ثقافة وفكر

مدن محرومة من الموسيقى/ علاء رشيدي

(1 من 3)

هذه حكايات مُدنٍ عاشت تجربة الحرمان من الموسيقى، بعضها تحررت من السلطة القمعية التي حرمّت عليها الموسيقى، لكن أخرى ما تزال تعيش قسوة وصعوبة الحرمان من الفن الموسيقي. تحاول هذه المواد أن ترصد الأسباب السياسية والإجتماعية والفنية التي أدت إلى أن تُفرض على مدن قريبة من حولنا تجربة الحرمان من الموسيقى، كما أن المقارنة بين مدينة وأخرى من اللواتي حُرِمنَ من الموسيقى تسمح لنا برصد ظواهر متماثلة، وحكايات متشابهة تُمكّننا من الوصول إلى بعض الاستنتاجات والتصورات لما تكون عليه تجربة عصيّة على الخيال، ألا وهي تجربة العيش من دون موسيقى.

المدينة تسترد حقها بالتمتع بالموسيقى

في العام 2005، أنتجت قناة BBC البريطانية، فيلماً وثائقياً من 60 دقيقة بعنوان كسر الصمت، الموسيقى في أفغانستان، من إخراج سيمون برغتون. يتابع الوثائقي سكان العاصمة الأفغانية كابول، وهم يستعيدون رويداً رويداً حقهم في الإنصات إلى الموسيقى، وعزفها، ويتابع التحضيرات للحفلات الغنائية الأولى على مدرجات بعض المسارح التراثية في البلاد بعد أن خرجت من سنوات حكم نظام طالبان، وعادت فنون الغناء والموسيقى مباحة. إنها المدينة حين تستعيد حيويتها وذاتها عبر الاحتفاء بالموسيقى، هذه الظاهرة، أي ظاهرة استعادة المدينة حيويتها بالحفلات، ستتكرّر في كل المدن التي ستمر معنا وقد عاشت تجربة الحرمان من الموسيقى.

في العام 1979، اجتاح الجيش السوفييتي أفغانستان، وأصبح لقب «المرحلة الشيوعية لأفغانستان» هو الذي يطلق على تلك الفترة التي شهدت نشاطاً في بث الأغاني والموسيقى، لكنها كانت خاضعة لرقابة وذائقة النظام السوفييتي، ثم ما لبث أن اقتصرت الأغاني في تلك الفترة على تمجيد النظام السوفييتي، فاضطر الفنانون الأفغان للامتثال للبروباغندا السوفييتية وتقديم الأغاني والأناشيد الموسيقية التي تفرضها، أو الرحيل عن البلاد، ما أدى إلى هجرة عدد كبير منهم.

في العام 1980، بدأت الحركات المناهضة للاحتلال السوفييتي تتبنى الخطاب الديني الجهادي، وبدأت تنتشر الأغاني الجهادية؛ «المجاهد ينتصر… المجاهد يتقدم». ويرى الوثائقي أن المجاهدين استطاعوا مقاتلة السوفييت بالاتكال على المعتقدات المستمدة من الإسلام، واعتبروا أن الموسيقى عامل تفرقة لا توحيد، وأنها تستوجب التحريم.

الغناء بين سلطتين

تتحدث الفنانة نغمة عن التغيرات السياسية الحادة في ذلك العام، فتروي: «لقد طلب مني السوفييت أن أغني لتمجيدهم، ثم طلب مني المجاهدون أن أغني لصالحهم، طبعاً دون أن أظهر على المستمعين. وهكذا كان السوفييت يريدون مني الغناء معهم، والمجاهدون أيضاً من الناحية الأخرى. تعرضت لإطلاق نار في حفلاتي لأكثر من مرة، ورغم شعوري بالخطر إلا أنني تابعت الغناء وتقديم القليل من الحفلات، إلى أن تم اغتيال أختي في إحدى الحفلات؛ أطلقوا عليها النار ظناً منهم أنها أنا، ففارقت الحياة، وتوقفتُ أنا عن الغناء».

بين عامي 1996 و2001، خضعت العاصمة الأفغانية كابول لحكم حركة طالبان، وقد تم تدمير كل الأمكنة الموسيقية في المدينة عريقة التراث الفني، كما تم تدمير مبنى التلفزيون الوطني، وقاعات المسارح، ومبنى الراديو الرسمي. فالتأويل المتشدد لنصوص إسلامية جعل سلطة طالبان تمنع الموسيقى عن الشعب الأفغاني، وقد خضع بث التلفزيون «الداعر» حسب تعبير الحركة إلى عقوبات ورقابة مشددة؛ أشرطة الكاسيت تم إتلافها في كل الأسواق، والآلات الموسيقية أيضاً كانت عرضة للملاحقة، للتحطيم، والحرق، ولذلك وجد الموسيقيون أنفسهم أمام حتمية الصمت أو حتمية المنفى.

ما سبق يدلنا على أنه ليس لسلطة وحدها أن تمنع الموسيقى عن مدينة أو عاصمة، لكن لا بد أيضاً من خطاب إيديولوجي تعتمده السلطة، وتتبناه جماعات أهلية تساعد على تحقيق التحريم أو المنع. لقد خفتت الموسيقى تماماً في كابول طيلة تلك السنوات، وذلك يبدو منطقياً أمام الأعداد الكبيرة من الموسيقيين الذين هاجروا وتركوا البلاد. خالد آرمان هو واحد من الموسيقيين الأفغان الذين هاجروا إلى جنيف في سويسرا، وهو عازف على آلة الرباب، التي تُعد في أفغانستان الآلة الأكثر خصوصية وتعبيراً عن تراث الموسيقى الأفغانية. يروي خالد آرمان عن حفلاته في أوروبا: «كان الجمهور الأفغاني في أوروبا يبكي حين يسمع الرباب، وذلك بسبب الشوق إلى صوت الآلة التي حرموا منها لسنوات».

مدينة الموسيقى تتحول إلى خراب

تحولت كابول إلى مدينة مدمرة في تلك الفترة من تاريخ أفغانستان، كانت الحرب مع النظام الشيوعي في روسيا بدايةً، وحين تحوَّلَ المجاهدون إلى الحكم، وتحت ذريعة «استعادة روح البلاد»، منعوا الفتيات من الذهاب إلى المدارس، ومنعوا النساء من العمل، وأجبروا الرجال على إطالة اللحى. يقول أحد المواطنين الأفغان الذين عايشوا تلك الحقبة: «لم يكن يُسمح لنا بالإستماع إلى الراديو، حتى فقد الناس الإيمان بحقهم في الرقص والفرح. حتى في الأعراس العائلية، لم يكن بالإمكان تمرير أغنية مسجلة واحدة بالسر، فما بالك بالحصول على آلة موسيقية والعزف عليها؟!».

تجول كاميرا الوثائقي برفقة شيراز صديقي في منطقة كارابات لين، وهي المنطقة التي كانت سابقاً ولّادةً بالمغنين والموسيقيين، ومنهم المغني سارهاد، أحد أشهر موسيقي أفغانستان الذين حاولوا أن يمزجوا بين الموسيقى التقليدية ورياح الحداثة الموسيقية التي حملتها الفترة التي نشط وأنتج فيها، وقد كانت إحدى أشهر أغانيه مهداة لمدينته الأم؛ كارابات لين.

سُميّت كارابات لين بمنطقة الموسيقى، لكنها الآن في حالة أخرى، فحين تجول الكاميرا فيها بعد آثار سنوات حكم طالبان، تظهر المنطقة عبارة عن أحياء مهجورة وبقايا أبنية صخرية مهدمة. بتأثّر وجداني شديد، يقول شيراز صديقي أمام الكاميرا: «ها هي منطقة الموسيقى الأفغانية خاوية. ما زلت ذاكرتي تلحّ عليَّ بالصور والسماعيات القديمة، حيث كانت الموسيقى هنا تصدح من كل حي، والغناء يصدح من أغلب المنازل».

غياب أجيال المستقبل من العازفين

كل تغير في السلطة الحاكمة في أفغانستان في تلك الفترة كان يؤدي إلى تضخم في أعداد المهاجرين من البلاد، انتقل منهم 30 مليون إلى باكستان وحدها، وتمركزوا في مدينة بيشاور التي تختلط فيها العوائل العريقة بين الأصل الأفغاني والباكستاني. وقد جعلت هذه الهجرة من بيشاور مركز الموسيقى الأفغانية البديل، لكن الموسيقى الأفغانية فقدت كثيراً من مبدعيها، وعلى سبيل المثال، لم يعد هناك من يعزف على آلة الـ Dirluba التراثية الأفغانية إلّا الأمرودي، وهو العازف الأخير بعمر 62 عاماً، ولا خلف له يُحيي الأداء والتعليم على هذه الآلة الوترية الجميلة.

يروي الأمرودي: «حين استولى المجاهدون على مزار شريف، كنتُ أعمل في مخزن لبيع الآلات الموسيقية، التي راح المجاهدون يحرقونها ويدمرون كامل أسواقها. لم أقوَ على فراق واحدة من آلات Dirbula، تلك التي كان قد أهداها لي والدي، وكان عليَّ الهروب إلى مدينة هيرات. لقد أردت الاحتفاظ بآلة الـ Dirbula حتى لو كلفني ذلك حياتي. ولكن على الطريق كان هناك كثيرٌ من نقاط التفتيش للمجاهدين. نزعتُ الأوتار من الآلة، وفكّكتُ القطع إلى أجزاء يمكن إخفاؤها داخل الملابس، ولكن حين وصلتُ هيرات تمكَّنَ صبيٌ صغير من اكتشاف الآلة، فحطم قطعها بالكامل، وهكذا فقدتُها نهائياً».

استمر الصراع بين خلايا المجاهدين المتعددة، حتى بدأت سلطة طالبان بالبروز على أنها الأقوى، وأعادت بعضاً من الهدوء إلى العاصمة، ولكن طبعاً مع تطبيق تأويلات متشددة للإسلام. الأفلام والأشرطة أحرقت بالكامل، ودمر الأرشيف البصري الأفغاني بطريقة ممنهجة. كانت رغبة حركة طالبان ألا ينشأ جيل على علاقة بالماضي، وراحوا يدخلون إلى المكتبات ويطلبون كل المطبوعات الخاصة بالتاريخ الأفغاني، ثم يقومون بإحراقها مباشرةً. وجعلوا من اسم الراديو الأفغاني «راديو الشريعة». هذه ظاهرة ثانية تتشابه فيها المدن المحرومة من الموسيقى، وهي أن أولئك الذين يُحرّمون الموسيقى، تتملكهم رغبة موازية في إلغاء التاريخ.

حكاية أخيرة من أفغانستان

بعد خمس سنوات من حكم طالبان، تحررت كابول من هذه السلطة الشمولية، ولكن تبقى ذكرى حكايات سكان المدينة عن حقبة تحريم الموسيقى، مثل حكاية الفنان عزيز غاهزناوي، حين استدعاه حاكم كابول من المجاهدين للقائه، وسأله: «أصحيح يا عزيز أنك خائفٌ منا؟ لماذا لا تغني؟ ألا يعجبك حكمنا؟»، فتحجج عزيز بأنه لم يحدث أن دعاه أحدٌ للغناء وقام هو برفض الدعوة، فقال له حاكم المجاهدين: «وها أنا أطلب منك أن تفعل»، ثم قدم له كلمات الأغنية التي طلب منه أداءها وتسجيلها: «حينما تشرق كتائب الشعاع، تجلب النور إلى العتم».

حين وصل عزيز إلى منزله، أطلع زوجته على الكلمات التي طلبوا منه تسجيلها كأغنية، كان عزيز يشعر عند غنائها وكأنه يخون كل مبادئ ماضيه، ولكنه إن لم يسجل الأغنية فعليه مغادرة أفغانستان، هو الذي لم يكن يملك ما يكفي من المال اللازم لطُرُق المهربين إلى خارج البلاد. كانت عائلة عزيز مؤلفة من 15 طفلاً، وقد توفيت والدته منذ فترة قصيرة. قالت له زوجته: «لا خيار لديك… يجب أن تغني»، وفعلاً، اضطر عزيز لتسجيل أغنية في أصعب ما يذكره من تجربة وجدانية قاسية، وهو ينشد ما ليس في قناعته بتاتاً: «طُردَ الشيطانُ من مُلكِ الديار، لأن الشمسَ أشرقت مع المجاهدين».

(2 من 3)

هذه حكايات مُدنٍ عاشت تجربة الحرمان من الموسيقى، بعضها تحررت من السلطة القمعية التي حرمّت عليها الموسيقى، لكن أخرى ما تزال تعيش قسوة وصعوبة الحرمان من الفن الموسيقي. تحاول هذه المواد أن ترصد الأسباب السياسية والإجتماعية والفنية التي أدت إلى أن تُفرض على مدن قريبة من حولنا تجربة الحرمان من الموسيقى، كما أن المقارنة بين مدينة وأخرى من اللواتي حُرِمنَ من الموسيقى تسمح لنا برصد ظواهر متماثلة، وحكايات متشابهة تُمكّننا من الوصول إلى بعض الاستنتاجات والتصورات لما تكون عليه تجربة عصيّة على الخيال، ألا وهي تجربة العيش من دون موسيقى.

الحلم بإحياء حفلة في مدينة الصدر

مدينة الصدر هي واحدة من ثماني مناطق إدارية تتشكل منها العاصمة العراقية بغداد، كان الرئيس العراقي الأول بعد الحكم الملكي، عبد الكريم قاسم (1914-1963)، قد أنشأها في ستينيات القرن العشرين، وأطلق عليها اسم حيّ الثورة. وبعد وصول صدام حسين (1937-2006) إلى الحكم، تم تغيير اسم المدينة إلى مدينة صدام. وأخيراً بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، تم تغيير اسمها إلى مدينة الصدر، وتم تسجيل الاسم الجديد في أمانة العاصمة وفي دوائر الدولة، وفي السنة ذاتها تم منع الموسيقى عن مدينة الصدر، أكثر مدننا المحرومة من الموسيقى كثافةً سكانية.

نادرةٌ هي المعلومات عن الأسباب التي مُنعت بسببها الموسيقى في مدينة الصدر، لكن فيلم الفرقة (2017)، للمخرج العراقي الباقر جعفر، هو وثيقة دقيقة تروي حكاية فرقة موسيقية يعود كل أفرادها في أصولهم إلى مدينة الصدر، لكنهم لا يتدربون ولم يقيموا حفلات فيها قط.

يحكي الفيلم قصة فرقة حلم، المؤلفة من ستة أفراد يعزفون الموسيقى الصوفية في العراق، لكنهم يعيشون حرمان التمرين أو أداء الحفلات الموسيقية في مدينتهم الأصل، مدينة الصدر، حيث تم تحريم عزف الموسيقى، بل إنه قد يؤدي إلى قتلهم. طوال 67 دقيقة، تتابع الكاميرا أفراد الفرقة، ويتحدث معهم المخرج الباقر جعفر عن واقعهم، أحلامهم وأمنياتهم.

لكن الفيلم لا يقتصر على حكاية أعضاء فرقة حلم، بل هو بالأحرى فيلم عن مدينة الصدر أكثر مما هو فيلم عن الفرقة، إذ أن هناك عدة لقطات يتعرف فيها المشاهد على تفاصيل المدينة، وعلى الصور والصروح العامة فيها، التي تمجّد شخصية الزعيم الشيعي محمد محمد صادق الصدر (1943-1999)، وشخصية ابنه مقتدى الصدر، الذي تصدّرت كتلته السياسية (سائرون) المشهد السياسي في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، والذي تعتبر مدينة الصدر المعقل الأساسي لأنصاره وأتباع تياره.

الأسلحة بدلاً عن الآلات الموسيقية في أيدي الأطفال

ثمة ظواهر متكررة في المدن المحرومة من الموسيقى، نجدها في مدينة الصدر كما نجدها في مدن أخرى مثل الرقة والموصل خلال سيطرة داعش، ومنها ظاهرة المعسكرات التي يخضع فيها الأطفال لتدريبات على استعمال السلاح والأعمال القتالية، حيث تغيب الآلات الموسيقية، وتغيب الأنشطة الموسيقية في المدارس وفي فعاليات الطفولة، وتحلّ محلها الأسلحة الحربية في أيدي الأطفال.

ولا حاجة للتذكير بأن تحريم الموسيقى يترافق مع تشدد ديني في المدن التي عاشت هذه التجربة بمجملها، وهكذا نجد الكاميرا في فيلم الفرقة وهي تصوّرُ التجمعات الجماهيرية المكتظة في المناسبات والخطب الدينية، وتوثّقُ مشاهدَ من طقوس مدينة الصدر في يوم عاشوراء، حيث تسيل الدماء بسبب طبيعة الأداءات الجماعية اللطمية.

عازف الإيقاع حسن قحطان، عازف العود مهند عبد الرحمن، عازف العود منتظر سادة، ومغني الفرقة مصطفى فالح؛ هؤلاء هم أعضاء فرقة حلم، الذين انتقلت رغبة إقامة حفلة موسيقية في مدينتهم الأم من واحدٍ منهم إلى الآخر. يتابع الفيلم نقاشاتهم، وآراء كلّ منهم وما يميزها عن آراء الآخر، تهوّر بعضهم، وتردد آخر لأن لديه أبناءً، بالإضافة إلى صمتهم الذي ينقل مخاوفهم في مشاهد عديدة من الفيلم. لكن هناك أمران يجدر ذكرهما عند الحديث عن أفكار أعضاء الفرقة ومشاعرهم: الأول هو وعيهم لحاجة مدينتهم إلى الموسيقى، أي أن هناك جانباً من رغبتهم في إقامة حفل موسيقي مبنيٌ على وعيهم بدور الموسيقى؛ أما الأمر الثاني الجدير بالذكر، فهو أن أحداً لا يمكنه تخيّلُ أو تمثّلُ مشاعر فنان موسيقي يحلم بأن يقيم حفلاً موسيقياً في مدينته التي حُرمت الموسيقى، إلا أولئك الذين عاشوا تجربة الحرمان من تحقيق الفن الذي يعشقونه في مدينتهم الأم.

تحريم الموسيقى الصوفية وأغاني الراب

تصل محاولات أعضاء الفرقة لإقامة الحفلة للحديث إلى شخصية «أبو عزرائيل»، أحد المقاتلين في الحشد الشعبي، وأحد الأشخاص النافذين في المدينة. ترافقهم كاميرا التصوير في لقائهم العابر به داخل سيارة، ولأن الكاميرا موجودة، يبدي أبو عزرائيل مرونة في الحديث عن الموسيقى، فيقول: «الموسيقى لا مشكلة. هي موسيقى راقية بكائية طبعاً. تُقرِّبُ الناس من الله. إذا كانت موسيقى باكية فلا مشكلة». غير أن هذا كان رأي أبو عزرائيل أمام الكاميرا فقط،  أمّا الحفل، فهو لن يرى النور في مدينة الصدر في نهاية الفيلم.

    فبحق جرحك أنني بك مغرمٌ     والله يعلم أنني أهواك

هذا بيت شعري لأبي حنيفة النعمان (699-767)، وهو نوع الغناء المرافق للأداءات الموسيقية لفرقة حلم. هي إذن موسيقى صوفية، من تلك التي تستلهم العشق الإلهي الذي تُعرف القصائد الصوفية بأنه موضوعها الرئيس. إنها فرقة بآلات موسيقية، تقدم موسيقى على اتصال فني وإيديولوجيّ مباشر بالدين.

في كتابه متصوفة بغداد (1994)، يكتب عزيز السيد جاسم: «كانت انطلاقة تيار التصوف الإسلامي في القرن السادس الهجري من العراق، كانت بغداد مدينة للعلوم والتصوف، وقد أقبل البغداديون على الغناء الصوفي مبكراً». أما حسن الشكرجي، وهو مدير عام دائرة الفنون الموسيقية العراقية، فيقول «إن الإنشاد والغناء الصوفي في العراق والبلدان العربية ينبع من منطلق واحد، حيث التشابه في الأسلوب والاختلاف في التقديم، وبغداد موطن لهذا اللون، ومنه انتقل إلى الشام ومصر وتركيا».

ورغم رأي المؤرخ والباحث العراقي بالموسيقى الصوفية، ومعه رأي ممثل السلطة الرسمية في العراق، إلا أن أحياءَ وتجمعات سكنية في الجهة الشرقية من العاصمة العراقية بغداد تُحرَّم فيها هذه الموسيقى، ويخفي موسيقيوها آلالاتهم الموسيقية في حاويات أو أكياس القمامة أثناء إخراجها من المنازل، وذلك خوفاً من العقاب كما تُصوِّرُ إحدى مشاهد الفيلم. فها هو حسن قحطان، عازف العود في فرقة حلم، يقول في لقائه مع جريدة الشرق الأوسط، الذي أجرته الصحفية صابرين كاظم: «بدأنا بما يشبه المغامرة، وتعرضنا إلى كم هائل من الانتقادات، مجموعتنا جازفت كثيرًا بموضوع حمل الآلات، حتى اضطررنا إلى أن نُخرج آلاتنا الموسيقية من البيوت في حاوية النفايات، لصعوبة الظروف الاجتماعية للمناطق السكنية التي يسكن فيها أعضاء الفرقة».

شهادة أخرى مماثلة في مدينة الصدر لفنان عراقي يؤدي نوعاً موسيقياً آخر، وهو آدم قاسم (23 سنة)، ذُكرت في جريدة الحياة في مقالة  بقلم علي السراي، يقول فيها إنه يمرن نفسه على أغاني راب عراقية في المنزل: «أُخفضُ صوتَ الموسيقى حتى لا يُفضح أمرنا بين الجيران»، ولدى سؤاله عما إذا كان ورفاقه نظموا حفلة في مدينتهم، يرد بابتسامة ساخرة: «كلما تذكرنا صديقاً خطف وقتل قبل شهور، عدلنا عن الفكرة. أمر مستحيل، على الأقل الآن».

مُخرجٌ يحلم بعرض فيلمه في مدينته الأصل

حاز فيلم الفرقة للباقر جعفر على جائزة معهد العالم العربي لأفضل فيلم وثائقي طويل في مهرجان السينما العربية بباريس، وعلى جائزة ريشة لأفضل فيلم وثائقي طويل في مهرجان كرامة لحقوق الإنسان في الأردن، وعلى تنويه خاص من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بالجزائر. لكن الفيلم لم يُعرض في بغداد، الأمر الذي لا يتوقع المخرج حدوثه قريباً، وهكذا نشهد على ولادة فنان جديد محروم من تقديم فنه في مدينته الأصل، لينضم بذلك إلى أعضاء فرقة حلم، كفنانين محرومين حتى الآن من تقديم فنونهم في أحياء المدن التي ولدوا فيها.

(3 من 3)

هذه حكايات مُدنٍ عاشت تجربة الحرمان من الموسيقى، بعضها تحررت من السلطة القمعية التي حرمّت عليها الموسيقى، لكن أخرى ما تزال تعيش قسوة وصعوبة الحرمان من الفن الموسيقي. تحاول هذه المواد أن ترصد الأسباب السياسية والإجتماعية والفنية التي أدت إلى أن تُفرض على مدن قريبة من حولنا تجربة الحرمان من الموسيقى، كما أن المقارنة بين مدينة وأخرى من اللواتي حُرِمنَ من الموسيقى تسمح لنا برصد ظواهر متماثلة، وحكايات متشابهة تُمكّننا من الوصول إلى بعض الاستنتاجات والتصورات لما تكون عليه تجربة عصيّة على الخيال، ألا وهي تجربة العيش من دون موسيقى.

عزف كمان فوق تل النوبة

دخل أمين مقداد سالم للمرة الأولى إلى مدينة الموصل بعد تحرير الجانب الأيسر منها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، توجّهَ مباشرةً إلى تل التوبة المتكون من أربع طبقات، أولها قصر أسرحدون الآشوري، وأخرها مقام النبي يونس الذي فجّره التنظيم بالكامل بتاريخ 24 تموز (يوليو) 2014. في ذلك المكان الموصوف تماماً، أخرج أمين سالم  آلة الكمان خاصته وعزف عند تل التوبة، فكان عزفه هناك فعل انتقام، فعل حرية، وفعل مقاومة واستمرارية، في ثاني أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة بغداد.

إثر استحواذ داعش على مساحات واسعة من العراق في العام 2014، كانت الموصل أكبر المدن التي ضمها التنظيم إلى سلطته. لقد كان سقوط هذه المدينة في يد التنظيم بمثابة الفضيحة التي طاولت الجيش الرسمي العراقي، وكشفت عن ترهل إدارته وفشل قيادته، وحجم الفساد وانعدام المسؤوليات فيه. وكان التنظيم قد حصل على غنائم عسكرية ضخمة من سلاح الجيش العراقي، مكّنته من السيطرة على الموصل وغيرها، ومن الاستمرار في حكم ما يقارب 40 % من مساحة العراق لأشهر طويلة لاحقة.

يتابع المهندس الزراعي، والعازف على آلة الكمان، أمين سالم رواية تجربته كموسيقيّ تحت حكم تنظيم الدولة: «عشت سنتين كاملتين وحيداً في الموصل، تحت ظل داعش، وفي بيتنا الذي بات سجناً كبيراً، تمكّنتُ من خلق مساحة حرية لي، فألّفت 26 مقطوعة موسيقية جاهزة للنشر، وأكثر من 300 مشروع موسيقي قيد الإنجاز. وصوّرتُ مع شريكي وصديقي عمر عبد الناصر فيلماً عن الحرية، وبعد يوم من تصويره داهم عناصر التنظيم البيت وصادروا آلاتي الموسيقية، وهي جيتار، وكمانان، وتشيللو، وقانون. لم يقوموا بتكسيرها أمامي، لكنهم صادروها، وربما يكونون قد سرقوها أو أحرقوها أو حطموها. لا أعرف مصيرها».

قبل ذلك بأشهر، تحديداً مطلع العام 2014، كان تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكن من السيطرة على مدينة الرقة السورية على الضفة الشرقية لنهر الفرات، التي كان يقطنها ما يقارب ال200 ألف نسمة مُضافاً إليهم ما يفوق 400 ألف من النازحين إليها من مناطق سورية أخرى حسب بعض التقديرات. وقد عاشت هذه الأعداد من الناس تجربة التحريم الموسيقي.

قرار منع تسجيلات الغناء والموسيقى

ما إن تمكَّنَ داعش من السيطرة على المدينة حتى أصدر والي الرقة بياناً نُشِرَ على القنوات الإعلامية، والمنابر الإلكترونية ، وعبر منابر مساجد المدينة، ينص على: «منع بيع أقراص الغناء وآلات الموسيقى وتشغيل الاغاني في السيارات والحافلات والمحلات وجميع الاماكن»، وكان ذلك بحجج مشابهة ومتماثلة مع أي سلطة شمولية دينية، حيث علل فقهاء التنظيم هذا القرار بكون: «المعازف والغناء حرام في الإسلام، لأنها تلهي عن ذكر الله وعن القرآن، وهي فتنة ومَفسَدة للقلب»، وهو المنطق نفسه الذي استخدمته حركة طالبان في سنوات حكمها لكابول عاصمة أفغانستان.

يقودنا هذا التماثل بين الحجج إلى سؤال: هل فعلاً تعتقد كلا هاتين السلطتين بالتبريرات المقدمة حيال تحريم الموسيقى؟ أم أن الأمر مجرد استنساخ وديباجة تستعيرها سلطة دينية متشددة من الأخرى؟ أليست هي مجرد استعارة نظريات بين نظام شمولي وآخر يوفر له الفكر الإسلامي المتشدد منبعاً فياضاً ينهل منه التحريمات؟

إلغاء الموسيقى من المنهج الدراسي

يبيّن الباحث وسيم السلطي، في بحثه المعنون الأطفال في ظل تنظيم الدولة، الوسائل والأساليب والتنظيم الهيكلي الذي أسّسه داعش بغية تجنيد الأطفال، واستقطابهم إلى إيديولوجيته في المناطق التي خضعت لسيطرته، وطبعاً قام منظّرو التنظيم بإلغاء المناهج التربوية التي كانت متبعة سابقاً، وأسسوا لمناهج جديدة تتوافق مع رؤيتهم. ما يهمنا هنا هو إعلان القائمين على مناهج التعليم في تنظيم الدولة عن إلغاء المناهج المدرسية لمادة الموسيقى، فقد أصدر التنظيم تعميماً موجهاً إلى المؤسسات التربوية والتعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا، ينص على إلغاء مناهج عدد من المواد الدراسية الموضوعة من قبل النظام سابقاً، في مقدمتها التربية الموسيقية والتاريخ والتربية الإسلامية.

تحضر هنا ظاهرتان تتكرران في المدن المحرومة من الموسيقى؛ الأولى تشترك فيها كابول والرقة، حيث أن السلطات الشمولية التي ألغت مادة الموسيقى ألغت ما يتعلق بالتاريخ أيضاً، ونذكر هنا ما رواه العديد من المواطنين الأفغان عن دخول عناصر حركة طالبان إلى المكتبات، وإصرارهم الحصول على كامل الكتب التي تتعلق بالتاريخ لإحراقها. كلا السلطتين اشتركتا في مخطط واحد، هو إنشاء جيل جديد لا يرتبط بالماضي، إلى جانب الحرمان من الموسيقى.

الظاهرة الثانية تشترك فيه الرقة مع مدينة الصدر في بغداد، وقد رأينا كيف أن مدينة الصدر شهدت تلازماً بين تدريب الأطفال وتأهليهم على القتال واستعمال السلاح، وبين إلغاء الموسيقى من حياتهم. في فيلمه الذي يحمل عنوان الفرقة، يصور المخرج الباقر جعفر لقطات مطولة عن معسكرات تدريب الأطفال على استعمال السلاح في مدينة الصدر العراقية، بينما تُبعد عن الأطفال وتُحرَّمُ عليهم كل أنواع الآلات الموسيقية، وهذا أيضاً تكرر في الرقة، ما يقودنا إلى استنتاج هو أن غياب الفن يمكن أن يجعل من السلاح الفن الوحيد. لقد تحوَّلَ الأطفال إلى حمل السلاح في تلك المناطق التي غُيبت فيها الآلات الموسيقية عن المجتمع.

الحكم بالإعدام بتهمة الإنصات للموسيقى

بين أعوام 2014 و2017 عاش ما يقارب المليون و 200 ألف عراقي في الموصل تحت حكم قوانين وتشريعات ومناهج داعش، وكان أيهم حسين، ابن الخمسة عشر عاماً، واحداً منهم. هو من سكان غربي الموصل، وكان يجلس في دكّان أبيه ليُفاجأ بدخول عناصر تنظيم الدولة إلى المتجر، وإلقاء القبض عليه بينما كان يستمع إلى موسيقى البوب، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام ذبحاً أمام الجميع، ليكون عبرة لغيره، فالمحكمة اعتبرت أن «سماع الأغاني والموسيقى، غير تلك الأناشيد الجهادية، إثمٌ ديني وفجور»، وبعد إتمام الذبح سُلمت جثة الفتى لعائلته، ليكون أول ضحية لجريمة الإنصات للموسيقى في الموصل.

في تشرين الثاني من العام 2015، وقعت الهجمات الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، والأكثر دموية في الاتحاد الأوروبي منذ تفجيرات قطارات مدريد 2004. وعرفت بهجمات باريس نوفمبر 2015، وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هذه الهجمات، التي نفذتها ثلاثة فرق منظمة نسقت للعمليات الإرهابية فيما بينها، هاجم الفريق الأول ملعب فرنسا الرسمي، والفريق الثاني نفذ هجماته في الدائرة العاشرة والحادية عشرة من باريس، والفريق الثالث نفذ هجماته داخل مسرح باتاكلان. أسفرت الهجمات عن مقتل 130 شخصاً، 89 ضحيةً منهم كانوا في مسرح باتاكلان أثناء حضورهم حفلة من موسيقى الروك لفرقة أميركية.

قلائل من اهتموا لرمزية المكان الفنية، أي مسرح باتاكلان، ومنهم الكاتب لودفيك هنتر الذي أشار في صحفية فاينانشال تايمز إلى أن الهجمات التي أعلن داعش مسؤوليته عنها تنطلق من «كراهية التنظيم للموسيقى»، الذي قال أيضاً: «منذ ذلك الوقت تعرَّضَ نادي بلّس الليلي في أورلاندو ونادي رينا الليلي في إسطنبول وقاعة مانشستر أرينا في مدينة مانشستر البريطانية لاعتداءات، ذهب ضحية الأخير منها 22 شخصاً. هذه الاعتداءات على أماكن يجتمع فيها شباب وأطفال للاستمتاع بالرقص والموسيقى، تجعلنا نعتقد أن الموسيقى هي المستهدفة»، بحسب كاتب المقال.

استعادة حيوية المدينة عبر الاحتفاء بالموسيقى

بالعودة إلى المدن المحرومة من الموسيقى، كنا قدر رأينا تلك الظاهرة التي تتكرر كلما تخّلصت مدينة أو مجتمع من السلطة القمعية التي منعت عنه الغناء والموسيقى، كيف أن استرداد المدينة لأبنائها وسكّانها يرتبط مع إعادة إحياء الحفلات بين جنباتها، وعزف الآلات في أحيائها، والرقة ليست استثناءاً، فها هي جريدة العرب اللندنية تنشر مقالاً بعنوان، نازحون يعودون إلى الرقة بالمكياج والموسيقى، تذكر فيه قصة قيس البوقان، 27 سنة، خريج المعهد الموسيقي، الذي غالباً ما يرى مدينته في الحلم: «منذ سنوات لم أعزف، أو أُعلّم أحداً الموسيقى. أتمنى أن أعود إلى منزلي في الرقة وأفتتح معهداً لتعليم الموسيقى»، وتروي المقالة أن قيساً يخطط لتنظيم حفل موسيقي في حديقة الرشيد، إحدى أكبر حدائق الرقة؛ «وأن أعزف للناس وسط جو من الفرح»، يأمل قيس أن يقابل أصدقاءه الموسيقيين في المدينة، وأن يغنوا في الشوارع ويسمعهم كل الناس.

في شهر تشرين الأول من العام 2017، أعلنت قوات سورية الديمقراطية السيطرة على مدينة الرقة، وطرد داعش منها، واليوم لابد لنا من متابعة أحوال المدينة الثقافية والفنية ؟ هل ستستعيد  رويداً رويداً عافيتها بحرية الغناء، العزف، وإقامة الحفلات الموسيقية؟ هل ستصبح تجربة الحرمان من الموسيقى كذاكرة من الماضي؟ أم هل ستتكرر السلطات الجديدة فرض نظرياتها وآرائها وإيديولوجيا تها على الغناء والموسيقى؟ ما هي أنواع الرقابة الجديدة التي ستفرض على الغناء والموسيقى فيها؟ أسئلة تستحق المتابعة والمراقبة لمعرفة مستقبل المدينة، واضعين الموسيقى والفنون في معايير حكمنا على طبيعة كل السلطات الحاكمة.

حكاية أخيرة من سورية

كان ميلاد. س، 23 عاماً، وهو اسم مستعار، مصوراً فوتوغرافياً من اللاذقية يعمل مع مركز المجتمع المدني والديمقراطية السوري الذي ينشط انطلاقاً من مدينة غازي عنتاب في تركيا، وبمقدار ما كانت عدسته تحمل من الجماليات التشكيلية، بمقدار ما كان محباً لموسيقى الميتال Metal. كان ميلاد يتبنى جماليات هذا الفن الموسيقي بالكامل، حتى في ملابسه، التي كانت دوماً عبارة عن بنطال من الجينز وكنزات من تلك التي تحمل رسومات ألبومات فرق الميتال، من مثل فرقة Iron Maiden، وفرقة Metallica. وحين كان في إحدى مهماته التصويرية في شمال سورية، قريباً من تلك المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، اعتُقِلَ من قبلهم، وعاش أهله ومحبوه تجربة اختفائه دون معلومات تصل عنه، ومن ثم تأكدت المعلومات حول الحكم الذي أصدرته سلطات داعش عليه، وهو القتل، رغم أنه لم يكن ينصت أو يعزف الموسيقى، بل كان فقط يرتدي من الملابس ما يتبنى جمالياتها.

*****

تتماثل المدن المحرومة من الموسيقى بين الواحدة والأخرى، فتُعرِّفنا على حكايات أشخاص فارقوا الحياة لأنهم تعلقوا وأحبوا الفن الغنائي أو الموسيقي، وتنقل لنا مآسيهم كما تعكس تضحياتهم.

لقد لمسنا تشابه الظواهر الإجتماعية والنفسية بين المدن المحرومة من الموسيقى، ورأينا كيف تغيب عن أيدي الأطفال الآلات الموسيقية لتحل محلها الأسلحة في كل مدينة من تلك التي حُرمت من الموسيقى، وأدركنا في أكثر من مدينة أن رغبة السلطة الدينية المتشددة في الحكم والقيادة رافقها تحريم للموسيقى، وأن كل السلطات التي رغبت في تحريم الموسيقى رغبت أيضاً في إخفاء التاريخ، ولحسن الحظ أن أغلب مدننا (كابول، الموصل، الرقة)، بإستثناء مدينة (الصدر)، قد تحررت من السلطات التي فرضت عليها تحريم الموسيقى، لكن ذلك لايعني ألا نتابع حالها المستقبلية، هي وغيرها من مدن المنطقة، ذلك أن تحكم السلطات بالفنون ومنها الموسيقى استمر يتكرر بين المراحل التاريخية المتعددة، والأنظمة الحاكمة المتعددة. فللنظر جلياً إلى كل سلطة من منظار علاقتها بالفنون والموسيقى، لأن ذلك يبدو من المناظير الدقيقة لتوصيف كل نظام حاكم.

موقع الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى