لاجئين من مناطق سورية أخرى مكان النازحين الكرد. وتوانت قوى المجلس الوطني الكردي مع حلفائه من العرب المتضررين من نهج «قسد»، كما أصبح اسمها، عن الوقوف بشكلٍ أكثر موضوعية ومبدئية من ذلك التدخل وسياقاته العملية اللاحقة، وطغى الارتهان وقوة الأمر الواقع على الحكمة.

لا يمكن فهم ما يجرى الآن من دون بعض العودة إلى الوراء، واسترجاع ذلك الدأب والإصرار العربي المعارض على تضييع الحدود بين الكرد عموماً وجماعة حزب الاتحاد الديمقراطي، فيما كانوا يحسبونه مرضياً وملبياً لحاجات التحالف مع الأتراك، وهو لا يعكس إلا ضعفاً وتعصّباً وانقياداً لدواعي الفرقة.

لم يكن هنالك من لا يسلّم بحق تركيا في حماية أمنها القومي، حتى من قبل قوات سوريا الديمقراطية. فحزب العمال الكردستاني خصم لدودٌ للحكومات التركية المتوالية، وهو مصنف بين قوى الإرهاب لدى العديد من الدول. ولا تخفى علاقة ذلك الحزب الجينية بحزب الاتحاد الديمقراطي، كما لا تخفى علاقة بعض الكرد السوريين بالحزب الكردي – التركي أساساً، واندراجهم في سلك مقاتليه وقواته العسكرية. وكانت قد ابتدأت بالظهور وممارسة الضغوط، دعوات متزايدة لفكّ الارتباط بين الحزبين بشكل حاسم، وعودة كل عناصر الحزب التركي إلى أماكن تمركزه خارج سوريا، بشكل متواقت مع الدعوة لخروج جميع المقاتلين الأجانب، مع أي طرف كانوا. تلك الدعوات كانت بدفع من تقارب كردي- عربي ابتدأت ملامحه بالظهور، ولو على بعض التحفظ والتردد. يعكس هذا إحساساً متزايداً لدى الطرفين بأهمية التفاعل، وواقعية وحدة سوريا الجغرافية، مع وجود مطالبات وآراء تفتش عن طريقة مثلى لتمثيل إرادة المكونات السورية المختلفة وحقوق الكرد القومية خصوصاً. ليس ذلك ما يظهر على الصورة الحالية، المزدحمة بآليات الحرب وأدواتها ورجالها، التي يبدو أنها ستأخذ وقتاً حتى تتبلور نتائجها وتوازناتها الجديدة، دولياً ولدى الأطراف المعنية، وعلى الأرض. تلك الأرض ستسقيها دماء جديدة، أغلبها من السوريين على الطرفين. وسوف يكون ذلك عاملاً جديداً مضافاً إلى حالة الانقسام والتفتت السورية، تلك التي ستجعل المستقبل أكثر قتامة واستعصاء على الحلّ.

فكما كان التدخل في عفرين حفراً لحدود جديدة بين السوريين، سوف يكون لعملية «نبع السلام» هذه دور أكثر تشتيتاً للجسم السوري شعباً وأرضاً. وقد تنبأ ترامب أيضاً بذلك، أو أفسح المجال للتنبؤ، حين قال في مطلع العام، ليبرر أول محاولة له لإخراج جنوده وإعادتهم إلى بلادهم لتحقيق وعده الانتخابي بهذا المجال: «لقد ضاعت سوريا منذ فترة طويلة، منذ فترة طويلة. وإلى جانب ذلك، نحن نتحدث عن رمال وموت. ذلك ما نتحدث عنه. نحن لا نتحدث عن ثروات طائلة. نتحدث عن رمال وموت». وفي تلك الصورة يمكن تلمّس معالم الحالة الراهنة، وما سوف يليها، وتحتها صورة بيلاطس يغسل يديه من دمنا.

ونقطتان أو ثلاث قبل فوات الوقت: ليس صحيحاً أن ترامب لم يعط الضوء الأخضر، رغم محاولته المسرحية لنفي ذلك، بطريقة ساخرة وعابثة: «لو قامت تركيا بأي شيء يمكن؛ كما ترى حكمتي العظيمة التي لا تُضاهى؛ أن يتجاوز الحدود، فسوف أدمّر كلياً اقتصادها وأمحوه وقد فعلت ذلك سابقاً». وليس صحيحاً أن التخطيط لإسكان مليون أو مليونين من اللاجئين في غير بيوتهم هو شيء مغاير للتغيير الديموغرافي، بل إن ذلك سيكون درساً تطبيقياً جديداً للهندسة الديموغرافية، بعد مئة عام من استحداثها وتجريبها.

وليس صحيحاً أن هذه الحرب ستعيد توحيد سوريا، وتكون المدخل للحل السياسي المنشود، كما يقول أردوغان! في حين أنه صحيح أن هذه الحرب قد فتحت وستفتح أبواباً جديدة لجهود ترميم شرعية الأسد، ومحاولة إحياء صلاحيته المنتهية من خلال إعادته إلى الحدود، مع الاتفاق بينه وبين «قسد»، بل أيضاً- وللسخرية- تعيد ترميم الجامعة العربية وتوحدها ضد «العدوان على السيادة السورية»، تلك السيادة نفسها التي أصبحت غربالاً، لكثرة خروقها.

ربما تساعد أخطاء ترامب وأردوغان والمعارضة السورية، وقبلهم أخطاء الكرد، من خلال الكارثة التي دشّنتها، على خلق توازن أقل قلقاً، وإمكانية بمواصفات مختلفة لحل سياسي.. وربما يكون ذلك أمل إبليس في النهاية!

كاتب سوري

القدس العربي

—————–

“نبع السلام” لن يجلب السلام/ علي العبدالله

ليست فكرة إقامة منطقة آمنة، أو أمنية وفق التسمية التركية الجديدة، على طول الحدود مع سورية جديدة، فقد سعت تركيا إلى تسويق الفكرة منذ سنوات من دون جدوى، لكن الجديد هو تنفيذها في لحظة دقيقة وحساسة، بسبب ما ترتب على تحولات الصراع في سورية وعليها؛ حيث باتت لإقامة المنطقة العتيدة تبعات وانعكاسات كثيرة وخطيرة، ليس من بينها تحقيق السلام، كما تروّج الدولة التركية، الذي وضعته في اسم العملية: “نبع السلام”.

ترتبط العملية العسكرية التركية بإعادة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الأمنية التي تريد تركيا إقامتها، في إطار مشروع متكامل، يُؤمل منه أن يُنهي فرص قيام كيان كردي، مهما كانت طبيعته وحدوده، والعمل على تسويق العملية وتبريرها خارجيا بذريعة محاربة الإرهاب، فالعملية العسكرية ليست العامل الرئيس في التصور التركي؛ إنها وسيلة لإجهاض مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي: الإدارة الذاتية، بضرب القوة العسكرية لهذا الحزب، وحدات حماية الشعب، وإجراء تغيير سكاني واسع في المنطقة، عبر إعادة اللاجئين إليها، أغلبهم من العرب، إلى المناطق العربية بشكل خاص، بحيث يصبح عدد العرب في شرق الفرات طاغيا، وتصبح دعاوى الكرد ومطالباتهم بإقليم خاص أو إدارة ذاتية أو فدرالية غير ذات موضوع.

غير أن العملية التركية قد مسّت توازناتٍ جيوسياسية، راهنت قوى محلية وإقليمية ودولية عليها، لخدمة تصوّراتها للحل السياسي في سورية؛ بحيث لا تكون سورية ملحقةً بروسيا وإيران، وهذا مرتبطٌ، إلى حد كبير، ببقاء القوات الأميركية في شرق الفرات، والمحافظة على الإدارة الذاتية ورقة مساومة في إطار الحل النهائي. لذا استثارت ردود فعل غاضبة، عبّرت عن نفسها بمواقف متعدّدة توزعت، بعد إدانة العملية ووصفها بالعدوان والغزو والاحتلال، بين الدعوة إلى وقف

العملية (والانسحاب فورا) والتلويح بعقوبات سياسية واقتصادية وسياحية (قرار وزراء الخارجية العرب)، ووقف توريد الأسلحة (قرار السويد وهولندا وفنلندا والنرويج وألمانيا وفرنسا)، والسعي إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لوقفها (خمس دول أوروبية في المجلس، فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا وبولندا)، وتحضير قرار بفرض عقوبات اقتصادية قاسية، فيما لو تجاوزت القوات التركية حدودا معينة، جغرافية وعملياتية، مثل استهداف المدنيين (قرار الولايات المتحدة)، وإدانة العملية والمطالبة بوقفها فورا وفرض عقوبات اقتصادية (قرار الاتحاد الأوروبي)، ورفع شروط الأمم المتحدة ومحدداتها لإعادة اللاجئين في وجهها: العودة الطوعية وعودة أبناء منطقة شرق الفرات فقط إليها التي ستحد من عدد العائدين، وتربط عودتهم بمناطقهم الأصلية، وخروج تظاهرات حاشدة في عدد من الدول الغربية ضد العملية.

قد لا تكون لمعظم هذه الخطوات آثار قريبة وفاعلة على العملية التركية، لكنها تعكس حالة العزلة السياسية التي ستواجهها تركيا والمأزق السياسي الذي ستنزلق نحوه، خصوصا إذا فشلت في الالتزام بالشروط والمحدّدات الأميركية، وعجزت عن الإمساك بملف سجناء الدواعش وأسرهم في المخيمات، وحصول تغيير في الموقف الأميركي في غير صالحها، ما سيضطرها للدخول في مساوماتٍ مع القوى الفاعلة الأخرى، روسيا وإيران، ويدفعها إلى التنازل عن جزء مهم من تصوّرها للمنطقة الأمنية: حدودها وعدد اللاجئين الممكن إعادتهم إليها، روسيا تطالبها بالتنسيق مع النظام السوري، وإيران تريد بقاء طريق الموصل حلب خارج حدود المنطقة الأمنية التركية، فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.

في العودة إلى التصور التركي للمنطقة الأمنية، بكل تفاصيلها، وما يمكن أن يترتب على إقامتها سياسيا وأمنيا، سنلمس، من دون كبير عناء، أنها أبعد ما تكون عن “نبع سلام”، بل على العكس ستكون بؤرة توتر دائمة ومحرقة، لاستنزاف المنطقة وشعوبها لأجيال قادمة. لعل أول مترتّبات قيامها انفجار التنافس على المتبقي من منطقة شرق الفرات، في ضوء توجه أميركي إلى الانسحاب منها على خلفية وعد انتخابي بإعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن، يريد الرئيس دونالد ترامب تنفيذه قبيل انتخابات رئاسية باتت على الأبواب. وروسيا وإيران تنتظران بلهفة انسحاب القوات الأميركية، كل لحساباتها الخاصة، روسيا لتنفيذ قرارها بإعادة سيطرة النظام السوري على كل الأرض السورية، والإمساك بمفاتيح الحل السياسي، مع ملاحظة أهمية المنطقة اقتصاديا، وما يمكن أن تقدّمه من فوائد للتخفيف من أزمات النظام في مجالات المحروقات والحبوب، وإيران لضمان بسط سيطرتها على مساحاتٍ هي جزء من مشروع الطريق البرّي الذي تسعى إلى إقامته من أراضيها إلى البحر الأبيض المتوسط. وانسحاب القوات الأميركية وضرب وحدات حماية الشعب فرصة مثالية لتنفيذ مشروع الطريق، بالإضافة إلى إجهاض التطلعات الكردية في إيران التي حفّزتها الحالة الكردية السورية. وهذا إن تم سيحوّل الحل السياسي وعمل اللجنة الدستورية السورية إلى نافلةٍ لا لزوم لهما، ويدمّر فرص استقرار سورية عقودا طويلة.

أما المترتب الثاني فزعزعة الاستقرار السكاني وإحداث مشكلة متفجرة بين العرب والكرد، علما أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام، على خلفية إشراك فصائل الجيش الوطني في العملية، وتعميق الفجوة بين الطرفين بالمواجهات الدامية، وتجدّد الصراع بينهما على الأحقية بالأرض، وإدارة المنطقة سياسيا واقتصاديا، زعزعة مديدة في ضوء تقديراتٍ بحصول نزوح وهجرة واسعين، وبانخراط أطرافٍ خارجية في الصراع على المنطقة، لاعتباراتٍ سياسية وجيوسياسية وتغذيتها الخلافات والتوترات لإدامة فرص الاستثمار في أزماتها.

المترتب الثالث، وهو الأخطر، إن تحقق التصور التركي بإعادة اللاجئين السوريين لديها إلى المنطقة الأمنية العتيدة هو ولادة سورية جديدة قائمة على فرز مذهبي، حيث سيتكدس العرب السّنة في الشمال والشرق، والعلويون والشيعة، العرب والفرس والأفغان والباكستانيون، في الغرب، وهذا يحقق حلم إيران بتحقيق مكسب جيوسياسي مهم، وسيطرة مفتوحة على الطريق من البحر إلى لبنان، عبر السيطرة المذهبية على المناطق المحاذية للحدود اللبنانية.

المترتب الرابع والأخير، تلاشي مطالب الثورة السورية، وتطلع حواضنها الشعبية إلى الحرية والكرامة، بالقضاء على بقايا التمايز بين أهداف الثورة وأهداف الدول التي استتبعت المعارضة، السياسية والمسلحة، بتحوّل قواها إلى جنودٍ في خطط هذه الدول.

يبقى أن نقول إن مجلس سورية الديمقراطية (مسد) وجناحه العسكري، قوات سورية الديمقراطية (قسد)، قد ارتكبا أخطاء شنيعة، أوصلتهما إلى المأزق الحالي. “مسد”، بسياسته التي تقوم على تصوير مظلومية الكرد أقلية مضطهدة لأسباب قومية ودينية، وفق محاضرة ممثلته في الولايات المتحدة، سينم محمد، في مقر جمعية “مجلس أبحاث العائلة” اليميني في واشنطن يوم 16/7/2019، ما يشي بمغازلتها استراتيجية تحالف الأقليات، والعمل على كسب تأييد سياسي أميركي لمشروعها من خلال التحالف مع اليمين الأميركي العنصري، والعمل على فرض تصوّرها على الشعب السوري، بالاعتماد على التحالف مع أميركا، متجاهلا أن التحالف الراهن تقاطع مصلحي مرحلي، لأن أميركا قالت مرات إنها لا تتبنى مشروعه السياسي. والثانية، “قسد”، بممارساتها، قمع المعارضة العربية والكردية، وإحداث تغيير سكاني في قرى عربية وتركمانية، وفرض تجنيد قسري على سكان شرق الفرات، تحت شعار الدفاع الذاتي، على الرغم من أن معظمهم لا يوافقون على مشروع الإدارة الذاتية، والاستئثار بخيرات شرق الفرات وحرمان أهل المنطقة منها، محافظتي دير الزور والرقة، وهذا جعل التواصل بينها وبين المجتمعات العربية محدودا ومشوبا بسحابات الشك وانعدام الثقة، ومسارعتها إلى قصف المدن والبلدات والقرى التركية مع بداية الهجوم التركي والرد التركي بقصف المدن والبلدات السورية، الأمر الذي أفقدها تضامن أبناء المنطقة، كما عبر عن ذلك بيان أعيان القامشلي في هذا الخصوص، وأضعف حجتها أمام الرأي العام الدولي بتعرّض المدنيين في المدن والبلدات والقرى السورية للقصف التركي.

لن تحقق عملية “نبع السلام” السلام، مع احتمال عدم مواصلتها حتى النهاية، كما تصوّرتها القيادة التركية، لأن تركيا تعاني من نقاط ضعف وهشاشة في أكثر من مجال، ما يسمح للقوى الأخرى بالضغط عليها لدفعها إلى وقف العملية عند نقطة معينة، أو إجبارها على الانسحاب خارج المنطقة، كما لن تنجح “مسد” و”قسد” في هزيمة القوات المهاجمة، أو الحفاظ على مشروعها، بالعودة إلى التفاهم والتحالف مع النظام، فالمسارعة إلى طلب حماية النظام ودعوته إلى إرسال قواته للانتشار على الحدود، وهي تعلم أن في ذلك نهاية لمشروعها، فقد سبق وعرفت شروطه لمساعدتها، ليس أقل من انتحار سياسي.

العربي الجديد

——————-

هديّة ترامب وأردوغان لبوتين والأسد/ جلبير الأشقر

حصل ما كان سهلاً توقّعه. فإن انسحاب القوات الأمريكية شبه الرمزية (ألف جندي) من الشمال الشرقي السوري واجتياح المنطقة من قِبَل الجيش التركي أدّيا بصورة محتّمة إلى دفع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكُردي المُشرف على تلك المنطقة من خلال «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها، أدّيا إلى دفع الحزب المذكور إلى الاستنجاد بروسيا. وكانت موسكو قد حافظت على الدوام بعلاقة ودّية بالحزب الكُردي في إطار سعيها وراء الإمساك بكافة أوراق اللعبة في الساحة السورية، فتوسّطت بينه وبين النظام السوري وجمعت الطرفين في قاعدة حميميم الجوّية لترتّب انتشار قوات النظام تحت إشراف روسي داخل مناطق تواجد قوات الحزب.

هذا ما توقعناه عندما كتبنا قبل أسبوع أنه لو حقّق أردوغان وعيده باجتياح الشمال الشرقي السوري، سوف يكون ترامب قد رمى بالقوات الكُردية في أحضان بوتين الذي سوف «يدفع بقوات النظام السوري إلى دخول المنطقة ومساندة القوات الكُردية في وجه القوات التركية تمهيداً لتحكّم النظام بالحركة الكُردية السورية». ومغزى الحديث أن سهولة توقّع ما حصل، لاسيما وأن دلائل كثيرة كانت تشير إليه، إنما تفرض استنتاجين هامين:

الاستنتاج الأول هو أنه لا يحقّ لأحد أن يلوم الطرف الكُردي على استنجاده بالروس ومن خلالهم بنظام آل الأسد. فإن الاجتياح التركي المصحوب ببعض المرتزقة من العرب لم يترك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» من خيار سوى الارتماء في أحضان بوتين. وقد شرح الحزب الأمر بصراحة في مقال بتوقيع مظلوم عبدي (فرحات عبدي شاهين)، القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، نشره موقع مجلة «فورين بوليسي» يوم الإثنين، وجاء فيه: «لقد قدّم لنا الروس والنظام السوري اقتراحات بإمكانها أن تنقذ حياة ملايين الناس الذين يعيشون تحت حمايتنا. نحن لا نثق بوعودهم. والحقيقة أنه من الصعب أن نعرف من يمكننا أن نثق به… نعلم أنه سوف يتحتّم علينا أن نعقد مساومات مؤلمة مع موسكو وبشّار الأسد لو سلكنا طريق العمل معهما. لكن لو اضطررنا إلى الاختيار بين المساومات وإبادة شعبنا، فسوف نختار بالتأكيد الحياة لشعبنا».

أما الاستنتاج الثاني، وهو واضح لكل من لا يعميه الإعجاب بالرئيس التركي مثلما هي حال بعض أوساط جماعة الإخوان المسلمين المرتهنة به، فهو أن أردوغان، بضغطه المستمرّ على صديقه الأمريكي غريب الأطوار ترامب كي يفسح له المجال أمام اجتياح الشمال الشرقي السوري، إنما ارتكب خطأً استراتيجياً فادحاً. وهو خطأ لم ينتبه له معظم المعلّقين إذ انصبّ اهتمامهم على الخطأ الاستراتيجي الفادح الآخر الذي ارتكبه ترامب نفسه بسحب القوات الأمريكية من المنطقة المذكورة.

والحال أن خطأ الرئيس التركي أخطر بكثير من خطأ نظيره الأمريكي إذ إن سوريا في المحصّلة قليلة الأهمية في نظر واشنطن (وهو سبب بقاء التدخّل العسكري الأمريكي فيها ضمن حدود متواضعة جدّاً بالمقارنة مع ما تمّ في بلدان غنيّة بالنفط كالعراق وليبيا)، بينما هي بالغة الأهمية بالنسبة لأنقرة ليس بسبب المسألة الكُردية وحسب، بل أيضاً بسبب سعي الحكم التركي منذ 2011 وراء الاعتلاء إلى مرتبة الهيمنة الإقليمية من خلال دوره في الساحة السورية بصورة خاصة.

وقد بدأت أنقرة تخسر رهانها منذ بدء انتكاسة الاوضاع العربية مع تدخّل إيران وتوابعها في سوريا وانقلاب السيسي على مرسي في مصر في عام 2013. ثم واجه أردوغان مشاكل داخلية متعاظمة توّجتها المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف 2016، فحاول التعويض عن فشل حساباته في سوريا بانعطافه نحو الوصاية الروسية وقبوله بوساطة موسكو بينه وبين طهران، وكان قد حصل لقاء ذلك على ضوء أخضر روسي لاحتلال منطقة عفرين. أما الغاية من عزم أردوغان على اجتياح مناطق الانتشار المسلّح الكُردي في سوريا فهي سياسية بالدرجة الأولى وليست أمنية كما يدّعي، حيث إن هذه المناطق لا تشكّل قط تهديداً لأمن تركيا، لاسيما في الشمال الشرقي الذي ضمنت القوات الأمريكية عدم استخدامه في مهاجمة الأراضي التركية. وقد شرحنا مراراً على هذه الصفحات كيف أن أردوغان، منذ أن بدأ تراجع نفوذه الانتخابي قبل أربع سنوات، أخذ يسعّر العداء القومي للكُرد وعقد تحالفاً انتخابياً مع أقصى اليمين القومي التركي، بل وصل به الأمر مؤخّراً إلى تبنّي معاداة تواجد اللاجئين السوريين في تركيا.

وقد وقع أردوغان في الفخ الذي نصبه له بوتين، الأدهى منه سياسياً بأشواط، عندما أكّد له هذا الأخير عدم اعتراضه على اجتياح القوات التركية لمناطق الانتشار المسلّح الكُردي في الشمال الشرقي السوري. أما غاية بوتين الحقيقية فكانت تشجيع أردوغان على الإلحاح على سحب ترامب للقوات الأمريكية، التي شكّلت حجر العثرة الرئيسي، بل الوحيد، أمام تفرّد موسكو بمصير سوريا. وما أن حقّق أردوغان لبوتين تلك الغاية الاستراتيجية الكبرى، وبدأ باجتياح شمال شرق سوريا، حتى دفع بوتين بقوات حليفه السوري كي تستولي على أكبر مساحة ممكنة في سباق مع القوات التركية على السيطرة على أرض الشريط الحدودي.

وبقي أن نرى كيف سوف تتصرّف القوات الإيرانية وتوابعها التي لا شكّ في أنها ترغب هي أيضاً في الانتشار في المنطقة الشاسعة التي كانت تحت سيطرة قسد. وفي جميع الأحوال فقد تعزّز دور موسكو في الوساطة بين طهران وأنقرة والموازنة بينهما بغية التوصّل إلى إعادة بسط سيطرة نظام آل الأسد على كافة الأراضي السورية (باستثناء الجولان المحتلّ)، تحت وصاية روسية. وقد أفصحت موسكو في أكثر من مناسبة عن تطلّعها إلى خروج «كافة القوات الأجنبية» من سوريا، أي القوات الإيرانية والتركية بعد الأمريكية (أما القوات الروسية فهي مقيمة في البلاد بموجب معاهدة)، كي تمسك بالورقة السورية بلا شريك. ويراهن بوتين على أن ذلك سوف يتيح له مقايضة إخماد الحريق السوري وإرجاع اللاجئين السوريين إلى بلادهم برفع العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا منذ عام 2014 بسبب الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن مكاسب اقتصادية أخرى، وهي الغاية الرئيسية التي من أجلها بدأ لاعب الشطرنج الروسي إقحام قواته في الحرب السورية في خريف 2015.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

——————-

تركة ترامب السورية/ مروان قبلان

بخروج الولايات المتحدة، تدخل الحرب في سورية مرحلة جديدة، عنوانها وراثة النفوذ الأميركي في مناطق شرق الفرات. الولايات المتحدة دخلت الحرب في سورية في سبتمبر/ أيلول 2014، لتقود تحالفا دوليا للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. حاول بعض أركان إدارة ترامب (طُردوا جميعا) تطوير أهداف هذا التحالف، بعد استيفاء الغرض منه، بضم عناصر أخرى له، مثل التصدّي لإيران، ومنعها من إنشاء كوريدور برّي بين العراق وسورية، واستخدام الوجود الأميركي ورقة ضغط باتجاه حل سياسي، الا أن الرئيس ترامب المشغول كليا بمعاركه الداخلية كان غير معنيٍّ بذلك، وهو لم يفكر حتى بمقايضة الوجود الأميركي، مثلا، بالوجود الإيراني الذي زعم محاربته في سورية. قرّر، في نهاية المطاف، سحب كامل قواته، والاحتفاظ بوجود عسكري صغير في قاعدة التنف جنوب شرق البلاد على الحدود مع الأردن والعراق، تاركا الآخرين يتقاتلون على التركة.

بخروج الأميركيين، تغيرت كل ديناميات الصراع، كما حصل تماما عندما دخلت روسيا الحرب عام 2015. وفيما ألجأ التخلي الأميركي الأكراد على العودة إلى قواعدهم الأصلية في حضن روسيا، ليطووا بذلك صفحةً أخرى من تاريخٍ حافلٍ بخيبات الأمل الكبرى، كانوا فيها سقط متاع في سوق السياسة الدولية، غدت سورية مرتهنةً بالكامل للتفاهمات، أو الصراعات، بين أقطاب عملية أستانة الثلاثة (تركيا وإيران وروسيا).

خلال المرحلة السابقة، اتفق الروس والإيرانيون والأتراك على أمر واحد: ضرورة إخراج أميركا من سورية، كلّ لغاياته، وقد نجحوا في ذلك. الأتراك لأنهم رأوا في أميركا عائقا دون تحقيق هدفهم في القضاء على وحدات حماية الشعب، الكردية، عدوهم الأكبر في سورية. روسيا لأنها ترى في أميركا عقبةً أمام استفرادها كليا بالملف السوري الذي تريد، باستعادة مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والمياه، طي صفحته كليا وإعلان انتصارها على “المؤامرة الأميركية”. وإيران ترى في بقاء أميركا خطرا على نفوذها في سورية والعراق، وعقبة أمام استكمال مشروع ربط مناطق نفوذها عبر المشرق العربي. أما وقد خرجت الولايات المتحدة فقد غدا شركاء أستانة الآن في مواجهة بعضهم، يتنافسون على اغتنام أكبر جزء من التركة الأميركية، السباق إلى منبج وعين العرب مثالان فقط على هذه الدينامية الجديدة في الحرب السورية، والتي تشبه نهايات أكثر الحروب، حيث يتسابق المتبقون في ساحة الصراع على أكبر جزء من الغنيمة.

السؤال الآن هو كيف سيحل شركاء أستانة تناقضاتهم، بعد أن نجحوا في طرد أميركا من سورية، وتهميش دور أوروبا والعرب فيها، هل يتكرّر سيناريو إدلب، ويدخلون في صراع وكالة دموي يدفع السوريون ثمنه، أم يتكرر سيناريو عفرين و”درع الفرات”، ونشهد وفقا لذلك “يالطا سورية” يتقاسم فيها المنتصرون غنائم حربهم؟ يرجّح السلوك الروسي الذي بات يمسك خيوط اللعبة كلها السيناريو الثاني، على الرغم من أن الرئيس بوتين لم يُخف يوما رغبته في إخراج الجميع من سورية، والاستئثار بها كلها.

وفيما تدخل الدول الثلاث المنتصرة في الحرب السورية مساوماتٍ ومفاوضات توزيع غنائمها، يجد السوريون، أصحاب الأرض والقضية، مادة جديدة ينقسمون حولها، فهذا يشتم ترامب وينعته بالخيانة، لأنه تخلى عن الأكراد، بعد أن استخدمهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وآخر يشتمه لأنه أخلى الساحة لإيران وروسيا، وثالث يؤيد العملية العسكرية التركية من باب موقفه المتفهم احتياجات تركيا الأمنية والسياسية، ورابع يعد العملية التركية غزوا واحتلالا لأراضي سورية، ويتخوّف من احتمالات ضمها، وخامس يتخوّف من إقامة المنطقة الآمنة، ويرفض توطين اللاجئين السوريين فيها، باعتبار ذلك تغييرا ديمغرافيا يقضي على كل أمل بعودة اللاجئين والمهجّرين إلى أراضيهم وبيوتهم. وسط كل هذا الجدل، يستطيع المرء أن يميز بسهولة معسكرين كبيرين بين السوريين اليوم: معسكري إيران وتركيا، “سوريي المرشد” “وسوريي السلطان” (غساسنة ومناذرة، إذا شئنا الاستعارة من تاريخ العرب قبل الإسلام). إذا دققنا أكثر، يمكن أن نميز معسكرا ثالثا يحاول أن يرفع صوته لاستعادة المبادرة، والحفاظ على ما تبقى من أشلاء وطن، ضيّعته المطامح، والمزايدات، وقتلته الأحقاد والغرور وضيق الأفق، وتركته فريسةً تتناهشه الدول والتنظيمات، لكن الصوت ما زال ضعيفا، خافتا، وسط المعمعة.

العربي الجديد

——————–

العملية التركية ونهاية الثورة السورية/ أرنست خوري

شكّل قوميّو أكراد سورية، منذ ثورة 2011 التي خافوها ففضلوا عليها قاتلهم التاريخي، نظام الأسدين، عنصراً من بين عناصر داخلية وازنة كثيرة. أشهروا ورقة البراغماتية الفجة علناً، من دون قفازات، فتعاملوا مع الخيارات السياسية الكبرى تعامُل التاجر مع زبائن يتنافسون على البضاعة: عرضوا قوتهم العسكرية الميدانية في سوق التحالف مع النظام السوري في مقابل حزمة مطالب، من نوع إعطائهم فدرالية كردية ما، ومنصب وزير النفط، ودستوراً يعترف بهم مكوناً قومياً رئيسياً. رفضت دمشق واختارت الجزرة والعصا في التعاطي معهم: تارة تهددهم بمصير قامشلي جديد، ثم تتركهم يحكمون “إدارتهم الذاتية” نكاية بتركيا تارة أخرى، فيردون الجميل بأحسن منه، ويؤدون أدواراً حاسمة في فتح طرقات الاحتلال الروسي ــ الإيراني ــ الأسدي في جبهات حاسمة ضد المعارضة السورية المسلحة كما حصل في حلب أواخر 2016 مثلاً. انعطفوا على الروس الذين أغروهم بالفتات في فترة ما قبل المصالحة سيئة الذكر بين أنقرة وموسكو، لينتهي شهر العسل الكردي ــ السوري مأتماً على مأدبة المصالح الروسية ــ التركية التي لا تترك مكاناً لفتات الحلفاء. ظنّ قوميّو أكراد سورية أخيراً أن الغرب لن يخذلهم مثلما فعل معهم ومع أشقائهم الأتراك والعراقيين والإيرانيين طيلة عقود، منذ ما قبل عهد عبد الله أوجلان، ورموا كامل أوراقهم تحت رئاسة باراك أوباما في المحفظة الأميركية التي تتسع لجيوب أوروبية كثيرة، فجاءت التضحية بهم بأسرع مما توقع قادتهم.

عرض قوميو أكراد سورية “بضاعتهم” على كل الأطراف، إلا على مَن كان يمكن أن يشكلوا معهم معارضة حقيقية وفاعلة، أي ثوار سورية في زمن عاميها الأوّلين. افترضوا سوء النية باكراً، واعتبروا أن دعم تركيا لهؤلاء، موجه ضدهم بالتحديد. حينها، لم يكن هناك لا “داعش” يعتبر أن مقاتلة الأكراد “جهاد أكبر”، ولا “نصرة” كراهيتها للقوميين الأكراد تنافس عداء تركيا الرسمية لهؤلاء. كل ما كان حينها هو جيش حر وثوار امتلأت طرقاتهم وتظاهراتهم بلافتات أخوّة موجهة إلى أشهر المدن والبلدات ذات الغالبية السكانية الكردية، ليطلبوا تكاتفاً عربياً كردياً ضد نظام البعث. لكن التحية تم الرد عليها بكل سلبية تعادي ألف باء السياسة، بمعادلة تافهة تفيد بأن تركيا تدعم الثورة السورية، بالتالي فإنّ مناهضتها هي مكاننا الطبيعي وخيارنا الاستراتيجي: ننتحر نكايةً، ونقضي على البلد نكاية. حصل ما حصل وتمدد النفوذ الكردي القومي العسكري والديمغرافي إلى مناطق عربية “صافية” لا وجود تاريخياً للأكراد فيها، طاول الرقة ودير الزور ومناطق شاسعة من أرياف حلب والجزيرة السورية، برعاية التحالف الدولي ضد “داعش”، وارتُكبت تجاوزات كثيرة وتهجير ديمغرافي بحق السوريين العرب غذت أحقاداً مريضة قديمة متبادلة بين العرب والأكراد، راعيها الأول حافظ الأسد ومن بعده ولده. وحين تراخت قبضة باراك أوباما وسمحت بتنفيذ تركيا عملية “درع الفرات” صيف 2016، وحين لاحت نوايا دونالد ترامب وأعطت موافقة لتنفيذ “غصن الزيتون” مطلع 2018، ارتكبت تجاوزات مضادة بحق الأكراد غذت بدورها عداوات يخشى ألا تندمل آثارها.

خطايا القوميين الأكراد في سورية، خصوصاً منذ انطلاق الثورة السورية، ربما لا تُحصى. لكن من يستند إليها لتبرير العملية العسكرية التركية الحالية أو يفرح لها، لا بد أن يكون صاحب خيارات خاطئة تنهل من معجم مصطلحات بشار الأسد وحسن روحاني وفلاديمير بوتين. العملية العسكرية التركية في الشمال السوري لا علاقة لها بأهداف الثورة السورية، ولا بـ”سورية جديدة” طمح إلى ولادتها ملايين السوريين، ولا صلة رحم تربطها بحلم نهاية الديكتاتورية وبمشروع التحول الديمقراطي. العملية التركية في الشمال السوري قد تكون إحدى آخر المحطات قبل الإعلان الرسمي عن نهاية الثورة السورية. لروسيا حصة الأسد من البلد، ولإيران حصص توزعها على مليشياتها “الوطنية” واللبنانية والعراقية، إذاً، كان لا بد لتركيا من حجز مساحتها من النفوذ في سورية قبل إسدال الستارة، ولا بأس إن استعار رجب طيب أردوغان في سبيل ذلك، من روحاني وبوتين وأضرابهما، شعارات من نوع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإعادة ملايين اللاجئين إلى بلدهم.

العربي الجديد

————————

في تقييم تجربة “روج آفا”/ آلان حسن

يقول الكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس: “الإفراط في الأمل إسراف في اليأس”. وقد يعبّر هذا القول بدقة عن حالة كُرد سورية، بعد عقود من التهميش والإقصاء، تلتها سنوات خمس أسّسوا، في مرحلتها الأولى، إدارة ذاتية في ثلاث مقاطعات، الجزيرة وكوباني (عين العرب) وعفرين. كانت وحدات حماية الشعب (الكُردية) هي التي تدير الجانب العسكري، وحركة المجتمع الديمقراطي (تجمع يضم أحزابا وتنظيمات نسوية ومؤسسات مدنية) عرّاب المشروع، وكانت قوات الأسايش (قوات الأمن الداخلي الكردية) المسؤولة عن الأمن. تعرّضت كوباني لهجوم عنيف من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أواخر العام 2014، ما استدعى تحالفاً غريباً بين “الوحدات” ذات التوجه اليساري مع مَن تعتبرها رمزاً للرأسمالية العالمية، الولايات المتحدة الأميركية. ووفّر “تحالف الضرورة” هذا أرضية قوية لبناء علاقة أقوى، تكللت بتأسيس “قوات سورية الديمقراطية”، لتكون شريكة معتمدة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وخاضا معاً معارك تل أبيض والرّقة ودير الزور.

جرى ذلك بالتوازي مع تأسيس مجلس سوريا الديمقراطية ممثلا سياسيا لقوات سوريا الديمقراطية، لكنه لم يستطع أن يقنع أحداً بمشاريعه، وبقي ظلاً لقواته العسكرية، ولم يستطع اختراق أيٍّ من العقد الدبلوماسية التي واجهته طوال سني عمله، خصوصاً مواجهة الفيتو التركي على مشاركته في أي ملتقىً يتعلق بمستقبل سورية.

تطوّر مشروع الإدارة الذاتية إلى فيدرالية مجتمعية، كانت ربما من أكبر أخطاء قوات سوريا الديمقراطية، حيث راهنت على دعم غربي مشابهٍ لحالة كُردستان العراق، وكانت حسابات خاطئة. ومن حينه، بدأ الخط البياني للمشروع الكُردي بالتراجع. تدخلت تركيا عسكرياً لفصل “مقاطعتي كوباني وعفرين”، وسيطرت على مدن جرابلس والباب وإعزاز، أوائل 2016، وأَتبعتها بالسيطرة على عفرين، مطلع 2018، معلنةً بذلك قضم المشروع الكُردي السوري، فكانت الضربة غير القاضية لأحلام الكُرد.

لم يستطع مجلس سورية الديمقراطية أن يقنع الولايات المتحدة بإشراكه في محادثات جنيف، ولا في اللجنة الدستورية المكلفة بكتابة دستور سورية الجديد، ولم تنفع مراهنته على دورٍ فرنسيٍّ يسد الفراغ الأميركي. وتزامن ذلك مع انتهاء المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا ما زاد من تخوّف الكُرد من أن تستخدم الولايات المتحدة مشروعهم كعجل للتسمين، تبيعه، في النهاية، لمن تختاره. وفي الأثناء، كانت تركيا أبرز المتحمّسين لتوجيه الضربة القاضية للمشروع الذي بات يؤرّق رئيسه المأزوم داخلياً، رجب طيب أردوغان، بفعل خسارته كبرى المدن التركية في الانتخابات البلدية، والنزيف الداخلي لحزبه، العدالة والتنمية، وكذلك الأزمات الاقتصادية التي أثقلت حكومته.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يزن الملفات التي ورثها عن سلفه باراك أوباما، بميزان الاقتصاد وحسب. ولذلك اعتبر وجود قوة أميركية في سورية عبئاً على إدارته، فأعلن مطلع 2018، بعد اتصال هاتفي مع نظيره التركي أردوغان، أنه غير معني بالبقاء في سورية، وسينسحب منها خلال شهر، حيث اعتبرها “بلد الرمال والموت” وحسب. وقوبل قراره هذا بالرفض من قيادات وزارة الدفاع الأميركية، ومن دول أوروبية، خصوصاً أنه جاء قبل الانتهاء من القضاء تنظيم الدولة الإسلامية، فأقنعوا الرئيس بالعدول عن قراره، أو تأجيله على أقل تقدير. عيّن ترامب مبعوثاً سياسياً عوّل عليه الكُرد لوضع استراتيجية للبقاء في منطقة شرق الفرات، ولكن ذلك لم يحدث. واتصال آخر بين أردوغان وترامب جعل الأخير يقرّر، من دون رجعة، سحب قواته من سورية، وترك المنطقة لمصيرها وللجيش التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية لها.

كانت الحرب أخيرا أقسى من سابقتها، باعتبارها معركة وجود، ولم يكن الكرد يملكون ترف الخيارات التي تمكّنهم من تدوير الزوايا. وجاء الانسحاب الأميركي مفاجئاً في توقيته وصرامة تنفيذه، والهجوم التركي أسرع من أن يستوعبوه، فكانت الضربة قاصمة لـ”روج آفا”، المولود الذي عايشته مكوّنات المنطقة، ورأوه يذبل أمام أعينهم. اختار قائد “سوريا الديمقراطية” الخيار الذي تحاشاه دائماً، اللجوء إلى روسيا، للتوسط بينه وبين دمشق التي لم تكن لتقبل أي طروحاتٍ لا مركزية من غير المنصوص عليها في دستور سورية عام 2012، والذي يؤكد على اللامركزية الإدارية، ولو بحدّها الأدنى.

ربما سيكون هذا الخيار، على الرغم من تأخّره، الأفضل لحاضر سورية ومستقبلها. الجانبان يشاطران “العداء” لتركيا والإسلام السياسي، ولم يشهد بينهما اقتتال بضحايا كثر يصعب إزالة آثارها، بالإضافة إلى احتفاظهما بعلاقة جيدة مع الاتحاد الروسي، ضابط إيقاع الحرب السورية. بالإضافة إلى أن مناطق شرق الفرات لم تشهد أي نزاعات دينية أو عرقية، وبالتالي، من السهولة أن يتقبّلوا فكرة عودة الاندماج مع الداخل السوري، والسعي معاً إلى تكريس علمنة المجتمع.

أنجزت قوات سوريا الديمقراطية مهمتها في حماية “مناطقها” من التيارات المتشدّدة، واختارت الخيار الصائب بالتحالف مع الحكومة السورية وروسيا في مواجهة تركيا وفصائل المعارضة السورية الموالية لها، وباتت مهمة الجميع ابتداع حل سياسي، تُنصَف فيه القوميات في سورية، وأن تحلّ القضية الكُردية في إطارها الوطني. سيكون ذلك أحد أهم مرتكزات بناء سورية قوية، غير معرّضة لهزاتٍ ما بعد ربيع العام 2011.

العربي الجديد

————————–

مئة عام من النضال الكردي في سبيل الأرض والهوية

يعتبر المقاتلون الأكراد قرار الرئيس دونالد ترامب إفساح الطريق أمام عملية عسكرية تركية في شمال شرقي سوريا طعنةً في الظهر.

لطالما ردد الأكراد عبارة أن “لا أصدقاء لنا سوى الجبال”، مُلمحين إلى تاريخٍ طويل من الخيانات التي مُنيوا بها.

يتوزع الأشخاص ذوو الأصول الكردية البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة بشكل أساسي في جنوب تركيا وشمال العراق وشمال شرقي سوريا وشمال غربي إيران. وغالباً ما يُشار إليهم بأنهم أكبر مجموعة عرقية في العالم لا تمتلك دولة مستقلة، في حين تعرضت المجموعات التقليدية من الأكراد الرُحَّل لأعمال قمعٍ عنيفة من قِبل الحكام الاستبداديين على مدار القرن العشرين، وهو ما شجع ظهور حركات تمردية تدافع عن حقوق الأكراد واستقلالهم وتمتعهم بالحكم الذاتي.

1920

وُعِد الأكراد بتأسيس دولة مستقلة لهم بموجب معاهدة “سيفر”، إحدى المعاهدات التي أنهت الحرب العالمية الأولى وفككت الإمبراطورية العثمانية. لكن لم يتم الإيفاء بالتعهد الذي قطعته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة للأكراد، ورُسمت الحدود الوطنية عبر منطقة كردستان الكبرى المأمولة.

لكن لم يئد هذا حلم القومية الكردية، وشهد القرن ثورات وانتفاضات قام بها زعماء القبائل الكردية على الدول التي تعارض مطالبتهم بالحصول على الحكم الذاتي وتحاول طمس الهوية الكردية.

1923

أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية بعد حرب الاستقلال، مع قيام دولة مركزية ذات قومية تركية والتي كانت تواجه انتفاضات من القبائل الكردية. سُحقت هذه الانتفاضات بالقوة العسكرية. ووضِعت في ما بعد سياسات تقمع حقوق الأكراد وتطمس هويتهم، من خلال حظر استخدام اللغات الكردية وإجبار الأكراد على “تتريك” أسمائهم، وأيضاً أسماء مدنهم وقراهم.

1946

شجع الاتحاد السوفياتي، الذي كان يحتل هو والحلفاء إيران ويحاول ضم شمال غربي البلاد إلى صفهِ، القومية الكردية ودعمها من أجل تأسيس دُويلة ذات حكم ذاتي تطالب بالاستقلال عن إيران تحمل اسم جمهورية مهاباد. لكن سرعان ما أُسقطت تلك الجمهورية قصيرة العمر -دامت 11 شهراً فقط- عندما انسحبت القوات السوفياتية من إيران.

1958

عاد الزعيم القبلي مصطفى البارزاني، الذي حارب لمصلحة جمهورية مهاباد، إلى موطنه الأصلي في شمال العراق ليقود انتفاضة من أجل قيام دولة كردية مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي. وقد أشعل هذا حرباً مع الدولة العراقية استمرت حتى عام 1970.

1962

جُرد نحو خُمس الأكراد السوريين المقيمين في المنطقة ذات الغالبية الكردية في شمال شرقي البلاد من جنسيتهم السورية، وهو ما حرمهم من الوظائف والتعليم وحقوق الملكية المدنية والتمثيل السياسي. وفقد كثيرون منهم أراضيهم، التي سلمتها الدولة للمستوطنين الجدد من العرب والآشوريين.

1972

طلب شاه إيران من الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مساعدته في دعم ثورة البارزاني ضد الدولة العراقية. وقتذاك كان العراق موالياً للاتحاد السوفياتي، لذا وافق نيكسون على بدء تسليح الأكراد. لكن عام 1975، عقد الشاه صفقةً مع العراق، كان من بنودها التخلي عن الأكراد ووقف دعم الشاه لهم وهو ما تسبب في هجر الأميركيين لهم.

1978

تأسس “حزب العمال الكردستاني”، وهو جماعة مسلحة كردية يسارية متطرفة، على يد عبد الله أوجلان، وهو من أكراد تركيا، بهدف إقامة دولة كردية مستقلة باستخدام وسائل العنف، ولنيل حقوق ثقافية وسياسية وتقرير المصير لأكراد تركيا.

1984

بدأ “حزب العمال الكردستاني” استخدام شمال العراق قاعدةً لشن حرب عصابات ضد تركيا، استمرت بصورة مُتقطعة على مدى العقود الأربعة المقبلة. وارتكب خلالها الحزب جرائم إرهابية بشعة، بينما اعتقلت تركيا الأكراد النشطاء سياسياً.

1987- 1988

في الأيام الأخيرة من الحرب الإيرانية – العراقية، شن صدام حسين، الديكتاتور البعثي، حملة إبادة جماعية ضد الأكراد العراقيين، بلغت ذروتها بشن هجوم كيماوي على بلدة حلبجة في إقليم كردستان العراق. ما أسفر عن مصرع أكثر من 5 آلاف شخص في يوم واحد.

1991

حثت إدارة رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج بوش الأب، على حدوث الانتفاضة الكردية في شمال العراق، بعد طرد صدام حسين من الكويت في حرب الخليج الأولى. بيد أن الديكتاتور العراقي قضى عليها تماماً. أدى ذلك إلى نزوح مئات آلاف الأكراد ولجوئهم إلى المناطق الجبلية على الحدود العراقية التركية. دفع ذلك الدمار الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الغربيين، إلى إقامة منطقة حظر جوي لمنع صدام من قصف الأكراد. وظل ذلك الحظر حتى غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

2003

عملت الولايات المتحدة مع الأكراد العراقيين وإقليم كردستان أثناء غزو العراق. وبعد سقوط صدام، اكتسب إقليم كردستان العراق صفة الحكم الذاتي، وتمتع بانتعاش اقتصادي.

2011

أتاحت الحرب الأهلية السورية فرصة أمام الأكراد السوريين لتشكيل منطقة حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا. واختارت الولايات المتحدة المقاتلين الأكراد المحترفين من وحدات حماية الشعب الموالية لـ”حزب العمال الكردستاني”، لقيادة العمليات القتالية في شمال شرقي سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكذلك الجهاديين السنة الذين استغلوا فراغ السلطة للسيطرة على منطقة شاسعة من الأراضي في جميع أنحاء سوريا العراق.

2015

أدى انهيار عملية السلام المتداعية بين “حزب العمال الكردستاني” والدولة التركية إلى موجة من العنف. فقد اندلعت الحرب في المناطق الحضرية، وبخاصة في المدن ذات الغالبية الكردية في جنوب شرقي تركيا، وبدأت موجة من التفجيرات المرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” تجتاح المدن في غرب تركيا، بما في ذلك العاصمة أنقرة واسطنبول.

وأعقبت انهيار المحادثات، التي قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واقترنت بإصلاحات تهدف إلى تحسين حقوق الأكراد، موجة من الاعتقالات لنشطاء وسياسيين أكراد.

2018

في كانون الأول/ ديسمبر، وجه ترامب أول تهديد له بسحب القوات الأميركية من المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، قائلاً إن الجهاديين قد هزموا. ثم غير موقفه ليتخذ بعد ذلك قراراً أكثر اعتدالاً بالانسحاب الجزئي بعدما ثارت ردود فعل غاضبة في الولايات المتحدة والخارج إزاء التخلي عن الأكراد الذين كانوا حلفاء للولايات المتحدة في مكافحة المتطرفين في شمال شرقي سوريا.

2019

تمكنت قوات سوريا الديموقراطية -وهو تحالف متعدد الأعراق والأديان، يتألف من مقاتلين أكراد ومجموعات عربية معارضة لنظام الرئيس بشار الأسد- أخيراً من تحقيق انتصار إقليمي على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شمال شرقي سوريا بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.

7 تشرين الأول/ أكتوبر 

أعلن ترامب أن القوات الأميركية ستغادر المنطقة الحدودية التركية – السورية، حيث كانت تقوم بعمل دوريات مشتركة مع تركيا كجزء من آلية لطمأنة أنقرة إلى أن المقاتلين الأكراد الانفصاليين لن يستخدموا المنطقة لشن هجمات على تركيا. يُنظر إلى موقف ترامب على نطاق واسع بأنه يعطي الضوء الأخضر للتقدم العسكري التركي الذي ظلت تركيا طويلاً تُهدد بالقيام به في هذه المنطقة، ما يضع حلفاء أميركا الأكراد في مواجهة عدو يعتبرون أنه يُمثل تهديداً أكبر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

هذا المقال مترجم عن financial times ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

https://www.ft.com/content/871c10c2-e9c3-11e9-85f4-d00e5018f061

درج

————————-

العرب والكرد السوريون: لوم الضحية/ حازم صاغية

لومُ الضحيَّة مُدانٌ أخلاقياً وسياسياً ثلاث مرّات: حين يرافقه امتناع عن لوم الجلاّد، وحين لا تُوجَّه الحصَّة الأكبر من اللوم إلى الجلاّد نفسه، وحين لا يقال إن الجلاّد صاحب دور أساسيّ، وإن لم يكن دوراً أوحد، في التردّي الذي يصيب الضحيّة.

الوفاء بهذه الشروط يجعل نقد الضحيّة مطلوباً سياسياً، بل واجباً أخلاقيّاً أيضاً، حتَّى في لحظات التضامن معه. أحد أهداف النقد محاولة الحدّ من استضحاء الضحيّة في المستقبل، أو ربّما التغلّب على الاستضحاء ذاته إن أمكن. لهذا، وبعد إدانة أدولف هتلر، يُدان ضحاياه الناجون من المحرقة ممن شاركوا في طرد الفلسطينيين والحلول محلّهم. وبعد إدانة إسرائيل، تُدان المقاومة الفلسطينيّة لتفجيرها نزاعات أهليّة في المجتمعات العربيّة. وبعد إدانة صدّام حسين، يُدان معارضوه الذين تربّعوا على سدّة الحكم في بغداد بعد إطاحته. وبالمعنى نفسه، وبعد إدانة حافظ وبشّار الأسد، يُدان ضحاياهما من العرب والكرد السوريين.

اليوم، الناشطون العرب والكرد، ومن ورائهم بيئات أهليّة لا يُستهان بحجمها، يخوضون فيما بينهم حرباً لفظيّة توازي الحرب التركيّة التي تُشنّ على الكرد خصوصاً، وعلى سوريا عموماً. تلك الحرب ليست مجرّد عدوان على جماعة وعلى بلد، ولا هي مجرّد توسّع ودم وآلام ونزوح. إنّها أيضاً تأسيس لنزاع أهلي عربي – كردي جديد، نزاعٍ قد يرافقنا لعشرات السنين، وقد يرفع صعوبة الوطنيّة والأوطان في منطقتنا إلى سويّة الاستحالة. أمّا إذا تحقّقت رغبات البعض وانتعشت «داعش»، أو تعاظمَ اندفاع الكرد السوريين إلى حضن الأسد، فالمعنى اكتمال عقد «حلف الأقليات» بضمّه الإثنيّات والقوميّات إلى الطوائف والمذاهب. في هذه الحال، سوف يبدو النظام كأنّه كسب معركة الأفكار بعد أن كسب معركة الأرض. الأفق لا يعود يتّسع إلاّ للموت.

قطاعات عريضة عربيّة وكرديّة في منطقة الجزيرة، أو شرق الفرات، أو روج آفا، سمّها ما تشاء، لا تواجه هذا الحاضر اللئيم إلاّ بتركة ماضٍ أشدّ لؤماً.

هذا بعض ما نجده حين نراجع ذاك التبادل المسموم بين الضحايا:

معاناة الأكراد في تعرّضهم المديد لتمييز الأنظمة السورية ضدّهم، ولحملات التعريب، واجهتها الثورة بالامتناع عن تلبية أي من مطالبهم المشروعة، بما فيها استبدال «الجمهوريّة العربيّة السورية» بـ«الجمهوريّة السورية». كلّ المطالب أُجّلت إلى الغد، والغدُ تبعاً لتجارب الأمس، ليس مما يؤتمن له. لسان الثورة، حيال الكرد، كان كثيراً ما يشبه لسان النظام.

الكرد، من جهتهم، استأنفوا ثورتهم بوصفها نشاطاً موازياً للثورة السورية، مستقلّاً عنها. مرارة التخلّي عنهم في تجربة القامشلي عام 2004 ربّما شحذت الحذر فيهم وحضّت على المبادلة بالمثل. لكنّ هذا التوازي لم يخل من صفقات مع الأسد وأجهزته، كما لم يردع عن أعمال تطهير بشعة ومُخزية طالت السكّان العرب.

في الحالات القصوى، كان كلّ من الطرفين يُشهر فزّاعة لعينة في وجه الآخر: للعرب، تنظيمات التكفير الإسلاميّة وتركيّا إردوغان، وللأكراد، حزب العمّال الكردستاني وأوجلان. لقد اتفق الطرفان، من موقع الخصومة، على طرد قضيّتيهما إلى خارج المسرح الوطني لسوريّا. والقضيّتان، كما يُفترض، قضيّة واحدة في مواجهة الاستبداد!

مثل هذا التمادي في الخطأ كان يبرّره لأصحابه، واعين أو غير واعين، أنّهم يحتكرون الاستضحاء والظلم، وبالتالي يحتكرون الحقّ والحقيقة. سواهم خونة ومرتزقة وجلاّدون أو أدوات لجلاّدين.

هذه التجربة، بعد تجارب مريرة سابقة، تحرّض من دون شكّ على مساءلة الاجتماع الوطني السوري في عمومه، إن لم يكن الاجتماع الوطني لعموم المشرق العربيّ: هل نستطيع أن نعيش معاً أحراراً متساوين؟ هذا السؤال كان اللغم الأكبر الذي انفجر بالثورة السورية.

والحال أنّ مراجعة ذاك الاجتماع مسألة لا تزال تستبعدها عوامل كثيرة، آيديولوجيّة وعاطفيّة وعمليّة، عواملُ ليست هذه العجالة مجال نقاشها. لكنْ في هذه الغضون، لا بأس بالعودة إلى تنافس الضحايا على الاستضحاء بوصفه أكثر ما يدمّر القضايا العادلة.

فالتنافس على مَن هو الضحيّة المطلق وجه آخر للتنافس على مَن هو المَلاك المطلق والبريء بإطلاق. ومن يكون كذلك ينعدم عنده الشعور بالذنب حين يرتكب العمل الشرّير لأنّه «جوهريّاً» ملائكي ومضادّ للشرّ. فإذا ارتكبه، ارتكبه كممثّل للاستضحاء متحدّث بلسان الضحيّة. هذا ينجّيه من محاسبة الضمير ويرسمه ضحيّة مؤامرة دائمة لأنّه مختار من الله أو مُصطفى في التاريخ. وبما أنّه كذلك، فهو يطلب لنفسه الامتيازات التي ينبغي أن يتفرّد بنيلها، ويريد أن يعامله الآخرون بغنج ودلال لأنّه يحتكر الاستضحاء.

في تشخيص كهذا نعثر على بعض السلوك الإسرائيلي المغناج في طلب التعويض عن المحرقة، وفي المطالبة بمعاملة استثنائيّة دائمة. وفيه نعثر على حسد الشعوب الكثيرة لليهود لأنّ مأساتهم فاقت في ضخامتها ضخامة باقي المآسي. التشخيص إيّاه يقدّم لنا أحد العناصر التي تفسّر استعصاء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على الحلّ السياسيّ.

نعم، هؤلاء الضحايا يُلامون، ومثلهم يُلام عرب سوريا وكردها الذين هم، من دون أدنى شكّ، ضحايا. وفي التضامن معهم، وهو تضامن مؤكّد، يُستحسن ألا نفقد حسّ النقد والمراجعة. بهذا نتضامن على نحو أفضل وأفيَد.

الشرق الأوسط

———————-

ترامب يكرر في سوريا سياسة أوباما/ محمد قواص

قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدية العام في سوريا. دفعت واشنطن الأكراد إلى حضن موسكو ودمشق بالتواطؤ الكامل مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان. بدا أن المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيسين التركي والأميركي، قبل أكثر من أسبوع، فتحت الباب لمسار شيطاني خبيث يقلب أمور سوريا ويزلزل الستاتيكو في وضعها، ليؤسس لمسار التسوية المقبلة في هذا البلد.

تصرف الأكراد في شمال شرق البلاد وكأنهم ينفذون خارطة طريق رسمت مسبقا واندفعوا لتنفيذها عن سابق تصور وتصميم بعد الساعات التي تلت بدء الهجوم التركي على مناطقهم.

وسارعت المنابر التركية إلى التهديد والتلميح بأن الأكراد سيذهبون إلى فتح مناطقهم أمام قوات النظام السوري، بل ذهب البعض منها إلى الوعد بفتح المناطق أيضا أمام القوات الإيرانية وميليشياتها.

بدا أن حالة التحفّظ والارتباك التي أظهرتها مواقف الأكراد الرسمية لدى سؤالهم حول الضجيج المتعلق باندفاعهم إلى خيار دمشق، تعبر عن أمل في أن يحدث زلزال سياسي ما في الولايات المتحدة يقلب الأمور رأسا على عقب.

أوحت الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة بذلك. صدر ما صدر عن البنتاغون والكونغرس والسيناتور الجمهوري الشهير ليندسي غراهام، ما دفع إلى تحوّل موقف ترامب وقذفه برشقات تهديد ضد تركيا، وإطلاقه الوعيد بتدمير اقتصادها. بيد أن سيد البنتاغون، وزير الدفاع مارك أسبر، الذي سبق أن حذر تركيا من القيام بحملتها العسكرية، هو الذي أعلن خارطة الطريق التي كشفت عن اتفاق الأكراد مع روسيا والنظام السوري.

أنهت واشنطن برمشة عين الحالة الكردية في سوريا. نالت الولايات المتحدة من الأكراد ما تريده، وألقت بهم في أتون الحرب الدولية ضد داعش والإرهاب. لم يكن أمام الأكراد خيار آخر، فإما الانخراط بحرب واشنطن ضد تنظيم أبوبكر البغدادي، وإما أن هذا الأخير سيتقدم وجماعاته إلى مناطقهم ومدنهم وقراهم ويمارس ضدهم ما سبق أن مارسه ضد اليزيديين، وما حاول ممارسته ضد الأكراد في العراق.

عرف أكراد سوريا جيدا أن لقوتهم وحلمهم توقيتا تحدده ساعة المصالح الكبرى. أدركوا أن الجرعات الحالمة التي حصلوا عليها خلال السنوات الأخيرة بسبب ظروف ما، سينتهي مفعولها حين يتغير الزمان وتتبدل الظروف. علّمهم التاريخ الموجع ذلك، وهم تربوا على قسوته، وربما لم يفاجئهم التحول الدراماتيكي السريع الذي قاد إلى انهيار الأوهام خلال ساعات تقررت في اتصال هاتفي بين أنقرة وواشنطن.

التمرين الأميركي الذي يقوده ترامب المرشح والرئيس منطقي ومتوقع في السياق العام للسياسة الأميركية التي انتهجتها الولايات المتحدة في شأن سوريا. أظهرت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما استخفافا بالمصاب السوري، وكشفت عن هامشية المصالح الأميركية في سوريا وعدم أهمية هذا البلد في خارطة المنافع الكبرى لواشنطن.

لم يفعل ترامب إلا ما فعله أوباما. واضح أن ترامب الذي يكره سلفه ويمقت إنجازاته ويجاهر بهوس بتقويض فلسفته في السياسة الخارجية، لا يقوى في سوريا إلا على المشي على الخط الذي رسمه أوباما بمهارة وخبث وماكيافيلية.

سلّم الرئيس الأميركي السابق الملف السوري برمته إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين. غضب أوباما يوما وهدد باستخدام قوة الدولة الكبرى حين استخدم النظام السوري السلاح الكيمياوي ضد مناطق المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق في 21 أغسطس 2013. تحركت البارجات واستُنفرت برلمانات الدول الحليفة للولايات المتحدة موحية بالحرب الكبرى.

وتقدم بوتين بخدماته عارضا القيام بالـ”مهمة القذرة” لصالح الديمقراطيات الكبرى في العالم. موجز القول: لا توسخوا أيديكم ودعوني أتصرف على طريقتي. قدم بوتين السلاح الكيمياوي السوري للعالم. سلمت دمشق ترسانتها وسلمت واشنطن والحلف الغربي سوريا لبوتين.

منذ أن أعطى أوباما الضوء الأخضر للزعيم الروسي للبدء في تدخله العسكري في سوريا في سبتمبر 2015، أسس الثنائي سيرجي لافروف وجون كيري للنصوص المقدسة في السياسة والأمن والعسكر التي تؤمن مواكبة العالم الغربي لمعمودية النار التي أطلقها الروس في سوريا.

وسعت واشنطن والعواصم الحليفة إلى السهر على إزالة المعوقات من أمام آلة الحرب الروسية في ذلك البلد، حارمة المعارضة السورية، التي لطالما ادعت واشنطن ودول أصدقاء سوريا رعايتها ودعم قضيتها، من أي قوة من شأنها التشويش على التفوق الناري الروسي في سوريا.

كان هاجس بوتين ألا يحصل لروسيا ما حصل للاتحاد السوفييتي في أفغانستان حين انتشرت صواريخ ستينغر الأميركية المحمولة على أكتاف المجاهدين تصطاد الطائرات السوفييتية المغيرة مؤسسة لانهيار الاتحاد السوفييتي لاحقا. نجحت واشنطن وحلفاؤها بمهارة في تأمين جثث المعارضة لبوتين قبل قتلها.

يفعل ترامب ما فعله أوباما. يقدم للرئيس الروسي الأكراد ومناطقهم في شرق سوريا على طبق من ذهب. يسلم الرجل لصديقه الروسي، الذي لا يخفي إعجابه به، رأس القضية الكردية في سوريا، كما قدم أوباما له في السابق رأس قضية المعارضة السورية. وبالتالي، فإن لا شيء جديدا، حتى لو كان الأكراد، كما المعارضة التي تُستخدم ضدهم هذه الأيام، يأملون ألا يتكرر هذا الكابوس.

إن الاتفاق الكردي مع دمشق وموسكو يعزز موقف روسيا ويسلم لها، من جديد، قيادة الملف السوري دون أي منافس. الاتفاق انتصار لروسيا حتى لو أن منابر تركيا ستضجرنا في الحديث عن الانتصار، وحتى لو أن المعارضين السوريين الذين يسيرون في ركب تركيا يصدحون بجنون انتشاء بالنصر، الذي وكأنهم خرجوا من أجله منذ 8 سنوات.

الاتفاق يعيد ضبط شركاء عملية أستانة الآخرين، تركيا وإيران، وفق الخرائط الروسية وحدها. فإذا ما عارضت إيران العملية العسكرية التركية التي أباحها ترامب، فإن اتفاق الأكراد مع موسكو ودمشق يحظى برعاية أميركية تؤسس لظهور رعاية دولية يبحث عنها بوتين للتسوية السورية التي تشرف موسكو على ولادتها، والتي ظهر أن الولادة القيصرية للجنة الدستورية هي واحدة من واجهاتها.

الاتفاق يضع حدودا للحملة العسكرية التركية ويرسم خطوطا حمراء تتشارك موسكو وواشنطن في رسمها على نحو يرفع أسوارا أمام طموحات أردوغان في المضي بعيدا في عمق الشمال السوري. ولئن تخرج كل منابر النظام السياسي في تركيا لترد هذه الأيام على تهديدات ترامب وواشنطن والتعبير عن عنفوان تركي يرفض أي تهديد، فإن أردوغان وحزبه وحكومته، سبق أن خبروا (إثر إسقاط السوخوي في 24 نوفمبر 2015) غضب روسيا وزعيمها وذاقوا مرارة حردة، كما أن أردوغان يعرف علقم الاعتذار وتطييب الخاطر الذي اضطر إلى التقدم به لاسترضاء بوتين المتدلل.

انتصرت روسيا مجانا. استثمر الأتراك جهودا عسكرية وسياسية ومالية. استثمر ترامب مواقف دغدغت كتلته الناخبة بوعود سحب القوات الأميركية من سوريا. استثمر العالم الغربي مواقف الإدانة والشجب والاستنكار ضد تركيا وزعيمها وعملياتها العسكرية. وحدها موسكو راقبت الفلاحة والحرث وحضرت حفلة الحصاد.

العرب

————————-

الاجتياح التركي لن يعالج مشكلة تستوجب حلا سياسيا/ عبدالباسط سيدا

الوضع في منطقة شمال شرق سوريا اليوم يتقاطع في أوجه كثيرة منه مع الوضع الذي كان في لبنان، وبيروت تحديدا عام 1982. ففي ذلك الحين شنت إسرائيل هجوماً شاملاً على لبنان، بدأ من الجنوب، ثم امتد ليحاصر بيروت، ويقتحمها. وكان الهدف المعلن منه منذ البداية هو إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان؛ وظلت إسرائيل مصرة على هدفها، تقصف بيروت برا وبحرا وجوا وسط صمت دولي وتواطؤ النظام السوري وعجز عربي، إلى أن تمكنت من إخراج المنظمة وقياداتها التاريخية بزعامة ياسر عرفات من لبنان.

الاقتحام الإسرائيلي لبيروت كان سابقة غير معهودة، إذ دخلت إسرائيل بالقوة العسكرية عاصمة عربية، واستعانت بالجهود الإعلامية واللوجستية والاستخباراتية التي قدمتها العديد من الفصائل اللبنانية، وهي الفصائل التي كانت في ذلك الحين في مواجهة فصائل أخرى من تلك التي كانت منضوية تحت إطار الحركة الوطنية اللبنانية، وهذه الأخيرة كانت قد تحالفت من جانبها مع منظمة التحرير. هذا في حين أن النظام السوري، الذي كان قد دخل إلى لبنان في عام 1976 بضوء أخضر أميركي وموافقة ضمنية إسرائيلية، ليقوم بدور قوات الردع التي كانت تضبط الأوضاع في لبنان لصالح النظام السوري ومشاريعه المستقبلية.

ويعرف المطلعون المتابعون لهذا الملف كيف دخلت منظمة التحرير إلى لبنان، وما هي الأدوار التي قامت بها هناك، وإلى أي حد تفاعل معها اللبنانيون سلبا أو إيجابا، وكيف تحولت إلى شبه دولة داخل الدولة اللبنانية التي لم تكن لها أي سلطة على المنظمة. ولا ننسى في هذا المجال حالة تعاطف الشعوب العربية بصورة عامة مع المنظمة وتأييدها لها، الأمر الذي كان يكسبها قوة معنوية هائلة لم تتمتع بها أي حركة عربية أخرى.

وفي يومنا هذا يأتي الهجوم التركي العسكري على منطقة شمال شرق سوريا بضوء أخضر أميركي، ومباركة روسية واضحة، ليشكل سابقة غير معهودة في طبيعة العلاقة بين البلدين، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار تلك التهديدات التركية بالتدخل في سوريا التي كانت عام 1998، وطالبت بموجبها النظام السوري بإخراج عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال وكوادر حزبه من سوريا، وكانت اتفاقية أضنة الأمنية العسكرية بين الجانبين عام 1998، ونفذ النظام السوري المطلب التركي.

والجدير بالذكر هنا هو أن العديد من قياديي حزب العمال الكردستاني الحاليين لديهم تجربة من لبنان وسوريا. فقد كانوا يعملون مع الفصائل الفلسطينية، وشاركوا في الأعمال القتالية أثناء الاجتياح الإسرائيلي، ثم انتقلوا إلى سوريا مع أوجلان ليتم استبعادهم عنها بموجب الاتفاقية المشار إليها.

الجيش التركي يخوض اليوم حربا على حزب العمال الكردستاني في منطقة شمال شرق سوريا، وفي المناطق الكردية الحدودية بصورة خاصة؛ ويهدد بتوسيع دائرة الهجوم، ورفع وتيرته. وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة أن الهدف هو إخراج هذا الحزب من المناطق المشار إليها، وإعادة السوريين إلى منازلهم، وإيجاد الملاذ الآمن لأولئك الذين فقدوا بيوتهم، الأمر يفهم منه النية في إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، وهو الأمر الذي عبّر قرار مجلس الجامعة العربية الأخير صراحة عن رفضه له.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن دخول حزب العمال الكردستاني عبر واجهته، حزب الاتحاد الديمقراطي، إلى سوريا كان بالتفاهم والتنسيق الأمني مع النظام السوري، وذلك مثلما كان الحال عليه بالنسبة إلى دخول ميليشيات حزب الله، والقوات الإيرانية، ومن ثم الروسية.

ومع تطور مجريات الأحداث وتعقدها في سوريا، وتبدّل الأولويات، وجدت الولايات المتحدة ضالتها في هذا الحزب لاستخدام قواته في محاربة تنظيم داعش تحديداً من دون النظام، ويبدو أن هذا الأمر كان بالتفاهم والتنسيق مع الجانب الروسي الذي تقاسم أرض سوريا وسماءها مع الجانب الأميركي، بموجب توافقات لسنا مطلعين على نصوصها ولكننا نرى نتائجها التطبيقية على الأرض.

سوريا

استخدمت الولايات المتحدة حزب الاتحاد الديمقراطي أداة في حربها على داعش، وكانت تدرك الأبعاد السلبية التي سيتركها ذلك على العلاقات العربية- الكردية ضمن سوريا. فداعش، كما نعلم جميعاً، يتحرك في المناطق العربية السنية، ويتحكّم فيها، هذا في حين أن الاتحاد الديمقراطي كان يُقدم وكأنه يمثل الأكراد السوريين، هذا في حين أن الجميع يعلم أن هذا الحزب قد تم إقحامه في الساحة الكردية السورية لضبطها، ومنع تفاعلها مع الثورة السورية. بل إن هذا الحزب لا يستخدم صفة الكردية للتعريف بنفسه وبقواته، ولكن مع ذلك هناك إصرار لافت من جانب وسائل الإعلام الدولية والعربية والتركية على الربط بينه وبين أكراد سوريا، وهو ربط لا يعكس الواقع الفعلي.

وكان من الواضح منذ البداية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عجلة من أمره بخصوص الانسحاب من سوريا، وذلك التزاما منه كما أعلن أكثر من مرة، بالوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه أمام الناخب الأميركي.

وبالتوافق مع هذا، وجدناه يستعجل إعلان الانتصار على داعش بعد انتهاء معارك باغوز ربيع 2019، والمبالغة فيه، ليقرر في الوقت نفسه سحب القوات الأميركية التي كانت موجودة بصورة رمزية على الأرض السورية، حيث تشرف على القوات العسكرية التابعة لـ”ب.ي.د” وهي القوات التي كانت وقود العمليات البرية، التي كلفتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين.

ومن المفروض أن ترامب وأركان إدارته كانوا على اطلاع بما سببه اعتمادهم على الحزب المذكور من ضغط على الأكراد السوريين واستهداف لهم باتهامات الانفصال وعدم الوفاء والانتهازية وحتى الخيانة وغيرها من التهم، وهم في واقع الأمر لا حول لهم ولا قوة ولا تأثير ولا مصلحة في كل ما جرى من صفقات وصراعات وقتال على أرضهم وبإمكاناتهم.

وقد اضطر ترامب في ذلك الحين، وتحت تأثير الضغوط الداخلية ضمن إدارته على تعليق قراره دون إلغائه، إلى أن توصل مع الرئيس التركي إلى تفاهم ما زالت تفصيلات بنوده سرية، هذا رغم التخمينات والاستنتاجات. ولكن يبدو أن التوافق قد تم بين الرجلين، كل لأسبابه الخاصة، لاسيما الضغوط الداخلية والحسابات الانتخابية.

العملية التركية ما زالت في بداياتها، ولكنها منذ الآن قد حوّلت واقع الأكراد السوريين إلى جحيم يومي. فالأجواء هي أجواء حرب حقيقية في كل مكان. هناك تبادل للقصف من الجانبين يتسبب في قتل المدنيين من الجانبين، كما أن المرافق الحياتية قد تضررت وتوقف بعضها. والناس في نزوح عشوائي في مختلف الاتجاهات. وبكل تأكيد ستصبح الأمور أسوأ حينما تشتد المعارك وتتسع دائرة التدخل. وهناك خشية كبيرة لدى الناس من المسلحين السوريين المرافقين للجيش التركي تحت اسم “الجيش الوطني”، وهو جيش تسليحه وتمويله وتعليماته بالكامل من الجانب التركي. فلدى قسم كبير من عناصره سجل حافل بالانتهاكات التي أقدموا عليها في منطقة عفرين، وكل الخشية من أن تتكرر التصرفات ذاتها هذه المرة في منطقة شرقي الفرات، وفي الجزيرة السورية تحديدا، وقد عززت صور الانتهاكات التي تناقلتها وكالات الأنباء هذه الهواجس.

فالدول لا تورط نفسها عادة بالجرائم التي يمكن أن تحاسب عليها، أمام المنظمات الدولية، وإنما تسند المهام القذرة إلى التابعين المحليين، ونذكّر في هذا المجال بالاجتياح الإسرائيلي للبنان، ومجزرة صبرا وشاتيلا التي كانت بأيدي قوى لبنانية في ذلك الحين، وفي ظل الوجود الإسرائيلي.

كيف سيكون مآل الأوضاع في نهاية المطاف؟ هل ستدخل تركيا إلى منطقة شرقي الفرات لتبقى، مثلما فعلت حتى الآن في المناطق الأخرى من الشمال السوري، ومنها عفرين؟ أم أنها عملية محدودة من جهة الوقت والأهداف، ستنتهي بمجرد إخراج حزب العمال الكردستاني من الساحة السورية، كما فعلت إسرائيل حينما أخرجت منظمة التحرير من لبنان؟

ولكن في الحالة الأخيرة كانت هناك سلطة لبنانية شكلية، توافقت إسرائيل معها على الخروج مقابل التزامات معينة. هل ستفعل تركيا الأمر نفسه مع نظام بشار الأسد، متسلحة باتفاقها الأمني الذي كان مع والده؟ أم أنها ستنتظر، ربما بتوافق مع الجانب الأميركي، إلى حين انقشاع غبار المعارك ووضوح الرؤية، لتدخل في مفاوضات من موقع قوي مع المتصارعين على سوريا من غير المتاخمين لها؟

أم أن هذا التدخل سيكون مقدمة لتحريك العملية السلمية المشلولة، للوصول إلى حل عادل للقضية الكردية في تركيا نفسها، فتتحول هذه القضية من مشكلة إلى جسر للتواصل بين تركيا والمجتمعات والدول المحيطة بها، وبذلك تتحرر تركيا من عقدة الهاجس الكردي الذي يؤرق التفكير السياسي التركي سواء في الحكم أم في المعارضة؟

فهذا الهاجس يترك آثاره السلبية العميقة على الأوضاع في الداخل التركي، خاصة من جهة التعايش المشترك بين مختلف مكونات النسيج المجتمعي الوطني في تركيا. كما أنه يربك علاقة تركيا مع المجتمعين الدولي والإقليمي، ويؤدي إلى التشكيك في قدرتها على أداء دور النموذج المطلوب الذي من شأنه الإسهام في عملية تأمين الأمن والاستقرار، وذلك كمقدمة لعملية نهوض كبرى، تطمح لضمان مستقبل أفضل للأجيال الشابة في المنطقة، لتمكنها من توظيف طاقاتها وإبداعاتها في ميادين الإنتاج والتقدم العملي والتكنولوجي، الأمر الذي سيخفف من التشدد والتطرف ويجفف منابع الإرهاب، ويفتح الأبواب واسعة أمام إمكانيات حقيقية لحل مشكلات المنطقة بأسرها على أساس التفاهم والاحترام المتبادلين، ومراعاة المصالح المشتركة.

إذا كنا نريد الخير لمجتمعاتنا، علينا أن نبحث في جذور المشكلات، لنعمل على تقديم الحلول الواقعية لها. أما أن نصر على استخدام القوة العسكرية من أجل الحد من مخاطر النتائج المنبثقة عن الممارسات الخاطئة، فهذا معناه أن دورة العنف التي أنهكت مجتمعات منطقتنا ودولها ستستمر، وستستمر معها دورة استنزاف الموارد البشرية والمادية، وهذا ليس في صالح أحد.

الحكمة تلزمنا بالقطع مع التعصب بكل أشكاله ومسمياته، والبحث المشترك عن الحلول الإبداعية الممكنة رغم كل ما حدث ويحدث.

العرب

—————————

المناطق الآمنة ومستقبل الوجود التركي في سوريا/ إبراهيم نوار

اكتست العلاقات التركية – السورية تاريخيا بملامح التوتر، منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وبدء عملية إقامة الدولة الحديثة في كل من البلدين؛ الدولة القومية الحديثة في تركيا بقيادة كمال أتاتورك، والدولة القومية العربية في سوريا بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني توماس إدوارد لورانس. خرائط سايكس – بيكو كانت ترسم حدودا لسوريا غير الموجودة حاليا، أتاتورك فرض تغيير الحدود عمليا، باقتطاع محافظة الاسكندرونة وضمها إلى تركيا.

سوريا من ناحيتها حاولت أن تلعب دورا ضد تركيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بمد جسور للتعاون مع الحركة القومية الكردية في تركيا. هذا التعاون وصل إلى منح الأكراد معسكرات للتدريب، واستضافة زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان. على الرغم من ذلك، كان رجال الصناعة السوريون، ينظرون إلى تركيا بوصفها بوابة إلى أوروبا، ونافذة من نوافذ التصدير إلى العالم.

لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد ذلك، وتحولت سوريا إلى بؤرة للتوتر، اجتذبت جماعات إسلامية متطرفة ومرتزقة في حرب أهلية مزقت البلاد. تركيا كان لها نصيب. في البداية تدخلت لإسقاط الأسد، لكنها في عام 2017 انضمت إلى كل من روسيا وإيران في قيادة عملية عسكرية وسياسية، تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا. هذه العملية كان لها جناحان، سياسي هو مفاوضات أستانة السياسية، وعسكري هو إنشاء سلسلة من المناطق الآمنة أو مناطق «تخفيف التوتر»، لإنهاء الحرب.

العملية العسكرية التركية الجديدة في سوريا، التي أطلق عليها أردوغان اسم «نبع السلام»، تنحصر أهدافها، حسب الرواية التركية، في تطهير شرق الفرات من الإرهابيين، وحماية الأمن القومي التركي، وإقامة (منطقة آمنة) على طول الحدود، بعمق يصل إلى 35 كيلومترا، والبدء في خطة للإعمار في هذه المنطقة بتكلفة 27 مليار دولار، لاستيعاب ما لا يقل عن مليونين من اللاجئين السوريين المقيمين حاليا في تركيا. النتائج الأولية للعملية حتى الآن هي نزوح أكثر من 130 ألفا من أهالي المنطقة، لأنها ليست آمنة، وتهديد العملية السياسية في سوريا، وفتح طريق لعودة الجيش العربي السوري إلى الحدود الشمالية بالتعاون مع الأكراد. اجتياح تركيا لحدود سوريا الشمالية يثير العديد من الأسئلة، حول مدى التزامها بالتفويض المتفق عليه بين كل من روسيا وإيران وتركيا، الذي يتضمن العمل على ضمان وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها. موسكو قالت إنها لم تعرف مسبقا بقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال شرق سوريا، بينما سارعت طهران إلى إجراء مناورات عسكرية على حدودها مع تركيا، تحسبا لأي تطورات غير متوقعة.

مصطلح «المنطقة الآمنة» ليس جديدا في قاموس إدارة الصراع. وقد تطور مفهومها اشتقاقا من المناطق منزوعة السلاح، في اتفاقيات حفظ السلام أو تسوية النزاعات الحدودية، مثل المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود بين الكوريتين. لكن صراعات ما بعد الحرب الباردة، وعودة النزعة القومية المتوحشة في بعض مناطق العالم مثل البلقان، سجلت الحاجة لإقامة مناطق آمنة، يتركز الهدف منها في حماية المدنيين من مخاطر الحرب، وتقديم مساعدات إنسانية لهم. وتعد المنطقة الآمنة في سبرينتسا في البوسنة، التي شهدت مذبحة غيرت مسار الحرب في البلقان، من أشهر هذه المناطق. أيضا نحن نعرف عن المنطقة الآمنة في شمال العراق، التي فرضتها الولايات المتحدة لحماية الأكراد في التسعينيات، وكذلك المناطق الآمنة التي انشئت تحت إشراف الأمم المتحدة في مناطق أخرى مثل جنوب السودان ورواندا- بوروندي. المناطق الآمنة كما عرفها قاموس الصراعات في العالم كان الغرض منها أساسا، إما حفظ السلام وتقليل فرص الاحتكاك بين دولتين، أو لضمان سلامة المدنيين، وتوفير المساعدات الإنسانية لهم، في مناطق صراع انهارت فيها سلطة الدولة.

الصراع في سوريا أضاف عنصرا جديدا مهما إلى مفهوم المناطق الآمنة، يتعلق بإدارة الحرب، وأظن أن الفضل في ذلك يعود إلى قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على تجميع خيوط اللعبة بين أصابعة، وتحريك هذه الخيوط في اتجاه متناسق، بحيث يكون الأثر النهائي هو وقف الحرب، وفتح مسار جديد لتسوية الصراع، يسمح لروسيا بأن تلعب دورا محوريا، لفترة من الوقت، على المدى المتوسط على الأقل، في منطقة شرق البحر المتوسط. المناطق الآمنة في سوريا (المعروفة اصطلاحا باسم مناطق تخفيف التوتر)، تؤدي أيضا إلى خلق وضع سياسي جديد، يسمح للدولة المنهارة باستعادة سلطتها وسيادتها على أراضيها.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والقادة العسكريون الروس قدموا ميدانيا نموذجا جديدا للمناطق الآمنة، يتجاوزنموذج حفظ السلا ، ونموذج أمن المدنيين في مناطق الصراع. نموذج المناطق الآمنة (تخفيف التوتر) في سوريا، يمثل آلية لإدارة الحرب، بهدف وقف الاقتتال وفتح الطريق لتسوية سياسية. هذا هو الجديد، الذي ربما، يتشابه جزئيا مع نموذج «الفصل بين القوات» المصرية والإسرائيلية، الذي ابتكره هنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر 1973. ويمكن القول بأن إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سوريا، اعتبارا من عام 2017، يمثل المرحلة الثانية من مراحل الاستراتيجية الروسية هناك. المرحلة الأولى، كانت التدخل العسكري المباشر (2015)، والمرحلة الثالثة هي مفاوضات أستانة للتسوية السياسية، التي بدأت على التوازي مع مناطق تخفيف التوتر، التي تم الاتفاق عليها في قمة سوتشي (مايو 2017)، التي تشمل: أولا، الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وكان يوجد فيها مقاتلون من «جبهة النصرة» وتنظيمات أخرى، تضمنها روسيا، وتديرها بالاشتراك مع الحكومة السورية. ثانيا، منطقة حمص وريفها الشمالي، وتضمنها روسيا أيضا. والثالثة وهي الأهم في إدلب، وتضم إدلب ومناطق من محافظات اللاذقية وحماة وحلب. وتوجد أيضا منطقة رابعة في جنوب سوريا، وتضم درعا والسويداء والقنيطرة، وتتولى روسيا إدارتها بتفاهم مع الأردن وإسرائيل.

وتقوم مناطق (تخفيف التوتر)على أساس عدد من المعايير السياسية، والمحددات الأمنية والعسكرية، تلتزم بها الأطراف الضامنة، من خلال مركز مشترك للتنسيق والعمليات. من أهم المعايير السياسية، الالتزام بوحدة الأراضي السورية، واحترام سيادتها واستقلالها. وبالنسبة للمحددات الأمنية والعسكرية، فقد تم الاتفاق على أن تتولى قوات شرطة عسكرية، ومسؤولون للاتصال في كل منطقة، مهام المراقبة، وسحب الأسلحة الثقيلة، ووقف غارات الطيران، بافتراض عدم وجود عمليات على الأرض، وتأمين خروج المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية إلى السكان. بالطبع كانت وما تزال إدلب هي أكبر وأصعب وأخطر هذه المناطق؛ فتم الاتفاق على توزيع الأدوار فيها على الدول الثلاث الضامنة، بحيث تولت تركيا مهام المراقبة والإدارة في الجزء الشمالي الغربي من إدلب، وتولت إيران المسؤولية في الجنوب الشرقي، في حين اتخذت قوات الشرطة العسكرية الروسية موقعها في الوسط. وعلى الرغم من كل التجاوزات وأعمال خرق الاتفاقيات، فقد سارت تجربة مناطق تخفيف التوتر بنجاح حتى الآن، على التوازي مع التقدم في عملية أستانة السياسية، لكن أصعب وأخطر التحديات المنتظرة هو ما يتعلق بمستقبل المنطقة الآمنة في إدلب.

على ضوء ما تقدم يتضح أن العملية العسكرية التركية الأخيرة، هي عملية تركية خالصة، من حيث الأهداف والوسائل، ولا تتضمنها خطة المناطق الآمنة التي تم الاتفاق عليها في سوتشي، كما أن تركيا بدأت تنفيذها باتفاق مع الولايات المتحدة، بدون التنسيق مع الأطراف الأخرى أو إبلاغها مسبقا. وهذا من شأنه أن يضع قيودا على نجاحها، وأنها من المرجح أن تواجه عقبات في مراحلها الأخيرة، لأن نجاح أي عملية عسكرية يتطلب وضوحا شديدا لما بعدها. لذلك فقد عادت روسيا وإيران إلى التأكيد على احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهو ما يتعارض مع تمسك تركيا باحتلال شريط حدودي عميق، بدعوى مكافحة الإرهاب، ومباشرة أنشطة اقتصادية على أراضي هذا الشريط، بدعوى توطين اللاجئين، وهو ما يعد خرقا لقواعد اللعبة المتفق عليها، وينطوي على إهدار لمسؤوليات الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران. كذلك فإن ردود الفعل الأوروبية والأمريكية، التي تضمنت وقف صادرات السلاح بواسطة القوى الأوروبية الرئيسية، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية قاسية بواسطة الولايات المتحدة، تعني أن استمرار العملية العسكرية التركية، سيكون مكلفا، ويهدد الدور التركي بأكمله، كشريك في العملية السياسية السورية، خصوصا مع الموقف شديد الحذر الذي تتخذه طهران وموسكو تجاه أنقرة. هذا الحذر الشديد يأخذ في اعتباره ثلاثة اعتبارات، الأول هو مصلحة الدولتين في تصفية نفوذ الولايات المتحدة في سوريا، والثاني هو التحدي الخطير الذي ينتظرها عند البدء في تسوية الأوضاع في إدلب، حيث تلعب تركيا هناك دورا مهما، والثالث يتعلق بمقومات السيادة السورية، التي تتضمن أن وجود أي قوات أجنبية على أراضيها، سيكون مشروطا بموافقة حكومتها المقبلة.

كاتب مصري

القدس العربي

————————

ترامب يمنح الجائزة الذهبية في سوريا لبوتين/ عبدالناصر العايد

أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسؤولي الخارجية والدفاع، إنه لا يريد جندياً أميركياً واحداً في سوريا عند انطلاق حملته الانتخابية مطلع العام المقبل، التي سيركز فيها على أنه وَعَدَ الأميركيين “بإعادة جنودنا من حرب أوباما وها أنا وفيت بوعدي”.

في أحد تبريراته لهذا الانسحاب، قال ترامب إننا في سوريا “نتخبط في مستنقع حروب سخيفة لا تنتهي، لا أحد يريدنا أن نبقى هناك سوى روسيا والصين”. لكن المتأمل لمكاسب موسكو من هذا الانسحاب سيكتشف أن ترامب، وهب موسكو تحديداً جائزة ذهبية، نظير تدخلها في الشأن السوري لأعوام.

قبل رحيله من سوريا، منح ترامب جائزة ترضية لتركيا هي مدينتي تل أبيض ورأس العين، وترك ما تبقى لروسيا، التي اخضعت الأكراد لهيمنتها مباشرة من دون طلقة واحدة. وبدأت روسيا نشر ما تبقى من قوات نظام الأسد على الحدود مع تركيا، لتحد من توغل الأخيرة، قبل السيطرة على شرق الفرات قطعة قطعة، بالتزامن مع الانسحاب الأميركي الممنهج عسكرياً، وصولاً إلى ديرالزور التي ستكون غالباً آخر منطقة يرحل عنها الأميركيون.

أولى الفوائد التي ستحصدها روسيا، بعد سيطرتها على الشرق السوري، ستكون اقتصادية، فشرق سوريا يضم ما لا يقل عن 70% من موارد سوريا الطبيعية، ما يمكن من تعويض بعض أكلاف “الاستثمار” الروسي في سوريا.

إلا أن حلول روسيا مكان أميركا في سوريا، وسيطرتها الكلية على الموقع الجيوسياسي السوري على الحدود مع العراق وتركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، ستجعل منها لاعباً رئيسياً في شرق المتوسط. هذا عدا عن صفقات السلاح التي ستسعى دول المنطقة لابرامها مع روسيا، كسباً لودها، وتحاشياً لتنمرها بعدما أضحت جاراً جديداً لها، ما سيزيد من دائرة النفوذ الروسي، والقدرة على التدخل أكثر في النزاعات الدولية.

الاقتصاد السياسي هذا ليس كل الجائزة، ثمة رأس مال سياسي كبير وضع بوتين يده عليه بالسيطرة على المنطقة، فهو سيستحوذ من الآن فصاعداً على ورقة الجهاديين، سواء “داعش” شرقي سوريا، أو “القاعدة” في شمالها الغربي. سيساوم بوتين أوروبا، وربما واشنطن، على مئات الجهاديين القابعين في سجون “قسد” اليوم، أو الآخرين شبه السجناء في إدلب، أو حتى تلك الذئاب المنفردة المختبئة في الصحارى والقرى.

وعلى صلة بهذا الملف الذي يؤرق الغرب، سيكون لروسيا دور حماية أمن إسرائيل، مع ما يرافقه من العوائد المجزية على الصعيد الدولي.

إقليمياً، ستكون روسيا صاحبة الكلمة الفصل في الصراع العربي-الايراني. ومنذ تدخلها العسكري في سوريا نهاية العام 2015، طرحت روسيا نفسها على الجانب العربي بوصفها الطرف القادر على لجم التمدد الايراني، وضبط سلوك طهران التوسعي.

زيارة بوتين الأخيرة للملكة العربية السعودية، حملت للرياض عرضاً يضمن لها حصة العرب من سوريا، بدل أن تستأثر انقرة بتمثيل “العرب السنة”. ولانقرة أيضاً أصبح من البديهيات، ان موسكو وحدها من يستطيع أن ينقذها من كابوس الإقليم الكردي على خاصرتها الجنوبية. أما للأكراد، فروسيا ستكون الضامن الوحيد الموثوق، لعدم سحقهم في رحى الأتراك والعرب الناقمين عليهم والنظام، بعد اندفاعتهم غير المحسوبة التي ورطتهم بها واشنطن.

سيجرب الأكراد بكل تأكيد أن يتعلقوا بوهم السيطرة على الجزيرة السورية، وبيع مناطق العرب السنة لنظام الأسد وروسيا، للحصول على مكتسبات واسعة، مثل حكم ذاتي بصلاحيات كبيرة، لكن كل ذلك سينهار مع أول اختبار جدي. مناطق العرب وسكانها لن تكون مرتهنة لإرادة “الاتحاد الديموقراطي” السياسية بعد رفع الغطاء الاميركي عن “قسد”. وسيقبل “الاتحاد” عاجلاً أم آجلاً، بكونه شوكة صغيرة في شمال سوريا، تستخدم لنكء جراح انقرة بين الفينة والأخرى، وابتزازها.

اما اللاجئون والمعتقلون والمغيبون قسرياً، فهي ملفات تفوح منها رائحة لا تستسيغها موسكو اليوم، ويجب أن تبقى مغلقة، حتى انجاز المرحلة النهائية من خطة إعادة فرض نظام الأسد، في انتخابات العام 2021، والتي يمكن تبكيرها قليلاً، لاستباق أي مخاطر قد تنجم عن انتخاب رئيس أميركي جديد، قد يُغيّر دفة السياسة الاميركية.

المدن

———————-

أنظر تغطيتنا للحدث

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 6

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 7

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى