الناس

مظاهرات يائسة على الحدود السورية التركية: بين قمع الهيئة وتجاهل الضامن التركي/ نايف البيوش

حاول المتظاهرون في باب الهوى العبور إلى الجانب التركي للتعبير عن غضبهم من الحكومة التركية كأحد ضامني اتفاق “خفض التصعيد” في إدلب الذي لم يلتزم به الطرفان الآخران روسيا ونظام الأسد منذ توقيعه. إلا أن ما فاجأ المتظاهرون وما لم يكن في حسبانهم، هو ما صدر عن هيئة تحرير الشام حين أطلقت عليهم النار والقنابل المسيلة للدموع لمنعهم من العبور إلى الجانب الآخر. هنا تقرير من مراسلنا في إدلب وريفها عمّا جرى.

(ريف إدلب)، “كيف للهيئة (تحرير الشام) أن تمنع التظاهرات بهذا الشكل لولا أنها عميلة ومرتزقة ولا تعير المدنيين في الشمال المحرّر أي أهمية، وهي اليوم تقولها علناً ودون أي خجل وهو ما بدا واضحاً مما فعلته من قمع للمتظاهرين السلميين”.

هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت رامي العبد الله (٣٠ عاماً)، وهو أحد المتظاهرين المتأثرين من قمع هيئة تحرير الشام للمتظاهرين خلال مظاهرات توجه خلالها مئات المتظاهرين في إدلب بتاريخ يوم الجمعة ٢٠/١٢/٢٠١٩ إلى البوابات الحدودية مع تركيا للتظاهر تنديداً بالصمت الدولي تجاه ما يحصل في إدلب من قصف ومجازر، وللضغط على الحكومة التركية الضامنة لاتفاق خفض التصعيد في ظل تصاعد الحملة العسكرية الروسية وتهجير آلاف المدنيين وسط البرد القارس.

وعن هدفه من التظاهر يتابع العبد الله: “نحن نريد إرسال رسالة واضحة للضامن التركي مفادها إذا كنتم لا تستطيعون إيقاف القصف عن إدلب، فافتحوا لنا الحدود لنعبر إلى بر الأمان وننقذ أنفسنا وأطفالنا من موت محتوم”.

مظاهرات في ثلاث مناطق

وتركزت المظاهرات في ثلاث مناطق رئيسية، وهي إدلب المدينة وكفرتخاريم ومنطقة باب الهوى القديم على مقربة من الحدود مع تركيا، ورفعت مظاهرات إدلب شعار “وقف القصف على مدينة معرة النعمان”، وطالب المتظاهرون الضامن التركي بإيقاف القصف أو فتح الحدود أمام السوريين للعبور إلى تركيا وأوروبا هرباً من الموت اليومي الذي يلاقونه على يد النظام وحليفه الروسي.

محاولة العبور إلى الجانب التركي

وحاول المتظاهرون في باب الهوى العبور إلى الجانب التركي للتعبير عن غضبهم من الحكومة التركية كأحد ضامني اتفاق “خفض التصعيد” في إدلب الذي لم يلتزم به الطرفان الآخران روسيا ونظام الأسد منذ توقيعه. إلا أن ما فاجأ المتظاهرون وما لم يكن في حسبانهم، هو ما صدر عن هيئة تحرير الشام حين أطلقت عليهم النار والقنابل المسيلة للدموع لمنعهم من العبور إلى الجانب الآخر.

أحد المتظاهرين ويدعى سهيل العمور (٢٥ عاماً) ندد بممارسات هيئة تحرير الشام، متهماً إياها بالخيانة، وقائلاً لحكاية ما انحكت: “إن الهيئة أثبتت من خلال قمع المتظاهرين بأنها عميلة لأنقرة وتحقق مصالحها في المنطقة، هذا إن لم تكن عميلة للنظام أيضاً”.

أتى العمور بهذا الاستنتاج من خلال تقاعسها في الدفاع عن مناطق ريف إدلب الشرقي التي سقطت مؤخراً وبسهولة في أيدي النظام كما يقول لحكاية ما انحكت.

وضع إنساني يزداد تدهورا

حسين الصوراني (٢٢عاماً)، يقول عن مشاركته في المظاهرة “دعت عدة منصات إعلامية ومراصد محلية وناشطين إلى حشد مظاهرات الجمعة على الحدود السورية التركية، وآثرت المشاركة تعبيراً عن الغضب إزاء القصف الأسدي الروسي، وكنت بين مئات الذين تجمهروا على الحدود السورية التركية لبدء المظاهرات”.

ويؤكد الصوراني بأن الوضع الإنساني في إدلب ينذر بانفجار غير مسبوق مع وجود أكثر من أربعة ملايين مدني في هذه المنطقة التي يعمد النظام وحليفه الروسي على تدميرها وسط تعثر المحادثات السياسية وعدم إفضائها لأي نتيجة ملموسة سوى “زيادة الاتفاق ضد المدنيين وإبادتهم” وفق تعبير الصوراني.

وضع حرج

في حين يرى المحامي حيان الجابر (٣٥عاماً) وهو من أهالي إدلب المدينة، بأن المدنيين أصبحوا في وضع حرج في إدلب، فما من مكان يلجؤون إليه سوى مناطق درع الفرات المزدحمة أساساً بالنازحين أو عبور الحدود التركية بشكل غير شرعي معرضين حياتهم وحياة أبنائهم لخطر هذه المجازفة، فيما ينتقد الصمت الدولي إزاء ما يحدث من مجازر في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، كما ويدين الموقف التركي بالذات فهو لم يحرك ساكناً تجاه ما يحدث للمدنيين في إدلب رغم أنه أكد في أستانة دعمه لقرار خفض التصعيد، وكان أحد الضامنين لهذا الاتفاق، ويتساءل: “ترى ماهي الاتفاقيات الجديدة التي صدرت عن الجانبين التركي والروسية مؤخراً تجاه إدلب”، مرجحاً بأنها عبارة عن اتفاقيات مشتركة مفادها تسليم تركيا إدلب للنظام وحليفه الروسي مقابل السماح لتركيا بمواصلة معاركها شرقي الفرات بما أطلقت عليه اسم معركة “نبع السلام”، والتي عرقلت روسيا استكمالها قبل أن يتم تسليم إدلب للنظام.

إطلاق رصاص و…

علاء الطعمة (٢٥عاماً) من أبناء معرة النعمان، وهو أحد المشاركين في التظاهرات، قال بأن آلاف المتظاهرين تجمعوا بعد صلاة الجمعة في الساحة الرئيسية بمدينة سرمدا ثم اتجهوا بعدها لمعبر باب الهوا الحدودي مع تركيا، إلا أن هيئة تحرير الشام قامت بوضع سواتر اسمنتية لمنع وصول المتظاهرين إلى المعبر، كما عمدت أيضاً لإغلاق معظم الطرق الواصلة إلى مدينة سرمدا لمنع وصول المتظاهرين.

وأشار أن عناصر الهيئة عمدوا لإطلاق الرصاص الحي بالهواء بشكل كثيف واعتقلت عدداً من الناشطين والإعلاميين، وذلك بالقرب من حاجز السياسية على طريق باب الهوا بعد قيام المتظاهرين بهدم الجدار الاسمنتي الذي بنته الهيئة.

استنفار أمني

وكانت المناطق الحدودية قد شهدت استنفاراً أمنياً منذ صباح الجمعة ٢٠/١٢/٢٠١٩، حيث انتشرت الحواجز الأمنية لهيئة تحرير الشام على الطرقات المؤدية إلى باب الهوا في إطار الإجراءات الأمنية المشددة بعد دعوات من الناشطين للتعبير عن متطلباتهم في ظل الحالة التي وصل إليها سكان إدلب من دمار وقتل وتهجير.

لم تقتصر المظاهرات الشعبية على المناطق الحدودية مع تركيا، وإنما دعا الناشطون والمعارضون جميع السوريين في المهجر ودول اللجوء إلى حشد المظاهرات أمام السفارات والقنصليات التركية والروسية في مختلف أنحاء العالم، ودعوا لاعتصامات وإضرابات في الميادين عامة احتجاجاً على خذلان النظام التركي لمواليه في محافظة إدلب.

وطالب المتظاهرين بإعادة المهجرين إلى منازلهم ونددوا بتخاذل المجتمع الدولي أمامهم. يأتي ذلك مع مواصلة قوات النظام وروسيا حملة عسكرية على ريفي إدلب وحماه، قتل وهجر خلالها أعداد ضخمة من المدنيين.

وكانت قوات النظام الروسي حققت تقدماً سريعاً على حساب المعارضة المسلحة في جبهات معرة النعمان جنوب شرقي إدلب، وسيطرت على أكثر من ٣٣ قرية وبلدة في وقت قياسي، فيما بدا أداء الفصائل المعارضة أدنى من المتوقع، وفشلت في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم رغم إرسالها تعزيزات جديدة إلى مختلف محاور القتال.

حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى