شعر

طبيعة ميّتة مع مقصّات وقصائد أخرى/ أكسينيا ميخايلوفا

أعِد لي ما أملك

لا تتّصل بي بعد الآن.

ماذا أقول لك،

غير أنّه مرّت عشرة أعوام

وأنا أعاني من متلازمةِ

مدينةٍ تعرّضت للغزو،

هل تسمع هذه الآبار التي جفّت فعلاً

بينما يتردّد صداها في أعماق عيني؟

ماذا أقول لك،

غير أنّه في آخر مرّة

استقبلني الحيُّ من جديد

مثل عاشق

ثم ضربني يناير بشدّة

وترك آثاراً زرقاء

على أصابعي.

ماذا أقول لك

لقد مرّت عشرة أعوام

وأنا الظلُّ البارد

لشجرةِ الآخر

لكنّك صرتَ أعمى

لأنّ أضواء النّيون

التي تقضي تحتها لياليك

لا تخلق ظلالاً.

الآن صرتُ غابة يغطّيها الثلج

وأنا أحاول إقناع نفسي

أنّ يناير بريء

وأنّ كلّ شيء حدث مصادفة.

لحسن الحظ، ليس للروح جِلد

والآثار الزرقاء

صارت غير مرئيّة.

***

ثم تستمرّ

لا شيء في هذه الحياة يحدث مصادفة،

هل تعتقد أنّك بمشاهدة الظّلال في الحديقة

وهي تستيقظ ظلّين ظلّين،

مع انطلاقة الشمس الأولى،

سوف تغطّيها بعينيك

وتربط عقدةً

من صرخاتك.

لكلِّ شيء في هذه الحياة معنًى

غير مفهوم أحياناً أو غير متوقّع

مثل الأشجار على طول سكّة الحديد:

بعضها يُلقي بنفسه تحت القطارات المُسرعة

وبعضها الآخر يقطعُ اليد التي تودّع

وأنتَ ما تزال مستمرّاً في السياقة

بعقدةٍ في الحلق

رافضاً أن تقبل الأمر:

كلُّ ما سوف يحدُث في حياتك

دَعهُ يحدث.

***

إنهم كُثر

من أين لسراييفو هذا الثلج

في نهاية أيّار؟

يبدو أنّ الطقس اكتسبَ عادات البشر السيئة.

كلُّ شيء يتكرَّر، يقول العجائز في الحانات،

البلقان وريدٌ منتفخٌ

تقطعهُ أوروبا من حينٍ لآخر

لتنقيةِ دمِها القديم.

أهمُّ الأشياء تبدأ في السوق،

في مستهلّ القرن ونهايته، تبدأُ في سوقٍ مضطرب.

مثل فصلِ الرّبيع

الذي يصلُ دائماً هذه الأماكنَ يومَ جمعةٍ

ويختار الحانةَ ذات الموائد المستديرة

حيث معنى كلِّ كلمة يقتُلُ

وهو مرئيٌّ من كلّ الجهات

بينما أيدينا البريئة

تحضنُ سُرَّةَ العالم.

قال الغريب: سنسافر طويلاً

إلى أقرب نجمة،

إلى قاع الوادي.

فعلاً، كنّا نرى المدينة البيضاء،

بطنَ السلحفاة – السّاحة المركزية

والأبراج، وهي تثقبُ الظهيرة المستديرة

ولكن عندما وصلنا

لم تعُد هناك المدينة

وجدنا قماشاً ضارياً وفارغاً بشكلٍ وحشيّ.

قال الغريب: يجب أن نستوطنَ العالم من جديد

على ضفّة النهر الأكثر اخضراراً،

حيث يزرع النّاس الأشجار في الصباح

ومساءاً يغرقون في ظِلالهم.

***

تنظيف عيد الفصح

مساءٌ بطيء،

إنّها تمطر فوق الصّفحة الثامنة عشرة من الكتاب:

دَمْعُ الرجال!

المطر يغسل الغبارَ

ورفوفَ الروح،

الغضبَ

وزوايا العَجز:

إنّها تمطر كلماتِ الشعراء الموتى.

وبما أنّ النساء يعرفن

أنّ الحقائق كثيرة

فهنّ يصمتن،

يلدغن شفاههنّ وينظرن

إلى الجبل الّذي يهبط إلى المدينة

في نهاية أبريل

ويحوِّلُ المطر

إلى رقاقات ثلجٍ متردّدة:

دَمعُ السناء.

يرفعن أيديهن بالصّلاة،

يقتربن خطوةً إضافية

نحو الله.

***

طبيعة ميّتة مع مقصّات

هذا الرّجل يغادر المدينة

في الصّباح المُمطر

وهو يلفُّ قلبه في معطفٍ واقٍ

ويخفي ممحاةً في يده.

من حين لآخر يمحُو

رؤيةَ ذلك الجمَلِ في مرّاكش

يركع على حافّة السرير

حيث قمرٌ مبلّل بالكامل

يُرضعُ نفادَ صبرهِ،

بينما يسمعُ نحيبَ الجِرار على طول الممرّ

وتحذيرَ آلةِ خياطةٍ

مَنفيةٍ تحت الدّرج الخشبي.

ينزل إلى الشّارع المرصوف بالحصى

وفي جيبه مفتاحٌ حارقٌ

يلقي نظرة أخيرة

على المنزل

حيث، من فرط جهلها،

لا تزال الوردةُ نائمةً مع المقصّات

جنباً إلى جنب.

لكنّ المطر هتكَ ستائرَ الفصول

وغمرَ القُفل.

***

لقد مرَّ يوم الإعلان

على مرأى من الغُراب

كان الحيُّ بلونٍ أبيض فاحش

في أواخرنهاية يونيو.

امرأةٌ تسقي الزّهورَ وتشاهد

من بعيدٍ انعكاساتٍ سوداءَ وباهرة

لطائرٍ في القفص

علَّقه طفلٌ على الشرفة المقابلة.

في أحد الأيام، سوف ينسى الطفلُ

إغلاقَ باب القفص.

في أحد الأيام، سوف تعبُر المرأة

الجدارَ الزجاجيّ الوحيد لصندوقها الخرساني

وسوف يلتقيان في اللّانهاية

الّتي تشغل خمسة أمتارٍ بين عمارتين:

عندما يُلقي شخصٌ بنفسه في الفراغ

يَبني له الله جسراً

يقذفُ له سلّماً

أو يُرسل له طائراً.

ولكن، هل يمكننا الخروجُ من منظرٍ طبيعي

محفورٍ في

عينِ غرابٍ محنَّط؟

****

أكسينيا ميخايلوفا شاعرة ومترجمة بلغارية، ولدت يوم 13 أبريل/نيسان 1963 في راكيفو ببلغاريا. درست الفيلولوجيا السلافية في جامعة صوفيا، وفي عام 1990 عملت على إصدار أول صحيفة أدبية في بلغاريا بعنوان “آه ماريا”، ومن عام 1994 إلى 1998 عملت لدى دار النشر “بارادوكس”. قامت بترجمة أكثر من 30 كتاباً إلى اللغة البلغارية، منها أعمال لجورج باتاي، جان جينيه، فينوس خوري- غاتا، سيلفي جيرمان وألكسي جيني، كما نشرت مختارات من الشعر الليتواني واللاتفي.

نشرت أربع مجموعات شعرية باللغة البلغارية (“حشائش الحلم” 1994، “قمر في قمرة فارغة” 2004، “فصول ثلاثة” 2005، “أقرب طبقات السماء” 2008)، وقد ترجمت إلى 13 لغة أوروبية، بالإضافة إلى التركية والصينية واليابانية. فازت مجموعتها الشعرية “سماء للخسران”، المكتوبة باللغة الفرنسية، بـ”جائزة غيوم أبولينير” المرموقة عام 2014. وفي مايو/أيار 2019، أصدرت ديوانها الثاني بالفرنسية عن دار “غاليمار” الشهيرة بعنوان “قُبلة الزمن”، وهو الكتاب الذي اخترنا أن نترجم منه هذه النصوص.

 ترجمها عن الفرنسية: نجيب مبارك

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى