شهادات

صيف قائظ وحب جارف/ وائل السواح

كان صيف 1980 صيفاً قائظاً بكلّ المعاني. قبل أن نوغل في ذلك الصيف، كنت في مدينة حماة، في زيارة لأختي مهى التي رحلت عنا إلى الأبد مطلع الألفية الجديدة. كانت مهى مصدراً لا ينضب لسعادتي. كنت أجلس إليها ساعات نتحدّث في كلّ شيء: عن أولادها الثلاثة وزوجها، عن روايات كوليت خوري التي كانت تعشق قراءتها، من دون أن تجد صدى جيداً لدى زوجها، عن أفلام سعاد حسني ومجلة الكواكب، عن الماركسية ولماذا كنت أرى في الشيوعية خيراً عميماً لسوريا والعالم. ليلاً، مدَدْتُ فراشاً في غرفة الضيوف ونمت، بعد قدحين من العرق الأغبش والمازة الرائعة التي كانت تعدّها مهى ببراعة. بعيد منتصف الليل، أفقت على حركة في البيت. كانت أختي وزوجها يتنقلان بين الصالة والشرفة. نهضتُ، أستفسر الأمر. “خير؟” سألتُ. وأخبرني مجد الدين، ابن عمي وزوج مهى، أنه علم من أصدقاء له أن المخابرات العسكرية والجيش كانوا يمشطون الحيّ الذي كانوا يسكنون. كان وجهه مسكوناً بالقلق. وكنت أفهم ذلك، فقد كنت ملاحقاً، أحمل هوية مزوّرة، باسم وليد ل. من مدينة التل بريف دمشق. فإن كشفت عن هويتي الحقيقية، اعتُقلت، وإن تمسّكت بأنني وليد ل.، فسأكون مشتبهاً به ممتازاً: فما الذي يربطني بهذه العائلة، ولماذا أنام بين أفرادها؟ اقترح مجد أن يقول لهم إنني تاجر دمشقي أزور المدينة بقصد التجارة، وقد تأخّر بي الوقت، فعرض عليّ مجد، وهو تاجر أقمشة معروف في المدينة، أن أبيت عنده. ولم يكن ذلك أفضل الحلول ولكنه كان الحلّ الوحيد الممكن. في الخارج، أخذت الضجّة تقترب من البيت، وبدأ الخوف في صدري يزداد كتزايد موجات البحر آن المدّ، ويزداد في الوقت نفسه القلق في عيون أختي وزوجها وولديها الكبيرين، الذين كانا – كأي مراهقين في المدينة –عرضة للاعتقال والغياب الطويل في تلك الفترة. حين دخل الجنود الحارة، توقّف زوج أختي عن الخروج إلى الشرفة، وصار يتلصّص من النافذة، ويزداد شحوباً. ورحت أعيد السناريوات الممكنة، وتبيّنت أن سيناريو التاجر الدمشقي ليس سليماً. فإن انكشفتُ، سيعودون إلى زوج أختي وأولادها وينهون حسابهم معهم. قرّرت أن أتلف هويتي المزوّرة وأن أعترف باسمي، فهو أسلم، ولعلهم لن يحمّلوا أختي وزوجها جريرة استضافة أخيها، اليساري المطلوب.

طلبت من أختي مقصاً وقطعت البطاقة المتقنة التزوير التي كانت لدي وروميتها في حفرة المرحاض وشدّدت حبل السيفون، ورحت أرقبها وهي تغوص في الماء، ويغوص قلبي معها. كانت هوية رائعة، وقد أنقذتني مراراً أثناء التنقل بين المدن، حين كان العسكر يعتلون الحافلة ويطلبون هوياتنا، فأخرجها لهم بثقة، يتأملونها لحظة ثمّ يعيدونها إليّ من دون أي شبهة. المرّة الوحيدة التي لم تجدِ معي كانت في دمشق، في ساحة الأمويين. كنا نسير، رفيق لي وأنا، في مساء كانوني شديد البرودة، فتوقفنا دورية رابضة أسفل شارع المالكي. مدَدت يدي إلى جيبي بثقة وأخرجت البطاقة وناولتها لعنصر الأمن الذي أوقفنا. كان أصحابه في السيارة البيجو البيضاء الواقفة فوق الرصيف، اتقاء البرد. أخذ الشاب البطاقة وتأمّل فيها، ثمّ تفرّس في وجهي زمنا، وصمت دهرا، قبل أن يعيد لي البطاقة، ويبتسم.

“هل تمرّ إلى بيت أهلك أحيانا؟” سأل بصوت منخفض، محاذراً أن يسمعه من في السيارة.

نظرت إليه بدهشة ورعب وتوجّس.

“ما عرفتني؟ أنا وديع”.

وحين لم يبدُ عليّ أنني ميّزته، أضاف: “مدرسة الوليدية، الميتم الإسلامي”.

وشهقت. رفع سبابته محذّراً وأعاد لي هويتي، وقال:

“دير بالك ع حالك! أنا ما شفت شي”. واستدار مبتعداً صوب رفاقه في السيارة. ومشينا رفيقي وأنا مبتعدين من الرجل والسيارة وساحة الأمويين، ونحن لا نصدّق أننا نجونا. ورحت أستعيد شيئاً فشيئاً ملامح صبي كان معي في المدرسة، في الصف الرابع أو الخامس، أميل إلى الطول، يشبك ذراعه في ذراعي في الفرصة، ويسطو على مصروفي اليومي بحجة اقتراضه، دون أن يعيد يوما ما أخذ. كان يتيم الأم، غالباً ما يأتي إلى المدرسة بمريول متّسخ، ونادراً ما كان يقوم بواجباته في البيت. وقال لي صاحبي وهو يلهث: “معجزة! ما حصل للتو معجزة”.

اقتربتْ الضجّة من أسفل البناية، وتجمّد قلبي من الخوف. واستسلمت لأي شيء يمكن أن يحدث. سمعنا أسفل الدرج حواراً يبدو أنه حصل بين رئيس الدورية وبين جار يسكن في الطابق الأرضي من البناية. كانت البناية صغيرة من طبقتين اثنتين وشقّتين فقط. في الطبقة السفلى كان يسكن مسؤول صغير في الحكومة، وكان في الوقت نفسه قريباً لصهري. وتناهى إلينا سؤال من كلمة واحدة:

“وفوق؟”

“فوق ابن خالتي. ما حدا غريب”.

بعد ثوان مرّت دهوراً، أُغلق باب البناية، وسمعنا خطوات أحذية العسكر تنتقل إلى البناية المقابلة.

نجونا! وتنفّست أختي وزوجها وأنا الصعداء، وسقطت على الصوفا الكبيرة في غرفة الجلوس، وأنا أصطنع ابتسامة، وقالت مهى: “الحمد لله على السلامة”، أما زوجها فبقي صامتاً، وهو لا يصدّق أنه نجا.

ثمّ جاء الصيف. اشتدّ الصراع بين السلطة والإخوان المسلمين وتحوّل إلى كسر عظم. تمّ تمرير القانون 49، وساوت السلطة بين الإخوان المسلمين وكلّ حراك شعبي، ورمي آلاف الشباب في سجن تدمر والمزة وفي أقبية فروع التحقيق، واعتقل معظم المتدينين الذين يتراوحون بين 16 و40 سنة. وتخلّى حافظ الأسد عن سياسة الانفتاح التي بدأها في ربيع 1980، فأعاد اعتقال رفاقنا في الرابطة، وأنهى التنظيمات اليسارية الصغيرة كاتحاد الشغيلة والفصيل الشيوعي وحركة النهوض، ودمّر مفاصل الحزب الشيوعي – المكتب السياسي، وغُيِّب زعيمه في زنزانة تحت الأرض 18 سنة.

كنا في لجنة العمل نعمل ليل نهار على الإعداد للتقرير الذي سيصدر بعد شهرين وسنعلن فيه تجميد شعار إسقاط السلطة، واستبداله بـ”دحر الحلف الرجعي الأسود ودحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية”. وكنا نعمل على أكثر من جبهة، داخلياً، كان علينا أن نقنع الرفاق بضرورة تغيير خط الرابطة وخلق هدنة مع النظام، ولم يكن ذلك يلقى صدى طيباً في أوساط معظم الرفاق. كان مبرّر وجود الرابطة مخالفة السائد وخلق تيار ماركسي لا يأبه للألعاب السياسية، فكيف إذاً في غمضة عين، نتخلّى عن كلّ ذلك؟ وحتى في داخل لجنة العمل، كان ثمّة مَن ينظر بعين الريبة إلى ما نقوم به. خارجيا، كان الخلاف بيننا وبين الحزب الشيوعي– المكتب السياسي يتفاقم. وأخيرا، النظام الذي أطلق سراح رفاقنا في 4 شباط/ فبراير، سرعان ما عاد يعتقلهم من جديد. وإلى العسكريين الأربعة الذين احتفظ بهم الأسد، سنخسر في ربيع وصيف 1980 رفاقا آخرين، بينهم حسين محمد وجفان الحمصي ونهاد نحاس، واثنان على وجه الخصوص سيكسران قلبي: برهان الزعبي، شريك الكومونة، المشاكس الجميل، وجمال سعيد، رفيق التشرد في دروب دمشق القديمة.

في 26 حزيران/ يونيو 1980، كان الرئيس حافظ الأسد يودّع ضيفه الرئيس النيجيري حسين كونتشي سورية في قصر الضيافة في حي أبي رمانة. وعلى الدرج الضيق الخاص أمام القصر، تقدّم أحد الحرّاس من فريق حماية الأسد نفسه وألقى صوبه قنبلتين يدويتين، صُدَّت الأولى وتمّ إبعادها، واحتضن أحد أبرز مرافقيه الثانية، فلقي حتفه ونجا الدكتاتور! وتبنّى تنظيم الطليعة الإسلامية المقاتلة محاولة الاغتيال هذه لاحقاً.

في الثالثة والنصف من فجر اليوم التالي جُهِّزت مجموعتان من سرايا الدفاع، تبلغ قرابة المائة، بإشراف رفعت الأسد وصهره معين ناصيف، وبقيادة المقدم سليمان مصطفى. نقلت المجموعة في عشر حوّامات من مطار المزة، ووصلت في السادسة صباحاً إلى تدمر، حيث عقد ضباط العملية اجتماعاً تمّ فيه تحديد المجموعة التي كلّفت بدخول السجن، وسُميت “مجموعة الاقتحام”. وروى بعض الناجين من المجزرة الذين التقيتهم في فرع التحقيق قبل نقلنا إلى تدمر الرعب الذي انتاب السجناء في تلك الصبيحة. لم تكن الحياة قد دبّت في السجن بعد، وقد صحا السجناء من نومهم وجلسوا ينتظرون طعام الإفطار وما يرافقه من تعذيب صباحي. ولكن حين فُتحت الأبواب، لم يدخل الطعام. بدلاً من ذلك اقتحم العساكر المسلّحون المهاجع وبدأ الرصاص ينهمر على المعتقلين كالبرَد.

وكان صيفي أنا حارّاً أيضاً. في حزيران، قرّرت فادية الانفصال عني، وعشت حالة من انعدام الوزن والضبابية، وبينما كنت أقفز من بيت إلى آخر وحارة إلى أخرى لأروّج لتقرير آب/ أغسطس، منشغلاً بسؤال: كيف يمكن لشاب في الخامسة والعشرين، ملاحق من المخابرات، وليس له بيت محدّد وحياة طبيعية، أن يعثر على امرأة يحبّها قليلاً، وتحبّه.

“سوسنةً على قبر

جرحاً في قصيدة

هكذا تريد أن تكون أيها الولد الصغير القابع في داخلي.

ورد من شمع

حديقة موتى

هكذا تريدين أن تكوني أيتها البنت الصغيرة الراكضة في شوارع قلبي.

وأما أنت أيتها التي لا أعرفها،

فأي شيء تريدين أن تكوني؟

أي شيء

تريدين أن تكوني؟”

ثمّ جاءتْ، من بعيد، لتبدّدَ الوحشة التي كانت تغطّي مساحة القلب.  فتح لي صديقي الشاعر موفق سليمان باب بيته الصغير المنزوي في آخر مساكن برزة، وقال لي ضاحكاً: “ادخل، ادخل. حماتك تحبّك”.

“لا أعتقد،” قلت ساخراً، ودخلت. زوجته اللطيفة “فتاة” كانت تعد العشاء، بينما كانت ابنته الصغيرة، بلاد، تلعب بدمية قماشية زهرية اللون. كان موفق سليمان من أصدقاء حمص، رفيق شلّة الأصدقاء الخمسة الذين كانوا يتسامرون حتى ساعة متأخرة من الليل، ثمّ يسيرون في حواري المدينة يروون أشعارهم ويهربون من دوريات الأمن الليلية. سأعرف حين سأخرج من السجن أنه أصيب بنوبة قلبية أقعدته السرير سنوات قبل أن يصرعه المرض.

كانت رائحة الطبخ تملأ البيت الصغير بغرفتيه الضيقتين ومطبخه العاري. دخلتُ غرفة الجلوس، ورأيتُها. صبية نحيلة متناسقة، رقيقة الملامح، شاحبة البشرة، بعيون رمادية واسعة تتسع لبحار من الأسئلة. هنالك لحظات تخطفك من بين أصحابك، فتغيب عن الزمان والمكان لحظة ثمّ تعود لتدرك أين أنت. كانت تلك واحدة من هذه اللحظات. أبداً لم ينخطف قلبي كما فعل في تلك اللحظة.

لم تكن غادة العلي أوّل امرأة أحبها. أوّل امرأة أحببتها كانت وهمية، اختلقتها من خيالي ورويتها قصّة لأصدقائي في المدرسة. سمّيتها ليلى، وجعلتها بيضاء البشرة بعينين سوداوين، أقرب إلى الامتلاء، وبشعر قصير كشعر ابنة خالة أمي التي كنت أعشق رائحتها.

بعد ليلى أحببت زاهية، جارتنا في البناية، التي كانت تحبّ أن تغني لي أغنية محمد جمال وطروب:

“من فضلك يا ست البيت جعت وبدي اتغدّى

من فضلك يا سيد البيت، إيدك على الجيبة مدّا.

إيدي مش ممكن مدّا

وجنابك ما بتتغدّى.”

ثم جاءت سهر. مثل جميع رفاق الحارة وقعت في غرامها. كانت تسكن مع أسرتها في البناية المواجهة لبنايتنا، في طبقة تقع فوق الدكاكين مباشرة، منخفضة السقف، نسميها في حمص “نصيّة”. كانت تعرف أننا جميعاً مدلّهون في عشقها، فتفتح أحيانا نافذة غرفتها المطلّة على الحارة، وترمينا بنظرة واحدة عابرة ساحقة، ثم تغوص في الغرفة. وحين تسير في أمسيات الصيف مع أمها، بفستانها الليموني المفوّف بأرانب صغيرة متقافزة، ونسمات حمص الصيفية تداعب غرّتها، كنّا نتسمّر جميعا في أماكننا، من دون أن يجرؤ أي منا حتى قول كلمة واحدة، ونحن نرقبها جميلةً، أنيقةً، وسامقةً، تفوق معظمنا طولاً وعظمة ونبلاً، ثمّ تروح مبتعدة من أبصارنا وإن كانت لا تبارح خيالنا مطلقاً.

في المرحلة الثانوية أحببت بثينة، الشقراء، اللطيفة، الأنيسة، شديدة التهذيب، التي اصطحبتها مرّة – وكنت في البكالوريا – إلى السينما لنرى فيلماً لروك هدسون وكلوديا كاردينالي. تابعنا الفيلم، وأنا أفكّر في كلمات قصيدة أكتبها لها:

أبثينُ، إني عاشق

لكنّ حبي كالسراب

مالي أحب وارتضي

ذلّ المحبة والعذاب.

ككلّ أبناء جيلي كنت أحسب أن جمال الحبّ في الصدّ والسهاد، وليس في الحب نفسه. وحين قابلت حنان في الجامعة، لم يتعدّ حبي لها المشاوير المسائية وتناول الشاي في مقهى الرصيف في الجسر الأبيض، قبل أن أوصلها بالحافلة إلى بيتها في ركن الدين. كانت لحنان عينان تلتهبان اخضراراً وحماسة وألقاً، وكانت تحبّ أغاني عبد الحليم حافظ، وتتابع أفلام سعاد حسني، وتريد لو تكون شقية مثلها. في مكتبة الجامعة، كتبت لها بالفرنسية “Je t’aime”. كنت سمعت أغنية جين بيركين وسيرج غينسبورغ مئات المرّات. وكتبت لي “شو يعني؟” لم أجرؤ على ترجمتها للعربية، فكتبت بالإنكليزية:

Je = I

T’ = you

Aime = love

فأشرق وجهها بابتسامة غامرة واسعة وسع المكتبة والكلية والعالم، وكتبت: “Me too”!

تطلّعت إليها غير مصدّق. تركتها واندفعت كالصاروخ خارج المكتبة وحين صرت خارج المبنى، أسندت ظهري إلى جدار الكافتيريا، وهمست لنفسي: “هي أيضاً. تحبني!”.

بعدها كرّت المسبحة، فاتنة، تلك السمراء ذات العينين الصغيرتين الفاحمتين الشقيّتين، اللتين تغزلان عشقا وفتنة. سأقرأ ورقة نعيها بعد أربعين سنة على حائط في دمشق القديمة في أوّل سنوات الثورة. وفايزة، المديدة الأنيقة، بعينيها السوداوين الطاغيتين، التي تلفّ عنقها الطويل دائماً بشال حريري، وتحكي بهدوء فتهيمن على من يستمع إليها بدفء صوتها وتلك الموسيقى العجيبة التي تأتي من حديثها. ستمرّ بي بعد 20 سنة وأنا أدرّس في المدرسة الباكستانية بدمشق باعتبارها ولية أمر ابنة أختها، وكانت طالبة عندي. صعقني جمالها لحظة دخلت مكتبي كما صعقني حين رأيتها في المرة الأولى، إذ كنت ولداً بشعر طويل وملابس لها هيبة ولحية غير مشذّبة، وأعتقد واثقاً أنني لو مررت بها اليوم في شارع ما في بيروت أو باريس أو نيويورك، فسأعرفها فوراً، وسأصعق من جديد بجموحها وعمق السواد في عينيها. ثمّ ألمى، الدمشقية الشقراء، الصغيرة، الهادئة، التي كانت تكتب شعراً وتذوب رقّة وتحكي همسا على الدوام. تعرفّت إليها بعد أمسية قصصية لي، وقالت لي إنها أيضاً تكتب القصّة والشعر. تمشينا طويلاً حتى أوغل الليل في يوم شباطي بارد، وروت لي بعض قصائدها. لم يكن الشعر، ولكن الدفء والطراوة والسكينة التي كانت تتدفّق من صوت ألمى هي ما جعلني أقع في غرامها. ولكن ليس طويلاً! بعد 4 أسابيع من أول يوم التقيتها، جاءتني صديقتها الحميمة يوماً لتقول لي:

“تشرب شاياً؟” ثم على الطاولة المربعة الصغيرة في كافتيريا الكلية الآداب، رمت لي بقنبلتها:

“وائل، أحقّاً لم تنتبه إلى الخاتم الذي في إصبع يدها اليمنى؟”.

وقال موفق السليمان: “هذه غادة، أخت فتاة. جاءت من حمص راهناً”.

ثمّ إلى غادة:

“هذ وائل، صديق قديم من حمص”.

وضعتْ في يدي يداً صغيرة لدنة، فسرت من أصابعها النحيلة في يدي رعشة خفيفة. وخفق في الصدر جناحا طائر جارح وقع لتوّه في الأسر.

في هذه المادّة يتابع الكاتب السوري وائل السوّاح سيرة اليسار السوري في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الفائت، ويحكي هنا عن صيف 1980 القائظ.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى