الناس

عشائر الجزيرة السورية: من يدفع ثمن الإبل؟/ ريهام منصور

من جديد، تعود العشائر في منطقة الجزيرة السورية، إلى واجهة الأحداث التي تشهدها المنطقة، بالتزامن مع الفراغ الذي يتركه الانسحاب الاميركي، وبعد عملية “نبع السلام” التركية على الحدود، والتوافقات التركية-الروسية والتركية-الأميركية.

الظهور الجديد للعشائر ينقسم إلى تحركين بارزين؛ الأول يتمثل في الدعوات لتأسيس “الحشد العشائري السوري”، ويتصدى لقيادته شيخ قبيلة الجبور نواف عبدالعزيز المسلط، المدعوم ربما من أطراف متعددة، والثاني هو “لواء الباقر”، الفصيل المحلي القبلي من المتشيعين الجدد، التابع لطهران.

“الحشد العشائري السوري”

منذ نحو أسبوع، يتحرك رجال الشيخ نواف عبدالعزيز المسلط، شيخ قبيلة الجبور، بحماس منقطع النظير، على امتداد الجزيرة السورية، حاملين دعوات شيخهم العائد مؤخراً من المملكة السعودية، إلى أبناء قبيلتهم والقبائل الأخرى، للاجتماع السبت المقبل في قصر عبدالعزيز المسلط في قرية تل براك التابعة للحسكة. وسيولم الشيخ لكافة شيوخ قبائل الجزيرة، ولوفد من عشائر العراق. ويُعلن الرُسُل بفخر، أن الشيخ اشترى مائة من الإبل، لهذه المناسبة الاستثنائية، وأن قوات من “قسد” ومن أجهزة أمن النظام ستشرف على حراسة اللقاء أمنياً. وسيكون من بين الحاضرين نواف طراد الملحم، شيخ “الحسنة” إحدى عشائر قبيلة عنزة، ونواف البشير شيخ قبيلة البكارة، وشيخ قبيلة الموالي.

بالنسبة لأبناء قبيلة الجبور، يقدم الرُسُلُ دعوة أخرى لتجهيز شبان القبيلة للانخراط في جيش عشائري سيدعو شيخهم الى تأسيسه تحت اسم “الحشد العشائري السوري” الذي سيحظى وفق زعمهم بدعم كل من المملكة العربية السعودية، ونظام الأسد وموسكو، والأكراد، لفرض الاستقرار مجدداً في المنطقة.

ويعرف عن نواف المسلط، أنه غادر سوريا منذ اندلاع الثورة السورية للإقامة في الرياض، وسجل له ظهور في السنة الماضية عندما زار أقاربه في العراق، خاصة الفرع المتشيع من الجبور.  وحظيت الزيارة بتغطية إعلامية من القنوات السعودية، في إشارة إلى محاولة المملكة استقطاب العرب الشيعة. لكن المسلط، فاجأ الجميع مؤخراً وظهر في دمشق، وأشاع المقربون منه أنه التقى ببشار الأسد، الذي منحه الصلاحية لتنظيم وحشد العشائر مجدداً للسيطرة على المنطقة، تحت سلطة “الدولة”. وحين عاد المسلط إلى مسقط رأسه في الحسكة الأسبوع الماضي، استقبله موكب تشريفي من “قوات سوريا الديموقراطية”، رافقه حتى منزله.

وفي أول لقاء للمسلط بأقاربه، ألقى ما يشبه الخطبة فيهم، وبّخ خلالها من انخرط في الثورة السورية قائلاً: “ها قد تركتم لـ8 سنوات، ماذا انجزتم؟ ضيعتم كل شيء، وتسوقكم امرأة كردية، من أعالي الخابور إلى نهر الفرات”.

وليس من المعروف بعد، ما إذا كان المسلط مبعوثاً من السعودية أم لا، لكنه يَعِدُ من حوله، بتمويل وفير لمشروعاته، وليست الـ100 ناقة سوى إشارة بسيطة إلى السعة التي يتوفر عليها، لكنه لم يخبر بعد عن مصدر هذا المال، وبالتالي لم تعرف بعد الجهة التي يعمل لصالحها.

“لواء الباقر”: ذراع طهران العشائرية الطولى

وعلى سوية مماثلة من النشاط الحماسي لأبناء قبيلة الجبور، ينشط بعض أبناء قبيلة البكارة، بين القرى والبلدات التي يقطنونها، حاملين دعوة زعيم “لواء الباقر” خالد المرعي، للالتحاق بصفوفه، ملوحين برواتب تصل إلى 150 الف ليرة سورية (الدولار 560 ليرة). ويتم جمع قوائم اسمية للعناصر المحتملين، عبر مندوبين تم انتقاؤهم من عشائر القبيلة، خاصة البومعيش والبوشيخ، ويتوزعون على عشرات القرى، ويعتبر منزل كل مندوب حالياً مقراً للتنظيم إلى حين اكتمال التجهيز لافتتاح المقرات الرسمية.

مصادر “المدن” أشارت أيضاً إلى وجود نحو 15 قيادياً في “لواء الباقر” من أبناء الجزيرة، ممن يعملون في صفوفه مسبقاً، وهؤلاء يعتبرون النواة الصلبة للعمل اليوم. ويُجهّزُ أولئك القياديون الدفعة الأولى من المتطوعين في معسكرين أحدهما في حمص، والآخر في عين عيسى. والملتحقون بالمعسكرين لا يحملون اليوم أي إشارات خاصة، ويرتدون زي قوات النظام فقط.

ويهيمن “لواء الباقر” اليوم على قبائل حلب، وعلى جزء كبير من المدينة وريفها، ويعتبر وكيل ايران الأول هناك، وهو مشكل بمعظمه من أبناء قبيلة البكارة، الذين استطاعت ايران استقطابهم تحت عنوان انتسابهم لآل البيت، وهي صفة تتشاركها مع البكارة قبائل أخرى تجري محاولات استقطاب أبنائها، بلا كلل، مثل النعيم والمشاهدة وغيرهم. وإذا ما استطاعت ايران استقطاب قبيلة البكارة التي يزعم أبناؤها أن عددها يفوق المليون في سوريا، فإن ذلك يتيح لها السيطرة على مساحة واسعة من الأرض تمتد من مدينة رأس العين شمالاً، وصولاً إلى ضفاف الفرات غربي ديرالزور، أي شطر منطقة الجزيرة السورية عامودياً، اجتماعياً وقبلياً. إذ تمثل تلك القبيلة نحو ربع عدد سكان المنطقة إذا ما صحت تقديرات شيوخها.

ايران اولاً!

وكانت “المدن” قد نشرت قيام “حزب الله” بتجنيد نحو 400 مقاتل من عشائر الحسكة تحت مسمى “دفاع وطني”، عقب زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان لمنطقة ديرالزور، وما أثارته تلك الزيارة من لغط حول دعم السعودية للعشائر العربية لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا. وتشير جميع هذه المعطيات إلى أن الصراع القديم-الجديد للسيطرة على قبائل الجزيرة السورية، يتصاعد بشكل كبير، وقد يأخذ ابعاداً أكثر خطورة مع تحوله إلى صراع سني/شيعي داخل تلك المنظومة التي كانت حتى زمن قريب سنية بالعموم.

وتنذر التحركات الأخيرة بمزيد من تفتت قوى تلك الجماعات البشرية التي تتنازعها اليوم الولاءات للقوى الإقليمية النافذة مثل تركيا التي شكلت بالفعل مجلساً للعشائر موال لها، ودول الخليج العربي، وايران، والنظام السوري. كما أن “القاعدة” و”داعش” يحظيان بحصة لا يستهان بنوعيتها من هذه القبائل. لكن الجهود الإيرانية تبدو الأكثر مثابرة واصراراً على الاستئثار بهذه الكتلة وتجنيدها، في إطار مشروعها للهيمنة على المنطقة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى