الناس

ديناميات المجتمع المدني في سورية بعد ثورة 2011/ طالب الدغيم

 

 

 

مقدمة

تُعرِّف مارتينا فيشر “”Martina Fisher المجتمع المدني في إطار واسع، فتراه يَنطبق على أَيّ منظمة مستقلة، ولا تهدف للرِبح، ولها طابعُ الخَيرية، كالتعاون، والتطوع، وتعزيز القضايا الأهلية؛ كالنوادي الشبابية، وتجمعات المُزارعين، والملتقيات النسائية، وكل ما يؤدي إلى النفع العام[1]. 

أثار اتساع حراك المجتمع الأهلي وتطوره في سورية، وكيفية تكوّن بناءاتٍ مدنية خارج إطار مؤسسات الحكومة السورية المراقبين في الهيئات الحقوقية والدولية، وجميع من تابع حركة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في سورية منذ العام 2011م. حيث ظهر المجتمع المدني في سورية بصورته المُؤثرةِ والمستقلة بعد انطلاقة الاحتجاجات، وشهد انفجاراتٍ مدنية في جميع الميادين، إلا أن تلك الانفجارات الطارئة كان منها المُنظَّم ومنها العشوائي، وأخذت في مرحلةـ ليست قصيرة  دورَ المُتحكم، ومحور الالتفاف الشعبي، واحتلت دور الوساطة كالدولة مع جهات داخلية وخارجية، وبناء على ذلك، كان لا بُدَّ من الإجابة عن أسئلة، وأهمها: كيف يُمكن فهم واقع المجتمع المدني الأهلي في سورية بعد الثورة ولا سيما في المناطق الخارجة عن مؤسسات النظام الحكومية القائمة؟ وهل يمكن اعتبار المنظمات الأهلية في تلك المناطق منظمات مجتمع مدني مستقل أم أنها تشكل مؤسسات وقتية لها ارتباط بالأزمة لا أكثر؟

أولاً. المجتمع المدني السوري في مرحلة التسلطية البعثية: خاصرةً هشّة بين نمو وانهيار

يتفق الباحثون – تقريباً – في أن نشأة المجتمع المدني السوري بأشكاله العصرية الحديثة بدأت في أواخر العهد العثماني، وتَطوَّرت قواعده التنظيمية في فترة الانتداب الفرنسي، وبلغ ذروته في منتصف القرن العشرين “المرحلة الليبرالية التحريرية في سورية”. حيث أدت عملية اللبَّرلة الخمسيناتية إلى إنعاش دَورِ المجتمع المدني أو الأهلي “القطاع الثالث للدولة”، فأخذ دور الوساطة بين الدولة والقطاع الخاص، وساهم في تعزيز قنواتِ المشاركة في عملية التنمية الاجتماعية.

تَكوَّن الجسم الجمعياتي المدني السوري، والمُسجل منذ عام 1959م حتى أواخر عام 2010م، من /1074/ جمعية، وهو عددٌ ليس بالكثير بكل المعايير، ومقارنةً بحالة النُّظم العربية المتسلطة – نسبياً – آنذاك (كان في تونس /9600/ جمعية مدنية، وفي مصر نحو /21000/ جمعية). ففي سورية كان ما يُعادل /52/ جمعية لكل مليون مواطن، وتَميزت جميعها بقلة أعضائها حيث يتراوح عددهم بين 15 و100 عضو في أعلى تقدير، عند المقارنة بين مرحلة 1959. 1999م التي طغى عليها نَموذجُ حكم تسلطي شعبوي” قاسٍ”، ومرحلة ما بين 2000 – 2010م، والتي سادها التحوّل إلى نموذجٍ تسلطي مرن، نلاحظ بأن العملَ المدني شهد في الجيل الثاني جمعياتَ التمكين والتنمية، والعمل الدفاعي المتعلق بطيفٍ واسعٍ من الاهتمامات مثل قضايا المرأة والبيئة ومكافحة الفساد، وحقوق الإنسان وما إلى ذلك[2].

ورغم ذلك، فقد أعاقت قوانين السلطة السورية(الشعبوية) نشاطَ المجتمع المدني “الأهلي” في سورية، وظل النمط مبنياً على القوانين القديمة التي لا تلبي الحاجات الراهنة المتطورة، وبالرغم من أن الأمر اختلف في بداية العَقّد الماضي، حين انطلقت جمعيات ثقافية، ونسوية وشبابية وخيرية دون ترخيص (جمعية الأيتام لآل الشلاح الدمشقية، وجمعية المرأة العربية التي أسستها لبيبة حسني مثلاً)، واستمر نشاطها الخَيريّ، واقتصر على مساعدة الطلبةَ الفُقراء وعوائل المعتقلين والشباب الراغبين بالزواج، بالإضافة إلى العائلات الفقيرة.

يمكن القول، إن نموذج المجتمع المدني في ظل الدولة السورية التسلطية، تألف من المنظمات المعدودة التي وضعتها الدولة تحت سيطرتها، وتلك نتيجة طبيعية لحالة الطوارئ المفروضة في سورية منذ سنة 1963م، وخصوصية النظام الديكتاتوري وتعامله الصلب مع كل فئة تشكل عليه أيّ تهديد وخطر. وتم منذ بداية العام 2011م تسجيل نحو ألفِ منظمةِ مجتمعٍ غير حكومية وغير مستقلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتركز جهدها المدني على الجانب الخيري ومساعدة المحتاجين، إلا أن ذلك الأمر سيتجه مع بدء الحِراك الاحتجاجي في سورية إلى تصورِ مجتمعٍ مدني متطور بشكله الطبيعي، وخارجَ سلطة الدولة، ومؤسساتها المسيطرة على المجتمع.

ثانياً. اتساع المجتمع المدني “الأهلي ” في سورية بعد ثورة 2011م

  1. النُّمو الكمي والتنمية النوعية للمنظمات المدنية في سورية إبان الثورة

مع انطلاقة الثورة السورية انتشرت المئات من منظمات المجتمع المدني” الأهلي ” في جميع أنحاء سورية، وأخذت دورها في تعزيز الحراك الاحتجاجي الثوري، وترسيخ البنية التنظيمية داخل المجتمع، إلا أن تنامي حدَّةِ العنف جعلها تعيد هيكلة نفسها لتلبي الحاجات أكثر، وتحولت إلى هياكلَ إدارةٍ على المستوى المحلي في ظِلّ غِياب أجهزة الدولة في مناطقها[3]. مثَّلت تلك الهياكل، وشبكات المجتمع المدني “الأهلي” في سورية، فهي بدأت من مبادراتٍ شبابية قادت الحراك الشعبي، وربطت الصلات بين المناطق الداخلية الثائرة، وقادت المهمة التنظيمية والإعلامية، وتشكل تَحالفان مثّلا المراحل الأولى لمجتمع مدني خارج أطر الدولة في سورية، وهما: لجان التنسيق المحلية، والهيئة العامة للثورة السورية، بالإضافة إلى ذلك أقام نحو /400/ شاب هيئةً باسم “هيئة الحراك السلمي” لدعم أشكال التحرك المدني. ومع بد الصراع العسكري أصبح من الصعب الاتصال الجغرافي، فتولت تلك الهيئات عبر الفضاءات الافتراضية طرح مشاريعٍ مدنيّة، وحاولت نشرها في جميع المناطق السورية[4].

وبالرغم من اتجاه الثورة نحو العنف، لكن نشطت في المقابل منظمات دفاعية، وحمائية “مدنية” أخذت تعمل لسد حاجات المجتمع، وتشكلت هيئاتٌ حاملةٌ للمجتمع، ساهمت في رفع الوعي لدى الفرد السوري، وعملت على إنقاد المجتمع من الفوضى الفكرية والأخلاقية، وتجلت أمثلة المجتمع المدني في الثورة بأشكال، وتولت مهام مختلفة، ومنها: اتحاد الأكاديميين السوريين الأحرار، وحركة شباب سورية المستقبل، وهيئة نساء سورية، وجمعية المرأة السورية للتنمية، وتجمع المحامين السوريين الأحرار، ومنظمة الشباب المدني السوري، واتحاد الكتاب والأدباء الأحرار، ومركز رعاية شؤون اللاجئين، ومؤسسة الحرفيين، واتحاد فلاحي إدلب، ومركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان، والتجمع الوطني لحقوق المرأة والطفل، ورابطة الحقوقيين السوريين من أجل العدالة الانتقالية وسيادة القانون، والتحالف المدني السوري، واتحاد منظمات المجتمع المدني، ورابطة الصحفيين، وتجمع الفن والحرية “أمارجي”، واتحاد الجمعيات الخيرية السورية وغيرها[5].

برز دور المثقف السوري في غُمرةِ العمل المدني، فبالرغم من كل مظاهر التضييق، والرقابة عليه، ساهم المثقف السوري في تفعيل أدوار المجتمع المدني، حيث أسس المثقفون عشراتَ الصُحف المطبوعة والإلكترونية، كمجلة عنب بلدي(داريا)، والفجر الأحمر(اللاذقية)، وضوضاء السويداء، ومواقع افتراضية؛ كموقع شام، وأغاريت، وحلب اليوم، ومجلات شبابية؛ كمجلة أحرار سورية، وأحرار قاسيون، وسورية بدا حرية..[6].

شرحت وفاء سلطان (عضو جمعية اليوم التالي للعمل الديموقراطي) واقع المجتمع المدني في سورية في مقابلةٍ أجراها معها خبير التنمية الأمريكي راشيل برادنبورغ في شباط 2014م، حيث أكدت أن كافة منظمات العمل المدني في سورية، والتي تشكلت في سياقات الثورة دافعت عن القيم المجتمعية الليبرالية الجديدة، ورغم أن بعضها لها أجندات سياسية، إلا أن الغالبية تَقترب من مفهوم المجتمع المدني الحقيقي. ولعبت قيادة المجتمع المدني السوري دوراً مؤثراً في تثقيف المجتمع عبر ندوات، وورش عمل داخل سورية وخارجها، وبذلت جهدها لتنمية المناطق الريفية، ومتابعة قضايا حقوق الإنسان، وتطوير النشاط الإعلامي بشكل كبير حول ما يجري في سورية، في حين سعت فيه جميع الأطراف المتصارعة إلى تحقيق انتصارات عبر حروب عسكرية وسياسية مفتوحة، وبعيدة عنها كل البعد[7].

  1. نموذج لعمل المنظمات الأهلية في سورية بعد الثورة

يمكن أن نتحدث عن مجتمع مدني سوري مستقل، وعن توزع نشاطاته بعد الثورة “خارج أطر الدولة” بطرح نموذجٍ عن إحدى المنظمات المدنية “الأهلية” في سورية، والتي ساهمت بدورٍ مؤثر في نشاط المجتمع المدني منذ مطلع الثورة وإلى اليوم. نموذج المجتمع المدني هذا، تحاكيه زيارة الباحث في المركز العربي حمزة مصطفى لمناطق شمال سورية أواخر العام 2014م، حيث تحدث عن واقع العمل المدني وتمثلاته في ظل سيطرة الجماعات الجهادية على المناطق المحررة، وتزايد مآسي الحرب، فرأى بأنه لاتزال مدن وقرى شمال سورية تَضجّ بالنشاط المدني “الأهلي”، ففي منطقة(ريف معرة النعمان) لحظَ تماهى النشاط المدني مع البنى التقليدية، والتراتبية العائلية، وهوما أنتج نموذجاً أقل فوضى، شكلياً، في ظل غيابٍ كاملٍ للدولة، ولأشكال الإدارة المحلية، فعائلات البلدة تدير النشاط المدني عبر جمعياتٍ تقوم بنشاطاتٍ تتجاوز الإطار المناطقي للبلد، ومن بينها جمعية أم القرى للإغاثة والتنمية، وهي إحدى منظمات المجتمع الأهلي العاملة في شمال سورية من بداية الحِراك المدني[8].

انطلق عمل جمعية أم القرى في نهاية عام 2011م، ففي بدايتها كانت تنسق للعمل الاحتجاجي، وتوزع المساعدات العاجلة لبعض العائلات التي هربت من مناطق سيطرت عليها القوات النظامية. ومع تسارع وتيرة الثورة طوَّرت الهيئة المنفذة في الجمعية قواعدها، وبنية عملها، وتوسع نشاطها مع بداية 2013م ليشمل مجالات جغرافية جديدة. في حوار أجريته مع مدير الجمعية في سورية؛ بدا أنها منظمة عمل مدني، ونشاطها في المجال الإغاثي والمشاريع التنموية، وتعمل على تأهيل الكوادر الشبابية، ونشر ثقافة العمل التطوعي والجماعي بين الفئات الاجتماعية كافة. وتمكنت من خلال الإدارة المنظمة لعملها، والشركاء المساهمين في دعم مشاريع أكثر مواكبة لحاجة الناس، فإنها قامت بأعمال مدنية، وأهمها:

ــــ إنجاز مئة حملة إغاثية؛ مثل حملة فلنكفيهم خبزهم في 2013م، ووزعت فيها الطحين لأفران الشمال السوري.

ـــ حملاتُ نظافةٍ تطوعية شبابية “مثل حملة خليها نظيفة”؛ وهي مشروعٌ تطوعي أقامته في أحياء مدينة حلب الخارجة عن سلطة النظام، وبالتعاون مع مجلس محافظة حلب “الحرة” في نيسان 2013م، وهو ما دفع السلطات المحلية بمناطق سيطرة النظام السوري للقيام بحملةٍ مقابلة في مناطقه، وحملت اسم حملة “حوسة حلب”، وهو يدل على مدى تأثير العمل المدني للجمعية بخلق تنافسية مدنية، وبما يخدم الصالح العام.

ـــ أقامت الجمعية مركز أم القرى للتدريب والـتأهيل، وتحول إلى مجمعٍ تعليمي ــ ثقافي، وهو عبارة عن قبوٍ أرضي فيه مدرسة، ومعهد للقرآن، ومركز تدريبي للنشطاء في المجال المدني، وأصبح ملتقى لهيئات مدنية إغاثية وتنموية محلية ودولية[9].

ما مَيَّز عمل جمعية أم القرى هو بحث النّخبة والإدارة المُدبرة فيها، عن وسائل تضمن مشاركةً اجتماعية، وساهمت بشكل واضج في حلّ الخلافات الأهلية، وعملت على التشبيك بين منظمات المجتمع المدني الأهلية، والعربية، والدولية، وحاولت الاستغناء عن الدعم الخارجي، بإقامة مشاريع تنموية “صغيرة” تَدرُّ عليها بعض المداخيل بما يخدم مصلحة المجتمع[10].

ثالثاً. المجتمع المدني في سورية بعد الثورة بين العوامل الجاذبة والطاردة

لا يُمكن أن يجري عمل المجتمع المدني على نفس الخُطى التي تعمل من خلالها المنظمات المدنية في أوقات الرخاء أو تلك الداخلة في الدولة المستقرة، والحاصلة على حيزٍ من الاستقلال. إذ، يمر المجتمع المدني بمرحلةٍ بالغةِ التعقيد تتشابك فيها الأبعاد الإقليمية والدولية، والمُتغيرات الداخلية الاجتماعية والعسكرية، تتنازع فيها التيارات الثقافية والفكرية. وعند الحديث عن المجتمع المدني في سورية يفترض علينا اعتماد نظرةً ثنائيةً كونه يعيش حالة صراعٍ بين قوتين، وهما: الأولى جاذبة “مشجعة”، والثانية دافعة “طاردة”، حيث أنتج الصراع العسكري واقعاً محلياً تآكلت به السلطة المركزية “الدولة”، وفي مقابل ذلك، تنامت أنماط حكمٍ مدني تشكلت في سياقات متباينة في هياكلها التنظيمية، ومرجعتيها السياسية والقانونية[11].

فمع رغبة السوريين بتكوين سلطة مدنية ثالثة تُنظم المجتمع مدنياً، وتُعنى بشؤونه مع غياب سلطة الدولة الناظمة، برزت عوامل أثّرت في حركة المجتمع المدني، فهي كان لها الدور الجاذب “المُحفّز”، من خلال مساعدة المحتاجين، وحلّ الكثير من الخلافات الاجتماعية، ولعب دور الوساطة بين المنظمات الدولية والأهالي من جهة أولى، وبين المعارضة السياسية والمجتمع من جهة ثانية، والوساطة بين العسكريين والأهليين عند أيّ مشكلة طارئة من جهة ثالثة. وخلاف ذلك، فقد أدت عوامل دافعة “طاردة” إلى زعزعة ذلك المجتمع، ووقوعه في مأزق خطير انهارت فيه الكثير من قيمه الناظمة، وأبرز تلك العوامل هي:

تحولت منظمات المجتمع المدني “الأهلية” السورية ــ في بعض الأحيان ـــ إلى مجرد وسيط بين المانح والممنوح. فهي نظمت العمل الخيري، ولكنها لم تؤد دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[12]. كما أن أكثر ما عرقل دور المجتمع المدني في سورية هي تلك المساعدات المالية الخارجية، والتي شكلت دوراً محورياً في تحديد اتجاهات هذه المنظمات، وارتبط التمويل بشروط، وضعت هذه المؤسسات تحت وصاية المانحين، وخلق مشكلةً أخرى، تمثلت في غياب التنسيق بين منظمات المجتمع المدني “الأهلي نفسها”، وجعل كل واحدة ـــ حتى ضمن المنطقة الواحدة ــــ تعمل على حِدا، ووفق شروط الجهة المانحة[13].

إن أكبر مشكلةٍ طاردة ومهددة للمجتمع المدني “الأهلي” في سورية اليوم، هي انتشار السلاح، وهي مشكلة كبرى تشكل خطراً على الفعالية المدنية، حيث بات من الصعب على أيّ شخص سوري التخلي عن سلاحه، والعودة إلى كونه مدني[14]، وهو ما فرضته تطورات الحرب وأحداثها.

من العوامل المُعيقة للمجتمع المدني في سورية اليوم، تكون مجتمع شبه مدني يتبع للفصائل المقاتلة “في مناطق الثورة”، وقد  أنيط بها إدارة بعض المناطق التي تسيطر عليها، وتمكنت من منافسة المجتمع المدني الحقيقي، واستفادت من الدعم اللوجستي، والمالي الذي وَفَّرته الفصائل لها، ومنها الهيئة الإسلامية لإدارة الخدمات شمال سورية، ونتج عن ذلك فرض نمطٍ عسكري على الحياة المدنية، وحدث تَغيّر سلوكي في التعامل مع أقطاب الحِراك المدني، فصودرت حرياتهم، وعوملوا بطريقة قمعية مما جعل صورة المجتمع في بعض الأحيان يطغى عليه اللامدني[15].

أثرت علاقات القربى والمحاباة في سلوكيات قادة المجتمع المدني “الأهلي” في سورية، وأَثَّرت سلباً في خروج تلك المنظمات عن الإطار المؤسساتي الناظم لعملها، وأفقدها الإجماع الأهلي، وأدى لانهيار في رأس المال الاجتماعي، وهو الذي يُعتبر ركيزة كل مجتمع مدني سويّ.

أعاقت هيئات المجتمع المدني العالمية “الدولية” تطور المجتمع المدني السوري على الرغم من تعاونها معها في بعض المجالات. فمع قلة إمكانات منظمات العمل المدني “الأهلية” السورية، وقيامها على العمل التطوعي، فإن الكثيرين من الشباب ذوي الكفاءة العالية غادروها، وبدأوا يبحثون عن حياةٍ مع جهة أفضل، وانتقلوا للعمل في المنظمات الدولية NGOS، واستغل مدراؤها ذلك، ودفعوا لهم رواتب عالية، ولم تتمكن المنظمات الأهلية من المحافظة على أعضائها لعدم قدرتها على منافسة المرتبات تلك، وعدم اكتمال البِناء المؤسساتي القانوني والتنظيمي، وهو ما نتج عنه عواقب وخيمة على مسيرة المجتمع المدني السوري بعد الثورة؛ فالمنظمات الدولية ستتحرك إلى مناطقِ نزاعٍ جديدة بعد الأزمة في سورية، وسوف تصحب نخبة الشباب الأكفاء الذين ساهموا في ترسيخ البناءات الأولية للعمل المدني في بداية الثورة، وهو ما سيترك المجتمع في سورية مهلهل، ويتعامل مع أزمةٍ حادةٍ يصعب مواجهتها بالإمكانات الحاضرة[16].

خاتمة

هكذا نجد أن العلاقة المتوترة بين الدولة والمجتمع المدني في سورية، قد شكلت في أواخر العهد التسلطي البعثي (2000 – 2010م) مرحلةَ إرهاصٍ تراوح بين التكامل والتنازع، وسعت النخبة المتنورة في المجتمع المدني السوري إلى إيجاد جسم جمعياتي دفاعي، إلا أن العقلية الاستبدادية تحكمت بذلك النشاط، بل وقضت عليه، وما بقي منه تحول إلى إطار حكومي لاختراق بنية المجتمع وتفكيكه. وفيما بعد، وفي الثورة السورية شهدت انفجاراتٍ تصاعدية تولد عنها هيئاتِ مجتمع مدني مستقل، وحاولت توفير البيئة القانونية من خلال ربط صلاتٍ مع مؤسسات معارضة في الداخل “المجالس المحلية”، وفي الخارج “هيئات المعارضة السياسية والمنظمات العربية والدولية”، والتقت مع مفوضي الأمم المتحدة. هذا بالإضافة لقيامها بتطوير الكوادر البشرية الفاعلة، ومحاولة إزالة مفاعيل العُنف الداخلي الذي فرضته الأطراف المقاتلة على الأرض السورية.

فالمجتمع المدني “الأهلي” تبلور في أشكاله القويةِ بعد احتجاجات سورية في العام 2011م، وشهد التطور في مختلف ميادين الحياة، وشكل “الصخر في النار”. وخرج من الإطار الأهلي إلى الفضاء المنظم في جمعياتٍ وهيئات حقوقية وتنموية وغيرها. وشكل مَثَّلت صمامَ أمانٍ اجتماعي إلى حدٍ كبير، ولاقى الدعم المجتمعي بقدر ما ساهم في أداء دور الدولة الغائبة، إلا أن تلك الأعمال المدنية كان منها المُنظَّم والعشوائي. ففي السنوات الأخيرة واجه العمل المدني في سورية، عقباتٍ داخلية وخارجية “طاردة”، جعلتها تتقلب بين واقع مجتمعٍ أهلي، ومجتمعٍ مؤسساتي مدني له أصوله التنظيمية المتمايزة عن الهياكل السياسية والعسكرية والاقتصادية الأخرى في سورية في الوقت الراهن.

المصادر:

 

[1] Martina Fisher,” Civil Society in Conflict Trans formation,” Bergh of Research Center for Constructive Conflict Management, 2006, p.p.2-3, look at: http://bit.ly/2fORhfT

[2] محمد جمال باروت، العقد الأخير من تاريخ سورية، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1 2012)، ص. ص 149 ـــ 151. https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/art272.aspx

[3] Rachel Brandenburg,” Syria’s Civil Society, “27 February 2014, accessed November 2016, look at:  http://bit.ly/2fUOoO0

[4] Laura R. Elvira,” The Syrian Civil Society in the face of Revolt,” October 2013, accessed November 2016, look at:  http://bit.ly/2gp6Oat

[5] مركز سورية للبحوث والدراسات، “مؤسسات المجتمع المدني وواقعها في سورية “، 26 مارس 2014، انظر: http://bit.ly/2gLFp0z

[6] طالب الدغيم، “المثقف السوري.. مواقع ومواقف “، (الدوحة)، مجلة الدوحة، العدد 108، أكتوبر 2016، 22.

[7] Rachel Brandenburg,” Syria’s Civil Society,” look at:  http://bit.ly/2fUOoO0

1 حمزة مصطفى، “ثورة ريف إدلب تخنقها الجماعات الجهادية “، (الدوحة)، العربي الجديد، 28 نوفمبر 2014، انظر: http://bit.ly/2gOwBpf

[9] انظر قائمة الملاحق حول نشاطات جمعية أم القرى للإغاثة والتنمية.

[10] حوار مع مدير جمعية أم القرى، دور جمعية أم القرى للإغاثة والتنمية في تعزيز العمل المدني داخل سورية، في 2 نوفمبر 2016، انظر: http://bit.ly/2gQ13Q5

[11] وحدة تحليل السياسات، أنماط الحكم المحلي في سورية بعد الثورة “دراسة حالة “، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مايو 2016)، 1ــ 2. https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/art695.aspx

[12] مركز سورية للبحوث والدراسات، المرجع السابق، انظر: http://bit.ly/2gLFp0z

[13] The Role of Civil Society in Syria, April 2014, accessed November 2016, look at:  http://bit.ly/2gJuEy1

[14] Rachel Brandenburg,” Syria’s Civil Society, “, http://bit.ly/2fUOoO0

[15] وحدة تحليل السياسات، المرجع السابق، 5.

[16] Fadi Hallisso,” Syrian Civil Society in Lebanon Challenges and Opportunities, open Democracy, 27October 2014, accessed November 2016, look at: http://bit.ly/2gp5c0r

المراجع

أ – المراجع العربية

 

حمزة مصطفى، ثورة ريف إدلب تخنقها الجماعات الجهادية، )الدوحة(، العربي الجديد، 28 نوفمبر 2014، انظر:http://bit.ly/2gOwBpf

طالب الدغيم، المثقف السوري.. مواقع ومواقف، (الدوحة)، مجلة الدوحة، العدد 108، أكتوبر 2016.

محمد جمال باروت، العقد الأخير من تاريخ سورية (بيروت، المركز العربي للأبحاث، ط1 2012).

مركز سورية للبحوث والدراسات، مؤسسات المجتمع المدني وواقعها في سورية، 26 مارس 2014، انظر: http://bit.ly/2gLFp0z

حوار مع مدير جمعية أم القرى، عن دور الجمعية في تعزيز العمل المدني داخل سورية؟، 2 نوفمبر 2016، وانظر: http://bit.ly/2gQ13Q5

وحدة تحليل السياسات، أنماط الحكم المحلي في سورية بعد الثورة” دراسة حالة ” (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مايو 2016).

ب – المراجع الإنكليزية

1- Fadi Hallisso,” Syrian Civil Society in Lebanon Challenges and Opportunities, open Democracy, 27October 2014, accessed November 2016, look at:  http://bit.ly/2gp5c0r

2- Laura R. Elvira,” The Syrian Civil Society in the face of Revolt,” October 2013, accessed November 2016, look at: http://bit.ly/2gp6Oat

3- Martina Fisher,” Civil Society in Conflict Trans formation,” Bergh of Research Center for Constructive Conflict Management, 2006, look at: http://bit.ly/2fORhfT

4- Rachel Brandenburg,” Syria’s Civil Society, “27 February 2014, accessed November 2016, look at: http://bit.ly/2fUOoO0

5- The Role of Civil Society in Syria, April 2014, accessed November 2016, look at:  http://bit.ly/2gJuEy1

 

ماجستير في التاريخ السوري المعاصر

المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى