وجها لوجه

زادي سميث: الفصل العنصري في المدارس الأميركية لم يُلغ

الشيء الوحيد الذي يغيّر الأشياء هو تغيير في التشريع

نالت زادي سميث (لندن، 1975) شهرة واسعة عام 2000 بعد أن أصدرت روايتها “أسنان بيضاء”، وهي الرواية التي حازت بها العديد من الجوائز، لأنها دشنت أسلوبًا جديدًا في الكتابة الروائية، بحسب رأي العديد من النقاد. ومنذ ذلك الحين، صارت زادي سميث تُعدُّ واحدة من ألمع الكاتبات البريطانيات، على المستوى العالمي، تزاوج في أعمالها الأدبية بين الروايات والدراسات.

اضطرها الحجر الصحي للبقاء في نيويورك، حيث تدرّس الكتابة الإبداعية منذ سنوات. وهناك أصدرت كتابها الجديد، الذي جاء ثمرة الأيام العصيبة التي هزت الولايات المتحدة بسبب جائحة كورونا، وكذلك إثر الاحتجاجات الهائلة على مقتل جورج فلويد. وقد اختارت لهذا الكتاب عنوان “تأملات”، وهو يتألف من ستة مقالات قصيرة، لكنها غنية جدًّا من حيث المضمون. إذ تتحدّث فيها عن الولايات المتحدة، ومهنة الكتابة، ودور الفنانين، والرئيس دونالد ترامب، وعن فيروس آخر اجتاح العالم مؤخرًا: الازدراء.

في ما يلي ترجمة كاملة لآخر حوار مع زادي سميث بخصوص كتابها الجديد “تأملات”.                                                                                            (ترجمة: نجيب مبارك)

(*) تقولين إن الكتابة هي وسيلة للسيطرة على ما يحدث. هل نجح هذا الأمر بالنسبة إليك أثناء الحجر الصحي؟

– لا شك في ذلك، فقد ساعدتني الكتابة على تنظيم أيامي والتأقلم مع أحوال الطقس.

(*) أثناء الحبس، كان ثمة إكراه على فعل شيء ما، مهما كان. ألا تبدو الكتابة حقًا مختلفة جدًا بالنسبة لك عن البستنة، أو تحضير الخبز والبسكويت، أو الخياطة؟ وهل ترين أن هذه الأنشطة يمكن أن تكون أكثر إبداعًا؟

– لا أرى فرقًا كبيرًا بين هذه الأنشطة والكتابة. لقد عشت كثيرًا في أميركا، حيث يركز الناس كثيرًا على الكتابة والإبداع كقوى سحرية. وفي الوقت نفسه، فإنّهم يحتقرون كثيرًا تلك الأعمال التي تبدو إبداعية جدًا بالنسبة لي، مثل المهام المنزلية والحرف اليدوية…بالنسبة لي، كلُّ عملٍ يصدر من الدافع نفسه: منحُ شكلٍ جديد لشيء ما. أنا لا أرى فروقًا كبيرة، فكل مَن يفعل شيئًا من أجلي ينتمي إلى مجتمع هؤلاء المبدعين.

(*) تعرّفين الكتابة بأنها شكل من أشكال المقاومة. مقاومة ضد ماذا؟

– مقاومة اللَّامعنى. الكتابة هي وسيلة للإصرار على فهم الأشياء. العالم مكان لا معنى له، إنّه موجود فقط ونحن من يحاول فهمه. الكتابة هي شكل من أشكال المقاومة ضدّ هذا النقص في المعنى، وبالتالي فهي كلُّ شيء.

(*) تصرحين في كتابك بأن فيروس كورونا ليس فيروسًا ديمقراطيًا على الإطلاق…

-إنه ليس تصريحًا على قدر كبير من الأصالة. في هذه المرحلة، من الواضح تمامًا أنّ الفيروس ليس ديمقراطيًا. لكن التمييز الذي يفرضه هذا الفيروس ليس عنصريًا بقدر ما هو اقتصادي. إنّه يفرّق بين مَن يستطيع البقاء في المنزل ومَن لا يستطيع الاختيار بين أنواع العمل المختلفة…

(*) هل يمكن لهذا الوباء أن يدفع الأميركيين لاكتشاف الاختلافات الاجتماعية الهائلة التي لا تزال موجودة في هذا البلد؟

– مخطئ من يعتقد أنّهم لا يرون هذه الاختلافات. طبعًا، إنهم على بيّنة منها، فهم يرونها يوميًا. أيُّ شخص يعيش في الولايات المتحدة يدرك تمامًا هذه الاختلافات الهائلة. إنّها ليست مشكلة نقص في الوعي.

(*) في الواقع، كتابك “تأملات” يشير إلى أنه ما زال هناك فصل عنصري في معظم مدارس نيويورك…

-إنّ الوضع على هذا النحو: لم يحدث أبدًا أن تمَّ إلغاء الفصل العنصري في المدارس. يمتلك الأجانب أحيانًا صورة مشوَّهة عن الولايات المتحدة، لكن الأميركيين يعرفون جيدًا كيف تبدو مدارسهم، وكيف تبدو أحياؤهم.

(*) ثمة تحذير من وباء جديد: الازدراء، والعنصرية. هل هناك فعلا العديد من الأميركيين البيض مصابون بهذا الفيروس؟

– لن أعبّر عن ذلك بهذه المصطلحات القَدَريّة أو الوجودية، خاصة وأنّه في الولايات المتحدة أيضًا هناك العديد من الأميركيين البيض الذين يعانون من الازدراء المطلق: إنّهم فقراء البيض. الازدراء ليس مرضًا عنصريًا غامضًا، إنّه مرض اجتماعي له طرق مختلفة للتعبير عن نفسه، وإحداها العنصرية.

(*) لكن كان ثمة ازدراء هائل عندما قام شرطي بتثبيت جورج فلويد على الأرض وضغط على رقبته بركبته حتى مات اختناقا، أليس كذلك؟

– نعم، لكن هذا أمر معتاد في الولايات المتحدة، تقتل الشرطة الفقراء بشكلٍ منتظم، سواء من السّود أو البيض. إنّه يأمر يتعلّق بالمال والسلطة، وبالأشخاص المحرومين من حقوقهم كمواطنين. وبالطبع، يوجد في الولايات المتحدة العديد من السود المحرومين من حقوقهم، لكنّهم ليسوا وحدهم.

(*) هل تفاقمت الاحتجاجات بعد وفاة فلويد، بسبب اليأس الذي جلبه هذا الوباء للعديد من الفئات الأكثر فقرا؟

– لم أكن حاضرة خلال هذه الاحتجاجات، لكنني رأيت أنّ معظم المتظاهرين كانوا من الشباب وأنّ احتجاجاتهم كانت مختلطة الأعراق تمامًا. أعتقد أنّ هذا الجيل من النشطاء قد فهم أنّ المسألة لم تعد تهمّ جماعة محدّدة، ولكنها قضية تؤثّر على الولايات المتحدة بأكملها وتتعلّق بسلطة الشرطة، وعسكرتها لمدّة 25 عامًا، وازدراء المواطنين.

(*) ربما كانت هذه الاحتجاجات لقاحًا ضد فيروس الازدراء؟

-لا يتعلّق الأمر بخلق الاستعارات. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغيّر الأشياء هو تغيير في التشريع، ومن أجل إحداث هذا التغيير في التشريع، يجب التصويت لصالح حزب ملتزم بالموافقة على مثل هذه القوانين. إنّ لغة الشعر غير مجدية عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع التغيّرات النّظامية. إنّه ليس لغزًا: يمكن التصويت على أنواع مختلفة من السلطة البوليسية، ويمكن الاستثمار أكثر في الخدمات الاجتماعية، ويمكن القيام بالعديد من الأشياء. لكن، أوّلًا وقبل كلّ شيء، هناك حاجة إلى تغيير الحكومة. وهذا ليس معقّدًا للغاية: إذا كان نفس الأشخاص الذين خرجوا للاحتجاج سيصوّتون، فقد يتحقّق هناك.

(*) لكنك أشرتِ في كتابك إلى أنّ الازدراء ليس مسألة ديموقراطيين أو جمهوريين، وأنّه يوجد في كلا الحزبين من يحتقر الذين في وضعية الحرمان الشديد…

– أعتقد أنّه من الخطأ التفكير في هذه الأمور من وجهة نظر شخصية، كما لو كانت خطايا، وكأنّ من يعادي العنصرية قد وصل إلى درجة من نقاء الروح. أنا على الأقلّ لست مهتمّة بالأخلاق الفردية للناس. ما يثير اهتمامي هو أنّ هناك هياكل تسمح للناس بالتصرّف بشكل أقلّ سوءًا ممّا يفعلون. ما يشعرون به سرًا داخل قلوبهم يبدو لي غير ذي صلة. ولكن، إذا توفّرت مدارس يتعلّم فيها أطفالُ كلّ فئات المجتمع معًا، فسيكون لدينا هيكل عادل. إذا كان هناك نظام صحّي يخدم كلا الجماعتين على قدم المساواة، فسيكون ذلك مهمًّا.

(*) كتبتِ أنّك لا تحبين مصطلح “جرائم الكراهية”؟

– في النهاية، كلُّ شيء يعيد إنتاج التسلسلات الهرمية. إذا سألتني، على سبيل المثال، ما أفكّر به بخصوص الانفتاح الثقافي، فما سأقوله هو أنّني دائمًا في موقف أولئك الذين تُسرَق منهم الأشياء، بينما لا تُسرق من البيض، ولا يمكنني أن أستفيد شيئًا من البيض، وهذا مستحيل. هذه الأحاديث، حتى لو كانت حسنة النية، تخلق دائمًا التسلسلات الهرمية، نفسها مرارًا وتكرارًا. يحدث شيء مشابه مع مصطلح “جريمة الكراهية”: لا أحبُّ على وجه الخصوص فكرة أنّ أشخاصًا معينين يمكن أن يتعرَّضوا للكراهية وأن أشخاصًا آخرين لهم مناعة ضدّ الكراهية، وبالتالي يمكنهم فقط أن يكونوا أشخاصًا ممارسين لتلك الجرائم. هذا يثبت باستمرار أنّني لست في المركز، ولكن في الهامش. وأنا لا أرى نفسي كذلك.

(*) أجرت الحوار إريني هيرنانديث بيلاسكو، ونشر في صحيفة “إلموندو” الإسبانية يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ترجمة خاصة عن الإسبانية.

المترجم: نجيب مبارك

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى