سياسة

مقالات مختارة تناولت انشاء اللجنة الدستورية في سورية

اللجنة الدستورية انتهاك لمطالب الشعب السوري/ أنور البني

بدأ مسار الانحراف، والتنازل، عن مطالب الشعب السوري منذ القبول بمناقشة السلال الأربعة التي طرحها دي مستورا بطلب روسي في جنيف 4 وهي (الحكم والانتقال السياسي، الدستور الجديد، الانتخابات، ومحاربة الإرهاب)، واستمر الانحراف المدروس بإذعان وفد المعارضة بالموافقة على الطلب الروسي بمناقشة بند المسار الدستوري كبند وحيد وتجاهل تام لقضية وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين والاتفاق على عملية الانتقال السياسي، واكتملت فصول الهزيمة والإذعان باعتبار إنشاء لجنة دستورية يلبي كل مطالب الشعب السوري.

  على الرغم من أن بيان جنيف 1 لم يلبِ إلا الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري، إلا أنه يمكن اعتباره نقطة بداية وعبور حقيقية لتحقيق مطالب السوريين بدولة تحترم كرامتهم وحريتهم، ومما جاء فيه حرفياً وفقا للترتيب التالي:

    بناء الثقة عبر وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار وحرية التنقل والتظاهر السلمي والسماح للمنظمات الدولية بالوصول لكل المناطق.

    أي تسوية سياسية يجب أن تقدِّم لشعب الجمهورية العربية السورية عملية انتقاليًة.

    إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية.

    على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.

وصدر القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن برقم 2254 الذي تبنى بيان جنيف كمرجعية للحل في سوريا وأكد على عملية انتقال سياسي وفق ما يلي:

    يؤكد من جديد تأييده لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل كأساس لانتقال سياسي

    يسلّم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملا ببيان جنيف لعام 2012،

    يدعو الأطراف إلى أن تتيح فورا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سورية ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي.

فماذا حقق أو يمكن أن يحقق إنشاء اللجنة الدستورية من هذه المطالب؟

أن اختراع اللجنة الدستورية وقبول المعارضة بالانخراط في العملية الدستورية حصرًا كمدخل وحيد للحل السياسي، هو تجاوزً واضح لما نصت عليه القرارات الأممية، ويساعد روسيا والنظام السوري المجرم على دفن بيان جنيف والقرار 2254 وهما القراران الوحيدان اللذان يعترفان للسوريين بشيء من حقوقهم التي دفعوا من أجلها أثمان باهظة، ويرفع الحرج عن كاهل المجتمع الدولي الذي كان قبل قبول المعارضة بالعملية الدستورية، ملزمًا، نظريًا وأدبيًا، بمتابعة تطبيق قراراته وفرض احترامها.

وبينما كان من يدعون تمثيلهم لمطالب الشعب السوري يدخلون بمتاهات النقاش حول تشكيل اللجنة الدستورية كانت البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية وقصف الطيران يحصد أرواح المدنيين السوريين ويفتك بهم ويدمر مشافيهم وأفرانهم ومدارسهم وبيوتهم. وكان وما زال عشرات آلاف المعتقلين مغيبين قسريا لسنوات طويلة ويموتون يوميا بسبب التعذيب وشروط الاعتقال غير الإنسانية، وآلاف المدنيين ماتوا من الحصار، إلى مالا يحصى من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ترتكب يوميا بحق السوريين، ومع ذلك لم يهز جفن لمن ادعى تمثيله لمطالب الشعب السوري واستمر بالانزلاق في مجرى صنعته روسيا المجرمة بحق الشعب السوري.

كما إن القبول بمسار اللجنة الدستورية يشكل إلغاءً تاما للعملية الانتقالية وإقامة هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة التي هي وحدها صاحبة الحق بإعادة النظر بالنظام الدستوري والمنظومة القانونية، وأكثر من إن القبول بها يعتبر تنازلا تاماً عن مطلب الانتقال لدولة ديمقراطية.

والأخطر من ذلك كله، إن القبول باللجنة الدستورية سيعيد الشرعية لنظام القتل ومنحه فرصة قيادة كل العملية السياسية وبشروطه وحده، ومنحه الحق أيضاً في أن يحدد مسار وحدود كل ما يجري، وتقديم العذر والمبرر للمجتمع الدولي للتملص من واجباته وترك الشعب السوري لمصيره الأسود دون تدخل، طالما أن “ممثلي الشعب” قبلوا بهذا المسار لتحقيق طلباتهم، رغم عدم وقف القتل بكل أشكاله ورغم عدم إطلاق سراح المعتقلين ورغم عدم محاسبة المجرمين وعدم السماح للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالوصول لكل السوريين المحتاجين. ولا داعي لأن يكون المجتمع الدولي ملكياً أكثر من الملك.

في الوقت الذي أقرّ فيه ّ كل العالم بجرائم الأسد ونظامه، وفي الوقت الذي بدأت جهات قضائية بإصدار مذكرات توقيف دولية بحق رموزه. جاء قبول من يدعون أنهم ممثلي الشعب السوري بالتنازل عن أهم مكسبين للشعب السوري وهما بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254.  وتجاهل معاناة أكثر من مائة وخمسين ألف معتقل مازالوا مغيبين قسرا ومجهولي المصير ومعاناة عوائلهم، ويتجاهل أكثر من خمسين ألف ضحية قتلوا تحت التعذيب وأخفيت جثثهم، ويتجاهل استمرار القتل والتدمير بكل أنواع الأسلحة للشعب والمدن السورية.

إن اللجنة الدستورية لم ولن تكون خطوة على طريق تحقيق مطالب الشعب السوري لدولة الحرية والكرامة والمواطنة، بل هي لاستبعاد تطبيق قرارات الأمم المتحد ووضع العربة قبل الحصان، وإغلاق الطريق نهائياً أمام تحقيق مطالب الشعب السوري، وإبقاء الجمر تحت الرماد، لا يعرف متى سنفجر مجدداً وبشكل لا يحمد عقباه.

لكل ما تقدم، فإننا نؤكد رفضنا التام للجنة الدستورية لأن مجرد قبول من يسمون أنفسهم ممثلي الشعب السوري من المعارضة بهذه اللجنة والسير فيها باعتبارها مدخل الحل في سوريا قد شكّل أكبر انتكاسة لمطالب الشعب السوري، وأعطت المبرر للمجتمع الدولي أن يستمر بتجاهله معاناة هذا الشعب ويعيد الشرعية لنظام مجرم قاتل.

إننا نطالب الجميع وكل من يهمه مستقبل سوريا أن يعلن رفضه للجنة الدستورية كمسار وخطوة ليست مطلوبة الآن، وأن يتم إنشاء تحالف للقوى السورية المؤمنة بسوريا ديمقراطية مدنية خالية من الاستبداد والتطرف بكل أشكاله.

ونطالب أيضاً المجتمع الدولي الالتزام بقراراته والتزاماته وفي مقدمها وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً وإنشاء هيئة حكم انتقالي خلال مدة ستة أشهر كما نص عبه بيان جنيف 1  تكون لها كامل الصلاحية التنفيذية ويتم الاعتراف بها دوليا لتقوم بالمهام المنوطة بها بموجب القرارات الدولية لوضع سوريا على سكة الحل المؤدي لسلامة سوريا وطنا وشعبا وليس على سكة الدمار والتدمير

كما نطالب المجتمع الدولي الامتناع عن إجراء أي مفاوضات أو محادثات مع مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانية من كل الأطراف باعتبارهم أصبحوا موضع اتهام أمام الجهات القضائية في العديد من دول العالم، وصدرت مذكرات توقيف بحق بعضهم، واعتبار هؤلاء خارج أي حل سياسي وان لا يكون لهم أي دور مستقبل سوريا،

بهذا فقط يمكن أن نصدق أن قيم حقوق الإنسان وقيم الكرامة والحرية والعدالة ما زالت موجودة ويؤمن ويعمل لها أحد في هذا العالم

إن لم   تحترم الدول التزاماتها وقرارتها، فلا معنى لأي قانون ولا لأي ضابط، ولا يمكن لوم أي خارج عن القانون من قبل من لا يلتزم به.

وأخيراً، ندعو من ظن أنه يقدم شيئا إيجابياً للشعب السوري بدخوله هذا المستنقع أن يعلن انسحابه ومقاطعته لهذه اللجنة ربما هذا لن يعيد الثقة به ولكن الأقل للحفاظ على ماء وجهه.

*رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

بروكار برس

——————————-

تساؤلات في اللجنة الدستورية: المساءلة هي الأساس/ وائل السواح

ثمّة جملة من الأمور المتشابكة والمتعارضة تحيط بمتغيرات تشكيل اللجنة الدستورية المكلّفة بصياغة دستور جديد للبلاد وطريقة عملها. أول هذه الأمور أنها فُرضت على السوريين فرضا، فمعظم السوريين، سواءْ أكانوا موالين أم معارضين لم يكونوا يريدونها، كلّ لأسبابه. من جانب، النظام ومواليه لا يريدون لجنة هدفها الرئيس كتابة دستور جديد، لأن ذلك يعني –في ما يعني– أن دستور 2012 ليس مؤاتيا لسوريا الجديدة. ويعرف النظام أن أي دستور جديد، بالمطلق، سوف يقلّص من صلاحيات الرئيس ويخفّف من تسلّط أجهزة المخابرات والأمن، ويخفّف من غلواء طائفييي النظام.

لم يكن السوريون المعارضون للنظام يرغبون أيضا في تشكيل اللجنة الدستورية بالشكل الذي أتت عليه. فهم يريدون تحقيق المبادئ التي أتى بها بيان جنيف 1، وبنده الرئيسي الذي يطالب بتأسيس “هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة، ويجري تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين.” ويستندون إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يدعو أولاً إلى حكم ذي “صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية،” في خلال ستة أشهر، قبل أن يحدّد “جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد.” وتريد المعارضة قبل الدستور أيضا إطلاق سراح عشرات ألوف المعتقلين في سجون النظام وكشف مصير مئات ألوف المختفين قسريا. ولكن شيئا من ذلك كلّه لم يحدث، وركزّت المجموعة الدولية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة (الحالي والسابق) على تأسيس اللجنة الدستورية، قبل أي شيء آخر.

على أن تشكيل اللجنة ليس نصرا مطلقا للنظام، فمحض تشكيلها بقرار دولي وجعل ممثلي النظام مساوين لممثلي المعارضة في العدد والصلاحيات، ومن ثمّ وجود فريق ثالث من المجتمع المدني، وأخيرا رئاسة اللجنة المشتركة من رئيسين مشاركين، دليل أكيد على أن الخطوة ليست في مصلحة النظام.

بيد أن لا هذا ولا ذلك ينفي أن القرار لم يأتِ استجابة لمطالب السوريين، وإنما حدث على الضدّ من رغبتهم. ولكن انطلاقا من أن اللجنة الدستورية باتت حقيقة واقعة، يجد السوريون أنفسهم أمام خيارات ثلاثة، وعليهم أن يختاروا واحدا منها.

الخيار الأول هو القبول بدخول اللعبة الدستورية ومحاولة إثبات أن النظام هو من سيعرقل عملية كتابة دستور جديد. يفترض هذا الخيار أن يتفق ممثلو المعارضة على النقاط الرئيسية التي سيدور حولها نقاشهم وسيصرّون على وضعها على الطاولة. كما يفترض أيضا أن يقيم ممثلو المعارضة أفضل العلاقات مع الطرف الثالث في فريق إعادة كتابة الدستور، أي ممثلي المجتمع المدني والخبراء الذين اختارتهم الأمم المتحدة، فبينهم أساتذة في القانون منفتحون على التغيير، وبينهم أيضا أشخاص موالون للنظام جزئيا، ينبغي العمل على تحييدهم. بكلمات أخرى، إذا اختار السوريون هذا الخيار، فسيكون شغلهم في السياسة وليس في النشاط الثوري، ولن يكون كلّ من هو ليس معنا خصما وعدوا لنا.

لن يعني هذا بالطبع أن يسلّم ممثلو المعارضة والمجتمع المدني بكل ما يريده المبعوث الخاص غير بيدرسون أو الروس. إنه يعني فقط أن الصراع السياسي قد انتقل من خندق إلى خندق ومن خانة إلى خانة، بما يتطلب ذلك من تبدّل في الأدوات والوسائل. وفي نقاشات اللجنة الدستورية يمكننا وضع كلّ شيء على الطاولة، بما في ذلك شكل الحكم وصلاحيات الرئيس ومدّة حكمه، إلخ.

الخيار الثاني هو رفض الانخراط في اللجنة الدستورية ومحاربتها، مع العلم أن ذلك سيجعل السوريين وحدهم ضدّ الجميع. من البيّن أن العالم كلّه قد اتفق على هذه النقطة، بما في ذلك روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي. قد يكون هذا الخيار تعبيرا عن النبل والترفّع عن تقديم أي تنازلات مهما صغرت. يفترض هذا الخيار الاستمرار في القتال والصراع السياسي وتحمّل التكلفة البشرية والسياسية والأخلاقية لذلك. يفترض ذلك أيضا شروطا غير الشروط التي تصمّم واقع معارضتنا التي فقدت الأرض والنفوذ السياسي والسمعة الحسنة والرصيد الشعبي ووضعت كلّ أوراقها وكرامتها في سلال الآخرين: تركيا التي تجتاح الآن الشمال السوري وروسيا التي تستعد بصفاقة لاجتياح الشمال الغربي، إضافة إلى القاهرة والرياض وقطر، وعواصم أخرى.

الخيار الثالث أن يجلس السوري في بيته، متخليا عن هذا وذاك، يبحث عن مأوى وعمل وبلد جديد يهاجر إليه، ويؤمن فيه مستقبل أولاده. وهذا حقّ لكلّ إنسان، ولكن السؤال وقتها يبقى ملحا في ضمائرنا وعقولنا وقلوبنا: لماذا إذن خرج من خرج إلى الشارع؟ ولماذا استشهد من استشهد، وعُذِّب من عُذِّب، وهُجِّر من هُجِّر؟

يدّعي النظام أنه قد انتصر، ولكننا نعلم جميعا أنه كاذب. فلا يمكن أن يكون منتصرا من خسر الأرض والشعب والشرف والكرامة، وربح فقط البقاء على كرسي الحكم. بالمقابل، من العدل والحكمة والكرامة أن نقول نحن إننا لم ننتصر أيضا. ومن ثم، قد يكون من الحكمة أن نقبل باللعبة المفروضة علينا، ونحاول أن نجيّرها في مصلحة السوريين جميعا، من خلال التركيز على أن يضمن الدستور المقبل أن الشعب مصدر كلّ سلطة، وأن سيادة القانون وتداول السلطة وحرية التعبير والحريات الفردية والجماعية واللامركزية والمساواة التامة بين النساء والرجال هي المقوّمات الرئيسية لسوريا الجديدة.

لكن الأهم، ربما، هو تأكيد أن أي حلّ سياسي لسوريا يتجاهل مبدأ العدالة والمساءلة هو حلّ سيلد ميتا، وأن من يبحث عن سلام دائم وبلد مستقر وعلاقات إقليمية سليمة لا بدّ أن يضع مبدأ المحاسبة أولا، ولا بدّ من أن ينطلق من أن لا سلام من دون عدالة.

—————————

الدستور الذي يهدد السوريين/ إيمان محمد

تعتبر الدساتير في أنظمة الدول القانون الأعلى الذي يحدد شكلها ونظام الحكم والسلطات فيها، وينظم الحقوق والواجبات بما يرعى شؤون الشعب ومصالحه، ولذلك يبقى الدستور هو ركيزة الأمان الحقيقية للمواطن التي يعتمد عليها ويعود إليها إذا اختل ميزان من موازين السلطة والحكم في بلاده.

وبالنظر إلى سوريا ودستورها في عهد بشار الأسد ومن قبله حافظ الأسد، فبمشاهدة سريعة يمكننا أن نستنتج أنه دستور البعث، وقد عُدّل وفُصّل مراراً ليكون على مقاس الرئيس الذي تولى السلطة أساساً بعبثٍ في دستور الدولة تحت بند ” التعديل” واليوم يجري العمل على تعديل آخر للدستور ليكون على مقاسٍ روسي، وبرعاية أممية، وبحضور خجول تحت ما يصنف ضمن ” المعارضة السورية”، والهدف استلاب الهوية السورية، وإفراغها من مضمونها، والمطالب الروسية، وحسم القضية السورية والثورة لصالح المطامع الروسية وأهدافها في المنطقة.

إن المشروع الروسي وما يجري اليوم بشأن التعديل الدستوري أمر بالغ الخطورة، وستكون له انعكاسات سيئة على الواقع السوري في حال تحققه، فاللجنة الدستورية المختارة من قبل الأمم المتحدة، كانت  بإشراف ومباركة روسية، وبهدف المحافظة على بقاء النظام، الأمر الذي سيقود سوريا وشعبها بعد كل هذه التضحيات نحو مصير أسود، وسيكبد الشعب مزيداً من دفع الأثمان الباهظة لقاء السكوت عن بقاء النظام في السلطة، فيغدو  وكأنه مباركة للأسد ونظامه على جرائم الحرب التي ارتكبها في سوريا، كما يعتبر بمثابة الضوء الأخضر له ليتابع في منصبه مع بعض التعديلات الشكلية المفرغة من مضمونها، الأمر الذي يعتبره مؤيدو النظام نصراً مؤزراً على الإرهاب، فيما يخفت صوت المعارضة، ويفشل أعضاء اللجنة الدستورية في الوصول إلى الشعب، وفي تمثيله أيضاً، بسبب الفجوة الكبيرة وانقطاع الصلة.

اللجنة المشكلة باسم المعارضة الهدف منها شكلي بحت، وهنا يجب أن نتوقف قليلاً لنفكر في إلقاء اللائمة، هل سنلوم الدول التي تحاول العبث بحقوقنا وحرياتنا، وفرض قوالب ونماذج جاهزة، وهي أساساً لا تسعى إلا لمصالحها؟ وهل نلوم النظام الذي استمات لأجل استمرار سلطته وسيادته بكل شكل ممكن، وبكل وسيلة ممكنة أن يسير بما يوافق ذلك كله، وهناك نصر لم يحققه، ومجد لم يبذل جهداً فيه إلا جهد المرتزقة، ليأتيه الحكم مجدداً على طبق من دماء الشعب وأشلائه؟

الحقيقة أننا لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا، وما يسمى باللجنة التي تمثل المعارضة، والتي بدرها تفتقر للمقومات العلمية والتخصصية في مجال كتابة الدستور، كما تفتقر للتأييد الشعبي المطلوب للقيام بمهمة على هذا المستوى، ، فقد ابتعدت عن هموم السوريين ومشكلاتهم، ونأت بنفسها عن التواصل الحقيقي الفعال بهم، فيما كانت تدعي تمثيلهم في الخارج، ولعل قضية بالغة الخطورة كقضية الدستور تبدو مغيبة عن تفكير السوريين وهمومهم في الداخل السوري وفي الخارج أيضاً، فقد فشل معتنقوها بالتواصل الحقيقي مع الناس، وبالتالي فشلوا أيضاً بتمثيلهم والتحدث باسمهم.

الفجوة السياسية اليوم في أشد حالات اتساعها، والخرق كبير في ثورتنا، وفيما يتكاتف العالم كله لفرض سياساته ومصالحه، نزداد شرذمة وتفرقاً، ونزداد فردية وأنانية، في الوقت الذي تتطلب فيه المرحلة روحاً وطنية عالية، وتكاتفاً وسعياً حقيقياً للنجاة.

بالتأكيد يطمح كل سوري حر شريف لتغيير دستور مليء بالعبث، دستور يعترف العالم كله بشكل مباشر أو غير مباشر أنه تهمة حقيقية لنظام طوع القوانين والتشريعات والأرض والعباد لمصالحه، هذا السوري الحر الشريف الذي ما زال يقاسي من وحشية النظام في المدن المحتلة اعتقالاً وتضييقاً، وفي المدن الثائرة قصفاً وتنكيلاً، لن يعترف بالسكين التي تذبحه، والقنبلة التي تهدده، فكل  خطوة نحو الاستقرار وبناء الدولة السورية؛ هي رهن بزوال نظام وحاكم تسببوا بانهيارها على مدى سنوات حكمهم، وسوى ذلك تبقى المحاولات زائفة، والشعارات زائفة، وفكرة بناء الوطن زائفة، ولا شيء حقيقياً سوى دماء شهداء رحلوا وجهود ثوار أحرار ضحوا ومازالوا وسيبقون حتى تحقيق أهداف ثورتهم، وبناء مستقبل آمن بعيد عن الظلم والخوف والتهديد، تستحقه سوريا وشعبها العظيم.

تلفزيون سوريا

———————————

أهمية القضاء الدستوري في مستقبل سوريا/ ميشيل شماس

حتى وقت قريب كانت فكرة قيام قضاء دستوري تبدو غير قابلة للتطبيق بسبب انتشار أنظمة الحكم المطلقة والاستبدادية، واعتقاد كثير من الناس باستحالة إلزام أصحاب السلطات العليا باحترام القانون. إلا أن هذه المقولة لم تصمد مع الأيام، إذ سرعان ما تحوّل موضوع  إلزام الحكام والسلطات الحاكمة باحترام القوانين إلى فكرة واقعية بعد الويلات والكوارث التي خلفتها الأنظمة الاستبدادية في العالم، لا سيما في الحربين العالمتين، فشرع عدد من الدول الأوروبية في تحصين أنظمته ضد عودة الاستبداد والتسلط من خلال النص في دساتيره على رقابة دستورية صارمة كرّست علوّ الدستور وحددت قواعد عمل السلطات العامة والفصل بين السلطات، وكذلك القواعد التي تدير العلاقات بين هذه السلطات والمواطنين، ومنحت الهيئات المكلفة بالعمل على احترام القانون سلطة فرض احترام القواعد الدستورية.

وعلى الرغم من أن سوريا كانت السبّاقة في إصدار الدساتير على الصعيد العربي، إلا أن الرقابة على دستورية القوانين بقيت حبراً على ورق ولم تشهد أي تقدم، لا بل إن دور القضاء الدستوري تراجع عمّا كان عليه الأمر في خمسينيات القرن الماضي، فبعد أن حظي القضاء الدستوري باستقلال نسبي عن السلطتين التنفيذية والتشريعية في دستور 1950، جاءت الدساتير اللاحقة لتلغي وجوده تارة أو تحوّله إلى محض أداة في يد السلطة، وقد تجلّى ذلك بوضوح في دستوري 1971 و2012.

ومع أنه كُتب وقيل كثير عن أهمية إصلاح القضاء الدستوري وضمان استقلاله، إلا أن القاســم المشترك بين كل ما قيل وكتب هو أن إصلاح القضاء الدستوري وباقي الجهات القضائية وضمان استقلالها بات اليوم يمثّل ضرورة وطنية قصوى وبخاصة في هذه الأوضاع المأساوية التي تمر بها سوريا.

أصبح القضاء الدستوري اليوم يؤدي دور الحامي لتطبيق الفصل بين سلطات الدولة، ويمنع  تغوّل سلطة على سلطة أخرى، وطغيان أكثرية على أقلية في البرلمان أو فئة حاكمة على فئة معارضة، من خلال ممارسته لوظيفته الرقابية على مدى التزام المشرع بمبدأ الفصل بين السلطات والحفاظ على التوازن بينها واحترام حدود كل سلطة منها.

والقضاء الدستوري يقوم أيضا بدور الضامن للتوازن بين المعارضة والأكثرية في البرلمان من خلال إفساح المجال للمعارضة البرلمانية للجوء إلى القضاء الدستوري عندما تتجاوز الأكثرية البرلمانية بالتحالف مع الحكومة النصوص الدستورية، بما يشكل ذلك رادعاً للأكثرية واضطرارها إلى الالتزام بالنصوص الدستورية. ويؤدي ذلك إلى تصحيح التوازن المختل بين المعارضة والأكثرية، ويحول دون جنوح الأكثرية الحاكمة إلى الهيمنة على الحكم. ويمنعها من إصدار قوانين تنتقص من حقوق الأقلية.

ويدعم وجود القضاء الدستوري بقوة مبدأ سيادة القانون، وذلك من خلال تطبيق النصوص الدستورية وإنفاذها تجاه المؤسسات والإدارات العامة والمسؤولين، وتأمين الدعم للقضاء العادي بدعم القواعد العادية تجاه الدولة. وهو الأمر الذي يشجع على التنمية وجذب الاستثمار الدولي الذي سيطمئن إلى وجود سلطة قضائية فعّالة تحمي حقوق الملكية الخاصة من تسلط المتنفذين.

ويحمي القضاء الدستوري الدولة من النزاعات التي قد تنشأ بين الأحزاب السياسية والحكومة بصفته المسؤول عن تحديد دستورية جميع القوانين عندما يطرح نفسه بوصفه مكانا لحل تلك النزاعات والحيلولة دون تحولها إلى نزاعات طويلة قد تعرقل السير المنتظم للسلطات.

ويضمن القضاء الدستوري انتظام الحياة السياسية في الدولة من خلال دوره المهم في الإشراف على قوانين الانتخاب وعلى العملية الانتخابية والتصديق على نتائجها.. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عصام سليمان:” للقضاء الدستوري دور أساسي ليس فقط في الحفاظ على الالتزام باحترام الدستور في عملية التشريع وإدارة الشأن العام، وإنما أيضاً في انتظام أداء المؤسسات الدستورية وتكريس شرعية السلطة وتطوير المنظومة الدستورية وبناء دولة الحق

ويشكل القضاء الدستوري مظلة مهمة لحماية حقوق الناس وحرياتهم من خلال مراقبته تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات والعمل على التوازن بينها، ومن هنا تأتي ضرورة النص في أن يلحظ الدستور في أحكامه على الحقوق والحريات للفرد بما يتوافق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، حتى يتمكن القضاء الدستوري من مراقبة الالتزام بتلك النصوص وبناء قراراته عليها تحقيقاً للعدالة الدستورية التي هي أساس العدالة، إذ إن القضاء يبني أحكامه على القوانين، وإذا كانت القوانين غير عادلة فإن الأحكام التي يصدرها القضاء ستكون أيضاً غير عادلة، وهنا يأتي دور القضاء الدستوري في النظر في عدالة تلك القوانين في ضوء نصوص الدستور والمبادئ الدستورية ليحقق في النهاية العدالة.

والقضاء الدستوري هو وحده القادر على منع إنشاء محاكم استثنائية، من خلال ممارسة دوره الرقابي على قوانين تلك المحاكم التي يمثل إنشاؤها اعتداءً صارخاً ليس على حرّية الإنسان وحقوقه وحسب، بل يمثل اعتداءَ أيضاً على اختصاص السلطة القضائية صاحبة الولاية الكاملة والاختصاص الشامل لمختلف المنازعات بموجب أحكام الدستور الذي أناط بها وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات.

وإضافة إلى ما تقدم، يمكن للقضاء الدستوري أن يساعد السوريين في إعادة إعمار بلدهم على أسس جديدة بعيداً عن الاستبداد والطغيان والتطرف من خلال وظيفته ودوره بوصفه أعلى سلطة قضائية في البلاد.

لذلك، بات من الضروري اليوم أن يُحصّن القضاء الدستوري بنصوص واضحة في أي دستور جديد لسوريا بما يمكنه من أداء دوره المستقل بعيداً عن أي تدخل من أي جهة كانت.

بروكار برس

————————–

“اللجنة الدستورية”:لا اتفاق على شيء..قبل الاتفاق على كل شيء/ صبحي فرنجية

تُكثف “هيئة التفاوض” السورية ولائحة المعارضة في “اللجنة الدستورية” مناقشاتها حول مبادئ الدستور التي سيتم بحثها خلال عمل “اللجنة الدستورية” التي ستَعقِد لقاءاتها نهاية تشرين أول/أكتوبر في جنيف، في الوقت الذي حملت فيه زيارة المبعوث الدولي غير بيدرسن إلى الرياض للقاء “هيئة التفاوض”، قبل زيارته إلى دمشق، رسالة واضحة إلى النظام ومكانته في العملية السياسية.

وقالت مصادر معارضة لـ”المدن”، إن لائحة المعارضة في “اللجنة الدستورية” أنشأت ثماني مجموعات في ما بينها، وتبحث كل مجموعة منها إحدى بوابات الدستور وتفاصيله. وأشارت المصادر إلى أن المجموعات قطعت شوطاً جيداً في نقاشاتها ورسم مبادئ أبواب الدستور التي تضمن حق الشعب السوري.

ولفتت المصادر إلى أن المجموعات و”هيئة التفاوض” تضع نصب عينيها خلال العمل نقطتين: القرار الدولي 2254، وقاعدة “لا اتفاق على شيء، قبل الاتفاق على كل شيء”. كما تم تسليم المبعوث الدولي ورقة بخصوص المعتقلين، تؤكد على أنه لا يمكن إطلاق العملية السياسية من دون إطلاق سراح المعتقلين، واستكمال إجراءات بناء الثقة.

وعلمت “المدن” أيضاً أن المعارضة السورية تخشى من أن تبدأ روسيا في وضع عراقيل أمام عمل اللجنة، وأن المعارضة تدرس كل الخيارات المتاحة، حتى خيارات إفشال اللجنة وعملها من قبل النظام والروس والإيرانيين، بما في ذلك إمكانية التراجع عن العمل في إطار اللجنة في حال تراجع النظام وداعميه عن القرارات الدولية ذات الصلة، وحاولوا حرف مسار اللجنة.

ومن الملفات التي وضعت مجموعات اللجنة أسسها؛ السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، الحكم، الانتخابات، السلطة القضائية، فيما تستمر النقاشات بخصوص ملفات متصلة بالسلطات الأخرى، ويتم درس تفاصيل متعلقة بشروحات السلطات وارتباطها بباقي أسس الانتقال السياسي.

كما أن المعارضة أكدت للمجتمع الدولي أن الذهاب إلى الانتخابات في ظل الوضع الراهن غير صحيح من دون تطبيق القرارات ذات الصلة، لأن ذلك يعني إعادة انتاج النظام الذي فقد شرعيته، وذلك رداً على ما تم تناقله عن وجود “لا ورقة” فرنسية حول الانتخابات في سوريا.

وأكدت مصادر “المدن” أن المعارضة عندما قبلت بالدخول في إطار “اللجنة الدستورية” قبل الانتهاء من بقية السلال التي نص عليها القرار 2254، فإن ذلك لا يعني أنها وقعت في فخ ما، أو أنها تراجعت عن أهدافها. وأوضحت أن المعارضة مستعدة لمناقشة السلال كلها حتى لو كانت بتراتبية مختلفة عن التي أتى بها القرار، لكنها لن تقبل تنفيذ أي اتفاق حول السلال حتى الانتهاء من الاتفاق على كل شيء. والتنفيذ حينها يكون وفق تراتبية القرار 2254، لا وفق تراتبية بحث السلال.

ونبّهت المصادر إلى أن ما يتم تداوله حول وجود فرصة قوية للنظام في تمرير قرار داخل اللجنة، مقابل فرصة أقل للمعارضة هو أمر غير صحيح، لأن الاتفاق على أي بند يحتاج موافقة 113 عضواً من أصل 150، وبذلك يحتاج النظام إلى إقناع قائمة المجتمع المدني كاملة؛ 50 عضواً، بالإضافة إلى 13 عضواً من المعارضة، وهذا أمر أشبه بالمستحيل.

وبذلك يكون الاتفاق بشكل فعلي بحاجة إلى توافق عالٍ من قبل الأطراف كلها. وقالت المصادر أيضاً إن النسبة التي يحتاجها الأعضاء لإقرار بند ما، وهي 75 في المائة، كانت مطلباً من المعارضة لا من النظام. كما أن المعارضة هي التي طالبت بأن يتم الاستناد إلى المبادئ 12، والقرار 2254، في حين أن النظام والروس كانوا قد رفضوا تماماً هذا التوجه.

وحول عدم وجود كثير من أصحاب الكفاءات في علوم الدساتير في لائحة المعارضة، شددت المصادر على وجود مستشارين قانونيين يعملون مع الأعضاء، وهم من سيتولون وضع ما يتوافق عليه الأعضاء في إطاره القانوني واللغوي. والغاية من التنوع في قائمة المعارضة هو وجود شخصيات من كافة المجالات لتشارك في وضع قواعد وأسس تحفظ حقوق كل مكونات الشعب السوري.

وفي الإطار السياسي، فإن زيارة بيدرسن إلى الرياض، ولقاءه مع “هيئة التفاوض” قبل زيارته لدمشق، والتي تُعد سابقة في تراتبية زيارات بيدرسن، تحمل رسالة واضحة وهي أن النظام لا يحظى بالأولوية في الزيارات أو المباحثات، وذلك بعدما أقر النظام بنفسه، عندما وافق على اللجنة الدستورية، بأنه ليس هو وحده صاحب القرار، وإنما هو يملك ثلث القرار. كما حمل توقيع النظام تأكيداً على أن لدى المعارضة الحق في تقرير مصير سوريا، بالنسبة ذاتها التي يحوزها النظام، وذلك أيضاً يمكن النظر إليه على أنه تنازل أُجبِرَ عليه النظام، خصوصاً أنه لم يكن ليقبل بهكذا وضع دون ضغط كبير عليه من قبل المجتمع الدولي وحليفته روسيا التي لم تَعد تملك الكثير من الأوراق لمواجهة الضغوط التي تتعرض لها.

المدن

————————-

عن اللجنة الدستورية.. من كبّر الحجر لم يضرب/ كامل عباس

لعبت القيادة الروسية المجربة والمحنكة بذكاء وخبث منذ اندلاع شرارة الثورة السورية حتى الآن على محورين لهما هدف واحد. المحور الأول: الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية وأهمها بيان جنيف 1 والقرار 2254 الذي ينص على مرحلة انتقالية تبدأ بحكومة كاملة الصلاحيات. المحور الثاني: تمزيق المعارضة السورية وتفتيتها مستعينة بمناخ عالمي يمشي على رجل واحدة تعتمد لغة المصالح بين الدول خدمة لرأس مالها بدلا من أن يمشي على رجلين هما توازن المصالح والقيم الإنسانية. وقد نجحت فعلا في شقّ صفوف الثورة السورية -من خلال المنصات التي زرعتها في قلب الثورة- وجّرها إلى مسار سوتشي بديلا من مسار جنيف.

وفعلا تمكنت تلك القيادة من مصادرة طموح السوريين في ولادة سوريا ديمقراطية حديثة، ولكن إذا كان ذكاؤها قادرا على عرقلة طلب السوريين للحرية الآن فإنه عاجز عن قهر حلمهم.

لقد خرج الأمر من يد السوريين نظاما ومعارضة والسبب الجوهري هو حماقة نظامٍ لم ولن يتورع عن عمل أي شيء في سبيل أن يبقى محكما قبضته على السلطة ولو أشهرا أو أياما معدودات. ومن أجل ذلك حوّل سوريا إلى ساحة لمعارك عسكرية واضحة تشارك فيها الآن قوات أربع دول هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران. ولا مؤشر على نهاية قريبة لتلك المعارك التي لن تنتهي على ما يبدو إلا بعد توافق بين تلك الدول على مصالحها المستقبلية في سوريا والمنطقة. والتوافق لا يدخل فيه كعامل ولو ضعيف إنهاء محنة هذا الشعب ومساعدته في الحصول على حريته. لقد وقفوا جميعا مكتوفي الأيدي أمام نظام استعمل كل أنواع الأسلحة ضد شعبه بما فيها المحرمة دوليا كالأسلحة الكيمياوية أو أسلحة العصور الوسطى البائدة مثل الحصار والتجويع حتى الموت أو الركوع. وما يجري في الغوطة وإدلب الآن خير شاهد على ذلك. مع ذلك وحتى لو تمكّن النظام وداعموه من استعادة السيطرة على إدلب وكل المناطق إلى حضنه ستبقى المشكلة قائمة بين مسار سوتشي ومسار جنيف.

لن يحل مسار سوتشي (وآستانة) المشكلة لأنه ببساطة يقف إلى الجانب الخطأ من المسار التاريخي ويعتمد القوة العارية في تركيع الشعوب ويتجاهل ثقافة الجنس البشري وحضارته وما أفرز من قوانين دولية. بالمقابل، يبدو أن مسار جنيف هو الأقدر على إنتاج تسوية في سوريا والمنطقة تنسجم بالحد الأدنى مع ما يتطلبه التطور التاريخي.

على الضد من النظام فإن المعارضة السورية، وبخاصة ما يصنف “معارضة خارجية”، على الرغم من كل ما يعتريها الآن من ضعف، كانت وما زالت متقدمة على هذا النظام في تطلعاتها نحو المستقبل القائم على فضاء الديمقراطية المتجاوز لفضاء الاستبداد، من المجلس الوطني إلى الائتلاف الوطني إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وحتى الرياض 2. هذه المعارضة –على علاتها– تستجيب للتطور التاريخي بسبب الغنى والتنوع والتعدّد الموجود فيها أكثر من نظام ذي صوت واحد وحزب واحد وبراميل متفجرة واحدة.

وقد تكون المشكلة فيمن ادّعوا صداقة الشعب السوري، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وأوربا ودول الخليج  أكثر ما هي في المعارضة. فهؤلاء فضّلوا في النهاية الوقوف بشكل غير مباشر وراء الدكتاتوريين لترويض الثورة، وخدمة مصالحهم، وفي الوقت نفسه الحصول على نوع من راحة الضمير بإلقاء التبعة على بوتين وخامنئي وحزب الله في القضاء على الثورة بتلك الطريقة الهمجية، وهم على الأرجح يشعرون بالراحة لأنهم ضربوا عصفورين بحجر واحد.

إن اللجنة الدستورية هي نتاج توافقات دولية يدخل فيها ولو بشكل بسيط ثقافة الجنس البشري وحضارته ممثلة في هيئة الأمم المتحدة وهو الذي أجبر روسيا للضغط على تابعها في دمشق لكي يعترف بالمعارضة.

إن الموقف التطهري الذي يدعو إلى مقاطعتها كما فعل كثير من السوريين ينطلق من الرغبات أكثر مما ينطلق من الواقع. أما ما يخدم القضية السورية الآن هو الضغط من أجل انتقال سياسي كما نصّت عليه المواثيق الدولية وفي مقدمتها بيان جنيف القائل بحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تعمل تحت الإشراف الدولي. فقط في ظل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات يصبح لصياغة تحالفات جديدة تنتهي بمؤتمر وطني جامع للقوى الديمقراطية السورية معنى. أما في اللحظة الحالية فقد تأتي النتائج عكس ما نريد.

ومع ذلك، ثمة حالة واحدة يجب على وفد المعارضة السورية فيها أن ينسحب من المفاوضات، وهي إذا حاولوا إجباره على قبول مسار سوتشي بديلا من مسار جنيف. ولا أحسب أن المعارضة تصل إلى هذا الدرك الآن في استعداء حراك شعبها وهي التي تدعي تمثيله، وهي تعلم علم اليقين أن كل الاحتجاجات الشعبية الحالية التي تجري في المنطقة والعالم سواء في إيران أم الغرب أم روسيا أم أمريكا هي دعم بشكل غير مباشر لقضية الشعب السوري لأنها جزء لا يتجزأ من قضية حرية الشعوب وهو ما ينغص أحلام الدكتاتوريين في مسار سوتشي وما علينا سوى الصبر

ولعلنا إذا انطلقنا من هذا الفهم نصل إلى نتيجة مفادها أن علينا بوصفنا ناشطين سوريين أفرادا وقوى وأحزابا دعم وفد المعارضة في المفاوضات، على أمل أن تتمكن ونحن معها من إجهاض مسار سوتشي والعودة إلى المكان الصحيح لحل مشكلة السوريين، وهو مسار جنيف.

بروكار برس

——————–

خلاصة بيدرسون… لا أحد مسؤول في سورية

ليس كبيراً الاختلاف في اللغة بين المبعوثَين الأمميين الحالي والسابق الى سورية، فكلاهما ملزم بحكم ما يمثّل اعتبار “الحكومة السورية”، أي النظام بالمصطلح الأدقّ والأكثر واقعية، ركيزة المهمّة التي انتدب لها والعملية السياسية “الجادة” التي يُفترض أن تؤكّد جدوى الأمم المتحدة ونجاحها في وظيفتها الدولية. لطالما وُصفت لغة ستافان دي ميستورا بأنها “جوفاء” أو “سطحية” و”خشبية”، ولطالما عبّر وبعضٌ من فريقه عن مجاملة مكشوفة للنظام على رغم الأهوال التي ارتكبها بعلمهم وكانوا يتجاهلونها خشية أن لا يتعاون معهم. ومع أنه لم يكن متعاوناً حقّاً بل مضللاً ومتحايلاً في الجانب السياسي الذي يعنيهم، ولا متعاوناً في الجانب الإنساني والحقوق-انساني الذي يعني الهيئات التابعة للمنظمة الدولية، فإن تقاريرهم دأبت على تجهيله كـ “طرف” أو كـ “فاعل” تنبغي ادانته أو لومه على أقل تقدير، تحديداً لأنه “الدولة المعترف بشرعيتها دولياً”، ما كرّس مفهوم أن الدولة والحكومة والشرعية يمكن أن تُقدِم على جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وأن تُعاملها الأمم المتحدة باعتبارها غير مسؤولة ومؤهّلة للإفلات من المحاسبة والعقاب.

في قراءة للإحاطة الأخيرة للمبعوث غير بيدرسون، وهو يقارب إنهاء عام على تولّيه مهمته، كان واضحاً أن هناك إصراراً وتوسّعاً في التجهيل وإغراقاً للمعلومات في العموميات، حتى أنه يكاد يبدو محتقراً ذكاء مَن يصغي إليه، ولا سيما السوريين، مع أن الرجل مشهود له بالحصافة والرزانة أكثر من سلفه. فعلى سبيل المثال، استهلّ تقريره بعرضٍ سريع ومقتضب للوضع في شمال غربي سورية، والحملة العسكرية التي تشنّها “القوات الموالية للحكومة” في إدلب. وحين يشير الى استهداف المدنيين والمنشآت الطبية والبنى التحتية كالأسواق والمدارس ومخيمات النازحين ومحطات المياه، كذلك إفراغ شبه كامل للقرى وفرار سكانها العراء من دون مأوى أو غذاء أو ماء، فإنه لا يثير المسؤوليات بوضوح… فلا وجود ولا دور لروسيا إلا عندما يقفز فوراً الى اجتماع الرئيسين الروسي والتركي و”تفاهمهما” على “كيفية تثبيت الوضع في إدلب”، ثم يحيي “هذه الديبلوماسية رفيعة المستوى”. لا شيء عن العنف الأقصى للقصف الروسي وسياسة الأرض المحروقة التي تحبذها موسكو. لا شيء عن مشاركة قوات روسية وأخرى لـ “حزب الله” وميليشيات إيرانية. ولا شيء في العمق عمّا في اتفاق سوتشي من نفاق وتكاذب وتعهّدات لا تستطيع تركيا الإيفاء بها.

كانت محنة إدلب ولا تزال تستحق من المبعوث الأممي أن يدعو المجتمع الدولي الى العمل لتفادي تكرار نموذجَي الموصل أو الرقّة اللتين كان وجود “داعش” فيهما سبباً لتدميرهما واستحالة عودة السكان إليهما بعد “تحريرهما”. قال بيدرسون أن محاربة الإرهاب ينبغي ألّا تعرّض ملايين المدنيين للخطر، معتبراً أن الوضع في إدلب “يتطلّب حلاً سياسياً في المقام الأول”. كانت أطراف دولية عدة توصّلت الى هذا الاستنتاج غير أن روسيا بديبلوماسيتها “رفيعة المستوى” ترى غير ذلك، وتريد إعادة إدلب الى كنف النظام، علماً بأن سيطرة النظام مثل سيطرة “داعش” أو “هيئة تحرير الشام” تؤدّي في نهاية المطاف الى التدمير والتهجير. وكانت “الهيئة” قدّمت نفسها على أنها مختلفة عن “داعش” لكنها لم تتمكن من إثبات ذلك بأي شكل، فهي ساهمت بفاعلية في تصفية فصائل المعارضة العسكرية وكوادر المعارضة المدنية للنظام وتدافع الآن عن سلطتها أو بالأحرى تسلّطها، ولا مشروع آخر لديها. ومن أجل بقائها، ولن تبقى، تقيم علاقة مصالح مع تركيا وتمرّر إحداثيات ميدانية للأميركيين ليقصفوا “حراس الدين” و”أنصار التوحيد” وفصائل أخرى، علّها تعزّز وجودها، لكن وظيفتها ستنتهي يوماً.

لم يبدُ بيدرسون معنيّاً بـ “المنطقة الآمنة” بل بالتوتر في شمال شرقي سورية وكيف أن تفاهمات أميركية – تركية “ساهمت في تفادي انفجار الموقف”. ومع أنه يعرف جيداً أن ثمة ترابطاً بين إدلب والشمال الشرقي بسبب استياء روسيا من عدم اشراكها بمشروع “المنطقة الآمنة”، إلا أن المبعوث الدولي يتحاشى أي إشارة الى ذلك ويفضّل الهرب الى صيغة “الحاجة الى تسوية سياسية حقيقية تضمن احترام سيادة سورية” مع أنها صارت مفرغة من أي معنى. وفي عرضه لما يسمّيه “التوتر بين ايران وإسرائيل” يعود الى حثّ الأطراف على “احترام سيادة سورية”، ولا رأي له بطبيعة الحال في أن النظام هو مَن وزّع تلك السيادة قطعاً لضمان بقائه.

أورد بيدرسون عشرة مخاطر قال ان العائلات السورية تواجهها في الداخل، وأضاف اشارة إلى ملايين اللاجئين الذين يواجهون عقبات أمام عودة آمنة وطوعية “بشكل يحفظ كرامتهم”… وعلى قاعدة أن لا أحد مسؤول في سورية، تبدو هذه المخاطر أو المآسي كأنها جاءت من المجهول وتمضي الى المجهول، بلا محاسبة. وعلى بعد أيام من اليوم العالمي للمخفيين تطرّق بيدرسون الى المفقودين السوريين، وهم يقدّرون بنحو 90 ألفاً بينهم أطفال ونساء أمكن توثيق حالاتهم، من دون أن يفصح عن المسؤولية المباشرة للنظام في اخفائهم، وهو الجهة التي ترفض إعطاء أي معلومات عنهم أو تمكين هيئة الصليب الأحمر الدولي من زيارة السجون والمعتقلين.

كان الرئيس الروسي وصف “مسار استانا” أخيراً بأنه الأكثر فاعلية ونجاحاً، إلا أنه تجاهل كيف أن هذا المسار سجّل فشلاً فادحاً في معالجة ملف المسجونين والمفقودين. أما الأمم المتحدة التي راقبت هذا المسار عن كثب فلم تستطع أن تحرّك هذا الملف الذي يُفترض أنها تحتاج إليه في ما تسمّيه “إجراءات بناء الثقة”. لكن المبعوث الأممي متفائل بحصول تقدّم من خلال اللجنة الرباعية (روسيا وايران وتركيا والأمم المتحدة) وإشراك الصليب الأحمر، إلا أن المعتقلين الذي أفرج عنهم بعمليات تبادل يبقى عددهم رمزياً بالمقارنة مع العدد الحقيقي، وسط إغفال للذين تمت تصفيتهم بالتعذيب ولا يمكن الوصول الى ما يوثّق مصيرهم. أما بالنسبة الى المفقودين فلم يسبق للنظام أن تعاون جديّاً في ملف كهذا، فالمخفي عنده نادراً ما يظهر أو لا يظهر أبداً.

كالعادة، لا بدّ أن تتكرّر لازمة أنه “لا يوجد حل عسكري في سورية”، وهذا ما فعله بيدرسون على رغم يقينه بأن ما يحصل منذ منتصف 2011، وتحديداً منذ خريف 2015 مع التدخّل الروسي حتى الآن، هو بالتأكيد حلٌّ عسكري يُستخدم لرسم معالم الحل السياسي. لا شك أن بيدرسون اطلع على الملفات وأدرك أن المبعوثين الثلاثة السابقين واجهوا عمليات تضليل من جانب النظام دائماً ثم الإيرانيين الروس، سواء للتلاعب بالقرارات الدولية أو لتوجيه المفاوضات بقصد إفراغ الحل السياسي من أي مضمون تغيير أو انتقالي. لم يغادر هؤلاء اللاعبون “مربع الحل السياسي” الذي رسمه النظام منذ البداية وتبنّاه الروس من دون أي تعديل، وهو “الحلّ داخل النظام” أو “الحكومة”، الذي لا يزالون يتحايلون لتمريره بمشاركة تركيا في “مسار استانا” واختزاله بـ “اللجنة الدستورية” والانتخابات. وليس خافياً أن التوصل الى “إطار الحلّ” هذا، بما فيه التلاعب بتركيبة اللجنة الدستورية”، تمّ بالضغط العسكري الروسي الأقصى وليس بالعمل السياسي.

في النهاية يعترف المبعوث الأممي بأنه لا يستطيع شيئاً إذا لم تتحمل الأطراف الدولية مسؤوليتها، لكن أي “مسؤولية” يمكن توقّعها فيما يتنافس اللاعبون على الخريطة السورية. فالروس يكرّرون في كل مناسبة تمسّكهم بـ “وحدة أراضي سورية”، وإذا تمكنوا من ذلك فإنهم يصرّون في المقابل على بقاء النظام الذي يديرون سيطرتهم من خلاله، علماً بأن “مسار استانا” ولد واستمرّ كإطار لتقاسم النفوذ أكثر مما هو للحفاظ على وحدة البلد، فأي وحدة ممكنة مع عمليات التفريس والتشييع، كذلك التتريك والأخونة، في العمق السوري. أما الاميركيون فهم أكثر اهتماماً بالوضع المستقبلي لشمال شرقي سورية، مصرّين على “تزويج” مستحيل للأكراد والأتراك، ومتصرّفين بعرب دير الزور والرقة بإخضاعهم لسلطة الأكراد… كل ذلك يختصره بيدرسون بـ “تشجيع” الولايات المتحدة وروسيا على “تعميق الحوار الثنائي” بينهما، وهو ما جُرّب ولم يفلح.

الحياة

—————————————

“الدستورية”: النظام استبدل يازجي بالكزبري.. لأنها أبدت حماسة زائدة!/ صبحي فرنجية

رفض النظام السوري، عقد اجتماع بين المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن، مع أعضاء لائحة النظام في “اللجنة الدستورية”، خلال زيارة بيدرسن الأخيرة إلى دمشق.

كما رفض النظام مشاركة الرئيس المشترك من طرفه لـ”اللجنة الدستورية” أحمد الكزبري، في إطار الاجتماعات التحضيرية لانعقاد الاجتماع الأول لـ”اللجنة الدستورية” نهاية تشرين الأول.

وأثار ذلك انزعاج روسيا، التي أرسلت المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، للقاء الأسد. وحاولت وسائل الإعلام الرسمية السورية إظهار الزيارة الروسية في إطار عملية “نبع السلام التركية”، إلا أن مصادر “المدن” أكدت أن الزيارة كانت متمحورة حول أداء النظام على صعيد تشكيل “اللجنة الدستورية”.

وعلمت “المدن” من مصادر خاصة أن المبعوث الدولي، اقترح اجراء لقاءات تحضيرية ثنائية مع رئيسي “اللجنة الدستورية”؛ هادي البحرة عن المعارضة، وأحمد الكزبري عن النظام، على ان يتبعها “ربما” بلقاء ثلاثي مع البحرة والكزبري، لمناقشة بعض تفاصيل عمل اللجنة قبيل انطلاق اجتماعها الأول نهاية تشرين الأول في جنيف.

كما أشارت مصادر “المدن” إلى أن النظام يتجه لرفض اقامة حفل افتتاح رسمي لأعمال “اللجنة الدستورية” في جنيف.

ووفق مصادر “المدن”، فإن المعارضة السورية رحّبت بطلب بيدرسن، وقبلت عقد لقاء بينه وبين البحرة، فيما أبدى النظام تحفظه على طلب لقاء بيدرسن والكزبري، ورفض اجراء اللقاء. وهذا هو الرفض الثاني من نوعه، من قبل النظام، خلال أيام قليلة. إذ علمت “المدن” أن النظام رفض أن يلتقي بيدرسن مع أعضاء لائحة النظام إلى “اللجنة الدستورية” في دمشق، على غرار لقاءه أعضاء لائحة المعارضة في الرياض.

ورجّحت المصادر أن رفض النظام يأتي من رغبته في عدم جمع الأمم المتحدة مع أعضاء لائحته لـ”الدستورية” قبل إنطلاق الاجتماعات. كما أن النظام أخبر بيدرسن أن وفده لن يكون في جنيف قبل 30 تشرين الأول، أي في يوم افتتاح أعمال “اللجنة الدستورية”. فيما من المتوقع أن يصل وفدا المعارضة والمجتمع المدني، في 28 تشرين الأول.

وترى المصادر أن سلوك النظام هذا، يشير إلى عدم الرغبة الحقيقية بالمشاركة الفعالة، ولا بالتحضيرات، ولا حتى الدخول في نقاشات جدية حول “اللجنة الدستورية”، خاصة أنه منذ البداية يحاول عرقلة تشكيلها، ولا يريد لها أن تلتئم تحت مظلة الأمم المتحدة والقرار 2254.

كما أن النظام غيّر الرئيس المشترك لـ”الدستورية” عن لائحته، بعد اجتماعات بيدرسن مع المسؤولين في دمشق. وتمّ تعيين أحمد الكزبري، بدلاً من أمل يازجي، بسبب “رغبة النظام في تعيين شخص يحمل ولاءً مطلقاً له” بحسب مصادر “المدن”، التي رجّحت أن النظام استبعد يازجي بسبب “ما أبدته من حماسة زائدة في الآونة الأخيرة حيال اللجنة الدستورية”.

وأحمد الكزبري، هو رئيس “لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية” في “مجلس الشعب السوري”، وكان عضواً في “اللجنة الوطنية لإعداد دستور” العام 2012، وهو حاصل على دكتوراه في القانون الدولي، وهو شريك مؤسس في “بنك الشرق” وفي “شركة آ ر م سي الهندسية للمقاولات العامة” وفي “بنك الشام”.في حين أن أمل يازجي، هي رئيسة قسم القانون الدولي بجامعة دمشق، مستشارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمكتب دمشق، وهي حاصلة على الدكتوراه في “القانون الدولي العام” من باريس.

وأكدت مصادر “المدن” أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وحتى روسيا، مستاؤون من النظام وتصرفاته، التي تُلمح إلى كونه لا يريد المشاركة في “اللجنة الدستورية” بشكل فعال، ولا يريد التقدم في الملف السياسي. وعلى إثر ذلك أرسلت موسكو إلى دمشق، لافرنتييف وفيرشينين، للجلوس مع الأسد مباشرة وبحث هذه السلوكيات والنتائج المترتبة عليها.

وألمحت المصادر إلى أن موسكو أوفدت مرسليها إلى دمشق، لتحذير بشار من أن هذه السلوكيات ستضع موسكو أمام موقف محرج، كما أن موسكو ستضغط على النظام للتحرك بإيجابية مع الملف ووقف السلوك الذي ينتهجه في الوقت الراهن. ووفق مصادر “المدن”، فإن نتائج زيارة الوفد الروسي ستُحدد طبيعة مشاركة النظام، خصوصاً أن موسكو ستفرض ايقاعها على النظام، فإن كانت موسكو جادة في موضوع “الدستورية” فإن ذلك سينعكس على سلوك النظام في الأيام المقبلة.

إلى ذلك، قالت مصادر في المعارضة السورية لـ”المدن”، إن المعارضة السورية مستمرة في أعمالها التحضيرية من أجل اجتماع “اللجنة الدستورية”، وأشارت إلى أنها بصدد الانتهاء من أبرز المحاور اللازمة للقاء، خلال أيام قليلة، قبيل بدء الجلسات في جنيف.

————————–

بيدرسن:الاتفاق الروسي-التركي”مؤقت”..والأطلسي يناقش “منطقة دولية

أعلن مبعوث الأمم المتّحدة إلى سوريا غير بيدرسن، أنّ الاتّفاق الروسي-التركي في شمال شرق سوريا سيكون “موقّتاً”.

وقال بيدرسن في مقابلة مع وكالة الأنباء السويسريّة “إيه تي إس”، “آمل أن يصمد وقف إطلاق النّار الذي تفاوضت بشأنه روسيا وتركيا. هذا هو الأهمّ”.

وأضاف ان الدوريّات المشتركة بين الجنود الأتراك والروس في المنطقة الحدوديّة الشماليّة من سوريا “يجب أن تكون مؤقّتة. ولا يوجد خلاف على ذلك”.

وأبدى بيدرسن تفاؤله حيال نتائج الاجتماع الأوّل لـ”اللّجنة الدستوريّة السوريّة” الأسبوع المقبل في جنيف، وقال إنّ “هذه فرصة تاريخيّة” يجب أن تترافق مع مزيد من عمليّات الإفراج عن معتقلين. وأضاف “هذه هي المرّة الأولى” التي تتوصّل فيها الحكومة والمعارضة “إلى اتّفاق” منذ ثماني سنوات ونصف سنة من النزاع.

من جهته، ندّد السفير السوري لدى الأمم المتّحدة بشدّة بـ”العدوان” التركي على بلاده، معتبراً أنّ من “الغريب” أن تستخدم أنقرة المادّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حول الدفاع الشرعي عن النفس من أجل تبرير عمليّتها العسكريّة. كما دعا إلى “الاحترام الكامل للسيادة السوريّة” و”سحب جميع القوّات الأجنبيّة غير الشرعيّة” من سوريا.

وردّ السفير التُركي فريدون سينيرلي أوغلو، في اجتماع عقد ليل الخميس/الجمعة، بالقول: “أرفض وأدين بشدّة أيّ تحريف لعمليّة مكافحة الإرهاب التي قُمنا بها (وإظهارها) على أنّها عمل عدواني”. وشدّد على أنّ الأمر كان يتعلّق بـ”عمليّة محدودة لمكافحة الإرهاب” كان هدفها خصوصاً “ضمان سلامة سوريا الإقليميّة ووحدتها”، مشيرًا إلى أنّ العمليّة “لم تستهدف سوى إرهابيّين ومخابئهم وأسلحتهم وآليّاتهم”.

واعتبر السفير التركي من جهة ثانية أنّ “الحلّ الدائم الوحيد” للجهاديين الأجانب وعائلاتهم المحتجزين في سوريا هو إعادتهم إلى بلدانهم. وقال “حرمان الناس من جنسيّاتهم ليس الطريقة الجيدة لمحاربة الإرهاب”.

وطمأن فريدون سينيرلي أوغلو بشأن عودة اللاجئين في تركيا إلى سوريا، واعدا بأن تتم العودة بشكل “طوعي وآمن وكريم”.

من جهته، يتواصل اجتماع حلف شمال الأطلسي لليوم الثاني. وقال الأمين العام لحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ، في تلخيصه لليوم الأول من اجتماع وزراء الحلف: “هناك خلافات جوهرية معروفة. والنقاش كان صريحا ومفتوحاً”. ورفض إدانة العملية التركية وأقر بوجود “قلق مشروع” لدى انقرة بشأن أمنها لتبرير العملية.

وقال دبلوماسي رفيع المستوى إن المحادثات “ستكون حامية” لكن “من غير الوارد أن تحدث مواجهة كلامية”، مضيفا “من غير الوارد معاقبة انقرة او استبعادها، ليس هناك اجراءات من أجل ذلك”. وتابع “لن نخسر تركيا لأنها حليف استراتيجي”.

وأكد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، هذه المقاربة. وقال عند وصوله الى بروكسل “تركيا تضعنا جميعاً في وضع رهيب” عبر عمليتها العسكرية في سوريا. وأضاف “أعتقد أن لا مبرر للتوغل” التركي في سوريا. وأكد أنه يقع على عاتق الحلف الأطلسي حالياً “العمل معاً لتعزيز شراكتنا معهم وإعادتهم إلى الاتجاه (الصحيح) ليعودوا حليف الماضي القوي والذي يمكن الاعتماد عليه”.

وأقر الوزير الأميركي بأن الولايات المتحدة قلقة من رؤية “حليف جيد يتجه الى فلك روسيا بدلا من أن يكون في فلك حلف شمال الأطلسي”.

وزيرة الدفاع الألمانية انغيريت كرامب-كارنباور، قالت: “أنا سعيدة لأن نظيري التركي أكد لنا أن الحكومة التركية لا تنوي تنفيذ برنامج إعادة توطين كبير في شمال شرق سوريا وأن العملية العسكرية ليست برنامجاً للتطهير العرقي”. كما أشادت الوزيرة “بانفتاح تركيا على مشاركة المجتمع الدولي” في تأمين المنطقة.

ودافعت الوزيرة كرامب-كارنباور عن فكرة إنشاء منطقة حماية دولية في شمال سوريا، تحت رعاية الأمم المتحدة. وأصرت في الاجتماع على أن مهمة تنفيذ دوريات على الحدود التركية السورية لا يمكن أن تُترك لموسكو وأنقرة فحسب وقالت للصحافيين “الوضع الحالي غير مرض”. وأضافت: “اتفاق سوتشي لم يجلب السلام ولا يوفر أساسا لحل سياسي على المدى الطويل. نبحث عن حل يشمل المجتمع الدولي”.

لكن الاتفاق بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين ضرب مشروعها. وقال نظيرها البلجيكي ديدييه رايندرز: “لقد تغير الوضع اليوم على الأرض”. وقال ممثل دولة أوروبية: “يجب علينا أن نتحدث في الأمر مع روسيا”.

وأكد ينس ستولتنبرغ أن “الأولوية يجب أن تعطى لاستمرار القتال ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. الجميع متفق على ذلك”.

ومع ذلك، تريد فرنسا توضيحات حول موقف الولايات المتحدة وتدعو إلى عقد اجتماع لوزراء دول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية على هامش الاجتماع في بروكسل. وترى باريس أن تدخل تركيا العضو في هذا التحالف الذي شكلته واشنطن، يعرض للخطر الحرب ضد التنظيم المتطرف لأنه موجه ضد القوات الكردية التي حاربته على الأرض.

وقال مارك اسبر “التزامنا تجاههم (الأكراد) ليس إقامة دولة تتمتع بالحكم الذاتي أو الدفاع عنهم ضد تركيا. هذه هي الحقيقة المرة”.

من جهته، اتّهم قائد “قوات سوريا الديموقراطية” مظلوم عبدي في تغريدة تركيا بـ”خرق” اتّفاق وقف إطلاق النار، وشنّ هجمات شرق رأس العين. ودعا “الجهات الضامنة لوقف إطلاق النار إلى القيام بمسؤولياتهم في لجم الأتراك ووقف عملياتهم”.

وخلال تصريحات للصحافيين في الحسكة، أبدى عبدي دعم قواته لاقتراح ألماني يقضي بنشر قوات دولية لإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا. وقال “هناك مشروع بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول مبادرة جديدة تحدّ من التعدّيات وهجوم الدولة التركية ويهدف لتموضع قوّات دوليّة في المنطقة الآمنة”، موضحاً أنّه “لم يتبلور بشكل كامل ويحتاج إلى دعم أميركي وروسي”.

———————————–

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى