شعر

سبع سماوات ناقصة/ فينتشينزو ماسكولو

سماء البندقية

(رؤيا ماركو بولو الخفيّة)

والحقيقة أن البندقية ليست سوى وهمٍ هي الأخرى،

لعبة خيالٍ لاستعادات

تمّحى رويداً رويداً

مع عودتي لها كل مرّة.

وربما لم أُضيّعها حتى

ربما البندقية غير موجودة

أو ربما أنا من لم يكن يملكها.

■ ■ ■

سماء لشبونة

(ألم فرناندو بيسوا الخفي)

أحياناً لا يزال هناك من يأتي لزيارتي

خصوصاً في أمسيات مايو العَبِقة

عندما تكون السماء التي تلفّ لشبونة

طافحة بنجوم أعجز عن عدّها

لتعود الأحاديث المعتادة بيننا

رفقة أشعارنا

نرفعها في تلك الأمسيات جهراً لساعات

كما لو كانت صلوات فعلية

وليست ما هي عليه من أبيات لا نفع منها

كما لو أنّه

وفي تلك الجلبة التي طالما أحببتها

رويداً رويداً كل شيء

يمكن أن يمسي حقيقة مرة أُخرى

حتى السماء من فوقنا

وكل النجوم التي أعجز عن عدّها

حتى الحياة التي نتظاهر بأنها لنا

وتألّمنا اللانهائي منّا

الذي لا نكف في أمسيات مايو العبقة

على وقع كلماتنا

عن استحضاره من السماء.

■ ■ ■

سماء براغ

(رسالة فرانز كافكا الخفية)

حبيبتي ميلينا،

صحيح أنني لم أكتب لك منذ مدّة

ولكن لا تعتقدي أنني نسيتك.

أنا فقط أمضي الأيام

في تأمل السماء من فوق السرير

أحلم بالطيران

وأن أترك في الغرفة

ميتاً أم حياً، لا أدري

جسدي الحشرة.

■ ■ ■

سماء باريس

(خيالات جان جاك روسو الخفيّة)

ماذا لو لم أكن أنا من يقبض على السماء بين أصابعه؟

وماذا لو أنها عِوض هذا المسير باتجاه الضوء

في ساعات الصباح الأولى

كانت تقف هنا

بين حجارة الطريقة المبعثرة

تتدفق ببطء كنهر

وكنهرٍ تخفي نهايتها

على وقع خطواتي المتردّدة؟

ماذا لو كان هذا هو مكمن اللغز ككل؟

ماذا لو كانت السماء كلها هي هذه الحالة؟

■ ■ ■

سماء نيس

(نار بروس شاتوين الخفيّة)

رجاءً قل لي ماذا أفعل هنا وحيثما حلّلت قل لي ما العمل

ما الطائل من جرّ الزمن والإدعاء بأن الحياة هي ذات الحياة

ما الطائل من الألم والغناء والدروب التي قطعت وكل إياب

ما الطائل من انتظارنا هذه الليلة التي ترافق

صمتي وصلاتي لأرى من جديد جلياً النهار

قد نذوي بسرعة في هواء مائع

لصبح ما ونحترق في بضع لحظات

كحطب وسط حشائش

وبالتوحُّد مع عطره

نُرجع الرماد إلى التراب

لنعلو مجدّداً خِفافاً.

ونستحيل

دخان.

■ ■ ■

سماء مدينتي

(وكل الأشياء الخفيّة وغير الخفيّة)

*

بيتي يحوي غرفاً صغيرة

ورواقاً طويلاً للعبور.

ولكن مساءً، عندما أجلس لكتابة أبياتي،

ومن النافذة المطلّة على الشارع

يتراءى لي من بعيد

البحر

*

هُبّوا أيها الأطفال، تعالوا إلى مخدعي

نراقب العاصفة من نوافذ الغرفة

نُبقِ سويا البرق على مسافة آمنة

والشر الذي عليّ أن أحيا معه محبوساً داخل صدري.

*

أُحب خِفّة الليل

والصحوة الصامتة للأحداث،

أُحب الصوت غير المحسوس للكون،

والتفصّص المُضمر للأشياء

إلى ذرّات وجزيئات، وشظايا

مادة تتشكّل من جديد،

مادة من وقت غير قابلة للانشطار.

وهكذا،

من جزيئات الحبر اللامتناهية

أُحب الدوران الذي يحيل

التحجُّر الوعر للصمت

في مساحة أُخرى، إلى شكل جديد

غبار أجساد مضيئة

تمر عبر طرقات

المدن، وشبكات الوقت،

انبلاج صبح لا مفرّ منه،

مادة غير قابلة للفساد،

شعر.

■ ■ ■

حشائش نجيل

لو أننا بدلاً من أن نقتلع بعناء

كلمات تبدو ذاوية

– حب، مستقبل، حقيقة، جمال

دهشة –

لو أننا بدل اجتثاثها واحدة تلو الأخرى من جذورها

كما لو أنها كانت حشائش نجيلٍ

تركناها تستريح على الأرض

ففي هذا الخريف أستعد لزرع القمح

وقد يكون لديّ كلمات جديدة

أقسمها مع رغيف الخبز

رأفة، رحمة، إخاء

وقبل كل شيء محبّة

تحملها في رحمها

ومن داخلها تحفظها.

* Vincenzo Mascolo شاعر إيطالي من أعماله: “الفكرة الأصلية التي اقترفتها” (2004)، و”كيو والقبّرة” (2018)، و”بحثا عن البيضة – ملاحظات في أخلاقيات علم الأحياء” (2019). أشرف برفقة جامبيرو نيري على مختارات شعرية صدرت عام 2012، كما نسّق، في إطار مشروع خيري، مختارت شعرية ومقالات بعنوان Piccolo Dizionario Della Cura صدرت في 2019.

** ترجمة عن الإيطالية أمل بوشارب

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى