سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 10

أحداث

——————–

منطقة آمنة بيد الأتراك وسحب للأسلحة من الأكراد.. 13 بندا في الاتفاق التركي الأميركي بشأن سوريا

توصلت تركيا والولايات المتحدة الأميركية لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وتعليق عملية نبع السلام في الشمال السوري، وانسحاب الوحدات الكردية من “منطقة آمنة” سيتولى الجيش التركي إقامتها في الشمال السوري.

وصدر بيان مشترك من الطرفين عقب محادثات مطولة استمرت نحو ثلاث ساعات بين الوفد الأميركي برئاسة مايك بنس نائب الرئيس الأميركي، والوفد التركي بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويتضمن البيان 13 مادة تتعلق بالعملية العسكرية التركية في الشمال السوري وتداعياتها ومستقبلها.

وهذه أبرز مضامين البيان التركي الأميركي:

1- تتفهم الولايات المتحدة هواجس تركيا الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية، ويؤكد البلدان على علاقاتهما كعضوين حليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

2- يقرّ البلدان بأن التطورات الميدانية -خاصة في شمال شرق سوريا- تتطلب تنسيقا أوثق على أساس المصالح المشتركة.

3- يحافظ البلدان (تركيا والولايات المتحدة) على تعهداتهما في حماية أراضي وشعوب الدول الأعضاء في الناتو ضد جميع التهديدات، وفق مفهوم “الجميع من أجل الفرد، والفرد من أجل الجميع”.

4- يجدد البلدان التأكيد على تعهداتهما بحماية حياة وحقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية.

5- تركيا والولايات المتحدة ملتزمتان باستمرار أعمال مكافحة “داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية) شمال شرق سوريا؛ الأمر الذي يتضمن أيضا التنسيق المناسب بشأن الأشخاص المهجرين من المناطق التي كانت سابقا خاضعة لسيطرة “داعش” ومراكز الاحتجاز.

6- تتفق تركيا والولايات المتحدة على أن عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تستهدف الإرهابيين وحدهم ومخابئهم ومآويهم ومواقعهم والأسلحة والمركبات والمعدات.

7- يتعهد الجانب التركي بتأمين حياة وسلامة السكان في جميع الأماكن المأهولة الواقعة ضمن المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، ويؤكد أنه سيولي أقصى درجات الاهتمام لتجنب الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية.

8- يجدد البلدان التزامهما بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وبالحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، الرامي إلى إنهاء الصراع السوري وفقا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.

9- يتفق الجانبان على استمرار أهمية وفعالية إنشاء منطقة آمنة لضمان القضاء على الهواجس والمخاوف المتعلقة بالأمن القومي لتركيا بما في ذلك إعادة سحب الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب وتدمير جميع تحصيناتهم الحربية.

10- المنطقة الآمنة ستكون في المقام الأول تحت سيطرة القوات المسلحة التركية وسيعمل الجانبان على زيادة التنسيق لتنفيذ جميع الجوانب المتعلقة بها.

11- سيوقف الجانب التركي (بشكل مؤقت) عملية نبع السلام لضمان انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة في غضون 120 ساعة، على أن توقف عملية نبع السلام عقب استكمال هذا الانسحاب.

12- بمجرد إيقاف عملية نبع السلام، توافق الولايات المتحدة على عدم مواصلة فرض العقوبات بموجب الأمر التنفيذي الصادر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بحظر ممتلكات لمسؤولين أتراك وتعليق دخول أشخاص معينين يسهمون في الوضع بسوريا، وستعمل وتتشاور مع الكونغرس، حسب الاقتضاء، لتأكيد التقدم الحاصل لتحقيق السلام والأمن في سوريا، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وبمجرد إيقاف عملية نبع السلام وفقا للفقرة 11، ترفع العقوبات الحالية بموجب الأمر التنفيذي المذكور.

13- يتعهد الطرفان بالعمل سوية من أجل تطبيق جميع الأهداف المحددة في هذا البيان.

————————

اتفاق غامض يوقف العملية العسكرية التركية

أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بِنس يوم أمس وصول بلاده إلى اتفاق مع تركيا لوقف عمليتها العسكرية شمال شرقي سوريا، ويشمل الاتفاق عدداً من المواضيع الرئيسية؛ أهمها تعليق العمليات العسكرية لمدة 120 ساعة، في مقابل انسحاب وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى مسافة 20 ميلاً بعيداً عن الحدود السورية التركية. كما تحدّث الاتفاق عن عودة العلاقة بين واشنطن وأنقرة إلى ما كانت عليه كحليفين قديمين في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على أنقرة.

الإعلان الأميركي الذي أذاعه بِنس خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر السفارة الأميركية في أنقرة مساء أمس، جاء بعد اجتماع مطول جمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سبقته تصريحات سلبية من الطرفين، ما وضع هذا اللقاء في موقع حرج، يبدو أن واشنطن وأنقرة استطاعتا الخروج منه والوصول إلى اتفاق رغم التعقيد والتوتر الشديدين.

وفي تعليقها على الاتفاق، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنها على علم بالمفاوضات التي سبقته، وأنها كانت جزءاً منها، كما أعلنت موافقتها على وقف إطلاق النار؛ وقال البيان الذي صدر باسم القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية: «تم التوصل اليوم إلى الإعلان عن وقف لإطلاق النار الفوري بين قوات سوريا الديمقراطية والدولة التركية على طول جبهات القتال الممتدة من مدينة رأس العين/ سري كانيه شرقاً وحتى مدينة تل أبيض غرباً (…) إن قوات سوريا الديمقراطية تؤكد التزامها بعملية وقف إطلاق النار المعلنة وتطالب في الوقت ذاته الدولة التركية الالتزام بذلك».

وبعد البيان، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، خلال لقاء مع تلفزيون روناهي، إن الاتفاق جاء نتيجة ضغوط دولية كبيرة مورست على أنقرة، وإنه يتضمن عودة النازحين، وأضاف أنه على الولايات المتحدة أن تكون «ضامنة للاتفاق الذي يجب ألا يغير ديموغرافية المنطقة». كما أشار عبدي إلى أنه على «يجب على شعبنا والأطراف السياسية (الكردية) توحيد الصفوف»، وربما تكون هذه العبارة إشارة إلى احتمال العودة إلى طروحات سابقة تتعلق بانتشار مقاتلي «بيشمركة روجافا» قرب الحدود مع تركيا بديلاً عن وحدات حماية الشعب، وهي قوات من مقاتلين أكراد سوريين مرتبطين بقيادة إقليم كردستان العراق.

في مقابل هذه التصريحات، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أغلو، إن بلاده قررت «تعليق» العمليات العسكرية وليس وقف إطلاق النار، وشدَّدَ في مؤتمر صحفي بعد الإعلان عن الاتفاق على أن بلاده متمسكة بإقامة «منطقة آمنة» بعمق يصل إلى 32 كم داخل الأراضي السورية. أما النظام السوري، فقد جاء تعليقه على الاتفاق على لسان بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد، التي وصفت الاتفاق بـ «الغامض»، وأضافت أنه «لا يمكن أن تقبل دمشق بنسخ نموذج كردستان العراق في بلدنا».

الرئيس الأميركي دونالد ترامب كتب على تويتر قبيل المؤتمر الصحفي الذي عقده نائبه في أنقرة: «نبأ عظيم من تركيا. أخبار المؤتمر قريباً…. شكراً لأردوغان، سيتم إنقاذ ملايين الأرواح»؛ ويبدو أن ترامب يحاول إنقاذ الموقف في اللحظات الأخيرة، قبل أن تخرج الأمور من يد الولايات المتحدة نهائياً في شمال شرقي سوريا، وذلك بعد الضغوط الكبيرة التي طالته من السياسيين في واشنطن، وأبرزها قرار الكونغرس الأميركي الذي ندّدَ بقرار ترامب الانسحاب من سوريا، والذي كان علامة فارقة في السياسة الأميركية، إذ توحد نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس للوقوف في وجه ترامب.

ويتحدث الاتفاق الأميركي التركي عن ضرورة وقف العملية التركية بشكل نهائي، وذلك في حال نفذت وحدات حماية الشعب انسحاباً كاملاً من الحدود السورية التركية خلال 120 ساعة، كما يتضمن الإشارة إلى أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين واشنطن وأنقرة لن تحدث إلا بعد وقف العملية بشكل نهائي، إلا أن ثمة أموراً رئيسية سكت عنها الاتفاق، من بينها النص صراحة على عودة النازحين إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي وحلفاؤه، ومصير ونوع السيطرة على المناطق التي ستنسحب منها وحدات حماية الشعب التي سمّاها الاتفاق بالذات، دوناً عن قوات سوريا الديمقراطية التي تضمّ مكونات أخرى، وهو ما يفتح مزيداً من الأسئلة حول آليات التطبيق، وخاصة في حال مواصلة إدارة ترامب لخطتها في الانسحاب الكامل من شمال شرقي سوريا، ليبقى سؤالٌ كبيرٌ مفتوحاً حول كيفية ضمان الولايات المتحدة لاستمرار تنفيذ الاتفاق مستقبلأً دون وجود قوات لها على الأرض.

وبينما يبدو واضحاً أن الجانب التركي يعتبر أن الاتفاق يشمل سائر الشريط الحدودي من مدينة عين عرب/كوباني شرقي نهر الفرات إلى عين ديوار غربي نهر دجلة، فإن ما أعلنته قسد عن أن فهمها للاتفاق يشمل تل أبيض ورأس العين فقط ربما يكون عائقاً أمان تنفيذ بنود الاتفاق. وفضلاً عن هذا، فإن الجانب التركي يعتبر أن السيطرة الأمنية على مجمل هذا الشريط، وبعمق 32 كم داخل الأراضي السورية، يجب أن تكون للجيش التركي، وهو ما لا تبدو واضحة كيفية تنفيذيه بعد أن انتشرت وحدات من جيش النظام السوري والشرطة العسكرية الروسية في عدة مناطق من هذا الشريط، وخاصة كوباني ومحيطها، فضلاً عن تمركز النظام السوري أصلاً في مناطق رئيسية من مدينتي الحسكة والقامشلي، وانتشار عناصر منه في مواقع جديدة في محافظة الحسكة خلال الأيام القليلة الماضية.

في هذه الأثناء، تتواصل الاشتباكات المتقطعة في رأس العين/سري كانيه، بين القوات السورية التابعة لأنقرة وقوات قسد المتمركزة في المدينة، التي كانت القوات التركية والقوات السورية المرافقة لها قد نجحت في حصارها يوم أمس. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الاشتباكات ستستمر وتتصاعد وصولاً إلى انهيار الاتفاق، أم أنها ستتراجع باتجاه السير في تنفيذ بنوده، لكن يبقى أن التنفيذ الفعلي لهذا الاتفاق يصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها ما يبدو غياباً كاملاً لأي اتفاق حول مستقبل إدارة المنطقة على المدى القريب، وهو ما يترك الجزيرة السورية مفتوحة على احتمالات مزيد من المعارك والنزوح والآلام وتغيّر خرائط السيطرة.

———————

أردوغان: إذا لم تلتزم أمريكا بتعهداتها سنواصل العملية العسكرية بحزم أكبر

حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أنّ بلاده ستستأنف العملية العسكرية التي تقودها في سوريا ضدّ حلفاء واشنطن الاستراتيجيين (قسد)، في حال عدم إيفاء الولايات المتّحدة بتعهداتها في 120 ساعة.

وقال أردوغان في كلمة له اليوم الجمعة: إنّ العملية العسكرية في سوريا “ستتواصل بحزم أكبر في نهاية مهلة الـ120 ساعة إذا لم تلتزم أمريكا بتعهداتها في هذا الخصوص”.

وفي وقت أعلن فيه سيطرة القوات التركية، و”قوات الجيش الوطني السوري” على 65 منطقة سكنية تمتد على مساحة 360 كيلو متر مربع، وتشمل مدينتي تل أبيض ورأس العين، أكّد أردوغان أن القوات المسلحة التركية لن تغادر المنطقة “لضمان الأمن فيها” .

وأضاف أردوغان أنّ بلاده تخطط لعودة لاجئين سوريين يراوح عددهم بين مليون و2 مليون، إلى المنطقة الآمنة.

واتفقت تركيا مع الولايات المتّحدة الأمريكية مساء أمس الجمعة على تعليق العملية العسكرية، وفق شروط وافقت عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

——————-

قيادية كردية لـ”بروكار برس”: وقف إطلاق النار لا يشمل كامل الحدود

بروكار برس ـ موسكو

أكّدت الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) أمينة عمر، أنّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعلن أمس، “يخص المناطق التي دارت فيها الحرب فقط، ولا يشمل كامل الحدود” السورية ـ التركية.

وفي اتصال مع “بروكار برس” أوضحت عمر أنّ الاتفاق “جاء نتيجة الوضع الكارثي في مدينة رأس العين من جراء القصف العشوائي للجيش التركي ومرتزقته، وانقاذا لأرواح آلاف المدنيين وتوفير عودة آمنة إلى بيوتهم”

ومع تأكيدها التزام الجانب الكردي بالاتّفاق، أعربت أحمد عن “مخاوف من عدم التزام تركيا”، محذّرةً في الوقت ذاته من أن “عدم التزام تركيا سوف يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني سوءا وتنفيذ المخطّط الاجرامي بتغيير ديموغرافي في المنطقة”.

وأعلنت الولايات المتّحدة يوم أمس من أنقرة، أنّها توصّلت مع تركيا إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا مدّة 5 أيام، يجري فيها تنفيذ بنود الاتّفاق.

وقالت تركيا إنّ العملية معلّقة وليست متوقّفة.

——————-

تحدث عن اشتباكات اليوم.. أردوغان يعلن بدء إجلاء المقاتلين الأكراد من المنطقة الآمنة شمالي سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء سريان الاتفاق التركي الأميركي حول منطقة الشمال السوري، الذي تم توقيعه أمس الخميس بين الطرفين في أنقرة، بعد مفاوضات طويلة بين وفدي البلدين.

وكشف أردوغان -في حديث صحفي له اليوم- عن بدء إجلاء المقاتلين الأكراد، وإخلاء المواقع التي يسيطرون عليها في المنطقة الحدودية مع تركيا، وقال إن تلك العملية تجري –وفقا للاتفاق- تحت إشراف الأميركيين، مضيفا أنه من جهتنا سنراقب الأمر عن كثب.

وبشأن ما تردد عن اشتباكات وقصف متبادل شهدته منطقة رأس العين طيلة الليلة الماضية وصباح اليوم؛ نفى أردوغان حدوث اشتباكات بين الجيش التركي ومقاتلي سوريا الديمقراطية.

وقال إنه اتصل بوزير دفاعه، وأكد له عدم جود أي مواجهات أو اشتباكات بين الجيش التركي ومن وصفها بالتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.

وأوضح أن المنطقة الآمنة التي تم الاتفاق مع الأميركيين بشأنها تشمل منطقة شرق الفرات حتى الحدود مع العراق، وستكون بعمق 32 كيلومترا، وطول 440 كيلومترا.

وأضاف أن الاتفاق مع الأميركيين يقضي ببقاء القوات التركية في الميدان، مؤكدا أنها لن تغادر حتى يتم إخلاء المنطقة بالكامل مما وصفها بالتنظيمات الإرهابية.

وكان مراسل الجزيرة عامر لافي قال إن المعارك والاشتباكات استمرت حتى منتصف الليلة الماضية، ثم عادت في نحو الساعة الثامنة صباح اليوم.

وأضاف أن قوات المعارضة تقول إن مقاتلي الوحدات الكردية هم من يبادر بإطلاق النار ويرفضون تسليم المدينة التي استثمروا فيها كثيرا، وبنوا تحتها شبكة أنفاق كبيرة استعانوا بها في تحويل المعركة إلى مواجهات بالشوارع.

اتهام كردي

وكان المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي اتهم تركيا اليوم الجمعة بقصف مناطق مدنية انتهاكا لوقف إطلاق النار المعلن لمدة خمسة أيام في شمال شرقي سوريا.

وأضاف أنه رغم الاتفاق على وقف القتال، استمرت الضربات الجوية والمدفعية التركية في استهداف مواقع المقاتلين والتجمعات المدنية.

وقال إن القوات التركية قصفت بلدة رأس العين.

وسُمع دوي القصف عبر الحدود بين البلدين صباح اليوم الجمعة رغم وقف إطلاق النار المتفق عليه بين أنقرة وواشنطن.

المصدر : الجزيرة + وكالات

—————–

أنقرة وواشنطن تتفقان على تعليق العملية العسكرية التركية في سوريا.. وترامب يغرد شاكرا أردوغان

“القدس العربي”: اتفقت الولايات المتحدة وتركيا، اليوم الخميس، على تعليق العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وفق ما أعلنه مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد مباحثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة.

وأعرب ترامب عن شكره لنظيره التركي في تغريدة نشرها على تويتر، قائلا “هناك أخبار عظيمة قادمة من تركيا، وسيعقد كل من نائبي بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، مؤتمرا صحافيا بعد قليل. أشكر الرئيس أردوغان، سيتم إنقاذ حياة الملايين”.

وأضاف “لم يكن بالإمكان إتمام هذه الصفقة قبل 3 أيام. كان لا بد من أن يكون هناك بعض الحب “القاسي” لإنجازها. صفقة عظيمة للجميع. فخر للجميع!”.

    Great news out of Turkey. News Conference shortly with @VP and @SecPompeo. Thank you to @RTErdogan. Millions of lives will be saved!

    — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 17, 2019

    This deal could NEVER have been made 3 days ago. There needed to be some “tough” love in order to get it done. Great for everybody. Proud of all!

    — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 17, 2019

وأعلن بنس أن تركيا ستعلق عمليتها العسكرية في شمال سوريا لخمسة أيام على أن تنهيها إذا انسحب المقاتلون الأكراد من هذه المنطقة ضمن هذه المهلة.

وقال بنس للصحافيين إنه للسماح بانسحاب القوات التركية “خلال 120 ساعة، سيتم تعليق كل العمليات العسكرية في إطار عملية نبع السلام، على أن تتوقف العملية نهائيا ما إن يتم إنجاز هذا الانسحاب”. وعلى القوات الكردية أن تنسحب من منطقة بعمق 32 كلم بحيث تتحول في النهاية إلى “منطقة آمنة”.

    VP Pence: “Today, I’m proud to report thanks to the strong leadership of President Donald Trump and the strong relationship between President Erdogan and Turkey and the United States of America, that today the United States and Turkey have agreed to a ceasefire in Syria.” pic.twitter.com/yN5UCuwEza

    — The Hill (@thehill) October 17, 2019

وأكد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو هذا الاتفاق، وصرح للصحافيين “نحن نعلق العملية لكننا لن نوقفها”.

وأضاف “يمكن أن نوقف العملية فقط حين تنسحب (القوات الكردية) في شكل تام من المنطقة”.

قبول الأكراد

قال القيادي بقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني لتلفزيون روناهي إن القوات قبلت بالاتفاق مع تركيا في شمال سوريا و”سنفعل كل ما يلزم لإنجاحه”.

وأضاف كوباني أن الاتفاق هو “البداية فحسب” ويجب ألا تتحقق أهداف تركيا التي شنت توغلا في شمال سوريا، الأسبوع الماضي.

وأشار كوباني إلى أن الاتفاق يقتصر على المنطقة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.

المنطقة الآمنة تحت السيطرة التركية

وجاء في بيان تركي أمريكي مشترك أن “الولايات المتحدة تتفهم هواجس تركيا الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية. وتقرّ بأن التطورات الميدانية تتطلب تنسيقا أوثق على أساس المصالح المشتركة. إذ يؤكد البلدان التزامهما بحماية حياة وحقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية”.

ولفت البيان إلى أن “تركيا وأمريكا ملتزمتان باستمرار مكافحة تنظيم الدولة الارهابي”. وأكّد أن البلدين “يحافظان على تعهداتهما في حماية جميع أراضي وشعوب دول حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأن البلدين يتفقان على ضرورة استهداف العناصر الإرهابية ومخابئها وتحصيناتها ومواقعها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها فقط”.

وشدّد البيان على أن “الجانب التركي يتعهد بحماية جميع السكان في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية ويؤكد أنه سيولي أقصى درجات الاهتمام لتجنب الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية”.

وأضاف “كلا الجانبين متفقان على استمرار أهمية وفعالية إنشاء منطقة آمنة لضمان القضاء على المخاوف الأمنية القومية لتركيا بما في ذلك سحب الأسلحة الثقيلة من الوحدات الكردية وتدمير جميع تحصيناتها”.

وأشار إلى أن “المنطقة الآمنة ستكون تحت سيطرة القوات المسلحة التركية وسيعمل الجانبان على زيادة التنسيق لتنفيذ جميع الجوانب المتعلقة بها”.

وتابع “كلا البلدين يجددان التزامهما بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وبالحل السياسي بقيادة الأمم المتحدة الرامي إلى إنهاء الصراع السوري وفقا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن”.

وأكّد على “رفع العقوبات (عن تركيا) التي فرضت بموجب المرسوم الرئاسي الأمريكي، عند وقف عملية نبع السلام”.

وفي وقت سابق من الخميس، عقد أردوغان وبنس، في أنقرة، اجتماعا ثنائيا وآخر على مستوى الوفود بين البلدين استغرقا 4 ساعات.

وفي 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أطلق الجيش التركي بمشاركة قوات سورية موالية له، عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، للقضاء على القوات الكردية المسلحة التي تصفها أنقرة بـ”الإرهابية”، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وأثار الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد تنديدا دوليا واسعا.

———————

تركيا تعلق العمليات العسكرية 120 ساعة للسماح بانسحاب القوات الكردية… وواشنطن ستوقف العقوبات على أنقرة

عواصم ـ «القدس العربي» ووكالات: كشف مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن واشنطن وأنقرة اتفقتا على وقف لإطلاق النار في الشمال السوري، وذلك عبر تجميد عملية «نبع السلام» التركية والسماح بانسحاب القوات الكردية.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي في السفارة الأمريكية في أنقرة، إن واشنطن تلقت ضمانات من وحدات حماية الشعب الكردية السورية بانسحاب منظم، وقال إن الاتفاق يشمل التعاون مستقبلا بخصوص عمل منطقة آمنة في شمال سوريا. واستغرق الاجتماع بين الطرفين الأمريكي والتركي أكثر من أربع ساعات في القصر الرئاسي في أنقرة.

وأضاف «الجانب التركي سيوقف عملية نبع السلام لمدة 120 ساعة من أجل السماح بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة».

وأكد بنس أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيرفع العقوبات التي فرضها على تركيا بعد إعلان وقف النار في سوريا، موضحا أن واشنطن لن يكون لها جنود على الأرض في سوريا.

وقال وزير الخارجية التركي إن بلاده لن توقف عملية «نبع السلام»، بل سنعلقها حتى نراقب انسحاب التنظيمات الإرهابية، على حد قوله. وأضاف تشاووش أوغلو أن هدف أنقرة هو إنشاء منطقة آمنة تمتد من شرق الفرات إلى حدود العراق بطول 44 كلم وبعمق 32 كلم، مؤكدا على أنه «يجب أن تتحول المنطقة المستهدفة إلى منطقة آمنة تماما كي يعود إليها اللاجئون طواعية».

ورحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الخميس بإعلان «وقف لإطلاق النار» في شمال سوريا، معتبرا أنه «يوم عظيم» للولايات المتحدة وتركيا والأكراد، وتابع: أردوغان صديق لي وأنا سعيد لأننا لم نواجه مشكلة لأنه بصراحة زعيم فذ».

وقال ترامب من فورت وورث في ولاية تكساس «أن اتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا قد تم التوصل إليه نتيجة الحب الشديد، وانه يوم عظيم للحضارة .»وأضاف ترامب في تغريدة»»ما كان يمكن أن يتم إبرام هذا الاتفاق منذ 3 أيام. لابد أن يكون هناك بعض الحب الشديد لإنجازه. إنه أمر رائع للجميع»، وأكد ترامب أن الأكراد لا زالوا مسؤولين عن مقاتلي تنظيم «الدولة».

وقال ترامب إن اتفاق وقف إطلاق النار كان شيئا يحاول الناس الوصول إليه «منذ سنوات عديدة»، وقال إن الاتفاق كان نتيجة لأساليبه «غير التقليدية». وتابع «هذا يوم عظيم للحضارة. أنا فخور بالولايات المتحدة لوقوفها بجانبي في اتباع طريق ضروري، ولكن غير تقليدي إلى حد ما. لقد كان الناس يحاولون إبرام هذا الاتفاق منذ سنوات عديدة. سوف يتم انقاذ حياة ملايين الاشخاص. التهاني للجميع».

وحسب تقرير لـ«ميدل إيست آي» إن على الأكراد تفكيك تحصيناتهم، وأن تركيا ستقوم بالإشراف على المنطقة على أن يزيد التعاون مع الأمريكيين لتطبيق الاتفاق، وعلق مسؤول تركي رفيع على الاتفاق: «لقد حصلنا على كل ما نريده».

————————-

مصور يروي اللحظات الأخيرة من قتل السياسية الكردية هفرين خلف

طبيب شرعي يقول إن «الجروح غطت جسدها ورأسها»

إسطنبول: هديل عرجة القامشلي: «الشرق الأوسط»

مغطاة بالحجارة والتراب وملطخة بالدم، كان هذا آخر مشهد تم تصويره للأمينة العامة لـ«حزب سوريا المستقبل» هفرين خلف (35 سنة)، ملقاة إلى جانب سيارتها السوداء مكسورة النوافذ.

كانت الشابة الكردية التي قتلت في 12 أكتوبر (تشرين الأول) على يد عناصر من «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا، في «طريقها إلى مدينة الرقة، عندما وقع الهجوم الذي قتل فيه أيضاً سائقها وأحد مساعديها»، بحسب بيان صدر عن حزبها.

بعد قتلها، انتشرت مقاطع فيديو مختلفة لهفرين على الشبكات الاجتماعية. وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى شخص ممن قاموا بتصوير أحد تلك المقاطع.

ويؤكد كلام الحارث الرباح الذي يعمل مصوراً مع فصيل «أحرار الشرقية» في «الجيش الوطني السوري» أن عناصر من فصائل مختلفة هي التي قتلت السياسية هفرين رشاً بالرصاص: «ولم يكن الأمر مخططاً له»، على حد قوله.

ويضيف أن العناصر المسلحة التي ظهرت في الفيديوهات، تابعة لعدة فصائل تقاتل في «الفيلق الأول» في «الجيش الوطني». ويوضح: «تقدمت قوات من الجيش الوطني بتاريخ 12 أكتوبر في مناطق وقرى شمالي سوريا. القوات وصلت إلى الطريق الدولية التي تربط حلب بالقامشلي».

وبحسب الرباح، فإن «وحدات حماية الشعب» الكردية لم تكن قد علمت بعد بهذا التقدم، واستغل ذلك عناصر «الجيش الوطني»، ونصبوا أكمنة على الطريق الدولية، «وقام عناصر (الجيش الوطني) بإيقاف السيارات واعتقال من فيها، أما من كان يرفض التوقف بسيارته ويحاول الهروب، فقد كانوا يطلقون الرصاص عليه».

وفي تلك الأثناء، تصادف مرور سيارة «تويوتا» سوداء مصفحة، بداخلها هفرين مع سائقها الخاص، وترافقها سيارتان من نوع «بيك أب». ويفيد: «تم توقيف سيارتي (البيك أب) واعتقال من فيها. أما سيارة هفرين فرفضت التوقف، ودهست أحد المقاتلين ولاذت بالفرار».

وخلال هروبها – يقول الرباح – قام مقاتلون بإطلاق النار على إطارات السيارة مما أدى لانحرافها عن الطريق العامة: «لم يكن حينها أحد يعلم أن بداخل السيارة امرأة، وتم إطلاق الرصاص بغزارة على السيارة؛ لأنهم كانوا متأكدين أن من بداخل السيارة المصفحة شخص مسؤول، فالمدنيون لا يركبون سيارات مصفحة»، بحسب الرباح.

وبرر الحارث تصويره لمقطع الفيديو بقوله: «مهمتي تغطية المعركة ميدانياً مع الفصائل»؛ لكنه نفى قيامه بتصوير جثتها، واكتفى بالقول إنه صور مقطع فيديو للعناصر على الطريق الدولية. ويضيف: «المقاطع التي انتشرت تم تسريبها من هاتف أحد المقاتلين، ولم أتمكن بعد من تحديد هويته». يتابع: «نعم، لقد ظهرت في أحد الفيديوهات المسربة، وتحديداً في الثانية رقم أربعة، وأنا أصرخ: (يا شباب)، محاولاً منع هذا التصرف غير العقلاني، فمن وجهة نظري حتى لو كانت هناك مقاومة من الطرف الآخر، فكان علينا بعد إطلاق النار إسعافهم وأسرهم للإفادة منهم، إما في عمليات تفاوض وإما في استخراج معلومات للتعرف على تحركات الحزب».

ولم يكن هذا الشاب على معرفة بنشاط هفرين السياسي ومكانتها بين الأكراد من قبل؛ لكنه رفض الاتهامات التي تقول بأن ما حصل «جريمة حرب»، والذي جاء على لسان مبعوث واشنطن السابق بالتحالف الدولي بريت ماكغورك.

في المقابل، هذا ما كشفه تقرير الطب الشرعي عن «جثة» هفرين، إذ على ما يبدو أن هفرين لم تتعرض لإطلاق الرصاص فقط؛ بل تم سحلها من شعرها واقتلاعه، وضربها بأدوات صلبة وحادة.

يقول الطبيب في التقرير الشرعي الصادر عن سبب الوفاة: «كانت هفرين حجي خلف ترتدي قميصاً أحمر اللون وبنطالاً أسود، كان جسدها دافئاً حين وصلت المشفى، وقد ظهرت الأجزاء السفلية من جسدها باللون الأرجواني». يضيف: «لقد كان جسدها وحتى رأسها مليئاً بالجروح التي سببتها طلقات الرصاص، وإضافة إلى ذلك فلقد تعرض جسدها في مناطق مختلفة للكسور، إضافة لكسور في الفك السفلي، والعظم الصدغي للجمجمة».

ويشير التقرير الصادر عن مستشفى المالكية الدولي بتاريخ 15 أكتوبر، إلى «تعرض هفرين للضرب بأداة حادة، وسحلها من شعر رأسها، الأمر الذي أدى إلى اقتلاعه مع الجلد من جهة رأسها الخلفية، وضرب كل من رأسها وساقها اليسرى بجسم صلب، ما ترك آثاراً واضحة في تلك المناطق».

تفاصيل كثيرة يذكرها التقرير عن مكان إصابات هفرين، أهمها كانت الرصاصة التي تعرض لها الرأس، فقد «أدت إلى نزيف حاد في الدماغ وسببت وفاتها».

ولقد اختتم الطبيب الشرعي تقريره بالقول: «سبب الوفاة: نزيف حاد في الدماغ، بعد إصابة الرأس بطلق ناري». وهفرين خلف مهندسة كردية من مواليد محافظة الحسكة الواقعة شمالي سوريا. تم انتخابها في مارس (آذار) 2018 أمينة عامة لحزب «سوريا المستقبل» المقرب من «قوات سوريا الديمقراطية».

وتأتي وفاتها بالتزامن مع عملية «نبع السلام» العسكرية التي تشنها تركيا في شمالي سوريا، منذ يوم الأربعاء 9 أكتوبر. وهجر أكثر من 100 ألف سوري المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد شمالي البلاد، منذ بدء تركيا عمليتها العسكرية في المنطقة؛ لكن التقديرات الكردية الرسمية في المنطقة تشير إلى ضعف هذا الرقم.

———————–

اشتباكات متقطعة في رأس العين بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار بين تركيا والأكراد

تركيا: قال صحافي إنه تم سماع دوي قصف وإطلاق للأسلحة النارية في منطقة رأس العين بشمال شرق سوريا، الجمعة، وذلك بعد يوم من اتفاق تركيا مع الولايات المتحدة على وقف هجومها في سوريا لمدة خمسة أيام للسماح بانسحاب القوات التي يقودها الأكراد.

وسمع الصحافي من بلدة سيلانبينار التركية المقابلة لرأس العين عبر الحدود دوي أصوات الأسلحة الرشاشة والقصف في المنطقة السورية.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “اشتباكات متقطعة” تجري صباح الجمعة في مدينة رأس العين الحدودية.

(وكالات)

—————————

أمريكا: أبرمنا اتفاق الهدنة لأن الأكراد لن يتمكنوا من السيطرة على المنطقة

واشنطن: قال مسؤول أمريكي كبير إن الولايات المتحدة أبرمت، الخميس، اتفاقا مع تركيا لوقف إطلاق النار في شمال سوريا لعدة أسباب منها قناعتها بأن الأكراد لن يكونوا قادرين على السيطرة على تلك المنطقة عسكريا بأي حال من الأحوال.

وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري للصحافيين المسافرين معه: “لا يوجد شك في أن وحدات حماية الشعب الكردية ترغب في البقاء في تلك المناطق.. في تقييمنا أنهم لا يملكون القدرة العسكرية للسيطرة على تلك المناطق، ومن ثم فإننا نعتقد أن وقف إطلاق النار سيكون أفضل… من أجل محاولة الحصول على نوع من السيطرة على هذا الوضع الفوضوي”.

ووافقت تركيا الخميس على وقف هجومها في سوريا لمدة خمسة أيام للسماح بانسحاب القوات الكردية من “منطقة آمنة” سعت تركيا طويلا للسيطرة عليها، وذلك في إطار اتفاق أشادت به إدارة ترامب ووصفته تركيا بأنه انتصار كامل.

وقال جيفري إن الولايات المتحدة وتركيا حددتا المنطقة الآمنة بأنها المنطقة التي تعمل فيها تركيا حاليا بعمق 30 كيلومترا في جزء رئيسي من شمال شرق سوريا.

وأضاف: “الآن يجري الأتراك مباحثاتهم الخاصة مع الروس والسوريين في مناطق أخرى من الشمال الشرقي وفي منبج إلى الغرب من الفرات”.

من جهة أخرى، دافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس عن سياسته في الشرق الأوسط في مواجهة انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لقرار إدارته سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وإبرام اتفاق مدته 120 ساعة لوقف التوغل التركي في تلك المنطقة.

وقال ترامب: “تنظيم الدولة تحت السيطرة ونواصل اعتقال المزيد”.

وجاءت تصريحات ترامب خلال مراسم افتتاح مصنع في تكساس.

———————

ترامب: تركيا والأكراد بحاجة لأن يتقاتلوا مثل الأطفال

دالاس: رحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس بوقف إطلاق النار المؤقت في شمال سوريا، وقال إنه سمح للقوات التركية والكردية بخوض معارك دامية؛ لأن “الجانبين يتصرفان مثل طفلين بحاجة لقتال بعضهما البعض”.

وقال ترامب خلال تجمع انتخابي في دالاس بولاية تكساس: “الأمر الذي فعلته كان غير تقليدي. قلت يجب أن يتقاتلا لفترة قصيرة”.

وأضاف: “مثل ولدين في باحة، ينبغي عليك أن تدع (الطرفين) يتقاتلان، ثم تبعدهما عن بعضهما البعض”.

وتابع: “تقاتلا لبضعة أيام وكان القتال شرسا”.

    WATCH: President Trump on Turkey attacking the Kurds: “Sometimes you have to let them fight, like two kids in a lot. You have to let them fight, and then you pull them apart!” pic.twitter.com/rSgu1U3ERu

    — MSNBC (@MSNBC) October 18, 2019

وتسبب ترامب بالهجوم التركي الذي استمر أسبوعا ضد الأكراد، بعد سحبه الجنود الأمريكيين من شمال شرق سوريا.

وقتل أكثر من 500 شخص في تلك العملية، بينهم عشرات المدنيين، غالبيتهم في الجانب الكردي، فيما نزح 300 ألف مدني داخل سوريا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأكد ترامب أن “أي قطرة دم واحدة لم تهرق بين الأمريكيين”.

وفي وقت سابق، رحب ترامب بالإعلان عن موافقة تركيا على تعليق هجومها، ووصف ذلك بـ”اليوم العظيم” للأتراك والأكراد.

وقال للصحافيين: “لدينا هدنة لخمسة أيام”، وذلك بعد إعلان نائبه مايك بنس أن أنقرة وافقت على تعليق عمليتها العسكرية، ووقفها نهائيا بعد انسحاب المقاتلين الأكراد من منطقة آمنة على الحدود السورية التركية.

وقال ترامب في فورت وورث بولاية تكساس قبيل تجمع انتخابي: “إنه يوم عظيم للولايات المتحدة”.

وأضاف: “إنه يوم عظيم لتركيا وللأكراد. إنه يوم عظيم للحضارة”.

وتابع: “إنه وضع الجميع فيه سعداء”.

– شائنة وتنم عن جهل

ووصف بريت ماكغورك، الموفد الرئاسي الخاص السابق إلى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تصريحات ترامب عن “ولدين” يتقاتلان بأنها “شائنة وتنم عن جهل”.

وكتب على تويتر: “200 ألف شخص بريء نزحوا. المئات قتلوا. تقارير موثوقة عن جرائم حرب. فرار سجناء ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية. الولايات المتحدة تقوم بعملية إجلاء وتقصف مواقع لها أو تسلمها إلى روسيا. ولدان في باحة؟”.

(أ ف ب)

    This is an obscene and ignorant statement. 200k innocent people displaced. Hundreds dead. Credible reports of war crimes. ISIS prisoners escaping. US evacuating and bombing its own positions or handing them to Russia. Two kids in a lot? https://t.co/rMJVcvOmFI

    — Brett McGurk (@brett_mcgurk) October 18, 2019

القدس العربي

——————-

الكرملين: نريد معلومات من تركيا بشأن اتفاقها مع أمريكا المتعلق بسوريا

موسكو: قال الكرملين في وقت متأخر من الخميس إنه يتوقع الحصول على معلومات من تركيا بعدما توصلت لاتفاق مع الولايات المتحدة لوقف هجومها في سوريا لمدة خمسة أيام.

ووافقت تركيا الخميس على وقف هجومها في سوريا بهدف السماح للقوات الكردية بالانسحاب من “منطقة آمنة” كانت أنقرة تريد السيطرة عليها في اتفاق رحبت به إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووصفته تركيا بأنه نصر ساحق.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قوله: “نتوقع الحصول على معلومات من تركيا”.

ومن المنتظر أن يعقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا يوم الثلاثاء المقبل في جنوب روسيا.

وسارعت الشرطة الروسية المسلحة وجيش النظام السوري للسيطرة على أنحاء في شمال شرق سوريا كانت خاضعة لسيطرة الأكراد، بعدما سحب ترامب القوات الأمريكية من المنطقة مما دفع الأكراد لإبرام اتفاق مع النظام.

(رويترز)

————————-

ارتفاع الأسهم والليرة التركية بعد إعلان وقف إطلاق النار شمالي سوريا

إسطنبول: قفزت الليرة التركية الجمعة إلى أعلى معدل لها خلال أسبوعين، كما سجلت الأسهم والسندات صعودا في البورصة التركية بعدما وافقت الولايات المتحدة على عدم فرض أي عقوبات إضافية على أنقرة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي تم إبرامه بين واشنطن وأنقرة أمس الخميس.

وأفادت وكالة “بلومبرغ” للأنباء بأن العملة التركية ارتفعت بنسبة 3ر1 بالمئة لتصل قيمتها أمام الدولار إلى 7585ر5 ليرة، لتعوض بذلك الخسائر التي تكبدتها خلال الأيام الأخيرة وسط مخاوف بشأن احتمال تعرض تركيا لعقوبات اقتصادية أمريكية ردا على على العملية العسكرية شمال شرقي سوريا.

كما ارتفع مؤشر البورصة بنسبة 4 بالمئة تقريبا في بدء الجلسات، في أكبر قفزة له منذ حزيران/يونيو الماضي.

ونقلت “بلومبرغ” عن جان أوكسون مدير المبيعات بمؤسسة “غلوبال سكيوريتيز” للخدمات المالية في إسطنبول قوله إن “اتفاق الهدنة، رغم أنه مؤقت، أثار التفاؤل بين المستثمرين بشأن تبدد خطر العقوبات”.

وأضاف: “أصبح المزاج العام أكثر إيجابية على نطاق واسع”.

وينص اتفاق وقف إطلاق النار على  إقامة “منطقة آمنة” بعمق عشرين ميلا شمالي سوريا، وهو ما يمثل انتصارا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يطالب منذ سنوات بإقامة هذه المنطقة، كما تعهدت الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات التي أعلنتها في وقت سابق هذا الأسبوع على أنقرة، بمجرد إعلان هدنة دائمة شمال شرقي سوريا.

(د ب أ)

————————-

هدوء شمال سورية بعد اتفاق وقف إطلاق النار

جلال بكور

يسود هدوء تام، صباح اليوم الجمعة، في محاور العملية العسكرية التي يشنها “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي على مليشيا “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في الشمال السوري.

وأكد الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني السوري”، لـ”العربي الجديد”، توقف العمليات العسكرية ضد مليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، التي تقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية، بشكل كامل وعلى كافة المحاور.

وقال الرائد يوسف حمود، لـ”العربي الجديد”، إن العمليات توقفت منذ صباح اليوم وبشكل كامل على كافة المحاور.

وكان زير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قد أعلن، مساء أمس الخميس، تعليق العمليات العسكرية ضد المليشيا لمدة 120 ساعة من أجل انسحابها من المنطقة، وذلك بناء على اتفاق تم مع بين أنقرة وواشنطن.

وشهدت مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حتى وقت قريب من إعلان وقف إطلاق النار، اشتباكات عنيفة وقصفا على مواقع المليشيا.

وذكرت مصادر لـ”العربي الجديد” أن الاشتباكات استمرت في محور رأس العين حتى فجر اليوم، مشيرة إلى تجددها بعد الإعلان عن توقف إطلاق النار، إلا أنها توقفت عند فجر اليوم.

ومساء أمس، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن “تحييد” 720 عنصرا من عناصر مليشيا “قوات سورية الديمقراطية” منذ بداية العملية العسكرية في التاسع من الشهر الجاري.

إلى ذلك، قالت مصادر لـ”العربي الجديد” إن رتلا لقوات النظام السوري كان قد دخل سابقا إلى مدينة الطبقة الخاضعة لسيطرة “قسد” غادر المدينة باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري جنوب محافظة الرقة، وذلك تزامنا مع تحليق طيران التحالف الدولي في سماء المنطقة.

 وذكرت مصادر أيضا أن طيران التحالف الدولي حلّق بشكل مكثف فوق عدة مناطق من ريف الرقة وفوق منطقة حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي.

وكانت قوات النظام قد دخلت إلى العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” في منطقة شرق الفرات، وذلك عقب إعلان عن اتفاق بين الطرفين لمواجهة العمليات العسكرية التركية ضد “قسد”.

—————————

الغارديان: عملية شرق الفرات تدفع أوروبا لبحث منح تركيا الأمول.. ما السبب؟

قالت صحيفة الغارديان، إن العملية العسكرية التركية اثارت مخاوف اليونان من زيادة حدة اللاجئين السوريين، بعد أن شهدت ارتفاع في عدد طلبات اللجوء المقدمة في أوروبا خلال الأشهر الأخيرة.

ر أثينا على ضرورة مناقشة الموضوع خلال قمة الاتحاد المقبلة والتي من المفترض أن تنعقد هذا الأسبوع، بعد أن أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداً، قال فيه إن تركيا “ستفتح بواباتها” أمام 3.6 مليون لاجئ سوري موجودين في بلاده.

وقال وزير سياسة الهجرة في اليونان، جيورجوس كوموتساكوس: “لا ينبغي أن تكون أوروبا غير مهيئة مرة أخرى.. لا أحد يعلم ما سيحدث لاحقاً”.

وما يزيد المخاوف الأوروبية تصعيد نظام الأسد من عملياته العسكرية التي تستهدف إدلب، مما يعني اشتعال كامل الشمال السوري، وما سيعقب ذلك من نزوح أكثر من مليون شخص.

وأبدت ألمانيا مخاوف مشابهة، حيث حذر وزير الداخلي الألماني، هورست زيهوفر، من تكرار الفوضى التي ضربت أوروبا بعدما قام مليون سوري بعبور اليونان في طريقهم إلى أوروبا في 2015.

طلبات اللجوء تضاعفت

وقال زيهوفر: “إذا تركنا جميع الدول على حدود الإتحاد الأوربي (للدفاع عن نفسها)، حينئذ لن تكون هناك سياسة لجوء أوروبية مشتركة.. وإذا لم تكن هناك سياسة لجوء أوروبية مشتركة، سنواجه مرة أخرى خطورة خروج الهجرة عن نطاق المراقبة في جميع أنحاء أوروبا”.

ومع صعود دعوات التضامن هذه، تواجه أوروبا مواقف مخالفة من اليمين الشعبوي، الذي يناهض الهجرة بشدة، وينتشر في المجر وباقي دول الاتحاد الأوروبي.

وارتفعت موجات اللجوء نحو الشواطئ اليونانية قبل أن تبدأ تركيا عملتها العسكرية، وشهد أعلى مستويات له منذ آذار 2016، حيث تم التوصل حينها لاتفاق بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي لمنع الهجرة غير الشرعية.

وخلال ثلاثة أشهر فقط، ارتفعت الهجرة غير الشرعية بنسبة 200%، وذلك بحسب البيانات الرسمية اليونانية. وعبر في الأسبوع الماضي وحده أكثر من 1,563 شخصاً من تركيا نحو الجزر اليونانية. وسجلت اليونان هذا العام 50 ألف طلب لجوء، لأشخاص هربوا من الشرق الأوسط وأفريقيا، وآسيا.

اتهامات متبادلة

واتهم أردوغان، بروكسل بعدم الوفاء بوعودها، بما في ذلك تعهدات بمنح تركيا 6 مليار يورو كمساعدات للاجئين. وتسعى عدة دول في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اليونان، للضغط على باقي دول الإتحاد لدفع المزيد من المساعدات المالية لتركيا.

وتعارض فرنسا فكرة دفع المزيد من المساعدات المالية، في حين يدفع اليونان بشدة تجاه الدفع. ويواجه الاتحاد الأوربي انقسامات كذلك حول فرض عقوبات على تركيا بسبب الخلاف مع قبرص حول حقوق التنقيب البحرية.

ويصر خبراء الهجرة على ضرورة التحرك قبل نفاذ الأوان. وتشهد جزر اليونان ضغطاً غير مسبوق، حيث اندلع حريق يوم الاثنين في أحد المخيمات بعد اشتباكات عرقية في مرفق للاجئين مصمم لاستيعاب 650 شخصاً ولكن يتواجد به أكثر من 6 آلاف شخص حالياً.

وقبل أسبوعين دمرت الحرائق منشأة أخرى كانت تضم 13 ألف شخصا، أي ما يقارب من أربعة أضعاف من طاقتها الاستيعابية.

وتحذر أنقرة من عواقب هجوم إدلب والذي من الممكن أن يتسبب بموجة لجوء جديدة، تضم مليون ونصف شخص، قد يكون بينهم عشرات الآلاف من المتطرفين.

——————–

نيويورك تايمز: في سوريا.. لم يمنح ترامب انتصارا لتركيا بل لإيران وروسيا

علقت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها على الاتفاق الأمريكي- التركي لتعليق الأعمال القتالية لحين انسحاب مقاتلي وحدات الحماية التركية من المناطق التي سيطرت عليها القوات التركية ومقاتلو المعارضة السورية في شمال- شرق سوريا بأنه انتصار لأردوغان ومكسب لإيران وروسيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن قرار الرئيس دونالد ترامب سحب 1.000 جندي أمريكي من سوريا بدون استشارة مساعديه والخبراء وحلفائه في المنطقة وبدون تحذير لحلفائه الأكراد، رفاق السلاح الذين عرضوا حياتهم للخطر، يقدم دليلا يثير الخوف عن المخاطر النابعة من عدم قدرته على فهم مسؤوليات منصبه كرئيس.

وزعم ترامب كما هو الحال بأنه حقق انتصارا عظيما “ونتيجة رائعة أنقذت حياة الملايين”. ولم تعن لترامب شيئا حياة العشرات من الأكراد الذين قتلوا ولا آلاف المشردين منهم، وكذا مئات مقاتلي تنظيم الدولة الذين فروا من مركز الاحتجاز، مثلما لم يعن بحث الأكراد عن مساعدة من سفاح القرن بشار الأسد ولا تمرغ سمعة ومصداقية الولايات المتحدة في التراب.

وقال ترامب يوم الأربعاء، محللا نفسه من المسؤولية، إن ما يجري في سوريا “ليس على حدودنا”. ومع تصريحاته هذه سارع المعتذرون عنه وأنصاره للدفاع عنه، وقالوا إن الشرق الأوسط حافل بالديكتاتوريات المرعبة والنزاعات والجرائم ضد الإنسانية، والرئيس يتطلع منذ وقت للخروج مما أسماها “الحروب اللانهائية”.

وقالوا إن الأمريكيين علقوا بين حليفين، الأكراد الذين قاتلوا معهم، والأتراك الذين يحرسون ترسانة من الأسلحة النووية. ويجب أن يتم التحرك. ومع أن هذا الكلام يبدو مقنعا لتبرير حالة الخروج من سوريا إلا أنه ليس كذلك. فما حدث في سوريا من إهانة تم التعبير عنه من خلال لحظتين هذا الأسبوع، الأولى، فيديو صوره مراسل صحافي روسي دخل معسكرا أمريكيا مهجورا، حيث أخذ يصور علب الكوكا كولا. أما الثانية فقد كانت عندما قامت طائرتا “أف-15” بتدمير خندق للذخائر لمنع القوات التابعة للنظام السوري من الاستفادة منها ومن المعدات الأخرى.

وتدمير القواعد العسكرية الأمريكية التي تغادرها القوات ليس غريبا على الولايات المتحدة، فقد فعلت هذا في أفغانستان والعراق، إلا أن العمل يتم من خلال الجرافات والمتفجرات في وضع مريح ولكن ليس من خلال غارة جوية يتم ترتيبها في اللحظات الأخيرة.

ولم يترك الأمريكيون الذخائر بل الأساليب والتدريبات والتعاليم التي غرسوها في عقول الأكراد الذين دربوهم. وتقول الصحيفة إن الأكراد هم الأمة المفقودة التي تتوزع بلادهم على خمس دول تهددهم وتعتبرهم متطفلين. واعتقدوا أنهم وجدوا حاميا لهم في الولايات المتحدة، فأكراد العراق حلفاء أمريكا منذ وقت، وتحمّل أكراد سوريا عبء القتال إلى جانب أمريكا ضد تنظيم الدولة.

ثم في مكالمة يوم السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، مع الرئيس رجب طيب أردوغان، قرر ترامب وبدون مقدمات التخلي عن الأكراد، معطيا هدية غير متوقعة ولا داعي لها لأردوغان الذي يتعامل مع أكراد سوريا على أنهم أعداء وجوديون، بل وأعطى الجائزة للأسد والروس والإيرانيين.

وترى الصحيفة أن رسالة ترامب لأردوغان تعطي صورة عن تخليه، والتي رماها الرئيس التركي في سلة النفايات، والتي تحمل التهديد والوعيد، فمن جهة دعا ترامب الرئيس التركي لعقد صفقة ثم هدده بتدمير اقتصاد تركيا من جهة ثانية. وقال له فيها: “لا تكن رجلا قاسيا ولا تكن رجلا أحمقا”.

وتقول الصحيفة إن على الكونغرس تمرير مشروع قرار تقدم به السيناتور الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا مارك ورنر، لمنح تأشيرات إلى المترجمين والأكراد السوريين الذين عملوا مع القوات الأمريكية الخاصة.

وقالت إن قرار مجلس النواب شجب خطوة ترامب، حيث مرر المشروع 354 نائبا مقابل 60 نائبا. وأشارت الصحيفة لتراجع ليندزي غراهام الذي انتقد حليفه ترامب بشكل قوي لتخليه عن الأكراد، وقال إنه سيعمل مع الرئيس بناء على ما تم الاتفاق عليه يوم الخميس.

وترك ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو ونائبه مايك بنس للقيام بعملية إصلاح الضرر في أنقرة. وبعد جلسة استمرت خمس ساعات، خرج بنس قائلا إن تركيا وافقت على وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام. ورد عليه مولود تشاوش أوغلو، وزير الخارجية، أنه لم يتفق على وقف إطلاق النار بل تعليق القتال، وأكد: “حصلنا على ما نريد” وكذا روسيا وإيران، كما تقول الصحيفة.

——————-

الاتفاق الأميركي-التركي:ترامب قدم كل شيء لأردوغان

وصفت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وزعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن وأنقرة حول تعليق العملية العسكرية التركية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا بأنه “عار”.

وقالت بيلوسي وشومر في بيان مشترك، إن الاتفاق “”يقوض بشكل خطير مصداقية السياسة الخارجية الأميركية ويبعث برسالة خطيرة لحلفائنا وأعدائنا على حد سواء بأنه لا يمكن الوثوق في كلامنا. الرئيس (التركي) أردوغان لم يتخل عن شيء والرئيس ترامب قدم له كل شيء”.

وقال زعيم الديموقراطيين في الكونغرس إن مجلس النواب سيصوت الأسبوع المقبل على حزمة عقوبات مدعومة من الحزبين ضد تركيا، برغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في المنطقة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اعتبر، أن الاتفاق الذي انتزعه نائبه مايك بنس خلال زيارته إلى أنقرة، هو “نتيجة مدهشة” وسينقذ حياة الأكراد في سوريا.

وقال ترامب “ما حدث نتيجة مدهشة… وحصلنا على كل ما حلمنا به، وسنتمكن من إعادة قواتنا إلى الوطن، سنستطيع السيطرة على داعش”. وأضاف “أود أن أشكر الجميع، وكجماعة أريد أن أشكر الأكراد، وهم سعداء جدا بهذا الحل لأنه بصراحة أنقذ حياتهم. وفعلنا شيئا عظيما بالنسبة إلى شريكنا”.

واعتبر أن “هذا يوم عظيم بالنسبة للولايات المتحدة وتركيا… وشركائنا الأكراد والحضارة كلها”، فيما شدد على أنه “لن تكون هناك حاجة لفرض العقوبات” على تركيا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال، على “تويتر” إنه يثق في أن الجهود الأميركية التركية المشتركة ستعزز السلام والاستقرار بعد أن اتفق الجانبان على وقف العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا.

وكتب أردوغان ردا على تغريدة من الرئيس الأميركي وصف فيها الاتفاق بأنه “أخبار عظيمة” قائلاً: “السيد الرئيس.. سيتم إنقاذ المزيد من الأرواح عندما نتغلب على الإرهاب وهو العدو اللدود للإنسانية”. وتابع “أثق في أن هذا الجهد المشترك سيعزز السلام والأمن في منطقتنا”.

———————-

اسرائيل وروسيا تطلبان معلومات عن الاتفاق التركي-الأميركي

قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن موسكو تنتظر من أنقرة تقديم معلومات حول اتفاقها مع الولايات المتحدة بشأن تعليق عملية “نبع السلام” لمدة 120 ساعة.

وأضاف بيسكوف بحسب ما نقلت عنه قناة “روسيا اليوم”، الجمعة، إن روسيا تعول “على الحصول على المعلومات بهذا الصدد”.

تصريحات بيسكوف تأتي بعد أن أجرى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس محادثات مع الرئيس التركي رجب أردوغان، اتفقا خلالها على تعليق عملية “نبع السلام” لمدة 120 ساعة، ليتم خلالها خروج “وحدات حماية الشعب” الكردية والمقاتلين الأكراد من منطقة الحدود السورية التركية.

من جهتها أعلنت القيادة العامة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إثر ذلك الاتفاق، الموافقة على الوقف الفوري لإطلاق النار مع الجيش التركي بوساطة بنس.

في السياق، عقد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في القدس، قادماً من أنقرة حيث كان برفقة بنس خلال الاجتماعات التي عقدت مع أردوغان.

ويراقب الإسرائيليون عن كثب قرارات ترامب المتعلقة بسوريا عن كثب، وهم قلقون من أن يتخلى عنهم أيضا أبرز حليف لهم، ويطلبون توضيحاً حول الانسحاب الأميركي من سوريا وما أحدثه من ردود فعل دولية وإقليمية.

وكان نتنياهو دان “بشدة” في بيان الاسبوع الماضي “اجتياح تركيا” للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، محذرا من “تطهير عرقي” للأكراد.

وقال جيمس جيفري الممثل الأميركي الخاص في سوريا للصحافيين على متن طائرة وزير الخارجية مايك بومبيو، حيث كان يرافقه للقاء نتنياهو “طمأننا الاتراك عدة مرات بأنه لا نية لديهم على الإطلاق، ومن الرئيس اردوغان شخصيا اليوم، بالبقاء في سوريا لفترة طويلة”.

———————–

بن جاسم: اتفاق تركيا وأمريكا أظهر “ضحالة” الجامعة العربية

قال رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، إن الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بخصوص العملية العسكرية في مناطق شرق الفرات شمالي سوريا، أظهرت “ضحالة” التقديرات العربية والبيان الصادر عن جامعة الدول العربية الذي يدين عملية “نبع السلام”.

وأضاف المسؤول القطري السابق، مساء الخميس، أن “الجامعة لم يعد لها مصداقية لا في الشارع العربي ولا العالمي، ولا حتى من المجتمعين أنفسهم، والسبب أنها لم تعالج قضاياها الأساسية في العالم العربي، ولست بصدد تعدادها”.

وأردف: “ناهيك عن عدم العدالة والمصداقية في أن تكون حكماً في أي خلاف عربي، والسبب أنها تبني سياستها بأسلوب غير واقعي”.

وبيّن في تغريدته أن الأمور تقول الآن إن “دخول تركيا إلى الشريط الحدودي كان بموافقة أمريكية روسية إيرانية سورية (نظام الأسد)”.

——————–

بشروط تركية.. بنس يعلن وقف إطلاق النار شمال سوريا

أعلن مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، الاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وقف عملية “نبع السلام” العسكرية شمالي سوريا.

وأوضاف بنس، خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة عقب اجتماع مع أردوغان استمر قرابة ساعتين و40 دقيقة، اليوم الخميس: “اتفقنا مع تركيا على مواصلة العمل لمواجهة تنظيم داعش، وأجرينا اتصالات مع قوات سوريا الديمقراطية، لضمان انسحابها مسافة 20 ميلاً من الحدود السورية – التركية”.

كما أشار نائب الرئيس الأمريكي إلى “التزام بلاده العمل مع تركيا على تأمين انسحاب منظَّم للقوات الكردية خلال 120 ساعة، ووقف العمليات العسكرية بالكامل في شمالي سوريا”.

وأكد أن “تركيا والولايات المتحدة اتفقتا على حماية السجون في شمالي سوريا، ومواجهة داعش”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن بلاده لن يكون لها وجود عسكري هناك.

وأرجع “بنس” الفضل في التوصل لهذا الاتفاق إلى العلاقة القوية بين ترامب وأردوغان، مشدداً على أن “الرئيس الأمريكي وافق على رفع العقوبات التي فُرضت على أنقرة يوم الاثنين الماضي”.

كما شدد على أن “ما توصلنا إليه اليوم يخدم بشكل كبير، مصالح الأكراد وكذلك مصالح الشعب التركي”، موضحاً أنه “على مدى خمس ساعات من التفاوض، حققنا الكثير فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة شمالي سوريا”.

وختم “بنس” كلامه بالقول: “بعد توصُّلنا إلى هذا الاتفاق، لا مجال لفرض مزيد من العقوبات على تركيا”.

“اتفاق بشروطنا”

من جانبه قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في مؤتمر صحفي له عقب حديث بنس: “أخذنا ما نريده في مفاوضات اليوم مع الأمريكيين، نتيجة القيادة الحكيمة لرئيسنا أردوغان وبشروطنا”.

وأضاف وزير الخارجية التركي: “لن نوقف عملية نبع السلام، بل سنعلّقها حتى نراقب انسحاب التنظيمات الإرهابية، واتفقنا مع الجانب الأمريكي على سحب الأسلحة الثقيلة من القوات الكردية وتدمير مواقعها”.

وأوضح أيضاً أن “الولايات المتحدة قبِلت بتنفيذ الشروط التركية بتطهير المنطقة من التنظيمات الإرهابية، وتم الاتفاق على استرداد الأسلحة الثقيلة من تنظيم YPG الإرهابي”.

وتابع: “أكدنا ضرورة وحدة الأراضي السورية، وسنتحدث مع الروس بعد دخول قوات النظام السوري إلى منبج وعين العرب”، مشيراً إلى أن هدف بلاده “إنشاء منطقة آمنة بطول 44 كم وبعمق 32 كم”.

وشدد في هذا الصدد: “نخطط لعودة مليوني لاجئ مبدئياً إلى المنطقة الآمنة، ويجب أن تتحول المنطقة المستهدَفة إلى منطقة آمنة تماماً، كي يعود إليها اللاجئون طواعية”.

كما بيَّن الوزير التركي أن بلاده “قادت نضالاً حازماً ضد داعش، وحيَّدت أكثر من 4 آلاف من عناصره في سوريا والعراق”.

وعن زيارة الرئيس التركي للولايات المتحدة المقررة في الـ13 من الشهر المقبل، أكد وزير الخارجية التركي أن “الزيارة ما زالت قائمة في موعدها”.

وتعليقاً على الاتفاق بين أنقرة وواشنطن، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا بشأن شمالي سوريا “إنجاز عظيم”.

وأضاف ترامب في كلمة للصحفيين: “إن الفرصة ما زالت متاحة للرئيس أردوغان لزيارتنا في واشنطن الشهر المقبل”.

وأثنى الرئيس الأمريكي على نظيره التركي، قائلاً: إن “أردوغان قائد عظيم وشديد البأس، وقد حقق شيئاً عظيماً، وأنا أشكره، وأقدّر ما فعلته تركيا، وأكنُّ كثيراً من الاحترام للرئيس أردوغان”.

    Pres. Trump says a potential visit by Turkish Pres. Erdogan to the White House is now “very much open.”

    “I would say that, yeah, he would come. He did a terrific thing. He’s a leader.” https://t.co/lTeSbXVIGp pic.twitter.com/fSmPsKHiNs

    — ABC News (@ABC) October 17, 2019

وتابع قائلاً: “أعتقد أنَّ وقف إطلاق النار سيستمر، والرئيس أردوغان يريد ذلك، تركيا عانت كثيراً وتعرضت للضرر من هذه المنطقة في شمالي سوريا”.

وأضاف: إن “الوضع الآن يجعل الجميع سعداء، ويمكننا الآن إعادة جنودنا إلى الوطن، ولا نحتاج فرض عقوبات على تركيا، ولم أكن بحاجة للكونغرس لفرض تلك العقوبات”.

وتابع ترامب: “سنتمكن من إعادة جنودنا إلى الوطن مع بقاء قدرتنا على احتواء تنظيم داعش، وحققنا كل ما يمكن أن نحلم به فيما يتعلق بالوضع في شمالي سوريا”.

تفهُّم هواجس تركيا

البيان التركي – الأمريكي الذي تم التوصل إليه خلال الاجتماع بين بنس وأردوغان، أكد أن أنقرة وواشنطن تحافظان على تعهُّداتهما بحماية أراضي وشعوب دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وأن واشنطن تتفهم هواجس أنقرة الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية.

كما شدد البيان المشترك على أن الجانب التركي يتعهد بحماية جميع السكان في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، ويؤكد أنه سيبذل أقصى درجات الاهتمام، لتجنُّب الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية في تلك المنطقة.

واتفق البيان على أن من الضروري استهداف العناصر الإرهابية ومخابئها، وتحصيناتها ومواقعها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها فقط.

كما أكد البيان التركي – الأمريكي المشترك “التزامهما بحماية حياة وحقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية”، وأقر بأن “التطورات الميدانية، خاصة في شمال شرقي سوريا، تتطلب تنسيقاً أوثق على أساس المصالح المشتركة”.

    JOINT TURKISH-US STATEMENT ON NORTHEAST SYRIA pic.twitter.com/DZHuGer5Wa

    — US Embassy Turkey (@USEmbassyTurkey) October 17, 2019

وكانت العلاقات بين أنقرة وواشنطن توترت بشكل غير مسبوق، بعد أن أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية لاستهداف المليشيات الكردية الانفصالية، يوم التاسع من الشهر الجاري.

كما تهدف تركيا من العملية العسكرية إلى إقامة منطقة آمنة تُمهد الطريق أمام عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ديارهم وأراضيهم بعد نزوح قسري منذ سنوات، وتغيير ديمغرافي طال تلك المنطقة بعد سيطرة المليشيات الكردية عليها.

وكان بنس قد وصل إلى أنقرة في وقت سابق من اليوم، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، للقاء المسؤولين الأتراك والتفاوض معهم حول عملية “نبع السلام”.

والثلاثاء الماضي، أعلن ترامب أنه سيرسل وفداً رفيع المستوى إلى تركيا، للتفاوض مع أردوغان حول الوضع في شمال شرقي سوريا، وشدد على ضرورة وقف إطلاق النار، مهدداً في الوقت ذاته بـ”تدمير الاقتصاد التركي” في حال فشلت المفاوضات بين الطرفين.

———————-

================

مقالات

رمال الشام المتحركة.. هل تبتلع طموح إيران وتركيا؟

جاءت تصريحات وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، مؤيَّدة ببيان من السفارة الأميركية في أنقرة، 7 أغسطس/آب 2019، حول توصل الطرفين، التركي والأميركي، لاتفاق حول المنطقة الآمنة شرق الفرات، مفاجئة لكل المتابعين لاشتباك الدولتين الحليفتين في سوريا. بدأت هذه الجولة من مباحثات الطرفين حول خلافاتهما في سوريا قبل يومين فقط؛ وكما الجولات السابقة، كانت التوقعات ترجِّح الفشل في التوصل لاتفاق، وتنتظر ردَّ فعل أنقرة، سيما بعد أن كان الرئيس التركي قد أكد في اليوم السابق لإعلان الاتفاق على أن عملية تركية عسكرية شرق الفرات أصبحت وشيكة، وأن أنقرة أبلغت واشنطن وموسكو بذلك.

في 24 أغسطس/آب، أعلن وزير الدفاع التركي أن مركز العمليات المشتركة، التركي-الأميركي، (الذي يُعتقد أنه يتخذ من مدينة أورفة مقرًّا له، ويُفترض أن يدير ويشرف على المنطقة الآمنة) قد بدأ العمل فعلًا. في الوقت نفسه، نشر الأميركيون صورًا تكشف عن قيام قوات سوريا الديمقراطية (التي تشكل الميليشيات الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، PYD، عمادها وقيادتها) بتدمير أنفاق وتحصينات كانت أقامتها على الحدود التركية.

ولكن ما بدا تقدمًا ملموسًا على صعيد الخروج من أزمة العلاقات التركية-الأميركية في الشمال السوري لم يضع نهاية للأسئلة التي لم تزل تحيط بالاتفاق بين حليفتي الناتو لاحتواء خلافاتهما في الشمال السوري. كما أن مؤشرات التهدئة التركية-الأميركية لم تضع نهاية للصعوبات التي تواجه تركيا في سوريا. فما إن تراجع مستوى التوتر التركي-الأميركي حتى وجدت أنقرة نفسها في مواجهة تعقيدات مستجدة في العلاقة مع أصدقائها الروس في الساحة السورية. خلال الشهور القليلة الماضية، وبالرغم من الاتفاق حول منع التصعيد في مناطق اشتباك النظام والمعارضة في سوريا، بدأت قوات نظام الأسد قصفًا متقطعًا لمواقع قوات المعارضة المسلحة في ريف حماة وأطراف محافظة أدلب؛ كما شهدت المنطقتان مواجهات محدودة بين المعارضة والميليشيات المؤيدة للأسد، سيما تلك التي شكلتها وتشرف عليها القيادة الروسية في سوريا. في الأسبوع الثالث من أغسطس/آب، تحولت المواجهات المحدودة إلى هجوم وحشي للسيطرة على مدينة خان شيخون ومحاصرة المعارضة في ريف حماة.

إيران، جارة تركيا الإسلامية ومنافستها الرئيسة في الجوار العربي، تواجه هي الأخرى تحديات لا تقل خطرًا في سوريا والعراق. الهجمات الإسرائيلية على مواقع التمركز والتخزين، التابعة لإيران أو لحلفائها، في سوريا مستمرة بلا هوادة منذ أكثر من ثلاثة أعوام. ولكن الجديد أن الهجمات الإسرائيلية أصبحت تطول الآن أهداف إيران وحلفائها في العراق، الذي تعمل حكومته (الصديقة لإيران والولايات المتحدة معًا) على تجنب الصدام المحتمل بين إيران وأدواتها الإقليمية، من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، من جهة أخرى، على أرضه.

حتى وقت قصير، كانت سوريا تعتبر ساحة مواجهة مسلحة، وإن بصورة غير مباشرة، بين تركيا وإيران. كما كان العراق ساحة مافسة حادة بين حلفاء الدولتين من القوى السياسية السنية والشيعية. فأي تحديات تواجهها الدولتان اليوم في سوريا والعراق؟ ثمة تهدئة ملموسة في التنافس الذي احتدم طوال السنوات القليلة الماضية بين أنقرة وطهران، فلماذا تبدوان وكأنهما تُدفعان للخروج من سوريا والعراق كلية، أو على الأقل إلى تراجع مفروض لنفوذهما؟

تركيا، وروسيا، والولايات المتحدة

لم تصبح تركيا، التي حافظت على علاقات وثيقة بنظام الأسد منذ 2004، طرفًا مباشرًا في الأزمة السورية إلا في العام الثاني من الثورة السورية. خلال معظم 2011، حاولت حكومة العدالة والتنمية التركية دفع الرئيس السوري إلى تعهد إصلاحات جذرية، ومقابلة شعبه في منتصف الطريق. ولكن تصاعد وتيرة عنف النظام ضد المتظاهرين، وفقدان الأمل في عزم الأسد الاستجابة لمطالب الإصلاح الديمقراطي، أديا إلى تبني أنقرة سياسة دعم الحركة الشعبية ومطالبها بتغيير النظام. خلال السنوات القليلة التالية، قدمت تركيا وقطر والسعودية، بتأييد أميركي، دعمًا ملموسًا لقوى المعارضة السورية، واستقبلت تركيا أعدادًا متزايدة من اللاجئين السوريين. ولأن إيران وقفت، بصورة مباشرة، أو عبر حزب الله اللبناني، إلى جانب الأسد، كان واضحًا أن سوريا أصبحت ساحة صراع بين تركيا وحلفائها العرب، من جهة، وبين إيران وأدواتها الشيعية المسلحة، من كافة الجنسيات، من جهة أخرى.

منذ 2015، دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة. دخلت روسيا طرفًا مباشرًا لتوفير الدعم العسكري لنظام الأسد وحلفائه؛ ودخلت الولايات المتحدة لدعم الميليشيات الكردية السورية في المعركة مع تنظيم الدولة في شمال، وشمال شرق، وشرق سوريا. وكان طبيعيًّا، ولأسباب مختلفة في الحالتين، أن يتفاقم التباين بين السياسة التركية في سوريا، والسياسات الروسية والأميركية.

بتوقيع اتفاق عدم التصعيد في سبتمبر/أيلول 2017، بدا كأن أنقرة وموسكو وجدتا وسيلة للتوافق على تنظيم العلاقة في سوريا، سيما بعد أن تسارعت وتيرة التقارب التركي-الروسي عقب محاولة الانقلاب التركية الفاشلة في يوليو/تموز 2016، واتسع نطاق الخلافات التركية-الأميركية خلال ولاية أوباما الثانية، في سوريا وفي الإقليم ككل. وقد تعزز التقارب بين أنقرة وموسكو بتوقيع الأولى عقد شراء منظومة إس 400 الروسية المضادة للطائرات، وموافقة روسيا على عملية غصن الزيتون، 2018، التركية ضد الميليشيات الكردية في منطقة عفرين.

بيد أن التباعد التركي-الأميركي في سوريا ازداد اتساعًا. أمَّلت أنقرة أن تجد حلًّا للخلافات مع واشنطن بتولي ترامب مقاليد الرئاسة؛ وقد بدا ترامب أكثر تقبلًا لوجهة النظر التركية وأكثر رغبة في الانسحاب من سوريا، بعد أن أُوقعت الهزيمة بتنظيم الدولة ولم يعد ثمة مبرر للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للميليشيات الكردية، عسكريًّا، وماديًّا، وسياسيًّا. ولكن الرئيس الأميركي، وتحت ضغط من أركان إدارته، سرعان ما تراجع عن وعود الانسحاب الكامل من سوريا وتسليم تركيا مسؤوليات الحفاظ على أمن الشمال السوري شرق الفرات والتعامل مع ما تبقى من مجموعات تنظيم الدولة المتفرقة في أرياف الشرق والشمال الشرقي السوري.

منذ ربيع 2019، بدأت تركيا، في المقابل، حشد قواتها على الحدود مع سوريا، وأعلنت بصورة قاطعة أن قواتها ستقوم بعملية شاملة شرق الفرات للقضاء على الميليشيات الكردية، وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، بغض النظر عن الموقف الأميركي. تقدير واشنطن لجدية الموقف التركي هو الذي أطلق المفاوضات المديدة، التي استمرت لأكثر من ثلاثة شهور، وانتهت بتوقيع اتفاق المنطقة الآمنة، الذي لم يزل الغموض يحيط بكثير من جوانبه.

ليس ثمة شك في أن تأسيس مركز العمليات المشتركة، المقرر أن يشرف على المنطقة الآمنة، بقيادة جنرالين، تركي وأميركي، هو مؤشر إيجابي على فعالية الاتفاق ومصداقية الجانب الأميركي. كما أن تركيا بدأت بالفعل تسيير طائرات بدون طيار لمراقبة الشريط الحدودي ونشاطات الميليشيات الكردية في المنطقة. إعلان الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية عزم القوات القيام بكل ما هو ضروري لتحقيق التوافق مع تركيا مؤشر آخر على استجابة الميليشيات الكردية للضغوط الأميركية. ولكن ثمة أسئلة عالقة، لا يبدو أن هناك إجابة واضحة عليها بعد.

طالبت تركيا من البداية بإبعاد الميليشيات الكردية عن منطقة بعمق ثلاثين كيلومترًا في الجانب السوري من الحدود، ولكن ما يجري الآن هو العمل في عمق خمسة كيلومترات فقط. فهل هذه مرحلة أولى، ستتبعها مراحل أخرى للاستجابة للمطالب التركية، أم أن الجانب الأميركي يستخدم عامل الوقت، بهدف منع تركيا من تعهد عملية عسكرية شاملة وعميقة شرق الفرات؟ المسألة الأخرى، أن الجانب التركي أراد إقامة إدارة محلية في المنطقة، من أبناء المدن والقرى السورية شرق الفرات، ذات الأغلبية العربية السنية، ولكن الجانب الأميركي لم يتحدث مطلقًا، منذ توقيع الاتفاق، عن إدارة محلية، وليس ثمة ما يشير إلى إجراءات لتنظيم هذه الإدارة، حتى في شريط الكيلومترات الخمسة التي يبدو أن الميليشيات الكردية ستُخْلِيها في المرحلة الأولى.

المسألة الثالثة، والتي لا تقل أهمية، أن مشروع أنقرة شرق الفرات يرتكز إلى فكرة منطقة آمنة، تصلح لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بينما لم يرد مصطلح “المنطقة الآمنة” حتى الآن في تصريحات المسؤولين الأميركيين، وليس من الواضح ما إن كانوا سيعملون على تأهيل لمنطقة الإشراف المشترك بحيث تشجع اللاجئين السوريين على العودة، كما حدث في جرابلس والباب وعفرين.

الغموض الذي يحيط بالاتفاق مع الأميركيين وعدم وضوح عمق وحجم وطبيعة المنطقة الآمنة ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه السياسة التركية في سوريا؛ فمنذ بدأت المفاوضات التركية-الأميركية حول شرق الفرات، أخذت الشكوك في الاتفاق التركي-الروسي-الإيراني حول عدم التصعيد في التزايد باندلاع الاشتباكات بين الميليشيات السورية الموالية لروسيا وقوات المعارضة المسلحة في ريف حماة وجنوب إدلب. والحقيقة، أن روسيا وإيران ونظام الأسد كانوا قد أخلُّوا بصورة فادحة باتفاق عدم التصعيد في ريف دمشق، بدون أن تجد تركيا وسيلة لإيقاف شركائها في الاتفاق. ولكن تقويض الاتفاق في إدلب وجوارها مسألة أخرى مختلفة تمامًا، نظرًا لأن هذه المنطقة تخضع لإشراف تركي-روسي مشترك، ولوجود نقاط مراقبة عسكرية تركية في محيطها.

ما يقوله الجانب الروسي أن تركيا لم تنجح في إبعاد جبهة النصرة من منطقة عدم التصعيد، وأن تركيا، بالتالي، هي المسؤولة عن الإخلال بالاتفاق. ولكن الأرجح أن روسيا (ونظام الأسد) خشيت من عواقب عملية تركية منفردة شرق الفرات، أو من اتفاق تركي-أميركي محتمل، يمنح تركيا تحكمًا إضافيًّا في طريقي 4 و5 السوريين السريعين. ولذا، ولتأمين الطريقين في المنطقة غرب الفرات، أطلقت روسيا عملية عسكرية واسعة النطاق لإبعاد قوات المعارضة المسلحة من ريف حماة كلية، ومن مدينة خان شيخون في محافظة إدلب؛ وهو الهدف الذي تحقق بالفعل، بعد سلسلة من المعارك المحتدمة والهجمات الدامية على البلدات والقرى في المنطقة، في نهاية الأسبوع الثالث من أغسطس/آب.

المدهش في كل هذا هو المماطلة الأميركية غير المفهومة في القبول بالمطالب التركية المنطقية، استراتيجيًّا وإنسانيًّا، شرق الفرات، بالرغم من أن مبرر الدعم الأميركي للميليشيات الكردية لمواجهة تنظيم الدولة، لم يعد مسوَّغًا. وفي الوقت الذي توجِّه فيه روسيا ضربات مؤلمة للنفوذ التركي في إدلب وجوارها، ليس ثمة نشاط عسكري روسي، أو لنظام الأسد وحلفائه من الميليشيات الشيعية، في المنطقة الواسعة شرقي الفرات، التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، حتى بعد أن انخفض الوجود الأميركي العسكري في المنطقة لعدة مئات من الجنود.

إيران في سوريا والعراق

كانت إيران هي الحليف الأول والأساس لنظام الأسد في حربه ضد شعبه؛ وبدون دعم إيران والميليشيات الشيعية، كانت المعارضة السورية أسقطت النظام بالفعل في صيف وخريف 2013. وإيران، أيضًا، هي من دعت وشجعت روسيا على الدخول العسكري المباشر في سوريا، في خريف 2015، عندما أصبح واضحًا أنها ونظام الأسد في طريقهما لخسارة المعركة مع المعارضة.

ولكن، ومنذ ربيع 2019، بدأ الإيرانيون يلحظون جهدًا روسيًّا حثيثًا لإخراجهم من، أو على الأقل إضعاف نفوذهم في سوريا. نظَّم الروس ميليشيات سورية موالية لهم، سُلِّحت وتتلقى أوامرها من القيادة الروسية في قاعدة حميميم. كما دفع الروس النظام لإجراء تغييرات واسعة النطاق في قيادات الجيش السوري وفي أجهزة النظام الأمنية والاستخباراتية، بهدف استبعاد حلفاء إيران وأصدقائها. وفي أكثر من حالة، سيما في العلاقة مع تركيا والولايات المتحدة، أجرى الروس اتفاقات حول سوريا، بدون استشارة الجانب الإيراني، ولا النظام. ولا يخرج عن هذا التوجه الشراكات واسعة النطاق بين الشركات والبنوك الروسية مع رجال الأعمال السوريين، والسُّنَّة منهم على وجه الخصوص، ودفع هؤلاء لمعارضة النفوذ الإيراني في بلادهم. الأخطر من ذلك كله، التفاهم الضمني بين روسيا وإسرائيل، الذي سمح للأخيرة بتوجيه ضربات موجعة لمواقع إيرانية، بما في ذلك مستودعات عسكرية نوعية، في كافة أنحاء سوريا، وبدون أي رد فعل من الجانب الروسي الذي يتحكم كلية في الأجواء السورية.

كان الخروج الإيراني من سوريا أحد المطالب الأميركية الرئيسة التي أعلنتها إدارة ترامب ضمن شروط التفاوض مع إيران وبدء مرحلة جديدة من العلاقات. وتزداد المؤشرات لدى طهران على أن روسيا لا تعارض هذا المطلب الأميركي (-الإسرائيلي، بالطبع)، بل وتعمل جاهدة على تحقيقه، سعيًا من روسيا للانفراد بالشأن السوري، وإدراكًا من موسكو لأن الغرب لن يقدم على التعاون في إعادة بناء سوريا بدون خروج إيراني عسكري منها. بمعنى، أن طهران باتت ترى تفاهمًا روسيًّا-أميركيًّا، مؤيدًا من الدولة العبرية، حول إخراجها، أو إضعاف نفوذها بصورة كبيرة، في سوريا.

خلال الشهور القليلة الماضية، وبعد أن ظنَّ الإيرانيون أن الموقف العسكري لحلفائهم في اليمن في المعركة مع السعودية قد تحسن بصورة ملموسة، أخذ نطاق التهديدات للنفوذ الإيراني في الإقليم في الاتساع، وليس فقط بفعل إجراءات الحصار الأميركية ثقيلة الوطأة. بصورة مفاجئة، وبدون توقعات مسبقة، تعرضت قاعدة عسكرية لقوات الحشد الشعبي العراقية في محافظة صلاح الدين للقصف، في 19 يوليو/تموز. وقد تبين لاحقًا أن عددًا من ضباط الحرس الثوري الإيراني، كانوا في القاعدة، أصيبوا أو قُتلوا، وأن القاعدة ضمَّت مستودعات سلاح إيراني. لماذا يقوم الإيرانيون بتخزين السلاح في معسكرات للحشد الشعبي؟ ليس واضحًا تمامًا. أحد الاحتمالات أن إيران تقوم بتخزين السلاح في العراق استعدادًا لمواجهة محتملة في الإقليم مع الأميركيين. الاحتمال الآخر أن هذا السلاح يفترض أن يُنقل في توقيت ملائم إلى سوريا، وأن العراق اختير كمحطة تخزين آمنة من القصف الإسرائيلي بصورة مؤقتة.

لم يوجه المسؤولون العراقيون الاتهام لأحد، بل أعلنوا عن قرار بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة؛ وربما وجدت رئاسة الحكومة العراقية حرجًا في الاعتراف باستخدام الحرس الثوري الإيراني لمعسكرات قوات الحشد الشعبي كمستودعات سلاح. ولكن الأجهزة العراقية كانت متيقنة من أن الطائرات المسيَّرة التي قصفت قاعدة الحشد هي طائرات إسرائيلية.

بعد أيام قليلة من حادثة القاعدة في محافظة صلاح الدين، تعرضت قاعدة أخرى للحشد على الحدود الإيرانية للقصف، وأيضًا بفعل طائرات مسيرة. في 12 أغسطس/آب، قُصفت قاعدة الصقر الضخمة، جنوب بغداد، التي تشغلها ميليشيات “سيد الشهداء” في الحشد الشعبي، وثيقة الصلة بالإيرانيين. في 20 أغسطس/آب، قصف معسكر للحشد بالقرب من قاعدة بلد الجوية، شمالي بغداد. وفي 25 أغسطس/آب، وفي خامس حادثة خلال شهرين، قصف معسكر آخر للحشد الشعبي قرب مدينة القائم العراقية الحدودية مع سوريا. في كل هذه الهجمات، يُعتقد وقوع إصابات بين عناصر من الحشد ومن الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى الدمار الواسع الذي أوقع بمستودعات السلاح في القواعد المستهدفة.

بتكرار استباحة الأجواء العراقية، وعمليات القصف، التي لم يعد من الممكن إخفاؤها، لمعسكرات الحشد الشعبي العراقي، تباينت مواقف المسؤولين العراقيين بين من وجهوا الاتهام للإسرائيليين، ومن أشاروا إلى مسؤولية الأميركيين. في المقابل، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أكثر وضوحًا في مقابلة إعلامية، 23 أغسطس/آب 2019، عندما قال إنه أصدر الأمر لملاحقة الإيرانيين في كافة أنحاء الإقليم، وإن على إيران أن تدرك أن لا حصانة لها في الجوار.

ولكن، إن لم يعد هناك شك في تحديد المسؤول عن هذه الهجمات، فكيف استطاعت الطائرات الإسرائيلية المسيرة الوصول إلى العمق العراقي؟ خبراء إسرائيليون ومعلقون مقربون من الدوائر الإسرائيلية حاولوا تقديم إجابات مضللة على هذا السؤال، مثل القول بأن الطائرات أُطلقت نحو العراق من أذربيجان عبر الأجواء الإيرانية، أو من إسرائيل نفسها وعبر الأجواء السورية أو الأردنية. كلا الاحتمالين لا تؤيده الوقائع، نظرًا للمخاطر الكبيرة التي يمكن أن تواجهها الطائرات المسيرة في أجواء سوريا أو الأردن أو إيران. الأرجح، طبقًا لمصادر عراقية، أن الطائرات أُطلقت من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمالي شرق وشرق سوريا، وأن السعودية لا تمول العملية وحسب، بل وكانت من أَسَّسَ للاتفاق بين القوى الكردية السورية والإسرائيليين.

مهما كان الأمر، ونظرًا للقدرات التي تحتفظ بها روسيا في سوريا، والولايات المتحدة في العراق وفي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، يصعب تصور قيام إسرائيل بهذه السلسلة من الهجمات على أهداف عراقية، بدون معرفة وقبول، وربما تأييد، كل من روسيا والولايات المتحدة.

احتدام التدافع الدولي والإقليمي في المشرق

يذكر أحد مساعدي الرئيس الراحل، د. محمد مرسي، رافقه في زيارته لروسيا ولقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي، أبريل/نيسان 2013، أن د. مرسي أصرَّ على وضع المسألة السورية على جدول المباحثات. وفي لحظة مناسبة من اللقاء، توجه مرسي إلى بوتين قائلًا: “أنا عازم على العمل لإيجاد حل للنزاع السوري، وأريد أن أعرف من الرئيس بوتين طبيعة المصالح الروسية في سوريا”. أجاب بوتين: “هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها حديثًا جادًّا حول الأزمة السورية؛ وما أريد أن أوضحه أن روسيا ترى أن ثمة توجهًا غربيًّا لاقتسام النفوذ في الشرق الأوسط، بمعزل عن روسيا، ونحن لن نسمح بذلك”. كان هذا، بالطبع، قبل فترة طويلة من دخول روسيا طرفًا مباشرًا في الصراع على سوريا، وقبل إعادة الانتشار العسكري الأميركي في سوريا والعراق، بعد التوسع الجغرافي الكبير لتنظيم الدولة في البلدين.

لم ينطلق دور موسكو بوتين في سوريا، من زاوية النظر هذه، من التزام أيديولوجي أو أخلاقي بالحفاظ على نظام الأسد. سوريا هي ركيزة الحسابات الروسية، وليس النظام. وسوريا هنا لا تعني موطيء قدم روسيًّا في قلب الشرق الأوسط، وحسب، بل ثقلًا جيوسياسيًّا ضمن حسابات أوسع وأكبر، تبدأ في أوكرانيا ولا تقف على شواطيء الخليج. تمامًا، كما ترى الولايات المتحدة نفوذها في الخليج، وفي مصر، وحتى شمالي سوريا والعراق. ولأن الدول الكبرى تفترض أن مناطق نفوذها لابد أن تكون حكرًا عليها، تمارس فيها، بحرية كاملة، السياسات التي تخدم مصالحها، فمن المنطقي ألا ترحب بشركاء إقليميين، أو غير إقليميين، في هذه المناطق.

ويجب ألا يكون هناك شك في أن إيران وتركيا أصبحتا مصدر صداع مستمر لنفوذ القوتين الكبريين الرئيسيتين في تدافعات المشرق السياسية. وقد تحولت سوريا، سواء لتعدد اللاعبين على ساحتها، أو لتأزمها المديد، إلى مرآة ساطعة للكيفية التي تحاول بها القوى الغربية الرئيسية كبح طموحات القوى الإقليمية، وإجهاض سعيها لتوكيد ذاتها ودورها في الإقليم.

خلف هذا الإطار لعلاقات القوى، يمكن رؤية سلسلة من التدافعات المحتدمة في كل من سوريا والعراق. كلتا القوتين الكبريين، الولايات المتحدة وروسيا، تريدان إخراج إيران وتركيا من سوريا والعراق، أو على الأقل تهميش دورهما. أحد الأسباب المباشرة لهذه السياسة هو الحفاظ على أمن الدولة العبرية وتفوقها. السبب الآخر يتعلق بالقلق المتزايد من سياسة التوسع الإيراني في أكثر من دولة من دول المشرق. ولا يقل أهمية سعي روسيا لوضع نهاية للأزمة السورية، وتجنب تحولها إلى مستنقع ومصدر إرهاق للعسكرية والسياسة الروسية؛ والعمل من ثم على توكيد سيادة الدولة السورية على أرضها.

لهذا، لابد أن يُرى الاتفاق الأميركي مع تركيا باعتباره بداية طريق طويل ومتعثر، لا استجابة مخلصة للمطالب الأمنية التركية. هدف الولايات المتحدة الأساس في سوريا الآن هو منع تدخل عسكري تركي واسع النطاق شرق الفرات، والحفاظ على الميليشيات الكردية وسيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الشرق السوري، ليس فقط للقيام بمهمات مواجهة خلايا تنظيم الدولة في المنطقة، ولكن أيضًا لاستهداف إيران في الجوار، ومنعها من تأمين خطوط اتصال من الغرب الإيراني إلى ساحل المتوسط. روسيا، في الحقيقة، تتفق وهذه الأهداف الأميركية-الإسرائيلية، سواء فيما يتعلق بإيران أو بتركيا. وربما كان هذا التقدير للموقف الأميركي ما دفع أردوغان، في خطاب له يوم 26 أغسطس/آب، إلى التحذير من التباطؤ في تنفيذ الاتفاق والإشارة إلى أن القوات التركية لم تزل جاهزة لدخول شرق الفرات منفردة.

بيد أن روسيا، وإن رحبت بالضغوط الأميركية-الإسرائيلية على إيران، وجهود واشنطن لمنع اجتياح تركي لشرق الفرات، تأمل في ألا يستمر الوجود العسكري الأميركي في الشمال الشرقي السوري طويلًا. في تصور موسكو للأمور، سيكون على الميليشيات الكردية التوصل إلى تفاهم سياسي سريع مع دمشق، في اللحظة التي سيقرر فيها الأميركيون الخروج من سوريا، أو سيتم التعامل مع هذه الميليشيات بقوة السلاح وعودة دمشق للسيطرة على المنطقة.

الجديد في هذا الوضع المتداخل والمتحرك كان الدخول السعودي، الذي بدأ، على الأرجح، بصورة جدية بعد زيارة تامر السبهان، وزير الدولة السعودي، (قادمًا عبر كردستان العراق، وليس تركيا)، لمنطقة السيطرة الكردية شمال شرقي سوريا ولقائه القيادات الكردية في 19 يونيو/حزيران الماضي (2019). ويبدو أن الصلات السعودية مع الجماعات الكردية السورية المسلحة (بتشجيع أميركي)، قُصد بها ليس مناكفة تركيا، وحسب، بل وصنع الظروف الملائمة لتوسيع نطاق الضربات الإسرائيلية لنقاط التمركز والمستودعات الإيرانية في العراق، والوقوف في وجه محاولات طهران تعزيز موقفها الجيوسياسي في سوريا.

بصورة عامة، يجري هذا التدافع للقوى، إقليميًّا ودوليًّا، تحت سقف الحرب الشاملة أو المواجهة العسكرية واسعة النطاق. بمعنى، أن كافة أطرافه تعمل على إيقاع ضربات موجعة، ولكن محدودة، بالخصم، أو الخصوم، بدون الذهاب بعيدًا. ما يبدو أن طرفًا من الأطراف لا يريد حربًا، بل إن كافة الأطراف تعلن صراحة رغبتها تجنب التصعيد إلى مستوى الحرب. ولكن مثل هذا الاشتباك التدافعي لقوى متعددة لم تشهده منطقة أخرى من العالم منذ عقود؛ وقد تصل الأمور إلى لحظة يصبح فيها من الصعب على النوايا المسبقة ضبط الإيقاع المتسارع، سيما إن وجدت القوى الإقليمية الرئيسة، تركيا وإيران، صاحبة المصلحة المباشرة في جوارها الإقليمي، أن ليس ثمة وسيلة أخرى لوضع حد لخسائرها.

هذا الموضوع مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات.

———————–

اتفاق غامض يوقف العملية العسكرية التركية

أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بِنس يوم أمس وصول بلاده إلى اتفاق مع تركيا لوقف عمليتها العسكرية شمال شرقي سوريا، ويشمل الاتفاق عدداً من المواضيع الرئيسية؛ أهمها تعليق العمليات العسكرية لمدة 120 ساعة، في مقابل انسحاب وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى مسافة 20 ميلاً بعيداً عن الحدود السورية التركية. كما تحدّث الاتفاق عن عودة العلاقة بين واشنطن وأنقرة إلى ما كانت عليه كحليفين قديمين في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على أنقرة.

الإعلان الأميركي الذي أذاعه بِنس خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر السفارة الأميركية في أنقرة مساء أمس، جاء بعد اجتماع مطول جمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سبقته تصريحات سلبية من الطرفين، ما وضع هذا اللقاء في موقع حرج، يبدو أن واشنطن وأنقرة استطاعتا الخروج منه والوصول إلى اتفاق رغم التعقيد والتوتر الشديدين.

وفي تعليقها على الاتفاق، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنها على علم بالمفاوضات التي سبقته، وأنها كانت جزءاً منها، كما أعلنت موافقتها على وقف إطلاق النار؛ وقال البيان الذي صدر باسم القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية: «تم التوصل اليوم إلى الإعلان عن وقف لإطلاق النار الفوري بين قوات سوريا الديمقراطية والدولة التركية على طول جبهات القتال الممتدة من مدينة رأس العين/ سري كانيه شرقاً وحتى مدينة تل أبيض غرباً (…) إن قوات سوريا الديمقراطية تؤكد التزامها بعملية وقف إطلاق النار المعلنة وتطالب في الوقت ذاته الدولة التركية الالتزام بذلك».

وبعد البيان، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، خلال لقاء مع تلفزيون روناهي، إن الاتفاق جاء نتيجة ضغوط دولية كبيرة مورست على أنقرة، وإنه يتضمن عودة النازحين، وأضاف أنه على الولايات المتحدة أن تكون «ضامنة للاتفاق الذي يجب ألا يغير ديموغرافية المنطقة». كما أشار عبدي إلى أنه على «يجب على شعبنا والأطراف السياسية (الكردية) توحيد الصفوف»، وربما تكون هذه العبارة إشارة إلى احتمال العودة إلى طروحات سابقة تتعلق بانتشار مقاتلي «بيشمركة روجافا» قرب الحدود مع تركيا بديلاً عن وحدات حماية الشعب، وهي قوات من مقاتلين أكراد سوريين مرتبطين بقيادة إقليم كردستان العراق.

في مقابل هذه التصريحات، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أغلو، إن بلاده قررت «تعليق» العمليات العسكرية وليس وقف إطلاق النار، وشدَّدَ في مؤتمر صحفي بعد الإعلان عن الاتفاق على أن بلاده متمسكة بإقامة «منطقة آمنة» بعمق يصل إلى 32 كم داخل الأراضي السورية. أما النظام السوري، فقد جاء تعليقه على الاتفاق على لسان بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد، التي وصفت الاتفاق بـ «الغامض»، وأضافت أنه «لا يمكن أن تقبل دمشق بنسخ نموذج كردستان العراق في بلدنا».

الرئيس الأميركي دونالد ترامب كتب على تويتر قبيل المؤتمر الصحفي الذي عقده نائبه في أنقرة: «نبأ عظيم من تركيا. أخبار المؤتمر قريباً…. شكراً لأردوغان، سيتم إنقاذ ملايين الأرواح»؛ ويبدو أن ترامب يحاول إنقاذ الموقف في اللحظات الأخيرة، قبل أن تخرج الأمور من يد الولايات المتحدة نهائياً في شمال شرقي سوريا، وذلك بعد الضغوط الكبيرة التي طالته من السياسيين في واشنطن، وأبرزها قرار الكونغرس الأميركي الذي ندّدَ بقرار ترامب الانسحاب من سوريا، والذي كان علامة فارقة في السياسة الأميركية، إذ توحد نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس للوقوف في وجه ترامب.

ويتحدث الاتفاق الأميركي التركي عن ضرورة وقف العملية التركية بشكل نهائي، وذلك في حال نفذت وحدات حماية الشعب انسحاباً كاملاً من الحدود السورية التركية خلال 120 ساعة، كما يتضمن الإشارة إلى أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين واشنطن وأنقرة لن تحدث إلا بعد وقف العملية بشكل نهائي، إلا أن ثمة أموراً رئيسية سكت عنها الاتفاق، من بينها النص صراحة على عودة النازحين إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي وحلفاؤه، ومصير ونوع السيطرة على المناطق التي ستنسحب منها وحدات حماية الشعب التي سمّاها الاتفاق بالذات، دوناً عن قوات سوريا الديمقراطية التي تضمّ مكونات أخرى، وهو ما يفتح مزيداً من الأسئلة حول آليات التطبيق، وخاصة في حال مواصلة إدارة ترامب لخطتها في الانسحاب الكامل من شمال شرقي سوريا، ليبقى سؤالٌ كبيرٌ مفتوحاً حول كيفية ضمان الولايات المتحدة لاستمرار تنفيذ الاتفاق مستقبلأً دون وجود قوات لها على الأرض.

وبينما يبدو واضحاً أن الجانب التركي يعتبر أن الاتفاق يشمل سائر الشريط الحدودي من مدينة عين عرب/كوباني شرقي نهر الفرات إلى عين ديوار غربي نهر دجلة، فإن ما أعلنته قسد عن أن فهمها للاتفاق يشمل تل أبيض ورأس العين فقط ربما يكون عائقاً أمان تنفيذ بنود الاتفاق. وفضلاً عن هذا، فإن الجانب التركي يعتبر أن السيطرة الأمنية على مجمل هذا الشريط، وبعمق 32 كم داخل الأراضي السورية، يجب أن تكون للجيش التركي، وهو ما لا تبدو واضحة كيفية تنفيذيه بعد أن انتشرت وحدات من جيش النظام السوري والشرطة العسكرية الروسية في عدة مناطق من هذا الشريط، وخاصة كوباني ومحيطها، فضلاً عن تمركز النظام السوري أصلاً في مناطق رئيسية من مدينتي الحسكة والقامشلي، وانتشار عناصر منه في مواقع جديدة في محافظة الحسكة خلال الأيام القليلة الماضية.

في هذه الأثناء، تتواصل الاشتباكات المتقطعة في رأس العين/سري كانيه، بين القوات السورية التابعة لأنقرة وقوات قسد المتمركزة في المدينة، التي كانت القوات التركية والقوات السورية المرافقة لها قد نجحت في حصارها يوم أمس. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الاشتباكات ستستمر وتتصاعد وصولاً إلى انهيار الاتفاق، أم أنها ستتراجع باتجاه السير في تنفيذ بنوده، لكن يبقى أن التنفيذ الفعلي لهذا الاتفاق يصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها ما يبدو غياباً كاملاً لأي اتفاق حول مستقبل إدارة المنطقة على المدى القريب، وهو ما يترك الجزيرة السورية مفتوحة على احتمالات مزيد من المعارك والنزوح والآلام وتغيّر خرائط السيطرة.

موقع الجمهورية

———————–

عن أسباب اضطراب السياسة الأميركية في سوريا/ أكرم البني

ما إن أعلن الرئيس الأميركي قرار سحب عناصره العسكرية من شمال شرقي سوريا، الذي بدا كأنه ضوء أخضر لقوات أنقرة كي تتوغل هناك، حتى هدد بنفسه، بعد يوم واحد فقط، بسحق اقتصاد تركيا وتدميره إذا تجاوزت حدودها.

وحين أكد دونالد ترمب أنه لن يتخلى بأي شكل عن الأكراد الذين عدّهم أشخاصاً مميزين ومقاتلين رائعين، بدا إعلانه الانسحاب من سوريا، فور دحر تنظيم «داعش»، كأنه طعنة لهم في الظهر، تاركاً قواتهم مكشوفة، أمام أشباه «داعش» والطامع التركي، لمهاجمتهم والاستفراد بهم.

وقبلها في صيف عام 2017 لم يمضِ وقت طويل على صراخ واشنطن وتهديدها النظام السوري بالويل والثبور وعظائم الأمور إن استمر في تصعيده العسكري ضد قوات المعارضة في درعا وأريافها، حتى أبلغت السفارة الأميركية في عمان، الجماعات المسلحة في جنوب سوريا بأنه لم يعد بوسعهم الاعتماد على الحماية الأميركية؛ الأمر الذي مكّن قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي، من السيطرة بسهولة على تلك المناطق.

هي كثيرة الأمثلة التي تؤكد اضطراب السياسة الأميركية تجاه الوضع السوري، وإذ يتفق الجميع على أنها تحمل كثيراً من التناقض والغموض والقليل من الانسجام والوضوح، فإنهم يختلفون حول الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك…

ثمة من يرجع السبب إلى تنوع مراكز صنع القرار في واشنطن؛ بين الرئيس، والمؤسسات الرسمية، وبينهما وبين المؤسسات غير الرسمية، كمنظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط، مما انعكس في غياب التناغم في المواقف وظهور تباينات كبيرة، حدَت بالرئيس الأميركي، غير مرة، للتراجع، جزئياً أو كلياً، عن بعض القرارات التي اتخذها حين اعترضتها انتقادات واسعة، وكلنا يذكر تجميد قرار سحب قواته من سوريا، الذي أعلنه في مطلع العام الحالي، استجابة لتحفظات عدد من قادة الكونغرس وتحذيرهم من أن هذه الخطوة لن يستفيد منها سوى إيران ونظام دمشق وتنظيم «داعش»، ليتم الالتفاف على الحرج وتسوية التناقض، عبر التأكيد على ضرورة الانسحاب بوصفه «هدفاً»، لكن دون تحديد جدول زمني له ما دام هناك متطرفون تجب محاربتهم في سوريا!

وما يعمق السبب السابق برأي أصحابه، هو الطبيعة الشخصية للرئيس ترمب وميله لتغليب الروح الفردية في مواجهة القيم المؤسسية الأميركية الراسخة، ثم اندفاعاته ومواقفه المفاجئة، التي بدت نكايةً وتشفياً في سلفه أوباما، والمثال؛ قراره، من باب رفع العتب، قصف قاعدة جوية للنظام السوري إثر معاودة الأخير استخدام السلاح الكيماوي، متقصداً إظهار ضعف أوباما الذي هدد ولم ينفذ، أمام جرأته واستعداده لاستخدام الردع العسكري.

هناك من يجد السبب في اختلاف ترتيب الأولويات لدى الإدارة الأميركية، وتنامي الاهتمام بالوضع الداخلي ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية؛ مما يتطلب لجم السياسة الخارجية والحد من فاعليتها، وفق حسابات تتعلق برأي عام ذاق مرارة الثمار في العراق وأفغانستان، وبات غير معني بأحداث خارجية لا تمسّه مباشرة. ولعل ما زاد من أهمية هذا الخيار، هو نجاح الالتفات إلى السياسة الداخلية في تجاوز الصعوبات الاقتصادية وتحقيق نسبة نمو تجاوزت 3 في المائة وخفض معدل البطالة إلى 305 في المائة مسجلاً مستوى غير مسبوق خلال 50 سنة! والقصد أن تجنب دور عالمي نشط، والنزعة إلى الانكماش والانزواء لدى أكثرية الشعب الأميركي، سيحاصران بلا شك سياسة البيت الأبيض، ويشكلان ضغطاً مستمراً عليه كي يتجنب أي مغامرة أو منزلق، فأميركا انتظرت 3 سنوات، كما قال ترمب، وحان الوقت لكي تخرج من حروب هزلية لا تنتهي! ولعل ما يزيد هذا الحصار حصاراً، الضغط الذي يشكله اقتراب موسم الانتخابات الأميركية وطموح ترمب لولاية ثانية وحرصه على نيل رضا قطاعات أوسع من الشعب الأميركي.

بينما يذهب آخرون إلى وضع السبب في زاوية تحسب واشنطن من خصوصية وتعقيدات الوضع السوري وارتباطاته الإقليمية والعالمية، وتالياً من خطر دفع الأمور إلى حدها الأقصى والتورط في صراع مزمن قد تتعدد أطرافه ويطول زمنه، ولا يخفى على أحد هنا تهديد طهران الصريح باستعدادها وحلفائها للانخراط في حرب مفتوحة للحفاظ على نفوذها الإقليمي، خصوصاً في سوريا، ليصح القول إن القيادة في واشنطن مجبرة على قراءة المسألة السورية من زاوية النتائج والجدوى والتكلفة، وما يترتب على ذلك من خسائر يصعب تعويضها.

في حين ثمة من يعتقد أن السبب هو العقدة الأميركية المتمثلة في الإرهاب الإسلاموي، فهي التي استوجبت بناء التحالف الدولي والحضور العسكري الأميركي في سوريا، كما أنها مهدت، بعد دحر تنظيم «داعش»، لقرار الانسحاب، وهي العقدة ذاتها التي ربما تستجرّ مواقف جديدة، في حال ثبت عمق التواطؤ بين حكومة إردوغان والجماعات الإسلاموية المتطرفة، أو في حال الاستهتار في التعاطي مع فلول «داعش»، وتقدم خطر هروب مقاتليه المعتقلين لدى القوات الكردية، ويقدر عددهم بنحو 10 آلاف؛ بينهم نحو ألفي أجنبي.

أخيراً؛ لا يغفل البعض دور الحسابات والمصالح الإسرائيلية في هذا الاضطراب، من حيث احتمال تعارض بعض المواقف الأميركية المعلنة مع حرص تل أبيب على تفوقها وأمنها الاستراتيجي، والمغزى أن دولة إسرائيل تملك قوة وتأثيراً، يجب عدم إغفالهما، على مواقف الغرب والسياسة الأميركية، وتحديداً تجاه بلد جار لها وتحتل جزءاً من أرضه، مما يعني؛ مثلاً، أنه لا يمكن القفز غربياً على رغبة إسرائيلية خفية لا تحبذ وصول سلطة جديدة إلى الحكم في سوريا بدلاً من سلطة خبرتها جيداً ووفّت بوعدها طيلة عقود بإبقاء جبهة الجولان مستقرة.

صحيح أنه ما لم تتخذ الولايات المتحدة موقفاً جديداً وحاسماً من الحدث السوري، بصفتها الطرف الأقوى عالمياً والأقدر على تقرير مصير كثير من الصراعات الوطنية والأزمات الإقليمية، فلن يحصل أي تحول نوعي، وستبقى البلاد عرضة للتنازعات الإقليمية والتجاذبات الدولية، وصحيح أن السياسة الأميركية لا تحكمها الرغبات والأمنيات؛ بل تستند للمصالح والمطامع، ولحسابات موازين القوى ومواقف حلفائها، لكن الصحيح أيضاً أن ترمب وغيره من القادة الأميركيين لا يهمهم إن حفلت سياستهم بالاضطراب والتناقض؛ ما دامت لا تكبدهم أي عناء أو تكلفة، حتى لو دفعت، وكالعادة، شعوب المنطقة أثماناً وتضحياتٍ باهظةً لقاء ذلك.

الشرق الأوسط

———————–

«نبع السلام» بين ترامب وبيلوسي: مَن يعيد الخيول إلى الإسطبل؟/ صبحي حديدي

.. وفي اليوم الـ1000 من رئاسته استحقّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الوصف من السناتور ميت رومني، رفيقه في الحزب الجمهوري ومنافس الرئيس السابق باراك أوباما: الرئيس «أشبه بمزارع أضاع جميع خيوله، ثمّ سارع بعد ذلك إلى إغلاق باب الإسطبل»! وبالطبع، كان رومني يعلّق على قرار ترامب بإرسال نائبه مايك بنس، صحبة وزير خارجيته مايك بومبيو ومستشاره للأمن القومي روبرت أوبراين، إلى أنقرة لإقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوقف عملية «نبع السلام» في عمق الأراضي السورية. كذلك قصد رومني رسالة ترامب إلى أردوغان، التي نشرها البيت الأبيض واعتبرها الرئيس الأمريكي «مقذعة» تارة، و«جبّارة» تارة أخرى: بعد فوات الأوان، بالطبع، لأنها مؤرخة في 6 تشرين الأول (أكتوبر) حين كانت الجحافل التركية قد باشرت التمهيد لغزو الأراضي السورية.

ثمّ، أيضاً في اليوم الـ1000 من رئاسته، استحقّ ترامب شفقة رئيسة مجلس النوّاب نانسي بيلوسي، التي طالبت الأمريكيين بالدعاء له كي يشفى: «أعتقد أنه يتوجب علينا الآن الصلاة من أجل صحته. ما جرى اليوم كان انهياراً جدياً من جانب الرئيس». كانت بيلوسي تعلّق على الاجتماع العاصف الذي شهده البيت الأبيض بين ترامب وعدد من أبرز المشرّعين في مجلسَيْ الشيوخ والنوّاب، في أعقاب قرار غير ملزم اتخذه اجتماع مشترك للكونغرس بأغلبية 354 مقابل 60 صوتاً، وبتأييد ثلثي الجمهوريين وقادة الكونغرس الثلاثة، يرفض الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا. ترامب، من جانبه، ردّ الصاع صاعين: بيلوسي «سياسية من الدرجة الثالثة»، و«عانت اليوم من انهيار تامّ في البيت الأبيض. كان مشهداً محزناً كثيراً. صلّوا من أجلها، فهي شخص مريض للغاية!».

ولامرئ أن يتساءل، محقاً: علام الخلف بين ترامب من جهة، وحزبه ثمّ حزبه المناوئ من جهة ثانية؟ هل محور الخلاف يخصّ قوانين التأمين والرعاية الصحية، أم الجدار العازل وسياسات الهجرة، أم فضائح الرئاسة وتحقيقات الكونغرس على طريق عزل ترامب، أم مشكلات البيت الأبيض مع الاحتياطي الفدرالي، أم أعاصير الطبيعة وأزمات البيئة، أم ما شاء المرء تخيّله من مسائل تخصّ الأمن القومي الأمريكي على نحو مباشر وعاجل؟ وحين يأتي الجواب في صيغة واحدة أحادية، هي انسحاب عشرات الجنود الأمريكيين من سوريا وترك «الحلفاء» الكرد لقمة سائغة أمام تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، فإنّ السؤال الرديف الفوري يصعب أن يبتعد عن هذا النطاق البسيط: ولكن… ألم تكن سياسة النأي الأمريكي عن الملفّ السوري هي خيار أوباما، وتابعه ترامب دون تغييرات كبرى أو جوهرية؟ ألم تنهض ركيزة كبرى في برنامج ترامب الانتخابي على إبعاد أمريكا عن «الحروب السخيفة»، خاصة تلك التي «تدور منذ ألف عام» حسب تعبيره؟ ألا يقرّ ترامب اليوم بأنّ الحلفاء الكرد «ليسوا ملائكة» وأنهم يمكن أن يقاتلوا لقاء المال فقط؟

كلّ هذه الأسئلة تبدو في صالح ترامب، من وجهة نظره بالطبع وليس في ضوء وقائع التاريخ التي تشير إلى تدخّل أمريكا عسكرياً في بلدان كثيرة، ولصالح دكتاتوريات وأنظمة فاسدة معلنَة وليس دائماً من أجل الشعار (الزائف أصلاً) القائل بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذْ يصرّح ترامب اليوم بأنّ ما يجري في شمال سوريا «لا علاقة له بنا البتة»، ويتساءل: «ما صلة الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانوا يتقاتلون على أراض سورية؟»؛ فإنه يمسخ تماماً سلسلة «النظريات» التي قادت الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب إلى حرب «عاصفة الصحراء» ضدّ الغزو العراقي للكويت، كما يُلقي إلى سلّة المهملات بكلّ الذرائع التي لفقها أسلافه من شاغلي البيت الأبيض لتبرير التدخل العسكري في شؤون عشرات الأمم. كذلك فإنّ الكونغرس لا يغضب اليوم دفاعاً عن «الحلفاء» الكرد، أو تباكياً على أرضٍ سورية يستبيحها أردوغان أو بوتين أو إيران وميليشياتها المذهبية؛ بل، حصرياً في الواقع، خشية أن يخرج الإرهابي الداعشي مجدداً من القمقم الذي أدخلته فيه الفصائل العسكرية الكردية بدعم واسع وسخيّ من البنتاغون.

طريف، إلى هذا كلّه، أن يضع المرء رئيسة مجلس النواب، بيلوسي، على محكّ أخر يتصل بالملف السوري؛ أقدم عهداً بعض الشيء، ولكنه ليس أقلّ مغزى بصدد نظام آل الأسد خصوصاً، وسوريا والمنطقة عموماً. ففي ربيع 2007 كان الجمهوري جورج بوش الابن في البيت الأبيض، وكانت بيلوسي تحمل مطرقة رئاسة مجلس النوّاب كما هي حالها اليوم؛ ولقد عبرت نهر الروبيكون، كما يُقال، فقررت مخالفة سياسة الولايات المتحدة المعتمدة تجاه إحدى دول «محور الشرّ»، وزارت دمشق، واجتمعت مع وليد المعلم ثمّ بشار الأسد على أمل ثنيه عن العلاقة مع إيران و«حزب الله» و«حماس»؛ طبقاً لأجندة إغواء حمقاء اعتنقتها مجموعات الضغط اليهودية في أمريكا، التي دبّرت اجتماع بيلوسي مع إيهود أولمرت رئيس حكومة الاحتلال يومذاك. على صعيد الإدارة ذاتها، حرصت بيلوسي على الاجتماع مع كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية في حينه، قبيل انطلاق طائرتها إلى دمشق؛ وكانت، على نحو أو آخر، تستلم لائحة الرسائل الشفهية التي سوف تبلّغها، تماماً كما فعل وزير الخارجية الأسبق كولن باول ومساعده ريشارد أرميتاج غداة اجتياح العراق، وكما فعل أعضاء الكونغرس من زائري دمشق قبلئذ وبعدئذ.

والأمر الرئاسي رقم 13338، الذي وقّعه بوش في أيار (مايو) 2004 وقضى بوضع «قانون محاسبة سوريا» قيد التنفيذ، كان ذروة سياسة «الضغط» الأمريكية على النظام السوري، وما اقترن بها من «حصار» شكلاني؛ تكفّل بتفريغه من مضمونه السياسي عدد من كبار النوّاب الأمريكيين (جمهوريين وديمقراطيين على حدّ سواء)، كلّما اقتضت المصلحة العامّة (للولايات المتحدة، ثمّ إسرائيل)؛ أو المصلحة الشخصية لهذا النائب أو ذاك (السناتور الديمقراطي بيل نلسون، مثل السناتور الجمهوري أرلن سبكتر، دون أن نغفل الإشارة إلى جون كيري… المرشح الرئاسي في حينه، المرشح الرئاسي ثمّ وزير الخارجية لاحقاً).

وكما كان منتظَراً، وكان منطقياً تماماً، لجأ النظام السوري إلى مختلف أنساق التوظيف الديماغوجي البائس لتلك الزيارة، فجرى تجييرها لصالح خلاصات دعاوية مضحكة/ مبكية في آن، أشاعتها وسائل إعلام النظام تحت صورة عريضة هي الاعتراف الأمريكي بالذنب تجاه نظام آل الأسد، وإقرار بفشل «الحصار» الشهير دون سواه. على سبيل المثال، نُسب إلى بيلوسي قولها إنّ «الطريق إلى السلام يمرّ عبر دمشق»، وذاك لم يكن اختراع أيّ من صحف النظام ذاته، بل كان مانشيت صحيفة «السفير» اللبنانية! وأمّا نصّ التصريح الفعلي فقد كان التالي: «جئنا من منطلق صداقة، وأمل، وتصميم على أنّ الطريق إلى دمشق هو طريق سلام».

وهكذا، وفي العودة إلى استعارة السناتور رمني حول الخيول الضائعة وباب الإسطبل المشرع، ليس ثمة الكثير الذي يمكن إدراكه في مضامين الدبلوماسية الأمريكية تجاه عملية «نبع السلام» بصفة محددة، والسياسة الأمريكية حول سوريا على نحو أشمل وأوسع نطاقاً. فالسياقات لا تبدأ من ترامب بل من سلفه أوباما، والمصالح التركية في استئصال وجود الـPKK على طول الحدود السورية ـ التركية لا تبدأ من أردوغان بل من العام 1978؛ الأمر الذي لا يمنع استجابة البعض لنداء ترامب وبيلوسي، والصلاة لراحة المريضين معاً، وعلى قدم المساواة!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————-

جدل سياسي أم ردّحٌ إيديولوجي؟/ حسن النيفي

لم يكن أمراً مفاجئاً أن نشهد ردود أفعال متباينة إزاء العملية العسكرية التي بدأها الجيش التركي والفصائل العسكرية المنضوية تحت مسمى الجيش الوطني في التاسع من الشهر الجاري، في منطقة الجزيرة السورية، ذلك أن مفهوم الإجماع في الرأي حول أي مسألة ذات صلة في الشأن السوري، مهما كانت جزئيتها، يكاد يكون معدوماً، لا يعود هذا – بالطبع – إلى مشروعية الخلاف في الرأي، أو ضرورة التمايز في المواقف والرؤى، بقدر ما يعود إلى غياب الفهم المشترك للقضية الأم، ومن ثم غياب آليات تفكير مشتركة تتخطى تخومها وسواترها القديمة، وتستلهم المعطى الراهن الذي يهيمن على سوريا أرضاً وشعباً.

لعلّه من السهولة أن نكون قادرين على تفهّم المواقف الخارجية – إقليمياً ودولياً – مما يجري في بلدنا، ذلك أن المعايير الحاملة لتلك المواقف لم تعد تحتاج إلى مزيد من التفكير، بل إن أنصع طريقة لفهم تلك المواقف هو الإنصات لما يقوله أصحاب المواقف ذاتها، بلا تحريف أو تأويل، الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها أوربا،  وتركيا يقولونها بملء الفم: إن موقفنا من قضاياكم – أيها السوريون – محكومة بمصالحنا المادية حصراً، وإن سلوكنا حيال ما تتعرضون له من إبادة وتشرّد، ليس مشروطاً بعدالة قضيتكم، ولا بمشروعية مطالبكم، بل محكوم أيضاً بمدى ضررنا أو انتفاعنا من مأساتكم، ولا يخفي الجميع، أن مواقفهم الإعلامية التي يُراد منها أن تستر عوراتهم الأخلاقية شيء، والمواقف الفعلية شيء آخر، ولعل خير من عبّر عن هذه الحالة بكل وضوح هما الرئيسان الفرنسي والأمريكي، إذ إن كلام ماكرون ( الأسد عدوٌ لشعبه ولكنه ليس عدواً لنا) هو ترجمة حقيقية لسلوك فرنسا السياسي القائم على التناقض بين خطابها المطعم بالنزعة الإنسانوية الحقوقية، ومواقفها الفعلية من نظام الأسد، والوجه الثاني لهذه المعادلة عبّر عنه الرئيس ترامب مخاطباً حليف الأمس ( قوات سوريا الديمقراطية) : لقد أعطيناكم مالاً كثيراً وعتاداً عسكرياً ثقيلاً، لقاء تحالفكم معنا، فاذهبوا وشأنكم.

لم تعد ثمة حاجة للتأكيد على أن جميع الأطراف ذات المصالح المتصارعة على الأرض السورية، هي غير معنيّة بما يوجع السوريين، بقدر ما يعنيها مصالحها المختلفة، بل بات هذا الوضوح من الاحتراب على الجغرافية السورية يصل إلى درجة التصريح الواضح من جميع الأطراف بأن مصطلح ( القضية السورية) قد أُفرغ من محتواه إفراغاً كاملاً، فلم يعد يعني ثورة شعب مقهور، انتفض بوجه نظام استبدادي متوحّش، أضف إلى ذلك، التجاهل المطلق لجميع المحدّدات والتداعيات الإنسانية الموجبة لالتفاتة الضمير الإنساني، ما يعني أن التنصّل الأخلاقي لأوربا وأمريكا، بلْه العرب والمسلمين، من القضية السورية، تحوّل إلى إذعان صريح، وموافقة واضحة على أن تتحوّل الثورة السورية إلى جثة مقبورة، وما الاستمرار بذبح السوريين سوى عقاب لهم على ما اقترفوه بحق أنفسهم، وفقاً لتعبير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حين رأى أن الشعب السوري هو السبب فيما هو حاصل له من دمار وموت وخراب.

الوجه الثاني والأكثر مرارة لهذه المقاربة يكمن في مواقف السوريين أنفسهم، حيال ما يجري في الجزيرة السورية، وبالتحديد مواقف قوى المعارضة من جماعات وأحزاب وأفراد. لعلّه من الطبيعي جداً أن يكون ثمة رافضون ومؤيدون وأصحاب مواقف أخرى لما يجري، لو أن هذه المواقف – على تباينها – كانت منبثقة من مقاربة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية السورية، أو لو أنها تأسست على معاينة جدّية للراهن السوري، بمعزل عن اليقينيات السابقة القارّة في النفوس والعقول معاً، أو بعيداً عن البواعث النفعية التي نمتْ في الأصل على حوامل من خارج المشهد السوري.

التيار الأبرز الذي ناهض العملية العسكرية التركية من السوريين هم اليساريون – قوميون وشيوعيون وعلمانيون إلخ – ولعل المتتبع لفحوى مناهضتهم سيجد قاسماً مشتركاً لديهم جميعاً، تختزله عبارة ( النهج الإخواني لأردوغان ) ثم تأتي التفاصيل لاحقاً، اعتداء على السيادة الوطنية – إبادة الأكراد – التغيير الديموغرافي إلخ، وفي الطرف الموازي، نجد أن معظم الذين أيدوا العملية العسكرية هم من الإسلاميين، إضافة إلى أطياف أخرى، ولو تتبعنا – أيضاً – حيثيات تأييدهم لتلك العملية لوجدناها تكمن في انحيازهم ل ( النهج الإخواني لأردوغان) ذاته، إذ أن معظم الإسلاميين مازالت مواقفهم حيال القضية السورية محكومةً بفتوى ( الأم والجنين) التي يصعب الحياد عنها لدى الكثيرين، ثم تأتي التفاصيل لاحقاً.

ما هو لافت للانتباه أن أسباب الرفض والتأييد لدى الطرفين – اليساريين والإسلاميين معاً – إنما تنبثق من محدّدات إيديولوجية أولاً ( النهج الإخواني لأردوغان)، ثم تأتي التفاصيل اللاحقة، لا لتبرهن ،أو تغني أو تضيف، بل لتبرر المسلّمة الأساسية، او المقدّمة الكبرى. وبناء على تلك المحاكمة، فإن كل ما سينتج عن هذه العملية العسكرية، محكوم عليه بالشر لدى اليساريين، لأنه نتيجة لمقدمة، أصلها الشر، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإسلاميين، فإن جميع نتائج أو تداعيات تلك العملية هي محكومة سلفاً بصوابيّة المسلّمة الأساسية.

ثمة مسألة أخرى بدت ساطعة في هذه المعمعة الإيديولوجية، وهي فقدان موقع كلٍّ من الطرفين – الإسلاميين واليساريين – لموقعه الذي كان يدّعيه لنفسه، وانزياحه كلياً إلى حالة من التماهي مع من يدافع عنه، فاليساريون الذين ناهضوا العملية العسكرية التركية في الجزيرة، قد حجب خطابهم المشحون بمزيد من الحنق، وشجبهم الشديد للسياسة التركية، الوجه الحقيقي للطرف الآخر في الصراع، وأعني حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، إذ تحوّل هذا الحزب الذي يُعدّ امتداداً سياسياً لحزب العمال الكردستاني، التركي المنشأ، والمصنف على لوائح الإرهاب، إلى قربان للديمقراطية ولأخوة الشعوب، وقد غاب – بقدرة قادر- عن أذهان جميع المنافحين عن هذه الضحية، أن القوة التي كان يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي ( قوات سورية الديمقراطية) لم تكن ممارساتها بحق السوريين من سكان منطقة الجزيرة، ومنبج والرقة والعديد من بلدات ريف حلب الشمالي، أقل إجراماً من أي ميليشيا مناهضة للثورة السورية، فضلاً عن أن حزب pyd أعلن مناهضته للثورة السورية منذ أيامها الأولى، ثم تفاقم هذا الموقف ليتحوّل فيما بعد، إلى حالات تنسيق عسكري مع قوات الأسد، ومع ذلك ، فالبعض من اليساريين قد رفع له القبعات، والبعض يجد في أعضائه رفاق درب ونضال، ولكن تقتضي الأمانة أن نقول: إن أشدّ منتقديه اكتفى بالقول: إن لدى قسد أخطاء، ولكن …). أمّا الإسلاميون فإن سخطهم على خصم حليفهم لم يكن بسبب الموقف السياسي أو السلوك الفعلي لقسد، وتداعيات هذا السلوك على قضية  السوريين الوطنية، بل كانت مناهضتهم لهذا الكيان تتقوّم على حوامل عقدية أو دينية، فهم يهاجمونه لأنه حزب يميل إلى الإلحاد، ويشجع على حماية المثلية الجنسية ويدعو إلى مساواة المرأة بالرجل، وبالتالي فإنه يعمل على انتهاك قيم الإسلام ويحرّض على مناهضة التقاليد والأعراف المحافظة، وهكذا يصبح هجومهم على خصمهم، وكذلك ولاؤهم لحليفهم، ينطلق من بواعث بعيدة عن وقائع المشهد المعاش، بل هي ألصق باليقيننيات القارة سابقاً.

ما هو ثابت لدى الطرفين، غياب أيّ مقاربة جدّية لما يحدث تستلهم الواقع السوري الراهن، دون الاتكاء أو الاستسلام للرغبات أو القناعات المتأبدة في النفوس، تستطيع معاينة احتمالات الربح والخسارة لصالح ما هو وطني وليس من منظور عقدي.

استيقاظ الكوامن الإيديولوجية لدى أربابها وحرّاسها، يعزز كثيراً من مجانية المناطحة والردح بين الطرفين المتصارعين، ويفقدهما معاً، أي قدرة على مقاربة موضوعية للموضوع المُختَلف عليه، فضلاً عن أنه شاهدٌ بامتياز على شلل الإرادة الذاتية، واستمراء لحالة الاستنقاع الأخلاقي والثقافي معاً.

تلفزيون سوريا

———————

النظام الأسدي والجزيرة السورية التي ليست له/ رشيد حاج صالح

يبدو أنّ وصف ” أكثر الفرحين” هو الوصف الأكثر ملاءمة لردة فعل النظام السوري على العملية التركية الأخيرة في شمال شرق سوريا. لم يكن يرغب مستشارو بشار الأسد في التدخل في البداية لولا الطلب الروسي الذي نبههم إلى أهمية توقيع اتفاق عسكري مع مظلوم عبدي يسمح لقوات النظام بالانتشار في بعض المناطق الحدودية التي تسيطر عليها “قسد”, وذلك للحد من التقدم التركي داخل الأراضي السورية.

كيف تعامل النظام الأسدي مع الجزيرة السورية، قبل الثورة وبعدها، وما السر الذي يكمن وراء قناعته بأن الجزيرة السورية ليست له، والنظر إليها كـ “زوجة الأب” التي سيحصل التصادم الحتمي معها فور موت الأب.

تعود سياسية حافظ الأسد القائمة على تهميش أهل الجزيرة السورية وإفقارهم إلى سببين: الأول أنهم عشائر سنية لهم أقرباء في العراق، فرقتهم اتفاقية سايكس/ بيكو، وأن ولاءهم في النهاية كان لصدام حسين، العدو اللدود لحافظ الأسد في ثمانينيات القرن العشرين. أما السبب الثاني فيعود إلى أن أبناء الجزيرة السورية ليس لهم ثِقل يذكر في صفوف قيادات الجيش ومتطوعيه. هكذا كانت المنطقة تحتل أقل المراتب في إحصاءات التعليم والاقتصاد والخدمات، من دون أن ننسى المستوى المرتفع من التنمّر الذي كان يمارسه الموظفون الوافدون على سكان المنطقة، إذ كانت الفكرة السائدة عند طبقة الموظفين المتنفذين في دمشق واللاذقية أن أفضل طريقة لتأمين مستقبل أولادهم هي أن يُنتدبوا سنوات عدة للعمل في محافظتي الرقة أو الحسكة كي يجمعوا كمية من المال الفاسد.

ثم إن هامش العمل السياسي، تحت سقف النظام، كان أيضاً أقل من الهامش الممنوح في بقية المناطق السورية. حتى أن النظام، في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، استغل هرب بعض المعارضين الجزراويين إلى العراق لكي يفرض على المنطقة سياسات ترهيبية قادها محمد سلمان، محافظ الرقة في حينها، ووزير الإعلام في ما بعد. حتى أن أغلب أعضاء المؤتمر القطري لحزب البعث في 1985 اعتقلوا أكثر من خمس سنوات فقط لأن شِلّتهم كانت ضد “شِلّة” المحافظ المذكور في انتخابات ذلك المؤتمر.

أما وضع أكراد الجزيرة السورية فلم يكن أحسن حالاً، فقد كانوا الشغل الشاغل للفروع الأمنية. عام 2004 اندلعت أحداث القامشلي، في إثر مباراة بكرة القدم، هاجم العرب الأكراد فيها تحت تأثير التحشيد المخابراتي ضد الأكراد، وقتلت قوى الأمن أكثر من 25 كرديا واعتقلت مئات. كذلك كانت سياسة الفروع الأمنية واضحة وهي تغذية ثقافة الكراهية والثأر بين العرب والكرد، وتحقيق نوع من توازن الخوف بين سكان المنطقة، يكون النظام الأسدي هو الضامن له.

لم يشعر أهل الجزيرة السورية من عرب وكرد أنهم شركاء فعليون في سوريا في ظل النظام الأسدي، إذ بقيت صورة الشاوي والكردي في أدنى سلم التنميطات الاجتماعية، وموضع تندّر، وأحياناً أقرب إلى مكب نفايات لجرائم يرتكبها النظام.  روج النظام مثلاً في بداية الثمانينيات أن “الشوايا” يشكلون أغلب الجنود الذين اقتحموا مدينة حماه وارتكبوا أفظع الجرائم، وأن جلادي سجن تدمر أغلبهم من “الشوايا” أيضاً. يضاف إلى ذلك أن شباب الجزيرة السورية أغلبهم؛ شكلوا من جهة ثانية دخلاً معقولاً لضباط الجيش عبر أخذ رواتب شهرية منهم مقابل تركهم يعودون إلى بيوتهم، ويؤدون خدمة العلم افتراضيا “تفييشهم”. هذه الطريقة في الإثراء اخترعها ضباط الجيش لأن عناصره أغلبهم لم يكن لديهم عمل يذكر في دولة يفترض أنها تحضر نفسها لحروب صعبة مع جيش مُحتل وواحد من أقوى جيوش العالم

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 سرعان ما اتّضح أن النظام كان أصغر بكثير من أن يحتفظ بكامل الأراضي السورية، فكانت مناطق الشمال الشرقي لسورية أول المناطق التي فكر بتركها. في عام 2012 بدأ النظام بسحب ألويته من مناطق الجزيرة، ولاسيما قوات اللواء 93 في عين عيسى والفرقة 17 في الرقة ودير الزور، باتّجاه إدلب، المنطقة الأكثر حيوية والأقرب إلى قرى اللاذقية. بقيت الجهة الوحيدة التي ينسق معها النظام هي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

بادئ الأمر تقاسمت السيطرة على المنطقة فصائل محلية بالإضافة إلى جبهة النصرة وأحرار الشام، إلى أن جاءت داعش وقضت على الجميع واستولت على 80 % من الجزيرة السورية، الـ 20% المتبقية سيطرت عليها قوات حماية الشعب الكردية، بالإضافة إلى النظام الذي احتفظ فقط بمطار دير الزور والأحياء القريبة منه، ووجود رمزي في مركزي محافظة الحسكة ومدينة القامشلي. بعد عام 2017 عاد النظام إلى مناطق واسعة في دير الزور وشرقي الرقة، بمساعدة من الفصائل الإيرانية والطيران الحربي الروسي، مثلما جند بعض شيوخ المنطقة والفصائل الإيرانية للقيام بحركة تشيّع واسعة في ريفي دير الزور والرقة لتغيير الخارطة الطائفية للمنطقة.

وصلت درجة عدم اهتمام النظام بمنطقة الجزيرة حداً أنّه وضع نقاط جمارك بين مناطقه ومناطق “قسد”, (كلفة مرور الشاحنة الكبيرة تصل أحيناً إلى 100 ألف ليرة سورية بموجب وصل صادر من مديرية الجمارك السورية)، بالإضافة إلى توقف طيرانه عن التحليق في أجواء المنطقة خوفاً من قوات التحالف، مثلما كان يستقبل وفود من” قسد ” في دمشق على الرغم من وصف إعلامه لهم بالـ “خونة “.

اليوم عادت الجزيرة السورية لتتصدر الأخبار بعد التطورات الدراماتيكية المتسارعة خلال الأيام القليلة الماضية. عملية تركية واسعة تستهدف السيطرة على مناطق حدودية، بدء انسحاب قوات أميركية من بعض تلك المناطق، ثم الاتفاق بين قوات سورية الديمقراطية والنظام على التعاون لمواجهة التدخل التركي. وما رافق ذلك من موجة نزوح كبيرة للأهالي من مناطق القتال، وانتشار موجة إشاعات يهوّل كل طرف من خلالها السيناريوهات المرتقبة للمنطقة.

الجديد بالذكر أن سكان الجزيرة السورية اعتقدوا، خلال سنوات الثورة الثمانية، أنّ مربط الفرس في دمشق، وأن وضع الجزيرة سيحدده من يسيطر على دمشق في النهاية، وأن الجزيرة السورية ستكون مجرد كعكة من بين الكعكات التي سيحصل عليها من يفوز في النهاية، ولذلك كان الانتظار هو سيد الموقف. اليوم اختلفت الصورة، ووجد قسم كبير من سكان المنطقة أنفسهم ينتقلون لسيطرة دولة ثانية بسبب صراع جرتهم إليه مغامرة وحدات الشعب الكردية، التي سيطرت على المنطقة منذ عام 2015 بفضل الدعم الأمريكي.

الأطراف التي أبدت رغبة بالتمسك بالجزيرة السورية، أكثر مما أبدى النظام، هي قوات حماية الشعب الكردية والأتراك، أما النظام فقد هجر المنطقة منذ نحو سبع سنوات، وصرحت وزارة خارجيته بعد عدة أيام من العملية التركية الأخيرة أنّ قوات حماية الشعب “خونة ” ويتعاملون مع الأمريكان ولا يمكن التفاوض معهم. الروس هم من ذكّر النظام بأن الجزيرة أرض سورية ولا بأس بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية للضغط على الأتراك والحصول على ما يمكن الحصول عليه.

مصدر الشعور بالرضى والمظاهر الاحتفالية التي أبداها النظام ووسائل إعلامه تعود في حقيقتها إلى اعتقاده بأنه ضرب عصفورين بحجر واحد، فقد تخلص من قسم لا بأس به من سكان الجزيرة، والذين يعتبرهم إما أكراد انفصاليين أو عشائر سنية تقليدية حاضنة للتطرف، غير مفيدة لسورية المفيدة. أما العصفور الثاني فهو اعتقاده أن الموقف التركي سيتحول، على الأغلب، إلى الموقف الذي سيقبل بوجود واستمرار بشار الأسد طالما أن هذا الأخير سيقبل ضمنياً بأن تأخذ تركيا بعض مدن وبلدات الجزيرة السورية.

بروكار برس

———————

في فك أحاجي الحدث السوري/ نهلة الشهال

الكل رابح: روسيا وتركيا وإيران وأمريكا وحتى دمشق. عدا الأكراد طبعاً وكالعادة. وعدا من قضوا في حرب لا لزوم لها، كالعادة أيضاً. قليلة هي المناسبات التي تكشف بهذا المقدار خواء المعطى السوري نفسه، بغض النظر عن الصخب الذي يصدر عنه. وقليلة هي الاحداث الجارية في العالم التي تنضح الى هذا الحد بالسيناريو المكشوف، مثل فيلم رديء!

من يؤيد أو على الأقل يوافق على العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ومن يعاديها؟ في العلن وفي السر..

يعاديها بالطبع ضحاياها، وهم الأكراد المساكين، الذين، وعبر تاريخ صراعهم الطويل من أجل حقوقهم، لم ينجحوا يوماً في تعيين هذه الحقوق بشكل فعلي! الأمر يصح في تركيا حيث هم كتلة هائلة تناهز ال15 مليوناً، تعرضوا لاضطهاد طويل وتنكيل وإهمال إجتماعي وإقتصادي جعلهم فقراء بائسين، وأُنكرت هناك كل خصائصهم بحيث كانت كلمة “كردي” أو النطق باللغة الكردية تودي بصاحبها الى السجن وربما الى الاعدام، وافتُرض بهم أن عليهم أن يقبلوا بانهم “أتراك الجبال”، هكذا فحسب، أي أن يوافقوا هم أنفسهم على هذا الإنكار، بينما الواقع مليء بالالوان في كل مكان. فثاروا وقاوموا وحملوا السلاح أحياناً، ولكن أفق حركتهم ظل ملتبساً على الدوام. وإن كان يُلتمس لهم عذرٌ في هذا بأنهم واجهوا سلطة لا ترحمهم، ولا تكف عنهم، فهم في العراق (حيث تقدر أعدادهم بحوالي 5 ملايين انسان) كانوا قرة عين الحركة الوطنية العراقية في أيام عزها وقبل أن تتبعثر أو تنحط، وهي بكل مكوناتها – حتى الأشد “عروبية” – قد حملت مطالبهم ودافعت عنها على الدوام، ونالوا اعترافاً صريحاً، رسمياً وشعبياً، وحقوقاً ثمينة وصلت الى “الحكم الذاتي”. ولكنهم هنا أيضاً تصرفوا باختلال عجيب. ليس فحسب أنهم أيدوا العدوان الامريكي المتكرر على هذا البلد، وليس فحسب أن بعضهم فكر بالاستقواء باسرائيل، بل هم اندفعوا الى التصويت على “استقلالهم” ففجّوا رؤوسهم وانكفأوا.

وأما حركتهم في ايران فيصعب تبيّنها اليوم، ولكنهم كتلة كبيرة هناك (حولي 7 ملايين). وهناك أُعلنت بشكل عابر “جمهورية مهاباد” في العام 1946 التي، وعلى الرغم من ظرفية منشئها في لحظة صراع دولي، واقتصارها على قيمة “رمزية”، إلا أنها ما زالت موضع اعتداد من قِبلهم.

وهم في سوريا أقل عدداً (لعلهم نصف مليون إنسان)، وقد انكشف مع بدء انهيار الوضع في هذا البلد في العام 2011 أن نصفهم سُحبت جنسيته! وأنهم يناضلون من أجل حقوقهم المدنية. ثم اشتبكت المنطقة ببعضها بعضاً، وتداخلت الحدود والخطوط، وظهر داعش وخلافته الاسلامية في المنطقة الواقعة ما بين العراق وسوريا. وكانت تلك فرصة سانحة لبروز الاكراد، المنظمين والمنضبطين والمتمرسين بالقتال والشجعان، (على الرغم بالطبع من تنوع تياراتهم السياسية والفكرية، وصراعاتها، بل ومن تنوعهم الديني والقبلي وحتى اللغوي)، وأنهم يمكن الاعتماد عليهم كقوة محلية. فكانت “الادارة المدنية” بعد هزيمة داعش التي لهم فضل فيها… فدارت رؤوسهم إذ خطب ودهم الجميع، من مناضلين أمميين من كل الجنسيات وجدوا في تجربتهم تجسيداً لافكار يحملونها، الى الاوروبيين المولعين بالاقليات، والذين يتصرفون دوماً كما لو كانوا منقِذين للبشر (بحسب أهوائهم الانتقائية المتقلبة وليس كموقف ولا كموهبة)، ونالوا على الاخص رضا الامريكان، وهم قديمو عهد بالروس..

وبدا لهم أن كل الشروط توفرت هذه المرة لتمنحهم مِنعة ما. وأن عداء تركيا لهم لا يكفي لدحرهم.. أما عن ماذا، فهو ما لم يكن واضحاً حتى في هذه المرة.

ولكن ليست التضحية بالاكراد و”خيانتهم” مرة جديدة، كما تقول أصوات كثيرة، وخصوصاً في الغرب، هي أهم ما في الحدث، بل هو سؤال أهداف هذا الحدث الاستراتيجية. إذ يبدو أن جمهورية مهاباد 2 تلك (أو “روجافا” هنا) قد كانت فصلاً يمكن محوه أو افتراض تلاشيه حين يتفق “الكبار”. من هم الكبار؟ هناك أمريكا طبعاً التي لا يخشى رئيسها ترامب من القيام ببهلوانيات “نعم” و”لا” متلاحقة، لذر الرماد في العيون، وهو يعلم أنه خسر في هذه البقعة من العالم، ولم يعد بقادر على التصرف بهجومية غير مفيدة.. ولولا الخشية من صدم القارئ، المعتاد على فكرة “القوة العظمى الاولى”، لقلنا أن أمريكا هنا تحديداً قد أصبحت ثانوية. وهناك روسيا، صاحبة اليد الطولى في سوريا، وهو نصرها الدولي الأكبر في السنوات الماضية. وروسيا تلك لمن نسي، أمدّت أردوغان باسلحة حديثة منها صواريخ أس 400 التي استفز واشنطن حصول تركيا عليها منذ بضعة أشهر، وهي الصفقة التي كشفت تطور العلاقات المتنوعة بين موسكو وأنقرة، وبين أنقرة وطهران، بينما يبدو بشار الاسد في كل هذا مجرد صورة لا بد من الحفاظ عليها داخل إطار مذهّب، وبينما تبدو سوريا كأرض خلاء – إلا من أهلها المساكين – تتصارع فوقها قوى عالمية وإقليمية وتعقد صفقات، وهو ما تكرر في التاريخ أكثر من مرة.

… وهكذا قال المتحدث باسم الكرملين اليوم: “العملية العسكرية التركية يجب ألا تضر بالعملية السياسية في سوريا”، و”موسكو تحترم في الوقت نفسه حق تركيا في الدفاع عن النفس”. وأما المتحدث باسم الحكومة الايرانية فقال أن “الأحداث الأخيرة أثبتت أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة”، وأبدى قلق بلاده بشأن أمن الأكراد في شمال سوريا وأن “الحل الوحيد لضمان الأمن في شمال سوريا هو استقرار الجيش السوري في هذه المنطقة ومواصلة مسار أستانا وايجاد مناطق خفض التوتر. وإيران مستعدة للمساهمة في ذلك”. وقد انتهى الأمر بعد ذلك إذ أُعلن عن “تعليق” عملية “نبع السلام” لمدة خمسة أيام بعد لقاء اردوغان بنائب الرئيس الامريكي مايكل بنس. وبينما غرد ترامب انه فرح لأنه “سينقذ حياة ملايين البشر” (!)، اعلنت أنقرة أن هدفها هو إنشاء منطقة آمنة تمتد من شرق الفرات إلى حدود العراق بطول 440 كلم وبعمق 32 كلم، وأن تعليق العملية العسكرية يتيح ليس إلا انسحاب الاكراد منها. ويبدو أن “الصفقة” تقوم على تحويل هذه المنطقة التي تتجاوز مساحتها ال12 الف كلمتر مربع الى إلى منطقة آمنة كي يعود إليها اللاجئون السوريون في تركيا، وهم حوالي ثلاثة مليون إنسان.

الكل رابح: تركيا أبعدت الاكراد عن حدودها وشتتهم خارج ما كانوا يَبْنون، وتخلصت من لاجئيها السوريين، وبدت كقوة اقليمية مهابة شغلت العالم، وأمريكا حفظت ماء وجهها إذ أُعلنت الصفقة بنهاية اجتماع أردوغان وبنس، وكأنها نتاج لقائهما، وروسيا أقنعت الأكراد وحمتهم، وجلبت الجيش السوري الى تلك المنطقة، فضربت عصفورين (على الأقل) بحجر واحد، لأنها هندست الحل العملي للموقف، وحفظت ماء وجه السلطة المتلاشية في دمشق، وكانت هي العراب الفعلي لكل ما جرى. وايران تدعم وتؤطر… وعملية “اعادة بناء سوريا” بكل تفاصيلها جارية على قدم وساق، والمستفيدين منها كثر، صغاراً وكباراً. وئام وانسجام، فماذا يطلب “الشعب” (المفقود) اكثر من ذلك؟ قليلة هي الاحداث الجارية في العالم التي تنضح الى هذا الحد بالسيناريو المكشوف مثلما في فيلم رديء!

الكل؟ عدا الأكراد كالعادة… لسوء تقديراتهم في السياسة، ولكن وخصوصاً لسوء أوضاعنا العامة السياسية والفكرية على السواء (عدا الباقي)، أوضاعنا النابذة للتنوع والمسطِّحة للمواقف.. وعدا الذين قضوا في حرب لا لزوم لها، كالعادة أيضاً..

السفير العربي

————————

الحرية ضد الأبد/ شكري الريان

ماذا كان سيحدث لو كان وجه رزان زيتونة رمزاً لثورة السوريين عوضاً عن لحية زهران علوش، أو لحى غيره من «ذئاب» الإسلاميين؟! سؤال أظنه طرح نفسه بقوة على كثير من السوريين لحظة وقوف الصبية السودانية الشجاعة أمام جموع المتظاهرين، مطالبة بحرية بلدها. كان هذا منذ بضعة أشهر خلت، عندما بلغت ثورة السودانيين ضد الحكم العسكري ذروة جعلت من السودان وأحداثه قبلة العالم كله. يتجدد السؤال نفسه الآن، فيما يتبوأ الاحتلال التركي للمناطق الشمالية من الجزيرة السورية الصدارة في أخبار العالم، على وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الإعلامية لكبريات المحطات التلفزيونية والصحف العالمية، مع ما عناه الأمر من تعاطف في وسائل الإعلام الغربية، يكاد يكون مطلقاً، مع «ضحية» بسمات محددة دوناً عن سواها: مقاتلي وحدات حماية الشعب YPG. كان هذا ردَّ الفعل الأولي الطاغي حتى قبل التطرق للمأساة الإنسانية المتوقعة نتيجة الغزو، التي جاء ذكرها لاحقاً. هؤلاء المقاتلون، الذين تم تصويرهم بصفتهم من قاموا وحدهم من قاموا بالقضاء على خطر داعش، وتلقوا مقابل بطولتهم هذه طعنة في الظهر؛ الخطر الداعشي الذي طال من بين من طالهم فعلياً، عندما كان قائماً، أولئك العرب السنة من سكان الجزيرة السورية، الذين ابتلاهم قدرهم الأسود بالخضوع لتلك السلطة العدمية السوداء في المناطق التي سيطرت داعش عليها، لتأتي بعدها سلطة أخرى قِيل أنها «مُحرِّرَة» لتسومهم سوء العذاب مجدداً بصفتهم.. دواعش قبل أي شيء آخر!

في غمرة الصراع المستعر في شمال الجزيرة السورية بين الجيش التركي ومقاتلي YPG (قطاع واسع من السوريين ينظر إلى الطرفين بصفتهما تركيين، وحربهما امتداد لحرب أهلية تركية على أرض سورية، جيرا مرتزقة سوريين، عرباً وأكراد، للعمل معهم تحت شعارات مختلفة)؛ في غمرة هذا الصراع، طرحت مجموعة من المثقفين والنشطاء السوريين سؤالاً هاماً يصبّ مباشرة في صلب الموقف الأخلاقي تجاه تطورات المقتلة السورية في مختلف وجوهها، وبالتحديد حدثها الأخير المشتعل الآن. السؤال كان: لماذا علينا أن نستنكر موقف المثقفين والنشطاء الأكراد المدنيين المناصر الآن لمقاتلي الـ YPG في حربهم ضد الغزو التركي، في الوقت الذي ابتُلينا بموقف أشد مرارة عندما هوجمت الغوطة الشرقية وأجزاء من إدلب، وكلا المنطقتان كانتا تحت سيطرة تنظيمين ظلاميين متطرفين، جيش الإسلام وجبهة النصرة على التوالي، ومع ذلك صمتنا، ولو مؤقتاً، عن ارتكابات هذين الفصيلين الظلاميين، وسواهما، نصرة للمدنيين في تلك المناطق المحاصرة خلال مرحلة الاعتداء العسكري المباشر؟! السؤال، وعدا عن دافعه الأخلاقي، أشارَ إلى وضع ليس مأزقياً فحسب، بل كارثي أيضاً، عند القطاع الأوسع من الجمهور المناصر لثورة السوريين في عمومها، والمنتمي في الوقت نفسه إلى تلك البيئات التي انطلقت منها الثورة في ذروة زخمها، والتي دفعت أيضاً الثمن الأكثر كلفة في سبيل تلك الثورة. المقصود البيئات العربية السنية.

السؤال كان في حقيقته، وكما قرأه كاتب هذا السطور، وربما كثر معه: لماذ ابتُلينا بوجه طاغ لثورتنا، خصوصاً خلال عملية الاعتداء العسكري المباشر على البيئات الأهلية المدنية التي انطلقت منها تلك الثورة، وجه هو الأشد بشاعة من بين كل الوجوه، البشعة، التي تبارت في طعن هذه الثورة في صميمها؟! المقصود طبعا الوجه الإسلامي الجهادي، وهو الوجه العسكري للإسلام السياسي، الذي حاول فرض نفسه منذ اللحظات الأولى بصفته الوجه الوحيد لتلك الثورة بعون جميع الأطراف، من النظام إلى الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، وحتى الأطراف الدولية التي لم تجد في ثورة شعب على أرضه من أجل الحرية والكرامة إلا مجموعة من الوحوش الإرهابيين القادمين عبر الحدود لتشكيل تنظيم إجرامي لن يلبث أن يحرق العالم كله! أين الوجه الآخر، الحقيقي، الإنساني، العميق والصادق، وجه رزان زيتونة بالذات الذي هو الأكثر تعبيراً عن صورة أولئك الثائرين المدنيين، ليكون تلك الصورة التي تعبّر أصدق تعبير عن تلك الثورة؟! ما الذي حلَّ به، وهل تغييب رزان، ومن قبل جيش الإسلام وقائده زهران علوش بالذات، كان فعلاً بقي محصوراً في بُعده الإجرامي الوحشي، أم أنه تعدّاه إلى ما هو أبعد وأشد أذى، ليس فقط لرزان ومحيطها المباشر ومعها سميرة وناظم ووائل وعائلاتهم، بل لسوريا بأكملها ولصورة ثورة شعبها أمام العالم كله؟!

اليوم، وفي غمرة ذلك الصراع، الذي يراه كاتب هذه السطور أيضاً صراعاً أهلياً تركياً ممتداً إلى داخل الأراضي السورية، نجد تعاطفاً عالمياً هائلاً مع مقاتلي الـ YPG، ليس مع المدنيين فقط، حتى ولو اقتصر التعاطف مع المدنيين الأكراد فحسب دونا عن بقية المكونات الأهلية للمنطقة، وبالذات العرب السنة، بل كان، وفي ردة فعله الأولى، تعاطفاً كاملاً مع مقاتلين يحملون السلاح بصفتهم «مقاتلين من أجل الحرية» ساهموا في هزيمة داعش وكابوسها. الموقف هذا، ودون ذكر ارتكابات أولئك المقاتلين بالذات بحق السكان المدنيين العرب في المنطقة الخاضعة لسلطتهم، عكس انحيازاً واضحاً منذ اللحظات الأولى لسردية واحدة كرّستها مجموعة من المسبقات الواضحة، القاطعة وسهلة التبني دون الحاجة للدخول في تعقيدات ستكلف المنصت إليها صداعاً مزمناً. هي نفسها «مُسبقات» خطاب الحرب على الإرهاب الطاغي عالمياً الآن، والذي يندرج ضمنه الترويج الإعلامي الإسرائيلي في مواجهة البيئات الأهلية الفلسطينية بصفتها بيئات إرهابية أو حاضنة للإرهاب، واندرجَ ضمنه أيضاً خطاب الميليشيات الكردية في مواجهة بيئات محلية خضعت لحكمها المباشر، ومن ضمنها البيئة العربية السنية، وكان هذا لتبرير السلوك الاقصائي الذي اتبعته تلك الميليشيات في مواجهة هذه البيئة بشكل رئيسي. وهي أيضاً الصيغة نفسها التي حاول النظام الأسدي تبنيها، ولكن بدون نجاح كبير لأن ارتكاباته اتسمت بوحشية وغباء فاحشين فاقا كل ما ارتكبه الآخرون، مجتمعين، بحق عموم السوريين، وبمراحل هائلة.

إذن فقد بتنا في هذا الصراع أمام صورتين؛ الأولى تحاول الترويج لنفسها في مواجهة غزو عسكري تركي بصفتها «الملاك» في مواجهة «الشيطان». والحقّ أن الصفة الأخيرة ليست بعيدة جداً في التقاط السمة العامة للموقف التركي الرسمي، الرسمي وليس الشعبي، تجاه عموم السوريين، وليس الأكراد وحدهم. ولكن تلك الصورة، وفي غمرة اندفاعها إلى تلك المواجهة، قامت بفبركة صورتها وحدها بصفتها الضحية المغدورة بالرغم من دفاعها الدائم عن الحرية والعدالة في المناطق التي خضعت لسيطرتها، وهذا كلام يشهد جميع العرب الذي ابتلوا بحكم أصحاب تلك الصورة، مقاتلي الـ YPG وأنصارهم، بأنه لم يكن صحيحاً في أية لحظة من لحظات حكمهم. أما الصورة الثانية، فهي تلك الصورة الإسلامية الجهادية التي يحاول أصحابها فرضها بصفتها الهوية الوحيدة لثورة السوريين ضد الطغيان. ونلاحظ هنا أن كلا الصورتين تحالفتا للوصول إلى النتيجة نفسها، على الضد تماماً من مصالح السوريين، وبالتحديد أولئك الذين أطلقوا الثورة ودفعوا ثمنها بالكامل، وهو أيضاً تحالفٌ مع أول من أطلق تلك الصورة عن الجموع الثائرة ضده وحاول تثبيتها، نظام الأبد الأسدي الفاشي.

في حالة مركبة كهذه يصح السؤال، مع من مشكلتنا بالذات؟! وهنا تصح تلك العبارة التي كانت سائدة في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم خلال مرحلة النضال الوطني الفلسطيني في أوج اشتعاله: من هو عدونا الرئيسي؟! لا يمكن لمعتوه أن يفترض أن الأكراد، أو أي شعب آخر هكذا على العموم، يمكن أن يكونوا أعداء له. في نهاية المطاف هناك قضية كردية محقة وعادلة. هذا أمر لا يجب أن يُنسى أبداً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقيمة أخلاقية نحاول التمسك بها وإعلائها في أي ظرف مهما كان معقداً وحالكاً. وهي القيمة نفسها التي كانت دافعاً لطرح السؤال الرئيسي أعلاه.

أهو النظام؟! ولكن النظام انتهى فعلياً والقرار ما عاد بيده الآن، حتى فيما يتعلق بمصيره كنظام حاكم. والقرار أصلاً مُتنازع عليه بين طرفين حاكمين لمناطق النظام في سوريا، ولرأس النظام نفسه، روسيا وإيران. نعم، لقد فاقت ارتكابات النظام كلّ وصف، ولكن المسألة الآن صارت في عهدة سردية نحاول تثبيتها وتوثيقها بصفتها شهادة على واحد من أكثر أنظمة القهر بشاعة ووحشية عبر التاريخ البشري، وما هو غير ذلك، فتلك مسألة دخلت في طور جديد من «الصراع» عبر المحاكم الدولية، لتثبيت التهم على النظام وقادته بصفتهم مجرمي حرب يجب أن ينالوا العقاب العادل مهما طال الزمن.

الإسلاميون، وكما كانوا دائماً، وكما عرفناهم منذ الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد الأبدي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وكانت انتفاضة نقابية مدنية أدّى الدخول الإسلامي عليها إلى مواجهة عسكرية دموية خاضها الإسلاميون ضد النظام، تماماً كما أراد النظام وخطط، دمرت مدينة حماة وتركت جرحاً غائراً في ذاكرة الشعب السوري بأكمله؛ الإسلاميون؛ وكما كانوا دائماً، طاعون أي توق نحو الحرية والانعتاق في منطقتنا بأكملها، وعوناً لا يمكن إنكار فعاليته الهائلة لأي نظام استبدادي يريد تدمير المجتمعات التي يحكمها بحجة أولئك الإسلاميين بالذات؛ الإسلاميون، كانوا وما زالوا وسيستمرون في كونهم العدو الرئيسي الذي يجب أن نجد معه حلاً، وإلا عدنا، وككل الحمقى والمغفلين عبر التاريخ كله، لتكرار الأخطاء نفسها، ولكن مع فارق واحد فقط: الكلفة في كل محاولة جديدة ستتضاعف أضعافاً مضاعفة عن المحاولة التي سبقتها!

إن لم نحدد موقفاً واضحًا من موضوع الإسلاميين، وبالذات ضمن سياق المطالبة الشعبية المشروعة والمحقة بالحرية والكرامة، والعيش في مجتمعات أكثر إنسانية وانفتاحاً تليق بنا كبشر، فلن نتمكن من المضي في أية خطوة في أي اتجاه. هذا هو السؤال الملّحّ الذي يجب أن نتصدى له الآن وهنا. غير هذا، سنصبح كمن يمضي لنيل حريته، دون أي سلاح، حتى سلاح التعاطف الإنساني العام مع مطلب محق ومشروع، السلاح الذي لا غنى عنه، وفوق هذا كله هو يحمل قاتله فوق كتفيه!

كل هذا يقال في عالم ما بعد 11 أيلول وتداعيات تلك الجريمة التي ارتكبها فصيل إسلامي، لم ولن تفلح كل محاولات التوضيح للعالم كله أن هذا الفصيل بالذات ابن غير شرعي لتحالف استخباراتي أميركي سعودي، بعد أن سادت صورة واحدة قالت للجميع أن هذا هو المجرم عدو الحياة الذي أباد ثلاثة آلاف مدني بريء خلال بضعة ساعات فقط على مرأى ومسمع العالم بأكمله، وهو ما حصل فعلاً صبيحة ذلك اليوم المشؤوم. لم يبق من وجه أو اسم هذا المجرم إلا تفصيل وحيد.. إنها تلك اللحية المرسلة، دلالة على هوية، ظلامية وغبية وراسخة، يريد صاحبها أن يطلقها على العالم كله ويحرقه، ويحرق في طريقه كل من يريد أن يقول إننا لسنا رعايا لإمبراطورية هذا المعتوه الوهمية، وإننا لسنا أنصاراً له، حتى «في أنفسنا»، كما يلح مثقف عربي ما، وأننا أول الضحايا لكل هذا العته والإجرام، والإجرام المضاد، الذي علقنا وسطه دون أن يسمع صوتنا أحد.

بغير هذا لن نصل إلى أي مكان. وسنبقى في موقف دفاعي عن ثورة يتكاثر الآن عدد الذين يريدون الطعن بها لينجو لأنفسهم ولو… بإشارة لايك على صفحة فيسبوك!

موقع الجمهورية

——————————

التجربة الكردية في سوريا: أسئلة ثقافة الديمقراطية والحرب/ محمد سامي الكيال

أثارت تجربة الإدارة الذاتية الكردية في «روجافا» شمال شرق سوريا مخيلة كثير من اليساريين على الصعيد العالمي، فإلى جانب التضامن الراسخ بين حزب العمال الكردستاني، والحركات القريبة منه، واليسار الأوروبي عموماً، بدا أن المقاتلين الكرد يحفّزون مجتمعاتهم المحلية نحو تجربة رائدة: تسيير ذاتي وديمقراطية قاعدية ذات نَفَسٍ معادٍ للرأسمالية، معنية بكل قضايا «اليسار الجديد»، مثل النسوية والأيكولوجيا وتجاوز المركزية الغربية والشكل التقليدي للدولة القومية، فضلاً عن دور «وحدات حماية الشعب» في مواجهة التطرف الإسلاموي، ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً على صعيد ثقافي ومجتمعي. هكذا أصبحت صور المقاتلات الكرديات دالاً ذا حمولة رمزية كبيرة لكل ما هو إيجابي وتحرري في هذه التجربة. بالنسبة ليسار عالمي يعاني من تشوش أفقه السياسي والفكري، فإن «روجافا» قدمت، وسط أصعب الظروف، مجالاً لاختبار مقولات لم تجد في موطنها الأساسي إلا تطبيقات محدودة ومدجّنة.

من جانب آخر واجهت هذه التجربة انتقادات جدّية: اتهامات بالتطهير العرقي، التواطؤ مع النظام السوري، قمع المعارضين ونفيهم. فضلاً عن التساؤل حول إدارة تصف نفسها بالـ»ذاتية» ولكنها مفروضة فوقياً بقوة المليشيات، والحديث عن استغلال طروحات اليسار الجديد للتغطية على الجوانب التسلطية في التجربة، بالإضافة للاتهام التركي التقليدي للمقاتلين الكرد بالإرهاب. لا يمكن بالتأكيد تجاوز هذه الانتقادات، ولكن حدة النبرة الأيديولوجية والقومية فيها تفقدها كثيراً من قدرتها على تقديم تصوّر مفيد حول الأبعاد الاجتماعية والثقافية للتجربة الكردية، في سياق الحرب السورية. ما يدفعنا لمحاولة صياغة أسئلة جديدة: ما هي إمكانيات تجارب التسيير الذاتي في مجتمعات زراعية وفي إطار غير مديني؟ وما تأثير تسيّد الحالة المليشياوية ونموذج إمارات الحرب على فرص التجريب السياسي والاجتماعي؟ وما الذي يمكن لـ«روجافا» بالفعل أن تقدمه للتفكير الراديكالي، الغارق في أزماته منذ عقود؟

قومية ما بعد الدولة

يبدو بيان «مشروع الإدارة الذاتية»، المنشور على موقع «حزب الاتحاد الديمقراطي»، طموحاً للغاية من الناحية الفكرية، فهو ينتقد هيمنة المنظورات الغربية، القائمة على فلسفة وضعية، تحليلية، علموية، ساهمت في فرض سيطرة المشروع الغربي، الاستعماري والاستشراقي، الذي أنتج الدولة القومية ما بعد الاستعمارية، القامعة للتنوع الإثني والثقافي في المجتمعات المُستعمرة، لحساب فرض لون قومي وديني واحد. لا يهتم «علم الاجتماع الغربي»، حسب نص المشروع، بمبدأ الضمير، بل يعترف فقط بالذكاء التحليلي، ولذلك لا بد من القطيعة مع هذا النمط من الهيمنة، لحساب «أيديولوجيا الحرية» القائمة على الضمير والذكاء العاطفي. ما من شأنه دمقرطة المجتمعات بشكل فعلي، الأمر الذي يمهد لنشوء جمهورية ديمقراطية على أسس دستورية تتفهم التنوع. الديمقراطية مناقضة للسلطة، ومهمة الدستور تأمين التعايش بين «المؤسسات الديمقراطية» المجتمعية ومؤسسات الدولة. لا يدعو المشروع إلى تجاوز الدولة تماماً، بل إلى صيغة دولة + ديمقراطية، مع تلميحه إلى حتمية انتصار الديمقراطية على الدولة على المدى الطويل. دمقرطة المجتمعات قادرة على حلّ التناقض بين الفرد والجماعة، الماضي والحاضر، التقليد والتحرر.

على الرغم من التعارض الظاهر بين انتقاد الهيمنة الغربية، والدعوة في الوقت نفسه لجمهورية ديمقراطية على مبادئ دستورية، فضلاً عن التسيير الذاتي ودمقرطة المجتمع، وهي كلها مفاهيم غربية جداً، فإن المشروع يحاول طرح حل نظري مبتكر لوضع ازدواجية السلطة، أي تجاور التسيير الاجتماعي الذاتي مع سلطة الدولة. فهو لا يسعى إلى دفع التناحر بين الطرفين إلى أقصاه، ولا إلى تقسيم السلطة بينهما، بل إلى معادلة دستورية تؤمّن الفصل بين الديمقراطية والدولة. تقوم القوى المجتمعية بتسيير شؤونها ديمقراطياً، وتطوير تعاملها مع قضايا الحريات وحقوق النساء والأقليات والبيئة والدفاع الذاتي، في حين تؤمّن الدولة، التي يجب أن لا تكتسب أي صبغة قومية أو دينية، السقف السياسي للمؤسسات الديمقراطية، وتستفيد من تجاربها للحد من نزعتها البيروقراطية، مع حصر وتقليص متزايد لسلطاتها على البشر. هكذا يتم تأمين مبدأ «الوطن الواحد»، القادر على التعامل مع المسائل القومية والطائفية من خلال التعايش والاعتراف المتبادل. بعبارة أخرى، فإن حلّ المسألة الكردية، وأي مشكلة أخرى خلقتها الحداثة، لا يمرّ عبر إنشاء دولة قومية جديدة، بل عبر تفكيك الدولة القومية الحداثوية بعد الاستعمارية.

ترجمة هذا الطرح النظري في سياق الحرب السورية اتخذ طابعاً مشوشاً: من جهة لدينا مليشيات ذات سمة قومية واضحة، تدير منطقة شديدة التنوع الإثني والثقافي، بما يرافق ذلك من مشاكل وانتهاكات متوقعة، بالإضافة لإدارة ذاتية مسلّحة لا بديل عنها، ما يفقدها كثيراً من طوعيتها وذاتيتها المفترضة. ومن جهة أخرى شهدنا محاولات لا بأس بها لتطوير الثقافة المجتمعية والإطار الحقوقي، في بلد يعاني من تراجع اجتماعي على كل المستويات، وهيمنة لأكثر القوى رجعية، ما جعل «روجافا»، رغم كل الانتهاكات التي تتم في إطار حرب شديدة الوحشية، واحدة من المناطق القليلة الصالحة نسبياً للحياة، ضمن الظروف الجهنمية التي تعاني منها أغلبية البلاد.

سياسة غير سياسية

ربما كان أحد أفضل التنظيرات المعاصرة للتسيير الذاتي ومواجهة سلطة الدولة هو ما قدمته المدرسة العمالوية الإيطالية Operaismo في النصف الثاني من القرن الماضي، وهو ما نجد له بعض الأصداء في مشروع الإدارة الذاتية. وبالتالي قد تُمكّننا المقارنة من تحقيق فهم أكبر لحدود المشروع.

نشأت الحركات العمالوية للتسيير الذاتي في شمال إيطاليا في مجتمعات شديدة التصنيع، إلا أن منظري الحركة الكبار، مثل باولو فيرنو وأنطونيو نيغري وماريو ترونتي، حاولوا تقديم تعريفات أوسع للعمل والعمال، فالعمل لا يشمل فقط الإنتاج المادي في المصانع، بل أيضاً العمل غير المادي الذي تقوم به فئات متعددة، وكذلك العمل المنزلي غير المأجور للنساء. والعمال ليسوا فقط أصحاب الياقات الزرقاء، بل شرائح متعددة مثل الطلاب وربات المنازل والعاطلين عن العمل. الثروة في الرأسمالية هي نتيجة عمل اجتماعي شامل، يُوزع جانب محدود منه فقط على شكل أجور. والهيمنة الرأسمالية هي هيمنة سياسية حتى في بعدها الاقتصادي. تلعب التنظيمات السياسية المرتبطة بالدولة، مثل الأحزاب والنقابات، دوراً في تأطير القدرة السياسية – الحيوية للجمهور ضمن قنوات هيمنية محدودة، ولذلك يعوّل العمالويون على التنظيم الذاتي للبشر المنتجين للثروة الرأسمالية، في مواجهة الدولة والإطار الذي تتيحه للسياسة، إنه تفجيرٌ للقدرة السياسية للمجتمع من خلال تجاوز السياسة نفسها.

نلحظ هنا حضوراً مهماً لمصطلحات لا معنى لها خارج حيّز مديني متطور، التسيير الذاتي في هذا السياق يفترض مجتمعات منتجة في إطار رأسمالي، تجاوزت كثيراً من بناها الأبوية التقليدية نتيجة التصنيع والتحديث، يعمل فيها الجمهور على تفكيك الهيمنة السياسية لسلطة تبني وجودها على عمله الاجتماعي. أما التسيير الذاتي في إطار زراعي أبوي، ومجتمع فقد كثيراً من قدرته على الإنتاج بسبب ظروف الحرب، ويعتمد في حالات كثيرة على الإعانات وعمل المنظمات المدنية، شديدة التسييس، فربما لن يكون أكثر من إعادة إنتاج السيطرة الأبوية القديمة بعناوين جديدة، بما فيها السيطرة الدولتية والحزبية والمليشياوية. قد يكون لهذا صدىً لدى يسار «ما بعد مادي»، وربما لذلك نرى تكراراً لتركيبات مثل «الضمير والذكاء العاطفي»، «مواجهة الهيمنة الحداثوية الصناعوية»، في مشروع يفاخر بتقدميته.

ضد الحرب

إلا أن الإدارة الذاتية أمّنت، في ظروف شديدة القسوة، إمكانية استمرار الحياة في مجتمعات مزقتها الحرب. فوسط سيطرة المليشيات وانتهاكاتها، هنالك «جمهور» يحاول أن يعمل ويعيش، ويحقق بعض التقدم في المسائل الاجتماعية والحقوقية. مساحة التجريب هذه لم تكن ممكنة بدون حيوية اجتماعية كبيرة، أنتجت أحد أفضل الصيغ الممكنة في الإطار العام لفشل الحراك الاجتماعي السوري.

لن يؤدي التدخل العسكري الأخير إلا لمزيد من التمزق الاجتماعي وسد آفاق الحياة والتحرر، مع نتائج بعيدة المدى على إمكانية التعايش في منطقة لا تنقصها الألغام الاجتماعية. بهذا المعنى يمكن القول إن الحرب هي أقسى أشكال الاعتداء السلطوي على «عالم الحياة». ربما كانت مواجهة عدوانية الدولة، بصيغها القومية والدينية، هي الشرط اللازم لكل محاولة تحررية في المنطقة، بدون إغفال التشابكات المعقدة لهذه الدولة مع البنى التقليدية والتراتبيات العائلية والدينية، بهذا المعنى فإن سؤال الديمقراطية والتغيير الراديكالي يصبح صعب الطرح بدون انحياز كامل لتوق البشر للحياة والحرية.

طَرَحَ مشروع الإدارة الذاتية قضايا نظرية متقدمة، مثل الجمهورية الديمقراطية وازدواجية السلطة ضمن إطار دستوري، وهي مفاهيم ضرورية لأي نقاش يتعلق بالتغيير، ومدخل مفيد لنقد ممارسات الإدارة الذاتية نفسها، ولكن كل هذا النقاش والنقد، وأي ممارسة أو مشروع سياسي مترتب عليهما، لن يكون ممكناً بدون الرفض المبدأي للحرب.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

——————

الفصل الأخير في الأزمة السورية من شرق الفرات إلى جنيف مرورا بإدلب/ عبد الحميد صيام

مع بدء عملية «نبع السلام» التركية في شمال شرق سوريا، نعتقد أننا نشهد الفصل الأخير في المأساة السورية، التي بدأت في 17 مارس/آذار 2011 والتي أدت إلى مقتل مئات الألوف، وتمزيق البلاد، وتشريد الملايين داخليا وخارجيا، وتدمير البنى التحتية وهدم المدن والقرى، واستقطاب مئات الألوف من الإرهابيين الذين ينتمون لأكثر من ثمانين جنسية، ودخول قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية وروسية وإيرانية وميليشيات لبنانية وعراقية وغيرها، وإشعال حروب بالوكالة، وقيام وسقوط ممالك وإمارات وكانتونات وجيوب، وتطهير عرقي واجتثاث للأقليات، وتدمير للآثار النادرة والمقامات والتماثيل والقلاع.

الآن نعود للمربع الأول، ونرى أن الحل المقبل من شرق الفرات وإدلب، والمقايضة يبدو أنها تمت قبل بدء العملية العسكرية، وستكون الدولة السورية هي الرابح الأخير في كل ما يجري، بترتيب تركي مع روسيا والولايات المتحدة، اللتين منعتا مجلس الأمن من إصدار بيان رئاسي حول العملية التركية يوم الجمعة الماضي. وهذه أسبابنا وملاحظاتنا حول هذه القراءة المسبقة للتطورات في سوريا:

أولا- لا يمكن لعملية تركية بهذا الحجم، أعلن عنها مرارا وتكرارا قبل أن تبدأ بأشهر، أن تتم من دون تنسيق أو موافقة أو سكوت من قبل الولايات المتحدة وروسيا أساسا. فانسحاب الأمريكيين وتخليهم عن قوات الحماية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم تكن صدفة. فالقوات الكردية التي دربت وسلحت ونظمت من قبل الولايات المتحدة، وقاتلت تنظيم «داعش» ببسالة حتى حررت المنطقة من التنظيم الإرهابي، واعتقلت الآلاف من مقاتليه وأنصاره وعائلاتهم، يتم التخلي عنها بهذه السهولة، لتواجه مصيرها المحتوم وهو هزيمة ماحقة على أيدي القوات التركية. فلولا أن الثمن يستحق ذلك، وهو نهاية الحرب مرة وإلى الأبد، لما أطلقت العملية من أساسها. فتفكيك هذه التنظيمات يخدم الأمن القومي التركي من جهة، ويخدم وحدة وسلامة الأراضي السورية من جهة أخرى، فليس من مصلحة سوريا أن تسيطر قوات كردية على شريط حدودي مع تركيا، يظل فتيلا قابلا للاشتعال في أي لحظة. أن التهديد الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا يأتي ضمن إطار التنافس الانتخابي، وانتقاد الحزب الديمقراطي الشديد لمسلكية ترامب في التخلي عن الأكراد.

ثانيا- بعد السيطرة على منطقة شرق الفرات، نعتقد أن عملية إدلب المؤجلة ستبدأ لاسترجاع آخر معاقل الجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي نرى أنها أجلت لإيجاد مأوى لأكثر من مليوني مدني يعيشون في المنطقة. وبما أن تركيا غير قادرة على استقبال ملايين من المهجرين الجدد، فوق الملايين التي عندها، فلم يكن أمام تركيا إلا إيجاد منطقة آمنة يأوي إليها الفارون من اقتلاع آخر معاقل المتطرفين مؤقتا، لغاية انتهاء معركة إدلب. في هذه الفترة سيكون الجيش التركي قد اجتث الميليشيات الكردية، التي ظنت أنها ستقيم دولتها على شريط حدودي، سمته غرب كردستان وهو ما لا تسمح به لا تركيا ولا سوريا. وبمجرد تأمين المنطقة وبسط سيطرة الجيش السوري على إدلب، نعتقد بل نأمل أن يتم انسحاب القوات التركية إلى داخل الحدود، ضمن اتفاقية مع روسيا وإيران. وبذا نعتقد أن الحرب ستغلق فصلها الأخير، ويعطى المجال عندئذ للجنة الدستورية التي ستبدأ اجتماعاتها في جنيف في 30 أكتوبر/تشرين الأول الحالي لرسم خريطة لسوريا المستقبل، القائمة على التعددية والحرية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية.

ثالثا- الأكراد بعد أن سيطروا على منطقة الشمال الشرقي عام 2012 وانسحبت وحدات الجيش السوري النظامي من المنطقة، أخذتهم العزة بالإثم، وأصيبوا بالغرور، خاصة بعد التدخل الأمريكي عام 2014 فقاموا بطرد العرب من المناطق التي سيطروا عليها وغيروا الأسماء وأدخلوا المناهج الكردية في التعليم وفرضوا اللغة الكردية لغة رسمية للمنطقة وفرضوا قوانينهم وعاداتهم وتقاليدهم وكرروا أخطاءهم في شمال العراق، معتقدين أنهم على وشك أن يقيموا دولتهم في الشمال الشرقي من سوريا تكون سندا لأكراد تركيا وامتدادا لكردستان العراق.

رابعا: نسبة الأكراد الأصليين في سوريا لا يتجاوز 2٪ لغاية 1925. هبّ أكراد تركيا بزعامة الشيخ سعيد بيران النقشبندي، في انتفاضة ضد سياسة التتريك التي قادها كمال أتاتورك. رد أتاتورك على التمرد بشن هجوم على مناطقهم فهرب نحو 300000 كردي إلى شمال شرق سوريا، خاصة منطقة الجزيرة. استقبلهم الشعب السوري بالترحاب، كعادته في فتح البيوت والقلوب لكل مضطهد، فارتفعت نسبة الأكراد إلى 10٪. ولكن الحكومات السورية المتعاقبة لم تمنحهم الجنسية، واعتبرتهم ضيوفا من أكراد تركيا بانتظار عودتهم إلى ديارهم لغاية 2011، عندما أصدر الرئيس السوري بشار الأسد فرمانا يوم 7 إبريل/نيسان 2011 بمنحهم الجنسية ولأسباب سياسية، كما لا يخفى على أحد. فمثلا القامشلي لم يكن بها كرد، وأول دخول لهم كان عام 1933 ثم سيطروا عليها وأبعدوا منها العرب والسريان والأرمن وغيروا اسمها إلى قاميش، وهي في الأصل مدينية نصيبين السريانية. كما أن مدينة عين العرب التي كانت تضم الأرمن والعرب، لم يدخلها الكرد إلا بعد 1925 وأصبحت مدينة كردية، تم نفي أو طرد الأقليات الأخرى. وهكذا جرى لمدن منبج وعفرين والملكية والحسكة. هذه مدن عربية وسريانية وأكادية، والأكراد طارئون على هذه المناطق.

خامسا: أقامت القيادات الكردية أمتن العلاقات مع إسرائيل، خاصة جهاز الموساد واستقبلت قياداتهم وتدربت لديهم ولم تضيع فرصة واحدة لإلحاق الأذى بالدول التي يقطنون فيها إلا واستغلوها. ويعتبرون دائما ولاءهم للعرق الكردي، قبل ولائهم للدولة التي يعيشون فيها، فلا يمكن للكردي أن يقول أولا أنا عراقي ثم كردي، أو أنا سوري ثم كردي. وقد شجعت إسرائيل أكراد العراق على الانفصال، ولعبت في رؤوسهم، في أن الوقت قد حان لإعلان الانفصال حتى أفاقوا على الهزيمة التي منوا بها عندما تحركت كافة القوى العراقية والجيش العراقي والميليشيات لوقف مهزلة الانفصال. ويبدو أن قياداتهم لا تتعلم، فمنذ 2012 وهم يتصرفون في شمال سوريا على أنهم في دولتهم المستقلة، بل أطلقوا على المنطقة اسم «ورج آفا» أي غرب كردستان وقد أحكم حزب العمال الكردستاني، العدو التاريخي لتركيا، على المنطقة وطرد جيش سوريا الحر. قاموا بطرد وهدم قرى عربية بكاملها، تحت سمع وبصر الولايات المتحدة، الحاكم الفعلي للمنطقة، التي استخدمتهم لأغراضها اللئيمة. رأس العين أصبحت سري كانيه، وتل أبيض درباس بيه، وأقاموا المحاكم الكردية، واحتفلوا بالمهرجانات الكردية، وبدأوا يسحبون الشباب والأطفال إلى الخدمة العسكرية معهم بالقوة، ورفعوا صور عبدالله أوجلان على المباني. والكل يعرف أن وجود عبد الله أوجلان كاد يشعل الحرب بين تركيا وسوريا أيام حافظ الأسد. وقد أعطى الجيش التركي الأسد إنذارا، إذا لم يطرد أوجلان خلال أسبوع، فإن تركيا ستجتاح الحدود. وأذعن يومها الرئيس البراغماتي الداهية حافظ الأسد، وطرد أوجلان في أكتوبر 1998 ليتم اعتقاله في نيروبي في 15 فبراير/شباط 1999.

النفاق العربي

إن أكثر ما يثير الغثيان هو هذا الموقف البائس والذليل لجامعة الدول، التي تدعي أنها عربية، تلتقي في اجتماع طارئ لتدين الغزو التركي لسوريا، وكأنها حريصة على أمن وسلامة وسيادة ووحدة أراضي سوريا، أي سقوط أكثر من هذا؟ فلماذا لم يكن هناك ممثل للدولة السورية أولا؟ وإذا كانوا لا يعترفون بالنظام فلماذا طارد أحمد أبو الغيط الوفد السوري في مقر الأمم المتحدة ليحضنهم ويقبلهم ويعرب عن شوقه لهم. ثم لماذا لم تقم الجامعة بإدانة الغزو الأمريكي لسوريا؟ ألم تدخل عام 2014 وأقامت قواعد لها ودربت الأكراد وسلحتهم، واقتطعت أجزاء من سوريا، وارتكبت الفظائع في دير الزور والرقة والحسكة وغيرها؟ ثم أليس هؤلاء المجتمعون هم من أنشأ الفصائل المسلحة ودربها وسلحها، وأغدق عليها المال لتحويل الثورة السلمية المطلبية في سوريا من حراك سلمي عارم إلى ثورة مسلحة، ليعطوا النظام ذريعة بالبطش بها، وهو ما كتبنا عنه في حينه، مؤكدين أن غزو اليمن وإجهاض الحراك الشعبي في البحرين والانقلاب الدموي في مصر، وعسكرة الثورة السورية، ودعم جنرالات الحروب في ليبيا، هي وجوه متعددة للثورة المضادة التي قادها محور الشر لإخماد صوت الشعوب وإجهاض حراكها السلمي نحو الحرية والكرامة وسيادة القانون والدولة المدنية.

هذا التيار المتصهين بدأ يحصد الخيبات الواحدة بعد الأخرى، سواء في تونس أو اليمن أو السودان أو الجزائر وقريبا في ليبيا. وكلنا أمل في أن نشهد قريبا نهاية النزاع الدموي في سوريا، لتعود لأمتها واحدة موحدة ذات سيادة تامة على كل شبر من أراضيها. لكن الأمنيات شيء والتطورات على الأرض قد تحمل الكثير من المفاجآت.

٭ محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

القدس العربي

————————–

“نبع السلام” بين واشنطن وأنقرة/ بشير البكر

حرصت تركيا على أن تبدي الولايات المتحدة وروسيا تفهما للعملية العسكرية التي بدأتها في التاسع من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وعكست التصريحات التي صدرت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما يتجاوز التفهم من هاتين الدولتين إلى إعطاء الضوء الأخضر الصريح للعملية. وعلى الرغم من صدور مواقف من واشنطن ذات طابع حاد، مثل العقوبات التي تم فرضها ضد مسؤولين أتراك، بعد أسبوع على العملية، فإن الولايات المتحدة لم تكن في وارد ممارسة أقصى الضغوط على تركيا لوقف العملية، حتى بدا للمتابعين أن موقف الإدارة الأميركية الفعلي أجاز لأنقرة التوغل داخل الأراضي السورية إلى حدود 30 كلم وطول حوالي 160 كلم، وهذا ما سمّته تركيا المرحلة الأولى من العملية بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة وراس العين في ريف الحسكة.

وقبل أن تقرّر الإدارة الأميركية إرسال وفد رفيع المستوى إلى أنقرة، من أجل الضغط لوقف العملية، لم يكن الموقف الأميركي على الدرجة الكافية من الوضوح، وهذا ما تم رصده في تغريدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتصريحاته، خلال الأيام الثلاثة الأولى للعملية، والتي عبّر فيها صراحةً عن إعطاء ضوء أخضر للعملية العسكرية التركية ضد “قسد”، في حين أن دوائر أميركية مؤثرة اعتبرت ذلك تخليا عن الحلفاء الأكراد. ومع أن ترامب أراد أن يموّه الموقف الأميركي، إلا أنه مارس عمليا رفع مظلة الحماية عن “قسد” التي شكلتها الولايات المتحدة وسلّحتها ودرّبتها، وخاضت بها معركة القضاء على تنظيم داعش. وهذا ما أثار شكوكا كثيرة أن هناك تفاهمات غير معلنة بين أنقرة وواشنطن على العملية، تسمح للقوات التركية بالتوغل داخل الأراضي السورية، من أجل تحقيق أهداف محددة، تختص بالاعتبارات الأمنية التركية. ومن هنا، يمكن فهم موضوع الانسحاب الأميركي من منبج على حقيقته. وخلافا لما صدر من تصريحات أميركية بسحب ألف جندي أميركي من سورية، فإن ما حصل هو إعادة نشر شملت سحب القوات التي كانت توجد قريبا من أرض المعارك، ونقلها باتجاه العمق إلى القاعدة العسكرية الأميركية في حقل العمر بريف دير الزور.

يبدو من الأجواء التي رافقت زيارة الوفد الأميركي أن التفاهم الأميركي التركي ليس في منأىً عن الهزات، وسوف يتعرّض للصدمات التي يتوقف تأثيرها على التطوّرات الميدانية. وهنا يجب التنويه إلى أن واشنطن كانت تضع في حسابها عدة محاذير على تركيا أن لا تتجاوزها. أولها مدى عمق العملية وطولها. وثانيها ألّا تقترب من المناطق ذات الكثافة الكردية المكتظة بالسكان، الأمر الذي يؤدي إلى حركة نزوحٍ تنعكس سلبا على سير العملية. والاعتبار الثالث قدرة تركيا على إنجاز العملية العسكرية في أسرع وقت ممكن. وتضغط الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه، وكان إرسال الوفد، برئاسة مايك بنس نائب الرئيس، إلى أنقرة يوم الأربعاء الماضي من أجل التوصل إلى تفاهمات جديدة تتماشى مع الضغوط الداخلية التي تعرّضت لها الإدارة الأميركية من الحزب الديمقراطي.

وهناك أمر على درجة كبيرة من الأهمية، يتعلق بالدور الذي تلعبه روسيا تجاه هذه العملية. وهنا يبدو واضحا أن هناك توافقا روسيا تركيا يفوق، في درجته، التفاهم التركي الأميركي. وما يهم روسيا هنا أن تفتح باب الحوار بين أنقرة ودمشق من موقع أنها تستطيع أن تقدم لتركيا ضمانات على أساس اتفاق أضنة، في حال عاد النظام إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. والأمر الثاني الذي تعمل له موسكو أن تنسحب أميركا من سورية، ويصبح الباب مفتوحا كي تحل قوات روسيا والنظام مكانها.

العربي الجديد

————————–

أميركا تنسحب وتركيا تغزو وروسيا تتقدم/ عمار ديوب

صار مُجمعاً عليه أن الرئيس الأميركي ترامب اتفق مع نظيره التركي أردوغان على المنطقة الآمنة في داخل الحدود السورية الشمالية، وأن الأخير، استغل ذلك، لينهي أي شكل للإدارة المدنية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحزب الاتحادي الديمقراطي (الكردي)، أي ليس الأمر إبعاد العسكر الكرد عن الحدود، بل إفشال أي شكل مؤسساتي لهم. تنهي العملية التركية الجارية حاليا أوهام فروع حزب العمال الكردستاني بتأسيس تلك الإدارة بالتوافق مع الأميركان، وهؤلاء ما كانوا ليصبحوا على ما هم عليه لولا التنسيق مع النظام أولاً وضد الثورة، ومن ثم مع روسيا وإيران، وأخيراً مع الأميركان، وطبعاً حاولوا الوصول إلى صفقةٍ مع حكومة أردوغان من قبل. في كل الأحوال، ينهي الغزو التركي “قسد” عملياً، ويتضمن بالضرورة خروج القوات الأميركية على مراحل، وريثما تتأمن المدن التي فيها أكراد كثر. الروس وحليفهم النظام وتركيا هم من سيكون الوريث للأميركان، وسيكون أي تحرّك للإيرانيين مرفوضاً، فهذا مما هو مجمع عليه دولياً. وبذلك، تعيد تركيا حجم الأكراد إلى ما توافق عليه السوريون ومن كل القوميات، أي تطبيق حق المواطنة للجميع، وإعطاء الحقوق الثقافية والاجتماعية، وهذا الممكن الوحيد لكل قوميات سورية.

كان واضحاً أن “قسد” لن تحارب بشكل فعلي، وستكون مواجهاتها فقط من أجل تدوير الزوايا وتخفيف الكُلف، والوصول إلى حلٍّ للوضع المستجد في الجزيرة السورية. ولهذا، نجدها تتخلى عن مناطق كثيرة بشكل استلام وتسليم، وتحارب في مناطق معينة. وقد دفعتها براغماتيتها الكبيرة فوراً إلى التوافق مع الروس على دخول قواتهم وقوات النظام، وبما يحدّ من الهجوم التركي ويُسلم مناطق التماس للروس. النظام كما الروس لن يعترفوا بأي فصيلٍ مسلح خارج المؤسسة العسكرية والأمنية له، وهذا يشمل “قسد” والفصائل التابعة لتركيا لاحقاً، وكذلك الفصائل في إدلب؛ وبالتالي أي دراسة لما لسياسات “الاتحاد الديمقراطي” ومنذ 2011، و”قسد” من بعد، تفيد بأن وظيفتهما كانت التنسيق مع النظام، وعلى الرغم من الخلافات ببعض القضايا، وبما يمنع تسليم مدن وبلدات كثيرة في شرق سورية لفصائل وقوى مناهضة للنظام أو إسلامية. وأتى التعاون مع الأميركان بسياق البراغماتية، وشعور “قسد” وحزب الاتحاد الديمقراطي بأن النظام قد هلكَ وضَعُفَ في بعض الفترات، ولكن لم يكن هناك عداء حقيقي، والدليل هنا أن النظام لم يُخل القامشلي ولا الحسكة، وزار بعض ممثليه مناطق كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فيها وحرّرها الأميركان و”قسد” بعد 2016.

للعملية التركية حدود، وأردوغان وحكومته يتعرّضان لضغوط شديدة أوروبيا وأميركيا وروسيا، وإن تباينت هذه الضغوط، ولأسباب شتى، تظل تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودولة إقليمية فاعلة، وعليها صراع بين روسيا والغرب. وبالتالي، لا يمكن مقارنتها بقوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي، هذه قضية محسومة، وبذلك تتمدّد تركيا بشكل سلس، وليس بحروب حقيقية. الأسوأ في ذلك كله إعادة ملايين السوريين وتوطينهم، وهذا سينشئ حاجزاً عربياً وتوازناً ديموغرافياً لصالح العرب على الحدود بين تركيا وسورية، وصراعات مستقبلية كبيرة بين العرب والكرد والعرب أنفسهم، حيث ستُرحلُ إليها جماعاتٌ بشريةٌ ليست من تلك المناطق. وسيكون التغيير الديموغرافي هذا، وفي حال حصل فعلياً، بالتنسيق مع الروس بالضرورة، وبالتالي هو تغيير في سياق توافقات الدول المحتلة لسورية، وبما يؤسّس لمناطق طائفية متوزّعة هنا وهناك! والسؤال، لماذا لا تتم إعادة الأهالي إلى مدنهم؟ ولماذا يوافق الروس على هذه الخطوة؟ ويفتح هذا الأمر النقاش بشأن طبيعة الاحتلالات على سورية، ورؤيتها الطائفية لهذا البلد، وكيفية إيجاد مشكلات مستمرة بين السوريين، وبما ينشئ الأرضية لبقاء الاحتلالات.

الخروج الأميركي والغزو التركي يفتحان شهية روسيا وإيران، ولهذا تحاولان وراثة الولايات المتحدة، حيث أغنى مناطق سورية بالنفط والغاز والمياه والأراضي، وحيث التنوع القومي، وسهولة اللعب بهذا التنوع الرافض والكاره لبعضه، وليس فقط منذ 2011 بل وقبل ذلك، وما فعله “الاتحاد الديمقراطي” عزّز من ذلك، ومدّه بكل أسباب الخلاف. ولكن، هل ستكون هناك صفقة بين الروس والأتراك، يأخذ الروس بموجبها إدلب وتأخذ تركيا مناطق واسعة في الجزيرة السورية؟ بالتأكيد هذه صفقة ضيزى، وبالتالي، هي خارج النقاش، والموضوع الآن: كيف ستتم السيطرة على القامشلي والحسكة ودير الزور والرّقة؟ هنا الموضوع حالياً. سيطرح ذلك مجدّداً كل السياسات الاحتلالية على سورية، حيث كانت تجمعهم العدائية للأميركان، والآن يرحلون؟

ليس هناك من وضوح كامل لما سيجري، سيما أن الرئيس الأميركي ترامب وفريقه قد يعدلون من آلية الانسحاب، وليس من القيام به، والخلاف الآن يُطرح بقوة بين روسيا وإيران، حيث ستحاول الأخيرة الحفاظ على خط برّي لصالحها يمر بالموصل ويصل إلى اللاذقية وطرطوس. وروسيا، المعاقبة أميركياً وأوروبياً، تريد حصة الأسد من نفط وغاز سورية، وأردوغان لا يثق بروسيا ولا بإيران، وبالتالي هو يحاول زرع “أنصاره” وإقامة منطقة آمنة لحدوده، ينهي فيها أي وجود مؤسساتي كردي، ويحارب بها المعارضة التركية، ويوجِد مشكلة قومية مستمرة في سورية، ويعزّز وجوده من أجل الصفقة المستقبلية.

هذه هي حدود تركيا حالياً، وفي حال كانت الرؤية الروسية كما أوضحت، إيجاد بيئات مجتمعية متخالفة وموزعة في سورية طائفياً، ستصل روسيا إلى صفقة مع أردوغان، وهي بكل الأحوال وافقت على العملية من قبل، وبذلك يتوارثان تركة الرجل المنسحب، وليس كما تقول تحليلات إن خلافاً سيتصاعد بينهما بعدها. صحيح أن تجربة إدلب، كمنطقة خفض التصعيد، وإن روسيا وتركيا اتفقتا عليها، وإن روسيا لم تحترم بنودها، ولكن تركيا أيضا لم تنفذ المطلوب منها؛ الأمر قد يتكرّر في شرق سورية، ولكنه لن يلغي أن سيطرة واسعة لتركيا ستكون عليها، وليس فقط الثلاثين كيلومترا. ويؤكد الروس أن أمر تلك المنطقة ستنظمه اتفاقيه أضنة، ولكن هذا أيضا أصبح خلف ظهر أردوغان. وبذلك نصل إلى خلاصة أوليّة: سيكون هناك توافق بين الروس والأتراك في شرق سورية، لن تستفيد منه إيران. أما جيش النظام فيتحرّك وفقاً لمشيئة الروس. وقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) سيتلاشيان. وهذا سيفتح باب التغيير في النظام ذاته، ولكنه مؤجل حالياً إلى لحظة الوصول إلى صفقة بين تركيا وروسيا إيران وإسرائيل، وسيظل لأميركا ولأوروبا والخليج دور في تلك الصفقات، وإن بشكل أقل من قبل.

العربي الجديد

————————-

عندما يكتفي العرب بالمناكفة في سورية/ أسامة أبو ارشيد

تنافس الأجندات الإقليمية والدولية على الأرض السورية من أهم الأبعاد التي أعادت عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في شمال شرق سورية تسليط الأضواء عليها. ويمكن حصر أصحاب تلك الأجندات المتنافسة في إيران وتركيا وإسرائيل، إقليمياً، وروسيا والولايات المتحدة، دولياً. في حين نلحظ غياباً شبه تام للأجندة العربية، وضعفاً في حضور الأجندة الأوروبية التي يبدو أنها مرتهنة لحدود السقف الأميركي المنخفض، واضطراب مقاربة واشنطن في السياق السوري، وبالتالي، تقليص هامش المناورة أمامها (أوروبا)، على الرغم من تأثرها مباشرة بتداعيات الأزمة السورية، كما في ملف اللاجئين غير الشرعيين. وإذا نظرنا إلى معطيات الساحة السورية اليوم، نجدها تمثل إما مخرجاتٍ لتنافس الأجندات الإقليمية والدولية المتعارضة، وهو ما ينسحب على الوضع في سورية راهناً ككل، أو أنها مخرجات مساوماتٍ وصفقاتٍ، كما هو الوضع في إدلب حاضراً.

أما إذا ما نظرنا إلى أجندة كل طرف على حدة، فسنجد أن روسيا هي الرابح الأكبر، وقد حققت جلَّ ما تريده من أهداف، فعمليا، تمارس موسكو وصايةً على النظام السوري، وأمّنت موطئ قدم مباشرا لها في قلب منطقة الشرق الأوسط، كما أمّنت وجودا عسكرياً على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، كما في اللاذقية وطرطوس، مستفيدة من التردّد والتراجع الأميركي. أما الولايات المتحدة، فصحيح أنها تمكّنت من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسورية، وإقامة شوكتين في خاصرة النظام السوري وإيران وتركيا، سواء عبر دعم مليشيات كردية في شمال شرق سورية، وهو ما يستفز تركيا تحديداً، أم عبر قاعدة التنف العسكرية جنوبي البلاد، عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وبالتالي قطع طريق بغداد – دمشق، ومنع إيران، على الأقل إلى الآن، من السيطرة على الخط البري الواصل بينها وبين سورية، عبر العراق. إلا أن الأوراق الأميركية في سورية تكاد تتبدّد بقرار ذاتي، ذلك أن مقاربة واشنطن، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، تعاني من التردد، وأضاف إليها ترامب كثيرا من الفوضى.

وحظيت إسرائيل، ربيع العام الجاري، باعتراف أميركي بشرعية احتلالها مرتفعات الجولان، إلا أنها، في المقابل، وجدت نفسها أمام تحدٍّ إيراني عسكري مباشر، فضلا عن وكلائها، على حدودها الشمالية الشرقية. أما إيران، الرابح الأكبر الثاني بعد روسيا، فهي الوصيُّ الآخر على النظام السوري، وقد نجحت في تأسيس وجود عسكري لها هناك على مقربة من إسرائيل، فضلا عن أنها على مشارف إنشاء ممر بري آمن يمتد من حدودها (في حال إتمام الانسحاب العسكري الأميركي من سورية)، عبر العراق، إلى سورية ولبنان، وصولا إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. تبقى تركيا، وهي الضلع الإقليمي المنافس الثالث في أرض الشام، والتي يبدو أن اهتماماتها محصورة في منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية مع سورية، مخافة تعزيز النزعات الانفصالية لدى بعض أكرادها، فضلا عن إقامة “منطقةٍ آمنة” في شمال شرق سورية على أمل إعادة توطين مئات آلاف من اللاجئين السوريين على أراضيها، والذين يناهزون ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ. إلا أن تركيا تواجه عقبات وتحديات صعبة في ذلك، إذ تكاد تكون وحدها بلا حلفاء حقيقيين من بين الأضلاع الإقليمية والدولية الأخرى، خصوصا بعد أن خسرت المبادرة في الساحة السورية جرّاء ترددها في حسم أمرها في السنوات الثلاث الأولى للثورة هناك. وكان عام 2014 نقطة تحول مفصلية في سورية ضد طموحات تركيا وقدراتها في التأثير على الأحداث، إذ كانت الولايات المتحدة قد أطلقت تحالفها الدولي ضد “داعش” في العراق وسورية. وأضاف التدخل العسكري الروسي المباشر عام 2015 لصالح النظام قيداً آخر على تركيا ومساحة المناورة المتاحة أمامها سورياً.

ما سبق يعني أن أي حل سياسي في سورية لا يمكن أن يكون إلا حصيلة مساوماتٍ بين الأضلاع الإقليمية والدولية المتصارعة على أرضها مباشرة، وهذا يجعل من دور النظام السوري هامشيا إلى حد بعيد. المفارقة هنا أن العرب لا يقلون هامشية في هذا السياق، وجهود بعضهم اقتصرت، ولا تزال، على محاولة تأجيج النيران في البلد المنكوب، لا محاولة إيجاد توازناتٍ فيه تفسح المجال لحل سياسي انتقالي. ومن هنا، تمثل بعض المواقف العربية المتمثلة في إدانة العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية ضد المليشيات الكردية تمثل قمة النفاق السياسي، ذلك أن تلك الدول لم تُدن يوماً التدخلات الأميركية والروسية، في حين اكتفت بالتنديد بالدور الإيراني، وسكتت دوماً على القصف الإسرائيلي المتكرّر في الأراضي السورية. الأدهى أن بعض الدول العربية، كالسعودية والإمارات، تحديدا، لم تتورّعا عن دعم المليشيات الكردية في محاولة لاستثارة تركيا، في حين لم تتردد مصر، تحت حكم عبد الفتاح السيسي، في دعم نظام بشار الأسد سياسياً، وربما عسكرياً. حتى جامعة الدول العربية التي اجتمع أغلب أعضائها على إدانة “العدوان” التركي، لم تكلف نفسها عناء إدانة الاعتداءات الصادرة عن الأطراف الأخرى، كأميركا وروسيا. وبهذا يكون الموقف العربي في سورية محصورا في دور المشاغب والمناكف، وتحديدا لتركيا أولاً، ثم إيران ثانياً، في حين تغيب أجندته، وبالتالي، فإنه لا يملك في المحصلة تأثيرا على مخرجات أي حل سياسي قادم هناك.

باختصار، تقدّم الأزمة السورية واحدة من أجلى صور انعدام التوازن وغياب رؤية ومشروع وموقف عربي. لقد تحولت المنظومة العربية الرسمية إلى منظومة نقض وهدم للذات، بل وتآمراً عليها، وبالتالي كشف ساحتنا أمام التدخلات الأجنبية، إقليمياً ودولياً.

العربي الجديد

—————————-

الدخول التركي.. وهوامش على دفتر نكساتنا وضياعنا/ منير الربيع

تجاوزت التطورات العسكرية في سوريا وعليها، حدود المبدئية. الموقف المبدئي على أهميته وقدسيته، يبقى بعيداً حالياً عن واقع التطبيق، أو الواقع المنظور والمُعاش. والمقصود بالمبدأ هنا، هو الالتزام الأولي والأساسي والبديهي، بوحدة الأراضي السورية والحفاظ عليها بنسيجها الاجتماعي والجغرافي والديمغرافي. الأساس هنا، هو أن هذا المبدأ الذي نلتزم به وننشده، لم يعد له أيّ أساس من الوجود، والمبدأ الثاني هو في رفض تدخل أي قوة عسكرية أو غير عسكرية، خارجية بمسار الأحداث السورية التي اندلعت في آذار العام 2011. وشيء من هذا أيضاً لم يتحقق.

الواقع السوري اليوم، يشير إلى انتهاء سوريا التي نعرفها، والتي ثار شبابها للمطالبة بالحفاظ عليها وتطويرها وتحسين ظروف حياتهم فيها. لم تكن ثورة الشباب السوري بهدف الوصول إلى ما آلت إليه الأوضاع، وهذا يعني أن المبدأ أيضاً قد تبدد، على مذبح

الصراعات الدولية والإقليمية في سوريا وعليها، وبحث الدول عن مناطق النفوذ. سوريا اليوم، أكثر من دولة، وعلى أراضيها أكثر من احتلال أو توغل أو تدخل، وتعرضت لأكثر من اعتداء. وفي هذه الحالات، ومع الاحتفاظ بالمبدأ العام الذي لا تنازل عنه، يجب تغيير النظرة إلى حقيقة الوضع، بحيث يصبح التشخيص مركّزاً على صراعات النفوذ بين القوى الغريبة المتنوعة، وما تحققه على الأرض السورية.

ومن أوائل الخروق للمبدأ العام للثورة ومآلاتها، هو النزعة الكردية المتسرعة إلى رسم حدود الكيان الانفصالي، بدلاً من التنسيق مع المعارضة والحراك الثائر على مبدأ واحد وهو إسقاط النظام على أن يتم التفكير بالنظام الجديد فيما بعد الانتهاء من هذا الهدف. هذا الخرق، كما غيره من الخروق العربية والدولية التي جعلت سوريا مذبحاً تتصارع عليه الأمم، وتتداخل فيه جملة حسابات وطموحات لمشاريع، قومية، أقلوية، إسلامية، وغيرها.

مع إعلان تركيا تدخلها في شرق الفرات، طرحت أسئلة وجدانية كثيرة في نفوس المؤيدين للثورة السورية، إذا ما كان التدخل مشروعاً أم غير مشروع ولا بد من معارضته. بمجرد طرح السؤال، يقع ضياع هوية الوجهة السياسية، ولهذا أثر بالغ على علاقة الثوار بثورتهم، لكنهم أيضاً أكثر من استشعر اليتم والذبح والتهجير الممنهج على مرأى العالم، وبرعاية “أصدقاء الشعب السوري” الذين لم يقدموا على أي خطوة تستحقها التسمية. في حالة المغبون والمهزوم، والذي تراءت بلاده أمامه تتجاذبها قوى دولية معارضة له أو شاركت في سحق طموحاته وتهجيره من أرضه، تبدو النظرة مختلفة وبعيدة عن التنظير، فجمع كبير من هؤلاء العراة والمهجرين في الشتات، كانت دواخلهم تتوق إلى ما يرتكزون إليه، أو يركنون لديه في أمن وأمان، يستشعرون استنصاره لهم، بمعزل عن قراءتهم أو رؤيتهم لكل النقاش السياسي المبدئي، أو السيادي، برفض التدخل. جل ما يريده هؤلاء أن تدخل قوة تمنحهم بعضاً من قوة البقاء والوجود، في ظل وجود قوى مختلفة ومتنوعة أنزلت بهم ما أنزل الله بها من جور وسلطان.

وفي هكذا حالات، لا يسيطر الضياع وحده فحسب، إنما تتجلى معاني التناقض السياسي في المواقف بين الدول التي كان هؤلاء المسحوقون ينظرون إليها ناصرة لهم وخاصرة حمايتهم. من رحّب بالتدخل التركي، استوقفه الاستغراب من حجم المواقف العربية المدينة لهذا التدخل، متمنياً لو أنها كانت بهذه السرعة والفعالية أمام التدخل الإيراني أو الروسي. ولو حصل ذلك لما وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه.

سوريا العربية يغيب عنها العرب، تحضرها قوى متعددة، من إيرانيين، روس، أتراك، وأميركيين. والطامة الأكبر تنعكس في الموقف العربي الرافض للتدخل التركي بما يمثّله من تهديد لوحدة الأراضي السورية، بينما بعضهم كان يدعم الأكراد، أصحاب المشروع والطموحات الانفصالية التي تشكل التهديد الأساسي لوحدة الأراضي السورية. هذا الإجماع العربي الذي جُلب على عجل، باجتماع جامعة الدول العربية، لم يتوفر بشأنه أي مبادرة بهذه الشراسة والسرعة إزاء التدخل الإيراني، أما التدخل الروسي فقد حظي بالدعم العربي الكافي لتتولى روسيا الوصاية الكاملة على سوريا، مع توزيعها لأدوار مختلف القوى وخصوصاً الإيرانيين والأتراك.

وبالعودة إلى السؤال الأساسي، هل يجب على المرء أن يقف ضد التدخل التركي أم معه؟ ليس من السهل الوصول إلى جواب شاف وواضح. لتركيا مشروع واضح في سوريا، تستند إلى عناوين عديدة لتبرير تدخلها، أولاً حماية الأمن القومي التركي، وثانياً المنطقة الآمنة لنقل اللاجئين إليها، وقطع الطريق أمام أي مشروع انفصالي كردي قد ينعكس سلباً على تركيا، وإيران والعراق معاً. وتستند تركيا في تدخلها إلى ما سبقها

من تدخلات في سوريا، من قبل الروس الذين دخلوا لحماية النظام والدولة بما يتلاءم مع مصالحهم، وإعلانهم الدخول في حرب مقدسة لحماية الأقليات، إلى إيران التي تدخلت أيضاً بذريعة الدفاع عن المقدسات وحرب استباقية على الإرهاب، بهدف تحقيق أهداف استراتيجية في سوريا من مناطق النفوذ وتوفير الأمن للهلال الإيراني أو للأوتستراد الذي يصل إيران بالعراق بسوريا وصولاً إلى لبنان.

لا جواب للسؤال، إلا أن الغياب العربي، والوقوع في التناقضات، وغياب أي رؤية سياسية جدية، كانت قادرة على حماية سوريا من كل هذه التدخلات، رمى بالسوريين في أحضان الآخرين، سواء كانوا أتراكاً أم غير أتراك. تربح تركيا من تدخل كما ربح من قبلها الإيرانيون والروس، بينما العرب هم الخاسرون، وطبعاً الخسارة الفادحة تقع على الشعب السوري وما مني به. لم يكن التدخل التركي ليحصل لو لم يكن هناك توافق دولي حوله، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى روسيا وإيران. موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان واضحاً، والتنسيق مع موسكو متكامل وصولاً إلى رفع الفيتو في مجلس الأمن دول قرار يدين التدخل التركي في شرق الفرات.

في غياب العرب، تلعب قوى خارجية أدوارها على أراض عربية، فلاديمير بوتين هو المايسترو، وهو تحدّث بوضوح قبل أيام حول وجوب عمل إيران وإسرائيل معاً، لربما هذه الجملة البسيطة، كافية لاتضاح الصورة أكثر، من الحرب الساحقة التي تعرضت لها الثورة السورية، إلى عمليات التهجير الممنهج التي شهدتها سوريا، ربطاً بما يحكى عن تحالفات أقلوية، وصفقة القرن. قال بوتين كلمته خلال زيارته إلى السعودية، التي تستعد لعقد حوار مع إيران، التي استهدفت الأراضي السعودية والأمن القومي والنفطي الخليجي بلا أي مواجهة جدية، وتستعد للذهاب إلى حوار مع الأميركيين. هذا الكلام يفسّر وجهة التطورات المقبلة، وستكون نتائجها مماثلة لما شهدته سوريا بلا حاجة للحرب. على قاعدة مبادلة العرب ومساومتهم على أمن شعوبهم مقابل الحفاظ على أنظمتهم، فيعودون إلى تعويم نظام الأسد انطلاقاً من الجامعة العربية، وفق منطق نفسه قاده الإيرانيون منذ سنوات. وهذا أساس الهزيمة ومنطلقها، وأمامها لا قيمة لأي جدال آخر، يأتي على حساب أمن السوريين وبحثهم عن ملجأ في آفاق مسدودة أمامهم بالكامل.

تلفزيون سوريا

—————————–

في امتحان “الشمال” السوري.. حين تصبح الهويات بنادقاً ومتاريساً!/ كمال شاهين

تقول “مارلين” في تعليق لها على فيسبوك تعقيباً على إعلان عملية “نبع السلام” التركية على سوريا: “الله لا يخلي واحد كوردي”، ويرد عليها “أحمد”: “الله لا يخلي فيك مفصل”، وتستمر المعركة الافتراضية بينهما حتى يعلم أحمد أن أخ الصبية التي هي من الساحل السوري (علوية بالمناسبة) قد قتله الأسايش في منزله بمدينة القامشلي قبل عامين ونصف لأنه “شرطي تابع للنظام السوري”، فيتوقف القصف المتبادل بينهما.

أعاد العدوان التركي الأخير على الشمال السوري إبراز الاستقطاب الحاد والتخندق العميق بين السوريين بمختلف جغرافياتهم، نخباً وأفراداً وأحزاباً وجماعات ومجتمعات، داخل البلاد وخارجها، متسبباً من جديد، بمزيد من التشظي والانقسام، في الوقت الذي يحتمل فيه أنه يفتح باباً لتغييرات كبرى في وضع البلاد.

لحظات المشهد السوريالي الأخيرة

العدوان التركي الأخير ليس الأول من نوعه. ففقد شهدت البلاد منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية تركية (كما غيرها من روسية وأميركية و…) شملت مناطق مختلفة وصلت ذروتها إلى وسط البلاد تقريباً (ريف حماة ونقطة مراقبة مورك). إلا أن عملية “نبع السلام” الأخيرة تميزت بجملة عوامل جعلت منها مفصلاً رئيسياً في مسار الماساة السورية.

أولها أنها ستنفذ – وفق التصريحات التركية – على منطقة واسعة جداً (عمق 30 كلم وطول 425 كلم، أي مساحة 12 ألف كلم مربع، وبعدد سكان يفوق 3 مليون إنسان)، وثانيها وهو الأهم، أنها تطال منطقة التواجد الكوردي الرئيسية في سوريا، أي منطقة “الإدارة الذاتية لشرق وشمال سوريا” التي أعلنتها “وحدات حماية الشعب”(الكوردية) عام 2013 من جانب واحد دون موافقة دولية أو إقليمية، وتبعها تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عام 2015 من مختلف القوميات التي تقطن المنطقة. وهي تسيطر عسكرياً وإدارياً واقتصادياً وسياسياً على منطقة ما يعرف تاريخياً باسم “الجزيرة السورية”، ويطلق عليها في الأدبيات الكوردية اسم “روجافا” (أي غرب كوردستان)، وهي المنطقة الأغنى في سوريا فهي خزان القمح والنفط والغاز، ومن هنا أهميتها المطلقة لكل الأطراف.

شهدت هذه المناطق واحداً من فصول الحرب السورية الأشد قسوة، قادتها “قسد” ضد “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”(داعش) بالتعاون مع “التحالف الدولي” الذي أنشأته واشنطن عام 2014، وتمثل القواعد والقوات الأميركية عموده الفقري رغم قلة عددها (2000 جندي). وقد تسبب القرار الأميركي بالانسحاب من المنطقة والجدل المرافق له داخل واشنطن، بانزعاج كوردي كبير ومطالبات بعدم الانسحاب، خاصة أن واحداً من أسباب عدم تمكن الجيش السوري من السيطرة على مناطق شرق الفرات (بغياب قوات المعارضة) يعود إلى قصف قوات التحالف له ولعدة مرات لدى محاولته عبور الفرات إلى تلك المناطق، وأبرزها قصفهالجسر دير الزور التاريخي.

بعد أسبوع من العدوان التركي الذي خلف ضحايا قدرت مصادر محايدة عددهم ب500 قتيل، وتدميراً للبنى التحتية في بعض المناطق الشمالية، منها سد جنديرس، والانسحاب الأميركي المتسارع الذي ثمّنته أنقرة.. دخلت موسكو على خط الصلح مع دمشق، الأمر الذي أفضى إلى اتفاق (عسكري) بين السلطة والطرف الكوردي، تم بموجبه بدء انتشار الجيش السوري في مناطق سيطرة “قسد”، وتسليمه إدارة تلك المناطق عسكرياً (وفقاً لبيان “الإدارة الذاتية”) حيث سيتعاون الطرفان على “صد العدوان التركي” وفق البيان نفسه.

انتشر الجيش السوري في مدن الرقة والحسكة وأحياء شرق حلب وبعض مناطق الحدود بالتزامن مع استمرار تدفق قوات برية تركية مع قوات سورية معارضة أنشأتها الأخيرة (تحت اسم “الجيش الوطني السوري” يقدر عددها وفق مصادر تركية ب75 ألفاً) إلى حدود منبج (حيث يوجد كذلك عدة آبار نفط) التي أكد الرئيس التركي أنه يجب إخلاؤها من المسلحين تمهيداً لعودة “سكانها العرب”، مثمّناً في الوقت نفسه”السياسة الروسية الإيجابية” في المنطقة! أما الرئيس الأميركي فأعلن أنه “سيدمر اقتصاد تركيا” إن استمرت العملية العسكرية التركية “بهذا الطريق المدمّر”،وبدأ ذلك فعلاً بزيادة الضرائب على واردات الصلب التركية مما أدّى إلى تسارع في انخفاض قيمة العملة التركية.

شيزوفرينيا على كل الجبهات

هذا المشهد السوريالي الذي تتداخل فيه العوامل والحسابات السياسية والعسكرية مع تلك الأيديولوجية والعرقية والدينية، شارك في صياغته لاعبون دوليون مؤثرون في الحدث السوري، أولهم الروسي والأميركي، اللذان رسما مع اللاعب الأبرز حالياً في الساحة السورية (أنقرة)، بموافقة إيرانية ضمنية، تفاصيل المرحلة القادمة، التي يبدو أن أساسها إنشاء المنطقة الآمنة وتوطين عدد كبير من اللاجئين السوريين القادمين من تركيا فيها (قالت الرئاسة التركية إنهم 3 ملايين سوري)، على الرغم من احتجاجات أهالي المنطقة.. التي لن تؤخذ بالاعتبار من أي الجهات الفاعلة على ما يبدو.

هذه التفاصيل العامة في اتفاقية المنطقة الآمنة، التي تلقى قبولاً دولياً (وأوروبياً، مخافة تدفق ملايين من اللاجئين من جديد)، أظهرت أن الدور السوري المفترض أنه أساسي ومحوري، باهت من كل الجوانب، السياسية أو العسكرية، وحتى الاجتماعية، وأنه أقرب إلى “كومبارس” يؤدي دوره في انتظار التعليمات من هذه الجهة أو تلك، ويصح ذلك على مختلف الأطراف الجالسة على طاولة العشاء السوري غير الأخير على ما يبدو.

التحولات التي شهدتها مناطق الشمال السوري بتسارع كبير، خلقت مفارقات ظهرت فيها “شيزوفرينيا” أحالت السياسة، كعلم، إلى مزبلة التاريخ، ولم يكن الأمر منوطاً بارتجال حدث نتيجة تغير سياسي مفاجئ قامت به القيادة الكوردية لأسباب عديدة، بقدر ما كان تجسيداً لانهزام كامل في مفاهيم كثيرة على الصعيد الوطني السوري بما هو أفق جامع.. كما يفترض.

هذا الانهزام الداخلي للجمع السوري، حمل في طياته تثبيتاً لما بدأت بسببه الأزمة السورية قبل تسع سنوات: غياب السلّم القيمي المشترك بين السوريين، حتى في أبسط درجاته، من الانتماء إلى “دولة” لها علم واحد وكيان واحد وحدود واحدة، والمواطنة المفقودة على قدم وساق مع بقية الحقوق الإنسانية من كرامة وإنسانية وعدل. لقد كان واضحاً أن تبادل إطلاق النار بين مختلف الفرقاء السوريين على امتداد القنوات التي تتيح لقاءهم، ولو كانت افتراضيةً، ليس مجرد فشّة خلق بقدر ما هو استمرار لعملية تراكمية قد يكون من نتائجها تقسيم الوطن السوري،ولو ضمنياً، دون كبير أسى لدى كثيرين.

عن الكوردي والريح والشمال

كمية الشيزوفرينيا التي صاحبت العدوان التركي على الشمال السوري منذ أسبوع، حتى بعد دخول القوات الحكومية السورية إلى مناطق الإدارة الذاتية، ظهرت في الجانب الكوردي بوضوح بالغ. فمن المعروف والمعلن، أنه لتمكين إنشاء الإدارة الذاتية وغيرها من الأدوات التنفيذية التي خرجت جميعاً من تنظيرات “عبد الله أوجلان” (المعتقل في تركيا منذ قرابة العقد)، استعانت “وحدات حماية الشعب” (الكوردية التأسيس) بالدعم الأميركي الذي قدّم لها التسهيلات اللوجستية والعسكرية، وهذا على الرغم من نفيها المستمر. وقد افترضت تركيا أن هناك علاقة مخفية بين وحدات حماية الشعب والإدارة الذاتية، ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه “إرهابياً” (ومعها واشنطن والاتحاد الأوروبي والناتو)، وهي الحجة التركية القديمة ـ الجديدة للتدخل العسكري في سوريا لأسباب تركية داخلية وأخرى إقليمية.

انتقادات الإدارة الذاتية جاءت من عدة تصرفات وسياسات قامت بها في جانبها المدني (المنتخب!) والعسكري، وأهمها، انتقال مشروعها المحلي (الذي كان من الممكن أن يكون رافعة وطنية للحوار السوري ـ السوري) إلى ملامح انفصالية فعلية،على الرغم من نفيها مراراً وتكراراً سعيها للانفصال. ولا يبدو ، من الجانب المقابل، أن نداءات الإدارة الذاتية باتجاه دمشق سابقاً قد أتت أكلها، أيضاً لأسباب مرتبطة ببنية النظام نفسه، الرافض لأي انفتاح على مكونات الشعب السوري وعلى الحوار الداخلي، والمتشبث بنظرية المؤامرة الكونية.

وعلى الرغم من وجود جانب كوردي لدى إئتلاف اسطنبول المعارض، رافض لمشروع الإدارة الذاتية، إلا أن حضوره الفعلي على الأرض غير ذي أثر، سواء لدى الجمهور الكوردي أو العربي.

من أبرز الممارسات التي المحت الى الانفصالية” اعتماد علم كوردستان التاريخي (علم إقليم كوردستان العراقي نفسه) على جميع مؤسسات الدولة السورية السابقة، كما أقدمت على وضع لوحات تسجيل للسيارات خاصة بها ومنهاج تعليمي كذلك، وبدأت باستيفاء الرسوم (الجمركية) على كل تجارة قادمة إليها (حاجز الرقة التابع لقسد كان يسلّم الناس إيصالات رسمية بتوقيع وختم الإدارة الذاتية). يضاف إلى ذلك، تهجير سكان عدة قرى بحجة انتمائهم لداعش أو غيرها، وإغلاق عدة مدارس سريانية في القامشلي لعدم تدريسها المنهاج الكوردي..ولقد كان على من يرغب بزيارة تلك المناطق من أصحاب الأرض الأصليين (عرب وسريان وغيرهم) تأمين كفيل كوردي مع دفع رسوم!

العدوان التركي على مناطق الشمال السوري استدعى لدى العرب ـ حتى داخل مناطق الإدارة ـ نوعاً من التشفي ب”الإدارة” (وكوردها) التي اعتقدت أن علاقتها بالأميركي والفرنسي هي “أبدية”، و”علاقة ندية”، و”صداقة شعوب”،وأنها ستحميها من أي تغوّل قد يقوم به التركي أو غيره، متناسيةً عدة تجارب كوردية مع الداعم الدولي انتهت إلى الفشل وتفوق فيها كالعادةالسياسي / المصلحي على المبدئي.

في محنتهم الأخيرة، كان من الشيزوفرينيا، أن من استقوى بالولايات المتحدة وشركائها، يجرّم بشدّة من استقوى بالعثماني الجديد، كأن الأميركي القادم من مسافة 7000 ميل، على حد تعبير الرئيس الأميركي ترامب “ليقود العالم دون سبب”، يفعل أمراً مختلفاً عن العثماني، كما عن الروسي أو الفرنسي.

من جانب ثان، لا يعني ما سبق تحميل الوزر للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. لقد فتحت “قسد” الحدود للدوريات التركية والأميركية، كما طلبت واشنطن منها، وكان الجندي السوري، لأكثر من عامين، في مخفره في منبج مثلاً، بالقرب من قوات “قسد” دون أي تهديد من قبلها له. ولكن، هل كان هذا كافياً لوقف التغوّل التركي ومعه ميلشياته في ظل إمكانية تحقيق مكاسب إضافية لسلطان البرين وخاقان البحرين بقليل من الخسائر؟ بالتأكيد لا.

من الصحيح القول أن “إن الكورد خسروا في انتصاراتهم، أضعاف ما ربحوه في هزائمهم”. فقد نجحوا باستعداء الأطراف الإقليمية التي يتهمونها الآن بخيانتهم، وهم محقين في ذلك، فليس هناك في المنظور القريب أقله، تعديل لخرائط سايكس بيكو التي مرت ذكراها المئوية بغياب وجود للدولة الكوردية (وقريباً مئوية معاهدة سيفر).. ومن الأفضل العودة إلى ما قاله “أوجلان” نفسه عن المواطنة القومية القويمة.

المعارضة السورية: عين مفتوحة وأخرى مغمضة!

جماعات المعارضة السورية المسلحة، التي بقي توحدها عصياً حتى جاء القرار التركي بوحدتها قبل غزوها سوريا، فتوحّدت بقدرة ذاك القادر، ذهبت إلى أن “التركي العثماني”سيقوم نيابة عنها، كما فعل في عفرين، بـ “تحرير” تلك المناطق وتسليمها لهم إيماناً منهم، هم أيضاً، أن التركي إنما يفعل ذلك لأنه من داعمي “الثورة السورية” وانتفاضتها التي “ستعود إلى الطريق القويم”، وستحقق لهم من جديد موطئ قدم على الأرض السورية.

هذه الشيزوفرينيا الأخرى حققت انتشاراً كبيراً لدى مؤيدي الغزو التركي والمنددين برفض العرب الغزو نفسه (رفضه من باب التوجس منتركيا وليس حباً بالنظام السوري ولا بالسوريين ككل). فليس المهم أن هناك غزواً لأرضهم (سوريا؟)، فمن يقوم بذلك هو الجيش “المحمدي” وليس “التركي الغازي”، وإنما يفعل ذلك دفعاً “لإرهاب الجماعات الكوردية الانفصالية التي مارست التهجير والقمع والعنصرية القومية بحق العرب وغيرهم في أراضٍ عربية”.. وبذلك، تتفوق هذه المعارضة، بنسختها التركية ـ القطرية، على أي مفهوم للعيش المشترك مع أي مكون آخر غيرها. إن لهذه المعارضة “هويةٌ” قد يصح أنها “إسلامية” باعتبار مشغلها “أسد السنة” العابر للقوميات، والميّال لقيادة مذهب الأكثرية الإسلامية بالضد من العربية السعودية، لكنها بالتأكيد، لا تمتلك من هويتها السورية سوى المنشأ.

المعارض السوري، التركي الانتماء، لديه فائض هوياتي يستخدمه في تبرير العدوان التركي بسهولة ويسر، كيف يمكن النظر إلى موقف رائد الفضاء السوري “محمد فارس” وهو يخطب في جموع سوريين في اسطنبول مرحّباً بالعدوان التركي على بلده؟ هل من الممكن أن تكون تلك الهوية التي يدافع عنهاسوى بندقية توجه إلى سوري آخر مختلف معه في الرأي؟

الرابحون..شيزوفرينيا من نوع آخر

الموقف الأخير، الذي سمحت فيه الإدارة الذاتية، بضغط روسي ولا شك، بدخول القوات الحكومية السورية، لم يجده بعض الكورد خارج قيادة الإدارة الذاتية متناسباً مع الموقف من النظام السوري نفسه، ومع التضحيات التي قدمها الكورد على مذبح الصراع مع داعش، والثمن الذي كان يجب قبضه من ذلك، إلا أنهم اعتبروه من جانب آخر، أهون الشرين بوجود الدبابات التركية التي تقصف المدن والقرى والبنى التحتية للمنطقة. هذا القرار “التاريخي الحكيم” يوفّر، كما يرى هؤلاء، على المنطقة أهوال المجازر التي قد يرتكبها التركي أو السوري المعارض المسلح والمدجج بالإقصائية والحقد القومي أيضاً، وهذه حدثت مع طلائع تلك القوات التي أقدمت على اغتيال عدد من المدنين بدم بارد بالقرب من تل أبيض.

على الجانب الموالي كان التشفي هو الآخر حاضراً في معارك هؤلاء مع الأعداء “الكورد منهم، والمعارضة السورية الخارجية المسلحة الخائنة لبلدها” والتي يجب بالتالي “حرقها والتخلص منها”، دون نسيان استعادة تعابير عنصرية ملأت الفضاء الأزرق، أعاد هؤلاء تذكير الكورد بها، من “البويجية” إلى “المرتمين في أحضان ترامب”، إلى ضرورة “إجراء تطهير قومي” للتخلص من الذين أعطوا الغازي التركي فرصة تلو فرصة للدخول إلى الأراضي السورية..وبالطبع، وضمن نفس الشيزوفرينيا، وحده التركي هو الغازي، أما بقية القوى الأجنبية فهم ضيوف وهم هنا بطلب شرعي من الحكومة السورية.

ثم وبشكل سريع، ومع موافقة “الإدارة المدنية” على دخول قوات الجيش السوري إلى تلك المناطق، انقلبت الآية إلى ضرورة “المسامحة لمن أخطأ” على مبدأ “صراع مصارين البطن الواحد”، وبنفس الرؤية، فإن الكورد (تشمل الكل بالطبع) لم يتعلموا الدرس مع العثماني والخ… من سمفونيات الانتصار الذي بات قريباً، فيدعو أحد كبار الصحافيين السوريين الموالين “الكرد إلى أن يستخدموا عقولهم لتحويل حرب الإخونجي ـ التركي على بلادنا إلى فرصة لبناء حياة كريمة لنا معاً”، ناسياً أن عقوداً مضت بينما ما زالت الحقوق الثقافية الأبسط لهؤلاء موضع اتهام لهم في وطنيتهم السورية.

الهويات بالاكتساب لا الولادة؟

توضح الحالات السورية السابقة أن مثلث القوة المفترض ما زال نهباً للتحولات التي تُفرض عليه من خارجه، وأن لا مشروع وطني جامع في الأفق القريب. ففي أبسط حالات الموقف “الوطني”،استنكار وإدانة أي غزو معلن أو مستتر لأرض البلاد، أياً تكن الراية المرفوعة. وهو كذلك لا يمكنه تجاهل أن التعرض للمدنيين لا يرتبط بأن قيمة هذا المدني تأتي من انتماءه لهذه الملة أو تلك القومية، بقدر ما تنبع من كونه إنساناً سورياً مدركاً أن النار التي في بيت جاره لن تتركه بسلام. ويقتضي تغير الخرائط الجيوسياسية الأخيرة، تفكير القوى الوطنية، صاحبة المصلحة الحقيقة في توقف الحرب، بحل وطني شامل يمكن أن يُبنى عليه عقد اجتماعي يمنح السوريين جميعاً حقوقهم التي ما زالت الأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد تبعدهم عنها في الداخل كما في الشتات.

السفير العربي

———————-

“نبع السلام”: كشف حساب غير نهائي/ عبدالناصر العايد

بإعلان نائب الرئيس الاميركي مايك بنس، وقف إطلاق النار بين تركيا و”قوات سوريا الديموقراطية”، تكون عملية “نبع السلام” قد انتهت ميدانياً. وبات ممكناً اجراء جردة حساب مبدئية لمكاسبها وخسائرها، لكافة الأطراف، رغم عدم وضوح الاتفاق بشكل كامل، وبقاء عدد من نقاطه غامضة، وقد تنبثق عنه صراعات أخرى.

من جديد: ما هي المنطقة الآمنة؟

الضوء الأخضر الاميركي لأنقرة كان محصوراً بشريط ممتد بين تل أبيض ورأس العين، وصولاً إلى الطريق الدولي M4، وكان على القوات التركية أن تنجز المهمة في نحو أسبوع، لتلافي الارتدادات التي ستخلفها العملية داخل الإدارة الاميركية وفي الاقليم والعالم. وقد نجح الجيش التركي في السيطرة على مدينة تل ابيض، لكنه فشل حتى لحظة ابرام الصفقة في السيطرة على رأس العين بالكامل، ناهيك عن المنطقة الواقعة بينهما والتي تزيد على 120 كيلومتراً. وفي هذه الاثناء، ازدادت الضغوط على الرئيس ترامب، إلى درجة اضطر معها للتدخل بقوة، لفرض صفقة ثلاثية تزيل عنه الحرج الذي تسبب به قراره بـ”التخلي عن الأكراد”، ويخفف من الضغوط الدولية على أنقرة، بإضفاء غطاء أميركي على عمليته العسكرية، هذا بالإضافة لرفع العقوبات الاقتصادية، ومنح الأكراد ضمانة بعدم اجتياح مناطق تواجدهم الرئيسية على الحدود.

ومع أن انقرة تعمدت الحديث بشكل مبهم عن حدود المنطقة الآمنة، بما يوحي بأنها ستسيطر على كل الشريط الحدودي من جرابلس إلى الحدود العراقية، إلا أن ذلك لا يبدو واقعياً على الاطلاق. وما يبدو مؤكداً، هو أن ما تبقى من “وحدات الحماية” ستنسحب من مدينة رأس العين، والمنطقة الريفية بينها وبين تل أبيض، لا أكثر، ليحل الجيش التركي محلها.

نسخة “قسد” من الاتفاق غير مدعومة بضمانات

تُصر “وحدات الحماية” على القول إن الاتفاق لا يمنح الاتراك حق الدخول إلى الأراضي السورية باستثناء المنطقتين المشار إليهما، لكنها لا توضح الآلية التي ستُجبِرُ انقرة على الالتزام بذلك. تعهدات واشنطن ستصبح ادراج الرياح ما أن تغادر بقايا قواتها الأراضي السورية، وسيكون بوسع الاتراك توسيع عملياتهم بالتدريج، تحت ذرائع مختلفة للوصول إلى ما تبقى من المناطق المستهدفة.

نظام الأسد وروسيا!

من وجهة نظر عامة، يبدو اتفاق اردغان-بنس، مرحلياً، يهدف لتجاوز تأزم سياسي محدد يعاني منه الرئيس الاميركي ترامب على وجه التحديد، وستنتهي مفاعيله بانسحاب آخر جندي أميركي من شرق الفرات. والاتفاقية محدودة بسقف زمني لا يتجاوز نهاية هذا العام وفق أعلى التقديرات، وعلى كافة القوى التي على الأرض أن تواجه المعضلة مجدداً وتبحث في الحلول والصفقات.

وقد استنجد قادة “الوحدات” الكردية بموسكو ودمشق، لنشر قواتهما على الشريط الحدودي، وإيقاف الاجتياح التركي لمناطق الكثافة الكردية، مقابل تنازلات سياسية لم يعلن عنها، لكن يبدو انها “شبه كاملة”. وسارع نظام الأسد لنشر قواته في منبج وعين العرب، وسط قبول واضح من انقرة، إذا لم يصطدم جيشها ولا الفصائل السورية التابعة لها مع قوات النظام. كما أن قوات النظام التي أرسلت إلى رأس العين، لم تنخرط في الدفاع عن المدينة بل بقيت على حدودها لمنع الاتراك من التقدم إلى ما بعدها. ويعبر ذلك في الواقع عن قبول روسي بسيطرة انقرة على المدينة.

وبالتزامن مع ارسال بقايا وحداته المهلهلة إلى المنطقة الحدودية بشاحنات الأغنام، بدأ نظام الأسد بإيفاد ضباط الشرطة والامن إلى الرقة، في إشارة إلى بدء فرض سيادته على تلك المحافظة التي خرجت عن سيطرته منذ العام 2013. وبدأت موجة جديدة من التجنيد الاجباري السريع في مناطق سيطرته لتوفير عدد كاف من الجنود للانتشار في شرق الفرات.

وقد يستطيع النظام توفير حضور رمزي، لكنه لن يكون قادرا على فرض نفسه ميدانياً في تلك المناطق الشاسعة، التي عجز عن السيطرة عليها سابقاً، إذا ما قرر الأهالي مواجهته بالقوة. ويبدو أن موسكو ستحل هذه المعضلة بعقد اتفاقية مع الأكراد، تشبه إلى حد بعيد اتفاقية جنوب سوريا، تتحول بمقتضاها “قوات سوريا الديموقراطية” إلى فصيل تابع لها، وبالتالي تضع يدها على خياراته السياسية، مقابل ضمان أمنه من جانب نظام الأسد أو من جانب تركيا.

نحو الصفقة النهائية

وفق المعطيات السابقة، فإن أشهراً قليلة تفصلنا عن سيطرة روسية على شمال شرق سوريا، وعندها سيفتتح “البازار” مع تركيا للانسحاب من شمال حلب وادلب والمنطقة الآمنة، مقابل انهاء الملف الكردي سورياً. وسيكون من الملح لموسكو الوصول إلى هذه النتيجة قبيل نهاية العام 2020، لاستباق أي خلط جديد للأوراق قد ينجم عن الانتخابات الاميركية، ولتوفير الظروف المثلى لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا.

ويكرس ذلك الحل الروسي نهائياً، ما يتوّج خمس سنوات من الانخراط الفعال في شؤون سوريا، ويجعلها، أرضاً خالصة لروسيا بعدما انتزعتها من أتون “الفوضى والجحيم”. وبينما يقترب بوتين من تحقيق هذا الهدف بخطى مدروسة ومتأنية، ستكون ملفات شرق أوسطية أخرى قد تم فتحها والعمل عليها، لتحويل الاقليم إلى منطقة نفوذ روسيّة، لن تتأثر هيمنتها عليه في المدى المنظور، حيث يتوقع استمرار سياسات التخلي والانكفاء الاميركية، خاصة مع تحول موسكو شيئاً فشيئا إلى حامٍ وضامن لأمن إسرائيل، التي يشي صمتها عن كونها رابحاً كبيراً مما يجري.

المدن

——————

كيف استغل بوتين الهجوم التركي ليكون اللاعب الأكبر في سوريا؟

قرار نظام الأسد مساعدة القوات الكردية ضد غزو الجيش التركي ومعاونيه، “الجيش الوطني السوري”، إلى شمال شرق سوريا، كفيل بأن يغير قواعد اللعب في أثناء القتال التركي. والافتراض أن قرار نظام الأسد لم يتخذ في عملية اتخاذ قرارات مستقلة في دمشق، بل في ضوء مبادرة روسية. والدليل على ذلك جاء مع تصريحات أخيرة انطلقت من الكرملين بأن على تركيا أن تحترم السيادة السورية.

تركيا، التي اعتقدت بأن خروج القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا سيمنحها قدرة وصول حرة لاحتلال شمال سوريا، ملزمة الآن بأن تعيد الحسابات في خطواتها المستقبلية. شيء واحد.. وهو أن تهاجم قوات كردية بلا إسناد، وشيء آخر.. أن تهاجم هذه القوات وهي مسنودة بجيش نظام الأسد وبشكل غير مباشر بروسيا.

من الآن فصاعداً، كل هجوم تركي ضد قوات نظام الأسد سيعتبر هجوماً على موسكو. وبعد أن اتخذ أردوغان سياسة تقارب مع روسيا، حتى عندما خاطر بعلاقات تركيا مع أمريكا في شكل شراء منظومات الدفاع الجوي اس 400 الروسية، فإنه اليوم لن يسارع إلى هجر العلاقات الوثيقة التي عمل عليها بكد.

سيتعين على الرئيس التركي الآن أن يقرر بين إمكانيتين: أن يتخلى عن الحملة العسكرية ويكتفي بالإنجازات التي تحققت، في شكل احتلال تل أبيض وراس العين؛ أو يواصل الحملة بمشاركة “الجيش الوطني السوري” فقط. وكون روسيا ستساند جيش نظام الأسد، يمكن الاستنتاج بأنه حتى لو اختار اردوغان مواصلة الأعمال العسكرية من خلال الثوار الجهاديين، ستظل احتمالات تحقيق تركيا نجاحاً في مثل هذه الحملة متدنية جداً، ولا سيما إذا دار الحديث عن احتلال منبج، التي انتقلت لتوها إلى سيطرة الروس. ويحتمل أن تنجح القوات الكردية، بتشجيع من الإسناد الروسي، في استعادة أراض احتلها الأتراك.

وهكذا فإن الرابح الأكبر من بدء الحملة العسكرية التركية في سوريا هي موسكو. فقد وفرت الخطوة التركية على الروس جملة من المخططات والوسائل الدبلوماسية والعسكرية لأن تحقق مستقبلاً سيطرة سورية مرة أخرى على القسم الكردي في سوريا. إن المستفيد الأول من ذلك هو نظام الأسد. منذ الآن، دون إطلاق رصاصة واحدة، استعاد نظام الأسد عشرات في المئة من الأراضي التي فقدها في الحرب الأهلية، أدخل قوات كردية في جيشه ضمن ولاء كردي في المستقبل، وقلص التطلعات القومية الاستقلالية الكردية في سوريا.

روسيا نفسها زادت بشكل كبير سيطرتها في سوريا. الخطوة التالية لموسكو هي محاولات الوساطة بين تركيا والقوى الكردية وجيش نظام الأسد. وهكذا ستزيد روسيا مكانتها في العالم واستقرارها كلاعب قوي يشارك في السياقات المهمة في الساحة الدولية. كل هذا في الوقت الذي تفقد فيه الولايات المتحدة أكثر فأكثر نفوذها في المنطقة طوعاً. إضافة إلى ذلك، نجحت روسيا في جلب ثقل وزن تأييد القوات الكردية لصالحها، على حساب دول الغرب والولايات المتحدة، إذ إن الأكراد يرون فيها الآن لاعباً وحيداً نجاهم من التطهير العرقي.

يجب أن يضاف إلى ذلك نجاح روسي آخر في سياستها لزرع الخلافات والصدامات داخل الناتو. الأحداث الأخيرة عمقت التوتر الذي ساد بين إدارة ترامب ودول الناتو في مسألة توزيع نزيه للعبء العسكري. كما أن التوتر الذي نشأ بين الدول الغربية والولايات المتحدة من جهة – بما في ذلك فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على تركيا- وأنقرة من جهة أخرى، أضاف الانشقاق داخل الناتو.

بقلم: عومر دوستري

باحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن

معاريف

القدس العربي

——————-

هل ستكون سوريا بداية نهاية ترامب؟

يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق فيليب جي كرولي إن الوضع الراهن في سوريا يعد كارثة صنعها الرئيس الأمريكي ترامب، وهي كارثة قد تؤدي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية في العام القادم.

لن تقدم بالتأكيد مادة لعزل ترامب بسبب قراراته الأخيرة حول سوريا ضمن ملف “الجرائم والمخالفات” المزعومة التي ارتكبها، والتي يناقشها مجلس النواب الأمريكي الآن. ولكن الكارثة الإستراتيجية التي تتفاعل نتائجها الآن جراء استسلامه لمطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تعني بداية نهاية رئاسة ترامب.

من المرجح أن ترامب سيفلت من العزل، إذ أنه من غير المتوقع أن يدينه مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ولكن ترامب يستمر بالتصرف وكأنه عدو نفسه اللدود. إذ يعتقد ترامب بأن المكالمة الهاتفية التي أجراها في تموز / يوليو الماضي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كانت “مثالية” حسب تعبيره. ولكن وقائع ما قيل في تلك المكالمة، والتي نشرها البيت الأبيض، تقدم أدلة دامغة على أن جريمة قد ارتكبت.

ولكن المسألة الأوكرانية أصبحت بالفعل اختبارا سياسيا نفسيا داخليا في الولايات المتحدة، فبالرغم من وجود أدلة دامغة تدين ترامب، ما زال العديد من مؤيديه يفضلون أن يروا الجانب الحميد من صورته.

ولكن الشأن السوري يختلف تماما عن ذلك. فليس بمقدور ترامب وادارته أن يلقي باللوم لما جرى – ويجري – على سلفه باراك أوباما والديمقراطيين في مجلس النواب. وناهيك عن نية الادارة الأمريكية معاقبة تركيا عن طريق فرض عقوبات جديدة، فهذه أزمة خلقها ترامب بنفسه.

من وجهة نظر ترامب، كان قراره بسحب القوات الأمريكية من الأراضي المتنازع عليها المحاذية للحدود التركية السورية متوافقا مع الوعود التي أطلقها في برنامجه الانتخابي والتي كان أساسها إخراج القوات الأمريكية من الصراعات المكلفة والمعقدة في الشرق الأوسط.

وكما قال ترامب في واحدة من تغريداته الكثيرة، “أزف الوقت لخروجنا من هذه الحروب التافهة التي لا نهاية لها”، مضيفا “سنحارب إذا كان القتال لمنفعتنا، وسنحارب من أجل النصر فقط”.

وبينما يرى كثيرون أنه من الأفضل تجاوز وتجاهل تغريدات وتصريحات ترامب المتناقضة الكثيرة، ففي هذه الحالة قرأ أردوغان أقوال ترامب بشكل جيد، واستغله استغلالا كاملا لتحقيق أهدافه.

فعندما قال أردوغان لترامب في مكالمة هاتفية جرت بينهما مؤخرا إنه ينوي ارسال قوات إلى سوريا من أجل القضاء على إمكانية إنشاء اقليم كردي مستقل ذاتيا على حدود تركيا، كان من المرجح أن الرئيس التركي كان يتوقع ألا يبدي ترامب إلا ممانعة قليلة.

ففي مكالمة سابقة جرت بين الرئيسين في أواخر عام 2018، عبّر ترامب عن رغبته القوية في سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأوردت التقارير أنه قال لأردوغان في ذلك الحين “جيد، الأمور أصبحت في أيديكم، فقد انتهينا من هذا الأمر”. استقال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إثر ذلك. وكان ماتيس واحدا من آخر مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين “البالغين” الذين كانوا كانت لهم رغبة في مواجهة نزوات ترامب.

بعد عشرة شهور، وعندما قرر أردوغان تنفيذ عمليته العسكرية، كان يعرف أنه لن يواجه أي معارضة حقيقية من الولايات المتحدة.

فبينما واجهت سياسة ترامب انتقادات من جانب الحزبين الرئيسيين في الكونغرس، حتى من جانب رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، فإن العديد من الأمريكيين يشعرون بالملل من الحروب في الشرق الأوسط ويساندون فكرة اعادة القوات الأمريكية إلى أرض الوطن.

ولكن ترامب حقق ذلك بأسوأ طريقة ممكنة تقريبا.

فالمشاركة العسكرية الأمريكية الصغيرة نسبيا، ومعها المشاركات البريطانية والفرنسية، كانت قد أرسلت إلى سوريا لمنع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية وللقيلم بدور الحائل لضمان اعادة بناء سوريا مستقبلا.

ورغم خلفيته في مجال المال والأعمال، تنازل ترامب عن كل النفوذ الذي كانت الولايات المتحدة قد كانت تمتعت به في سوريا لصالح إيران وروسيا والحكومة السورية، وحتى لصالح تنظيم الدولة الإسلامية.

احتلت القوات السورية والروسية الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي. وقد فر عدد غير معروف من مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية من السجون الكردية التي كانوا يقبعون فيها في خضم الفوضى التي تبعت التوغل التركي. أما الكيفية التي يمكن لاستراتيجية ترامب بالتهرب من سوريا أن تتوافق مع حملته للضغط على إيران، فذلك ليس معروفا إلى الآن.

مؤيدو ترامب يساندون سحب القوات

“لماذا ينبغي أن نكون شرطة العالم”؟

بالنسبة للكثيرين من مؤيدي ترامب الذين حضروا التجمع الجماهيري الذي عقده في مركز مدينة مينيابوليس في ولاية منيسوتا الأمريكية، لم يختلف رأيهم حول سحب القوات الأمريكية من سوريا كثيرا عن رأي رئيسهم.

فقال أليكس ليديزما البالغ من العمر 24 عاما “أعتقد أنه من العظيم أن نوقف تورط قواتنا في مشاكل تركيا وسوريا، فنحن لسنا معنيين بالعناية بهم”.

أما ميليسا إيرا البالغة من العمر 52 عاما فقالت “الذي يجري هناك (في سوريا وتركيا) يجري منذ مئات السنين. كم من أبنائنا يجب أن يقتلوا هناك لسبب ليس لنا علاقة به؟ الحروب هناك ستتواصل إن كنا هناك أم لا”.

ولكن عنصر مشاة البحرية السابق أريك رادجيز كان له رأي آخر، إذ قال “أعتقد أنه كان من الخطأ أن ننسحب من افغانستان بهذه السرعة. ولكن إذا تدهورت الأمور، لم نقل أبدا إننا لن نعود إلى هناك. ففي افغانستان، انتظرنا لوقت طويل قبل أن نعود”.

وأضاف “هناك العديد من الشركاء الذين يستطيعون العودة (الى افغانستان). لا يمكننا تحمل عبء العالم كل الوقت”.

ولكن، وهذا الموضوع الأكثر أهمية، أن مصداقية الولايات المتحدة وموثوقيتها كحليف أصبحتا مثار تساؤلات في الشرق الأوسط ومناطق العالم الأخرى.

استخف ترامب بأهمية العلاقة التي رسخت اسسها الحرب التي خاضتها القوات الأمريكية بالتعاون مع الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الحرب التي مثّل فيها الأكراد رأس الحربة للقوات البرية التي تمكنت من استرداد مدينة الرقة وغيرها من معاقل التنظيم.

فقد قال ترامب “لم يساعدنا الأكراد في إنزال نورماندي (في 1944، عندما غزت القوات الحليفة فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية”.

وهناك الكثير مما يمكن شرحه في هذا المجال.

فقد حارب عدد من الأكراد إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولكن لم تكن هناك دولة كردية مستقلة آنذاك، ولا توجد مثل هذه الدولة الآن أيضا.

وكانت ألمانيا واليابان، وهما من أقوى حلفاء أمريكا الآن، من دول الأعداء آنذاك، بينما كانت دول حليفة أخرى ككوريا الجنوبية واسرائيل إما محتلة أو لم تنل استقلالها بعد.

وتشعر اليابان وكوريا الجنوبية بالقلق من أن سعي ترامب لعقد صفقة مع كوريا الشمالية لن يعالج مخاوفهما في مجالي الأمن وحقوق الانسان. وسيزيد تعامل ترامب الاستخفافي مع الأكراد من هذا القلق.

ولن يطمئن سلوك الرئيس الأمريكي أغلبية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حاليا، أو أي دولة شرق أوسطية تعتمد على الولايات المتحدة لضمان أمنها. فكل هذه الدول “لم تساعد أمريكا في إنزال نورماندي”.

فالسعودية على سبيل المثال شعرت بقلق كبير ازاء تذبذب موقف تراب حيال إيران، وخصوصا قراره بتوجيه ضربة عسكرية إلى طهران ردا على اسقاط مسيرة أمريكية وثم الغاء تلك الضربة، إلى درجة أنها تسعى إلى فتح حوار مع إيران حسب ما تقول تقارير. فعوضا عن عزل إيران، تساعد سياسات ترامب في التوصل إلى اتفاقات إقليمية.

ولكن هذا السلوك يسبب مشكلة لاسرائيل.

فسوريا تسمح لايران بالوصول إلى حدود اسرائيل مباشرة. وكلما يشعر الاسرائيليون بأنهم يواجهون إيران بمفردهم، كلما زاد احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين البلدين لابد للولايات المتحدة أن تنجر اليها. وهذه بالضبط هي الديناميكية المدمرة التي ظن الرئيس السابق أوباما ونظراؤه الأوروبيون أنهم قضوا عليها عندما وقعوا الاتفاق النووي الإيراني الذي تنصل عنه ترامب.

تلعب شبكة التحالفات الدولية دورا محوريا في ضمان الأمن الأمريكي والاستقرار العالمي، وترامب يسعى جاهدا لتقويض هذه التحالفات. الأدلة على ذلك تتزايد باستمرار وهي واضحة لكل ذي بصيرة.

وبينما لم يخف ترامب شكوكه حول فيما يخص مسؤوليات الولايات المتحدة القيادية، يؤكد موقفه حيال سوريا فشله في اداء واجبه الأساسي ألا وهو اعلاء مصالح الولايات المتحدة الأساسية ومصالح حلفائها.

فهناك ثمن كبير يجب أن يدفع مقابل رغبة ترامب في قوقعة الولايات المتحدة خلف “جداره” الخيالي وترك العالم لشأنه.

الأمر الجيد في هذا الموضوع هو أنه ليس وضعا تؤيده غالبية الأمريكيين. ففي استطلاع للآراء أجراه مؤخرا مركز شيكاغو للشؤون الدولية، عبرت أغلبية كبيرة عن تفضيلها لقيام الولايات المتحدة بدور أكبر وأكثر فاعلية في العالم، وأيدت التحالفات التي أقامتها وعبرت عن تقييمها لحرية التجارة العالمية.

تعد هذه النتيجة رفضا للأسس الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية. فموقفه تجاه سوريا، وتجاهله المتعمد للسياسات الروسية، تشير إلى أنه لا يجيد ادارة دفة العلاقات الدولية. فهو يضحي بمصالح الولايات المتحدة الأساسية من أجل مصالح السياسية الشخصية.

وهذه قد تكلف ترامب امكانية الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما الأمر السيء، فهو أن على الناخبين الأمريكيين أن ينتظروا حتى تشرين الثاني / نوفمبر 2020 ليتمكنوا من اختيار رئيس جديد يتبع سياسة خارجية مختلفة.

فيليب ج. كرولي مساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي، وهو مؤلف كتاب “الخط الأحمر: السياسة الخارجية الأمريكية في زمن السياسات المتكسرة والدول الفاشلة”.

————————

عملية نبع السلام والجبهة الداخلية في تركيا/ سعيد الحاج

بقدر ما تحتاج أي حرب أو عملية عسكرية لغطاء سياسي ومسوغات قانونية وقدرات عسكرية، فإنها تحتاج كذلك لجبهة داخلية متماسكة ومؤيدة لها، بل لعله أحد أهم شروط النجاح، وعملية نبع السلام التي بدأتها تركيا في شمال شرق سوريا ليست استثناءً في هذا.

وإذا كانت المواقف الدولية والإقليمية من العملية تُرصد بشكل حثيث والتطورات الميدانية تُتابع آنيًا وبكل تفاصيلها، تبقى التفاعلات الداخلية في تركيا ودينامياتها ومتغيراتها الحاصلة والمحتملة مهمة للرصد والتحليل.

في المقام الأول، ينبغي الإشارة إلى أن الداخل التركي مجمع – إلا من استثناءات بسيطة – على خطر حزب العمال الكرستاني وضرورة مكافحته، كما أن المشاعر القومية والخطاب القومي باتا أكثر حضورًا في المشهد السياسي والإعلامي التركي في السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس على تأييد العملية الأخيرة.

الحديث المتكرر عن المسألة الوجودية وخطر العمال الكردستاني من جهة، والضربات التي تعرَّضَ لها الأخيرُ مؤخرًا داخل تركيا وفي كل من سوريا والعراق من جهة أخرى، والتأكيد أن مناطق شرق الفرات حصنه الأخير في سوريا وثمة فرصة لإفقاده إياها من جهة ثالثة ساهمت كلها في توفير حاضنة شعبية مؤيدة للعملية.

كما أن الأهداف المعلنة للعملية في سوريا، التي تشمل إعادة مليونين إلى ثلاثة ملايين لاجئ سوري من تركيا إلى المنطقة الآمنة التي تزمع تركيا إنشاءها في الشمال السوري، ساهمت بشكل غير مباشر في حشد التأييد للعملية ويمكن اعتبارها عاملًا مساندًا ثانويًا بالنسبة لكثيرين.

أحد المؤشرات الواضحة لذلك هو استطلاع الرأي الذي أجرته شركة أريدا  AREDAعن عملية نبع السلام خلال الأيام الماضية، فقد بلغت نسبة تأييد العملية %76 من المشاركين، ونسبة من يتوقعون نجاحها %77.2، ونسبة من يرون أنها تأخرت وكان يفترض أن تطلق قبل الآن %46.5، ومن يثقون بأنها ستحقق الأمن داخل تركيا %74.5، فيما قال %77.8 إنهم مستعدون للمشاركة في العملية حال تطلب الأمر ذلك.

هذا التأييد الشعبي الواضح انعكس بالتأكيد على الأحزاب السياسية، ذلك أنه باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبره الكثيرون الذراع السياسية للكردستاني، لم يعارض العملية أيٌّ من الأحزاب السياسية المعروفة في البلاد، على درجات متفاوتة بينهم.

فحزب العدالة والتنمية هو حزب الرئيس ويعتبر الحزب الحاكم في البلاد وبالتالي يقف خلف العملية بالكامل، وكذلك حليفه حزب الحركة القومية الذي يؤيدها بحماسة شديدة، وليس مفاجئًا أن الحزب الجيد المنشق عن الحركة القومية، ويحمل معه نفس الأيدلويجيا القومية التركية لا يقل عنه حماسة في تأييد العملية، حتى إن رئيس الحزب ميرال أكشنار قدمت التحية العسكرية للجنود الأتراك المشاركين في العملية من على منبر كتلة حزبها البرلمانية في اجتماعها الأخير.

حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، ورغم نقده الشديد لأردوغان وسياسته الخارجية لا سيما في الملف السوري، لم يستطع أن يشذ عن دعم العملية وتأييدها وإن من باب سلامة الجنود المشاركين بها وحماية مصالح بلاده في سوريا والمنطقة، كما أن كل الأحزاب سالفة الذكر شاركت الأسبوع الفائت في تجديد تفويض البرلمان للقوات المسلحة التركية بالعمليات العسكرية في سوريا والعراق، الذي يمثل الغطاء القانوني الأساسي للعملية وسابقاتها.

ولأهمية الجبهة الداخلية في عملية كهذه، يمكن القول إنها كانت مستهدفة من قوات سوريا الديمقراطية – قسد – منذ اليوم الأول لها، حيث اتضح تركيزها على قصف مناطق سكنية في الداخل التركي لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى لتحويل الحاضنة الشعبية إلى عنصر ضغط على الحكومة، لكن تكرار عمليات القصف وما تسببت به من قتلى وجرحى، وكما هو متوقع، أدت إلى عكس ذلك ومطالبة الحكومة باستكمال العملية حتى إنهاء “خطر الإرهاب” تمامًا.

العامل الثاني الذي يمكن القول إن تركيا تتعرض لضغوط بخصوصه هو الاقتصادي، فالبلاد لم تتعاف تمامًا من الأزمة الاقتصادية التي بدأت العام الفائت، وعملية عسكرية كهذه تحتاج بالتأكيد لاقتصاد حرب بمحددات معينة وخسائر متوقعة، ويبدو أن أنقرة اتخذت احتياطاتها للأمر، حيث لم تظهر تأثيرات سلبية كبيرة للعملية على الاقتصاد أو العملة حتى لحظة كتابة هذه السطور، لكن الضغوط السياسية التي تتعرض لها تركيا واحتمالات تعرضها لعقوبات أمريكية و/أو أوروبية، بدأت بعض ملامحها وحِزَمها الأولى بالظهور، يمكن أن يكون لها ارتداداتها بالتأكيد.

في المشهد السياسي والحزبي الداخلي، يمكن القول إن عملية نبع السلام زادت من حرج حزب الشعوب الديمقراطي وعزلته عن باقي الأحزاب، اختيارًا أو اضطرارًا، وجعلت كلفة العلاقات بينه وبين أي حزب آخر مرتفعة جدًا على الأخير بدرجة لا يمكن لقائد سياسي تحمل تبعاتها، وهو أمر قد يكون له تبعاته على تحالف “الأمة” المعارض الذي يقوده الشعب الجمهوري ولا ينتمي له الشعوب الديمقراطي رسميًا ولكنه محسوب عليه ويدعمه من بعيد.

فإذا أضيف ارتفاع شعبية أردوغان مع العملية كما هو متوقع، يمكن القول إن ميزان الاستقطاب السياسي والحزبي في البلاد يميل مع هذه العملية لصالح أردوغان والعدالة والتنمية ولو نسبيًا، وهو ما دفع البعض للقول إن أردوغان تقصّد إطلاق العملية في هذا التوقيت بالتحديد، ضغطًا على تحالف المعارضة وإحراجًا للأحزاب السياسية المزمع إعلانها قريبًا، فضلًا عن احتمالية أن يدعو لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة قبل أن تكون هذه الأحزاب قد استحقت المشاركة بها قانونيًا أو أثبتت حضورها برامجيًا وجماهيريًا.

أخيرًا، لا يبدو هذا التماسك الداخلي خلف العملية ثابتًا وجامدًا، وإنما بدأت تظهر على تخومه بعض المتغيرات الجزئية لا سيما على صعيد أحزاب المعارضة، فبعد التأييد المطلق للعملية والوقوف خلف أردوغان والحكومة في إطلاقها، بدأت نغمة بعض الأحزاب وخصوصًا حزبي الشعب الجمهوري والجيد تتحول نحو النقد الواضح للرئيس وحزبه وحكومته. تبدا هذا النقد أولًا بتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه السياسية الخارجية لتركيا، معتبرين أن أردوغان المسؤول عن وصول الأمور للحاجة لعمليات عسكرية وأن “الجيش التركي يحاول اليوم إصلاح ما أفسدته السياسة الخارجية لاردوغان والعدالة والتنمية” على مدى السنوات الماضية، وصولًا لاتهام زعيم المعارضة لحزب العدالة والتنمية أنه يشن هذه العملية لأهداف سياسية وحزبية، وهو ما ألمحت إليه ميرال أكشنار زعيمة الحزب الجيد كذلك.

وعليه، يمكن القول إن الجبهة الداخلية في تركيا موحدة شعبيًا خلف العملية العسكرية التي تحظى كذلك بشبكة حماية سياسية وحزبية لا بأس بها، لكن المناكفات الداخلية بدأت تلقي بعض ظلالها على الخطاب السياسي الداخلي بما قلل من الدعم المقدم للحكومة وإن لم يرافق ذلك حتى اللحظة سحب تأييد العملية أو تراجعه، وبالنظر للضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تحاول التأثير على القاعدة الشعبية والتأييد الجماهيري للعملية، يمكن القول إن أكثر مسار قادر على احتواء هذه المتغيرات المحتملة هو سرعة العملية وإنجازها وتحقيقها أهدافها المعلنة في أقصر وقت وأقل خسائر ممكنة، لا سيما البشرية والاقتصادية.

———————

أنظر تغطيتنا للحدث

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 6

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 7

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 8

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 9

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى