الناس

سوريا : استئصال أرحام معوَّقات عقلياً خوفاً من الاغتصاب والدورة الشهرية/ عبدالله المحم

د

تحرص السيدة السورية فدوى، على العناية بتفاصيل حياة شقيقتيها فاطمة وريم، المصابتين بمرض “بيلة الفينيل كيتون” (PKU) وهو مرض جيني يصيب الجلد ويُحدث مشكلات عصبية ونقصاً في النمو، وسببه زواج الأقارب.

الشقيقتان المصابتان (فاطمة 33 سنة وريم 30 سنة)، توفّي والدهما قبل سنوات، وباتت شقيقتهما فدوى مسؤولة عنهما. كانت رعاية الشقيقتين ممكنة بالنسبة إلى فدوى عندما كانتا صغيرتين، ولكن مع تقدّم فاطمة وريم بالعمر وبلوغهما سن الرشد، ازدادت العناية بهما تعقيداً.

تقول فدوى: “عندما بلغت فاطمة وريم سن الرشد، أصبحت فاطمة عصبية الطباع بسبب معاناتها من آلامٍ شديدة خلال فترة الحيض، على عكس ريم الهادئة”.

استشارت فدوى الطبيب النسائي جميل (اسم مستعار)، فعرض عليها حقن الفتاتين بإبر “بروجسترون” المسؤولة عن إيقاف الطمث، ولكن الإبرة فشلت بتأدية مهمّتها من جهة، وخلقت أثراً سلبيّاً من جهةٍ اخرى، فظهرت على فاطمة علامات سن اليأس “ترقق العظام وتجعد البشرة وانتفاخ البطن والضعف الشديد”.

سمعت فدوى عن عمليات جراحية يقوم بها أطباء لاستئصال الرحم، لكنّها فزعت من الفكرة ورفضت إجراءها، وتوضح: “لم أتحمّل فكرة تخديرهما وإدخالهما لعمل جراحي خطير، وما يرافقه من حالة ذعر للفتاتين، إضافةً إلى منعهما من الحركة لفترة طويلة عقب العمل الجراحي”.

على أن فدوى رفضت استئصال رحم شقيقتيها، إلّا أن هناك الكثير غيرها أقدموا على تلك العملية الخطرة، والتي تسبّب آثاراً جسدية ونفسية على جسد المريضة.

يرصد هذا التحقيق خلال ستة أشهر، استئصال رحم فتيات سوريات مصابات بإعاقات عقلية، إمّا خوفاً من تعرّضهنَّ للاغتصاب ومن ثم الحمل، أو للهروب من مصاعب الدورة الشهرية وآلامها، والتي لا تستطيع المصابة التعامل معها.

وقابل معدّ التحقيق طبيباً اعترف بإجرائه عمليات استئصال للرحم، إضافةً إلى قابلة قانونية سبق أن قامت بعملية توليد لفتاة سورية مصابة بإعاقة عقيلة حملت إثر اغتصابها من قبل أربعة شبّان جنوب سوريا.

تجري هذه العمليات بشكلٍ سرّي بعيداً من الأعين، في ظل غياب أي فقرة قانونية واضحة تضع توصيفاً قانونياً واضحاً لعمليات “استئصال الرحم”.

وفقاً لدراسة نشرها موقع Medical News Today، فإن استئصال الرحم يعتبر العملية الجراحية الثانية الأكثر شيوعاً بين النساء بعد الولادة القيصرية، فبين 1 إلى 3 يخضعن لهذا الإجراء قبل سن الـ60.

نازع الأرحام

مطلع عام 2019 الحالي طلبت عائلة من الطبيبة السورية سميرة ق، التي تعمل في مستوصف حكومي نزع رحم ابنتها التي تعاني من إعاقة عقلية، متذرعين بأنها لا تستطيع العناية بنظافتها الشخصية ولا تتحمّل آلام دورتها الشهرية كما أنّها غالباً ما تغادر المنزل من دون أن تعرف طريق العودة. وبذلك تخشى العائلة من تعرّضها للاغتصاب، لكن الطبيبة رفضت إجراء العمل الجراحي، واقترحت أن يتم منح الفتاة أدوية هرمونية لإيقاف نزيف الدورة الشهرية، غير أنّها علمت لاحقاً أن الفتاة خضعت لعملية استئصال الرحم عند طبيبة أخرى.

يقول الطبيب جميل، الذي عالج الشقيقتين فاطمة وريم: “إن الطرائق البديلة عن استئصال الرحم تخفّف من آلام الفتيات ومعاناتهنَّ مع الدورة الشهرية” ولذلك هو يرفض إجراء عمليات كهذه.

الأمر ذاته أكّده الطبيب أحمد ش. المقيم في مستشفى في السويداء جنوب سوريا.

أخبرنا الطبيب أحمد عن عملية استئصال حدثت بعدما رفض إجراءها قائلاً: “راجعتني عائلة في المستشفى لإجراء عمل جراحي لاستئصال رحم ابنتها المصابة بتخلّف عقلي خوفاً من تعرّضها للاغتصاب، لكنّني رفضتُ التعاون، فاقتيدت الفتاة إلى طبيب آخر وبالفعل قام باستئصال رحمها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018”.

حاولنا التحقّق من رواية الطبيب أحمد، وقمنا بزيارة عيادة الطبيب س. ح. الذي قيل إنه قام بالعمل الجراحي للفتاة، وأخبرناه أن لدينا شقيقة مصابة بإعاقة عقلية ونريد أن نستأصل رحمها، فوافق الطبيب على إجراء العمل فوراً.

عندما سألناه عن آخر عمليات استئصال الرحم التي قام بها لنتأكد من أنّها نجحت، اعترف الطبيب بأنّه أجرى العمل الجراحي للفتاة سالفة الذكر.

خلال المقابلة ذاتها، قال الطبيب إنه يقوم عادة “بإجراء هذا النوع من الجراحة والجراحات المشابهة لاستئصال الرحم لفتيات مصابات بأمراض عقلية مختلفة”. وكشف أن تكلفة العملية 300 دولار، وتتم في مستشفى خاص، مؤكّداً أنّه سوف يقوم بالتحاليل والإجراءات الطبية الضرورية قبل العملية للتأكّد من عدم وجود مضاعفات لدى الفتاة.

حاولنا الرجوع إلى المستشفى حيث أجريت العملية، للحصول على الملف الطبي، لكن إدارة المستشفى رفضت التعاون معنا.

حاولنا التحقّق من هوية الفتاة، للتأكّد من أنّها ذاتها التي رفض الطبيب أحمد إجراء العمل الجراحي لها، فطلبنا من الطبيب س. ح. السماح لنا بمقابلة عائلة الفتاة للتأكّد من أن العملية نجحت، وبالفعل زرنا الفتاة في منزلها. وهي ثلاثينية مصابة بمتلازمة داون، ونزعت عائلتها وكانت العائلة ممتنّة للطبيب الذي ساعدها.

تقول والدة الفتاة: “كانت تصاب بنوبات ألم شديدة خلال فترة الدورة الشهرية، فاضطررنا بعد سنوات من المعاناة إلى إجراء العمل الجراحي وإنقاذها من هذا الألم المستمر”.

الخوف من الاغتصاب

تتشارك الأسر التي لديها فتيات من ذوي الحاجات الخاصة، المخاوف ذاتها من الحمل جراء تعرّض ابنتهنَّ للاغتصاب، لذلك تلجأ غالباً لاستئصال رحمها.

عام 2003 أجرت القابلة القانونية ريما ب. عملية توليد لفتاة عمرها 17 سنة مصابة بتخلّف عقلي شديد كانت حملت بعد اغتصابها في ريف محافظة السويداء.

تقول ريما: “الفتاة تعرضت لاغتصاب من قبل 4 شبان استغلوا وضعها العقلي ليرتكبوا جريمتهم وعلى أثر هذه الحادثة حملت الفتاة، اكتشف أهلها الأمر فيما بعد وحاولوا التستر عليه حتى أنهم لم يقوموا بتقديم الشكوى ضد الشبان الأربعة المغتصبين خوفاً من الفضيحة خلال تلك الحادثة التي وقعت قبل 17 عامًا”.

وتبيّن ريما ب. أنّه وزوجها حبسا ابنتهما في المنزل حتى لا يعلم أحد بقصة حملها، لحين قامت بتوليدها داخل منزلها.

تنقل القابلة ذاتها، قصّة فتاة أخرى عمرها 17 سنة، تولّدت المخاوف لدى والدتها من تعرّضها للاغتصاب، وخصوصاً مع صعوبة التبليغ عن الجريمة، فأقدمت على إزالة رحمها بعمل جراحي.

وتكشف الطبيبة النسائية السورية منى ع، أن فتاةً كانت تعاني من تخلّف عقلي، راجعتها في العيادة بعدما حملت إثر تعرّضها للاغتصاب من زوج شقيقتها، وتقول الطبيبة منى: “العائلة طلبت مني إجراء عملية تجريف للتخلّص من الحمل الذي كان في أسبوعه الخامس والتستّر على الجريمة، فطرحتُ عليهم فكرة إجراء عملية ربط مبايض لقطع الدورة الشهرية”.

توضح الطبيبة أن تعامل ذوي الفتاة السلبي مع الأمر جعلها عاجزة، تحاول إيجاد خيار آخر، إن لم يستطع حمايتها من الاغتصاب يمكن أن يحميها على الأقل من الحمل، غير أن ذوي الفتاة كانوا مصرّين على عملية التجريف وانقطعت أخبارهم عنها.

أضرار جسدية ونفسية

تؤكّد دراسة صادرة “هيئة الخدمات الصحية البريطانية” أن عملية استئصال الرحم لا يتم اللجوء إليها إلّا عندما تشكّل خطراً على حياة المرأة، على أن يتم اللجوء إليها كحل أخير.

وحدّدت الدراسة عدّة أسباب تدفع إلى اللجوء إلى استئصال الرحم ومنها إصابة المرأة بأحد أمراض “التهاب الحوض المزمن، انتباذ بطانة الرحم، الأورام الليفية، هبوط الرحم، سرطان الرحم أو سرطان المبيض”.

بيّنت الدراسة ذاتها، أن قطع الطمث عبر عملية جراحية يسبّب أعراضاً جانبية ومنها، الهبات الساخنة، الاكتئاب، جفاف المهبل، الأرق ومشكلات النوم، التعب والإعياء، التعرق الليلي، هشاشة العظام وبخاصة عند استئصال المبيضين بعمر أقل من 45 سنة، انخفاض الرغبة الجنسية، إضافةً إلى كون النساء اللواتي خضعن لإزالة المبيضين أكثر عرضة بمقدار 7 مرات لأمراض القلب. كما تعاني النساء بعد استئصال المبيضين في حال عدم تناول الهرمونات البديلة، من خطر الإصابة بمشكلات معرفية وخرف وداء باركنسون (اضطراب يصيب الجهاز العصبي ويؤثّر في الحركة).

وتوضح الطبيبة غادة ع، أنّه ينبغي وضع ضوابط واضحة في حال رغبة الأهل بنزع الرحم، تأتي في مقدّمتها ضرورة معرفتهم بأن هناك أساليب أخرى بديلة يمكن اللجوء إليها بدلاً من الجراحة وعرض الفتاة على طبيبة عصبية قبل العمل الجراحي، ودراسة حالتها الصحّية من قبل مجموعة أطبّاء وإجراء التحاليل والصور الشعاعية اللازمة، فضلاً عن إخطارهم بالمضاعفات التي قد تحدث مسبقاً، مؤكّدةً أن استئصال الرحم بالعمل الجراحي يسبّب هشاشة العظام، إضافة إلى آلام المعدة والقولون والعمود الفقري، ومن ناحية طبية فإنه يؤدي إلى التسريع في الدخول في سن اليأس وظهور أعراضه باكراً.

وتقسّم الدراسة الصادرة عن “هيئة الخدمات الصحية البريطانية” المضاعفات التي تحدث بعد استئصال الرحم إلى مضاعفات قريبة ومتأخّرة، وتشمل المضاعفات القريبة التي تحدث بعد العملية بفترة قصيرة، النزيف الشديد، والعدوى والإصابة بالإنتانات، إصابة المثانة أو الأمعاء، التحسس أو عدم تحمل التخدير العام.

أما المضاعفات المتأخّرة بعد استئصال الرحم والمبيضين، تكون ناجمة عن نقص الاستروجين والهرمونات الجنسية الأخرى التي يتم إفرازها من المبيضين، وهذا يؤثر بشكل رئيسي في هشاشة العظام وزيادة خطر الإصابة بالأمراض القلبية والاضطرابات المعرفية (الخرف).

إذن المحكمة الشرعية

يحتاج القاصر في سوريا إلى موافقة ولي أمره عند إجراء عمل جراحي، وهذا ينطبق على ذوي الإعاقة العقلية، وفي حال غياب الأب يصبح الولي هو القاضي الشرعي، وعند الحاجة لإجراء عمل جراحي لقاصر بغياب والده (وليه) تلجأ العائلة إلى المحكمة الشرعية لأخذ إذن وموافقة لإجراء هذا العمل.

يقول القاضي الشرعي يحيى الخجا: “هناك إذن شرعي لإجراء عمل جراحي لقاصر، أو لذوي الإعاقة العقلية لأنها فاقدة الأهلية بغض النظر عن نوع العمل الجراحي، طالما ينطوي على خطورة معينة”. ويوضح أن الأنظمة تلزم الأطباء بأن يأخذوا إذناً من ولي القاصر (الأب حصراً) وفي حال غياب الأب يأخذون إذن المحكمة، إلّا أن الخجا نفى أن تكون المحكمة قد أعطت إذناً لعمليات نزع رحم سابقة، وهو ما يؤكّد أن هذه العمليات تحدث من دون أن تعلم بها المحاكم الشرعية سواء بوجود الولي (الأب) أو غيابه.

ونفى القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي أن تكون المحكمة الشرعية قد أعطت أي إذنٍ سابقاً لإجراء عملية استئصال رحم، مؤكّداً أن المحكمة تمنح أذوناً لإجراء العمليات الجراحية للقُصّر والقاصرات عموماً وبناء على تقرير طبي، يوضح أن المريضة تحتاج إلى عمل جراحي وفي حال عدم وجود الأب يمكن تعيين وصي، مثل الخال أو العم.

وفي إجابته عن سؤال عمّا إذا كان يوافق على منح إذن لإجراء عملية نزع رحم فتاة تعاني من إعاقة عقلية، خوفاً من تعرضها لاعتداء جنسي قد يؤدي إلى الحمل، سأل معرّاوي عما إذا كانت الإعاقة دائمة، وعندما كانت الإجابة نعم قال: “لم يخطر ببالي هكذا سؤال من قبل ويحتاج الكثير من التفكير” لافتاً إلى أن أي إذن تمنحه المحكمة الشرعية يجب أن يكون فيه مصلحة للقاصر أولاً، وقال أيضاً: “لا أعتقد أنّني سوف أوافق على هذا الأمر”.

يرى معراوي أنّه من المفترض أن يقوم الأهل بحماية ابنتهم ومنحها الرعاية، عبر تعيين قيّم يساعدها ويدير شؤونها غالباً يكون أحد أفراد أسرتها، وأنّه ليس من المفترض أن يخرج شخص يعاني من إعاقة عقلية لوحده في الطريق، مضيفاً: “أعتقد أن الأهل يريدون تبرير تقصيرهم وإهمالهم وربما ما هو أخطر من ذلك، وأن جريمة مثل هذه يمكن أن تُرتكب سواء كان الرحم موجوداً أو مستأصلاً”، معتبراً أن استئصال الرحم في سوريا ليس ظاهرة.

ما التعريف القانوني؟

تؤكّد المحامية السورية فاطمة (اسم مستعار) ، أن هناك نصوصًا قانونية يمكن الاعتماد عليها في حال التسبّب بضرر جسدي للمعاقة ذهنيًا، مؤكّدةً وجود اتفاقيات دولية حول المعوّقين وقّعت وصادقت سوريا عليها، وأنّه من خلالها يمكن تطبيق العقوبة على الجناة ضد ذوي الحاجات الخاصة.

توضح المحامية أنّ “التي تعاني من إعاقة عقلية يكون عليها قيم، وهو ذكر وغالباً يكون والدها، وفي حال عدم وجوده يكون الأخ وفي حال عدم وجوده يكون العم”، مشيرة إلى أن هؤلاء القيمين هم من يعطون رخصة للطبيب ليقوم بإجراء العملية وهكذا يكون المشتكي والمجرم هو شخص واحد، لكنّها أوضحت أنّه يمكن لأي شخص عرف بوقوع هذه العملية أن يبلّغ النيابة العامّة بوقوعها، حيث يختلف الإخبار عن الشكوى إذ أن الشكوى يجب أن يتقدّم بها صاحب العلاقة أو القيّم عليه.

تنصّ الفقرة الأولى من المادة 540 من قانون العقوبات العام في سوريا على أنّه “من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه ولم ينجم عن هذه الأفعال تعطيل شخص عن العمل لمدة تزيد عن عشرة أيام عوقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بالحبس التكديري وبالغرامة من 25 إلى 100 ليرة (20 – 50 سنتاً) أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

أما الفقرة الأولى من المادة 541 فتقول: “إذا نجم عن الأذى الحاصل تعطيل شخص عن العمل مدة تزيد عن عشرة أيام عوقب المجرم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة وبغرامة 100 ليرة (50 سنتاً) على الأكثر أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا تنازل الشاكي عن حقه خُفضت العقوبة إلى النصف”.

وفي هذا السياق، تنص المادة 542 أنّه “إذا تجاوز التعطيل من العمل 20 يوماً قضي بعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة 100 ليرة”، بينما تشير المادة 543 إلى أنّه “إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيلها أو تعطيل احدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة عوقب المجرم بالأشغال الشاقة الموقتة عشر سنوات على الأكثر”.

وتتضاعف العقوبة في حال كان اغتصاب المعاقة عقليًا “قاصر” ويعاقب عليها قانون العقوبات بالسجن لمدة 15 عامًا مع الأشغال الشاقة.

ولكن في ظل عدم وجود نص قانوني واضح يخص جريمة استئصال الرحم للمعوّقات عقلياً، فإن قانون العقوبات يسقط الجريمة في هذه الحالة، استناداً إلى الفقرة الأولى من المادّة الأولى من القانون التي تنص على أنّه “لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه”، في حين تبيّن الفقرة الثانية من المادة ذاتها، أنّه “لا تؤخذ على المدعى عليه الأفعال التي تؤلف الجرم وأعمال الاشتراك الأصلي أو الفرعي التي أتاها قبل أن ينص القانون على هذا الجرم”.

على الصعيد الدولي، تنص المادة 15 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها سوريا عام 2007، على أنّه “لا يُعَّرض أي شخص من ذوي الإعاقة للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وبشكل خاص لا يعرض أي شخص لإجراء التجارب الطبية والعلمية عليه من دون موافقته بكامل حريته”.

وتكمل المادة ذاتها أنه “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها من التدابير الفعالة لمنع إخضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع الآخرين، للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

رأيان في الجانب الشرعي

بحسب دراسة بعنوان “استئصال رحم المعوّقات عقلياً – دراسة فقهية مقارنة” للدكتورة ريم مصباح القريوتي نُشرت في “المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية” عام 2015 فإن الشريعة الإسلامية والاجتهاد وجدا قولين فيما يخص عمليات استئصال الرحم، الأول حرّم استئصال أرحام المعوقات عقلياً، لأسباب عدة على رأسها أن الاستئصال يمثّل تعدّياً على خلق الله، وأنّه يمثّل مخاطرة صحية بالقطع والجراحة من دون وجود ضرورة ملحّة. وهذه العملية تفتح ذريعة الفساد، لأن الرجال من أصحاب النفوس المريضة، سيجعلون من الفتيات المعاقات هدفاً سهلاً وستكون فعلتهم بلا دليل، أمّا السبب الرابع فهو تعارض الاستئصال مع مبدأ حفظ النفس والكرامة الإنسانية، إضافةً إلى الضرر الجسدي الناجم عن الاستئصال، كما أنّه يتعارض مع حقوق الإنسان إذا لم تكن هناك حالة مرضية مستعصية.

أما القول الآخر بحسب الدراسة ذاتها، فأجاز استئصال الرحم لأسباب عدة، من بينها أنّ هذه العملية تشكّل حماية للفتاة من احتمال حدوث حمل نتيجة تعرضها للاغتصاب، إضافةً إلى رفع معاناة الأهل وتخفيف الآلام التي تتعرض لها المصابة بقصور عقلي أثناء دورتها الشهرية، وأخيراً أن وظيفة الرحم الحمل والإنجاب فقط، والتي تعاني من إعاقة عقلية لا يمكن أن تتزوج، بالتالي لا فائدة من وجود الرحم.

تأثيرات نفسية

توصّل باحثون وأطباء إلى أن استئصال الرحم يزيد من خطر الإصابة باضطرابات الصحة العقلية.

وأجرى البحث، فريق من الأطباء المتخصّصين بالأمراض النفسية والنسائية، في مركز “مايو كلينيك” في الولايات المتّحدة في الخامس من شهر أيلول/ سبتمبر الفائت 2019.

وقال شانون لافلين توماسو، مدير مركز “مايو كلينيك”: “إن دراسة أجراها مع فريق مختص، أظهرت أن النساء اللواتي يخضعن لاستئصال الرحم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والكثير من الأمراض النفسية”.

وأشار توماسو إلى أن استئصال الرحم له تأثيرات سلبية عدة على الصحة العقلية والنفسية وبخاصة إن حصل في سن مبكرة.

ووجدت الدراسة، أن خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والخرف المستقبلي والإدمان على المخدرات والفصام، يرتفع بنسبة 12 في المئة لدى اللواتي يخضعن لإزالة الرحم في سن تتراوح بين 18 و35 عاماً، حيث استمرَّ الباحثون بالعمل على الدراسة على مدى عقدين من الزمان، وأجريت على أكثر من 2100 امرأة خضعن لاستئصال الرحم.

وإضافةً إلى تلك التأثيرات النفسية والجسدية، تتعارض هذه العمليات الجراحية مع أبسط مبادئ حقوق الفتيات، وذلك عبر انتزاع عضو من أجسادهنَّ من دون موافقتهن، إذ تنهي تلك العمليات مستقبل الفتيات اللواتي لديهنَّ فرصة في الشفاء من الإعاقة العقلية وممارسة حياتهنَّ الطبيعية.

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من Open Media Hub وبتمويل من الاتحاد الأوروبي وإشراف “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج”

 اشرف على الاعداد: أحمد حاج حمدو

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى