سياسة

ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟ -مجموعة مقالات-

حول لقاء فيدان – مملوك في موسكو ومصير ثلاثي أستانة/ بكر صدقي

لا يمكن تحميل اجتماع موسكو بين رئيس مكتب الأمن القومي الأسدي علي مملوك ورئيس جهاز الاستخبارات القومي التركي هاكان فيدان دلالات تشير إلى بداية تطبيع علاقات محتملة بين تركيا والنظام الكيماوي. ليس لأن هذا التطبيع غير وارد لأسباب مبدئية، بل لأن شروطه غير متوفرة، ولا يبدو أنها يمكن أن تتوفر في المدى المنظور. فلا الحرب قاربت على نهايتها، ولا مسار سياسياً يمكن التعويل عليه بما يسمح بعودة ملايين السوريين الموجودين في تركيا ثمن الحد الأدنى لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

مع ذلك، استطاع لقاء رجلي الاستخبارات المذكورين أن يستقطب اهتمام الإعلام بوصفه “أول لقاء معلن على هذا المستوى” بين الخصمين اللدودين. فقبله لم تتوقف اللقاءات على مستوى أجهزة الاستخبارات “كلما اقتضت الحاجة” حسب تعبير المسؤولين الأتراك. وهي لقاءات “فنية” إذا جاز التعبير، وليست سياسية، لا بد أن تجري بين الخصوم في حالات الصراع. أما بالنسبة لمملوك وفيدان، فلا نعرف ما إذا كانت لقاءات أخرى تمت بينهما ولم يعلن عنها. وهذا غير مهم، على أي حال، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اللقاء المعلن هدفه إعلامي أكثر من ضرورته الفنية أو السياسية، بالنظر إلى أن الطرفين يقفان، في الصراع الدائر، على خندقين متقابلين، لا يجمعهما إلا علاقتاهما مع روسيا التي تبدو هي المستفيد الوحيد، إعلامياً، من هذا الاجتماع.

غير أن ثمة تطابق في موقفي النظام وتركيا في نقطة واحدة هي الموقف من “وحدات حماية الشعب” أو “قوات سوريا الديموقراطية” التي تحاربها تركيا، ويهددها النظام الكيماوي من غير امتلاك القدرة على تحويل تهديداته إلى حرب. وإذا تركنا جانباً تصريحات الجانب الأسدي حول فحوى الاجتماع، أي أن مملوك طلب من محاوره التركي أن تنسحب القوات التركية من الأراضي السورية، يبقى أن الأرضية التي يمكن أن يتفقا عليها هي اتفاق أضنة الذي لا تكف موسكو عن التذكير بوجوب إعادة العمل به، ولم يتنصل منه نظام دمشق، وقد ترغب أنقرة في إعادة النظر بنصه بما يتسق مع الأوضاع المستجدة.

واتفاق أضنة، كما نعرف، موضوعه هو مكافحة حزب العمال الكردستاني، أي تنظيم العلاقات الأمنية والحدودية بين الدولتين بما يستجيب للهواجس الأمنية التركية. أما في الشروط القائمة اليوم، فلا قدرة لدى النظام الكيماوي على ضبط الحدود المشتركة بما يلبي الهواجس المذكورة، الأمر الذي تولته القوات التركية بنفسها – مع الفصائل التابعة لها – في مناطق عفرين و”درع الفرات” و”نبع السلام”، في حين قضى الاتفاق الروسي – التركي بتولي الإمساك بأمن الحدود شرق منطقة “نبع السلام” وغربها من قبل روسيا والنظام. لكن عدم كفاية القوات الروسية والأسدية في تلك المناطق التي انسحب منها الأميركيون وقوات “قسد”، يتطلب تنسيقاً أمنياً بين النظام وتركيا، لعله كان أحد البنود “الفنية” في اجتماع موسكو. وعلى العموم، يمكن القول إن كلاً من النظام وتركيا لهما مصلحة مشتركة في تحجيم قوات “قسد”، ولا مانع لدى تركيا من أن تتولى قوات النظام هذه المهمة. فقد سبق للرئيس التركي أن عبر عن ذلك بخصوص وضع منبج، فقال إن “الأرض أرضهم” (يقصد النظام).

ما يبدو توافقاً بين النظام وتركيا ضد الخصم المشترك “قوات سوريا الديموقراطية” المتحالفة مع ما تبقى من القوات الأميركية، سيتحول إلى تناحر صريح في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها. فوقف إطلاق النار الذي أعلن عنه بوتين وأردوغان، على أن يبدأ في 12 من الشهر الجاري هناك، سرعان ما انهار بسبب اشتداد القصف الروسي – الأسدي على مختلف مدن وبلدات تلك المناطق، وأدى إلى أعداد كبيرة من القتلى بين المدنيين وموجات نزوح جديدة باتجاه الحدود التركية المغلقة في وجه الفارين.

وهدد الرئيس التركي بتولي مواجهة الهجوم العنيف بصورة مباشرة، بعد أيام قليلة على لقاء مملوك – فيدان. بل إن الفصائل المدعومة من تركيا تلقت دعماً بالأسلحة، وفقاً لتقارير صحفية، أتاح لها مواجهة قوات النظام وتكبيدها خسائر كبيرة. وآخر الأخبار، بهذا الخصوص، تتحدث عن اجتماع عقده هاكان فيدان مع قادة الفصائل السورية التابعة لأنقرة في إطار سياسة المواجهة العسكرية مع النظام وروسيا في منطقة خفض التصعيد. الأمر الذي يشير إلى أن روسيا وتركيا ليستا على الموجة نفسها بخصوص إدلب على الأقل. من المحتمل أن الخلاف التركي – الروسي هذا يمتد إلى ليبيا أيضاً حيث لم يستجب الجنرال خليفة حفتر لنداء أردوغان – بوتين، ولا لمخرجات مؤتمر برلين بشأن وقف إطلاق النار.

فإذا أضفنا حالة الجمود التي أصابت اجتماعات “اللجنة الدستورية” في جنيف أمكننا القول أن التنسيق التركي – الروسي في سوريا هو في أسوأ حالاته، بخلاف المظاهر. في حين ابتعدت إيران عن الصورة تماماً بعد اغتيال الأميركيين لقاسم سليماني، وهي الآن مشغولة أكثر بمواجهة تحديات الساحة العراقية أكثر من اهتمامها بالصراع في سوريا أو مسار أستانا.

هل معنى مجموع هذه المعطيات هو أن مسار أستانة الثلاثي في طريقه إلى الزوال، لتحل محله التناقضات بين أقطابه، أي بين تركيا وروسيا من جهة أولى، وبين إيران وروسيا من جهة ثانية؟

لن أتسرع بالتبشير بهذا المآل، فحتى تأخذ التناقضات البينية المذكورة مداها وينهار مسار أستانة، لا بد من وجود جهة أخرى مستعدة لقطف هذه الثمرة الناضجة، أي الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءَها الغربيين. وهو ما لا يمكن المراهنة عليه بالنظر إلى غياب استراتيجية فاعلة لدى الأميركيين في الصراع السوري، إضافة إلى وضع الرئيس ترمب الذي تبحث واشنطن مصيره، والسنة هي سنة انتخابات رئاسية. 

تلفزيون سوريا

——————————

مُتوسّط مضطرب

مايكل يونغ

يوضح مارك بييريني، في مقابلة مع “ديوان”، طبيعة المناورات التركية والأوروبية في ليبيا وفي البحار قرب اليونان وقبرص.

مارك بييريني باحث زائر في مؤسسة كارنيغي- أوروبا، حيث تركّز دراساته على التطورات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي. عمل بييريني كدبلوماسي متمرّس في الاتحاد الأوروبي من كانون الأول/ديسمبر 1976 إلى نيسان/إبريل 2012، وكان سفيراً ورئيس وفد لدى تركيا (2006-2011)، وسفيراً في تونس وليبيا (2002-2006) وسورية (1998-2002) والمغرب (1991-1995). كما شغل منصب المنسّق الأول للشراكة اليورو- متوسطية من 1995 إلى 1998، وكان المفاوض الرئيس لإطلاق سراح الرهائن البلجيكيين من ليبيا من 2004 إلى 2007.

أجرت “ديوان” مقابلة مع بييريني في أواسط كانون الثاني/يناير للاطلاع على رأيه حيال المنظور التركي والاوروبي للوضع في ليبيا. وهذا الحوار يتساوق مع المقابلة الأخرى التي أجريناها مع جلال هرشاوي والتي نشرناها في “ديوان” الأسبوع الماضي.

مايكل يونغ: ما الأسباب التي حدت بتركيا، التي لديها أصلاً حضور عسكري في سورية، إلى إبداء الاستعداد لإرسال المزيد من القوات إلى ليبيا، في خضم ما قد يكون حرباً بالواسطة طويلة ومديدة؟

مارك بييريني: ألحظ وجود أسباب عديدة تدفع إلى مثل هذا التموضع: أولاً، كان لدى تركيا عقود كبيرة في ليبيا حين اندلعت الانتفاضة العام 2011، وبالتالي فهي تنوي العودة إلى البلاد لمواصلة لعمل كالمعتاد فيها. ثانياً، المشير حفتر والجيش الوطني الليبي الذي يقود يحظى بدعم مصر. وهذا سبب آخر يحفز تركيا على اتخاذ موقف معاكس، لأنها ومصر متنازعتان بحدة حيال جماعة الإخوان المسلمين. ثالثاً، وهنا الأهم، أن التدخّل العسكري في ليبيا يسير جنباً إلى جنب مع السردية القومية العنيقة التي يتردد صداها الآن على نطاق واسع في تركيا، والتي تستند إلى ذكريات الوجود العثماني في ليبيا. ثم أن التموضع العسكري في هذه الأخيرة، يّعزّز فكرة “تركيا القوية” القادرة على الدفاع عن مصالحها وعلى استعراض قوتها في منطقة نفوذها السابق. بيد أن هذا أمراً من السهل التداول به، لكن من الصعب تحقيقه على أرض الواقع.

يونغ: فرنسا تدعم قوات خفتر في ليبيا، لكن، ما حسابات الفرنسيين، والأوروبيين عموماً، من خلال التدخّل في النزاع الليبي؟

بييريني: يوصف الموقف الفرنسي عموماً بأنه داعم لحفتر. لكن في الواقع تحبّذ فرنسا والاتحاد الأوروبي برمته تسوية متفاوض عليها برعاية الأمم المتحدة. فشركات الطاقة الأوروبية- وليس فقط الفرنسية- كالشركات البريطانية والهولندية والألمانية والإسبانية والإيطالية، لها مصالح طاقة ضخمة في ليبيا. وفي الوقت نفسه، العديد من هذه الشركات حريصة على الاشتراك مع السلطات الليبية في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ومثل هذه الأهداف لا تُخدم على نحو ملائم سوى عبر تسوية سلمية أولاً في ليبيا.

يونغ: كيف تتوقّع أن تتدبّر تركيا وروسيا أمر علاقتهما، فيما هما يدعمان طرفين متنازعين في الصراع؟

بييريني: كما رأينا في 14 كانون الثاني/يناير في موسكو، غادر حفتر من دون أن يوقّع على اتفاقية وقف إطلاق النار التي اقترحتها تركيا وروسيا، بسبب مشاركة تركيا في مراقبة مرحلة مابعد وقف إطلاق النار. وتلا ذلك تهديد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”تلقين حفتر درساً”. وهكذا، انتهى الاجتماع بعداء شخصي بين حفتر وأردوغان، ما يؤدي بطريقة ما إلى تجميد مواقف كلا الطرفين، والأهم أنه يترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمرة القيادة. وكما يجري إلى حد كبير في سورية، تتسامح روسيا مع النشاطات التركية، لكنها هي التي ترسم معالم االخطوط الحمر.

يونغ: وقّعت تركيا وليبيا اتفاقاً ثنائياً يُحدّد نطاق منطقة بحرية واسعة في المتوسط. كيف سيؤثر ذلك على مصالح تركيا في الغاز، وكذلك على علائقها مع قبرص واليونان، وهل تتوقعون أنتم اندلاع نزاع هناك؟

بييريني: يجب اعتبار خطوة تركيا لإعادة تعريف الحدود البحرية بمشاركة ليبيا خطوة من جانب واحد. والواقع أن حكومة الوفاق الوطني لاتسيطر على الشاطئ الشرقي من البلاد الذي يوجد قبالة المنطقة التركية. ولذلك، الهدف هنا هو إجبار بلدان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على إعادة فتح المحادثات حول الحدود البحرية في شرق المتوسط. وهذا يتساوق مع عمليات التنقيب عن الغاز حول قبرص التي تقوم بها سفن تركية بمؤازرة ومواكبة عسكرية. صحيح أن قبرص واليونان تتمتعان بدعم كامل من الاتحاد الاوروبي، إلا أن هذا لن يكون كافياً لوقف الخطوات التركية الاقتحامية.

أنا أقارب الخطوات التركية بوصفها جهداً للإحراج يستهدف فرض مفاوضات على بلدين أوروبيين على الأقل هما اليونان وقبرص حول الحدود البحرية وحول حقوق التنقيب، وإن أمكن تقويض مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط إسرائيل مباشرة باليونان وإيطاليا. السياسات المحلية تلعب دوراً رئيساً في هذه المجال، لكن من المشكوك فيه أن يكون الجيش التركي قادراً على تحمّل وطأة مجابهة حقيقية مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، إذا ما وصلت الأمور إلى هذه المرحلة.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

———————————–

حرية أم ارتزاق ؟!/ ميشيل كيلو

من حق تركيا أن ترسل قواتها إلى حيث تعتقد أنها تخدم مصالحها، وليس من حقنا رفض ما تقرره، ما دمنا لسنا طرفا فيه، ولا نتأثر به. ومن حق رئيسها أن ينتزع دورا خاصا بها في نظام دولي جديد يتخلق في منطقتنا والعالم، ويريد احتلال موقع فيه، وإن أدخل بلاده في تجاذبات تتصل بالأدوار التي يريدها لها، وبردود الأفعال على ما قرر اقتطاعه من  مساحات جغرافية وسياسية في البحر المتوسط، الذي لا يستبعد أن ينقلب التنافس عليه إلى صراع يبدو أن أردوغان قرر خوضه، لاعتقاده أن بلاده تمتلك فائض قوة يمكّنها من فرض أجندتها في صراع الإرادات الذي استعر بين دول البحر الابيض المتوسط، بعد اتفاقه مع الرئيس فايز السراج على تقاسم ما فيه من غاز، لم تعد أنقرة تطيق أن يقتصر نصيبها منه على رائحته وحدها، وخلو شواطئها منه في ظل امتلاء بحر الآخرين به، بمن فيهم المجاورين لتركيا.

وكان رئيس تونس الراحل بورقيبه قد أصيب بقلق مماثل لقلق الرئيس أردوغان، وهو يتأمل بحسد وفرة نفط الصحراء في ليبيا والجزائر، وخلو تونس منه، وحين طالب بجزء من صحراء ليبيا، وسمع قرقعة سلاح جيش المليون شهيد الجزائري عبر الحدود، صاح بيأس: يعني تونس وحدها طاحت من السما بلا صحرا! ولو قيض لرئيس أنقرة أن يعبر عن موقفه من خلو تركيا من الغاز لصاح بغضب: يعني تركيا وحدها طاحت من السما ببحر بلا غاز!

ليس من حقنا رفض سياسات الآخرين، إذا لم نتأثر سلبيا بها، وتهدد أمن وسلام العالم. وليس من حق غيرنا أيضا أن يزج بنا في حرب اقتصادية يريد لنا خوضها بوسائل عسكرية، نيابة عنه، ويعلم الله وحده إن كانت ستنتهي خلال قرننا الحالي، وكم مليون إنسان سيقتل فيها، ومن هي الأطراف التي ستخوض معاركها إلى جانب تركيا ومصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا وإيطاليا وتونس والجزائر والسودان وأميركا… الخ، وهل ستكون حرب الأعوام التسعة السورية مقارنة بها غير مجرد مقبلات خفيفية تسبق عادة الوجبات الثقيلة، والدليل وصول طباخين سوريين إلى فرنها الذي ستلتهمهم نيرانه، إن كانوا من الناجين من أفران صيدنايا وحمص والجوية والعسكرية …الخ، لكنهم ذهبوا، أو أرسلوا، إلى حرب لا شأن لهم بها، ولن ينالوا منها غير ضياعهم بين أرجل جبابرة لن يتردّدوا في حرق الأخضر واليابس بأجسادهم، ومواجهة كل واحد منهم بعشرات المرتزقة الدوليين، الذين تدفق آلاف منهم إلى ميدان القتل الليبي.

لا يقترب الحلّ من سورية، فهل سئمت الحرب تحقيقه، وقررت الهجرة إلى ليبيا، حيث سيبلغ التدمير حدوده القصوى بالأسلحة التي دمرت سوريا، بعد أن جربها جيش ومرتزقة بوتين فيها، وأعادت معظم مناطقها إلى العصر ما قبل الحجري، مع أنها لم تترك فيها حجرا على حجر؟ وهل أخذت الحرب معها إلى ليبيا المنكوبة بقايا الدم السوري، الذي نزف إلى أن صار شحيحا، وتحتاج سوريا إليه، كي لا تهزم الثورة بالسلاح أو بالحل، ويخرج الشعب، الذي قدم مليون شهيد على مذبح حريته صفر اليدين من معركته لاستعادة وطنه من غاصبيه، الذين لن يقروا بحقه في تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، إذا ما تخلى الذاهبون إلى ليبيا عن مكانهم على خط النار، وتحولوا إلى مرتزقة يتخلون عن قضيتهم،  ويذهبون إلى حرب لا ناقة لشعبهم فيها ولا جمل، ترسلهم إليها جهة غير سورية، ليخوضوا حربا لم يقرروها، طرفها الآخر شعب ليبيا، الذي يحتاج إلى مساعدته على نيل حقوقه، عبر حل يحقق له ما نطالب نحن أيضا به من حرية وعدالة وحكم قانون، بدل أن ننخرط في حرب عليه لن يترتب عليها غير تكثيف آلامه، وانتهاك حياته، وتدمير وطنه، فهل من أجل هذا قامت الثورة السورية؟ وهل يجوز أن نسكت على المشاركة في حرب هدفها شعب عربي ليس، ولا يجوز أن يكون، عدوا لنا؟ وهل ممثلونا الرسميون موافقون على هلاك من بقوا أحياء من شباب سوريا، أم هم خائفون من إعلان موقفهم، وفي هذه الحالة: على ماذا يخافون؟ وهل فقدوا الجرأة على مطالبة تركيا بإرسال جنودها وضباطها إلى حرب قرر رئيسها خوضها، ويخشى أن يرسلهم إليها، لاعتقاده أنهم سيواجهون أخطارا ستكون لها ارتدادات انتخابية سلبية عليه؟

هل نسي الممثلون أنهم لا يسيطرون إلا على قرابة ١١ بالمئة من مساحة وطنهم، ويحتاجون إلى كل سوري للدفاع عن ملايين المواطنين العزل المحاصرين فيها، ويتعرضون للتهجير والقتل اليومي؟ وهل نسي الذاهبون أن الحرية هي هدف الثورة السورية، وأن معركتها تستهدف كل من ينتهكها، في بلادنا وأي بلاد، وأن الثوري لا يعتدي على من يطالبون بها ويضحون من أجلها، وأن ما يجب ان يجمعه بأهلها هو الدفاع عنهم، وليس الفتك بهم، واجتياز البحار لقتلهم.

أيها السادة، انتبهوا، فقد صرنا على مشارف تطور سيجبرنا على ان نقول في فترة غير بعيدة: وداعا يا حلمنا الجميل، وداعا يا ثورة الحرية!

بروكار برس

——————————————

تركيا في لعبة المرتزقة/ عائشة كربات

في الوقت الذي تلعب فيه الولايات المتحدة دور مثير الشغب في منطقتنا، جاء الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الذي يريد على ما يبدو وضع نفسه كعامل استقرار على الرغم من مساهمته الكبيرة في الفوضى التي نعانيها، إلى تركيا الأسبوع الماضي للمساومة بشأن سوريا وإدلب وليبيا والعلاقات الاقتصادية الثنائية التي هي في السلة نفسها الآن.

وصل إلى اسطنبول من زيارة في اللحظة الأخيرة إلى دمشق حيث زار المسجد الأموي. ذكّرت هذه الزيارة بوعد نظيره التركي رجب طيب أردوغان عام 2012 بالصلاة هناك في محيط خالٍ من الأسد. حسناً، للتأكيد على من له اليد العليا قبل الصفقة، كان ذلك بمثابة تكتيك.

تكتيك آخر من بوتين هو تصعيد الوضع في الميدان قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات. لهذا السبب ازداد التوتر في إدلب واكتسب الجنرال خليفة حفتر في ليبيا المزيد من الأراضي. في كلتا الحالتين، فقدت الكيانات المدعومة من تركيا مكتسبات على الأرض. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، المفاوضات الدولية على وشك أن يتم تنظيمها ويريد الروس تقديم أنفسهم كصانعي سلام. لذا حثّ أردوغان وبوتين على وقف إطلاق النار في ليبيا وإدلب.

تركيا جديدة نسبيًا في هذه اللعبة ولكنها تتعلم بسرعة. حتى الانتفاضات العربية في عام 2011، كانت أنقرة فخورة بالحفاظ على مسافة متساوية من أطراف النزاعات الإقليمية. لكن الآن، لا تتردد في التورط في المشكلات بالوسائل العسكرية لأن أنقرة علمت أن القوة الصلبة تعمل.

يبدو أن أردوغان يريد تنفيذ الدرس الذي استخلصه من سوريا في ليبيا، وحصل على إذن من البرلمان لإرسال قوة عسكرية إلى ليبيا.

يجب أن تقف أنقرة بقوة وراء حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة من أجل الدفاع عن حقوقها في منطقة البحر المتوسط. لأنه حتى الآن، تحاول جميع البلدان الرئيسية الأخرى في بلاد الشام؛ مصر وإسرائيل واليونان مشاركة البحر على حساب حقوق تركيا الطبيعية عن طريق استبعادها.

كيف ولماذا أصبحت تركيا في هذه المرحلة أمر مفتوح للنقاش؟ لكن المخرج الوحيد المعقول من هذا الموقف كان توقيع الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، في الأيام الأخيرة من 2019، والآن مصالح تركيا الحيوية في منطقة المشرق العربي تعتمد على بقاء هذا الاتفاق الذي يتطلب صد الجنرال خليفة حفتر المدعوم من الإمارات ومصر بشكل أساسي.

لكن هناك درساً آخر تعلمته تركيا من التجربة السورية؛ هناك حدود للجيش النظامي، أخلاقياً وجسدياً في حرب غير تقليدية كما في سوريا. كما أنه ليس من السهل العمل في بلد ليس لتركيا حدود برية فيه.

في ظل هذه الظروف، تم تطوير فكرة من قبل أحد كبار مستشاري الرئيس التركي العميد المتقاعد عدنان تانفيردي. وهي إرسال المرتزقة إلى ليبيا.

في هذا الصراع الدامي الذي نواجهه في هذه المنطقة، أصبح استخدام الوكلاء والمرتزقة، للأسف، هو القاعدة. إنها أقل تكلفة. ونعم، هناك العديد من الشبان في منطقتنا الذين يعتقدون أنه ليس لديهم ما يفعلونه سوى الموت.

لقد دعمت تركيا حتى الآن المعارضة السورية في معركتها ضد النظام، لكنها لم ترسل مرتزقة إلى أي مكان آخر، على عكس ما تفعله الإمارات ورسيا في ليبيا. ولكن هناك الآن شائعات قوية لا تُنكرها أنقرة ولا تؤكدها بأن تركيا ستنقل بعض الرجال المسلحين من إدلب إلى ليبيا.

مثل هذه الخطوة سوف تعلق كل من الكفاح في ليبيا وسوريا على الإطار الجهادي المتطرف وتساعد فقط حفتر والأسد، الذين يجادلون بأنهم يقاتلون ضد المتطرفين نيابة عن بقية العالم. مثل هذا التراجع الإضافي للشرعية الدولية لكلا السببين، وهو منخفض للغاية أصلاً في سوريا، لا يمكن أن يحقق أي شيء. يجب أن نضع في اعتبارنا أنه في نهاية اليوم، سيتم توزيع الاتفاق النهائي على الطاولة، والشرعية هي المتطلب الأول للفوز.

ومع ذلك، لا يزال هناك مجال للتفاؤل، فقد وافق بوتين وأردوغان على وقف إطلاق النار في كلا البلدين وإذا تحقق إطلاق النار في ليبيا قد يجمد إرسال مرتزقة مسلحين إلى هناك. يمكن أن تكون استقالة مستشار أردوغان، الذي كان يروج لإرسالهم، علامة على ذلك. علاوة على ذلك، إذا نجح وقف إطلاق النار في ليبيا، فلن يكون من الخطأ توقع صفقة جديدة في إدلب بين أردوغان وبوتين، لأن هاتين المسألتين مترابطتان الآن.

هل يريد شعب سوريا وليبيا هذا الترابط؟ هذا سؤال لا أحد يسأله.

—————————————–

لقاء رئيس المخابرات التركية بقادة فصائل المعارضة السورية: هل مات اتفاق سوتشي؟/ منهل باريش

أكدت مصادر عسكرية قيادية في الجبهة الوطنية للتحرير لـ”القدس العربي” اجتماع قادة فصائل المعارضة السورية في منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي مع مدير المخابرات الوطنية التركية، حقان فيدان، الخميس، في العاصمة أنقرة.

وحضر اللقاء وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، اللواء سليم إدريس، ونائباه، عن منطقة إدلب، العقيد فضل الحجي القائد للجبهة الوطنية والقائد العسكري لفيلق الشام ونائبه في منطقة ريف حلب الشمالي والرقة العميد عدنان الأحمد. وحضر كذلك جميع قادة الفصائل المشكلة للجبهة الوطنية للتحرير في إدلب وقادة فيالق الجيش الوطني وفصائله الكبرى.

وذكرت المصادر العسكرية، أن الوفد التركي أعرب عن قراره دعم فصائل المعارضة من أجل الصمود في وجه “هجوم النظام”. ويأتي الاجتماع في مسار زيادة الدعم العسكري التركي لفصائل المعارضة إثر خرق النظام وحلفائه لنظام وقف إطلاق النار الذي أعلنه الضامنان في مسار أستانة الروسي والتركي في 10 كانون الثاني (يناير) الجاري.

وترغب تركيا بإرسال إشارات سياسية لروسيا من خلال تكثيف الاجتماعات بقادة الفصائل العسكرية، حيث يدلل لقاء الرجل القوي في تركيا والوعود بدعم الفصائل في وجه النظام على خيارات أنقرة في حال استمرت العملية العسكرية في إدلب. ويأتي توسيع أعداد المدعوين كنوع من أنواع الدعم المعنوي للفصائل جميعا بهدف الثبات على الأرض. ويعتبر اللقاء الموسع هو الثالث من نوعه بين مسؤولي الملف السوري في جهاز المخابرات الوطنية التركية في أقل من عشرة أيام، عدا عن الاجتماعات المغلقة والضيقة والتي تقتصر على المقربين من أنقرة. ورغم إشاراته إلى الدور السلبي الكبير لـ”تحرير الشام” ووصفها بالمنظمة الإرهابية التي تعيق تنفيذ التفاهمات، فإن المسؤول التركي لم يفضل الإغراق بالحديث عنها، ونوه إلى ضرورة القضاء عليها.

ويحدث ذلك بالتزامن مع ارتفاع حدة القصف الجوي الروسي واشتداد المعارك في أقصى شرق محافظة إدلب، حيث فشل النظام السوري في اقتحام محور قرية تلخطرة مرة أخرى فيما استطاعت الجبهة الوطنية للتحرير تثبيت نقاطها في تل مصيطف الاستراتيجي في المنطقة والتقدم في المزارع المجاورة فيما فشلت في إحراز خرق إلى الجنوب من ذلك المحور في قرية حلبان التي تعتبر عقدة الطرق الأهم. فهي تربط الطريق الواصل بين ريف سراقب الشرقي وسنجار (شمال -جنوب) وتقع على الطريق الواصل بين أبو الظهور ومعرة النعمان (غرب – شرق) في الثلث الأقرب إلى الأولى.

واستمرت سرايا (م/د) من تدمير مزيد من العربات والآليات لقوات النظام ولواء القدس الفلسطيني الذي يعتبر الميليشيا الروسية الأبرز التي تقاتل إلى جانب قوات النظام على جبهات ريف إدلب الشرقي، وهي الميليشيات التي سقط منها أكثر من 120 قتيلا خلال الأسبوعين الماضيين عدا عن قتلى قوات النظام السوري.

وشن الطيران التدريبي نوع “لام-29” هجوما مكثفا على الطرق الرئيسية في الشمال السوري، وقام باطلاق صواريخ “C-8” بهدف فرض حظر تجول على المدنيين في المدن والنازحين إلى الشمال السوي، وتعطيل خطوط الإمداد إلى الجبهة وتعطيل حركة سيارات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني التي تقوم بإخلاء الجرحى والقتلى من تحت الأنقاض.

وركزت القاذفات الروسية قصفها على ريف حلب الغربي، بينما انحصر عمل الطيران المروحي على قصف ريف إدلب الجنوبي والشرقي بالبراميل المتفجرة حيث قصفت كفر روما واحسم وحاس وكنصفرة، وارتفعت أعداد الضحايا المدنيين بشكل كبير الأسبوع الماضي نتيجة خرق وقف إطلاق النار.

التصعيد الأخير يعني عمليا موت وقف إطلاق النار الذي أعلنته أنقرة وموسكو بشكل نهائي رغم عدم التطرق إلى ذلك علنا بين الجانبين. ولعل إعلان وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس عن مقتل 40 عنصرا من قوات النظام وإخلاء بعض مواقعها بسبب هجوم مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، يعني تحميل فصائل المعارضة مسؤولية انتهاء وقف إطلاق النار وإعلان الحرب من جديد.

تركيز القصف على كامل الأراضي شرق طريق حلب-دمشق بما فيها ريف إدلب الجنوبي ودخول ريف حلب الغربي على بنك أهداف القصف الروسي، مراده الضغط بهدف ازدياد أعداد المهجرين والفارين من القصف باتجاه الشمال وارباك صفوف المقاتلين وإشغالهم بإبعاد أهاليهم عن دائرة الخطر، وهو تكتيك استهدفته القوات الروسية سابقا في معارك ريف حماة الشمالي، إذ اتبعت سياسة تقطيع الطرق واستهدافها وضرب التجمعات السكنية والمدن الكبرى بعد تدمير المستشفيات والنقاط الطبية بهدف الضغط المتكامل على كل مقومات الحياة وجعل اهتمام المدنيين والمقاتلين يتركز على توفر المياه والطعام والحد الأدنى من الشروط الصحية  للحياة. ويزيد فصل الشتاء من معاناة المدنيين والمقاتلين على حد سواء.

إن غياب أي إشارة إلى حل سياسي أو تطبيق لاتفاق سوتشي من قبل المسؤولين الأتراك يؤشر إلى المصير الغامض الذي ينتظر منطقة خفض التصعيد الرابعة، ما يعني ان كل الجهود التي بذلتها تركيا لإقناع تحرير الشام بفتح الطرق الدولية قد باءت بالفشل تماما، وهو ما يعني إصرار موسكو على فتح طريق حلب-دمشق (M5).

والغريب في المشهد، أن وزارة الدفاع في حكومة المعارضة وجيشها بفيالقه السبعة، لم تبادر باقتراح أي خريطة طريق من أجل فتح الطرق أو مبادرة من أجل فتح طرق الترانزيت وإجبار “تحرير الشام” وباقي الفصائل المتطرفة للابتعاد خارج المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، واكتفى قادة فصائل المعارضة بالاستماع إلى الشرح الذي قدمه رئيس جهاز المخابرات التركي.

يذكر أن أعداد مقاتلي الجبهة الوطنية للتحرير يزيد عن 45 ألف مقاتل في إدلب وحدها وهو ما يقدر بثمانية أضعاف “تحرير الشام” في الحد الأدنى ومع ذلك تهيمن الأخيرة على قرار الحرب والسلم في منطقة خفض التصعيد، في حين تبقى القوة الكبرى والممثلة بـ”الوطنية للتحرير” في حالة غيبوبة تامة.

القدس العربي

————————————

سورية .. المحطة الأخيرة للإدارة الذاتية/ شفان إبراهيم

عامٌ مضى وآخرُ بدأ على جملة من الدعوات والمبادرات التي سعت إليها الإدارة الذاتية (الكردية في سورية)، ما بين الحوار مع دمشق، أو دعواتها مُعارضيها إلى فتح صفحة جديدة، قوامها الانضمام للإدارة الذاتية، أو في أحسن الأحوال عدم الإتيان بشروط مسبقة للتواصل. تتشابه غالبية دعواتها وتتقاطع في مضامينها والاستمرار في طرحها لمُخالفيها للانضمام إلى صفوفها. ست سنوات ولسانُ حالِ الإدارة الذاتية هو نفسه، لم يتغير طرح “تعالوا وانضموا إلينا”. وبل أصبحت فكرة “تعالوا لنعمل معاً ونتشارك الحياة السياسية” كالعملة النادرة أو المُنقرِضات.

دخلت روسيا مُجدداً على خط الصراع السياسي الناعم بين الإدارة الذاتية (الكردية) والنظام في دمشق، حاملة معها نتائج حواراتٍ مع الطرفين، وكأن لا أحد في سورية سوى من امتهن عدم الاستفادة من درس التاريخ الرئيسي الذي يرفض الحرب على جبهتين، سوى الإدارة الذاتية. وتقول أدبياتها إنها تمتلك قوة كبيرة في زمن الصراعات الثقافية والهوياتية والقومية، فتسميها القومويات الهدّامة لأسس البشرية أو ما شابه ذلك، وإنها تستمد قوتها من ريادة الطرح السياسي الذي يحمي للجميع قومياتهم، من دون تعدّي إحداها على الأخرى، كما تقول هي، وإنها تسعى نحو الثقافة والهوية الجامعة بدلاً من الهويات الفرعية التي تجلب المصاعب، ومزيدا من الدماء، وهذه أيضاً وفق رؤاها، وبل تدّعي عداءها ومعارضتها الرأسمالية بوصفها مشروعا هادفا لسحق الإنسانية والشعوب، وفق تصويرها المشهد السياسي في المنطقة، لكنها تدخل في تفاهمات مع الولايات المتحدة لأمورٍ تخصّها، وتجمع كُل تلك التعريفات ضمن سياق الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية. بل تسعى إلى فرضها أساسا لأي نقاش أو حوار داخلي مع الأطراف الكُردية. ولا تلقى كل تلك الطروحات أيّ أهمية في دمشق، لكنها تفرضها فرضاً لزوماً عنوةً على مكونات “المنطقة الكُردية”. ولم يعد تهويل أهمية الإدارة الذاتية، براهنيتها الحالية، تنطلي على أحد، لكنهم يستمرون في النظر إلى الشعب على أنه مُجرد قطيع يُفكر ضمن صناديق مغلقة، وما عليه سوى التنفيذ.

تسعى الإدارة الذاتية إلى إجبار المُتحدثين عنها على القول إنها غير تابعة لحزب الاتحاد 

“عادت روسيا مُجدداً إلى الدخول على خط الصراع السياسي الناعم بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام في دمشق”الديمقراطي (الكردي). وفق هذه الرغبة، جاز للقوّالين والكتّاب الحديث عن الصراعات التي خاضتها هذه الإدارة، وأصبحت متورّطة بالفعل في ثلاث حروب سياسية، عدا عن حربها وتركيا عسكرياً. واحدة منها داخلية مع الأطراف الكُردية غير المنسجمة وتوجهاتها وتطلعاتها ومشاريعها السياسية، والأخرى مع إقليم كردستان مع الكُرد أيضاً، وثالثة في الشمال والعمق السوريين. المنطقة التي تديرها الإدارة الذاتية هي فريسة لجماعاتٍ إرهابيةٍ، لا تعرف كيف تنتقم منها لمشاركتها الفعالة في الحرب ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومن ناحية أخرى، أصبحت هدفاً للنظام السوري، خصوصا ما أن ينتهي من حسم الأوضاع في إدلب لصالحه، وبل هي غرضاً ومسعى للوجود الروسي كي يحل عوضاً عن الوجود الأميركي.

في صراعها السياسي مع الكُرد في سورية والعراق، تدرك الإدارة الذاتية جيداً أن كِلا الطرفين لن ينحوان صوب السلاح والعمل العسكري لفض الاشتباك السياسي، لكنها ذكيّةٌ جداً لجهة معرفتها أهمية الوجود في أيّ منبر سياسي دولي بشأن مستقبل سورية، ولسان حالها “قدّمنا 12 ألف شهيد ولم ننل بعد بطاقة العبور”. ليست العبرة بزيادة أعداد الشهداء، وبل كما عبر عنه القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم كوباني، “حاجتهم ليست للجنود الأميركيين للقتال معهم، إنما فقط ضماناتها للحل السياسي، وإنها قادرة على إطلاق حوار سياسي يفضي بينهم وتركيا إلى حل دائم”… وأوضح عبدي أنه “عندما نكون مخيّرين بين الإبادة العرقية وبعض التنازلات، فبالتأكيد إنقاذ الشعب من الإبادة هو الخيار الأسلم”.

لا إمكانية للجمع بين النقيضين، فإما الاستمرار في حماية آبار النفط وكسب الجغرافية السياسية من معبر سيمالكا حتى دير الزور، أو الانسجام مع الوساطة الروسية والحوار مع دمشق، وهذه تناقض تلك. إذ لم يعُد الوقت كافياً لمزيد من الابتزاز السياسي الذي تعتقد الإدارة الذاتية إمكانية الحصول على مزايا ومكاسب من خلالها، وخصوصا أنه لا نيّة واضحة للنظام في دمشق بالاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، عدا عن مطالبه بعودة سيطرة الدولة على كامل الشريط الحدودي، والسيطرة على معبر سيمالكا، الرئة الاقتصادية الوحيدة للمنطقة، والتي تديرها الإدارة الذاتية، وما سيترتب عليه من تغيرات سياسية على القضية الكُردية في سورية، من حيث تبدّل قواعد اللعبة السياسية، وبقاؤها ضمن صفوف المعارضة السورية من عدمه، والتأثير على إقليم كردستان العراق، ومع احتمال عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، فإن الأخيرة ستتمكّن من ابتزاز الإقليم اقتصاديا وسياسياً، عدا عن قطع صلة الوصل بين اللاجئين السوريين في الإقليم وذويهم في العمق السوري، كردياً وعربياً.

تُشير تسريبات إعلامية إلى مساع روسية لإشراك الإدارة الذاتية في العملية السياسية والدستورية 

“يستشعر الكُرد شيئاً من الخُبث الروسي، فموسكو تتجه إلى استخدامهم لابتزاز تركيا بسبب وجودها في ليبيا”بشأن سورية، وتقول القيادات العسكرية لدى الإدارة الذاتية إن خلافهم مع الدولة السورية هو بشأن الديمقراطية والمسائل السياسية، وليس بشأن الأرض أو السيادة، وهو بحدّ ذاته تحديدٌ لمسارات الحوار الكُردي – الكُردي قبل أن يبدأ.

مسار الحوار المزعوم اليوم يختلف عن سابقاته من المرّات التي كانت تتبنّى روسيا فيها رعاية الحوار بين الحكومة السورية والطرف الكردي، وخصوصا أن روسيا سعت صوب تشكيل وفد كُردي موحد لأهداف روسية بحتة لمواجهة المحور الأميركي، وأن روسيا تسعى، بكل قوتها، إلى إخراج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من حلفها مع الولايات المتحدة، ولعل دعوات روسيا إلى تشكيل جيش جديد، قوامه من أبناء العشائر العربية، وأيضاً الكُردية إن رغبت، وبضمانات دفع رواتب جيدة، ما هي سوى ورقة ضغط كبير مزدوجة على أميركا وقوات “قسد” معاً، لإيجاد قوة عسكرية توازي قوة “قسد” شريكة أميركا في محاربة “داعش”، ولابتزاز “قسد” بإمكانية سحب العنصر العربي من ضمن تشكيلاته العسكرية.

يستشعر الكُرد شيئا من الخُبث الروسي، فموسكو تتجه إلى استخدامهم لابتزاز تركيا بسبب وجودها في ليبيا، وتفكيك سيطرتها على آبار النفط، وإعادة بسط نفوذ دمشق على النواتج الاقتصادية، أما قضية مشاركة الإدارة الذاتية في اللجنة الدستورية فإنها ستكون ضمن وفد النظام السوري، وهو ما يعني ضرورة تغيير البنية الحالية للإدارة الذاتية من قضايا الرئاسات المشتركة وحقوق باقي المكونات، عدا عن تخوف أهالي الرقة ودير الزور من عودة سيطرة الجهات الأمنية والعسكرية السورية عليها. وفي المجمل، لا تصبّ الخطوة سوى في مصلحة روسيا أكثر من الجميع، وهي الساعية صوب إبعاد إيران عن المنطقة. وفق ذلك، ستصبح الإدارة الذاتية في هذا الحوار المقبل، ووفق النتائج الساعية إليها روسيا، جزءا من الدولة والحكومة السورية حالياً، 

“مسار الحوار المزعوم اليوم يختلف عن سابقاته من المرّات التي كانت تتبنّى روسيا فيها رعاية الحوار”وعليها أن تتحمّل تبعات ذلك، سواء كممثلين وحيدين عن الكُرد إن رجحت كفة مصالح النظام في دمشق وطلباته من الدستور، أو ستتحمل النتائج المؤلمة لهم إن نجحت المعارضة السورية.

في جزئية الصفحة الأخرى من الحوار بين الإدارة الذاتية والمجلس الكُردي، فإنه يصطدم بجملة عراقيل، هي أكبر من قضية لائحة المعتقلين الذين يصرّ المجلس الكُردي على إطلاق سراحهم قبل البدء بأي حوار، وخصوصا أن تحديد مسارات الحوار وفق اتفاق سياسي بين الإدارة الذاتية والمجلس الكُردي، واتفاق عسكري بين “قسد” ودمشق، سيعني ضرورة تغيير البوصلة السياسية للمجلس الكُردي، فشراكة الأخير مع المعارضة السورية، وعلاقات الإدارة الذاتية مع النظام السوري، كفيلة بوضع الحوار على المحكّ، وضرورة اختيار وجهة سياسية موحدة، وهو ما سيترتب عليه تغيير في قواعد اللعبة السياسية وإعادة ترسيم جديد لتشبيك العلاقات، وفك ارتباط إقليمي، والدخول في تحالفاتٍ جديدة، وهو ما سيؤثر على علاقات إقليم كُردستان العراق، والوضع العام لقنديل، معقل حزب العمال الكُردستاني.

الجديد القديم نهائياً يتجلى عبر الطرح الأميركي للإدارة الذاتية والاتحاد الديمقراطي و”قسد”، بضرورة ترتيب علاقات الأطراف الثلاثة مع كُردستان العراق، وإنهاء أيّ توتر أو خلاف مع تُركيا وفق ما تقتضيه المصلحة التركية، أو فإن الـ140كيلومتراً المتبقية مما تسمى “الجغرافيا الكُردية” في سورية، وكانت هذه تبلغ قرابة 800 كيلومتر، ستلقى، هي الأخرى، مصير التفكيك النهائي.

بعد قرابينَ وصلت إلى حدِ 12 ألف شهيد، ما إمكانية إعادة التاريخ نفسه مُجدّداً مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) على غرار ما حصل لحزب العمال الكردستاني، ويصبح هو الآخر ضحية لمصالح وأطماع إقليمية ودولية أكبر من حجمه، ومُجرد تفكيره بإمكانية اللعب على جميع الحبال؟

العربي الجديد

—————————————–

ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟/ سعيد عبد الرازق

مع مطلع مايو (أيار) العام الماضي، أطلقت تركيا خطوات مثيرة للتوتر للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص في منطقة يدور حولها الخلاف، وتتمسك أنقرة بأنها تقع ضمن ما تسميه بـ«جرفها القاري»، بينما أعلنت قبرص أنها تقع ضمن حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة.

تذرعت تركيا، التي أسفرت عمليات للبحث قامت بها في سواحلها الجنوبية في أنطاليا ومرسين عن عدم وجود أي احتياطيات للغاز أو النفط، بأنها وقعت اتفاقية مع حكومة «جمهورية شمال قبرص التركية»، غير المعترف بها دولياً، واستغلتها كغطاء لتحركاتها في شرق المتوسط بدعوى الحفاظ على حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك في المنطقة التي تعوم على بحر من الغاز الطبيعي، وتضم ثاني أكبر احتياطي من الغاز على مستوى العالم، يقدر بنحو 300 تريليون قدم مكعب.

وأطلقت تركيا تحركاتها، وأرسلت سفنها للبحث والتنقيب إلى المنطقة وسط اعتراضات أوروبية ودولية وإقليمية، رداً على ما اعتبرته محاولات لعزلها في شرق المتوسط، مع اتفاق مصر وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل على إنشاء «منتدى شرق المتوسط للغاز»، ومقره القاهرة، للعمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.

وتتبع تركيا سياسة فرض الأمر الواقع من أجل إيجاد مكان لها في المنطقة للاستفادة من الموارد، إذ قامت قطع بحرية تابعة لجيشها بالتحرش بسفن الشركات العالمية التي تتولى عمليات التنقيب في المنطقة، وقامت بمحاولة خلط الأوراق في المنطقة بتوقيع مذكرتي تفاهم لتحديد مناطق السيادة البحرية والتعاون الأمني والعسكري مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن تصدى الاتحاد الأوروبي لتحركاتها في شرق المتوسط بعقوبات رمزية لإنذارها. ولم يكن الهدف فقط هو شرق المتوسط، بل إن تركيا التي تتدخل في ليبيا عبر دعم حكومة السراج وجماعات متشددة في غرب البلاد، تريد أن تنتزع لنفسها مقعداً في كل ما يتعلق بليبيا من مفاوضات أو تفاهمات. لكن هذه التحركات رفعت من حدة التوتر القائمة مع دول شرق المتوسط.

ترى أنقرة في اتفاقاتها مع حكومة السراج الوسيلة لإحباط أي خطط أو مشروعات تتجاوزها في شرق المتوسط، ولهذه الاتفاقات أيضاً وجه آخر يتعلق بالمصالح الاقتصادية لتركيا. وتعد إحدى مذكرتي التفاهم مقايضة من جانب تركيا على الأخرى، فقد ربطت الدعم العسكري للسراج بالحصول على الاتفاق البحري الذي يتيح لها التمدد في شرق المتوسط والمشاركة في عمليات ليبيا للتنقيب عن النفط والغاز، وقبلت حكومة السراج ذلك لسعيها لإيجاد حليف خارجي يساعدها في الخروج من حصارها في طرابلس.

استغلت تركيا الاتفاق البحري مع السراج للرد على منتدى شرق المتوسط الذي استبعدت منه، لأن هذا الاتفاق يعني قطع الصلة والفصل بين مصر وقبرص وإسرائيل وفلسطين في الشرق عن اليونان وإيطاليا في الغرب، ويهدد مشاريع إمداد الطاقة المخطط لتدشينها في المنطقة بما فيها خط «إيست ميد» بين إسرائيل واليونان وقبرص. ولذلك، أعلنت تركيا أنها على استعداد لإبرام اتفاقات مماثلة لما أبرمته مع حكومة السراج مع كل دول المنطقة، باستثناء قبرص، نظرا لأنها تعتبر أن الاتفاق مع حكومة السراج يعطيها الكلمة العليا في المنطقة ويجعلها مثل حارس بوابة المتوسط الذي لا يمكن أن يمر شيء منها إلا بموافقته.

إذن، فتركيا التي لم تعثر على الطاقة في مياهها الإقليمية فتوجهت إلى ساحل قبرص، وجدت في الاتفاق مع السراج ما يمكنها، من وجهة نظرها من ضرب التحالفات الإقليمية والدولية التي تشكلت لتقاسم ثروات شرق المتوسط الهيدروكربونية بعيدا عنها وفرض أمر واقع لإشراكها في هذه التحالفات، سعياً لتحقيق هدفها في أن تصبح ممراً للطاقة من المتوسط إلى أوروبا.

لكن كل ذلك لا يخفي أيضاً أن هناك مشروعاً شخصياً لإردوغان الذي تحركه، بحسب المعارضة التركية، آيديولوجية الإخوان المسلمين التي طبعت نفسها على السياسة الخارجية لتركيا، لتحقيق الهيمنة والسيطرة في البحر المتوسط، ضمن ما يسميه إردوغان وحلفاؤه القوميون في حزب الحركة القومية بـ«الوطن الأزرق».

وكشف إردوغان ذاته عن أحلامه في الهيمنة والسيطرة في المنطقة عندما طالب جنوده الذين سيذهبون إلى ليبيا بموجب الاتفاق مع السراج بأن يكتبوا ملامح كالتي سطرها «أمير البحار» خير الدين بربروس في زمن الدولة العثمانية. وحتى تكتمل الصورة فإن أسماء السفن التي أرسلتها تركيا إلى شرق المتوسط تمثل المشروع العثماني الجديد لإردوغان، وهي «الفاتح» نسبة إلى السلطان العثماني محمد الفاتح، وبربروس نسبة إلى الجنرال العثماني خير الدين بربروس باشا، و«ياووز» أو «الحازم» نسبة إلى السلطان سليم الأول المعروف باسم «ياووز سليم».

يؤكد خبراء القانون الدولي مخالفة الخطوات التصعيدية لتركيا في شرق المتوسط للقانون، فتركيا لم توقع، حتى الآن، على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، والتي تنص على أن المياه الإقليمية لأي بلد تمتد 12 ميلاً في البحر، وأن المنطقة الاقتصادية الخالصة يمكن أن تمتد 200 ميل، حيث باستطاعته المطالبة بحقوق الصيد والتنقيب والحفر، وعندما تكون المسافة البحرية بين بلدين أقل من 424 ميلاً، عليهما تحديد خط فاصل متفق عليه بين منطقتيهما البحريتين. وتحفظ الاتفاقية حقوق الجزر البحرية، كما هو حال الجزيرة القبرصية.

ويرى الخبراء في ذلك تفسيرا لعدم توقيع تركيا الاتفاقية، والمطالبة بدلاً عن ذلك بحقوق استناداً إلى جرفها القاري، مع توقيع اتفاقية للجرف القاري مع «جمهورية شمال قبرص» التي لا يعترف بها إلا تركيا التي أعلنتها تركيا جمهورية مستقلة عقب غزوها للشطر الشمالي للجزيرة القبرصية عام 1974 بحجة حماية الأقلية التركية هناك، ويتناقض هذا مع حقوق جمهورية قبرص العضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني قانونياً الاعتراف بسيادتها على جميع أراضيها. وهذا الاعتراف الدولي يسقط الذرائع التي تعتبرها تركيا قانونية وتتحصن بها في معركة التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.

ويوضح التقييم القانوني للتحركات التركية في البحر المتوسط، عبر محاولة اصطناع وضع قانوني، سواء عبر الاتفاق مع شمال قبرص الخاضعة لوصايتها أو حكومة السراج في ليبيا، أنها ليست إلا بدايات للصدام مع العالم وليس فقط مع دول المنطقة.

يؤكد ذلك تبلور تحالفات إقليمية ودولية وتحركات في مواجهة التصعيد التركي، من أهمها إلى جانب إعلان قيام منتدى شرق المتوسط للغاز، إعلان شركة «إكسون موبيل» الأميركية في فبراير (شباط) الماضي الدخول على خط التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وهو ما جعل من الولايات المتحدة لاعباً أساسياً في هذه المعركة، وإطلاق الجهود للتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتوقيع سلسلة اتفاقيات بين مصر وقبرص واليونان على شكل تحالف إقليمي في مجال الطاقة بالمتوسط، وصولاً إلى اتفاق «ايست ميد» لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، مع تحرك الاتحاد الأوروبي لدعم عضويه (قبرص واليونان) في مواجهة تركيا.

ومن أبرز التطورات في هذا الشأن أيضاً موافقة مجلس الشيوخ الأميركي مؤخرا على قانون أمن الطاقة في المتوسط، وإقرار رفع الحظر عن بيع السلاح لقبرص، وإنشاء مركز أميركي دائم للطاقة في المتوسط، وهو ما يعد ضربة قوية لتركيا التي اعترضت على القانون.

وبالنظر إلى روسيا، التي تعتبرها تركيا معادلاً قوياً للضغوط الأميركية والأوروبية عليها، يبدو تحقق المساعي التركية في شرق المتوسط شبه مستحيل، حيث تجد تركيا نفسها في مواجهة تكتل إقليمي دولي ضخم، بينما تعمل روسيا على الاستفادة من هذه الضغوط التي تتعرض لها أنقرة للإبقاء على احتياج تركيا إليها في سد غالبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي. فضلا عن أن الصمت الروسي حتى الآن تجاه التحركات التركية في ليبيا يرسخ النهج الروسي في الاستمرار في توسيع الشرخ بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي بدأ مع إصرار أنقرة على إتمام صفقة صواريخ «إس 400 الروسية»، ومع كل ذلك لا يبدو أن تركيا، التي تعاني قصوراً واضحاً في قدراتها العسكرية البحرية والجوية، على استعداد للتراجع بعد أن أقامت قاعدة عسكرية بحرية دائمة وأخرى للطائرات المسيرة في شمال قبرص، لتصبح في مواجهة مباشرة مع عدد من دول المنطقة، من خلال تصرفاتها في البحر المتوسط، واندفاعها إلى الانخراط بشكل أكبر في الصراع الليبي.

الشرق الأوسط

——————————

كرد سورية وجدل الوجود والحقوق والهوية/ خورشيد دلي

لم يتوقف الجدل بشأن وجود الكرد في سورية وتطلعاتهم القومية منذ تأسيس الدولة السورية، وقد تفجر هذا الجدل أكثر، مع اندلاع الحراك الثوري، وتحوّل الوضع في سورية إلى أزمة متداخلة محليا وإقليميا ودوليا. ولعل الجديد في هذا الجدل، هو الانتقال من حالة العتاب المتبادل كرديا – عربيا إلى جدل مفاهيم حول هذا الوجود، وما يترتب على ذلك من مطالب وحقوق وشكل حكم، وآليات تحقيق ذلك كله.

خلال العقود الماضية، كثيرا ما روّجت الحكومات السورية المتعاقبة أن الوجود الكردي في سورية طارئ، وأن معظم كرد سورية قدموا من تركيا، واستقروا في شمال شرق البلاد، وقد ترتبت على هذا التصور نظرة سياسية مفادها بأن هؤلاء طارئون على البلاد، وأن هذا الأمر ينتقص من حقوقهم، وكان التجسيد الفعلي لهذا التصوّر حرمان عشرات آلاف الكرد من الجنسية السورية، بموجب استفتاء خاص بمحافظة الحسكة، جرى عام 1962، وذلك في ذروة صعود الأيديولوجيا القومية بشقّيها، الناصري والبعثي. وهكذا وجد هؤلاء أنفسهم أجانب في بلادهم. ومثل هذا التصور، روجه حديثا معارضون سوريون عديدون، إذ ذهب بعضهم إلى تسمية الكرد بالغجر في أوروبا أو اللاجئين، بل ذهب المحامي السوري المعارض، هيثم المالح، في لقاء تلفزيوني معه إلى أن كرد سورية قدموا إليها مع مجيء عبدالله أوجلان إلى سورية، مع أن المالح ابن مدينة دمشق، حيث غالبية سكان حي ركن الدين من الكرد منذ عهد صلاح الدين الأيوبي. ولعل صور إنكار الهوية القومية الكردية حالة عامة في المنطقة، فحتى وقتٍ قريب، كانوا في تركيا يطلقون عليهم صفة “أتراك الجبال”، وفي إيران بقبيلة فارسية قديمة، وفي بعض دول العالم العربي بقبيلة عربية قدمت من الجزيرة العربية، وضاعت في الجبال ونسيت أصلها العربي.

دفع هذا الإنكار للوجود الكردي مثقفين وباحثين وسياسيين كردا إلى الذهاب إلى التاريخ والنبش في كتبه، بحثا عما يثبت هذا الوجود، ليجد شذراتٍ هنا وهناك، حتى في مرحلة ما قبل العهد الإسلامي، ليجد هو نفسه أمام معادلةٍ ندّية، هي أن الوجود العربي نفسه طارئ في سورية، على اعتبار أن أصل العرب جميعا يعود إلى اليمن! وتبدو هذه المعادلة الصفرية المدفوعة بعقلية الإنكار مفارقة سياسية كبيرة أمام بديهية وجود الجميع على الأرض والتاريخ والواقع، فهذه  لمعطيات هي حقائق اجتماعية وسياسية وديمغرافية ماثلة أمام الجميع، فلماذا الذهاب إلى التاريخ بحثا عن الوجود؟ ولماذا إنكار واقع قائم أمام الأعين؟ ولماذا التعامل مع القضية بعقلية الترحيل والتأجيل؟ وهل المشكلة مشكلة إثبات وجود أم مشكلة نموذج دولةٍ فشلت في تقديم أجوبة الهوية؟

مع التأكيد على أن الجدل الجاري إيجابي، فكريا وسياسيا وقانونيا، لجهة إحداث التغيير والدفع نحو الديمقراطية والحرية، إلا أن ما ينبغي قوله، هنا، هو أن الانطلاق من البعد القومي فقط، لحل هذه القضية، قد يحمل نتائج سلبية قاتلة، لجهة التخندق خلف الأيديولوجيا القومية الضيقة، والاحتراب بين الهويات المكونة للدولة، فقضايا الدول لم تعد تحلّ بمثل هذه النظريات الضيقة، وإنما من خلال تأسيس دولة عصرية، لا تسخر السلطة لصالح هوية قومية أو دينية أو طائفية محدّدة على حساب باقي الهويات والمكونات، فنموذج الحكم في الدول ينبغي أن يجسّد كل هذه الهويات والمكونات الاجتماعية والسياسية لها. ومن دون ذلك، يبقى الجدل أو النقاش بشأن الهوية الكردية، أو غيرها من الهويات، عقيما. وفي إطار ما قبل الدولة المعاصرة، بمفاهيمها الدستورية والقانونية والإدارية والاجتماعية.

العربي الجديد

———————————

تركيا وانخراطها في الصراع الليبي بعد السوري/  بكر صدقي

يمكن القول إن تركيا حجزت لنفسها مقعداً حول الطاولة الدولية المعنية بتقرير مصير ليبيا. ففي موسكو أطلق الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، نداءً مشتركاً لوقف إطلاق النار في ليبيا، على رغم فشل الجهود الروسية لإقناع الجنرال خليفة حفتر بالتوقيع على بيان مشترك، بهذا الخصوص، مع حكومة فايز السراج. فحفتر المدعوم من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، لم يرغب بالتفريط بالإنجاز الميداني الذي حققه في الأسابيع الأخيرة، فانسل مغادراً روسيا تجنباً لمزيد من ضغوط بوتين.

اتفاق التعاون العسكري الذي تم توقيعه بين تركيا وحكومة السراج المعترف بها أممياً، يتيح لأنقرة إرسال قوات عسكرية لدعم السراج، ووافق البرلمان التركي على مبدأ إرسال تلك القوات. صحيح أن تركيا لم ترسل قوات عسكرية إلى طرابلس، إلى الآن، لكن تقارير صحافية تتحدث عن إرسال مقاتلين سوريين من الفصائل الموالية لتركيا للمشاركة في القتال تحت مظلة حكومة السراج، إضافة إلى تزويد تركيا لها بوسائل دفاع جوي تركية ساهمت، إلى حد كبير، في التصدي للهجمات الجوية لقوات حفتر. هذا التدخل العسكري التركي، والتهديد بمزيد منه، أتاح لأنقرة أن تكون طرفاً اقليمياً فاعلاً في المعادلات الميدانية والسياسية في الصراع الليبي، في مواجهة المحور المصري ـ الإماراتي الذي يدعم قوات حفتر، وجزءًا لا يمكن تجاهله من أي حل سياسي محتمل.

لذلك فقد شارك الرئيس التركي في مؤتمر برلين الذي عملت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على توفير أسباب نجاحه، على قدم المساواة مع ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى مصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة، وممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإفريقي.

هل حقق مؤتمر برلين اختراقاً يمكن التعويل عليه؟

أحلام حفتر وداعميه بالاستيلاء السريع على طرابلس قد تجمدت حالياً، مقابل تراجع تركيا عن إرسال قوات عسكرية تركية للمشاركة المباشرة في القتال. وهو ما يعني أن التهديد التركي بإرسال القوات قد أثمر، مؤقتاً، عن نتيجة مرغوبة بالنسبة لأنقرة، أي إبعاد شبح السقوط الذي كان متوقعاً لطرابلس

تضمن البيان الختامي ما أرادت جميع الدول الفاعلة في الصراع الليبي إدخاله فيه، بمعنى أنه لم يسجل تنازلات متبادلة لا بد منها لإنجاح أي اتفاق بين قوى متصارعة. فكان التوافق على مبدأ وقف إطلاق النار بدلاً من اتفاق نار فعلي قابل للتطبيق. وكان التأكيد على مبدأ منع توريد السلاح إلى الأطراف المتصارعة في ليبيا، وهو مطلب أممي مطروح منذ سنوات ولا تحترمه الدول المنخرطة في الصراع، ولا شيء يدعو إلى الظن بأن تلك الدول ستمتثل له بعد مؤتمر برلين.

الملاحظ أن حفتر هو الذي يتهرب من أي التزامات، سواء في موسكو أو في برلين، لأنه يرى أنه الطرف المتفوق عسكرياً ولا مصلحة له في الموافقة على تسوية سياسية من شأنها الإبقاء على ازدواج السلطة أو الحد من طموحه في السيطرة على كامل التراب الليبي. من المحتمل أن أحلام حفتر وداعميه بالاستيلاء السريع على طرابلس قد تجمدت حالياً، مقابل تراجع تركيا عن إرسال قوات عسكرية تركية للمشاركة المباشرة في القتال. وهو ما يعني أن التهديد التركي بإرسال القوات قد أثمر، مؤقتاً، عن نتيجة مرغوبة بالنسبة لأنقرة، أي إبعاد شبح السقوط الذي كان متوقعاً لطرابلس في يد قوات حفتر.

بخلاف العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، قبل أشهر، لا يتمتع التدخل العسكري التركي في ليبيا بشعبية واسعة في الداخل. وفي حين اصطفت أحزاب المعارضة وراء القرار الحكومي بغزو شرق الفرات وطرد «وحدات الحماية» الكردية بعيداً عن الحدود التركية، اعترضت الأحزاب نفسها على أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا، وتم تمرير إجازة البرلمان لتدخل مماثل بأصوات نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية.

وبصورة مفارقة نجحت السياسة المبادرة في ليبيا في تحقيق نتائج ملموسة لمصلحة السياسة الخارجية التركية، في حين أن التدخل العسكري في شرقي الفرات لم يحقق ما كانت الحكومة تأمله منها من نتائج، بل إن ما اعتبر حينها «نصراً» عسكريا غاب في ظل الانتكاسة التركية في منطقة الصراع الساخن في إدلب.

في النتيجة، ما زالت التفاعلات الميدانية والسياسية سيالة ومتقلبة، سواء في سوريا أو في ليبيا أو غيرهما من دول الاقليم. فلا يمكن الحديث عن رابحين صريحين وخاسرين صريحين وبصورة نهائية، بما يزيد من الثقل السياسي لتركيا أو غيرها من الدول المنخرطة في الصراعات العابرة للإقليم. ما زال أمامنا سنوات من هذه الصراعات قبل أن تقرر القوى الفاعلة إرساء ستاتيكو جديد يحدد أحجام الدول وأوزانها.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————————

أردوغان في اجتماع مع قادة الجيش الوطني: تجهزوا للمعركة الكبرى

علم موقع تلفزيون سوريا من مصادره الخاصة أن تركيا أجرت اجتماعاً طارئاً في العاصمة أنقرة مع وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بالإضافة إلى قادة الفيالق وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير التابعين للجيش الوطني السوري.

وأفاد المصدر المطلع على تفاصيل الاجتماع لموقعنا أن اللقاء ترأسه من الجانب التركي رئيس الاستخبارات “حقان فيدان”، كما حضره المسؤولون عن الملف السوري.

وحسب المصدر فقد شارك الرئيس رجب طيب أردوغان في جانب من الاجتماع عبر اتصال مرئي وقال للفصائل تجهزوا للمعركة الكبرى.

وأبلغ الجانب التركي قيادات فصائل الجيش الوطني أن المباحثات مع روسيا لم تحقق نتيجة، وأن الأخيرة ماضية في الحل العسكري، وبالتالي يجب على فصائل المعارضة السورية أن تدافع عن نفسها في وجه الحملة التي تتعرض لها. وأشار الجانب التركي إلى أنه سيزيد من الدعم المقدم للجيش الوطني لمواجهة قوات النظام وروسيا.

وكانت روسيا قد تمسكت في جوالات المفاوضات بمطلب عودة مؤسسات النظام السوري للعمل ضمن إدلب، وإجراء تسوية شاملة على غرار محافظة درعا، كما أن موسكو لم تعد تبدي اهتماماً بمسألة فتح الطرقات الدولية حلب – دمشق، و حلب – اللاذقية، رغم إبداء تركيا استعدادها للتشاور مع فصائل المعارضة لإيجاد آلية خاصة بذلك.

مواجهة مرتقبة في ثلاثة محاور

أكدت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا أن قوات الأسد بدعم روسيا تستعد لشن هجوم جديد شمال غرب سوريا من ثلاثة محاور في وقت متزامن.

وأفادت المصادر أن الهدف الأول يتمثل في الوصول إلى مدينة معرة النعمان، والثاني هو مدينة سراقب، أما المحور الثالث وهو الأوسع فيشمل مساحة واسعة من الضواحي الغربية لمدينة حلب بهدف تأمينها.

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين نقلت قوات الأسد قواتها من محور تلة “كبانة” بريف اللاذقية إلى ريف حلب الغربي، ونشرتهم في ضواحي “منيان” و ” الأسد” و ١٠٧٠”.

ويبدو أن الأسابيع القادمة ستشهد سخونة غير مسبوقة، بعد محاولات مكثفة للعودة إلى وقف إطلاق النار، التي لم تحقق أي نتيجة في نهاية المطاف.

وكانت المؤشرات في الأيام الماضية تؤكد وصول المباحثات التركية – الروسية حول إدلب إلى طريق مسدود، مما يعزز احتمالية العودة إلى التصعيد الميداني من جديد.

وأعلنت قاعدة “حميميم الروسية” يوم الأربعاء وبشكل مفاجئ مقتل 40 جندياً من قوات الأسد وإصابة 80 آخرين، في هجمات نفذها من أسمتهم “المسلحين” على منطقة في ريف إدلب، كما أشار بيان القاعدة إلى أن قوات الأسد اضطرت للانسحاب من منطقتين سكنيتين في المنطقة الخاصة بخفض التصعيد.

واعتبرت “الجبهة الوطنية للتحرير” أن بيان القاعدة الروسية هو بمثابة تبرير لعملية قصف المدنيين.

وأكدت الجبهة في بيان لناطقها الرسمي النقيب “ناجي المصطفى” أن العمليات العسكرية الروسية لم تتوقف أصلاً، والثوار يقومون بصدها ومحاولة استرجاع ما خسروه في بعض الأحيان.

——————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى