شعر

لقد أُلتِ نجمةً/ ك. ساتشيداناندان

أعرف هذه الأرض

حين أدخلكِ،

فإني أدخل الممرَّ الضيّقَ

الذي فتحه الله أمامي

في معلولا السوريّة.

ولكي أصلَ إلى هناك سرتُ

بمحاذاة التلال الطينية والوديان المندّاة،

بمحاذاة الكلمات والتَّوق والأغنيات.

أنا أعرف هذه الأرض الحمراء الرطبة

ووابلَ هذا المطر.

أحدهم يتعقّبني

بسيف مسلول،

لذلك غذذتُ السَّيْرَ

حتى على هذه البقعة الزلقة.

لا يجب أن تُبصرني

أشجارُ النخيل والجِمال.

يجب أن أبْلغَ الأرضَ على الجانب الآخر

قبل انسدال الليل.

ها أنا أعلو هنا،

إلى قوس قزحٍ

بثمانية عشر لوناً.

ربّاه،

قد بانتْ مشارفُ بلادك.

■ ■ ■

الحب الأول

يشبه الحبُّ الأولُ الأرنبَ الأول:

أعجوبةٌ بنعومة الريشةِ

تتقافز على اخضرارٍ مُخْضَلٍّ بالندى-

مُوَشّىً بأعينِ وآذان اللآلئ..

ليس من السهل ترويضه:

يفرُّ ويختبئ قبل

أن تمدَّ يديك.

يُخيفه عواءُ الغرائز البدئيّة.

حتى إنّ تمتمةَ وُريقةٍ

قد تجعله يلوذ بالصمت،

ووردةً فوّاحةً قد تُحرق أنفه.

وفي النهاية سوف نَحظى به

ونُبهِرُ أعينه بعميقِ الهوى-

نضعه في أحضاننا

ونبدأ بغناجِه،

ثم لا يلبث أن يذوب مثل الثلج.

مجرّد ضوء أبيضَ يرتعش حيث كان

وتتركُ ندْفةُ ثلجٍ واحدةٌ وراءها:

دمعةً متجمّدة.

■ ■ ■

اسم

سألْتِني،

ما اسمُ تلك النجمة.

قلت: لن تُجديَ المعرفةُ الحبَّ.

قد عرفْتني الآن.

سألْتِني

ما اسمُ تلك النجمة.

قلتُ،

تفوح منكِ رائحة القرفة.

سألْتني،

ما اسم تلك النجمة،

قلتُ، فينوس ونجم زهرة المساء

هي أسماؤكِ.

كان المحاربون الذين يخرجون

مهلّلين للمستقبل

يعودون عُمياناً.

ثم نفضتِ عنك كلَّ شيء:

ملابسك، وآلامك،

وعزْلتك.

أدنيتُكِ من شفتيّ:

نخب المستقبل الذي لن يكون أبداً.

لقد أُلْتِ نجمة.

سألتِ،

ما هو اسمي،

قلتُ،

النجمة الأخيرة.

■ ■ ■

الطريق إلى السماء

لا تبحث عن الطريق

إلى السماء في الكتب المقدّسة.

بل سَلْ عنه النباتات والحيوانات

المنقرضة.

الأيتام يعرفونه.

وبعض العصافير أيضاً.

العميان يعرفونه.

وبعض الأحزان أيضاً.

ليست تلك التي في التيجان الذهبية

ما يوصل إلى الجنّة، بلِ

النساء الغاضبات

بأكاليل مصنوعة من الأوراق والـمِزَق.

ثم أيضاً أوراق الكاكايا الناضجة

السَّكْرى بنسيم المساء

إذ تعزف على قيثارتها النحاسية

بينما تطفو وتطير،

قطعان الغيوم التي

أضاعتْ رُعاتَها،

والغبار المتصاعد من أكوام النفايات

محمَّلاً بأحلامٍ مِن ذهب.

ثمّة شجرةُ “حَمْرِيَّة”

في كلّ خطوة إلى الجنة.

بأشواكها

تحاكم كلّ قرن من تاريخ الإنسان،

سَلْ عن أرقام

القتلى ومبتوري الأطراف.

سيكون علينا أن نترك وراءنا

كل العقائد التي كانت أثيرةً إلينا؛

فإجاباتنا تَحولُ دون دخولنا.

في الطريق إلى الجنّة

ثمّة غابات كثيفة من الأسئلة

أخفقْنا في أن نطرحها على الأرض،

شلّالات الغرائز المندفعة

التي قمعناها بلا رحمة،

نفوسنا الصامتة

التي رميناها على جانب الطريق

كي نُرضيَ شخصاً ما.

وإذ لا زمنَ هنا

فإن شَعْرنا لا يشيب في ناره البطيئة،

ولا تترك السنون

آثارَ محاريثها على وجوهنا

ولا ننوءُ تحت وطأة المعرفة.

لا رغبة تؤذي، ولا أملَ يخلفُ الحروق.

لا أبواب من نصف المفتوحة تلك،

لا مقابر تشكو،

لا أرواح تستصرخُ جسداً كي يُعِيدَ انبعاثه.

ها هنا ندْرجُ بخطواتنا الطفولية في وجه

رقصة الموت، ونغنّي بجرأة

الأغاني التي كنّا نخاف أن نغنّيها.

الجنّة

ليست سوى

الحياة التي

لم نعشها أبداً،

ولا نزال خائفين من الحياة.

■ ■ ■

ما أُسمّيه الشعر

شفتاك متوهّجتان.

أقبّلهما، فتصير شفتاي

ظهيرتين لاهبتين.

شفتاك قرصُ عسلٍ سيّال.

أملّسهما، فيُلِحُّ على قلبي

ألفُ دبّور.

شفتاك الفجرُ القرمزيُّ لأحلاميَ

الضائعةِ، إذ تمَسّانِ عينيَّ،

تُبْهر شمسُهما الصيفيةُ رؤياي.

شفتاكِ قوادمُ ريشٍ لاذع.

تنقشانِ اسمكِ

أبداً على جبيني.

شفتاك ريحٌ عاصفةٌ في حزيران.

تعْبرُ جسدي، تستثيرُ في الآنِ ذاته

الغبارَ والماء والشِّعرَ.

شفتاك ذا الساحلُ وذاك.

أدفعُ لساني الواجفَ،

كأنما على سَيْلٍ، بينهما.

شفتاك جناحان أحمران رقيقان.

تُحلِّقُ فوقهما شفتاي

نحو الأزرق السرمديّ.

شفتاك شطآن البحر الأحمر.

أعتمد عليهما في لحظة التأمّلِ،

ناظراً ضوءَ النهار في سَكينة.

شفتاك ولادةٌ وموت.

يختنق بينهما

وجودي.

أعبرُ هذا العالم

إلى العالم الآخر لصْقَ هذَين الجسرين الأحمرين.

شفتاكِ حريرٌ، وردٌ، قوسُ قزح، نسيم،

ماء، خوخ، أرياشٌ، ونشوة.

من بين شفتيك يَطْلَعُ

الحبُّ والنّار والينبوع وَضَوء القمر

والأطفالُ وحليبُ الأثداء.

شفتاك الرغبةُ والفنّ.

وما بينهما نوتاتُ الموسيقى السبع،

المتصاعدة والمتخافتة، وكلّ “راغات” الموسيقى الهندية،

ما سُمّيَ وما لم يُسمَّ منها.

شفتاكِ ألفا وأوميغا،

وبينهما ثمةَ الأبجدية، بكلِّ المفردات.

أنتقي بشفتيَّ بعضَها،

وأجمعُ ما بينها.

ذلك ما أُسمّيه الشعر، وأنتِ تسمّينه الحب.

والحقُّ، إنها الروح، الروح الضاوية

الطالعةُ من نار الجحيم، مسفوعةً:

إنها دانتي، وبول تسيلان، وإيدابيللي.

■ ■ ■

Mon amour1

أعانقك بعينيَّ

وتضمّينني بجروحك

أنضو عنكِ ثيابكِ

تمسحين عنك بقع الدم

أرشفُ شفتيك

فيحرق طعمُك القارص شفتيَّ

أتذوّقُ لسانَكِ

فتلذع حكاياتُك التي اللا تُعَدُّ فمي

أُحرّضُ زهرتي صدرك

تنعين ابنك البعيد

أمرّر أصابعي على بطنك

فتجفلين كمن يستعيد ذكرى اغتصاب

أداعب ردفيك

فتزداد وطأةُ الفرجة في وسطها

أعتصر بَتَلَتَيْكِ بشفتيّ

تذكريني بأولادنا المتيتِّمين

أَدخُل فيكِ

فتصرخين مثل مدينة محاصرة

أرتقي بك إلى أقواس قزح

تصِلين ذروتك في مطر من قنابل

أتكسّرُ وأتشظّى فيكِ

شظايايَ تخترقك

ينزف الحبُّ في السجون.

* شاعر وناقد وكاتب هندي بارز (1948). يكتب بالمالايالامية لغة ولاية كيرلا ويُعتبر واحداً من روّاد الشعر بهذه اللغة. عُرف على صعيد جماهيري بموقفه المناوئ للتمييز الطبقي في الهند، ووقوفه مع قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان والبيئة وانتصاره للقضايا العادلة في مختلف أنحاء العالم وخاصّة قضية فلسطين. وله بالإضافة إلى أعماله الشعرية والسردية مساهمات نقدية مهمّة، في ما يتعلّق بالأدب الهندي المعاصر.

** ترجمة أحمد م. أحمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 استعادة لفيلم آلان ريزناي “حبيبتي هيروشيما”

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى