مقالات ونصوص سينمائية

حول السينما السورية الصاعدة منذ عام ٢٠١١: السياسة، التحديات الانتاجية، الرقابات، الجمهور، والى اين قد تتجه الان -أربعة أجزاء-

الجمهور السوري والسينما التي تخصه/ أمان البزرة

الجزء الأول

الجمهور السوري والسينما التي تخصه: قصة تغييب

بين حكايته اليومية التي تقدّم لجمهورٍ غيره والأفلام التي تناسب أيديولوجية النظام، أين الجمهور السينمائي السوري؟

سيطرت مؤسسة السينما السورية على عملية تمويل وإنتاج الأفلام السورية وتوزيعها منذ تأسيسها عام 1963 وحتى كسر سيطرتها مع إندلاع الحراك في سوريا عام 2011. هذه السيطرة كانت عاملاً في حجب المشاهد السوري عن السينما السورية، باستثناء فئة قليلة من المثقفين والمهتمين والفنانين، إذ لم يتم عرض معظم هذه الأفلام في دور السينما بل تركت معظمها للمشاركة في مهرجانات عربية وغربية تحضره النخب الثقافية، على حساب عرضه في دور السينما السورية. إلا أن هذه الجدلية يتم نقضها في حالات خاصة تلعب فيها عوامل عدة.

بدأت تلك السيطرة مع قدوم حزب البعث لحكم سوريا عام 1963، فاحتكرت الدولة السورية صناعة السينما وإنتاج الأفلام وتوزيعها من خلال المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة. كما حُصر استيراد الأفلام الأجنبية وتوزيعها وتصدير الأفلام السورية إلى المشاهد الخارجي وفقاً للمرسوم 2543 بهذه المؤسسة.

ولكن وبرغم السيطرة شبه الكاملة التي فرضتها المؤسسة على المخرجين من حجم التمويل إلى المادة المنتجة، إلا أنها أعطت فرصة لعدد من المخرجين السوريين والعرب للتقدم بطلبات لتمويل مشاريعهم السينمائية، وبعد الموافقة على المشروع، الفرصة لإخراج الفيلم والإشراف على مراحل الإنتاج، ما جعل البعض يعتبر الفترة بين أواخر الستينيات والثمانينيات الحقبة الذهبية لإنتاج السينما السورية.

تولي حافظ الأسد للحكم في سوريا عام 1970 أدى إلى تغيير آلية عمل المؤسسة العامة للسينما بشكل أكبر، وفرض على المخرجين قيوداً أكثر لتقديم أفلام متوافقة مع أيديولوجية البعث الرسمية، ما دفع بعض المخرجين للالتفاف على تلك السياسة من خلال تقديم أفلام زاخرة في الاستعارات الرمزية والتجريد الزمني لمعالجة القضايا الاجتماعية والسياسية لسوريا، كفيلم نجوم النهار لمخرجه أسامة محمد والترحال لمخرجه ريمون بطرس، وأحلام المدينة لمحمد ملص وغيرها الكثير من الأفلام التي شاركت في مهرجانات عالمية، مع هزلية منعها أو عدم عرضها محلياً للجمهور السوري، كما حصل مع فيلم نجوم النهار الذي أنتج بتمويل من مؤسسة السينما السورية ومثّل سوريا في عدد من المهرجانات ولكن تم منعه محلياً بقرار من حافظ الأسد، كما يقول البعض.

كما كان للمؤسسة قرار محتوى الفيلم واسم المخرج، مع فرض رقابتها على الفيلم خلال جميع مراحل الإنتاج، وحصر التمويل بمخرجين محددين معظمهم ممن تعلموا الإخراج في الخارج، كونه لا يوجد حتى اليوم مدرسة للإخراج في سوريا. كل ذلك جعل المؤسسة العامة للسينما المتحكم النهائي في الخطاب السينمائي في سوريا وبجودته التي تخضع لحجم التمويل المقدم. ساعد في ذلك عدم إهتمام جهات خارجية أو خاصة بتمويل الأفلام السورية، مما أدى لتراجع مستوى وجودة هذه الأفلام.

في لقاء مع المخرج السوري عمر أميرالاي عام 2008، ألقى أميرالاي اللّوم على تدهور صناعة السينما السورية أولاً على المخرجين أنفسهم، للاستكانة لشروط مؤسسة السينما للحصول على تمويل للأفلام، وثانياً، على المؤسسة ممثّلة بمديرها محمد الأحمد، الذي بحسب أميرالاي أصبح جلياً، أنه يكنّ للسينما السورية الازدراء والاحتقار الشديدين، الذي لم يعد قادراً على إخفائهما، بدليل أنه لا يتوان عن شنّ حملات ضدّ مؤلفي وكتّاب السينما السورية.

سينما وجمهور

مع الشتات الذي يعيشه السوريون اليوم، والاستقطابات السياسية المختلفة والاختلافات الجذرية التي ظهرت إلى السطح مع بداية الحراك السلمي، أصبح من الصعب أكثر تحديد جمهور السينما السورية، ومن هو الممول والموزع ومن المسؤول عن إنتاج الأفلام السورية مع غياب دور مؤسسة السينما السوريّة المُسيطر عليها كلياً من قبل النظام، ليصبح تمويل الأفلام المعارضة من جهات ثقافية خارجية ومنظمات دولية عدة، وسيلة بعض المخرجين السوريين للاستغناء عن المؤسسة.

وأصبحت الوثائقيات السورية تحديداً مصدر اهتمام عالمي كونها تحكي الحكاية السورية، ولاقت دعماً وتمويلاً أجنبياً على حساب الفيلم الروائي في كثير من الأحيان. ومن الممكن القول أن ذلك أدى لتوسع جمهور الفيلم الوثائقي ليشمل فئات جديدة، معظمها أجنبية أو أوروبية تحديداً.

يصعب اليوم تحديد جمهور الفيلم السوري أو طرق توزيعه، إلا أن نظرة عامة على أماكن عرض الأفلام السورية غير المرتبطة بالنظام تبيّن أن الفيلم السوري يتم توزيعه بإشراف مؤسسات أجنبية، تضمن وجوده في مهرجانات وصالات عرض معظم جمهورها من غير السوريين.

يقول الكاتب والمسرحي عمرو سواح أنه لا يوجد اليوم جمهور للأفلام السورية من السوريين، ويقسّم الجمهور إلى جمهور الداخل السوري، الذي تزايد بشكل قليل مع حركة النزوح الداخلي، وتركز الكثافة السكانية في المدن، أما جمهور الخارج من السوريين فهو جمهور غير متحمس لحضور الأفلام السورية التي تعرض والتي معظمها يكون من الأفلام الوثائقية.

أما عن زياد كلثوم، مخرج الفيلم الوثائقي طعم الإسمنت، فيصنف الجمهور السوري إلى قسمين، الأول جمهور مع الثورة والثاني مع النظام، مضيفاً أن بعد إندلاع الثورة أكثر من 90% من الأفلام السورية هي أفلام وثائقية، مع وجود بعض المحاولات لأفلام روائية. يقول أن الجمهور السوري في الخارج هو معني بكل ما ينتج عن قصته وأن الجمهور الأوروبي هو أيضاً معني بهذه الأفلام أذ أنها طريقته لمعرفة ما يحصل في سوريا.

في لقاء معها، تقول المخرجة والكاتبة السورية واحة الراهب أن الجمهور المحلي للأفلام السورية كان قبل اندلاع الثورة مُقبل على الأفلام بشكل كبير، مُضيفة أن فيلمها الأول رؤى حالمة من إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 2007 مثالاً على ذلك، يروي قصة فتاة حالمة اسمها جميلة في عصر الهزائم والعنف واليأس، تحاول جميلة إيجاد فعل وطني أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لتنضم بعد ذلك للمقاومة خلال الإجتياح الإسرائيلي، فتصل لما هو أهم، وهو اكتشاف ذاتها. وبحسب الراهب، فقد رد الفيلم سعر إنتاجه من عرضه في محافظة اللاذقية من دون دعاية مسبقة بحسب ما أعلمتها به المؤسسة العامة للسينما، وحقق ربحاً، مؤكدةً أن الجمهور السوري قبل الثورة والحرب كان جمهورٌ نابضٌ ومتفاعلٌ بكل شرائحه وفئاته العمرية ومعنيٌ بالأفلام المحلية.

وفاة حافظ الأسد في عام 2000، وقدوم بشار للحكم، خلقت لدى الكثير من الفنانين، الأمل أن الابن سيتمكن من قيادة البلاد إلى مستقبل حر وديمقراطي قد يتغير معه المشهد الثقافي والسينمائي تُفتح معه آفاقاً جديدة تسمح بكسر سيطرة المؤسسة العامة للسينما على إنتاج الفيلم السوري وحصره في أيدي مخرجين محددين. وبالفعل بدأ حراك لإنشاء صالونات ثقافية وسياسية يتم فيها نقاشات حيّة حول مستقبل سوريا، بالإضافة إلى نقاشات ثقافية وعرض لأفلام سورية وغير سورية، لكنه سرعان ما تم سحق هذا الحراك وسجن عدد من نشطائه وتم تحييد الفنانين والمخرجين الميالين لهذا التغيير.

ومع ذلك، ظهر إلى المشهد السينمائي جيل جديد من المخرجين السوريين، منهم محمد عبد العزيز الذي أخرج فيلم دمشق مع حبي، ونضال الدبس مخرج فيلم تحت السقف، وجود سعيد مخرج فيلم مرة أخرى. كما قدمت ريم علي فيلم وثائقي بعنوان زبد، وقدم نبيل المالح سلسلة أفلام وثائقية خاصة بالمرأة لم يتم عرضها إلا لجمهور ضيق في مؤسسة شؤون الأسرة. معظم هذه الأفلام لم تخترق وعي المشاهد السوري بحكم اقتصار عرض معظمها على جمهور خاص أو على جمهور المهرجانات في الخارج. كما في حالة فيلم ريم علي أو وثائقيات نبيل المالح.

كل ذلك جعل الجمهور السوري مغيّب عن السينما التي تخصه وتخص قضاياه، وبعكس الحالة السائدة، أصبحت حكايته اليومية تقدّم لجمهورٍ غيره، ويتم عوضاً عن ذلك عرض الأفلام التي تناسب أيديولوجية النظام وقضاياه التي يروج لها للجمهور السوري.

الجزء الثاني

الجمهور السوري والسينما التي تخصه: أولويات التمويل

هل للمخرج أو المنتج السوري دور في تحديد الجمهور المستهدف؟

تتنوع اليوم الجهات المهتمة بتمويل الأفلام سواء الروائية أو الوثائقية، منها منظمات إنسانية وجهات دولية ومنها ثقافية. ولكن كيف تحدد جهة التمويل الجمهور المستهدف لهذه الأفلام؟ وهل للمخرج أو المنتج السوري دور في تحديد الجمهور المستهدف؟ وهل تصل هذه الأفلام والوثائقيات التي تروي الحدث السوري للجمهور السوري نفسه؟

تقول المخرجة والكاتبة السورية واحة الراهب أنه: “رغم أن الحرب جعلت نصف الجمهور من الشعب السوري لاجئاً أو نازحاً، لكنه ما زال يحاول المتابعة ولو عبر الإنترنت كل ما ينتج سورياً أو عن قضيته السورية، بل يمكننا القول إنه بات يتصيّد ويتلقّط بشغف أكبر كل فيلم يمكن أن يعبّر بصدق عن قضيته ومأساته التي صارت عالمية، بل والكثير من شعوب العالم باتت شغوفة بمتابعة كل ما له علاقة بالثورة السورية التي تجسد جريمة العصر. وهذا ما انعكس على ترشح الأفلام السورية لأهم الجوائز العالمية رغم محدودية إنتاجها.”

الجمهور المستهدف للأفلام هو أيضاً أولوية للجهة المانحة، تؤكد الراهب، إذ حين يتم طلب تمويل أو دعم للأفلام السورية يكون هناك دوماً سؤال من قبل أغلب الجهات الممولة موجّه للمخرج/ة أو لكاتب/ة السيناريو حول الجمهور المستهدف للأفلام.

“وأحياناً يأخذ هذا الاستهداف طابعاً إيجابياً، حين يراد منه استهداف الشريحة الأوسع من الجمهور، التي غالباً ما تكون شريحة الشباب، المعنية قبل غيرها بالرسالة الموجهة. وأحياناً تكون سلبية ومضللة إلى حد بعيد، إذ يراد منها رسالة سياسية أو اجتزاء لقضايا وهموم الناس خارج سياقها العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي”، بحسب الراهب.

وهذا يؤدي إلى تقديم أفلام مفرغة ضمنياً من محتواها تدّعي أنها تحمل قضية إنسانية، لكنها تتعامل معها بشكل مسطح مُفرغ، مما يعتّم على جوهر المشاكل والقضايا، ويؤدي لتفاقمها وزيادة حدة الصراع. كما تعطي هذه المؤسسات أولوية التمويل للأفلام التي تركز على التسامح أو التعايش أو قضايا الجندر وقضايا المرأة وحقوق الإنسان، أو الهوية السياسية، ولكن بطريقة مجتزأة من سياقها.

تضيف الراهب تجربتها مع جهة فرنسية وافقت على تمويل فيلمها رؤى حالمة، إذ قامت الجهة المانحة بطلب إلغاء الخلفية السياسية للفيلم، المتعلقة بالاجتياح الإسرائيلي للبنان، ما دفع الراهب لرفض الشرط والمنحة. معتبرة أن الشروط المفروضة على المخرج التي تُفرغ الفيلم من سياقه وتُؤثر على جوهر القضية المطروحة عادة ما تأتي من الجهات الفنية والثقافية، أكثر من الجمعيات والمنظمات المدنية.

للدعم المادي إيجابيات وسلبيات، تؤكد الراهب ذلك وتقول أنه مما لا شك فيه أن وجود جهات ممولة خارجية له إيجابيات كما له سلبيات، فهو وإن كان دعمها قد تركّز على الأفلام الوثائقية، لطبيعتها الإخبارية الإستهلاكية، كحاجة لضخ المكنة الإعلامية التي لا تتوقف حاجتها عن بث المواد التوثيقية، ولكونها أقل كلفة من الأفلام الروائية الأكثر تأثيراً وخلوداً في الذاكرة، إلا أن أهم إيجابياتها تتحقق حين يكون قادراً على توفير المصداقية والدعم المالي لتحقيق أعلى جودة مطلوبة لتنفيذ الفيلم.

وعد الخطيب، الصحافية والمخرجة السورية التي وثّقت تجربة الحصار التي عاشتها في حلب، تتحدث عن تجربتها بما يخص الأفلام الوثائقية وتقول: “أن التمويل المقدّم للأفلام الوثائقية دائماً ما يحدد الجمهور المستهدف، وكل تمويل يحدد جمهوره وطريقة سرد القصة. ففي حالة أن التمويل من جهة بريطانية يكون الجمهور المستهدف أوروبي وإنكليزي وبالتالي رواية القصة عليها أن تتضمن سياق أكثر عن الحرب في سوريا وشرح فيه تفصيل أكثر حتى يستطيع المشاهد الغربي التعاطي مع الفيلم. أما في حالة أن الجهة الممولة هي جهة إخبارية فعادة ما تطلب الحياد في سرد القصة مما يؤثر على الرواية أو الحاجة لتوجيه أصابع الاتهام لجهة معينة. ولكن تضيف الخطيب، أن ذلك يمكن تفاديه عند اقتباس أقوال من مصادر تحدد على سبيل المثال من قام بقصف منطقة معينة خلال الوثائقي.

قدمت الراهب مثالاً على ذلك من أحد الأفلام الوثائقية التي شاهدَتها، والذي حقق سويّة هامة ومؤثرة في التأريخ للثورة السورية وتظاهراتها السلمية في حمص، من خلال أحد رموزها عبد الباسط الساروت، ولكن في النهاية تقصّد المخرج -حسبما فهمت لاحقاً- أن يلغي مشاركة رمز من رموز الثورة وهي الممثلة فدوى سليمان في التظاهرات المرافقة للساروت، بتوجيه من الجهة الإنتاجية الغربية الممولة. والذي برأيها لا سبب يبرر ذلك إلا هدف سياسي متعلق بتكريس الإسلاموفوبيا، لإظهار الثورة السورية على أنها متطرفة ومتأسلمة ومتخلفة، لا تقبل بمشاركة المرأة ولا ترى إمكانياتها السياسية. وهو ما كرسه عودة البطل في النهاية بعد كل القمع والتصفيات التي حدثت لتلك التظاهرات، برفقة سيارة لداعش.

يؤكد زياد كلثوم، مخرج الفيلم الوثائقي طعم الإسمنت على دور جهات التمويل في استقطاب جمهور ما، وذلك بالتوافق مع خيارات المخرج. يقول أن هناك أفلاماً وثائقية سورية استقطبت جمهوراً أوروبياً على حساب الجمهور السوري وذلك خدمة لمصالح الممول الغربي، يعطي مثالاً على ذلك فيلم المخرج طلال ديركي الوثائقي عن الآباء والأبناء الذي كان أغلب جمهوره أوروبياً. يضيف أن هذا النوع من الأفلام هو مقدم للجمهور الغربي تحديداً. إذ لم ينجح الفيلم في تفكيك الشخصية الرئيسية في الفيلم وهي أبو أسامة حتى يصل للجهور السوري، بل قدمه بالطريقة النمطية التي يرى فيها الغرب الإرهابي والتي تناسب نظرة الجمهور الغربي عن ما يحصل في سوريا.

لجهات التوزيع أيضاً دور في تحديد الجمهور المستهدف، يقول كلثوم عن فيلمه طعم الإسمنت، أنه عندما تم عرض فيلمه في اليابان قامت الجهات الموزعة اليابانية بتغيير اسم الفيلم لاستقطاب جمهور أوسع، فتم عرض الفيلم تحت عنوان “ذاكرة الإسمنت” وذلك لمخاطبة جمهور يراقب الحركة العمرانية المستمرة في بلده منذ تعرضه لاعتداء نووي عام 1945. يضيف أن الموزع من حقه تغيير عنوان الفيلم لاستهداف جمهور ما بشرط أن يكون العنوان الجديد في سياق فكرة الفيلم وهدفه.

فيلم قتل معلن

تقول الراهب أنه في حالة فيلمها قتل معلن فالأمر كان مختلفاََ، فالجهتين الممولتين للفيلم، مدني وسيرج، هما منظمتان مدنيتان تعنيان بقضايا حقوق الإنسان بشكل خاص، وقررتا تمويل مجموعة أفلام قصيرة تعنى بقضايا المرأة، وليستا جهتين متخصصتين في إنتاج الأفلام. مضيفة أن الجهتين قد حددتا الجمهور المستهدف لخدمة توجهاتهم الإنسانية، دون أن تفرضا أي تأطير يحدد سياق تناول الموضوع. تضيف أن سيناريو فيلم قتل معلن كان من أول اختياراتهم، باعتباره الأكثر تكثيفاً في التعبير عن قضايا متعددة تتعلق بمعاناة المرأة والعنف المفروض عليها، من خلال قضية محورية تتعلق بزواج القاصرات في مخيمات اللجوء، الذي تم ربطه بسياقه العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في مدة لا تتجاوز الربع ساعة.

ويروي الفيلم قصة طفلة سورية في الحادية عشر من عمرها، تقطن مع عائلتها في مخيم للاجئين السوريين في لبنان. تُدفع الطفلة للزواج ممن يكبرها بخمسة وعشرون عاماً من قبل والديها اللذين يعانون ظروفاً صعبةً في مخيمات اللجوء من دون عمل أو مساعدة حقيقية. يأتي الفيلم في وقت تتفشى فيه ظاهرة زواج القاصرات خاصة في هذه المخيمات والذي تسعى منظمات عدة تعمل في قضايا حقوق الإنسان والطفل لنشر الوعي حول هذه الظاهرة ومكافحتها ما جعل الفيلم يلقى تمويلاً من هذه المنظمات.

حجم التمويل الذي يتم تقديمه من منظمات المجتمع المدني يختلف عن التمويل المقدم من جهات سينمائية وثقافية معتبرة، والذي لا يؤثر فقط على جودة الفيلم، بل على حضور وانتشار الفيلم أيضاً، إذ أن هذا النوع من الأفلام لا يحقق أحياناً شروط العرض في المهرجانات ودور السينما. مما يجعل جمهوره ضيقاً يقتصر على فئة صغيرة من المهتمين بهذه القضايا. في لقاء مع العربي الجديد، تقول الراهب أنها ستتروى في عرض الفيلم حتى يصل للمهرجانات لإيصال صوت السوريين إلى العالم. وهذا ما حصل فعلاً، إذ تمت دعوة الفيلم لمهرجان آرغوس السينمائي بالدانمارك.

تضيف الراهب لنا أن الفيلم الذي يصور بسخاء في عدد أيام التصوير اللازمة له باستخدام المعدات والتقنيات المناسبة مع الخدع الغرافيكية المكلفة عادة، ليس كفيلم لا يتوفر فيه إلا القليل من إمكانيات الدعم التي تسمح له بتحقيق شروط العروض في أهم المهرجانات أو دور السينما.

وثائقي إلى سما

وثائقي إلى سما يحكي قصة المخرجة والصحفية السورية، وعد الخطيب، التي صورت حياتها في حلب التي كانت تحت سيطرة الثوار، والتي تتعرض لقصف واعتداءات مستمرة من قبل النظام السوري. الفيلم يروي قصة وعد التي أحبت، وتزوجت من الطبيب حمزة الذي كان يدير مستشفى وحيد من بين تسع مستشفيات في شرق حلب، وأنجبت سما التي أهدت الفيلم لها، كما يصور حياة أصدقائهم ممن شاركوهم حياة الحرب والعنف الذي تعرضت له المدينة والتحديات التي فرضها الصراع على الناس عموماَ والنساء والأطفال خصوصاً.

الفيلم بالكامل رسالة من الأم إلى ابنتها ومحاولة لشرح سبب بقاء الزوجين في شرق حلب. تم إنتاج الفيلم وتوزيعه من قبل جهات إخبارية أمريكية وبريطانية هم: Channel 4 New و PBS Frontline وحصد العديد من الجوائز، كما حصل مخرجا الفيلم وعد وإدوارد واتس على جائزة إيمي.

تقول الخطيب في حوار لنا معها أنه بالرغم من أن تمويل الفيلم كان من جهات إخبارية إلا أنه كان لها حرية عرض القصة بالشكل المناسب، وأن الجمهور المستهدف للفيلم كان محلي وعالمي، الأمر الذي لعبت فيه جهات التوزيع دوراً كبيراً، إذ تم عرضه في صالات مهرجانات عالمية عدة، بالرغم أنه في بعض الحالات لم يحقق شروط العرض، إلا أن قصة الوثائقي ومحتواه المقدم مع اسم شركة التوزيع ساهما في تجاوز هذه النقطة وعرضه.

تم عرض فيلم إلى سما في معظم دور السينما الأوروبية، واحتل فترة عرض مقبولة في سينمات مشهورة في لندن. كما تم بيع تذاكر العروض كاملة في ستراسبورغ على سبيل المثال. لم يكن الجمهور السوري أول الحاضرين لهذه العروض، بل كان الأوروبيون حاضرون بقوة. كما تمت مراجعة الفيلم من قبل جهات أجنبية احتُفل بها موقع الفيلم الإلكتروني على حساب المراجعات باللغة العربية. تجدر الإشارة أيضاً أن فيلم إلى سما وفيلم قتل غير معلن غير متوافران يالمجان على الإنترنت للمشاهد، كما هي حال العديد من الأفلام الوثائقية أو الروائية التي تروي قصص السوريين في زمن الحرب.

الجزء الثالث

تحولات السينما السياسية السورية واللبنانية

Mathilde Rouxel

شكلت انتفاضات عام ٢٠١١ نقطة تحوّل أخرى، حيث بدأت أشكال جديدة من اللغة والأسلوب السينمائي في الظهور.

تهدف هذا المقالة إلى المقارنة بين السينما اللبنانية خلال سبعينيات القرن الماضي والسينما السورية بعد عام ٢٠١١ من خلال معالجة بعض القضايا التي تثيرها السينما السياسية بشكلها المعاصر. في الحالتين، تتخذ الأفلام موقفاً ضد الحرب والقمع والترهيب. ومع ذلك، تأثيرها السياسي قد تحوّر.

مرحلتان أساسيّتان

مرحلتان أساسيّتان أعادتا تصميم العلاقة بين إنتاج السينما والسياسة في العالم العربي. المرحلة الأولى شهدت بعد هزيمة إسرائيل عام ١٩٦٧ ظهور جيل جديد من المخرجين والفنانين العرب الذين اجتمعوا في دمشق والقاهرة وحاولوا إيجاد طريقة إبداعية جديدة أكثر انسجاما مع مُثُلهم.

أدى ذلك إلى ولادة “سينما الشباب” أو “السينما البديلة”. ظهرت في لبنان عام ١٩٧٥ ما يسمى “السينما اللبنانية الجديدة”، بقيادة صنّاع السينما الشباب. لم يكونوا بالضرورة مدربين تدريباً جيداً في هذا المجال، ولكن لديهم أفكارا جديدة أرادوا التعبير عنها مدفوعين بحماسهم الإيديولوجي. وحلموا جميعًا بصناعة أفلام خيالية، لكنهم شعروا أيضًا بالحاجة إلى إنتاج أفلام وثائقية. باع هؤلاء المخرجين الشباب أفلامهم إلى القنوات التلفزيونية الدولية لإيصال قضيّتهم إلى العالم. ويمكن اعتبار هذه الأفلام أفلام تعبئة.

نقطة تحوّل

شكلت انتفاضات عام ٢٠١١ نقطة تحوّل أخرى، حيث بدأت أشكال جديدة من اللغة والأسلوب السينمائي في الظهور. سوف أتّخذ هنا سوريا كمثال على هذه الحالة، تحديداً بسبب الانقطاع الصريح بين نماذج الإنتاج التي كانت موجودة قبل الانتفاضة وبعدها. وسأتكلّم عن صانعي الأفلام الذين يعارضون النظام السوري ويرون السينما كوسيلة للتعبير عن أفكار الثورة السورية وأهدافها.

معظمهم لم يكونوا صانعي أفلام نشيطين في ظل النظام قبل عام ٢٠١١، عندما كان العمل السينمائي يخضع دائمًا لرقابة صارمة. إنما بدؤوا في التصوير في فوضى الحرب. وإذ عارضوا النظام وقمعه، انتفض الكثير من هؤلاء المخرجين الشباب على جيل أسلافهم.

تحدّت الأشكال السينمائية التي يستخدمونها السينما التقليدية. وهذه الأفلام هي في الأساس أفلام وثائقية، غالبًا ما يتم تصويرها ارتجالياً، بمعدّات محدودة، وأحيانًا دون أي تجربة سينمائية. ورغم عدم إصدار هؤلاء السينمائيين لأي موقف موّحد من السينما، إلّا أنّ جميع أفلامهم تجتمع على شيء مشترك:

أولاً، تأخذ الأفلام جميعها أشكال السرد الشخصي للمخرج و/ أو أصدقائه وأقاربه، غالباً كطريقة للعيش بشكل فردي في قلب الفوضى.

ثانياً، يتم تداول هذه الأفلام بشكل رئيسي في المهرجانات، ونادراً ما يتم توزيعها خارج هذا السياق، وبالتالي يتم مشاهدتها بشكل أساسي من قبل النخب.

سينما في خدمة الإيديولوجيات

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، قرر جيل جديد من المخرجين، تحديداً اليساريين، أن يصوّروا أفلاماً للمضطهدين: الفلسطينيون، أهالي الجنوب اللبناني، والنازحون بشكل عام. لم يرفض المخرجون الشباب في السبعينيات إظهار حقيقة تجربتهم الشخصية، لكنّهم شعروا بالحاجة الملحة لوضع أفلامهم في المقام الأول في خدمة أولئك الذين يتم تصويرهم: شعوب ممّزقة، أو أفراد تم سحقهم، أو أيتام لم يكن لديهم أي فرصة للتعبير عن أنفسهم.

في السبعينيات والثمانينيات، شكّلت القنوات التلفزيونية والتنظيمات السياسية أهم الجهات المنتجة لهذا النوع من الأفلام التي كانت أكثر بكثير من مجرّد تغطية للحرب. كان على صانعي الأفلام الوثائقية مثل مارون بغدادي وجوسلين صعب ورندة الشهّال صباّغ إنشاء لغة سينمائية جديدة للتعبير عن يأسهم. وقد عبّرت هذه الأفلام عن “النحن”، حتى حين تمّ إنتاجها للقنوات التلفزيونية الدولية: إذ تحدّث صنّاع الأفلام عن وطنهم وعن شعبهم. علاوة على ذلك، كان يُعتبر خيار بيع الأفلام للتلفزيون الأوروبي فرصة جيدة للعمل السياسي، فقد أفسحت وسائل الإعلام الغربية المجال لتجربة أنماط جديدة في إخبار الحقائق وخلق خطابات بديلة بطرق مبتكرة. كان هذا هو الهدف الواضح لجوسلين صعب، المخرجة الأكثر غزارة بين هذا الجيل، والتي بدأت بعد منع فيلمها الوثائقي القصير عن النساء الفلسطينيات في إنتاج أفلامها الخاصة بشكل مستقل. وبدأت صعب في بيع أفلامها الوثائقية إلى القنوات التلفزيونية الفرنسية والألمانية والسويدية وغيرها.

أضحت اليوم فكرة التحدث عن “النحن” أقل انتشارًا في السينما العربية السياسية المعاصرة. في سياق الحرب الأهلية السورية، يفضّل المخرجون الشباب شهادة شهود العيان، حيث تصبح الكاميرا امتدادًا لمخرج الفيلم الذي غالبًا ما يكون الشخصية الرئيسية لفيلمه. ترفض هذه الأفلام، التي يغلب عليها الطابع الشخصي، اتخاذ نظرة بعيدة عن الحرب. بدلاً من ذلك، تقترح شكلًا آخر من أشكال السينما السياسية بطريقة تكون أكثر جامعة، ولكن في الوقت نفسه أكثر إشكالية بتحديد موضوع سياسي أكثر شمولية وجماعية.

شاجبة لهذه النظرة البعيدة عن الحرب، غالبًا ما تميل قواعد صناعة هذه الأفلام إلى الفصل بين المخرج و/ أو مجموعة من الأفراد الذين تم تصويرهم من جهة وبقية الناس من جهة أخرى.

ويبدو أن الدافع نحو الانعكاسية الذاتية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات التكنولوجية الحديثة. ففي عصر شبكات التواصل، الأدلة المصوّرة موجودة دائماً بمجرد النقر على فأرة الحاسوب.

استجابة لتدفق الصور التي وثّقت أو تصدّت لتوثيق تطور الحرب، يبدو أن صانعي الأفلام قد تحوّلوا إلى الفضاء الخاص للفرد أو مجموعة من الأفراد باعتباره السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله إيجاد سرد حقيقي.

فجوة بين الأجيال

رفضت أفلام السبعينات الوثائقية التي صُوِّرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية اعتبار الفيلم الوثائقي الكلاسيكي محايد أو موضوعي. وعلى ضوء صورة المدينة المنهارة، عرضت العديد من هذه الأفلام التعليق الصوتّي بصيغة المفرد، لإستحالة دمج شخصية المخرج بالكامل في المشهد المصوَّر.

في بعض الحالات، يظهر المخرج في الفيلم كتجسيد للدراما الناجمة عن الحرب، مثلما فعلت جوسلين صعب من خلال الوقوف وسط أنقاض منزلها في “بيروت مدينتي” (١٩٨٢). ومع ذلك، فإن “الأنا” في هذه الحالة لا يزال “النحن”: إنه لبنان وشعبه. تقوم رندة الشهال صباغ في “خطوة خطوة” (١٩٧٨) أو جوسلين صعب في “Lettre de Beyrouth” (رسالة من بيروت، ١٩٧٨) بتصوير جدران بيروت كما لو كانت المدينة تكتب شهادتها الخاصة.

في الحالة السورية المعاصرة، فإن الروايات الفردية، بغض النظر عن قوتّها، لا تدفعنا للتفكير في الوضع ككل، وبالتالي لا يمكننا التحدّث عن تعبئة. المنظور الشخصي لا يشجّع المشاهد على اتخاذ موقف ضد الواقع الذي يتم فيه شجب العنف. والخلفية السياسية عموما لا تظهر في الإطار العام. الأطر المختارة تروي حقائق معيّنة (القمع، العنف، المنفى)، لكنها لا تعطي مساحة كافية لبعد جماعي أوسع، وهو شرط مسبق لتشكيل الذاتية السياسية الجماعية، والدعوة إلى موقف سياسي محدد.

السينما والمنفى

من بين الأسئلة العديدة التي أثيرت بصيغة المفرد، يتكرر موضوع المنفى مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، فإن حقائق معيّنة تستبدل التساؤل العام حول حالة المنفى، كما فعل على سبيل المثال فيلم “Lettre d’un temps d’exil” (رسائل من زمن المنفى) للمخرج برهان علاوية (١٩٨٨)، وذلك بالحديث باسم “أنا” خيالي لكنّه يفتح على القضايا الجماعية.

في فيلم مسكون (٢٠١٣)، تركّز لواء يازجي على العلاقة بين أماكن العيش وأولئك الذين يشغلونها. من خلال تصوير سوريا من المنفى عبر صور من شاشة الكمبيوتر الخاص بها أثناء الاتصال بوالديها عن طريق السكايب، عبّرت لواء عن مرونة أولئك الذين قرروا البقاء. وغالبًا ما تكون المرونة في قلب هذه الأفلام، وتصوّر على أنّها فعل مقاومة. وكذلك الحال بالنسبة لياسر كساب الذي يروي في فيلم “على حافة الحياة”* (٢٠١٧) ألم منفاه في تركيا مع زوجته ريما، بينما قرر العديد من أفراد عائلته البقاء في سوريا.

إذ تسيطر الحاجة إلى استمرار التواصل. يروي ميلاد أمين من بيروت في “أرض المنشر”* (٢٠١٧) قصة صديقه غيث، الذي بقي في حلب أثناء الحصار. كلاهما نشطاء، علاقتهما هي في صميم القصة. يتواصل الرجلان عبر سكايب، وتصل الصور التي صوّرها غيث إلى بيروت على فترات متقطعة، فتبقى تحت رحمة وسائل الإتصال.

من المهم بالنسبة للذين غادروا أن يثبتوا أنهم لم يتخلوا عن أي من معتقداتهم. وبعض الأسئلة تبدو أساسية في هذه الأفلام. كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن نستسلم للمنفى؟ إلى متى سنكون قادرين على مقاومة أعدائنا؟ هذه الأسئلة لا تملك إجابات واضحة.

تتّبع عروة المقداد في “٣٠٠ ميل”* (٢٠١٦) مجموعة من مقاتلي المقاومة في حلب لمدة عامين. يركّز الفيلم أكثر على التطّور النفسي للشخصيات، بدلاً من السياق التاريخي، ويشكّك مرارًا في معنى الثورة ونتائجها المحتملة.

يروي سامر سلامة في “١٩٤. نحنا، ولاد المخيم”* (٢٠١٧) انطلاقه للتدرّب مع جيش التحرير الفلسطيني في سوريا عشية الحرب. فيصّور نفسه، وهو يقصّ شعره الأشعث، ويعلن في تعليق صوتي: “ليس لدي أي خيار. […] أترك كاميرتي، لتسجل منفردةً، بينما أقع أنا في بئر قصتي”. ستعاود الظهور هذه الكاميرا مرارًا وتكرارًا كشخصية في الفيلم. وتشكّل قصة الفيلم، مرة أخرى، تأريخًا للحياة اليومية، في هذه الحالة داخل المجتمع الفلسطيني في سوريا. ويصبح التصوير إثباتا للوجود، وإظهار لتدمير الحياة الشخصية. يبدو أن هذا النهج ناجم عن رعب الحرب الذي تسحق كل شيء في طريقها، دون تمييز.

في “بلدنا الرهيب”* (٢٠١٤)، إخراج محمد علي الأتاسي وزياد حمصي، يدين المفكر والمعارض ياسين الحاج صالح الجدران الفاصلة بين المثقفين والمجتمع في سوريا البعثية.

تُستعرض هنا الدراما الكاملة للسينما السورية المعاصرة. إن قرار مخرجين مثل عروة المقداد، طلال ديركي، سعيد البطل.. باتباع المقاتلين في الجبهة يستجيب بوضوح لضرورة خلق تقارب بين الناس والأفكار. ومع ذلك، يبدو أن استحالة تعميم مواضيع هذه الأفلام يحتّم فشل لا مفر منه لكافة هذه الجهود. إن الالتزام المحدود والصارم بوجهة نظر فردية يجعل من الصعب وضع سردية أكثر شمولية وجماعية.

علاوة على ذلك، كيف يمكن لهذه الأفلام أن يتردد صداها في المجتمع الذي ينتمي إليه المخرجون، إذا لم تصلها؟

وهذا يمثل فرقاً ملحوظًا مع الأفلام التي تم صناعتها أثناء الحرب اللبنانية، والتي كانت تشتريها في كثير من الأحيان القنوات التلفزيونية الدولية، ويتم بثّها كجزء من برامج تلفزيونية شعبية جدًا، والتي قد شاهدها المغتربون اللبنانيون الذين يتذكرون هذه الأفلام حتى الآن.

الفن للفن؟

من المثير للاهتمام أن نلاحظ المدى الذي تتّبعه هذه الأفلام، التي أنتجت في سوريا منذ عام ٢٠١٢، في اتباع أنماط وديناميات متشابهة.

فقد تم إنتاج هذه الأفلام بفضل إنشاء مؤسسات جديدة مخصصة تحديداً لدعم صناعة الأفلام السورية في سياق الانتفاضة. من بينها، جمعية بدايات، وهي جمعية أسسها سوريون في بيروت عام ٢٠١٣ (بدعم من الصندوق الألماني هاينريش بول)، وهي واحدة من أكثر الجمعيات أهمية. تحدد بدايات أهدافها على موقع الجمعية:” تأمل بدايات في تسليط الضوء على تعقيدات وغنى الواقع السوسيولوجي للمنطقة، من خلال لغة سينمائية وثائقية، تسائل الواقع بقدر ما توثقه، وتنحاز للفن في مواجهة البروباغندا، وللناس في مواجهة الحكام، وللثورة في مواجهة العطالة (ستاتيسكو).

يشمل هذا التصريح كافة الأفلام التي نناقشها هنا. وعند قراءته، نسأل أنفسنا: من هم “الأشخاص” الذين تصفهم هذه الأفلام، وما هي “الثورة” التي يصوّرونها، وإلى من يتوّجه هذا “الفن”؟

ويظهر جلياً هنا التباين مع الخلفية الثقافية والإيديولوجية للأفلام الوثائقية التي أنتجت خلال سبعينيات القرن الماضي في لبنان. في ذلك الوقت، كانت المقاومة موجودة في معظم الإنتاج الوثائقي. والقضية الرئيسية هي إعطاءُ صوتٍ لمن تم إنكار وجودهم، وخاصة الفلسطينيين.

يختفي المخرج وراء كاميرته لعرض زاوية واسعة على بؤس الشعوب الملتزمة. نبيهة لطفي، طالبة في كلية السينما في القاهرة، تم تعيينها في عام ١٩٧٤ من قبل منظمة التحرير الفلسطينية لإنتاج فيلم وثائقي عن النساء اللائي يدرّن مخيم اللاجئين في تل الزعتر. بعد العديد من الرحلات والعمل الوثيق مع زوجات وأمهات الذين ذهبوا الى الجبهة، وجدت المخرجة نفسها أمام المحنة التي أثارتها المجازر على أيدي الميليشيات المارونية. ومع ذلك، سرعان ما قررت أن تسلّط كاميرتها على الناجين وأطفالهم.

ويشكّل استخدام تقنية تثبيت اللقطات وسيلة لتعزيزهم كرموز للمقاومة، فيبدو كأنّ المخرجة قد أخذت خطوة إلى الوراء، لكي لا تفرض وجودها: إذ إنها تسعى فقط إلى إعادة سرد حقيقة مجردة حيث لا يمكن نقلها سوى من خلال كلمات الضحايا.

ويمكن العثور على توجّه مشابه في إنتاجات أخرى في ذلك الوقت، مثل فيلم “ليلى والذئب” لهيني سرور (١٩٨٨) أو أفلام جان شمعون، الذي بدأ حياته المهنية كمخرج سينمائي في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

أما اليوم، فيبدو أن الغرض من الأفلام التي يتم تصويرها في الحرب قد تغيّر. وتحوّل هدف الفيلم من حاجة أساسية للإبلاغ، إلى بناء جمالي للفردية في المقاومة، تستمّد شرعيّتها من وجود المخرج و/ أو أصدقائهم وأقاربهم على الأرض.

لم تعد الحاجة الأساسية اليوم هي لتوثيق ما هو غير مرئي، بل للكشف عن تصور فردي لنزاع مغطّى إعلامياً بشكل مكثّف. وبدلاً من التعبئة للدفاع عن قضية ما أو إدانة ظلم يعيشه شعب أو مجموعة من الناس، تميل هذه الأفلام إلى عرض قصص فردية في جو الحرب، وذلك على حساب توثيق واقعي للتاريخ الأوسع.

عبر اتخاذ موقف ذاتي محض، يعزل بعض المخرجين أفلامهم عن المكان والزمان المحاصرين فيه ويشاركون تأمّلهم الشخصي، الذي له صدى عالمي، لكنّه يميّع حقيقة الحرب للمشاهد المضلل. ويصبح الشكل الفني للفيلم هو المهم على حساب المواقف السياسية.

يوضّح التوّجه الأساسي لفيلم غياث أيوب وسعيد البطل “لسة عم تسجّل”* (٢٠١٨) هذه الديناميكية. في بداية الفيلم، يجتمع المخرجان ويطلبان من رفاقائهم المقاتلين في الجيش السوري الحر، التصوير في كل الأمكنة بمجرد أن يشعروا أن اللحظة يمكن أن تشكّل جوهر فيلم محتمل. يطرح الفيلم إذاً عملية صناعة الفيلم: يلعب سعيد على تقنية تثبيت الصورة. تصبح بذلك الصورة وسيلة لمناقشة مسألة إنتاج الفيلم بشكل كامل، بينما يكون وجود الكاميرا طاغي.

عبر ٤٥٠ ساعة من لقطات فيلم مدته ساعتان، ارتأى المخرجان أهمية طرح خطاب فوقي مهيمن حول بناء شهادة سينمائية، مشدّدان على جرأة أولئك الذين يقومون بذلك. هذا الموقف حيال “الفنان المقاوم” ليس جديدا. وعلى رغم أنّه لا جدال على شرعية هذه الصور والمصورين في قلب النزاع، لكّنه من الممكن مناقشة بناء الحوار السينمائي. فمن خلال فرض الذاتية الكاملة على موضوع الفيلم، يخاطر صناع الأفلام بالوقوف وحدهم أمام العالم، غير قادرين عن إعلان أنفسهم كممثلين لأي شخص.

ولا يهدف هؤلاء المخرجون إلى شرح سياق الواقع وخلفيته. ففي فيلم “استعراض الحرب” (The War show، ٢٠١٦)، تكرّر عبيدة زيتون طوال فيلمها أن “أكثر ما يخشاه النظام هو شخص لديه كاميرا”. لذا يشكّل وجود الفيلم بحّد ذاته دليل على أهمية مقاومة حامل الكاميرا، حيث يسبق خطابه السياسي.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لم يكن تأكيد الموقف السياسي مرتبطاً بالوجود على أرض الواقع والتصوير، بل في القدرة على إظهار حقيقة القتال بأسرع ما يمكن. كان التحدي هو تغيير النظرة العامة للصراع. لا يستثمر صناع الأفلام في سوريا أفلامهم لنفس المهمة. نظراً لتوقيت صدوره وتوزيعه المحدود، يهدف الفيلم بدلاً من ذلك إلى إنتاج وقائع خاصة بالجوانب الشخصية وزوايا الحرب.

إلى من تتوّجه تلك الأفلام؟

إن جمهور صناع الأفلام السوريين المعاصرين يختلف عن جمهور الأفلام الموزّعة على القنوات الرئيسية خلال السبعينيات. [1]

والأهم من ذلك أنه لم يتم اختيار الصور أو تركيبها من أجل خطاب سياسي وفنّي موحد كما كان الحال في أفلام الحرب اللبنانية.

وتشكل المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى، كمهرجان كان، والبندقية، وبرلين، وروتردام، ولوكارنو أماكن تقدير هذه الأفلام، وهي بمعظمها تتوّجه لنخب أوروبية واعية لأهميّة الإبداع الوثائقي، وتبحث عن طليعة فنية. ولكنّه لا يُتَوقّع أن يجلس المشاهد السوري العادي أمام شاشات السينما في العواصم الغربية.

السينما السورية الجديدة تزدهر اليوم، ولا يمكن إنكار قيمتها الفنية والوثائقية. بالإضافة إلى الإنتاجات الوثائقية، هناك عدد متزايد من الأفلام الخيالية التي تجد مكانها في الأسواق الدولية. في عام ٢٠١٨، مُنِحت جايا جيجي جائزة في مهرجان كان لفيلمها “قماشتي المفضلة” (“Mon tissu préféré”) وحصل سؤدد كنعان على جائزة في مهرجان البندقية لفيلمه “يوم أضعت ظلّي” (٢٠١٨).

لذا يبقى السؤال معلقاً حول متانة عملية إبداعية تجريبيّة قادرة على تجاوز الحدود التي رسمتها لنفسها، وحول قيمتها السياسية اليوم.

* الأفلام التي تحمل علامة النجمة انتجتها بدايات للفنون السمعيّة والبصرية أو استفادت من منحة بدايات الوثائقية.

[1] تمّ عرض معظم الأفلام المذكورة على شاشات التلفزيون قبل جولتها في المهرجانات الدولية.

الجزء الرابع

تقاليد الغياب والالتباس: الوثائقي السوري وجمهوره، وسيم الشرقي

أسباب غياب الفيلم الوثائقي السوري عن جمهوره بين بنية السوق وفلسفة الإخراج.

مقارنة بأية أعمال فنيّة سوريّة، قد تكون الأفلام الوثائقية أكثر الأعمال إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، ليس فقط بين طرفي الصراع التقليديين من مؤيّدين للنظام السوري والمعارضين له، بل أيضاً ضمن صفوف معارضي النظام أنفسهم، ودائماً بالعلاقة مع أفلام أنتجت أصلاً من مخرجين ينتمون إلى صفوف معارضي النظام السوري. هذا الجدل المتجدّد حول بعض الأفلام الوثائقية السورية يطرح أسئلة عن انفراد هذا النوع الفنّي بالحصّة بالأكبر من الجدل، وعن ماهيّة متلقّي الفيلم الوثائقي السوري اليوم، بعد أكثر من ثمان سنوات على انتفاضة السوريّين.

السوريون والأوسكار

تزامناً مع ترشحّه لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي، أثار تسريب الفيلم الوثائقي السوري “عن الآباء والأبناء” مطلع العام الجاري جدلأ في بعض الأوساط السورية. مخرج الفيلم طلال ديركي كان قد قدم إلى قرية في ريف مدينة إدلب السوريّة الخاضعة لسيطرة تنظيمات إسلامية مختلفة، وقضى وقتاً في منزل عائلة أبي أسامة المتبني لفكر السلفية الجهادية، منتحلاً شخصية مخرج متحمّس للفكر الجهادي، ليعود المخرج بعد ذلك وينجز فيلماً يدين أبي أسامة وأفكاره، بعد تصوير عائلته وأطفاله.

بعد تسريب الفيلم ومشاهدته من قبل عدد كبير من السوريّين، ربط جزء من الرأي العام السوري المعارض، بين ترشّح الفيلم للجائزة الشهيرة، وبين استغلال محتمل من صنّاع الفيلم لتطابق توجهه مع سياسة أولوية مكافحة الإرهاب المتبنّأة من قبل إدارات أمريكية مختلفة، الأمر الذي يعني في الحالة السورية أولوية محاربة جماعات متطرفّة محتملة في إدلب السورية، على حساب الضغط على النظام السوري لتحقيق تغيير سياسي في البلد المنكوب.

ما يهمّنا في حالة الجدل حول “عن الآباء والأبناء” ليس مدى وجاهة الآراء المؤيدة أو المعارضة لتوجّه الفيلم، وإنّما علاقة الجمهور السوري الإشكاليّة مع الأفلام الوثائقيّة السورية، سواء إن كانت الإشكالية على شكل علاقة غاضبة مع أفلام تمّ تسريبها، أو على شكل علاقة غائبة أصلاً مع المشاهد السوري، كما في حالة الطيف الأكبر من الأفلام السوريّة.

مركزيّة أوروبيّة

على الرغم من الشهرة الواسعة والنجاح التجاري الذي حققته أفلام وثائقية سورية كثيرة عقب الثورة، إلا أنّ معضلة وصول الفيلم الوثائقي السوري إلى جمهور سوريا ليست مشكلة جديدة ناشئة، بل قديمة مرتبطة بالقمع السياسي الخانق من جهة، وبغياب منصّات العرض التي قد تعيد جزءاً من أموال منتجي الأفلام من جهة ثانية، مثل صالات السينما أو القنوات التلفزيونيّة التي من الممكن أن تشتري حقوق العرض التلفزيوني.

وفقاً للمخرجة ومنتجة الأفلام الوثائقية السورية غيفارا نمر، لا يمكن تبسيط إشكالية توزيع الفيلم الوثائقي السوري بربطها بتوجه مسبق عند صنّأع الأفلام لتجاهل الجمهور السوري، والتوجّه لجمهور أوروبي أو غربي مفترض، بل إنّ الإشكالية مرتبطة أكثر ببنية سوق إنتاج وتوزيع الأفلام الوثائقية الفنيّة، وهي إشكالية حتّى سابقة لانتفاضات المنطقة العربيّة.

فعلى الرغم من الشهرة الواسعة والنجاح التجاري الذي حققته أفلام وثائقية سورية كثيرة عقب الثورة، إلا أنّ معضلة وصول الفيلم الوثائقي السوري إلى جمهور سوريا ليست مشكلة جديدة ناشئة، بل قديمة مرتبطة بالقمع السياسي الخانق من جهة، وبغياب منصات العرض التي قد تعيد جزءاً من أموال منتجي الأفلام من جهة ثانية، مثل صالات السينما أو القنوات التلفزيونيّة التي من الممكن أن تشتري حقوق العرض التلفزيوني.

على ضوء ذلك، تحتلّ بلدان القارّة الأوروبيّة المساحة الأكبر من سوق الإنتاج والعرض والتوزيع الوثائقيّة، وذلك بسبب تركّز مصادر الدعم المالي المختلفة للأفلام الوثائقيّة، بالإضافة إلى المهرجانات المهمّة التي تمهّد طريق الأفلام نحو سوق العرض والطلب، زد على ذلك المحطّات التلفزيونيّة التي قد تنتج أو تشتري حقوق عرض الأفلام الوثائقيّة مثل Arte و Channel 4 وغيرها.

ضريبة الإنتاج الكبير

وفقاً لنمر، فإنّ موضوع توزيع الأفلام في حالة الإنتاجات الكبيرة، ليس مرتبطاً بالضرورة بإرادة المخرج، بل بإرادة وكلاء مبيعات الأفلام المسؤولين بدورهم عن بيع الفيلم للموزعين المحليّين. عملية التوزيع المعقّدة هذه، وخاصّة في حالة الأفلام ضخمة الإنتاج، وهو الأمر الحاصل مع الأفلام الوثائقية السورية المنتجة مؤخراً، تبعد المخرج بصورة أو بأخرى عن دائرة التأثير في القرارات المرتبطة بنوعيّة الجمهور الذي من الممكن أن يصل إليه الفيلم، ذلك باستثناء أن يكون المخرج قد اشترط في عقد الإنتاج أن تكون له حريّة عرض الفيلم في مناسبات خاصّة، وهي الحالة التي تحدث عادة مع الأفلام ذات الإنتاج الأكثر تواضعاً.

وبما أنّ مدى نجاح الفيلم الوثائقي يعتمد على طول دورة حياته بين المهرجانات والعروض الحصريّة، فإنّ الأفلام الأقل تمويلاً ونجاحاً بمعايير السوق هي الأكثر عرضة للوصول في النهاية إلى العرض المجّاني على الإنترنت، ذلك بعد أن تفقد فرصها في العرض في الصالات أو المحطات التلفزيونية، وفي الحالة السوريّة يعني ذلك أنّ الأفلام الأضعف إنتاجاً وتسويقاً هي الأكثر حظاً في الوصول إلى المشاهد السوري العادي عن طريق الإنترنت.

تقاليد الالتباس

إضافة لبنية سوق التوزيع بصورتها الحالية، يبدو أنّ العلاقة الإشكاليّة بين الجمهور السوري وأفلامه الوثائقية تتغذى أيضاً من حالة التصاق الفيلم الوثائقي السوري بصيغته الحالية بحياة السوريين، مقارنة بأية أعمال فنية أخرى كالأدب والسينما التخييلية التي تساعدها مساحة المتخيل لخلق مسافة أمان مع الواقع، حيث أنّ تصوّر الأفلام الوثائقيّة حياة أفراد سوريّين من لحم ودم، وتنقل قصصهم على الشاشة ربّما دون كثير من التعديل وفي الوقت ذاته يميل الفيلم الوثائقي بسبب بنية سوق الإنتاج والتوزيع الحالية للبعد الشديد عن المشاهد السوري.

هذه العلاقة الملتبسة ترفدها أيضاً تقاليد أقترح تسميتها بـ”تقاليد الالتباس” وهي مرتبطة بالخيارات الفنّية للمخرجين السوريّن، أكثر منها ببنية السوق. تقاليد الالتباس هذه يبدو أنّ بعض أشهر مخرجي الجيل الحالي من السينمائيّين السوريّين قد ورثوها من الراحل عمر أميرالاي، مخرج السينما الوثائقيّة السوريّة الأكثر شهرة.

أميرالاي الذي كانت أفلامه مسيّسة إلى درجة كبيرة، كان اعتمد في أحد أشهر أفلامه “طوفان في بلاد البعث” علاقة ملتبسة مع الأفراد السوريّين الذين صوّرهم، ذلك من خلال تصوير أفراد خائفين ومؤدلجين يكرّرون طوال الفيلم شعارات حزب البعث الحاكم في سوريا، ليعود المخرج ويصيغ هذه المشاهد خلال عملية المونتاج مع تعليقاته الشخصية النقدية على علاقة هؤلاء الأفراد بالسلطة وقمعها لهم. الأمر الذي يخلق علاقة ثلاثية الأطراف. السلطة، السوريون المقموعون، والمخرج النقدي الذي يكشف هذه العلاقة عبر تصوير هؤلاء السوريين أنفسهم كأصوات أيديولوجيّة، لا كأفراد لديهم حساسيات وسلوكيات مركّبة.

الأسلوب ذاته تقريباً كان قد تكرر مؤخراً مع فيلم “عن الآباء والأبناء” وبدرجات أقل مع أفلام مثل “طعم الإسمنت” و”العودة إلى حمص” حيث يفرض شرط التصوير المؤقت وغير الحميمي مع شخصيات الأفلام علاقة سطحية مع هذه الشخصيات، تردد خلالها شعاراتها السياسية العامة كما في حالة الخطاب السلفي في “عن الآباء والأبناء” أو خطاب الثورة عند الراحل عبد الباسط الساروت في “العودة إلى حمص” أو خطاب التعاسة وانعدام الأمل في سلوك العمال السوريين في فيلم “طعم الإسمنت”.

وسواء كانت علّة غياب الفيلم الوثائقي السوري عن جمهوره هي بنية السوق المستبعدة لهم، أو فلسفة بعض المخرجين في صناعة أفلام تتحايل على إرادة بعض الأفراد السوريّين، يبقى أنّ النتيجة هي علاقة شبه غائبة بين الجمهور السوري سواء داخل سوريا أو خارجها، وبين الفيلم الوثائقي السوري. وهو غياب لا يبدو أنّ السنوات القادمة كفيلة بحلّه، في ظلّ اتساع الفجوة بين سوريا الداخل والخارج من جهة، وانخفاض أسهم القضيّة السوريّة في أسواق القضايا العالميّة من جهة ثانية.

هذا المقال جزء من ملف بالشراكة بين حكاية ما انحكت وأوبن ديموكراسي، حول السينما السورية الصاعدة منذ عام ٢٠١١: السياسة، التحديات الانتاجية، الرقابات، الجمهور، والى اين قد تتجه الان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى