الناس

اللحظات الأخيرة.. أصوات ناشطات إعلاميات من حلب/ لمى راجح

في عيد المرأة… صعوبات وتنمّر ومجتمع معارض

كيف استطاعت النساء من اقتحام العمل الإعلامي والمدني، ليكن فاعلات وناشطات في توصيل أصواتهن حول الأحداث التي شهدتها حلب قبل وأثناء الحصار والتهجير، هنا حكاية أربع ناشطات إعلاميات سوريات، يروين لحكاية ما انحكت، تجربتهن، خيباتهن، المصاعب التي تعرضن لها، إصررهن على الفعل، حتى هذه اللحظة، رغم كل الخيبات والتنمر االذي تعرضن له.

حائزة على شهادة جامعية من كلية الصحافة والإعلام، جامعة دمشق، وشهادة ماجستير بالإعلام، جامعة بيروت العربية، تعمل مع عدة مواقع صحفية بشكل مستقل، وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وبالأخص النساء.

“لما اطلعت على الإعلام.. اجتني ردود أفعال محبطة من الناس الي حولي.. ولأني تعبت من المجتمع.. فابتعدت عن كتابة المسرحيات ومسلسل أم عبدو الحلبية”.

هذا ما قالته عفراء هاشم، عمرها 38 عاماً، تحمل شهادة في الأدب الانكليزي، متزوجة، ولديها ثلاثة أطفال، منهم نايا التي ولدتها في حلب الشرقية عام 2013. تقول: “كنت مصرة أولد في منطقة محررة”.

اليوم، وبعد مرور أربع سنوات، على تهجير المدنيين/ات قسرياً من حلب، يعاد إحياء هذه الذكرى بعد عرض فيلم “من أجل سما” للمخرجة وعد الخطيب، وهنا من الإنصاف والعدالة القول أن حلب قد شهدت تجارب نسائية عديدة من المهم أيضاً إضاءتها واسترجاعها.

إذ ليست وحدها عفراء من لديها قصها ترويها بل أيضاً غيرها الكثيرات، منهن لينا الشامي، ونور مشهدي، وميساء المحمود.

كانت الفاجعة كبيرة وقتها بخسارة حلب، إذ انصب اهتمامنا واهتمام الإعلام المحلي والدولي على ما حدث حينها، وتداعيات ذلك على المشهد السياسي والعسكري بالمجمل، ولم ننتبه، أو ربما أغفلنا، الدور النسائي في تلك الفترة، وكيف استطاعت النساء من اقتحام العمل الإعلامي والمدني، ليكن فاعلات وناشطات في توصيل أصواتهن حول الأحداث التي شهدتها حلب قبل وأثناء الحصار والتهجير.

 أربع نساء لكل منهن حكاية محملة بالتعب والفقدان والغربة، ومشاهد القصف والتهجير من حلب مازالت عالقة في ذاكرتهن.

على الرغم من أن لكل واحدة منهن قصة مختلفة عن الأخرى، ولكن ما يجمعهن أنهن استخدمن الإعلام كوسيلة وأداة لتوصيل أصواتهن، أو عملن في مهنة الصحافة والإعلام، وأصبحن صحفيات وإعلاميات.

تجارب إعلامية نسائية

كثيرات من النساء وجدن أنفسهن في حلب يعملن في مجالات متعددة، من أجل أن يكن فاعلات ومنخرطات في المجتمع المدني، منهن عفراء، التي كانت مصممة على العمل في حلب الشرقية، فنشطت في مجال التدريس، واستهدفت الأطفال المتسربين من المدارس، وكانت عضوة في الهيئة العامة في مجلس مدينة حلب.

وعندما أطبق الحصار على حلب لجأت عفراء لتصوير تفاصيل حياتها اليومية، وإرسالها للإعلام الغربي، إذ تعمدت تصوير نفسها وأطفالها وهي في البيت أو في المدرسة مع الطلاب، هادفة من ذلك توصيل أصوات النساء، وإرسال رسالة للرأي العام الغربي عبر إعلامه عن النساء في حلب، وتقول لحكاية ما انحكت: “كنت مصممة اتواصل مع الإعلام الغربي لتصحيح المفاهيم المأخوذة عن النساء.. وأنني لست داعشية ولا متطرفة.. وأسوق سيارة واعمل في تمكين النساء، واسلط الضوء على الجانب الإنساني في حلب”.

على النقيض من ذلك لم ترغب عفراء في بث ونشر المقاطع التي صورتها لنفسها عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر صفحاتها، حيث خشيت من رأي المجتمع المحلي من أن يهاجمها وتقول: “ماكنت انشر الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بي متل الفيس بوك.. لأنو ما كنت كاشفة عن وجهي بسبب المجتمع وعدم تقبل المجتمع لهي الفيديوهات، وخفت من النقد إنو عم لمع حالي وساوي حالي بطلة، كان همي فقط وصل صوتي وصوت النساء بفترتها”.

حكاية لينا.. أيضا

العمل الإعلامي لم يكن نقطة تحول فقط في حياة عفراء بل أيضا في حياة لينا الشامي، تبلغ من العمر 30 عاماً، متزوجة، وحاصلة على شهادة في الهندسة المعمارية.

شاركت لينا بدايةً في العمل مع مجموعة من المهندسين على تنفيذ مشروع “السكن البديل” بما يساعد الناس على بناء البيوت بدلاً من العيش في الخيم، ومن دون الحاجة لاستيراد مواد البناء ذات التكلفة المرتفعة، من خلال استخدام أكياس التراب.

كما عملت مع زوجها في “مرسم قباء” على تأهيل المدارس من خلال البحث عن أقبية آمنة وتحويلها إلى مدارس.

(حملة انتو الوجع تتضامن مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة |راديو ألوان by RadioAlwan Sy)

عندما أطبق النظام السوري الحصار على حلب، تطوعت لينا من خلال إحدى المجموعات عبر منصات التواصل الاجتماعي للعمل مع الإعلام الغربي، إذ ساعدها تمكنها من اللغة الإنكليزية في إجراء  مقابلات وتقارير مع العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية، ولكنها في الوقت نفسه شعرت بمحدودية المساحة في توصيل الرسائل الصحيحة عن الوضع الإنساني والسياسي من خلال هذه المقابلات، أو نقل حقيقة ما يجري من قبل المؤسسات الإعلامية.

وتتابع قائلة لحكاية ما انحكت: “كان بدي سلط الضوء على الوضع الإنساني. ولكن كمان أصف الخلفية السياسية الي كانت المسبب لهاد الوضع الانساني الي بصير بحلب.. كارثة إنسانية تستوجب مناقشة أسبابها السياسية وهو إيقاف الأسد والروس والإيرانيين… والقنوات التلفزيونية بس بدها تسلط الضوء على الوضع الإنساني… ولكن رسالتي عن مين عم يقصف ما كانت عم تصل متل ما بدنا”.

من أجل ذلك بدأت لينا بتسجيل فيديوهات خاصة بها، تمكنها من توجيه رسائلها مثلما تراها، بطريقة يسهل فهمها.

وعن كمية التفاعل مع هذه الفيديوهات تقول لينا: “اتفاجئت بكم التفاعل وحسيت قديش في فراغ في هاد المكان.. إنو الناس تسمع بطريقة مباشرة منا..  وليس من خلال المؤسسات الإعلامية. ولما بلشت سجل اتشجعت ناس تانية لتحكي ونوعا ما اقدرنا نوصل صوتنا”.

الصحافة مهنة تطرق أبواب النساء

نور مشهدي، عمرها  30 عاماً، متزوجة، وحاصلة على شهادة في التجارة والاقتصاد، عملت سابقاً في محافظة حلب، دخلت المجال الإعلامي وبدأت بالعمل كمراسلة مع إذاعة نسائم سوريا منذ عام 2014، في تغطية قصص النساء والقضايا الإنسانية، وإعداد المقابلات والحوارات الصحفية في أحياء من حلب الشرقية كحي الفردوس والشعار، وتقول: “التحدي الي كان يواجهني بعملي هو الاستهداف والقصف من قبل النظام لما اطلع لصور. هون كون عم راهن على حياتي، وحتى بالبيت مافي أمان من القصف.. أنا كنت خاف وأمي كانت تخاف علي فكانت تروح معي”.

مازالت نور تتذكر إحساس الفخر الذي كان ينتابها عندما تراجع عملها الصحفي والإعلامي مع النساء في تلك الفترة، وكيف أردن أحياناً أن يتحدثن معها وتجري مقابلات معهن.

 كما عملت متطوعة ضمن فريق ملهم التطوعي عام 2015 من خلال المسح الميداني، والاستجابة لحاجة الفئات الاجتماعية سيما النساء، ومقابلتهن ورفع تفاصيل حالتهن لفريق ملهم أو المنظمات العاملة في هذا الشأن. 

البداية.. تصوير المظاهرة

أما ميساء المحمود تبلغ من العمر 46 عاماً، منفصلة ولديها أربعة أولاد، كانت تدرس في كلية الأدب العربي، وتدّرس في نفس الوقت اللغة العربية لطلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية، دخلت مجال الإعلام عام 2012، من خلال تصويرها مظاهرة اندلعت في كلية الهندسة الميكانيكية.

حينها أرسلتها لإحدى مجموعات التنسيقات عبر برنامج “السكايب”. وبعدها باتت تصور المظاهرات وتحّملها عبر صفحة “فيس بوك” تابعة لها باسم “حلبية الحرة” وصفحة “جزيرة حلبية”.

وتقول لحكاية ما انحكت: “اطلعت باسم حلبية حرة وبلشت اتواصل صوت فقط مع المؤسسات الإعلامية.. لانو كنت خاف على أهلي.. كانوا لسا موجودين بمناطق النظام.. تم اعتقال أخي لما نعرفت.. وكان عندي خوف اني اتأذى واتعرض للاعتقال…”

وقع المحظور، وبالفعل تمت ملاحقة ميساء من قبل النظام السوري ما اضطرها للرحيل إلى مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، حيث لاحظت أن عمل المرأة في الإعلام الحربي فكرة جديدة، ولم تكن مطروحة  بعد وتقول: “لما صرت بريف حلب الغربي.. بلشت انخرط بالمعارك والجبهات، وتحت القصف.. وكاميرتي كانت تسبق المقاتلين.. وحدا ماسك البارودة.. لما يضرب كون جنبو.. وضل أربعة أو خمسة أيام نايمين بالبراري”.

عملت ميساء باسم أم محمود، واشتغلت مع كتائب لواء شهداء الأتارب كناطقة رسمية ضمن المكتب الإعلامي، ولواء فجر الخلافة الإسلامي، ولواء الأنصار، كما عادت لاحقاً إلى منطقة الشيخ سعيد في حلب الشرقية وغطت إحدى المعارك الدائرة بين لواء شهداء الأتارب وكتائب رجال الله ضمن المكتب الإعلامي من جهة وبين النظام السوري من جهة أخرى، واستمرت على هذا المنوال كصحفية تعمل مع الفصائل العسكرية في حلب الشرقية وريفها الغربي.

للتحديات  ذاكرة لا تمحى..

كأي عمل تقوم به النساء ضمن مجتمعاتنا المحلية لا يخلو الأمر من مواجهة التحديات لكونهن نساء ويعملن في مجالات لم يعتد المجتمع على رؤيتهن في مضماره وهو العمل المدني والإعلامي.

بدأت عفراء، بالإضافة لعملها في التدريس وتجهيز المدارس وتوفير الدعم النفسي للنساء والأطفال، العمل أيضاً في المسرح وكتابة مسرحيات “مسرحية العلم، أم الشهيد، ومؤيد معارض”، هادفة لتنمية قدرات الأطفال، وكتابة مسلسل “أم عبدو الحلبية” واجهت عفراء نوعا من الضغوطات الاجتماعية عليها وعلى أسرتها، وتلقت ردود فعل محبطة حسب وجهة نظرها.

تروي قصة تنمر تعرضت لها عندما أراد ابنها، وكان عمره حينها 10 سنوات، اللعب مع صديقه في المدرسة، وهنا رفض صديقه طلبه بسبب نشاط والدته عفراء وتقول: “اتعرض ابني للتنمر لإنو بتعامل مع الرجال. وقالو انو امك بتطلع مع رجال بالسيارة. وكان صعب علي طفل يتنمر عليه من رفيقو وما رضي يلعب معو.. وكنت متوجعة انو ممكن خياراتي مالها دائما صح وهون بطلت اطلع على الإعلام وحتى الأقارب نقدوني”.

نتيجة للتنمر الاجتماعي الذي تعرضت له عفراء توقفت عن الكتابة المسرحية، وكتابة الجزء الثاني من مسلسل “أم عبدو الحلبية”، بل وفي إحدى المرات أحرقت ما أنتجته من إنتاجها الإبداعي.

من الأهمية أن نفكر كم من امرأة وجدت نفسها متنمرا عليها نتيجة نشاطها الإعلامي أو المدني، في ظل وضع أمني ومجتمعي، يثقل كاهلها، ورغم ذلك ظلت عفراء مستمرة في تصوير نفسها وعائلتها أثناء الحصار، وعضوة ضمن مجلس مدينة حلب.

لا يعني ذلك أن الظروف لم تمنع غيرها من النساء اللواتي لم يستطعن أن يتحدثن إلى الإعلام وينقلن تجاربهن، لأسباب أمنية أو اجتماعية أو عائلية، وكثيراً ما شاهدنا النساء يتحدثن وهن مخبأت وجوههن، وربما ليس لأنهن يرتدين الخمار في الواقع، ولكن خوفاً على أنفسهن أو عائلاتهن من الاعتقال والملاحقة الأمنية، سواء من قبل النظام السوري أو من قبل بعض الفصائل.

أحكام المجتمع

أما لينا فترى أن المجتمع الحلبي كان ينظر لها باستغراب، ولمست هذه النظرات عندما كانت تمسك الكاميرا وتصور نفسها، وتقول: “بحلب الشرقية في حالة انقسام ما بين ناس انخرطت بالنشاط المدني وناس تستهجن هاد النشاط.. وعلى مستوى حضور فعاليات ثقافية ويعتبرنها غريبة .. وفي نساء انخرطت بهاد النشاط والي هو غريب عن هاد المجتمع وهنن بيمنعوا أولادهم حتى من التعلم”.

تروي لينا حادثة حصلت معها على سبيل الفكاهة عندما انتقلت إلى حي الزبيدة في حلب الشرقية، وكانت تريد أن تتعرف على جاراتها، في ظل القصف، إذ طلب أحد الجيران من زوجها أن لا تزور لينا الجارات، حتى لا يتأثرن بأفكارها، التي تعتبر غريبة عنهن.

من جهة أخرى، تؤكد على تعرضها للتنمر الإلكتروني ولكن من قبل مؤيدي النظام السوري، بينما لمست تفاعل الناس مع عملها بشكل عام.

التقبل المجتمعي لعمل النساء كان ومازال مقبولاً طالما تعمل مع غيرها من النساء مثلما نراه اليوم سائداً ضمن المجالس المحلية، إذ تم تخصيص وقولبة عمل النساء ضمن مكاتب المرأة، وهذا الوضع ما هو إلا استمرار لوضع النساء في حلب الشرقية قبل التهجير، إذ تقول نور لحكاية ما انحكت: “النساء ما كان سهل عليهن يحكوا قصصهن.. بسبب القيود المفروضة عليهن.. وما كان سهل عليهن يحكو لصحفي.. وأن تروى قصتهن بشكل كامل.. في حلب كان في تقبل انك تشتغلي ولكن مع نساء.. مثل تفتحي مركز نسائي.. وتنشطي في مجال يخص المرأة في التعليم ودعم نفسي للنساء.. ولكن كانت قليل ما تشتغل امرأة في الإعلام”.

تصف بحالة عامة نظرات الاستهجان لعملها من قبل الناس وتقول: “اطلعت بدي صور تقرير وكنت مع زوجي، وكتير يمرقو الناس يسمعوني حكي انو كيف امراة عم تصور. عم احكي بحالة عامة عن نظرات الاستهجان، وانا ما نصدمت فيها بشكل مباشر. ولكن عم احكي عن حالة عامة، وصارو يقولو ا هدول جماعة الدولار.. وفكرة الإعلامي بشكل عام لم تكن محببة ومرغوبة”.

تؤكد أنه رغم الرفض المجتمعي العام، إلا أنه بالمقابل كان هناك أشخاص يدعمون عمل النساء الإعلامي، كما عملت منظمات المجتمع المدني على توفير العديد من الورش التدريبية لإعداد صحفيات وإعلاميات.

إقصاء من نوع آخر

كان ومازال أيضاً هناك نوع آخر من الإقصائية، إن صح التعبير في عمل الصحفيات، فحتى غاية اليوم تعاني ميساء من رفض الكثير من المؤسسات الإعلامية من الحديث عنها كإعلامية حربية وإسقاط هذه الصفة عنها. ومن الأهمية أن نتساءل اليوم عن الأسباب التي لا تعترف بدور النساء السوريات الحربيات في التغطيات الصحفية؟

وتقول ميساء: “لما يعملوا معي تقارير يطلبو مني ما احكي عن دوري في تغطيات  العمل العسكري أو عملي مع الفصائل العسكرية بحجة أنو سياسية القنوات بتمنع هاد الشي.. وما بصير امرأة تحكي انو هي عم تشتغل بالإعلام العسكري…”

على النقيض من ذلك، نلاحظ أن الإعلام كان منصفاً نوعا ما بالاعتراف بعمل الصحفيات الغربيات الحربيات، أو من عملت على تغطية أخبار الفصائل وتحركاتها وتغطية المعارك الحربية. فهل توفرت مساحة منصفة لهؤلاء الصحفيات السوريات منهن ميساء؟

تقول ميساء: “الإعلام بشكل عام لم يعطينا حقنا كنساء صحفيات. ماعندي مساحة بالإعلام كإعلامية. وللأسف ما لقينا ناس أو إعلام يسلط ضوء علي وما أخدت حقي كإعلامية. بل تمت مصادرة رأي وتجربتي كإعلامية عملت مع الفصائل المسلحة”

يذكر أن ميساء بدأت بالعمل أيضا على تغطية القضايا النسائية والإنسانية عندما انضمت لشبكة الصحفيات السوريات عام 2914  والعمل على معالجة موضوع قضايا النساء، سيما زواج النساء السوريات من مهاجرين عام 2015.

العرض الأخير..

ضمن مشهد بدا وكأنه عرض مسرحي لم يكن لأحد أن يصدق خسارة المعارضة السورية أحد أكبر معاقلها، ليسدل الستار وتنتهي الحكاية بخسارة أجزاء وأحياء من حلب الشرقية واحداً تلو الآخر، وليجد المدنيين والمدنيات أنفسهم/ن أمام خيار التهجير الذي لا خيار آخر له.

في يوم الثلاثاء الموافق في 7 سبتمبر / 2016، استطاعت قوات النظام السوري مصحوبة، بغطاء جوي روسي مكثف، من إحكام حصارها على الأحياء الشرقية لمدينة حلب مجدداً، وبات أكثر من 250 ألف شخص تحت الحصار بعد تمكن جزء كبير من المدنيين/ات من مغادرة المدينة في الأيام السابقة. أدت الهجمة الأخيرة على أحياء المدينة لتدمير أجزاء واسعة من المرافق الحيوية وإخراج معظم المشافي الميدانية والنقاط الطبية عن الخدمة.

في يوم الاثنين الموافق في 12 ديسمبر عام 2016 استطاعت القوات النظام السوري من السيطرة على حي الشيخ سعد وباقي الأحياء المحيطة. ومنذ بدء الحملة العسكرية على أحياء المدينة في شهر يونيو/ تموز 2016 وحتى منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، استطاع مركز توثيق الانتهاكات من تسجيل مقتل 3497 مدنياً.

تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار “برعاية روسية تركية” يتم بموجبه إخلاء الأحياء الشرقية المحاصرة من السكان المدنيين وغير المدنيين والجرحى.

في هذه الأثناء كانت عفراء تتواصل مع الإعلام مستخدمة صوتها وبرنامج “السكايب” مستنجدةً علها تجد لصوتها صدى ضمن أطياف المجتمع الدولي، في ظل قصف هستيري من قبل النظام السوري وحلفائه الروس حسب وصفها.

تسترجع اليوم عفراء ما حصل لها وتحاول كل فترة قراءة المحادثات التي أجرتها حينها مع الإعلام وتصف ما حدث في حالة من الصدمة “التروما” حيث استمرت حينها بالعمل الإعلامي والتمكين النسائي والتعليم.

كما لجأت عفراء لإحدى الملاجئ في منطقة صلاح الدين، في ظل حالة ذعر عامة، حاولت بالتعاون مع غيرها من النساء التخفيف من حدتها من خلال مجموعة أنشطة وتقول: “حاولنا نعمل دعم نفسي للأطفال واسعافات أولية واسعاف المصابين مع أختي وخالتي.. رغم التعب بس كانت التقاعس ممنوع”.

أما لينا فانتقلت عدة مرات مع عدة نشطاء وناشطات هرباً من القصف بعدما بدأ النظام السوري بتمشيط المنطقة عسكرياً واتباع سياسية الأرض المحروقة وقصف الحي تلوى الآخر، وانتقلت ما بين حي صلاح الدين والزبيدة وسيف الدولة.  كما ذهبت للملجأ القريب من مشفى القدس في ظل انعدام الإنترنت وحالة خوف عامة من مصير مجهول.

عند معبر الراموسة حيث التجمع الأخير للمدنيين/ات ينتظرون ترحيلهم /ن عن مدنهم/ن وبيوتهم/ن كان لينا ممن انتظرت دورها بالترحيل مع عائلتها ومجموعة نشطاء وناشطات، وهنا أعلنت روسيا تبرير قتلت المدنيين في المعبر وتقول:  “لما اعلنت روسيا انو ما تبقى جميعهم ارهابيين وهون كانت اللحظة المرعبة.. وقفت حركة إخراج القوافل.. وكان لسا في عوائل بمعبر الراموسة..  وساويت فيديو.. وحكيت انو في نساء وأطفال.. وروسيا عم تكذب.. لازم هدول النساء والأطفال يطلعو.. ويتم انقاذهن”.

في حين قررت نور أن تخاطر بحياتها، وتذهب برفقة أمها وأخويها الصغار، وتعبر إلى مناطق سيطرة النظام السوري، عندما شارفت قواته على اقتحام الأحياء المتبقية من حلب الشرقية، خشية تعرضهن للاعتقال أو حتى الاغتصاب، من خلال عبور معبر بستان القصر إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وتقول: “ودعت أهلي صرت شوف عسكر للنظام، وماعم استوعب أنو نحن صرنا تحت سيطرتهم، وماكنت متخلية قديش كان قريب منا… ومشينا شي أربع ساعات وبظل التهديم، ومرقت فوق جثة شب كان عم يدافع عن حلب، والنظام عم يحشد على جبهة صلاح الدين وبستان القصر”.

أما ميساء كانت حينها تعمل كإعلامية تنقل ما يحدث عند النقطة صفر مع لجنة الاستجابة في منطقة خان العسل، واستقبال المدنيين/ات الذين تم تهجيرهم/ن من مدنهم/ن في حلب الشرقية، والعمل على تأمين مراكز لإيواء للمهجرين/ات.

“كنت عم غطي الناس إعلاميا.. ونستجيب لحاجة الناس الي عم يتم تهجيرها ونأمنلهم بيوت وخدمات”.

مستمرات..

تعيش اليوم عفراء في بريطانيا وترأس رابطة مهجري سوريا وهي مصممة على توصيل صوت النساء السوريات للإعلام البريطاني، في حين استقرت لينا في مدينة اسطنبول التركية تتابع دراستها في العلوم السياسية والعلاقة الدولية، فيما تعمل نور مقدمة برامج إذاعية وتقدم برنامج “أنت قدها” أما ميساء مازالت تمارس مهنتها في الإعلام، إضافة إلى عملها كمدربة مع “شبكة الصحفيات السوريات”. حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى