الناس

من عقيلة الرئيس إلى السيدة الأولى/ وائل السوّاح

حين أعلن عن وفاة رئيس النظام السابق حافظ الأسد صبيحة 10 يونيو/حزيران 2000، ذهبت إيما الأخرس الموظفّة في بنك جي بي مورغان إلى عملها كالمعتاد، ولعلّها لم تسمع بخبر وفاة الأسد إلا في نشرة أخبار المساء. لم يخطر ببال إيما وقتها على الأرجح أن الشاب الخجول الذي التقته مرّة أو مرّتين عرضًا سوف يرث عرش سوريا، وأنه سوف يتقدّم لخطبتها، لتغدو “عقيلة الرئيس”. وحين اقترح أحد عرّابي انتقال السلطة من الأسد الأب إلى ابنه، وهو في الوقت عينه أحد أصدقاء أسرة الأخرس، جمع شمل الرئيس الأعزب بالمصرفية الحسناء، اقتنصت الأسرة هذه الفرصة التي تأتي مرّة واحدة في الحياة: فوالدها جراح القلب الماهر والبراغماتي المعروف، ووالدتها التي تعمل موظفة في سفارة سوريا في لندن، وخالتها التي كانت زوجة لمسؤول سوري سابق. 

طبعا كان لا بدّ لإيما، التي درست في مدرسة خاصة تابعة للكنيسة الأنغليكانية، قبل أن تتابع في كلية خاصّة للبنات، أن تغيّر اسمها الأجنبي “إيما” وتعود لاسمها السوري أسماء. تمّت الأمور بسرعة، وتخلّت الفتاة الذكية عن عملها ودراستها وأصدقائها وسافرت إلى دمشق لتغدو “عقيلة الرئيس.” ولم تجد في دمشق ترحيبا خاصا، فأم الرئيس الشاب، أنيسة، التي كانت لا تزال في حالة حداد على ابنها البكر الذي كانت تفضله، لم تجد في هذه المرأة الدخيلة على أسرتها سوى عبء غير مرغوب فيه. لم تكن أنيسة سيّدة مجتمع بأي حال من الأحوال، وكانت تشكّل عبئا على الرئيس حافظ الأسد أثناء زيارات الدولة الرسمية التي يتعيّن فيها على الرئيس أن يصطحب زوجته. وكانت تفضّل البقاء في البيت والاهتمام بأولادها، وغالبا ما كانت تعدّ الطعام لهم بنفسها. وقد انكفأت بعد مقتل ابنها البكر، فما عاد السوريون يسمعون عنها أو منها شيئا. ولكنها ستلعب، بعد وفاة الأب، دورا كبيرا في تماسك الأسرة الحاكمة وفي دعم أبناء أخيها المفضل، محمد مخلوف، ليصلوا إلى التحكّم في مقدرات البلاد. فمثل هذه المرأة لن تجد في سيدة أوروبية، أنيقة ومتحضّرة، تتكلم الإنكليزية والفرنسية بطلاقة وتسحر رؤساء العالم وزوجاتهم، أيْ أن فيها كلّ ما كان ينقصها هي، زوجة صالحة لابنها، ناهيك عن كونها من عائلة سنيّة، وهي كانت تودّ على الأرجح لو تزوّج ابنها إحدى فتيات العائلة.

أما أخته بشرى فكانت أساسا لا ترى في بشّار ما يؤهله لخلافة أبيها، ولا تعرف لماذا ينبغي لذَكَر أن يخلف الأب في الثروة والرئاسة. وهي كانت لا تزال مستاءة من رفض أسرتها للرجل الذي أحبته، الجنرال آصف شوكت، الذي سيدفع حياته بعد عقد ونيّف في التفجير المفتعل لخلية الأزمة. حاولت بشرى بعد وفاة أبيها أن تتّخذ لها مكتبا في القصر الجمهوري وتتدخل في تسيير أمور الدولة، ولكن ذلك لم يرُقْ لبشار.  بشرى أيضا وجدت في سيدة جميلة وأنيقة وعملية عاملا إضافيا يحجبها هي عن الأضواء، ويبعد زوجها عن مراكز القوّة، وهو ما سيحدث على أية حال. ستخسر بشرى المواجهة مع أسماء، ويخسر زوجها مواقعه واحدا إثر الآخر، قبل أن يقضي في تفجير خلية الأزمة، وعندها ستحزم بشرى أشياءها وتسافر للعيش في الإمارات العربية المتحدة.

الحرس القديم وقادة الأجهزة الأمنية سوف ينظرون إلى أسماء بريبة وحذر، وبخاصّة فيما يتعلّق بنشاطها في تشكيل منظمات المجتمع المدني التي كانوا يقمعونها بكل قوّة وفجور. ولم يفهم هؤلاء الأشخاص لماذا يقمعون كلّ نشاط مدني منظم، ثمّ يُسمح لزوجة الرئيس أن يكون لها مجتمعها المدني الخاص بها.

أفراد الطائفة العلوية أيضا لم يكونوا سعداء بزواج رئيسهم من سيدة سنيّة، ولم يعرفوا ما إذا كان ذلك سوف يقوّض مكانتهم وما يظنّون أنه مكاسبهم.

وأخيرا وجدت أسماء منافسة قوية من صبيتين كانتا تحومان حول زوجها: لونا الشبل، الصحفية التي هيمنت على المشهد الإعلامي خلال حرب الأسد على السوريين، وشهرزاد الجعفري، ابنة سفير الأسد إلى الأمم المتحدة، التي كانت المدخل لتلميع صورة الأسد وزوجته في الخارج. بأناة وصبر، استطاعت أسماء تحييد المرأتين وإبعادهما، ولكن ليس قبل أن تؤمّن لها شهرزاد تحقيقا مدفوعا نشرته مجلّة فوغ قبل أن تبادر إلى حذفه خجلا.

التحقيق مدفوع الأجر جاء بعنوان ” وردة في صحراء” ونشر بعد قرابة السنة من الثورة السورية، وبعد أن قَتل زوج أسماء الأسد نحو مائة ألف سوري. وحين هبّ العالم كلّه يدين مجلة فوغ التجارية، سحبت رئيسة تحرير المجلة آنا وينتور لقب الوردة في الصحراء، قائلة “كنا مثل كثيرين وقتذاك نأمل أن يكون نظام الأسد منفتحاً على مجتمع أكثر تقدما”، مضيفة انه “أصبح واضحاً في أعقاب المقابلة وما وقع من أحداث مريعة خلال العام ونصف العام الماضي في سوريا، أن أولويات النظام وقيمه تتعارض تعارضاً تاماً مع أولويات مجلة فوغ وقيمها.”

ثمّ جاء المرض. لا أحد يشمت بالمرض، ولكنّ أسماء استخدمت المرض لخدمتها وخدمة زوجها، وصوّرها الإعلام السوري الحكومي وهي تصارع السرطان وتنتصر عليه.  خلال هذه السنوات جميعها، كانت أسماء الأسد تتحوّل من “عقيلة الرئيس” إلى “السيدة الأولى”، تدريجيا. واستحقّت اللقب بشكل كامل بعد وفاة حماتها، أنيسة مخلوف، قبل سنوات. ومع اللقب، جاءت السلطة والثروة، فبدأ دورها في القصر الجمهوري يزداد. وسرت أخبار عن تغيير حكومي سيتولى فيه رئاسة الحكومة وزير التربية الحالي عماد العزب وهو أحد محاميّي أسماء. ومع نفوذها السياسي تضخّمت أيضا ثروتها بعد أن استولت على إحدى شركتي الهاتف المحمول، وبدأت بتحجيم ابن خالة زوجها رامي مخلوف. ويبدو أن وفاة أنيسة مخلوف قبل سنوات قد ساعد على تحجيم الرجل.

سوريا اليوم، كما كانت قبل عقود، صندوق أسود، لا يعرف أحد حقيقة ما يجري فيه، فبسبب انتفاء أي حقّ في الحصول على المعلومات، يبقى التكهن والتنبؤ والشائعة مصدر المعلومات. من هذه الشائعات أن روسيا تعدّ أسماء الأسد لوراثة الرئاسة من زوجها. استندت هذه الحكاية إلى قصة نشرتها صحَفيّة مقرّبة من دوائر الأمن السورية، مفادها أن تكرار ظهور أسماء الإعلامي يعكس رغبة بعض الأطراف الدولية بتسلمها السلطة من زوجها. أحسب أن الخيال قد شطح كثيرا هذه المرّة، فتعيين أسماء الأسد رئيسة لن يرضي أحدا. العلويون لن يسعدهم إبعاد رئيسهم وتسلّم سنية مكانه؛ والمعارضون الإسلاميون لن يصفّقوا لامرأة تتولّى أمورهم؛ أما المعارضون الدنيون والعلمانيون فيرفضون شريكا (أو شريكة) للقاتل ملوّثا قلبه بالدم؛ ورجال الأعمال الذين أسّسوا لأنفسهم مالا وجاه لن يقبلوا شريكا جديدا سيطيح بكلّ ما حقّقوه خلال عقود. وبالتالي، سوف تقنع السيدة أسماء بمكانها كـ “سنّيدة” في جوقة الأسد إلى أن يحدث تغيير شامل يحقّ الحقّ ويقلب بنية البلاد السياسية باتجاه ديمقراطية مدنية تداولية، تقوم على سيادة القانون والحريات الفردية والعدالة.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى