سياسة

عن روسيا والوضع في سورية -مقالات مختارة-

كيف جرت صناعة ظاهرة بوتين/ غازي دحمان

لم تعد مسألة سطوع نجم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سماء الحدث الدولي، أمراً ينطوي على ألغاز وأحجيات، إذ تكفي إطلالة بسيطة، بنصف عين وقليل من الإدراك، على المشهد السياسي الدولي، لمعرفة لماذا وكيف تجرى الأمور على هذه الشاكلة وتلك، وكيف صار بوتين نجم السياسة الدولية في أشد لحظاتها ظلاماً.

تُجمع أغلب الدراسات التي تناولت ظاهرة صعود بوتين على المستوى الدولي على أن سورية صنعت الجزء الأكبر منها (الظاهرة)، ومن رصيد قوة بوتين العالمية، سواء على مستوى اضطرار القوى الإقليمية الشرق أوسطية على التنسيق معه لإدارة مخرجات الحدث السوري، أو على مستوى اعتراف أميركا به لاعباً فاعلاً، أو حتى على مستوى تأثيراته في القارة الأوروبية، ودعمه اليمين المتطرّف، بل إن أكبر واقعة نبّهت العالم إلى قوّة بوتين، وهي تدخله في الانتخابات الأميركية، كان سببها المباشر خوفه من وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، وما سيخلفه ذلك من تداعيات سلبية على غزوه سورية.

ولكن حتى في سورية، لم يصنع بوتين المعجزات، ليتحوّل إلى لاعب دولي بارز، فهو، بعد أربع سنوات من استخدام سياسة الأرض المحروقة، عاجزٌ عن تثبيت سيطرته على الأرض السورية، وما زالت الوقائع متحرّكة والأحداث جارية، واحتمالات قلب المعطيات وتغيير مسار اتجاه الأحداث ممكن، وإن بصعوبة بعض الشيء. ومؤكد أن بوتين لم تواجهه مخاطر حقيقية في سورية تعرقل تقدّمه، وما يحكى عن انتصاراته في سورية ليس المقصود منه سوى الحرب اللامتكافئة التي خاضها ضد كياناتٍ تفتقر للأسلحة الرادعة لطائراته. ومن الناحية العملانية، لم يكن بوتين يعمل في بيئة خطرة، بل في ساحة فارغة لا تصارعه فيها سوى الأحوال الجوية.

باستثناء ذلك، شكّلت الأطراف الدولية المفترض، أو نظرياً، أنها خصوم لموسكو، عوامل مساعدة لبوتين كي يسطع نجمه في سورية، فأوروبا انكفأت إلى حد بعيد، إلى درجة جعلت وزير خارجية الأسد يتجرّأ على شطبها من الخريطة الدولية. أما أميركا، فالمرجّح أنها هيأت المسرح السوري لروسيا، لرغبة إدارة الرئيس الأميركي السابق، أوباما، في التخلص من الضغوط التي تدعوه إلى التدخل. لذلك راح أوباما إلى أن سورية ستكون بمثابة أفغانستان ثانية لروسيا، من دون أن يهيئ الشروط اللازمة لذلك، بل إنه منع بعض حلفاء الثورة من العرب من شراء أسلحة مضادة لطائرات بوتين!

انطلق بوتين، في صعوده من واقع احتقار الغرب له، وكان ذلك أحد أهم محرّكات صعوده، فروسيا كانت، في نظر أوباما، قوّة إقليمية، وهو ما دفع بوتين إلى البحث عن فرصةٍ سهلة للفوز لإثبات أن هذا التقييم الأميركي لروسيا غير دقيق، وأن على العالم إعادة تقييم القوّة الروسية من واقع التجربة السورية القادمة.

ولكن لماذا سورية؟ تثبت معاينة سياق الأحداث، منذ بدء التدخلات الخارجية في هذا البلد، أن أغلب هذه الأطراف، الإقليمية، المتدخلة أنهكت خلال زمن قصير، وأن الأطراف الدولية غير معنية أبداً بما يجرى على الساحة السورية، وليست مستعدة لضخ موارد كبيرة لتغيير مجاري الأحداث أو لإسقاط الأسد. ولم يكن صعباً على بوتين الذي كان يراقب التطورات السورية الوصول إلى هذه الخلاصة، فالأحداث كان قد مرّت عليها أربع سنوات، وكانت هذه المدّة كافيةً لفهم اتجاهات الأحداث في هذا البلد، والموقف الدولي منها. وعلى الرغم من ذلك، لم يعلن بوتين عن تدخله في سورية، كما تفعل الدول الكبرى في مثل هذه الحالات، بل تسللت طائراته ليلاً كما يفعل لصوص الليل.

بعد ذلك، صار معروفاً السياق الذي تمّت به إدارة الصراع في سورية، فقد قدّمت الإدارات الأميركية سورية لروسيا على طبق من فضة، أراحتها من قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قضت عليه في سورية والعراق، ومنحت بوتين نصراً لا علاقة له به، كان في ذلك الوقت مشغولاً بقتال الخوذ البيض وتدمير المستشفيات وقتل الأطفال ودفع الملايين إلى الهجرة.

وفي آخر الأمر، أعطت إدارة ترامب لبوتين مساحاتٍ في مناطق شرق الفرات، ما كان بوتين يحلم بالوصول إليها، بل إنه، ومنذ واقعة قتل الأميركيين مئات المرتزقة الروس الذين حاولوا  عبور نهر الفرات، اقتنع بما منحته إياه الأقدار الدولية في سورية، ولم يبد أدنى انزعاج، كما أنه بدا راضياً بالمحاصصة التي فرضها الأمر الواقع، والتي قسمت الجغرافية السورية بينه وبين أميركا وإيران وتركيا، كما كان خاضعاً تماماً لمعادلة الأمن الإسرائيلي، القاضية بوجوب توجيه ضربات داخل الأراضي السورية لدى تقدير إسرائيل وجود مخاطر تستدعي ذلك.

ولكن ماذا يفعل بوتين تجاه الهدايا المجانية التي يهبها إياه اللاعبون الكبار، أميركا وغيرها، سواء في تردّدهم وحساباتهم المبالغ بها، أو من خلال تقديراتهم الخاطئة واستجاباتهم المتأخرة، ومثال ذلك، دعوة ألمانيا إلى تشكيل منطقة عازلة في شرق سورية بقوات أوروبية، بعد أن شعر الأوروبيون بأنهم ارتكبوا خطأ استراتيجياً يستوجب تداركه بسرعة؟ وبعد أن انتقدت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيجريت كرامب كارنباور، السلبية التي طبعت سلوك ألمانيا والأوروبيين في القضية السورية، قائلة “هم كالمتفرجين من وراء سياج”. ولكن ما فائدة تلك الصحوة في وقتٍ أصبح الوجود الروسي شرق الفرات أمراً واقعاً.

ربما يشكّل تراجع القوّة الأميركية أحد أسباب بروز الظاهرة البوتينة. ولكن على الرغم من ذلك التراجع، لم تصل روسيا إلى درجةٍ من القوّة تجعلها لاعباً دولياً فاعلاً، والتفسير الأقرب أن تهافت السياسة الدولية، وافتقارها إلى قادة حقيقيين، جعلا بوتين يتحوّل نجماً.

العربي الجديد

———————–

روسيا والاستثمار في الوهم والفراغ/ حسان الأسود

أطلق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مقابلة معه نشرتها صحيفة الشرق الأوسط، أخيرا، عناوين توضح رؤية بلاده لنفسها ولدورها في العالم. تحدّث عن رسم الرئيس الروسي بوتين وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز ملامح العلاقات بين بلديهما، وأشار إلى مكانة السعودية ودورها في جامعة الدول العربية. وجاء حديثه في معرض ترويج مسألة إعادة تأهيل النظام السوري من خلال عودته إلى الجامعة، معتبراً أنّ للمملكة كلمتها المسموعة في المنطقة وخارجها. وأوضح لافروف موقف بلاده من الوجود الإيراني في سورية، من خلال تكرار النغمة المعهودة بأنّه شرعي، لأنه تمّ بطلب من الحكومة السورية. أوضح الموقف من القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها بعبارات دبلوماسية لا تزيد الأمر إلا غموضاً. لكن الأهم في حديث لافروف ما يتعلق بملامح النظام العالمي الجديد الذي ترى موسكو أنه يتشكّل الآن، بعد أن انتهت سياسة القطب الواحد بقيادة “الغرب التاريخي” حسب تعريفه. اللافت أنّ العنوان العريض الذي أدرج تحته الوزير الروسي سياسة بلاده في جميع القضايا التي طرحها كان التمسّك بالقانون الدولي والشرعية التي يُضفيها على النظام الدولي الحالي، ممثلاً بالأمم المتحدة والهيئات والمنظمات المتفرّعة عنها.

ليست روسيا الاتحاديّة قليلة الشأن، خصوصا لناحية القوّة العسكرية التي تُعتبر الحامل الأكبر للنفوذ والسياسة الروسية على الصعيد الدولي. إنّ انتقال تركة الاتحاد السوفييتي المنهار إلى روسيا الاتحادية، واستلامها مقعده في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وحلولها مكانه في المنظومة القانونية الدولية أكبر دليل على ذلك. ولكنّ روسيا في الواقع ليست بالنّد الحقيقي للدول العظمى، مثل أميركا والصين واليابان وألمانيا وإنكلترا، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. صحيح أنها دولة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن وعضو في مجموعة العشرين ومجلس أوروبا ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وهي أكبر دولة، وتزيد مساحتها عن 17 مليون كيلو متر مربع، تشكل ثمن مساحة الأرض المأهولة بالسكان. وعلى الرغم من أنها تمتلك أكبر احتياطي في العالم من الموارد المعدنية والطاقة، إلا أنها تأتي في المركز التاسع عالمياً من حيث حجم الاقتصاد، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على مبيعاتها من البترول والغاز، وعلى تصدير المواد الخام، وتقتصر صناعتها المتفوّقة على مجالات الفضاء والهندسة النووية وصناعة السلاح، ولا يتجاوز ناتجها المحلي 1،850 ترليون دولار سنوياً، بينما تسبقها البرازيل مثلاً بناتج مقداره 2،056 ترليون دولار. ويعاني الاقتصاد الروسي من الركود، فلم يتخطَّ نموّ الناتج المحلي نسبة 0.4% سنوياً في السنوات الخمس الماضية، وتوضح الإحصائيات تراجع الدخل الحقيقي المتاح بنسبة 10.7%، وأنّ نسبة 13% من المواطنين الروس باتت تعيش تحت خطّ الفقر.

يستثمر النظام الروسي حالة التحوّل في النظام العالمي الراهن، ويحاول الحصول، بواسطة السياسة، على دور أكبر له بين عمالقة الاقتصاد، ويصدّر نفسه حليفا موثوقا يقف مع أصدقائه حتّى النهاية، ويعطي لأمثاله من الأنظمة الديكتاتورية البديل عن الأميركي الذي لا يتوانى عن الغدر والتخلّي الفظ والسريع عن أقرب المقرّبين إليه. المثال الصارخ على هذا خمسة عشر فيتو روسيا في مجلس الأمن، دفاعاً عن سفّاح العصر الذي دمّر سورية.

تقوم السياسة الخارجيّة للنظام الروسي على الاستثمار في الوهم، في الفوضى والإرهاب، ويستخدم النظام الحاكم شعارات برّاقة، مثل القانون الدولي ومبدأ سيادة الدول وعدم جواز التدخّل في شؤون الآخرين. ويرتكب أفظع الانتهاكات للقانون الدولي، ويمارس أفعالاً تشكّل جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، كما حصل في الشيشان والقرم وشرق أوكرانيا، وكما يحصل حالياً في سورية.

يتوجه الروس إلى السعودية، الخصم المباشر لإيران في المنطقة، ليعقدوا معها الصفقات السياسية من باب الحماية العسكرية والأمنية، لكنّهم يدعمون الإيرانيين في سورية، ويدافعون عنهم، ويعتبرون وجودهم فيها شرعياً لأنه تمّ بطلب من الجهة التي يعتبرونها شرعية وتمثّل الشعب السوري. وبينما وقف الروس لفظيّاً وشكلياً مع السعوديين في حربهم في اليمن، إلا أنهم دعموا الحوثيين، ومن خلفهم الإيرانيين، فعليا على أرض الواقع.

يحاول الروس بناء علاقات وطيدة مع أنظمة محسوبة تاريخياً على أميركا، مثل النظام السعودي، ويسعون إلى الوصول إلى المياه الدافئة، مستثمرين في تقلّص ثقة هذه الأنظمة بالحليف التقليدي. وبعد أن فشلت سياستهم في جرّ ترامب إلى شنّ حربٍ على الإيرانيين، على الرغم من كلّ ما قدّموه له شخصياً ولإدارته وبلاده من استثمارات مالية خيالية، يحاول السعوديّون إيجاد مروحةٍ واسعةٍ من التحالفات وبناء صداقات جديدة مختلفة عمّا اعتادوا عليه.

بعد تكرر الاعتداءات المنسوبة لإيران، وحلفائها في المنطقة، وكان جديدها الاعتداء على شركة النفط السعودية أرامكو، وبعد الموقف الأميركي المتحفّظ، والذي يراه حكّام السعودية مخيباً للآمال، بات التقرّب من الغريم التقليدي أمراً ذا أهمية بالغة جداًّ للطرفين. ولكن هل يستطيع الروس، بهذه البساطة، وضع موطئ قدمٍ لهم في صحراء الربع الخالي، أو ليست حارّة جدّاً عليهم، وهل ستتركهم أميركا يقتربون من منجم الذهب خاصّتها، أم أنّ حكّام السعوديّة يغازلون روسيا ويرتمون في حضن أميركا، ألا يدركون أنّ بضاعة روسيا مجرّد وهم؟ سنعرف هذا قريباً.

العربي الجديد

—————————

حدود الاستراتيجية الروسية في سوريا والشرق الأوسط/ حسام ميرو

تقاس النجاحات السياسية بمقاييس عصرها، أي بطبيعة الاقتصادات العالمية، والوصول إلى منابع الطاقة في العالم، والنجاحات التكنولوجية، والقدرة على المنافسة في تطوير الأبحاث، وغيرها من الحقول التي تدرّ عوائد مالية للدول، ولذا فإن القول بنجاح سياسة ما يذهب، بطبيعة الحال، نحو المقاييس التي يحدّدها العصر، ولا يحفل كثيراً بالأيديولوجيا، أو البروباغندا الإعلامية، على أهمية هذين العاملين، فالفيصل هو المواءمة مع روح العصر، خصوصاً في ما يتعلّق باحتياجات سوق العمل الدولي الذي أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل، بفضل التحوّلات التي أحدثتها ثورتا التقانة والاتصالات، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

منذ ثلاثة عقود، كان من المأمول أن تقود نهاية النظام الدولي ثنائي القطبية إلى ولادة نظام دولي جديد، وقد كان أمام الولايات المتحدة أكثر من عقد لتثبت قدرتها على ريادة النظام الدولي، وهو ما لم يكن حلفاء الولايات المتحدة يمانعونه، بل كانوا يعتبرونه أمراً جيداً يصبُّ في مصلحة حالة الاستقرار العالمي، وتحديداً الشركاء الأوروبيين.

خاضت الولايات المتحدة حربين في أفغانستان والعراق، وخرجت منهما بسمعة عالمية سيئة، فهي لم تفشل فقط في إحداث استقرار في كلا البلدين، بل ساهمت في تمزيق ما تبقى منهما، ومنحت قوى أخرى فرصة التدخّل، وتوسيع هامش النفوذ، فقد تمكّنت إيران من مزاحمة الولايات المتحدة في الساحة العراقية، وتحويل ولاء القوى والأحزاب العراقية لها، على الرغم من العلاقات التاريخية بين قوى المعارضة العراقية وواشنطن، خلال حكم صدام حسين، وفقدت الولايات المتحدة جزءاً مهمّاً من نفوذها، خصوصاً في ما يتعلّق بالجيش العراقي الذي أصبح واحداً من قوى عسكرية كثيرة موجودة على الساحة.

إن ما نشهده اليوم من تعثّر للسياسة الأمريكية في سوريا وعموم الشرق الأوسط هو نتيجة أخطاء عدة ومتراكمة للسياسات الأمريكية منذ عام 2003، وقد كان من الطبيعي أن تقود حالة الإخفاق الأمريكي إلى تحفيز القوى الإقليمية والدولية لملء الفراغ، ف”السياسة لا تحبّ الفراغ”، وفي مقدمة تلك القوى الاتحاد الروسي الذي وجد الفرصة سانحة لأخذ موقع الولايات المتحدة في المنطقة، ولعب دور الشرطي الجديد الذي يقوم بتنظيم تناقضات المصالح، ومنح الوعود، وفكّ الاشتباك، أو رسم حدود المعارك والضربات العسكرية، أملاً بتثبيت أوضاع استراتيجية لعقود من الزمن.

المسار الذي سلكه الرئيس بوتين في سياساته الخارجية هو الخيار ذاته الذي أنتجته النخبة الروسية القومية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فقد كان أمام روسيا خيارين، يتمثّل الأول بقبولها العودة دولة طبيعية في فضائها الجيوسياسي، والتوجّه نحو أوروبا، وقبولها الانخراط في المعايير السياسية الأوروبية، بما فيها الاتفاقات التجارية، ومعايير الليبرالية الغربية، وما يستتبعها من تغيّرات في النظام السياسي الروسي، بما يتعلق بالديمقراطية، والتعددية السياسية الحقيقية، أما الخيار الثاني هو رفض عملية الانكفاء، ومحاولة العودة إلى الساحة الدولية كلاعب رئيسي، وهو ما اختاره التيار القومي الروسي، بعد إخفاق التيار الغربي “الروسي” بين عامي 1990 و1999.

ارتكّزت سياسات بوتين على تقوية موقع روسيا في سوق النفط العالمي، والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بعد عام 2000، وإعادة الاشتباك مع القضايا الدولية، من خلال موقع روسيا في مجلس الأمن الدولي، وتطوير صناعة السلاح، وفي الممارسة العملية، أعاد الرئيس بوتين استخدام “العناد السياسي”، و”اللعب على عامل الزمن”، وهما خاصيتان برزتا بشدّة في السنوات الأخيرة، خصوصاً في المسألة السورية التي أراد بوتين من خلالهما القول إن روسيا قادرة على اللعب في ساحتي الدبلوماسية والحرب، فهي قادرة على تعطيل قرارات الأمم المتحدة، كما هي قادرة على التحوّل إلى اللاعب الأول في سوريا، وما يرتبط بها من ملفّات.

حقّقت روسيا نجاحات مهمة، فقد تمكنت بعد تدخلها العسكري من تعديل ميزان القوى لمصلحة النظام السوري، أو في حقيقة الأمر لمصلحتها، واتبعت تكتيكات متعددة، فإضافة إلى استخدام القصف الجوي، قامت بعمليات حصار للمناطق، وعقد مصالحات، كما استثمرت تلك النجاحات في استقطاب تركيا إلى جانبها، وبيعها منظومة S400، وإقامة توازنات مع إيران، وأيضاً مع إسرائيل، واليوم يسعى الرئيس بوتين إلى تمتين علاقات موسكو مع دول الخليج، والاستثمار في التقلّبات الأمريكية تجاه تلك الدول.

لكن، هل يمكن، من الناحية العملية، أن تملأ روسيا تراجع مكانة النفوذ الأمريكي؟ وهل تستطيع حصد نتائج تدخّلها العسكري والسياسي في سوريا والشرق الأوسط؟ أم أن استراتيجيتها مرهونة بمعطيات كثيرة معقّدة، وبالتالي فإنها محدودة بحدود تلك المعطيات؟ تعوّل روسيا على إنتاج حلّ سياسي، عبر اللجنة الدستورية، يكرّس امتيازاتها العسكرية والاقتصادية، من خلال “قاعدة حميميم”، والاستثمار طويل الأجل في ميناء طرطوس، والأهم من ذلك ملف إعادة الإعمار، بحيث توزع حصص اللاعبين الآخرين، وتمنح شركاتها الحصّة الكبرى في عمليات تأهيل البنية التحتية، ما يضمن لها عائدات كبيرة، ولمدة قد تمتد عقدا أو أكثر من الزمن.

ملف إعادة الإعمار المقدّر بحدّ وسطي (هناك تقديرات متباينة) بحوالى 200 مليار دولار، هو ما تسعى موسكو لوضع يدها عليه، لكن مسعاها يصطدم بعوائق خليجية وأوروبية، وهما الطرفان اللذان يمتلكان الأموال اللازمة التي تحتاج إليها عملية إعادة الإعمار، لكن هذين الطرفين لهما شروط عدة، من بينها تغيير النظام السوري، وما يتبع ذلك من تحوّلات في مؤسستي الجيش والأمن، وإعادة اللاجئين، إضافة إلى عدد من الملفّات الموازية.

أما في ما يتعلق بتحقيق استقطاب نهائي لتركيا، فإن هذا الأمر مشكوك فيه إلى درجة كبيرة، فقد أبرزت أحداث عدة أن تركيا غير قادرة عسكرياً واقتصادياً على الابتعاد عن الأطلسي والغرب عموماً، والولايات المتحدة على نحو خاص، كما أن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، تعتمد عسكرياً على واشنطن، وفي البنية التقنية المعلوماتية، إضافة إلى ملف الطاقة، وأمن الملاحة في مضيق هرمز.

لقد تمكّنت روسيا من موضعة نفسها في سوريا، وأصبحت لاعباً في عدد من ملفّات الشرق الأوسط، لكن ذلك ليس كافياً من أجل حصد نتائج استثماراتها العسكرية والمالية، فالعودة إلى سياسات القرن التاسع عشر الاستعمارية قد تكون كفيلة بالنجاح إلى حين، لكنها تتناقض جوهرياً مع مقاييس العصر، ومعطياته الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، خصوصاً إذا كانت المسافة بينها وبين منافسيها واسعة، فما تزال روسيا بعيدة بأشواط عن الولايات المتحدة في سوق السلاح، وتعلم تمام العلم أن الانخراط أكثر في هذه الصناعة سيعيد توريطها من جديد، كما تورّطت سابقاً وخسرت.

بروكار برس

————————

أميركا تسلّم المنطقة لخصومها.. لا لحلفائها العرب/ منير الربيع

تعيش الولايات المتحدة الأميركية جدلاً مفتوحاً منذ سنوات حول سياستها في الشرق الأوسط. النقاش المفتوح يتنامى عند كل محطّة انتخابية، بين الديمقراطيين والجمهوريين. فباراك أوباما، خاض معركته الانتخابية تحت شعار الاهتمام بالداخل الأميركي والانسحاب من أزمات المنطقة، والشرق الأوسط تحديداً. وهو أعلن انسحابه من العراق وأفغانستان. دونالد ترامب ذهب بعيداً في ولايته الأولى حول مسألة الانسحاب من المنطقة، ورفع شعار أميركا أولاً. وها هو يستعيد الأسلوب ذاته تحضيراً للمعركة الانتخابية التي يأمل الفوز فيها بولاية ثانية.

“صفقة القرن” وأمن النفط

تريد الولايات المتحدة الأميركية، الوصول إلى سياسة صفر مشاكل مع مختلف الدول التي كانت في مواجهة معها، ككوريا الشمالية وإيران وروسيا. والهمّ الأساسي لواشنطن يبقى في مواجهة الصين لاعتراض مبادرة حزام وطريق، أو فرض نفسها كشريك قوي في هذا المشروع. سياسة أوباما في هذا المجال لم تكن تختلف عن سياسة دونالد ترامب. الرجلان يستلهمان من زبيغنيو بريجنسكي، ومن هنري كيسنجر، حول ضرورة التقارب مع روسيا تدعيماً لمواجهة الصين وإجبارها على عقد ما الشراكة معها في ظل تناميها وتعاظم اقتصادها.

افتتح ترامب معركته الانتخابية لولاية ثانية بالإعلان عن “صفقة القرن”. وقبلها كان انسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على إيران، بغية تغيير الاتفاق وتقديم نفسه المستعيد للهيبة الأميركية. اليوم تغيرت أحواله وأصبح بحاجة إلى صورة مع أي مسؤول إيراني تعزز وضعيته الانتخابية. تمكنت إيران من استفزاز أميركا في العديد من المجالات وصولاً إلى ضرب خطوط النفط. بينما ترامب لم يكن قادراً ولا راغباً بالدخول في حرب أو مواجهة، لأن الأميركيين لا يريدون الانغماس أكثر في الشرق الأوسط. وتتنامى لدى الأميركيين وجهة نظر مفادها أن ليس على الولايات المتحدة تحمّل تكاليف أمن النظام العالمي الذي أرسي بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي. تتخلى واشنطن عن وظيفتها في إدارة العالم متخففة من دفع التكاليف المترتبة عن ذلك. وقد تجلى ذلك بعد الضربات الإيرانية في الخليج. إذ أعلن ترامب أنه غير معني بحماية خطوط النفط، وعلى الدول الأخرى المستفيدة من النفط أن تتكفل هي بحماية الناقلات والمنتوجات النفطية.

أربع قوى

يستكمل ترامب معركته الانتخابية بالإعلان عن أن أسوأ قرار أميركي اتخذ في التاريخ هو التورط في الشرق الأوسط، معلناً سحب خمسين جندياً أميركياً من شرق سوريا، وتسليم المنطقة إلى تركيا، ما يعني أنه منح تركيا غطاءً لعمليتها العسكرية هناك. إعلان ترامب هذا، لا يعني بالضرورة الانسحاب الكامل من الشرق الأوسط. ولكنه في مضمونه يعود إلى نظرية بريجنسكي وكيسنجر في تسليم ملفات المنطقة إلى قوى دولية ترتبط بعلاقة وثيقة بواشنطن، ولن تكون قادرة على الخروج من تحت العباءة الأميركية. وهذا ما دفع أميركا إلى تسليم سوريا لروسيا، وجزء منها لتركيا. بينما غايتها الأساسية، حالياً، تتركز على عقد صفقة كبرى مع إيران. فتكون طهران شريكاً أساسياً ضمن هذه القوى الأربع التي تمنحها واشنطن أدواراً في المنطقة، أي تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل.

أدوار هذه القوى الأربع هي الجواب البديهي على سؤال حول ما الذي سيحل بدلاً من الوجود الأميركي. بينما ليس لدى العرب سوى الفراغ، وهم الذين افتقدوا لأي مشروع وراهنوا بكلية مشاريعهم ومقدراتهم على الأميركيين. لن يكون الانسحاب نوعاً من الإنكفاء الكامل عن المنطقة، بل محاولة احتوائية جديدة للمنطقة من خلال قوى إقليمية فاعلة كإيران وتركيا وروسيا. بينما تبقى واشنطن قادرة على ضبط هذه اللعبة بالاستناد إلى تحكمها الاقتصادي والمالي.

الخسارة العربية

خسارة كبيرة بالنسبة إلى العرب الذين راهنوا على واشنطن على مدى عقود. وفي المقابل سيسجل خصوم واشنطن “انتصاراً معنوياً” لصالحهم بعد الانسحاب الأميركي، طالما انهم يتفوقون في مشاريعهم على العرب، الذين يضيعون في خطابات متناقضة ومتعددة. الخطابات القومية أو الإسلاموية أو اليسارية الفاقدة لأي رؤية أو أفق، إضافة إلى خطابات الطغم العسكريتارية التي تعزز أدوار الأنظمة على حساب الشعوب ومصالحها.

هكذا، تحولت واشنطن إلى عنوان يستدعي تعليق خيبات العرب عليه. 

طوال السنوات الماضية ترسّخ وهم إسمه الولايات المتحدة الأميركية. بينما اليوم يتوجب طرح السؤال عن البدائل التي يمكن اعتمادها. هل الإيرانيين بنموذجهم في الحشد الشعبي، وحزب الله، والحرس الثوري؟ أم نموذج روسيا بوتين، صاحب العشرين عاماً في حكم روسيا، ورمز تجدد الأنظمة الشمولية والمخابراتية، التي تغيب فيها أي تعددية أو حرية أو ديموقراطية، أم النموذج التركي الذي يأخذه رجب طيب أردوغان إلى الشخصنة والديكتاتورية المغلفة بديموقراطية هشة لا تحتمل الصحافيين. أما النماذج العربية البائسة التي لا تنتج سوى الموت لشعوبها كالنظام السوري؟

ما يحدث حالياً في المنطقة، ولبنان من ضمنها، يشبه إلى حدّ بعيد ما جرى إبان الحرب العالمية الأولى، في إعادة رسم الخرائط والأدوارالجديدة في المنطقة ودولها، حيث تتوزع مراكز القوى الحالية بين إيران وتركيا وروسيا وإسرائيل. وكل ذلك تحت رعاية شعبوية أميركية، وشعبوية أوروبية، تعيش على إعادة إنتاج منطق العصبيات القومية، والتي تلاقي صداها في الشرق الأوسط، بنماذج مختلفة.. تبدأ من “صفقة القرن”، ولا تنتهي في فدرلة سوريا، وفي ترسيخ الدويلات المسلحة داخل الدول، وإضعاف الدور العربي وإغراق العرب والخليجيين في همومهم الداخلية واستنزاف ثرواتهم بعد ضمور شرعيات الحكم، مقابل تعزيز منطق الأقليات القومية والمذهبية المتلاقية ضد العرب أو ضد “الأكثرية” في هذه المنطقة.

الحال اللبنانية

يمثل لبنان مرآة جلية لهذه التطورات وتفاعلاتها. إذ أن واشنطن تترفع عن التورط في تفاصيل السياسة اللبنانية، على الرغم من سيطرة حزب الله على القرار اللبناني، ومن مضي الأميركيين في فرض العقوبات عليه. ما تريده واشنطن من العقوبات على حزب الله هو أولاً إمساك العصا من الوسط بين الإيرانيين والعرب. وثانياً إخضاع حزب الله كما إيران لضوابط معينة تؤمن بنوداً متعددة، تبدأ بملف ترسيم الحدود وحماية النفط، ولا تنتهي بحماية أمن إسرائيل. هذا من دون أن يكون لدى واشنطن أي مشكلة في احتفاظ حزب الله بسلاحه. إذ تحول النقاش من السلاح الكامل إلى الصواريخ الدقيقة فقط. وهذا يعني أن واشنطن لا تمانع أن يكون حزب الله هو الوصي على لبنان برعاية إيران، وبناء على التفاهم بين القوى التي لديها مشاريع واضحة في الشرق الأوسط. وكلها تبحث عن شراكة مع الأميركيين، الذين سيبقون ضباط إيقاع وتوازنات وفق ما يلاءم مصالحهم. وهذا سيكون مرعياً عن كثب بوجود الأميركيين في أكبر سفارة على البحر المتوسط يتم تشييدها في لبنان.

المدن

—————————

هل من معنى للفشل “الأخلاقي” في سوريا؟/ رضوان زيادة

كيف يُمكِن تقييم السياسة الأميركية في سوريا من الرئيس أوباما إلى الرئيس ترمب؟ أعتقد أنها تقابل بكلمة واحدة، هي “الفشل”، فشل أخلاقي في سوريا، فلا أزيد على ما قاله مبعوث الإدارة الأميركية السابق إلى سوريا، السفير فورد، عندما استقال وقال: إني استقلت لأني لم أعد أستطع أن أدافع عن موقف الإدارة الأميركية، لأنه موقف عملياً لا يلتزم أخلاقياً مع القيم الأميركية، ولا سياسياً على المدى البعيد بالنسبة إلى تزايد عدد القتلى والشهداء، وتوسع الأزمة إلى مستوى إقليمي أكبر، وفي الوقت نفسه، هو فشل أخلاقي في سوريا. وبالمناسبة، من رَكَّزَ على الموضوع الأخلاقي في الفشل الأخلاقي لإدارة أوباما مندوبة الولايات المتحدة سامانثا باور المُقرَّبة من الرئيس أوباما، وكتبت أهمّ الكتب في التاريخ الأميركي فيما يتعلق بالـ “Genocides”، وعندما نستخرج المقاطع التي كتبتها ونُقارِن موقفها حالياً في الأزمة السورية، تجد حجم التناقض حيث تقول في أحدث الكتب التي نشرتها في 2009 إن الموقف الأخلاقي يجب أن يَتقدَّم في السياسة الأميركية عندما تُرتكَب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. نجد أن هذا الموقف يغيب تماماً في البعد الأميركي تجاه السياسة السورية في الوقت الحالي.

هذا الأسبوع صدر كتاب مستشارة الأمن القومي السابقة في عهد الرئيس أوباما سوزان رايس والذي ركزت فيه على القضية السورية في أكثر من فصل، المهم أنها تشير إلى الفشل الأخلاقي بعبارات قوية للغاية، إذ تقول” وبقدر ما شعرنا بالألم، وبقدر ما تعرضت قيمنا للإهانة، وبقدر ما بدا من غير الأخلاقي أن قرار عدم التدخل مباشرة في الحرب الأهلية في سوريا، أعتقد أنه كان الخيار الصحيح

لمجموع المصالح الأميركية. أزعج أوباما سوريا باستمرار، لكنه توصل إلى نفس النتيجة مرارًا وتكرارًا. كثير من الناس الذين أحترمهم يختلفون بشدة مع هذا الحكم، ولكن في الماضي، لا أستطيع أن أقول إنني كنت سأفعل الكثير بطريقة مختلفة – باستثناء ربما تجنب التصريحات مثل “الأسد يجب أن يذهب” أو الخطوط الحمراء، كما في الأسلحة الكيمياوية التي أثارت التوقعات عن الإجراءات التي قد لا تخدم مصالح الولايات المتحدة. وعلى نفس المنوال، أتساءل عن حكمة تسليح وتدريب المتمردين السوريين، لأن مستوى دعمنا لم يكن كافياً لخلق أكثر من مأزق مؤقت، قبل أن يُميل التدخل الروسي النزاع لصالح الأسد.

كنا فكرنا ونعيد النظر، مرارًا وتكرارًا، في العديد من الخطوات المهمة دون الحرب المباشرة ضد الأسد. لقد فرضنا ما يمكننا فرضه من عقوبات أميركية وأوروبية، لكن في غياب سلطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي كانت روسيا تمنعها باستمرار، لم تكن العقوبات العالمية الشاملة قابلة للتحقيق. قدمنا ​​ما يقرب من 6 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية لضحايا الصراع في سوريا وأكثر إلى الدول المجاورة لمواجهة العبء. لقد أنفقنا كميات لا حصر لها من الطاقة رفيعة المستوى في محاولة للتفاوض مع روسيا وسوريا واللاعبين الرئيسيين الآخرين لإنهاء الصراع سلمياً. في العديد من النقاط، حاولنا استغلال الانفتاح الدبلوماسي المحتمل، لكن لم يثمر أي شيء على الإطلاق.

إن قلبي وضميري سوف يتألمان إلى الأبد على سوريا. منذ رواندا، كان تحيزي مؤيدًا للعمل في مواجهة الفظائع الجماعية – عندما لا تكون المخاطر التي تهدد المصالح الأميركية مفرطة. على النقيض من ليبيا، حيث كنت أؤيد بشدة التدخل العسكري، على الرغم من أنني أقر بالتكاليف الباهظة للغاية للحد من تصرفاتنا ولست قانعًا ولا فخورة بالاعتراف بها، أعتقد أننا كنا على صواب في عدم الانخراط بشكل أكبر عسكريًا في الحرب الأهلية السورية.”

وهكذا فهي على الرغم من اعترافها أنها لم تقدم الكفاية لمساعدة السوريين لكنها ما تزال تعتقد أن هذا هو كان القرار الصائب، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته سامنثا باور في كتابها الجديد، وكأنه عتاب نفسي أننا لم نفعل الكفاية ولكن ما فعلناه كان كافياً وهو برأيي جوهر الفشل الأخلاقي في سوريا اليوم.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى