سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 12

أحداث

“نبع السلام” أم لعبة أمم جديدة؟

بعد أسابيع من التخطيط والتحضيرات الميدانية أطلق الجيش التركي عملية “نبع السلام” في عمق الأراضي السورية، بأهداف معلنة أهمها إقامة منطقة آمنة لعودة ملايين اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، وكذلك إبعاد الفصائل العسكرية الكردية المعروفة باسم “قوات سوريا الديمقراطية” إلى مسافة 20 ميلاً بعيداً عن الحدود التركية. الإشارات المتناقضة من جانب الرئيس الأمريكي ترامب أوحت بضوء أخضر، لكن البيت الأبيض وقع في حرج أمام الكونغرس بسبب مخاطر انعتاق المئات من معتقلي تنظيم “الدولة الإسلامية” فأوفد ترامب نائبه للتفاوض مع الرئيس التركي أردوغان حول وقف مؤقت لإطلاق النار بدا أقرب إلى تسليم بالمطالب التركية. المشهد ازداد تعقيداً بعد مسارعة “قسد” إلى توقيع اتفاق مع روسيا يفتح أمام النظام السوري فرصة إعادة الانتشار جنوب منبج ومناطق أخرى كانت تحت سيطرة الفصائل الكردية.

————-

واشنطن تحاول منح الأكراد مهلة لانسحاب “غير دموي” من الحدود والكونغرس يصرّ على فرض العقوبات ضد تركيا/ رائد صالحة

واشنطن-“القدس العربي”: يتفق المحللون الأمريكيون إلى حد كبير على أن الوجود العسكري لبلادهم في شمال شرق سوريا كان شاذاً بشكل واضح، واستنتجوا في وقت متأخر أن هذا التواجد لم يكن كفؤاً، وعلى النقيض من ذلك، كان مكلفاً بشكل غير ضروري.

وقد دخلت القوات الأمريكية سوريا وتعاونت مع الأكراد لسبب وجيه هو أن قوة الدفاع الكردية كانت هي القوة الوحيدة الراغبة والقادرة على اقتلاع تنظيم “الدولة” وإنهاء مشروع دولة الخلافة، وفي الواقع، حاولت الولايات المتحدة إقامة شراكة مع القوات السورية الأخرى قبل أن تستقر على وحدات حماية الشعب الكردية كخيار لقوة برية، فقد كانت الجماعات الأخرى تفتقر إلى انضباط الأكراد، وكانت هناك شكوك أنه تم اختراق الجماعات الأخرى من قبل المتطرفين كما أن هذه الجماعات فضلت محاربة النظام السوري على محاربة “داعش” وبالنظر إلى هذه الخيارات كانت هي الخيار المنطقي.

بالنسبة للولايات المتحدة، كانت هذه المزايا العسكرية كافية للشراكة مع الأكراد، ولكن بالوضوح نفسه، لم يكن أي من الجيران ليسمح بقيام دولة كردية مستقلة، وكانت تركيا أكثر غضباً من هذا السيناريو نظرا لارتباط الأكراد السوريين بحزب العمال الكردستاني الكردي أو جماعة حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية قامت بشن تمرد ضد الدولة التركية منذ عقود. وحسب اعتقاد العديد من المحللين، ومن بينهم جيمس دوبينس وجيفري مارتيني، من المحتمل أن يقبل الأكراد في المستقبل البقاء تحت سيادة النظام السوري أو الحفاظ على “علاقة عمل” مع نظام الأسد في دمشق، مقابل إعادة صياغة لطريقة الحكم في تلك الأراضي.

ويرى محللون أمريكيون أن هناك ضرورة ملحة لايجاد طريقة لإعادة الدمج الكردي في الدولة السورية، خاصة بعد قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وأشار المحللون إلى أن التأخر في تنفيذ الانسحاب قد شجع الأكراد على الاعتقاد بأن الحماية الأمريكية ستمتد إلى أجل غير مسمى، وكان يمكن للولايات المتحدة أن تشجع الأكراد على حوار في الداخل السوري، ولكنها لم تفعل ذلك ما ساعد على انتشار المفاهيم الخاطئة عند الأكراد.

صراعات الإدارة الأمريكية

وأعربت تركيا في مناسبات كثيرة عن عدم الرضا من الحلول الأمريكية للمناطق الحدودية وقضية الأكراد، وأعلنت أنقرة أنها غير مقتنعة بان “الآلية الأمنية” التي أنشاتها واشنطن مع تركيا على الحدود السورية كافية، وكانت هناك إشارات أن الوضع في طريقه للتصدع بدون أن تقوم الولايات المتحدة في أي مبادرة للتوسط في تسوية في الموضوع الكردي.

الإدارة الأمريكية بدورها كانت تعيش في صراعات في الموضوع السوري، فقد كان هاجس وزير الخارجية مايك بومبيو والمستشار السابق جون بولتون الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة وليست سوريا وكانت أولويات وزارة الدفاع هي القضاء على تنظيم “الدولة” وحماية الحلفاء الأكراد في حين ترامب يسعى إلى إنهاء المهمة العسكرية الأمريكية في سوريا.

ويعتقد خبراء في الشأن السوري أنه كان يمكن لإدارة ترامب في وقت سابق قبل إعلان الانسحاب وبدء العملية التركية أن تحصل على نتيجة أفضل للأكراد، الذين يحتفظون بثلث الأراضي السورية بما في ذلك أكبر حقل نفطي في البلاد.

أما فيما يتعلق باستجابة صناع السياسة في واشنطن للعملية التركية في شمال سوريا، فقد تعهد أعضاء مجلس الشيوخ بالمضي قدماً في تشريع العقوبات ضد تركيا على الرغم من إعلان نائب الرئيس مايك بنس أن أنقرة قد وافقت على وقف إطلاق النار في سوريا.

وقال السيناتور ليندسي غراهام (ساوث كارولاينا) والسيناتور جيم ريش (أيداهو) إنهما سيواصلان العمل على مشاريع قوانين منفصلة رغم وقف إطلاق النار.

وأضاف غراهام أن ترامب يكرر أخطاء الرئيس السابق باراك أوباما في العراق، وقال إن ترامب ردد بالضبط ما قاله أوباما قبل انسحابه من العراق.

وانتقدت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي موافقة ترامب على إلغاء العقوبات التي تم الإعلان عنها مؤخراً ضد تركيا كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه يوم الخميس الماضي، في حين قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر إن ترامب وافق على عدم تطبيق العقوبات ضد تركيا بسبب “وقف إطلاق نار مزيف”.

وردد أعضاء مجلس النواب تعليقات لا تعبر عن الارتياح حول تحركات ترامب الأخيرة، ووصفوا إلغاء العقوبات على تركيا بأنه إجراء يقوض الثقة بالسياسة الخارجية الأمريكية ويرسل رسالة خطيرة إلى الحلفاء والخصوم على حد سواء مفادها أنه لا يمكن الوثوق بكلمتنا.

وجاء قرار ترامب بشأن تركيا وسط معركة سياسية مستمرة بينه وبين المشرعين في الكونغرس حول سوريا، حيث انتقد أعضاء من كلا الحزبين بشدة قراره في وقت سابق من هذا الشهر بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ما مهد الطريق للعملية التركية.

وزعم مشرعون أن “اردوغان لم يتخل عن شيء في الاتفاق بينما أعطاه ترامب كل شيء” كما زعموا أن المستفيد الوحيد من سياسات ترامب هم أعداء الولايات المتحدة: تنظيم “الدولة” وبشار الأسد وفلاديمير بوتين وإيران.

إنهاء الحروب

وقوبلت أخبار وقف إطلاق النار بالشك، واُنتقد القرار بصراحة في الكونغرس، وعلى سبيل المثال، قال السيناتور ميت رومني (جمهوري من يوتا) إن وقف إطلاق النار “بعيد عن النصر” وأضاف السيناتور كريس مورفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن “هذا يمنح اردوغان كل ما يريده” كما تعهد السيناتور كوريس فان هولين بمواصلة الضغط من أجل مشروع قانون العقوبات ضد تركيا.

قرار سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، الذي مهد للعملية التركية، وما تبع ذلك من ضجيج أسفر عن اتفاقية لوقف إطلاق نار كانت له العديد من العواقب غير المقصودة ولكنها متوقعة، وقد دافع ترامب عن خطواته للوفاء بوعد الحملة الانتخابية لإنهاء ما يسمى بالحروب إلى الأبد.

وفي الطرف المقابل، قال العديد من مؤيدي ترامب إن مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين أظهروا مهارة في التفاوض مع تركيا، للخروج باتفاق يؤخر لمدة خمسة أيام تقدم الجيش التركي إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا على طول الحدود التركية، وقالوا إن الاتفاق يهدف إلى منح القوات الكردية وقتاً للانسحاب السلمي والمنظم من المنطقة، وبالتالي إنشاء منطقة عازلة بينها وبين الأتراك.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن سياسة “الإسعافات الأولية” التي تمارسها واشنطن لمعالجة المشكلة في شمال سوريا لن تجلب أي استقرار طويل الأجل للمنطقة، ولكنها ستقلل من سفك الدماء، خاصة من الجانب الكردي، وقد بحثت إدارة ترامب، على سبيل المثال، عن طرق لإحباط الخطط التركية للتوغل في شمال سوريا وطرد الأكراد من المنطقة، ولكنها لم تقدم أي حلول مقبولة من الطرف التركي، ولذلك اضطر اردوغان إلى البدء في العملية العسكرية.

وبالنسبة لترامب، بعيداً عن التهديدات، فقد كان هاجسه الوحيد عدم إبقاء الكتيبة العسكرية الصغيرة عالقة في تبادل إطلاق النار بين الأتراك والأكراد. ووفقا لما قاله العديد من المحللين، حتى لو تمكنت تركيا من إقامة منطقة عازلة وإعادة بعض اللاجئين إلى وطنهم، فإن هذا لن يقترب من إنهاء الحرب الدموية في سوريا، وبالتاكيد لن يضمن مستقبل الأكراد في سوريا.

بوكس

مسؤول أمريكي: قواتنا ستغادر سوريا إلى العراق والكويت

قال مسؤول أمريكي، الثلاثاء، إن حوالي 1000 جندي أمريكي من الذين انسحبوا من شمال سوريا سيعودون إلى مواقع الجيش الأمريكي في العراق والكويت وربما الأردن.

جاء ذلك في تصريحات أدلى بها المسؤول، الذي رفض الإفصاح عن هويته، في خضم الحديث عن التخطيط للانسحاب الأمريكي من سوريا.

وأشار إلى أن القوات الأمريكية المتمركزة في العراق “يمكن أن تقوم بعمليات عابرة للحدود ضد تنظيم داعش، كما حدث في السابق، إبان التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية”.

وأوضح وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أنّ سحب القوات الأمريكية جاء على خلفية رفض واشنطن “الانخراط في قتال مع تركيا الحليف القديم لحلف شمال الأطلسي نيابة عن قوات سوريا الديمقراطية”.

بيانات

6 تشرين الأول/أكتوبر: البيت الأبيض يصدر بيانا يعلن الانسحاب من شمال سوريا بعد أن تحدث ترامب مع اردوغان هاتفيا.

7 تشرين الأول/أكتوبر: بعد انتقادات من حزبه، يدافع ترامب عن سحب القوات. ويغرد قائلا “تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد سوف يضطرون الآن للتعامل مع الوضع” كما هدد بتدمير ومحو الاقتصاد التركي.

8 تشرين الأول/أكتوبر: ترامب يقول إن تركيا حليف قوي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “ولكن بأي حال من الأحوال لم نتخل عن الأكراد، وهم أشخاص مميزون”.

9 تشرين الأول/أكتوبر: بومبيو يقول إن الولايات المتحدة “لم تمنح تركيا الضوء الأخضر.”

10 تشرين الأول/أكتوبر: أخبر ترامب المراسلين أن الأكراد “لم يساعدونا في الحرب العالمية الثانية. لم يساعدونا في نورماندي، على سبيل المثال”. ثم يعود ويقول في وقت لاحق “آمل أن نتمكن من التوسط” بين الأكراد وتركيا.

——————-

موسكو بين تفهم عملية “نبع السلام” والخشية من سعة نطاقها/ فالح الحمراني

عندما شرع الجيش التركي في عملية “نبع السلام” ودخل الأراضي السورية، بدأ المحللون الدوليون الجدل حول موقف روسيا ودورها في هذا الوضع الجديد، وما هي الفوائد أو المخاطر التي سيجنيها الكرملين. وبعد أن وافق الأكراد في نهاية الأسبوع الماضي مع حكومة الأسد في اجتماع في قاعدة حميم الروسية باشر جيش بشار الأسد بالتقدم نحو الجيش التركي، كانت هناك مناقشات حول ما إذا كان هذا سيؤدي إلى مواجهة مسلحة مباشرة بين الجيش التركي وحلفاء الأسد، الجيش الروسي.

ويقول الخبراء إن العملية التركية تعزز موقف روسيا. ونقلت مجلة “نيوزويك” عن مصدر في البنتاغون قوله: “إن الكرملين على ما يبدو يحقق فوزًا دبلوماسيًا في سوريا”. وراقبت روسيا عملية “نبع السلام” وضرب الجيش التركي للتشكيلات الكردية عن كثب، من دون أن تتدخل، واكتفت فقط بعرض وساطتها، وتأكيد تفهمها لمخاوف تركيا الأمنية، وفي الوقت عينه، تحفظها على ممارسة القوة المفرطة خلالها، وإبداء القلق من ان تطال المدنيين، والتسبب في كارثة إنسانية إضافية في الأرض السورية، تخلق المخيمات الجديدة إلى جانب الهول والركبان وغيرها، وتدفع إلى موجة هجرة جديدة.

وقالت الخارجية الروسية في بيان لها في وقت سابق إن العملية يجب أن تكون محدودة النطاق والوقت. وقال تعليق لوزارة الخارجية نُشر يوم الجمعة الماضي، إن موسكو تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع في شمال سوريا. وكما قالت الوزارة فإن روسيا لا تشكك في “الحاجة الموضوعية لمحاربة الإرهابيين وضمان أمن تركيا، كما في الواقع، جميع دول المنطقة من هجماتهم”. في الوقت نفسه، فإن الدبلوماسيين الروس مقتنعون بأنه “لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في هذا الجزء من الأراضي السورية ذات السيادة إلا من خلال حوار فعال ومحترم للطرفين بين الحكومة والأكراد، وهم جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري”. وأكدت موسكو استعدادها لتعزيز مثل هذا الحوار بالإضافة إلى خطوات لتطبيع العلاقات بين دول المنطقة. وقالت وزارة الخارجية إنها تعتبر “من المهم منع مزيد من زعزعة استقرار الوضع في الشمال الشرقي واستبعاد معاناة السكان المدنيين”. وفي هذا الصدد، دعت روسيا “جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتحقق بعناية من الخطوات المتخذة، مع الاحترام التام لسيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية”.

سيناريوهات

وتستبعد روسيا سيناريوهات أي مواجهة بينها وبين الجيش التركي، وتعمل على تجنب المواجهة بين الجيشين التركي وجيش النظام، ولا يُستبعد ان هناك اتفاقا مسبقا بين موسكو وأنقرة على هذا الصعيد، لاسيما وان الاتصالات بين القيادات العسكرية الروسية والتركية تجري على مدار الساعة. وقال المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، ردا على سؤال حول احتمال اشتباك عسكري مع تركيا “نحن لا نريد حتى التفكير في مثل هذا الخيار”. وأشار بيسكوف إلى أنه لمنع مثل هذا الصدام، فإن قيادات جيش البلدين تحافظ على تواصل مستمر.

ولا يستبعد بعض المحللين أن يكون موقف موسكو المحايد من عملية “نبع السلام” ينبع من اتفاقات أكبر مع أنقرة بشأن تخفيف تركيا موقفها الرافض لقيام الجيش السوري بدعم من روسيا تفعيل عملية إخراج المقاتلين المرابطين في مدينة إدلب وما حولها، فضلا عن التفاهم في قضية إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية / التركية لمنع اتصالات الأكراد بحزب العمال الكردستاني. وينحصر هدف موسكو في ان تكون جميع أراضي سوريا تحت سيطرة نظام بشار الأسد، ولكنها غير مستعدة للدخول في مواجهات عسكرية مع أي طرف من أجل حمايته، فهدفها المعلن هو تطهير سوريا من القوى الإرهابية، والتشكيلات غير النظامية، وتفعيل العملية السياسية. وتراهن موسكو أيضا على ان موقف الحياد سيعود عليها بجملة من المنافع ويجعلها حَكَما هاما في لعبة الشطرنج الكبرى في شمال شرق سوريا، ويتجلى هذا الموقف أكثر من خلال تصريحات المسؤولين الروس. وتقول صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”: أن الشرق الأوسط مضطر الآن للتفاعل مع الحكومة السورية. هذه هي الإشارة الرئيسية التي تحاول موسكو إرسالها على خلفية العملية التركية نبع السلام”. مشيرة إلى قول وزير الخارجية الروسي لافروف عن إن أنقرة نفسها يجب أن تتفاعل عمليا مع الجيش السوري، كما فعل الأكراد بالفعل.

وفي 12 تشرين الأول/اكتوبر، صرح الرئيس بوتين نفسه للصحافيين بأنه “يجب تحرير أراضي سوريا من الوجود العسكري الأجنبي، ويجب استعادة السلامة الإقليمية للجمهورية العربية السورية بالكامل” وأجرى الثلاثاء الماضي، مكالمة هاتفية مع نظيره التركي اردوغان حول الوضع في سوريا ودعاه لزيارة روسيا في الأيام المقبلة. وقال الكرملين إن بوتين واردوغان أكدا من جديد التزامهما بضمان السلامة الإقليمية لسوريا. وقال الكرملين في بيان “تم قبول الدعوة”. كما ذكر التقرير أن قادة البلدين ناقشا ضرورة تجنب النزاعات المحتملة بين الجيشين التركي والسوري. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الزعيم الروسي: “قد تتم الزيارة قبل نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر”.

وكان أقسى انتقاد روسي منذ بدء العملية العسكرية التركية الأسبوع الماضي هو تصريح المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا، ألكساندر لافرنتييف، الذي أوضح أن موسكو تريد من أنقرة أن تكمل هجومها في المستقبل القريب. وفي محادثة مع الصحافيين في أبو ظبي خلال زيارة بوتين الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، قال لافرنتييف: “إن روسيا لا تتفق مع الجانب التركي في جميع القضايا المتعلقة بوجودهم في سوريا، ولا توافق على هذا الإجراء”. وقال إنه وفقًا للاتفاقية بين سوريا وتركيا المبرمة في عام 1998 ما يسمى بـ “معاهدة عدن” يحق للقوات التركية الدخول مؤقتًا إلى الأراضي السورية على عمق لا يزيد عن 10 كيلومترات لعمليات مكافحة الإرهاب. لكن هذا الاتفاق لا يمنح الجيش التركي الحق في الإقامة في دولة مجاورة. وقال الدبلوماسي: “نحن نعارض حقيقة أن القوات التركية موجودة باستمرار على الأراضي السورية”. وتقوم الشرطة العسكرية الروسية بدوريات على خط الاتصال بين قوات الحكومة السورية والتركية.

ويقول المحلل السياسي فيدور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية” ان موقف روسيا الحالي من عملية “نبع السلام” “مفيد وخطير في نفس الوقت مثل كل ما يحدث في سوريا. والمفيد إن روسيا تؤكد موقفها باعتبارها اللاعب غير الإقليمي الأكثر نفوذاً”.

ويرى لوكيانوف بأنه سيتعين على روسيا وسوريا في إطار الاصطفاف الجديد، تقديم تنازلات لتركيا، حيث ستحتل في رأيه تركيا جزءًا من الأراضي السورية. لكن بعد ذلك، قد تخضع بقية “كردستان السورية” لسيطرة دمشق بطريقة أو بأخرى. وأضاف “لا أعرف أي نوع من الاتفاقات قد تمت مسبقا بين روسيا وتركيا، ولكن بالتأكيد هناك تفاهمات ما، وفقًا لرد الفعل الروسي المحدود للغاية على هذه العملية برمتها، مما يتيح بالطبع المجال لتركيا الحق في ضمان أمنها، على ما أعتقد ستطلب روسيا من تركيا أن تكون أكثر مرونة في قضية إدلب. لأن هناك تشكيلات مسلحة مرتبطة بتركيا، وهناك حاجة إلى القيام بشيء ما معها، من قبل تركيا” مرجحا أن تركيا ستغض الطرف عن تفعيل الجيش السوري لتحركه في إدلب بدعم من روسيا.

——————

تركيا: لا نريد أي مسلح كردي في المنطقة الآمنة

جلال بكور

قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، اليوم الأحد، خلال مقابلة مع محطة “كانال 7″، إن تركيا تتوقع إخراج “وحدات حماية الشعب” الكردية من المناطق التي انتشرت فيها قوات النظام السوري في شمال سورية.

وأضاف جاووش أوغلو أن “تركيا لا تريد أن ترى أي مسلح كردي في المنطقة الآمنة بسورية بعد هدنة الأيام الخمسة”.

وأشار وزير الخارجية التركي إلى أن بلاده ستناقش مع روسيا إخراج مسلحي المليشيات الكردية من مدينتي منبج وكوباني خلال محادثات في سوتشي هذا الأسبوع.

وسيسافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سوتشي الثلاثاء لإجراء “محادثات طارئة” مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

أنقرة لواشنطن: استخدموا نفوذكم لانسحاب منظم

وعلى صعيد متصل، دعت أنقرة واشنطن إلى استخدام “نفوذها” لدى القوات الكردية لضمان انسحابها المنظّم من شمال شرق سورية، حسب ما أكد المتحدث الرئاسي التركي لوكالة “فرانس برس”، مضيفاً أن تركيا لا نية لديها في “احتلال” هذه المنطقة الحدودية.

وقال إبراهيم كالين، في مقابلة مع “فرانس برس”: “نحن متمسكون بهذا الاتفاق. وينصّ على رحيلهم خلال مهلة خمسة أيام، وقد طلبنا من زملائنا الأميركيين استخدام نفوذهم وعلاقاتهم لضمان أنهم (المقاتلون الأكراد) سيغادرون من دون حوادث”.

وفيما اتّهمت المليشيات الكردية تركيا بانتهاك هذا الاتفاق عبر مواصلة عمليات القصف، نسب كالين “كل الأحداث” إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية. وأضاف “جنودنا يتواصلون مع نظرائهم (الأميركيين) لضمان أن (مقاتلي) وحدات حماية الشعب الكردية سيغادرون من دون قتال”.

وأكد كالين، الذي تسيطر بلاده على أجزاء كاملة من شمال سورية بفضل عمليتين عسكريتين سابقتين، أن تركيا لا تعتزم البقاء فيها. وصرّح “ليست لدينا أية نية لاحتلال أي جزء من سورية أو للبقاء فيها إلى أجل غير مسمى”.

واتّهم كالين القوات الكردية باستخدام هؤلاء المحتجزين كـ”وسيلة ابتزاز للحصول على دعم الغرب”، وبتعمّد تحرير العشرات منهم في الأيام الأخيرة لزيادة الضغط الدولي على تركيا بهدف وقف هجومها.

وبحسب كالين، “قبض” الجيش التركي ومسلحو المعارضة السورية على 196 عنصراً من تنظيم “داعش” كانت المليشيات الكردية “أطلقت سراحهم” في شمال شرق سورية. وقال “إنهم محتجزون في مكان آمن ولن يتمّ تحريرهم”.

وإذا كان هدف تركيا الأول من إقامة منطقة عازلة قي سورية هو إبعاد المليشيات الكردية عن حدودها، فإنها تنوي أيضاً نقل قسم من نحو 3,6 ملايين لاجئ سوري يعيشون حالياً على أراضيه إلى هذه المنطقة.

وأكد كالين أن فقط اللاجئين الذين سيختارون ذلك سيتمّ نقلهم إلى هذه المنطقة. وقال “لن نلجأ أبداً إلى وسائل قد تُرغم اللاجئين على الذهاب إلى أي مكان بشكل مخالف لرغبتهم أو ينتهك كرامتهم”.

ووصف المسؤول التركي لقاء أردوغان المرتقب، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول في سوتشي، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بأنه “بالغ الأهمية”، في وقت أعلنت موسكو تسيير دوريات “على طول خطوط التماس” بين القوات التركية وقوت النظام السوري في منطقة منبج بشمال سورية، لتجنب أي احتكاك كبير بينهما.

وتابع كالين “نعتقد أن الاتفاق الذي أبرمناه مع الأميركيين والتفاهمات التي سنتوصل إليها مع الروس ستساهم في المضي قدماً في العملية السياسية” بهدف التوصل إلى تسوية للنزاع عن طريق التفاوض.

القوات الأميركية تخلي مطاراً

ومن جانبها، أخلت القوات الأميركية، الأحد، قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة عين العرب شمالي سورية، على مقربة من الحدود السورية التركية.

وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن القوات الأميركية المتمركزة في مطار صرين العسكري، بالقرب من مدينة عين العرب بريف حلب الشمالي الشرقي، أخلت المطار صباح اليوم.

وأضافت المصادر أنه تمت مشاهدة القوات الأميركية وهي تخرج من القاعدة متوجهة ناحية الشرق على الطريق المؤدي إلى مدينة القامشلي في ريف الحسكة.

وكانت القوات الأميركية قد أخلت، في وقت سابق، قاعدة خراب عشك، الواقعة بالقرب من المدينة.

وجاء ذلك في ظل انتشار قوات النظام السوري في المدينة إلى جانب مليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تقود مليشيا “قوات سورية الديمقراطية”.

كذلك تنتشر القوات التركية على الشريط الحدودي المقابل للمدينة على بعد أمتار من مكان رفع فيه النظام السوري علمه إلى جانب أعلام المليشيا الكردية.

وكانت القوات الأميركية ضمن التحالف الدولي ضد “داعش” قد أنشأت عدة قواعد في عين العرب إبان طرد تنظيم “داعش” منها في يناير/ كانون الثاني عام 2015.

وعلى الصعيد الميداني، استمر الهدوء النسبي، صباح اليوم، ولليوم الثالث على التوالي، في مناطق العملية التي يشنها “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي ضد مليشيات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وذلك منذ صباح يوم الجمعة الماضي، بعد إعلان أنقرة وواشنطن عن التوصل إلى اتفاق يقضي بمنح المليشيا مهلة خمسة أيام للانسحاب إلى عمق 32 كلم داخل الأراضي السورية بعيداً عن الحدود التركية.

وبحسب مصادر من “الجيش الوطني”، فإنه تم رصد عدة خروق قامت بها المليشيات لوقف إطلاق النار في ظل عدم وجود مؤشرات حقيقية، حتى صباح اليوم، على انسحاب المليشيا من مواقعها، وخاصة في محور رأس العين.

وقال المتحدث باسم “الجيش الوطني السوري” لـ”العربي الجديد” إنه حتى صباح اليوم الأحد “لا يوجد أي مؤشرات حقيقية على انسحاب مليشيا “قسد””، التي تقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية، من المناطق الحدودية مع تركيا.

وأضاف أن الاتفاق التركي الأميركي ينصّ على خروج المليشيا من المنطقة إلى عمق 32 كلم دون سلاحها الثقيل، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية سوف تستأنف ضد المليشيا في حال لم تنفذ هذا الاتفاق.

وفي الشأن ذاته، ذكرت مصادر من “الجيش الوطني” من مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي، لـ”العربي الجديد”، أن اليومين الماضيين شهدا عدة خروق من قبل عناصر مليشيا “وحدات حماية الشعب”، إذ قاموا بإطلاق نار وقذائف باتجاه مواقع “الجيش الوطني”، إلا أنها لم تسفر عن خسائر.

وأضاف المصدر أن “الجيش الوطني” التزم بالاتفاق ولم يرد على تلك الخروقات في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الساعات المتبقية على انتهاء المهلة الممنوحة للمليشيا من أجل الانسحاب.

وأكدت المصادر أنه على الرغم من قيام المليشيا بالخروقات، إلا أن الجيشين الوطني والتركي سمحا للمليشيا يوم أمس بإدخال سيارات الإسعاف إلى مدينة رأس العين، من أجل نقل جرحاها، ولم يتم استهدافها عند خروجها من المدينة.

وعلى محور تل أبيض في ريف الرقة، قتل جندي تركي وأصيب آخر جراء إطلاق نار تعرضت له مواقع في المدينة من قبل مليشيات “قسد”.

وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان لها على موقعها الرسمي اليوم الأحد، أن المليشيات قامت باستهداف القوات التي تقوم بمهمة الاستطلاع اليوم الأحد عبر الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة آخر بجروح.

وأضافت الوزارة، في بيانها، أن قواتها قامت بالرد على الخروق ضمن إطار حق الدفاع عن النفس، مشيرة إلى أنه على الرغم من الاتفاق مع الولايات المتحدة إلا أن “إرهابيي حزب العمال الكردستاني قاموا بعشرين خرقاً”.

وأوضحت الوزارة أنه على الرغم من تلك الخروق سمحت القوات التركية بدخول قافلة مؤلفة من 39 مركبة، معظمها من سيارات الإسعاف، إلى مدينة رأس العين، وسمحت بخروجها بعد حملها جرحى وأشخاصا.

وتوصلت أنقرة إلى اتفاق مع واشنطن، الخميس الماضي، نص على منح المليشيا 120 ساعة للانسحاب من الحدود السورية التركية.

وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أمس السبت، المليشيا، مؤكداً استئناف العملية في حال عدم تطبيق الاتفاق.

وبدأ الجيشان الوطني السوري والتركي، في التاسع من الشهر الجاري، عملية عسكرية ضد “قسد” بدأت في محاور تل أبيض ورأس العين، وتم على إثرها السيطرة على مدينة تل أبيض وأجزاء من مدينة رأس العين، وعشرات القرى في محيطهما.

—————

أنقرة تدعو واشنطن لاستخدام نفوذها بإخراج “الوحدات

دعت أنقرة واشنطن إلى استخدام “نفوذها” لدى القوات الكردية لضمان انسحابها المنظّم من شمال شرق سوريا، حسب ما أكد المتحدث الرئاسي التركي ابراهيم قالن، الأحد، مضيفاً أن تركيا لا نية لديها في “احتلال” هذه المنطقة الحدودية.

وقال قالن في مقابلة أجرتها معه وكالة “فرانس برس”: “نحن متمسكون بهذا الاتفاق. وينصّ على رحيلهم خلال مهلة خمسة أيام وقد طلبنا من زملائنا الأميركيين استخدام نفوذهم وعلاقاتهم لضمان أنهم (المقاتلين الأكراد) سيغادرون من دون حوادث”.

وينصّ اتفاق انتزعه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في أنقرة الخميس، على “تعليق” الهجوم التركي الذي بدأ في 9 تشرين الأول/أكتوبر لمدة 120 ساعة، للسماح لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية بالانسحاب من المناطق الحدودية مع تركيا في شمال شرق سوريا.

وإضافة إلى انسحاب المقاتلين الأكراد، ينصّ الاتفاق على إقامة “منطقة عازلة” بعمق 32 كيلومتراً ضمن الأراضي السورية، إلا أن طول هذه المنطقة التي يعتزم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تمتدّ على قرابة 450 كلم، لا يزال غير محدّد.

واتّهمت القوات الكردية تركيا بانتهاك هذا الاتفاق عبر مواصلة عمليات القصف لكن قالن نسب “كل الأحداث” إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية. وأضاف “جنودنا يتواصلون مع نظرائهم (الأميركيين) لضمان أن (مقاتلي) وحدات حماية الشعب الكردية سيغادرون من دون قتال”.

وأكد قالن “ليست لدينا أية نية لاحتلال أي جزء من سوريا أو للبقاء فيها إلى أجل غير مسمى”.

ويتمّ احتجاز حوالى 12 ألف مقاتل من تنظيم “الدولة الإسلامية” بينهم 2500 إلى 3000 أجنبي، في مخيمات خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، بحسب تقديرات مصادر كردية.

في هذا السياق، اتّهم قالن القوات الكردية باستخدام هؤلاء المحتجزين كـ”وسيلة ابتزاز للحصول على دعم الغرب” وبتعمّد تحرير العشرات منهم في الأيام الأخيرة لزيادة الضغط الدولي على تركيا بهدف وقف هجومها.

وبحسب المتحدث باسم الرئاسة التركية، “قبض” الجيش التركي والمقاتلون الموالون لأنقرة على 196 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية”، كانت وحدات حماية الشعب” الكردية “أطلقت سراحهم” في شمال شرق سوريا. وقال “إنهم محتجزون في مكان آمن ولن يتمّ تحريرهم”.

وإذا كان هدف تركيا الأول من إقامة منطقة عازلة قي سوريا هو إبعاد القوات الكردية عن حدودها، فإنها تنوي أيضاً نقل إلى هذه المنطقة قسما من حوالى 3,6 مليون لاجئ سوري يعيشون حالياً على أراضيها.

وأكد قالن أن فقط اللاجئين الذين سيختارون ذلك سيتمّ نقلهم إلى هذه المنطقة. وقال “لن نلجأ أبداً إلى وسائل قد تُرغم اللاجئين على الذهاب إلى أي مكان بشكل مخالف لرغبتهم أو ينتهك كرامتهم”.

ووصف أخيراً لقاء إردوغان المرتقب في 22 تشرين الأول/أكتوبر في سوتشي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بأنه “بالغ الأهمية”، في وقت أعلنت موسكو تسيير دوريات “على طول خطوط التماس” بين القوات التركية والقوت السورية في منطقة منبج بشمال سوريا لتجنب اي احتكاك كبير بينهما.

ويطرح انتشار الجيش السوري خطر حصول مواجهات مع القوات التركية في القطاعات الخاضعة لسيطرة أنقرة.

وتابع قالن “نعتقد أن الاتفاق الذي أبرمناه مع الأميركيين والتفاهمات التي سنتوصل إليها مع الروس ستساهم في المضي قدماً في العملية السياسية” بهدف التوصل إلى تسوية للنزاع عن طريق التفاوض.

—————–

شرق الفرات: خروق محدودة للهدنة.. ومقتل جندي تركي

أعلنت وزارة الدفاع التركية، الأحد، أن المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، خرقوا اتفاق الهدنة في المنطقة الآمنة، والذي تم التوصل إليه بين أنقرة وواشنطن مؤخراً.

وذكرت الوزارة في بيان، أن جنديّاً تركياً قتل وأُصيب آخر”جراء إطلاق الإرهابيين نيران مضادات الدبابات والأسلحة الخفيفة أثناء قيام القوات التركية بعملية استطلاع في منطقة تل أبيض، شرق الفرات”. وأكد البيان أن القوات التركية ردت بالشكل اللازم في إطار الدفاع المشروع عن النفس.

وأضاف أنه “بالرغم من كل هذه الخروق للاتفاق دخل موكب من 39 سيارة إسعاف أمس رأس العين وخرج منها بسلام، وأجلى عدداً من الجرحى والأشخاص من المنطقة”.

في غضون ذلك، تجددت الاشتباكات في منطقة رأس العين الحدودية بين “وحدات حماية الشعب” الكردية من جهة، وبين الجيش التركي والمعارضة السورية من جهة ثانية، لكن ظلت في إطار محدود.

وأفادت قناة “الجزيرة”، أن المليشيات الكردية كانت تقوم بعمليات قنص، كما أحرقت كميات من النفط الخام للتشويش على عمليات الاستطلاع التي يجريها الجيش التركي.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال في وقت سابق، إنه سيناقش انتشار قوات النظام السوري في المنطقة الآمنة في شمال سوريا خلال محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع، لكنه حذر من أن أنقرة “ستنفذ خططها” ما لم يتم التوصل لحل.

وخلال مراسم افتتاح في إقليم قيصري في وسط البلاد قال أردوغان إن تركيا “ستحطم رؤوس” المقاتلين الأكراد في شمال سوريا إذا لم ينسحبوا من المنطقة في غضون مهلة خمسة أيام محددة لهم.

———-

تركيا تؤكد انسحاب المقاتلين الأكراد من بلدة راس العين

اسطنبول: أعلنت تركيا الأحد أن مقاتلين أكرادا ينسحبون من بلدة رأس العين السورية الحدودية بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن “قافلة تضم نحو 55 عربة دخلت رأس العين فيما غادرت قافلة من 86 عربة باتجاه تل تمر”، ووزعت صورا للعملية.

وبعد محادثات الخميس مع نائب الرئيس الاميركي مايك بنس، وافقت تركيا على تعليق هجومها العسكري في شمال سوريا لخمسة ايام شرط أن تنسحب القوات الكردية من المنطقة الحدودية التي تريد أنقرة جعلها “منطقة آمنة”، على ان تنهي هذا الهجوم إذا وفى الاكراد بالتزاماتهم.

وهدد الرئيس رجب طيب إردوغان باستئناف الهجوم إذا لم ينسحب الاكراد.

وأضافت وزارة الدفاع “ليس هناك أي عائق أمام انسحاب” القوات الكردية و”أنشطة الانسحاب من المنطقة وإخلائها تتم بالتنسيق مع نظرائنا الأميركيين”.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان بعد وقت قصير على الإعلان التركي أن قوات سوريا الديموقراطية أنهت بشكل كامل انسحابها من مدينة رأس العين الحدودية.

————–

انسحاب القوات الأميركية من كبرى قواعدها شمال سوريا

انسحبت القوات الأميركية اليوم (الأحد) من أكبر قواعدها العسكرية في شمال سوريا، تنفيذاً لقرار واشنطن الأخير بسحب نحو ألف جندي من تلك المنطقة، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أكثر من سبعين مدرعة وسيارة عسكرية ترفع العلم الأميركي وتعبر مدينة تل تمر في محافظة الحسكة، بينما كانت مروحيات برفقتها تحلق في الأجواء.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن القافلة أخلت مطار صرين الذي اتخذته القوات الأميركية قاعدة لها، على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً جنوب مدينة كوباني (عين العرب).

وتقع هذه القاعدة على أطراف منطقة عازلة تسعى أنقرة لإقامتها في شمال شرقي سوريا، حيث تشن مع فصائل سورية موالية لها هجوماً منذ التاسع من الشهر الحالي ضد المقاتلين الأكراد. وتمكنت بموجبه من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كيلومتراً.

وبعد خمسة أيام من بدء هذا الهجوم، أعلنت واشنطن في 14 أكتوبر (تشرين الأول)، أن نحو ألف جندي أميركي موجودون في المنطقة تلقوا الأوامر بالانسحاب.

وبدأت واشنطن تنفيذ قرارها بسحب جنود من نقاط حدودية مع تركيا، مما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لأنقرة حتى تبدأ هجومها الذي لاقى تنديداً دولياً واسعاً وتسبب بنزوح أكثر من 300 ألف شخص.

وقال عبد الرحمن إن قاعدة صرين هي «الأكبر للقوات الأميركية في شمال سوريا، وهي القاعدة الرابعة التي تنسحب منها خلال نحو أسبوعين».

وانسحبت القوات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، من ثلاث قواعد أخرى، بينها قاعدة في مدينة منبج وأخرى بالقرب من كوباني. وباتت جميع القواعد التي اتخذتها القوات الأميركية «في شمال محافظة الرقة وشمال شرقي حلب خالية» اليوم، وفق عبد الرحمن، بينما لا يزال الأميركيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوباً.

وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، قال أمس (السبت)، إنه من المتوقَّع انتقال كل القوات التي تنسحب من شمال سوريا إلى غرب العراق لمواصلة الحملة ضد مقاتلي تنظيم «داعش»، و«للمساعدة في الدفاع عن العراق».

وأضاف إسبر للصحافيين، وهو في طريقه لـ«الشرق الأوسط»، على متن طائرة عسكرية أميركية، إن «الانسحاب الأميركي ماضٍ على قدم وساق من شمال شرقي سوريا… إننا نتحدث عن أسابيع وليس عن أيام». وتابع أن عملية الانسحاب تتم من خلال طائرات وقوافل برية. وأضاف أن «الخطة الحالية هي إعادة تمركز تلك القوات في غرب العراق». وقال إن عددها يبلغ نحو ألف فرد.

وانتزعت واشنطن اتفاقاً مع أنقرة الخميس، وافقت الأخيرة بموجبه على تعليق الهجوم لمدة 120 ساعة يُفترض أن تنتهي الثلاثاء، على أن تنسحب وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة العازلة التي تريدها أنقرة بعمق 32 كيلومتراً ضمن الأراضي السورية.

وتبادلت القوات الكردية وأنقرة أمس (السبت) الاتهامات بانتهاك بنود الاتفاق، وهدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل ثلاثة أيام من الموعد النهائي لانسحاب القوات الكردية بـ«سحق رؤوس» المقاتلين الأكراد.

واتهمت قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الشعب الكردية عمودها الفقري، السبت أنقرة بمنع مقاتليها من الانسحاب من مدينة رأس العين المحاصرة.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية اليوم (الأحد) مقتل جندي تركي وإصابة آخر بجروح في هجوم بأسلحة خفيفة ومضادة للدبابات (…) نفّذه إرهابيون أثناء مهمة استطلاع ومراقبة» في منطقة تل أبيض الواقعة على بعد أكثر من مائة كيلومتر غرب رأس العين.

الشرق الأوسط

————

ترامب: قمنا بتأمين النفط في سوريا وسنعيد جنودنا للوطن

أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اليوم الأحد، أن جنود بلاده ليسوا في مناطق القتال أو مناطق وقف إطلاق النار بسوريا، مضيفاً أن النفط “قد تم تأمينه”.

وأضاف ترامب أن جنود بلاده “سيعودون إلى أرض الوطن”، وفقاً لـ”سبوتنيك” الروسية.

كما نقل ترامب، في تغريدة له، تصريحات لوزير دفاعه، مارك إسبر، أكد فيها الأخير أن “وقف إطلاق النار يجري بصورة جيدة جداً، هناك بعض المناوشات التي انتهت بسرعة، وتتم إعادة إعمار مناطق جديدة مع الأكراد”.

    Mark Esperanto, Secretary of Defense, “The ceasefire is holding up very nicely. There are some minor skirmishes that have ended quickly. New areas being resettled with the Kurds.” USA soldiers are not in combat or ceasefire zones. We have secured the Oil. Bringing soldiers home!

    — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 20, 2019

​وكان ترامب أكد في وقت سابق أن تنظيم “داعش” تحت السيطرة.

وقال، خلال مراسم افتتاح مصنع في تكساس: “تنظيم داعش تحت السيطرة، ونواصل اعتقال المزيد”، مشيراً إلى تحقيق صفقة مع تركيا بشأن العملية العسكرية، وشكر الرئيس التركي والزعماء الأكراد على تعاونهم للالتزام بوقف إطلاق النار.

ووافقت تركيا، الخميس الماضي، على وقف هجومها في سوريا خمسة أيام للسماح بانسحاب القوات الكردية من “منطقة آمنة” سعت تركيا طويلاً للسيطرة عليها، وذلك في إطار اتفاق أشادت به إدارة ترامب ووصفته تركيا بأنه انتصار كامل.

—————-

تركيا تكشف عدد مرات خرق المليشيات الكردية لاتفاق التهدئة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم الأحد، أن المليشيات الكردية الانفصالية أقدمت على 20 عملاً استفزازياً أو انتهاكاً شمالي سوريا، رغم اتفاق المنطقة الآمنة المبرم بين تركيا والولايات المتحدة.

وذكرت الوزارة في بيان، أن “جنديّاً قُتل وأُصيب آخر؛ من جراء إطلاق الإرهابيين نيران مضادات الدبابات والأسلحة الخفيفة” في أثناء قيام القوات التركية بعملية استطلاع بمنطقة تل أبيض، شرقي الفرات.

وأكد البيان أن القوات التركية ردَّت بالشكل اللازم، في إطار الدفاع المشروع عن النفس.

وأضاف أنه رغم كل هذه الخروق للاتفاق، دخل موكب من 39 سيارة إسعاف، أمس الأحد، رأس العين وخرج منها بسلام، وأجلى عدداً من الجرحى والأشخاص من المنطقة.

    During a reconnaissance and surveillance mission in the Tel Abyad region on October 20, 2019, a heroic friend of ours was martyred and another was wounded as a result of the anti-tank and light weapons fire opened by PKK / YPG terrorists.https://t.co/iJdc67OmAk#MSB #TSK

    — T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) October 20, 2019

ورغم اتفاق التهدئة ضمن مهلة الـ120 ساعة، تجددت الاشتباكات برأس العين بين المليشيات الكردية من جهة والجيش التركي والمعارضة السورية.

أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فقال إن بلاده ستبحث مع روسيا إخراج المسلحين الأكراد من منبج وعين العرب (كوباني)، مشدداً على عدم رغبة أنقرة في رؤية أي مسلح كردي في المنطقة الآمنة بسوريا بعد هدنة الأيام الخمسة.

ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي، الثلاثاء المقبل، لبحث كافة النقاط فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة التي ترغب تركيا في إنشائها على طول حدودها مع سوريا.

الخميس الماضي، توصلت أنقرة وواشنطن إلى اتفاق لتعليق العملية العسكرية 120 ساعة، يقضي بأن تكون المنطقة الآمنة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، وانسحاب العناصر الإرهابية من المنطقة بعمق 32 كيلومتراً، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على أنقرة.

وفي 9 أكتوبر الجاري، أطلق الجيش التركي، بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية “نبع السلام” في منطقة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها من المليشيات الكردية، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بعد نزوح قسري وتغيير ديموغرافي، علاوة على القضاء على فكرة إنشاء كيان كردي انفصالي، وإبقاء سوريا موحَّدةً أرضاً وشعباً.

————

اتفاق الأتراك والأمريكان.. خطوة مهمة نحو إنهاء الأزمة السورية

توصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق يقضي بأن تكون المنطقة الآمنة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، ورفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب عن أنقرة، علاوة على ابتعاد المليشيات الكردية عند الحدود التركية مسافة 32 كيلومتراً، إلى جانب تسليم أسلحتها الثقيلة.

وطرح الاتفاق التركي – الأمريكي الذي أُعلن عنه في الـ17 من أكتوبر 2019، تساؤلات حول أهميته، وما الأطراف التي ستستفيد منه؟ وما أسباب موافقة الولايات المتحدة على تقديم تنازلات للجانب التركي؟

وفي هذا السياق تطرَّق المحلل العسكري والاستراتيجي السوري إسماعيل أيوب، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى نقطة جديدة قد تتحقق بهذا الاتفاق، مشيراً -بحسب رأيه- إلى أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وإنهاء الأزمة في سوريا المندلعة منذ 9 سنوات.

حل الأزمة السورية

ويرى أيوب في تصريحه، أن العملية التركية “نبع السلام” التي انطلقت في شمال شرقي سوريا، والوصول إلى هذا الاتفاق سيؤديان في نهاية المطاف إلى إنهاء الأزمة السورية.

واستطرد موضحاً لـ”الخليج أونلاين”: “أعتقد أنه سيكون المدخل الأساسي للحل في سوريا، لأن الأكراد لاذوا بالنظام وسلَّموه كثيراً من المدن والمناطق التي تقع تحت قبضتهم، إضافة إلى مناطق أخرى سيتم تسليمها أيضاً مثل دير الزور”.

سوريا

وأكد أنه في حال توقفت عملية “نبع السلام” التركية، فستلحقها عملية أخرى بإدلب، ستقودها روسيا رفقة نظام الأسد للقضاء على “جبهة النصرة” وبمراقبة تركية، مشيراً إلى أن ذلك يعني “القضاء على المجموعات التي يسميها كل طرف بالإرهابية”.

وأوضح أن “إعادة استيلاء النظام على معظم الأراضي السورية ستكون مدخل الحل في سوريا، وهذا ما يأمله الجميع، لأن نظام الأسد يعيش على شماعة الإرهاب والفصائل الإرهابية وغير ذلك”.

وأكد أن هذا الأمر سيؤدي إلى “الولوج في العملية السياسية بسوريا ولو بشكل بطيء، وسيؤدي إلى إزالة نظام بشار الأسد بانتفاء عامل الإرهاب الذي يعول عليه هذا النظام”.

اتفاق جيد

ويرى المحلل العسكري السوري أن الاتفاق بالنسبة لتركيا “يعد جيداً، خاصة أن تركيا حصلت على كل ما كانت تريده من خلال العملية العسكرية، بخصوص العمق على طول الحدود، وحماية أمنها القومي، ونزع سلاح الإرهابيين وإبعادهم عن المنطقة، وإنشاء منطقة آمنة بقيادة تركية”.

وتوقَّع نجاح هذا الاتفاق، “بسبب أن ترامب أبلغ الأكراد أنه لن يدافع عنهم في حال هاجمتهم تركيا، وقد شاهدوا ذلك خلال الأيام الـ10 الماضية، ولو كانت واشنطن سمحت لتركيا بالهجوم على هذه الجماعات بشكل أكبر على خط الحدود، لكان الوضع كارثياً على هذه الجماعات ولربما كان سيتم القضاء عليها نهائياً”.

سوريا

وأكد أن قادة الجماعات التي تحاربها تركيا سيلتزمون القرار، خاصة بعدما تعهدت أمريكا بسحب الأسلحة منهم، وبأن يتراجعوا من المنطقة الآمنة التي تريد تركيا الحصول عليها.

وأوضح أن المستفيد من هذا الاتفاق ليس تركيا فقط، “بل أيضاً الكرد لحقن دمائهم، ودماء المدنيين، خصوصاً النازحين واللاجئين الذين سيعودون إلى أراضيهم، بعد تهجير الإرهابيين لهم، إضافة إلى سوريا كدولة، بعدما قضت العملية العسكرية التركية على فكرة إقامة دولة للكرد بشمالي سوريا، على غرار ما حدث في العراق”.

مماطلة أمريكية سابقة

ويشير أيوب إلى أن مماطلة أمريكا سابقاً في الاتفاق مع الأتراك، بخصوص المنطقة الآمنة بسوريا، أدت إلى شن أنقرة عملية “نبع السلام”، موضحاً أن أي مماطلة أمريكية بالوقت الحالي في تطبيق بنود هذا الاتفاق الذي جاء به نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ستؤدي بطبيعة الحال إلى استئناف المعركة مجدداً.

وأوضح أن رضوخ أمريكا لتركيا “لم يكن وليد الساعة، بل على مدى سنوات منذ 2014 تحديداً، بسبب الشد والجذب بينهما، وسوء العلاقات الذي أدى إلى فرض عقوبات”، لكنه أشار إلى أن ذلك دفع واشنطن إلى التفكير في عدم خسارة حليف مهم كتركيا “مقابل حفنة من الأكراد”، على حد قوله.

وأشار إلى أن ما حدث لا يعد “رضوخاً بالمعنى السياسي، وإنما هو نزول على مطالب الأتراك في إقامة المنطقة الآمنة، فتركيا لديها 3 ملايين و600 ألف نازح في أراضيها، ولن تتحمل مزيداً منهم في ظل غياب الدعم العالمي للنازحين لديها”.

سوريا

والخميس 17 أكتوبر 2019، توصلت تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق يقضي بأن تكون المنطقة الآمنة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، ورفع العقوبات عن أنقرة، واستهداف العناصر الإرهابية وسحب الأسلحة الثقيلة منهم.

جاء ذلك في بيان مشترك يضم 13 مادة، حول شمال شرقي سوريا، عقب مباحثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وأخرى بين وفدَي البلدين.

وفي 9 أكتوبر الجاري، أطلق الجيش التركي، بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية “نبع السلام” في منطقة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها ممن تطلق عليهم أنقرة “إرهابيي ي ب ك/ بي كا كا”، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بعد نزوج قسري منذ سنوات.

————-

شمال سوريا.. الاشتباكات تتجدد رغم الهدنة وتركيا تعلن مقتل أحد جنودها

تجددت صباح اليوم الأحد الاشتباكات بشمال شرق سوريا، وأعلنت تركيا أن المليشيات الكردية السورية خرقت الهدنة عشرين مرة وتسببت بمقتل جندي تركي وإصابة آخر.

وأفاد مراسل الجزيرة بتجدد الاشتباكات في منطقة رأس العين الحدودية بين وحدات حماية الشعب الكردية السورية وبين الجيش التركي والمعارضة السورية، وذلك بعد هدوء حذر ورشقات رصاص متقطعة.

وقبيل ذلك، قال مراسل الجزيرة إن المليشيات الكردية كانت تقوم بعمليات قنص، كما أحرقت كميات من النفط الخام للتشويش على عمليات الاستطلاع التي يجريها الجيش التركي.

وأفاد مراسل الجزيرة في تل أبيض نقلا عن قادة ميدانيين في المعارضة السورية المسلحة أن قوات قتيل وجريح

من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان “إن واحداً من رفاقنا الأبطال سقط شهيداً وجُرح آخر في هجوم بأسلحة خفيفة ومضادة للدبابات (…) نفّذه إرهابيون أثناء مهمة استطلاع ومراقبة” في منطقة تل أبيض.

وذكرت أيضا أنه تم الرد على الهجوم في إطار الدفاع المشروع عن النفس، وأن تركيا ما زالت ملتزمة باتفاق الهدنة رغم الانتهاكات.

وأكد البيان أن الوحدات الكردية أقدمت على عشرين عملًا استفزازيًّا أو انتهاكًا شمالي سوريا رغم اتفاق المنطقة الآمنة المبرم مع الولايات المتحدة، وأضاف أنه بالرغم من كل هذه الخروق للاتفاق دخل موكب من 39 سيارة إسعاف أمس مدينة رأس العين وخرج منها بسلام، وأجلى عددًا من الجرحى والأشخاص من المنطقة.

وأفادت مصادر بالجيش الوطني التابع للمعارضة السورية أن إطلاق نار وقع في رأس العين عقب إجلاء الجرحى منها أمس.

تعليق مؤقت

من جهة أخرى، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لقد اتفقنا على وقف القتال بشكل مؤقت لمدة ١٢٠ ساعة، وفي حال لم يتم تنفيذ ما اتفقنا عليه، فإن عملية نبع السلام ستستمر في الدقيقة الأولى بعد انتهاء المهلة”.

وأضاف أردوغان أنه تحدث هاتفياً مع نظيره الأميركي دونالد ترامب مساءً حول هذه التفاصيل، وأنه سيلتقي الثلاثاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لروسيا لبحث مواقع انتشار قوات النظام السوري بالمنطقة الآمنة، وتابع “إن لم نجد حلاً فإننا سنستمر في تنفيذ خططنا”.

وبدوره، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “سنبحث مع روسيا إخراج المسلحين الأكراد من مدينتي منبج وعين العرب (كوباني)”.

وأضاف الوزير خلال مقابلة تلفزيونية أن تركيا تتوقع إخراج وحدات حماية الشعب من المناطق التي انتشرت فيها قوات النظام المدعومة من روسيا، وأنها لا تريد أن ترى أي مسلح كردي في المنطقة الآمنة بشمال سوريا بعد هدنة الأيام الخمسة.

والخميس، توصلت أنقرة وواشنطن إلى اتفاق لتعليق العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي بمشاركة المعارضة السورية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ويقضي بأن تكون المنطقة الآمنة بالشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، وانسحاب العناصر الكردية من المنطقة، ورفع العقوبات عن أنقرة.

———-

أردوغان يهدد النظام: سنعيد الأراضي للحكومة الشرعية المقبلة

هدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالرد على قوات النظام السوري، في حال عرقلت تطبيق خطة “المنطقة الآمنة” المزمع إقامتها في شمال شرق سوريا.

وقال أردوغان في مؤتمر صحافي اليوم الجمعة: “لم نبرم اتفاقاً مع الأسد بل مع الولايات المتحدة.. وتركيا سترد إذا ارتكب النظام السوري أي خطأ”.

وأوضح الرئيس التركي، بحسب ما ترجمت صحيفة “عنب بلدي” أن جميع الأراضي السورية ستصبح تحت سيطرة الحكومة الشرعية المقبلة، وذلك حال اكتمال أعمال صياغة الدستور الجديد وضمان سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية.

وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ بلاده تخطط لتأسيس 12 نقطة مراقبة في المنطقة الآمنة المزمع إقامتها شمالي سوريا

وأضاف أردوغان عن الاتفاق الأميركي التركي “نخطط لتأمين عودة ما بين مليون ومليوني لاجئ إلى المنطقة الآمنة المزمع إقامتها.

وقال أردوغان “أبلغت ترامب هاتفيا بأننا سنطلق العملية العسكرية، قبل ليلة واحدة من إطلاقها”.

وأضاف أنّ تركيا عضو في حلف الناتو، وتعبر في كل مناسبة عن احترام سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية.

وتحدث أردوغان عن اللاجئين السوريين في تركيا بالقول: “في الوقت الراهن نستضيف في بلدنا 3.6 مليون سوري بينهم 350 ألف كردي”.

وحذّر الرئيس التركي في وقت سابق، من أنّ بلاده ستستأنف العملية العسكرية التي تقودها في سوريا ضدّ حلفاء واشنطن الاستراتيجيين (قسد)، في حال عدم إيفاء الولايات المتّحدة بتعهداتها في 120 ساعة.

وقال أردوغان في كلمة له اليوم الجمعة: إنّ العملية العسكرية في سوريا “ستتواصل بحزم أكبر في نهاية مهلة الـ120 ساعة إذا لم تلتزم أمريكا بتعهداتها في هذا الخصوص”.

وفي وقت أعلن فيه سيطرة القوات التركية، و”قوات الجيش الوطني السوري” على 65 منطقة سكنية تمتد على مساحة 360 كيلو مترا مربعا، وتشمل مدينتي تل أبيض ورأس العين، أكّد أردوغان أن القوات المسلحة التركية لن تغادر المنطقة “لضمان الأمن فيها” .

واتفقت تركيا مع الولايات المتّحدة الأمريكية مساء أمس الجمعة على تعليق العملية العسكرية، وفق شروط وافقت عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

———-

الدفاع التركية: لا عراقيل أمام “إجلاء” المنطقة الآمنة

قالت وزارة الدفاع التركية، اليوم الأحد: إنه لا يوجد أي عراقيل لفعاليات الخروج و”الإجلاء” من المنطقة الآمنة شمال سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وفي وقت سابق اليوم أفاد مراسل بروكار برس في الحسكة، بأنّ “قسد” بدأت بالانسحاب من أحياء مدينة رأس العين، المتبقية تحت سيطرتها في المدينة، وأكد المتحدث باسم الجيش الوطني “يوسف الحمود”،  أنّ حوالى 50 سيارة إسعاف دخلت المدينة إلى الجيب المحاصر فيها الخاضع لسيطرة “قسد” بهدف إجلاء قتلى وجرحى الأخير، مرجحاً أن يكون هناك خطة انسحاب لقسد من المدينة.

وأضافت الوزارة بحسب ما نقلت عنها وسائل إعلام تركية، أن عمليات الخروج والإخلاء تجري بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، مضيفة: “نتابع عن كثب انسحاب وحدات حماية الشعب من المنطقة الآمنة في غضون الـ 120 ساعة في إطار التفاهمات التركية الأمريكية”.

وكانت تركيا أطلقت في التاسع من الشهر الجاري عملية عسكرية شرق نهر الفرات بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري”، واستطاعت التقدم في عمق الأراضي السورية، ولكن العملية عُلّقت منذ ثلاثة أيام لمدة 120 ساعة، بعد اتفاق بين واشنطن وأنقرة،  أبرز ما جاء فيه أن “قسد” ستنسحب في هذه المدة من المناطق الحدودية، وحددت تركيا طول المنطقة الأمنة بـ 444 كيلو مترا طولا و30 عرضا.

——————

تركيا: سنبحث مع موسكو إخراج “قسد” من منبج وعين العرب

قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش اوغلو، إنّ بلاده لا تريد أن ترى أي مسلّح في المنطقة الآمنة بعد انقضاء مهلة الأيام الخمسة.

وأضاف الوزير في تصريحات صحافية اليوم الأحد أنّ بلاده ستبحث مع روسيا إخراج القوات الكردية من منبج وعين العرب (كوباني).

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حذّر من أنّ بلاده ستستأنف العملية العسكرية التي تقودها في سوريا ضدّ حلفاء واشنطن الاستراتيجيين (قسد)، في حال عدم إيفاء الولايات المتّحدة بتعهداتها في 120 ساعة.

————

=================

مقالات

“طعنة” ترامب و”شرعية” أردوغان/ صبحي حديدي

تستنتج أسبوعية الـ”إيكونوميست” البريطانية، وليس بالأمر العابر استنتاج يصدر عن هذه المطبوعة تحديداً، أنّ تركيا انتصرت حتى قبل أن ينقضي أسبوع واحد على شروعها في عملية “نبع السلام”؛ ليس على أرض المعركة بعد، تتابع الأسبوعية الأرفع تمثيلاً لأقطاب المال والأعمال في العالم، بل على طاولة المفاوضات في أنقرة، وبواسطة مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي الذي أتى متلهفاً على انتزاع اتفاق بأيّ ثمن، يُصدّر دون إبطاء إلى الكونغرس والإعلام الأمريكي أساساً.

مؤشر الوضوح الأبرز على المحتوى الفعلي، والميداني، للاتفاقية التركية ــ الأمريكية لم ينطق به لسان بنس (الذي وضعه رئيسه في فوهة مدفعية دبلوماسية ثقيلة لا قبل له بها ولا خبرة!)؛ ولا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو (الذي عاقبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاستبعده من طاولة المفاوضات بسبب تصريح له حمّل فيه أردوغان مسؤولية انعدام الاستقرار في المنطقة). على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو جاء الخبر اليقين: “وافق الجانب الأمريكي على شرعية عمليتنا وأهدافنا (…) وحصلنا على ما نريده”. وما تصبو إليه أنقرة خلاصته هذه، حسب الوزير التركي: “تطهير المنطقة الحدودية بعمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً) من الإرهابيين، وسحب الأسلحة الثقيلة من القوات الكردية”.

من جانبه كان مظلوم عفدي، القائد العام لقيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قد وجد العزاء في القول بأنّ وقف إطلاق النار (إذْ فضّل “الجنرال” هذا التوصيف للاتفاقية التركية ــ الأمريكية) جاء نتيجة لمقاومة مقاتليه؛ الذين قاوموا بالفعل، وقاتلوا، واستبسلوا ربما، لكنّ الواقع الميداني يقول إنهم للأسف لم يكونوا محرّك ساعات التفاوض الخمس بين أردوغان وبنس في أنقرة. كذلك اعتبر عفدي أنّ الاتفاق يشمل المنطقة الممتدة بين سري كاني (رأس العين) وتل أبيض فقط، متناسياً أنّ المساحة الفعلية هي بطول 480 كم وعرض 32 كم = 15,360 كم مربع؛ وأنها، نظرياً، قد تشمل أيضاً ديريك (المالكية)، ورميلان، وتربي سبي (قبور البيض)، والقامشلي، وعامودا، والدرباسية…

والحال أنّ الانسحاب الأمريكي من الملفّ السوري على هذه الشاكلة تحديداً، أي الاعتراف بـ”شرعية” الاجتياح التركي في عمق الأراضي السورية وفي الآن ذاته تسليم موسكو مفاتيح منبج، يضيف الإهانة إلى الطعنة التي تلقتها “قسد” من إدارة ترامب؛ إذْ يُبطل عملياً مفعول الاتفاق الذي عقدته الفصائل الكردية مع النظام السوري، ولكنه في المقابل لا يلغي مضمون المهانة المتمثلة في قبول رفع علم النظام السوري مجدداً، والتسليم برئاسة بشار الأسد، بعد أيام معدودات على لجوء النظام إلى توصيف “قسد” بـ”فصائل مسلحة قامت بخيانة وطنها وارتكاب جرائم ضدّه”.

وإذا صحّ أن طعنة ترامب نالت من “الحلفاء” الكرد أوّلاً، ممّن وقعوا مجدداً في خديعة قوّة عظمى سبق أن خانتهم مراراً وتكراراً، فليس أقلّ صحة القول بأنّ الجرح يخصّ جميع السوريين أياً كانت مناطقهم أو إثنياتهم، ليس لأنّ كرد سوريا أبناء للبلد ومواطنون أصلاء فيه، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الستراتيجيات التركية إزاء الأرض السورية تضرب بجذورها عميقاً في التاريخ التركي، أبعد من أردوغان وأية إدارة تركية بصرف النظر عن توجهاتها السياسية والإيديولوجية. الفارق أنّ مفهوم “الطعنة” هنا لا يصحّ أن يشتمل على مفهوم “الغدر” من الجانب الأمريكي، فمَن كان من السوريين يراهن على حسن نوايا واشنطن، وعلى نزاهة سلوكها مع “الحلفاء”، لن يحصد سوى هذا الطراز من الهشيم.

وحتى تنقضي مهلة الـ120 ساعة، وينجلي الغبار عن حقائق انسحابات “قسد” وتجريدها من الأسلحة الثقيلة، ومساحات التوغل التركي الفعلية في الأراضي السورية، وترتيبات “المنطقة الآمنة” بالمعنى البشري والديمغرافي، والأثمان الباهظة التي سوف يدفعها السوريون على الصعيد الإنساني والإغاثي؛ سوف يظلّ الشعب السوري، بمكوناته كافة، ضحية الصفقات والتقاسمات وألعاب الأمم و… الاحتلالات.

القدس العربي

————–

ثلاثة رهانات خاسرة في سوريا/ راتب شعبو

يعرض علينا الواقع السوري اليوم مشهداً لا صلة له بما أراده السوريون حين خرجوا للثورة ضد نظام الأسد منذ أكثر من ثماني سنوات ونصف.

في الشمال الغربي من سوريا، ترابض تشكيلات إسلامية متدرّجة في تشدّدها، سعيدة بما تسيطر عليه من أرض وناس تمارس عليهم حكماً لا يمتاز بشيء عن الحكم الذي ثار السوريون ضده منذ حوالى تسع سنوات. لهذا الحكم مضمون استبدادي فاسد، مع ديكور خارجي تجاوزه التاريخ ولغة قديمة، وهما مصممان لسقي نوستالجيا قومية دينية الطابع طالما شُحذت على مرجعية الفشل العام المزمن. وقد تظاهر السوريون في تلك المناطق “المحررة”، غير مرة، ضد استبداد القوات “الإسلامية” الحاكمة، ولم تمتنع هذه القوات عن اعتقال الشباب المعارضين لها وتعذيبهم وقتلهم، واستخدام الرصاص الحي ضدهم غير مرة، في تعبير إضافي صريح (يضاف إلى محدوديتها الفكرية والسياسية) عن خلو التشكيلات الإسلامية المذكورة من أي معنى للثورة.

ربما ما يزال هؤلاء “الإسلاميون” ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طليعة الخير ومنارة الحق، وما يزالون يراهنون على إقامة حكم إسلامي يسود العالم، فيما يراهم الآخرون من عوالق الماضي ومن مخلفات التاريخ. والحق أن حال هذه التشكيلات الإسلامية اليوم، في انكفائها العسكري وتبعيتها السياسية والمالية، يظهر بجلاء خسارة رهانها ويعطي الانطباع بأنها لا تفعل شيئاً سوى أنها تمهد، لا بل تستدعي نهايتها على يد التحالف الذي يضم إلى جانب نظام الأسد روسيا وإيران، وصار اليوم يضم أيضاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي صار اسمها الفيلق الخامس.

في الشمال الشرقي من سوريا (تُستخدم تعابير مثل “شمال شرق” و”شمال غرب” سوريا، أو غرب الفرات وشرق الفرات، بتأثير تسميات عسكرية الطابع أو بتأثير اللغة العسكرية التي تقسم البلد إلى قطاعات لا تعبأ بالحدود الإدارية، وتفرض نفسها في الصراعات الدائرة على الأرض السورية)، يصل الرهان الكردي السوري إلى حدود لم يكن من الصعب التبنؤ بها، ذلك أن نجاح هذا الرهان (المتمثل في فرض إدارة ذاتية على مناطق معينة من سوريا بوصفها نموذجا لبقية المناطق الأخرى) كان يعتمد على دعامتين لا بد منهما معاً، الأولى هي استمرار الدعم الأمريكي، والثانية هي حل مشكلة الاغتراب بين العرب والسلطة الكردية التي سيطرت في منطقة الجزيرة السورية. والحقيقة أن سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي لا تملك القدرة على توفير أي من هاتين الدعامتين، ولذلك كان الرهان مرشحاً دائماً للخسارة. إذا كانت الدعامة الأمريكية مرهونة بالسياسة الأمريكية وحدها ولا يملك الحزب شيئاً حيالها، فقد حاول الحزب توسيع القاعدة العربية للتمثيل السياسي (قيل إن هذا كان بطلب أمريكي قبل تنفيذ الانسحاب الأمريكي من الحدود مع تركيا) لكن من دون ترافق هذا المسعى مع استعداد حقيقي للمشاركة والسماح بالنفوذ للسلطة الفعلية. وهناك من المشاركين العرب من انسحب من التعاون، وعبر عن هذا الحال بعد تجربة له مع الحزب. وفيما كان الحزب يعالج أمر الدعامة الثانية، انهارت تحت أقدامه الدعامة الأولى ولم يجد بداً، أمام العدوانية التركية المتربصة، من اللجوء إلى دعامة بديلة، فكان اتفاق حميميم مع الروس ونظام الأسد. وكان أن أصبح الرهان الكردي المذكور في مهب الريح.

في بقية المناطق السورية يسيطر نظام “أمر واقع” استطاع أن ينجو من ثورة شعبية واسعة بقوة ما يمتلكه من تاريخ في تمزيق المجتمع، وما يمتلكه من عدوانية واستعداد للقتل، وبقوة ما يمتلكه من حلفاء مخلصين له إخلاصهم لمصالحهم. النظام المذكور يراهن اليوم على ترجمة إجرامه المستمر إلى حقيقة سياسية بأن يعاد التطبيع معه وبأن يعود مجدداً إلى حظيرة المجتمع الدولي على جسر روسي مسنود بلجنة دستورية، كي يبدو، في الحصيلة، أن كل ما جرى في السنوات الماضية في سوريا، لم يكن سوى دفاع دولة عن نفسها ضد متمردين. بطبيعة الحال، تصبح الثورة الشعبية، من هذا المنظور، غير مرئية.

غير أن رهان نظام الأسد لا يختلف، في خيبته وهشاشة سنده، عن الرهانين السابقين. صحيح أن نظام الأسد نجا من السقوط، ولكنه اضطر -كي يصل إلى هذه النتيجة- إلى الظهور بعريه التام أمام الشعب السوري وأمام العالم. اضطر إلى قتل المتظاهرين بالرصاص الحي، ثم إلى شن حرب مفتوحة على الشعب، فحاصر مناطق سنوات، وقصف مناطق بأسلحة ممنوعة حتى في الحروب بين الدول، وقصف المستشفيات والأفران، ولجأ إلى التغيير السكاني في مناطق، وإلى تسليم مقدرات البلد لدول خارجية مقابل حمايته ..الخ، فقط كي لا يعترف بنضوب شرعيته السياسية. هذه النتيجة تدل من منظور عام على فشل وليس على انتصار، وذلك ليس شيئاً بلا قيمة في السياسة، ما يعني أن هذا “العري” سوف يبقى عبئاً ثقيلاً يعرقل التطبيع مع النظام، سواء من ناحية المجتمع السوري أم المجتمع الدولي.

ما سبق يقول إن النظام الذي خرج “منتصراً”، يخرج في الواقع أعرج وخالي الوفاض، إن كان من حيث مقبوليته الشعبية (شرعيته السياسية) أو من حيث القدرة الاقتصادية، ما يجعل سقوطه دائماً على جدول الأعمال. لا يختلف كثيراً حال نظام الأسد “المنتصر” اليوم عن حال نظام صدام حسين بعد “انتصاره” على انتفاضتي الشمال والجنوب في ربيع 1991، بعد إخراجه من الكويت. كان ترك نظام صدام حسين حتى 2003، شبيهاً بترك المريض يستنزف من دون علاج. وعلى هذه الصورة سيكون بقاء نظام الأسد بعد سنوات الموت هذه، ومن منطق الأمور أن يكون طي السنوات المقبلة نهاية له على الطريقة العراقية، أكثر أو أقل دموية.

هكذا نشهد في سوريا اليوم ثلاثة رهانات خاسرة، أما أمل السوريين ورهانهم الذي أطلق ثورتهم في 2011، فإنه ينكفئ إلى المكان الذي كان فيه قبل 2011، إنه ينكفئ في نفوس السوريين المحبطين، ينكفئ ليعود مجدداً إلى مكمن “أضعف الإيمان”، هناك حيث يغير السوريون النظام في قلوبهم، على أمل جولة أخرى يمكنهم فيها أن يغيروه بأيديهم.

بروكار برس


أصول العلاقات الأميركية – التركية الجديدة/ جورج فريدمان*
منذ العديد من السنوات، حدث تحول كبير في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط؛ حيث سعت واشنطن باستمرار إلى تجنب القتال في هذه المنطقة. وتجد الولايات المتحدة اليوم نفسها مضطرة إلى البحث عن توافق مع تركيا؛ الدولة التي تشكل قوة إقليمية في حد ذاتها، بناءً على شروط ضرورية من الناحية الجيوسياسية لكلا البلدين. وكانت علاقتهما مضطربة. وعلى الرغم من أنها قد تستمر في أن تكون كذلك لفترة من الوقت، فإن التوتر فيها سيتراجع. ولا علاقة لتوافقهما بالمودة المتبادلة بقدر ما تتعلق بالضرورة المتبادلة. ويشكل التوغل التركي الأخير في سورية، ورد الفعل الأميركي عليه، جزءاً من هذا التعديل الذي له أصول عالمية وتداعيات إقليمية.
بالمثل، هناك أصل جيوسياسي واستراتيجي لقرار الولايات المتحدة التنحي جانباً بينما تقوم تركيا بعملية التوغل في شمال شرق سورية. والأصل الاستراتيجي هو صدام بين عناصر وزارة الدفاع الأميركية والرئيس الأميركي. فقد تشكل مجتمع الدفاع في الولايات المتحدة متأثراً بحرب ما تزال مستعرة منذ العام 2001. وخلال ما تسمى “الحرب الطويلة”، أنشأت الولايات المتحدة هيكل تحالف مع مختلف الجماعات الوطنية وما دون الوطنية. ومع ذلك، ما تزال المنطقة بعيدة عن التوازن. فقد وسع الإيرانيون مجال نفوذهم غرباً. والعراق في حالة فوضى. وما تزال الحرب الأهلية اليمنية محتدمة، وقد انتهت الحرب السورية الأصلية، بطريقة شرق أوسطية للغاية، أي بشكل غير حاسم.
لقد نضج جيل من المفكرين العسكريين والدفاعيين الأميركيين وهو يخوض الحروب في الشرق الأوسط. وكانت “الحرب الطويلة” هي حياتهم المهنية. وأمضت عدة أجيال من هؤلاء حياتهم المهنية في توقع أن تدخل الدبابات السوفيتية إلى “فجوة فولدا”. واعتقد محاربو الحرب الباردة أنه لا يمكن تخيُّل عالمٍ خالٍ من الحرب الباردة. ويمكن قول الشيء نفسه عن أولئك منهم الذين شكلتهم حروب الشرق الأوسط. بالنسبة لجيل الحرب الباردة، كان حلف “الناتو” هو أساس تفكيرهم. وكذلك كان الأمر بالنسبة لجيل “ساندبوكس”، الذين قضوا حياتهم المهنية وهم يتناوبون على الخدمة في العراق أو أفغانستان أو أي مكان آخر، حيث بدت التحالفات التي تشكلت معهم والأعداء الذين يقاتلونهم أبديّين. كانت فكرة أن العالم قد مضى قُدماً، وأن “فولدا” وحلف الناتو أصبحا أقل أهمية، شيئاً لا يمكن تصوره عاطفياً. وأصبح يُنظَر إلى أي تحول في التركيز وبنية التحالفات على أنه خيانة.
بعد انتهاء الحرب الباردة، اتخذ جورج دبليو. بوش قراراً بتخفيض عمليات النشر الجوية لطائرات B-52 على مدار 24 ساعة في الشمال، والتي كانت تنتظر في السابق وقوع الهجوم السوفياتي. فقد تغير الواقع، واتخذ بوش ذلك القرار بعد عام من بدء انهيار أوروبا الشرقية. وفعل ذلك في وقت مبكر يوم 21 أيلول (سبتمبر) 1991، بعد سقوط جدار برلين، وإنما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي بالكامل. وكان قراراً مثيراً للجدل. كنت أعرف بعض الأشخاص الجادين الذين اعتقدوا بأننا يجب أن نكون منفتحين على احتمال أن يكون الانهيار في أوروبا الشرقية مجرد غطاء لهجوم سوفياتي قادم، وكانوا مستائين للغاية من قرار تخفيض نشر الطائرات الأميركية.
من الصعب أن نقبل بحقيقة أن حقبة قد انتهت فعلاً وذهبت إلى سجلات التاريخ. وتشبث أولئك الذين تشكلوا في تلك الحقبة، من خلال مزيج من الشعور بالخطر والحنين، بالأشياء نفسها التي تتردد في أذهانهم. وقد تحدث البعض (ولو أنهم ليسوا من الأوروبيين) عن خيانة لأوروبا، وأعرب آخرون عن أسفهم العميق لأن الأسلحة التي عملوا بجد لجعلها قريبة من الكمال والاستراتيجية والتكتيكات التي ظهرت على مدى عقود لن تتم تجربتها أبداً.
حدث الشيء نفسه بطرق مختلفة في الشرق الأوسط. فقد أنتج الانتشار العسكري على مدى فترة تقترب من 20 عاماً أنماط سلوكية وتوقعات والتزامات -وليس فقط بين الأفراد وإنما على مستوى أكثر مؤسسية في جميع تكوينات القوات المسلحة. لكن المهمة تغيرت. في الوقت الحالي، تقلص وجود تنظيم “داعش” إلى حد كبير، وكذلك تنظيم القاعدة. وانتهى الصعود السني في العراق، وحتى الحرب الأهلية السورية لم تعد كما كانت من قبل. ولم تبدأ حرب ضد إيران، وقد لا تحدث على الإطلاق، ولن تشبه في حال اندلاعها الحروب التي خيضت في المنطقة حتى الآن.
يولد هذا الواقع بشكل حتمي إعادة تقييم استراتيجية، والتي تبدأ بقبول حقيقة أن الحقبة السابقة قد ولت فعلياً. كان من الصعب التحول من الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الباردة، ومن الحرب الباردة إلى عالم اعتقد الكثيرون أنه قد تسامى عن الحرب، ليكتشفوا بعد ذلك أن الحرب علِّقت فقط وأنها استؤنفت الآن. وتتظاهر الحرب والإستراتيجية بأنهما غير مرتبطين، لكنهما مسعيان عاطفيان لا يستوعبان التغيير الجوهري بسهولة. والآن، بعد 18 عاماً من الحرب، ثمة شيئان أصبحا واضحين تماماً: الأول هو أن الهدف المتواضع المتمثل في كبح جماح الإرهاب قد تحقق؛ والثاني هو أن الهدف النهائي المتمثل في خلق شيء يقترب من الديمقراطيات الليبرالية في الشرق الأوسط لم يكن ممكناً أبداً.
الثبات على المبدأ :
تغير العالم بشكل كبير منذ العام 2001. برزت الصين كقوة كبرى، وأصبحت روسيا أكثر نشاطاً. وأصبحت إيران، وليس الجهاديين السنة، هي التي تشكل التحدي الرئيسي في الشرق الأوسط، وتغير هيكل التحالفات اللازمة للتعامل مع ذلك تغييراً جذرياً منذ حملتي “عاصفة الصحراء” و”حرية العراق”. وبالإضافة إلى ذلك، تغيرت التحالفات من حيث القدرة أيضاً. انتهت عمليات الانتشار العسكرية الضخمة في الشرق الأوسط، لكن بعض القوات ما تزال هناك. وبالنسبة لقسم من الجيش الأميركي، فإن الحرب الجهادية ما تزال مستقرة في مركز تفكيرهم. وبالنسبة إليهم، ما تزال التحالفات التي نشأت على مدار الأعوام الثمانية عشر الماضية حاسمة بقدر ما كان سلاح الجو البلجيكي مهماً خلال الحرب الباردة.
هناك فصيل آخر متزايد القوة في الولايات المتحدة، والذي ينظر إلى الشرق الأوسط كمصلحة ثانوية. وفي كثير من الحالات، يشملون إيران في هذا. وينظر هذا الفصيل إلى الصين أو روسيا (أو كليهما) باعتبارهما المنافس الأساسي للولايات المتحدة، ويرى أعضاؤه أن الشرق الأوسط هو عامل تشتيت غير مُجدٍ ومصدر لتجفيف الموارد الأميركية لا طائل تحته.
بالنسبة لهم، كان جلب الصراع هنك إلى نهاية شأناً حاسماً. وذلك، أصيب أولئك الذين صنعوا حياتهم المهنية في هذه الحرب وفي تحالفاتها بالرَّوع. كانت رؤية الرئيس دونالد ترامب ثابتة لم تتغير. بشكل عام، اعتقد بأن استخدام القوة العسكرية الأميركية في أي مكان يجب أن يكون الاستثناء وليس القاعدة. ولذلك، رفض بدء القتال في كوريا الشمالية. ولم يهاجم إيران بعد إسقاطها طائرة أميركية من دون طيار أو بعد استيلاء إيران على ناقلات النفط في مضيق هرمز. وبعد الهجوم على منشأة النفط السعودية، قام بزيادة الدفاعات الجوية في السعودية، لكنه رفض شن هجمات ضد الإيرانيين.
بالنظر إلى هذا التحول في الاستراتيجية الأميركية، تظهر الآن ثلاث مهام أساسية: الأولى هي احتواء الصين. والثانية هي احتواء روسيا. والثالثة هي احتواء إيران. وفي حالة الصين، فإن هيكل التحالف الذي طلبته الولايات المتحدة هو في المقام الأول الأرخبيل الممتد من اليابان إلى إندونيسيا وسنغافورة -بما في ذلك كوريا الجنوبية. وفي التعامل مع روسيا، هناك موضعان للاهتمام: الأول هو سهل شمال أوروبا؛ والآخر هو البحر الأسود. وتشكل بولندا الحليف الأميركي في الشمال، ورومانيا في الجنوب. لكن إدراج تركيا في هذا المحور يمكن أن يعزز الإطار المعادي لروسيا. كما سيوفر، بالإضافة إلى ذلك، مركز ثقل مهم في وجه التوسع الإيراني.
وأهمية تركيا واضحة. ولذلك تطلب ودها كل من روسيا وإيران على حد سواء. وليست تركيا هي البلد نفسه الذي كانت عليه قبل عقد من الزمن. فقد نهض اقتصادها ثم ذهب بعد ذلك إلى الأزمة. ومرت بمحاولة انقلاب، وكان الضغط فيها الداخلي هائلاً. لكن هذا النوع من الأزمات شائع في القوى الناشئة. كانت الولايات المتحدة قد شهدت حرباً أهلية في الستينيات من القرن التاسع عشر، لكنها كانت بحلول العام 1900 تنتج نصف السلع المصنعة في العالم، بينما تفتخر بقوات بحرية قوية هي الثانية بعد البريطانية في ذلك الحين. ولا تعني الأزمات الداخلية بالضرورة الانحدار الوطني. بل إنها يمكن أن يعني الصعود الاستراتيجي.
يبقى تحالف تركيا مع إيران وروسيا دائم التوتر. فقد خاضت إيران وروسيا في أوقات مختلفة حروباً مع تركيا، واعتبرتا العراق دائماً مصدر تهديد. وفي الوقت الحالي، لدى هاتين الدولتين مصالح أخرى وتبدو تركيا مستعدة للعمل معهما. لكن تركيا تعرف التاريخ جيداً. كما أنها تدرك أن الولايات المتحدة هي التي ضمنت السيادة التركية في مواجهة التهديدات السوفياتية في حقبة الحرب الباردة، وأنه ليس لدى الولايات المتحدة -على العكس من روسيا وإيران- طموحات إقليمية أو احتياجات من تركيا. وباعتبارها حليفة مسبقاً في حلف شمال الأطلسي وبوجود العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين، فإن العلاقة مع تركيا تصب في مصلحة الولايات المتحدة لأن الأولى تشكل هيكلاً يهدد الطريق الذي تقيمه إيران إلى البحر الأبيض المتوسط ويكمل التحالف الروماني-الأميركي في البحر الأسود. كما أن الولايات المتحدة وتركيا معاديتان أيضاً للحكومة السورية. وبالنسبة لتركيا، لا يمكن التنبؤ بروسيا وإيران على المدى الطويل، ويمكنهما أن تهددا تركيا عندما تعملان معاً. ويتوافق الاهتمام الأميركي بتركيا مستقلة تقف في وجه روسيا وإيران مع المصالح التركية طويلة الأجل.
هنا يدخل الأكراد :
وهنا يدخل الأكراد إلى المعادلة. إن شرق تركيا كردي، والحفاظ على الاستقرار هناك ضرورة جيو-سياسية لأنقرة. وقد نفذت عناصر من أكراد تركيا، الذين يتجمعون حول حزب العمال الكردستاني، هجمات مسلحة. ولذلك، من مصلحة تركيا تطهير حدودها المباشرة من أي تهديد كردي. وليست للولايات المتحدة مصلحة كبرى في ذلك، بل إنها تعاونت بالفعل مع الأكراد في العراق وسورية. ولكن بالنسبة للأتراك، فإن وجود الأكراد على حدودهم يشكل تهديداً لا يمكن التنبؤ بنتائجه. ويتراجع الاعتماد الاميركي على الأكراد مع تراجع الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط. وتصبح تركيا أكثر أهمية من الأكراد بالنسبة للولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بإيران.
يشعر ترامب بوضوح بأنه يجب تهدئة الحروب في الشرق الأوسط وبأن وجود علاقة مع تركيا هو أمر بالغ الأهمية. ويعد الفصيل الذي ما يزال يركز على الشرق الأوسط هذا بمثابة خيانة أساسية للأكراد. لكن السياسة الخارجية شأن قاس وغير عاطفي. الأكراد يريدون إقامة دولة كردية. ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل ذلك ولا أن تدعمه. وفي بعض الأحيان، ستنضم الولايات المتحدة إلى تحالف منفعة متبادلة مع الأكراد لتحقيق أهداف مشتركة معينة. لكن لدى الولايات المتحدة، بغض النظر عن المشاعر، مصالح جيو-سياسية تتضمن الأكراد أحياناً ولا تتضمنهم في أحيان أخرى -ويمكن قول الشيء نفسه عن الأكراد.
في الوقت الحالي، ليست القضية الأساسية تنظيم القاعدة، وإنما الصين وروسيا، وتبقى تركيا مهمة بالنسبة للولايات المتحدة فيما يخص روسيا. والولايات المتحدة مهمة بشكل حاسم بالنسبة لتركيا أيضاً، لكنها لا يمكن أن تسقط ببساطة بين ذراعي أميركا. لقد أصبحت قوية جداً في المنطقة، ولديها الوقت لإنجاز الأمور بالشكل الصحيح. ولذلك، سوف يؤدي عمل ترامب على الحدود السورية إلى زيارة يقوم بها الرئيس رجب طيب أردوغان لواشنطن -وفي الوقت المناسب، إعادة تنظيم للتحالفات في المنطقة بين القوة العالمية والقوة الإقليمية.

  • *متنبئ واستراتيجي جيوسياسي معروف دولياً في الشؤون الدولية، ومؤسس ورئيس مؤسسة “جيوبوليتيكال فيوتشرز”. له العديد من الكتب المهمة التي تُرجمت إلى أكثر من 20 لغة. حاضر في العديد من المنظمات العسكرية والحكومية في الولايات المتحدة وخارجها، وهو يظهر بانتظام كخبير في الشؤون الدولية والسياسة الخارجية والاستخبارات في وسائل الإعلام الرئيسية. منذ ما يقرب من 20 عاما قبل استقالته في (مايو) 2015، شغل منصب الرئيس التنفيذي ثم رئيس مجلس إدارة مؤسسة (ستراتفور)، التي أسسها في العام 1996.
  • *نشر هذا المقال في (جيوبوليتيكال فيوتشرز) تحت عنوان: The Origins of New US-Turkish Relations
  • ترجمة: علاء الدين أبو زينة.
  • 20 تشرين الأول 2019 ( الغد ) –

—————

الرسالة التي أشعلت حرباً وأسفرت عن انتصار/ براء صبري

المعارك لا تعرف طريقها إلى خارج سوريا. والمحاصصات السياسية والتدخلات الدولية على جغرافيتها في مستوى عال. هيجانات بشرية، وهرولات دولية، وقتال لا ينطفئ كبلت يدي سكانها المتعددي الأعراق والمذاهب. ليس كل ذلك الهووس بالحرب من جريرة أبناؤها، هي شيء من حقيقة ان المصالح المتضاربة، وسرعة التورط فيها، كان جزءا من مصير لم يعد منه مفر. يئست الناس من كمية الضغط الذي صادفوه نتيجة المستجدات الجديدة. قوافل عسكرية تتحرك، وطائرات غريبة، وخطابات، ولقاءات، وبيانات بلغات مختلفة، ومحاولات البحث عن موطئ قدم في خريطة السياسة والإدارة المقبلة للبلاد. ومع أن المصالح الاقتصادية، والأوضاع السياسية الداخلية، والتدخلات الدولية وتشابك سياساتها، والعلاقات المعقدة للمؤسسات السياسية في تلك العوالم “المتحضرة” هي محركات لمسار الأحداث في العادة، إلا أن هناك صورة واضحة لتأصل التعامل مع الخارج على محرك محدد حالياً وهو تحصين الذات للانتخابات المقبلة دوماً. وإن كان على حساب المصالح الوطنية العامة أو على حساب مصالح الحلفاء! بل، وعلى حساب مصالح المجتمعات البشرية المهددة بعمليات قتل جماعي، وتغيير ديموغرافي، وتهجير ممنهج. هذا المحرك طفح في زمن دونالد ترامب، الذي يدفع رفاقه في الحزب الجمهوري إلى الإحراج من ما يتحدث عنه، ومن ما يتبع من قرارات فردية تفرض على الجميع في الحكومة الأمريكية. هذا ظهر جليا داخل أمريكا مع قرار ترامب الجديد بترك حلفائه من قوات سوريا الديمقراطية وحيدين أمام الغزو التركي المصحوب بميليشيات متشددة سورية تحت مسمى “الجيش الوطني” على شمال سوريا في القسم الشرقي منها. هذا القرار الذي كان عنوانا للضجة السياسية في العالم الغربي، وخاصة في القنوات، والمجالس السياسية الرسمية وغير الرسمية في الولايات المتحدة.

الخط الشمالي القلق

ما من شك إن المعارك في شرق الفرات في سنوات الحرب السورية لم تكن أقل شأنا من غيرها من المناطق. وكان مسرح شرق الفرات فعالا في الحرب السورية. قوات للمعارضة تسيطر مرة، وجماعات إرهابية تسود، وقوات كردية تتكون، وعشائر عربية متنوعة التوجهات تتجهز، ومسيحيون يبحثون عن تحالفات تبقي وجودهم في المنطقة، وفي النهاية وحش واحد يسود لسنوات هو “داعش”.

العلاقة بين واشنطن والمجموعة الكردية تطورت مع الوقت لتولد قوة مشتركة “عربية-كردية-مسيحية” تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية. هذه القوة حررت كامل شرق الفرات من التنظيم الإرهابي، وتجاوزت النهر في الطبقة جنوب غرب الرقة، وفي منبج غرب النهر ما زادت من قوته وعززت شراكته مع واشنطن، وكل ذلك برفقة غضب تركي.

تركيا التي شاهدت كيف إن تلك القوة تتمدد، وتتنوع، وتؤسس لشبه إدارة محلية واسعة الصلاحيات وبغطاء من الغرب، بدأت تبحث عن خناجر لحنثها. كانت عملية “درع الفرات” التي حصلت فيها على شمال حلب الأولى، تبعتها العملية التي احتلت فيها عفرين، والتي كانت بحق طعنة أليمة اجتماعيا وسياسياً. ومع كل الضمانات التي كانت تحاول أن تقدمها “قسد” وواشنطن لأنقرة لتحييد شرق الفرات ومنبج من تهديداتها كانت تركيا تبحث عن منفذ لهجومها. كانت المنطقة الواقعة على تخوم تل أبيض، والممتدة حتى الريف الغربي لبلدة رأس العين (سرى كانيه) الكردية من أكثر النقاط المكشوفة لرغبات تركيا. مستغلة أن أكثرية تل أبيض هي من العرب، ووقوعها بين القامشلي وكوباني. كانت ترغب في قطع جزء من الجسم الشرق فراتي، وقطع الطريق بين الأكراد في طرفي المنطقة لتصعيب التواصل بينهم. التهديدات التركية لتلك المنطقة كانت علنية، والتحضيرات المحلية للدفاع عنها أيضاً مكشوفة. وهذا بحد ذاته كان سببا من أسباب القلق في خريطة كانت وما زالت تحارب فلول “داعش” في أرياف دير الزور.

ظل سكان تلك المنطقة يخشون من هجوم قادم رغم أملهم ان واشنطن ستضبط الأمور مع رؤيتهم لكل تلك الحشود المشتركة للولايات المتحدة وقسد في المحيط. وزاد ذلك القلق لدى القوات المحلية والناس في تلك الرقعة عندما قرر ترامب نهاية العام الماضي الانسحاب من سوريا، والذي تم تداركه من قبل القادة المحيطين به حينها. ظل المراقبون للوضع في شرق الفرات يكررون أن تركيا ستدخل يوماً من تل أبيض، وكانت بالنسبة لهم عبارة عن قناعة مترسخة أنها خط الضعف في تلك المنطقة.

الرسالة التي أشعلت الحرب

ظلت تركيا تطالب بمنطقة تسميها آمنة تكون تحت سيطرتها في شمال سوريا. هذه المنطقة التي ضغطت تركيا مرات لكسبها بحجة وجود جماعات إرهابية فيها لم تلق آذاناً صاغية. حاولت واشنطن استخدام طريقة “العصا والجزرة” كما قال جيفري. حيث كان هناك تهديد بالعقوبات وحوار مستمر في ذات الوقت. نشرت واشنطن جنودا على الحدود لوقف تركيا، ولم تنجح. قدمت عرضا جديدا في الشهور الماضية تحت مسمى الآلية الأمنية، ولم تنجح. كانت الدوريات التركية تجوب شمال سوريا في منطقة الصدع مع المدرعات الأمريكية، وكانت طائراتها تجوب الأجواء مع ذلك ظلت تركيا غاضبة. مع التحشدات التركية المستمرة على الحدود الشمالية سحبت واشنطن قواتها في السادس من تشرين الأول/أكتوبر من الخط الفاصل. وحست قسد بإن معركة محتملة قادمة. لكن، كان هناك ضوء من أمل لوقف الهجوم. عندما بدأت تركيا إعلان الغزو في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر كانت أمريكا بدأت تتخبط. في الثلاثة أيام الأولى كانت هناك ريبة من أهداف تركيا. لكن، كانت هناك قناعة بانها تريد خط الضعف في الشمال. مع التنديد الدولي الكبير للغزو، صرحت تركيا عن أن هدفها هو عرض 120 كيلومترا وعمق 30 كيلومترا. وهي المنطقة الممتدة من رأس العين إلى كوبانى. العمق كان الهدف منه الطريق الدولي M4. لكن، مع الوقت، ومع الدفاع المستميت لقوات قسد، ومع مشاهدة العالم كيف أن تركيا تهاجم أهم حليف أمريكي في سوريا، تحدثت الأخبار الأربعاء الماضي عن فحوى رسالة رسمية بعثها ترامب لاردوغان في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر. الرسالة التي كانت غريبة عن لغة الدبلوماسية حسب الروس كانت لوحة عن تفكير ترامب، وتعامله مع دول لا تنصت له. كرر ترامب أنه لن يتدخل عسكرياً. ويفسر تسريب الرسالة في ذلك الوقت لإظهار عدم خيانة ترامب للأكراد وكونه فعل ما عليه لوقف تركيا. لم تكن السياسة الأمريكية تبحث عن هكذا سيناريو، ولكن هذا السيناريو الفوضوي، وغير المكترث لمصائر جماعات بشرية كاملة، لا تفيد ترامب في الانتخابات المقبلة. فهو يبحث عن تحصين ذاته من خلال النصر الانتخابي. ومع كل ذلك ما زال الجنود الأمريكيون يتحركون في شرق الفرات بدون أي أفق واضح لمستقبلهم التائه.

اتفاقات مدوية

بعد مرور أيام من الغزو التركي وتغريدات ترامب بدأ القادة في قسد في البحث عن حل لوقف الهجوم. وأدركوا ان الروس مستعدين لاستقبالهم وفتح الباب مع النظام للوصول إلى حل. اتفق الجانبان على مذكرة تفاهم مشتركة تركز على حماية الحدود مع تركيا والتفاوض على مستقبل سياسي للمنطقة. خسر الوفد الكردي الكثير في المفاوضات حول عفرين لإن المبادلة التركية كانت أكثر وفرة من عرض الوحدات حينها. الحوار هذه المرة بروح قسد “وليست الوحدات وحدها” والتي تصد جبهة الشمال، وبرعاية روسية أكثر انفتاحاً لما يعرض لها هذه الأيام لاعتبارات تتعلق بسياساته الدولية.

تم الاتفاق، وانتشر الخبر، والمعركة في سري كانيه مستمرة. بعد الاتفاق تلقى قائد قسد اتصالا هاتفيا من ترامب شخصياً لم يتوضح شيء منها سوى ما قاله قائد قسد خلال مقابلة مع قناة محلية عن أن ترامب لا يعارض الاتفاق مع الروس والنظام، وأنه سيرسل وفدا لتركيا لوقف الهجوم. هذا الاتصال الذي كان له صدى كبير في المجتمع المحلي لكونه غريبا عن روتين السياسة هناك ولكونه أكد مستوى العمل السياسي الذي انجز في شرق الفرات، لكنه في محتواه ظل غير معلن للحظة ما يزيده غموضا على غرابته أصلاً.

الاتفاق

كان اردوغان يبحث عن نصر خارجي لتعزيز موقفه داخلياً، وكان قلقاً من نكسات اقتصادية نتيجة التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة عليه، وكان يبحث عن وسيلة للخروج من معركة لم يتوقع شراسة الدفاع فيها، وخاصة في رأس العين. حصل على بيان النصر المعنوي، وتم الإقرار بإن العقوبات ستجمد. هل هو النصر الحقيقي والمنشود في الاتفاق أم هي الكلمات التي كان يحتاجها أمام قاعدته الانتخابية، وكان يحتاجها ترامب لإظهار أنه فعل شيئا أمام الساسة الرسميين، والصحافة الغاضبة في أمريكا. الأيام ستجلي الوضع أكثر. فرح الناس بالاتفاق لحقن الدماء، وأخذت قسد بعض الوقت للتفكير أكثر في خياراتها الصعبة، ولكن، ظلت فحوى الاتفاقية جلية للعلن، وغير مقبولة على الأرض.

لم تنته الجولات السياسية، والعسكرية، والنفسية في سوريا، ولا يمكن وصف ما حدث كله بانه هزيمة أو انتصار. ولا يمكن التكهن بما هو قادم لصعوبة الوصول إلى الحقائق. أكثر صورة جلية قد توضح للعلن ما يحدث بعد مرور القوافل العسكرية للأمريكان والروس والنظام السوري في تلك الجغرافية هي مراقبة تلك الحركة نفسها. تمركز تلك القوات، وحراكها، وكيفية تعاملها على الأرض مع الرؤية الشاملة للخارج ستعزز فهم أكثر للواقع. تدرك قسد أن خياراتها مليئة بالألم، يرافق ذلك صمود في المعركة التي خسرت فيها قسد حتى اللحظة تل أبيض، ومقاتلين، ومدنيين كثر. لا خيالات كبيرة قادمة، ولكنها، مسارات مفاجئة.

القدس العربي

————–

اتفاق المنطقة الآمنة: انتصار خاطف.. وهزائم شتى!/ موفق نيربية

هل كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مشهد مسرحيٍ، الأسبوع الماضي، حين قال للمراسلين بعد التقائه بكتلة حزبه في البرلمان رداً على تساؤلهم حول زيارة بنس وبومبيو: “لن ألتقي بهما (..) سيلتقيان بنظرائهما، أما أنا فلن أتحدث إلا مع ترامب إذا جاء”؟. يأتي هذا التساؤل لأن تصريحات البيت الأبيض في الساعة ذاتها كانت تؤكد على اللقاء يوم الخميس. أم أن همسة عن بعد من ترامب في أذن أردوغان ربما جاء فيها “هدئ من روعك، ولن يحدث إلا ما تريده”؟!

تساؤل بريء تماماً، لأنّ ما جاء في الاتفاق على وقف الأعمال القتالية لمئة وعشرين ساعة في اليوم التالي كان تنفيذاً حرفياً لما كانت أنقرة تطلبه، وهو انسحاب “قوات سوريا الديموقراطية” كشرط وحيد لوقف إطلاق النار، بغض النظر طبعاً عما يمكن أن يحدث في الأيام الخمسة هذه. وربما كان هذا سبب وصف الاتفاق من قبل رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بأنه “عار”، هو في جوهره تخلٍّ عن الحلفاء السابقين، كان قد ابتدأ بإعلان الانسحاب من المنطقة المعنية، رغم ذلك التعويض الظاهري بعودة تركية أكثر حرارةً إلى مواقعها في الحلف الأطلسي.

الغائب الثابت في اتفاق حول السوريين وأرضهم، هو السوريون أنفسهم، حتى الآن. فسوف يرد ذكر عساكر النظام ورفع أعلامه بشكل أكثر تفصيلاً عندما يأتي دور التباحث التركي- الروسي لاستكمال اتفاق يوم الخميس، حول عين العرب- كوباني، ومنبج، وربما بعض المناطق الأخرى. الأمر المؤكد أن النظام نفسه لن يكون هناك عملياً، ولن يطالب بشيء، وسينفذ ما يقوله الروس وحسب. تصريحات الأسد حول “الرد على العدوان”، وتصريحات مستشارته حول” غموض” الاتفاق، ليست ذات معنى ولا صدى.

في كلمته أمام اجتماع كتلته المشار إليه أعلاه، قال أردوغان إن “تركيا تحترم وحدة الأراضي السورية ووحدتها السياسية. وعندما يتم تأسيس حكومة شرعية تمثل جميع الشرائح في هذا البلد، سنترك لها إدارة الأماكن التي وفّرنا فيها الأمن والاستقرار”، في حين كان قد ورد في تصريحه إلى قناة تركية أنه قال “ليس سلبياً للغاية بالنسبة لي، أن يدخل النظام في منبج. لماذا؟ في النهاية هي أرضهم. لكن من المهم بالنسبة لي أنه لا توجد منظمات إرهابية”. ولم تكن في السابق كلّ هذه المشروعية للنظام، التي ضاع الكثير منها على الطريق من دمشق إلى منبج.

السوري الأهم هو الجانب الآخر، الطرف الذي يشارك في القتال في فصائل اتحدّت بجيش “وطني”، وجاءت من مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” إلى منطقة “نبع السلام”، بأوامر تركية وقيادة تركية، لتكون غطاءً سورياً، يتأكّد من خلاله انقسام السوريين إلى كرد من جهة وعرب وتركمان من جهة أخرى، وليتعمّق الشرخ.

محزن أيضاً ازدياد مظاهر اضمحلال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، وخصوصاً حكومته المؤقتة، وتحولهما إلى مجرد استكمال للديكور التركي اللازم أصولاً للمشهد. وحتى من حيث الشكل، لم يرد أي ذكر للآلاف من المقاتلين السوريين إلى جانب القوات التركية، وأحياناً في مقدمتها أو بعد قصفها التمهيدي. كما لم يرد أي ذكر للائتلاف وحكومته بالطبع.. على موقع الائتلاف، ما يزال الخبر الأول الصامد منذ أيام هو برقية التهنئة التي أرسلها رئيس الائتلاف إلى الرئيس المنتخب في تونس!

السوريون عموماً هم الخاسر الأكبر في إطلاق النار وفي وقفه، وبغض النظر عن نظامهم ومعارضتهم اللذين أصبحا هشيماً، من حيث الدولة ووحدة أراضيها شيئاً، ومن حيث حقهم في التعبير عن إرادتهم وصناعة مستقبله شيئاً آخر.لقد ساق النظام دولتنا إلى الحضيض وأورثها التشتت والتفتت والفشل، وجعل منها نهباً لكل قوى الأرض تمتصها طاقة وكياناً حتى لم يبق منها إلا الجلد دون العظم. وأوصلت نخبنا – ولا فخر- هذا الشعب العظيم بثورته إلى أن يصبح ذكره وذكرها لعنة على العالمين، تستفتح الشعوب العربية حالياً ثوراتها بالبراءة من المثال السوري( والليبي واليمني)، ويستفتح طغاتها إرهابهم بالتهويل بمصائرنا التعيسة هذه.

خسر الكرد أيضاً، من خلال انسحاب “وحدات حماية الشعب” الكردية إلى الخلف، والتهديد بإسكان مليون أو مليونين من اللاجئين في تركيا في المنطقة الآمنة لاحقاً، وبسبب عنجهية من يتكلم ويقاتل باسمهم وتصديقه وعوداً أميركية طالما حذّره منها الكثيرون. ولا أعلم أنهم لو كانوا أكثر انسجاماً في نخبهم السياسية أيضاً وقواهم المنظمة القديمة الممثلة في المجلس الوطني الكردي أو خارجه، وأكثر وطنية والتصاقاً بالمصير السوري، وبحقهم في هذه “السورية” منذ الثورة في عامها الأول.. لا أعلم هل سيكونون أفضل من حالهم التي تسلمها حزب “الاتحاد الديموقراطي” واحتكرها وراح يخترع في أشكال الحكم الشمولية معتقداً أن استقواءه بالأمريكي سيعصمه من غدره يوم يأتي يوم ذبْح الثور الأسود، وبيعه بأسهل الوسائل وأرخصها.

في مقالة له نُشرت في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية مؤخراً، قال الرئيس التركي “ليس لجامعة الدول العربية التي لا تعكس تصريحاتها الآراء والمشاعر الحقيقية للشعب العربي، أي شرعية”. مدفوعاً على الأغلب بما جاء في اجتماع الجامعة العربية الذي ندد بـ”الغزو التركي”، في حين أن تلك المبادرة العسكرية ذاتها هي ما لمّ شملَ ذلك الاجتماع اجتماعاً على الطرف التركي، وساعد على استعادة شيء من تلك الشرعية المخدوشة. ولا بأس هنا بالإشارة إلى أن الرئيس التركي قد افتتح تلك المقالة ذاتها بإطلاق تسمية الحرب الأهلية على ثورة السوريين التي اندلعت في عام 2011، وحولتها تدخلات القوى الإقليمية قبل الدولية إلى حرب أهلية.

لم يبق لنا إلا الفرح بوقف إطلاق النار واللهفة إليه، وإلا تمني أن تقود أرجل الباعة اهتمامهم إلى سوق إدلب ولا تجد كذلك إلا وقف إطلاق النار أيضاً لتقايض عليه، وأن تروح “هيئة تحرير الشام” وحلفاؤها إلى الزوال والاضمحلال، قبل أن تعيد سيرتها في تصنيع إمارة أو خلافة جديدة. مع أن كل الدلائل تشير إلى احتمال مختلف في استيقاظ “داعش” من نومته بعد العملية العسكرية في شمال شرق سوريا والاتفاق الذي تلاها، لينتعش من جديد ويأخذ قوةً من هزيمة من كان أداةً للتغلب عليها، وقبل ذلك من انسحاب الأمريكيين.

يشعر الأوروبيون حالياً، وهم نظرياً من حملة الأسهم الكبار، بأنهم أُهملوا وتمّ إغفال رأيهم، وسيحاولون شيئاً خلال الأيام المقبلة، من خلال ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على الأقل. وهنالك احتمال ضئيل في أن تساعد فوضى السياسة الدولية الآن في المنطقة على تخليق حالة أكثر عقلانية، ولو بقليل.

ربحت تركيا أولاً، وحققت قفزة باتجاه تحقيق المنطقة الآمنة التي عملت من أجلها أعواماً، واستعاد ترامب جنوده تحضيراً لمعاركه الداخلية القادمة مع خسارته لمصداقية بلاده، وربح المدنيون أرواحهم ودماءهم مؤقتاً.. وخسرنا نحن جميعاً، نحن حملة أقل عدد من الأسهم في بلادنا. ولعلنا في خسائرنا المشتركة هذه عرباً وكرداً، نربح شيئاً كسوريين!

المدن

—————

عملية نبع السلام: تعزيز للدور التركي في سوريا وحماية أهداف السياسة في المنطقة/ إبراهيم درويش

في خضم الأسئلة الكثيرة والحملة الإعلامية المحمومة ضد العملية التركية في شمال سوريا والتجادلات السياسية المحلية في الولايات المتحدة حول قرار الرئيس دونالد ترامب تغيير مسار الحرب الأهلية بمكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان غاب المعنى الحقيقي للعملية، فتركيا تقول إنها تهدف لإقامة منطقة آمنة ترسل إليها اللاجئين السوريين على أراضيها وذلك للتخلص من العبء السياسي الذي بات هؤلاء يسببونه للحزب الحاكم واردوغان نفسه. ولكن أنقرة لم تقل كيف ستعيد توطين لاجئي سوريا في مناطق ليست التي جاءوا منها بعد اندلاع الحرب ضد الرئيس بشار الأسد والحرب الوحشية التي شنها ضد شعبه. أما الهدف الثاني والأهم بالنسبة لتركيا فهو الموضوع الكردي الذي بات يؤرقها منذ تجاهل إدارة باراك أوباما مشاعر بلده وبدأ بالتعاون وتسليح جماعات الحماية الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني “بي كي كي” وكان هذا سببا في التحول في السياسة التركية من سوريا التي بدأت بدعم مطلق للمعارضة السورية ودعوة لرحيل الأسد، إلى تنازلات وتعاون مع الطرفين الداعمين للأسد وهما روسيا وإيران.

وقررت تركيا، بموافقة روسية على الدخول متأخرة في شمال سوريا لمنع تمدد الجيب الكردي وتحوله لكيان مستقل يشكل تهديدا على أمنها، أولا في جرابلس ومن ثم في عفرين، حيث لم يعد هناك أمل للكيان الكردي الذي هو تحت الإنشاء التمدد إلى غرب الفرات. وباتت مسألة أكراد سوريا وتعاون جناحهم العسكري بل قيادته من قادة “بي كي كي” بمثابة الفوبيا للرئيس اردوغان الذي كان مصرا وبأي ثمن على وقف العملية ويتحين الفرص مع أوباما وأخيرا مع ترامب المسكون بهاجس المحاكمة التي تلاحقه بسبب الفضيحة الأوكرانية ومخاوفه على حملة الرئاسة العام المقبل وهو الذي منحه الفرصة في المكالمة الشهيرة يوم 6 تشرين الأول (أكتوبر).

حسابات اردوغان

ويبدو الموقف التركي من سوريا مختلفا من الكيان الكردي في شمال العراق الذي أقام علاقات جيدة مع قيادته وقوته. وتخشى أنقرة من ظهور كيانات كردية في المناطق التي يعيشون فيها (العراق وسوريا وتركيا وإيران) بحيث يدفع الأكراد في مناطق الجنوب التركي للانفصال. وفي المقابل تريد تركيا تخفيف العبء الذي تتحمله منذ بداية الحرب الأهلية السورية والنفقات المالية والخدمات التي تقدمها لأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري مما زاد من السخط العام وسط تراجع الاقتصاد وزيادة البطالة وأزمة الليرة. وهذان السببان كافيان لأي دولة تريد الدفاع عن سيادتها التفكير بعمل ما لمعالجة القضية، لكن علينا أن نضيف إليهما الحسابات المتعلقة بالقوة السياسية الإقليمية والمصالح التركية طويلة الأمد في المنطقة والتي لعبت دورا مهما في دفع تركيا لشن عملية “نبع السلام”. وترى شيرين هانتر في مقال نشره موقع “لوبلوغ” (18/10/2018) أن علاقة الصداقة بين اردوغان والأسد تحولت لعداء باندلاع الانتفاضة. فقد كان الرئيس التركي حانقا على الأسد لرفضه عام 2008 جهوده للتوسط بينه وإسرائيل ما سيجعل من اردوغان رجل السلام في المنطقة على خلاف إيران المشاكسة. وكانت تركيا ترى برحيل الأسد فرصة لها لدعم نظام سني صديق لها يعزز موقعها في المنطقة إلى جانب مصر. إلا أن حسابات أنقرة لم تكن في محلها، فنظام محمد مرسي لم يعمر إلا سنة واحدة فيما صمد نظام الأسد بمساعدة موسكو وطهران. ومن هنا فعملية “نبع السلام” هي رسالة للنظام السوري كما هي للأكراد، مفادها أن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تراقب تطور الأحداث في سوريا بطريقة تترك آثارها على المصالح التركية. وأصبح هذا العامل ملحا عندما بدا أن الولايات المتحدة تقوم بتخفيف وجودها في المنطقة وتسحب قواتها من سوريا. وفي غياب الولايات المتحدة شعرت تركيا أنها لن تسمح للنظام السوري المدعوم من روسيا وإيران شغل الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة. ومن هنا فالسبب الرئيسي للتدخل التركي هو محاولة تأكيد دورها في مصير البلد النهائي.

إيران وروسيا

ويضاف إلى هذا العامل الإيراني، فتركيا رغم العلاقات الودية الظاهرة إلا أنها لا تكن الحب العميق لطهران لأنها ترى فيها المنافس الحقيقي على التأثير في المنطقة وربما مناطق القوقاز ووسط آسيا. ولم تكن تركيا سعيدة بالتغيير السياسي في العراق الذي سمح للشيعة لعب دور مهم في مصير البلد. ومع أن التبادل التجاري التركي مع العراق اليوم أضخم من الإيراني إلا أن تركيا ليس لديها ذلك التأثير السياسي في بغداد كذلك الذي تتمتع به طهران. ومن هنا ففكرة تقوية إيران موقعها في دمشق بعد رحيل الأمريكيين لم تكن مستساغة للأتراك. ومن هنا فوجود قوي داخل سوريا يعطي أنقرة القدرة على موازاة تأثير طهران. وينسحب هذا على روسيا التي تتسم علاقتها معها بالتأزم والتنافس في الحد الأقصى ولهذا لا تريد تركيا ترك سوريا بالكامل للروس.

العامل العربي

وفي السياق نفسه لا تريد تركيا اندماجا سوريا في محيطها العربي الحقيقي بحيث يؤثر على طموحاتها. وستجد نفسها أمام وضع صعب في ظل تأزم علاقاتها مع السعودية ومصر والإمارات. واستفادت تركيا من الخلافات العربية- العربية مثل أزمة حصار قطر وقبل مقتل خاشقجي كانت على علاقة جيدة مع السعودية واستفادت من التوتر العربي- الإيراني لصالحها. ولا ننسى في كل المسألة صورة اردوغان نفسه وطموحاته، فنبع السلام التي أدت لشجب دولي وما قال الكثيرون عنه خيانة أمريكا لحلفائها الأكراد الذين قاتلوا في الحرب ضد تنظيم “الدولة” هي عن رؤية اردوغان لقدر تركيا في المنطقة. وبعد وصول نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو إلى أنقرة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) أعلن عن “وقف إطلاق” النار حسب بنس و “تعليق” الأعمال القتالية حسب مولود تشاوش أوغلو، وزير الخارجية التركية الذي اعترض باعتبار أن الأكراد ليسوا طرفا شرعيا ليصدق عليهم وقف إطلاق النار. والخلاف الكلامي يشي بأن تركيا لا نية لها الخروج من المناطق التي دخلتها خلال الأسبوعين الماضيين في القريب العاجل. فالموقف التركي في أبعاده الإقليمية ليس منفصلا عن رؤية اردوغان للتاريخ وأخطاء الغرب التي ارتكبت بحق الدولة العثمانية، فهو يرى أن الولايات العثمانية السابقة هي المجال الطبيعي لتأثير أنقرة، أي من دول البلقان إلى شمال افريقيا، فهو لا يطمح لتوسيع المجال التركي بالسيطرة على الأراضي ولكن التأثير. ووجدت تركيا مثل غيرها من دول الإقليم فرصة في الأوضاع التي حفزها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 حيث تغير حال الشرق الأوسط وانهارت فيه حكومات وحدثت فيه ثورات. وفاقم الغرب أخطاءه في ليبيا وسوريا مما منح دول المنطقة فرصة للتنافس. وموافقة الولايات المتحدة على وجود تركي دائم في شمال- شرق سوريا يعني أن عملية “نبع السلام” هي عن أهداف تركيا طويلة الأمد في المنطقة. وكما تقول هانتر فعلينا النظر للعملية التركية على أنها مرحلة جديدة تتكشف أمامنا عن التنافس والتناحر وربما الحروب الإقليمية. وتأتي بعد عقدين من السياسة الأمريكية الواهمة التي أربكت النظام الإقليمي وقررت في لحظة خاطفة الخروج من حروب الشرق الأوسط اللانهائية أو السخيفة كما يراها ترامب. والمتابع لتصريحاته وتغريداته يكتشف أن الرئيس الأمريكي الذي ورث تركة صعبة من سلفيه أوباما وجورج دبليو بوش يتعامل مع المنطقة كرمال ودم. وأمام الوضع المعقد الذي تعامل معه ترامب لم يكن لدى الولايات المتحدة أبدا سياسة متناسقة للتعامل مع سوريا ومشاكل المنطقة مثل ليبيا واليمن وحتى العراق، فعلى خلاف روسيا وإيران اللتان قاتلتا لهدف بسيط وهو بقاء الأسد، دخلت أمريكا سوريا بعدد من التوقعات والأحلام المثالية كما يقول المحلل ستيفن وولت في مقال نشرته “فورين بوليسي” (17/10/2019) من الإطاحة بالأسد وهزيمة الجهاديين إلى بناء ديمقراطية ليبرالية ولم يتحقق منها أي هدف. ومن هنا يرى أن السيناريو الأسوأ لسوريا والقابل للحل هو انتشار قوات الأسد في شمال سوريا، ما يعني وحدة البلاد الطبيعية كوسيلة للحد من التأثير الروسي والإيراني.

نهاية النظام العالمي

ويناقش وولت أن هذين البلدين باتا يستنزفان المال والدم في بلد لا يشكل قيمة استراتيجية له. ويعتقد أن الرابح الأكبر من الهزيمة الأمريكية في سوريا ليس الأسد ولا روسيا وإيران بل الصين التي أحكمت علاقاتها مع دول المنطقة وانشغلت ببناء اقتصاد من الطراز الأول فيما أنفقت أمريكا أموالها على حروب عبثية وأهداف لا تتحقق وبات لديها رئيس يتعامل مع الشؤون الخارجية كتعامله مع مقاولاته وشققه، وهو ما تشي به رسالته الساذجة للرئيس التركي اردوغان.  طبعا يمكن للمراقب ان يتحدث عن ملامح أخرى كشفت عنها العملية التركية من الجانب الأمريكي، فتخليها عن حليف يعني التقليل من مصداقيتها، وهي نوتة عزفت عليها كل التحليلات الصحافية، مع أن أمريكا كما قال وولت وغيره تحالفت في الماضي مع أطراف وتخلت عنهم، وهناك أمثلة حاضرة من خليج الخنازير في كوبا إلى فيتنام. والوضع مؤلم للأكراد الذين ظنوا بسذاجة أن القوى العظمى ستدعم حلمهم بالدولة ولم يتعلموا من دروس التاريخ، فبناء دولة لهم يعني تغيير شكل الشرق الأوسط الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية وكانوا ضحاياه مع الفلسطينيين والعرب الذين ثاروا على الباب العالي. وبالمعنى الحقيقي فما يهم ترامب هو النجاح في الانتخابات وتغيير النقاش حول محاكمته، وقد نجح ولم تتأثر شعبيته بين القاعدة الانتخابية حسب بعض الاستطلاعات. ومنذ مجيء ترامب وهو يعمل على تفكيك النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. وقوض تحالفات أمريكا الدولية وخرج من معاهدات وشن الحرب الاقتصادية واستخدم سلاح العقوبات والجدران لعزل أمريكا. ولديه جواب على كل شيء هو “تدمير الاقتصاد” وهذا واضح من رسالته الساذجة لتركيا. وبتدميره اقتصاد الدول يقوم بتدمير النظام الدولي الذي عملت أمريكا وحلفاؤها في الغرب على بنائه بعد نهاية الحرب العظمى الثانية. وأهم من كل هذا فلا أحد يثق اليوم في أمريكا ترامب حسب مجلة “إيكونوميست” (17/10/2019) فعندما تخسر الثقة من الصعب أن تستعيدها، لأن ترامب قوة قيم أمريكا ومثلها المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذه لم تكن في حساباته، فهو منذ البداية يميل للديكتاتوريين والحكام الأقوياء، ولعل موقفه “المذعن” حسب توصيف الصحافة الأمريكية من اردوغان نابع من كونه رجلا قويا.

 ———

الاتفاق الأمريكي ــ التركي: حساب الأرباح والخسائر في مشهد معقد/ منهل باريش

تبدلت خرائط السيطرة في شمال شرق سوريا بشكل غير متوقع، خلال عشرة أيام، أعلنت تركيا بدء عملية “نبع السلام” وتلاها إعلان الرئيس الأمريكي قرار انسحاب من “حرب سخيفة” في سوريا، ما دفع “وحدات حماية الشعب ” إلى قلب الطاولة على الجميع. ومع بدء الانسحاب الأمريكي وإعلان توصلها إلى اتفاق مع النظام السوري، سارع النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” بتحرك دعائي، بدأ برفع أعلام النظام السوري في منبج، تلاه تقدم إرسال تعزيزات إلى الأطراف الغربية والشمالية للمنطقة، ودفعت تركيا بتعزيزات لوجستية وناقلات جسور بنية فتح محاور هجوم جديدة على نهر الساجور، وأرسل “الجيش الوطني” تعزيزات كبيرة إلى منطقتي العريمة غرب منبج وعون الدادات التي تعتبر نقطة وصل حيوية بين منبج وجرابلس، وهي المعبر الوحيد المفعل بين مناطق شمال حلب (درع الفرات) ومناطق سيطرة “قسد” ومناطق سيطرة النظام.

وشن الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني” السوري المعارض هجوما برياً على محوري تل أبيض ورأس العين بداية، وفتح محور هجوم جديد باتجاه المبروكة أقصى شرق محافظة الحسكة وأقرب نقاط طريق اللاذقية – الحسكة (M4) واستطاع المهاجمون إطباق الحصار على مدينة تل أبيض والسيطرة عليها في اليوم الرابع للهجوم. في المقابل لم يتمكنوا من السيطرة على رأس العين حتى كتابة هذه السطور (ظهر الجمعة) وتوقيع اتفاق أنقرة بين الرئيس اردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس.

وركزت تركيا في هجومها على المناطق ذات الغالبية الكردية في محيط رأس العين وشرق بلدة تل تمر، متجنبة القرى العربية الصغيرة في مستطيل المنطقة الآمنة، باعتبار أن سقوطها تحصيل حاصل على غرار بلدة تل أبيض ذات الغالبية العربية.

ونجحت الوحدات الكردية في امتصاص الهجوم الأول على مدينة رأس العين أحد أبرز معاقلها، وساعدتها التحصينات الهندسية وكثرة الأنفاق في عمليات التخفي والتمويه والمناورة هناك. وهو ما قلل من التفوق التقني الكبير للجيش التركي، وخفف من دور الطائرات الهجومية بدون طيار إلى حد كبير. إضافة إلى قرار تركي بعدم تجاوز الخط الأحمر الأمريكي المتعلق بالحفاظ على المدنيين، ورغبة أنقرة في إنجاز عملية عسكرية “نظيفة” قدر استطاعتها. ولجأت القوات التركية إلى تكتيك الإطباق عبر فكي كماشة، فتوغلت من محور الهجوم الغربي على رأس العين باتجاه الجنوب لقطع طرق الإمداد ورصدها والتقدم على صوامع العالية والمناجير غرب بلدة تل تمر .

الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني” المقدم يوسف حمود، رحب بالاتفاق، قائلاً إن “أي حل سلمي يجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين فهو أمر مرحب به”. وحول عمق المنطقة الآمنة أشار، في حديث إلى “القدس العربي” إلى أن “المنطقة الآمنة هي على كامل الحدود السورية التركية وهي بطول 440 كم وعمق 32 كم”. مضيفاً: “بالنسبة إلى منبج سيحدد وضعها بعد القمة الروسية ـ التركية الثلاثاء القادم” مرجحا بنسبة “90 في المئة أن تكون تحت السيطرة التركية”.

اتفاق اردوغان-بنس

نص اتفاق الخميس، 17 تشرين الأول (أكتوبر) في أنقرة، على تفويض “القوات المسلحة التركية بتنفيذ المنطقة الآمنة في المقام الأول وسيزيد الجانبان تعاونهما في جميع أبعاد تنفيذه”. وكذلك إيقاف تركيا لعملية “نبع السلام” مؤقتاً للسماح بسحب وحدات حماية الشعب من المنطقة خلال 120 ساعة، وسيتم إيقاف العملية كليّاً عند الانتهاء من هذا الانسحاب. وألزم الاتفاق أمريكا على عدم مواصلة فرض العقوبات بموجب الأمر التنفيذي الصادر في 14 من الشهر الجاري، القاضي بحظر الممتلكات وتعليق دخول أشخاص معينين يساهمون في الوضع في سوريا. كما تناول العمل والتشاور مع الكونغرس، حسب الاقتضاء، للتأكيد على التقدم المحرز في تحقيق السلام والأمن في سوريا، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وسيتم رفع العقوبات الحالية في حال انتهاء الـ 120 ساعة التي حددها الاتفاق.

ويشكل الغموض الحاصل بعدم تحديد طول وعرض المنطقة الآمنة أحد أهم التحديات المستقبلية لتطبيق الاتفاق، ويذكّر بانهيار الاتفاق السابق حول المنطقة الآمنة أيضاً. وفي حال موافقة أمريكا على أن تشمل المنطقة الآمنة كامل الشريط الحدودي مع تركيا، فهذا يعني خروج الوحدات الكردية بدون انتشار القوات التركية، الأمر الذي لن تمانعه أنقرة. فهي قالت سابقا أن لا مشكلة في سيطرة النظام والأولوية هي خروج الوحدات الكردية، وهو ما قد يدفع باتجاه عملية تطبيع مستقبلية بين النظام تركيا، خصوصاً من بوابة تطبيق اتفاق أضنة .

من جانبها، وافقت القيادة العامة لـ”قسد” على ما أسمته “وقف لإطلاق النار الفوري بين قوات سوريا الديمقراطية والدولة التركية على طول جبهات القتال الممتدة من مدينة رأس العين/ سري كانيه شرقاً وحتى مدينة تل أبيض غرباً”. وأكدت “التزامها بعملية وقف إطلاق النار المعلنة، وطالبت في الوقت ذاته الدولة التركية الالتزام بذلك”.

روسيا من جهتها، راقبت بحذر التطورات يوم الخميس والجمعة، وشددت الخارجية الروسية قبل ساعات من إعلان الاتفاق على “ضرورة بسط سيطرة القوات الحكومية على المناطق الحدودية” وأشارت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زخروفا أنه “يتوجب على دمشق أن تتسلم السيطرة على الحدود السورية التركية” و”نقل السيطرة على جميع الأراضي السورية إلى الحكومة السورية الشرعية، بما في ذلك الحدود مع تركيا. وفي هذا الصدد، لا يمكننا إلا أن نرحب بتحقيق الاتفاقات الملائمة بين دمشق والأكراد”.

في سياق متصل، شكل الاتفاق بين النظام السوري و”قسد” تصدعا كبيرا في البنية العسكرية، خصوصا في منطقة دير الزور، حيث تشير المعطيات إلى خلاف كبير بين مجلس دير الزور العسكري، المكون من المقاتلين العرب. وترفض العشائر العربية في شرق دير الزور الاتفاق الحاصل مع النظام، وتمثل ذلك بمظاهرات واحتجاجات شعبية هناك، رفعت العلم الأمريكي وطالبت بإبقاء القوات الأمريكية ورفضت دخول النظام إلى مناطقها.

ويصطدم مجلس دير الزور العسكري بعدة تحديات كبيرة في المستقبل القريب، فهو لن يتمكن من الالتحاق بـ”الجيش الوطني” في مستطيل رأس العين/ تل أبيض إن رغب. ولا يستطيع مجابهة هجوم محور النظام والروس والإيرانيين، الذي يسعى إلى استعادة السيطرة على حقول النفط شرق دير الزور في قلب المنطقة القبلية.

ويبقى هاجس عودة تنظيم “الدولة الإسلامية” أكبر التحديات بالنسبة للفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي المباشر، يترافق ذلك مع عدم نضوج موقف نهائي أمريكي حول الآلية المتبعة لحل مشكل سجناء التنظيم من المقاتلين وعوائلهم في المخيمات. وتنبئ المعطيات عن عدم ممانعة أمريكية في إشراك روسيا والنظام مع التحالف الدولي من أجل حل أزمة مقاتلي التنظيم وأسرهم، ويعطي المقترح في حال صحته ورقة قوية للنظام السوري، يبتز فيها دول الاتحاد الأوربي في المسألة السياسية ومسألة إعادة الإعمار ويفتح أبواب التطبيع على مصراعيه. ومع تعقد الملف فإن النظام السوري هو الوحيد القادر ربما على التخلص من المقاتلين. حتى ذلك الوقت ستنشط خلايا التنظيم في المنطقة وستقوم بالهجوم على بعض المخيمات وتحرير ما يمكن تحريره من سجون الاعتقال الجماعي التي تشرف عليها “قسد”.

وتساعد الفوضى الأمنية وتشابك القوى الدولية والمحلية على الأرض على عمل أسهل لخلايا التنظيم مع تراجع سيطرة “قسد” وانسحاب أمريكا عسكريا وأمنياً.

ختاما، سيفتح الانسحاب الأمريكي الباب أمام إيران وميليشياتها للانقضاض على شرق الفرات وتعبيد الطريق بين طهران ودمشق مرورا ببوابة البوكمال مع إغلاق معبر التنف وحديث واشنطن عن البقاء في المعبر الصحراوي بين بغداد ودمشق. وفي كل ذلك، تصبح روسيا اللاعب الدولي الوحيد، الذي يهندس الحل السياسي في سوريا بالتفاهم مع الضامنين في مسار أستانا.

القدس العربي

———————–

قواعد جديدة للّعبة السورية/ رانيا مصطفى

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر الجاري، ومجددا، الانسحاب من سوريا، وطلب من البنتاغون ترتيب الانسحاب ووضع خطة زمنية له. القرار جدي، وبُدئَ بالفعل بسحب الـ1000 جندي أميركي من شمال شرق سوريا، مع الإبقاء على الحماية الجوية للتحالف الدولي شرق الفرات، فيما سيتم الإبقاء على 500-400 جندي في قاعدة التنف على الزاوية الحدودية السورية العراقية الأردنية، للحدّ من توغل إيران في سوريا.

قرار الانسحاب هذا ليس جديدا، بل اتّخذه الرئيس نهاية العام الماضي، وتمّت فرملته من قبل إدارته، لعدم واقعية توقيته؛ كما أن الانسحاب الأميركي يأتي ضمن إستراتيجية أميركية عامة، اتُخِذت في زمن أوباما، بضرورة الانسحاب من الشرق الأوسط والانكفاء أكثر باتجاه القضايا الداخلية.

كالعادة، اتخذ ترامب قراره بشكل مفاجئ، دون التشاور مع إدارته ومستشاريه، ودون إخبار حلفائه الأكراد في المنطقة، ما أطلق سيلا من التحذيرات والتحليلات حول عبثية القرار، وإمكانية عودة تنظيم داعش، وأنه تسليم مجاني للمنطقة إلى روسيا وإيران، وإلى نظام الأسد المعاقب من قبل الإدارة الأميركية نفسها، وأنه سيفقد المنطقة استقرارها الذي تم بعد القضاء على تنظيم داعش بواسطة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، عبر السماح بحرب دامية بين الأتراك وحلفائهم السوريين، وبين قوات سوريا الديمقراطية.

طريقة ترامب في اتخاذ القرار دون ترتيب كاف، هي للهروب من أزمته الداخلية الخانقة، فقد بات مهددا بالعزل أكثر من ذي قبل، بسبب فتح ملف أوكرانيا، والكشف عن مضمون الرسائل التي تدينه بمحاولة فتح تحقيق يتعلق بابن منافسه جو بايدن، في وقت يسعى فيه جو بايدن إلى الترشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة. هذا فضلا عن ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، والذي لم يغلق إلى حدّ الآن.

ولئن كان أسلوب القرار مفاجئاً في توقيته، فقد كان متوقعاً من الروس والنظام من جهة، ومن الأتراك من جهة أخرى، حيث بدت كل الأطراف مستعدة للتحرك فور تنفيذ القرار؛ إذ أحدث الانسحاب الأميركي فوضى في المنطقة، بحيث اختلط الحابل بالنابل مع بدء العملية العسكرية التركية على المناطق الحدودية، وتوغل الجيش التركي برفقة فصائل سورية معارضة للنظام وتابعة له، وتدخل روسيا، وانتشار جيش النظام لملء الفراغ، وفي محيط المناطق التي استولت عليها تركيا والمعارضة، وسعت روسيا إلى وساطة بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية، للتنسيق من أجل تسليم المناطق الحدودية إلى جيش النظام، وأن تكون له سيطرة رمزية على الحدود، فيما أرادت موسكو أيضاً تسيير دوريات لها ضامنة على الحدود، للفصل بين القوات التركية ووحدات الحماية الكردية.

وكذلك سعت موسكو إلى وساطة بين النظام وأنقرة، للعمل على تطوير اتفاق أضنة لعام 1998، ليسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي السورية بعمق 10 كيلومترات بدلاً من 5 كيلومترات.

هذه المستجدات الناتجة عن قرار الانسحاب خلقت قلاقل وخلافات داخل الإدارة الأميركية، وضغوطا على ترامب للتراجع عنها، لكنه رفض، في محاولة منه لتنفيذ وعوده الانتخابية وإرضاء ناخبيه بالانسحاب من سوريا، وبالتالي الخروج من أزمته الحالية.

لكن الضغوط دفعت الرئيس الأميركي إلى إرسال رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب البدء بالهجوم على الأراضي السورية في 9 أكتوبر الجاري، هي أقرب إلى التوبيخ، وتفتقد إلى الرصانة الدبلوماسية، وهدد بعقوبات على وزراء الدفاع والداخلية والطاقة، وعلى وزارات الدفاع والطاقة، بينما مضت تركيا بعمليتها العسكرية، لإثبات إصرارها على فرض المنطقة الآمنة، وتأمين الحدود، وإعادة مليون لاجئ سوري في مرحلة أولى، ثم مليونين، بعد إنشاء بنية تحتية بكلفة 30 مليار دولار، تطلب من دول أوروبا الدعم للقيام بها.

هناك رغبة ودفع روسي لتركيا من أجل القيام بعملية عسكرية، لكسر الحظر الأميركي على القوات الروسية وقوات النظام من تجاوز نهر الفرات، وطمعاً منها بإعادة النظر في مذكرة “منع الصدام” بين الجيشين الروسي والأميركي في الأجواء السورية.

حيث تنظر موسكو إلى أنقرة كشريك اعتادت الاتفاق معه، إذ تتطلع إلى أن يكون الطريق الدولي أم4 على الحدود السورية التركية هو حد المنطقة التي يسمح فيها لقوات أنقرة بالتوغل داخل الأراضي السورية، وما يعني أيضاً أن يمتد ذلك الشريط إلى اللاذقية، وبالتالي دخول قوات النظام إلى جنوب إدلب.

التشدد في لهجة الرسالة التي وجهها ترامب إلى أردوغان يعني أن لا موافقة أميركية على العملية العسكرية التركية، وقد أرسل ترامب نائبه برفقة وزير خارجيته ومستشاره الأمني وجيمس جيفري المسؤول الأميركي عن الملف السوري إلى أنقرة، وبعد اجتماعات محمومة تم إصدار بيان، دون التوصل إلى قرارات، عدا وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة خمسة أيام. وبالتالي تمكنت واشنطن من فرملة العملية العسكرية مؤقتاً، مع الطلب من قوات سوريا الديمقراطية بالانسحاب لعمق 32 كيلومتراً، ثم أن يعلن الأتراك انتهاء العملية، وأن تلغي واشنطن العقوبات المقررة على شخصيات تركية بموجب الأمر التنفيذي الصادر في 14 أكتوبر 2019.

يمكن وصف البيان ومهلة الأيام الخمسة بأنهما محاولة لإظهار حسن النوايا، لكن النتائج الفعلية باتت مرهونة بالاجتماع الثنائي في سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين وأردوغان في نهاية المهلة يوم الثلاثاء المقبل، والذي من المتوقع أن ينتج عنه اتفاق على ترتيب وضع المنطقة بما يرضي مطامح تركيا بتأمين حدودها الجنوبية خصوصاً، وبما يرضي الرغبة الروسية في تحقيق السيطرة على منابع النفط والغاز والثروات الزراعية شرق الفرات، وبما يفرض روسيا لاعباً أساسياً في اللعبة السورية، بعد الانسحاب الأميركي.

يصف منتقدو ترامب نتائج الاجتماع الأميركي- التركي، بأنها تقديم للتنازلات لأنقرة، ولروسيا وإيران أيضا. لكن قد تظهر الأيام المقبلة حجم التشاورات الأميركية الروسية بهذا الخصوص، والتي قد تتعلق بتقديم روسيا تنازلات عن ملفات خارج سوريا.

وهذا غير بعيد عن المساعي الإسرائيلية التي تدعم سيطرة النظام على شرق سوريا، شريطة منع دخول ميليشيات إيران إليها، تُضاف إليه رغبة عربية في ذلك، وعدم ممانعة أميركية، وموقف أوروبي ضعيف. في حين أن البيان يلمّح إلى مطمح أميركي باستعادة تركيا من الحضن الروسي، عبر التأكيد على بقائها في حلف الناتو، ما يعني احتمال تعطيل صفقات التسليح مع روسيا، والمضي بصفقة الباتريوت وتطوير طائرة أف35-.

كاتبة سورية

العرب

——————–

عملية “نبع السلام” وتنظيم “الدولة”/ رائد الحامد

ليس ثمة ما هو خافٍ على الأمريكيين في معرفة ما يحدث على وجه اليقين في شمال شرق سوريا، كما جاء في تصريحات لمسؤول أمريكي كبير في وزارة الدفاع وهو يعلق على الأنباء التي تتحدث عن هروب مقاتلي تنظيم “الدولة” وعوائلهم من سجون تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية، أو من المخيمات.

ويحذر مسؤولون أمريكيون في وزارتي الخارجية والدفاع من خطر هروب مقاتلي التنظيم من عدد من السجون الخاضعة لإشراف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الحليفة للولايات المتحدة حتى قبل أيام قليلة.

ومنذ بدء العملية العسكرية التركية توقفت قوات “قسد” عن ملاحقة خلايا تنظيم “الدولة” التي تنشط في ريف دير الزور الخاضع لسيطرة تلك القوات.

وتراخت قبضة قوات سوريا الديمقراطية على سجونها كورقة ضغط على الولايات المتحدة التي تخلت عنها بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عملية “نبع السلام”.

لا يُعتقد ان عملية “نبع السلام” أثرت بشكل مباشر على إحكام قبضة قوات “قسد” على السجون التي تضم أعدادا من مقاتلي تنظيم “الدولة” تشير بعض التقارير إلى ما لا يقل عن 12000 مقاتل، بينهم 2000 من المقاتلين الأجانب من حوالي 40 دولة مصنفون على انهم مقاتلون خطرون.

لا توجد هناك أرقام دقيقة عن عدد مقاتلي تنظيم “الدولة” الذين نجحوا بالفرار من سجون قوات “قسد” بينما تحدث مسؤولون أمريكيون انهم يعرفون العدد الحقيقي للمقاتلين الفارين دون إعطاء أي تفاصيل.

وإلى جانب أكثر من 12000 مقاتل محتجز في أكثر من 17 سجنا خاضعا لإشراف قوات “قسد” فإن ما لا يقل عن 75 ألفا من عوائل تنظيم الدولة محتجزون في عدد من مخيمات الاحتجاز تحدثت وسائل إعلام محلية ان المئات منهم قد نجحوا في الفرار من مخيم أو أكثر من مخيم بعد تعرضها لضربات جوية من مقاتلات سلاح الجو التركي، أو اقتراب المعارك منها بين قوات “قسد” ومقاتلي الجيش الوطني الحليف لتركيا وقوات خاصة تركية مساندة له.

وتقع معظم مخيمات الاحتجاز والسجون الخاصة بمقاتلي التنظيم خارج مناطق الاشتباكات بن القوات التركية وقوات “قسد”.

وتقدر أعداد المعتقلين من المنتمين لتنظيم “الدولة” بأكثر من 12 ألفا، بينهم نحو 10 آلاف من الجنسيتين العراقية والسورية ومن تبقى منهم ينتمون إلى حوالي 40 دولة من دول العالم الأخرى.

ومعظم هؤلاء محتجزون في سجون خاصة في محافظة الحسكة السورية شمال شرق سوريا على مسافة 90 كيلومترا جنوب مدينة رأس العين، ونحو 75 كيلومترا عن مدينة عين العرب “كوباني”.

ويعد مخيم الهول، 100 كيلومترا جنوب مدينة القامشلي في محافظة الحسكة أكبر معسكر لاحتجاز عوائل مقاتلي التنظيم الذين تقدر اعدادهم بنحو 75 الفا تبلغ نسبة النساء والأطفال وكبار السن منهم 94%.

ويضم المخيم نحو 62 الف محتجز من سوريا والعراق ومن تبقى منهم ينتمون إلى أكثر من 40 دولة.

وتضم المنطقة الامنة التي تحاول تركيا فرضها بقوة السلاح بعد تفاهمات مع الأمريكيين على مسافة 480 كيلومترا بمحاذاة الحدود السورية التركية وبعمق 32 كيلومترا، عدد من السجون تضم 1700 من مقاتلي تنظيم الدولة الذين تتضارب الانباء حول اعداد الذين نجحوا بالفرار منها.

واحتجزت تركيا منذ بدء الحرب على تنظيم الدولة في 2014 أكثر من 17 الف شخص يشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، قالت تركيا انها لا تزال تحتفظ في سجونها أكثر من 5500 شخص بينما رحلت 7600 من المشتبه بهم إلى خارج تركيا بعد التحقيق معهم.

ونقلت صحف أمريكية عن هروب جماعي لاكثر من 700 من عوائل تنظيم الدولة من مخيم احتجاز تشرف عليه قوات “قسد”، وان الولايات المتحدة فشلت في نقل نحو 25 معتقلا من قيادات وكوادر التنظيم قبل قرار وزارة الدفاع بنقل الجنود الأمريكيين من مناطق العمليات.

رددت وسائل اعلام تقارير منسوبة إلى مسؤولين في قوات “قسد” ان هناك ما لا يقل عن 20 مقاتلا من تنظيم الدولة قد فروا من سجنين في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، وتقارير أخرى عن فرار اعداد غير معروفة من مقاتلي التنظيم من سجن اخر في بلدة تل ابيض على الحدود التركية قبيل دخول القوات التركية اليها بساعات.

وتتخوف الولايات المتحدة من تعرض السجن المركزي في مدينة الحسكة لضربات جوية أو تفجيرات انتحارية أو “تعمّد” قوات “قسد” تخفيف القبضة الأمنية على السجن والسماح بهروب مقاتلي التنظيم من هذا السجن الذي يضم العدد الأكبر من السجناء المقدرة اعدادهم بنحو 5000 معتقل.

وتحمل الإدارة الأمريكية تركيا المسؤولية عن سجون التنظيم التي تقع في مناطق سيطرة قواتها بعد العملية العسكرية، وهو ما أكدته تركيا أيضا.

وترفض الدول الأوروبية استلام مواطنيها المسجونين في سجون ومراكز احتجاز قوات “قسد”.

وتتحدث كل من الولايات المتحدة وتركيا وقوات “قسد” عن معلومات متناقضة حول أعداد الهاربين فعلا من مقاتلي التنظيم الذين تحدث مسؤولون من قوات “قسد” عن ان المئات من مقاتلي تنظيم “الدولة” نجحوا في الفرار من سجونها ومن مخيمات الاحتجاز بعد تعرضها لضربات جوية تركية، وهي التصريحات التي رفضها الرئيس التركي الذي وصفها بانها “معلومات مضللة تهدف إلى استفزاز الولايات المتحدة والدول الأوروبية”.

لكن الرئيس الأمريكي تحدث من دون ان يقدم أي أدلة عن أن قوات “قسد” أطلقت سراح مقاتلي التنظيم “عمدا” في محاولة منها لجر بلاده ثانية إلى الحرب في سوريا، كما ان مسؤولين أمريكيين نفوا ان يكون هناك أي دليل يؤكد صحة ذلك.

ونشرت مواقع مقربة من الجيش الوطني المتحالف مع تركيا تسجيلا لعملية نقل سجناء لمقاتلي تنظيم “الدولة” وعوائلهم من مخيم عين عيسى إلى جهة مجهولة بعد سيطرتهم على المدينة، مع تقارير متناقضة عن نقلهم إلى السجون الخاصة بالجيش الوطني أو تسليمهم للقوات التركية.

وفي تصريحات من بغداد لوزير الدفاع الفرنسي تحدث فيها عن فرار تسعة من النساء المنتميات للتنظيم من الجنسية الفرنسية من أحد مخيمات الاحتجاز التابعة لقوات “قسد” في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الدفاع العراقية عن اعتقال أعداد من عناصر تنظيم “الدولة” لم يحددها بيان الوزارة خلال محاولتهم التسلل عبر الحدود إلى العراق.

بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب جنود بلاده من سوريا، أعلنت تركيا عملية “نبع السلام” للسيطرة عبر قوات تركية وقوات تابعة لفصائل المعارضة السورية المسلحة على الشريط الحدودي السوري التركي بعمق 32 كيلومترا وفق تفاهمات بين الولايات المتحدة وتركيا.

لم تبد قوات “قسد” مقاومة “واسعة” دفاعا عن مدن ومناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا، بينما تحدث مسؤولون فيها عن سحب كل، أو بعض، عناصر الحراسات الأمنية من بعض السجون ومخيمات الاحتجاز لتعزيز قدراتها في التصدي للهجوم التركي، بالإضافة إلى أن الأمريكيين سحبوا نحو ألف جندي من ذات المنطقة، ما أفقدها القدرة على مراقبة السجون ومخيمات الاحتجاز.

وتسود أوساط الإدارة الأمريكية حالة من القلق من ان نجاح مقاتلي تنظيم “الدولة” بالهروب من السجون بسبب العملية العسكرية قد يمهدون الطريق ثانية لعودة نشاطات التنظيم إلى مستويات عالية من التهديد سواء في سوريا والعراق أو على الأمن العالمي في حال هُزمت قوات “قسد” الذين يشكلون رأس الحربة في القوات الأرضية التي قاتلت التنظيم طيلة أربع سنوات بدعم جوي وإسناد بري من التحالف الدولي.

لا شك أن التنظيمات المسلحة عندما تمر بحالات ضعف تحاول استثمار أي حدث أو تطور أمني يهدد الاستقرار للنفاد ثانية عبر ثغرات أمنية تخلفها صراعات الأطراف المختلفة.

ومن المؤكد أن تنظيما مثل تنظيم “الدولة” يجيد استثمار تداعيات الصراعات المحلية أو الإقليمية، ومنها العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا التي أرخت القبضة الأمنية لقوات “قسد” في عموم مناطق سيطرتها لانشغالها بالدفاع عن مناطق سيطرتها ضد الهجوم التركي، وتقليل عدد حراس السجون ومخيمات الاحتجاز للزج بهم في المعارك.

—————

مكاسب تركيا في “نبع السلام” ودور روسيا في رسم حدود المنطقة الآمنة/ إسماعيل جمال

على مدار 10 أيام منذ انطلاق عملية الجيش التركي العسكرية في شرق نهر الفرات شمالي سوريا والتي أطلق عليها اسم “نبع السلام” شهدت العملية تحولات متسارعة كان أبرزها السيطرة السريعة للجيش التركي على مركزي رأس العين وتل أبيض وتسارع انسحاب القوات الأمريكية ولجوء الوحدات الكردية لحضن النظام وروسيا مجدداً، وأخيراً التوصل لاتفاق بين أنقرة وواشنطن يوقف العملية العسكرية لخمسة أيام.

هذه التطورات والتحولات المتسارعة كشفت حجم التعقيدات السياسية والعسكرية المتعلقة بالوضع في شمالي سوريا ومستوى التداخل الدولي في هذا الملف، وفتحت الباب واسعاً أمام سيناريوهات مختلفة نقلت مصير المنطقة الآمنة من يد الولايات المتحدة إلى يد روسيا التي باتت لها الكلمة الأولى في مناطق أوسع من الشريط الحدودي السوري مع تركيا بعد أن كانت القوات الأمريكية تسيطر على هذا الشريط بشكل كامل.

مكاسب استراتيجية

تمكنت تركيا وبفعل عملية “نبع السلام” من إنهاء خطر ما تطلق عليه “الكيان الإرهابي” أو “الكانتون الانفصالي” وهي المصطلحات المتعلقة بالهواجس التركية التاريخية من إمكانية تمكن أكراد سوريا من إقامة دولة على طول الحدود السورية مع تركيا تكون بمثابة تهديد استراتيجي على الدولة التركية، والمخاوف الكبرى من أن يؤدي قيام مثل هذا الكيان لتشجيع أكراد تركيا ودعمهم على إقامة دولة لهم في الجانب التركي من الحدود، وهو ما يعتبر في تركيا تاريخياً بالتهديد الاستراتيجي الأول.

فعلى الرغم من أنه من المبكر الحديث عن مدى نجاح تركيا في تحقيق أهدافها الكاملة من عملية “نبع السلام” وصعوبة استطاعتها السيطرة فعلياً على باقي المناطق في الشريط الحدودي، إلا أن العملية حققت أهدافا مهمة جداً على الصعيد الاستراتيجي في تبديد حلم الكيان المتواصل على الحدود التركية وهو الذي كاد أن يتحول إلى أمر واقع قبل عدة سنوات بعدما تمكنت الوحدات الكردية وبدعم أمريكي من السيطرة على كامل مناطق شمال شرق سوريا وعلى طول الحدود مع سوريا شرق الفرات وصولاً لمنبج وعفرين غربي النهر، ولم يتبق سوى مسافة قريبة للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وإعلان كيان انفصالي من المتوسط إلى حدود العراق.

ولمواجهة هذا الخطر، وفي ظل صعوبة إزالته بشكل كامل، اتبعت تركيا سياسة “تقطيع أوصال” المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، وفي أول خطوة نجحت من خلال عملية “درع الفرات” من السيطرة على مناطق تصل شرقي وغربي نهر الفرات ومنها جرابلس والباب والراعي ومحيطهم، ولاحقاً نجحت من خلال عملية “غصن الزيتون” في السيطرة على كامل عفرين ومحيطها، وعقب ذلك قطعت الطريق أيضاً على الوحدات الكردية في محاولة السيطرة على إدلب ومناطق مختلفة من أرياف حلب وحماة واللاذقية، عبر نشر الجيش التركي في إطار اتفاق أستانة مع روسيا.

وعبر تلك الخطوات الثلاث نجحت تركيا في فرض حقائق مهمة أبرزها، وقف تمدد الوحدات الكردية ومنع وصولها إلى البحر المتوسط، وضرب معظم أماكن تواجدها في غربي نهر الفرات، باستثناء منبج ومنطقة تل رفعت وهي مناطق لا تعتبر حدودية مع تركيا.

تفتيت الكانتون الحدودي

وفي عملية شرق الفرات، سيطر الجيش التركي على المنطقة الواقعية بين بلدتي تل أبيض ورأس العين بطول أكثر من 100 كيلومتر وبعمق قرابة 35 كيلومترا، ويتوقع أن تتوسع السيطرة في تلك المنطقة والمحيطة لتصبح على الأقل بطول أكثر من 150 كيلومترا، وبالتالي تكون تركيا قد فصلت مناطق سيطرة الوحدات الكردية على حدودها شرق الفرات أيضاً وقسمتها إلى كانتونين أحدهما في عين العرب/كوباني وآخر في المناطق الشرقية قرب الحدود مع العراق.

وفي أسوأ الأحوال لو بقيت الوحدات الكردية في منطقتي عين العرب والقامشلي وريف الحسكة فإن ذلك لم يعد يشكل خطرا حقيقيا متعلقا بإقامة كيان على الحدود، ولكن تركيا تتوقع أيضاً أن تتمكن من السيطرة على تلك المناطق، أو إجبار روسيا والنظام على تجريد الوحدات الكردية من قوتها فيها.

مخاوف من التغول الروسي

يضاف إلى ذلك، أن كل ما سبق لم يكن يتحقق لولا التحول الأكبر الذي شهدته المنطقة والمتعلق بما يمكن اعتباره إجبار تركيا الولايات المتحدة على سحب قواتها من الشريط الحدودي، وبالتالي انكشاف الوحدات الكردية، كما يتوقع لاحقاً أن يؤدي ذلك إلى انسحاب القوات الفرنسية والغربية الأخرى الموجودة شرقي نهر الفرات، وهو ما تراه تركيا انجازاً كبيراً في طرد القوات الأجنبية التي كانت تعتبرها داعماً للتنظيمات الإرهابية من حدودها.

ومقابل المكاسب التركية من الانسحاب الأمريكي من الشريط الحدودي، تلوح في الأفق مخاوف أخرى تتعلق بمخاطر التفرد الروسي في الساحة السورية وإمكانية تفردها في القرار وما يحمله ذلك من تخوفات تركية بأن تسعى روسيا للضغط عليها أكثر في ملفات مختلفة منها إدلب ومناطق عفرين ودرع الفرات وأخيراً المناطق التي سيطرت عليها شرقي نهر الفرات.

ومع فرحة تركيا العارمة بالانسحاب الأمريكي من الشريط الحدودي وانهيار الوحدات الكردية هناك، إلا أن أوساطا في أنقرة ما زالت ترغب في بقاء القوات الأمريكية في القواعد الخلفية في الرقة ودير الزور وقاعدة التنف الاستراتيجية لكي يبقى نوع من التوازن الدولي في سوريا وأن لا تتفرد روسيا بالساحة السورية لوحدها.

حدود المنطقة الآمنة

وفي هذا الإطار، تظهر أهمية اللقاء المقرر يوم الثلاثاء المقبل بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي حيث من المقرر أن يبحث الزعيمان خريطة السيطرة والنفوذ في شمالي سوريا عقب التحولات الأخيرة، لا سيما رسم حدود المنطقة الآمنة.

ونص بيان الاتفاق التركي الأمريكي حول تجميد عملية نبع السلام تضمن التأكيد على أن المنطقة الآمنة عمقها 32 كيلومترا لكن بدون تأكيد طولها الذي قال العديد من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم اردوغان إنها تمتد من منبج غرب الفرات وحتى الحدود العراقي شرقه بطول 444 كيلومترا.

لكن هذا الحديث طرح تساؤلات هامة حول المنطقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تسحب منها الوحدات الكردية خلال أيام حسب ما تعهدت في الاتفاق، لا سيما وأن كثيرا من هذه المناطق يمكن اعتبار أنها انتقلت من النفوذ الأمريكي إلى نفوذ روسيا والنظام السوري عقب عقد الاتفاق مع الوحدات الكردية.

ويتوقع أن ينحصر التنفيذ الأمريكي للاتفاق مع أنقرة في حدود ما تبقى من مناطق لم يسيطر عليها الجيش التركي في محيط تل أبيض ورأس العين لتتوسع مناطق نفوذ الجيش التركي لحدود 150 كيلومترا أو 200 كيلومتر في أحسن الأحوال، على أن يبقى مصير المساحة المتبقية والممتدة على طول قرابة 250 كيلومترا بيد روسيا.

إدلب مجدداً

ومن غير المتوقع أن تبدي روسيا ليونة كبيرة في المباحثات المتوقعة مع تركيا الثلاثاء المقبل، حيث ينتظر أن يعيد بوتين التأكيد على وحدة الأراضي السورية وسيادة سوريا وحق النظام السوري في السيطرة على الأراضي السورية وضرورة سحب كافة القوات الأجنبية ومنها القوات التركية.

وفي أحسن الأحوال، من غير المنتظر أن توافق روسيا على توسع الجيش التركي في مناطق جديدة مثل عين العرب أو القامشلي أو المالكية وغيرها، كما سيبقى ملف منبج معقداً، باستثناء بعض التعهدات الروسية بالأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية التركية وتحجيم نفوذ الوحدات الكردية في هذه المناطق.

وفيما يتعلق بمنبج، تتخوف تركيا أن تربط موسكو بين الاستجابة لمطالب تركيا بتطهير المنطقة من الوحدات الكردية، بإجبار تركيا على تطهير إدلب من “العناصر الإرهابية” في إشارة إلى هيئة تحرير الشام، ما يعني أن ملف إدلب ربما يعود إلى الواجهة مجدداً وبقوة خلال الأسابيع المقبلة.

—————-

أكراد في المكعّب/ باسل طلوزي

اختلفت سابقًا مع كاتبٍ أطلق مصطلحًا غريبًا على المليشيات الكردية، إبّان استعار أوار الحرب العراقية الإيرانية قبل ثلاثة عقود، وصفها فيه بأنها تشبه “المكعب السياسي”؛ للدلالة على هلاميّة تلك المليشيات، وتعدّد وجوهها بحسب اختلاف الظروف والمصالح. شعرت، آنذاك، بقسوة هذا المصطلح، وتحامل الكاتب على حركات ثوريّة تطرح نفسها ممثلًا آمال شعبٍ شاء حظه العاثر أن يتوزّع على أربع جغرافيات سياسية، قد تختلف على كل شيء، إلا على هدف استراتيجيّ واحد، قوامه منع الأكراد من إنشاء دولتهم الخاصة. وأعني بالجغرافيات الأربع العراق وإيران وسورية وتركيا. غير أنني لا أملك اليوم، وفي حمأة الحملة التي تجرّدها تركيا ضد مليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية في الشمال السوري، إلا أن أشيد بدقّة هذا المصطلح في وصف المتاهة السياسية التي وضعتنا فيها المليشيات الكردية، على اختلاف جغرافياتها الأربع.

تبدأ المتاهة، أولًا، من غرابة التحالفات التي تعقدها تلك المليشيات مع الدول الأربع؛ لتحقيق أهدافها، ففي الحرب العراقية الإيرانية، كان ثمّة تحالف وتواطؤ بين مليشيات الكرد العراقية وإيران ضد العراق وجيشه، على الرغم من المجازر التي ترتكبها إيران ضدّ أكرادها. وفي الحالة السورية التركية، كان نظام حافظ الأسد يدعم حزب العمال الكردستاني المناوئ لتركيا، في وقت يضيّق الخناق على الأكراد السوريين ويزجّهم في السجون.

باختصار، ارتضت المليشيات الكردية لنفسها أن تكون محض أدواتٍ بيد اللاعبين الكبار من الدول الأربع، مراهنة دومًا على انتصار الخصوم ضد بلادها الأمّ، لتحقيق غايتها بإنشاء دولتها المشتهاة؛ أي أنها قبلت على نفسها أن تؤدّي أدوار الخيانة العظمى لدولها وشعوبها، وأفدحها التحالف مع إسرائيل أحيانًا، على قاعدة أن الغاية تبرّر الوسيلة، وهي تعلم جيدًا أنه حتى بانتصار الخصوم لن تتحقق لها تلك الغاية.

الأنكى من هذا وذاك أن تلك المليشيات لم تكن، أبدًا، على وفاقٍ في ما بينها، ولا تقيم وزنًا لكرديّة الآخر من بني جنسها إذا تعارضت المصالح، ففي مستهلّ العدوان الأميركي على العراق واحتلاله، تواطأ حزبان كرديّان متحالفان مع دول العدوان ضدّ حزبٍ “شقيق” آخر لم تكن أميركا راضيةً عنه، وسهّلا لها ضربه وإبادة مقاتليه عن بكرة أبيهم. وينسحب الأمر على العلاقة بين المليشيات الكردية العراقية والتركية، ففي حادثةٍ مماثلةٍ، حين حاول مقاتلون من حزب العمال الكردي في تركيّا الفرار إلى الأراضي العراقية، هربًا من قصف الطائرات والمدافع التركية، استقبلهم “أشقاؤهم” بالرصاص، وأجبروهم على العودة إلى الجحيم، خوفًا من ردّة الفعل التركية ضدهم، فكيف يستقيم لمليشياتٍ متنازعة في ما بينها، ويمكر بعضها لبعض، أن تقيم دولةً يوما؟

قلت إنني وجدت نفسي في هذه المتاهة الكردية، في خضمّ الحملة التركية المجرّدة حاليًّا ضدّ “قسد”، مستحضرًا معضلة ذلك الرجل الذي يرمي بيوت الجيران بالحجارة، من دون أن يعي أن بيته مبنيٌّ من زجاج، بدليل أن دول الجوار التركي تعيب على جارتها دفاعها عن أمنها القومي ضد الانفصاليين الأكراد، فيما تمارس هي ما هو أشدّ وأبلى بحق الأقليات الكردية في بلادها، فكم من حملاتٍ عسكريةٍ جرّدتها تلك الدول، تحت شعارات “فرض الطاعة”، و”التأديب”، لمحاربة المتمرّدين الأكراد. وهو ما يدفعني إلى التساؤل بأي حق، إذن، تذرف تلك الدول دموع التماسيح على مليشيات كردية واضحة الأهداف والغايات في الشمال السوري، تسعى إلى بناء كيانٍ سياسيّ خاص بها، مستغلةً فرصة ضعف الدولة الأمّ، وعجزها عن بسط سيطرتها التامّة على أرضها.

عمومًا، أعلم، ولا أحبّذ أن تكون “الحرب خدعة”، وأدرك أننا لم نعد في زمن شهامة الفرسان الذين لا يقبلون طعن خصومهم من الخلف، غير أنني لا أحترم مقاتلين يستغلّون جراح دولهم التي تحتضنهم، ومصائب شعوبهم وكوارثهم، لإعانة الغزاة عليهم، حتى ولو كانت الهدية المنتظرة “دولة” بأكملها. أمّا “المكعّب السياسي” الذي لم يستهوني قبل ثلاثة عقود لوصف المليشيات الكردية، فأخشى أنه أصبح أزيد من مثمّن، مع إيماني المطلق بأن الشعب الكرديّ العريق سينبذ عما قريب تلك المليشيات التي لا تمثل غير مصالح الغزاة والصهاينة والطامعين بهذه الأمة.

العربي الجديد

—————

رأس العين… مدينة الأسماء “مزاجها عسل وماء”/ محمود الزيباوي

تحوّلت مدينة رأس العين في الأيام الأخيرة إلى ساحة للقتال بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية، وتردّد اسمها في سائر أنحاء العالم مع احتدام هذا القتال المتواصل. تقع هذه المدينة في شمال غرب محافظة الحسكة على الحدود التركية السورية، وهي واحدة من مدن شمال سوريا التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وقد عُرفت بأسماء عديدة، منها رش عيناو، وهو الذي تحوّل إلى راس العين في العهد الإسلامي.

كانت رأس العين في العهد العباسي مدينة من مدن الجزيرة، واشتهرت بمياهها التي تدفّق من عيون عديدة تجري في جداول تنساب في مروج خصبة، ثم تلتقي وتشكّل نهر الخابور. في القرن العاشر، ذكر مؤلّف كتاب “حدود العالم من المشرق إلى المغرب” هذه المدينة، وقال في تعريفه المختصر بها: “مدينة نزهة وبها عيون ماء كثيرة، ثم يتكون من هذه العيون خمسة أنهار تجتمع في مكان واحد فتُدعى الخابور الذي يصبّ في نهر الفرات”.

في هذه الحقبة كذلك، ذكر ابن حوقل في “صورة الأرض” هذا الموقع يوم كان سكانه العرب تحت سلطة الروم الذين عادوا وسيطروا على مناطق واسعة من شمال سوريا، وقال: “كانت رأس العين مدينة ذات سور من حجارة نبيل (أي من النوع الجيّد)، وكان داخل السور لهم من المزارع والطواحين والبساتين ما كان يقوتهم لولا ما منوا به من الجور الغالب والبلاء الفادح ممّن لا رحم الله منهم شعرة ولا ترك من نسلهم أحداً ليجعلهم آية وعبرة. وكان يسكنها العرب، وبها لهم خطط، وفيهم ناقلة من الموصل أصلهم. وفيها من العيون ما ليس ببلد من بلدان الإسلام، وهي أكثر من ثلثمائة عين ماء جارية كلّها صافية، يبين ما تحت مياهها في قعورها على أراضيها، وفيها غير عين لا يُعرف لها قرار، وغير بئر عليها شبابيك الحديد والخشب، ويُقال أنّها خسيف، وقد جعل الشبّاك دون وجه الماء بذراع ونحوه ليحفظ ما يسقط فيها. وتجتمع هذه المياه حتّى تصير نهراً واحداً، ويجري على وجه الأرض، فيُعرف بالخابور، ويقع الى نواحي قرقيسيا، وكان عليه لأهل رأس العين نحو عشرين فرسخا قرى ومزارع، وكان لهم غير رستاق وناحية كبيرة كثيرة الضياع والأشجار والكروم على هذه المياه الجارية المذكورة”.

في القرن الثاني عشر، استعاد الشريف الادريسي هذا الوصف كما يبدو، وكتب في “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”: “رأس العين مدينة كبيرة وفيها مياه كثيرة نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد يحفظ ما يسقط فيها، ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابور الذي يصب بقرقيسيا في الفرات”. وتُعرف قرقيسيا اليوم باسم البصيرة، وهي بلدة صغيرة تحوي أطلال أثرية، وتقع قرب مدينة الزور. في المقابل، ذكر أبو عبيد البكري بعضا من أخبار سكان رأس العين، وكتب في “معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع”: “رأس العين، على لفظ عين الماء، وبعض اللّغويّين يقول رأس عين، وينكر أن تدخله الألف واللام. وهو موضع فى ديار بنى أبي ربيعة بن ذهل ابن شيبان. وهو كورة من كور ديار ربيعة، وهي كلها بين الحيرة والشام. وفيه أغارت بنو رياح بن يربوع عليهم، وقتلوا منهم معاوية بن فراس. ففي ذلك يقول سحيم بن وثيل الرّياحيّ: هم قتلوا عميد بني فراس/ برأس العين في الحجج الخوالي”. كذلك، استعاد أبو عبيد البكري في الختام بيتين من شعر البحتري:

نظرت ورأس العين منّى مشرق/ صوامعها والعاصميّة مغرب

بقنطرة الخابور هل أهل منبج/ بمنبج أو بادونَ عنها فغُيّب

في نهاية العصر العباسي، جمع ياقوت الحموي في “معجم البلدان” ما قيل من قبله في رأس العين، وتحدّث عن عيونها الصافية العجيبة، وقال إن أشهر هذه العيون أربع، وهي: عين الآس، وعين الصرار، وعين الرياحية، وعين الهاشمية. كما تحدّث عن عين أخرى “يُقال لها خسفة سلامة، فيها سمك كبار ينظره الناظر كأنّ بينه وبينه شبرا ويكون بينه وبينه مقدار عشر قامات”. وذكر عين الصرار، وهي العين “التي نثر فيها المتوكّل عشرة آلاف درهم، ونزل أهل المدينة فأخذوها لصفاء الماء ولم يفقد منها شيء، فإنّه يبين مع عمقها ما في قعرها للناظر من فوقها، وعمقها نحو عشرة أذرع”. وقد دخلت هذه المسميات للعيون في النسيان، وباتت مواقعها الأصلية مجهولة. كما ظهرت في المقابل عيون بمسميات أخرى، منها عين الزرقاء وعين البانوس، وعين الحصان، وعين سالوباب.

بساط الزبرجد

مرّ ابن جبير الأندلسي برأس العين، وكتب في وصفها: “هذا الاسم لها من أصدق الصفات، وموضوعها به أشرف الموضوعات، وذلك أن الله تعالى فجر أرضها عيوناً وأجراها ماء معينا، فتقسّمت مذانب وانسابت جداول تنبسط في مروج خضر، فكأنها سبائك اللجين ممدودة في بساط الزبرجد، تحف بها أشجار وبساتين قد انتظمت حافتيها الى آخر انتهائها من عمارة بطحائها”.

بدوره، تحدث ابن جبير مطوّلا عن عيون رأس العين العجيبة، وقال: “شاهدنا ذلك عيانا”. وتوقّف عند موقع يحوي “مدرسة بإزائها حمام”، وأضاف مستطرداً: “وشأن هذا الموضع كله عجيب جدا، فغاية حسن القرى بشرقي الأندلس أن يكون لها مثل هذا الموضع جمالا أو تتحلى بمثل هذه العيون، ولله القدرة في جميع مخلوقاته”.

في القرن الثالث عشر، جمع ابن شداد في “الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة” ما وصله من أخبار رأس العين، وقال إنها  كانت من “ديار ربيعة منذ فُتحت في صدر الإسلام إلى أن ملك تاج الدولة تتش ديار بكر، واستولى على كثير من بلاد ديار ربيعة، فلما قتله ابن أخيه بركياروق ابن ملكشاه، استولى على ما كان بيده من البلاد، فوهب لمغن له يسمى لجا كسرى ماردين، فلم يزل بها إلى أن أخذها منه ياقوتي ابن أرتق”. شهدت رأس العين معارك عديدة، وتنافست على حكمها القوى المتصارعة في ذلك الزمن إلى أن حظي بها الأيوبيون، “واستمرت في يد الملك الصالح نجم الدين أيوب، إلى أن استولى عليها الخوارزمية”، ثم اخذها الملك الناصر صلاح الدين يوسف، “وولّى فيها، واستمرّت في يده إلى أن أقطعها الملك السعيد نجم الدين غازي ابن الملك المنصور ناصر الدين أرتق بن إيلغازي”، وملكها من بعده ولده الملك المظفر قرا أرسلان.

في القرن الخامس عشر، استعاد الحميري في “الروض المعطار في خبر الأقطار” مرة أخرى طائفة من الأخبار التي نقلها الجغرافيون والاخباريون في وصف رأس العين، وقال إنها “مدينة قديمة واسمها عين الوردة”، واستشهد بقول حسان بن ثابت: “كأن سبيئة من رأس عين/ يكون مزاجها عسل وماء”.

المدن

————–

الملف الكردي في تركيا… عقدة التاريخ و«بارانويا» المستقبل/ يوسف الشريف

ما يتعرض له الأكراد السوريون على يدي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد تخلي الرئيس دونالد ترمب عن حمايتهم، ليس جديداً في تاريخ الأكراد، ولا في تاريخ حركتهم الموزعة على خريطة المنطقة. تاريخ من «الخيانات» التي أصابتهم من كل صوب: في سوريا، كانوا ضحية النظام البعثي الذي طحنهم باسم شعاراته العروبية، ثم استخدمهم من خلال موالاة «حزب العمال الكردستاني» الذي وجد فيه الرئيس الراحل حافظ الأسد فرصته لابتزاز دول الجوار وخصومه الدوليين. وعندما هددته العصا التركية بالغزو، ألقى بعبد الله أوجلان إلى مصير قاتم، فانتهى الرجل في أحد السجون المنعزلة في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة. وفي العراق، لم يكن وضعهم أفضل حالاً على يدي صدام حسين الذي لم يجد حرجاً في استخدام السلاح الكيماوي ضد أطفالهم.

تعرض الأكراد لظلم تاريخي حرمهم من إقامة دولة لهم في مرحلة رسم الخرائط. وتعرضوا لظلم الأنظمة التي طالما حاولوا مهادنتها، على أمل العثور على فرصة لتحقيق حلمهم، لكن الطعنات في ظهورهم لم تكن تتأخر. وكانوا أيضاً ضحية حسابات ورهانات خاطئة في معظم الأحيان.

في الحرب الإقليمية مع تنظيم داعش، كانت القوات الكردية في طليعة المقاتلين الذين حرروا مدنهم ذات الأكثرية الكردية في الشمال السوري، لكنهم ساعدوا أيضاً في تحرير مدن عربية، مثل الرقة، إحدى «عواصم» التنظيم الإرهابي، وأطلقوا الأسرى والسبايا الإيزيديات من قبضة المجرمين «الدواعش» في سنجار، بشمال غربي العراق. وعندما انتهت «وظيفتهم» تلك، وجاءت فترة قطف الثمار، كما كانوا يعتقدون، وجدوا أنفسهم مجدداً أمام معادلة القوي والضعيف التي تحكمت دائماً بمصيرهم. وها هم الآن يواجهون مصيراً مجهولاً في الشمال السوري، فيما هم على درب التشرد من جديد.

في هذه الصفحة من «قضايا»، نسلط الضوء على وضع الأكراد في سوريا وتركيا، في ظل الحملة التي يشنها إردوغان عليهم بحجة محاربة «الإرهاب».

كان الهاجس الأكبر لدى مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه، عقب حرب التحرير التي قاموا بها بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، هو فقدان دولتهم الوليدة مزيداً من الأراضي بفعل الثورات القومية التي ساعدت على الإطاحة بالدولة العثمانية. وبدا لهم أن رابط الدين الذي قامت عليه الخلافة العثمانية لم يمنع المسلمين في مختلف أنحاء العالم من الثورة ضد الدولة، والمطالبة بالاستقلال عنها. لذا، عمد أتاتورك إلى فرض نظام قوي صارم في تركيا الحديثة، يقطع ما بين الدولة الجديدة وإرثها القديم، فجاء قرار إسقاط الخلافة، واستخدام الحروف اللاتينية، والنظام العلماني، ليصهر جميع المواطنين في الجمهورية التركية في بوتقة واحدة: ثقافة واحدة وقومية واحدة ولغة واحدة، من أجل منع أي نزعة انفصالية قائمة على العرق أو الدين.

وبدا هذا التوجه القومي مفهوماً لدى رفاق درب أتاتورك، لكنه لم يقنع أبداً الإسلاميين أو الأكراد الذين عدوا أن مؤسس الجمهورية وقائد حرب التحرير قد خدعهم، فهو لم يكشف لهم عن أي من خططه المستقبلية، عندما جال على مختلف المدن التركية، طالباً دعمهم له في حرب التحرير. وقد شارك الأكراد في هذه الحرب، ظناً منهم أن الهدف هو تحرير دولة الخلافة، وعودة حكمها، وليس قيام دولة جديدة على أنقاضها لا تعترف بوجود قومية كردية، حتى لو كان الأكراد يشكلون نحو 20 في المائة من سكانها. فقد تخلى جزء من الأكراد المتدينين عن دعم «اتفاقية سيفر»، التي كانت ترى بقيام دولة كردية، من أجل المشاركة في حرب التحرير، على أمل عودة دولة الخلافة الإسلامية، لكنهم وجدوا أنفسهم محكومين بدولة قومية ترفع العلم التركي، ولغتها الرسمية الوحيدة هي التركية. وقد قامت بعض الثورات الكردية في جنوب شرقي تركيا منذ إعلان الجمهورية الحديثة عام 1923، لكن الجيش استطاع قمعها جميعاً. وبقيت اللغة الكردية لعقود محظورة، سواء في التعليم أو حتى في الاستخدام اليومي، فلا صحف كردية ولا أغانٍ أو أشعار، وقد ساعد ذلك على صهر جزء مهم من الأكراد في المجتمع التركي، حتى بات شائعاً أن يفاجأ الناس بسياسي أو فنان أو رياضي يحظى بالشهرة، ويتضح بعد ذلك أنه من أصول كردية. فهؤلاء الذين اندمجوا في المجتمع التركي وجدوا مستقبلهم في الانتماء إليه، والتخلي عن ماضي آبائهم، خصوصاً أن معظم الأكراد الذين ولدوا وعاشوا في المدن الكبرى لم يتعلموا الكردية مطلقاً.

كان عبد الله أوجلان، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، أول من دعا إلى استعادة الهوية الكردية، وتمييزها عن القومية التركية، حيث قاد حركة يسارية مسلحة ضد نظام الدولة والوصاية العسكرية، التي قامت بقمع جميع التوجهات الآيديولوجية خلال انقلاب عام 1980، إذ تعرض معظم زعماء الحركات السياسية والآيديولوجية إلى التعذيب المبرح، بل والقتل، في السجون خلال الانقلاب.

فوجد أوجلان في العامل القومي الكردي ذخيرة قوية من أجل إذكاء حركته للعصيان ضد النظام الحاكم والوصاية العسكرية. وقد ساعدت مظالم الانقلاب العسكري على توسيع نطاق هذه الحركة، وسرعة انتشار أفكارها وعدد المنتمين إليها.

وأدمى هذا العصيان المسلح – الذي قاده «حزب العمال الكردستاني» منذ عام 1984 – الدولة التركية، خصوصاً أن «حزب العمال» حصل على دعم سريع من عدد من الدول الإقليمية، مثل سوريا وإيران، ودول غربية وروسيا، لدرجة أن الرئيس التركي آنذاك ترغوت أوزال فكر جدياً بقبول مطالب الحزب بحكم ذاتي في جنوب شرقي تركيا، ويقول البعض إن أوزال قد دفع حياته ثمناً لهذا التوجه، حيث توفي بشكل غامض بعد أشهر من تواصله بشكل غير مباشر مع أوجلان عبر وسطاء.

كما أن التدخلات الإقليمية حالت دون توصل تركيا إلى حلول سياسية مع «الكردستاني»، بسبب إفشال هذه التدخلات محاولات وقف إطلاق النار، بدفعها عناصر من الحزب للقيام بهجمات مباغتة.

وتراجعت الحركة الكردية بشكل كبير بعد خطف الولايات المتحدة عبد الله أوجلان، وتسليمه لتركيا عام 1999، لكن التيار القومي الذي كان مسيطراً على تركيا حينها، حرمها من انتهاز فرصة هذا النصر العسكري الكبير، من أجل تقديم حل سياسي ينهي هذا النزاع. وانتظرت تركيا حتى بدأ حزب «العدالة والتنمية» مفاوضات سلام هي الأولى من نوعها مع عبد الله أوجلان في سجنه عام 2013. لكن هذه المفاوضات أيضاً باءت بالفشل بسبب المصالح السياسية الداخلية لرئيس الوزراء حينها رجب طيب إردوغان، وعودة التدخلات الإقليمية مجدداً، وبالأخص الإيرانية. وفيما كانت تركيا قد حققت انتصارات عسكرية مهمة ضد «حزب العمال الكردستاني»، بدعم أميركي في العقد الأخير، فإن الاضطرابات في سوريا سمحت للمسلحين الأكراد بأن يجدوا ملاذاً آمناً لهم، بدلاً من جبال قنديل في شمال العراق، أو جنوب شرقي تركيا.

وسياسياً، تدرك تركيا أنها من دون حل القضية الكردية لا يمكنها أن تحقق أحلامها بأن تكون قوة إقليمية أو دولية واقتصادية مؤثرة، وأنها لو كانت قد نجحت في حل قضيتها الكردية داخلياً، لكانت اليوم تتحكم في شمال سوريا وشمال العراق، وتضغط على إيران أيضاً، لو نجحت في تحويل الأكراد من عدو إلى حليف. لكن التيار القومي المسيطر على مشاعر الأتراك الذي يغذّيه بقوة الرئيس إردوغان يحول دون ذلك، لأن الثمن برأي هذا التيار، لتحويل الأكراد إلى حلفاء، هو مطالبتهم بحكم ذاتي، بما يمهّد مستقبلاً للمطالبة بدولة مستقلة تنتزع ثلث أراضي الجمهورية التركية.

وينقسم الأكراد في تركيا اليوم إلى تيارين رئيسيين: التيار الأول هو المؤيد لتوجهات «حزب العمال الكردستاني» المطالب بحكم ذاتي يشابه ما حصل عليه الأكراد في العراق؛ والتيار الثاني هو التيار الديني الذي يقبل بالوضع الحالي، ويطالب بإصلاحات ثقافية في حدود الدولة القومية التركية، وينضم إلى هؤلاء الأكراد الذين انصهروا في المجتمع التركي. فهؤلاء يقولون إن في إسطنبول اليوم أكراداً أكثر من عدد الأكراد في ديار بكر.

وعليه، فإن فكرة الحكم الذاتي تصبح غير ذات معنى هنا. وفي المقابل، يصرّ التيار الأول المدعوم بالسلاح على تقاسم السيادة مع الأتراك على أرض الجمهورية، باعتراف دستوري بوجود القومية الكردية، وعد الكردية لغة رسمية، مع حكم ذاتي في جنوب شرقي تركيا، يمكن أن ينضم بشكل كونفدرالي إلى نظيره في شمال سوريا وشمال العراق، وفق وصفة سياسية وضعها أوجلان، يرى فيها البعض ضرباً من ضروب الخيال السياسي لا أكثر.

وعليه، فإن تركيا، ومنذ عام 1999، ما زالت على مفترق طرق استراتيجي. فالغرب يدعوها للوصول إلى اتفاق مع الأكراد، وتحويل تنظيماتهم المسلحة إلى حلفاء، من أجل تحويل تركيا إلى دولة إقليمية قوية، بينما الداخل القومي يرفض ذلك، ويصر على استمرار الدولة القومية التركية. ويبدو الأكراد في الداخل منقسمين. فالأحزاب الكردية الموالية لنهج الحكم الذاتي والعمل المسلح تحصد أصوات نصف أكراد تركيا فقط، بينما يصر النصف الثاني على التصويت للأحزاب التركية بمختلف توجهاتها، وعلى رأسها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، بسبب الروابط الدينية. وما دام أن هذا الانقسام ما زال قائماً في الداخل التركي، فإنه ينعكس حتماً على علاقة أنقرة بأكراد سوريا، والتحركات الكردية الإقليمية.

فلو أن تركيا استطاعت التخلص من عقدة «الثورات القومية والدعوات إلى الانفصال»، وشكلت تحالفاً مع الأكراد بشكل عام، لبات تمددها طبيعياً في شمال سوريا، ولكانت هي الحليف الأكبر لهم، بدلاً من واشنطن. لكن ما دام أن مصلحة الرئيس إردوغان تبقى مع إذكاء التيار القومي الذي يصوت له، فإن أي نشاط كردي في محيط تركيا، خصوصاً في سوريا، سيشكل خطراً على النظام السياسي القائم في تركيا، خصوصاً أن التيار السياسي المسيطر والمهيمن على أكراد سوريا يحمل أفكار وشعارات «حزب العمال الكردستاني» نفسها، وزعيمه أوجلان، وهو يختلف عن تيارات شمال العراق السياسية البراغماتية التي تقبل بأن يبقى مستقبلها وأحلامها تحت «وصاية» الدول الإقليمية.

الشرق الأوسط

————————

لماذا تضحي تركيا بمصالحها من أجل سوريا؟/  لكحل منيف

إنشاء منطقة آمنة، عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وإحلال السلام في المنطقة، المحافظة على وحدة الأراضي السورية، وتخليص المنطقة من الإرهابيين، وبناء توازنات استراتيجية جديدة، هذه إذن هي أهداف مطروحة على أجندة الدولة التركية، بل هي على رأس أولوياتها حاليا، لأن الأمن القومي التركي لن يتحقق إلا بالأمن القومي السوري، وتفتيت سوريا يعني تفتيت تركيا، إذ تأتي رغبة (نبي الأناضول) أردوغان في إعادة تشكيل المشهد الاستراتيجي في المنطقة، وبغية منه في تحقيق التوازن الجيوسياسي وفق منظور نجم الدين أربكان « إذا رأيت أنظار العالم سلطت على سوريا فعلم أن الهدف الرئيس هو تركيا».

فتركيا اليوم تلعب دورا مهما في إعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط والمنطقة العربية، كونها دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي، وهذا الدور الذي تلعبه في المنطقة تنظر إليه الدول العربية قاطبة بعين التخوين والعمالة للغرب، متهمة تركيا (الأردوغانية) بأنها تخدم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ومع بروز الأزمة السورية إلى المشهد الدولي والإقليمي دخلت تركيا في لعبة جديدة مع حلفائها في الناتو، فأمريكا في باطنها السياسي الخارجي أعطت الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعمليات عسكرية في الشمال السوري ضد العصابات الكردية المرتزقة التي استأجرها نظام الأسد لقتل شعبه وتهجيره، ومن واجب تركيا أن تحمي حدودها وتحفظ أمنها القومي من المجموعات المسلحة الكردية، إذ لا يمكن استبعاد دور تركيا كدولة إقليمية فاعلة في العلاقات الاستراتيجية إلى جانب دول الجوار السوري مثل: إيران وروسيا والعراق.

لا شك أن التغير الذي طرأ على البيئة السياسية في هذا الإقليم المفخخ شجع إسطنبول هي الأخرى على لعب ” لعبة الأمم” والبحث عن حصتها من “السمن والعسل” ولن تقف المخابرات التركية التي يترأسها الكردي هكان فيدان كاتم أسرار تركيا مكتوف الأيدي، فالمحاولات المتكررة لتفكيك العراق والحشد العسكري الأمريكي – الروسي في سوريا، ومطامع فرس إيران الشيعية، وحلم المرتزقة الأكراد في تأسيس دويلة لهم، كل هذه المعطيات تشير إلى وجود مخطط إقليمي – دولي ضد تركيا السنية على وشك أن يبدأ، وفي المقابل بدأ الأتراك يمسكون ” بشعرة معاوية” ويتحولون من منطق (الخطر العربي) إلى منطق (الخطر الكردي) المدعوم من تل أبيب وواشنطن والذي بدأ هو الأخر يلعب دورا رئيسيا في المنطقة.

ومن هذا المنطلق، أصيبت السياسة الخارجية التركية بحساسية إزاء أمنها القومي، الأمر الذي دفعها إلى إطلاق عملية عسكرية ” نبع السلام “، والتي تهدف أساسا إلى القضاء على إرهابي الكرد وداعش وبناء منطقة آمنة، إذ تستمر الجهود العسكرية التركية لمعالجة الأزمة السورية التي باتت تهدد أمنها على الحدود السورية – التركية.

فتواجد الانفصاليين الأكراد بشقه المسلح والسياسي على الحدود التركية يؤرق أنقرة، ما دفعها إلى التنسيق مع الجيش الوطني السوري ومع القوات المسلحة التركية لتطهير الشمال السوري من منظمة (بي.كا.كا) و (واي.بي.جي) وبقايا داعش الإرهابية، فتركيا لن تسمح بإنشاء “إسرائيل جديدة ” على الحدود التركية – العربية ممثلة في دويلة كردية عنصرية تسلحها تل أبيب وتدعمها واشنطن، فميلاد هذا الكيان الكردي سيؤدي إلى تقسيم سوريا والعراق وتركيا وبناء منطقة توتر جديدة لصراع الأديان السماوية مستقبلا، فهذه العصابات الكردية المسلحة التي استأجرها نظام بشار الأسد لقتل شعبه وتهجيره لن تفلح في اقتطاع جزء من أراضي سوريا لبناء كيانها الذي سيعيد ترتيب المصالح والنفوذ وانهيار النظام الإقليمي وسيادة الفوضى .

ومن المؤسف أن توضع سوريا في هذا الموقف الذي يهلك المنطقة، فتركيا ستقف هذه المرة في وجه السياسات الأمريكية والإسرائيلية التي تهدف إلى تفتيت تركيا عن طريق إضعاف سوريا وتأسيس دولة كردية، ولن يسمح أبدا بميلاد إقليم كردي في الشمال يفصل تركيا عن دورها العربي والاستراتيجي الإسلامي، ويمكن القول أن تركيا تعد طرفا فعالا في ما يسمى ” قوة المطرقة المتأهبة” للدفاع عن الأكراد وحمايتهم وحقوقهم السياسية تحت لواء الدول التي ينتمون إليها (سوريا، العراق، تركيا)، ومن غير المعقول أن تقوم دولة كردية على الحدود المتاخمة لتركيا مع المنطقة العربية.

تركيا تشعر بأنها مستهدفة من الغرب، كونها مفتاح الشرق الأوسط الجديد، ولتحقيق أهدافها الاستراتيجية طرحت خطتها الأمنية ” نبع السلام” لامتصاص أي فراغ أمني وإيديولوجي لبروز ما يسمى ب(أكراد سوريا، أكراد العراق، أكراد تركيا) في حلم دولة كردستان، وهو الأمر الذي يدفعها لحماية وحدة الأراضي السورية وإعادة توطين المهاجرين السوريين في الشتات، وليس من مصلحة الولايات المتحدة وروسيا أن تحل أزمة سوريا والأكراد، لكن من مصلحتهما أن تمسكا بخيوط المشكلة، وأن تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الأمريكية – الروسية، ولكن لا يمكن الاستغناء عن تركيا فهي مهمة للاستراتيجية الأمريكية في مواجهات قادمة مع دول المنطقة.

———-

الدوامة الجيوساسية التركية/ بينار تانك

تلقّى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من تشرين الأول/أكتوبر للتقدم باتجاه شمال شرق سورية. وجاءت هذه الخطوة تتويجاً لسنوات من الضغوط التي مورست على واشنطن من أجل السماح بشن عملية تركية ضد إقليم روج آفا الخاضع لسيطرة الأكراد. والهدف المعلَن للحكومة التركية من عملية “نبع السلام” هو فرض الأمن عند الحدود التركية وإنشاء “منطقة آمنة” على طول 30 كيلومتراً حيث تنوي تركيا إعادة توطين نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري موجودين على أراضيها. هذا ويشكّل شمال شرق سورية – الخاضع للسيطرة الكردية بحكم الأمر الواقع منذ عام 2012 – شوكة في خاصرة الحكومة التركية التي ترى في الحكم الذاتي الكردي تهديداً ضمنياً لتمامية الأراضي التركية.

تعتبر تركيا أن وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، يُشكّلان امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم كردي انفصالي. وأيديولوجيا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، الموجود في السجن هي بمثابة عامل ربط بين هذه المجموعات. يُشار إلى أن وحدات حماية الشعب هي التنظيم الأساسي في قوات سورية الديمقراطية، وكانت حتى فترة وجيزة حليفة للولايات المتحدة، وتعمل على محاربة الدولة الإسلامية في سورية. وإزاء التهديد بترسيخ الأكراد موقعهم، تدخّلت تركيا مرتين سابقاً، لدفع الأكراد أكثر نحو الشرق في الجزء الشمالي من محافظة حلب (عملية درع الفرات في 2016-2017)، وانتزاع السيطرة منهم  في منطقة عفرين (عملية غصن الزيتون في عام 2018).

وكان تجدُّد المواجهة متوقَّعاً على نطاق واسع، على الرغم من الجهود التي بذلها الأكراد، بوساطة أميركية، لإبعاد التدخل التركي، من خلال تقديم بعض التنازلات تلبيةً للمطالب التركية. وفي السابع من آب/أغسطس، اضطُرَّت قوات سورية الديمقراطية إلى القبول بدوريات تركية-أميركية مشتركة للحؤول دون حدوث تدخل تركي. ولكن لم تُحدَّد التفاصيل المتعلقة بعمق المنطقة الآمنة ونطاقها، وقد حذّر أردوغان من أن تركيا سوف تتحرك أحادياً في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إقامة المنطقة الآمنة. وفي 11 أيلول/سبتمبر، انتقد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو التأخير في إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سورية، وتعهّد بطرد قوات سورية الديمقراطية الخاضعة لسيطرة الأكراد من هيكليات الحكم في منبج.

وبعد أيام قليلة من بدء عملية “نبع السلام” التركية، أشارت تقديرات الأمم المتحدة في 11 تشرين الأول/أكتوبر إلى نزوح 100000 شخص في شمال شرق سورية. ويُتوقَّع أن تستمر الأعداد في الارتفاع بعد الهجمات الجوية والقصف في رأس العين وتل أبيض. وقد أعلن أردوغان في 14 تشرين الأول/أكتوبر أن قواته المؤلَّفة من الجنود الأتراك والميليشيات المختلفة المنضوية تحت لواء الجيش الوطني السوري سوف تتقدّم باتجاه منبج الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية. يزعم الرئيس التركي أن التقدم نحو المدينة التي تضم 100000 نسمة هو محاولة لإعادة توطين “العرب والقبائل الذين هم أصحاب الأرض الحقيقيون” في المنطقة. وفي مواجهة احتمال قيام تركيا بتوسيع هجومها أكثر في الجنوب والغرب، تحوّل الأكراد نحو نظام الأسد، وامتداداً روسيا لمساعدتهم في التصدّي للتقدّم التركي.

تشكّل منبج الآن نقطة المواجهة المقبلة للقوات التركية وميليشياتها التي تخوض قتالاً ضد تحالف القوات الكردية والسورية المدعومة من روسيا. يعكس التحوّل السريع إنما المحتوم في التحالفات الكردية حاجة الأكراد إلى الحماية، لا سيما من الميليشيات المتحالفة مع تركيا والمنضوية تحت لواء الجيش الوطني السوري. لبعض هذه الميليشيات روابط مع تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، وهي متّهمة بارتكاب جرائم حرب محتملة منها قتل هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سورية المستقبل الموالي للأكراد. يُشار إلى أن الجيش الوطني السوري يتألف من عناصر من الجيش السوري الحر فضلاً عن ميليشيات نظّمتها تركيا قبل التوغل. ولدى هذه الميليشيات حسابات تريد تصفيتها مع الأكراد.

وقد قررت الولايات المتحدة سحب جميع قواتها في 13 تشرين الأول/أكتوبر، خوفاً من أن “تصبح عالقة بين جيشَين متناحرين يتقدمان على الأرض”. وعلى الرغم من أن القرار الأميركي بالانسحاب كان مباغتاً، لم يُشكّل مفاجأة للأكراد. لطالما استخدمت قوى إقليمية المجموعات الكردية من أجل الحصول على تنازلات من قوى أخرى. تاريخياً، تمحورت العلاقات الثنائية بين تركيا وسورية حول اتفاقات الهدف منها السيطرة على تطلعات الأكراد لإقامة دولتهم الخاصة. ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، تمكّن الأكراد أيضاً من تعزيز مكانتهم إزاء القوى الإقليمية. فقد حرصوا على عدم استفزاز النظام السوري في بداية النزاع، ولاحقاً عمدوا إلى تحصين مكاسبهم من خلال التزامهم بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد ضحّى الأكراد بالآلاف من مواطنيهم ويتولون راهناً حراسة ما يزيد عن 11000 سجين من تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم، فيما تشتد المخاوف من أن بعض هؤلاء يلوذون بالفرار وسط الفوضى التي يتسبب بها الهجوم التركي. وظهرت حتى تكهنات بأن قوات سورية الديمقراطية قد تفرج عمداً عن مقاتلين من الدولة الإسلامية، لكن هذا الأمر غير وارد نظراً إلى أن هؤلاء سيسعون بصورة أساسية إلى الثأر من الأكراد أنفسهم.

التعاون الكردي مع الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية أتاح للأكراد، حتى فترة غير بعيدة، السعي من أجل تعزيز الحكم الذاتي فيما يحصلون على الحماية من التدخل التركي. ولكنهم اضطروا، على ضوء فقدان الدعم الأميركي وتحالفهم الحالي مع النظام السوري، إلى إعادة التفاوض على مكاسبهم، وفي هذا الإطار، قبِلوا بالتخلي عن بعض الأراضي مقابل حصولهم على الحماية. وعلى الرغم من ذلك، قد تنظر الدولة السورية في السماح بمستوى معيّن من الإدارة الذاتية الكردية من أجل استخدامه أداة ناجعة في التعامل مع تركيا. يقول صالح مسلم، المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، إن الأكراد سيطالبون بـ”الاعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية، والاعتراف بحقوق الأكراد في الدستور” في المحادثات بشأن مستقبلهم التي ستنطلق قريباً في دمشق.

يقع على عاتق روسيا، التي هي بمثابة سمسار السلطة في سورية، الحؤول دون حدوث تصعيد في الأعمال العدائية من شأنه أن يؤدّي إلى اندلاع مواجهة مع تركيا. لقد صرّح المبعوث الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف، في 15 تشرين الأول/أكتوبر، أنه “لن يكون مقبولاً اندلاع قتال بين تركيا وسورية… وبالطبع لن نسمح بحدوث ذلك”. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الدور الأساسي الذي تؤدّيه روسيا في سورية، مقروناً بالتباينات مع الولايات المتحدة على خلفية دعمها للأكراد، دفع بتركيا إلى التقرب أكثر من دائرة النفوذ الروسية. وفي عام 2018، فتحت روسيا مجالها الجوي أمام تركيا لانتزاع السيطرة من الأكراد في منطقة عفرين. وبالنسبة إلى بوتين، أتاح له هذا التحالف مع تركيا تحقيق هدفه المتمثل في إضعاف حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحد من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. في الوقت الراهن، سوف تؤدّي العلاقات بين بوتين وأردوغان دوراً أساسياً في التوصل إلى حل يحول دون اندلاع مواجهة مباشرة. لطالما عارضت تركيا منح الأكراد حكماً ذاتياً، مشددةً على أنها “تنتهج سياسةً الهدف منها الحفاظ على تمامية الأراضي السورية”. تستطيع روسيا إذاً أن تستخدم هذا المنطق للإصرار على انسحاب القوات التركية بعد إنشاء “منطقة آمنة” عند الحدود التركية من أجل إعادة اللاجئين السوريين إليها. وقد يكون أحد الحلول المقبولة إعادة إحياء اتفاق أضنة العائد لعام 1998، على أن تؤدّي روسيا دور الضامن له. فهذا الاتفاق الذي أُبرِم بين تركيا وسورية يُجيز لتركيا التدخل في حال كان أمنها مهدَّداً. في مختلف الأحوال، سيبقى وكلاء تركيا موجودين على الأرض ويمكن استخدامهم ضد سورية عند الاقتضاء. أما بالنسبة إلى الأكراد فالعودة إلى حضن الأسد هي مسعى أخير للحصول على الحماية فيما يتخلون عن حلم الحكم الذاتي الذي علّلوا أنفسهم به طوال خمس سنوات.

بينار تانك باحثة رفيعة المستوى في “معهد أبحاث السلام-أوسلو” (PRIO)، متخصصة في السياسات الداخلية والخارجية التركية مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط. لمتابعتها عبر تويتر: @PinarTank1.

صدى

—————-

بعد الاتفاق التركي الأميركي/ سمير صالحة

تتمسك بعض العواصم العربية والأوروبية بتصوير الاتفاق التركي الأميركي الأخير حول تعليق العمليات العسكرية التركية ضد وحدات الحماية لتمكينها من مغادرة مدينة رأس العين بعد تسليم أسلحتها وتدمير تحصيناتها ولتطهير منطقة بطول 120 كم وعمق 30 كم وتكون جزءا من مشروع المنطقة الآمنة، على أنه اتفاق على وقف إطلاق النار وهزيمة لأنقرة التي فشلت في تحقيق أهدافها نتيجة الضغوطات الأميركية.

لا بأس في ذلك إذا ما كان يرفع من معنوياتهم في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها بعد كل الحملات الإعلامية وقرارات التنديد والإدانة ومواصلة التلويح بالعقوبات ضد تركيا خصوصا قبل وصول نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى العاصمة التركية “في مهمة فاشلة لا محالة” فجاءت تغريدة ترمب المسائية حول الوصول إلى تفاهم بمثابة الضربة القاضية. في الصباح كان يقال لنا أن “أردوغان بات ظهره إلى الحائط ولم يعد لديه هامش المناورة مع واشنطن”. في المساء جاء الرد “خيبنا آمالكم فاعذرونا”.

الاتفاقية هي تركية أميركية حول انسحاب مجموعات وحدات الحماية من رأس العين وفتح الطريق أمام تكريس المنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة وتفكيك مشروع “قسد” المرتبط بهدف التفتيت والانفصال في سوريا ثم تحصين الرئيس دونالد ترمب لمواقعه في المشهد السياسي والانتخابي الأميركي المقبل.

لكن روسيا هي الرابح الأكبر، بعدما أمنت إعادة انتشار قوات النظام في مناطق سورية جديدة بينها نقطة الصفر في الحدود التركية السورية وحققت الكثير مما تريده من أهداف ميدانية وسياسية. ناهيك عن تمدد روسي استراتيجي أمام السواحل السورية والمتداخلة مع منطقة شرق المتوسط الغازية والقواعد العسكرية التي تعطيها فرصة التمركز في قلب الشرق الأوسط من جديد.

الخاسر الأول والأهم هو ” قسد” ومشروعها في سوريا. كانت تتنقل من حضن إلى حضن أما اليوم فهي تتنقل من جرن إلى جرن. آخر ما بقي لها هو الهرولة نحو دمشق مجددا لتسليمها عبر وساطة روسية المناطق والقرار والخيار مقابل حمايتها من الغضب التركي. هل التحرك بهذا الاتجاه يرضي الحارس الأميركي أم أن واشنطن التي تستعد للمغادرة هي التي نصحتها بذلك بعدما لم يبق بيدها أية أوراق تلعبها؟

العملية العسكرية التركية كانت الفرصة التي يحتاجها العديد من العواصم العربية للمجاهرة بموقف العداء والرفض لحكومة العدالة والتنمية وسياساتها الإقليمية إلا أن الاتفاقية التركية الأميركية جاءت سريعة باتجاه تخييب الآمال والرهان على طلاق بين أنقرة وواشنطن يطيح بالحزب الحاكم في تركيا. العديد من الدول العربية كانت السباقة في إقامة قنوات التواصل والحوار مع دمشق وتجاهلت التوغل الأميركي في سوريا ودعمت تحركها في شرق الفرات والرهان على المجموعات الانفصالية هناك واستقبال قيادات “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي في السر والعلن للعب ورقته ضد تركيا. عواصم كثيرة في المجموعة العربية بين الخاسرين أيضا وما تنتظره هذه المرة هو خلاف تركي روسي أو قرع أبواب طهران للمصالحة معها علها تقدم بعض الخدمات ضد تركيا في سوريا والعراق والمنطقة. ربما أفضل ما يمكن أن تفعله هذه العواصم هو حفلة تكريم عاجلة لبشار الأسد تقديرا لصموده في وجه الكثير من محاولات إزاحته التي خططت لها وأشرفت عليها.

أوروبا أيضا في وضع لا تحسد عليه بعدما راهنت على إمكان تلقين أنقرة الدرس من خلال لعب الورقة الكردية الضاغطة في الكثير من مدنها سياسيا وانتخابيا. فحاولت التقاط فرصة التنديد بالعملية التركية وإدانتها في مجلس الأمن لكنها وجدت أن كل ما بمقدورها فعله هو إقرار بعض العقوبات على أنقرة التي ستنعكس عليها هي سلبا أكثر مما قد تؤثر على تركيا. فموضوع اللجوء ومسألة الدواعش وتراجع فرصة “قسد” ستكون في مقدمة الملفات التي ستضعها أنقرة على الطاولة ما إن تنتهي فترة انسحاب وحدات الحماية ويلتقط الرئيس التركي أنفاسه بعد العودة من لقاء الرئيس الروسي بوتين وإنهاء زيارته إلى البيت الأبيض منتصف الشهر المقبل.

الموضوع الإيراني هو الأكثر غموضا في المرحلة المقبلة. كيف ستحسم التفاهمات الأميركية الروسية حوله ومن سيتحمل أعباء فاتورة توريطه في مصيدة إقليمية تكون أبعد بكثير من الموضوع السوري؟ أم أن المفاجأة قد تكون أضعاف النفوذ التركي لصالح الصعود الإيراني والإسرائيلي وأرجاء مسألة الحسم مع إيران إلى مكان وزمان آخر إرضاء للبعض وريثما تجهز الطبخة؟

النظام السوري سيبقى دوره هامشيا ومرتبطا مباشرة بالقرار الروسي في الحل السياسي الانتقالي. موسكو تبحث عن العرض الأنسب لحسم موقفها وهو لن يكون بعد الآن الاصرار على دعم النظام إذا ما قدم لها العرض الأميركي الإسرائيلي المغري من خلال الإطاحة بالعصفور الإيراني عبر توريطه أكثر في الملفات السورية والعراقية واللبنانية واليمنية. الغامض حتى الآن هو متى وكيف سيدخل النظام مجددا إلى شرق سوريا وفي إطار أية تفاهمات مع ” قسد ” المتهمة بزرع الفتن بين الشعب السوري من قبله؟ كيف سيسحب البساط من تحت قدميها وهل ستعطيه مفاتيح مخازن السلاح الأميركي المقدم إليها وترشده إلى مكانها؟ وهل سيكون هناك تفاهمات تركية روسية على ذلك؟ هل ستقبل أنقرة بالتخلي عن التمدد أكثر من ذلك في إطار خطة المنطقة الآمنة؟ وما الذي ستقدمه موسكو من ضمانات وعروض تساهم فعلا بإعلان جاهزية الطبخة السياسية في سوريا؟ موضوع إدلب لم يحسم بعد. وكأننا نسمع صوتا يتحدث عن مقايضات مؤقتة ترضي الجميع وتسرع ترتيب طاولة الحلول؟ وكأننا نسمع أيضا من يذكرنا أن النظام مصر على طاولة مفاوضات تعدها موسكو له مع الأتراك الذين يكتفون بحوار الضرورة.

إسرائيل مجبرة على إرجاء خطة الوصول إلى نهري دجلة والفرات إلى وقت أخر فهي خسرت الرهان على حصان “قسد”. لكن ما تملكه هو جماعات مدربة مدججة بالسلاح من وحدات الحماية وعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الذين قد يعودون إلى جبال قنديل بانتظار الفرصة القادمة.

العديد من القوى السورية المعارضة أغضبها مشاركة الجيش الوطني السوري في العملية العسكرية التركية. إذا ما تسلم هو إدارة المناطق التي تم تحريرها من قسد ونجح في تحمل هذه المسؤولية فهي ستعطيه الفرصة لدعم قوى المعارضة السورية الأخرى في التفاوض على شكل ومسار خطة المرحلة الانتقالية سياسيا ودستوريا في البلاد وهو بين أفضل الخيارات الممكن أن تقدم عليها أنقرة في القريب العاجل.

احتمالات وقوع الخلاف بين أنقرة وموسكو مستبعد تماما إلا إذا نجحت واشنطن وتل أبيب وطهران وبعض العواصم العربية والأوروبية في توحيد جهودها لضرب هذا التنسيق الذي سهل وجود السياسي الروسي ألكسندر لافرنتييف في القصر الرئاسي التركي قبل دقائق من وصول نائب الرئيس الأميركي.

تلفزيون سوريا

———————

لأجل نبعِ سلام كهذا فلنقاتِل/ إيمان محمد

كأيّ سوريّ أتخبّط بين حالة من اليأس والأمل في آنٍ معاً وأنا أتابع نبع السّلام، هذه الحملة التي يجب أن أعترف بعدم استساغتي لاسمها، كون بركاناً من الحرب ما زال ثائراً إلى الحد الذي لا يمكن لأي نبعٍ أن يخمده فجأة، ويجب أن أعترف لنفسي قبل أي أحد آخر، أن عدم استساغتي هذه لن تقدّم أو تؤخر من كونها باتت واقعاً، وسُجِّلت هدفاً في المرمى التركي برعاية أمريكية منقطعة النظير، أدرك تماماً – كأيّ سوريّ- أن للدول مصالح في وطني، وأيّ تحرّكٍ لتلك الدول مهما غُلِّف بشعارات جميلة، فهو يصبّ في مصلحة تلك الدّول لا أكثر، فلِمَ علينا أن نثبّت ردات فعلنا ما بين تفاؤل أو يأس؟ الجواب بدهي فعلاً؛ لأننا أصحاب هذه الأرض.

لقد أغرق كثير منّا بالتّفاؤل بأهداف نبع السّلام ونتائجها، فاعتبروها تحريراً ونصراً مؤزراً للثّوّار على قسد، وتطلّعت آمالهم إلى شمالٍ سوريّ نظيفٍ من النظام وحلفائه وأتباعه وكلّ عدوّ للثّورة، حلموا – ويحقّ لهم أن يحلموا- بمنطقةٍ آمنةٍ، لا طيران يقصف بيوت المدنيين، ولا قذائف تطول أطفالهم، لا زلازل لا تجارب لأسلحة صُنعت في روسيا وإيران، لا تهديد بعودةٍ لسياط النظام وزنازينه، تفاءلوا بدير الزّور حرّة من المحتل، وبالرّقّة والحسكة دون ظلم وتضييق وقهر، تابعتُ عبر مواقع التواصل أفكارهم التي نشروها حالمين آملين بالخلاص، تماماً كما تابعت مظاهراتهم التي خاطروا بأنفسهم عبرها ليرفضوا النظام وأشباهه في أرضهم، حق لكل سوريّ حرّ أن يأمل، فهو شريكٌ قويّ في المعركة كما صرّح بذلك الرئيس أردوغان بنفسه، وكما شهدنا بأنفسنا زحف الجيش الوطني لتحرير الأرض وتخليص الناس من الاستعباد في كلّ بقعة يعبرونها، وكما تلقينا بغصّة وداع أوائل شهداء الثورة، وداع وفد جديد من ثوار صادقين رحلوا وهم يحملون الأمل بيدٍ، والبندقية في اليد الأخرى، فاستشهدوا وقدموا الدم رخيصاً لعل الحرّيّة لسواهم تكون المكسب الذي يتحقق، ولأجل ذلك كلّه تفاءل أصحاب الأرض، ومنهم من بالغ بتفاؤله ففكر بامتداد جغرافي يجعل الأخضر يمتد في كل سورية، وذاك حلمٌ محق، لكن نبع السّلام لن يسقي كل تلك الأرض، الواقع والحقائق هي التي تقول ذلك.

على الجانب المقابل هناك من أغرق بالتشاؤم، واعتبر الحملة وبالاً على السوريين، وهذا حقه أيضاً، فحماية تركيا لحدودها أمر يصب في مصالحها فقط، وأي شريط أخضر هو محض وهم، وبأن الحملة حققت مكاسب للنظام أكثر مما حققته من مكاسب للثوّار، وقد خَبر السوريون الاتفاقيات الدولية في سورية، ومسائل الهُدن الكاذبة، وكيف تخمد نيران القصف والقتل وتهدأ المجازر قليلاً ثم تعاود الكرّة فجأة، ليعود التفاوض على أرضٍ جديدة، ليشعر كل إنسان سوريّ بأنه كُرة في ملعب يتقاذفها الجميع، وقد سُلبت منها الإرادة، وباتت محتلّة الأركان فاقدة معنى الوجود، مسلوبة روح الثّورة.

وإن تساءلنا بموضوعيّة تامّة من نلوم؟ سيكون من العبث أن نلوم دولاً ترعى مصالحها، وترعى حدودها، وتسعى لتدعيمها بكل السّبل الممكنة، وسيكون من الظّلم أن نتابع جلد أنفسنا بعد كل التضحيات والدماء المقدّمة، وسيكون من العقل أن نفكّر بمصالح سورية، وأن نصبّ جهودنا في إيجاد كل المكتسبات الممكنة من التحركات الدولية الحاصلة على أرضنا، علينا أن نثبّت أماكننا، ونلمّ شتاتنا، ونحدد أهدافنا واضحة، وعلى ضوئها تغدو تحركاتنا وتحالفاتنا ومواجهاتنا واضحة المغزى، واضحة المعنى، عبرها تثبت إرادة الشعب، ويكون التفاؤل منطقياً باجتماع بعد شتات، وقوّة بعد ضعف، ويكون التشاؤم حافزاً لتدارك نقاط الضعف، دافعاً للتغيير، بدل من أن نكون أداة على أرضنا نصنع أدواتنا، ونستعيد كياننا المهدد بالتلاشي، الأمر الذي يتطلب جدّيّة وصدقاً وتضحية، ويتطلب منّا  أن نؤمن أكثر بقضيتنا، فلا نتخلى عنها بل نرسّخها أكثر، ونحول إيماننا بها إلى واقع.

السّلام الحقيقي لسوريا لن ينبع إلا من السوريين أنفسهم، والمناطق الآمنة لن تكون آمنةً بالمطلق، ما داموا يفتقرون إلى أدنى مقوّمات خلاصهم، والبؤس لن يُرفع عن شعب، والقهر لن يتلاشى، والكرامة لن تُستردّ إلا بأيديهم وحدهم، ولأجل نبعِ سلام كهذا فلنقاتِل.

تلفزيون سوريا

—————-

المستويات الثلاثة في الردود الدولية على عملية “نبع السلام”/ محمد السلوم

توقفت عملية “نبع السلام”، بعد أن حققت أهدافها “التركية” بتحقيق “منطقة آمنة”، وكذلك كسب كل من النظام السوري وروسيا المزيد من المناطق، رغم معارضة أبنائها الشديدة لعودته، فمنذ أن بدأت العملية العسكرية التركية مع الجيش الوطني السوري، دخلت المنطقة في قلب سجال دولي سياسي بين مختلف دول العالم، وكانت المنظمات الدولية الرئيسية معنية بهذه العملية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حتى جامعة الدول العربية، وعادت سورية لمربع الاهتمام الأول في العالم. كما أن الخلافات بين الدول حول تلك العملية تمنع اتخاذ إجراءات عقابية بحق تركية، ولكن زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس سحبت فتيل الحرب، وأنجحت عملية “نبع السلام”، بإعلان وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 120 ساعة، مقابل تخلي حزب (ب ك ك) عن سلاحه الثقيل، والانسحاب إلى ما وراء خط الـ 30 إلى 35 كم، وهو نجاح باهر وتاريخي للسياسة التركية، ولعملية “نبع السلام”، حيث حققت تركيا أهدافها بالفعل، على الرغم من ردود الفعل العالمية الغاضبة. وبالمقابل كسبت قوات النظام السوري المزيد من المناطق في ريف الحسكة، وريف الرقة وريف حلب الشمالي، نتيجة تسليم حلفاء النظام من الأكراد تلك المناطق.

وقد اتخذت تلك الاختلافات ثلاث مستويات رئيسية، في مواجهة ما أسماه بعض الأوروبيين “الغزو التركي”، وهناك من أصبح يندب حظ “الأكراد” المتعثر في إقامة دولتهم الموعودة منذ معاهدة فيرساي بعد الحرب العالمية الأولى، وهناك صحف أوروبية وصفت الرئيس الأميركي ترامب “بالخائن”. بالمقابل رحّب كثير من السوريين والعديد من دول العالم بتلك العملية، التي تنهي حلم “روجآفا” بعد نهاية “داعش”، وهي النهاية السريعة الثانية لثاني ثورة مضادة للثورة السورية المناهضة لنظام الأسد، وبعملية “نبع السلام”، وقبلها عمليات التحالف الدولي، تسقط دويلتان مارقتان في التاريخ السوري: “داعش” الإرهابية و”روجآفا” الانفصالية، وكلتاهما حليفتان للأسد. فقد سلمت (داعش) قوات النظام أكثر من ستين قرية بريف حلب، خلال عملية “درع الفرات” عام 2016، واليوم يسلم (ب ك ك) عدة مناطق للنظام شرق الفرات وريف حلب الشمالي.

فما هي المستويات الثلاثة المناهضة للتوغل التركي الأخير بالأراضي السورية بعد “درع الفرات” 2016، و”غصن الزيتون” 2018؟

مستوى الدول المعنية مباشرة بالحرب السورية:

وهي الدول التي تورطت مباشرة في الصراع السوري من الناحية العسكرية، أي الولايات المتحدة وروسيا وإيران و”إسرائيل”، وبدرجة أقل بريطانيا التي لديها قاعدة عسكرية جنوب شرقي سورية.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة كان موقفها مربكًا للغاية، فهي من أعطت “الضوء الأخضر” للبدء بعملية “نبع السلام”، لإنهاء الانفصاليين الأكراد، وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البداية سحب القوات الأميركية من الحدود التركية السورية، وبالتالي إنهاء العقبة الأخيرة أمام التدخل العسكري التركي.

ولكن خلافات البيت الأبيض والبنتاغون مع الرئيس ترامب، أدخلت السياسة الأميركية بحالة من التخبط، فالأكراد بالنسبة إليهم حلفاء لسنوات في الحرب ضد (داعش)، فظهرت تغريدات ترامب متناقضة فتارة يهاجم الأكراد بأنهم لم يشاركوا الأميركيين بتحرير النورماندي بالحرب العالمية الثانية، وتارة أخرى يهاجم الأتراك ويهددهم بتدمير اقتصادهم، فضلًا عن التلويح بإقرار البيت الأبيض فرض عقوبات اقتصادية على مسؤولين أتراك، ورفع ضريبة الحديد التركي للولايات المتحدة بنسبة خمسين بالمئة.

وتسببت ما سميت “خيانة” ترامب للأكراد، بانقسامات بين البيت الأبيض والحزب الجمهوري الأميركي الحاكم ذاته والكونغرس الأميركي الذي رفض الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية، مما أدى إلى خلط الأوراق، لكن المرجح أن خط الرئيس الأميركي هو الذي سيسود من ناحية المنطقة الآمنة، فتركيا هي عضو بحلف الناتو في النهاية. وبالفعل هذا ما تم يوم الخميس 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، باتفاق بنس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بوقف إطلاق النار، وإقرار المنطقة الآمنة، ونهاية عملية لأحلام الانفصاليين.

أما روسيا فقد شابهت الولايات المتحدة في موقفها، فليس لروسيا علاقات متضاربة مع الانفصاليين الأكراد السوريين، ولا حتى الإرهابيين الأكراد الذين يهددون أمن تركية، والمتواجدين بالأراضي السورية وجبال قنديل، ولم تظهر إشكاليات حقيقية بين الروس والأتراك، في عملية “غصن الزيتون” التي حُررت فيها عفرين من قبل الجيش التركي والجيش الحر، فيما عدا إشكال واحد بداية “غصن الزيتون” عام 2018، لكن العملية نجحت بالنهاية باجتثاث عناصر (ب ك ك) من عفرين السورية. وكما فعل الأميركيون اليوم مع “نبع السلام” إذ ضحوا بعلاقاتهم مع الأكراد لمصلحة الأتراك، كذلك فعل الروس في عفرين. في سبيل الحفاظ على الصداقة مع الأتراك. ولكن ظهر الإرباك الروسي مع قوات النظام في منبج.

فروسيا مستفيد كبير في النهاية من تراجع الوجود الأميركي في سورية، وملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي، وهدفها من البداية أن تكون العملية سريعة ومحدودة، لإرساء ما تسميه “الاستقرار” في سورية، وإنجاز “الدستور” السوري، بحسب أستانا التي تجمع كلًا من روسيا وتركيا وإيران. مع العلم روسيا هي الحليف الكبير لنظام الأسد منذ تدخلها المباشر عام 2015، إضافة إلى إيران. وكما يبدو كانت بانتظار العملية التركية مع الجيش الوطني السوري، وانسحاب القوات الأميركية، لتتمكن من بسط سيطرة حليفها النظام على مدن دير الزور والرقة، وذكرت الليبراسيون الفرنسية أن روسيا هي التي دفعت أنقرة إلى تخفيف حدة التوتر على الأرض، بالرغم من تبجح نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بتوصله إلى وقف إطلاق النار. وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها، يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أن الخاسر الأكبر هم الأكراد والغرب أيضًا، وأن نظامًا سوريًا جديدًا وُلد منذ عشرة أيام.

أما إيران فموقفها معقد للغاية، فهي حليف نظام الأسد الرئيسي، وتحتل دمشق، وحليف لروسيا، كما أنها صديقة تركيا، ومع ذلك لا تستطيع أن تنفر الأكراد السوريين منها. وقد أعربت خارجية نظام الملالي في طهران عن شكوكها بالعملية التركية، ولكنها تتفهم الأسباب المتعلقة بالأمن التركي، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إزالة الأكراد من حدودها الجنوبية، لكنها دعت بالوقت نفسه لوقف العملية والانسحاب من الأراضي السورية، هذا الإرباك الإيراني في البيان نتيجة خشيتها من أكراد إيران، ومخاوفها من إثارة اضطرابات في المناطق التي يقطن فيها الأكراد في إيران، فكانت ردة فعلها ملونة. كما أن صداقة تركية مهمة جدًا هذه الفترة، في ظل تصاعد توترها مع المملكة العربية السعودية، والتوتر الشديد والمرتفع للغاية مع الولايات المتحدة الأميركية. أما العراق فهو يشاطر إيران ذلك الموقف، على الرغم من تنديده به، حيث يتمتع الأكراد شمالي شرقي العراق بالحكم الذاتي، وشاركت قوات البيشمركة بالحرب ضد (داعش)، وبالتالي يحاول العراق إظهار حزمه ضد العملية التركية لترطيب أجواء الأكراد العراقيين، وعدم إدخال العراق في دائرة فوضى إضافية، في الوقت الذي تتصاعد فيه شدة انتفاضة العراق ضد إيران وسلطات بغداد التابعة لإيران.

أما “إسرائيل” فقد استخدمت نغمة قاسية، في ردة فعلها على عملية “نبع السلام”، ووصفته “بالغزو التركي للمناطق الكردية في سورية”، وحذرت من خطر “التطهير الديموغرافي”، وأكدت أنها مستعدة لتقديم “المساعدات الإنسانية للشعب الكردي الشجاع”. وتُفسر ردة الفعل الإسرائيلية على العملية التركية بالأراضي السورية بأنها نتيجة للعلاقات غير المثالية بينهما منذ سنوات، حيث تتهم “إسرائيل” تركيا بدعم حركة حماس، على الرغم من أن المسافة التي تفصل بين العملية وحدود الكيان الصهيوني 800 كم، وبالتالي لا تشكل تهديدًا جديًا “لإسرائيل”. ولكن الخشية الإسرائيلية تتلخص بسؤال: “هل ستتخلى عنا الولايات المتحدة ذات يوم كما تخلت عن الأكراد؟”. وهل يمكن “لإسرائيل” أن تستمر في الثقة بالولايات المتحدة؟ كما كتب ديفيد هالبفينغر في نيويورك تايمز.

مستوى الدول الأوروبية القلقة من عودة إرهاب (داعش) :

أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا يدين “العمل الأحادي”، ويطالب “بإنهاء الأعمال العدائية”، وذكر مجلس الاتحاد الأوروبي أنه يعارض “أي محاولة للتغيير الديموغرافي” في المنطقة، مشيرًا إلى “تطهير عرقي” محتمل للأتراك يستهدف الأكراد السوريين، وقدم أعضاء الاتحاد الأوروبي كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبولندا، إضافة إلى بريطانيا، مشروعَ قرار لمجلس الأمن، وقد عارضته كل من الولايات المتحدة وروسيا، فلم يسفر عن أي شيء.

وقلق الاتحاد الأوروبي قائم على أمرين أساسيين وهما: أن الهجوم التركي قد يسبب المزيد من الهجرات وتدفق اللاجئين السوريين لأوروبا، وأن زعزعة استقرار شمال شرقي سورية قد تعيد إحياء (داعش) وتحرّر المعتقلين الدواعش من السجون الكردية. لكن الولايات المتحدة طمأنت الاتحاد الأوروبي بأن السجناء الدواعش تم نقلهم إلى سجون سرية، وأن محاولات الهروب التي تمت من مخيم عين عيسى قرب الرقة لم تكن ذات أهمية، بالرغم من تحرير الأكراد لسجناء (داعش) قبيل تحرير مدينة تل أبيض العربية على الحدود السورية، ومن تل السمن قرب الرقة، مع العلم أن معظمهم عائلات من النساء والأطفال. وحاول الاتحاد الأوروبي إقناع المجتمع الدولي بمخاوف مقنعة. أما فرنسا فلديها استثمارات شركة (لافارج) شرق الفرات، فحاولت بقوة الوقوف ضد العملية. لكنها أعلنت سحب تلك المؤسسة، وتحاول فرنسا عبر العراق عدم تقديم جهادييها الفرنسيين للجهاز القمعي لنظام الأسد، من خلال محادثات وزير الخارجية الفرنسي إيفل لودريان في بغداد، لحل تلك المعضلة، وضرورة محاكمتهم في بغداد وتأمين نقلهم.

مستوى دول الخليج العربي التي تخشى ما يترتب على العملية من عواقب علاقات القوة في دول المنطقة:

دانت دول الخليج العربي، باستثناء قطر، العملية العسكرية التركية، والمعروف أن قطر حليفة تركيا بعدما فُرض الحصار عليها من قبل السعودية والإمارات والبحرين، ودعمت تركيا قطر بإنشاء قاعدة عسكرية تركية في أراضيها، واعتبرت قطر، ومعها ثلاث دول عربية بالجامعة العربية، أن التدخل التركي في الأراضي السورية مشروع.

وقد دانت كل من مصر والسعودية والإمارات بشدة التدخل التركي، بسبب العداء القائم من تلك الدول تجاه تركيا، فالسعودية بسبب قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والإمارات بسبب أجندتها في ليبيا وعدائها لقطر، ومصر بسبب وقوف تركيا منذ ست سنوات إلى جانب الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، ورفضها للانقلاب في مصر عام 2013. ولكن بعد إعلان وقف إطلاق النار تحفظت تلك الدول، ولم يخرج أي بيان مرحب أو معارض.

أما النظام السوري فتحدث عن “انتهاك واضح” للقانون الدولي. ويحاول النظام السيطرة على منبج وعين العرب والرقة ودير الزور، وريف الحسكة، بالاتفاق مع حلفائه الأكراد، وقد نشر بالفعل قواته بمحيط تلك المناطق، ووصل إلى تل تمر بالحسكة وقرب الطبقة بالرقة. وقد تحدثت لوفيغارو الفرنسية عن عودة “بشار إلى كردستان السورية”، أما لوموند الفرنسية فتحدثت عن عودة نظام دمشق القمعي إلى شمال شرقي سورية، ولكنها أضافت أن النظام لا يملك القدرة على إعادة سيطرته على تلك المناطق بين عشية وضحاها، وأنه قد يحافظ على شكل من أشكال الحكم الذاتي للأكراد، وسيلتقي معهم في قمع العرب بتلك المناطق.

جيرون

————-

الكلام في زمن الألغام/ سلام الكواكبي

تكرر سؤالي من قبل الأصدقاء والمتابعين، عن غياب موقف مكتوب في وسائل التواصل أُعلّق من خلاله على ما يحصل في الشمال السوري، وأتخذ موقفًا واضحًا وصريحًا. وبدا للبعض ممن يتسرع في إطلاق الأحكام القطعية، وهم أكثرية للأسف الشديد، أنني أحاول أن أنأى بنفسي عن الوضوح في الموقف من الغزو التركي لشمال سورية، تنديدًا أو تأييدًا.

الوضوح في الموقف من القضايا العامة مطلبٌ شعبي ونخبوي، تبلور استغلال شرعيته منذ سنوات عدة، حيث صار المطلوب من السوري أن يتخذ موقفًا واضحًا وصريحًا من القضايا المبدئية أخلاقيًا وإنسانيًا، يُحدّد ويُميّز فيه الأبيض من الأسود من دون التطرق إلى التدرجات البتة. وتطورت المطالبات وتوسّعت لكي يكون القول قاطعًا وحاسمًا في التعليق على كل شاردة وواردة سياسية، مجتمعية وثقافية. وقد صار عدم النطق بحكم نهائي لا رجعة فيه هو عنوان لتخاذل مرفوض وتردد ممجوج ورمادية مدانة.

وبعيدًا من تعقيدات المشهد الشمالي في سورية، وبعيدًا من حمولات الغزو التركي، يمكن تسجيل التقلبات في مواقف الحزب المهيمن على الكرد، وخيانة من ادّعى يومًا حماية حقوقه الكرد، من روس وأميركيين وغيرهم، والأطماع التركية في تغيير التركيبة السكانية في الشمال، وخضوع بعض المعارضة السورية لقرار غير وطني، وارتزاقها، حماية أو تسولًا، إلى من لا يحمل همّ ثورتها، إن كان من المجدي بعد الحديث عن “ثورة”. بعيدًا من كل هذه النقاط وسواها، التي يمكن أن تكتب فيها المجلدات، هل يقبل الفكر العقلاني فعلًا أن يحصر المواقف، كل المواقف مهما تنوعت، بين الأبيض وبين الأسود؟ وهل التدرجات اللونية هي اقترافٌ لأفعال لا أخلاقية واتخاذٌ لمواقف لا وطنية، بالتالي، يستحق من يقترب منها لتفحّصها ومحاولة تحليلها على الأقل، الإدانة والحكم الذي لا رجعة فيه؟

خاض بعض الأصدقاء والزملاء، من السوريين وسواهم، في مغامرة التعليق على المسألة والخوض في رمالها المتحركة، ومحاولة فهم أبعادها ومعطياتها وعوامل التأثير في استمرارها وإمكانيات الوصول إلى إيقافها؛ فتعرّضوا لوابل من القذائف الكلامية من مختلف الأطراف دون استثناء. وقد وصلت الحال ببعضهم إلى البدء في صياغة مقالاتهم بتبيان الاستعداد والجهوزية للشتائم التي ستنالهم من كل حدب وصوب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل من كتب في الشأن العام يحمل من الصمود والتصدي للشتائم قدرًا كافيًا؟ بل هل هذا هو المطلوب ممن امتهن الكتابة والبحث والتحليل؟

من المؤكد أن هناك من يُجيب على أن التصدي للقضايا الجسام يجعل فاعليه عرضةً للكلام غير المحبب في أقل تقدير، خصوصًا في مرحلة يمكن اعتبارها مرحلة توتر متراكم. من الطبيعي، والحال كهذه، أن يتعرض للشتائم الشخصُ الذي اختار أن يتصدى للشأن العام، ويجب عليه أن يتوقعها ويتجاوزها ويستمر في سعيه الفكري والتحليلي، وهو على يقين بأنه لن يرضي جميع الناس. بالمقابل، فالواعي ممن يمارس هذا الدور يتساءل عن إمكانية أن يتم طرح وجهة نظر وتلقي التعليقات النقدية في إطار العقلانية وبعيدًا من الشخصنة والإساءة. ويمكن اعتبار هذا من عاشر المستحيلات، في ثقافة سياسية اعتبرت كما جورج بوش أن من يوافقها الرأي تمامًا ما هو إلا عدو وتجب محاربته.

فإن أشرت إلى أن الوعود التي قُطعت للكرد عمومًا، وإلى حزب العمال بوجوهه العديدة، لم يتم احترام أي منها، منذ معاهدة سيفر سنة 1920، فسيشتمك “صديق” كردي من الحزب المعني معتبرًا أن تحليلك عنصري، وأنك تقصد من خلال طرحه الإشارة إلى أن تهزأ بشعب بكامله. اجتهاد سلبي في تفسير الكلام، لا يلبث أن يجرّ مئات الشتائم المتضامنة. وبالمقابل، فقد يحملك التحليل إلى اعتبار أن ما يسمى “الجيش الوطني السوري” ما هو إلا مجموعة غير وطنية، بالاستناد إلى التعريفات المدرسية وبعيدًا من أحكام القيم، فسيتصدى لك شوفينيون أو دينيون يجدون في القيادة التركية إعادة إنتاج لخلافة راشدة. في هذه الأجواء المشحونة، لن تتمكن من إنهاء مقال، فما بالك ببحث؟

أعتقد، وربما أكون على خطأ مبين، بأن الكاتب الصحفي يجب أن يُحاول التبصّر في أبعاد المسألة، بعيدًا من الحسم في استنتاجات غير مستندة إلا إلى تفكير رغبوي أو انتماء أيديولوجي. وهذا صعب للغاية، فمن يمارس هذه المهنة، ممن يؤمنون بتحييد التحليل عن الانتماء الاثني أو الطائفي أو العقائدي، ما هم إلا ندرة. أما الباحث، فهو مدعو إلى الحذر الشديد، وانتظار مرور بعض من الوقت لكي يقوم بدراسة تحليلية موسعة ومعمقة. فالحديث عن مسألة راهنة مع متغيراتها يمكن أن يكون إعلاميًا، ولكنه لا يمكن، ولا يجب أن يكون بحثيًا أيضًا.

غزو تركي، توافق أميركي – روسي – تركي – نظام دمشق – إسرائيلي، على المجريات والمآلات، رهانات حزب العمال بنسخته السورية الفاشلة، استمرار التغيير الديموغرافي في سورية من قبل الأطراف المهيمنة كافة، عجز ارتزاقي لجزء من المعارضة السورية عن اتخاذ موقف، والتستر وراء تصريحات فارغة من المعنى ومن المنطق، غرور القيادات العمالية الكردية بحلفاء ما فتئوا يتخلون عنها، كلها محاور بحثية فاتحة لشهية كل باحث، بعيدًا من كل التلفيقات التي يوصم بها من يرغب في العمل على الموضوع بجدية، وبعيدًا من القطع في الألوان.

جيرون

——————-

أنظر تغطيتنا للحدث

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 6

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 7

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 8

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب  9

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 10

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 11

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى