الناس

رسائل القبور المنبوشة- مقالات مختارة-

==========================

الأسديزم/ عمر قدور

لم يحدث في التاريخ المعاصر أن شاهدنا هاربين من القصف يحملون معهم شواهد قبور أحبابهم، ولم نقرأ ما هو مشابه في التاريخ القديم، فقط حدث هذا في سوريا. لم يحدث أيضاً أن قامت قوات بعد احتلالها لمنطقة مستهدَفة بنبش القبور، بل تصوير النبش والتفاخر به، على منوال ما فعل شبيحة الأسد. التسجيلات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي استدعت من البعض استرجاع أحداث مشابهة في التاريخ البعيد، وهذا شديد السوء في حد ذاته لأنه يمنح السلوك الأسدي نسَباً قد يخفف من وطأة الجريمة، من دون انتباه إلى أن تلك الحوادث النادرة كانت ناشزة في زمنها.

مفجع أيضاً ما تلا الصدمة الأولى لنشر التسجيلات، عندما بادر البعض إلى التركيز على المنبت الطائفي للفاعل. الفاعل سنّي وليس علَويّاً، وعلينا أن نشكر القدر على ذلك، كأنما وهبنا مخرجاً للمسألة الطائفية! المفجع هو الانشغال بهذه الترّهات بما يؤدي إليه من تسخيف الجريمة الأصل، فوجود حوادث قديمة نادرة يلغي تاريخاً من سعي البشرية إلى الارتقاء بقواعد الحرب وقواعد السلم، والتركيز على المنبت الطائفي، في هذه الجريمة أو غيرها، يغيّب استثمار الأسدية في المسألة الطائفية كجانب من جوانبها لا غير، سواءً أتى التركيز لتجريم طائفة أو لتبرئتها لأن المستفيد في الحالتين هو من أوقع أصحاب الجدل في هذا المستوى.

نبش القبور، في خان السبل ومعرة النعمان بعد السيطرة عليهما مؤخراً، غير منقطع عن سياق الأسدية. سبق لميليشيات الأسد أن نبشت قبور ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، وسبق لها ارتكاب الفعل نفسه في مدافن مدينة حلب ومدافن مدينة دير الزور. أيضاً، وفق تقارير دولية موثّقة، يعمد الأسد إلى حرق جثث المعتقلين المقتولين تحت التعذيب ضمن محارق أنشأها لهذا الغرض، كنوع من العقاب الجماعي لأهالي الضحايا الذين يُبلّغون بمقتل أبنائهم، من دون الحصول على الجثة ودفنها وحتى القيام بواجبات العزاء المعتادة.

في تمرين أقدم، قامت جرافات الأسد بطمر جثث مذبحة حماة وتسوية الأرض فوقها. قرابة ثلاثين ألفاً من أهالي الضحايا لا يعرفون أين هي جثث أحبائهم؛ هذا هو المغزى الأساسي الذي يتكرر يوماً بعد يوم، ومن الخطأ الشديد ردّ السلوك الأسدي البربري إلى رغبة في طمس معالم الجريمة. طمس معالم الجريمة سلوك يلجأ إليه مجرم يرى نفسه تحت طائلة المساءلة حاضراً أو مستقبلاً، والأسدية قائمة على يقين عميق مفاده إما الإفلات التام من العقاب أو السقوط التام، مع أرجحية للاحتمال الأول يعززها التواطؤ الدولي الذي عشناه في السنوات الأخيرة اللاحقة على الثورة.

إننا نكون أكثر أمانة في التوصيف عندما نرى في مطاردة الموتى، عبر نبش قبورهم أو إخفاء جثثهم أو إحراقها، نوعاً من استكمال الجريمة الأسدية لا من قبيل محاولة إخفائها. الهدف هو توسيع دائرة العقاب والقهر الجماعيين إلى أقصى ما يمكن. والنزوع الاستكمالي قد نرى نماذج له في الحقل الجنائي الشخصي مثل القاتل التسلسلي، لا في ما يُسمّى “الجريمة الكاملة” التي تكون غاية المجرم فيها تضليل العدالة. أما في الحقل السياسي الحديث فإن الجريمة التي تمت بصلة قرابة للأسدية هي محارق النازيين، وتلك المطاردات الممنهجة في حق اليهود والغجر. القرابة تتعين في حقل الإبادة التي يُراد لها أن تكون تامة، فلا يُكتفى بالقتل بل يُستتبع بحرق الجثة أو التنكيل بها، فضلاً عن العقاب الجماعي.

ما تمتاز به النازية عن الأسدية أنها كانت نظاماً بالمعنى التوتاليتاري للكلمة، بينما الثانية أقرب إلى خلطة من الاستبداد ومفاهيم الغزو القديمة بأسوأ أنواعها، لكن مع امتلاك تقنيات حديثة. في هذا المضمار تتقاطع الأسدية مع التنظيمات الإسلامية الأكثر تطرفاً، أي من حيث العقلية القديمة التي تعتمد تقنيات حديثة، لتأتي بعض نماذج السلوك المتطابقة بين الطرفين كنتيجة منطقية. تعاون الأسدية مع التنظيمات الجهادية كان بارزاً ومكشوفاً في أكثر من محطة، وذلك ما تعرفه جيداً أجهزة الاستخبارات الدولية، إلا أنه لم يدفع بالأسدية إلى قائمة الإرهاب الدولي على النحو الذي وصمت به تلك التنظيمات.

لأسباب تتعلق بمصالحه، قارب الغرب إرهاب التنظيمات الإسلامية على مستويات مختلفة، وإذا تغلبت المقاربة الرسمية الأمنية فإن مراكز أبحاث وأفراد اشتغلوا على محاولة فهم الظاهرة من زوايا عديدة. في المقابل، لدينا ندرة في محاولة الغرب فهم الأسدية، رغم ما تسببت به للغرب نفسه من كوارث على صعيد دعم الإرهاب، ومن ثم على صعيد سياسة الإبادة والتهجير التي ألقت بعدد ضخم من اللاجئين السوريين إلى أوروبا. الاستغراب الذي يبديه غربيون “من طبيب العيون الذي لم تردعه دراسته في إنكلترا عن ممارسة الإبادة” ينمّ عن نقص المعرفة الفادح، وكذلك هو حال غربيين يرون في سلوك الأسد سلوكاً همجياً اعتيادياً قائماً على ثقافة الشرق، مثلما يرون في التنظيمات الإسلامية المتطرفة تمثيلاً لجوهر الإسلام.

نقص المعرفة بالأسدية يتوازى مع عدم تجريمها، بخلاف تجريم الإرهاب الإسلامي ومحاولة فهمه معاً. لا نستطيع تبرير النقص فقط بتقاعس الغرب عن الاهتمام بما لا يمسه مباشرة، الإبادة الأسدية لا تُقارن بمجازر رواندا على سبيل المثال، فهناك حصلت المجازر بسرعة قياسية، ولم تكن القوى الدولية حاضرة، في حين تستمر الإبادة الأسدية منذ تسع سنوات على مرأى من القوى الدولية الموجودة على الأراضي السورية، أو تلك التي تطاولها آثار المجزرة. الحضور الدولي الشاهد على الإبادة يمنحها مغزى معاكساً لما حصل بعد القضاء على النازية، فكما نعلم كانت محاكمة النازية وتجريمها في صلب النظام الدولي المنبثق عن الحرب العالمية الثانية، وعدم تجريم الأسدية بمثابة انقضاض على المنجزات الحقوقية والمفهومية المستخلصة من درس النازية.

تقدّم لنا الأسدية كافة المعطيات لتُعرف عالمياً بالـAssadisme، مثلما صار لمصطلح Jihadisme حقله الدلالي المعروف عالمياً، وقبل ذلك مصطلح Nazisme. نحن بحاجة إلى توازي التعريف والتجريم الذي يوفّره إصطلاح من هذا النوع، كي لا نبقى في دائرة البرهنة على تجريم الأسدية. لا يقل إلحاحاً عن ذلك أن تتفق غالبية السوريين على الحقل الدلالي الذي تعنيه كلمة الأسدية، فلا يحضر الاختلاف حول فهمها وتأويلها مع كل مجزرة، أو مع كل قبر يُنبش أو جثة قتيل تُحرق.

————————–

الدولة الشبحية ونبش القبور/ معبد الحسون

في العامين الأولين من عمر الثورة السورية، درجت عادة تسريب فيديوهات شاذة وقبيحة. جارحة للمشاعر العامة، وصادمة وغير متوقعة ولا معقولة، تحت أي مسمى أو تصنيف يمكن توثيقه في تاريخ الحروب. ذاكرتنا ما تزال ممتلئة بالفيديوهات المصورة؛ من أمثال جلاد يأمر ضحيته المتعذبة والمسحوقة حتى الهلاك لكي يردد: “مين ربك ولاه؟”. “اسجد لصورة الرئيس وقول بشار ربي ولاه..!”. جميعنا مازال يتذكر كثيراً تلك الفيديوهات التي شاعت وانتشرت، والتي كان نظام الأسد حريصاً على تسريبها لوسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي باطّراد متعمد ومقصود، ضمن خطة تصعيد أُوار الحرب الأهلية، وتفجير أوذام الطائفية المتقيحة منذ عقود، والقطيعة ما بين طوائف السوريين، وإحراق السفن بحيث لا يفكرُ سوريّاً أن يلاقيَ سوريّاً آخر في منتصف الطريق.

في تلك المرحلة لم يكن ثمة احتلالات. أو على الأقل لم تكن الاحتلالات صريحة إلى حد الوقاحة كما هي عليه اليوم. كان النظام وحده المتمكن والمسيطر، وصاحب القرار في إدارة أساليب البطش، والتحكم بمعايير العنف ودرجاته وعتباته، وكانت الصورة المسربة عبر الفيديو، إحدى وسائل التحكم في التأثير على الجمهور الموالي والجمهور المعارض، على حدٍ سواء، وحسب الرسائل المطلوب توصيل مضمونها لذلك الجمهور.

النظام كان وما يزال طائفياً، كدأبه منذ عقود، ولذلك لم يكن في رسائله السابقة أية شيفرة ضمنية مستحدثة، أو معادلات رياضية معقدة، تحتاج إلى اختصاصيين لتفكيك غموضها المعجِم. ولا كان ثمة معضلات خفية، تذهل عن حسّ الناس الفطري، وما ائتلفوا عليه من طبيعته المتوحشة. أما في الفيديو الأخير الذي سربه النظام عن قصد ونية مبيتة، فكان كل شيء يختلف عن “أفلام”الماضي. يختلف كثيراً في الشكل والمضمون. مثلما تختلف فيه الرسائل، ومسرح التمثيل والإخراج. ويختلف في الظروف المحيطة، وفي الرسائل الضمنية التي ينطوي عليها.

ثمة ما يمكن لحظه في أفلام السنوات الأربع الأولى، ولا يمكن القفز عليه أو تجاوزه والاستخفاف بأهميته. فقد كان قطبا التوحش الرئيسيين: نظام الأسد وتنظيم داعش، كلاهما يتسابقان في حلبة سباق تصوير التوحش والتباهي به. واستعمال كل حشوة القذارات التي انطوت عليها خبيئتهما، كسلاح مواجهة في المعركة مع الجمهور. والحرص على كل ما هو مستشنع وفظيع في أعين السوريين، وأعين البشر جميعاً، وبمنتهى القصدية المصحوبة بالفخار والتكبر. كان العالم منقسماً فقط في المسألة الخلافية فيما بينهما: أيُّ الطرفين يستحق جائزة عالمية في عربدته أكثر، وقبحه أكثر..! أيُّ القيح والصديد المصوَّر في فيديوهات الدولة الشبحية في الشام، والدولة الشبحية في العراق والشام، يستحق أن يُسَجَّل كسابقة في تاريخ التوحش والفجور الذي لا يتصوره حتى الخيال.!

الفارق بينهما أن تنظيم داعش كان يتبنى ما يصوره رسمياً، ويعترف علانية بجراءته على القتل الجماعي والحرق وإغراق الأحياء أو جزَّ رؤوسهم أو بتر أعضائهم. النظام لا يعترف رسمياً بأفلامه، وإنما يتبرأ منها في العلن، أو يصمت عنها. وإن يكن بطريقة خجولة ومخاتلة. ويبرر عادةً كل ذلك، بأنها “تصرفات فردية”، و “أفعال غير مسؤولة”، لم يأمر بها على المستوى الرسمي.

داعش ربطت نبش القبور وتسويتها بالأرض، ربطاً مُحكماً بأسباب تتصل بتشريعات الدين والعقيدة. أي أنها خرجت من حرج الاعتداء على الموتى وسكون مقابرهم، بكونه عملاً يُفاخَر به باعتزاز، طالما أنه يقع تحت المحجة التشريعية والمعتقدية. وبذلك منحت همجيتها صبغة دينية إيمانية. ورشَّت على انتهاك حرمة الموتى سُكَّراً بطريقتها المعهودة، وعلى جنايتها البالغة الفجور، شيئاً من مُنَكّهات المعتقد وروحانية الإيمان. نظام الأسد ظل يراوغ وينكر، حتى اللحظة، أنه أمر بذلك، أو كانت له ردة فعل، أو تعليق على ما يجري. ولكن في كلا الحالتين، حالة الاعتراف المجاهَر به، أو عدم الاعتراف المسكوت عنه، يبقى شيء واحد مشترك؛ ألا وهو إحداث الصدمة من خلال رسائل الفيديوهات، وترك الصورة لتفعل فعلها في الجمهور العام.

في الفيديو الأخير الذي يظهر فيه مقاتلون في صفوف النظام، وهم يدمرون قبوراً في إدلب وينبشونها، ويتلفظون بعبارات محتقِرة لموتى قضَوا منذ سنوات عدة، سوف نلاحظ رسائل مبطنة جديدة، لم تكن محمولة في فيديوهات الماضي، ولا بالوسع قراءتها فيما سبق:

أولى الرسائل، هي أن صاحب القرار في تسريب الفيديوهات، الأعلى كعباً والأكثرَ حظوةً وسطوةً وقوةً، في مسرح الحرب، هم الروس وليس نظام الأسد. هذا العنصر الطارئ الجديد، يمكنُ حملُه على محمول التشهير بالنظام، والإمعان مزيداً في تصفيره، تمهيداً لإزاحته من المشهد. الأمر الذي يُذَكِّر ببعض الفيديوهات الكثيرة، التي ظهرت خلال العامين الفائتين، والتي لم يكن من قصدٍ وراءها، إلا إفهام السوريين والعالم أجمع، أن الحاكم العسكري لسورية هو الضابط الروسي فحسب، وما الأسد ودولته الهلامية الشبحية، سوى أدوات صغيرة تشتغل في ماكينة الحرب الروسية وليس غير.

إذا أضفنا مضموناً آخر، كان ظاهراً في الفيديو بمنتهى الفجاجة والفحش والقصدية في توصيل الرسائل، وهو أن الجناة الفاعلين هذه المرة، كانوا من أبناء إدلب أنفسهم، ومن أهل المنطقة، وليسوا “علويين”يعربدون على معتقل، أو أسير “سُنّي”في أحد مسالخ التعذيب، فإنّ الرسالة الروسية تغدو ذات مضمون مركب هذه المرة: الجميع في منطقة نفوذنا يعمل لصالحنا، وسوف يظل يعمل لصالحنا ما استمر نفوذنا وتواصل على الأرض. ونعني بالجميع كل الطوائف، وكل الإثنيات. ولا فرق بين سني وعلوي، ولا بين عربي وأعجمي، إلا بتقوى قيصر روسيا، وبالولاء وطاعة أوامر الدولة المستعمِرة الجديدة. خاصة أن القبر الذي حرص الفيديو على تظهيره بوضوح، يعود لأحد الشهداء من قادة الجيش الحر، الذين رحلوا فيما مضى من السنوات السابقة.

العالم أصبح مكاناً خطيراً على سائر الأحياء الذين يلوذون به مجبرين. لا لأنه لا يستطيع أن يقدم ضمانة للأحياء فحسب، مهما كانت الذرائع المقدمة تحت هذا السياق، وإنما بالأحرى لأنه لا يستطيع حتى أن يضمن الموتى. والأدهى من ذلك ليس في أن يستحيل كوكب الأرض إلى مكان خطير ومتوحش، ولا يملك قابلية العيش للبشرية جمعاء، بل في الصراحة الزائدة وغير المموهة ولا الملتبسة؛ كأن الجميع بات يقول بلسان الحال: ألم ترَ الأمم المتحدة ودولها الفيديو؟ ألم ترَ شعوب العالم وحكوماته أجمع، ما لا يمكن إنكاره أو تجاهله؟ ألم يرَ العرب والعجم، والمسلمون والكفار، والأخيار والأشرار، وأهل اليمين واليسار، وأصحاب المبادئ الإنسانية والمبادئ الشيطانية، ما رأيناه في الفيديو؟ ثم لم ينبسْ أحدٌ ما بعد ذلك، ببنت شفة؟ أو ينطق برأي، أو يشجب أو يعترض أو يستنكر أحدٌ هذا الهولوكوست الدموي، وهذا الجنون البشري ونحن ندخل في مطلع الألفية الجديدة بعد الالفين.؟

كان الأمر كذلك في عهود الماضي الغابرة، ولكن في شيء من التمويه والتبرير وقلة الشفافية والصراحة. وما زال الأمر على ما كان عليه في الماضي، في عالمنا اليوم. ولكن بصراحة مطلقة وشفافية حاضرة، لا ينقصها الفصاحة وبيان الرأي والتعبير. فقط بات مطلوباً من الإنسانية أن تستعد لتتأقلم مع معطى جديد من وجوه الحضارة الإنسانية الجديدة والمعاصرة، التي لم يبق فيها من الإنسانية إلا الاسم، ولا من القيم العادلة والفضائل إلا الرسم.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار

بروكار برس

—————————-

النباش الأول والنبّاش الأخير/ محمد جمال طحان

الساحات تمتلئ بجثث الأبرياء في سوريا على أيدي ميليشيات الأسد وحلفائه من الايرانيين والروس وحزب اللات، وقوات الأنظمة في العراق ولبنان والسودان والجزائر وإيران واليمن التي لا تتورع عن قمع المتظاهرين بكل الوسائل، فيتساقط الشهداء.

كلما اصطدمنا بحالة موت إنسان عزيز أو قريب منّا نقف مدهوشين وكأنّها المرّة الأولى التي يحدث فيها هذا الشيء الغامض.

للموت هيبته وقد تجاهلها القتلة، بل إنهم تجاوزوا ذلك حتى اخترقوا حرمة المقابر.

قالوا، قديما، رحم الله النباش الأول. وقصة هذا القول، أن قرية في مكان بعيد، كان أهلها إذا دفنوا موتاهم، جاء شخص فنبش القبر، وسرق الكفن، بعد أن توفي ذلك النباش، ظن أهل القرية أنهم قد استراحوا، ولكن ابنه ورثه في نبشه، وأضاف إليه، فكان يسرق الكفن ويقطع رأس الميت، ويضع الرأس على القبر ليراه الغادي والرائح. فأصبحوا يقولون، بعدها، رحم الله النباش الأول.

في 25 أيلول 1920، دخل الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال هنري غورو دمشق بعد أن انكسرت أمامه قوات الأمير فيصل بن الحسين التي كانت بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة.

وبهذه الكلمات دخل غورو دمشق ووقف أمام قبر القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين ! قلنا هم أعداؤنا والحقد يحدوهم.

واليوم يفعل شبيحة الأسد ما هو أسوأ بقبر مهنا عمار الدين ابن مدينة خان السبل من قادة الجيش الحر قبل أن تنبت لحى أصحاب الرايات السوداء، استشهد في عام 2014 ولم يعرفه إلا أهل خان السبل. عاد اليوم ذكره على لسان كل السوريين الأحرار. هدموا قبره ليعلم الناس قصة بطل حتى وهو ميت كان مصدر قلق لهم. وكذلك فعلوا بقبور كثير من الأبطال ومن الأبرياء ليتوهموا بأنهم ينتصرون عليهم من خلال التمثيل بجثثهم ونبش قبورهم.

إنّ نبش المقابر نهجٌ تتّبعه العصابة الأسديّة منذ مجزرة المشارقة بحلب، فصبيحة عيد الفطر بتاريخ 11/08/1980 ارتقى 83 شهيداً من الأبرياء، على أيدي عناصر القوّات الخاصّة بإشراف العقيد السفّاح “هشام معلّا”والنقيب القاتل “غدير حسين”.

بعد الإعدام الجماعي قامت البلدوزرات بتسوية مقبرة هنانو بالأرض، أزيلت الشواهد ولم يبقَ سوى قبر هنانو والجندي المجهول؛ وأقيم على أنقاض المقبرة، بعد سنوات، ما يسمّى بـ”جامع الرئيس”.

يمر الموت في وقت محدد لكل نفس فيقطفها بحيث لا يوفر أحداً على مدى الدهر ليجسّد المساواة الكاملة بين البشر { كل نفس ذائقة الموت } بغير استثناء ولا وساطات، وحتى الأنبياء ذاقوا هذه الواقعة التي تكاد تكون الفعل الديمقراطي الوحيد الكامل الذي لا يقبل الرشاوي ولا تنفع معه الحيلة ولا يملك مكيالين ليفرّق بين غنيّ وفقير أو حاكم ومحكوم.

لا يمكن أن نستهتر بالموت أو أن نتناساه، وإنما يحسن بنا أن نستعدّ له بوصفه جسراً للانتقال من عالم إلى عالم كما ينتقل الجنين من رحم الأم ليغدو طفلاً في عالم أرحب.

حين ينتقل الطفل إلى عالم الحياة يبدأ بالبكاء على محيطه الذي ألِفَه غير راغب في مفارقته، لكنّه يتلقى الصدمة الأولى بالانفصال عن حبل السرّة، فإذا جاء إلى الدنيا ألفها وأحبّها ورغب عن مفارقتها حتى أنه يتهيّب من فقدانها والانتقال إلى عالم آخر تصفه الأديان بأنه الأجمل { الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور} لكنّه يبقى عالماً رهيباً وتنبع رهبته من كون عالماً غامضاً يجب أن نحبّه رغم غموضه بدلاً من محاولة الهرب منه من غير جدوى، كما لاحظ الإمام الشافعي:

ومــن نزلــت بساحتـه المنايــا فــلا أرض تقيــه ولا سمــاءُ

لقد جرّب / جلجامش / أن يهرب من الموت ويبحث عن سرّ الخلود بعد أن فُجع بفقدان صديقه / أنكيدو/ لكنه فشل؛ وفشل كثيرون قبله وبعده في التملّص من تلك الكأس الواجبة على الكائنات جميعها والتي هي رحمة لهم { محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة }.

والأحرى بنا أن نرحّب بتناول تلك الكأس فرحين لأن الحياة التي لا تنتهي تصيب المرء بالضجر، تماماً كما الكتاب الضخم الذي يستغرق زمناً خرافياً لقراءته، وكالعمل الطويل المرهق الذي ابتلي به /سيزيف/ في رحلة عذاب أبدية. ألا تصبح الحياة الطويلة مصدر إزعاج مستمرّ لنا، تحفّ بها الأمراض من كل جانب ونعتاد خلالها العالم حتى الضجر؟!

بل ألا يتمنى حينذاك كل من حولنا بأن تنتهي حياتنا لنتخلّص ويتخلّصوا معنا من حياة معذبة لا جدوى منها ؟

وإذا كنا جميعاً نقرّ بحتمية الموت وبكونه رحمة للإنسان فإننا في جهة أخرى نستبعد ضمناً أن ذلك سيحدث لنا ذات يوم.

وبما أن الموت واقعة حتمية، ألا يكون الأجدى لنا أن نعيش حياتنا بأسلوب نتعلّم فيه كيف لا يكون الموت مخيفاً من خلال اصطحابنا وثائق نظامية وعدّة كافية للرحلة الأخيرة.. عدّة تجعلنا نردّد بثقة قوله تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية } قبل أن يفوت الأوان؟!

العصابة المجرمة التي دفنت الأحياء لأنهم لم يقولوا ربنا بشار، ليس مستغرباً عليهم نبش قبور الأموات، فلا حرمة لديهم لا للأحياء ولا للأموات. إن الحقد أعمى قلوبهم، فانطلقوا ينتقمون بأقبح أشكال الانتقام وأسفل أخلاق يزدريها الإنسان.

فهل يمكن تصنيف أولئك الذين يذبحون ويغتصبون وينبشون القبور ليرقصوا على جماجم الراحلين، هل يمكن تصنيفهم بين البشر؟

لقد عاث موالو الأسد فساداً في قبور وأضرحة ومساجد عمرين عبد العزيز وصلاح الدين وأبي العلاء المعري وغيرهم من رموز الأمة، ظانين أن نبش القبور يشفي الصدور ، ولكنه ، في الواقع، يشي بأحقادهم ودونيتهم ويؤكّد بأن مثل هؤلاء كانوا بيننا شياطين يفسدون الحياة علينا ويوغرون الصدور، ولابد من استمرار الثورة حتى يطغى الحب على الضغينة وننعم بالحرية والكرامة ونرعى حرمة الأموات.

بروكار برس

————————

سوريون بلا أكفان/ بشير البكر

روى أحد المسؤولين في منظمات الإغاثة السورية أنهم كانوا يعملون قبل حلول الشتاء من أجل تأمين ما يساعد السكان على البقاء في مناطقهم في ريف إدلب، لكن المسألة انعكست تماما حين صاروا يصرفون ما جمعوه من مساعداتٍ ماديةٍ من أجل مساعدة الأهالي على مغادرة بيوتهم. وقال إن الوضع كان مأساويا، بسبب دمار كل البنى التحتية من محطّات مياه الشرب والمشافي والمدارس والأسواق والأفران. ومع ذلك كان المواطن يحسّ في بيته أن وضعه أفضل من أولئك الذين تم تهجيرهم من الغوطة وحمص وحماة، والذين ليس في وُسعهم تأمين متطلبات الحياة، وباتوا عاجزين عن استئجار غرفةٍ واحدة، وهم يعيشون في ظلال الأشجار. ويتحدّث هذا المسؤول أن منظمته صرفت مبالغ كبيرة على مساعدة آلاف العائلات الهاربة من القصف الروسي، وقصف النظام والمليشيات الايرانية من قرى أرياف إدلب نحو الحدود التركية. ويصف حال المهجّرين قسرا بأنه لا يمكن أن يُقاس بأي وضع آخر، كما أنه لا سابق له في الحروب الحديثة. ويقول إن الطلب على الأكفان ارتفع، في الآونة الأخيرة، بشكلٍ كبير. وهناك من بدأ يطلب من المنظمات الانسانية أن تقتصر مساعداتها على تأمين الأكفان، لأن عدد الوفيات يتزايد بين كبار السن، وهناك تقديراتٌ أن الوضع سوف يتفاقم في هذا الشتاء القارس.

ولا يأتي طلب الأكفان من فراغ، فهناك أرقام صارخة، تلخص حال الإبادة المنهجية التي يتعرّض لها جزء من الشعب السوري. وصدرت تقارير، في الأيام الأخيرة، عن منظمات الإغاثة السورية تفيد بأن العجز في المأوى وصل إلى 96%، وفي تأمين المساعدات الغذائية إلى 92%. وهذا يعني أن الوضع وصل إلى درجةٍ من الخطورة، يحتاج فيها إلى حملة إنقاذ دولي سريعة، وإلا ستقع الكارثة. وما يطلبه الناس اليوم هو توفير إيواء عاجل ومستشفيات ميدانية للحالات الإنسانية الطارئة، مثل الخاصة بكبار السن والنساء الحوامل والأطفال الذين يموتون من البرد على دروب التهجير. ولايكفي هنا إرسال مساعداتٍ عاجلةٍ فقط، بل يتطلب الأمر توفير منطقة آمنة من المعارك، مثل منطقة حظر طيران، لأن الجزء الأكبر من المآسي تسبّب به الطيران الحربي والبراميل المتفجرة.

في هذا الوقت، كان من بين أكثر الصور تداولا على وسائل التواصل السورية اقتحام مجموعة من شبيحة النظام مقبرةً في بلدة خان السبل في ريف إدلب. وصوّر الشبيحة أنفسهم فيديوهات، وهم يهدمون عدة قبور، ويستخرجون رفات أشخاصٍ ويحطمون شواهد قبور أخرى. ومن بين الذين ركّز عليهم الشبيحة أحد قادة الجيش الحر، مهنا عمار الدين، الذي ينتمي إلى القرية نفسها، واغتاله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014. وجرى تقديم الاعتداءات على القبور أنها حوادث انتقام فردية، قام بها شبيحةٌ سبق أن تم طردهم من المنطقة. وقد يكون هذا التبرير صحيحا، ولكنه لا يُسقط الأبعاد التي تركها الحادث الذي توقف أمامه السوريون على أنه صادر من خلفية النظام الذي يتعامل مع كل منطقةٍ يستعيدها من المعارضة على هذا النحو. وليس بالضرورة أن يتم نبش القبور، فهناك ممارساتٌ أخرى لا تقل انحطاطا، منها اقتحام البيوت وسرقة محتوياتها، وهذا ما يفسّر أن مهجّرين كثيرين في الموجات الأخيرة، منذ الصيف الفائت، لا يتركون خلفهم شيئا في المنازل، وصاروا يحملون معهم حتى النوافذ والأبواب الخشبية، وهناك من أحرق منزله، كي يحرم الشبيحة من الاستفادة من محتوياته.

لا يكتفي النظام بارتكاب جرائم التهجير القسري التي دفعت مئات آلاف من السوريين إلى الهروب من بيوتهم، بل يشجّع على سلسلة من الجرائم التي تعمّق الجراح، وتبعد المسافات بين السوريين.

——————————

نبش قبور الشهداء، أ تشفيّاً من الموتى أم انتقاماً من الأحياء أم أن وراء الأكمة ما وراءها/ نجد يزبك

لا يخفى على الباحث والقارئ أن ظاهرة نبش القبور ظاهرة منتشرة عبر التاريخ (الفراعنة- شمال وشرق أوروبا-الصين- أمريكا الشمالية…)

تعتبر ظاهرة نبش القبور ظاهرة موجودة في كل الثقافات، تتمحور أهدافها بين سرقة المقتنيات التي تدفن مع صاحبها، كما هو معروف في المقابر الفرعونية، وذلك بهدف تحسين أحوال الفاعل والتي تنطلق من سوء حالته المعيشية وحاجته أو باباً للتكسب كمهنة، أو قد يكون الهدف هو سرقة الجثة نفسها بدلاً من الأشياء، ربما لأسباب لها علاقة بالقيمة الأثرية والتاريخية أو الرامزة لشيء ما. وحين تكون القبور المنبوشة حديثة العهد لا يتجاوز عمرها مائة عام، غالباً ما يكون السبب التشفّي والثأر من عدو لم يستطع الطرف النباش من النيل منه حياً في حال تراكم الثارات والمرارات.

تُعَد القبور المصرية القديمة من أبرز الأمثلة على نهب المقابر، ففي وادي الملوك في مصر مثلاً تعرضت أغلب المقابر الموجودة للسرقة على مدار مائة عام ولم تسلم منها مقبرة توت عنخ آمون الفرعون المشهور التي نُهبِت مرتين على الأقل قبل اكتشافها في عام 1922. ولا يُعجز المؤرخون وعلماء الآثار معرفة ما إذا كانت المقابر قد نُهِبت أم لا، ذلك أن الفراعنة كانوا يحتفظون غالبًا بسجلات تدوّن فيها المقتنيات الثمينة التي تحتوي عليها مقابرهم.

كما عانى (البيزنطيون) أيضًا من سرقة المقابر والسراديب وتدميرها على مدار عقود طويلة.

كان لنبش ونهب القبور أثراً سلبياً كبيراً على العلماء والباحثين في دراسة الآثار، وتاريخ الفنون، والتاريخ مما يؤدي إلى تعرض السياق الأثري والمعلومات التاريخية والأنثربولوجية للتخريب.

أمّا نابشو وسارقو القبور الأفراد، في العصر الحديث، فعادةً ما يكون دافعهم نهب القبور وبيع اللقى.

هكذا إذن لا نبش إلا لسرقة، بغض النظر سواء أكانت للمقتنيات أم للجثة نفسها بما تحمله من قيمة تاريخية أو غير ذلك.

والآن في حقبة الأسد نشهد في منطقة “خان السبل” التي سيطرت عليها قوات الأسد مؤخراً بريف إدلب، يظهر مقطع فيديو يوثق تلك الفعلة الشنيعة، فنرى عنصراً يدعى “سامر حلوم”، يلقبونه بـ “الأصلع”، والذي سبق وأن توعد مؤخراً أهالي المنطقة بالانتقام من القتلى والأحياء، بنبش المقبرة.

ووفق نشطاء فإن الشبيح سامر حلوم من خان السبل، وكان قد ظهر في فيديو سابق يردد هتافات لبشار الأسد من على منبر مسجد في البلدة. ذلك هو النوع الثأري من نبش القبور بكل حمولته السياسية والأيديولوجية.

إذا كانت الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ وكانت القبور فقيرة بلا مقتنيات بقبور شهدائنا ولا جثث كاملة، فلا بد أن الهدف هو الانتقام من الفكرة التي تمثلها الجثة، أي الفكرة التي مات صاحبها مقاتلاً دونها. يجب لفكرة الثورة بالذات أن تُقتل فلذلك يجب أن يُقتل صاحبها مرتين لعل في ذلك درساً في الخنوع.

لم يتعمد نظام الأسد منذ بداية الثورة محاولة إخفاء جرائمة التي ارتكبها ضد الشعب السوري الثائر فقط، بل عمل على محو آثارها لكي لا يترك مجالا للمتتبعين والملاحقين لجرائمه من منظمات محلية ودولية ومحاكم لاحقا على إدانته، ابتداء من تصفية المعتقلين في سجونه السّرية والعلنية سواء بحرقهم أو بيع أعضائهم أو التخلص منهم من خلال دفنهم في مقابر جماعية، وليس انتهاء بمحاولة إخفاء وتزييف حقائق استخدامه للكيماوي  في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/آب 2013 والتي راح ضحيتها إثر استنشاق غازات سامة للأعصاب المئات من السكان وكذلك في خان شيخون حيث استخدم غازات سامة أيضا وراح ضحيته من المدنيين مائة ضحية وحوالي أربعمئة مصاب وذلك في 4 أبريل/نيسان 2017 .

ولا ننسى تكذيبه المستمر لأعداد المعتقلين التي تتحدث عن إحصائياتها المعارضة السورية، ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وأعداد شهداء الثورة من المدنيين، ومقاتلي الجيش الحر كذلك.

في المعارك الأخيرة في إدلب تتبدى الهمجية بأحط صورها، فعدا عن المجازر وإحراق الأرض ونهب الممتلكات وإجبار من بقي حيّا على النزوح، يصب الوحش جام حقده وغضبه وانتقامه على القبور.

السؤال الأهم هنا هل تحتفظ المعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان بسجلات المعتقلين والشهداء؟ لتحفظ لضحايا بشار الأسد ونظامه حقوقهم التي لم ينالوها أحياء، ولتفشل مسعى الهمجي في قتل فكرة الثورة.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار

بروكار برس

———————————-

نبش قبور السوريين .. التجانس ولو تحت التراب/ أرنست خوري

لم تحظَ فيديوهات نبش قبور السوريين في ريف إدلب والانتقام من الجثث والتنكيل فيها على أيدي مجرمي بشار الأسد، بشيء مما نالته في الإعلام الغربي خصوصاً، تسجيلات مشابهة مهرها تنظيما داعش والقاعدة بتوقيعهما. قبل ذلك، لم تحرّك مشاهد التعذيب والإعدام ولا وثائق قيصر من معتقلات البعث الأسدي أكثر من تأفف أوروبي وأميركي رسمي وشعبي، مرفق بنصائح بعدم المشاهدة، حرصاً على المشاعر والذوق العام، في مقابل هستيريا عامة تصيب الميديا العالمية في كل مرة كان الدواعش يصدّرون إلى العالم قرفهم بأحدث تقنيات التصوير والإخراج.

لا يغامر المرء إن اجتهد واعتبر أن هوية المجرم أصبحت الأساس في الحكم على الفعل، لا الجرم نفسه. يكفي أن يسمّي المجرم نفسه علمانياً أو من أقلية دينية، لكي ينال أسباباً تخفيفية على فظاعات يرتكبها، بينما على المشتبه بانتمائه إلى عائلة الإسلام السياسي تحديداً أن يبقى دائم التحسس لرقبته وهو يحكم أو يعارض أو يمارس أي شأن عام، لأن درجة التسامح مع أي خطأ قد يرتكبه تدنو من الصفر بما أنه “إرهابي محتمل” دوماً. “حكمة” لا تفعل مشاهد تدمير قبور السوريين في إدلب إلا تأكيدها، وإن كانت قديمة قِدَم اكتشافات حافظ ورفعت الأسد اللذين لم تتم محاسبتهما بأي شكل على جريمة حماة في ثمانينيات القرن الماضي، وقد كرّت السبحة منذ ذلك الزمن لتغدو أشبه بعقيدة عابرة للأقطار العربية: فهمها انقلابيو مصر أيضاً فتصرفوا بمقتضاها في اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، ولم يسمعوا إلا همسات غربية عن ضرورة تقليل عدد القتلى، وبعدهم استوعبها خليفة حفتر ليبني على الشيء مقتضاه ضد “الإرهاب الإسلامي” طبعاً، وقد صفّق له العالم ولا يزال، وكافأه بالسلاح وبالحماية السياسية والاعتراف به جنرالاً “تمكن مخاطبته”.

تسجيلات مثل فيديو تدمير أضرحة السوريين في خان السبل بريف إدلب، ونبش عظامهم من تحت التراب، مصوّرة لكي يتم نشرها. لكن سوق النشر هذه المرة ليس داخلياً، ولا هدفه إشاعة الرعب في قلوب السوريين مما ينتظرهم في حال استمروا على الخروج عن قطيع سلطة الأسد، ذلك أنه لم يعد هناك فعلياً مناطق تتعدى الـ2% من مساحة سورية بيد مسلحين ضد النظام يجدر تأديبهم وترهيبهم بفيديوهات مماثلة. مَن تجدر مخاطبتهم فعلاً هم السوريون اللاجئون في الخارج ممن تخبرهم فيديوهات الرعب الأسدي أنه ليس عليهم التفكير في العودة، فهو زمن “تجانس المجتمع” مثلما أخبرنا بشار الأسد تعليقاً على أن ملايين السوريين صاروا مهجرين في الخارج منذ أعلن حرب الإبادة على “غير المتجانسين” منهم.

أما الخارج البعيد المستهدف من هذه الفيديوهات، فهو “المجتمع الدولي” عموماً. إنها من نوع الرسائل التي لا تكلف الحاكم الروسي لسورية شيئاً، بينما من شأنها توفير مردود سياسي وفير. فعلى “المجتمع الدولي” ذاك معرفة أن في سورية مَن “يمكن مخاطبته”. هو ليس الجزار مفتول العضلات الذي ينبش القبر إثباتاً لولائه لـ”أبو يعرب” ما أو “كمال” معيّن، ولا قبله الوحش الذي يتلذذ في تعذيب المعتقلين، بل إن من يمكن توجيه الحديث إليه هو من أرسل الحفّار وضابط التعذيب، هو من أنزل أصحاب القبور إلى ما تحت التراب، أي الروسي الذي قتل السوريين، وهو لا يجد اليوم منافسة إلا من الإيراني الذي يخسر يومياً المزيد من النفوذ السياسي لمصلحة موسكو. من تجدر مخاطبته هو الروسي نفسه الذي كان أول من علم تلامذته في مليشيات الأسد كيف تنبش القبور عندما أشرف ضباط موسكو على سرقة جثث المجزرة الكيميائية في الغوطة عام 2013.

نبش قبور القتلى السوريين كان يحصل على بُعد مئات الأمتار على الأرجح من طريق التعزيزات العسكرية التي تنقلها تركيا إلى الشمال السوري الغربي، والذي بقيت منه أجزاء ضئيلة فقط خارجة عن سلطة ما سمّاها ميشال سورا “دولة التوحش”. دولة تخشى المسّ بقبر واحد، اسمه ضريح سليمان شاه، يمنع نبشه ولكن أيضاً يُمنع أن يجاوره موتى

سورية.

———————————

حَلُم السوريون ولن يندموا/ حسان الأسود

ظهر، أخيرا، في مشهد استعراضي غير نادر الانتشار، تسجيل مصوّر لجنود سوريين، بزيّهم العسكري الرسمي، يحطّمون شاهدة ضريح أحد الموتى في إحدى قرى إدلب بعد استعادة قوات النظام السوري السيطرة عليها. وبغضّ النظر عن توصيفنا للمتوفّى، شهيدا أم غير شهيد، وهو أمرٌ غير قابل للقياس ولا للتحقق، وبغضّ النظر عن دين الفاعلين أو جنسيتهم أو طائفتهم، وهو أمرٌ غير مهم في هذا المقام حصراً، فنحن بكلّ بساطة أمام فعل تحكمه قواعد قانونية وأخلاقية، إضافة إلى أنه يستدعي بعض المقارنات من التاريخ.

تنصّ المادّة 467 من قانون العقوبات السوري على: “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين: من هتك أو دنّس حرمة القبور أو أنصاب الموتى أو أقدم قصداً على هدمها أو تحطيمها أو تشويهها. من دنّس أو هدم أو حطّم أو شوّه أي شيء آخر خصّ بشعائر الموتى أو بصيانة المقابر أو تزيينها”. ونصّت المادة 16 من الملحق الإضافي الثاني الموقع عام 1977، والخاص باتفاقية جنيف لعام 1949 على: “المادة 16: حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة: يحظر ارتكاب أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، واستخدامها في دعم المجهود الحربي، وذلك من دون الإخلال بأحكام اتفاقية لاهاي بحماية الأعيان الثقافية في حالة النزاع المسلّح والمعقودة في 14 أيار 1954”. وتنص المادة 48 من الملحق الإضافي الأول لعام 1977 على: “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثمّ توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية”.

ولا مندوحة من الإشارة إلى أنّ شروط حماية الأعيان المدنية متوفرة في الحالة المحدّدة أعلاه، باعتبارها منطقة مدنية ذات طبيعة خاصة، وخالية من القواعد العسكرية. وهذا نزرٌ يسيرٌ من النصوص القانونية المتعدّدة التي يمكن إيرادها للإضاءة على موضوع حرمة الموتى والمقابر في الثقافة الإنسانية. وعلى الرغم من أنّه ليس كافيا بحد ذاته للإحاطة بالموضوع، لكنه لازم على كل حال.

على الصعيدين، الأخلاقي والديني، سُنّت عبر التاريخ الإنساني دوماً قواعد تُلزم البشر باحترام الموتى والجثامين. ولولا ذلك لما وجدت هذه القواعد طريقها لتصبح نصوصاً قانونية ملزمة في جميع قوانين العالم بلا استثناء تقريباً، فالإنسان ينظر إلى من سبقه، ثم يقيس على نفسه عموماً، ولا أحد يحبّ أن تُساء معاملته لا حياً ولا ميّتاً. لذلك رأينا حالات كثيرة لمطالبات برفات الجنود أو الأسرى أو حتى الجواسيس بين الدول والحكومات، ولعلّ تاريخنا المعاصر مليءٌ بأمثلة على مبادلاتٍ جرت بين حكومات وتنظيمات مسلّحة عربية وبين حكومات الكيان الإسرائيلي المختلفة.

وعلى الرغم من أنه لم تخلُ حقبة تاريخية ولا حضارة بشرية ولا عرق أو مجموعة سكانية من حالات تمّ فيها الاعتداء على حرمة الموتى، وعلى الرغم من أنه غالباً ما يكون هذا الأمرُ ملازماً للحروب والصراعات وحالات الفلتان الأمني والكوارث التي يسببها البشر بأفعالهم الخرقاء، فأن يتمّ تصوير هذا الأمر والتباهي به ونشر صور الرفات المستخرج من القبر ورفع إشارات النصر بمواجهته، هو بلا أدنى شكّ فعل مقززٌ، ومثير للتساؤل عن أهدافه وخلفياته.

يشكل الأمر مثالاً صارخاً عن سورية الأسد، فالنظام الذي لم يحترم يوماً الإنسان الحي ما كان له أن يقيم أي وزن أو اعتبار لجثامين الأموات. إنها رسائل متعمّدة يطلقها قادة هذه العصابة، عبر أزلامهم من الجهلة والأغبياء، رسالة المستقبل القاتم الذي يرومونه لنا ولكّل من تجرّأ على قول لا للطاغية. هي إذن أداة من بين مروحة واسعة استعملتها الأنظمة الديكتاتورية عبر عشرات السنين لقمع الشعوب، وكان النظام السوري أكثرها وقاحة في ذلك. وكما فعل بداية الثورة يفعل الآن، يصوّر الجنود والمرتزقة أنفسهم ويبثّون المقاطع للتدليل على هويّة المستقبل الواضحة، الأسد وقد حرقنا البلد.

لكن كما قالت المخرجة وعد الخطيب، قبل أيامٍ أيضاً: “لقد تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة”، ومن تحمّل البراميل والصواريخ البالستية والقنابل الفراغية والكيميائي، قادر على استيعاب صدمة نبش القبور وإعدام رفات الموتى مجدّداً. سيكون على الأسد وأمثاله أن يقلقوا من قادم الأيام، فمن استطاع أن يوصل صوته عبر السينما إلى أعلى المراتب العالمية سيكون قادراً على صناعة سورية جديدة خالية من الأسد.

————————–

رسائل القبور المنبوشة/ عبد الرزاق دياب

كانت فكرة مباغتة ومستهجنة أن يحمل السوري شاهدة قبر شهيده في رحلة خروجه هارباً من بيته، ولكنها فطرة الضحية في إدراك وحشية القتل، وهو الذي أمعن في قتل كل مكامن الحياة باسم الدفاع عن الوطن تارة، وعن التاريخ والعلمانية والطوائف تارة أخرى.

الشاهدة الدليل على ضريح الشهيد، وبوصلة القاتل في انتقامه من أولئك الذين هتفوا ضد سطوته، ورفعوا السلاح دفاعاً عن بيوتهم وأعراضهم بعد أن استنفدوا كل وسائل السلمية، ومناشدة العالم الصامت المتواطئ، ولهذا كان لا بد من حماية أولئك الذين كانوا سنداً قبل رحيلهم.

ومع دخول قوات النظام للقرى -التي دمرتها طائرات بوتين- بدأ انتقام الوحوش من القبور والجثامين، والتقطوا صور وحشيتهم دون وجل أو اعتبار، وهو ليس بالأمر الغريب فقد فعلوها من قبل مرات عدة في كل المناطق السورية، وما حادثة نبش قبر أحد الشهداء في باب السباع بحمص في الأيام الأولى للثورة، وإلقاء جثته أمام منزل ذويه من قبل المخابرات العسكرية إلا دليل على أن هذا السلوك هو عقيدة أصيلة في قلوب وعقول هؤلاء القتلة وأسيادهم.

في ريف دمشق الغربي تكررت نفس حوادث نبش القبور لأسباب أخرى، وقد عمدت أجهزة الأمن لذلك من أجل إيقاع الفتنة بين الأهالي، وذلك لإحداث اقتتال يخسر فيه الجميع، وحينها كان الوعي الجمعي حارساً من تلك الفتن عندما كانت الروح متوثبة وواعية.

في حرستا بغوطة دمشق الشرقية قامت قوات النظام بنبش قبور المسيحيين بحثاً عن الذهب، واعتقد هؤلاء أنهم ربما يجدون مجوهرات أو مصوغات ذهبية في توابيت المقبرة التي نبشوها بوحشية بعد أن أحاطتها السكينة طوال عقود طويلة بجوار مقابر المسلمين وبين ظهرانيهم.

فعلتها (داعش) بقبور ضحاياها، وبكل من اعتقدت أنه ضد اعتقادها الأسود حتى أولئك الذين طوتهم مئات السنين فهدموا قبور وتمائيل الشعراء والأئمة، وبنوا فوق ذلك أجيالاً من الحاقدين على كل ما يجعل الحياة ممكنة، وبهذا يلتقون مع شركاء القتل في فصائل الذبح الطائفية التي تحمي المراقد المقدسة هناك، وتهدم مقدسات الآخرين وبيوتهم وأحلامهم.

لم يفعلها أول قاتل في تاريخ البشر، وحين قتل قابيل أخوه هابيل حمله على ظهره باحثاً عن حل لجريمته كيف يخفيها، وماذا يفعل بها فأرشده الغراب إلى دفنها، وبعد كل رسالات السماء لأهل الأرض ما زال القتلة يمارسون القتل، وينكلون بجثث ضحاياهم، ولكنهم لا ينبشونها بعد سنوات فقط من أجل نكءِ جراح لا يمكن أن تشفى.

وهذا ما قاد إلى أسئلة يائسة عن سوريا القادمة، وكيف يمكن أن يقع السلم الأهلي بعد كل رسائل الموت والانتقام، ومع منْ..مع جحافل القتل واللصوصية ونبش القبور؟؟.

أي بلاد هذه التي لا يترك فيها القاتل أملاً للناس كي تنسى بعد حين دماء ضحاياها، وتغفر لمن أطلق النار على أبنائهم، وتصفح عمن كان مشاركاً بالإكراه والخديعة في هذه المقتلة الكبرى، وتترك للعدالة أن تقتص من ثلة القتلة الكبار والفاعلين؟.

هؤلاء لم يتركوا محرماً واحداً دون انتهاك، ولا جريمة إلا وأضافوا إليها لمساتهم، وابتدعوا كل ما يخدش كرامات الناس ويهين مقدساتهم، والخشية أن أبواب الرحمة بين السوريين باتت مغلقة إلى زمن بعيد، وأن الدم المسفوك بات أعلى من كل نداءات العقل، ورسائل هؤلاء النبّاشون تقول أمراً واحداً لم يعد الوطن يتسع لنا جميعاً.

تلفزيون سوريا

—————————–

فيلم غزاة القبور بإنتاج دولة الدستور/ منصور العمري

مقاتلون في قوات الأسد يدمرون قبرًا، يركلون شاهدته بأحذيتهم العسكرية، يبصقون عليه ويشرعون بنبشه، ثم يتوجهون إلى قبر آخر، وهم يصورون جريمتهم بلا خوف من عقوبة، بل بتفاخر. ليست هي الجريمة الأولى من نوعها، فنبش القبور عقيدة أسدية (الأمثلة أدناه)، واستهداف القبور ليست جريمة الأسد الأفظع. هذا النظام الهمجي يرتكب أبشع الجرائم وأحطّها، وتتصاعد عامًا بعد آخر بفضل جعجعة المجتمع الدولي بلا طحين، وآخرها الإبادة والتهجير الكبير شمال غربي سوريا، والتي لم تحظ حتى بالجعجعة.

من يريد من الأوروبيين والعرب إعادة السوريين إلى حظيرة هذا المجرم التاريخي فليذهب هو إلى جحيم الأسد، ومن يريد وضع دستور مع الأسد فليذهب إلى جحيم الأسد، ويعيش في دولة المؤسسات والدستور التي سيشارك في صياغتها.

الهدف الرئيسي من وضع دستور والوصول إلى “حل سياسي” بالمشاركة مع الأسد، هو تصنيف سوريا آمنة لإعادة اللاجئين إلى جحيم الأسد. فلتذهبوا أنتم ودستوركم إلى الجحيم إن أردتم، لكن لا تأخذوا معكم من نجا من المقتلة الأولى، ولا تكونوا جسرًا لعبور الأسد إلى ما تبقى من الشعب السوري.

يُشكّل استهداف القبور ونبشها والتنكيل بالجثث وعظام الموتى جرائم حرب وانتهاكات للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف والقوانين الوطنية، بالإضافة إلى مخالفتها لتعليمات الشرائع السماوية وأدنى المعايير الأخلاقية.

من البديهي أن تكون الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد صفة مُعرّفة لماضيه وحاضره ومستقبله، لكن من غير المفهوم، أن يتواطأ أي معارض لجرائم الأسد أو من لديه أدنى احترام لحياة البشر بالمشاركة في أي جهود أممية وأوروبية تعيد تأهيل الأسد، بما يخالف مصلحة السوريين وحقهم في الحياة بالدرجة الأولى.

من أوضح الأدلة على بداهة مستقبل نظام الأسد الإجرامي بالنسبة للسوريين، هو اصطحاب أحدهم شواهد قبور عائلته معه أثناء تهجيره من سراقب. كانت ثقته عالية وحدسه لم يخطأ بإجرام مؤسسات دولة الدستور، وهو ما رأيناه في مقبرة خان السبل.

—————————-

جنود الأسد ينبشون قبور الأموات في إدلب

إدلب: قامت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران، بهدم وحرق مقابر المدنيين، في المناطق التي استولت عليها مؤخرا بمحافظة إدلب.

وتواصل قوات النظام بدعم من سلاح الجو الروسي والميليشيات المدعومة إيرانياً، تقدمها في إدلب، بهدف عرقلة عودة اللاجئين إلى ديارهم.

وقام عناصر من قوات النظام السوري بتصوير ممارساتهم في المناطق التي سيطروا عليها بإدلب، ونشروا تلك المقاطع على حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي.

وتظهر المقاطع المصورة، عناصر تابعة لقوات بشار الأسد، يهدمون القبور في قرية خان السبل، التي سيطروا عليها بعد تهجير سكانها.

ويقول أحد “شبيحة” النظام وهو يهدم القبور: “انظروا لقد وعدتكم، قلت إنني سآتي إلى مقابرهم، وها قد أتيت ووفيت بوعدي وهدمت مقابرهم، والآن جاء الدور لعظامهم”.

كما يظهر في مقطع آخر دخول أحد الشبيحة إلى منزل أحد سكان القرية وإضرام النار فيه.

    في فيديو لعصابات الأسد عم يهدمو قبر شهيد بخان السبل حسبنا الله ونعم الوكيل اوغاد حيوانات حسبي الله ونعم الوكيل عليهم 😔ريف ادلب pic.twitter.com/kuhMhpkYF5

    — Amin Hajabdullah (@AHajabdullah) February 8, 2020

وفي مايو/ أيار 2017، أعلنت تركيا وروسيا وإيران توصلها إلى اتفاق “منطقة خفض التصعيد” في إدلب، في إطار اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري.

ورغم تفاهمات لاحقة تم إبرامها لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وآخرها في يناير/ كانون الثاني الجاري، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة؛ ما أدى إلى مقتل أكثر من 1800 مدني، ونزوح أكثر من مليون و300 ألف آخرين إلى مناطق هادئة نسبيا أو قريبة من الحدود التركية، منذ 17 سبتمبر/أيلول 2018.

(الأناضول

القدس العربي

————————

جنود الأسد ينبشون قبور خان السبل: الخوف من كلمة “شهيد

أثار تسجيل مصور لعناصر من قوات الأسد ينبشون قبور قرية خان السبل في ريف إدلب غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، كونها حادثة تتجاوز جرائم الحرب التي نفذها نظام الأسد بحق المدنيين، على مدار السنوات التسع الماضية.

وأظهر التسجيل المصور الذي نشر على نطاق واسع، منذ يوم أمس، عدداً من جنود الأسد يركلون شواهد القبور في منطقة خان السبل بريف إدلب، بعد سيطرتهم عليها، كما أقدموا على نبش إحدى القبور، التي تعود لعنصر كان سابقاً من القياديين في “الجيش الحر”.

    نبشُ القبور!

    لم يتوقف حقد، وتخلف، وإجرام ميليشيات جيش نظام ذنَب الكلب على استهداف الأبرياء من الأطفال والنساء، والشيوخ، والمستضعفين بالقتل والتّهجير بل تعدّى حقدهم وإجرامهم إلى نبش القبور، والاعتداء على الأموات وهم في قبورهم، كما رآهم العالَم يفعلون ذلك في مقابر ” خان السّبل pic.twitter.com/bx1Vmeh2jP

    — Maherzed1 (@Maherzed11) February 9, 2020

وتقدمت قوات الأسد في الأيام الماضية على مناطق واسعة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بتمهيد من الطيران الحربي الروسي، وبدعم بري من الميليشيات الإيرانية.

وبالتزامن مع تقدم قوات الأسد تداول ناشطون تسجيلات مصورة لعناصر من قوات الأسد، هددوا بهدم عدد من منازل المدنيين، ونبش قبور الموتى، والذين قضوا بالقصف الذي شهدته المنطقة في السنوات الماضية، أو خلال العمليات العسكرية.

وبحسب ما رصدت “السورية.نت” على مواقع التواصل الاجتماعي، شكّلت حادثة نبش القبور صدمة كبيرة، واعتبر صحفيون وكتّاب سوريون أنها تعتبر جريمة ضد الإنسانية “على مرأى المجتمع الدولي”.

وأشاروا إلى أنها تعبّر عن الكم الكبير من “الإجرام” الذي يتبعه جنود الأسد ضد المدنيين، المناهضين لنظام الأسد، أو الذين شاركوا في العمليات العسكرية ضده، في أثناء انخراطهم في تشكيلات “الجيش الحر”.

    إنهم يقتلون الشهداءمرتين…!!!

    هذا مشهد حي لحقد حثالة مجرمي جيش الوطن..! بمقبرة خان السبل

    البهيم الاصلع هو من نفس البلدة دخل مع مافيا الحقد والتوحش الى بلدته وبدء بنبش قبور شهدائها…….!!!

    لعن الله كل كلاب الاجرام الاسدي لهون وصل حقدكم يا خنازير .. pic.twitter.com/ro3Udi1dtE

    — Hussein Hamza (@HusayenHamza) February 8, 2020

الصحفي والباحث السوري، سقراط العلو علّق على الحادثة وقال عبر “فيس بوك” إن “نبش القبور غير مرتبط بالتوحش في سلوك النظام، فهو ارتكب بالأحياء ما هو أفظع، ولكن المقصود هو استهداف كلمة شهيد، في إطار حرب السرديات مع المعارضة”.

وأضاف العلو: “تم طمس شواهد القبور التي تحمل كلمة شهيد في كل المدن السورية التي استعادها النظام، وذلك لأن الكلمة أصبحت حصرية لقتلاه، وهو أمر لازم وضروري لانتصار سرديته بأنه يحارب الإرهاب”.

وبحسب العلو: “هزيمتنا ليست مادية فقط، وقد يكون جانبها المعنوي أشد إيلاماً”.

وإلى جانبه قال الصحفي السوري، المعتز بالله حسن عبر “تويتر” معلقاً على الحادثة: “لا يمكنك إرهاب شهيد بتحطيم قبره، فقد سبق مجيئك وارتقى”.

وأضاف: “ولا يمكنك إثبات شجاعتك بعملك هذا، فخوفك من مقام الشهادة هو ما دفعك للقيام بدنيئة كهذه. أنت فقط بفعلتك أظهرت مدى عمق القعر الذي وصلت إليه، منذ أن بعت قلبك وعقلك، وأيقنت متأخرا أنك ما عدت إنساناً”.

    لا يمكنك إرهاب شهيد بتحطيم قبره، فقد سبق مجيئك وارتقى.

    ولا يمكنك إثبات شجاعتك بعملك هذا، فخوفك من مقام الشهادة هو ما دفعك للقيام بدنيئة كهذه.

    أنت فقط بفعلتك أظهرت مدى عمق القعر الذي وصلت إليه، منذ أن بعت قلبك وعقلك، وأيقنت متأخرا أنك ما عدت إنسانا.#سوريا

    — المعتز بالله حسن 🎯 (@Almoutaz_bellah) February 8, 2020

الصحفي والكاتب السوري، عدنان عبد الرزاق شبه حادثة نبش القبور في خان السبل من قبل جنود الأسد بأنها على “خطى غورو”.

وقال عبر “فيس بوك”: “أي حقد يحمله هؤلاء وأي تعايش ستشهده سوريتنا، بعد أن أسس الوريث لهذا الشرخ واعتبر فيه طوق نجاته (…) قرأت وسمعت مراراً من أصدقاء، لابد من ضمانة تقدم لحواضن النظام وطائفته (…) أعلى النازحين وأهل القبور، أن يعطوا ضمانات لهؤلاء السفلة؟!”.

————————-

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى