وجها لوجه

الكاتب الفرنسي آلان غريش: فرنسا تكرر خطأها بدعم الديكتاتوريين العرب والمستقبل بيد الشعوب العربية

أجرى الحوار/شريف أيمن

يشتبك الصحفي والكاتب الفرنسي آلان غريش بقضايا الشرق الأوسط والعالم العربي في كتاباته وتحليلاته ليصبح خبيرا بأوضاع هذه المنطقة وأحد أبرز المتخصصين في صراعاتها وتقلباتها، ويصفه الصحفي البريطاني المرموق روبرت فيسك بأنه “أهم معلق ومحلل لشؤون الشرق الأوسط”.

ولد غريش عام 1948 بالقاهرة لعائلة يهودية مصرية ذات أصول أوروبية، ونشأ في مناخ عائلي يساري باعتبار والده هنري كوريل أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري، ومؤسس حركة “حدتو” (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) وأثرت هذه النشأة في تكوينه الفكري والسياسي واهتماماته بمشكلات الشرق الأوسط والعالم العربي رغم مغادرته وعائلته القاهرة عام 1962 إلى فرنسا.

وقد برز هذا التأثير خصوصا حينما عمل رئيسا لتحرير صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” العريقة لأكثر من عشر سنوات ثم إدارته تحرير مجلة “أوريون 21” المتخصصة بالشرق الأوسط، وفي كتبه المتعددة، ومنها “الشرق الأوسط.. حرب بلا نهاية؟” (صدر عام 1988) و “الإسلام والجمهورية والعالم” (2004) و”ﺍلإﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ” (2000) و”منظمة التحرير الفلسطينية.. الكفاح الداخلي” (2005) و”علامَ يُطلق اسم فلسطين؟” (2012) وغيرها.

 في هذا الحوار مع الجزيرة نت يتحدث غريش عن الموجة الثانية من الربيع العربي في لبنان والجزائر والسودان وغيرها، ويبرز الفروقات بين الحالة التونسية وباقي حالات الموجة الأولى من الربيع العربي، ويفسر أسباب التناقض في الموقف الفرنسي في مقاربة الربيع العربي، كما يتحدث عن العلاقات التركية الأوروبية غير المستقرة، وعن الملف الخليجي، ودور المال في القرار الأوروبي.

في إطار متابعتك لأحوال العالم العربي وما يحصل من مظاهرات وتحركات ضد الأنظمة، يشهد لبنان حراكا أدى لاستقالة رئيس الحكومة الحريري، فهل نحن بصدد بداية تفكيك النظام الطائفي بهذا البلد، أم أن الطائفية ستبقى عقبة أمام الحراك وبالتالي التغيير؟

انتهاء الطائفية سيأخذ وقتا، والمطلب الأساسي للشعب اللبناني هو إنهاء الفساد، هناك جزء من المجتمع يريد الانتهاء من الطائفية، لكن لا توجد إمكانية لإنهاء الطائفية بقرار، ولست متأكدا إن كان هناك إجماع بين الشعب اللبناني على إنهائها، ويمكن أن تكون هذه مرحلة للانتقال من وضع طائفي إلى تغييرات مهمة في المجتمع اللبناني.

 الجزائر تعرف أيضا حراكا متواصلا ومظاهرات مستمرة منذ عدة أشهر، هل يمكن أن نرى دورا لفرنسا في الحالة الجزائرية؟

لا يمكن لفرنسا أن تلعب أي دور في الجزائر، الشارع يفكر في الاستعمار الفرنسي. وفي المظاهرات يشير المتظاهرون إلى أن فرنسا وراء هذا أو هذا، أظن أن من المستحيل أن يكون هناك أي كلام من فرنسا عن الوضع الجزائري، فردود الفعل ستكون سيئة في المجتمع الجزائري، ولا أظن أن لها وزنا حقيقيا، لها وزن في العلاقات الاقتصادية لكن السياسية لا.

في تونس جرت الأمور بشكل مختلف واستقر التمشي الديمقراطي إلى حد ما وفق ما أفرزته التجربة الانتخابية الأخيرة. كيف ترى صعود قيس سعيد لمقعد الرئاسة، وفشل القوى السياسية التقليدية في الحصول على التأييد الشعبي؟

ما حصل في تونس إيجابي، أولا أجريت انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية واعترفت كل الأحزاب بالنتائج، وهذا هو المهم، فتدخل الدولة في الانتخابات لتغيير نتائجها معروف في العالم العربي، لكن الانتخابات التونسية كانت نظيفة.

الأمر الثاني أن الأحزاب التقليدية خسرت، ففي العالم العربي هناك أحزاب إسلامية وأحزاب شبه علمانية، وتدور الحياة السياسية حول هذا التناقض، لكن من الواضح أن هذا انتهى في تونس، أما الأمر الثالث فيكمن في أن الشباب لعب دورا هاما في هذه الانتخابات، والرئيس الجديد مع خطابه وأفكاره خلق أملا لدى الشعب التونسي وأصبح بالتالي رمزا لإمكانية التغيير.

الخارجية سيأخذ وقتا، ويأخذ وقتا أفضل من أي اتجاه آخر، فالتجربة التونسية تُظهر أن الديمقراطية مع تعددية الأفكار والأحزاب هي الوسيلة الوحيدة لتغيير الأوضاع القائمة.

تظل المشكلة الأساسية في تونس هي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والسؤال المفتوح يتعلق بإمكانية الرئيس الجديد في إحداث التغيير.

 ولماذا برأيك لم يتكرر النموذج التونسي في دول عربية أخرى مثل مصر وسوريا؟

جاءت الانتخابات التونسية (التشريعية والرئاسية في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول) في ظل موجة ثانية من الثورات العربية، جرت في السودان وما زالت تجري في الجزائر والعراق ولبنان، وهذا يُظهر أن المشاكل التي أطلقت الربيع العربي عام 2011 لا تزال حاضرة، وهي ذاتها المشاكل التي تخلقها الديكتاتوريات من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

أظن كذلك أن الجماهير فهمت مما حدث بين عامي 2011 و2013 أن لابد للمظاهرات أن تكون سلمية حتى لو كان هناك عنف واضطهاد كما جرى في السودان، لكن السودانيين رفضوا رفع السلاح في وجه الجيش، وعندما يُرفع السلاح ستكون كارثة للمجتمع، هذا أولا. ثانيا ما يحدث في الجزائر والعراق ولبنان هو تعبير عن رفض للطائفية وانقساماتها.

 أعتقد أيضا أن هناك مفهوما جديدا للديمقراطية، فالديمقراطية ليست أننا نشهد حربا بين الإسلاميين والعلمانيين، نحن في مجتمعات بها تعددية فكرية وحزبية، ولا بد للجميع أن يحترم وجود كل هذه الأحزاب على الأرض، ولا توجد إمكانية للقضاء على أحد الأحزاب في ظل الديمقراطية كما فعلت مصر مع الإخوان المسلمين. إذا وجد قرار يُتخذ بإقصاء أي جزء من المجتمع فمعنى ذلك أننا أمام ديكتاتورية.

أما عن تأثير ذلك على الوضع في مصر أو سوريا، فأظن أن الوضع مختلف: سوريا في حرب أهلية والبلد مدمر يحتاج إلى عشرات السنوات لحل مشكلاته، ومصر كذلك مختلفة فهناك نظام ديكتاتوري لديه عيوب كثيرة يصعب معه توقع ما سيحدث.

ويمكننا أن نقول إنّ ما حصل في مصر وسوريا يجعلنا نذهب إلى أن الطريق إلى الديمقراطية ليس سهلا أو قصيرا، ربما يحتاج لعشرات السنوات لتغيير التركيب السياسي والاجتماعي والعلاقة مع السلطة والجيش والشرطة، فالانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية سيأخذ وقتا وسيكون مرحلة بعد مرحلة.

وأين تكمن صعوبة هذا الانتقال، هل في النخب السياسية، أم في إرث الأنظمة التي قامت ضدها الثورات؟

الأسباب متعددة، أولا لم تكن هناك مشاكل طائفية، طبعا في مصر نفس الشيء حتى وإن كانت هناك مشاكل للأقباط، ثانيا النخب التونسية فهمت أكثر قضية الديمقراطية، وحزب حركة النهضة كانت قياداته في الخارج، وعلاقته بالقوى المختلفة بما فيها العلمانية أظهرت أن هناك فهما أكبر وأنه ليس هناك طريق آخر إلا الديمقراطية.

اعلان

أذكر في حوار مع راشد الغنوشي (زعيم حزب حركة النهضة) قبل كارثة 2013 في مصر، أنه قال “إن تجربة الجزائر في 1990-1991، حصل فيها الإسلاميون على 60 % من أصوات الناخبين ومع هذا كان الجيش والشرطة ورجال الأعمال والمثقفون والمجتمع الدولي ضدهم، فلم تكن هناك إمكانية للتغيير”.

بشكل عام ورغم وجود صراعات في تونس بشكل حاد، فَهِم الجميع أنه لا يوجد حل ديكتاتوري لهذه الأزمة، بل التوصل إلى ما أسمّيه “اتفاقا تاريخيا” بين كل القوى يعترف بوجود مجتمع متعدد الأيديولوجيات والأحزاب، ويمكن أن تكون هناك صراعات على البرامج السياسية والاقتصادية لكن داخل إطار ديمقراطي.

 يلاحظ أن الغرب تعامل بسلبية مع نتائج الربيع العربي، لكنه كان يتعاطى بإيجابية مع النظم قبله ومع النظم المضادة للثورات، فكيف تفسر هذا السلوك؟

كما قلت في البداية لا توجد دولة تبني سياستها الخارجية فقط على حقوق الإنسان، ثانيا لا بد أن نعترف أن إمكانيات أن تلعب أوروبا أو أي قوى خارجية دورا في التغيرات الداخلية صعب للغاية، ولو عدنا للتاريخ فقد قسمت فرنسا وإنجلترا الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، وكان يمكن لأوروبا أن تكون القوة الرئيسية لمدة ثلاثين أو أربعين سنة، اليوم مستحيل لأي قوة خارجية أن تفعل هذا.

الآن لو كنا نقول إن من واجب فرنسا أن تأخذ موقفا أقوى للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ففي نفس الوقت لا يمكن أن نفكر أنها ستؤدي إلى تغيرات، وعندما تتدخل خاصة عسكريا كما جرى في ليبيا تأييدا للثوار، فهذه التدخلات أدت إلى كارثة، الآن أصبح الوضع والمستقبل في يد الشعوب العربية وليس في يد غيرهم.

ربما ليس المقصود بالضغوط هنا التدخلات العسكرية، بل الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية.

هذا صحيح، لكنه في نفس الوقت صعب. إذا أخذنا العلاقة مع مصر كمثال، هل الشعب المصري سيكون إيجابيا إذا أوقفنا العلاقات الاقتصادية مع مصر؟ بالطبع أنا أؤيد فكرة عدم بيع سلاح خاصة ما يستخدم ضد الشعب، لكن لو بدأنا عزلة سياسية ضد الحكومة المصرية أين سننتهي؟ هل سننهي الحوار مع الصين لأنها غير ديمقراطية؟ هل سنقطع علاقتنا بالهند لأنها تقوم باضطهاد ضد كشمير؟

نحن كمثقفين لدينا موقف من هذه القضية، لكن الحكومة أظن من المستحيل أنها ستقوم بقطع العلاقات، هناك ضغوط لكن أين تأثيرها الإيجابي؟ (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون عندما ذهب إلى مصر قدّم خطابا جيدا عن حقوق الإنسان، لكنه في النهاية لم يؤدِّ إلى أي تغيير، كذلك هناك صعوبة تتعلق بأن معظم العلاقات خاصة الاقتصادية مبنية على الاتحاد الأوروبي، ومواقف الدول الأوروبية متباينة.

في علاقته بالشأن السعودي، بدا ماكرون مقربا من ولي العهد محمد بن سلمان في قمة الأرجنتين، والتقطت الميكروفونات قوله له “لقد نصحتك مرارا”. هل تعتقد أن أوروبا أو فرنسا تحديدا لعبت دورا في عملية إعادة تأهيل بن سلمان لخلافة والده بعد جريمة مقتل خاشقجي والهجمة على النشطاء في المملكة؟

في البداية لا بد أن نعترف أن وزن فرنسا ووزن أوروبا أقل مما كان عليه منذ ثلاثين أو أربعين سنة، حينها كان هناك دور كبير اقتصاديا وسياسيا، وهذا انتهى. ولا أظن أن هناك عودة للوراء، لأن العالم التقليدي انتهى مع بروز الصين والبرازيل والهند وغيرها.

ثانيا، السياسة الفرنسية خاصة في الخليج مبنية على اتجاهين: المصالح الاقتصادية والسلاح، فوزن مصانع السلاح في المنطقة كبير جدا، وفرنسا ترتيبها الثالث في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة، وهذا يلعب دورا مهما في الاقتصاد لما تضمه هذه المصانع من عشرات آلاف العمال، ومصانع أخرى غير مصانع السلاح بالطبع.

الأمر الثالث أن فرنسا عادت إلى موقفها قبل عام 2011 الذي يرى أن المشكلة في عدم الاستقرار والكفاح ضد الإرهاب، وهذا واضح في تأييد باريس للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهذا الموقف تبنته لعشرات السنوات؛ في تأييدها لزين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر والأنظمة في الخليج.

بعد 2011 كانت هناك لحظة قصيرة استمرت لعام تفيد بأنه لا بد أن نأخذ في الاعتبار الديمقراطية والأحزاب الجديدة، لكن بعد 2013 في مصر وبعد الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن حصل التراجع، ولا أحد يريد الحروب الأهلية ويتخوف منها، فرنسا جارة للعالم العربي وأعتقد أن موقفها خاطئ.

ففي النهاية رأينا ما حدث مع مبارك وبن علي وأنهم لا يمثلون استقرارا حقيقيا، ومع المشاكل التي نراها اليوم في مصر والجزائر والمغرب إذا لم يحدث تغيير ديمقراطي فستحصل فوضى، وهناك مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لا يمكن تحملها إلى ما لا نهاية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فوضى، فالسياسة الفرنسية مع ما يحدث أظنها غير صحيحة.

وكيف ترى تأثير اللوبيات الخليجية (المال الخليجي) في صناعة السياسة الأوروبية والفرنسية بشكل خاص تجاه المنطقة وبشكل عام؟

بالطبع هناك تأثير من السعودية والإمارات وقطر، وهذا شكل عادي، أي دولة في علاقاتها الخارجية يمكنها أن تتواصل مع سياسيين أو وسائل إعلام لإعطاء صورة إيجابية لهم، ولكن لا أرى أن هذا يلعب دورا أساسيا في التوجهات.

أولا لأن الرأي العام لا يؤيد دول الخليج بشكل عام، والرأي العام الأوروبي يرى دول الخليج بشكل شبه عنصري، يراهم دولا لديها نفط وليسوا مجتمعات حقيقية، وقد رأينا في الأزمة الخليجية أن الدول الأوروبية لم تأخذ موقفا منحازا بشكل كامل لأي طرف.

 وما سبب هذا الموقف من الأزمة الخليجية، وعدم السعي لإنهائها؟

منذ حوالي عشر أو 15 سنة دخلنا عالما جديدا، لا يمكّن أي دولة حتى لو كانت الولايات المتحدة أن تلعب دورا أساسيا في السياسات الداخلية لقطر أو السعودية.

مثلا الأخيرة دخلت الحرب في اليمن دون ضوء أخضر أميركي، أميركا أيدّت الحرب بعد التحرك السعودي لكنها لم تكن تريدها، فالقرار أصبح بيد هذه الدول، وهذا شيء إيجابي فلا نريد أن تكون القرارات بيد أي دولة خارجية.

بالنسبة لليبيا يبدو أن الإليزيه يوليها اهتماما خاصا، ويمكن القول بلا مبالغة إن بوصلته السياسية تجاه أنظمة سياسية قد تتحدد بشكل كبير بناء على موقف هذه الدول من الشأن الليبي، مصر مثالا. كيف ترى الدعم الفرنسي للواء المتقاعد خليفة حفتر بشكل غير معلن، وتبني رواية مصر والإمارات بشأن ليبيا، في الوقت الذي لم تعلن فيه باريس وقف دعمها الرسمي لحكومة الوفاق؟

عندما نتكلم عن سياسة أي دولة نظن أنها سياسة موحدة، لكن هناك أجهزة ومقاربات مختلفة. حتى في الولايات المتحدة هناك البنتاغون ووزارة الخارجية والرئيس، ونحن في فرنسا لدينا نفس المشكلة في الملف الليبي خصوصا، فهناك جزء من القيادة تريد تأييد حفتر لأنه سيوفر الاستقرار مثل السيسي كما يرون، وجزء آخر لا يرى دعمه حلا..

هذا الأمر يخلق تناقضا يجعلنا لا نفهم ما هي السياسة الحقيقية لفرنسا في ليبيا، وما يحدث على الأرض كمحاولة حفتر دخول طرابلس لن يؤدي إلى استقرار، فلا بد من وجود حل سياسي، وقد أكدت الحروب الأهلية في ليبيا واليمن وحتى في سوريا أن التدخل العسكري حتى لو أدى لانتصارات فلن يُحدث استقرارا، بل لا بد من إيجاد حل سياسي، وللأسف الدول الغربية وروسيا يلعبون دور تأييد لهذا وذاك، وليسوا مع حل سياسي حقيقي يعترف بتعددية المجتمعات العربية.

يتبنى الفرنسيون خطابا مبنيا على المبادئ وحقوق الإنسان مع دول مثل تركيا، في حين نجد أن ماكرون عندما يتعلق الأمر بمصر يعتمد خطابا يرتبط بالمصالح وقضية المهاجرين ومبيعات السلاح، والوضع في ليبيا. كيف تفسر هذا التناقض؟

لا توجد سياسة خارجية في العالم مبنية على حقوق الإنسان، لكن هناك استخدام لقضية حقوق الإنسان من الدول لأسباب سياسية، وواضح أن هناك نقدا لتركيا في قضية حقوق الإنسان أكثر من نقد مصر، وبالمقارنة بين الاثنين فالوضع في مصر أسوأ، ولكن كذلك توجد مشاكل متعلقة بحقوق الإنسان في تركيا، وهناك توجّه بها نحو نوع من الأوتوقراطية وليس الديكتاتورية.

أنا كصحفي أو مثقف أرفض فكرة وجوب دعم أي شيء بشكل كامل، يمكن أن نقول إن تركيا في قضية ما تلعب دورا إيجابيا، وتلعب دورا سلبيا في أخرى، لكن واضح أن هناك اتجاها في أوروبا ضد تركيا مبنيا جزئيا على قضية حقوق الإنسان، ومبنيا أكثر على مشاكل جيوسياسية بين أوروبا والولايات المتحدة وتركيا.

 ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أحد خطاباته إلى وجود عامل ديني في الخلافات الأوروبية مع أنقرة، فإلى أي مدى يمكن اعتبار كلامه دقيقا؟

المشكلة الأساسية التي حصلت مع تركيا منذ عشر سنوات كانت رفض دخولها إلى الاتحاد الأوروبي، وحتى في الأمد البعيد لم يكن هناك من يطالب بدخول تركيا إلى الاتحاد، وأظن أن أحد الأسباب الأساسية كان الإسلام، وهو محق في هذا، لكن في نفس الوقت هو يستخدم ذلك في التناقض مع أوروبا.

كذلك من الواضح أننا نعيش في أوروبا مرحلة إسلاموفوبيا كبيرة، وهناك اتجاه قوي ضد ما يسمونه الإسلام السياسي والإخوان وتأييد أردوغان لمنظمات لها علاقة بالإخوان، وهذا يُستخدم في أوروبا ضده ، ويخلق مناخا في الرأي العام الأوروبي بشكل أكبر تجاه الإسلاموفوبيا.

هل يمكن لأردوغان أن يتخلى عن الإخوان لتخفيف بعض من الضغوط المتعلقة بدول المنطقة؟

أظن أن سياسة أردوغان مبنية على مصالح تركيا وليس الإسلام، وفي الحقيقة يمكن أن أفهم موقف السيسي ضد الإخوان وضد تأييد أردوغان لهم. أما الإماراتيون والسعوديون فقد أخذوا موقفا ضد الإخوان رغم أنه كان هناك تحالف إستراتيجي بينهم من الخمسينيات حتى الثمانينيات، ثم بدأ التغير مع حرب الخليج الأولى، وثانيا بعد الربيع العربي، لأن الفرق الأساسي بين السعودية والإمارات والإخوان ليس الإسلام، فالإسلام السعودي أكثر تطرفا، لكن القضية الأساسية هي الديمقراطية، وكان خطاب الإخوان في الربيع العربي يؤدي إلى الانتخابات، والدولتان ضد أي فكرة انتخابية أو أي فكرة ديمقراطية.

كيف ترى النتائج التي وصلت إليها العملية العسكرية التركية “نبع السلام” والمفاوضات مع الجانب الأميركي، هل ستؤدي إلى تزايد الدور الإقليمي لها، أم إلى عزلة؟

العملية ستعطيها أوراقا أكثر في اللعبة الجيوسياسية، فقد أخذت جزءا من سوريا، فهناك تغيير للخارطة السياسية منذ سايكس بيكو، وهذه أول مرة دولة تحتل وتأخذ جزءا من سوريا، وأظن أن عودة هذا الجزء لسوريا سيحتاج إلى وقت كبير، وهذا من ناحية يعطي لتركيا أوراقا جيوسياسية أكبر.

ومن ناحية أخرى فهذه كارثة ستؤدي إلى مشاكل جديدة مع الأكراد والعرب، وكل هذه التدخلات في سوريا بشكل عام من إيران وتركيا وروسيا ستؤدي إلى أزمات أكبر.

اعلان

تمر أوروبا والولايات المتحدة بموجة صعود لليمين المتطرف، من وجهة نظرك ما هي الأسباب التي أدت إلى تنامي وجود هذا التيار في الغرب، وعودة الخطاب المضاد للمسلمين في فرنسا؟

صعود اليمين المتطرف منذ 15 سنة تقريبا أو أكثر ارتبط بازدياد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في أوروبا، كما أن الفوارق بين الفقراء والأغنياء قد ازدادت، وخلال هذه السنوات لم تكن سياسة اليسار واليمين مختلفة في الإطار الاجتماعي والاقتصادي.

وكي لا يتظاهر الشارع ضد هذه السياسات كان يتم استخدام قضايا الإسلام والمهاجرين لدى جزء كبير من الأحزاب السياسية في أوروبا وهذا خطر كبير. نحن نرى ماكرون يقول إنه يجب مكافحة اليمين المتطرف ثم يأخذ أفكاره، وهذا في النهاية يؤدي إلى صعود اليمين المتطرف، وكذلك إلى عودة الخطاب المناهض للإسلام في فرنسا.

المصدر : الجزيرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى