سياسة

هل يشكل قانون قيصر بداية النهاية لنظام الأسد؟ -مقالات مختارة-

مع قانون قيصر: السوريون دروع بشرية دائماً/ موفق نيربية

مع إقرار ما سمي بقانون قيصر في مجلس النواب، ثم مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، تصاعدت من جديد أصوات تعبر عن الخشية من انعكاس موجة العقوبات الجديدة على حياة ومعيشة الشعب السوري، الموجود في مناطق سيطرة النظام، والفئات الأكثر ضعفاً منه على وجه الخصوص. ذلك الأمر له وجهان بشكل طبيعي: أحدهما يحمل قلقاً موضوعياً بالفعل، ويهدف إلى نقل هذا القلق إلى الآخرين. وثانيهما يريد تخفيف الضغط عن النظام، لأنه لا يعاديه عملياً، أو لا يعاديه بالقدر الذي يعادي فيه المعارضة أو أعداء النظام الخارجيين.

إثر حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، تم تشغيل منظومة دعم مالي كبرى من دول الخليج العربية، لكل من مصر وسوريا، في توزيع محقٍ لنسبة مما جاءت به الحرب من تأثيرات على زيادة أسعار النفط العالمية، ومن ثم على حجم عائداته على الدول المنتجة له. من دون أي إنكار لإمكانية أن يكون ذلك الدعم احتراماً أيضاً للقوى الأمامية في وجه إسرائيل. والمهم هنا هو أن تلك المساعدات قد أطلقت موجة إعمار وبناء وتحديث كبرى في سوريا، حملت في طياتها أيضاً مكافأة للمخلصين في بناء الدولة الإدارية – الأمنية – العسكرية ما بين تاريخ سيطرة حافظ الأسد على السلطة في خريف 1970، إلى خريف 1973 المذكور. تلك المكافأة المذكورة كانت إحدى نتائجها الطبيعية، وربما المخططة افتتاح طريق للفساد لم تكن قد عرفته البلاد بعد في تاريخها الحديث، إضافةً بالطبع لتأسيس دولة تقوم بشكل عضويٍ على الزبائنية، وعلى ثنائية الخوف والمكسب.

وبعد حرب الأسد في لبنان، ثم حربه على شعبه في مطلع الثمانينيات، قفزت تلك الظواهر بطفرة جديدة، جعلت من محمد مخلوف – شقيق زوجة الأسد ومستشاره القوي – سيداً للاقتصاد والفساد المنظم. ثم حقق الأسد الابن قفزة مختلفة نوعياً، تخلق موارد جديدة من شحم البلاد ودمها، مع طبقة يقودها رامي مخلوف، ونظام متوحش في ليبراليته الاقتصادية الفاسدة. وبنيته التي تفسخت أيضاً بشكل نهائي في حربه الحالية الكبرى على شعبه، والتي ما زالت بدورها مستمرة حتى الآن.

لا يوجد من يماري حقاً في أن النظام قد اكتمل تحوله إلى ما يشبه العصابة، التي ما زال لها بعض ملامح الحكومة، وبعض أقلّ من ملامح الدولة. لا يعترض على ذلك أهل النظام ونواته، خصوصاً الذين يسمّون أنفسهم «الدولة»، في حين يعترض آخرون. ولم يبق من عوامل شرعية ذلك النظام، إلا ما يدفعه من رواتب للعاملين في الدولة، يقضم منها يوماً بعد يوم ما يحتاجه، أو ما يستسهل النيل منه. وقد وصلت تلك الرواتب في قدرتها إلى الحضيض، مع الحضيض الذي يذهب إليه سعر العملة الرسمية.

لقانون قيصر بؤرتان في أهدافه المحتملة: أولاهما في العقوبات على الأفراد، وثانيتهما في عقوبات على المصرف المركزي، بعد تحقيق وتقرير خلال 180 يوماً للتأكد من الزعم بأنه أداة لغسيل الأموال، ثم 90 يوماً آخر لتطبيقه، من خلال المادة 5318A من القانون 31 المتعلقة بإجراءات التقاضي والمؤسسات المالية ونماذج الحسابات المالية في اعتبارات غسيل الأموال الابتدائية.. وفي الحقيقة، كان الكثير من الدراسات الأممية شبه الرسمية تؤكد على أن العقوبات الاقتصادية تفشل في 65 – 95% من الحالات في تحقيق أهدافها المطلوبة. كما أنها كثيراً ما لا تؤدي إلى تقدم ملموس في حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الصحافة. وتقترح تلك الدراسات سببين عامين لذلك الفشل: أولهما لأن تلك العقوبات عاجزة عن تخفيف قدرة النظام، لأن النخب المستهدفة سوف تقوم بتحويل وجهة الموارد العامة إلى المعدات الأمنية والعسكرية، أو إلى الحقول التي تخدم مؤيديه وحراسه، أو بتحول المشمولين بالعقوبات إلى ميادين التهريب والجريمة المنظمة والاقتصاد الخفي، أو الريعي البدائي على الأقل. وثانيهما، لأن الحكومة المعنية تقوم بتصوير العقوبات على أنها انتقاص من السيادة الوطنية، أو من شرعية النظام بكونه هو الدولة. كما أن النظام المعني يستند إلى الظروف الطارئة للقيام بتحويل الضغط الخارجي عليه إلى ضغط على معارضيه ومواطنيه، لإظهار تصميمه على مقاومة مطالب الإصلاح وتغيير السياسات.

ينفع هذا الضغط في عصر المواطنين أكثر، بكل المعاني. فما دام هنالك منطق يقول إن مصدر صعوبات المواطنين هو في العقوبات الخارجية، فهنالك منطق، مهما كان أعوج، في تعريض السكان لأسوأ الظروف، من حيث حرياتهم ومعيشتهم. يعطي هذا الحال ظرفاً مناسباً أيضاً لطبقة أثرياء الحرب وأمرائها للمضي في سياساتهم وبرامجهم، لو استعرنا تعبيرات عالم العاقلين لوصف عالم آخر. في ذلك ربما كان هنالك اهتمام ناقص بمفهوم ينبغي تجريده وتعميمه، هو مفهوم «الدروع البشرية»، الآتي من التكتيك الحربي المعروف، الذي استعمله النظام مراتٍ عديدة، واستعملته كذلك قوى إسلامية متطرفة تُحسب على المعارضة، ولا تزال تستخدمها في مناطق مثل إدلب. يمكن نقل هذا المفهوم وتطويره ليكون صالحاً في مسألة العقوبات وآثارها، حيث أن هنالك ضحايا مدنيين من الممكن استثمار مصائبهم بشكل قد يكون ناجحاً، أو سلاحاً في الجدالات اللاحقة على الأقل، ذلك الأثر أكثر اتساعاً، ليشمل كل السكان في المناطق تحت سيطرة النظام، في حالة النظر في آثار العقوبات الاقتصادية. وذلك أكثر تعقيداً في اتساق منطقه أيضاً. وذلك متفق عليه منذ عقود في بحث المجتمع الدولي عن عقوبات ذكية لا مبالغة في آثارها على السكان الخاضعين للسلطة موضوع العقوبات. وكان العراق أكبر ميدان للبحث في مثل هذا النوع من العقوبات، التي لم تنجح هنالك، رغم كل الادعاءات بغير ذلك.

في قانون قيصر، لا يتعلق الأمر في الحقيقة إلا بتلك العقوبات على المصرف المركزي، إذا حدثت. فمن خلالها يمكن أن تتأثر التجارة الخارجية واستيراد الوقود والغذاء بشكل من الأشكال، وكذلك استمرار ازدياد الصعوبات الناتجة عن تراجع العملة، وإشكالات الإنفاق العام اللاحقة. هنا مشكلة حقيقية، لا يمكن تبرئة الفاعل الجرمي الرئيس فيها، ذلك المتمثل في تلك «العصابة» التي حولت البلاد، والمصرف المركزي ذاته مع غيره من أدوات وآليات الدولة، إلى مجرد وسيلة لتبييض الأموال وتحقيق الثروات وتركيز الهيمنة في يد القلة. لقد اعتدى النظام بما جناه ليس على شعبه وحده، بل على النظام الدولي، باقتصاده وسياسته. في قانون قيصر أيضاً، هنالك فقرة كبيرة تتعلق بتسهيل عملية توريد الحاجات الأساسية إلى المناطق المحاصرة، التي قد ينطبق مفهومها على كل الجغرافيا السورية الخارجة عن سلطة النظام. في حين لا تتوفر آليات لتخفيف معاناة المواطنين في المناطق الأخرى، الذين يستخدمهم النظام دروعاً بشرية، ويستمر في خنق أنفاسهم وعزلهم عما يجري حولهم.

سيكون تطبيق قانون قيصر مرحلةً جديدة في نزع ما تبقى من شرعية لنظام الأسد، وفي إجباره وداعميه على تدقيق مسار العملية السياسية، ولكن ذلك سيكون بالنسبة للسوريين، كلما طال أكثر، باباً يفتح على أعماق جديدة من الجحيم.. وقبل كلّ شيء، وحتى لا يسيء أحد فهمنا، فإن المهمة مهمة السوريين أولاً وثانياً.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

سورية.. قانون قيصر جوزة فارغة/ علي العبدالله

استُقبل إقرار قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عليه، بابتهاج كبير في أوساط المعارضات السورية، ابتهاج ممزوج بإحساس باقتراب الولوج في مسار تحقيق أهداف الثورة السورية بإحداث التغيير والتقدّم نحو فضاء الحرية والكرامة.

حدّد “القانون” الأشخاص والقوى والدول التي ستتعرّض للعقوبات، والأسباب التي ستجعل شخصا أو شركة أو دولة ما تتعرّض لهذه العقوبات، فالمروحة واسعة، والعقوبات المتوقّعة قاسية وهدفها، وفق الكونغرس الأميركي، “إجبار النظام السوري، باستخدام وسائل إكراه، على وقف إجرامه بحق المدنيين، ودعم انتقال للحكم في سورية إلى حكمٍ يحترم حقوق الإنسان وحسن الجوار”. كما حدّد شروط رفع هذه العقوبات: وقف القتل، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، رفع الحصار والعزل عن المناطق السورية، عودة آمنة وكريمة للسوريين إلى منازلهم، تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة الدولية.. إلخ. ووضع لها مدة خمس سنوات قابلة للتجديد في حال لم تنفذ الشروط السابقة. وهذا جعل لـ”القانون” نتيجتين قاسيتين: عقوبات على الجناة وردع للداعمين الجدد، ما يعني عزل النظام السوري ومحاصرته.

انطوى “القانون” على خطواتٍ وإجراءاتٍ حازمةٍ إنْ لجهة معاقبة النظام السوري على استخدامه القوة ضد المدنيين بالقتل والتدمير والتشريد بشكلٍ واسعٍ وممنهج، أو لجهة معاقبة الدول والمنظمات التي تساعده، أو ستساعده مستقبلا، في حربه، أو تقدّم له الدعم العسكري، أو الاقتصادي أو المالي أو النفطي، أو تنفتح عليه سياسيا ودبلوماسيا. عقوبات وصفت بالقاسية والمؤثرة ستجعل الوضع في مناطق سيطرة النظام أكثر سوءاً وعرضةً لهزّات وعدم استقرار، وفق مسؤولين غربيين، وتضع، إنْ نفّذت، النظام وداعميه أمام خيارين لا ثالث لهما: تحمّل العقوبات وتبعاتها القاسية أو الانخراط في مفاوضات سياسية جادّة، والقبول بإصلاحاتٍ سياسيةٍ تلبّي تطلعات السوريين.

ولكن قراءة متأنية ومدققة في طبيعة “القانون” وتفاصيل المشهد السياسي الإقليمي والدولي، ومصالح الدول والقوى السياسية المنخرطة في الصراع على سورية، وتعارض مواقفها وتناقض أهدافها، ستقود إلى استنتاجٍ أوّلي مفاده بأن التفاؤل بتحقيق نتائج كبيرة ليس منطقيا ولا موضوعيا، لاعتبارات أميركية ودولية، فالإدارة الأميركية عالقة في ملفات داخلية ساخنة من إجراءات عزل الرئيس إلى الجدل الحاد حول احترام المؤسسات وتقديراتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعمل وفق محدداتها، مرورا بالخلاف حول ملفات التجارة الدولية والمناخ والعلاقة مع الحلفاء على الجانب الآخر من الأطلسي. كل هذا والبلاد على أبواب انتخابات رئاسية، ما أضفى على الوضع الداخلي حالةً من الارتباك والتوتر، وجعل فرص التفرغ لملفات خارجية محدودةً، ما لم يكن صالحا لخدمة مواقف داخلية حلا أو تمويها أو مشاغلة. يضاف إلى ذلك عاملٌ شديد الأهمية والخطورة، وهو التناقض الفجّ الذي يعتور السياسة الخارجية الأميركية بين حاجتها للحلفاء وللقوانين الناظمة للنظام الدولي السائد، وهو نظام أميركي بشكل رئيس، والتي تعزّز التحالفات والتنسيق والتعاون، وبين سياسة الإدارة الحالية ودورها في تقويضه وتدمير مرتكزاته بتجاهل محدّداته والعمل على الضد منها؛ وتجاهل توجهاته وقراراته، والعمل على تجويف أجهزته وهياكله عبر تبنّي مواقف واتخاذ قرارات تعارض قراراته أو تجاهلها وعدم السعي إلى تطبيقها، ومد ولاية القانون الأميركي خارج الحدود الأميركية، فالكونغرس الأميركي يتصرف باعتباره حكومة العالم، وفق الكاتب اللبناني، حسن منيمنة، وإعطاء أولوية مطلقة لتحقيق المصالح الأميركية، تنفيذا لشعار “أميركا أولا”، واتخاذ مواقف وقرارات ضد الحلفاء والخصوم على حد سواء، من دون اعتبار أو التفات لمستدعيات التحالف أو لضرورات توازن المصالح الدولية في ضوء الاعتماد المتبادل وتبادل المنافع الذي فرضته التحولات في مجالات العلم والاختراع والإنتاج.

في الوقت الذي يستدعي فيه تنفيذ “قانون قيصر” تعزيز التحالفات وتمتين الصداقات؛ من أجل توفير مناخٍ يساعد على مواجهة طيفٍ واسع من الدول والقوى والتنظيمات السياسية والمسلحة المنخرط في الصراع على سورية إلى جانب النظام السوري؛ تقوم الإدارة الأميركية بتفكيك عرى التحالفات وتمزيق الروابط التاريخية مع الحلفاء بفرض عقوبات اقتصادية عليهم، بذريعة عدم توازن العلاقات التجارية معهم، وبوضع قيود وشروط مالية على مساعداتها لهم ضد الأخطار التي تهدد أمنهم الوطني، حيث لا يمكن تنفيذ عقوبات حازمة وقوية ومؤثرة ضد النظام السوري وداعميه، من دون توفير مناخ إقليمي ودولي مواتٍ يلعب فيه الحلفاء والأصدقاء دورا مساعدا، أو عدم خرقهم هذه العقوبات على أقل تقدير، ما يستدعي تعاونهم ومشاركتهم؛ وهذا يستدعي أخذ مواقفهم ومصالحهم في الاعتبار، وقد زاد الطين بلّة صدور “القانون” ضمن قانون ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون) المعروف باسم “قانون إقرار الدفاع الوطني” الذي تضمن عقوباتٍ على الشركات التي تشارك في بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي “نورد ستريم 2” الذي يصل إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، مسّت شركات ومصالح دول حليفة، ما وتّر الأجواء وعكّر العلاقات، وأثار حفيظة دول أوروبية حليفة (رفضت الحكومة الألمانية العقوبات الأميركية التي وصفتها بأنها “عقوبات عابرة للحدود”، كما حذّرت واشنطن من التدخل في شؤونها)، بالإضافة إلى التناقض الفاضح بين سياسة الإدارة المعلنة بالانسحاب من المناطق الساخنة والحروب المجنونة والإبقاء على قوات لحراسة النفط السوري وحمايته واستثماره في تغطية تكلفة انتشار هذه القوات وتمويل الحلفاء في “قوات سورية الديمقراطية”.

لقد قاد ربط “القانون” بميزانية الدفاع ومواجهة خصوم الولايات المتحدة إلى تحويله إلى بندٍ في الصراع مع القوى الأخرى المنخرطة في الصراع السوري، والمناوئة للسياسات الأميركية  والمنافسة لها في السياسة والاقتصاد والتسليح والتجارة؛ ما سيحدّ من فرص استثماره في صالح السوريين ويطيل معاناتهم، حيث ستفرض المنازلة الواسعة مع هذه القوى والمصالح الكبيرة التي تغطّي معظم الكرة الأرضية سلم أولوياتها وجدول أعمالها، وتفرض الربط بين الملفات والقضايا والمصالح وتصعيد المواجهة على الساحة السورية، للتأثير على ملفات وقضايا خارجها أو للتعبير عن موقفٍ ما، وتبليغ رسالةٍ إلى الخصوم، ما يمنح الأفضلية للملفات الأهم والمصالح الأكبر على حساب مصالح السوريين وقضيتهم، وما إفشال اجتماع اللجنة الدستورية والهجوم العنيف والمدمر على إدلب، والفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد تمديد قرار إيصال الإغاثة إلى المحتاجين من السوريين، أربعة ملايين منهم في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، من منافذ حدودية لفرض تسليم المساعدات الدولية إلى الحكومة، وهي تتولى عملية توزيعها على المناطق، إلا مقدّمات أولية على طريق المواجهة المنتظرة. كما حدّت شمولية العقوبات وتشعباتها من جدوى استثناء المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية، الطبية والإغاثية والخدمية، من العقوبات، فالعقوبات على البنك المركزي السوري والتحويلات المالية إلى سورية، ومنع استخدام الدولار في تمويل المشتريات سيشلّ قدرة هذه المنظمات على توفير احتياجاتها من المواد الطبية والأغذية والألبسة، فسِعة قوس العقوبات وقوة الردع الذي يسبّبه أي قرار من وزارة الخزانة الأميركية ستعيقان حركة المعاملات، سبق لقرار منع تحويل الأموال إلى سورية الإضرار بالمواطنين العاديين، حيث تعرّض آلاف السوريين لإغلاق حساباتهم المصرفية، أو رفض تحويل الأموال إليهم، وتجميد بعض الأرصدة بسبب جنسيتهم أو جهة حوالاتهم، ما دفعهم إلى تحويل الأموال عبر “نظام الحوالة” غير الرسمي (مكاتب وشركات بين سورية وتركيا مثلاً)، ما وضعهم تحت رحمة هذه المكاتب من ناحية أجور التحويل أو إجبار المتلقي على القبض بالليرة السورية، حسب السعر الرسمي للصرف، وإغلاق المكاتب المستقبلة على الأرض السورية الأخرى من أجهزة المخابرات. ناهيك عن الأذى الذي سيلحق بالمواطنين، نتيجة الضغط لمنع توريد النفط والغاز، لجهة حرمانهم من توفير وقود الطهي والتدفئة وخضوعهم لابتزاز تجّار الحروب برفع أسعار هذه السلع الضرورية ومعاناتهم الكبيرة نتيجة التقنين الحاد للكهرباء.

وضع “القانون” سلاحا اقتصاديا قويا في يد الرئيس الأميركي، وهو المغرم بعقد الصفقات والجري وراء المنافع المالية، ومنحه حقّ استخدامه ضد من يعتقد أنه يخرقه؛ وتفعيل “قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” للي ذراع موسكو وبكين وطهران، وترويض أنقرة وبيونغ يانغ وكاراكاس، وتعزيز المصالح الأميركية في سورية بإضعاف خصومها فيها، فـ”القانون” جوزة فارغة لن تفيد السوريين، ما لم يوضع في سياق سياسةٍ هدفها الأول خدمتهم وتحقيق تطلعاتهم في الحرية والكرامة.

العربي الجديد

——————————————–

في أثر قانون قيصر على المواطن السوري/ أحمد طرقجي

وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيراً، على حزمة قرارات من أكثر من 3400 صفحة، ومن ضمنها 25 صفحة متعلقة بقانون حماية المدنيين السوريين (قانون قيصر). يتركز من وجهة نظر المُشرع الأميركي على خمسة محاور: تقييم دور البنك المركزي السوري بعمليات غسل الأموال، توسيع الحظر على قطاعات التكنولوجيا والبترول ومعدّات الطيران والمعاملات مع الحكومة السورية، لمنع استخدام هذه الموارد لاستهداف المدنيين، حماية حقوق المدنيين السوريين بمنع عمليات الاستيلاء وإعادة البناء على ممتلكات المهجّرين، دعم عمل المنظمات الحقوقية العاملة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، زيادة الرقابة على العمليات الإنسانية داخل سورية في ضوء تواتر التقارير عن حرف المساعدات الإغاثية عن الوصول إلى مستحقيها.

تختلف التقييمات بشأن هذه البنود وقدرتها على إنهاء الحرب وتحقيق انتقال سياسي في سورية، حيث تتفق معظم الدراسات الأكاديمية على أن العقوبات الأميركية عبر التاريخ، حققت أهدافها المعلنة في أقل من ثلث الحالات. ولكن لا شك في أن أكثر هذه البنود وقعاً وأطولها أمداً على المواطن السوري سيكون وضع البنك المركزي السوري.

تاريخياً، مولت الحكومات حروبها عن طريق البنوك الحكومية، كما نشط في ظروف الصراعات اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي الذي لا يتبع لأي نوع من القوانين. وعلى الرغم من قساوته على المواطنين، إلا أن اقتصاد الحرب، بحد ذاته، ينظر إليه ضمن الأعراف الدولية، على أنه جزء متوقع من منظومة الحرب، ما لم يتم إثبات دعمه انتهاكات حقوق

الإنسان وانتهاك القوانين الدولية. تنشط أيضاً في هذه الظروف عمليات غسل الأموال من تجار الحروب عن طريق نشاطات مشبوهة، أو عن طريق بنوك خاصة. وقليلا ما نرى عقوبات اقتصاديه أممية، على الرغم من أنها الأكثر تأثيراً، تستهدف أمراء اقتصاد الحرب، بسبب صعوبة ضبط هذه العمليات، بينما قد تشارك دول متعدّدة، كما في حرب البوسنة، بفرض حظر اقتصادي محدود على جميع البنوك لوقف شراء الأسلحة، بهدف إيقاف آلة الحرب ودفع العملية السياسية. لا يشمل هذا النوع من الحظر عادة باقي أنواع التداولات المالية غير العسكرية.

يطالب المشرّع، في الفقرة الثانية من قانون قيصر، وزارة الخزانة الأميركية بالعمل على تقييم علني خلال ستة أشهر عن دور البنك المركزي السوري في عمليات غسل الأموال، ففي حال إثبات هذه العمليات، ستضطر الإدارة الأميركية، بموجب القانون، لاتخاذ موقفٍ علنيٍّ أكثر تشدّداً من موقفها الحالي، ما سينعكس حتماً على حركة النقد العام في سورية على المدى المتوسط، حيث ستكون جميع أجهزة البنك المركزي ضمن دائرة الاتهام. كما سيؤثر تورّط البنك المركزي السوري على قدرة ورغبة الجهات الدولية في التعامل أساساً مع البنك.

وتتفق الدراسات الأكاديمية على محدودية فعالية العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية في تحقيق أهدافها في تغيير سلوك الحكومات المستهدفة بالحظر، إذ تظهر الدراسات أن العقوبات الأممية تبطئ الناتج القومي للدول المستهدفة بمعدل 2% سنويا، ويستمر أثرها عشر سنوات، بينما تؤثر العقوبات الأميركية المنفردة على الناتج القومي بأقل من نصف بالمئه سنوياً، ويستمر أثرها أقل من سبع سنوات، إذ تنجح الحكومات المستهدفة بإيجاد طرقٍ بديلةٍ علنيةٍ أو سرّيةٍ لتجاوز هذه العقوبات. ولكن حتى ذلك الوقت، ينشط اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي، ما يعزّز سيطرة أمراء اقتصاد الحرب على المجتمع، ويُمكّنهم من تحويل الحظر الاقتصادي إلى ضغوط على المواطن الذي يعاني أصلا من وقع الحرب. تتفق هذه الخلاصة مع الدراسات السياسية، على أن العقوبات الأميركية وحيدةً قد فشلت تاريخياً في أكثر من ثلثي الحالات بتحقيق أهدافها السياسية المعلنة.

على الرغم من ذلك، تعمل إدارات حكومية مختلفة في الولايات المتحدة بشكل مستمر على وضع ضوابط لفرض مستوياتٍ مختلفةٍ من الحظر على الشخصيات والمؤسسات المنغمسة بملفات محدّدة كانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب وغسل الأموال وتهريب المخدرات في العالم. ولكن مدى تطبيق هذا الحظر يعتمد على تقييم الرئيس المصلحة العليا للولايات المتحدة، تماماً كما تم تضمينه أيضاً في قانون قيصر مع فارق أن المشرّعين هنا طالبوا البيت الأبيض بتوضيحات دورية علنية، ما يزيد الضغط على الدبلوماسية الأميركية ويضيق حدود مناوراتها.

ماذا عن المواطن السوري؟ لا بد من التذكير أولاً بأن التعليمات التنفيذية لقانون قيصر لم تطبق بعد، وأن سورية واقعة أساساً ضمن سلسلة من قوانين العقوبات الأميركية منذ عام 2004، تتعلق بملفات حقوق الإنسان وملفات العراق ولبنان. شملت هذه العقوبات لاحقاً قطاعات كالنفط، كما شملت، عام 2006، البنك التجاري السوري بدعوى غسل الأموال. ومع نهاية عام 2010، كان على قائمة العقوبات الأميركية حوالي عشرين شخصية سورية.

من ناحية التعاملات الاقتصادية حسب قانون قيصر، سيُمنع الشركاء التجاريون للحكومة السورية من الحصول على تأشيرة الدخول (الفيزا) الأميركية، وسيتم الحجز الاحتياطي على ممتلكاتهم في الولايات المتحدة، ما سيؤثر بشكل رئيسي على الشركات متعدّدة الجنسيات.

قبل بضعة أشهر، أعلنت الموازنة العامة السورية لعام 2020 بانكماشٍ قُدر بـ30%، مقارنةً مع عام 2019، كما خفض بند الدعم الاجتماعي بنسبة 50% عن عام 2019، وغاب الوضوح في ما يتعلق بتحديد الموارد لضبط ارتفاع الأسعار، ما سيزيد الضغط على المواطن الذي يعاني أصلا من تبعات اقتصاد الحرب واقتصاد أمراء الحرب داخل سورية وخارجها. تعكس هذه الموازنة بوضوح حالة الاقتصاد السوري والآثار المتوقعة على المواطن الُمنهك، حتى بدون أي عقوبات جديدة.

قد لا ينتهي الجدل إن كان قانون قيصر قادراً على فرض تغييراتٍ إيجابية لرفع ضغط اقتصاد الحرب عن المواطن السوري، أو أنه سيعيد تجربة العقوبات في العراق، ولكنه يضع مسؤولية تاريخية على مجموعات الضغط السورية ــ الأميركية الداعمة للقانون، ذلك أن حماية المواطن السوري، وإيجاد مستقبل وطني أفضل له، يجب أن يبقيا محور أي تحرّك سياسي، ومقياس نجاح هذا التحرّك أو فشله.

العربي الجديد

—————————-

“قيصر” ومصير غائم للنظام السوري/ فاطمة ياسين

عملت مجموعات سياسية سورية معارضة في الولايات المتحدة بجهد، سنوات، حتى استطاعت أن تحصل على قانون أميركي يقوم على مبدأ عقاب النظام، لحماية المدنيين السوريين، فتم تبنّي “قانون سيزر” (قيصر) تحت مظلة ميزانية الدفاع الوطنية، تطبّق بموجبه الحكومة الأميركية عقوباتٍ ذات طيف واسع وشديد على كل من يتعاون مع الحكومة السورية، مع التركيز على البنك المركزي السوري، بوصفه جهة تغسل أموال شخصيات النظام، وهو الجهة الرئيسية المموّلة لقوات الأسد. لا يتبنّى القانون أي عمل عسكري، ويؤكد في متنه على ذلك، ولكنه إجراء قانوني عقابي، يهدف إلى إضعاف الحكومة السورية إلى أقصى حد، تمهيداً لإزالتها. من أهم الخطوط الموضوعة للقانون مدته المحدودة بخمس سنوات، وارتهانه بإرادة الرئيس الأميركي المخوّل برفعه جزئياً أو كلياً، فيما لو لاحظ تحسّنا في أداء الحكومة السورية بما يخص الهجوم على المدنيين. تعترف أميركا، بموجب هذا القانون، بانتهاكات النظام الواسعة ضد المدنيين السوريين، وتقرّر أنهم بحاجة إلى الحماية، ليست حماية عسكرية مباشرة ضد القوات النظامية، وإنما بتطبيق عقوبةٍ شاملةٍ عليها، يُتوقَّع، فيما إذا نُفذَّت بدقة وصرامة أن تخلخل حكومة الأسد من خلال محاصرة الدول التي تقدّم له الدعم، فالقانون يشدّد على أن العقوبات ستطاول كل من يدعم هذه الحكومة، وتقصد بالطبع إيران وروسيا.

صوَّت على القانون مجلسا الكونغرس والشيوخ الأميركيان، وقبل ساعات من توقيع الرئيس الأميركي عليه، استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد قضية إنسانية سورية، حيث رفضتا تقديم مساعداتٍ إنسانيةٍ لسورية، عبر منافذ لا تسيطر عليها الحكومة، فتعطّل إرسال مساعداتٍ يعتمد عليها ملايين السوريين.

غير معروفٍ كيف سيتصرّف الرئيس الأميركي مع دعم روسيا والصين النظام، وهما تقعان تحت طائلة قانون سيزر بشكل واضح، فلدى الرئيس ترامب مع الصين عراكٌ اقتصاديٌّ عريض، ولديه جدل مع روسيا بشأن قضايا كثيرة، وهناك عقوبات مطبقة بالفعل على هاتين الدولتين، لمواقف لا تتعلق بالمسألة السورية، وعلى ترامب الآن أن يتحرّك لينفذ ما يفرضه “قانون سيزر” من حمايةٍ للمدنيين.

على الطرف الآخر، شنت قوات النظام، بمساعدة كاملةٍ ودعم واسع من كل من إيران وروسيا، قبل أيام هجوماً على مدينة إدلب، بدءا من ريفها الشرقي، وتقدّمت إلى بضعة مواقع كانت تسيطر عليها المعارضة، مع استمرارها في قصفٍ جويٍّ مكثفٍ على القرى والبلدات والمدن الواقعة على مسار الهجوم، أوقعت هذه الحملة العسكرية ضحايا ومهجّرين كثيرين، وهنا أيضاً نجد لقانون سيزر تحديا واسعا، فالمدنيون حياتهم منتهكة، وبمساعدة واضحة من أطرافٍ معروفة للجميع، من دون أن يتمكن أحد من لجم هذه الجرائم.

تلجأ الولايات المتحدة إلى أسلوب العقوبات، عندما لا تكون لديها رغبة في تحريك القوات المسلحة، وتريد الاستثمار في الوقت، أو عندما ترغب في إيجاد فرصٍ مناسبةٍ أكثر، وقد استعملت، في السابق، هذا السلاح في أمكنةٍ عديدة في العراق وإيران وكوريا وروسيا، واليوم في سورية. ومؤكّد أن تطبيق هذا القانون سيحاصر النظام، ويشدد الخناق عليه أكثر من السابق، ويمكن أن يتأثر النظام في إيران أيضاً، فضلاً عن روسيا، ولكن لدى هذه الأنظمة بالذات خبرة خاصة في التعامل مع العقوبات، وقد قابلت روسيا والصين تحدّي توقيع هذا القانون بـ”فيتو” رفعتاه في مجلس الأمن، وبهجوم ضارٍ شنّته قوات روسيا مع النظام على مدينة إدلب. خلال عشر سنوات من الحرب، تضاعف سعر الدولار عشرين مرّة، ويمكن أن يتضاعف عشرين مرّة أخرى في السنوات الخمس المقبلة، وهذا يضاعف أزمة النظام في تمويل مليشياته، ويزيد من عبئه على الدول الداعمة له، ويؤكد لمؤيدي الأسد أن استمرار وجوده يحافظ على تزايد الكوارث في البلاد.

العربي الجديد

—————-

العمل الأهم في مرحلة ما بعد قانون قيصر/ عبد الباسط سيدا

وأخيرًا، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قانون قيصر/ سيزر، بعد سلسلة من عمليات الأخذ والرد استغرقت فترة طويلة، بسبب عرقلة الرئيس السابق باراك أوباما إجراءات مناقشة القانون بهدف إقراره؛ وبعد جهود مضنية بذلها الناشطون السوريون الشباب، خاصة ضمن المجلس السوري الأميركي، والجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية؛ وبفضل مساعدة بعض الأميركان من أصدقاء الشعب السوري.

بموجب هذا القانون؛ ستكون هناك عقوبات بحق من اقترف جرائم ضد المدنيين والإنسانية من جماعة النظام، وعقوبات بحق الأفراد والكيانات والشركات ممن مدّوا النظام بالمساعدات، أو زودوه بأدوات أساءت إلى المدنيين. كما أن هذا القانون يعطي الصلاحيات للرئيس الأميركي باتخاذ إجراءات عسكرية وغير عسكرية من أجل حماية المدنيين السوريين. كما يعطي الصلاحيات لتخفيف العقوبات، أو رفعها في حال التأكد من توقف النظام عن تهديد المدنيين. وهذا معناه أن القانون الجديد سيكون كالسيف المسلط على رقبة نظام بشار الأسد ورعاته الإيرانيين خاصة؛ إذ يمكن استخدام قانون سيزر وقت اللزوم من أجل إرغام النظام على التزام المسارات المطلوبة. كما هدد القانون الشركات الروسية والغربية الراغبة في الاستفادة من السوق السورية بالعقوبات، فيما إذا سعت للتخفيف عن النظام عبر مشاريع استثمارية تفيدها أولًا، ولكنها تريح النظام أيضًا.

من جهة أخرى، تأتي أهمية تمرير القانون كملحق مع الميزانية، ليوجه رسالة إلى العديد من الدول العربية التي كانت تستعد للانفتاح على النظام، وتعمل على إعادته إلى الجامعة العربية. بل إن بعضهم كان يفكر، أو يدعو، إلى المساهمة في مشاريع إعادة الإعمار المزعومة؛ بحجة أن ذلك سيوفر الفرصة لمساعدة النظام على التحرر من القيود والضغوط الإيرانية. ولكن الأمور الآن قد تغيرت، أو ستتغير، إلى حد كبير. وستقتصر العلاقات العربية مع النظام، على الأغلب، على الجانب الأمني غير المعلن. ولن تكون هناك دعوات مفتوحة، لا تلتزم بروادع أخلاقية إنسانية على الأقل؛ دعوات تطالب بالانفتاح على نظامٍ تسبّب في قتل نحو مليون مواطن سوري، وتشريد أكثر من نصف السوريين؛ هذا فضلًا عن تدمير البلد، وتبديد ثرواته، وتصفير اقتصاده.

إن تسمية القانون بالقيصر له دلالات رمزية كبرى، تسلط الأضواء على عشرات الآلاف من الضحايا الذين قتلهم النظام بحقد يستعصي على الوصف، وبأبشع أنواع وأدوات التعذيب. وهذا أمرٌ كان من المفروض أن يكون وحده كافيًا لتحريك مشاعر وضمائر العرب والمسلمين، فضلًا عن كل أولئك الذين طالبوا، وما زالوا يطالبون، بأهمية، وبضرورة، الانفتاح على سلطة الاستبداد والفساد والإفساد التي أنهكت السوريين على مدى عقود، وبلغت ذروة الإجرام مع انطلاقة الثورة السورية في ربيع 2011، وصولًا إلى يومنا الراهن.

وعلى الرغم من كل هذه المدة الطويلة، وكل أنواع الأسلحة التي استُخدمت ضد الشعب السوري، بما في ذلك براميل البارود، براميل الحقد الأسود، التي ظل النظام يستخدمها على مدى سنوات أمام مرأى ومسمع العالم أجمع؛ ومن اعتماد النظام على كل الميليشيات المذهبية والتكفيرية الإرهابية، “والعلمانية” القوموية، ومن الاستنجاد بروسيا وإيران، على الرغم من كل ذلك لم يتنازل الشعب السوري ولم يتراجع؛ وتمكّن شبابنا من استخلاص العبر، بعد أن تيقّنوا من ديماغوجية الشعارات المتطرفة قوميًا ودينيًا، وتبيّن لهم أن المشاريع المتطرفة قد أسهمت في إجهاض الثورة السورية، وحرفها عن خطها الوطني التعددي الديمقراطي.

لقد تمكّن شبابنا بصبرهم ومهنيتهم، وعملهم الجماعي المثابر؛ من إقناع المشرعين الأميركان بأهمية سن هذا القانون. وحققوا إنجازًا تاريخيًا حينما وافق مجلس النواب على مشروع القانون، ثم مجلس الشيوخ والرئيس. وكل ذلك أسهم في تجديد الأمل لدى السوريين المناهضين لنظام بشار الأسد. وكان هذا الحدث كالصفعة على وجوه أولئك الشامتين الذين كانوا يتبجحون علانية بأنهم قد راهنوا على الحصان الرابح، وكانوا يمنّون النفس بالامتيازات والمكافآت.

معركة السوريين مع هذا النظام لم ولن تنتهي مع إخراج الفصائل المسلحة من الميدان، وذلك لأسباب كثيرة، بعضها بات معروفًا، وبعضها الآخر ما زال ينتظر التوضيح. وإنما ستنتقل هذه المعركة إلى مستوى آخر، أو ستكون بشكل آخر. هناك معارك حقوقية، وأخرى دبلوماسية وإعلامية وبحثية وفنية، تلتقي جميعها على نقطة واحدة مشتركة أساسية ألا وهي تعرية نظام بشار، وكشف حقيقته في جميع المجالات، وعلى سائر المستويات أمام الرأي العام العربي والعالمي.

فهذا النظام الذي تاجر بالقضايا الكبرى، خاصة القضية الفلسطينية، والوحدة العربية، ومكافحة الإرهاب؛ وبعد أن تحول إلى تابع ذليل للنظام الإيراني، لم يعد يمتلك من الأوراق ما في مقدوره استخدامها للتغطية على جرائمه ودوره، خاصة إذا تمكّن الشباب السوري الذين امتلكوا خبرة هائلة بفعل تجربة السنوات الأصعب، واستطاعوا متابعة الأحداث والتطورات بتفاصيلها الدقيقة، وتمكنوا مع الوقت من التمييز بين الغثّ والسمين، والتمييز بين المواقف والشخصيات، وتعلموا اللغات، وأتقنوا أسرار التكنولوجيا الحديثة، واطّلعوا على خفايا عمليات صنع القرارات، خاصة المفصلية منها؛ إن شبابنا بعد أن تمكنوا من كل ذلك، سيستمرون في عملهم، وسيفتحون ملفات جديدة تكشف النقاب عن كل أولئك الذين دعموا هذا النظام، وقدموا له المساعدات في مختلف المراحل، بالرغم من ادعاءاتهم ومزاعمهم العكسية. كما سيتابع شبابنا سجلات المنتفعين من النظام، وجهود أولئك الذين أدوا أدوارًا مزدوجة، كل ذلك لا للانتقام، وإنما لكشفهم وفضحهم، بغية قطع الطريق أمام تكرار ما كان في المستقبل.

نظام بشار هو في ورطة كبيرة. هذا النظام الذي كان يرتعد هلعًا قبل الثورة من اعتصام سلمي، لا يتجاوز عدد المشاركين فيه العشرات، معظمهم من المتقاعدين. وكان يجن جنونه من تصريح سياسي نقدي هنا أو هناك، غالبًا ما كان يبقى ضمن دائرة النخبة والمهتمين؛ هذا النظام يواجه اليوم ملايين السوريين الرافضين حكمه، وهم يمتلكون أدوات النشر والتواصل والحصول على المعلومات، وذلك بفعل التطور المتلاحق في ميادين شبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات بكل أنواعها.

ما نحتاج إليه اليوم، هو تنظيم الطاقات، وتوزيع المهام، وإيجاد الأطر المناسبة لتبادل الأفكار، والتوافق على الخطط المستقبلية الآنية والمتوسطة والبعيدة المدى.

السوريون يكتشفون بعضهم، إذا صح التعبير، بعد عقود من التجهيل القصدي الذي مارسه النظام ضدهم. فقد باعد بينهم، ومنعهم بشتى الأساليب من التواصل، واستخدمهم في مواجهة بعضهم بعضًا حتى تلتقي الخيوط جميعها لديه، ويكون هو الموجه والمتحكّم باستمرار.

كل ذلك من أجل ضمان استمرارية البقاء في السلطة، سلطة لم تكتسب الشرعية قط، ولن تكتسبها مستقبلًا بعد كل ما فعلته، وتفعله، بالسوريين وبلادهم التي باتت ساحة مفتوحة أمام جيوش العالم، وأجهزة استخبارات الدول، وشذاذ الآفاق من جميع الأصقاع.

ما نحتاج إليه الآن بعد توقيع الرئيس الأميركي على قانون سيزر، هو تسويقه، والبناء عليه، لتحقيق اختراقات في دول أخرى خاصة في أوروبا، ويكون ذلك عبر تنظيم اللقاءات والمنتديات حوله ضمن الجامعات ومراكز البحث، بغية شرح مسوغاته ودلالاته وأبعاده، ونتائجه المتوقعة راهنًا ومستقبلًا. فمن شأن جهود كهذه أن تساهم في تفعيل القانون، وإبقائه تحت الأضواء، والحفاظ على حيويته، والحد قدر الإمكان من ضغوط المصالح لدى صانع القرار الأميركي في تعامله مع الملف السوري، وذلك بعد حشد الدعم والتأييد الإعلامي والبحثي والشعبي، لصالح الالتزام بهذا القانون، ومتابعة تنفيذه.

وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، هو تزامن مصادقة الرئيس الأميركي على هذا القانون 20-12-2019، والإحاطة الأخيرة التي قدمها المبعوث الدولي الخاص بسورية غير بيدرسون الذي أكد ما أكده السوريون مرارًا وتكرارًا، ومفاد التأكيد هو أن الوضع السوري لن يعالج عبر اللجنة الدستورية التي ما زال النظام يعرقل انعقادها بكل الأساليب، وإنما لا بد من حل سياسي، يكون مقدمة للتوافق على شكل الدولة والنظام، وبعد التوافق على كل الخطوات الأخرى الضرورية، وفي مقدمتها العدالة الانتقالية، وتسوية ملف المعتقلين.

لدينا أوراق قوية لم نتمكن -مع الأسف- من استخدامها وتفعيلها كما ينبغي، وذلك نتيجة المناكفات البينية، سواء الحزبية منها أم الشللية، حتى الشخصية، وكل ذلك لا يمكن فصله بطبيعة الحال عن الجهود الإقليمية والدولية التي كانت بُذلت لتمزيق صفوف المناهضين للنظام، بمختلف الأساليب والوسائل، ومن قبل جهات مختلفة، وقد استفاد منها النظام ورعاته بهذه الدرجة أو تلك.

وما نتمناه هو أن نكون قد استفدنا من الأخطاء التي كانت، وأن نستعد لمرحلة جديدة بأساليب نوعية متميزة من التنظيم والخطاب والتواصل مع المفاصل التي تبني الرأي العام، ومع مراكز صناعة القرارات على المستويين الإقليمي والدولي.

جيرون

————————————–

المأمول من “قانون سيزر”/ مناف قومان

وقع الرئيس الأميركي ترمب “قانون سيزر” بعدما مرّ من عتبة مجلس الشيوخ والنواب بعد أكثر من 3 سنوات من الشد والجذب وتعب مضن من “فريق سيزر” والجالية السورية بأميركا، ومنظمات وحقوقيون ساهموا ليصبح القانون على طاولة الرئيس، وفي الواقع فالإطار الزمني الذي جعل هذا القانون يصل لما وصل إليه اليوم مدعاة للانتصار لمن عمل على هذا القانون. وتبقى المغامرة الأعظم لذلك المصور العسكري المنشق والذي أطلق عليه “قيصر” الذي عمل مع صديقه سامي على توثيق جرائم الأسد عبر أكثر من خمسين ألف صورة لعمليات تعذيب وقتل للمدنيين السوريين في معتقلات الأسد واستطاع تهريبها وعرضها على لجنة استماع في الكونغرس الأميركي، والتي لولاها ربما لم يتمكن مئات أو آلاف أن يتعرفوا على صور أقربائهم وأحبّائهم من بين الشهداء في الصور المسربة، ومن ثم لم يكن لهكذا دليل دامغ أن يظهر لمعاقبة الأسد وملاحقته قضائياً والإطاحة به.

عقوبات اقتصادية مثيرة للجدل

لا عجب أن يثير القانون جدلاً في الأوساط حول قدرة عقوبات اقتصادية على إسقاط نظام شمولي لم يوفر أي آلة عسكرية في إخماد الثورة، والبقاء في الحكم. والنظام منذ بداية الثورة وما قبلها جيّر أزماته الاقتصادية على العقوبات وضمّها لصف “المؤامرة الكونية”، ولم يبدُ في ممارساته طوال السنوات الماضية أي إشارة للدول الغربية وأميركا لرفع العقوبات وإعادة الإعمار والتي عبرت أنها لن ترفع العقوبات ولن تمرر أموال إعادة الإعمار إلا بعد انتقال سياسي للسلطة في سوريا وفق القرارات الأممية. ولا يختلف اثنان أن النظام بتعنته وعرقلته يتِكئ على حليفيه روسيا وإيران وبشكل أقل الصين وفنزويلا وكوريا الشمالية لمده بالمساعدات المادية والمالية لفرض سياسة أمر واقع بالقضاء على المعارضة وتأمين احتياجاته الأساسية.

ومن جانب آخر ينظر النظام في التاريخ فلا يرى بلداً تعرض للعقوبات الاقتصادية وسقط، فلماذا يسقط هو؟! وهو رأيٌ يتبناه كثير من الباحثين في هذا الصدد؛ أن العقوبات الاقتصادية مع هكذا أنظمة شمولية غير ناجعة وسط تأقلمها مع أوضاع صعبة تكيف نفسها للعمل مع شبكات فساد معقدة للتهرب من العقوبات تمدها بالسلع والخدمات، وعليه اضطرت الدول الفارضة للعقوبات أن تصيغ قانون العقوبات وآليات اختراقه وتبذل جهد مضاعف لتعقب تلك التعاملات غير المشروعة. ونجاحها في ذلك غير مضمون!، وكُتبت أبحاث ودراسات وساهم أكاديميون وخبراء تقنيون لصياغة قوانين العقوبات لمنع التهرب منها ومحاربة مخترقيها، وإيران خير مثال على هذا إذ فُرضت عليها العشرات من قوانين العقوبات على مدار الإدارات الأميركية المتعاقبة ولم يتحقق الهدف المرجو بعد.

في الواقع لا يختلف الوضع كثيراً في سوريا عمّا ذُكر آنفاً، فالعقوبات مفروضة منذ فترة ليست قليلة ولم تُسهم بشكل أو بآخر في إسقاط النظام، وأثبتت بعض الأبحاث أن التشظي الحاصل في سوريا بين القوى المسيطرة وخروج أهم مورد للنظام، النفط والغاز، من حساباته كان السبب الأساسي في التأثر على الاقتصاد، وفي هذا الصدد يُشار أن الهبوط الدراماتيكي لليرة السورية من مستوى 600 إلى 900 ليرة أمام الدولار لم يمكن مرده إلى العقوبات بل إغلاق البنوك في لبنان، الرئة الوحيدة التي يتنفس منها النظام اقتصادياً جراء إغلاق الشوارع من قبل الشعب اللبناني. ومع استعادة النظام السيطرة على معظم المناطق من المعارضة لجأت بعض الدول قبل أشهر لمحاولة إعادة تطبيع العلاقات معه فيما لم تُقصّر روسيا وإيران المفروض عليها عقوبات أيضاً في مساعدته وبقيت إلى جانبه على الدوام، وكذلك كثف النظام من المعارض والسياسات الاقتصادية والتصريحات الداعية لإعادة إعمار البلاد ورفع العقوبات بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبها والعقوبات المفروضة عليه، ولكن مرة أخرى بالنسبة للنظام فرض العقوبات عليه يعني انضمامه لنادي الدول المعاقَبة فيطبق نفس “الكاتالوغ” في التصريحات والممارسات في الرد على الدول المعاقِبة.

عقوبة للأسد أم للشعب السوري

لا تشير العقوبات السابقة في بنودها لعقوبات ضد الشعب السوري، وهو الأمر ذاته في “قانون قيصر” الذي حمل في عنوانه إشارة لحماية المدنيين في سوريا، ويهدف لفرض عقوبات على كبار المسؤولين والقادة العسكريين في نظام الأسد وكل من يدعمه على خلفية ارتكاب جرائم بحق المدنيين، ويُتيح القانون فرض عقوبات على كل دولة ومؤسسة وشخص يساعد النظام مالياً ومادياً وتكنولوجياً أو أي جهة تسهم في إعادة الإعمار في سوريا.

لكن في الواقع فإنَّ مسؤولي النظام وقادته تصالحوا مع فكرة أنهم مجرمون ولا ينتظرون من دولة أو مؤسسة أو أحد ليقول لهم ذلك أو يفرض عليهم عقوبات من جراء إجرامهم. وهم في الوقت نفسه قرؤوا من ذات “الكاتالوغ” فاستبقوا العقوبات لتفريغها من معناها عبر تغيير أرصدتهم وتحويلها لمقربين لهم وتجهيز شبكات فساد خاصة لتسيير أمورهم، وبالنسبة للسفر هناك بديل عن لاس فيغاس وباريس في بلدان أخرى ترحب بهم.

العقوبات ومن حيث لا تستهدف الإضرار بالشعب، فهي لا تضر إلا الشعب، الصيف الماضي عانت سوريا من نقص هائل في مواد المحروقات من مازوت وبنزين وغاز من جراء أسباب من بينها عدم قدرة أو رغبة إيران لإمداد النظام بها، وهو ما تسبب بأزمات خانقة في مراكز التوزيع وارتفاع الأسعار بشكل كبير وزيادة الأعباء المعيشية والضغوط على العائلة، لكن لم تنقطع الكهرباء على القصر الجمهوري ولم يشعر قادة النظام العسكريين بالبرد من جراء انقطاع مادة المازوت أو يقفوا في طوابير للحصول على جرة غاز، وبقيت سيارات الوزراء والمقربين منهم مملوءة بالبنزين ولم يضطروا للوقوف في صف وصل طوله لمئات الأمتار للحصول على بضع لترات من البنزين والمازوت. وعندما هبطت قيمة الليرة السورية إلى عتبة ألف ليرة للدولار لم تثر ثائرة رجال الأعمال المقربين من النظام بسبب خسارتهم فهم أكبر من التعامل بالليرة أو أن يتقاضوا مدفوعاتهم وفقاً لسعرها، كل شيء يسير بالدولار. أما العامل والمواطن الذي يتقاضى أجره بالليرة فقد ضاع عرق جبينه وكد يده في عملة لا تساوي الحبر الذي طبع بها.

مع كل ما ذُكر، يبقى “قانون سيزر” مهماً جداً ويضع النقاط على الحروف، لا شرعية ولا مساعدة ولن يوضع حجر على حجر باسم إعادة الإعمار، مع هذا النظام من قبل الدول والمؤسسات والأشخاص، ومع توقيع ترمب على القانون ستبدأ معركة كسر عظم بين أميركا وروسيا، لإقناع الأخيرة أن نظام الأسد انتهى وأن مصلحتها تكمن في الضغط على النظام للرضوخ لعملية الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية.

ومن جانب آخر فالقانون يقول للدول التي تود مساندة النظام وفق سياسة الأمر الواقع التي فرضها على الأرض، لا مجال لذلك وإن انتصر النظام على المعارضة فلم ينتصر على المجتمع الدولي، ويقول للشعب السوري الذي خرج ضد النظام إن أميركا ما تزال تذكر الجرائم التي قام بها وإن بجعبتها عقوبات صارمة تأمل بالتأثير عليه لجره لطاولة المفاوضات.

في النهاية لا شك في أن قيصر وسامي و”فريق سيزر” غمرتهم سعادة كبيرة بعد رؤيتهم الرئيس الأميركي وهو يوقع على القانون ويعرضه للعالم لأن مهمتهم أينعت وانتصروا لأنفسهم وللشعب السوري في إحدى الجولات المهمة على الساحة الدولية.

تلفزيون سوريا

——————————–

عزلة دولية كاملة لدمشق ستطال أقرب حلفائها.. هل يشكل قانون قيصر بداية النهاية لنظام الأسد؟

    الجهات المشمولة بقانون قيصر

    انعكاسات قانون قيصر على نظام الأسد

    انعكاسات قانون قيصر على المعارضة السورية

    عوامل تصب في مصلحة المعارضة السورية

بعد محاولات سابقة، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، على قانون «قيصر لحماية المدنيين السوريين» والذي ينص على فرض عقوبات على النظام السوري، وكل من يدعم النظام السوري مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً، وقد صوت لصالح مشروع القانون 86 مقابل رفض 8 في المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، كما أن الرئيس دونالد ترامب وقع على القانون، أي أنه دخل حيز التطبيق والتنفيذ.

وتأتي تسمية التشريع الأمريكي «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين» من اسم المصور العسكري السوري السابق الملقب بقيصر، الذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب، واستخدم هذا الاسم ليخفي هويته الحقيقية، وأثارت صوره التي أظهرت جثثاً لأشخاص ملقين على الأرض ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ردود فعل غاضبة في أوروبا وأمريكا، حيث تم عرضها في مبنى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وفي مجلس النواب الأمريكي، كما حضر قيصر شخصياً إلى مجلس النواب الأمريكي أكثر من مرة، وتحدث هناك عن معاناة السجناء في سجون نظام الأسد، وأوضاع السوريين عموماً.

الجهات المشمولة بقانون قيصر

يفرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية، على أركان نظام بشار الأسد، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر الذي يمكن أن يتعرض له نظام الأسد.

صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأمريكية، خصوصاً وأنه يصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.

أما التغيير الحقيقي في الموقف الأمريكي، فسيكون على صعيد العلاقة مع روسيا، التي تحاشت الإدارة الأمريكية معاقبتها حتى الآن على جرائمها في سوريا. حيث ستكون جل المؤسسات الروسية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش الروسي وقيادته وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناعة الطاقة، جميعهم قد يقعون فريسة للعقوبات الأمريكية عندما يجري تفعيل قانون قيصر.

لذلك يبدو أن هذا التشريع الجديد مهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي، وتوسيع قدرة أمريكا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين يشاركون في ارتكاب جرائم نظام الأسد أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة جرائمه. علاوة على ذلك، فإن قانون قيصر سيوفر أيضاً لإدارة ترمب الصلاحيات لمعاقبة الحلفاء أو الكيانات الأمريكية الموجودة داخل الدول المتحالفة والذين مضوا قدماً في التعامل والانخراط مع نظام الأسد أو الاقتصاد السوري.

انعكاسات قانون قيصر على نظام الأسد

لا شك أن تأثير قانون قيصر على نظام الأسد، مرتبط بشكل مباشر بالظروف المصاحبة لتطبيقه. لكن ثمة عوامل أساسية تشير إلى جدية بل مصيرية أثر القانون على النظام. منها:

أولاً، حصول القانون على تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يعطي انطباعاً بدعم المشرعين الأمريكيين للخطوات المرتقبة من قبل الإدارة فيما يتعلق بالوضع في سورية، ويفرض دوراً أمريكياً مؤثراً في مسار العملية السياسية من ناحية الضغط على روسيا وحلفائها، وأيضاً الضغط على حلفاء الولايات المتحدة لمنعهم من ممارسة أي سياسة تعارض سياسات واشنطن.

ثانياً، تهدف الادارة الأمريكية من خلال قانون قيصر إلى جر نظام الأسد للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية. وفي هذا السياق فإن القانون لا يقتصر على التهديدات فحسب، بل ألقت أمام نظام الأسد بجزرة «مُقيدة» تشمل تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المدنيين، وإيقاف قصف المرافق الحيوية، المساجد والمشافي والمدارس، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف استخدام السلاح الكيماوي والإفصاح عن مخزوناته، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين والمهجرين قسرياً.

ثالثاً، ينسجم القانون إلى حد كبير مع قراري مجلس الأمن 2118 و2254، ويُلقي بمسؤولية التنفيذ والالتزام على النظام وكل من روسيا وإيران، وبالتالي فهو يجعل من الروس «شركاء تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة»، كما يُعزز من مدى العقوبات المفروضة على إيران لتشمل المؤسسات والهيئات ذات الصلة «غير المعلنة» بها، وتتحرك عبر يافطات مختلفة في لبنان وقبرص ودول أخرى.

رابعاً، تبدو الظروف الدولية الحالية مواتية لتطبيق القانون، كونه ينسجم مع سياسة الضغط القصوى على إيران وتحجيم أذرعها في العراق ولبنان، كما أن يرغم حكومة بوتين على ممارسة ضغط ملموس على النظام، الذي يبدي تمنعاً أكبر للدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، التي يعني إخفاقها ضربة لجهود الأمم المتحدة في ظل بدائلها المحدودة.

خامساً، تساعد الأزمة الاقتصادية القصوى التي يعاني منها النظام، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار، في تقليص خياراته في مواجهة أي عقوبات أمريكية جديدة عليه، والتي يتوقع أن تشمل ركائزه العسكرية والاقتصادية والسياسية، مما يعني أن أركان النظام ستكون لهم حساباتهم الخاصة بعد إدراكهم لمحدودية قدراته في التصدي للعقوبات والعزلة المفروضة عليه، إضافة لعدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته نظراً لأزماتهما الداخلية.

سادساً، في حال أصرَّ النظام على اتباع سياسة العنف العسكري والتشدد السياسي، فإن القانون بما يحتويه من عقوبات شاملة، قد يشكل بوابة لتفكيك النظام، عبر دفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته، مع تزايد أزماته المعيشية وعجزه عن تقديم حلول واقعية وملموسة، وتعوِّل الإدارة الأمريكية على أن تؤدي إجراءاتها لإضعاف قدرة النظام على السيطرة الداخلية لدفع قطاعات من مؤيديه لرفع صوتهم والمطالبة بوضع حد للأزمة عبر المفاوضات والحلِّ السياسي.

انعكاسات قانون قيصر على المعارضة السورية

لا شك أن قانون سيزر قد شكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة السورية، لجهة صد اندفاعات بعض الدول والأطراف نحو بناء علاقات مع النظام، كما أنَّه عزز من الضغوط المفروضة على النظام.

ومن شأنه أيضاً، أن يحبط محاولات روسيا لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي مستدام. لكن تأثير القانون الأكبر، سيكون في عودة الدور الأمريكي إلى موقع المبادرة والتأثير، بعد فترة من الغياب وعدم الوضوح في ظل الحديث عن انسحاب عسكري أمريكي شبه كامل من سوريا.

لذلك ربما يتعين على المعارضة السورية وحلفائها والدول الداعمة لها، الإسراع في اتخاذ سلسلة من الخطوات والإجراءات خلال الفترة المقبلة، من أجل الاستفادة القصوى من الظروف التي أتاحها قانون سيزر.

أولى تلك الخطوات التركيز على إعطاء أولوية فرض عقوبات اقتصادية صارمة على مؤسسات النظام وشخصياته، وتعميق أزمته الداخلية، نظراً لانعكاسها على باقي المجالات، ثم الدفع باتجاه فرض عقوبات على جميع الأطراف والهيئات والشخصيات التي تقوم بتأسيس علاقات تجارية أو مالية مع النظام، من أجل أن توفر له إمكانية التحايل والالتفاف على العقوبات.

وربما يجب على المعارضة السورية، إطلاق حملات إعلامية في الولايات المتحدة، والدول الأوروبية لشرح جرائم النظام بحق السوريين، وتعزيز دعم الرأي العام في تلك الدول لأي خطوات تتخذ لمعاقبة النظام، والتنبيه لكارثية المواقف أو التصريحات التي تحاول الدفاع عنه بزعم أن العقوبات تؤثر على السوريين وليس النظام ومسؤوليه.

عوامل تصب في مصلحة المعارضة السورية

كما يجب تكرار تلك الحملات الإعلامية وباللغات العالمية المختلفة، بأسلوب يتناول تأثير العقوبات على النظام ومدى تراجع قدرته على بسط نفوذه في المناطق الخاضعة لسيطرته، من أجل تعزيز أهمية حصار النظام في كافة المجالات.

وثمة عوامل أخرى تصب في صالح المعارضة السورية، إن أحسنت توظيفها والاستفادة منها، على رأسها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد، والضربات التي يتلقاها المشروع الإيراني في المنطقة، من خلال الثورات والانتفاضات ضده، في كل من العراق ولبنان واليمن، بالإضافة للحصار الأمريكي المشدد على طهران وموسكو.

مجمل هذه العوامل وغيرها، سوف يسهل على المعارضة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع النظام من الإفادة من المناطق المحررة لجهة توفير السيولة من العملة الصعبة، أو تحصيل المشتقات النفطية والمواد الغذائية، والعمل على إحكام الطوق عليه، وصولاً إلى إضعافه وتفتيته.

———————–

هل يشكل قانون قيصر بداية النهاية لنظام الأسد؟/ محمود عثمان

بعد محاولات سابقة، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، على قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين” والذي ينص على فرض عقوبات على النظام السوري، وكل من يدعمه ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا، وقد صوّت لصالح مشروع القانون 86 مقابل رفض 8 في المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، كما أن الرئيس دونالد ترامب وقّع على القانون، أي أنه دخل حيز التطبيق والتنفيذ.

وتأتي تسمية التشريع الأمريكي “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” من اسم المصور العسكري السوري السابق الملقب بقيصر، الذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب، واستخدم هذا الاسم ليخفي هويته الحقيقية، وأثارت صوره التي أظهرت جثثاً لأشخاص ملقاة على الأرض ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ردود فعل غاضبة في أوروبا وأمريكا، حيث تم عرضها في مبنى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وفي مجلس النواب الأمريكي، كما حضر قيصر شخصيا إلى مجلس النواب الأمريكي أكثر من مرة، وتحدث هناك عن معاناة السجناء في سجون نظام الأسد، وأوضاع السوريين عموما.

الجهات المشمولة بقانون قيصر

يفرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية، على أركان نظام بشار الأسد، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر، التي يمكن ان يتعرض لها نظام الأسد.

صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجها لوجه أمام العقوبات الأمريكية، خصوصا وأنه يصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.

أما التغيير الحقيقي في الموقف الأمريكي، فسيكون على صعيد العلاقة مع روسيا، التي تحاشت الادارة الأمريكية معاقبتها حتى الآن على جرائمها في سوريا. حيث ستكون جل المؤسسات الروسية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش الروسي وقيادته، وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناعة الطاقة، جميعهم قد يقعون فريسة للعقوبات الأمريكية عندما يجري تفعيل قانون قيصر.

لذلك يبدو أن هذا التشريع الجديد مهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أمريكا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين يشاركون في ارتكاب جرائم نظام الأسد أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة جرائمه. علاوة على ذلك، فإن قانون قيصر سيوفر أيضاً لإدارة ترمب الصلاحيات لمعاقبة الحلفاء أو الكيانات الأمريكية الموجودة داخل الدول المتحالفة والذين مضوا قدماً في التعامل والانخراط مع نظام الأسد أو الاقتصاد السوري.

انعكاسات قانون قيصر على نظام الأسد

لا شك أن تأثير قانون قيصر على نظام الأسد، مرتبط بشكل مباشر بالظروف المصاحبة لتطبيقه. لكن ثمة عوامل أساسية تشير إلى جدية بل مصيرية أثر القانون على النظام. نذكر منها:

أولا، حصول القانون على تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يعطي انطباعاً بدعم المشرعين الأمريكيين للخطوات المرتقبة من قبل الإدارة فيما يتعلق بالوضع في سوريا، ويفرض دوراً أمريكياً مؤثراً في مسار العملية السياسية من ناحية الضغط على روسيا وحلفائها، وأيضاً الضغط على حلفاء الولايات المتحدة لمنعهم من ممارسة أي سياسة تعارض سياسات واشنطن.

ثانيا، تهدف الادارة الأمريكية من خلال قانون قيصر إلى جر نظام الأسد للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية. وفي هذا السياق فإن القانون يقتصر على التهديدات فحسب، بل ألقت أمام نظام الأسد بجزرة “مُقيدة” تشمل تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المدنيين، وإيقاف قصف المرافق الحيوية، المساجد والمشافي والمدارس، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف استخدام السلاح الكيماوي والإفصاح عن مخزوناته، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين والمهجرين قسريا.

ثالثا، ينسجم القانون إلى حد كبير مع قراري مجلس الأمن 2118 و2254 ، ويُلقي بمسؤولية التنفيذ والالتزام على النظام وكل من روسيا وإيران، وبالتالي فهو يجعل من الروس “شركاء تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة”، كما يُعزز من مدى العقوبات المفروضة على إيران لتشمل المؤسسات والهيئات ذات الصلة “غير المعلنة” بها، وتتحرك عبر يافطات مختلفة في لبنان وقبرص ودول أخرى.

رابعا، تبدو الظروف الدولية الحالية مواتية لتطبيق القانون، كونه ينسجم مع سياسة الضغط القصوى على إيران وتحجيم أذرعها في العراق ولبنان، كما أن يرغم حكومة بوتين على ممارسة ضغط ملموس على النظام، الذي يبدي تمنعاً أكبر للدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، التي يعني إخفاقها ضربة لجهود الأمم المتحدة في ظل بدائلها المحدودة.

خامسا، تساعد الأزمة الاقتصادية القصوى التي يعاني منها النظام، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار، في تقليص خياراته في مواجهة أي عقوبات أمريكية جديدة عليه، والتي يتوقع أن تشمل ركائزه العسكرية والاقتصادية والسياسية، مما يعني أن أركان النظام ستكون لهم حساباتهم الخاصة بعد إدراكهم لمحدودية قدراته في التصدي للعقوبات والعزلة المفروضة عليه، إضافة لعدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته نظراً لأزماتهما الداخلية.

سادسا، في حال أصرَّ النظام على اتباع سياسة العنف العسكري والتشدد السياسي، فإن القانون بما يحتويه من عقوبات شاملة، قد يشكل بوابة لتفكيك النظام، عبر دفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته، مع تزايد أزماته المعيشية وعجزه عن تقديم حلول واقعية وملموسة، وتعوِّل الإدارة الأمريكية على أن تؤدي إجراءاتها لإضعاف قدرة النظام على السيطرة الداخلية لدفع قطاعات من مؤيديه لرفع صوتهم والمطالبة بوضع حد للأزمة عبر المفاوضات والحلِّ السياسي.

انعكاسات قانون قيصر على المعارضة السورية

لا شك أن قانون قيصر قد شكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة السورية، لجهة صد اندفاعات بعض الدول والأطراف نحو بناء علاقات مع النظام، كما أنَّه عزز من الضغوط المفروضة على النظام.

ومن شأنه أيضا، أن يحبط محاولات روسيا لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي دائم. لكن تأثير قانون قيصر الأكبر، سيكون في عودة الدور الأمريكي إلى موقع المبادرة والتأثير، بعد فترة من الغياب وعدم الوضوح في ظل الحديث عن انسحاب عسكري أمريكي شبه كامل من سوريا.

لذلك يتعين على المعارضة السورية وحلفائها والدول الداعمة لها، الإسراع في اتخاذ سلسلة من الخطوات والإجراءات خلال الفترة المقبلة، من أجل الاستفادة القصوى من الظروف التي أتاحها قانون قيصر.

أول تلك الخطوات يجب أن تركز على إعطاء أولوية فرض عقوبات اقتصادية صارمة على مؤسسات النظام وشخصياته، وتعميق أزمته الداخلية، نظراً لانعكاسها على باقي المجالات، ثم الدفع باتجاه فرض عقوبات على جميع الأطراف والهيئات والشخصيات التي تقوم بتأسيس علاقات تجارية أو مالية مع النظام، من أجل أن توفر له إمكانية التحايل والالتفاف على العقوبات.

ويجب على المعارضة السورية، إطلاق حملات إعلامية في الولايات المتحدة، والدول الأوروبية لشرح جرائم النظام بحق السوريين، وتعزيز دعم الرأي العام في تلك الدول لأي خطوات تتخذ لمعاقبة النظام، والتنبيه على كارثية المواقف أو التصريحات التي تحاول الدفاع عنه بزعم أن العقوبات تؤثر على السوريين وليس النظام ومسؤوليه.

كما يجب تكرار تلك الحملات الاعلامية وباللغات العالمية المختلفة، بأسلوب يتناول تأثير العقوبات على النظام ومدى تراجع قدرته على بسط نفوذه في المناطق الخاضعة لسيطرته، من أجل تعزيز أهمية حصار النظام في كافة المجالات.

ويتحتم على المعارضة السورية، دعوة الدول الأوروبية والحليفة، لدعم العقوبات الأمريكية ضد نظام الأسد وداعميه، وسنِّ تشريعات مشابهة لقانون قيصر، خصوصا وأن الشاهد قيصر، قد عرض في ردهات المجلس الأوروبي في بروكسل، جميع ما وثقه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، التي مارسها نظام الأسد في سجونه.

ثمة عوامل أخرى تصب في صالح المعارضة السورية، إن أحسنت توظيفها والاستفادة منها، على رأسها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد، والضربات التي يتلقاها المشروع الايراني في المنطقة، من خلال الثورات والانتفاضات ضده، في كل من العراق ولبنان واليمن، بالإضافة للحصار الأمريكي المشدد على طهران وموسكو.

مجمل هذه العوامل وغيرها، سوف يسهل على المعارضة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع النظام من الإفادة من المناطق المحررة لجهة توفير السيولة من العملة الصعبة، أو تحصيل المشتقات النفطية والمواد الغذائية، والعمل على إحكام الطوق عليه، وصولاً إلى إضعافه وتفتيته.

بهذه الطريقة يؤتي قانون قيصر ثماره، وسيكون أول مسمار يدق في تابوت نظام الأسد، وبداية النهاية لنظام أوقد نار الحرب ليس في سوريا وحدها، بل في عموم المنطقة. لنظام جعل أكثر من نصف الشعب السوري نازحا لاجئا طريدا، ضحية أكبر كارثة انسانية في العصر الحاضر، وحوّل سوريا إلى ساحة دمار، وكومة من الحطام والركام، ناهيك عن مئات آلاف القتلى.

(الأناضول)

القدس العربي

—————————-

 قانون سيزر يفتح بابا للأمل/ عماد بوظو

أخيرا أصبح قانون سيزر لحماية المدنيين السوريين نافذا، وسيدخل المنشق السوري الذي هرّب 55 ألف صورة وثّقت إجرام نظام الأسد التاريخ، لأن صوره أحدثت تحوّلا في الراي العام ساهم في إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم، ورغم ذلك ونتيجة التشاؤم الذي يسيطر على كثير من السوريين بعد سنوات من الصمت الدولي على مأساتهم، فقد شكك بعضهم في جدوى القانون واعتبروه مجرد خطوة إعلامية لن يكون لها تأثير على أرض الواقع، خصوصا منهم أولئك الذين تخرّجوا من مدرسة الأحزاب القومية واليسارية والإسلامية التي نشأت على نظرية المؤامرة.

ولكن الصياغة الدقيقة والتفاصيل التي تضمنها قانون سيزر تشير إلى ما هو أكثر من خطوة إعلامية، فقد شملت معاقبة أجهزة الحكومة السورية والمؤسسات المملوكة أو التابعة لها، وكل الأطراف والأفراد التي تعمل على مساعدتها، والميليشيات التي تقدم لها العون من جمهورية روسيا الاتحادية وإيران، وأي جهة تزوّد أو تبيع الحكومة السورية بضائع أو خدمات أو خبرات تكنولوجية أو معلومات تدعم بشكل مؤثّر إنتاج وصيانة منشآت الحكومة السورية للبترول والغاز ومشتقاتها، وكل من يقدم بضائع أو خدمات تدعم الحكومة السورية عسكريا بما فيها سلاح الجو، وكل من يزوّد هذه الحكومة بمعدات أو مساعدات للبناء والأعمال الهندسية، أو يقدم لها مساعدات مالية كالقروض والحسابات الجارية وحسابات التصدير، كما نص على إغلاق وحظر أي تحويلات أو عائدات من أطراف أميركية أو تعمل للولايات المتحدة للنظام السوري، وفي حال رأت الإدارة أن البنك المركزي السوري قد شارك في غسيل أموال أو أعمال غير مشروعة فبإمكان الرئيس فرض عقوبات عليه.

وشملت عقوبات هذا القانون مجموعة كبيرة من الأشخاص بينهم بشار أسد ومستشاريه وقادته العسكريين والأمنيين والسياسيين، وكل من ساعد في قصف المستشفيات والأسواق ومن فرض الحصار والتجويع على السكان، وفي نفس الوقت نصّ القانون على استمرار المساعدات الإنسانية للشعب السوري، ودراسة جميع الخيارات لمساعدة السوريين المحاصرين، وجمع الأدلة حول من إرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين من داخل وخارج سوريا، وكل من ساعد على حدوثها منذ آذار 2011 حتى الآن.

قال عضو الكونغرس الجمهوري فرينش هيل “إن دعوة الحكومة الأميركية لتجميع الأدلة ضد بشار أسد بالاسم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هو حجر الرحى في هذا القانون”، لأن هذا يجعل محاولة إعادة تعويمه أكثر صعوبة، كما قال السيناتور جيم ريتش، “هذا القانون يرسل رسالة بصوت عال لهؤلاء الذين يريدون إعادة تأهيل أو التطبيع مع هذا النظام المجرم”، وهذان النائبان ليسا سوى مثال لمئات الأمريكيين من أعضاء الكونغرس والسياسيين والقانونيين والناشطين الذين اعتبروا القضية السورية قضيتهم الشخصية، وبذلوا في سبيلها كل ما استطاعوا من جهد.

وبالنسبة للذين يتساءلون هل سيتم تنفيذ القانون، فالولايات المتحدة دولة مؤسسات ليس من السهل عدم إحترام قوانينها، وهناك تحقيق اليوم مع الرئيس نفسه لأنه جمّد المساعدات العسكرية لأوكرانيا لبضعة أيام، ولن يتغير ذلك حتى لو تغيّرت الإدارة الأمريكية، لأن هناك شبه إجماع على الإلتزام به بين الجمهوريين والديموقراطيين حسب نتائج تصويت الكونغرس على القانون، بالإضافة إلى أن هناك تعاطفا عند كثير من الإعلاميين وأعضاء الكونغرس ومراكز الأبحاث وكبار الموظفين الحكوميين مع القضية السورية.

أما من ناحية من يعتقد بأن العقوبات الإقتصادية لوحدها لن تتمكن من إسقاط أي نظام، ويبرهن على ذلك ببقاء نظام صدام حسين 12 عاما بعد إقرار العقوبات، فوضع العراق في ذلك الوقت كان مختلفا، حيث كان صدام هو الحاكم الأوحد للعراق ولديه جيش وأجهزة أمن منضبطة تطيعه، في حين بقاء بشار أسد بالسلطة يعتمد كليّا على إيران وروسيا، وحتى الوحدات العسكرية السورية أصبحت في قلّة إنضباطها أقرب للميليشيا بحيث أصبح بشار أسد واجهة بروتوكولية تستخدمها أطراف إقليمية وداخلية، وأحد أهداف هذا القانون إقناع الروس وغيرهم بأن إعادة تعويم النظام ليست حلا يمكن قبوله.

كما كان سبب فرض العقوبات على العراق إحتلال الكويت الذي كان كثير من العراقيين والعرب يؤيده، بينما سبب قانون سيزر إرتكاب نظام الأسد جرائم حرب وفظائع ضد الشعب السوري نفسه من الصعب الدفاع عنها، كما كان لصدام حسين بنظر أتباعه شخصية قيادية مقنعة، أما بشار أسد فهو مجرد وريث مهزوز الشخصية وغير مقنع حتى بنظر من ربطوا مصيرهم به، وساهم حلفاؤه أنفسهم في ترك هذا الإنطباع عنه عندما وضعوه لعدة مرات في مواقف مهينة.

أما لمن يشكك بجدوى العقوبات الأمريكية عندما تكون أحادية، فما عليه سوى إلقاء نظرة على ما حدث في إيران عندما فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات عارضتها أوروبا وروسيا والصين، دون أن تتمكن جميع هذه الدول من إنقاذ الإقتصاد الإيراني، كما أن من المرجّح أن مواقف بعض الدول الأوروبية ستتبلور قريبا بما يتماشى مع قانون سيزر، ودول الخليج لم يعد بإمكانها بعد هذا القانون القيام بما يخالفه، والصين التي لم تستطع إنقاذ إيران رغم وجود فرص تجارية معقولة فيها ما الذي سيدفعها للمغامرة وإستثمار أموالها في بلد مدمّر مفلس موارده محدودة مثل سوريا.

أما من يقولون أنهم يخشون على الشعب السوري من هذه العقوبات، فالقانون لم يستهدف سوى مؤسسات النظام وتضمّن إستمرار المساعدات الإنسانية، والشعب السوري قبل صدور قانون سيزر لم يكن يعيش في نعيم، فإنهيار الليرة الحالي سبق هذا القانون وسيستمر بعده، ويتحمل مسؤوليتة من دمّر المدن والقرى والمنشآت الإقتصادية بالبراميل، ومن أحرق الحقول وقتل البشر والحيوانات، وكان الأجدى أن تتأثر إنسانية هؤلاء مع صور سيزر التي وثّقت مقتل 11 ألف شاب وفتاة سورية تحت التعذيب وهم لا يشكلون سوى نسبة بسيطة من ضحايا هذا النظام.

ومن المؤكد أن الجالية السورية التي دفعت لإقرار قانون سيزر ستعمل بالتعاون مع أصدقائها الأمريكيين لمتابعة تنفيذه والإبلاغ عن أي مخالفة له، وستعيد بعض الدول العربية التي كانت تراهن مع بوتين على التطبيع مع النظام النظر في موقفها، وسيعيد المعارضون الذين إشتركوا في مؤتمرات أستانا وسوتشي ومعهم حزب الإتحاد الديموقراطي تقييم مواقفهم وسياساتهم، وحتى الموالين من الأفضل لهم اليوم قبل الغد البحث عن حل واقعي للقضية السورية يأخذ بعين الإعتبار التبعات السياسية والإقتصادية لقانون سيزر.

تلفزيون الحرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى