سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4-

أحداث

البنتاغون يطالب بإنهاء الهجوم التركي… واردوغان: لن نوقف العملية رغم التهديدات/ هبة محمد

دمشق ـ «القدس العربي» ـ وكالات: وعد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمواصلة العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي شرق نهر الفرات شمالي سوريا، رغم الإدانات والانتقادات «والتهديدات» التي يطلقها بعض الدول.

وقال أردوغان في خطاب له، مساء الجمعة: «بغض النظر عمن يقول أو ما يقال (حول عملية نبع السلام) فإننا لن نتوقف عن هذه الخطوة التي اتخذناها»، مشدداً على أن بلاده اتخذت قراراً لا رجعة عنه بحل مشاكلها بنفسها ودون انتظار مساعدة من أحد، على حد تعبيره.

وتصاعدت خلال الساعات الماضية الضغوطات والمطالبات الدولية لتركيا بوقف عملياتها شمالي سوريا، بينما لوح العديد من الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، بعقوبات ضد تركيا، حيث بدأ بعض الدول بخطوات عملية، منها وقف تصدير الأسلحة.

وقال اردوغان: «عملياتنا لمكافحة الإرهاب في شمال العراق وسوريا لا تستهدف أبدًا سلامة الأراضي والحقوق السيادية لهذين البلدين»، مضيفاً: «وجودنا في سوريا ليس لتقسيمها وتجزئتها بل لحماية حقوق كل من يعيش فيها».

ولفت إلى أن بلاده تحترم استقلال دول الجوار «ولكننا نرفض أن يهدَّد أمننا واستقرارنا من داخلها».

وأكد على أن بلاده ومن خلال «تطهير شرق الفرات من الإرهاب وعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم»، «نرى أن السلام والأمن والرفاهية في هذه المنطقة الضاربة في القدم هي مفتاح للسلام العالمي».

وشدد على أن العملية التركية لا تستهدف الأكراد، قائلاً: «كفاحنا ليس ضد الأكراد، وإنما ضد المنظمات الإرهابية».

هذا وتخوض القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، معارك عنيفة ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وسط نزوح جماعي وصل حسب رقم أممي إلى 100 ألف نازح تقطعت بهم السبل، حيث اعتبر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، ان العمليات التركية شرق الفرات قد «تؤدي إلى كارثة إنسانية». وسيطر الجيش التركي بمشاركة «الجيش الوطني» على أكثر من 13 قرية وبلدة في ريف الحسكة.

من جهته كلف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دبلوماسيّين أمريكيّين ليلاً، بالتوسّط من أجل «وقف لإطلاق النار» بين أنقرة والأكراد. وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الجمعة، إنه خلال اتصال هاتفي الخميس مع نظيره التركي خلوصي اكار، «شجع تركيا بقوة على وقف» الهجوم، «لتمكين الولايات المتحدة وتركيا وشركائنا بشكل أكبر من إيجاد سبيل مشترك لاحتواء الوضع قبل أن يصبح غير قابل للإصلاح». وفي لاهاي، أعلنت وزارة الخارجية الهولندية تعليق تصدير شحنات أسلحة جديدة إلى أنقرة.

وفي موقف أمريكي لافت قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) أمس الجمعة، إن توغل الجيش التركي في شمال شرقي سوريا يلحق الضرر بالعلاقات الأمريكية – التركية، مضيفة أن الولايات المتحدة لم تتخل عن شركائها الأكراد. وقال إسبر للصحافيين في إفادة إن مسؤولين أمريكيين كبارا تحدثوا «مع كل نظرائنا وطالبناهم بوقف هذا التوغل»، نظراً للتأثيرات السلبية المترتبة عليه في زعزعة الاستقرار في أنحاء المنطقة. وأضاف إسبر «الضرر الجسيم الذي استشعره هو ما يلحق بعلاقتنا الثنائية».

وتتزامن الاشتباكات مع قصف مدفعي كثيف وغارات تركية متفرقة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى أن «قسد» تستخدم «أنفاقاً وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وعرقلة تقدم» خصومها.

وأحصى المرصد مقتل سبعة مدنيين وتسعة عناصر من «قسد» بالنيران التركية الجمعة، لترتفع بذلك حصيلة القتلى منذ الأربعاء إلى 17 مدنياً و41 مقاتلاً من قسد. وأعلنت أنقرة الجمعة مقتل أربعة جنود أتراك، وإصابة عدد آخر في إطار العملية العسكرية، وفق ما نقلت السلطات والإعلام.

وأعربت منظمة «أطباء بلا حدود» عن قلقها على مصير المدنيين، محذرة من أن التصعيد «سيفاقم من الصدمات التي تكبّدها السوريون خلال أعوام من الحرب والعيش في ظروف محفوفة بالمخاطر».

وأغلق مستشفى في تل أبيض، كانت تدعمه المنظمة، أبوابه بسبب مغادرة معظم أفراد الطاقم الطبي مع عائلاتهم. وأعلنت الإدارة الذاتية أنها ستخلي الجمعة مخيم المبروكة للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الحدود، وتبحث عن موقع بديل لمخيم عين عيسى، لحماية 20 ألف نازح في الموقعين من القصف التركي.

وانضمت روسيا الجمعة إلى قائمة الدول الغربية، والأوروبية خصوصاً، التي حذرت من أن يساهم الهجوم التركي في إعادة إحياء تنظيم الدولة. فقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة من أن الآلاف من مقاتلي التنظيم المتطرف المحتجزين لدى الأكراد قد يستعيدون حريتهم، ولست واثقاً أن بإمكان الجيش التركي السيطرة على الوضع أو السيطرة عليه بسرعة». وفي مدينة القامشلي، قتل ثلاثة مدنيين في تفجير سيارة مفخخة قرب مطعم مكتظ، وفق قوى الأمن الكردية التي وجهت أصابع الاتهام لتنظيم «الدولة».

ودعت فرنسا التحالف الدولي بقيادة واشنطن لعقد اجتماع عاجل كون «المعركة ضد داعش يمكن أن تُستأنف». وأكدت الأمم المتحدة أمس الجمعة أن نحو مئة ألف شخص تركوا منازلهم في شمال شرقي سوريا، حيث يتزايد عدد من يلوذون بالملاجئ والمدارس في أعقاب التوغل العسكري التركي في المنطقة هذا الأسبوع حسب رويترز.

وقال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، إنه «يجب أن تفهم تركيا أن شاغلنا الرئيسي هو أن تصرفاتهم قد تؤدي إلى كارثة إنسانية أخرى، ولن نقبل أبداً أن يتم استغلال اللاجئين كسلاح واستخدامهم لابتزازنا. تهديدات الرئيس أردوغان بالأمس في غير محلها تماماً». وجاء تصريح تاسك، رداً على تهديد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا.

ودفعت الضغوط الدولية على أنقرة، وكان آخرها تصريحات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بانوس مومتيس، الذي ربط بين المنطقة الآمنة في سوريا، والإبادة الجماعية في سربرنيتسا، إلى رد حازم من قبل المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، الجمعة، حيث وصف خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة أنقرة، تصريحات مومتيس، وهو المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، بأنها «غير مسؤولة» وتنم عن «عقلية مشوهة» حسب وصفه.

من جهة أخرى اعتبر المجلس الوطني الكردي أن التهديدات المحدقة بمنطقة شرقي سوريا نتيجة سياسة وحدات الحماية الكردية المتفردة بالحكم، والهجمات التركية وفصائل المعارضة «من شأنها أن تُدخل المنطقة في أتون صراعات تحمل في طياتها تبعات ومعاناة إضافية على أبناء المنطقة من تهجير ونزوح».

 تركيا تعلن السيطرة على بلدة رأس العين وقوات سوريا الديموقراطية تنفي

تركيا تعلن السيطرة على بلدة رأس العين وقوات سوريا الديموقراطية تنفي

إسطنبول: أعلنت وزارة الدفاع التركية، السبت، سيطرة القوات التركية على بلدة رأس العين بشمال سوريا بعد أربعة أيام من عمليتها ضد المقاتلين الأكراد، لكن قوات سوريا الديموقراطية نفت ذلك.

وأعلنت وزارة الدفاع على تويتر: “نتيجة العمليات الناجحة ضمن (عملية نبع السلام) تمت السيطرة على مدينة رأس العين شرق الفرات”.

بينما نفى مسؤول من قوات سوريا الديموقراطية ما أعلنته وزارة الدفاع التركية، وقال: “رأس العين لا تزال تقاوم، والاشتباكات مستمرة”.

ومن جهته أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها دخلت البلدة من دون أن تسيطر عليها، مع استمرار للمعارك داخلها.

(أ ف ب)

لوموند: الهجوم التركي يحيي قضية الجهاديين الأجانب المحتجزين في سوريا/ آدم جابر

قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن تطور الوضع في سوريا يدفع ست دول أوروبية، بما في ذلك فرنسا، إلى تسريع مناقشاتها مع بغداد لمحاكمة رعاياها ”الجهاديين” في العراق.

وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكالمعتاد كشف من خلال تغريدة نُشرت يوم الخميس الماضي عن عملية تقودها القوات الأمريكية لتأمين المقاتلين الجهاديين الذين احتجزتهم السلطات الكردية، وذلك غداة انطلاق الهجوم التركي على أراضيهم في شمال شرق سوريا. وقد نقلت وكالة أسوشيتيد برس عن مسؤولين في الاستخبارات العراقية تأكيدهم أن السلطات الأمريكية تخطط لتسليم نحو 50 “جهاديا” إلى بغداد، لم يتم تحديد جنسياتهم.

وتابعت لوموند القول إن الهجوم التركي على شمال شرق سوريا أعاد إحياء قضية نقل حوالي 2000 مقاتل جهادي أجنبي محتجزين في سجون القوات الكُردية في شمال شرق سوريا؛ لأن هناك مخاطر من فرارهم إذا قصفت القوات القوات التركية أماكن احتجازهم أو هجرها حراسهم الذين تم حشدهم في الخطوط الأمامية. فقد تركت القوات الكردية بالفعل السجون للانضمام إلى الجبهة، ولكن بأعداد محدودة، كما ذكر البعض من المسؤولين الأمريكيين.

وفقا للقوات الكردية، فر خمسة جهاديين يوم الجمعة من سجن بالقرب من قامشلي ​​بعد غارات تركية. وفي نفس اليوم، اندلعت أعمال شغب في مخيم الهول، الذي يضم أكثر من 70 ألف نازح، بما في ذلك نحو 12 من النساء والأطفال الأجانب، حسب مسؤولين بالمخيم.

وبالتالي -توضح لوموند- إذا تقرّب الأكراد السوريون من دمشق، في مواجهة الخطر التركي، فإن هؤلاء السجناء سيقعون في أيدي السلطات السورية. علاوة على ذلك، ترسل تركيا إشارات ابتزاز متضاربة إلى الدول الغربية المعنية، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وبلجيكا، التي تريد استعادة رعاياها من الجهاديين.

وأكدت لوموند أن الوضع الراهن يبعث بالقلق، وهو ما أدى إلى تكثف المفاوضات لمحاكمة المقاتلين الأجانب في العراق، كجزء من آلية قضائية مخصصة. ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم وزارة الخارجية السويدية قوله: “إننا نجري مناقشات مع عدد من الدول حول كيفية تحقيق العدالة في المنطقة”. في لاهاي، تم التأكيد على أن ست دول أوروبية -فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة وألمانيا والسويد والدنمارك- تجري محادثات مع بغداد حول محاكمة هؤلاء الجهاديين، لأن الإدارة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال سوريا غير معترف بها كدولة.

في شتاء عام 2018، بادرت السويد وهولندا بالضغط من أجل إنشاء ولاية قضائية دولية على الأراضي العراقية قادرة على ضمان إجراء محاكمات عادلة للجهاديين الأجانب. فيما تحدث وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان في شهر مايو/أيار الماضي علنا ​​عن “آلية محددة”، مستوحاة بشكل خاص مما تم في كوسوفو. ومع ذلك، اعتبر الفقهاء أن الصيغة غير عملية بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين سيتم الحكم عليهم، وتكلفة هذه العملية ومواعيدها النهائية. والفكرة الآن التي تفرض نفسها هي اللجوء إلى هيئة قضائية عراقية مؤطرة بشكل جيد لضمان محاكمة عادلة.

نيوزويك: واشنطن غير ملزمة بالدفاع عن التطلعات السياسية للجالية الكردية في سوريا

تعرض الباحث دانيال ديبرتس في مجلة “نيوزوويك” إلى العلاقات الأمريكية مع الأكراد وسط ردود الفعل الغاضبة من قبل أعضاء الكونغرس على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا تمهيدا لعملية تركية تهدف إلى انشاء منطقة امنة ودفع الاكراد بعيدا عن الحدود السورية التركية.

وقال الكاتب إن الغضب من قرار ترامب لم يكن مفاجئأ، إذ كان الأكراد أكثر شركاء الولايات المتحدة فاعلية في الحرب ضد تنظيم” الدولة”، ولكن الغضب في الوقت الحالي- والحديث للكاتب- لا يعني بالضرورة أنه مبرر.

وشرح ديبرتس وجهة نظره بالقول إنه من المهم تذكير الناس بماهية الشراكة الكردية السورية- الأمريكية، وأشار إلى أن واشنطن استثمرت في علاقة مع القوات الديمقراطية السورية التي يهيمن عليها الأكراد لسبب محدد هو التخلص من الخلافة الإقليمية لتنظيم”الدولة” إلى الحد الذي لم تعد فيه الجماعة قادرة على السيطرة على مساحة واسعة من الاراضي، وقد اثبت مزيج القوات الجوية الأمريكية والقوات البرية الكردية فعالية بشكل غير عادي، لدرجة أن الخلافة اصبحت كومة من الرماد.

 واضاف أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمقاتلين الأكراد كانت براغماتية وقائمة على المصالح المتبادلة والعدو الواحد، وقال إن الاعتقاد بأن القوات الأمريكية يجب أن تبقى في شمال شرق سوريا إلى أجل غير مسمى من أجل ردع التوغل التركي هو تحريف للغرض الأساسي للشراكة الأمريكية- الكردية.

وقال ديبرتس إن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن السياسة الداخلية في سوريا، وهي ليست ملزمة بدعم أو الدفاع عن التطلعات السياسية للجالية الكردية السورية.

وأوضح أن خطأ واشنطن كان في منح الأكراد أملاً خاطئاً في أن الجيش الأمريكي سيحتفظ بوجود أمني طويل الأمد في شمال شرق سوريا.

“نبع السلام”:تدخل متصاعد لـ”الجيش الوطني”..وقسد تنهار/ عدنان الحسين

سيطرت قوات “الجيش الوطني” بدعم واسناد من القوات التركية على المزيد من القرى والمزارع على طول الحدود السورية التركية، فجر السبت، بعد معارك عنيفة مع “قوات سوريا الديموقراطية”، ما أوقع خسائر بشرية ومادية للطرفين.

وتمكن “الفيلق الأول” من “الجيش الوطني”، من السيطرة على قرى الواسطة وغزيل وأم الجرن والصواوين وجاموس فليو والزيدي والعريضة والخالدية والنبهان ولزكه وحويران والتروازية وشوكان والغجير، شرقي تل أبيض وغربي رأس العين. فيما سيطر “الفيلق الثاني” و”الفيلق الثالث” على قرى حلاوة ومحربل ومشرفة الحاوي واقصاص.

وبدأت فصائل “الجيش الوطني” الزج بثقلها العسكري، ليل الجمعة/السبت، بعد مناوشات وقصف وانسحاب وتقدم، بهدف معرفة قدرات “وحدات حماية الشعب” الكردية، والاسلحة التي بحوزتها، لضمان سير المعركة بشكل يخفف من الخسائر.

وسيطرت فصائل “الجيش الوطني” في الفيلقين الثاني والثالث، على قرى تل حلف واصفر نجار وصوامع اصفر نجار ومدخل رأس العين شمال غربي الحسكة، بعد معارك كانت الاعنف مع “قسد”، واستخدمت فيها الاسلحة الثقيلة والمتوسطة.

ومع سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على قرية صوامع اصفر نجار استطاعت امتلاك زمام المبادرة، كون الصوامع تشكل نقطة مرتفعة ترصد مداخل رأس العين والقرى المحيطة بها، وهو ما دفع أعداداً كبيرة من مقاتلي “قسد” للانسحاب، وما دفع أيضاً بـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” للقول إن “الجيش الوطني” سيطر على رأس العين.

الهجوم الواسع بدأ بعد منتصف ليل الجمعة/السبت، إثر وصول عشرات الفصائل من “الجيش الوطني” للمحاور المتفق عليها، وبدأت التحرك بمساندة مكثفة من سلاح الطيران التركي.

وتقول مصادر “المدن” إن طائرات الاستطلاع والدرونز التركية، بدأت بالاقلاع وقصف مواقع “قسد” بشكل مكثف، ما قد يُسرّعُ وتيرة المعركة خلال الساعات المقبلة.

وشنّت قوات “تجمع أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية” و”فرقة السلطان مراد” و”فرقة الحمزة”، هجوماً واسعاً فجر السبت، سيطرت خلاله على 18 قرية ومزرعة، وتمكنت من قطع الطريق الدولي تل أبيض-رأس العين، وسيطرت على بلدة المبروكة وانتزعت حواجز لـ”قسد” فيها.

ويعتبر هذا هم الهجوم الجدّي الأول للمعارضة، بعد المناوشات السابقة مع “قسد”. ومن المتوقع أن تشن فصائل “الجيش الوطني” والقوات الخاصة التركية، هجومين واسعين، السبت، على أطراف مدينتي تل أبيض ورأس العين، بهدف عزلهما بشكل كامل عن محيطهما، وسط إشارات لانسحاب “قسد” منهما.

وبدأ الطيران الحربي التركي بشنّ عمليات قصف مركزة، لبنك من الأهداف لـ”قسد”، ومنها مستودعات ومراكز تدريب قرب مدينة القامشلي، وجنوبي مدينة عين العرب “كوباني”، ما أدى لمقتل عشرات العناصر من “قسد”.

ومن الواضح أن هناك تغيّراً استراتيجياً في مجريات معركة “نبع السلام”، من حيث الاعتماد على قوات “الجيش الوطني”، التي بدأت المشاركة بعدد كبير من المقاتلين، بطلب من القوات التركية، نظراً لطبيعة المنطقة، وكذلك لتطمين السكان المحليين.

كما تعمل قوات “الجيش الوطني” على التقدم ببطء، بهدف التخفيف من الخسائر في صفوفها وفي صفوف المدنيين، كما أن هناك مدناً ذات غالبية كردية ليست من ضمن مناطق الاستهداف، وفقاً لخريطة أميركية-تركية، سبق التفاهم عليها. لكن تلك المناطق تعرضت لقصف مجهول، واتهم ناشطون عرب وأكراد “قسد” بقصف تلك المدن لتخويف السكان وحشدهم ضد العملية العسكرية.

وانشق عشرات الشبان العرب عن صفوف “قسد”، وهربوا باتجاه مناطق “درع الفرات”، ما تسبب باندلاع اشتباكات عنيفة بين “الجيش الوطني” و”قسد”، بعد فرارهم من الجبهات بشكل مفاجئ.

وواجهت “قسد” الهجوم الواسع للفصائل بقصف مكثف على طول الحدود استهدف المدن الحدودية التركية بوابل من قذائف الهاون، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى من المدنيين الأتراك.

كما قالت مصادر “المدن” إن “قسد” قصفت بشكل متعمد القاعدة المخصصة لقوات “التحالف” في جبل مشتى نور بقذيفة هاون، لكنها لم تصب أي عنصر من قوات “التحالف”، بعد منتصف الليل.

وأكد مصدر تركي خاص لـ”المدن” أن القوات التركية تملك بنكاً للأهداف التي يُمنع استهدافها، ومن بينها قواعد القوات الأميركية وقواعد “التحالف الدولي” وسجون فيها مقاتلين “دواعش”، وبعض المدن الكردية التي ستكون ملاذاً للنازحين الاكراد من المعارك ضد “قسد”.

كما أكد مصدر “المدن”، أن القوات التركية جهّزت سجوناً في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، مخصصة لنقل عناصر “داعش” المعتقلين، بهدف ضمان عدم فرارهم، بعد التصريحات المتزايدة لـ”قسد” بترك معتقلي “داعش” الذين يُقدّرُ عددهم بأكثر من 12 ألف معتقل

المدن”تحاور قيادات كردية على جانبي الجبهة:إبادة..أم إنفصال؟

أكد المتحدث باسم “قوات سوريا الديموقراطية” مصطفى بالي، أن “الموقف الأميركي من الهجوم التركي على شرق الفرات كان مخيباً للآمال، ولم يكن بمستوى المسؤولية الملقاة على الولايات المتحدة”، بحسب مراسل “المدن” سامر الأحمد.

وقال بالي لـ”المدن”: “نعتبر الهجوم التركي حرب إبادة عرقية ضد شعبنا، وسنقاوم هذا الغزو واخترنا المقاومة على أمل ان يضغط المجتمع الدولي لإيقاف هذا الهجوم”، مضيفاً أن قواته العسكرية “تشتبك مع القوى المهاجمة رغم وجود ضحايا مدنيين جراء تعرض القرى والبلدات للقصف على امتداد 450 كيلومتراً في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات”.

وأكد بالي أن قواته “تحترم مواقف الجيش الأميركي ووزارة الدفاع ومواقف معظم أعضاء مجلس الشيوخ والإعلام في الولايات المتحدة الذي يضغط لتعديل موقف القيادة الأميركية المخيب للآمال”.

من جهة ثانية، وجّه القيادي الكردي في “الجيش الوطني” شادي مشو، قائد “كتائب صقور الكرد” التابعة لـ”الفيلق الثالث”، رسالة للسوريين شرقي الفرات، يوضح فيها أن المعركة ليست ضد الأكراد بل لمحاربة الاحزاب الكردية الانفصالية التي لا تمثل المكون الكردي من الشعب السوري، بحسب مراسل “المدن” محمد أيوب.

مشو، قال لـ”المدن”: “نحن في كتائب صقور الكرد، مشاركون في معركة شرقي الفرات ضمن صفوف الجيش الوطني ضد الاحزاب الانفصالية التي لا تمثل إلا نفسها”، وتابع: “نحن كمقاتلين اكراد، نقاتل جنباً إلى جنب مع كل مكونات الشعب السوري الثائر، ضمن صفوف الجيش الوطني، ضد الاحزاب الانفصالية الارهابية، وسنقاتلها شرقي الفرات، وفي أي مكان تتواجد فيه على الاراضي السورية. اليوم نحن في تل ابيض وغدا سنقاتلهم في القامشلي والحسكة للقضاء عليهم، وتحرير اهلنا الاكراد والعرب والتركمان من ارهابهم”.

وشادي مشو، الملقب بـ”ابو دجانة الكردي”، هو سوري كردي من قرية تويس التابعة لناحية اخترين في ريف حلب الشمالي، ممن انضموا لصفوف “الجيش الوطني”.

وتشارك كتائب ومجموعات كردية متنوعة ضمن “الجيش الوطني” في عملية “نبع السلام”، ومنها كتيبة “أزادي” و”كتيبة احفاد صلاح الدين” التابعة لـ”الجبهة الشامية”، كما تضم “فرقة الحمزة” مقاتلين أكراد في صفوفها.

المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، قال لـ”المدن”: “منذ تأسيس الجيش الوطني كان لإخوتنا الاكراد السوريين دور هام في تشكيله، حيث انضم لصفوفه الكثير من عناصر وجماعات كردية، وشاركوا في معارك ضد عصابات الاسد وضد الاحزاب الانفصالية، وكان لهم دور في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وهم في غالبيتهم من التشكيلات العسكرية الكردية التي شاركت في الثورة السورية منذ اندلاعها”. وأوضح: “الأكراد مكون اساسي من مكونات الجيش الوطني”.

وتابع: “عملية نبع السلام لا تستهدف المكون الكردي السوري، وانما هدفها تحرير الاراضي السورية من سيطرة الاحزاب الانفصالية، واعادة المهجرين والنازحين من ابناء المنطقة الذين هربوا من مدنهم وقراهم وبلداتهم بسبب ارهاب هذه الاحزاب، وسنعمل على اعادة الاستقرار للمنطقة ودعم التعايش السلمي بين كل مكونات ابناء الشعب السوري كرداً وعرباً واشوراً وسريان وتركمان، ونؤكد لهم اننا قوات تحرير ولسنا قوات احتلال”.

مدير مكتب عفرين في “رابطة المستقلين الكرد” ازاد عثمان، قال لـ”المدن”: “في الحقيقة الاكراد منقسمون بين قنديل الارهابية، واربيل العاصمة التقليدية للفكر القومي الكردي، وبين الكرد المحايدين الذين يميلون للمشروع الوطني السوري والذي بدأ يتبلور مع بداية الثورة السورية”، وتابع: “هذا التيار الذي يعمل على تجسيد فكرة التشاركية في العيش التي كانت سائدة في سوريا الخمسينيات وسوريا المستقبل التي لن يحكمها الا التوافق الوطني، ونحن نرى أنه آن الاوان لتحرير مناطقنا من عصابات اوجلانستان، التي جثمت على صدور الكرد منذ الثمانينات، وصادرت الحراك السياسي لصالح النظام واجنداته، وبذلك نحن مع العملية التي تحرر مناطقنا من المليشيات الانفصالية وكل المليشيات التي لا تتبع للجيش الوطني”.

المدن

“نبع السلام”:روسيا تعطل بياناً دولياً..وتركيا سترد بالمثل على العقوبات

عطلت روسيا صدور بيان مشترك عن مجلس الأمن الدولي يتضمن مطالبة بإيقاف عملية “نبع السلام” التي تنفذها تركيا شمالي سوريا.

ودعا نص مشروع البيان الذي أعدته الولايات المتحدة، لـ”إيقاف” العملية و”إزالة المخاوف الأمنية (لتركيا) بطرق دبلوماسية”. وأعرب نص المشروع الذي قدمته واشنطن لأعضاء مجلس الأمن الدولي، عن “القلق من العملية العسكرية التي اطلقتها تركيا والأبعاد الإنسانية والأمنية التي ستسببها، وإمكانية إلحاقها الضرر بالتقدم الكبير الذي تم إحرازه في محاربة داعش”.

وأكد النص ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم “بشكل آمن وطوعي وفي إطار القانون الإنساني الدولي”، داعياً جميع الأطراف المعنية إلى حماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية “بدون عوائق وبشكل آمن ومستدام”.

وشدد على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، مشيرا إلى إمكانية حل أزمتها عن طريق تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254  (الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن مكافحة الإرهاب في سوريا)، لا بالوسائل العسكرية.

وفي السياق، قال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن فرنسا والولايات المتحدة اتفقتا على التواصل الوثيق بشأن العملية التركية في شمال سوريا. وأضاف أن ماكرون شدد على الحاجة لمحاولة إنهاء الهجوم خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال قصر الإليزيه في بيان “ستنسق فرنسا والولايات المتحدة عن كثب في الأيام المقبلة”.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية ليل الجمعة/السبت، إنها اتخذت كل الإجراءات التي تضمن عدم إلحاق ضرر بأي موقع أميركي أثناء ردها على نيران استفزازية أُطلقت من موقع قريب من قاعدة أميركية في سوريا.

وأضافت الوزارة “لم يكن هناك إطلاق نار في موقع مراقبة أميركي”، وذلك في إشارة إلى ردها على هجوم استهدف مواقعها العسكرية جنوبي مدينة سروج التركية التي تقع على الحدود قبالة مدينة كوباني السورية.

وقالت الوزارة في بيان “تم وقف إطلاق النار نتيجة إبلاغ الأميركيين لنا بالأمر”. وقال مسؤول أميركي في وقت سابق إن انفجاراً وقع قرب موقع عسكري أميركي في شمال سوريا، اليوم الجمعة، دون ورود أنباء عن وقوع إصابات.

وقال المتحدث باسم البنتاغون الكابتن بروك ديوالت، في بيان عقب الحادث الذي وقع عند الساعة التاسعة مساء “وقع الانفجار على بعد مئات الأمتار من موقع خارج منطقة الآلية الأمنية، وفي منطقة يعرف الأتراك أن جنودا أميركيين يتواجدون فيها”. وأضاف “لا إصابات بين الجنود الأميركيين. القوات الأميركية لم تنسحب من كوباني”.

كما قالت وزارة الدفاع التركية، إن 25 من مخافرها الحدودية تعرضت لنيران من شمالي سوريا، و”تم الرد عليها – إطلاق النار – بالمثل بدفاعاتنا البرية، إضافة إلى تحييد 16 إرهابياً”.

كما شددت تركيا على أنها سترد بالمثل على أية عقوبات أميركية محتملة ضدها على خلفية شنها عملية “نبع السلام”، وجاء ذلك في بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، الذي أشار فيه إلى أن بلاده أبلغت الإدارة الأميركية على كافة المستويات حول انطلاق عملية “نبع السلام” ضد التنظيمات الإرهابية شرقي الفرات. كما أوضح أن بياناً صدر عن الخارجية التركية من قبل أطلع الرأي العام العالمي على أهداف العملية وإطارها.

وفي وقت سابق الجمعة، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، أن الرئيس دونالد ترامب، سيوقع مرسوما يخول الوزارة فرض عقوبات على تركيا، لكن دون تطبيقها حاليا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قال إن “كفاح بلاده ليس ضد الأكراد، وإنما ضد التنظيمات الإرهابية”، مشدداً على عدم التراجع عن العملية العسكرية التركية المتواصلة شمال شرقي سوريا.

وأضاف أردوغان، في كلمة خلال حفل الاستقبال الافتتاحي للمؤتمر الثالث لرؤساء البرلمانات في قصر “دولمه بهجة” في إسطنبول، مساء الجمعة: “قدمنا آلاف الشهداء من قواتنا ومواطنينا الأبرياء خلال كفاحنا الطويل ضد الإرهاب، وشهدنا همجية لا تتورع عن استهداف الأطفال والرُضع والمدارس”.

وأضاف أن عمليات تركيا في شمالي العراق وسوريا “لا تستهدف أبداً سلامة الأراضي والحقوق السيادية لهذين البلدين”، مردفاً: “نرى أن السلام والأمن والرخاء في هذه المنطقة الضاربة في القدم هي مفتاح للسلام العالمي”.

وأضاف الرئيس التركي: “سنضمن من خلال تطهير شرق الفرات من الإرهاب عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم”، قائلاً “وجودنا في سوريا ليس لتقسيمها وتجزئتها بل لحماية حقوق كل من يعيش فيها”.

ومضى قائلاً: “تردنا تهديدات من كل حدب وصوب لإيقاف هذه العملية. لقد قلت للسيد (رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد) ترامب والآخرين، إذا كنتم ستوقفونهم (الإرهابيين) فأوقفوهم، لكنكم لم تفعلوا. والآن نحن نقتلع شوكنا بأيدينا، ولن نتراجع بعد ذلك”.

وأضاف: “للأسف الغرب يعتبر بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) منظمة إرهابية، لكنه لا

يصنّف أذرعها المتمثلة في ب ي د/ ي ب ك (حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية) منظمات إرهابية”.

انفجار في القامشلي..والناتو يدعم العملية التركية

قُتل ثلاثة مدنيين، وأصيب 9 أشخاص، بانفجار سيارة مفخخة، الجمعة، في شارع منير حبيب غربي مدينة القامشلي في ريف الحسكة.

وقالت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ”الإدارة الذاتية” إن عمال الإنقاذ لا يزالون يبحثون عن قتلى وجرحى بين الحطام. وذكر البيان أن تنظيم “الدولة الإسلامية” زاد نشاطه، منذ أن بدأت تركيا هجومها، لكنه لم يتهم التنظيم بشكل مباشر بالمسؤولية عن التفجير.

وكان قصف قد طال بعض الأحياء في القامشلي، ونفت أنقرة شنّ أي عملية من محوري القامشلي والمالكية في ريف الحسكة.

من جهة ثانية سيطر “الجيش الوطني” على قرية أصفر-نجار ومنطقة الصوامع في رأس العين. وطال قصف مدفعي قرية الزهيرية شمالي ديريك. في حين أصدر “المركز الإعلامي لقوات سوريا الديموقراطية”، بياناً، كشف فيه عن مقتل سبعة مقاتلين “خلال تصديهم للهجوم التركي”.

سياسياً، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الجمعة، تأييده لعملية “نبع السلام”، وقال خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركية، في مدينة إسطنبول، إن “حلف الناتو سيواصل دعم تركيا التي تقف في الخط الأمامي لنضال مهم للحلف”، لكنه أكد أنه يتوقع من أنقرة “ضبط النفس في سوريا”. وأوضح أنه لم تتعرض دولة عضو في الناتو، لما تعرضت له تركيا من خلال “هجمات إرهابية من الشرق الأوسط”، لافتاً إلى مساهمة أنقرة في مكافحة “تنظيم الدولة”.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأميركية، الجمعة، إن وزير الدفاع مارك إسبر، أبلغ نظيره التركي خلال مكالمة هاتفية بأنهما بحاجة لإيجاد وسيلة لتهدئة الوضع “قبل أن يتعذر إصلاحه”، محذراً من أن الهجوم التركي يحمل “مخاطر عواقب وخيمة” على أنقرة.

وذكر بيان للبنتاغون، حسب وكالة “رويترز”، أن إسبر قال لنظيره التركي خلوصي أكار: “على الرغم من أن الوزير أكد تقديرنا لعلاقتنا الثنائية الاستراتيجية، إلا أن هذا التوغل يخاطر بمواجهة تركيا عواقب وخيمة”، مضيفاً أن تصرفات تركيا قد تضرّ بالجنود الأميركيين في سوريا.

وقال إسبر: “في إطار المكالمة، حثّ الوزير الأميركي تركيا بقوة على التوقف عن إجراءاتها في شمال شرق سوريا من أجل زيادة احتمالات توصل الولايات المتحدة وتركيا وشركائنا إلى سبيل مشترك لتهدئة الوضع قبل أن يتعذر إصلاحه”.

رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، قال، إن على الاتحاد الأوروبي ألّا يذعن لتهديدات تركيا بإرسال ملايين اللاجئين السوريين إلى دول الاتحاد، وطالب أنقرة بوقف عملياتها العسكرية بشمال سوريا فوراً.

في حين قرر برلمان السويد، الجمعة، أن تمارس البلاد ضغوطا خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، كي يفرض التكتل حظرا على تصدير الأسلحة لتركيا.

وقال مسؤولان أمنيان إن تركيا تعتقد أن هناك أكثر من ألف من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” قيد الاحتجاز في المنطقة التي يستهدف جيشها السيطرة عليها في شمال شرق سوريا، معظمهم جهاديون أجانب من أوروبا والولايات المتحدة.

رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، قال الجمعة، بعد اجتماع مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، إن “العملية العسكرية التركية أحادية الجانب تثير قلقا عميقا ويتعين أن تتوقف على أن تتم معالجة مخاوف أنقرة الأمنية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية”.

وأضاف توسك: “التدخل العسكري سيزيد من سوء الوضع. وبدلا من أن يحقق الاستقرار سيزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها ويفاقم معاناة المدنيين ويؤدي لمزيد من موجات النزوح ويهدد التقدم الذي حققه التحالف الدولي في مواجهة داعش”.

أردوغان يحوّل الحملة التركية إلى فتح إسلامي

#الجيش_المحمدي عنوان جذاب لحشد التابعين في العالم العربي.

#الجيش_المحمدي عبارة رنانة غرّد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حسابه على تويتر الموجه للعرب حصرا. لكن هل تعرفون من يكون؛ إنه الجيش التركي الذي يجتاح سوريا.

أنقرة – تصدر هاشتاغ #الجيش_المحمدي الترند على تويتر العربي على خلفية تغريدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان نشرها على حسابه الموجه للعرب أصلا.

وغرد أردوغان:

rterdogan_ar@

أقبّل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم، وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة، والتي تقف جنبا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم.

وكشفت التغريدة تناقضا كبيرا وتلاعبا بالمصطلحات، إذ حاول الرئيس التركي إقناع الداخل التركي وغيره بأن غزوه أرضا عربية “حملة دينية”.

كما استخدم التسمية نفسها أيضا في تغريدة بالتركية.

إلا أن اللافت أنه حذف لفظ “الجيش المحمدي” من تغريدته باللغة الإنكليزية، واستعاض عنها بـ”القوات المسلحة التركية”، لإدراكه أنه يخاطب جمهورا مختلفا لا يضحك عليه باسم الدين، وأن هذا المصطلح قد يزيد متاعبه.

وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها أردوغان هذه التسمية على الجيش التركي، ففي أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016 وصف القوات التركية التي لم تشارك في المحاولة الانقلابية بأنها “جيش محمد”.

يذكر أن لأردوغان حسابات بالعربية على الشبكات الاجتماعية، يحاور من خلالها الشباب العربي بطريقة “تتوافق مع رؤيته للدور التركي القائد”.

ويؤكد معلقون أن “السلطان” يريد اختراق مواقع التواصل العربية والوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين وضم مساندين إلى سياساته والتسويق لتركيا كمنقذ، محاولا إحياء حلم الخلافة من بوابة الشبكات الاجتماعية.

وأطلقت تركيا، الأربعاء، عملية عسكرية واسعة النطاق في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمالي سوريا، وتهدف من خلالها إلى إنشاء منطقة عازلة تحاول أن تعيد إليها قسما من نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري لديها.

ووصف مغرد ما قام به أردوغان:

aboahmad14241@

نية أردغان الخبيثة، التوسع باحتلال سوريا، وأطلق على جيشه #الجيش_المحمدي، مثل ما فعلت داعش قبله وأطلقت على نفسها #تنظيم_الدولة_الأسلامية، وقبلهم سمّيت الجماعة الإرهابية #بجماعة_الإخوان_المسلمين، وهم لا يقتلون إلا المسلمين، بدعم من الخونة حكام قطر، أسأل الله أن يكفينا والمسلمين شرهم.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لجنود أتراك في حافلة يقرؤون سورة الفتح.

وسخر كثيرون من الوصف الذي أطلقه أردوغان على جيشه.

وتهكم مغرد:

fatemaposy0@

#الجيش_المحمدي وهو يفتح سوريا، وما تنساش يا جدع الجنود قاريين سورة الفتح #أردوغان_يبيد_أكراد_سوريا.

واعتبر معلق

ibahzad@

الإخوان وكعادتهم يستغلون الدين فيما يقومون به .. #العدوان_التركى_على_سوريا، ووصف الجيش التركي المعتدي بـ#الجيش_المحمدي.

ووصف #العدوان_التركي بـ#نبع_السلام، والدعوة إلى الصلاة و الدعاء و قراءة سورة الفتح لإضافة الطابع الديني على عدوانهم ..

وعدّد معلّق نجاحات الجيش المحمدي، فكتب:

Ahmed_Moghazy@

#الجيش_المحمدي ينجح في قتل 109 محمدي من الأكراد، ويجبر آلاف النساء والأطفال المحمديين على النزوح وترك بيوتهم وقراهم وممتلكاتهم… وينتوي الجيش المحمدي إعادة اللاجئين المحمديين، من غير الأكراد، ليسكنوا مكان المحمديين الأشرار من الكرد!!

واعتبر متفاعل:

dr_jwair@

#أردوغان ذو الأطماع التوسعية يسير على خطى أجداده، يدغدغ مشاعر المسلمين تحت غطاء ما أطلق عليه #الجيش_المحمدي؛ من مجّد #أردوغان ضحك عليه في ظل عالم منحدر الأخلاق والمبادئ وتبدل المواقف القوي فيه يفترس الضعيف، يتأكد القول: الاعتماد على النفس؛ مطلب مهم.

وقال آخر:

HSN0vip1@

الفرس والترك يتقاسمان دولنا العربية. الأتراك احتلوا قطر وسوريا، والفرس احتلوا لبنان والعراق، كلها بمساعدة قطيع الإخوان لعنهم الله. #الجيش_المحمدي

وقالت الإعلامية السعودية إيمان الحمود في السياق نفسه:

imankais1@

#أردوغان يدخل #سوريا بشعار #الجيش_المحمدي.. و#إيران تدخل #العراق بشعار #الحسين_يجمعنا.. الطائفية هي فقط ما تجمعهم بالعرب وليس أمرا آخر.

وغرّد الممثل المصري عمرو واكد:

amrwaked@

الجيش المحمدي؟ جيش بيغيزوا جيرانه يبقى محمدي ازّاي يعني؟ يعني جيبنا الروح دي منين؟ المعتدي بقى محمدي خلاص؟

انا كرجل مسلم أرفض الزج باسم النبي في أي صراع سياسي أهدافه هي مصالح الدنيا.

من جهته قال الصحافي اللبناني خالد شعبان:

Khaled_qahtan@

الجيش التركي والمرتزقة من “الفصائل والجماعات” السورية، الذين وصفهم رجب أردوغان بـ “الجيش المحمدي”، هم أنفسهم الذين قتلوا المئات من المدنيين المسلمين في #الباب وأرياف مدينة #حلب، وقاموا بتعذيب المدنيين وسرقت ممتلكاتهم.#عربين #عين_العرب #عين_عيسى #الحسكة #سوريا.

ويحاول أردوغان جاهدا، منذ سنوات، الترويج لنفسه كمنقذ للمسلمين. ويتلذذ باستخدام الخطب الحماسية النارية على المنابر التي لا تضع رقابة على كلامه، والأهم أنها لا تحلله.

وكثيرا ما تندلع المعارك بين تيارين مختلفين في أروقة شبكة تويتر محورها أردوغان، الذي ينصّبه أنصار التيار الإسلامي “خليفة المسلمين”.

ويجد المخالفون لتيار الإسلاميين فرصة للتندر بالفكرة، ورصد النقائص التي تنقض استحقاق أردوغان لهذا المنصب التاريخي الذي يحرك أشواق بعض التابعين.

ويقول سونر جاغابتاي، مؤلف كتاب “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة”، “أردوغان هو مخترع الشعبوية في القرن الحادي والعشرين. إن مسيرته تظهر التأثير الاستثنائي الذي يمكن أن يحدثه شخص في دولة بأكملها”.

وأثبتت دراسة أن فترة رئاسته الأخيرة هي الأكثر شعبوية بين جميع الزعماء اليمينيين في قاعدة بيانات الشعبوية العالمية، التي تتابع مستويات الخطاب الشعبوي في خُطب ما يقرب من 140 من الزعماء في أوروبا والأميركتين.

اشتباكات عنيفة في قرى شرق الفرات… وقتلى مدنيون وجنود أتراك

«ناتو» طالب أنقرة بضبط النفس وعبر عن «مخاوف جدية» إزاء التوغل العسكري

دارت اشتباكات عنيفة بين القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها من جانب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جانب آخر على أكثر من محور للقتال في شمال شرقي سوريا. وتركزت المعارك على جبهات عدة بالشريط الحدودي الممتد من رأس العين في الحسكة حتى تل أبيض في الرقة، بالتزامن مع قصف صاروخي مكثف وغارات جوية تركية على كثير من القرى.

وصدت «قسد» أمس، هجمات القوات التركية على المنطقة الصناعية في مدينة رأس العين، وشهدت المنطقة اشتباكات عنيفة في ظل استمرار القوات التركية بقصف المدينة، بالتزامن مع مساعٍ للتوغل برياً.

وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية إن القوات المشاركة في عملية «نبع السلام»، تمكنت من السيطرة على 3 قرى جديدة تابعة لمدينة تل أبيض في محافظة الرقة، هي «برزان» و«الجديدة» و«كصاص»، ليرتفع عدد القرى التي تمت السيطرة عليها إلى 11 قرية في اليوم الثاني من العملية العسكرية (أول من أمس). وأضافت الوكالة أن الجيشين التركي و«الوطني السوري» تمكنا من تطهير قرية «كشتو التحتاني» بريف رأس العين شمال سوريا ونفق كشتو. كما تمت السيطرة على قريتي تل فندر واليابسة في ريف تل أبيض، وقرى المشيرفة، والدادات، وبير عشق، والحميدية.

وقطع الجيش الوطني السوري، طريق إمدادات «قسد» بين رأس العين، وبلدة الدرباسية.

من جانبه، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قسد استعادت السيطرة على قرية اليابسة. وأعلنت «قسد»، في بيان، أمس الجمعة، أن «العمليات النوعية التي نفذتها عناصرنا داخل اليابسة أدت إلى مقتل 40 مرتزقا (مقاتلا من الجيش الوطني) في صفوف (جيش الاحتلال التركي) بينهم ثلاثة قادة».

وقالت وزارة الدفاع إن جنديا قتل الخميس وآخر قتل الجمعة في إطار هجوم أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا.

كذلك، قتل جنديان وأصيب ثلاثة الجمعة بقصف كردي لقاعدة عسكرية تركية قرب مدينة اعزاز في شمال غربي سوريا، بحسب وكالة أنباء الأناضول الحكومية.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ الأربعاء مقتل 17 مدنيا و41 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري.

وفي الجانب التركي قتل تسعة مدنيين، بينهم رضيع سوري، وأصيب نحو 70 بجروح في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا وماردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكرادا بإطلاقها.

وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في كلمة خلال اجتماع تقييمي للعملية أمس في أنقرة، إن عملية «نبع السلام» مستمرة بنجاح كما هو مخطط لها، وتم حتى الآن تحييد 342 من عناصر «قسد» (التحييد يشمل القتل والإصابة والاستسلام). مضيفا: «سننهي العملية بنجاح بجهودنا الذاتية». وأشار إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة في الميدان.

وذكر أن تركيا هي الدولة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي تحارب «داعش» وجها لوجه، وأن «القوات المسلحة التركية حيّدت 3 آلاف عنصر من (داعش) خلال عملية درع الفرات».

في المقابل، أفاد المكتب الإعلامي لقوات «قسد» بمقتل 262 عنصراً من قوات الجيش التركي والفصائل الداعمة له، خلال محاولاتهم للتقدم في شرق الفرات خلال اليومين الماضيين.

وأضاف البيان الصادر أمس أن 22 عنصراً من قوات «قسد» قتلوا خلال المواجهات مع الجيش التركي، مشيراً إلى سقوط كثير من الضحايا المدنيين بينهم أطفال ونساء سيتم توثيقهم رسميا عبر المؤسسات ذات الصلة.

وفي السياق ذاته، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية، قوات الجيش التركي في شمال سوريا بتجنب استهداف المدنيين، واتخاذ جميع التدابير الاحترازية لمنع وقوع خسائر في صفوفهم وضمان إمكانية خروجهم من مناطق الاشتباكات.

ودعت المنظمة الجيش التركي و«قسد» إلى تقديم الدعم الكافي للنازحين من مناطق سكنهم، وضمان عدم الإضرار بهم أو اعتقالهم تعسفياً أو إساءة معاملة السكان الذين قرروا البقاء في مناطق الصراع.

وأضافت المنظمة، في بيان، أن الهجوم التركي على شمال سوريا يثير مخاوف بشأن هروب معتقلين متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بمن فيهم عناصر من «داعش» محتجزون لدى القوات الكردية في شمال سوريا.

وتابعت المنظمة أن 700 ألف شخص على الأقل من أصل 1.7 مليون مواطن في شمال سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفقاً للأمم المتحدة، ورغم أن نطاق العملية العسكرية التركية لم يزل غير معروف حتى الآن، فإن من شأن توسيع الهجوم إجبار الآلاف على النزوح.

في غضون ذلك، أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ عن «مخاوف جدّية» بشأن العملية العسكرية التركية ضد الفصائل الكردية في سوريا، داعياً أنقرة إلى «ضبط النفس».

وقال ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في إسطنبول أمس، إنه «بينما لدى تركيا مخاوف أمنية جدّية، نتوقع منها التحلي بضبط النفس»، مشددا على أهمية عدم السماح لسجناء «داعش» المحتجزين بالفرار.

من جانبه، قال جاويش أوغلو إن أنقرة تتوقع أن ترى حلفاءها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) يتضامنون معها، مضيفا: «لا يكفي قول نتفهم مخاوفكم المشروعة نريد أن نرى تضامنا واضحا».

من جهة أخرى، عبر رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، عن رفض التكتل الموحد «ابتزاز» الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن اللاجئين.

وكان الرئيس التركي قد هدد الأوروبيين بإغراق بلادهم بملايين اللاجئين في حال اعتبروا عمليته العسكرية في الشمال السوري اعتداءً على أراضي دولة مجاورة. وكان الأوروبيون قد طالبوا إردوغان بوقف العملية فوراً.

وجاءت تصريحات توسك، خلال زيارة له أمس الجمعة للعاصمة القبرصية تمهيداً للقمة الأوروبية نهاية الأسبوع المقبل، حيث التقى الرئيس نيكوس أناستاسياديس، حيث قال: «لا نقبل أبدا أن يتم استخدام اللاجئين كسلاح ومادة للابتزاز».

ويعبر الأوروبيون عن قلقهم تجاه العملية العسكرية التركية، خاصة لجهة تأثيرها السلبي على المعاناة الإنسانية للسكان المحليين في شمال شرقي سوريا.

ويرى توسك، على غرار باقي الزعماء الأوروبيين، أن العملية العسكرية التركية يجب أن تتوقف وأن مخاوف الأتراك الأمنية «المشروعة» يمكن أن تحل بالوسائل الدبلوماسية والسياسية.

ويحذر الأوروبيون من آثار العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، مشيرين إلى أنها ستساهم في تعزيز الاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة.

وتقول مصادر أوروبية مطلعة إن مؤسسات التكتل الموحد تجري عدة اتصالات بينية

تركيا تعلن اقتحام “رأس العين” السورية وتؤكد مقتل المئات في عملية “نبع السلام

أعلنت وزارة الدفاع التركية السيطرة على مدينة “رأس العين” السورية، وأن عملية “نبع السلام” أدت حتى الآن إلى مقتل 415 عنصرا في الوحدات الكردية، بينما لم تعترف الأخيرة إلا بمقتل ثلاثين من عناصرها.

 وأصدرت الوزارة بيانا ظهر اليوم السبت جاء فيه أنه تمت السيطرة على مدينة “رأس العين” شرق الفرات “نتيجة العمليات الناجحة المستمرة في إطار عملية نبع السلام”. وأكد مراسل الجزيرة أن الجيش التركي والجيش الوطني السوري (معارضة) دخلا المدينة من أطرافها الشرقية.

 وأفادت الوزارة في بيان آخر أصدرته صباحا بأنه جرى استهداف مواقع قوات “سوريا الديمقراطية” التي تهيمن عليها وتقودها وحدات حماية الشعب الكردية برا وجوا بشكل فعال.

 وقال مراسل الجزيرة عمرو حلبي إن قوات الجيش الوطني السوري -بدعم من القوات التركية- تقدمت على محور “تل أبيض” وسيطرت على 13 قرية وعدة معسكرات ومواقع مهمة، وأصبحت قريبة من مدينة تل أبيض.

 وقال المراسل إن “رأس العين” هو المحور الثاني الذي تمت السيطرة فيه على 18 قرية، فضلا عن مواقع وتحصينات للوحدات الكردية.

وقالت وكالة الأناضول إن قوات المعارضة السورية وصلت إلى الطريق الدولي الواصل بين مدينتي منبج والقامشلي شرقي سوريا.

وقال قائد عسكري في “جيش الشرقية” التابع للجيش الوطني السوري (المعارض) إن “جيش الشرقية التابع للجيش الوطني سيطر على بلدة الأرتوازية، حوالي 80 كلم شمال شرق محافظة الرقة الواقعة على طريق حلب-القامشلي الدولي، وبذلك تم قطع طريق الأتوستراد الذي يشكل أهم طرق شمال شرقي سوريا، مما يعني قطع طريق الإمداد لقوات قسد من جهة محافظة الحسكة”.

قصف على تركيا

ومجددا قصفت الوحدات الكردية اليوم السبت بقذائف هاون مدينة أقجة قلعة التركية، وسقطت قذيفتان دون أن تنفجرا قرب فندق يقيم فيه الصحفيون الذين يغطون العملية، وذلك بعد يوم من إصابة اثنين من مراسلي وكالة الأناضول عندما أطلق عناصر الوحدات النار على مبنى يضم صحفيين في مدينة القامشلي السورية المقابلة لقضاء نصيبين على الطرف التركي.

وقالت وزارة الدفاع التركية إنها نفذت غارات وقصفا مدفعيا الليلة الماضية في منطقة شرق الفرات، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى نحو 415 عنصرا منذ بدء عملية “نبع السلام”.

في المقابل، تقول “قوات سوريا الديمقراطية” -وفقا للمراسل- إنها قتلت وجرحت أعدادا من قوات المعارضة ومن الجيش التركي، كما أنها تعترف بمقتل ثلاثين فقط من عناصرها.

كما أفاد مراسل الجزيرة بأن 17 مدنيا تركيا قتلوا في قصف مصدره الجانب السوري، بالإضافة إلى ثلاثة جنود أتراك وأربعة من قوات المعارضة السورية، وذلك منذ بدء العملية.

من جهة أخرى، زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار -برفقة عدد من القادة العسكريين- مقر قيادة عملية “نبع السلام” قرب الحدود.

وقال أكار خلال الجولة إن القوات التركية ستحقق النجاح مرة أخرى لأجل تركيا وشعبها، وإنه ليس ممكنا استهداف الجنود التابعين للولايات المتحدة والتحالف الدولي، مشيرا إلى التنسيق بين الجهات العسكرية التركية والأميركية.

 اشتباكات

من جهة أخرى، أفاد مراسل الجزيرة في ريف حلب الشرقي بوقوع اشتباكات وقصف مدفعي وصاروخي متبادل بين الجيش التركي والوحدات الكردية.

وأفاد بأن الوحدات الكردية المتمركزة في بلدة “زور مغار” استهدفت قرقميش التركية ومدينة جرابلس السورية بعدد من القذائف المدفعية أدت إلى وقوع عدد من الجرحى في جرابلس، لترد بعد ذلك المدفعية التركية بقصف مكثف على المواقع العسكرية للوحدات الكردية المنتشرة في تلك المنطقة، ووقعت اشتباكات بالرشاشات الثقيلة بين الطرفين.

وقالت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يقودها الأكراد إن 191 ألف شخص نزحوا بسبب العملية العسكرية، متهمة الجيش التركي بارتكاب “الاستهداف العشوائي” للمدن والقرى.

وقدرت الأمم المتحدة الجمعة أن نحو 100 ألف شخص فروا من منازلهم في شمال سوريا منذ بدء العملية الأربعاء.

ثلاث مراحل

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “صباح” التركية إن عملية “نبع السلام” سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل، بدأت أولاها منذ الأربعاء الماضي.

وأشارت  الصحيفة إلى أن الأيام العشرة القادمة ستكون نهاية المرحلة الأولى وفقا لقرارات الرئيس رجب طيب أردوغان، موضحة أن المرحلة الأولى ستتقدم فيها القوات التركية بشكل متسارع حتى عمق 30 كلم.

أما المرحلة الثانية -وفقا للصحيفة- فتتضمن السيطرة على كافة المناطق في شرق الفرات، بينما ستشمل المرحلة الثالثة اتخاذ خطوات تعزيزية لدعم عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم.

وفي هذه الأثناء، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال فيه إن الهدف الأساسي من إطلاق “نبع السلام” إزالة الخطر الذي يشكله “الإرهابيون” على طول الحدود مع سوريا، وإنقاذ السوريين الذين يقطنون تلك المناطق من بطش المنظمات “الإرهابية”، فضلا عن ضمان عودة السوريين إلى ديارهم.

المصدر : الجزيرة + وكالات

في مقال بنيويورك تايمز جاويش أوغلو: هدف العملية التركية.. الأمن واللاجئون ووحدة سوريا

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن العملية العسكرية التركية بشمال سوريا تهدف لضمان أمن تركيا وستحرر السوريين الذين يعيشون في المنطقة من استبداد المنظمات الإرهابية وتقضي على مهددات الوحدة الجغرافية والسياسية لسوريا.

وأوضح في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز أن هذه العملية لا تستهدف الشعب الكردي في سوريا وأن أي رؤية تقول إن الأتراك ضد الأكراد هي قول خبيث وكاذب فـ “الأكراد ليسوا أعداءنا”.

وأضاف أنهم في تركيا على قناعة بأنهم يفتحون الطريق لعودة اللاجئين السوريين لبلادهم وضمان عدم عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وأي مجموعة “إرهابية” أخرى.

البعد الإنساني

وأكد جاويش أوغلو أن هذه العملية ستساعد في معالجة البعد الإنساني لمشكلة اللاجئين وتسهم في العملية السياسية.

وقال إنه من المثير للقلق أن وسائل الإعلام الأميركية تصوّر هذه العملية باعتبارها هجوما على الأكراد وإضعاف الحرب على فلول “ما تُسمى بالدولة الإسلامية” وإلحاق الضرر بمصداقية أميركا مع حلفائها، مشيرا إلى أن تحالف شمال الأطلسي البالغ من العمر 67 عاما الذي عقدته تركيا مع الولايات المتحدة ليس مؤقتا أو تكتيكيا أو للمتاجرة.

واستمر يقول إن بلاده لم تقبل قط وجود ممر تديره جماعة “إرهابية” على حدودها واقترحت مرارا إنشاء منطقة آمنة، بما في ذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وطالبت الولايات المتحدة بالتوقف عن تقديم الدعم المادي لـ “الإرهابيين”.

لكن البيروقراطية الأمنية الأميركية، يقول أوغلو، لم تستطع أن تنفصل عن المجموعة المعروفة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية السورية على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين -بما في ذلك وزير الدفاع- قد اعترفوا بأن هذه المجموعات لا تنفصل عن حزب العمال الكردستاني في تركيا الذي صُنف منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

أميركا كانت تلعب بالوقت

وأكد وزير الخارجية التركي أن الأميركيين أبدوا موافقة على ضرورة إنهاء وجود تلك القوات بالحدود التركية كلها ووصلوا إلى حد الموافقة على جدول زمني لإنهاء وجودها، كما انتهت المحادثات العسكرية بين البلدين في أغسطس/آب الماضي بالتزام متبادل لإنشاء منطقة آمنة خالية من المجموعات “الإرهابية” المذكورة وتُنهي وجودها تماما، لكن الولايات المتحدة لم تلتزم بهذه الاتفاقات وأعطت انطباعا قويا بأنها كانت تلعب لكسب الوقت بينما يُرسّخ “الإرهابيون” أقدامهم في سوريا.

وأشار إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية قد يقدمان نفسيهما للعالم باعتبارهما الجماعتين اللتين حاربتا تنظيم الدولة، لكنهما في الواقع يقومان بتهريب المتفجرات إلى حزب العمال الكردستاني عن طريق حفر الأنفاق في الأراضي التركية، وكانا يقودان السجناء من مقاتلي تنظيم الدولة نحو تركيا.

ونسب جاويش أوغلو إلى هيئة الإذاعة البريطانية نشرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن صفقة سرية رتبت بموجبها “المجموعات الإرهابية” نقل المئات من مقاتلي تنظيم الدولة وسمحت لهم بالفرار خلال “تحرير” مدينة الرقة.

وقال إن الأكراد والمسلمين والمسيحيين -عربا كانوا أو غير عرب- ممن عانوا تحت حكم إدارة “المجموعات الإرهابية” سيكونون أفضل حالا عند إطلاق سراحهم من قبضة هذه المجموعات، وأشار إلى أن المجلس العالمي للمسيحيين الآراميين ظل يؤكد هذه النقطة بإصرار.

تركيا.. الأفضل للاجئين ومكافحة الإرهاب

وأكد وزير الخارجية التركي أن بلاده حريصة على أمن اللاجئين السوريين جميعهم ووضعهم المعيشي، وأنها وضعت كل الترتيبات لذلك قبيل بدء عمليتها العسكرية الحالية، مضيفا أن تركيا أثبتت خلال الأعوام الماضية أنها الدولة الأفضل في العالم في تقديم العون للاجئين، وأورد كثيرا من الأرقام بهذا الصدد.

ودعا إلى مقارنة العمليات العسكرية السابقة لبلاده، بالتدمير الذي نفذته قوات التحالف لمدينة الرقة، قائلا إن تركيا هي الدولة الأكثر نجاحا في إدارة عمليات مكافحة “الإرهاب”. 

المصدر : نيويورك تايمز

عملية “نبع السلام” بسوريا.. تركيا تهدد بالرد بالمثل على أي عقوبات أميركية وأوروبية

أعلنت تركيا أنها ستلجأ للمعاملة بالمثل ردا على تهديدات أميركية وأوروبية بفرض عقوبات، وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لن يوقف العملية العسكرية “نبع السلام” بشمال شرق سوريا، في وقت تسعى دول أوروبية لفرض حظر على مبيعات الأسلحة لأنقرة تعاطفا مع المليشيات الكردية السورية.

وردا على تصريح وزارة الخزانة الأميركية بأنها تستعد لفرض عقوبات على أنقرة، قال الناطق باسم الخارجية التركية حامي أقصوي إنه تم إبلاغ الإدارة الأميركية بجميع مستوياتها ببدء عملية “نبع السلام” العسكرية، وإن الخارجية التركية أعلنت للمجتمع الدولي بكل وضوح عن هدف هذه العملية والمساحة التي ستشملها.

وأضاف “تركيا تحارب تنظيمات إرهابية تشكل تهديداً على أمنها القومي، وهذا الكفاح سيستمر بحزم، ولا ينبغي لأحد أن يشك في أننا سنرد على أي خطوة تتخذ ضد بلادنا في إطار المعاملة بالمثل”.

أما أردوغان فقال في خطاب أمس الجمعة بإسطنبول “لن نوقف أبدا تلك الخطوة التي اتخذناها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية السورية” مؤكدا أن العملية لا تستهدف المدنيين الأكراد “فهم أخوة لنا”.

وأشار إلى أن تركيا تتلقى تهديدات من كل حدب وصوب تقول أوقفوا هذا التقدم، متهما الغرب بأنه يكيل بمكيالين فيما يتعلق بتصنيف التنظيمات الإرهابية التي تستهدف بلاده.

 تهديدات

وفي وقت سابق الجمعة، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أن الرئيس دونالد ترامب سيوقع مرسوما يخول الوزارة فرض عقوبات على تركيا، لكن دون تطبيقها حاليا. وأضاف أن العقوبات ستكون قوية جدا وباستطاعتها شل الاقتصاد التركي.

ولفت الوزير إلى أن الرئيس يشعر بالقلق من عملية “نبع السلام” وأنه يرغب القول بوضوح إنه يتحتم على تركيا عدم السماح بفرار أي مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، في إشارة إلى مسلحي التنظيم المسجونين بمنطقة العملية.

وتقدم نواب أميركيون -وعلى رأسهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية إليوت إنجل- بمشروع قرار أمس لمعارضة قرار ترامب إفساح الطريق أمام تركيا في سوريا، والاعتراف بدور القوات الكردية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي حال إقرار هذا المشروع فسيكون إجراء غير ملزم، لكنه يأتي في وقت يتزايد فيه عدد المنتقدين من أعضاء الكونغرس لإدارة ترامب بشأن ذلك الأمر.

وفي الأثناء، قالت المفوضة الفرنسية للشؤون الأوروبية إيميلي دي مونتشالين إن مسألة إمكانية فرض عقوبات على تركيا ستناقش خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، إلا أنه من غير المرجح أن يتخذ قرار بهذا الشأن.

وأشار دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي إلى أن تركيا ما تزال عضوا بحلف شمال الأطلسي وهناك حاجة لها في التغلب على أزمة اللاجئين، كما ينبغي الحصول على إجماع لفرض العقوبات وهو أمر يصعب تحقيقه.

لذا تتجه بعض الدول الأوروبية للتفكير في مسألة منع تصدير السلاح بشكل منفرد إلى تركيا، حيث أعلنت هولندا أمس من جانبها وقف تصدير الأسلحة، وسبقتها النرويج (وهي ليست عضوا بالاتحاد الأوروبي) بقرار مماثل الخميس، كما أعربت السويد عن دعمها لحظر تصدير الأسلحة لتركيا من قبل جميع دول الاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة + وكالات

مقاتلو “نبع السلام” يسيطرون على كامل مدينة رأس العين

أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم السبت، سيطرة قوات الجيش الوطني السوري والقوات التركية على كامل مدينة رأس العين شمال غرب الحسكة، في إطار عملية “نبع السلام” شرق الفرات.

وقالت الوزارة في بيان مقتضب نشرته وكالة “الأناضول” التركية، إنه “نتيجة العمليات الناجحة المستمرة في إطار عملية نبع السلام، تمت السيطرة على مدينة رأس العين”.

جاء ذلك بعد إعلان سابق لـ قيادة الجيش الوطني السوري، أكّدت فيه اقتحام مدينة رأس العين مِن عدة محاور، وسيطرة قواتها على منطقة الصناعة شرقي المدينة، إضافةً إلى المعبر الحدودي مع تركيا، باشتباكات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً مصوراً لـ سيطرة مقاتلي “فرقة السلطان مراد” التابعة للجيش الوطني على أول آلية عسكرية أميركية الصنع مِن طراز “همر”، خلال اشتباكاتهم مع “قسد” في مدينة رأس العين.

وأضافت المعرّفات الرسمية لـ عملية “نبع السلام”، أن قوات الجيش الوطني سيطرت أيضاً على قريتي (الضبعة والدادات) شرقي مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وذلك بعد اشتباكات مع “قسد”.

وتمكّنت قوات الجيش الوطني، في وقتٍ سابق اليوم، مِن الوصول إلى الطريق الحدودي الواصل بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، وذلك عقب سيطرتها على 18 قرية في محيط تل أبيض، بمعارك أسفرت عن سقوط عشرات القتلى في صفوف “ق

تأتي هذه التطورات، في ظل عملية عسكرية أطلقها، يوم الأربعاء الفائت، الجيش التركي بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري تحت اسم “نبع السلام”، بهدف طرد مكّونات “قسد” شرق الفرات، وإعادة اللاجئين السوريين إلى تلك المناطق، حسب تصريحات الحكومة التركية.

ماكرون يدعو ترمب لوقف “نبع السلام” شرق الفرات

دعا الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) لوقف العملية العسكرية التركية “نبع السلام” ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في منطقة شرق الفرات شمال شرقي سوريا.

وحسب وكالة “رويترز” شدّد “ماكرون” خلال اتصال هاتفي أجراه مع “ترمب”، أمس الجمعة، على الحاجة لمحاولة إنهاء العملية التركية، مضيفاً أن فرنسا وأميركا اتفقتا على التواصل الوثيق بشأن حملة تركيا شرق الفرات.

ونقلت “رويترز” بياناً عن قصر الإليزيه جاء فيه “ستنسق فرنسا والولايات المتحدة عن كثب في الأيام المقبلة”.

وأشار “ترمب” في وقتٍ سابق، أمس الجمعة، إلى وساطة أميركية بين أنقرة و”قسد” هي واحدة مِن ثلاثة خيارات أمام الولايات المتحدة الأميركية، بعد إطلاق تركيا عملية “نبع السلام” شرق الفرات.

وكتب “ترمب” على حسابه في “تويتر”، أنه لديه واحد مِن ثلاثة خيارات “إرسال آلاف القوات وتحقيق نصر عسكري، توجيه ضربة مالية شديدة لتركيا وعبر (فرض) عقوبات، أو التوسط لإيجاد اتفاق بين تركيا والأكراد!”.

تأتي هذه التطورات، في ظل عملية عسكرية أطلقها، يوم الأربعاء الفائت، الجيش التركي بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري تحت اسم “نبع السلام”، بهدف طرد مكّونات “قسد” مِن شرق الفرات، في حين أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، دعمه لـ تركيا في هذه العملية، وسط إدانة الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية.

الجيش الوطني يسيطر على معبر رأس العين ويقطع الطريق الحدودي

واصل مقاتلو الجيش الوطني السوري، ليل الجمعة – السبت، التقدّم على حساب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرق الفرات، وذلك ضمن العملية العسكرية التي أطلقتها القوات التركية تحت اسم “نبع السلام”.

وأعلنت قيادة الجيش الوطني عبر معرّفاتها الرسمية، أن قواته تمكّنت مِن السيطرة على معبر مدينة رأس العين الحدودي مع تركيا، كما تمكّنت مِن الوصول إلى الطريق الحدودي الواصل بين مدينتي رأس العين (شمال غرب الحسكة) وتل أبيض (شمال الرقة).

وسبق سيطرة الجيش الوطني على معبر رأس العين والطريق الحدودي، سيطرته في وقتٍ سابق اليوم، على 18 قرية في محيط مدينة تل أبيض شمال الرقة بمعارك أسفرت عن سقوط عشرات القتلى في صفوف “قسد”، حسب ما ذكرت معرّفات عملية “نبع السلام”.

بدوره، ذكرأحد قادة الفصائل في الجيش الوطني عبر حسابه في “تويتر”، سيطرتهم على الطريق الحدودي بين تل أبيض ورأس العين، إضافةً إلى قطع الطريق الدولي M4 (حلب – الحسكة)، دون صدور بيان رسمي مِن غرفة عملية “نبع السلام” يؤكّد الوصول إلى الطريق الدولي.

وأضاف إعلاميون في الجيش الوطني، أن فصيلي “أحرار الشرقية، وجيش الشرقية” تمكّنا مِن أسر عنصرين لـ”قسد” على الطريق الحدودي، الذي وصل إليه بعد سيطرتهم على قرى (الواسطة، غزيل، أم الجرن، الصواوين، جاموس فليو، الزيدي، العريضة، الخالدية، النبهان، لزكه، حويران، التروازية) في محور تل أبيض.

أمّا في مدينة رأس العين، أشار إعلاميون إلى أن الجيش الوطني تمكّن مِن السيطرة على حي الصناعة بالمدينة، بعد اشتباكات مع عناصر “وحدات حماية الشعب – YPG” (المكّون الأساسي في قسد)، في حين نشرت غرفة عمليات “نبع السلام” صورة عن التقدّم الأخير غربي رأس العين وشرقي تل أبيض.

وكان الجيش الوطني قد سيطر، أمس الجمعة، على أربع قرى وموقع استراتيجي في محيط مدينتي رأس العين وتل أبيض، عقب سيطرته، يوم الخميس الفائت، على أكثر مِن 15 قرية على أطراف المدينتين، كما استولى على آليات عسكرية وأسلحة وذخائر.

تأتي هذه التطورات، في ظل عملية عسكرية أطلقها، يوم الأربعاء الفائت، الجيش التركي بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري تحت اسم “نبع السلام”، بهدف طرد مكّونات “قسد” شرق الفرات، وإعادة اللاجئين السوريين إلى تلك المناطق، حسب تصريحات الحكومة التركية.

تطورات متسارعة في رابع أيام العملية العسكرية التركية.. حرب طُرق إمدادات

وسّع الجيش التركي، والفصائل السورية المتحالفة معه، اليوم السبت، رقعة سيطرتهم على قرى جديدة، في المناطق الحدودية السورية مع تركيا، شرق الفرات، وذلك في اليوم الرابع على التوالي، من المواجهات مع قوات “قسد”، ضمن العملية العسكرية التركية، التي دخلت يومها الرابع.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، السيطرة على مدينة رأس العين شمال غرب الحسكة، في الوقت الذي تقدم فيه مقاتلو “الجيش الوطني”، على ذات محاور القتال، وبسطوا سيطرتهم على معبر رأس العين، وحي الصناعة شرق المدينة.

لكن وكالة “هاوار” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، نفت سيطرة القوات المهاجمة، على كامل مدينة رأس العين.

بموازاة ذلك، حققت القوات المهاجمة، اليوم السبت، تقدماً جديداً، في محاور القتال، بريف الرقة الشمالي المتاخم لتركيا، إذ أعلنت هذه القوات، السيطرة على ثمانية عشر قرية، كانت خاضعة لـ”قسد”.

وقال “الجيش الوطني” السوري، المدعوم من تركيا، إن القرى التي تمت السيطرة عليها، هي؛ نص تل، غزيل، رجم عنوة، ام جرن الصواوين، جاموس، لزكة، حويران، الواسطة، شوكان، التروازية، الزيدي، النبهان، الخالدية، الخويرة صغير، الخويرة كبيرة، أم جرن الصواوين، جاموس، الخالدية، لزكة، الفيلو، الغزيل، الغجير، وهي قرى واقعة بين مدينتي تل أبيض شمال الرقة، ورأس العين غرب الحسكة.

بدورها قالت وكالة “الأناضول” إن “الجيش الوطني وصل إلى الطريق الدولي الواصل بين مدينتي منبج والقامشلي شرقي سورية ضمن عملية نبع السلام”.

ويشهد اليوم الرابع من العملية العسكرية التي أطلقت عليها تركيا اسم “نبع السلام”، تطورات ميدانية متسارعة، إذ يبدو واضحاً سعي القوات المهاجمة، للسيطرة على طرقٍ رئيسية، تقطع تواصل قوات “قسد”، التي تقول إنها أفشلت هجوماً على الطريق الدولي الواصل بين الحسكة وحلب.

وقال المركز الإعلامي لهذه القوات، إن “الطريق الآن مفتوح، ومؤمن بالكامل. وهو تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”، بعد أن “تحركت وحدات من قواتنا، وتصدت” لهجومٍ نفذه الجيش التركي والفصائل السورية المتحالفة معه.

المصدر:

السورية.نت – وكالات

عملية “نبع السلام” والمواقف الدولية والإقليمية منها/ ميسرة بكور

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انطلاق حملة عسكرية مشتركة بين قوات الجيش الوطني السوري التابع للثورة السورية والجيش التركي، شمال شرق سوريا، وأطلق عليها اسم “نبع السلام”، وأعلن لها أهدافاً سامية تتمثل بإعادة اللاجئين السوريين، خاصة ممن هجرتهم عصابات سوريا الديمقراطية الفرع العسكري السوري لحزب العمال التركي الكردستاني، وفي جانب كبير منها حماية الأمن القومي التركي “حسبما زعمت الحكومة التركية” يتمثل بمنع هجمات تلك العصبة المارقة المنفلتة من عقال قيم حسن الجوار والتعايش المشترك، ويريدها البعض خنجراً مسموماً في خاصرة تركيا يستخدمها متى شاء للضغط على تركيا بهدف تحقيق مكاسب أو تنازلات سياسية، وربما تغيير تحالفات سياسية وعسكرية كانت نتيجة الوضع المتأزم في عموم المنطقة، ويقيناً لم يكن الهدف من وراء دعم تلك العصبة تحقيق أهدافها الانفصالية ومزاعمها القومية أو دعم تأسيس دولتها المنشودة، وخير دليل على قولي هذا تخلي الإدارة الأمريكية السابقة عنهم في العراق حين أعلن السيد مسعود البارزاني عن إقامة استفتاء للانفصال عن دولة العراق العربية.

حينها أصدر البيت الأبيض بياناً قال فيه إن الولايات المتحدة تحث حكومة كردستان العراق على إلغاء الاستفتاء، وإجراء حوار مع الحكومة العراقية، كما أن مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي، بريت ماكغورك، قال إن قادم الأيام سترتد بالسلب على الإقليم. وفي نفس السياق أوضح نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج ستريتر، أن بلاده تدعم وحدة الأراضي العراقية.

حتى لا نغرق في أحداث الماضي القريب لنذهب مباشرة إلى آخر تصريحات ترامب حول المسألة مستنداً إلى مقال تحت عنوان: “الأكراد لم يساعدوا الأمريكيين في إنزال النورماندي”، قائلاً: إن “الأكراد لم يساعدونا خلال الحرب العالمية الثانية. لم يساعدونا في النورماندي مثلاً”، مشدداً على أن ما يجب أن يكون مفهوماً هو أن “الأكراد يحاربون من أجل أرضهم”.

للأسف إن بعض قيادات الكرد لا يريدون أن يتعلموا من سنن التاريخ وأحداثه، وليس لديهم أي رغبة للاستماع للنواميس الكونية والوقائع التاريخية ليستقوا منها الدروس والعبر بأن المجتمع الدولي ومن يسمونهم الحلفاء لن يدعموهم، بل يستخدمونهم لضرب تركيا المتنامية عسكرياً واقتصادياً، الأمر الذي لن تستقبله أوروبا بعين الرضى والقبول، خاصة مع وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا والتحول الديمقراطي المتسارع فيها.

رسالتنا للقوميين الكرد وزعماء الانفصاليين عليكم إعادة قراءة المشهد برمته؛ لقد تخلى عنكم من ظننتم أنهم الحليف الوثيق الذي لا يفل حده. ومنذ أول محاولة لكم للتواصل مع الغرب خاصة الجانب البريطاني منه في بداية القرن العشرين، من قبل شريف باشا، الذي حاول الاتصال بالإنجليز بين عامي (1914) لكي يعرض خدماته، ولم يستجب له، وعام (1918) استدعي من قبل السفير الإنجليزي برسي كوكس إلى مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط! واستمر الأمر على هذا المنوال في اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) بين وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية.

حتى مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، ومؤتمر الصلح في باريس عام 1919 لم تسعفكم، ومن ثم معاهدة سيفر (1920) التي بقيت مقرراتها حبراً على ورق.

في الثلث الأخير من القرن العشرين، تحديداً يوم 6 آذار “مارس” عام 1975، وقعت العراق وإيران بحضور نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، ما عرف باتفاقية الجزائر.

تخلت بموجبها إيران عن دعم تمرد البارزاني بموجب تلك الاتفاقية، وأعلن بعدها مصطفى البارزاني الهزيمة، وما عرف بالكردية بـ”آش بطال”، أمام نظام صدام.

بعد هذا السرد التاريخي بهدف إنعاش ذاكرة الحالمين من الانفصاليين الكُرد لعلهم يتذكرون.

بالعودة إلى موضوع البحث “نبع السلام” يفتح البعض من المتباكين على تلك الفئة المارقة مزاداً يحذرون فيه من عملية إعادة تشكيل المنطقة المستهدفة “ديموغرافياً” نتيجة للعملية المشتركة بين جيش الثورة السورية والجيش التركي، ويتجاهلون بكل سذاجة الكون وحمقه أن التغيير الديموغرافي أمر واقع ومورس منذ سنين خلت على يد وحدات حماية الشعب الكردية، التي سبق وأن ارتكبت تجاوزات بحق السكان المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا، وعمليات تصفية عرقية حيث ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية أساليب مختلفة كالقتل والترويع والتشريد واستخدام المدنيين العرب والتركمان والآشوريين كدروع بشرية في الحرب ضد خصومها.

تلك الفصائل المدعية القائلة بالديمقراطية وزعمت زوراً أن لديها مشروعاً تنموياً ورؤية للعيش المشترك قافزين على ما وثقته وبثته منظمات حقوق إنسان دولية هم أنفسهم في الكثير من الأحيان يستشهدون بها محتجين بها على خصومهم من عملاء تركيا ومرتزقتها ومن القوميين العرب أو البعثيين و” .. “.

إلى كل من بدأ بشتمي ووصفي بالشفويين والجاهل بالتاريخ وأنني من بقايا البعث ومن المتطرفين القوميين أرجو أن تتوقف وتمنح نفسك فرصة لقراءة ما ورد في تقارير تلك المنظمات الحقوقية التي تحتجون بها علينا تارة وتنكرون عليها تارة أخرى، وإلى كل من يشعر بالقلق من عملية “نبع السلام”.

في تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية التي نشرت تقريراً مفصلاً عن الأوضاع في المناطق الشمالية من سوريا، جاء فيه أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي يتحمل المسؤولية الكاملة عما وصفته بالتهجير القسري من المنطقة وتدمير المنازل، وهي العمليات التي تُعد بمثابة جرائم حرب.

منظمة هيومن رايتس ووتش تحدثت عن عمليات اعتقال قامت بها وحدات حماية الشعب الكردي ضدّ العرب والتركمان بحجة الانتماء لتنظيم الدولة أو مناصرته، حيث وضعوا في سجون سرية في تل أبيض وترددت أنباء عن تصفيتهم أو إجبارهم على التنازل عن منازلهم وممتلكاتهم، وهو ما تمّ تفسيره على أنّ وحدات حماية الشعب الكردية تتبع سياسة التطهير العرقي بحق كل من هو غير كردي في مساعٍ للأكراد بإنشاء دولة كردية.

مناطق سيطرة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”

أجرت قوات الأمن في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي سلسلة مداهمات لإغلاق مكاتب الأحزاب السياسية المعارضة، واحتجزت وضايقت معارضين سياسيين وناشطين. اعتقلت معظمهم من دون توجيه أي تهمة.

وقال تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “قوات الأسايش”، القوة الأمنية داخل المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية؛ أقدمت بالاشتراك مع قسد، على تجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً، للقتال في صفوفها، وذلك منذ عام.

منظمة هيومن رايتس ووتش: ممارسات القوات الكردية ضد السوريين ترقى إلى جريمة حرب، مشيرة إلى أن القوات الكردية أحرقت قرى عربية وتركمانية شمالي سوريا، وأجبرت سكانها على المغادرة تحت التهديد بالقتل.

وما زال البعض يحاول تلبيس عملية “نبع السلام” لبوس معاداة الأقلية الكردية التي تعيش معنا في وطننا الواحد الجمهورية العربية السورية.

هل أصبح الضرب على يد الظالم بهدف إعادة الأمور إلى نصابها في عصر ديمقراطيتكم المزعومة أمراً مشيناً يستحق أن تعقد له جلسة في مجلس الأمن الدولي أم أنه مطلب حق وإحقاق للعدل “فما هو الموضوع وما هي القضية؟”.

المواقف الدولية من “نبع السلام”

مما لا شك فيه ما كان لتركيا أن تقدم على هذه العملية دون موافقة الرئيس الأمريكي ترامب، وبالتوافق مع كل من روسيا وإيران شركائها في أستانة وسوتشي الروسية.

لكي نفهم موقف ترامب الحقيقي دعونا نتذكر أن الرئيس ترامب جاء إلى البيت الأبيض بخطاب شعبوي عنوانه الرئيس فشل سياسات الإدارات الأمريكية السابقة خاصة في المنطقة العربية، وأن أمريكا لن تحارب بالنيابة عن أحد، ومن أراد الحماية الأمريكية عليه أن يدفع وأهم من هذا كله شعاره الرئيس أمريكا أولاً.

ليس لدي أدنى شك بأن ترامب يريد الانسحاب من المنطقة اليوم قبل غد، ولكن الدولة العميقة في أمريكا تمنعه من هذا الانسحاب لاعتبارات استراتيجية في مقدمتها أمن إسرائيل.

ما يحكم قرار ترامب مع قرب الاستحقاق الانتخابي هو موقف الناخب الأمريكي وتأثير اللوبي المسيحي الصهيوني في سياساته، والتي بدأت بشن حملات انتقاد ضده، الأمر الذي جعله يطلق بعض التطمينات لها بأنه لن يتسامح مع أي تجاوزات تركية، الأمر الآخر الضغوطات التي تلاحقه، والتي قد تصل إلى عزلة، لذلك يجد نفسه مضطراً للانحناء والقبول بالإملاءات وهو غير راغب فيها لكن الظرف هكذا.

لإخراج تركيا من سوريا عن طريق مجلس الأمن الدولي بعد أن تحقق أهدافها من التقارب معها في الملف السوري. ربما قبلت بشرط أن تقدم تركيا تنازلات في إدلب كما فعلت من قبل في حلب ومن أجل التطبيع مع نظام الأسد.

الموقف الفرنسي على طول الخط ضد تركيا في كل الأمور وهو لن يقدم أو يؤخر في هذه العملية في ظل موافقة القطبين الروسي والأمريكي.

الموقف الإيراني: موقف خبيث متربص فهو يريد توريط تركيا في حرب استنزاف وربما خلق مشاكل لها مع أمريكا، وبنفس الوقت تريد دعم تركيا في وجه الضغوطات الدولية عليها وتضييق الخناق الاقتصادي عليها الأمر الذي لم تقبله تركيا مرحلياً.

وهي بنفس التوقيت متخوفة من ازدياد النفوذ التركي في سوريا، وأكثر ما يقلقها أن تصبح تركيا شرطي المنطقة في ظل التنافس بين الدولتين على النفوذ الأمر الذي طالما قدمت إيران نفسها به وأنها قادرة على لعبه.

كما أنها تعتبر سوريا منطقة نفوذ خالصة لها بل بعض زعماء إيران يعتبرون سوريا الولاية الخامسة والثلاثين من إيران.

المواقف العربية “السعودية والمصرية”

الموقف السعودي من الاعتراض نابع من ثلاثة مواقف:

أولاً دعم تركيا للربيع العربي وفتح بلادها وإعلامها للمعارضين العرب واحتضان الإخوان المسلمين الذين تصنفهم السعودية على قوائم الإرهاب.

ثانياً الموقف من الحكومة المصرية.

ثالثاً ملف الصحفي خاشقجي. وأعتقد أنه لو قامت تركيا بسحب ملف خاشقجي اليوم من التداول لربما غيرت السعودية موقفها الحالي وتخلت عن الكثير من الأفكار حول تركيا.

الموقف المصري واضح؛ مناكفات سياسية بسبب عدم اعتراف تركيا بالوضع القائم في مصر وشرعية الرئيس المصري السيسي، ودعم الإخوان المسلمين، واستقبال المنصات الإعلامية المصرية المعارضة التي باتت تؤرق الحكومة المصرية، ولو قبلت تركيا بأي شكل من الاعتراف بالوضع القائم لتوقفت مصر فوراً عن مهاجمة تركيا مرحلياً.

المطلوب عربياً من تركيا باختصار مكثف؛ سحب ملف خاشقجي من التداول بشكل نهائي، الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي، إغلاق المحطات الإعلامية المعارضة لمصرية، والتي تنتقد السعودية، منع النشاطات المعارضة لكلتا الدولتين على الأراضي التركية. التخلي عن دعم حركات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية.

الموقف التركي

مع خسارة الثورة السورية لمعظم مناطقها وانكفائها إلى جيوب صغيرة أكبرها إدلب وتنامي قوة المليشيات الكردية المعادية لتركيا بفضل الدعم الأمريكي والأوروبي لها، والرغبة الجامحة لتنظيم أسد وحلفائه الإيرانيين والروس في الانقضاض على إدلب آخر أوراق الثورة السورية، ستصبح تركيا نفسها دون أي أوراق قوة أو ضغط في الملف السوري، وتصبح بين فكي كماشة؛ المشروع الانفصالي الكردي وملايين اللاجئين السوريين الذين لن يعودوا إلى سوريا في حال انتصار أسد.

وفي ظل تنامي الاحتجاجات الداخلية التركية على استقبال اللاجئين السوريين وخسارة حزب العدالة في انتخابات بلدية إسطنبول لأول مرة منذ ما يزيد على سبعة عشر عاماً.

باختصار الدوافع التركية تكمن في هواجس الأمن القومي وحسابات الانتخابات وخسارة أوراقها التفاوضية في سوريا.

لكن تركيا تمتلك ورقة ضغط قوية تهدد في تفجيرها في وجه أوروبا في أي لحظة؛ وهي ورقة اللاجئين، الأمر الذي يلجم أوروبا بانتظار سقطات تركيا للانقضاض عليها، فهي لا تنظر بين الارتياح للتطور الهائل في تركيا بقيادة العدالة والتنمية “ذي الخلفية الإسلامية”.

فقط ملاحظة طول أمد العملية العسكرية وعدم الحسم السريع سيخلق لتركيا الكثير من المشاكل داخلياً وخارجياً. وهذا ما يراهن عليه البعض كثيراً.

موقف نظام الأسد

هو يستثمر في التنظيمات الكردية في وجه تركيا وبنفس الوقت غير مرتاح لعلاقاتها بأمريكا، وقد خبر مرارة العقاب الأمريكي حال قرر المساس بتلك المليشيات. وهو يعتقد أن الضغط التركي عليها وتخلي أمريكا عنها سيقودها لتسليم مناطقها له ضمن صفقة آنية يمكنه أن ينقضها وقت يشاء وتقوي من أوراقه التفاوضية في أي عملية سياسية، خاصة بعد إجباره على القبول باللجنة الدستورية، وما تصريحات المقداد إلا نتيجة لإملاءات روسية عليه.

الحوار.

نحن حريصون على حقن الدماء وإنهاء هذا الملف بالطرق السلمية، وفي نهاية المطاف لا يمكن البقاء على الوضع القائم شمال شرق سوريا،

ولكن لسنا مستعدين لمنح “شيك على بياض”، وغير مستعدين للمغامرة بأمننا ووحدتنا الوطنية، وثوابتنا المستندة إلى الشرعية الثورية،

بل هناك أمر يجب أن تقوم به ما تسمى بمنظمة سوريا الديمقراطية بكافة أشكالها وتشعباتها:

أولاً تسليم السلاح الثقيل للجيش الوطن التابع للثورة السورية.

ثانياً إعلان طلاق كامل مع تنظيم أسد.

ثالثاً إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011؛ من السماح بعودة سكان المناطق الأصليين إلى مناطقهم والتوقف عن التغيير الديموغرافي وتغيير أسماء المناطق تحت سيطرتها.

التوقيع من قبل كل زعماء الانفصاليين والقوميين الكُرد السوريين على وثيقة يعلنون فيها بشكل واضح عن تخليهم عن أي مطالب انفصالية أو إقامة إقليم كردي في سوريا، وعدم التدخل في شؤون الكرد في العراق وتركيا، وأن تودع نسخة من هذه الوثيقة في مؤسسات الأمم المتحدة.

الآن نحن منفتحون على الحوار بكامل المحبة وعقول منفتحة فما هو الموضوع وما هي القضية؟

ميسرة بكور

كاتب وباحث في العلاقات الدولية العربية – ألمانيا

خاص بـ”الخليج أونلاين”

بيانات

بيان لمنظمة الاثورية الديمقراطية

أطلقت الحكومة التركية بعد ظهر اليوم عمليات عسكرية في مناطق شرق الفرات بزعم محاربة الارهاب وإحلال السلام. وشملت العمليات مناطق عديدة في شرقي الفرات والجزيرة السورية، بعد الانقلاب على التفاهمات التي ابرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في آب الماضي. وتشير الأنباء الأولية إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وحركة نزوح كثيفة في عدد من مدن وبلدات الجزيرة، جراء القصف الذي طال بعض الأحياء السكنية في القامشلي ورأس العين وغيرها.

تدين المنظمة الاثورية الديمقراطية بشدة العمليات العسكرية التركية التي لم تكن لتحصل لولا الضوء الأخضر الذي تلقته حكومة أنقرة من الرئيس الأمريكي وتنصله من مسؤولياته والتزاماته، وتواطؤ العديد من الدول المنخرطة في الصراع السوري خدمة لمصالحها واجنداتها المتعارضة مع مصالح الشعب السوري.

إن المنظمة الاثورية الديمقراطية إذ تحذر من تكرار نموذج عفرين المثقلة بانتهاكات بعض الفصائل، فإنها ترى أن العملية العسكرية التركية التي أطلق عليها اسم (نبع السلام)، لا يمكن ان تجلب للمنطقة وأهلها السلام والاستقرار، بل على العكس تنذر بتداعيات خطيرة من شأنها تعميق الفجوة بين مكونات المنطقة، وإثارة المزيد من الصراعات العبثية التي لا تخدم أحد. إضافة إلى زعزعة الاستقرار واطالة أمد الصراع وتعطيل مسار العمل السياسي الذي لاحت مؤشراته مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية. وكل هذا يصب في خدمة مصالح النظام السوري المسؤول الأول عن استدراج مختلف الجيوش و الميليشيات الاجنبية، وعن الكوارث التي لحقت بالسوريين.

إننا نناشد المجتمع الدولي للتحرك العاجل من أجل وقف كافة الأعمال القتالية في مناطق شرق الفرات،وحماية المدنيين، ومنع عمليات التغيير الديمغرافي عبر بوابة اللاجئين ، وتجنيب المنطقة الدمار والنزوح، وقطع الطريق على عودة تنظيم داعش الإرهابي. كما وندعو الجميع إلى العودة إلى منطق التفاهمات على المستويين الأمني والسياسي بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لتجاوز حالة الاستعصاء والدفع بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤.

ان المنظمة الاثورية الديمقراطية، وانطلاقا من حرصها على تغليب المصالح الوطنية على أية حساسيات أخرى، وعلى صون السلم والاستقرار.فانها تهيب بأهلنا في مناطق شرق الفرات، من كل ألوان الطيف السوري بالوقوف صفا واحدا في مواجهة خطابات التخوين والكراهية، وتعميق منطق وآليات الحوار والعمل السياسي والاجتماعي في سبيل درء الفتنة التي تهدد بنتائج كارثية.

كما تجدد الدعوة للقائمين على الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي، لإجراء مراجعة شاملة لتجربتها وسياساتها، بهدف تحقيق أوسع مشاركة لكافة أطياف المجتمع وبما يخدم مصالحهم في الحرية والديمقراطية والسلام، وهذا يقتضي فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني وإزالة أي لبس في العلاقة معه، وكذلك القطع مع النظام الشمولي في دمشق من أجل نزع كل الذرائع وكشف الأجندات المستخدمة من بعض الدول لتمرير مصالحها واستهداف أهل المنطقة واستقرارها.

٩ تشرين الأول ٢٠١٩

المنظمة الاثورية الديمقراطية

المكتب التنفيذي

بيان من الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) حول العدوان التركي

في يوم 9تشرين أول2019قامت القوات العسكرية التركية بغزو أراضي شمال شرق سوريا بغطاء أميركي – روسي،مايشكل عدواناً سافراً على سيادة الدولة السورية على أراضيها، ومايمثل تطوراً خطيراً في مسار الأزمة السورية حيث كان رفض النظام السوري في عام 2011للحل السياسي السوري – السوري واتجاهه للحل الأمني- العسكري قد فتح باباً مشرعاً لتدخلات خارجية قاد إلى تحكم الخارج الدولي- الاقليمي ليس فقط بمسارات الأزمة السورية وإنما أيضاً إلى فقدان السوريين جميعاً للقدرة على تقرير مصير سوري للأزمة.

لقد قام حزبنا منذ عام2011 بانتهاج خط سياسي يرفض استعانة السوريين ،مهما كانت مواقعهم في السلطة والمعارضة، بالخارج،وقد قلنا منذ ذلك العام بأن لاحل أمني- عسكري للأزمة بل حلاً عبر تسوية سياسية، وقد أبلغنا بشكل مباشر قياديين في (حزب الاتحاد الديمقراطي)بأن استعانتهم بالأميركان وتغطيتم لبناء قواعد عسكرية أميركية على الأرض السورية هو فعل مرفوض وطنياً وبأن الأميركان سيغدرون بهم و”يطعنوهم في الظهر”،كماأن ادخالهم سوريا في صراع تركي- تركي ،بفعل تبعية (حزب الاتحاد الديمقراطي)ل(حزب العمال الكردستاني)،ستقود أنقرة إلى عقد صفقات دولية من أجل القضاء على فرع سوري لحزب عبدالله أوجلان يحاول إقامة منطقة خاصة له عند الحدود السورية – التركية تحت اشراف وتوجيه من قيادة جبال قنديل،وهذا مايدخل سوريا في نفق عميق تقود إليه الأطماع التركية المعروفة في الأراضي السورية.

إننا ندين الغزو العسكري التركي لأراضي بلدنا سوريا ،حيث يتذرع الأتراك باتفاقية أضنة التي وقعها النظام السوري عام1998معهم والتي هي مرفوضة وتفتقد إلى أي مشروعية دستورية وقانونية سورية ، وندين كل طرف أوشخص أوفريق سياسي سوري شارك أوأيد أوصمت عن هذا الغزو باعتباره أخذ موقفاً لاوطنياً،ونطالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ،ونحن نرى بأن يوم9تشرين أول2019هو منعطف فاصل يعطي إشارات واضحة على مدى فقدان السوريين لسيادتهم ،وهو مايدعو كل السوريين،مهما كانت مواقعهم في السلطة والموالاة والمعارضة والتردد،من أجل السعي نحو تبني وانتهاج خط سيادي وطني سوري يرفض ويسعى إلى اخراج كل القوات غير السورية،سواء كانت نظامية أوغير نظامية وسواء كانت مساندة لهذا الطرف السوري أوذاك،من الأراضي السورية ،مع سعي السوريين إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254لعام2015 الذي يقول في نصه بإقامة ” حكم ذو مصداقية يشمل الجميع ولايقوم على الطائفية ” من أجل الانتقال من الاستبداد إلى دولة الحق والقانون والديموقراطية كطريق وحيد نحو استعادة سيادة بلدنا سوريا الذي يعاني الآن من الاحتلالات والهيمنات الخارجية واستباحة أرضه.

دمشق – 12تشرين أول2019

الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)

بيان تيار مواطنة

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليل الثلاثاء 8 تشرين أول الجاري بدء العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، حيث شنت الطائرات الحربية التركية بعد ظهر اليوم الاربعاء عدة غارات كما قامت المدفعية التركية بقصف منطقة رأس العين الحدودية وبعض المناطق في الداخل السوري. كما أفادت بعض المصادر الكردية عن سقوط ضحايا.

إننا في تيار مواطنة نعلن شجبنا وإدانتنا لهذا الاعتداء التركي السافر على أراضينا السورية تحت سمع المجتمع الدولي وتواطئه وخاصة الولايات المتحدة بعد أن سحبت بعض نقاط تمركزها. ونعتبر أيضاً أن جميع مبررات هذا الهجوم تتعارض جبهياً مع مصالح شعبنا وتدفع بشدة إلى اقتتال السوريين لمصلحة تركيا وتزيد في تفتت النسيج الوطني السوري ومما لا شك فيه أنها ستؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة وإلى نزوح عشرات آلاف السوريين عن مناطقهم وقد تؤدي إلى تغيير ديمغرافي إذا ما اكتمل المشروع التركي الخبيث للمنطقة.

نحن في تيار مواطنة نطالب المجتمع الدولي والولايات المتحدة العمل والضغط الفعلي على وقف هذا العدوان فوراً، كما نطالب جميع المقاتلين السوريين المنخرطين تحت مسمى “الجيش الوطني” عدم المشاركة في هذه المعركة القذرة واعتبار المستهدفين أهلهم! كما نعلن تضامننا مع أهلنا في منطقة شرق الفرات.

يسقط العدوان التركي والحرية لسوريا!

تيار مواطنة – المكتب التنفيذي

9-تشرين الاول-

بيان الأخوان المسلمين في سوريا

بسم الله الرحمن الرحيم

تمر الثورة السورية اليوم بمنعطف تاريخي ومفصلي في سيرها نحو تحقيق أهدافها في إسقاط نظام الأسد ومواجهة مشاريع الإرهاب والتطرف والانفصال، وذلك بإطلاق عملية #نبعالسلام في منطقة #شرقالفرات، والذي يتشارك فيها الجيش الوطني السوري مع الجيش التركي.

لقد تقاطعت مصلحة الثورة السورية والأشقاء في #تركيا في محاربة إرهاب (PYD-YPG – PKK) واستعادة الأرض السورية والحفاظ على وحدتها، فكانت عملية (نبع السلام)، وشرق الفرات مثل غربه مثل كل سورية، لا بد أن تصبح حرة بإذن الله.

إننا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إذ نؤيد وندعم هذه العملية، فإننا نؤكد بشكل واضح لا لبس فيه، أننا مع وحدة الأراضي السورية ووحدة المجتمع السوري، وإن إخوتنا الأكراد هم مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وأنه لا يجوز التعرض لهم بجريرة الميليشيات الإرهابية الانفصالية التي هجرت أهالي منطقة الرقة واستعرضت جثث مقاتلي الجيش الحر في عفرين، هؤلاء من تستهدفهم عملية نبع السلام، أما إخوتنا الأكراد فهم شركاء الجميع تحت مظلة وطن واحد، ومن مصلحة الجميع قطع أيدي الإرهاب والانفصال.

إننا – في هذا المقام – نَحُضُّ العشائر العربية والكردية في شمال بلادنا على الانضمام للجيش الوطني السوري، ونذكر هنا الجيش الوطني السوري والجيش التركي بضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين والبنى التحتية، وأن أي انحياز من مقاتلي قسد إلى الجيش الوطني السوري فإنه سيكون في عهده وحمايته.

وأخيرا نقول؛ يجب على المجتمع الإقليمي والدولي أن يتفهم حاجة الشعب السوري للعودة إلى أرضه واستعادة ما دمرته واستولت عليه المشاريع الإرهابية والانفصالية، وأن دعم الشعب السوري لنيل مطالبه وحريته سيسهم في استقرار سورية والمنطقة كلها.

الخلود لشهداء الثورة السورية، والشفاء لجرحاها، والعودة الكريمة لأبنائها، والنصر لأبطالها الميامين، والله أكبر ولله الحمد.

جماعة الإخوان المسلمين في سورية

10 أكتوبر

بيان للتوقيع والمشاركة

.

لا للحرب “الأهلية”..لا لحرب “كردية” “عربية”..

الحرب ليست من مصلحة السوريين، عربا أو كردا، أو أيا كانوا، ولا من مصلحة تركيا…كفى تلاعبا بقضية الشعب السوري، من كل الأطراف..الموقف الأمريكي ينمّ عن استدراج، وخديعة، فضلاً أنه يأتي في إطار توريط مختلف القوى للغرق في مستنقع الصراع السوري، لاستنزافها واضعافها..والحرب إن وقعت ستزيد من تصدّع وحدة شعبنا، بما لا يخدم إلا النظام وشريكيه، أيران وروسيا، وستقوض صدقية المعارضة وتكشف ارتهاناتها، في وقت يحتاج فيه شعبنا إلى صوغ اجماعاته الوطنية، بالتمسك بأهداف ثورة الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية.

الموقعون:

ميشيل كيلو، سميرة المسالمة، سمير نشار، يوسف سلامة، راتب شعبو، ماجد كيالي، ميشيل شماس، عمر كوش، عبد الباسط سيدا، أنور بدر، منى أسعد، ريما فليحان، موفق نيربية، وائل السواح، مروان علي، ناديا عيلبوني، احمد جابر، عبد الحكيم حلاسة، ميسون كحيل، ملهم أبو صالح، هوشنك اوسي، محمود هلال، مصطفى الولي، على العائد، فايز القنطار، نشوان أتاسي، عاطف العماوي، ياسر العيسى، منير الخطيب، جبر الشوفي، فايز سارة، وسيم عمايري، محمد ديب، حيان جابر، عمار جلو، سيف الدين الاتاسي، زينة وزان، سعيد أسود، حسينوف ديبو، عبد الحكيم الخيرات، لازقين فاتي، بوفا سالار، اللواء محمد الحاج علي، رشيد الحاج صالح، عدنان سليم، غسان المفلح، طلال المصطفى، محمود الشرع، كريم العفنان، حسام ميرو، أسامة آغي، محمد زادة، عبد الله تركماني، عبد الحنان حسن، هيثم بدرخان، سناء حويجة، ريان علوش، على سطوف، مازن كعكرلي، بسام العيسمي، حسين بصبوص، برزان لاوند، محمود حسن، طه عبد الواحد، صلاح بدر الدين، بهاء الدين نجيب، محمد قنطار، وجدان ناصيف، مصطفى عجاج، هنادة الرفاعي، حسان الخطيب، فاضل نوفل، محمد رفي، طارق عزيزة، منيف ملحم، بشرى سيد عيسى، مأمون سيد عيسى، مها حسن، عائد قزعور، تيسير الخطيب، وسام إشتي، نضال جبر، احمد سليمان، محمد حسكو، ‎د ميشيل صطوف، زكريا الصقال، ايمن الأسود، فوزي السهلي، يوسف سعيد، رزق مزعنن، محمد المناصرة، منصور العياش، وهاب النجرس، مطر العباس، عدنان الدبس، فوزي غزلان، ابراهيم شحود، أمل محمد، محسن بابات، طالب العلي، غالية كيالي، عبدو خليل، منى غريب، صبيحة خليل، مازن عرفه، بسام درويش،

مقالات مختارة

تركيا والكرد السوريون/ راتب شعبو

استطاعت تركيا أن تجعل من الثورة السورية فرصةً “قوميةً” لها. وهي في عمليتها العسكرية اليوم في شرق الفرات، أو منطقة الجزيرة السورية، تحاول أن تستثمر أكثر في الفرصة السورية. تبغي اليوم الإمعان أكثر في استغلال هشاشة “البنيان السوري” كي تزيده هشاشةً، وتجعل من سوريين “غير أكراد”، أطلقوا على أنفسهم اسم “الجيش الوطني” الذي لا نصيب له من اسمه، فهو يفتقد الاستقلالية، وسيلةً لإحداث مزيد من الضعضعة في النسيج الوطني السوري، من خلال ضرب الوطنية السورية، وتعميق التنافر العربي الكردي، في سبيل تحقيق هدف تركي.

يهرب هذا “الجيش الوطني” من حقيقة علاقة التبعية التامة له مع تركيا، فيسمّيها علاقة تحالف. في هذا “التحالف” لا يجد المرء جواباً عن أسئلة مثل: لماذا لا تتجه بندقية “الجيش الوطني” إلا إلى حيث تريد تركيا؟ لماذا لا يدعم الحليف التركي هؤلاء من أجل تخليص إدلب من جبهة النصرة والتنظيمات الإسلامية الجهادية الأخرى التي نمت على حساب الثورة، وشكّلت، ولا تزال، التغطية السياسية الأبرز لعمليات قصف المنطقة من النظام السوري وحلفائه؟ بأي معنى تشكل معركة شرق الفرات مناصرةً للثورة السورية؟ وما هي أولويتها؟

لم يشكل الكرد في سورية تهديداً لأمن الدولة التركية طوال سنوات الصراع الماضية، هذا ما يعرفه الجميع، والأتراك من باب أولى. وليس التهديد الكردي المزعوم الذي تحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من على منبر الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، هو ما يحرّك العملية العسكرية التركية اليوم. ما يحرك الاجتياح التركي لمناطق الوجود الكردي في سورية هو، في الواقع، الوزن المعنوي والسياسي العالمي الذي حققته الوحدات العسكرية التي يغلب عليها العنصر الكردي، من خلال نجاحهم في المعارك القاسية والطويلة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المكنى داعش، وتضحيتهم بعشرات آلاف المقاتلين في هذه المعارك، بالترافق مع امتلاكهم مقومات إدارة ذاتية ووجود قوة كردية معادية لتركيا (معادية للسياسة التركية تجاه الكرد) على رأس هذه الإدارة. فضلاً عن سعي حزب العدالة والتنمية (الحاكم) إلى شد العصب التركي حول “الزعيم” من خلال تعزيز صورة آخر أو عدو “إرهابي”، واستعراض القدرة على سحقه.

لا يمكن إنكار الإنجاز العسكري الذي حققته قوات سورية الديمقراطية (قسد)، والذي أكسبها ثقة أطراف التحالف الدولي المضاد لتنظيم داعش، إلى حد جعل قرار البيت الأبيض بمثابة صدمة، سواء لحلفاء واشنطن، أو لمؤسسات الإدارة الأميركية نفسها. ولا يمكن إنكار القدرة التي أظهرها الكرد السوريون على إدارة شؤون المناطق التي سيطروا عليها، وعلى إدارة شؤون المخيمات والسجون التي تحتجز مقاتلي “داعش” الذين يقدّر عددهم بعشرة آلاف، منهم حوالي ألفي أجنبي. وإذا تجاوزنا الآن عما تناقلته التقارير من أعمال عنف وتهجير وتجنيد للأطفال، قامت بها قوات “قسد” في مناطق سيطرتها، وعما تنقله الأخبار من سياساتٍ تعليميةٍ تحابي العنصر الكردي على حساب العربي. وإذا تجاوزنا عما نراه خطأ جوهرياً في المقاربة العامة لحزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) الذي ينظر إلى سورية من منظار كردي، بدلاً من أن ينظر إلى الموضوع الكردي من منظار سوري، نقول إذا تجاوزنا عن هذا كله، فإن الكرد في شرق الفرات شكلوا نموذجاً لا يريح تركيا، ولا يريح بالطبع النظام السوري، وليس مفاجئاً أن نجد هذين الأخيرين، على الرغم من العداوة المعلنة بينهما، في موقف واحد تجاه التجربة الكردية السورية.

يقود ما سبق إلى نتيجة مؤدّاها أن المنطقة الآمنة المزمعة، إذا أتيح لها أن ترى النور، وعلى الرغم مما تمثله من تعد على التكوين الديموغرافي والاجتماعي لإبعاد “الخطر” الكردي، بحسب المزاعم التركية، لن تكون كافيةً تماماً لإشباع نزعة الهيمنة التركية التي قد تهدأ فقط حين يكف الكرد السوريون تماماً عن أن يكونوا كردستانيين. أو بكلام آخر، حين تسبق سوريتهم كرديتهم، ويخفت حلمهم القومي الذي ينخس الخاصرة القومية التركية (كما خفت الحلم القومي العربي) لصالح أولوية وطنية سورية، فلا يشكلون نقطة ارتكاز، أو منطلق محتمل لأي تطلعات تحرّرية للكرد في تركيا. باختصار، تريد تركيا من الكرد السوريين فك العقدة الكردية السورية عن العقدة الكردية التركية، عندئذ يتحول الكرد السوريون إلى سوريين كرد، وتكفّ المناطق الكردية في سورية عن أن تكون غرب كردستان، وتتضاءل الأرضية التي يمكن أن يبنى عليها التصور السياسي الذي تكون فيه تركيا العدو الأول بالنسبة للكرد السوريين.

هل يمكن لأبناء هذه المساحة الجغرافية المسمّاة سورية أن يغلّبوا سوريتهم على هوياتهم القومية المتنوعة؟ قد يكون عسيراً علينا تقبل ذلك. ولكن أليس من المفارقة أن يكون المكان الذي يشعر فيه الكرد السوريون بسوريتهم أكثر هو المكان الأكثر كرديةً في المنطقة، أقصد كردستان العراق؟ فهناك، بحسب مرويات اللاجئين الكرد السوريين، يتعارفون على اللاجئ الكردي بأنه سوري، فتضمحل كرديّته أمام سوريته ويخضع لمعاملة تمييز سلبي بوصفه سورياً. هل نجد مفارقةً اليوم حين نرى هذا الرفض الذي يصل إلى حدود العنصرية، ضد السوريين العرب في بلد عربي هو الأقرب إلى سورية جغرافياً وثقافياً؟ هل نرى مفارقةً في امتناع الدول “العربية” عن استقبال اللاجئين “العرب” السوريين في ذروة مأساتهم؟

ليس من الصعب ملاحظة أن الهوية الوطنية السورية تطمس الهويات القومية المتنوعة لحاملي الجنسية السورية، حتى في عيون من يشاركونهم “قومياتهم”، أو قل في عيون هؤلاء بشكل خاص. ولكن ليس من السهل الاعتراف بهذه الحقيقة التي، بلا شك، تكوي الحلم “القومي” لكل منا.

بعد كل شيء، من الراجح أن يتطوّر التدخل العسكري التركي في شرقي الفرات إلى مأزق للرئيس أردوغان، نظراً إلى الموقف الأوروبي غير المؤيد، وإلى القيود الأميركية الناجمة عن عدم وحدة الموقف الأميركي وعدم ثباته، إضافة إلى احتمال طول أمد الحرب، بفعل غياب سلاح الطيران عنها، وبفعل خبرة مقاتلي “قسد” وكفاحيتهم، الأمر الذي ستترتب عليه خسائر بشرية كبيرة، سوف تزيد في العبء السياسي التركي، وتحيل “المنطقة الآمنة” المأمولة إلى منطقة ملغومة بالأحرى.

أما في سورية، فإن الراجح أن تكون نتيجة هذا الغزو مكسباً لنظام الأسد الذي يمكنه أن يأمل اليوم بأن يستعيد، على يد الجيش التركي وأتباعه، وبمعونة حليفه الروسي، جزءاً آخر من أرضه المفقودة. فضلاً عن منطقة إدلب التي لا بد أن ترتيباتها دخلت في تسويةٍ روسيةٍ تركية، في مقابل موقف روسي من العملية العسكرية التركية.

العربي الجديد

التوغل التركي يطرح 16 سؤالاً… و«التطبيع العربي» أبرزها/ إبراهيم حميدي

«قواعد لعبة» جديدة قد تفضي إلى تغيير التحالفات ومسار الحل السياسي

«تغريدة من الرئيس دونالد ترمب أو مكالمة منه، ستقرر مصير الوجود الأميركي شرق سوريا». كل مسؤول أميركي كان يعرف ذلك ويقوله في الجلسات المغلقة خلال محادثات ترمي إلى إقناع دول أوروبية وأخرى للمشاركة في نشر قوات عسكرية ضمن التحالف الدولي ضد «داعش» شرق الفرات.

ليس صحيحاً، أن جميع الدول فوجئت بقرار ترمب بالانسحاب الجزئي. ربما فوجئ مستشاروه ودول وأطراف حليفة، أنه لم يتراجع عن مضمون «مكالمته» مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان و«تغريداته»، كما فعل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما استجاب لحلفائه ومستشاريه ومدد الوجود الأميركي شرط موافقة فرنسا وبريطانيا ودول أخرى «ملء الفراغ والمشاركة في العبء».

الخلاف كان حول موعد الانسحاب الأميركي وحجمه وليس القرار ذاته. ولا شك أن قرار ترمب يخلط الأوراق ويطرح 16 سؤالا:

1 – «المنطقة الآمنة»: تركيا أعلنت أنها تريد منطقة بعمق 32 كلم وعرض 460 كلم على طول الحدود مع سوريا، تتضمن: أولاً، إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية وسلاحها الثقيل وتفكيك القواعد الأميركية. ثانياً، إعادة لاجئين سوريين مع توفير بنية تحتية بحماية فصائل محسوبة على أنقرة. أميركا اقترحت بالتفاهم مع الأكراد «آلية أمنية» بعمق 14 كلم وعرض 70 – 80 كلم بين تل أبيض ورأس العين. الهجوم التركي بدأ بين تل أبيض ورأس العين بعد تفكيك أميركا قاعدتين لها فيهما، لكن القصف التركي وصل إلى عمق 30 كلم وامتد إلى حدود القامشلي. السؤال: ما هو عمق التوغل التركي الحالي؟ وما هو المقبول أميركياً في هذا الشأن، و«الحد» الذي يعتبره ترمب «مسموحاً بموجب حكمته».

2 – الوجود الأميركي: أقامت أميركا خمس قواعد عسكرية ومطارات كبرى وعدداً من نقاط التمركز المتنقلة. وانخفض عدد القوات الأميركية من ألفي عنصر إلى نحو 500، وعوضت بريطانيا وفرنسا ودولاً أخرى القوات الأميركية التي انسحبت بعد قرار ترمب بداية العام الحالي. وهناك أيضاً قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية – الأردنية – العراقية التي تضم قوات خاصة ومقاتلين سوريين. هل سيقتصر الانسحاب الأميركي عن النقاط القريبة من الحدود التركية أم يمتد جنوباً، علماً بأن إدارة ترمب، وخصوصاً مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، كانت وضعت قاعدة التنف ووجودها لمواجهة النفوذ الإيراني؟

3 – «قوات سوريا الديمقراطية»: قادت أميركا جهوداً لتشكيل تحالف عربي – كردي تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الرئيسي، وتضم 60 ألف مقاتل وعناصر من الشرطة المحلية لتوفير الاستقرار وضبط الحدود (هناك تقديرات لعدد تراكمي يصل إلى 100 ألف). كيف ستنعكس العملية التركية على التوازن داخل المكونات العربية والكردية في «سوريا الديمقراطية»، وما هو مصير المجالس العسكرية في المدن ذات الغالبية العربية مثل دير الزور والرقة؟

4 – «داعش»: قبل أيام حذر عسكريون وباحثون أميركيون من عودة ولادة «داعش» الذي قضى التحالف على مناطقه في سوريا والعراق في مارس (آذار) الماضي. كما أن هناك آلاف «الدواعش» وعائلاتهم في سجون «قوات سوريا الديمقراطية» ومخيمات للنازحين. وأعلن ترمب أن عضوين في «داعش» في مجموعة «البيتلز» البريطانية، أصبحا الآن في عهدة الأميركيين ونُقلا إلى خارج سوريا. وحذر الأكراد من أن الهجوم التركي سيؤدي إلى احتمال إطلاق «الدواعش» بمن فيهم أوروبيون لم تستقبلهم دولهم، في حين تعهدت تركيا بالتعامل مع هذا الموضوع. هل تشكل العملية فعلا «إعادة ولادة» للتنظيم؟

5 – العشائر العربية: تنوع ولاء العشائر العربية شمال شرقي سوريا: مع دمشق أو أنقرة أو «الوحدات» الكردية أو دول عربية. وكان بعض العشائر يغير ولاءه بحسب التغير في ميزان القوة والطرف المسيطر والأقوى شرق الفرات، وانتقل من دعم دمشق إلى دعم «الجيش الحر» إلى «النصرة» إلى «داعش» إلى «الوحدات» الكردية. وشكلت الإدارة الذاتية الكردية مجلساً لوجهاء العشائر. هل سيتغير ولاء بعض العشائر بعد الهجوم التركي؟ كيف سيكون في ضوء تغيير الاستقطاب الإقليمي؟

6 – العلاقات الكردية – الكردية: تعزز نفوذ «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب»، وهما مقربان من «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان في مقابل تراجع نفوذ باقي الأحزاب وخصوصاً «المجلس الوطني الكردي» المقرب من تركيا. كان هذا واضحاً في البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية. وجرت محاولات بقيادة فرنسية لعقد تفاهمات بين الطرفين الكرديين اصطدمت بخلافات داخلية ورفض إقليمي. كيف ستتغير التوازنات في موجب الهجوم تركيا التي تستضيف طرفاً كردياً؟

7 – النفط والغاز والثروة: تضم مناطق شرق الفرات 90 في المائة من النفط السوري (كان 380 ألف برميل قبل 2011) ونصف الغاز السوري. سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على جميعها. حسب المعلومات، تصدر «قوات سوريا الديمقراطية» 50 – 60 ألف برميل يوميا إلى كردستان العراق و25 ألفاً إلى مناطق الحكومة السورية. وترددت معلومات أنها بدأت بتخفيف السيطرة على الآبار أو حرقها. أغلب الظن ستكون ضمن نقاط التفاوض بين اللاعبين بحسب تطورات الوضع العسكري.

8 – مستقبل الإدارة الذاتية: تنقل تصور القادة للأكراد لمناطق سيطرتهم خلال السنوات السبع الأخيرة، من الحديث عن «روج افا» (غرب كردستان) إلى «فيدرالية الشمال» وصولاً إلى «الإدارة الذاتية ضمن وحدة سوريا». وشكلت إدارات وكيانات تحاول الدمج والتوازن بين المكونات العربية والكردية والأشورية مع التركيز على المكونات من دون بعد انفصالي في الخطاب. وتلقت دعماً من الدول الحليفة للإعمار والاستقرار. هل ستبقى المؤسسات والمجالس صامدة أمام الهجوم التركي؟ ما مصير التمويل؟

9 – المفاوضات مع دمشق: في بداية 2011 سعت دمشق إلى تحييد الأكراد شرق البلاد. وفّر هذا أرضية لزيادة نفوذ «الاتحاد الديمقراطي» و«الوحدات»، لكن النفوذ زاد على قدرات وتوقعات دمشق بعد دخول التحالف الدولي ضد «داعش». بقيت الخطوط مفتوحة بين قياديين أكراد ودمشق إلى أن طلبت واشنطن من «قوات سوريا الديمقراطية» وقف الحوار أو التفاوض. تعرض روسيا حالياً وساطة بين دمشق والأكراد، ونقطة الخلاف هي: دمشق تعرض إدارة محلية ولامركزية، في حين يريد الأكراد «إدارة ذاتية». أغلب الظن أن دمشق وموسكو ستقولان للأكراد: «ألم نقل لكم إن الأميركيين سيتخلون عنكم؟!». نائب وزير الخارجية فيصل المقداد رفض الحوار امس واتهم الاكراد بـ «الخيانة».

10 – اتفاق أضنة: وقّعت دمشق وأنقرة هذا الاتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) 1998، ويسمح للجيش التركي «ملاحقة الإرهابيين» والمقصود «حزب العمال الكردستاني» بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا. اللافت، أن رسالة خطية بعثتها تركيا إلى مجلس الأمن أول من أمس، قالت إن الهجوم الجديد جاء بموجب «اتفاق اضنة مع الجمهورية العربية السورية». هل ستعرض روسيا تطوير اتفاق أضنة عبر التفاوض والتطبيع بين دمشق وأنقرة بحيث يكون عمق التوغل التركي أكثر من خمسة كيلومترات وأقل من 32 كلم، شرط أن يكون شاملاً شريط الحدود السورية – التركية؛ ما يعني دخول قوات الحكومة إلى إدلب والشمال؟ كان إردوغان أشار إلى رغبته في «منطقة آمنة» بامتداد نحو 900 كلم من ريف اللاذقية غرباً إلى نهر دجلة شرقا وعمق 32 كلم.

11 – هدنة إدلب: ربط محللون دائماً بين تطورات شمال شرقي سوريا وشمال غربها. تركيا كانت توازن بين مسار آستانة مع روسيا ومفاوضات المنطقة الآمنة مع أميركا. روسيا كانت تضغط على تركيا في إدلب للتنازل شرق الفرات. كيف سينعكس التوغل التركي شرق الفرات على مستقبل اتفاق خفض التصعيد في إدلب. موسكو كانت أعطت مهلة إضافية لأنقرة للتوصل إلى حل لعقد إدلب. هل تستمر المهلة، أم أن دمشق ستستغل الوضع للتقدم شمال خان شيخون إلى حين تدخل الوسيط الروسي لعقد تفاهمات تشمل شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي؟

12 – اتفاق منبج: توصلت واشنطن وأنقرة إلى «خريطة عمل: حول منبج غرب نهر الفرات وشمال حلب، تتضمن إخراج (الوحدات) الكردية وتسيير دوريات مشتركة، لكن بقي الخلاف حول وجود (الوحدات) والمجلس المدني. وتنتشر في ريف منبج دوريات روسية وأخرى تابعة للحكومة السورية قرب ميليشيات إيرانية، إضافة إلى قاعدة فرنسية ضمن التحالف. ما مصيرخطوط التماس؟

13 – الدور الإقليمي: في النصف الثاني من التسعينات وبعد فرض أميركا منطقة حظر جوي شمال العراق؛ ما أدى إلى ازدهار كردستان العراق، شكلت تركيا وسوريا وإيران منصة للتعاون الثلاثي لمنع تطور الكيان الكردي باعتبار أن هذه نقطة عمل مشتركة رغم خلافات إزاء أمور أخرى. هل يتكرر هذا الآن بمعنى أو آخر؟ بعيداً من التصريحات العلنية، هل يجمع الرفض السوري – الإيراني – التركي للكيان الكردي السوري الذي تعتبره الدول الثلاث «تهديداً لأمنها القومي»؟

14 – التطبيع العربي: أوقفت واشنطن بداية العام مسيرة التطبيع العربي الثنائي عبر فتح السفارات والجماعي عبر الجامعة العربية. لكن حجم الإدانة العربية لـ«العدوان» و«العزو» التركي على «سيادة سوريا ووحدتها» كان لافتاً. روسيا كانت أرادت استخدام تشكيل اللجنة الدستورية لدفع «التطبيع العربي» وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. هل يكون الاجتماع الوزاري العربي السبت مقدمة لإعادة عضوية سوريا إلى الجامعة قبل الجولة المقبلة للرئيس فلاديمير بوتين إلى المنطقة وبعد زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف في المنطقة، خصوصاً بعد بيانات الإدانة والاتصالات الهاتفية بين القادة العرب؟

15 – اللجنة الدستورية: المزاج كان إيجابياً قبل أيام بعد نجاح المبعوث الأممي غير بيدرسون بتشكيل اللجنة الدستورية وبدء تحضيرات عقد الاجتماع الأول في جنيف في 30 الشهر الماضي. وهو يزور دمشق بعد مشاركته في الاجتماع الوزاري الأوروبي الاثنين المقبل. هل ستوافق دمشق على المشاركة في العملية السياسية وسط الهجوم التركي؟ هل يطالب وزير الخارجية وليد المعلم بيدرسون بإصدار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش موقفاً متشدداً من الهجوم؟ هل ستبقى تركيا (هي إحدى الدول «الضامنة» لمسار آستانة مع إيران وروسيا) مهتمة بالمسار السياسي حالياً؟ أميركا التي لم تضغط على الأمم المتحدة لتمثيل حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» في اللجنة الدستورية، كيف ستنظر إلى اجتماع اللجنة الدستورية؟

16- مذكرة «منع الاحتكاك»: في مايو (أيار) العام الماضي، توصلت أميركا وروسيا إلى تفاهم عسكري لمنع الاحتكاك بين طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن من جهة، والطيران الروسي من جهة ثانية. وجرى تحديد نهر الفرات خط تماس بين الطرفين. حاول حلفاء دمشق مرات عدة اختبار واشنطن التي ردت بقصف تنظيمات تابعة لإيران حاولت الاقتراب من التنف، وعناصر روس تابعين لـ«فاغنر»، حاولوا التوغل شرق الفرات، وأسقطت طائرة سورية. كما أن إسرائيل قصفت مواقع تابعة لإيران في ريف دير الزور.

الطيران التركي يقصف حالياً بعمق الأراضي السورية، ما يعني سماح الجانب الأميركي بذلك، الأمر الذي سيضع مصير مذكرة «منع الاحتكاك» والترتيبات العسكرية الإقليمية والدولية، على مائدة التفاوض مع استمرار العملية العسكرية.

الشرق الأوسط

الكردي الجيد والعربي الجيد/ عمر قدور

إستأنف الهجوم التركي الأخير شرق الفرات تحقيق واحد من أهدافه بنجاح، الحديث هنا عن تسعير العداء بين الأكراد والعرب بخاصة في منطقة الشمال السوري. تكفي إطلالة سريعة على وسائل التواصل لنرى الحرب الأهلية المستعرة بين الغالبية الساحقة على كلّ من الطرفين، ونقرأ لدى أشياع كل طرف تلك الرغبة في سحق الآخر واعتبار المعركة معه أزلية وأبدية لا تخضع لعوامل ومتغيرات المصلحة والسياسة.

في الطرف العربي، نستطيع الإشارة إلى آلاف من العرب عبّروا بدرجات متفاوتة عن معارضتهم الغزو التركي، وهؤلاء بغالبيتهم من جمهور الثورة وتطلعاتها الأولى، لكن الإشارة إلى آلاف قليلة لا ينبغي تضخيمها ولا تضخيم أثرها، لأن المعنيين بها لا تأثير لهم أصلاً على القوى الفاعلة، سواء العسكرية منها أو السياسية. في الطرف الكردي، تتناقص إلى حد مريع نسبة الأصوات العاقلة التي لا تريد الانخراط في مستويات العنف اللفظي والرمزي الموجهة للعرب عموماً وعرب سوريا تخصيصاً، وتتزايد معها بشكل ساحق نسبة الذين يحمّلون الثورة بأثر رجعي مسؤولية فصائل المرتزقة التي هاجمت عفرين من قبل أو تهاجم منطقة شرق الفرات الآن، لتوصم الثورة برمتها كعدو لأكراد سوريا تهون بالمقارنة معه كافة ممارسات الأسد ضد الأكراد خلال عقود.

ما يمكن ملاحظته بسهولة أن موقف النشطاء العرب لا يحقق هدفه، إذا كان يهدف إلى التقليل من الاحتقان الكردي-العربي وتلافي أخطاره المستقبلية. هذا أيضاً شأن الأصوات الكردية الأقل عدداً، ربما بحكم نسبة الطرفين من عدد السكان، فهي أصوات لا تلقى انتباه الأكراد في زحمة سوق الغرائز المحلي الذي بات ينتعش بالتناغم مع صفقات قوى الخارج. في هذا السوق الصدارة لدى الجمهور الكردي لمن يمكن وصفه بالعربي الجيد، وأيضاً لدى الجمهور العربي لمن يمكن وصفه بالكردي الجيد.

اليوم، مثلاً، لا يكتفي الجمهور الكردي بأن يعلن عربي وقوفه مع الحقوق العادلة المشروعة للأكراد وأنه ضد الغزو التركي لشرق الفرات. هذا ليس بالعربي الجيد الذي يحقق الشروط المطلوبة، العربي الجيد هو الذي يتبنى الرواية الكردية السائدة بحذافيرها. بدءاً من أحداث السنوات الأخيرة، لا يكفي العربي الجيد أن يكون ضد غزو عفرين ثم ضد غزو شرق الفرات، أو حتى ضد السياسة التركية الحالية بمجملها. يتوجب عليه النظر إلى تركيا كعدو، واسترجاع تاريخها الإمبراطوري الاستعماري، التاريخ الذي تمتنع معه لغة السياسة بوصف الأخيرة خاضعة لمصالح متغيرة لجميع أطرافها. معياره ينبغي أن يكون محدداً بالسياسة التركية إزاء الأكراد، ولعل أفضل ما يعبّر عنها موافقة الأحزاب التركية بما فيها المعارضة على العملية التركية الأخيرة.

العربي الجيد ينبغي ألا يتحدث في انتهاكات قامت بها وحدات الحماية الكردية، حتى إذا أشار إليها بعض الأكراد، وحتى إذا كانت موجهة لأكراد معارضين لسياسة وحدات الحماية لا للعرب الواقعين تحت سيطرتها فحسب. على هذا “الجيد” أن يدافع عن وحدات الحماية كما يفعل أنصارها المتعصبون، وأن يقارن عند الضرورة بينها وبين فصائل إسلامية قدّمت النموذج الأسوأ في أماكن سيطرتها، والأوْلى طبعاً مقارنتها بمرتزقة النهب والقتل المسيطرين على عفرين. هكذا، باسم الواقعية هذه المرة، ينبغي للمقارنة أن تكون بين السيء والأسوأ، وألا يكون المعيار هو الانتهاك نفسه كيفما حصل ومن أية جهة أتى.

العربي الجيد يتبنى الرواية التي تنص على أن وحدات الحماية هي الوحيدة التي قاتلت داعش، وعلى أن فصائل المعارضة تحالفت معه، ويتجاهل واقع وجود فصائل عربية هي أول من قاتل داعش في وقت كانت تتعرض فيه لهجوم قوات الأسد، من دون أن نبخس وحدات الحماية حقها في المعركة الأهم والأكبر تحت مظلة التحالف الدولي. غاية هذه الرواية القول أن المعارضة العربية برمتها داعشية، وكأننا نعود إلى المفاضلة بين داعش والأسد. أيضاً على هذا الجيد تناسي المظاهرات الكردية المناوئة للأسد التي قمعتها بالعنف والرصاص الحي وحدات الحماية، وأن يتناسى أن سلاحها الأول كان مصدره قوات ومخابرات الأسد قبل الانضواء تحت مظلة التحالف الدولي، وأن التواصل مع الأسد لم ينقطع رغم التحالف مع واشنطن.

باختصار، نحن في وضع تماهي فيه نسبة ساحقة من الأكراد بينها وبين وحدات الحماية، وبين الأخيرة والقضية الكردية كقضية وجدت قبل تنظيم حزب العمال وقد تبقى بعده. العربي الجيد هو من يتلبس هذا كله مع كراهية معلنة تجاه العرب، وهو استثناء لا يفيد غرائز المتعصبين الأكراد إلا من زاوية كونه استثناء، أي من زاوية القول أن العربي الجيد عملة نادرة.

للعربي المتعصب أيضاً كرديّه الجيد، وبدءاً من أحسن أحوال هذا المتعصب؛ الكردي الجيد هو الذي يتبنى بعمومية شعارات المواطنة، فلا يشير إلى ظلم خاص أوقع بالأكراد منذ الاستقلال حتى الآن، وتفاقم مع البعث والأسدية. بل من الأفضل لهذا الجيد ألا يشير إلى مظالم كردية خارج سوريا، لأن إشارته إليها قد تضمر تلميحاً غير مرحب به، والأولى به دائماً التلميح إلى أن المسألة الكردية في سوريا لها طبيعة خاصة مغايرة لدول التواجد الكردي الأخرى.

ينبغي أن يواظب الكردي الجيد قبل وبعد كل وجبة يتناولها على نفي نيته الانفصال عن سوريا، إذ ربما كان حديثه عن المواطنة والديموقراطية يضمر تقية سياسية، أو نوايا انفصالية مؤجلة. ويستحسن به الابتعاد كلياً عن التنظيمات الكردية بكافة أشكالها، والانضواء إذا شاء في تنظيمات يهيمن عليها العرب، وحتى الانضواء في تنظيمات الأسدية يبقى أهون من شبهة التنظيمات الكردية التي لا بد أن يكون لها نوايا انفصالية.

الكردي الجيد بلا طموح ولا مبادرة، لأنه ينبغي أن يحمل إحساساً بالذنب بسبب أكراد آخرين لهم مطالب لا يسعى إليها أصلاً. ومن المستحسن دائماً ألا يملك حساً نقدياً تجاه التنظيمات العربية “أو حتى العروبية”، لأنه سيبدو في موقع المتطفل أو الناقم بسبب منبته الكردي. بالمعنى الرمزي، ينبغي أن يبقى ابناً للغيتو، مع إنكار وجود هذا الغيتو من الأصل.

هو استثناء أيضاً، والمنفعة المرجوة منه محددة بدحض روايات ومطالب متنوعة لغالبية الأكراد على مبدأ “شهد شاهد من أهلها”، بصرف النظر عن عدم أهمية وعدم مصداقية هذا الشاهد لدى أهله. الكردي الجيد هو بالأحرى عربي يتحدث بلغة أخرى، ويلزم كنوع من الديكور للدلالة على تسامح العرب وقبولهم الآخر المختلف.

بإطلالة على الحرب الأهلية المندلعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نستطيع العثور على مواصفات إضافية للعربي الجيد والكردي الجيد، ذلك من خلال ما يطلبه كل طرف من الطرف الآخر. ما هو مشترك أن المطلوب هو “كاره قومه” على قياس التعبير النفسي المعروف “كاره جنسه”، وهذه عملة نادرة بلا شك، لكن يُراد لها الرواج على حساب ناقدي الأقوام وصعاليكها.  

المدن

لا للذهاب إلى المجهول/ ميشيل كيلو

ـ لا أعرف نتائج التدخل العسكري التركي شرقي الفرات في سورية. ولا أعتقد أن غيري يعرف، بالنظر إلى تشابك وتعارض إرادات من ينخرطون، أو يستطيعون الانخراط، في الصراع على المنطقة، وما يمكن أن تكون عليه النتائج المتناقضة التي ستتمخض عن أدوارهم فيها، وما إذا كانت أهدافهم المعلنة هي أهدافهم الحقيقية، أم أننا سنواجه هنا، كما واجهنا غالبا في الصراعات متشعبة المسارات متعارضة القوى، صعوباتٍ جمّة في تقدير مرامي من يخوضونها بجيوشٍ قال نابليون، ذات يوم، إنها ترفع رايات بيضاء تكون ناصعة بقدر ما يريد لها أن تحجب ما في مراميها من سواد .

ـ أعتقد أن الدخول العسكري التركي إلى منطقة شرق الفرات يضمر عناصر سيكون من الصعب على تركيا التحكّم فيها، في حال قرّرت واشنطن أو موسكو استغلال ما فيها من معضلاتٍ تتيح لهما دفع الصراع إلى أبعادٍ لا تبدل فقط بديمغرافيا المنطقة، بل تمسّ كذلك بكيان الدولة التركية التي أستبعد أن تكون قد أقدمت على خطوتها، من دون تعهد بني عليه تفاهمها مع واشنطن، وتوافقها المحتمل مع موسكو وطهران حول ما إذا كان توغل جيشها إلى مسافةٍ تربو على ثلاثين كيلومترا سيعني ترحيلهم من مناطق عيشهم الحالية، وتقرير مصير سورية في ضوء حل دولي لقضيتهم، يكرّر ما سبق أن واجهوه بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أدرجت قضيتهم في سياقاتٍ قوميةٍ لا ينتمون إليها، تحوّلوا فيها إلى حالاتٍ باردة، بني الأمن الإقليمي على عدم تحريكها، ناهيك عن تسخينها، لما لهما من مخاطر تتحدّى الصيغة التي توافق الكبار عليها، لمنطقةٍ تشمل أمما أخرجت القضية الكردية من توازناتها. ويبدو، في أحد الاحتمالات المطروحة، أن دخول تركيا إلى شرق الفرات يؤكد أن إخمادها عاد إلى جدول أعمال الدول المقرّرة، بدلالة ردود الفعل الدولية والإقليمية على إعلان استقلال كردستان العراق بالأمس، وما يحدث اليوم من “تراخٍ” دولي حيال العملية العسكرية التركية شرق الفرات، حيث ارتكب حزب العمال الكردستاني حماقاتٍ سياسيةً لا تغتفر ضد مصالح وحقوق عربه وكرده وبقية أقوامه، لاعتقاده أنه اختطف المنطقة في غفلةٍ من أهلها والعالم، ووضع حتى واشنطن أمام أمر واقع لا يسع أحد تغييره، وتوهمه أنها ستخوض معركة كسر عظمٍ من أجل مشروعه الكردستاني ضد تركيا وايران والعراق وسورية، كأنه لم يصدّق إعلاناتها اليومية عن رغبتها في فك ارتباطها بالصراعات السورية والعراقية والأفغانية، وكذلك وضعه المسألة الكردية خارج المسألة الوطنية الديمقراطية السورية، وفي مواجهتها، ومد يده إلى الأسدية، وتعاونه معها ضد الكرد أيضا، ناهيك عن ارتكاباته ضد الأغلبية العربية التي ذكّرت السوريين، من عرب وكرد، بممارسات الأسدية، وفضحت خديعة الشعوب الديمقراطية المتآخية، التي قرر “العمال الكردستاني” أن تبلغ مآربها بسلاح “قوات حماية الشعب”، وما تتبنّاه من نظام سياسي لا محل فيه حتى للكرد، من غير أتباعها!.

مثلما فوّت حزب العمال الكردستاني على كرد سورية فرصة الديمقراطية، تفوّت تركيا عليهم اليوم فرصة الاختيار. وهذا لا يخدم قضية الديمقراطية التي يمثل كرد سورية ركنا رئيسا من أركانها، ولا بد أن يهب السوريون لحمايتها وحمايتهم، فالسوريون الكرد ليسوا هذا الحزب، وهذا ليس كرد سورية الذين ذاقوا من أذاه ما يستوجب إبعاده عنهم، وإبعادهم عنه، وفتح باب حوار وطني ديمقراطي جاد إلى أبعد الحدود معهم، للتوافق على مستقبلٍ يتسع لجميع السوريين، ويلبي حقوقهم أفرادا وجماعات، لا سيما وأن في مثل هذا التوافق من الضمانات لتركيا ما لا تأتيها به مدافع جيشها ودباباته.

هل فات الوقت؟ إن وقت العمل الديمقراطي/ الوطني، المكرّس لإنقاذ السوريين وإبعادهم عن المهالك، لم ولن يفوت أبدا.  .. واللجنة الدستورية ؟ لنكن جدّيين، ولنكفّ عن المزاح.

العربي الجديد

مستنقع شرق الفرات/ بيار عقيقي

المستنقع يبقى مستنقعاً، مهما أسبغت عليه من صيغٍ تجميلية تحت اسم “نبع السلام” أو غيره. لم يدخل أي جيشٍ بلداً إلا وغرق فيه. ابسطوا الخرائط أمامكم، ودلّوا بأصابعكم إلى فيتنام وأفغانستان، ثم العراق ولبنان، وقبلها الغزوات الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وغيرها. المستنقع هو الذي دفع الجيوش الغازية في أحيانٍ كثيرة إلى تدريب قواتٍ موالية لها في البلدان التي تجتاحها للقيام بعملها. لا تنسوا “جيش لبنان الجنوبي” الذي كان أداة في يد الإسرائيليين، ولا الفصائل الصغيرة الموزّعة يمنة ويسرة تحت مسمّى “الجيوش الوطنية”. المسألة، وإن كانت تتعلق بالأكراد في شرق الفرات هذه المرّة، إلا أنها لن تخرج من لعنة الجغرافيا والتاريخ. الإيرانيون سينسحبون من سورية يوماً ما، والروس أيضاً، وكذلك الأتراك من شرق الشمال. لا شيء يبقى على حاله عموماً، ولا هدف يتحقق بالكامل خصوصاً.

لن يؤدّي الهجوم التركي إلى ما يريده الرئيس رجب طيب أردوغان، لأسباب عدة، تبدأ من كونه سيصطدم لا محالة بالمصالح الإيرانية والروسية والأميركية في سورية. ليس بالضرورة أن يتحوّل الأمر إلى حربٍ، لكنه سيتحوّل، بحدّه الأدنى، إلى عرقلة الحراك العسكري بحججٍ عدة، تُفضي إلى عدم تحقيق الجيش أهدافه كلها. وفي حال استوعب الأكراد الهجوم الحالي، وقاموا بردة فعل، من خلال تنفيذهم عملياتٍ إرهابية في الداخل التركي، عبر حزب العمال الكردستاني، حتى لو تمّ تحييد زعيمه عبد الله أوجلان في سجنه، كيف ستصبح تركيا حينها؟ هذا إذا لم يقرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض الضرائب على الاقتصاد التركي، الأمر الذي فعله في صيف 2018 للدفع باتجاه الإفراج عن القس أندرو برانسون من سجون تركيا، وهو ما حصل.

ماذا لو تململت المعارضة التركية المؤيدة حالياً للعملية العسكرية، وبدأت طرح أسئلة من نوع “ماذا تحقق من العملية؟ كم عدد الجنود الذين سقطوا؟ هل تحقق الأمن في المناطق الحدودية مع سورية؟ هل أقمتم المنطقة الآمنة؟ هل أعدتم اللاجئين السوريين إلى هناك؟”. كمية الأسئلة التي ستُطرح ستجعل من الجيش التركي مستعجلاً أكثر لحسم العمليات. ولا يُمكن حسم العمليات بهذه السهولة والعجلة في منطقة مساحتها تقريباً 60 ألف كيلومتر مربّع، خصوصاً إذا ما اتّبع الأكراد أسلوب “القتال من منزل إلى منزل”. الجيش الألماني وصل بأسرع طريقة ممكنة إلى ستالينغراد في أغسطس/ آب 1942، وسط دعاية مكثفة في الإعلام النازي، لكنه سقط في أسوأ طريقة ممكنة في التاريخ بعد أشهر قليلة في فبراير/ شباط 1943.

هل يمكن وقف العمليات حالياً؟ ربما إذا ما تمّ الاقتناع بأن الوصول إلى مناطق حدودية عربية قد يكون كافياً لرسم خريطة طريق جديدة، في انتظار ما سيؤول إليه ملف محافظة إدلب من جهة، وملف اللاجئين السوريين من جهة أخرى. وقد تكون فكرة الحوار الثلاثي بين الأتراك والأكراد والنظام السوري جزءاً من حلٍ روسي، لكنه لن يكرّس سوى نفوذ موسكو في دمشق. وهو الوضع الذي تقبّله النظام باكراً لحاجته إلى الحماية، والأكراد على طريق القبول به، وسيتقبّله الأتراك بحسب سير العمليات العسكرية. وبناءً عليه، ستتغيّر الأولويات حكماً، وسيجد الجميع نفسه أسيراً لتشابكاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ ونفطيةٍ وعسكرية (مرتبطة ببيع السلاح)، تحكمها روسيا.

أما الأكراد، فهناك ثابتة أساسية: لن يتمكّنوا حالياً، في أي سياقٍ جارٍ، من تأسيس دولة خاصة بهم، لا تركيا ولا إيران ولا العراق ولا سورية تقبل بذلك. عليهم انتظار مراحل زمنية تاريخية أخرى، ربما بعد 20 و30 و50 عاماً قد يتمكّنون من فعل ذلك، إذا حافظوا على هذه الرغبة من جهة، وإذا لم يتغير العالم باتجاه مزيد من العولمة الجغرافية من جهة أخرى. غير أنه حتى ذلك الحين، عملية “نبع السلام” خطيئة جيوسياسية لتركيا، فالمستنقعات وُجدت لتُغرقنا لا لتُنجدنا.

العربي الجديد

نحن لسنا بخير/ رشا عمران

نشجب ونندّد ونندب ونعترض، وربما نوقع بيانات إدانة. ونتضامن، ونكتب على مدوّناتنا الخاصة والعامة، ونحدّد مواقفنا ونختلف مع آخرين، نخوّنهم ويخوّنوننا، ونتشاتم، ونحظر، ونطلق ألقابا نابيةً بحق العالم والمجتمع الدولي، بغربه وشرقه. نعدّد أرقام الضحايا، وربما نضع بعضا من صورهم على صفحاتنا الزرقاء، ونُبدي قهرا حقيقيا لا مبالغة فيه ولا ادّعاء، فنحن ملسوعون ومصابون بأكبادنا من كل ما يجري في بلادنا. ما حصل في سورية صوّب طلقاته نحو المناطق القاتلة فينا، نحو قلوبنا وضمائرنا، ونحو وجدان كل منا. ما حصل ويحصل يتركنا مصابين بالعطب، ولا فرق بين من يعيش في سورية ومن هو خارجها. الخلل أصاب الجميع، لا أحد يمكنه ادّعاء النجاة، ربما من في الخارج نجا من الاعتقال أو القصف، أو من الموت بتفجير ما أو بطلقة طائشة، أو من أن يكون ضحية مجزرةٍ أهليةٍ أو مجزرةٍ قام بها محتل ما من الاحتلالات المتعدّدة، غير أنه لم ينج من التشظي والقهر والإحساس بفقد الأمان النفسي، ولم ينج من خوف الحنين ومن خوف الوحدة، ومن خوف الموت خارج وطنه، وبعيدا عن أرضه وبيئته الطبيعية، إذ ثمّة شيءٌ في الوجدان يبقى مكسورا، فالوطن ليس فقط حقوقا، لم تعرفها غالبية السوريين في وطنهم. الوطن أيضا أن يتذكّرك أحفادك بعد عقود بوردة على قبرك مثلا. الوطن ما يتشكل في الوجدان منذ الصغر، وما يبقى في الوجدان حتى لحظة الرحيل.

لسنا بخير الآن، ولكن هل كنا يوما بخير؟ هل ما نحن فيه من تناحر وتقاتل وخلافات حتى القطيعة يشي بأننا كنا يوما بخير، أو هل كنا يوما شعبا طبيعيا مثل باقي شعوب الأرض؟ بدأت ثورتنا عام 2011 بشعار “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”. هل كنا شعبا واحدا حقا؟ كنت في الأول الإعدادي في إحدى مدارس دمشق، حين أخذتني جانبا زميلة لي في الصف، لتسألني: هل صحيح أنك علوية؟ لن أدّعي وأقول إنني لم أكن أعرف ما أنا، لكنها كانت المرّة الأولى التي أتعرّض فيها لسؤال مباشر عن طائفتي. كان هذا قبل حوالي 45 عاما. كنت طفلة يومها، ومع ذلك كنت أعرف أن الأولاد الذين ألعب معهم في الحارة روم كاثوليك، ولا يحبون جيراننا الأرثوذكس، وأن السنة من سكان الحارة يمنعون بناتهم من اللعب معنا. كانت هناك عائلة كردية أيضا. سمعت تلك الفترة من أحد أقربائي أن الأكراد انفصاليون، فارتبط اسم الكردي في ذاكرتي بالانفصالي، من دون أن أعرف ما معنى ذلك.

كبرت وفهمت، وعرفت أن لا مانع لدى كثيرين من فئات المجتمع السوري من العيش في تجمعاتٍ مفروزةٍ طائفيا أو إثنيا. ألا يشكل هذا نواةً للنزعة الانفصالية، والتي تمظهرت بعد الثورة على شكل اصطفافاتٍ مخيفةٍ في اختلافاتها. وأدّت، شئنا أم أبينا، إلى ما يشبه الحرب الأهلية، حتى لو لم يكن السوريون المدنيون هم الفاعلون على الأرض فيها، ولكن انحياز كل فئةٍ مجتمعية إلى دولة محتلة ما، (إيران وروسيا وتركيا وأميركا، وهي دول متصارعة سياسيا في ما بينها، ولكل منها فيالقها التي يشكل السوريون العسكريون أكثرها، وهي تقرّر مسارات السياسة السورية ومستقبل سورية وأهلها المهجّرين واللاجئين، وتبني سيناريوهات المعارك وتحدّثها بناء على مصالح كل منها). أليس هذا الانحياز الفئوي السوري المتعدّد للاحتلالات المتعددة من أشكال الحرب الأهلية؟ هل من يمكنه إنكار ذلك؟

الاصطفافات التي اصطفها السوريون بعد الثورة أوقعت بينهم إلى حد القطيعة الكاملة، ما من مجتمع متجانس حقيقي يمكنه أن يتشرذم ويتفكّك بها الشكل بسبب السياسة. أقيم في القاهرة منذ سبع سنوات، وعلى الرغم من الخلافات السياسية المهولة بين المصريين، إلا أن هذا لم يجعل المختلفين منهم يقطعون إنسانيا واجتماعيا مع بعضهم بعضا. المجتمع المصري مبني على فكرة المواطنة منذ زمن طويل، وظل محافظا على هذا الإرث، على الرغم من كل ما حدث ويحدث. لم يعرف مجتمعنا السوري المواطنة يوما. هو مجموعات مختلفة، تعايشت بقوة أمنية، وبطش نظام قمعي مافيوي فاسد، عرف كيف يربّي مظلوميات متعدّدة في المجتمع السوري. يدفع السوريون ثمنها غاليا جدا. موت وتشرّد وكراهية وعنف وتشرذم واقتتال وضياع الوطن والمستقبل وفقدان أدنى تفاصيل الأمان النفسي التي تعين على العيش حياة طبيعية، لا حياة مليئة بالقهر والخوف والخذلان، كحياتنا نحن السوريين اليوم.

العربي الجديد

محطات في النزاع القومي الكردي في تركيا/ وائل عصام

في أواخر أيام الدولة العثمانية، أقنع أتاتورك الأكراد، أن يقاتلوا ضمن الجيوش الحميدية كعشائر مسلحة، في المعارك ضد الأرمن عام 1915، كعدو مشترك للمسلمين. وبعد تلاشي دولة العثمانيين، بات الأكراد بين أربع دول ذات طابع قومي فارسية تركية عربية، فبدأوا يعملون على تأسيس دولتهم القومية، وفي معاهدة سيفر 1920، وقعت حكومة إسطنبول على منح الكرد حكما ذاتيا، لكن أتاتورك ظل يقنع الكرد بالتخلي عن الحكم الذاتي، بعد أن نجح بعقد تحالف مع عشائر الكرد بالحرب ضد الأرمن1917، مستخدما الرابطة الدينية، وبالفعل تنازل الكرد عن الحكم الذاتي في معاهدة لوزان 1923، وأعلن عصمت أينونو في مؤتمر لوزان أن «تركيا للشعبين الكردي والتركي بحقوق قومية متساوية امام الدولة».

اعتبر الكثير من الكرد أنهم تعرضوا لخديعة باسم الدين، بعد أن قاتلوا معا أعداء «الخلافة العثمانية»، خصوصا الأرمن، قبل تأسيس الجمهورية، وبعد إعلان أتاتورك تأسيس الجمهورية عام 1923، تجاهل اتفاق لوزان، ورسخ الطابع القومي الطوراني التركي، فاندلعت ثلاث ثورات كردية كبيرة، واحدة إسلامية للشيخ سعيد بيران وأعدم عام 1925، وأخرى من ضابط عثماني كردي هو إحسان باشا 1926، وثالثة من الأكراد العلويين في ديرسيم (تونجلي) عام 1937، وقصفتها الطائرات، بمشاركة أول طائرة حربية في العالم واسمها صبيحة (التي يحمل اسمها مطار صبيحة)، وتسببت بمجزرة بالآلاف، اعتذر عنها اردوغان رسميا، لاحقا في عام 2011. أدت سياسة الدمج القومي إلى تتريك معظم أكراد المدن، وظهر منهم سياسيون كأتراك، بينما أطلق على المناطق الريفية «أتراك الجبال»، واحتفظوا بلغتهم الكردية في محافظات جنوب شرق البلاد.

أواخر السبعينيات تأسس حزب العمال الكردستاني، وبدأ بشن عمليات عسكرية دامية، سقط على أثرها آلاف المدنيين الأكراد جنوب شرق تركيا، ومع الانقلاب العسكري عام 1980، الذي اصطدم بتمرد الأكراد، تم منع استخدام اللغة الكردية في مؤسسات الدولة، ومنع تسمية اسماء كردية (كما يحصل مع المتجنسين العرب حاليا) وتغيير اسماء قرى كردية، ومنع التحدث مع القاضي باللغة الكردية، وصلت شدة تلك السياسات لدرجة الحكم بسجن الوزير شرف الدين الصن عام 1981، لأنه تحدث عن أصله الكردي، وتعرض الفنان إبراهيم تاتليس للمحاكمة، لأنه غنى بالكردية، (قيل لي في أورفا أنه عربي ووالدته كردية)، ولاحقا تعرض فنان كردي يدعى أحمد كايا، للسجن 6 شهور، لأنه أعلن عن إطلاق ألبوم باللغة الكردية.

لكن عام 1990 قام توركوت أوزال بإصلاحات ومصالحة مع الكرد، وقام برفع حظر جزئي على اللغة الكردية، وأطلق آلاف السجناء السياسيين الأكراد، وتحدث عن أصول والدته الكردية، لكنه توفي بشكل مفاجئ قبل توقيع اتفاق تاريخي مع أوجلان، يقضي بإنهاء النزاع وما زالت الشكوك تحوم حول موته المفاجئ، خصوصا أن القوميين الاتراك والجيش لم يكونوا متحمسين للمصالحة وكان اعتقال أوجلان عام 1999، ضربة قوية لحزب العمال، واستمرت المفاوضات معه داخل السجن حتى اليوم، لمحاولة إنهاء هذا النزاع. أربكان الإسلامي حاول إجراء مفاوضات مع أوجلان، لكن الجيش أطاح به بانقلاب. مع قدوم أردوغان للسلطة عام 2001، جذب حزبه الإسلامي كتلة كبيرة من الأكراد المحافظين، وخففت القيود على الثقافة الكردية، وكانت تلك الإصلاحات جزءا من جهود تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وأصبح من الممكن استخدام اللغة الكردية خلال المرافعات القضائية، لكن الهوية الثقافية الكردية ظلت مسألة شائكة، فقد أعلن أردوغان عن تدريس اللغة الكردية في المدارس، لكن تنفيذ القرار ظل يواجه عراقيل في بعض المناطق.. وبقي اعتماد الكردية لغة رسمية مثار جدل، وحتى منتصف 2019، ظلت المطالبات قائمة باعتماد اللغة الكردية في البلاد كلغة رسمية، وصدر تصريح بذلك من زعيم المعارضة كليدتشار أوغلو، لكن من الواضح أن القوميين تمكنوا بنفوذهم من عرقلة ذلك، وترسخ نفوذ القوميين بالذات بعد محاولة انقلاب 2016، إذ تحالف حزب العدالة الإسلامي الجذور مع الحركة القومية في الانتخابات لمواجهة تحالف المعارضة، وهنا بدأت عقارب الساعة تعود للوراء، ومع تراجع فرص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بدأت الحكومة تتحلل من بعض التزاماتها الديمقراطية، ومن أهمها احترام التنوع القومي، ونبذ سياسات الدمج الهوياتي، شنت حملة جديدة على مراكز التعليم الكردية وأغلقت عدة صحف كردية.

وفي 2018 أصدر القضاء التركي قرارا بإعادة قسم طلابي في المدارس يتضمن عبارة (أنا تركي) بضغط وتأييد من القوميين، وهذا القسم الطلابي، كان حزب العدالة قد ألغاه عام 2013، في إطار محاولة تركيا اللحاق بمعايير الاتحاد الأوروبي، وجهود الحزب في انفتاحه على باقي القوميات، خصوصا الكرد والعرب جنوب تركيا، حيث يحتفظ الحزب بقاعدة انتخابية معقولة، واشتهر عن اردوغان قوله في خطاباته، تعبيرات عن (أمة واحدة لعدة أقوام، ترك كرد عرب إلخ).. لكن تزايد تحالف الحزب مع القوميين، انتخابيا وأمنيا، والعمليات العسكرية في عفرين، نفّر الكرد من حزب العدالة، وعارض حزب الشعوب الممثل الأكبر لأكراد تركيا، العمليات بقوة، وازداد التوتر والاحتجاج بين أكراد تركيا على العمليات. وبينما دعمت أصوات القوميين حزب العدالة في الانتخابات، خسر الحزب بالمقابل أصوات الأكراد في معظم المحافظات الكردية وفي اسطنبول، وادى هذا لفوز المعارضة التركية في إسطنبول، ما شكّل ضربة قوية لحزب العدالة الإسلامي، الذي بدا أنه اختار طريق التحالف مع القوميين، ولو على حساب جمهوره الكردي الواسع، وتشير مصادر عميقة الاطلاع، أن القوميين لم يعودوا فقط شريكا لحزب العدالة، بل زادت هيمنتهم على مفاصل مهمة في القضاء والأجهزة الأمنية، تحديدا في وزارة الداخلية والجيش، وهذا كان نتيجته هذه المرة غاية في الإقصاء للقوى الكردية السياسية، إذ بات قائد حزب الشعوب الكردي المنتخب ديمقراطيا، في السجن، ومن بعدها زج في السجن، رؤساء المحافظات الجنوبية الثلاثة، الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة من حزب الشعوب الكردي، وكان هذا إعلانا بفشل مدو في إدارة النزاع القومي داخل الدولة، إذ ظهر أن الطابع القومي التركي للدولة عصي على قبول باقي القوميات، وعلى رأسها الكرد، وانتقد تلك القرارات رئيس الوزراء التركي السابق داوود أوغلو بشدة، وكذلك عبد الله جول رئيس الجمهورية السابق، واستخدمت الحكومة التركية مبررات ارتدت عليها من حيث لا تعلم، فاتهام حزب الشعوب الكردي، الممثل الاول لأكراد تركيا، حسب نتائج الانتخابات، اتهامه بوجود علاقات لبعض أفراده مع حزب العمال المحظور، يعني أن حزب العمال يحظى بتأييد شعبي في تركيا! وهو الحرج نفسه الذي تقع فيه السلطات التركية، عندما تنشر رسالة من أوجلان للاكراد، إذ أنها تعتبره زعيما لمنظمة إرهابية، وفي الوقت نفسه تقر بنفوذه الشعبي بين أكراد تركيا، وتستخدم رسائله لتمرير مواقف سياسية، كما حصل قبل انتخابات إسطنبول الأخيرة، في محاولة لكسب أصوات الأكراد لصالح تحالف حزب العدالة.

ومع بدء العملية التركية ضد الأكراد شمال سوريا، ظهر بشكل جلي، الانقسام الشعبي الكردي التركي مجددا، ولعل أوضح صوره تمثل في إعلان حزب الشعوب الكردي التركي، الذي يحظى بالتأييد الأكبر في الشارع الكردي، أن العملية تعد «اعتداء على الشعب الكردي»، وعكست المشادات الكلامية بين أعضاء البرلمان التركي من حزب الشعوب، وباقي الاحزاب التركية، مدى الانقسام القومي الحاد في تركيا، إذ تأكد أن الشعور الكردي في سوريا وتركيا متوحد ضد العملية، وكذلك مع كردستان العراق، التي أصدر فيها مسعود البارزاني بيانا حادا ضد الهجوم على ما سماه «كردستان الغربية»، وكذلك هاجم رجل الدين الإسلامي الكردي سوران عبد الكريم، العملية والرئيس التركي بشدة، رغم أنه إسلامي وليس يساريا كما حزب «بي واي دي» في شمال سوريا، في إشارة أخرى إلى وحدة الشعور القومي الكردي المتجاوز للأحزاب والمتجاوز لحدود قسمتهم بين أربع دول.

القدس العربي

الأكراد الخاسرون الدائمون في لعبة الأمم/ د. خطار أبودياب

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدء انسحاب الجنود الأميركيين في شمال سوريا، بما اعتبر ضوءا أخضر لتركيا التي كانت تحشد لعملية عسكرية في المنطقة، نال الأكراد الذين أعلنوا عن تفاجئهم وغضبهم من قرار الحليف الأميركي، الذي يعني التخلي عنهم، نصيبا من النقد باعتبار أنهم لم يتعظوا من تجارب الماضي، حيث كانوا دائما الطرف الخاسر في لعبة الأمم.

يسلّط قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال التوغل التركي في شرق الفرات، على متوالية تاريخية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى قضت بأن يكون الأكراد الخاسرين الدائمين في لعبة الأمم داخل الشرق الأوسط. بيد أن المصير الذي ينتظر وحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية بعد قتالها الطويل والمكلف ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، يبين أن “الحلف الإقليمي المقدس” ضد الأكراد يطمر من جديد الحلم الكردي ولو في حده الأدنى بإقامة إدارة ذاتية ضمن سوريا موحدة، وذلك بعد سنتين من إفشال استفتاء كردستان العراق.

هكذا يبدو أن واشنطن وموسكو تسلمان بغلبة الدول الإقليمية المؤثرة ويظهر جليا كسوف الدور الأوروبي في الشرق. يكرس هذا التخلي الدولي الدوامة الكردية لكنه لن يسمح باستقرار عالم عربي تتسابق إيران وتركيا وتتكاملان على مدّ مناطق نفوذهما فيه، بينما تكرس إسرائيل مكاسبها وتوسعها. وكل هذا ينذر لاحقا بمواجهات ومساومات على حساب المستقبل العربي والدول العربية وليس فقط على حساب الأكراد ضحايا الجغرافية السياسية بين الأتراك والإيرانيين والعرب.

بعد ثماني سنوات ونيف على اندلاع النزاع السوري، تدور مواجهات أو تصفيات الحروب السورية قبل الوصول إلى الوضع النهائي. وتحت غطاء مسار أستانة منذ نهاية العام 2016 أخذت تتكرس مناطق نفوذ الأمر الواقع وأبرزها المنطقة التي يسيطر عليها محور موسكو- طهران- دمشق، وبعدها منطقة شرق الفرات تحت سيطرة واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية، وأخيرا المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في نطاق عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”. وتكمن وراء صراع الإرادات حول شرق الفرات ومطلب “المنطقة الآمنة”، استراتيجية تركية لتوسيع النفوذ نحو شمال سوريا (كما شمال العراق في محاكاة للنفوذ التاريخي في ولايتي حلب والموصل أيام العثمانيين) والمشاركة الأكثر فعالية في تقرير مصير سوريا.

أما الهاجس من الشريط الكردي الملاصق للحدود وإعادة اللاجئين السوريين فيمثلان تبريرا مقبولا عند الرأي العام التركي الذي أراد “السلطان الجديد” أردوغان إعادة شحنه بالشعور القومي بعد فشله في انتخابات إسطنبول والأزمة التي عصفت بحزب العدالة والتنمية.

وبالفعل كانت “المحنة السورية” الرافعة التي أتاحت لرجب طيب أردوغان تدعيم وضعه الداخلي وقيادة سياسة خارجية تمثلت باستدارة نحو روسيا من دون التخلي عن الانتماء الأطلسي والصلات مع أوروبا. ولهذا تأتي ما تسمى بعملية “نبع السلام” في سياق بازار السياسات الدولية وتدعيم موقع تركيا في ميزان القوى الإقليمي. ولذا تمثل عدم الرغبة في خسارة تركيا، التي تزداد فيها النزعة الشرقية والأورو- آسيوية، التفسير الواقعي لموقف واشنطن العملي في التخلي عن الورقة الكردية، وذلك بالإضافة إلى العامل الداخلي حيث يتركز همّ ترامب على تلبية وعوده الانتخابية بالانسحاب من الحروب التي لا نهاية لها كما سماها. وتوجد في الخلفية عدم وجود سياسة أميركية خارجية متماسكة في زمن ترامب والتوجه إلى نقص الاهتمام بالشرق الأوسط.

من هنا لا يعد الكلام الترامبي عن “الخطأ التاريخي بخصوص الانخراط في حروب الشرق الأوسط” تُلوّا لفعل الندامة من القوة العظمى أو وجهة نظر شخصية، بل تعبيرا عن إمكانية غلبة توجه الانكفاء الانعزالي في السياسة الخارجية الأميركية وبدء صفحة جديدة في العلاقات الدولية.

وهكذا تندمج مشاكل سيد البيت الأبيض المهيض الجناح بسبب محاولة عزله، تبعا لتحقيق معمق في ما سمي بـ”تحريض” ترامب نظيره الأوكراني في مكالمة هاتفية على التحقيق مع منافسه جو بايدن، مع قرار التخلي عن الأكراد الذي رفضه الحزبان الجمهوري والديمقراطي من خلال ممثليهما في مجلسي النواب والشيوخ.

وشمل الرفض إعطاء ترامب أمرا يقضي بسحب القوات العسكرية الأميركية من شمال شرق سوريا أو من بعضها تسهيلا للعملية التركية. وذلك في تنفيذ لقرار كان اتخذه في ديسمبر 2018 واضطر إلى إرجاء تنفيذه لرفض “الدولة العميقة له مثل الحزبين المذكورين. وكل ذلك يدلل على أن عرض ترامب الوساطة بين تركيا والأكراد ما هو إلا ذر للرماد في العيون خاصة بعد تصريح غريب عجيب لترامب أخذ فيه، تهكما أو جديا، على الأكراد عدم مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الأميركيين وخاصة في إنزال النورماندي بفرنسا.

والأهم في هذا الإطار لا تنحصر المشكلة في نهج ترامب وأساليبه والتواءاته مع الأكراد وغيرهم من الحلفاء من أوروبا إلى الشرق الأوسط، إنما يتعدى ذلك إلى تنازل سلفه باراك أوباما السياسي والأخلاقي في المسألة السورية منذ 2012 – 2013 وهذا ما يتم حصاده اليوم. وبالطبع لا يعني ذلك تقليلا من مسؤولية ما يسمى باقي المجتمع الدولي إزاء المأساة السورية، وخاصة روسيا مع الفيتو المتكرر في مجلس الأمن الدولي الذي منع إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري مما سمح بتفاقم الوضع. ولعبت موسكو دور ناظر التقاطعات في إدارة النزاع ومن هنا يمثل الضوء البرتقالي الذي منحه ترامب وبوتين بمثابة إجازة المرور لعملية أردوغان والطعنة النجلاء في ظهر الأكراد.

تذكر الوقائع الحالية بمراحل سابقة خاصة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، إذ أنه بالرغم من رفع الرئيس الأميركي حينها توماس وودرو ولسون شعار حق تقرير المصير للشعوب ومن ضمنهم الأكراد ووعدهم بدولة خاصة بهم، لكن خلفاءه تغاضوا عن ذلك علما بأن الأكراد هم من بين القوميات أو الجماعات اللغوية الكبرى التي لا تزال من دون دولة تجمعهم على مستوى العالم، خاصة أنهم الأكبر من حيث تعداد السكان. وهم منتشرون ما بين تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا منذ أزمنة بعيدة. وما حصل مع رئيس أميركي شهير عاد وحصل مع رئيس سوفييتي شهير بعد الحرب العالمية الثانية حينما تخلى جوزيف ستالين عن “دوله مهاباد” مقابل حصة كبرى من النفط الإيراني.

خلال الحرب الباردة السابقة وفي سياق الصراعات الإقليمية عاد العامل الكردي إلى الميدان في السبعينات وكان الأكراد في العراق المحور لهذه “اليقظة” التي سرعان ما تخلى عنها السوفييت الحليف التاريخي لزعامة آل البارزاني، وفي تلك الحقبة أسهم هنري كيسنجر وزير نيكسون في الوصول إلى هذه النتيجة. تناسى الأكراد ذلك وربما أرغمتهم الظروف وقادتهم الطموحات وراء العمل من جديد مع الأميركيين في حقبتي أوباما وترامب، وها هو التاريخ يكرر نفسه ويسجل التخلي عن الذين حاربوا داعش باسم الآخرين ودفاعا عن الإنسانية.

العرب

الهجوم التركي وانعطافات واشنطن/ سلام السعدي

منذ بدء الهجوم العسكري التركي على مناطق شمال سوريا، لم تتوقف الإدارة الأميركية عن توجيه الانتقادات لأنقرة. بل ذهب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى حدود التهديد بإرسال قوات عسكرية أميركية لاستعادة الهدوء، أو بفرض عقوبات اقتصادية سوف “تدمر” الاقتصاد التركي على حد وصفه.

ولكن تبقى الحقيقة أن العملية العسكرية التركية ما كانت لتتم دون الموافقة الأميركية. بقيت أنقرة تهدد بهجوم من هذا النوع منذ نحو عامين دون التجرؤ على القيام به بسبب غياب الضوء الأخضر الأميركي. كيف يمكن تفسير السلوك الأميركي المتضارب؟

يذهب البعض في تفسير التناقضات في الموقف الأميركي إلى التركيز على شخص الرئيس دونالد ترامب. الأخير هو رجل أعمال متقلب المزاج وسريع الانفعال، وليس جديداً أن تصدر عنه قرارات مفاجئة لا تبدو مدروسة بالشكل الكافي. كما تعزز الخلافات الداخلية ضمن إدارته من إمكانية تذبذب السياسة الخارجية الأميركية، وهو ما بدا واضحاً للغاية في مسألة سحب القوات الأميركية من سوريا والتي شهدت انعطافات متكررة ومفاجئة كل عدة أشهر.

فبعد أقل من شهرين على إعلان المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، أن القوات الأميركية باقية لأمد غير محدد، أعلن ترامب، قبل بدء العملية العسكرية التركية بيوم واحد، سحب قواته من المناطق الحدودية مع تركيا فاتحاً الطريق أمام الأخيرة لشن هجومها.

الحقيقة أن القرار الأميركي برفع الحماية عن الأكراد السوريين ليس اعتباطياً وليس استمراراً لتقلبات الرئيس الأميركي. نجحت ضغوط وزارة الدفاع والاستخبارات الأميركيتين في إيقاف قرار ترامب بسحب القوات الأميركية بصورة تامة من سوريا، ولا تندرج العملية العسكرية الحالية والانسحاب الجزئي الأميركي ضمن الخلافات القديمة داخل الإدارة الأميركية. بل من المرجح أن تكون الإدارة الحالية قد وافقت بالإجماع على عملية عسكرية تركية محدودة وذلك لعدة أسباب.

يعتبر الوضع الحالي في شمال سوريا غير قابل للاستمرار بالنسبة إلى واشنطن. فمن ناحية أولى، تواجه قوات سوريا الديمقراطية إشكاليات كبيرة في السيطرة على تلك المناطق وإنشاء بنية حكومية تقدم الحد الأدنى من الخدمات.

وتتعزز تلك الصعوبات بسبب التوترات الإثنية في المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية والتي تحتوي على أغلبية عربية مستبعدة من مراكز اتخاذ القرار. يدفع ذلك بقوات سوريا الديمقراطية إلى التركيز على الوضع الأمني بدلاً من الانشغال بالجانب الخدماتي والمعيشي لسكان تلك المناطق بما يوفر الحد الأدنى من الاستقرار.

ويأتي هوس تركيا ورعبها من المشروع الكردي ومحاولاتها منذ أكثر من عامين، القضاء عليه عبر الهجمات العسكرية المتقطعة ليزيد من توجس الإدارة الأميركية من إمكانية نجاح هذا المشروع على المدى المتوسط والطويل. دفعت تلك المخاوف بواشنطن إلى الضغط على الأكراد من أجل خوض مفاوضات غير مباشرة مع تركيا يقدمون فيها تنازلات من أجل إقامة “منطقة آمنة” ترضي الجانب التركي وتوفر استقرارا ثمينا للمناطق التي تحميها الولايات المتحدة.

بهذا المعنى، يرجح أن تكون الإدارة الأميركية قد وضعت قيوداً على العملية العسكرية التركية بما يتوافق مع رؤية الإدارة الأميركية. لا تملك رؤية واضحة لما تريد ولكنها تعرف تماماً ما لا تريد أن يحدث. لا توافق الإدارة الأميركية على قيام كيان كردي مستقل في مناطق سيطرتها خصوصا أنها تضم أغلبية عربية ما يجعل الكيان الوليد محكوما بعدم الاستقرار.

ومن المرجح أن تكون قد نقلت رؤيتها تلك للقوات الكردية. في نفس الوقت لا توافق القوات الأميركية على سحق الأكراد، وهو أمر تسعى إليه كل من تركيا والنظام السوري. ترغب أميركا في رؤية القوات الكردية كلاعب رئيسي في مناطق شمال سوريا وفي مستقبل البلاد وقد وضعت ذلك كشرط أمام العملية التركية. يمكن تلمس ذلك من تصريحات أخيرة لمسؤول في الإدارة الأميركية حول عدم سماح بلاده لأنقرة بتخطي الخط الأحمر الذي وصفه بأنه “التطهير العرقي”.

العرب

من يؤيد العدوان التركي/ بهاء العوام

لسبب ما أجهله شخصيا ويشاركني في ذلك كثيرون، تذكر العالم فجأة الاحتلال التركي لسوريا، أو بتعبير آخر تحول الوجود التركي المستمر منذ سنوات في سوريا إلى احتلال يستوجب الإدانة والشجب والاستنكار. ربما يكمن السر في الجغرافيا، فالجيش التركي غرب نهر الفرات ضمانة لوقف القتال والسلام، وفي شرق الفرات يصبح عدوانا واحتلالاً وتعدياً على حقوق الإنسان والسيادة السورية.

لعل المستضيف على ضفتي الفرات هو من يحدد ماهية الحضور التركي بين صديق وعدو. غرب الفرات هناك فصائل المعارضة وجبهة النصرة اللتان تأتمران بأمر الأتراك وتخوضان إلى جانب الجيش التركي جميع معاركه. وعلى الضفة المقابلة تسيطر القوات الكردية التي تعتبر دولة رجب طيب أردوغان عدوتها، وتشكل الذراع العسكرية للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب شرق سوريا.

وفق هذا المعيار يمكن، ببساطة، الجزم بتأييد فصائل المعارضة وجبهة النصرة وجميع القوى السياسية التي تعيش في كنف أردوغان، لعملية نبع السلام التركية. هؤلاء جميعاً لا يكرهون وحدات حماية الشعب الكردية كرمى لعيون أنقرة فقط، وإنما لأنها استغلت الأزمة السورية من أجل أن تعيد صياغة الواقع الديمغرافي والسياسي في مناطق الشمال، وتحول شرق الفرات إلى روجافا (غرب كردستان).

في معيار الولاء لتركيا أيضا يُفهمُ التأييد القطري العلني لعملية نبع السلام، خاصة وأن الدوحة لا تزال، حتى هذه اللحظة، تدعم فصائل المعارضة وجبهة النصرة اللتين تكنان العداء للقوات الكردية. كذلك يمكن فهم التأييد غير العلني من قِبل روسيا وإيران للعدوان، مع مراعاة اختلاف أسباب رفض الدولتين لسيطرة القوات الكردية على مدن ومناطق الجزيرة السورية تحت الحماية الأميركية.

ترفض إيران قيام كيان كردي مستقل في سوريا على غرار العراق. حالها في هذا حال الأتراك والحكومة السورية والكثير من الدول العربية والغربية. بالإضافة إلى أن طهران تكره وجود ذراع عسكرية أميركية في دولة تريد الهيمنة عليها من الجهات الأربعة. أما بالنسبة إلى الروس فهم يريدون تفتيت الحلم الكردي بدولة مستقلة أيضا ويرغبون في رؤية الأكراد نادمين على عدم إبرامهم اتفاق مصالحة مع دمشق، يعودون من خلاله إلى “حضن الدولة السورية الدافئ”.

ثمة مصلحة أخرى للروس والإيرانيين في تأييد العملية التركية، وهي تتمثل باسترضاء الضامن الثالث لمفاوضات أستانة. الشريك الذي لطالما تكرم على طهران وموسكو بانتصارات ميدانية جعلت دمشق تستعيد السيطرة على خمسة وستين بالمئة من مساحة البلاد، بعدما كانت المعارضة تقف على أبواب القصر الجمهوري.

رفض أكراد الشمال المصالحة مع الحكومة السورية إلا تحت شرط الاعتراف بإدارتهم الذاتية، جعل دمشق تفرح للتوغل التركي رغم كل هذا التنديد الذي تنضح به شاشات وصفحات الإعلام الموالي للحكومة. تخلت دمشق عن حرصها ودبلوماسية مفرداتها تجاه الأكراد منذ أن بدأ العدوان التركي، وباتت تصفهم بالخونة والانفصاليين وترفض ليس فقط محاورتهم، وإنما وجود موطئ قدم لهم في البلاد.

في مواقف التأييد المبطن للعدوان التركي لا بد من الوقوف أيضاً عند غضب الأوروبيين إزاء العملية التركية. ملأ الأوروبيون الدنيا صراخا خوفا من أن ينفجر نبع السلام تحت السجون التي تجمع دواعشهم فيعودون إليهم أو يعودون إلى بناء دولتهم المزعومة مرة أخرى، وعندما خُيّرُوا بين الخوف من الدواعش والخوف من اللاجئين، صمتوا وباتوا يطالبون أنقرة بإنهاء عدوانها على الشمال السوري بأسرع وقت ممكن.

أعقد المواقف من العدوان التركي على سوريا هو موقف الولايات المتحدة. بقي هذا الموقف يحتمل التأويل والتحليل بناء على تناقض تصريحات المؤسسات الأميركية بين حيادية ورافضة لهذا العدوان، حتى رفضت واشنطن وموسكو إدانة هذا العدوان في مجلس الأمن. ظل الجميع قبل انعقاد الجلسة يكابر في قبول حقيقة أن الأميركيين باعوا الأكراد للأتراك. ليس خيانة وإنما انتهاءً لمصلحة استمرت لنحو أربع سنوات، استفاد منها الطرفان بالحدود القصوى، وعندما توجب على الرئيس دونالد ترامب الاختيار بين الأتراك والأكراد، اختار أنقرة لمصلحةٍ أيضا وليس حبا برجب طيب أردوغان.

يعلم الأميركيون أن وحدات حماية الشعب الكردية تدعم حزب العمال الكردستاني. عاشوا بين أكراد الجزيرة وشاهدوا بأم أعينهم صور عبدالله أوجلان تُرفع فوق كل منطقة تحرر من داعش. عرفوا مكاتب تدريب الشبان والشابات الأكراد للالتحاق بمواقع الحزب العسكرية في جبال قنديل، وتلمسوا وصول أسلحة ودعم مادي من القامشلي لذلك الحزب المصنف على قوائم الإرهاب التركية. لم يعاقب الأميركيون الأكراد بانسحابهم من تل أبيض ورأس العين. ولكنهم، كما قال الرئيس دونالد ترامب، انسحبوا من حرب بدأت بين الأكراد والأتراك قبل مجيئهم وستستمر بعد رحيلهم.

ثمة من الأكراد السوريين أنفسهم من يقف ضد الحرب بين حزب الاتحاد الديمقراطي والدولة التركية، لذلك صنفوا من قبل الأسايش ووحدات حماية الشعب الكردية بالخونة ومنعوا من زيارة منازلهم ومناطقهم. لا يؤيد هؤلاء الحرب التركية على أبناء جلدتهم في القومية والوطن، وخاصة أن ضحاياها سيكونون من جيرانهم وأصدقائهم وعائلاتهم المدنيين، ولكنهم ضاقوا ذرعا باحتكار القضية الكردية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية والأمنية.

في الرافضين للعدوان التركي طبعا لا بد من ذكر الجامعة العربية، فقد حصل شيء ما دفع بجرعة زائدة من العروبة في عروق المنظمة الميتة، فراحت تبكي دولة شقيقة تعرضت لعدوان سافر. تكاثرت بيانات الإدانة من الدول الأعضاء دون أن يتنبه أحد إلى أن الدولة المفجوعة في سيادتها، مجردة من عضوية الجامعة ولا يزال مقعدها فارغاً منذ أن حُكم على نظامها بقتل شعبه وسحبت منه الشرعية العربية.

لن يُصلح موقف الجامعة ما أفسده الدهر، ولن يعيد للنظام السوري شرعية خسرها من قبل شعبه. كما أنه لن يخيف تركيا ولن يجبرها على إعادة حساباتها في العدوان على سوريا حتى ولو عاد بشار الأسد ليجلس على مقعد دولته في الجامعة.

في تعداد الرافضين للعدوان التركي على سوريا أيضا لا بد من ذكر إسرائيل. حمامة السلام التي أعادت للسوريين الجولان المحتل، وتسهر ليل نهار على حماية الأجواء السورية من أي اختراقات لمقاتلات أجنبية. تتعاطف إسرائيل كثيراً مع حلم الدولة المؤجل عند الأكراد، ولا تدخر جهدا لحثهم على تحقيق هذا الحلم والتمسك به مهما طال الزمن.

جرد قوائم الرافضين والمؤيدين للعدوان التركي يجب أن ينتهي بفئة مستضعفة من السوريين لا حول لها ولا قوة، تخشى أن يتحول هذا العدوان إلى حرب أهلية عربية كردية لن تفيد بشيء إلا في إطالة أمد الأزمة التي أتت على البشر والحجر في البلاد. لا تقبل هذه الفئة أية مبررات للعدوان التركي مهما كانت محقة من وجهة نظر البعض، وهي تتمسك بقناعة مفادها أن الأزمة قادت الجميع إلى خيارات خاطئة في بعض المواقف، ولكن محاكمة أي فئة على هذا الخيار أو ذاك، لن تعيد الدولة السورية إلى الحياة وإنما ستعجل بموت وحدتها إلى الأبد.

العرب

هل يفتح قصف القامشلي أبواب سجون مقاتلي داعش؟/ شفان ابراهيم

قال مدير المركز الإعلامي لقّوات سوريا الديمقراطية (قسد) “مصطفى بالي”، إنّ خمسة من عناصر تنظيم “داعش” المحتجزين في سجن “جركين” غربي مدينة قامشلو، تمكنوا من الفرار بعد استهداف السجن بقصف مدفعي من الجانب التركي على حد تعبيره.

وسبق أن أعلن مصدر في قوات سوريا الديمقراطية إن القوات التركية استهدفت، وبشكل متكرر، أحد السجون المخصصة للمسلحين الأجانب من تنظيم “داعش” الذي يقع في محيط مدينة القامشلي، مؤكدا أن “سجن جركين يضم المئات من مسلحي “داعش” من جنسيات أجنبية وعربية متعددة.

وتحتفظ قوات سوريا الديمقراطية بأعداد تقول إنها كبيرة لمعتقلي داعش، حيث ووفق بياناتها فإن لديها “حوالي عشرة آلاف من مقاتلي تنظيم داعش و12 ألفاً من النساء والأطفال الأجانب وحوالي 30 ألفاً من أطفال ونساء عرب بينهم سوريون”

وينتشر هؤلاء ما بين مخيميّ “الهول” و”روج”، إضافة إلى تواجدهم في مركز اعتقال وسجون تُعرف بأسماء “ديرك، جركين، الحسكة” إضافة إلى إمكانية وجود أماكن أخرى.

إلى ذلك قال المتحدث باسم مجلس سوريا الديمقراطية إبراهيم إبراهيم إن “الدخول التركي سينقذ داعش من الموت الحقيقي”،

وأبدت قوات تنظيم “قسد” خشيتها من أن تؤدي الحرب إلى السماح لخلايا التنظيم بتحرير مقاتليه المعتقلين وأفراد عائلاتهم المحتجزين، وهو ما “سيشكل تهديدا للأمن المحلي والدولي” على حسب ما أعلن التنظيم.

إلا إن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال في تغريدة الاثنين إن “تركيا ستواصل معركتها ضد داعش ولن تسمح له بالعودة بشكل أو بآخر”.

كما نشرت وسائل إعلام تغريدة تشير إلى تصريح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية السيد مظلوم عبدي وفيه أن “حراسة تنظيم داعش لم تعد من أولوياتنا”. 

بينما يقول السياسي الكوردي أكرم حسين “استمرار الحرب  يعني حاجة قسد في معركتها إلى قوات إضافية في مواجهة الحملة التركية المدعومة من الفصائل الموالية لها وتقليل عدد القوات المرابطة حول السجون وترك السجون بحراسة قوات الاسايش وقد تحدث حالات تمرد أو فرار، خاصة بان معتقلي “داعش” لهم خبرة في كيفية التعامل مع هذه الحالات أو قد تحدث حالات هجوم من الخارج لفك تحرير الدواعش من السجون والمعتقلات”

وحول دور الحرب في فرار مقاتلي داعش من سجون قسد يعتقد السياسي أكرم حسين إننا “لا نعيد اكتشاف البارود بقولنا بأن للحرب الدائرة تأثير كبير على محاربة داعش”. لا ينكر حسين حجم الخوف من هروب داعش من أماكن اعتقاله ،”هناك تخوف حقيقي من إصابة السجون والمعتقلات التي تأوي أسرى داعش وعائلاتها، فقد أصيب سجن جركين الذي يحوي عناصر داعش وقد يؤدي إلى فرارهم وإعادة داعش من جديد وانتشار الإرهاب في المنطقة ، وفي هذه المرة سيعود الإرهاب أقوى مما كان ، خاصة في ظل وجود بيئة وحاضنة اجتماعية ملائمة”.

محميات وسجون خاصة

قسمت الإدارة الذاتية المخيمات في المناطق الكُردية إلى فئتين، الفئة الأولى خاصة باللاجئين القادمين من خارج الحدود:

1-مخيم الهول –  تم إنشائه في 2016 ويضم الفارين من الموصل والأنبار ومناطق مختلفة من العراق، كما يحتوي على عدد من أهالي دير الزور النازحين، إضافة إلى عوائل داعش الذين اعتقلتهم أو سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية، يحتوي قرابة الـ70 ألف وهو العدد الأكبر لنساء وعوائل داعش.

2-مخيّم نوروز – يقع في مدينة ديرك/المالكية في أقصى شمال شرق سوريا. تأسس في 2014 ويضمّ الإيزيديين الفارين من المجازر التي ارتكبتها داعش بحقهم في شنكال، ويضم قرابة الـ500 عائلة.

3-مخيّم روج – يقع جنوبي ديرك وأنشأ في2015 يأوي قرابة 4,000عراقي معظمهم من الموصل وزمار والربيعة، إضافة إلى عدد من نساء وأطفال داعش.

الفئة الثانية من المخيمات خاصة بالسوريين النازحين من مختلف المناطق والمحافظات منذ بداية الحدث السوري وهي:

1-مخيّم مبروكة – تأسس في 2016 يقع غربي مدينة سري كانيه يضم النازحين السوريين من مناطق مختلفة ويأوي المخيم قرابة الـ5آلاف نازح.

2-مخيّم الشدّادي – يقع على بعد 40 كلم جنوب مدينة الحسكة، تأسس في2017، ويضم الفارين من الحرب من مناطق دير الزور والرقة والميادين ويُقدر عددهم بحوالي 1300عائلة.

3-مخيّم عين عيسى – يقع شمال شرق الرقة تم إنشاءه في 2016، ويأوي المخيّم قرابة 24 ألف عائلة من مدينة الرقة والقرى المحيطة بها.

4-مخيّم طويحينة – بالقرب من طويحينة على بحيرة سدّ الفرات شمال غرب الطبقة، تم تأسيسه في 2017، ويتواجد فيه قرابة 8,500 نازح من ريف حلب الشرقي.

5-مخيّم الكرامة – بالقرب من بلدة الكرامة  في مدينة الرقة، وتأسس في تاريخ 2017 ويحتوي قرابة 5 آلاف عائلة نزحت من الرقة والقرى والبلدات المحيطة بالمدينة وبعض العوائل من مناطق أخرى من سوريا.

6-مخيّم عريشة – تأسس في2017 يضم قرابة 10 آلاف نازح، حيث يقع المخيم بالقرب من السدّ الذي يقع جنوب مدينة الحسكة بـ 30 كم.

هذه المعلومات حصل عليها “درج” من مصادرة إعلامية مُقربة من الإدارة الذاتية الكردية.

وبحسب الصحفية سلافا يونس التي تتابع مجريات القصف ووضع مخيمات عائلات ومعتقلي “داعش”، فإن القصف يشكل خطراً على المخيمات وتقول لـ”درج”، “حاولت بعض النساء الهروب من مخيم الهول، قوبل بالمنع من قبل قوى الأمن المتواجدة ضمن المخيم، بعد ذلك تم حرق بعض الخيم في قسم المهاجرات”…

تلويح كُردي تمهيد دولي

ووفق مسؤولين في الخارجية الأميركية  فإن “قوات سوريا الديمقراطية تواصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي الحفاظ على مراكز اعتقال عناصر “داعش”، ولم تقل إنها ستتوقف عن ذلك، لكن إذا اضطرت لتحريك قواتها فسيكون هناك تغيير في تركيبة وحجم القوات التي تحمي هذه المراكز وهذا أمر مقلق للجميع”.

يقلل حسين من إمكانية إطلاق قسد لسراح مقاتلي داعش كرد فعل على تركهم وحيدين في المعركة ويصفها “بالمغامرة السيئة وسترتكب خطأ كبيراً وقد يؤدي بها إلى العزلة الشديدة ، وينزع عنها ظهيرها الدولي والمحلي”.

من جهتها قالت الخارجية الفرنسية  إن ضمان محاكمة أسرى “داعش” ووضعهم في أماكن احتجاز شديدة الحراسة في شمال شرق سوريا، يبقيان ضرورة أمنية لتجنب عودتهم لتعزيز صفوف المجموعات الإرهابية. لا بد من تجنب أي عمل يمكن أن يعرقل تحقيق هذه الأهداف”.

هذا وتقوم قوات سوريا الديمقراطية تارةً، والإدارة الذاتية تارةً أخرى، بالتلويح بورقة مقاتلي “داعش” وأسرهم المعتقلين لديهم، فيما لو نفذت تركيا تهديداتها باجتياح المنطقة. ويعتبر ملف المعتقلين، بمن فيهم قيادات وعناصر أجنبية خطيرة جداً، تهديداً مُباشراً على الدول الأوربية، أو على أقل تقدير دول الجوار الإقليمي، والعمق السوري، لما قدّ يتسبب به هروبهم من إعادة ترتيب التنظيم لأوراقه وتشكيلاته بحسب بعض التحليلات التي تصدر. وأثناء الانسحاب الأمريكي من المنطقة الممتدة بين سري كانيه/رأس العين، وكريسبي/تل أبيض، كان موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واضحاً عبر الطلب من تركيا تحمل مسؤولية أسرى تنظيم الدولة، بعد أن رفضت دولهم استقبالهم. من جانبها أعلنت الرئاسة التركية أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وافق على نقل قيادة العمليات ضد داعش لتركيا”

لا شك أن الحرب التي تخوضها تركيا ضد مناطق تنظيمات كردية سورية ستعيد قلب الأوراق بشأن توازن القوى الإقليمي ولعل الخطر من إعادة تجميع قوى تنظيم الدولة الإسلامية هو على رأس المخاوف..

درج”

الغزو التركي والتراجع الأميركي والتقدم الروسي والإيراني/ رفيق خوري

الجزء الأول من المعادلة بدأ سقوطه أيام الرئيس باراك أوباما و”القيادة من المقعد الخلفي”، واكتمل مع الرئيس دونالد ترمب. فالعداء لأميركا صار رصيداً واسألوا روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا. والجزء الثاني كرّس تأكيده عملياً ترمب. واسألوا الكرد الذين راهنت عليهم واشنطن لهزيمة داعش، وحين أخرجوا “دولة الخلافة الداعشية” من شرق الفرات، رمتهم أميركا تحت الدبابات التركية، وقالت دمشق إنه لا مكان لهم بداعي التعامل مع أميركا، وأعلنت روسيا تفهّم “المخاوف الأمنية” التركية. ومن الصعب على ترمب ترقيع الخرق الذي جعله واسعاً بالتفاهم مع الرئيس رجب طيب أردوغان. فالخيارات الثلاثة التي تحدث عنها، وهي إرسال آلاف الجنود أو فرض عقوبات أو القيام بوساطة، جاءت متأخرة ولا فائدة منها. إذ “فات الوقت على تمني الصحة الجيدة لرجل وأنت تسير في جنازته”، كما يقول مثل روسي. والتناقض اليومي في خطاب ترمب لا يحجب حجر الأساس الذي يبني عليه الرجل سياسته الخارجية. فقبل دخول البيت الأبيض وعد بـ “وقف الحلقة المدمرة للتدخل والفوضى وإسقاط حكومات لبلدان لا نعرف عنها شيئاً”. وفي البيت الأبيض كرر القول إن “الذهاب إلى الشرق الأوسط هو أسوأ قرار في تاريخ بلادنا”.

كان واضحاً منذ البدء أن الرهان الأميركي على شرق الفرات أكبر من الإمكانات التي وضعتها واشنطن لتحقيقه، وهذا ما أشار إليه الموفد الأميركي إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بريت ماكغورك، الذي استقال بعد إعلان ترمب سحب القوات الأميركية في شتاء العام الماضي. فهو اختصر في مقال نشرته “فورين أفيرز” ما أريد تحقيقه من نشر القوات الأميركية في سوريا بخمس نقاط: “المساواة مع روسيا، احتواء إيران، ضبط تركيا، إبقاء الدول العربية على الخط، منع عودة داعش”. لا  بل أن جيمس جيفري الذي خلفه في المهمة وسع بيكار الأهداف من استمرار الحضور العسكري شمال سوريا كما يأتي: “متابعة محاربة داعش، منع أطراف أخرى من ملء الفراغ، دعم إسرائيل ضد عرض القوة الإيرانية، وقف حصول النظام على المال لإعادة الإعمار، وقف جهود النظام وروسيا لإعادة اللاجئين، وعرقلة الاعتراف بالنظام السوري ثنائياً وفي الجامعة العربية”. ولا مجال لتحقيق كل هذه الأهداف من خلال وجود عسكري محدود لكن الانسحاب يجعلها أوهاماً.

والواقع أن حرب سوريا التي دمرت البلد ونسيجه، صنعت عجائب للآخرين. فهي كانت منصة للصعود الروسي وساحة لتكريس النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق، وفرصة لمد “العثمانية الجديدة” على الأرض خارج حدود تركيا، وغابة للصيد الإسرائيلي، وتجربة لتنظيم الإرهاب الداعشي في “دولة”، ومهلة للهبوط الأميركي. فلولا الدخول العسكري الروسي إلى سوريا بعد ضم القرم وخرق سيادة جورجيا وأوكرانيا، لكانت روسيا “قوة إقليمية”. ومن دون العمق الاستراتيجي والنفوذ الإقليمي فإن الجمهورية الإيرانية تصبح مجرد “بنغلاديش شيعية”. والصين تتوسع خارج حدودها وتتطور من قوة برية إلى قوة بحرية وجوية. وتركيا التي فشل رهانها على قيادة العالم الإسلامي من خلال الإخوان المسلمين في تونس ومصر وسوريا، تحاول التعويض بغزو الشمال والشرق في سوريا ليستطيع أردوغان لعب دور “السلطان الجديد”. فهو كان يقول للأميركيين “إن 100 ميل مربع بين حلب والموصل هي منطقة أمنية تركية”. وهو اختلف مع رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو لكنه يطبق نظريته حول تحول تركيا من “دولة جناح” للغرب إلى “دولة محور” للشرق. أما ترمب الذي ينتقد أوباما في كل شيء، فإنه يكمل سياسة أوباما عملياً بالنسبة إلى “التحول من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى”. وإذا كان يهم الرئيس فلاديمير بوتين إضعاف أميركا وتفكيك الاتحاد الأوروبي، فإن ترمب يساعده في الهدفين عبر التخلص من مسؤوليات أميركا العالمية. وما يمارسه تحت شعار “لنجعل أميركا عظيمة ثانية” هو إضعاف أميركا وتهديد حلفائها وإرضاء خصومها. فالقوة العظمى الأميركية من دون مسؤولياتها العالمية تصبج مجرد “كندا كبيرة”.

وليس أخطر من الغزو التركي لشرق الفرات سوى التراجع الأميركي. وما يزيد في خطرهما معاً هو خطر التغيير الديموغرافي الذي بدأت تركيا التحضير له في الشمال السوري، والتغيير الديموغرافي الآخر الذي تعمل له إيران في سوريا والعراق. ولعبة قلب الحقائق لا تتغير. حين احتل البريطانيون البصرة على الطريق إلى بغداد في عشرينات القرن الماضي، ادّعى قائد القوات  البريطانية الجنرال مود أنهم “محررون لا محتلون”. ومثل هذا ما ردده الأميركيون خلال غزو العراق. وأردوغان يخرق السيادة والشرعية الدولية تحت أنظار أميركا وروسيا رافعاً شعار: “الاحتلال من أجل الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها والقضاء على الإرهاب”. أي إرهاب؟ “إرهاب” قوات سوريا الديمقراطية التي هزمت داعش الإرهابي.

“نبع السلام”.. الحكم بعد المداولة/ مهند الكاطع

أخيراً أطلقت تركيا حملتها العسكرية تحت اسم “نبع السلام”، وتراوحت ردود فعل السوريين تجاهها بين مؤيد لأهداف الحملة المعلنة (طرد ميليشيات العمال الكردستاني) والممثلة بقوات قسد من المناطق السورية المحاذية للحدود، وبين مشكك بالعملية وواصفاً إياها بالاحتلال الذي يخفي أطماع تركيا، تتلخص بقضم مزيد من الأراضي السورية كما حدث بعد اتفاقية لوزان 1923، ثم ضم لواء الإسكندرونة سنة 1938.

يرى المؤيدون للتدخل التركي بأنه يأتي في إطار مصلحة مشتركة للسوريين والأتراك معاً، فتركيا تخوض حرباً مع حزب العمال الكردستاني منذ نحو 40 سنة، وهذا الحزب الذي حظي بدعم الاتحاد السوفيتي ونظام الأسد الأب بين عامي 1978-1998 تسبب بمقتل أكثر من 30 ألف مواطن تركي بين مدني وعسكري، إضافة لحرق وتدمير ما يزيد عن 3 آلاف قرية. ومع بدء الثورة السورية قام النظام السوري بالتحالف مع عناصر العمال الكردستاني، وتشكلت منهم ميليشيات تحت اسم قوات حماية الشعب YPG بشكل معلن، وبدأت تمارس نشاطها في الجزيرة وعفرين وعين العرب تحت رعاية ووجود النظام السوري، وتعززت قواتها بالهدنة التي وقعها العمال الكردستاني سنة 2013 مع تركيا، لينتقل آلاف المقاتلين إلى سوريا وشمال العراق.

لقد مارست القوات التابعة للعمال الكردستاني منذ بدء نشاطها مجدداً في سوريا، مجازر دموية بحق الأكراد والعرب في مناطق سيطرتها، وقامت بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع النظام خلال الفترة الممتدة من 2013-2016، ساهمت بتوجيه ضربات موجعة في خاصرة الثوار، وقتل عدد كبير منهم، واستعراض جثث عشرات من الشهداء على شاشات التلفاز في شوارع عفرين، في مشهد مؤلم وغير أخلاقي. كما قامت هذه الميليشيات بعمليات تهجير وحرق للقرى العربية بشكل واسع النطاق، شمل نواحي بأكملها (مثل ناحية الهول، ناحية الشيوخ)، إضافة لمئات القرى في أرياف الرقة ودير الزور والحسكة، وكلها جرائم وثقتها منظمات عالمية مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن راتيس ووتش، وغيرها. ناهيك عن التدمير الشامل لمدينة الرقة ونواحي دير الزور، الذي ساهم بإفراغ المنطقة من سكانها، وتعرضهم لمآسي مجحفة وابتزاز مالي كبير بعد احتجازهم من قبل قسد، وكل ذلك حدث تحت شعار محاربة داعش، وذلك بالتحالف مع أمريكا التي منحت هذه الميليشيات اسمها الجديد (قوات سوريا الديمقراطية)، وبات الوجود الأمريكي مصدراً لاستقواء هذه الميليشيات، خاصة بعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية حظراً جوياً شمل النظام السوري على مناطق شرق الفرات، فباتت الأفواج التابعة للجيش التي لا تزال تتمركز في القامشلي والحسكة، وكذلك العناصر الأمنية في المربعات الأمنية، لا تشكل قوة حقيقة يمكن لها أن تغير شيئا في الواقع، وباتت سيطرة قسد مطلقة في مناطق شرق الفرات.

انتهاكات العمال الكردستاني (قسد) في مناطق سيطرتها، لم تقتصر على ما ذكرناه، بل إضافة لذلك كله، قامت هذه الميليشيات بالتالي:

    فرض التجنيد الإجباري، أو الترغيب بالتطويع بعد إغلاق أبواب أمام الشباب وتشجيع الاتجار بالمخدرات، الأمر الذي تسبب بمقتل الآلاف من الشبان العرب الذين تم زجهم في الصفوف الأولى أثناء المعارك مع داعش.

     فرض قيود على السوريين من أبناء المحافظات الأخرى، الذين لم يسمح لهم بدخول منطقة الجزيرة شرق الفرات دون وجود كفيل كردي، كانت من الخطوات المستفزة جداً للسكان، خاصة وأن المنطقة ذات طابع عربي، يشكل الأكراد نسبة 12 بالمئة من سكانها.

     السيطرة على المدارس، وفرض منهاج مؤدلج يسوق لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وتعيين أشخاص غير مؤهلين بالمسار التعليمي.

     تغيير واجهة المنطقة والمدارس والساحات العامة والقرى بمسميات كردية مستحدثة، ونشر أعلام ورايات العمال الكردستاني وفروعه، ورفع صور زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في جميع المرافق العامة، وغيرها من الممارسات التي ضاق بها سكان المنطقة ذرعاً.

    الاعتقالات المستمرة، وتسليم بعض المعتقلين للنظام، والاغتيالات المستمرة التي طالت حتى السجناء.

من هنا، يمكن تفهم الرغبة الشديدة لسكان المنطقة، الذين يؤيدون العمل العسكري ضدّ العمال الكردستاني، الذي بدأ وجوده يتكرس عبر شبكة مصالح واسعة من المنتفعين، خاصة وأن المنطقة التي يسيطر عليها في سوريا، تضم أكثر من 75% من ثروات سوريا، وقد استغل هذا الحزب الغريب هذه الموارد لخدمة أجندته، التي لا ناقة للشعب السوري فيها ولا جمل، ولا تلتقي مع مصلحة الشعب السوري من بعيد أو قريب.

المعارضون للتدخل التركي بالمقابل، يبررون معارضتهم من منظور وطني، أي أن تدخل أي قوة عسكرية أجنبية هو احتلال، وعلى الرغم من أنني شخصياً أشاطر هؤلاء مخاوفهم من الأطماع التركية في الشمال السوري، إلا أنني أجد أنهم يبالغون في التعريض بالأتراك، وتصوير حزب العمال الكردستاني بالمقابل (كضحية، وطنية، سورية) لهذه الحملة العسكرية، فهذه مغالطة يجب تصحيحها، وإذا أردنا أن نكون موضوعيين في وصف ما يحدث، فإننا يمكن أن نقول بأنها معركة بين تركيا مع ميليشيا تركية تتحصن في الأراضي السورية، وهذا ما يبرر لتركيا أو يعطيها ذريعة للتدخل على الأقل، خاصة وأن هذه الميليشيا كانت تحتمي بالأمريكان، وتتلقى دعماً أوروبياً وإسرائيلياً سخياً، وقبل ذلك كان دعمها من النظام وإيران وروسيا.

لم ولن نقول بأن التدخل التركي جاء كرما لعيون الشعب السوري، ولن نراهن كذلك على أن التدخل سيكون مضمون النتائج كما يريده الشعب السوري، خاصة مع التوافق الأمريكي-الروسي المريب حول دعم العملية التركية، الأمر الذي يفتح باب التساؤلات عن المستفيد من هذه العملية غير الأتراك، فإذا كان المستفيد هو الشعب السوري فهل نصدق أن روسيا وأمريكا تدعمان أي خطوة لصالح الشعب السوري؟ الجواب من خلال سنين الثورة السورية “كلا” بالطبع، إذن هل الضمانة التركية التي قبل بها كل من الروس والنظام هو عودة النظام لمنطقة شرق الفرات، بعد القضاء كلياً على قوات قسد؟ وهل هذا بالضبط ما جعل الفوج 54 في القامشلي، وفوج الحسكة، لا يبادران بأي تحرك بعد بدء العملية التركية؟ بل زيادة على ذلك وجه المقداد خطابا شديد اللهجة إلى قسد، أكد من خلاله أن النظام لن يستجيب لصرخاتهم بالنجدة، لأنهم خونة وعملاء للأمريكان (على حد وصفه). وبالتالي يبدو أن النظام ضمنياً أيضاً مرحب بالعملية!.

خلاصة ما أود قوله: إن قسد قدمت جميع المبررات لتدخل تركيا، وقدمت كذلك جميع المبررات لسكان المنطقة للقبول بأي عمل يخلصهم من هذه الميليشيات، ويتوجب على قوى المعارضة السورية بشكل خاص، بأن لايقفوا مكتوفي الأيدي، وأن يكون دورهم في الموضوع، لا يقتصر على المشاركة العسكرية لبعض الفصائل المرتبطة على ما يبدو بشكل مباشر مع تركيا، بل يجب أن يكون لديهم دور سياسي وإداري، ويكونون جاهزين مع أبناء المنطقة لإدارتها وملء الفراغ، وعدم ترك ذريعة أمام المجتمع الدولي لدخول النظام للمنطقة، لأن ذلك سيكون كارثياً على الجميع، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.   

تلفزيون سوريا

ملاحظات أساسية حول عملية نبع السلام/ ماجد عزام

باتت عملية نبع السلام مسألة وقت منذ تنفيذ عملية “درع الفرات” في آب 2016 وللدقة أكثر منذ وضع تركيا خطة المنطقة الآمنة للمرة الأولى قبل خمسة أعوام بعدما كانت طرحت نظرياً لأول مرة في العام 2013.

للتذكير فقد طرح الرئيس رجب طيب أردوغان الفكرة على نظيره الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارة له لواشنطن صيف 2013، إلا أن هذا الأخير رفضها بحجة عدم الانخراط في سوريا قبل ظهور داعش والنصرة علماً أن السبب الحقيقي للرفض تمثل بسعيه للتفاوض مع إيران، وتقديم سوريا لهم، وليبقى لهم رجلهم فى السلطة كما قال بعد ذلك حرفياً لوزير دفاعه المستقيل تشاك هاغل.

بعد ذلك بعام أي في 2014 وضعت تركيا خططاً تنفيذية خاصة للمنطقة الآمنة، إلا أنه تم إفسادها من قبل ضباط الدولة الموازية التابعين لجماعة غولن المنفذين لأوامر أمريكية، حتى أن الجنرال سميح ترزي الذي كان يفترض أن يكون قائد العملية اتضح بعد ذلك أنه عضو كبير في الجماعة، و أحد قادة الانقلاب الفاشل صيف العام 2016، وقتله أصلاً كان نقطة تحول أساسية في هزيمة الانقلابيين ودحرهم.

بعد إفشال الانقلاب تحررت القيادة السياسية، واستعادت سطوتها على الجيش، كما يفترض في أي نظام ديموقراطي فتم تنفيذ عملية “درع الفرات” ثم “غصن الزيتون” بعدها بعامين، ومنذئذٍ بات تنفيذ عملية “نبع السلام” شرق الفرات مسألة وقت فقط.

لا يمكن الحديث عن نبع السلام دون الحديث عن تنظيم بي كا كا السوري، أو ما يسمى قوات سوريا الديموقراطية ” قسد”، هذا اسم حركي فمعظم قادتها غير سوريين لا يتحدثون العربية ولا الكردية، وبالتأكيد غير ديموقراطيين، والاسم الحركي نفسه من اختراع الجنرال الأمريكي بريت ماكغورك رجل أوباما، وذراعه في تطبيق استراتيجيته المدمرة، وهو كان يعرف أن هؤلاء فرع لبي كا كا الإرهابي ورغم ذلك سلحهم عن قصد كأداة رخيصة لمحاربة داعش، بينما اشترط على الثوار السوريين القبول بعدم قتال النظام لتسليحهم ومساعدتهم. وكان ماكغورك يعرف ويعي جيداً أن سياسته تصب فى خدمة النظام إيران وروسيا، وهو نفسه من سلّح الحشد الشعبي ضمن سياسة أوباما المدمرة نفسها، القاضية بترك العراق لإيران أيضاً، وتغاضى حتى عن سيطرتهم على دبابات أمريكية لسنوات بحجة محاربة داعش تحت السقف الأمريكي طبعاً.

لا يمكن الحديث عن نبع السلام دون الحديث عن  مدينة عين العرب كوباني أول عملية يقوم بها تنظيم بي كا كا السوري، نسي العالم الآن التجييش الذي قامت به أمريكا- أوباما، وحشدها الديماغوجي للمعركة نسي المدينة التي دمرت وأهلها اللاجئين في تركيا، نسي أن التنظيم وبدعم من واشنطن رفض طلب تركيا والثوار السوريين والبشمركة العراقية بالمشاركة في المعركة، وأصرّ على القيام بها وحده لاحتكار الحق الحصري في محاربة داعش وتبييض صفحته وتبرير مشروعه الانفصالي.

لا يمكن الحديث عن “نبع السلام” دون الحديث عن نموذج عين العرب الرقة والباغوز، الذي تحول فيه  تنظيم بي كا كا إلى أداة للاحتلال الأمريكي، حيث تم اتباع النموذج الشيشاني نموذج الأرض المحروقة وتدمير المدن عن بكرة أبيها وقتل المدنيين وتشريدهم بحجة محاربة داعش، بينما أكدت الأمم المتحدة ومنظماتها الانسانية أنه جرى ارتكاب جرائم حرب في هذه المدن و بي كا كا كان شريك أو بالأحرى أداة لأمريكا في هذه الجرائم، وهو نفس ما جرى في الموصل بالعراق مع إيران وأدواتها.

طبعاً لا يمكن الحديث عن عملية “نبع السلام” دون الإشارة إلى التغيير في الموقف الأمريكي منها. وببساطة نحن أمام تصميم تركي على حماية المصالح القومية، وعدم التفريط بها، ومخاطبة إدارة  ترامب بلغة سياسية تفهمها، وإغرائها بحزمة اقتصادية هائلة، لكن بغض النظر عن ذلك كله نحن أمام اختيار طبيعي لواشنطن بين ميليشيا إرهابية ودولة حليفة وعضو في الناتو.

مع ذلك فإن واشنطن لن تتخلى عن أداتها الرخيصة للهيمنة على سوريا المفيدة، وثرواتها النفطية الزراعية والطبيعية، وستكون مقاربة واقعية لا تمنع تركيا من إقامة المنطقة الآمنة، مع الاحتفاظ بميليشيا بي كا كا  بعيداً فى الرقة وشرق دير الزور.

في ردود الفعل على “نبع السلام” نحن أمام نفاق أوروبي صارخ فى انتقاد العملية، رغم عدم التحرك ضد الأسد أو حماية المدنيين السوريين حتى مع استخدام ترسانته التقليدية، وغير التقليدية ضدهم، ثم التخلص من إرهابييهم فى سوريا وعدم استعادتهم بما فى ذلك النساء والأطفال المعتقلون فى سجون بى كا كا، وأوروبا تعرف أن تركيا جادة جداً فى محاربة الإرهاب دون تمييز، ولن تكون شريكاً صغيراً وسجاناً رخيصاً للدواعش الأوروبيين مثل بي كا كا السوري.

مواقف روسيا وإيران جاءت متشابهة تقريباً، مع تفهم للعملية التركية ودوافعها خاصة من جهة موسكو، وكالعادة بدا التناقض جلياً فى طهران بين السلطة الرسمية الهادئة، والدولة الموازية العميقة التى يقودها الحرس، التي عبرت عن مواقف أكثر حدة وتشنجاً من خلال حشدها الشعبي الإعلامي.

أما النفاق العربي الرسمي من أنظمة الفلول والثورات المضادة تجاه العملية، فلا يقل بشاعة عن النفاق الأوروبي، كونها أي تلك الأنظمة تعتبر بشار واحداً منها، هي تخلت عن الشعب السوري، وثورته ومطالبه العادلة بالحرية والكرامة، وصمتت عن الاحتلالات الأجنبية الأمريكية والروسية، وجرائم الحرب الموصوفة التى ارتكبتها فى سوريا، وتصرفت بشكل موتور ضد تركيا، التي تعريها وتفضحها سورياً وفلسطينياً، وموقفها أي أنظمة الفلول العربية ضد عملية نبع السلام، كان أقوى وأكثر صخباً حتى من رد فعلهم على إعلان واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث تثاءبوا فقط كما قال مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة الغد الأردنية الخميس الماضي، بينما توقعت إدارة  ترامب ردّ فعل أقوى وحتى الانفجار منهم.

في ردود الأفعال أيضا شهدنا انفصاماً فلسطينياً، خاصة من قوى اليسار التي دانت العملية وتساوقت في الجوهر مع الموقف الإسرائيلي، الذى يعرف في الحقيقة بي كا كا ومشاريعه الانفصالية أكثر منهم. بينما تماثل موقف الجبهة الشعبية اليسارية التي ترفع صور الحشد الحوثي في تظاهراتها شكلاً ومضموناً مع موقف الفاشي الإسرائيلي يائير نتن ياهو وأبيه.

عموماً؛ وباختصار تركيا تدافع عبر عملية نبع السلام عن مصالحها القومية الحيوية، المتطابقة إلى حد بعيد مع مصالح الشعب السوري وثورته، والمنطقة الآمنة التى تجهض المشاريع التقسيمية، وتشكل بيئة مناسبة ومؤمنة للاجئين، وتبقى الأمل فى حل سياسي عادل وفق قرارات الأمم المتحدة وإعلان جنيف، هي جوهرياً وإستراتيجياً لصالح تركيا، وأيضاً لصالح سوريا التاريخية والعظيمة.

تلفزيون سوريا

الكرد السوريون: تراجيديا مستمرة ومستقبل مجهول/ عبد الباسط سيدا

كرد سورية هم ضحية سياسات النظام التمييزية العنصرية التي استهدفتهم على مدى عقود وجودًا وهوية، كما هم ضحايا مشاريع الآخرين الذين أرادوا استخدام شبابهم في مغامراتهم ومشاريعهم التي لم تتقاطع قط مع مصلحة الكرد السوريين، ولا مع مصلحة السوريين بصورة عامة.

فمع بداية الثورة السورية ربيع عام 2011 كانت أنظار السوريين جميعًا ترنو نحو الكرد، ويترقبون مشاركتهم الفاعلة في الثورة، الأمر الذي كان سيربك النظام، وسيغير الموازين بصورة نوعية لصالح الثورة. ولكن النظام من ناحيته تحسّب لمختلف الاحتمالات، وعاد إلى دفاتره القديمة، وجدد تحالفه الأمني الاستخباراتي مع حزب العمال الكردستاني عبر واجهته السورية: حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تمكّن من تصفية الناشطين والفاعلين الكرد في الثورة، وفرض سلطته بدعم من النظام، وتنسيق مستمر معه.

مع ظهور داعش، وجد الجانب الأميركي في الحزب المذكور قوة عسكرية منظمة منضبطة، فتعامل معها على المستوى الاستخباراتي العسكري، واستخدمها في حربه على داعش، وذلك في إطار تفاهم عام مع الجانب الروسي على عملية تقاسم مناطق النفوذ في سورية، وقد كلف هذا التعاون الغريب بين الولايات المتحدة الأميريكية، القوة الأكبر عسكريًا في العالم، والحزب المعني، كردَ سورية عشرات الآلاف من الضحايا الذين قُتلوا في المعارك التي كانت ضد داعش في مختلف المناطق، وذلك بناء على الخطط والالتزامات الأميركية.

في الوقت ذاته، استخدمت الولايات المتحدة ورقة هذا الحزب أداة للضغط على حليفتها تركيا من أجل إلزامها بشروط جديدة تتناسب مع طبيعة التحولات الجديدة في المنطقة، وماهية المعادلات التوازنية التي ستكون أساسًا لإعادة هيكلة بنية التحالفات والعلاقات بين مختلف القوى الإقليمية، والدولية المتصارعة على المنطقة ومستقبلها.

بعد عملية شد وجذب استغرقت أعوامًا، يبدو أن الرئيس الأميركي ترامب قد توافق مع الرئيس التركي أردوغان على تجاوز الخلافات من خلال صفقة، منحت بموجبها الولاياتُ المتحدة الضوء الأخضر للتدخل التركي في منطقة شرقي الفرات، مقابل تعهدات تركية لم يكشف النقاب عنها حتى الآن. وعلى الرغم من الحملة التي نشهدها هنا حاليًا على قرار ترمب من جانب أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الجمهويين والديمقراطيين، يُعتقد أن قرار ترامب لم يكن مجرد نزوة، أو مجرد خطأ في الحسابات، بل كان حصيلة سلسلة من اللقاءات والمباحثات والاتصالات الأمنية والعسكرية والسياسية، وعلى أعلى المستويات، بين الجانبين الأميركي والتركي. هذا ما نتلمسه على أرض الواقع، وما يُستشف من التغريدات المتناقضة للرئيس الأميركي، وهي تغريدات يعمل صاحبها على تشتيت الانتباه في مختلف الاتجاهات، ليبقى التوجه الرئيس المعتمد ساري المفعول، وإلى إشعار آخر.

ما يُستنتج من التصريحات الروسية والإيرانية هو أن الطرفين لديهما ارتياح واضح لما حصل، بل هناك مبادرة روسية لتطبيع العلاقات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام، يكون بوابة عودة النظام بصورة كاملة، الأمر الذي ربما يكون موضع ارتياح الجميع بمن فيهم تركيا والولايات المتحدة.ومن الواضح أن حلًا من هذا القبيل سيكون مرتبطًا بموضوع إدلب، ليعلن النظام عن بسط سلطته ولو شكليًا على كامل التراب السوري، على أن يتم لاحقًا الاستعجال في موضوع اللجنة الدستورية، والعمل من ثم على ترتيب انتخابات صورية تسوّق على أنها الحل المنتظر. وفي الوقت ذاته، تبذل روسيا جهودًا موازية تستهدف عقد مباحثات بين تركيا والنظام حول الموضوع الكردي.

لقد زُج كرد سورية في معركة أكبر من طاقتهم، وأُلصقت بهم تهم تتناقض بالمطلق مع توجهاتهم الفعلية، وسعيهم السلمي الدائم من أجل وضع حلّ عادل لقضيتهم، ضمن إطار الوحدة الوطنية السورية، وبموجب مشروع وطني سوري، يطمئن الجميع على قاعدة الاعتراف بالحقوق، وتحديد الواجبات، وإفساح المجال أمام الجميع للمشاركة.

فالانفصال الذي بات تهمة ممجوجة، لم يكن أبدًا هدفًا كرديًا سوريًا، ولا توجد أصلًا أية إمكانية أو مقدمات لتحقيقه. وكان النظام سابقًا يستخدم هذه التهمة لإضفاء قسط من الشرعية الزائفة على سياساته الاضطهادية التي اتبعها ضد الكرد على مدى عقود،  وهي سياسة الاضطهاد المزدوج التي تقوم على ركنين، وهما: عدم الإقرار بأية حقوق مشروعة للكرد، و تطبيق جملة من المشارع التمييزية العنصرية التي استهدفت الكرد السوريين وجودًا وهوية.

في وقتنا الراهن، تستخدم تركيا التهمة ذاتها، لتسويغ تدخلها العسكري في المنطقة الحدودية الممتدة ما بين تل أبيض غربًا حتى ديريك/ المالكية شرقًا، وهي المنطقة التي تضم الوجود الكردي السوري الرئيسي. ومن الملاحظ أن التلويح بتهمة الانفصال باتت أشبه بشعار محاربة الإرهاب، يُستخدم وقت اللزوم للتغطية على الأهداف الحقيقية.

فتركيا تعرف أكثر من غيرها أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو في الأصل مجرد واجهة لحزب العمال الكردستاني الذي استغل عدالة القضية الكردية في سورية، وهي قضية تعود بجذورها إلى بدايات تشكيل الدولة السورية، وتحولت إلى قضية ملحة مع سيطرة حزب البعث على مقاليد الأمور في سورية عام 1963.

كما أن الحزب المعني استطاع بفعل الصفقة التي عقدها مع النظام منذ بداية الثورة، كما أسلفنا، ونتيجة ضعف وترهل الأحزاب الكردية السورية، وعجزها عن تجاوز خلافاتها، من الهيمنة على المناطق الكردية التي اتخذ منها خزانًا بشريًا لتجنيد المقاتلين بالقوة، واستنزاف موارادها المادية الشحيحة أصلًا بابشع الوسائل.

فكرد سورية كانوا، وما زالوا، ضحية السياسات الرسمية على الصعيد الداخلي، وأصبحوا لاحقًا مجرد مادة استغلالية للمشاريع الإقليمية والدولية، وهم اليوم يتعرضون لحملة عسكرية تركية تفوق إمكانياتهم وقدراتهم.

الأمر اللافت في الحملة التركية، هو الحرص التركي على إشراك بعض الفصائل المسلحة السورية المحسوبة على المعارضة في العمليات القتالية، الأمر الذي سيزيد من الشروخ بين العرب والكرد، تمامًا مثلما كان الحال مع تدخل قوات الـ (ب. ي. د.) في المناطق العربية، وهذا كله سيترك جروحًا عميقة في النسيج المجتمعي الوطني السوري. ومن الملاحظ في هذا السياق هو أن أصواتًا متطرفة عربية وكردية تصدر هنا وهناك، تسمم الأجواء، وتثير المشاريع الهوجاء، وتقطع الطريق على المعالجات الهادئة الحكيمة.

يتحمل حزب العمال الكردستاني مسؤولية كبرى في ما يحصل للكرد السوريين اليوم، وهو الذي أصر منذ البداية على التحكم منفردًا بالورقة الكردية السورية، وأبعد كل الأحزاب الكردية ومنظمات المجتمع المدني والناشطين الكرد من الذين تفاعلوا مع الثورة السورية منذ يومها الأول، عن مجال الفعل، بل مارس في حقهم مختلف أساليب القمع والترهيب والتغييب.

كما أن القوى التي استغلت هذا الحزب، واعتمدته أداة لتنفيذ مخططها، تتحمل هي الأخرى مسؤولية كبيرة، فهي التي مكّنت هذا الحزب من السيطرة؛ إذ زودته بالمال والسلاح، وهذا ينطبق على النظام والقوى الدولية الأخرى.

ها هي تركيا اليوم تنضم إلى القوى التي ألحقت الأذى بالكرد السوريين. فقواتها تقصف المدن والبلدات الكردية، وتروع المدنيين، وتدفع بالناس إلى ترك منازلهم، والتوجه نساء وأطفالًا وشيوخًا نحو المصير المجهول.

إن الحرب الجارية اليوم بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، بغض النظر عن الأسماء الحركية المستخدمة، هي حرب لا تخص الكرد السوريين، ولا السوريين عمومًا، وهي حرب ستدمر المنطقة، وستتسبب في وقوع ضحايا كثيرة، مما يستوجب تحركًا دوليًا سريعًا لمعالجة الموقف، وإيقاف العمليات القتالية، وتهيئة الأجواء لمباحثات ومفاوضات في مقدورها وضع الحلول لمختلف القضايا، هذا إذا كانت النوايا سليمة، والإردات خيرة.

جيرون

البقجة الناجية من الحرب/ وداد نبي

ما يحدث اليوم من مآس وتهجير يؤسس للغد المليء بالكراهية والحقد

في اللحظة التي أكتبُ فيها هذه المقالة، يخسرُ آلاف المدنيين (كرد/ عرب/ سريان/ أشور..) في شمال شرق سوريا بيوتهم ومدنهم وقراهم، تخسرُ النساء هناك مطابخهن الممتلئة بالمؤونة الشتوية، لقد صنعنا كل شيء بأيديهن، مونة المخلل والبرغل والدبس والمربيات، كل شيء جاهز ومكتمل وموضوع بمرطبانات زجاجية مغلقة بانتظار الشتاء، لم تعرفن أن مآل تعبهن سيذهب سدى تحت غبار دبابات الحرب، الحرب التي لم تتوقف يوماً منذ ثماني سنوات، كانت هناك دوماً تطلُّ بظلها على حيوات الناس وتنتظر اللحظة التي يقرر فيها الديكتاتور التركي بدء المعركة.

قد يبدو للبعض هذا الهجوم الذي افتعلتهُ تركيا وساندته قوات تدعى الجيش الوطني، لأسبابٍ متعلقة فعلاً بإنشاء منطقة أمنة للاجئين السوريين، لكن تحت هذه الشعارات والبيانات الرسمية تكمنُ حقيقة ثانية يعرفها الكرد جيداً، الخوف التركي القديم من وجودهم بالقرب من حدودها، فعلى امتداد الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، تمتد مدن وقرى غالبية سكانها كُرد، حيث بإمكان الجنود الأتراك رؤية حبال غسيل المنازل، الثياب البيضاء التي غسلنها بمنظفات معطرة، ونشرنها بانتظار أن تجففها الشمس، على مرمى من بندقية الجندي الذي على الحدود، لم يخطر لهن أن السماء يمكن أن ترمي غسيلهن المبلل والخيوط التي علقن عليها البامياء والثوم والبيتنجان بوابلٍ من الرصاص والموت.

الآلاف يفترشون الأراضي، يتمسكون بالهواء والفراغ بعيداً عن الجدران التي يمكن أن تقع فوق رؤوسهم إن هم بقيوا بمنازلهم، الآلاف يعيدون حكاية الهجرة التي لم تتوقف، الهجرة التي يخاف منها دول الاتحاد الأوروبي، حيث يهددهم أردوغان بفتح الحدود لدخول ٣،٥ لاجئ من بحر إيجه، يصمت الضمير الأوروبي الخائف من بعبع اللاجئين، دون أن يدركوا أن ما يحدث اليوم من مآس ومجازر وقتل وتهجير يؤسس للغد الأسود، الغد المليء بالكراهية والحقد وعدم الصفح، الذي سوف يطالهم أيضاً. فما حدث في ١١ أيلول عام ٢٠٠١ كان نتيجة ممارسات مثل هذه.

في إحدى الصور القادمة من سريه كانيه/ رأس العين، امرأة قروية تهربُ من المدينة على رأسها بقجة حريرية ملونة، فكرتُ بالأشياء المهمة التي حملتها داخل تلك البقجة، وتذكرتُ أنهُ كانت في خزانة أمي بقج عديدة من جهاز عرسها، بعضها حريريّ ملون، وبعضها الأخر أبيض مطرز برسومات يدوية جميلة… تركتها أمي خلفها حين هروبها هي الأخرى في بيتيها في كوباني وحلب، تلك البقج التي كانت مرتبطة في ذاكرتي بأشياء وذاكرة النساء فقط، كن يخفين داخلها الذهب، البخور، حبات عقيق أسود تتوارثنهُ من أمهاتهن، النقود والمسدسات الممنوعة لأزواجهن… داخل تلك البقج كانت أسرارهن وحياتهن، وتلك المرأة في الصورة كانت تحملُ بقجتها وتهرب على عجالة.

ربما النساء فقط، حين يحلّ السلام وتغادر الحرب إلى غير رجعة، سيكن يوماً  قادرات على رواية الحكاية كاملة، الحكاية التي يخبّئنها داخل بقجتهن الحريرية، وهن هاربات من الموت والدبابات والقصف والفناء.

وداد نبي شاعرة وكاتبة كردية سورية، مقيمة في برلين. صدر لها كتابين، “الموت كما لوكان خردة” عن دار بيت المواطن بيروت، و”ظهيرة حب ظهيرة حرب” عن دار كوبيا في حلب. تكتب في الصحافة العربية.

حكاية ماانحكت

مدى وتأثيرات الموقف الأمريكي على عملية “نبع السلام”/ سعيد الحاج

تستمر عملية نبع السلام رغم اعتراض وتحفظ عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، لكن أنقرة تدرك أن الموقف الأمريكي بالغ التأثير في العملية سياسياً وميدانياً، ولذلك تتابعه من كثب وتحاول قدر الإمكان الإسراع في العملية تحسباً لاحتمال تبدله.

منذ أشهر، تهدد تركيا بعملية عسكرية في منبج ومناطق شرق الفرات ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تشكل وحدات الحماية “الإرهابية” مكوّنها الرئيس. عملية نبع السلام التي بدأتها تركيا الأربعاء الفائت تعتبر الحلقة الثالثة، بعد عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، في استيراتيجيتها لمواجهة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الانفصالي في سوريا وذلك من خلال إنشاء منطقة آمنة خالية من وجود التنظيمات الإرهابية، ومكان لإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين.

ورغم إعلانها أكثر من مرة استكمالها الاستعدادات اللوجستية والميدانية وتحديد سقوف زمنية لها، إلا أن ساعة الصفر تأخرت مراراً، تارة بناء على طلب من الرئيس الأمريكي وفق تصريح وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، وتارة أخرى إثر التفاهمات الأولية بين أنقرة وواشنطن حول المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا.

بيد أن ذلك لا يكفي لوحده تفسيراً لتأخير العملية وتأجيلها أكثر من مرة، وإنما يمكن رصد عدة تحديات مهمة أمام العملية، وأهمها ثلاثة: الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة والرفض الدولي المتوقع والتحديات الميدانية المتعلقة بقوات قسد تعداداً وانتشاراً وتسليحاً وتدريباً ودعماً.

من بينها، يبقى العامل الأمريكي الأهم والأكثر تأثيراً، من زاوية الوجود الأمريكي على الأرض بما قد يعقّد مسار العملية، والدعم المقدم من قبل واشنطن للميليشيات المسلحة التي ستواجهها العملية، وكذلك لما للموقف الأمريكي من تأثير على الساحة الدولية أكثر من مواقف دول أخرى.

من هذا المنطلق، وتجنباً لأي احتكاك عسكري ولو غير مقصود مع القوات الأمريكية، فقد غلّبت أنقرة الحوار مع واشنطن وخاضت معها جولات كثيرة، قبل أن تصل إلى قناعة بأن الأخيرة تماطلها دون أدنى تغيير في وجهة نظرها. وبسبب الاختلافات الواضحة بين رؤية الرئيس الأمريكي ورأي بعض مؤسساته وفي مقدمتها البنتاغون، كان استثمار أنقرة الواضح في التناغم مع رؤية ترمب بسحب قوات بلاده من سوريا.

ولذلك تحديداً، ورغم بعض الاعتراضات داخل المؤسسة الأمريكية وتحفظ العديد من الأطراف الدولية على العملية، سارعت أنقرة لإطلاقها مستثمرة تصريحات ترمب المتوافقة مع استيراتيجيتها والتي منحتها مسوغات كانت بحاجة إليها.

وإذا كان الموقف الأمريكي مهماً في إطلاق العملية وتحديد ساعة صفرها، فهو مهم كذلك كأحد العوامل المساهمة في تحديد سقفها ومداها، وهنا نتحدث عن ثلاثة مسارات رئيسة:

الأول، تذبذب مواقف ترمب وتناقض تغريداته إضافة لسوابقه في تغيير مواقفه بناء على ضغوط من البنتاغون وغيره من المؤسسات أو أحياناً لأسباب غير معروفة. وهو أمر يبقى وارداً ويمكن أن تكون له ارتدادته على العملية، لا سيما بعد المعارضة الشديدة لموقفه حتى من قبل الجمهوريين الذين يحتاج لدعمهم ضد مسار عزله الذي بدأه الديمقراطيون.

الثاني، موقف البنتاغون المعروف بتأييده لقوات “قسد”، وتأثيره على رأي ترمب كما حصل سابقاً في أكثر من محطة.

الثالث، موقف أطراف فاعلة في الكونغرس وخصوصاً السيناتور ليندسي غراهام الذي هدد تركيا بـ”عقوبات شديدة” وقدم مشروع قرار بهذا الخصوص مكوّن من 8 مواد.

بنتاج العوامل الثلاثة، يمكن القول إن أنقرة لا تثق بثبات موقف ترمب وما يمكن أن يؤول إليه قرار الولايات المتحدة بخصوص العملية التي بدأت بالفعل، وخصوصاً أن المعطيات الميدانية تشير حتى اللحظة إلى انسحاب محدود من مناطق حدودية فقط وليس من كامل المنطقة كما يعد ترمب. ذلك أن أي تغير جذري في موقف واشنطن يمكن أن يضيف للعملية تعقيدات كبيرة.

لكل ذلك، وما يمكن أن يعنيه أي تغير كبير في الموقف الأمريكي على العملية برمتها، مدىً ومآلاتٍ وفرصَ نجاحٍ بما في ذلك سيناريو الاستنزاف، كانت حصيلة القلق التركي خطوات واضحة في ما يتعلق بالعملية، أولاها إطلاق العملية دون تأخير كبير فرضاً للأمر الواقع، وثانيها عدم الرد على تغريدات ترمب المتضاربة وخصوصاً تلك التي حملت تهديدات لأنقرة واقتصادها، وعدِّها ضمن سياق الاستهلاك المحلي الساعي لتخفيف الضغوط الداخلية على ترمب وفق تصريح الرئيس أردوغان.

لكن الخطوة الثالثة والأهم في هذا السياق هي تسريع أنقرة لمسار العملية بشكل واضح وملحوظ، حيث اتسع نطاق القصف سريعاً ليصل لمناطق في العمق السوري من جهة، وانتقلت القوات التركية والجيش الوطني السوري المشارك معها سريعاً -بنفس يوم إطلاق العملية- للمرحلة البرية.

في الخلاصة، تستمر عملية نبع السلام رغم اعتراض وتحفظ عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، لكن أنقرة تدرك أن الموقف الأمريكي بالغ التأثير في العملية سياسياً وميدانياً، ولذلك تتابعه من كثب وتحاول قدر الإمكان الإسراع في العملية تحسباً لاحتمال تبدله.

ولعل تركيا تعوّل كثيراً على لقاء أردوغان وترمب المرتقب في الولايات المتحدة في 13 من الشهر المقبل، والذي يبدو أنه سيكون مهماً جداً لاستكشاف مدى جدية الرئيس الأمريكي بسحب قوات بلاده من سوريا تماماً، وموقفه الحقيقي من دعم قوات قسد على المدى البعيد. وهما عاملان مهمان لتعيين مدى وحدود العملية التركية التي بدأت برقعة جغرافية محدودة ولكنها تحمل إمكانية التوسيع لتصل لأهداف أنقرة المعلنة منها أي إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود المشتركة وبعمق 30-40 كلم نحو الداخل السوري.

تركيا والنفاق العربي الإيراني في سورية/ أسامة أبو أرشيد

لن تجد عربياً واحداً ينتمي إلى العروبة بصدق يسرّه الحال البائس الذي تَرَدَّتْ إليه سورية في الأعوام التسعة الماضية تقريبا. سورية هي إحدى قوائم التوازن العربي، ولا يمكن تخيّل نهضة عربية من دونها، والحال الذي انحدرت إليه ما هو إلا تلخيص للحالة العربية الكئيبة كلها، سواء لناحية القمع والفساد، أم لناحية التجزئة والتشظّي، بل وحتى عودة الاحتلال الأجنبي المباشر. الأرض السورية محتلة اليوم من روسيا وأميركا وإيران وتركيا (لتركيا وضع خاص يُشرح لاحقا)، وهي تحولت إلى دولةٍ تحكمها، إلى جانب الدول الأجنبية المحتلة، عصابات ومليشيات إجرامية ومذهبية وعرقية، محلية وأجنبية. هذا هو حصاد قرابة تسعة أعوام من إجرام نظام بشار الأسد بحق شعبه، ورفضه تقديم تنازلاتٍ له هي في صلب حقوقه، فكانت النتيجة ضياع سورية كلها، وتحوّل نظامه إلى نظام وكيل يعمل تحت وصاية إيرانية – روسية مباشرة.

مناسبة التذكير بهذا الواقع المرير هو إطلاق تركيا، يوم الأربعاء الماضي، عملية “نبع السلام” العسكرية في شمال شرق سورية ضد المليشيات الكردية التي تعمل تحت لافتة “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تتهمها تركيا بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، وتصنّفه تنظيما إرهابيا. وتقول تركيا إن هدف العملية، التي جاءت بعد تفاهمات غامضة بين الرئيسين، التركي، رجب طيب أردوغان، والأميركي، دونالد ترامب، وانسحاب بضع عشرات من القوات الأميركية من المنطقة، هو القضاء على “ممر الإرهاب” على حدودها الجنوبية، وإقامة “منطقة آمنة” تسمح بإعادة ملايين اللاجئين السوريين وتوطينهم فيها. وبغض النظر عن حقيقة حسابات ترامب، والفوضى في الموقف الرسمي الأميركي جرّاء ذلك، إلا أن المفارقة تمثلت في بعض المواقف العربية من التطورات الأخيرة، خصوصا أن أطرافا عربية متورّطة مباشرة في الوضع المخزي الذي وصلت إليه سورية. ينسحب الأمر نفسه على إيران التي رفضت العملية العسكرية التركية، وطالبت أنقرة باحترام وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وكأنها هي تحترم وحدة الأراضي السورية والعراقية واليمنية وسيادتها!

اللافت هنا أن مواقف محور الفوضى والعدوان العربي اتفقت على إدانة العملية التركية واعتبرتها “عدواناً” على دولة عربية. والحديث هنا، تحديدا، عن السعودية والإمارات ومصر والبحرين، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية التي أبت إلا أن تذكّرنا أنها لا زالت موجودة اسماً وهيكلا. أما لبنان الذي يتنازع قواه السياسة الولاء لمحوري إيران والسعودية، فوجد نفسه فجأة موحد الموقف في إدانة “العدوان” التركي، وهو الذي لم يتحد موقف قواه ذاتها حتى ضد العدوان الإسرائيلي على أرضه وشعبه. طبعا، كلنا يعلم لماذا كان للبنان موقف موحد هذه المرة، ذلك أن إيران والسعودية اتفقتا في الموقف من العملية العسكرية التركية في سورية، وإن اختلفت المنطلقات والحسابات.

سيُكتفى فيما يلي بمواقف كل من السعودية والإمارات ومصر، فالجامعة العربية والبحرين ولبنان ما هي إلا رجع صدى لمواقف تلك الدول، وليس لها استقلال ذاتي حتى نحاكمها بناء على ذلك. نجد أن الدول الثلاث استخدمت العبارات نفسها، تقريبا، في إدانة “العدوان” التركي، على أساس أنه “تعدٍ سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية”. وأنه يمثل “تهديدًا للأمن والسلم الإقليمي”. فضلا عن أنه “اعتداء صارخ غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة”، “ويمثل تدخلاً صارخا في الشأن العربي”.. إلخ.

الملاحظة الأبرز أن كلاً من السعودية والإمارات ومصر متورط في أكثر من عدوان عسكري على دول عربية “شقيقة”، بشكلٍ يهدّد استقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، كما يهدّد الاستقرار الإقليمي أيضا، ونحن هنا نستعير بعض مفردات الإدانة التي أطلقتها تلك الأطراف ضد العملية العسكرية التركية محل النقاش. السعودية والإمارات متورّطتان في جرائم ثابتة ضد الإنسانية في اليمن، وهما دمّرتا ذلك البلد ومزّقتاه ونكبتا شعبه، وتحتلان كثيرا من أراضيه بشكل مباشر، على الرغم من أنهما لم تتمكّنا من هزيمة الوكيل الإيراني هناك، الحوثيين. أما مصر، فمتورّطة كذلك، وبشكل مباشر، في ليبيا، ودعم تمرّد اللواء خليفة حفتر فيها، تشاركها السعودية والإمارات في ذلك.

الملاحظة الثانية، أن السعودية، تحديدا، خذلت الثورة السورية من قبل، على الرغم من زعمها، في السنوات الخمس الأولى من عمر الثورة، أنها تقف في صفها ضد نظام الأسد. وكلنا يذكر تصريحات وزير الخارجية السعودي حينئذ، عادل الجبير، عام 2016، أن الأسد سيرحل سلماً أو حرباً، ثم كان أن تواطأت الرياض مع الأسد في تسليمه الغوطة الشرقية، عام 2018، عبر الفصيل المسلح الذي كانت تدعمه، جيش الإسلام. أما الموقفان، الإماراتي والمصري، فقد تميزا منذ البداية، بالتواطؤ الضمني مع نظام الأسد (الإمارات)، وتقديم الدعم السياسي، وربما العسكري له (مصر تحت نظام عبد الفتاح السيسي).

الملاحظة الثالثة، أن التحرش السعودي – الإماراتي – المصري بتركيا لم يتوقف منذ عام 2011، اللهم باستثناء فترة قصيرة في مصر تحت حكم الرئيس الراحل، محمد مرسي، بين عامي 2012 – 2013. وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، ومن باب حصر الحديث في الملف السوري، فإن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية، ثامر السبهان، سبق له أن زار شمال شرق سورية، عاميّ 2017، الرقة، و2019، دير الزور، والتقى قيادات المليشيات الكردية وتعهد بتقديم دعم لها في مواجهة تركيا.

باختصار، على الرغم من أن الألم يعتصر قلب كل عربي على ما آلت إليه سورية اليوم، إلا أن المجرم الأول هو نظام بشار الأسد، ثمَّ بعض أطراف النظام الرسمي العربي الذين خذلوا الشعب السوري، بل وتآمروا على ثورته. ولا ينتقص هذا القول من حقيقة خداع الولايات المتحدة الشعب السوري وتنكرها لحقوقه، ولا من الدور الإجرامي لروسيا وإيران. أمام ذلك كله، وجدت تركيا نفسها أمام دولةٍ فاشلةٍ على حدودها الجنوبية، بل وأصبحت بؤرة للتآمر عليها، كردياً وعربياً وإيرانياً وأوروبياً وروسياً وأميركياً، ونقطة ارتكاز لمحاولة المسِّ بأمنها القومي ووحدة وسلامة أراضيها. لا يسرّنا، نحن العرب، توغل تركيا في الأراضي السورية عسكرياً، ولكن تركيا مضطرّة، عملياً، لذلك، كما أنها، إلى اليوم، أكثر من وقف مع الشعب السوري، على الرغم مما جرّه ذلك عليها من تداعيات داخلية وخارجية كثيرة، فهي استضافت وأمنت قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري، وتحاول اليوم أن تمنع قيام “إسرائيل كردية” على حدودها الجنوبية، كما تمنّى مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي، حسبما نقل عنه تقرير نشرته أخيرا مجلة نيوزويك الأميركية.

لذلك كله، من كان بلا خطيئة من أنظمة العرب في سورية، بما في ذلك نظام الأسد، وإيران معهم، فليرجم تركيا بالحجارة. الحقيقة التي لا مراء فيها أن أول من يستحق الرجم بالحجارة، بسبب ما يجري في سورية، هم بعض أضلاع النظام الرسمي العربي وإيران.

الكردي السوري ومتاهات الانتماء/ سربست نبي

أنت مجرد سوري، دمك الرخيص لا يساوي ثمنَ رصاصة واحدة!!! هكذا هدَّد الجاني (الكردي العراقي) شقيقه الضحية (الكردي السوري) اللاجئ إليه مع عائلته هرباً من جحيم النزاع الدموي والعوَز، قبل أن يقدم على قتله غيلة هو وزوجته وأطفاله الثلاثة (خنقاً)، بتلك الطريقة البشعة الشنيعة إثر خلاف مالي بسيط.

السوري (عربياً أم كردياً أم سريانياً) بات رخيصاً في كل مكان، ودمه بات أرخص فعلاً من تكلفة آلة القتل التي يُقتل بها. ذاك الكردي السوري الهارب إلى «فردوسه الكردستاني» لم تشفع له هويته القومية عند ابن جلدته، الذي عانى في ماضيه القريب محنة لا تقل قسوة من محنته، وهما الآن في القارب الصغير الهش نفسه، يواجهان أعتى الأقدار السياسية العاصفة بمصيرهما. ولم يشفع للضحية أن شقيقه قضى شهيداً في الدفاع عن أرض القاتل وأهله، في مواجهة وحشية الإرهاب الداعشي. ورغم ذلك، لم يكترث القاتل بمحنة الضحية التي عاشها قبلاً، ولا بالمصير المحتمل الذي ينتظرهما غداً، مثلما لم يكترث لدم شقيقه الذي حال دون أن يصبح مرتداً هارباً أو لاجئاً مثل الضحية. السؤال الصارخ هنا هو: ما الذي جعل ذلك القاتل يكتشف هويته الكردية وعراقيته العارضة في البرهة التي سلب فيها عن الضحية هويته القومية المشتركة، وأثبت عليه هويته الوطنية السورية، وبرر به فعل القتل، علماً بأنه في الأحوال العادية، عندما تواجهه بالانتماء العراقي، قد تتعرض لانتفاضة غضب منه، لأنه قد يعد ذلك نوعاً من التقليل من هويته القومية؟

أنت سوري، هذا السوري، ذاك السوري، هؤلاء السوريون… تلك العبارات تحاصر الكردي اللاجئ هنا في كل مكان، بدءاً من سائق التاكسي، مروراً بالآسايش (الأمن)، انتهاء بالمسؤول السياسي الكبير. وعادة ما تكون متخمة بالازدراء والاستخفاف، وتطلق بنبرة متعالية. والحق أن الكرد السوريين لم يسمعوا أو يشعروا طوال أكثر من نصف قرن من تاريخ دولتهم السورية، التي هيمن عليها العروبيون، مقدار ما سمعوه خلال سنة واحدة في كردستان العراق من أنهم سوريون، سواء على لسان المسؤول أو المواطن العادي. لقد اكتشفوا أنهم سوريون هنا فقط، وفي كردستان العراق بالذات، ولم يعوا أنفسهم يوماً سوى أنهم كرد، وسيكونون كذلك في جغرافية حلمهم القومي. لقد أوقظوا على سوريتهم وانتمائهم السوري هنا، على يد أبناء جلدتهم الكردستانيين الذين أفاقوهم من رومانسيتهم القومية عنوة وبفجاجة.

والحال أن الكردي السوري كان مجرد كردي مشبوه فحسب، لا حق له في إعلان كرديته، غير جدير بثقة النظام العروبي البعثي، مشكوك في سوريته، وعلى الدوام كان محاصراً على أرضه بكرديته المرفوضة. ولأنه كان كذلك، فهو لم يتعرف على نفسه يوماً سوى أنه كردي، محكوم عليه أن يكون مشبوهاً منبوذاً، لا يملك الحق في إظهار كرديته، في الوقت الذي كان النظام فيه يعامله ككردي فقط، وككائن أقل قيمة من السوريين عموماً. والحال أنه اليوم في بعده الكردستاني، هو مجرد سوري، لا يعرف من سوريته تلك سوى ذكريات القهر والإنكار، ولا يعرّف بصفته الكردية التي عهدها عن نفسه. ويبدو أن ثمة انقساماً عميقاً في وعي الذات قومياً لدى الطرفين في هذا السياق، وبعبارة أخرى: ليس ثمة وعي مشترك بالهوية، حتى في الحدود الدنيا، في هذا السياق.

حرمان الكرد من أن يعيشوا كرديتهم بحرية وإنسانية، من جانب سلطة الاستبداد البعثي في سوريا، جعل من مسألة إثبات الهوية الجمعية بالنسبة لهم تحدياً وجودياً. وفي أوقات كثيرة، كان اسمي الكردي (الصارخ) يزيد من حدة هذا التحدي بالنسبة لي شخصياً في وسط عملي الأكاديمي الذي كان متخماً بالآيديولوجية العروبية العنصرية، ولهذا السبب كنت أجد نفسي في أوقات كثيرة محاصراً، ينتابني شعور عميق بأني منبوذ من طرف زملائي الذين أطلقوا عليّ لقب «جيرنوفسكي الأكراد»، وكان عليّ أن أبرهن على هويتي القومية، وأثبتها في كل زمان ومكان، بمواجهة ثقافة هؤلاء. كنت من أوائل الكرد (من غير البعثيين) الذين عينوا في الفريق الجامعي (الأكاديمي)، من خلال جدارتي العلمية وتفوقي. وكان عليّ أن أحافظ على هذا الامتياز الوحيد، لأنني كنت مهدداً في أي لحظة بالفصل أو العزل، بسبب الاشتباه في هويتي السياسية وانتمائي.

الكردي كان مشبوهاً بصك ولادته في دولة البعث، حتى أن اجتهاداته العلمية وآراءه كانت موضع شبهة وارتياب. والحال أنني في حياتي الجامعية في كردستان كثيراً ما كنت أعرّف، وعرّفت خفية، بـ«ذاك السوري» القادم من وراء الحدود، ولم أعرّف بين زملائي الكردستانيين بـ«الكردي»، رغم مواقفي الإعلامية الكثيرة، ونشاطاتي الأكاديمية في الدفاع عن هويتي، وإثبات حق الأمة الكردية في تقرير مصيرها عموماً، وخصوصاً كردستان العراق.

ظلّ هذا التحدي مستمراً، وهذه المعاناة. ففي الأيام الدامية للربيع الكردي 2004، تعرضت لصدّ كثير من زملائي الأكاديميين العرب السوريين، وسخطهم عليّ، واتهامي بشتى الاتهامات، وكان عليّ أن أتحمل ردات أفعال كثير من المثقفين المستهجنة لاحتجاجات الكرد، الناشئة عن التصورات المشوهة التي فبركتها السلطة عن الكرد في رؤوسهم. كان من المتعذر عليهم القبول بحقيقة أن السلطة تقتل المحتجين الكرد، وتستخدم الرصاص المفجّر ضد المدنيين، وتعتقلهم على الهوية، وأن من يعلن الرموز والشعارات المتطرفة وغير العقلانية هم من أعوانها ومخبريها، وهم بالذات من يحرقون المنشآت العامة، ويحدثون الخراب في المؤسسات المدنية، وأن السلطة تستخدم رعاعها وأوباشها لنهب المصالح الخاصة للمدنيين الكرد، وهي من تسلحهم وتحرضهم على الاعتداءات.

لم نكن نملك خياراً آخر سوى المواجهة عبر الحوار والكتابة، وإلا كان علينا أن نستسلم وننتسب إلى إصطبل الانتهازيين والجبناء.

في نهاية المطاف، تلقيت دعوات رسمية وغير رسمية من عدد من الأصدقاء للمجيء والعمل في كردستان وجامعاتها. وكانت تلك الدعوات مشجعة لي للغاية، ومبعث شعور عظيم بالفرح لديّ. في هذه البرهة من الحماسة والغبطة، الناشئتين عن حلم العمل في جامعات كردستانية، برز لديّ سؤال مفاجئ: ما الذي يمكنني كتابته للمرة الأولى على أرض كردستان الحرة؟ حينئذ، خطر لي أن أوّل ما ينبغي أن أكتبه هو مقال «لم أعد كردياً»، لأني افترضت وقتها أني في كردستان سأعيش كرديتي في بداهتها الإنسانية، ولن تعود «كرديتي» تحدياً ينبغي إثباته، بمواجهة سياسات الإقصاء والإنكار. فمثلما يتنفس الإنسان (شهيقاً وزفيراً)، دون أن يعلن ذلك على الملأ، سأعيش كرديتي كما أتنفس الهواء بملء رئتي، ولهذا لن أكون مدعواً في لحظة لإعلان كرديتي أمام الملأ.

لكني، وفي أول مواجهة لي على أرض كردستان مع منطق التاريخ والسياسة مجدداً، تعين عليّ أن أبرهن مجدداً على هويتي القومية – الكردية، وأحصن نفسي بها. فالمسؤول البارز الذي التقيته هنا تذرع بالقوانين العراقية، رافضاً تعييني في الجامعة، بحجة أني لا أحمل الجنسية العراقية، ولم تشفع لي شهاداتي العالية، ولا تفوقي، ولا حتى خبرتي العلمية الطويلة، مثلما لم تشفع لي هويتي القومية. حينها، ذكرته بمرارة وخيبة ببعض المراسيم والقوانين العراقية التي ما تزال نافذة معمولاً بها، وتعود إلى حقبة المخلوع صدام حسين، وكانت تمنح حامل جنسية إحدى الدول العربية حق التعيين والعمل في دوائر الدولة العراقية، وأن يعامل معاملة العراقي. وقلت له بالحرف: «ما دام أنه لم تشفع لي كرديتي، وتبرر لي حق الحياة والعمل هنا، ربما تشفع لي العروبة في ذلك، فأنا أحمل جنسية إحدى الدول العربية، وأنا (عربي سوري)، كما أنا موصوف في وثائقي. ويبدو لي أن عسف البعث السوري بحقي كان أكثر تقديراً لهويتي القومية منك، فقد كان دليل اعتراف بانتمائي، في حين أن كرديتك (الكردستانية) تنكر عليّ هذا الانتماء، ولا تعترف إلا بعروبتي السورية».

بعد أكثر من عقد من الزمان في أرض كردستان الحرة، بعد أكثر من عقد من الزمان الحافل بالعمل الأكاديمي في معظم جامعات كردستان، ومئات السجالات العلمية والإعلامية، لا يزال عليَّ أن أثبت هويتي القومية والإنسانية أمام رجل الآسايش (الأمن) نصف المتعلم كي أحصل على إقامتي مجدداً، ولم أزل ذاك الكردي المنبوذ، ويبدو لي أني سأظل كذلك ما حييت! ويبدو أن أفواه ذاك الكردي السوري المقتول، وأطفاله الثلاثة الضحايا، وزوجته المسكينة التي هشمت جمجمتها، ستظل فاغرة بانتظار الجواب: من نحن؟ وهل نستحق الكرامة القومية والإنسانية؟ هل نستحق أن نكون كرداً أحراراً؟

سوريا وأكرادُها/ سليم بركات

نحن الكرد السوريين لانريد أصناماً على مداخل الشمال السوري ومخارجه. تماثيل العائلة الحاكمة الدموية تستجمع ظلالَ حجارتها هاربةً وهي تضع إزميلَ النحت في أيدي عشيرة أوجلان ـ فرع البعث الجديد بلقبٍ كردي ـ كي تنحت لأوجلان تمثالاً من خُدعة الأسد.

لانريد الخروج من عبودية أصنام البعث إلى عبادة أصنام الحزب الجاثمة بمخيلتها الركيكة في لقب ‘العمِّ’ هوشي منه، وماو، وقبعة ستالين. حزبٌ آمن بإلغاء كل مُخالف لضحالة منطقه السياسي، أفراداً أو تجمعات، يستلم، الآن، سلاحَ الأسد، ـ كفعلِ الأسد وحلفه الإيراني، بالسلاح حكراً في لبنان على مستبِدٍّ بالدولة قراراً، ـ وخططَ الأسد، لنقل كرد سوريا من عبودية عانوها والشركاءَ إلى جحيم المجابهة مع شركاء الكرد أنفسهم، وجحيم التمزيق بمخاوف الجار التركي؛ بل أخذهم إلى نكبةٍ أينَ منها نكبةُ البرامكة.

تلك مفارقات لاتعني فرع بعث أوجلان الكردستاني؛ بل لايفهمها مُذْ كان بعينٍ في الولاء على صنم الأب، وعين على صفر السياسة؛ بل بعماء مقصود في الفهم عن مقاربة البسيط المَشُوْف من مطابقة العسف التركي بالعسف البعثي شقيقين ضاريين على سويَّةٍ في مذهب الحَجْب، كأنما مستنسخانِ مقاصدَ عن مقاصدَ عرقية، ولغوية تتوافق مخارجَ بحرفٍ لاتيني على صورة أبيه العربي، قبل انقلاب ‘ مدنيَّة’ أتاتورك، بهندسةٍ من إيمان الغرب، على وافد الجنوب الديني رسوماً رَقْناً للغة طوران. العسفُ العرقي، والعصبيةُ لسيادة الكثرة محيطاً، ألقيا بكُرد تركيا نقوداً متداوَلةً في سوق الجحيم. والعسف العرقي، والعصبية لسيادة الكثرة محيطاً (والقِلَّةِ المِلَّةِ حُكْماً) جرَّد الكردَ ـ منذ اختطاف الدولة السورية بانقلاب على إيمان الخيار الحر، وكفاءة التقدير عند السوري للصواب والخطأ، والأخلاق واللاأخلاق ـ من مواطنية ‘الحدِّ الأدنى’، مقهوراً في لغته، وزيِّهِ، وأسماء أولاده، وأسماء أمكنته. فكيف استوى لفرع بعث أوجلان الكردستاني أن يجيز لعائلة الأسد الدموية، في سوريا، مالايجيزه لعائلة أتاتورك؟ كيف استقام لخيال أبِ الفرع الصنم، في المطابقات الواضحة للبسيط على حافر البسيط، وصفَ الإنكار الطوراني عليه حرية اعتقاده بالدَّنس، ووصف الإنكار البعثي على كُرد سوريا حريةَ اعتقادهم بالموصوف الطاهر؟.

مهزلة فرع بعث أوجلان الكردستاني أنهُ أقل من بيدق في لعبة الصنم البعثي على شطرنجه مع تركيا، مذ رأى هذا الفرع، المستحدَث اليوم من فراغ الأمر الواقع ومن نكاية الأسد بالتمرد عليه، انذعارَ الأسد حين هُدِّدَ، حقًّا، فأرسل أباه ‘آبو’ مطروداً حتى عثر عليه الترك فاستعادوه متوسِّلاً بأمِّه التركية قُربى ‘الرأفة’ والشفاعة منهم. وهاالصنم البعثي يعيد إطلاق الكردستانيِّ فرعاً بعثياً في الحقل السوريِّ شمالاً، بخدعة في الخططِ على ابتذالٍ لن يسوِّغه أحدٌ إلاَّ عشيرة الكردستاني، مذ لم تستحصل هذه العشيرة ـ باستئثارها إدارةَ ‘المعركة الكردية’ خالصةً على الجبهة التركية، في تهشيم لايُغْتَفَر لأيِّ تخطيط كرديٍّ آخر، فكراً أو منهجاً، بالتهديد والوعيد، والإلغاء ـ إلاَّ منازعاتٍ ممدودةَ المخارج، كاستماتتها في جرِّ ملة أقليم كردستان إلى أتونٍ تركيٍّ، فغالبها الكردُ على مصالحهم هناك حتى الدم.

لقد سوَّغت عشيرة بعث الكردستاني لنفسها، على مجاز الأب الصنم أوجلان معبوداً واجبَ الإشاعة، حيثما انتشر كردٌ أو وُجِدوا من الأرض، وعلى فُتيا الأب الصنم جوازَ امتلاك الأمكنة خالصةً لمنازلاتِ اعتقاده، سيداً كأسياد القرون الوسطى جُوِّزَ لهم أن يكونوا آباءَ عُذْرةِ كلِّ عذراء ليلةَ زفافها إلى عريس. صَدَمت عشيرة البعث الكردستاني كُردَ إقليم كردستان. ناجزتْهم. قتلتْ خَلْقاً، وأتلفتْ أمكنةً، واستدعت، بداعي الوقوف في قرى الرعاة المستباحة، تنانينَ أتاتورك ـ طائراته، ومنجنيقات ناره.

كل هذا في خُططٍ خبْطٍ من عقلٍ مستوهِمٍ ‘جبروتَ’ الصَّنم الكردستاني: على كل كردي أن يقدم للسيِّد عُذْرةَ أمكنته. لكنَّ مثول عشيرة بعث الكردستاني، حاملةً على كتفيها خُدعَة الأسد الدموية كاملةً، مُتقَنَةَ الدَّنس، قذرةً بلا حدود، في الشمال السوري، لاتشبهها دمويةُ الخطط الركيكة، قَبْلاً، لاوسط أكراد تركيا، ولافي جرائر العشيرة على أرض كردستان شمال العراق: إنَّ ماتفعله هو انضمامٌ، في شكله المدمِّر، إلى فِرَق الموتِ القادمة إلى أرض سوريا، من رفاقِ قَتَلَةٍ في السلاح ـ حزب الله، إلى لقطاء راسبوتين الروس، إلى المُبشِّر الإيراني بكربلائيةٍ نظاماً للوجود وفِقْهاً لشرائع الحياة. لقد هالنا، بعد كلام مريح للرئيس المصري عن ‘سقوط الأسد’، انزلاقُه، بسذاجة في منطق السياسة مُحْكَمَةِ الغرابة، إلى خُططٍ خلْطٍ بدعوته إلى إشراك الإيراني في إدارة ‘عرس الحياة’، كأَنْ هو، عن سَهْوٍ لايُحْمد، يدعو الأسد نفْسَه إلى الإسراف في توسيع المسلخ.

أَوَلا يجعل هذا المنطقُ الخلطُ، طليقاً في التعميم، مُباحاً أن يُدْعى فرع بعث الكردستاني، أيضاً، إلى شراكة في توسيع المسلخ، مادام ‘مؤثراً’، باقتباسِ لفظِ الرئيس في دور إيران الدموي؟ هل ستُدعى ‘فصائل’ الجحيم القادمة (إن طالَ الأمدُ بمُدَدِ الذبح مبذولةً من أمم الأرض المنافقة) ـ جهاديين، وقاعديين، وإلهيين، ومالكيين، وصدريين، ونصريين، وقومين سوريين خُذلوا في نشر معتقدهم هَفْتًا بالتقادم، فانحسرت همَّتُهم إلى همة شبِّيحةٍ مُقنَّعيْنَ ـ إلى شراكةٍ في توسيع المسلخ، ماداموا ‘مؤثِّرين’، كلٌ بقدْرِ نهْبِهِ الحياةَ من خزائن السوريين؟ تمنَّينا على رئيسٍ من صناعة التمرُّد على إرث المسالخ الحاكمة أن يستحضر ثقلاً عربيًّا ‘يؤدِّب’ به هذا الإسراف الكوني في جلوس الأمم متفرِّجةً على مدرج الحلبة الدموية. لقد فهمنا رسائل الإستنكار الأجوف، واجتماعات الأقاليم الجوفاء، ناصعةً من فيض شقائها: طالما لم يستطع التخمين الأمريكي، برفدٍ من مشيئة إسرائيل في التخمين، استشرافَ هوية القوى القادمة إلى قيادة سوريا الجديدة، بعد إيمان من الأمريكي أوباما (الرئيس الأكثر كذباً في تاريخ أمريكا بوعوده السخيَّة لحل معضلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأكثر جبناً في تاريخ أمريكا بجلوسه متفرِّجاً على شعب يُذبح خوفَ خسارة ناخبيْنَ)، والأسرائيلي حكومةً وشعباً، أن لاعودة للأسد سيداً إلى عرينٍ من تبنٍ حتى؛ بعد ذلك الإيمان، جرت بالجميع، وبضمنهم لقطاء راسبوتين، حميَّةُ القبول بسوريا ‘في الحد الأدنى’ دولةً؛ أن تخرج من نكبتها لا ـ دولةً. ذلك سيُريح الأمريكي، والإسرائيلي، من غلواء الشكِّ في مستقبل سوريا بلا حارس لحدود العبرانيين، وسيُرضي غرورَ باعةِ الأسلحة ـ لقطاءِ راسبوتين أنهم انتصروا على غرب العالم (غربٌ لم يَقُدْ معركةَ سوريا أصلاً)، أخيراً، بأهرام من أجساد السوريين. أما الإيراني فيكفيه الآن غروراً أنه يُدعى، من رئيس الدولة الأكبر عربياً، إلى شراكة في ترقيع الموت.

لقد ادَّخر الأسد أوراقه الأكثر خراباً للمأزق: طائراته الثابتة الأجنحة في معلوم التوصيف سلاحاً، وربما يستعين بكيمياءاته لاحقاً. وهاهو لايدَّخر طلقته الأخيرة على كرد سوريا ـ عشائرَ بعث الكردستاني، بسلاح الأسد في أيديها تسلُّطاً، وخططِ الأسد في أيديها للزجِّ بهم في جهنم الصراع مع الشركاء السوريين. تلك هي آلة البعث ذاتها التي صُوِّبَتْ إلى رأس الكردي تجرِّده من لغته، وزيه، وأسماء أمكنته، تُسلَّم إلى عشائر الكردستاني. فما لم ينجزه صنمُ الحاكم الدموي أُوْكِلَ الكردستانيُّ بإنجازه تماماً، زجًّا بأكراد سوريا إلى منازلات شيطانية ضد السوريين، وذهاباً بكُرد سوريا إلى مسلخ الصنم التركي مصطفى كمال. لم يستوفِ حاكمُ سوريا سلخ الأمكنة عن جسد الكردي، والشغفَ بعظامه لهواً. أمْ يستوفي الصنمُ الحاكمُ مقتلةَ الكردي بيد الكردي، مُذْ يعرفُ الصورَ في المرايا ناطقةً برسوم الشبيه ـ الصنمِ الكرديِّ شبيهِهِ في كراهية الخروج على فكره، وكراهية المُختلفِ؛ وشبيهه في هوى استئثاره بالسلطان حتى آخر كلمة في مَعجَم الجثث؟ سيطحن الكردُ الكردَ في الشمال السوري، بسيطرة عشيرة البعث الكردستاني، المُنْجَز العدَّة من مخازن سلاح الأسد، كالدَّوْر ذاته مرسوماً للفِرَق بغلبة العدَّة، على نسق من مُشاكلِهِ اللبنانيِّ آثرته إيران، وحاكم سوريا، ‘مقاومةً’ حزباً أين من مفاخره اللهُ مُذْ يقول عن يقين نفْسه إنه رفيق القتلة في سلاح القتل؟

لربما بدأت عشائر البعث الكردستاني بصناعة الزرائب لِكُرد الشمال السوري، وتخزين علف البعث المُهْمَل لمذاود الأسرى الجددِ ـ أسرى السلاح، استعداداً لطلب جديد من حكام تركيا: نَحْتِ صنم آخر من دم، في الأرض المشوفة بلا وقاءٍ، مثلها كمِثْل معارضةٍ من مبتكراتِ الخدعة الروسية في حذاء الأسد، بدعوى درْءِ ‘التدخل الخارجي’، الذي لم نرَ منه إلاَّ أسلحة الروس، وخزائنَ مال إيران ولحمَ حرسها المستحوذ حصريةَ ‘فنِّ الخراب’ حيث أمكَنَ خرابٌ.

مدَّخراتٌ خدائعُ بين عبث ‘معارضٍ’ أتحفنا بطروحات تصريف الأسد لسياسة الأخاديع، وبين الدفع بالجنون ذبْحاً تفجيراً في العراق، وترويعاً دكًّا في سوريا، استقرَّتْ، في بعضها المذهل فصولاً، على تأسيس كارثة للأكراد من ‘رفاهة البؤس’ تستصلح بها عشائر الكردستاني، في ظل سلاح ابن الأسد ‘الخالد’، اقتصادَ المستقبل الكردي السوري بقروضٍ من شهوة الكارثة، إنجازاً لمملكة أوجلان على مقاس زنزانته.

على عشائر بعث الكردستاني أن تفهم اليوم، قبل تدرُّج النكبة نضوجاً، أن أكراد سوريا موكلون بحقوقهم من داخل البيت السوري ـ بيتهم؛ من داخل ثورة سوريا ـ ثورتهم. قد لاتفهم هذه العشائر، بتصحيف في الترجمة من عربية الأسد إلى كردية أوجلان، مثلها كالترجمة الوضيعة من دولة على مقاس الدُّول هي إيران تصحيفاً في خطاب الرئيس المصري، جالساً عند مضيفه ‘الثقة’ خامنائي، أنها تجرُّ كردَ شمال سوريا إلى مساومةٍ وضيعة. قد لايفهم فرع البعث الكردستاني الجديد ـ المشمول بلقب ‘العمال’ المفقودين من طبقة عشيرته الزُّرَّاع، وأهل الحرْث، المغلوبين على أمر يقينهم بين عسف النظام التركي، و’التمثيل’ المُجحَف لهم حُكْراً قَسْراً على أوجلان ـ أن ثورة الكردي، في سوريا، هي من أجل الجولان، ودرعا، واللاذقية، وعامودا، وسَريْ كانيي، لامن أجل إنعاش خيال الإخفاق عند فرع البعث الكردستاني، الألمعيِّ في السعي إلى دحرجة روح الكردي، بتمام أملها، إلى عبقرية الكارثة. لم يعرف فرع بعث الكردستاني أن الكرد لايريدون صنماً جديداً من مقاسات أصنام عائلة الأسد، على مدخل حياتهم. لم تفهم عشائر الكردستاني أن كُرد سوريا لن يمكِّنوها من اتخاذهم درعاً في سذاجة اللعب بالمصائر، كي تفاوض التركيَّ على ‘رأفةٍ’ بصنمها. هي لم تفهم، في الأرجح، أنَّ كل فراغٍ من سلطة الأسد، في ديار الكرد السوريين، لن يملأه إلاَّ السوريون بجيشهم الحرِّ ـ ممثِلهم سيِّداً على الديار والأمكنة في إدارة أمن الناس أحراراً في مُعْتَقد خيالهم، ومُعْتَقد إيمانهم بالحياة، ومُعتَقَد أعراقهم. أم تظنُّ عشائر البعث الكردستاني أنها إنْ غدت ‘مؤثرةً’ دمويًّا ـ بإصغاءٍ إلى مُقْتَرَح الرئيس المصري الغامض إشراكَ المؤثِّرين، في الشأن السوري، كإيران الحَصافةِ في ‘ فنِّ الخراب’ـ غدَتْ جزءاً من ‘الحلِّ’؟ لا. كلُّ مؤثرٍ دمويٍّ جزءٌ من وجوبِ الرحيل حلاًّ.

القدس العربي،

أنظر تغطيتنا للحدث

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى