فيروس كورونامنوعات

وباء كوررنا التطورات، الخوف والعزلة -مقالات مختارة- متجدد يوميا

الجزء الأول من هذه المتابعة على الرابط التالي

فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، ماذا عن سورية؟ -مقالات مختارة- ملف محدث يوميا

الجزء الثاني من هذه المتابعة على الرابط التالي

الفيروس الذي يفتك بالعالم، فيروس العزلة والخوف -متابعة متواصلة ومقالات مختارة-

«كورونا» سوريا… المخاوف الأبعد/ فايز سارة

لست وحدي الذي يتمنى، أن فيروس «كورونا»، لم يظهر في العالم أصلاً، وأنه لم يسجل إصابات في سوريا، كما كررت المصادر الرسمية هناك في الشق الثاني، قبل أن تعترف لاحقاً بوجود حالة إصابة وافدة من الخارج. غير أني، وكما كل الذين يعرفون سياسة نظام الأسد، فإنه لا يمكن الوثوق بما يقولون في دمشق، أو كما قال الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان ذات يوم في وصفهم: إنهم يكذبون حتى في نشرة الأنباء الجوية.

السلطات السورية في مواجهة احتمالات الفيروس، قامت بإجراءات، وصفها الخبراء والعارفون، بأنها غير ذات معنى، وأنها أقل مما ينفع في مواجهة احتمالات الفيروس، والغالب فيها إجراءات إدارية دنيا، لا تخلو من نفعية لمنتسبي نادي السلطة، أكثر مما تتصل بالإجراءات التقنية والفنية المطلوبة، والتي في مقدمتها تخصيص محاجر للمرضى، وتوفير أجهزة كشف عن الفيروس، تتجاوز أجهزة قياس الحرارة، وتأسيس مخابر متخصصة بالتحاليل الخاصة بالفيروس، والتي يقوم بها القطاع الطبي الخاص بأجهزة أغلبها قديم ومستهلك بأجر يصل إلى مائة دولار، تعادل بالليرة السورية ضعفي الراتب الشهري لكبار الموظفين في الدولة.

واقع الأمر كما يظهر في العاصمة سيئ، والوضع في بقية المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أسوأ، والحال في المناطق السورية الأخرى سواء الخاضعة لـ«هيئة تحرير الشام» المتطرفة في إدلب وللتشكيلات المسلحة الدائرة في الفلك التركي في الشمال السوري سيئ هو الآخر، ومثله الحال في مناطق شرق الفرات، التي تسيطر فيها «قوات سوريا الديمقراطية»، ونواتها الصلبة «قوات حماية الشعب» الكردية. ففي هذه المناطق، اتسمت إجراءات مواجهة «كورونا» بأنها غير ذات أهمية ولا مؤثرة، إضافة إلى وجود واسع لضعف إداري نتيجة تعدد المرجعيات واختلافها وتناقضها، وهناك ضعف في القدرات المادية والصحية بشكل خاص بعد أن دمرت هجمات قوات الأسد وحلفائها الروس والإيرانيين أغلب المشافي والمراكز الصحية، وقتلت ودفعت للهجرة أغلب الكوادر الطبية وخاصة الأطباء، وهو ما تزامن مع وقف المساعدات الأممية والدولية للشمال السوري منذ أشهر بسبب الهجمات الجوية والبرية على الشمال الغربي.

وإذا كانت الإجراءات والإمكانيات السورية في مواجهة احتمالات الفيروس ضعيفة في كل المناطق السورية، فإن وقائع الحياة في سوريا، تزيد الضعف ضعفاً. وفي الوقائع ما يجعل البلاد كلها مرشحة لكارثة إنسانية فوق التصور، إذا تسلل إليها الفيروس، ولعلها تبرز في ثلاث نقاط؛ أولها أوضاع سكن السوريين والنازحين والمشردين منهم خاصة. وبفعل عمليات تدمير المناطق السكنية، فقد كثير من السوريين مساكنهم، قسم ذهب إلى المخيمات، التي تعد بالمئات وأكثرها موجود في مناطق الشمال قرب الحدود مع تركيا، وقسم جرى إسكانه في مراكز إيواء، كما في دمشق وبعض أريافها، وفي الحالتين ثمة اكتظاظ غير طبيعي، وغياب أو سوء شديد في الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرق، والأسوأ من الحالتين واقع عيش سوريين في الحدائق والأماكن العامة، وهي ظاهرة يعيش مأساتها آلاف في دمشق، وهم مجرد مثال للمعاناة، ولاحتمال الوقوع السهل في مصيدة «كورونا».

والوجه الآخر في مأساة السكن السوري، كامن في قلة المساكن، مما يجعل أسعارها وأجورها فوق طاقة ذوي الحاجة من المهجرين والنازحين والذين اضطروا لتغيير أماكن سكنهم، مما أجبرهم على قبول السكن بمساكن رديئة المواصفات وبينها أقبية ومستودعات ودكاكين، أو في بيوت تحت الإكساء، وخرائب كانت مهجورة، والأسوأ من ذلك، ارتفاع عدد الأفراد في السكن، كما في سكن عائلة في خيمة أو في غرفة واحدة، أو عدة عائلات في بيت واحد. وفي كل الأحوال، فإن واقع سكن أغلبية السوريين اليوم، لا يوفر الحد الأدنى للقيام بعزل مصاب أو مشتبه به بصورة ذاتية، مما يعني تحول أي مصاب إلى قنبلة متنقلة.

النقطة الثانية في الوقائع الكارثية المحيطة بالسوريين اليوم، هو واقع الفقر الشديد، وقد أصاب الفئات العليا من الطبقة الوسطى بعد أن دمر الفئات الأدنى لأسباب من بينها قلة فرص العمل، وضعف الأجور والرواتب، وغلاء أسعار السلع والخدمات، وانهيار قيمة العملة، ومحدودية الإنتاج المحلي، وتردي نوعيته، وغياب الجهات الرقابية، وتواطؤها في أغلب الأحيان، وكله يجعل توفير الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ولباس وسكن للأشخاص والعائلات أمراً صعباً، إن لم نقل مستحيلاً، خاصة في ظل جائحات عامة محتملة، سيكون في خلالها تدافع وتنافس حاد على احتياجات محدودة وفرص قليلة.

النقطة الثالثة في الوقائع المحيطة بالسوريين في ظل احتمالات «كورونا»، موضوع السجناء والمعتقلين. وقد أدت ظروف الصراع وظروف الحياة وتطوراتها في السنوات التسع الماضية إلى اعتقال وسجن وخطف مئات آلاف الأشخاص، وتشير التقديرات إلى وجود نحو مائة وثلاثين ألفاً في معتقلات النظام على خلفيات سياسية وأمنية، إضافة إلى السجناء القضائيين، وفي مناطق الشمال تضم معتقلات «هيئة تحرير الشام» المتطرفة والتشكيلات المسلحة الأخرى آلاف المعتقلين والسجناء، وهناك ما يقاربهم في معتقلات «قوات سوريا الديمقراطية» في شرق الفرات، وتجعل ظروف اعتقال وسجن هؤلاء عند الأطراف جميعاً قوة تدمير ليس لأنفسهم فقط، بل لسجانيهم أيضاً إذا وصلهم الفيروس، وسيكون من الصعب السيطرة على الوضع في السجون والمعتقلات أياً تكن الجهة، التي تديرها، خاصة أن تسريبات أمنية، أكدت وجود أكثر من ألف إصابة في سجن عدرا بدمشق.

إن التكلفة البشرية التي يمكن أن تصيب سوريا في ظل الوضع الراهن في احتمالات «كورونا»، أكبر من كل التصورات، وسوف تكون لها فواتير إضافية في جوانب أخرى، ولا سيما من الناحية الاقتصادية، بحيث تصير الكارثة شاملة ومتعددة المجالات، وتصيب الجميع، وتتعداهم إلى المحيط الإقليمي، لأن أحداً لن يستطيع الإبقاء على الكارثة في حدود الجغرافيا السورية، وأول من سوف يتأثر دول الجوار والدول التي يتبعها جنود وميليشيات موجودة على الأراضي السورية، الأمر الذي يعني ضرورة القيام بمبادرة تدخل إقليمي ودولي عاجل في سوريا في ضوء حقيقة يعرفها الجميع، أنه ليس من طرف سوري قادر على فعل شيء، وقد يكون لهذه المبادرة، إذا تمت لمواجهة «كورونا» في سوريا، أن تهزمه، وقد تلحق به نظام الأسد أيضاً!

الشرق الأوسط

—————————————–

“كورونا” المستجد ونهاية نموذج صدام الحضارات/ ماهر مسعود

أعادت جائحة كورونا “covid -19” طرح مسألتي الديمقراطية والسلطوية “Authoritarianism” إلى واجهة النقاش الفكري والسياسي، لاسيما أمام النجاح النسبي والأولي للسلطات الصينية في إيقاف انتشار الوباء محلياً بعد نشره عالمياً، مقابل تخبط السلطات الغربية الديمقراطية، على اختلافاتها، في مواجهة الجائحة على المستويات السياسية والاجتماعية والصحيّة.

يتزامن هذا النقاش الحاصل مع صعود الإعجاب العالمي بالأداء الصيني؛ وهو ما عبرت عنه منظمة الصحة العالمية كأسرع استجابة وبائية في التاريخ، واستثمرته البروباغندا الصينية على أحسن وجه في تسويق نفسها كنظام كفاءة عالمي.

يتناسب ذلك الإعجاب الصريح والضمني بالأداء الصيني مع حالة الهلع التي أصابت الناس حول العالم، والتي تقودها محقّةً غريزة حفظ البقاء، متناسية كل الفظاظة الصينية في عمليات الحجر والمنع والمراقبة الشاملة وإخفاء الحقائق، وقمع المخالفين واعتقال الصحفيين والناشطين عبر استخدام الذكاء الصناعي التي تسيطر من خلاله السلطة الصينية على جميع أفراد المجتمع بمستوياته كافة.

رغم أنه مازال مبكراً الحديث عن الانتصار الطبي الوقائي الصيني (حيث سيتوقف الأمر على ايجاد اللقاح أو الدواء والتقليل من حجم الخسائر البشرية والاقتصادية للدول) إلا أن النتائج الطبيّة ستكون حاسمة في المعركة السياسية/ الاقتصادية القائمة بين النموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي والنموذج الصيني؛ وخلفه الروسي، وهو النموذج القائم على الرأسمالية اقتصادياً، والمركزية السلطوية المعادية جوهرياً للديمقراطية سياسياً.

تبدو المعركة ضد الوباء حاسمة جداً بالمعنى التاريخي، بحيث سيحدد المنتصرون فيها المسار الدولي المستقبلي لعدة قضايا شائكة وعالقة (من بينها القضية السورية) وذلك لعدة أسباب:

أولاً، يعاني النموذج الليبرالي الديمقراطي ذاته منذ ما يقارب العقد تقريباً، من صعود الشعبوية واليمين الشعبوي الأميل للسلطوية ونموذجها الصيني/الروسي، وسوف يؤدي الانتصار الصيني، أو خروجها بأقل الخسائر، إلى تقوية اليمين الشعبوي في العالم الديمقراطي وزيادة الطلب الشعبي على السيادة الوطنية والحدود القومية والانعزال الثقافي والإجراءات الأمنية، وإن لم يتم التعاون الأمريكي الأوروبي من جهة، ودول الاتحاد مع بعضها للخروج من المأزق من جهة أخرى، قد يؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي ذاته كما يتوقع الكثير من المراقبين، وهو ما تحاول الصين وروسيا الاستثمار فيه إلى أقصى حد عبر إرسال المساعدات “الفاسدة” وتضخيم قيمتها إعلامياً.

ثانياً، تنهي جائحة كورونا فعلياً، وإلى غير رجعة، حقبة صدام الحضارات التي تحدث عنها المنظّر السياسي الشهير صموئيل هنتغتون كنموذج سياسي لعالم ما بعد الحرب الباردة، فالعالم حسب هنتغتون لم يعد بعد الحرب الباردة عالمين، ولن يصبح عالم واحد متناغم كما بشّر فوكوياما وقتها، أو يحلم سلافوي جيجيك اليوم، ولا أيضاً عالم الدول القومية في عصر العولمة، بل عالم الصدام الحضاري، حيث سينقسم العالم ثقافياً ودينياً وسياسياً إلى سبع أو ثماني حضارات متنافسة، ولن يشكل خطراً على الغرب منها سوى الصين بالمعنى الاقتصادي والإسلام بالمعنى الديمغرافي والثقافي.

تلك الحقبة بدأت فعلياً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عبر سيطرة القطب الواحد خلال التسعينات وبداية القرن الجديد، ثم استمرت مع اللاقطبية الدولية التي سادت مع الأزمة الاقتصادية عام 2008 وأخذت مجدها خلال المرحلة الأوبامية، بحيث غابت السيطرة الفعلية لأي قطب أو قوة دولية على المشهد العالمي وبرزت الكاريزما الأوبامية كشخصية ثقافوية في عالم سياسي يقوم على النهش والقوة، وأخيراً وصلت لأعلى تناقضاتها مع إدارة ترامب، الذي سعى بطريقة عدائية لقيادة العالم، في الوقت الذي تصرف فيه كقائد عصبوي قومي عبر شعاره “امريكا أولاً”، وهو ما نفَّر حلفاءه الغربيين من تلك السياسة، وأضعفهم أمام القوة الروسية سياسياً والمد الصيني اقتصادياً، وأضاع بوصلتهم السياسية، وعزز في المحصلة السياسات القومية في بلادهم. وفوق كل ذلك باتت واضحة تلك الحقيقة البديهية وهي أنه لا يمكن لأمريكا قيادة العالم دون حلفائها.

مع التداعيات المتوقعة لجائحة كورونا على المستويين السياسي والاقتصادي، لن يبقى لأمريكا أو لأوروبا رفاهية تعدد الأقطاب أو العمل المنفرد، بل إن النظام العالمي الجديد سيتحدد بشكل واضح القسمة بين النموذج الصيني/الروسي والنموذج الأمريكي/الغربي مثلما كان سابقاً في زمن الحرب الباردة السوفيتية الأمريكية.

ثالثاً، من المعروف أن نموذج صدام الحضارات الهنتغتوني وضع العالم الإسلامي كخطر أساسي على الغرب باعتباره قوة بشرية هائلة تفرز نماذج ما قبل الدولة وترعى المنظمات الإرهابية، وهو ما أنتج فعلياً السياسة الأمريكية/ الدولية لمكافحة “الإرهاب الإسلامي” وصياغته كعدو بديل بعد انهيار العدو الشيوعي السابق والتحاق الصين وقتها بنمط الإنتاج الرأسمالي، إلا أنه بعد القضاء على داعش، وتحجيم القاعدة، وتوقيع الاتفاق مع طالبان، فإن العالم الإسلامي لم يعد مؤهل أصلاً ليحظى بصفة العدو فقد تمّت هزيمته من الداخل قبل الخارج عبر أنظمته، ولذلك فإنه من المرجح أن تنتهي حقبة العدو الثقافي، لتبدأ من جديد مرحلة العدو السياسي/ الاقتصادي، فالغول الصيني المدجج بالديكتاتورية الرقمية والمدعّم بالانتصارات السياسية الروسية على المستوى الدولي، هو العدو الأساسي القادم للنموذج الليبرالي الديمقراطي، وهو الخطر الأساسي المؤهل لقيادة العالم مستقبلاً، ومن الواضح أن أزمة كورونا سوف تحسم ذلك الصراع وتعزز الانقسام الدولي بين المعسكرين.

لقد كان لعالم اللاقطبية الدولية والفوضى وانعدام القرار الناتجة عنه، أثراً هائلاً بالغ السوء في مسارات القضية السورية، وغالباً سيحدد شكل الصراع العالمي ما بعد السيطرة على جائحة كورونا مستقبل الصراع في سوريا، حيث لا يمكن حسم ذلك الصراع دون توازنات دولية جديدة، ولا يمكن تأجيله وتحمّل الفوضى الناتجة عنه إلى ما لانهاية، فلنأمل إذاً بألا تأخذنا رياح التوازنات القادمة نحو نموذج الديستوبيا الصينية الفاشية القاتمة.

بروكار برس

—————————————

هلع في غوطة دمشق: كورونا يقترب

تواجه مدن وبلدات الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق مخاطر صحية كبيرة، بعد معلومات عن تسجيل إصابات كورونا، بين عناصر الحواجز العسكرية التابعة للنظام السوري على مداخل المنطقة.

مصادر محلية أكدت إصابة عناصر الحواجز من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري بفيروس كورونا، محذرة من كارثة صحية في حال انتقال العدوى بالفيروس المستجد إلى داخل مدن وبلدات الغوطة.

وأعقبت أجواء من القلق الأنباء هذه، وسادت مخاوف بين الأوساط المحلية من انتقال العدوى، في ظل واقع صحي وخدمي ومعيشي متردٍ.

وأكد الصحافي زياد الريّس، من مدينة دوما، قيام النظام السوري  بحجر تسعة عناصر من الذين كانوا على الحواجز بعد الاشتباه بإصابتهم بكورونا، بعد تثبيت إصابة آخرين ونقلهم إلى مستشفيات في القلمون.

وقال ل”المدن”، إن هناك خشية من انتقال العدوى لأشخاص من داخل الغوطة كانوا على احتكاك بعناصر الحواجز، طالباً من هؤلاء عزل أنفسهم ذاتياً، لتجنب نشر الفيروس بين الأهالي.

وما يقلق أهالي الغوطة هو منع النظام لهم من التوجه للمراكز الصحية في دمشق في حال انتشار الوباء، وذلك بعد إصدار داخلية النظام قراراً يقضي بمنع التنقل بين المدن والأرياف، كإجراء احترازي ضد انتشار كورونا، في وقت تعاني فيه المنطقة من شح الخدمات الطبية، وانعدام أجهزة التنفس الصناعية.

وكان النظام قد أصدر تعليمات بمنع تنقل الأشخاص بين المدن والأرياف والعكس، منذ الأحد الماضي، وحتى إشعار آخر.

وحسب الريّس، فإن مجموع الأسِرّة في وحدات العناية المركزية في الغوطة الشرقية، سبعة فقط، بما ينذر بكارثة في حال تفشي الوباء، وقال: “المستغرب أن محافظ ريف دمشق، علاء إيراهيم، أمر بخفض نفقات البلديات، علماً بأن كل الدول أمرت بزيادتها لمواجهة كورونا”.

ولا تزال الغوطة الشرقية بعد مضي نحو عامين على سيطرة النظام السوري عليها، تعاني  من سوء الخدمات، وندرة المياه، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وهو ما يعتبره البعض أمراً متعمداً من النظام، كنوع من العقاب الجماعي الموجه لسكان المناطق التي خرجت عن سيطرته في وقت سابق.

وكان موقع “صوت العاصمة” قد أكد قبل يومين، قيام النظام السوري بالحجر الصحي على عائلة من مدينة حرستا، بالغوطة الشرقية، وذلك بعد عودة العائلة من لبنان بشكل غير شرعي.

وأضاف أن سيارات تتبع لوزارة الصحة وأخرى للهلال الأحمر، نقلت العائلة كاملة إلى الحجر الصحي، بعد تأكيد إصابة فتاة من العائلة بفيروس كورونا. وأشار إلى حالة من الخوف التي سيطرت على سكان “حي صمصم” حيث تقطن العائلة، من انتقال العدوى إليهم.

———————————–

تركيا..الوباء الطبقي/ عائشة كربات

في تركيا، كما هو الحال في جميع البلدان الأخرى حيث تشعر الغالبية العظمى من الناس بأنهم رعايا وليسوا مواطنين، يتطور نوع من نظام الوباء الطبقي.

هنا في تركيا في أسفل الطبقة الاجتماعية، يوجد لاجئون؛ معظمهم ليس لديهم شروط العزل الذاتي في المنازل المزدحمة. لا توجد دراسات حول هذا الأمر ولكن ليس من الصعب التكهن بأن أولئك هم الذين فقدوا وظائفهم في المقام الأول بسبب الوباء.

الأسوأ من ذلك، أن موقف الجمهور المتدهور بالفعل تجاههم يزداد إشكالية؛ ليس فقط ما يسمى بحزب المعارضة حزب الشعب الجمهوري وحزب القوميين (الخير) ولكن العديد من الناس، الذين يشعرون بالقلق الشديد بسبب الانتشار السريع لـ”Covid -19″ ويتوسلون لفرض حظر تجول حقيقي لضمان فعالية التباعد الاجتماعي، بدأوا مؤخرا بالقول بشكل متكرر: “يجب على الدولة التي تعتني بأربعة ملايين سوري منذ سنوات، أن تكون قادرة على رعاية مواطنيها لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع”. هذا الخطاب، وهو أكثر انتشاراً من الفيروس التاجي، يدفع اللاجئين حتى إلى قاع نظام الطبقات الوبائية في تركيا.

في هذا النظام الطبقي فوق اللاجئين، لدينا الطبقة العاملة في الخطوط الأمامية للاقتصاد، أولئك الذين يضطرون إلى الخروج لكسب العيش لأنفسهم ولعائلاتهم، على الرغم من جميع الدعوات للبقاء في المنزل. بعضهم عاطلون عن العمل بالفعل؛ مصانعهم، ورش العمل مغلقة. الأموال المقدمة من الحكومة لإنقاذهم ليست بهذا الحجم، ومتطلبات الاستفادة منها صعبة ولا تشمل العمال الموسميين والعاملين. أولئك الذين لا يزال لديهم وظائف لا زالوا يذهبون إليها خوفاً على حياتهم. كانوا يطالبون بمساعدة الدولة أيضاً.

ولكن بدلاً من ذلك، هم يخافون. على سبيل المثال، تم اعتقال سائق شاحنة تركي لفترة وجيزة بسبب مقطع مصور انىتشر بشكل كبير كان ينتقد خلاله الحكومة لدعوتها الناس إلى البقاء في المنزل ولكنها لا تقدم لهم حلولاً واسعة وفعالة للمشاكل المالية التي ستنجم عن عدم القدرة على العمل. “عندما لا أعمل، لا يوجد طعام. لا أستطيع دفع الإيجار وفواتيري. إن عدم دفعها هو في الواقع أسوأ من الموت. لا يهم. إما أبقى في المنزل وأموت من الجوع أو من الفيروس. ليس الفيروس الذي يقتلني، ولكن نظامك”. عندما وضعته المحكمة تحت المراقبة ، قال إنه لا يندم على ما قاله.

فوقهم في النظام الطبقي، هناك طبقة متوسطة، يُسمح للبعض منهم بالعمل من المنزل فقط لاكتشاف أن نظام التعليم فظيع، وذلك بفضل دورات التعلم عن بعد المتلفزة.

الأغنياء خائفون حتى الموت أيضاً، ليس لأسباب اقتصادية ولكن لأسباب صحية. يلاحظ البعض بشكل مؤلم أن اختبارات فيروس كورونا، حتى لو كانت متوفرة بمقابل مادي، ليس من السهل الوصول إليها إذا لم تكن لديهم علاقات وثيقة مع الحكومة. وانتشر مقطعان مصوران آخران يظهران أقارب بعض الأشخاص الذين تربطهم صلات وثيقة بالحكومة يلعبون بأدوات اختبار كورونا من أجل المتعة.

فوجئ بعض الناس الذين يحاولون تحمل هذه الأيام أثناء الصلاة في المنزل بسبب إغلاق المساجد وتعليق صلاة الجمعة كجزء من إجراءات ضخمة للحد من انتشار الفيروس، يوم الجمعة الماضي عندما رأوا أن مدير الأوقاف الدينية أمّ صلاة جمعة خاصة لعدد قليل من الأشخاص المختارين في أنقرة. من الواضح أن هناك بعض الصلوات مخصصة للأشخاص المهمين والفيروس لا يساويهم بالآخرين.

في ظل هذه الظروف، أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان في 30 آذار/مارس حملة تضامن وطنية، تهدف إلى المساعدة في مكافحة الوباء وقال: “نحن تركيا مكتفية ذاتياً”. تبرع براتبه لمدة سبعة أشهر وطلب من الجميع المساهمة.

سارع البعض للانضمام إلى عملية جمع التبرعات هذه، لكن الكثيرين منهم أصيبوا بخيبة أمل أيضاً. وزعم منتقدو الحملة أنهم دفعوا ضرائبهم بالفعل، والآن دور الدولة لرعاية مواطنيها. قال البعض إنهم شعروا بأنهم تركوا وحدهم في الأوقات الصعبة وهذه الحملة تعني أن الدولة عاجزة ولهذا السبب حثّت المواطنين على مساعدة بعضهم البعض. أثار البعض مسألة الشفافية وذكّروا بالحملات المماثلة السابقة من قبل الدولة، التي لم تتضح نهايتها على الإطلاق. أولئك الذين يريدون التعبير عن غضبهم، كرروا في الغالب نفس الحجة، إذا كانت الدولة تعتني بالسوريين، ألا نستحق الشيء نفسه لبضعة أشهر؟

أن تكون سورياً في الوقت الحاضر أصعب من أي وقت مضى.

المدن

————————–

بإمكانيات شبه معدومة.. تحترز “أم حسن” من وباء كورونا في مخيمات إدلب

“خايفين من الفيروس وما في إمكانيات لمواجهته”، بهذه الجملة لخّصت “أم حسن” النازحة مع 20 شخص من أبنائها وأحفادها في مخيمات الشمال السوري، الخوف من تفشي فيروس كورونا المستجد في المنطقة، والذي حصد حتى الآن آلاف الأرواح حول العالم.

تقول “أم حسن” النازحة من منطقة قسطون بريف حماة: قبل خمسة أعوام إلى مخيمات أطمة على الحدود السورية – التركية، والبالغة من العمر 70 عاما، إن الإمكانيات المتوفرة بين أيديهم قليلة جدا لمكافحة هذا الفيروس، فلا يمتلكون المال الكافي لشراء المعقمات ومواد التنظيف، كما أن الإقامة في المخيمات لا تسمح لهم بالحصول على التعقيم اللازم نظرا لبنائها على أرض ترابية وفي العراء وتعرضها لكل العوامل الجوية، وعدم وجود الأبواب التي تسمح بعزل العائلات لنفسها.

وتشتكي “أم حسن” من عدم وجود حمامات، أو نقاط طبية قريبة عليهم للذهاب إليها في حال ظهرت أي أعراض على أحدهم، وتؤكد أنها لا تملك المعلومات الكافية عن هذا الفيروس “فلم يشرح أحد لهم عنه وعن كيفية مواجهته”، وتقتصر التوعية التي تقدمها لأبنائها وأحفادها على غسل أيديهم بشكل متكرر طوال النهار.

وتضيف في هذا الشأن: “نحن خمس عائلات.. المياه لا تكفينا ولا تتوفر بشكل دائم، ومع حلول الصيف سوف نضطر لشرائها في حال توفر المال.. الخدمات غير جيدة في المخيم، لا يوجد حمامات، ولا نقاط طبية، ولا هواتف محمولة للاتصال بالكوادر في حال حدث أمر ما، كل هذا سيساعد على انتشار المرض في حال أصيب أي أحد به في المخيم”.

وخوفا من نفاذ كميات المياه المخصصة لهم تشرف “أم حسن” في كل مرة على غسل أيدي أحفادها الصغار، وتقتصد في الأمر.

ورغم محاولتها التظاهر بالقوة وعدم الاكتراث لهذا الفيروس، لم تسطع السيدة المسنة خلال حديثها معنا إخفاء خوفها على أحفادها وأبنائها من هذا الفيروس المعدي ، ولكن ليس “بالبيد حيلة” فالظروف المحيطة والأوضاع المادية الصعبة التي يعيشونها، تقف عائقا أمامهم في أخذ الاحتياطات التي ينعم به كثير من الناس في بقاع الأرض.

تتمنى “أم حسن” في كل يوم أن يبقى أبناؤها وأحفادوها الـ 20 بخير، والذين يعيشون في ثلاث خيام، بعد أن أجبرهم قصف النظام وروسيا على ترك منازلهم، ومهنتهم التي كانوا يقتاتون منها وهي الزراعة، ليعيشوا حياة جديدة لا تشبههم أبدا، ويعتمدون على المعونات والمساعدات الشهرية التي توزع عليهم، وبعض النقود التي يجنيها أحد أبنائها الذي بقي معها ولم يفضل الذهاب لتركيا مع شقيقه.

———————————

 كوفيد-19، “منطقة” صراع شمال/جنوب؟/ هالة اليوسفي

هناك حدود-هوامش داخل منطقة الصراع ضد كوفيد19، وهي بمثابة أماكن فصل بين الأجساد المريضة والأجساد السليمة، الأجساد المحتجَزة والأجساد العاملة، أصحاب الأجور الثابتة والفئات الهشة، الأجانب وأبناء البلد، المهاجرين النظاميين والمهاجرين بدون أوراق إقامة قانونية.

ترجمه من الفرنسية: محمد رامي عبد المولى

تشير الساعة إلى الثامنة وست دقائق من مساء يوم الاثنين 16 آذار/مارس 2020. وما انفك ايمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، يكرر، لستِ مرات على الأقل، “نحن في حرب”. يوضح الرئيس الفرنسي بدقة مواصفات العدو: “نحن لسنا بصدد محاربة جيش أو أمة أخرى، لكن العدو هنا، غير مرئي، مراوغ، ويتقدم باستمرار. وهذا يتطلب منا تعبئة عامة”. ثم يختم خطابه بنبرة انتصارية تذكر بعجرفة الحقبة الاستعمارية: “لا يجب أن نتأثر ونخاف، فلنتحرك بقوة. لكن دعنا نتذكر هذا: في اليوم التالي، عندما نكون قد انتصرنا فسوف لن تكون هذه عودة إلى ما كنّا عليه. سنكون معنويا أقوى”. لكن السؤال الوحيد الذي يبقى معلقا هو: كيف يمكن التعامل مع جغرافيا “منطقة” قتال ضد عدو غير مرئي؟

تخوم ضبابية وحدود مرئية

تكمن فرادة “منطقة” الصراع هذه – ضد كوفيد19–في كونها تتخذ شكلا متناقضاً: تخومها ضبابية لكن حدودها متعددة. ليست الحدود “واقعا مجالياً له انعكاسات سوسيولوجية، بل هي واقع سوسيولوجي يتخذ شكلاً مجالياً”، كما يذكرنا بذلك جورج سيمل (1) . وهكذا تتصادم الخطوط الفاصلة الواضحة والمتواصلة التي فرضتها الدول القومية مع تشابك غير مسبوق للحدود التي تتموقع فوقها مختلف الأطراف الفاعلة لهذه الحرب ضد كوفيد-19.

من جهة، حدود-هوامش داخل منطقة الصراع، وهي بمثابة أماكن فصل بين الأجساد المريضة والأجساد السليمة، الأجساد المحتجَزة والأجساد العاملة، أصحاب الأجور الثابتة والفئات الهشة، الأجانب وأبناء البلد، المهاجرين النظاميين والمهاجرين بدون أوراق إقامة قانونية، الخ… هذه الهوامش الداخلية تشكل “منطقة” القتال التي تصبح، كما تقول قصيدة لغييوم أبولينير نشرت في 1912 وتحمل العنوان نفسه، “إقليماً نفسياً -جغرافياً” يكون فيه الفقراء والمهاجرون والمهمشون أول من يتم اقصائه والتضحية به. ومن جهة أخرى، الحدود الفاصلة بين الدول والتي تقوم بتعيين عالم آخر مخيف يجب التوقي منه. وتخلق هذه الحدود، بشكل مخاتل، منافسة بين الأمم في السباق نحو الكمامات الطبية وأجهزة التنفس، لتأكد مرة أخرى تراتبية السلطة والتفاوتات الاقتصادية البنوية بين الدول الغنية والدول الفقيرة في السباق ضد الموت. حدودٌ تأتي لتضاف إلى حدودٍ موجودة بالفعل ومتجددة، كتلك التي تعزل الشعوب التي تتلقى قنابل حروب نفوذ تشنها قوى اقتصادية، أو تلك التي تشمل شعوبا يمثل الصراع ضد الأوبئة جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية.

هكذا تحيي منطقة القتال ضد العدو غير المرئي، كوفيد-19، وتكرّس حدوداّ قديمة وتبنى حدوداً أخرى تسمح بالمزيد من الإقصاء، والفصل، وفرض الإقامة الجبرية، والفصل بين الفئات الاجتماعية-الاقتصادية ومنح حقوق مختلفة: امتيازات للبعض وتمييز ضد الآخرين، الحياة للبعض والموت للآخرين. وبشكل متزامن، يحرص مجمل الحكام على أن ترقى الوطنية والشوفينية إلى مرتبة الطقوس الضرورية لسير الديمقراطية، متناسين أن نهاية الرجّة التي نعيشها الآن لا يمكن أن تحصل إلا على مستوى عالمي، وانه لن يكون هناك إلا موتى وخاسرون في هذه الحرب. بالإضافة لكل هذا، يتبخر بسرعة حلم بشرية متّحدة من أجل معركة كونية ضد كوفيد-19 ليفسح المجال أمام المشهد التراجيدي لحقيقة عالم منقسم بحدود متّقدة..أكثر من أي وقت سابق. حقيقة محزنة ستكون هي الأبرز في نهاية المطاف، كما هو الأمر دائماً.

التجارب البديلة على محك هيمنة نشيد الأرقام

رداً على الأصوات التي ترتفع لتعبر عن أمانيها في ولادة عالم أفضل، عادل، يساوي بين البشر ويضع أخيرا حداً لفظاظة “الحداثة الغربية”، ويعيد ربط الصلة مع الطبيعة، يتوالى شريط أرقام الجائحة بثبات لا يهزه شيء. وفي هذه الحرب نجد التكنولوجيا الرقمية، كما يليق بالتحذلق التقنوي للإسم الذي اطلق على الفيروس – كوفيد-19 – في قلب العتاد الحربي المعّد للمعركة. تمّدنا منظمة الصحة العالمية، مستعملة لغة تكنوقراطية، وببساطة رقمية غير لائقة، بتعداد المرضى والموتى، والسيناريوهات شبه الحينية لتطور منحنى المرض، مسجلة الخسائر والأرباح ببرود ودقة رياضية تتحدى في الوقت نفسه قدرة البشر وما قد تأتي به السلطة الإلهية من أمور لا يمكن التنبؤ بها. تُذكِّر آلة الحرب هذه، بشكل غريب، بحلم كارل فون كلاوزفيتز المتمثل في معركة لا يديرها قائد ذكي بل حرب تطيح بالسياسي وتسود وفق قوانين طبيعتها الخاصة. حلم يتحول إلى واقع يومي أقل ما يقال عنه انه صادم ومؤلم.

وبالتزامن، تظهر منظمة الصحة العالمية، صاحبة الموقع المهيمن في نشر المعرفة واحتكار الكلمة، طموحها “الإلهي” في إرساء إستراتيجية كونية لمكافحة كوفيد-19. وبالتالي ترسي علاقات مع الدول تشّل أي تفكير في بدائل لمكافحة المرض عبر نشر معايير وتدابير موحدة تكبح أي بلد أو جماعة ترغب في تدبر سبل مكافحتها للفيروس خارج القالب الذي وضعته المنظمة. وفي هذا النموذج الفكري، تنمحي اللغات واللهجات وكذلك المعارف البديلة أمام “إسبرانتو” (لغة دولية موحدة) من الآلات الذكية وجيش من الخبراء العلميين. من الواضح أن منظمة الصحة العالمية تريد الترويج لاستراتيجية تتجاوز الأوطان وتتبنى المبادئ التايلورية، حيث لاتخطئ المؤشرات أبداً، بل بالعكس تصيب هدفها بدقة رياضية لا تضاهى. وهكذا تصبح المعركة ضد كوفيد-19 نشيداً جديداً للعقلانية، واحتفاء آخر بالحداثة والتقدم التقني.

هل يأتي الحل من بلدان الجنوب؟

بيد ان شعوب الجنوب والمهاجرين هم وحدهم من يستطيعون فك شيفرة منطق هذه “الحرب” لأنهم عاشوها فعلاً ومازالوا يختبرونها ذهنيا وجسديا. وكما هو الحال مع الحالة الكولونيالية (2) التي برزت مع الاستعمار وولادة الرأسمالية، هم يعلمون أن المنطق التكنوقراطي لهذه المعركة يعيد ربط الصلة مع ابستيمولوجيا إمبراطورية هي بمثابة هجوم نووي ضد اللغة البشرية. وهم يعرفون أيضا انه وبإسم خَطابية الحداثة والتقدم العلمي المنبثقة عن فلسفة الأنوار، ستتسرب الحرب ضد هذا الفيروس في العالم – كما هو الأمر بالنسبة للحالةالكولونيالية – محتلة ذهنه وملغية حساسيته وجسده وتجذره الجغرافي-التاريخي. وبالتالي فإن هذا الفيروس – أو بالأحرى الحرب التي تُشن ضده – يتجاهل العلاقة مع الواقع عبر فك الصلة بين العالم الحالي ومعارف الشعوب التي عاشت تجربة الاستعمار و/أو الديكتاتورية، والتي يمكنها ان تتوقع مسبقاً عواقب المراقبة والتحكم المعممّين. تاريخ الصراع ضد الأوبئة في بلدان الجنوب، وضع التجارب في سياقها وايضاً جندرة هذه المعارف بما تقتضيه مثلاً طواقم التمريض المتكونة أساساً من نساء، هي كلها معارف تبدو محتقرة بشكل كبير.

وبإرسائها لديكتاتورية الأرقام، ومراقبة الأجساد، ومفاضلتها بين المعارف، نجد ان المعركة ضذ كوفيد-19 – تماماً كما هو الأمر مع الحالة الكولونيالية – بصدد خلق عجز لدى المهيمِنين عن إدراك إمكانات الإنقاذ الكامنة في معارف التابعين البديلة.

ومن حسن الحظ ان الأزمات تسمح أيضاً بحدوث “المفاجئات” وفتح الثغرات. وإذا ما كانت الحدود المرسومة لمنطقة القتال ضد كوفيد-19 خطوط فصل متحفزة. فيمكن أيضاً أن تتطور أو تتحول- لكي نستعمل لغة الفيروسات- إلى فضاءات احتضان/استقبال. وهكذا نجد ان فريقاً كوبياً حارب وباء الإيبولا في غرب أفريقيا مستعد لوضع خبرته تحت تصرف أوروبا “والعمل دون هوادة لتقديم الرعاية الطبية ومواجهة وباء كوفيد-19 بالتنسيق مع العاملين في قطاع الصحة في ايطاليا”، كما صرح بذلك قائد الفريق كارلوس ريكاردو بيريز. وفي السياق نفسه، دعا قيس سعيّد، رئيس الجمهورية التونسية، بعد سويعات من خطاب ماكرون الحربي، إلى التضامن الوطني والدولي ووضح قائلاً: “يجب على الأمم أن تكون بالفعل متّحدة، لا من أجل السلم والأمن الدوليين بالمعنى التقليدي بل من أجل الإنسان في كل مكان. إن الانغلاق على الذات قد يكون حلاً بالنسبة إلى البعض لكنه لا يمكن أن يكون حلاً عادلاً وسيبقى في كل الأحوال حلا مبتوراً ومنقوصاً”.

من المبكر جدا أن نتوقع كيف – خلال هذه الأزمة الصحية وبعدها – ستتحرر الكلمات وتتبلور التمردات وتنشأ الائتلافات وتنبثق البدائل. لكن بإمكاننا دائماً أن نحلم مع الشاعر محمود درويش بدخول الجنّة المتجسدة في الوطن المستعاد:

“تضيق بنا الأرض ..

تحشرنا في الممر الأخير

فنخلع أعضاءنا كي نمر.. وتعصرنا الأرض

يا ليتنا قمحها كي نموت ونحيا.

(…)

إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ..؟

أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة ..؟”

______________

1-جورج سيمل، علم الاجتماع. دراسة في أشكال التنشئة الاجتماعية. (ترجمته من الألمانية إلى الفرنسية ليليان ديروش-غيرسال وسيبيل مولر )، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1999.

2-يقصد بمصطلح الحالة الكولونيالية علاقات السلطة والهيمنة الناتجة عن إعادة الإنتاج البطريركية والاستعمار والرأسمالية والعولمة. راجع مقال والتر ميغنولو “الجغرافيا السياسية للمعرفة، الحالة الكولونيالية للسلطة والاختلاف الاستعماري” المنشور في حولية Multitudes المجلد 6، العدد 3، 2001، ص.ص 56-71.

السفير العربي

————————————–

الكارثة ومفهوم العقد الاجتماعي/ موفق نيربية

لولا الخشية من أن يرى بعضهم في كلامي شيئاً بعيداً عن التضامن والأنسنة، لقلت إن كارثة جائحة الكورونا العالمية، ربما ستُحسب خيراً في مستقبل الإنسانية. ربما، وحسب، لأنها تضع العالم أمام مرآةٍ حية للمرة الأولى في العصر الحديث، ربما يختلف حتى عن الكوارث السابقة، من الحربين العالميتين، وعن جائحة أنفلونزا كلفت العالم كثيراً منذ حوالي مئة عام.

(يأتيني خيال إيمانويل كانط، وحكومته العالمية وسلامه الدولي كثيراً هذه الأيام، كما تستبدّ بي علاقة الكارثة بالعقد الاجتماعي).

ما زالت الجائحة تجتاح العالم، ولم تصل ذروة فاعليتها بعد، وربما تفعل قريباً، وهي ستتراجع حتماً في ما بعد، بعد أن تفعل فعلها. وهي- حتى الآن- تضرب الأقوياء خصوصاً، الذين حُرموا هذه المرة من التعامل مع كوارث الآخرين كما اعتادوا. وليس معروفاً بعد، كيف ستكون نتائج ذلك على العالم من جميع نواحيه، البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وسيأتي هذا النص هنا في عجالة على آثاره المحتملة على الأساس «القانوني» الذي يحفظ المجتمع الدولي، من خلال حفظ أمن المجتمعات المشتركة فيه واستمرارها، على عقد اجتماعي ما،

ولن يكون ذلك سهلاً، إلا من خلال أدوات وآليات مختلفة وجديدة، ربما يمكن اشتقاقها من النسق الذي اقترحه جون رولز الفيلسوف الأمريكي الذي يُعتبر كتابه «نظرية العدالة»- 1972 أحد أهم ما صدر في القرن العشرين في اختصاصه، بما أطلق عليه اسم «الموقف الأصلي» الافتراضي، بخلوّه من أي مؤثرات ذاتية مسبقة، والذي أصبح أسهل تطبيقاً في هذه الأيام بعد خمسين عاماً من اقتراح رولز، الذي سيتوصل المشاركون فيه إلى صياغة للعقد، من وراء «حجاب الجهل» الافتراضي أيضاً، الذي ينزع عن المشاركين كلّ ما يؤثر على حكمهم، كمكانتهم وحالتهم الاجتماعية، وتاريخ صراعاتهم، وقدراتهم الطبيعية، وقوميّتهم وجنسهم ومفهومهم الشخصي عن مفهوم الخير ومستوى تقدمهم الحضاري وثقافتهم، لا تبقى إلا القدرة على تطوير الشعور الصافي بالعدالة. وكما اكتشف رولز كانط من جديد، الذي استند بدوره إلى جان جاك روسو، الذي استند أيضاً إلى لوك، نستطيع الآن أيضاً أن نعيد اختبار تلك السلسلة، التي كان لها دور عميق في التقدم نحو المستوى الحضاري الذي وصلته البشرية.

أقرت قمة العشرين إنفاقاً قيمته خمسة تريليونات لاستيعاب صدمة كورونا، التي ربما تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك. وابتدأت ملامح الصراعات على الطريق، بشكلٍ موازٍ للجهود المشتركة. كما أقرت دولٌ عظمى إنفاقاً موازياً لمنع اقتصاداتها من الانهيار المتدرّج أو الفجائي. ولا يوجد إطلاقاً أي إمكانية للتنبؤ باحتمال نجاة مجتمعات ودول، وتدهور مجتمعات ودول أخرى. فالعولمة وتواصل العالم، بمواصلاته ومصالحه وترابطه، يبرز الآن بجانبه البشع، الذي يؤكد أن العالم كرةً واحدة. لا بدّ إذن من التأمّل وإجراء الاختبارات الافتراضية، ونحن ما نزال بعدُ في محاجرنا.

هنالك من يرى إمكانيات مختلفة للعودة عن العقد الاجتماعي الحديث، بتجلياته مثلاً في نظرية رولز عن العدالة، ليس إلى من سبقه وحسب، بل إلى رابطه الأول عند توماس هوبس، وكائنه الخرافي «لوياثان»، الذي اقترحه تمثيلاً لرؤيته عن الدولة والمجتمع، ليس من أجل تبرير الطاغية وسلطته المطلقة وحسب، بل إلى تبرير الشمولية أيضاَ، بانضباطها الذي مكّن الصين من تجاوز الموجة الأولى من الوباء. ولطالما تمكن الطامحون إلى عدالة اجتماعية مختلفة من اشتقاق معادلة هوبس البسيطة، وتحديثها على حالة الاتحاد السوفييتي والصين ومن كان حولهما، وتشويهه بقوة في «اشتراكيات» العالم الثالث، التي كان الكثير منها وما زال أقرب إلى سلطنات. اختزلت تلك الحكومات الحقوق في حالة الطبيعة الأولى إلى حق الحياة، المهدّد دائماً مع الأزمات.

أعادت الكوارثُ الحالةَ القائمة إلى الطبيعة في التاريخ، وهي سوف تعيدها جزئياً على الأقل مع الكارثة الراهنة، حين تتطور. وقد ابتدأ البعض في تطوير فكر خاص بالكوارث، منذ بعض العقود، في مراكز بحث مرتبطة بالأمن الوطني، أو إدارة الكوارث، من حيث التحضير لها، وآليات مواجهتها، ثم التعامل مع آثارها لاحقاً. ويمكن أن يكون أحد أبواب النظر في ذلك بتوسيع نظرية العقد الاجتماعي وتحديثها، إضافة إلى تطبيقات المنظومات الأخلاقية الأقرب إلى التعميم والتجريد أولاً، قبل تحويلها إلى نظم وقواعد وقوانين. ويساعد الخوف الذي يلفّ أهل العلم أنفسهم، بجعلهم أقرب إلى الإنسان العادي، ومن ثَمَ في تطبيع عملهم.

بالطبع هنالك من يُرجع أصل الدولة إلى التطور التاريخي، الذي تتخلّق مبادئه مما يحدث ويطرأ، وذلك وجه آخر لإرجاع الدولة إلى اللاهوت في النظرية الثانية، أو إلى مبدأ القوة وسلطتها القاهرة وعمرانها الخلدوني الدوّار. ولكن الشكل الأكثر تناسقاً حتى الآن مع مسار أنسنة الدولة؛ تلك المهمة التي طالما بدت أقرب إلى المستحيل أحياناً، وإلى الممكن الوحيد أحياناً أخرى؛ هو مفهوم العقد الاجتماعي، بتحديثه مع تطورات مفهوم العدالة الاجتماعية والإنسانية في الوقت نفسه، ومع خبرات العالم الحديث وثغرات تقدمه المؤلمة.

يصف هوبز الهيمنة بأنها روح لوياثان. حالة الطبيعة – إن «الوضع الطبيعي للبشرية» هو ما كان سيوجد لو لم تكن هناك حكومة، ولا حضارة، ولا قوانين، ولا سلطة عمومية لكبح جماح الطبيعة البشرية. الحياة في حالة الطبيعة «مقرفة ووحشية وقصيرة».. لذلك يمكن اعتبار الطاغية منقذاً للناس من ذواتهم، وربما استطاع – في دولٍ وأنظمة كثيرة – أن يحيل حياتهم وعقدهم الاجتماعي الذي يضمن فيها أمنهم إلى حياةٍ «مقرفة ووحشية وقصيرة»، في حالة تشبه حالة الطبيعة التي يسودها حاكم لا حدود لسلطته.. هل تريدون أمثلة؟ هنا تبدو الكارثة سهلة ومثيرة لفضول أقل، وربما خوفٍ أقل أيضاً.

في حين قال جون لوك، إن من بين الحقوق الطبيعية الأساسية للإنسان» الحياة والحرية والملكية الخاصة»، ولذلك اعتبر أن أبسط قانون إنساني وأكثرها بداهة هو الحفاظ على الجنس البشري. وهنا يمكن استحضار الكارثة أيضاً بافتراضاتها ومصائبها معاً. وهو يتابع أن للبشر الحق بالدفاع عن أنفسهم كذلك، ولهم الحق والواجب بأن يحافظوا على حياتهم. وحدد لوك أساس شرعية الحكم في أنه إذا فشلت الحكومة في حماية هذه الحقوق، سيكون لمواطنيها الحق في الإطاحة بها. وقد أثرت هذه الفكرة بقوة على توماس جيفرسون عندما قاد صياغة إعلان الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية.

سيكون مفيداً أيضاً للمراجعات المقبلة نفياً وإيجاباً، الالتفاتُ إلى تلك الناحية التي اختصر بها جون لوك كلّ الحقوق التي يتنازل عنها المواطن لحكومته لينتمي إلى المجتمع المدني في الدولة، في تخليه عن حقه بأن يأخذ حقه بيده، أو أن يعاقب بذاته من يخالف أصول العيش المشترك. ذلك هو الحق بالاستمرار على حياة اليقظة والانتباه والحراسة الدائمة. ولن يكون كافياً أبداً التوقف عند جون رولز أيضاً من أجل تحديث مفهوم العقد الاجتماعي، بعد الكارثة، من دون نقد وإعادة اختبار. فعلى الرغم من تشديده على أولوية مبدأ الحرية على مبدأ المساواة، في الفرص أو مبدأ التمايز، وتشديده على أولوية المساواة على حق التمايز، إلا أن هنالك ثغرات مهمة نفذت منها الليبرالية الجديدة، لتضرب بقوة تشديده ذاك ولتذهب به إلى آلة التدوير الرأسمالية العملاقة.

سوف يكون مهماً متابعة سلوك ونتائج دور الرعاية الاجتماعية ومقدار نجاحها أمام الكوارث، بعد أن لوحظ مباشرة الدور المدمّر لغياب التأمين الصحي في أكثر من مكان، إضافة إلى التأثير الاقتصادي العام، وعلى الشغل والأجور والبطالة، الأمر الذي تستسهل الدول (الحكومات) الغنية فيه الإنفاق المباشر الهائل كحلٍ وآلية لمواجهة الأزمة التي لم تشبهها أزمة سابقة. بمثل هذا البحث والتحديث أيضاَ، لن يكون للكارثة؛ بعد دروس تطوير أدوات وآليات التحضير والمواجهة المباشرة معها، ثم مع الآثار اللاحقة لها؛ من درس ساطع أهم من مفهوم العدالة بحركته وتحولاته الدائبة… فسوف يظهر الخلل بادياً على العقود الاجتماعية الوطنية إن جاز القول، والعقد العالمي أيضاً. ولأنها» شريعة المتعاقدين»، فسوف تُطرح بقوة مسألة إعادة النظر فيها وتحديثها بالعمق الذي يساعد على تجنب الكوارث أو مواجهتها، ومن ذلك ربما أن يكون علم الأخلاق في حيثيات العقود عند تجديدها، لأنه يضمن مستوى أعلى من المشاركة في الواجبات، ويُدخل تفاعل المشاعر على تفاعل المصالح. ومن ذلك على سبيل المثال الصارخ، محاكمة النظم الاستبدادية التي ما زالت تمدّ ألسنتها للتاريخ وللبشرية، ولا تلتزم إلا بالحدّ الأدنى البدائي من عقدها الاجتماعي مع» مواطنيها» مثلاً.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————————

كورونا: استعادة الثقة/ سعيد يقطين

ميزة الإنسان المعاصر هي أنه دائم الجري والسعي. وهو في سعيه لضمان حياته يجري بلا توقف. ميزة فيروس كورونا أنه عمل على إيقافه للتأمل في جريه وسعيه، وما أحاطا به حياته من قلق وتوتر وتلهف. من يجري لا يسمع أي كلام يوجّه إليه بخصوص ما يقترفه، ضد الإنسان والبيئة، من أعمال تولدت عن اللهاث وراء التميز، وضمان ما فوق الرفاه على حساب الآخرين. ومن أوقفه كورونا عن الجري، هل يمكنه أن يسمع الدروس التي فرضتها عليه، على أمل معاودة السعي بوتيرة أخرى، وبقيم مختلفة، عما كان قد تنكر له في زخم السباق السريع والهائج ( Fast and Furious)، أو اللهاث وراء تحقيق الفوز بالحياة، ولو بسحق كل المتسابقين (ألعاب الجوع)؟

بتوقيف حدث الفيروس الحركة الدائبة بخلقه أحداثا أخرى، أدى إلى بروز ممارسات جديدة، وبداية تبلور أفكار قديمة، وقد رهّنها هذا الحدث الرهيب على المستوى العالمي، ليدفع الجميع إلى التسليم بأن المحطات الكبرى في تاريخ البشرية تدفع في اتجاه إعادة سماع ما كان يستهجن، أو لا يتم الالتفات إليه لأنه يعيق الجري المتوحش، والسعي المهتاج. وفي هذا باب واسع للتأمل في: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».

يحدث أن تنقطع العلاقات بين أفراد العائلة لأتفه الأسباب، وحين تحصل فاجعة تمس أحد أفرادها، تجد الجميع يأتي من مختلف الأصقاع للمشاركة في المصاب الجلل، وتبدو الرحمة ويحصل التعاطف بين الجميع، وسرعان ما تعود حليمة إلى عادتها القديمة، فتأتي كارثة أخرى، فيكون الاتصال بعد الانفصال، وهكذا دواليك. ما يقع على صعيد العائلة، يقع على قبيلة، أو دولة أو البشرية جمعاء، وأحداث فيروس كورونا دالة على ذلك. لماذا لا يتوقف الجري تلقائيا، ويكون الاستماع إلى ما يقال، قبل حصول الكوارث؟ هل يمكن ربط الجواب بالوضع البشري العام، الذي تتحكم فيه شهوة الربح على الخسارة، وقد تحولت من تفكير طبقة أو فئة اجتماعية لتصبح جائحة عامة لكل الأفراد والجماعات والمجتمعات؟ إن نظرة سريعة إلى كل تاريخ البشرية تبين بما لا يدع مجالا للشك، أن الإنسان ضعيف وهلوع وجزوع وعجول: «وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ». إنه الإنسان النسّاء. بين الجري والتوقف، أو الإنابة والنسيان، يتحدد المصير الإنساني.

ميزة فيروس كورونا، عالميا، هي أنه وضع الإنسان، بغض النظر عن الوطن واللغة والثقافة في وضع واحد، وأزال الفروقات التي كانت طاغية، فكان الخوف والهلع سمة فرضت نفسها على الجميع. وصار الكل ينتهج شكلا من الممارسة لإيقاف النزيف الذي أحدثته الجائحة. لن نتساءل عن الأسباب والخلفيات والنتائج المترتبة عن هذا الوضع الجديد. نريد فقط أن ننتبه إلى أن الإنسان يمكن أن يكون خيّرا وشريرا في الوقت نفسه. وأن إكراهات خاصة يمكن أن تدفعه إلى أن يكون هذا أو ذاك، في وقت، وفي آخر أن يكون ذاك لا هذا. وأن التربية على «الإنسانية» هي التي يمكن أن تجعله خيّرا، وأن تربيته على أن يكون مسمارا في عجلة لا يمكن إلا أن تحوله إلى مهتاج ومتوحش. من يتأمل جيدا، من بين عشرات، ما يتوصل به، أو يسمعه، أو يقرؤه، أو يشاهده من صور، بخصوص ما ولّده كورونا، يتبين له أن في الإنسان طاقات عجيبة يمكن أن يفجرها في لحظات المعاناة، تختلف عن نظيرتها في أوقات الجري والسعي الدائبين، اللذين يفرقان الناس إلى جماعات متناحرة ومتصارعة لا يهمها إلا الوصول إلى تحقيق مآربها على حساب غيرها. لقد برز أن للدولة دورا كبيرا في أن تكون مختلفة عما تكون عليه في الأوضاع العادية. وأن الشعب يمكن أن يتوحد معها ليتعاون أفراده جميعا في ما يهم الصالح العام. هذا هو الدرس الأساس الذي استخلصته مما وقع. إن التبرعات، وأشكال التضامن، والدعوات إلى الانخراط الجماعي في مواجهة تحدي الجائحة، والتضحيات التي قدمتها بعض القطاعات والفئات، كلها دالة على أن «الثقة» يمكن أن تتحقق بين مختلف مكونات المجتمع، إذا ما كانت موجهة فعلا، وبإرادة صادقة، وممارسة حية لخدمة الصالح العام.

هيمن منذ الربيع العربي، وتوالي الحكومات، التي لا تعمل إلا من أجل خدمة مصالح طبقة خاصة على حساب باقي الطبقات، وفي ظل انتشار الفساد بكل أشكاله، وغياب المسؤولية وانعدام المحاسبة، وفي هيمنة الخطابات الشعبوية والصراعات بين الأحزاب وداخلها، ضياع «الثقة» بين مختلف مكونات المجتمع. لا أحد يثق في أي قطاع من القطاعات، ولا أحد يثق فيمن يتعامل معه، والكل يقول: رأسي، رأسي. الكل يجري ويسعى بكل الطرق والممارسات، من أكثرها دناءة إلى أقصاها انتهازية لتحقيق مآربه، وبغض النظر عن أي قيمة من القيم الإنسانية. هذه الصورة التي تكرست، وحولت الوطن إلى حلبة سباق محموم، جاءت الجائحة لتبين أن استعادة الثقة ممكنة، لأنها كامنة، إذا ما صرفت لخدمة الجميع.

٭ كاتب مغربي

القدس العربي

———————————–

سؤال السوسيولوجيا في زمن الوباء/ حسام السعد

لا تزخر خريطة السوسيولوجيا العالمية بتقاليد كثيرة عن العلاقة بين السوسيولوجيا والمرض، إلا في بعض دراسات قديمة، اهتمت بما أطلق عليه «مجتمع الطب»، حتى قبل تبلور السوسيولوجيا كعلم على المستوى الأبستمولوجي. وقد سلكت تلك الدراسات منحى الخوض في مسببات المرض على المستوى الاجتماعي.

ما عدا ذلك، وباستثناء دراسات فوكو عن المرض «الجنون وولادة العيادة»، التي طالما تتم العودة إليهما، فإن تفسير العلاقة بين الأسباب الاجتماعية للمرض والسلوك المرافق له، لم يجر التنظير له سوسيولوجيا، ولم يحظ بمكانته التي تستحق.

وربما ساهمت في ذلك أيضا تلك الاكتشافات العلمية، التي حصرت مسببات المرض اليومي، الذي بات في طي النسيان، وهو ما كان يتعلق بالتحكم بالأمراض الشائعة، التي كانت تصيب الجماعات مثل الحمى والملاريا وغيرها. وقد أسست تلك الاكتشافات إلى سلسلة مترابطة من سياسات حصار «الفيروسات والأوبئة» الجماعية، اعتمادا على الوقاية منها بفعل المعرفة بمسبباتها.

ومنذ بدايات القرن التاسع، ترافقا مع استقرار العالم «الصحي»، على مساهمات باستور، لم نر مساهمة جدية تنظيرية في ميدان السوسيولوجيا إلا مع ك. هيزلتش التي أسست لسوسيولوجيا الصحة، معتمدة في ذلك على تقاليد المدرسة الأمريكية في سوسيولوجيا العلاقة بين المريض والمجتمع.

لكن عمل هيزلتش اقتصر على دراسة المرض وكأنها دراسة أنثروبولوجية، إذ توجد هناك أشكال من الأمراض، ترى أنها اختفت وحلّت محلها أمراض أخرى، تم إيجاد علاج لها في المنظومة الصحية الغربية، فيما لا تزال تقبع دول العالم الثالث أسيرة الأمراض القديمة وكذلك صعوبة العلاج من الأمراض الجديدة.

مقاربة نطلق عليها سوسيولوجيا «التمثل المجتمعي للصحة»، الذي يعني ضمنا اختلافات بين ثقافة وأخرى، في التعامل مع الأمراض والصحة عموما. لكن مع فيروس كورونا (2019-nCoV)، فإن تفسير الظاهرة المرضية المتفشية في مجتمعات العالم كله، لا تبدو أنها تستطيع الاتكاء على كل ما سبق من التنظيرات السوسيولوجية في هذا الميدان. نحن اليوم أمام ظاهرة استطاعت أن تخلق عقلا جمعيا عالميا، كانت سمته الرئيسية هي الخوف بالدرجة الأولى، ثم الهروب من خطر الفيروس غير المرئي، والخلاص الفردي على حساب الآخرين «من يشاركوننا الحياة في تنظيم اجتماعي واحد، أو في الحياة على سطح هذا الكوكب». ثمة أمور يمكن ملاحظتها في سياق تفشي فيروس كورونا على المستوى السوسيولوجي:

أولهما، هو ذلك السلوك الغريزي للإنسان وقت الأزمات الكبرى، وهنا في هذه الحالة هي أزمة ألمّت بكل المجتمعات على اختلاف تصنيفاتها. فقد بات هدف الحفاظ على الحياة هو الهدف الأول للفرد، واتجاهه نحو ما نطلق عليه «الاصطفاء الصحي» على غرار الانتخاب الطبيعي، والبقاء هنا ليس للأقوى بالمعنى المجازي، بل المادي الصحي الواقعي.

قد يبدو سلوك الفرد في المنظومة الغربية تطبيقا دقيقا لما سماه هابرماس بسيادة العقل الوظيفي على مقدرات الحياة اليومية. استعادة هابرماس تعيدنا إلى مناخ النقد الذي وّجه لأنصار «ما بعد الحداثة» من قبل مفكرين وسوسيولوجيين، اعتبروا أن ما وصلت إليه مجتمعات ما بعد الحداثة من العقلانية، لم تتأت إلا من خلال هيمنة النسق الأداتي على الأنساق المكونة للتنظيم الاجتماعي ما بعد الحديث، وهو ما تكرّس في الهيمنة، عبر سياسة الاستبعاد، وليس من خلال نسق ديمقراطي، يعيد الاعتبار لفكرة «الأخلاق الكلية» أو النظام الأخلاقي. ثمة أيضا من يجادل بأن المنظومة الأخلاقية للمجتمعات الشرقية، أو «ما قبل الحديثة» من شأنها أن تعيد الشك بكل المقولات ما بعد الحداثية، وتثبت وجهة نظر الكثير من المنظّرين، بأننا لم نصل بعد إلى مرحلة «الحداثة»، شك يُعنى «في حده الأدنى» بالسؤال عن أفعال التواصل ودور الجوانب الروحية في علاقتنا مع الآخرين.

ثانيهما، التوازن الوظيفي بين الموارد البشرية والموارد الطبيعية. فقد جادل الكثير بأن هذا الفيروس، ما هو إلا تجسيد للنظرية المالتوسية، التي ترى أن الأوبئة والحروب هي «ضرورة» لإعادة التوازن للعالم، الذي نعيش فيه. فماذا لو لم تكن هناك أوبئة عبر التاريخ البشري؛ قضت على «الفائض» من السكان في كل مرحلة من تاريخ الإنسان؟ ورغم أن حال الوباء الحالي يختلف في بعده المعرفي والتواصلي عن الأوبئة السابقة «تدفق المعلومات حوله»، فإن السلوك الفردي والجمعي لم يتغير في ردة فعله تجاه أزمة وباء عامة، وهذا يعني أن «النسق المعلوماتي» فقد بعده الوظيفي هنا، لاسيما مع عودة «نسق الدين» إلى واجهة الأنساق الأخرى، زمن هذا الفيروس، وهو ما يعني إعادة النظر في جدوى «البعد الوظيفي» للأنساق التي يتشكل منها المجتمع، وإعادة الاعتبار للبعد الديني، الذي سار متوازيا مع محاولة اكتشاف عقار يقضي على الوباء «دعوات ترامب للصلاة الجماعية والمساجد والدعاء اليومي لرفع البلاء».

ثالثهما، هو جدوى النظرية السوسيولوجية في الزمن الافتراضي، الزمن الذي يغيب فيه التواصل البشري، وهي فكرة طرحت في عصر «سطوة التكنولوجيا» عن جواز النظر إلى العلاقات كأنساق اجتماعية متعينة؟

يبدو أن النظرية السوسيولوجية سوف تهتم الآن بالعودة إلى الارتدادات الجماعية لمرحلة الحفاظ على البقاء، وتعيد من جديد تثبيت أو نفي مقولاتها حول السلوك «المتوقع وغير المتوقع» للفرد وقت الأزمات الكلية، وعلاقة السلوك الفردي بالجانب النفسي من جهة والمعتقدي من جهة أخرى، ومن ثم عليها أن تبحث في دور التطور الصناعي والعلمي في تطور سلوك الفرد حيال أزمات مرّ بها أجداده في عصور وصفت بما قبل الحديثة.

قد ينتهي العلم إلى القضاء على الفيروس، لكن التفسيرات الاجتماعية والسيكولوجية والأخلاقية لن تنتهي، وستخلق لها مساحات من التحليل وإعادة النظر، ربما لعقود طويلة، وستعيد فهم السلوك الإنساني من جديد في حال جاء فيروس آخر. فكما أن التحليلات في العلوم ليست نهائية، فالسلوك الإنساني سيبقى عصيا على الفهم الكلي، وستبقى الفيروسات والأوبئة تصادف الإنسان في كل مرحلة يعتقد فيها أنه قد توصل إلى فهم العالم.

٭ أكاديمي فلسطيني ـ سوري

القدس العربي

————————————–

سلاح دمار صيني شامل/ مروان قبلان

تثير مشاعر الإعجاب التي يبديها بعضهم تجاه الطريقة التي تعاملت بها الصين مع جائحة فيروس كورونا المستجد حالةً من الاستغراب النابع من سببين رئيسيين. أولهما أن هناك تجارب أكثر جاذبية، أكثر نجاحاً في التعامل مع الجائحة، وأقل تكلفة إنسانياً ومادياً، لا يتم إبرازها، مثل تجربة تايوان، وإلى حد ما كوريا الجنوبية، والدولتان ديموقراطيتان، تعاملتا بكفاءة مع الجائحة من دون الحاجة الى الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين بحق قطاعات كاملة من السكان. والسبب الثاني والأهم أن هذا الإعجاب بالتجربة الصينية يميل الى تجاهل حقيقة مزدوجة، تتمثل في أن الصين هي المسؤولة عن ظهور الوباء أولاً، وأن طريقة تعاملها معه كانت السبب وراء انتشاره عالمياً، ثانياً. ففي البداية، كانت الصين تعيش حالة إنكار (state of denial) وتحاول التغطية على الأمر، وقد باتت معروفةً قصة الطبيب الصيني لي وين لنغ الذي استدعته السلطات، لأنه نبه إلى وجود الفيروس مبكراً، بحجة نشر “شائعاتٍ تضر بالنظام العام، وتسيء إلى صورة الصين في الخارج”، وأجبرته على توقيع تعهد بالكفّ عن ذلك، ليموت المسكين لاحقاً بالفيروس الذي حذّر منه. الأهم من ذلك مسؤولية الصين عن ظهور الفيروس، وهو أمرٌ لا يجوز القفز عليه، أو السماح لبكين بالتغطية عليه، عبر إبراز كفاءتها في التعامل مع الجائحة، أو من خلال تقديم حفنةٍ من المساعدات العينية المشكوك بفعاليتها، لإبداء تضامنها مع الدول التي صدّرت إليها الوباء.

بالتأكيد، لا شأن لنا بعادات الآخرين وتقاليدهم، ونحترم ثقافاتهم المختلفة ونقدّرها، ونراها مصدر إغناء للبشرية والثقافة الإنسانية، وهو أمر لا يحتاج إلى نقاش، ولا يجب أن يقال فيه أكثر حتى لا يبدو كأنه دفع لشبهة العنصرية. ولكن عندما تتحول هذه العادات والتقاليد والثقافة إلى مصدر تهديد جوهري للنظام والاقتصاد وصحة العالم، كما يحصل الآن، وعندما تعيش نصف البشرية في حجْر صحي، ونصفها الآخر مهدّد بالجوع والمرض، فهذا أمر لا ينبغي التهاون معه، أو اعتباره شأناً خاصاً يدخل في باب احترام اختلاف الثقافات. وبحسب مصادر متنوعّة، تتراوح الأسباب التي أدت إلى ظهور الفيروس بين عادات أكل صينية غريبة (لكائنات يتم تناول بعضها حية)، وهذا رأي معهد روبرت كوخ الألماني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية، وممارسات جنسية شاذة مع حيوانات، أضاء عليها موقع وورلد نيوز ديلي ريبورت، استناداً إلى اعترافات للسلطات الصينية حول حالة المريض رقم صفر الذي أصيب بالفيروس في إقليم خُوبيِي.

وبعيداً عن موضوع الثقافات واختلافها، فقد طوّرت الإنسانية على مدى القرون الأربعة الماضية قواعد وقوانين وأعرافاً وقيماً ينبغي احترامها في إطار ما يسمّى، في لغة العلاقات الدولية، المجتمع الدولي، الهدف منها الارتقاء بالنظام الدولي، ووضع قواعد للتعامل ومدونة للسلوك بين دوله ومجتمعاته في أوقات السلم والحرب. منها حظر استخدام أسلحة الدمار الشامل بأنواعها، والتشديد على عدم انتشارها ووقوعها في يد جهاتٍ غير مسؤولة، مخافة استخدامها ضد المدنيين، أو ضد منشآت مدنية، والتسبب من ثم بكوارث على البشرية. وقد حصلت حروب ومواجهات، ونشأت أحلاف وتكتلات لفرض هذه القوانين ودرء مخاطر خرقها، واستخدمت ذريعة لغزو العراق، وفرض حصار على إيران وكوريا الشمالية، انطلاقاً من هذه الدول، تحكمها أنظمة غير مسؤولة، ومن ثم فان امتلاكها وسائل دمار شامل يشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.

لأسبابٍ مختلفة، أكثرها مرتبط بثقافة الأكل أو عادات اجتماعية معينة، كانت الصين على مدى القرن الماضي مصدراً لعدد من الأوبئة الخطيرة، منها سارس (2002) وإنفلونزا الطيور H5N1 (1996)، وإنفلونزا هونغ كونغ (1968) والإنفلونزا الآسيوية H2N2 (1958. هذه الأوبئة والأمراض، كما يتضح اليوم، أشدّ خطورة من أسلحة الدمار الشامل. ينبغي، بناء عليه، أن يتوجه العالم صراحة إلى الصينيين، وينقل إليهم هذه المخاوف التي تتطلب معالجتها بالضرورة تغييراً في طريقة حياتهم التي باتت تمثل تهديداً للحضارة الإنسانية. ويجب أن يتم ذلك عبر محفل دولي، مثل الأمم المتحدة التي طالما جرى استخدامها منصة للتعامل مع مخاطر أسلحة الدمار الشامل، واتخذت بناء عليه إجراءات بشأنها. الحالة هنا ليست مختلفة، بل أكثر واقعية وخطورة.

العربي الجديد

———————————-

كورونا.. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا/ علي العبدالله

صادفت جارا لي في مدخل البناء الذي أسكن فيه، طالب سنة رابعة في كلية الشريعة، مدّ يده للسلام، فقلت له لا سلام بالأيدي للوقاية من فيروس كورونا، فأجابني: أنا أسلّم لأن الرسول قال لا يُعدي، وأضاف بعد هنيهة، إلا بإذن الله.. لا أعرف إن كانت إضافة بإذن الله منه أم من الرسول. قلت: بإذن الله نعم، لكنه يعدي؛ وقد انتشر في أكثر من مئة وخمسين دولة.. لم يتقبل كلامي ودخل بيته من دون تعقيب.

لم تكن هذه ردة الفعل الوحيدة المتداولة عن فيروس كورونا بين الناس، فقد وظفه مسلمون بالرد على بعض ما يواجهونه من ظلم وضعف وذل، بإخراج ما في داخلهم من ألم ومرارة وحقد على دول وقوى ورؤساء اضطهدوهم أو افتأتوا على حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم، فاعتبره بعضهم، قبل أن يجتاح العالم بما في ذلك بلاد المسلمين، عقوبة إلهية للصين على ما فعلته بالمسلمين الإيغور، فـ “لله جنود لا ترونها”. واعتبره بعضهم ضربة للقوى الكبرى، وتحطيما لهيبتها لما تفعله بالدول والشعوب الضعيفة. وعندما اجتاح دولا إسلامية واجهوه بالصلوات والابتهالات والأدعية ومسيرات الرجاء تطلب الرحمة بالمسلمين برفع البلاء عنهم، وتخليصهم من هذا الوباء الخطير. وهناك من رفضوا قرارات الحكومات وقف صلوات الجماعة والجمع، في تصرف مرتبط بسيادة قناعات شعبية ومفاهيم اجتماعية عن الظواهر الطبيعية، الزلازل والبراكين والأوبئة، تعتبرها قدرا محتوما وغضبا إلهيا وعقوبة للبشر على ما فرطوا في جنب الله؛ واعتبار هذا الفهم من صُلب الدين، الإسلام في حالتنا.

وقد قاد انتشار فيروس كورونا إلى عودة النقاشات عن مغزى حصول المرض في ضوء إطلاق تفسيرات ومواقف بشأن تشكل الفيروس، وانتشاره وطرق علاجه؛ تربطه بقرار إلهي، ردا على انتشار الفسق والفجور والمثلية؛ وأخرى ترفض اعتماد الطب الحديث في علاجه، مطلقة حلولا وخيارات غاية في الغرابة مثل “عطر الرسول” الذي يستخدمه رجل الدين الإيراني، عباس تبريزيان؛ ولعق حديد أضرحة آل البيت الذي تعتمده الطريقة الشيرازية في إيران، وحمل الأحجبة وزيارة الأضرحة، كما هو شائع بين عوام المسلمين، علما أن رجال دين مسيحيين ويهودا وهندوسا تبنّوا مواقف مشابهة، أساسها ربط الإصابة بالمرض بالعقاب الإلهي، ومعالجتها بالصلوات والأدعية ووصفات تنسب إلى الأنبياء والقديسين، وشرب الهندوس في الهند بول البقر.

وفي حديث مع عجوز مسلم، شديد التدين، عن الفيروس والوقاية، وضرورة أخذ احتياطات جدية، رد عليّ قائلا: “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا” (التوبة، الآية 51). توقفت مليا عند هذه الآية الكريمة، فهي متداولة بين عامّة المسلمين، يكررونها في مواجهة ما يحدث لهم، باعتباره من الله وقدره الذي لا يرد، ما يقود إلى إهدار قيمة إسلامية عظيمة، السببية، كما عبّرت عنها قرابة عشرة آلاف آية من الذكر الحكيم، مفادها بأن لكل شيء سببا مباشرا، يفيد أو يضر، ولكل حالة تصرّفا مناسبا لجلب المنافع ودرء المفاسد، ما يجعل تجاهل الأسباب المباشرة يتعارض مع الخط العام لروحية الإسلام، كما وردت في القرآن الكريم، فالمسلمون، عامتهم وكثيرون من خاصتهم، يتعاملون مع هذه الآية بدلالتها الظاهرة، من دون اعتداد بخلفيتها والهدف الحقيقي من ورودها: الدلالة على قدرة الخالق جل شأنه الذي سعى إلى تقريب كنهه للناس، عبر أسمائه الحسنى، كي يدركوا حقيقته وكينونته، فالآية تشير إلى قدرته على معرفة الغيب، وتسجيل ما سيحصل لنا لا التسبب به؛ لذا هي لا تلغي ضرورة الأخذ بالأسباب، ولا المساحة الكبيرة التي تركها الإسلام لوعي الإنسان وإرادته واختياراته ومسؤوليته، ضمن نسق كوني محكوم بقوانين عامة، تضبط حركته الكلية، وقوانين خاصة تضبط حركة كل نوع من مخلوقات الله وتميزه عن غيره، فالتصور الإسلامي لحركة الكون والإنسان قائم على وجود سببٍ لكل ما يحصل في الكون، الطبيعة والحيوان والإنسان، والتصرّف الصحيح يفترض من الإنسان، باعتباره الكائن الحر والواعي وصاحب الإرادة، الأخذ بالأسباب لدى التعاطي مع الطبيعة والآخر، لتحقيق أهدافه في حياة مستقرّة وآمنة، ما يجعل كل إنكار للسببية يتعارض مع روحية الإسلام، من جهة، ويقود، من جهة أخرى، إلى الفشل والخسران المبين، ولنا في قوله تعالى “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران الآية 159) خير دليل وهاد حيث جاءت العزيمة، التفكير والأخذ بالأسباب للقيام بالعمل المطلوب وتحقيق المراد منه، أولًا والتوكل على الله تاليا. وهو ما أكده الرسول الكريم في توجيهاته لأصحابه؛ فعندما سأله بدوي جاء إلى المسجد للصلاة ومعه ناقة: أيهما أنسب ربطها مع الاتكال على الله أم تركها دون وثاقٍ مع الاتكال على الله؟ فكانت إجابته: اعقلها وتوكل، وتوجيهه أصحابه “إذا سمعتم به، الحديث عن وباء الطاعون في ذلك الوقت، بأرض فلا تُقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”.

اختلف المسلمون الأوائل في فهم روح الإسلام ومنهجه، وانقسموا إلى “جبرية” و”قدرية”، في ضوء وجود آياتٍ تجزم بأن لا يد للإنسان بما يحصل له وحوله “وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ” (الصافات الآية 96) و”وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ” (التكوير الآية 29) و”خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ” (البقرة الآية 7)، وأخرى تجزم بحريته ومسؤوليته “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” (الإنسان الآية 2 و3) و”أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” (البقرة الآية 7 و8) و”الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ” (غافر الآية 17) و”كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ” (الطور الآية 21) و”وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (يس الآية 54).

ولمّا كانت الآيات جميعها ملزمة للمسلمين، ما يفرض الأخذ بها وإعمال العقل وتقليب النظر لفهم محتواها وإدراك العلاقة بين الحكمين، وتشكيل صورة دقيقة بالكشف عن تداخلها وترابطها وتحديد التخوم والأدوار والمسؤوليات، وتقنين الممارسة والتصرف، وتوجب على المسلمين البحث والتفكر في الأمر. وقد دفع التفكير الموضوعي علماء من المسلمين إلى قراءة الآيات التي تجزم بدور الله بربطها بخلق الكون وما فيه وضبطه بقوانين، يسميها القرآن الكريم سننا أو نواميس، لتحكم كل شيء من دون أن تتبدل، ما يجعل الله خالق كل ما يحدث في الكون، بما في ذلك فعل الإنسان في ضوء انضباط فعله بالقوانين الكلية والنوعية التي خلقها الله، وقراءة الآيات التي تجزم بدور الإنسان ومسؤوليته بالقيام بذلك استنادا إلى قانون الإنسان الخاص في إطار القوانين الكلية وحكمها، ما يجعله خالق أفعاله، ومسؤولا عن نتائجها وتبعاتها. وقد اتضح هذا التصور أكثر فأكثر، بفعل التطور العلمي، وتنامي المعارف وتنوع مناهج البحث فاستقر تحديد روحية الإسلام على: قوانين كلية تحكُم الأشياء والظواهر، وقوانين خاصة لكل نوع، وفعل الإنسان مشروط بالقوانين الكلية، وحريته مرتبطة فيها، وقدرته على الفعل مرهونة بإدراكها وتوظيفها واستخدام قانونه النوعي. فنظرة الإسلام إلى فعل الإنسان قائمةٌ على الترابط مع الكون والقوانين الناظمة، من سنن أو نواميس، وفعله ودوره محكوم بالقوانين الكلية التي تحكم الكون بكل تفاصيله، وممارسة حريته مشروطة بالانضباط بالقوانين الكلية، وحتميتها الراسخة التي يدل عليها انضباط نظام الكون بقوانين حاكمة وثابتة؛ كما ورد في آياتٍ كثيرةٍ قررت وجود نظام للكون وقوانين حاكمة، “سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً” (الأحزاب 62) وثبات هذه القوانين “سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا” (الإسراء، الآية 77) و”وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا” (فاطر الآية 43)، ما يعني وجود حتمية كونية، يعيش الإنسان تحت سقفها، ويمارس حريته في إطارها، وأن كل سلوكٍ لا يلتزم بها يتعارض مع تعاليم الإسلام ومع إرشاد الرسول، “اعقلها وتوكل”، ما يستدعي عدم الركون إلى هذه الممارسات الساذجة، وعدم إراحة النفس بالتسليم بأنها قدر، فالله أعطانا العقل، وأرشدنا عبر أنبيائه وكتبه ورسله إلى الأخذ بالأسباب في مواجهة الظروف؛ ولتحقيق أهدافنا في الحياة؛ وحذّرنا من تبعات عدم القيام بالتصرف الصحيح، ناهيك عن عدم التصرّف مطلقا، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء الآية 97). فالذي لا يقوم باللازم لمواجهة المشكلات التي تعترضه في حياته، خصوصا مقاومة الظلم والظالمين، يخسر مرتين: ذل في الحياة وعذاب في الآخرة.

العربي الجديد

—————————–

5 قواعد لأسعد شعوب العالم تساعد على عزل ممتع

تتصدر فنلندا تصنيف الدول الأسعد في العالم منذ سنوات. ونجح الفنلنديون عبر السنوات في التعايش مع كل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمناخية.

وبينما يمرّ العالم بحالة من العزل الصحي نتيجة وباء فيروس كورونا الجديد، وما يرافقها من خوف وانزعاج واكتئاب، تقترح صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية الاستفادة من خمس قواعد فنلندية للحفاظ على السعادة أثناء العزل الصحي.

فلسفة kalsarikänni

تقوم الفكرة على أخذ الإنسان بعض الوقت للاختلاء بنفسه من دون الشعور بالذنب، ومن دون التخطيط لأي شيء. تقترح هذه الفلسفة الاسترخاء في البيت مع مشروب مريح ووجبات خفيفة حلوة أو مالحة وفيلم جيد، وقطع الاتصال تماماً مع العالم الخارجي.

القراءة

للقراءة قائمة طويلة من الإيجابيات، من تحفيز الدماغ إلى المساعدة على النوم بشكل أفضل، مروراً بتقليل الإجهاد والضغط والتوتر وخطر الإصابة بالأمراض العصبية. وتشير الأرقام إلى أنّ الفنلنديين يقرأون بنهم، وهو ما يحفّزهم على السعادة. إذ يبلغ عدد السكّان 5.5 ملايين نسمة ويقترضون 68 مليون كتاب كل عام.

الحلوى

يدمن الفنلنديون شرب القهوة مع مخبوزات حلوة تتضمن القرفة والهيل. وقت ممتع يتطلب إعداد حلوى لذيذة بمكونات قليلة.

فلسفة sisu

كلمة تصعب ترجمتها إلى لغة أخرى تجمع مفاهيم الشجاعة والمرونة والمثابرة، وهي أحد أسرار السعادة الفنلندية. إنها قوة جوهرية تسمح للسكان بمواجهة تقلبات الحياة ووضع مسافة مع المواقف غير المرغوب فيها، مثل العزل.

اقــرأ أيضاً

قضوا أشهراً معزولين في الفضاء أو المحيطات…. هذه نصائحهم

وأحد أفضل الأمثلة على ذلك عملية الغوص في حمام مائي مثلج أو بحيرة متجمدة. يؤدي هذا إلى تسارع الدورة الدموية، فيسخن الجسم ثم تتدفق هرمونات السيروتونين والدوبامين، مما يؤدي إلى تقليل التوتر.

ولإعادة إنتاج هذا الإحساس في منزلكم، أنهوا حمامكم الصباحي برذاذ الماء المثلج لما بين دقيقة ودقيقتين. تأثيره التنشيطي مضمون ليوم كامل، تقول الصحيفة.

الثقافة والفن

يوجد ما يقرب من 300 متحف في فنلندا، 55 منها متاحف تضم قطعاً فنية. المشهد المعاصر غني للغاية في البلاد بفضل ديناميكية صالات العرض التقليدية والافتراضية.

العربي الجديد

—————————

بارقة أمل لمكافحة كورونا تمنحها الدودة الرملية للبشرية

بدأت فرنسا رسمياً اليوم الأربعاء 1 نيسان، بعد طلب من عشرات الأطباء في المشافي الباريسية، تجاربها التي تستند إلى توصيات مختبر Hemarina، حول أهمية استخدام مادة الـ Hemo2life المستخرجة من دودة الأرينيكول، المعروفة بدودة الرمل أو دودة الصيّاد، في عمليات أكسجة الدم لدى الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التنفس الحادة بعد إصابتهم بفايروس كورونا- COVID-19.

مختبر Hemarina الذي يديره عالم البيولوجيا اللامع فرانك زال، المتخصّص في علوم البيولوجيا المائية واستخداماتها في الفيزيولوجيا الإنسانية، بدأ بإرسال مادة الـ Hemo2life، المستخرجة من هيموغلوبين الدودة الرملية، إلى كل من مشفى جورج بومبيدو ومشفى الپيتيه سالپيتريير، لإستخدامها كناقل للأوكسيجين لدى عشرات الأشخاص الذين تم وضعهم في غرف الإنعاش نتيجة نقص الأكسجة في الدم.

وتؤكد الدراسات التي قام بها المختبر الواقع في بروتاني، غرب فرنسا، والتي وافقت عليها وزارة الصحة، أنّ الهيموغلوبين لدى دودة الصياد تساهم بنقل الأوكسيجين 40 مرة أكثر من الهيموغلوبين في جسم الإنسان.

المدن

—————————————–

مساعدات بوتين المفخخة/ بسام مقداد

تدور هذه الأيام رحى حرب إعلامية ضروس بين روسيا والغرب ، على خلفية المساعدات ، التي قدمتها روسيا لإيطاليا ، والتشكيك الغربي بأهداف هذه المساعدات وقيمتها العملية . وأشد ما استفز الروس ، هي تلك المقالة ، التي ظهرت في صحيفة “La Stampa” الإيطالية ، بعد ايام من وصول المساعدات الروسية ، ونقلتها نوفوستي إلى الروسية. وسارع السفير الروسي في إيطاليا ، إلى توجيه رسالة إلى رئيس تحرير الصحيفة ، أعرب فيها عن احتجاجه على ما ورد في المقالة من ذم وتشكيك بالمساعدات الروسية ، “بدلاً من التعبير عن الإمتنان لتقديم هذه المساعدات” .

الصحيفة ، التي نشرت احتجاج السفير، بالطبع ، كانت قد نشرت مقالة تحت عنوان مطول “العسكريون الروس يقيمون في مقر للجيش الإيطالي ، يتم تداول مخاوف من “إحتلال” روسي لإيطاليا” ، قالت في مقدمتها ، بأن خبراء الحرب الجرثومية ، الذين أرسلهم بوتين بإذن من رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبه كونتي ، يدرسون خريطة إيطاليا . وأكدت بأن ثمة قناعة أخذت تنتشر في الأوساط العسكرية والسياسية ، وفي الإدارة والحكومة الإيطالية ، بأن روسيا ، وهي تقدم المساعدة لإيطاليا في هذه الظروف الإستثنائية الناشئة عن وباء الكورونا ، لا تسترشد فقط بطيبة شعبها المتناهية ، وبالصداقة التقليدية بين البلدين . وبعد أن تشير الصحيفة إلى مخاوف كبار مسؤولي الحكومة والأركان العامة الإيطالية من الثمن الجيوسياسي لهذه المساعدة ، تقول بأنه سوف يتعين على  رئيس الوزراء جوزيبه كونتي أن يدفع لبوتين ثمن السماح للعسكريين الروس بدخول الأراضي الإيطالية . وتشير إلى أنها اطلعت على مواقع تمركز هؤلاء العسكريين ومحتوى المساعدات ، التي حملوها على طائراتهم ، ليس من السلطات الإيطالية ، بل من الروس أنفسهم .

وتنقل الصحيفة عن جنرال إيطالي متقاعد قوله ، بأن المساعدة لا تُرفض ، لكن ينبغي البقاء على حذر شديد ، لأن البحر الأبيض المتوسط ، بشرقه ووسطه ، هو منطقة صراع على النفوذ في سوريا وفي ليبيا . ولذا ، ينبغي تفادي الوضع ، الذي تتحول فيه الأزمة الصحية ، إلى أزمة ذات طابع عسكري سياسي، ولذلك ، فالمساعدة أمر جيد ، إنما ينبغي أن توضع لها حدود معينة .

وبعد أن تتساءل الصحيفة ما إذا كانت إيطاليا ستتحول إلى جبهة إيطالية روسية مختلطة للبحث في شؤون الحرب الجرثومية ، تتذكر عملية دخول القوات الروسية إلى أفغانستان العام ، 1979 ومصير الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين على يد هذه القوات . وكانت قد أرفقت مقالتها هذه بمقالة أخرى في اليوم عينه بعنوان “الإتصال الهاتفي بين كونتي وبوتين بشأن فيروس الكورونا أثار قلق الحكومة : “بدل المساعدات وصل عسكريون روس” ، قالت فيها بأن البعض يقول بأن  80″% من المساعدات الروسية لا فائدة منها البتة، أو قليلة الفائدة ، وهي ليست سوى حجة لا أكثر .

الرسالة الإحتجاجية للسفير الروسي إلى رئيس تحرير الصحيفة ، تولى الرد عليها كاتب المقالة نفسه ، وفند النقاط التى أبدى السفير اعتراضه عليها ، ولا سيما التذكير بدخول القوات السوفياتية إلى افغانستان ، والقول بلا فائدة معظم المساعدات ، وأنهى رده بالتأكيد ، بأنهم في إيطاليا وفي الصحيفة نفسها ، لا يسمحون بالإشارة إليهم “بما كان يجدر بنا أن نفعله ، أو لا نفعله”. 

التشكيك بالنوايا الروسية ، التي تقف وراء إرسال المساعدات إلى إيطاليا ، واتهامها باستغلال كارثة وباء الكورونا للعمل على تفكيك الإتحاد الأوروبي من الداخل ، لم تقتصر على الصحيفة الإيطالية المذكورة، بل نقلت نوفوستي نفسها عن صحف ومواقع من مختلف البلدان الأوروبية ، تتفق جميعها مع تقويم الصحيفة الإيطالية لمبادرة بوتين.

من جهته ، لم يقتصر الكرملين في رده على الإعلام الغربي برسالة سفيره في روما ، بل جند كل إعلامه للإنخراط في هذه الحملة. ودأبت شاشات التلفزة الموالية على بث الصور وأشرطة الفيديو لرتل السيارات العسكرية الروسية، وسط موسيقى النشيد الوطني الروسي، التي تقول بأنها تعبير من الإيطاليين عن ترحيبهم بالأطباء العسكريين الروس.

لكن معارضي بوتين الليبراليين لم يشاركوا ، بالطبع ، في مهرجان بروباغندا الكرملين هذا ، بل هم يشاركون كلياً استنتاجات الإعلام الغربي وتقويمه لأهداف ومهمات المساعدة الروسية تلك . كما أن معارضي الكرملين من القوميين الروس و”المعارضة من داخل النظام” ، لم يشاركوا الكرملين مهرجانه هذا ، بل وسخروا منه أيضاً . ولعل ما نشرته صحيفة القوميين هؤلاء مساء الثلاثاء في 31 من الشهر المنصرم قد عبر أفضل تعبير عن موقفهم هذا ، إذ نشرت صحيفتهم “SP” مقالة بعنوان شديد السخرية “”جميل جداً” : بوتين ينقذ الولايات المتحدة من فيروس كورونا” ، وقالت بأن روسيا ترسل إلى أميركا طائرة مساعدات طبية . وأشارت إلى أن الكرملين سبق له أن لبى طلب رئيس الوزراء الإيطالي وارسل له 15 طائرة من الإختصاصيين والأجهزة الطبية ، وتحاول روسيا في هذه الأثناء تفادي انتشار الوباء على أراضيها ، “دون نجاح كبير” . فقد فرضت السلطة الحجر الصحي على البلاد ، ولم تتمكن من توفير وسائل الحماية البسيطة للناس ، مثل الكمامات الطبية ، والقفازات ، والمطهرات ، وسواها.

وتنقل الصحيفة عن مبعوثها الخاص إلى إحدى المناطق الروسية للبحث عن وسائل الحماية المذكورة ، لكنه يعود من هناك بنتائج سلبية لمعظم تلك الوسائل ، وينقل عن الناس استنتاجهم ، بأنه طالما أن وسائط الحماية مفقودة “فنحن سوف نصاب بالوباء” . وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول “لكننا نرسل الطائرات الطبية إلى أميركا ! ليس نحن ، بل الكرملين هو الذي يرسلها ، ولأسباب لا يعرفها سواه ” . وتتساءل “لماذا هذه الإلتفاتات؟” ، وتقول بأن بوتين يعتقد أن أميركا سوف تقدر ذلك ، “لكن هيهات أن تفعل، أما مواطنونا فهذا سوف يثير غضبهم بالتأكيد” .

وكانت الصحيفة عينها ، قد نشرت قبل يوم من ذلك ، مقالة بدت فيها وكأنها ترد على ما سبق لصحيفة الكرملين “VZ” أن نشرته قبل أيام ، وقالت فيه بأن  فيروس الكورونا سوف يجبر الغرب على التخلي عن كراهية روسيا . فكتبت مقالة بعنوان “فيروس الكورونا لن يجبر الغرب على حب الروس” ، وقالت بأن الساسة الغربيين يتهمون موسكو باستغلال الوباء لصالحها . ونقلت عن الناطق باسم منسق أجهزة المخابرات البولونية قوله ، بأنه على قناعة ، بأنه مع اشتداد انتشار فيروس الكورونا في العالم ، سوف تنتقل روسيا إلى الهجوم السياسي . وقال السياسي البولوني ، بأن روسيا تصور نفسها على الساحة الدولية بأنها البلد ، الذي لا يستطيع فقط التعامل مع الوباء ، بل وبوسعه أيضاً مد يد العون للآخرين ، وتلمح روسيا، إلى أنه كان بوسعها تقديم أكثر في ما لو رُفعت عنها العقوبات الغربية .

لكن النص ، الذي نشره موقع “بوتين اليوم” الرسمي منذ يومين ، قد يكون الأكثر وضوحاً بين النصوص الكثيرة ، التي نشرها إعلام الكرملين ، للرد على الإعلام الغربي ، والدفاع عن مساعدات بوتين للغرب . فقد جاء النص تحت عنوان “الروس ينقذون العالم من جديد” ، ونسب القول إلى الميديا الإسبانية أن وباء فيروس الكورونا في بلدان الإتحاد الأوروبي ، قد بيّن أن البلد الذي يصطدم بمشكلة ، لا يمد له جيرانه يد العون، بل يقومون بكل ما من شأنه زيادة وضعه سؤاً، وبالتالي، ما على البلد المعني سوى الخروج من الإتحاد الأوروبي، وطلب المساعدة من الكرملين، حتى لو كانت هذه المساعدة مفخخة بنوايا الكرملين المضمرة حيال مصير هذا الإتحاد .

المدن

————————–

حين نخشى بقاءنا مع أنفسنا/ آية الراوي

نحن في حالة حرب. هكذا خاطب رؤساء البلدان شعوبهم، معلنين حالة الطوارئ والتعبئة الكاملة لمواجهة الجائحة. يرى البعض في هذا الخطاب مبالغة وانغلاقاً شعبوياً ووطنياً، إذ أقفلت الدول حدودها وانتظمت ضمن قوقعات متأهّبة ومذعورة. بالنسبة إلى الفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع، إدغار موران، قد نشعر بعبء كبير يشبه وطأة الاحتلال من قبل عدو خفي، وقد تكون حالة حرب، لكن لنا حصتنا من المسؤولية فيها، فنحن حلفاء هذا العدو، والعدو ليس الفيروس، إنما هو موجود فينا، في تدهور المستشفيات والعناية الصحية، في عدم الوقاية والتحضير، في السياسات المفروضة وفي منظومة الاستهلاك والإنتاج السائدة وفي التفاوت الاجتماعي.

يعتبر موران أن الأزمة ستُظهر لنا مشكلة العولمة كونها عبارة عن اعتماد متبادل أو تبعية متبادلة ولكن من دون تضامن. فقد أنتجت حركة العولمة بالتأكيد التوحيد التقني والاقتصادي للكوكب، لكنها لم تكرّس سمة التفاهم بين الشعوب. منذ بداية الظاهرة في التسعينات، احتدمت الحروب والأزمات المالية، وما تلاها من اختلال النظم البيئية وانتشار الأسلحة النووية والاقتصاد النيوليبرالي، ولّد نوعاً من وحدة المصير بين البشر، لكنهم لم يكونوا على علم بها. واليوم، يسلّط الفيروس الضوء وبطريقة فورية ومأسوية، على وحدة المصير هذه. لذلك يجب إعادة تحديد أولويات الدولة، مثل الاكتفاء الذاتي بتعزيز الزراعة وصناعة الأدوية، الاهتمام بالخدمات الاجتماعية والصحية، توزيع الثروات، حماية البيئة.

وبدوره، يقول بوريس سيرولنك، وهو عالم نفس وطبيب متخصص في علم الأعصاب والسلوكيات، أننا لسنا في حالة حرب، وإنما في حالة مقاومة، أو مجابهة، لأن العدو يستطيع أن يطاولنا، لكننا لا نطاوله، لا نراه، لا نفهمه ولا نستطيع مهاجمته. وتتلخص سبل المقاومة على الصعيد الفردي، بمحاور ثلاثة، فالخلاص يتمثل أولاً باللجوء إلى الفعل والعمل، ما استطعنا إليه سبيلاً. المحور الثاني هو التعلّق، التعلق بشخص، أكان قريباً أو بعيداً، فنحن بحاجة إلى الآخر، بحاجة إلى أن نحب وأن نكره وأن نتفاعل وإلا أصابنا الجنون، والتعلّق قد يعطينا شعوراً بالأمان والأمل ويساعدنا على خلق جسر ملموس مع الواقع. أما محور الخلاص الثالث، فهو الغوص في عالمنا الداخلي، عبر الكتابة والقراءة والموسيقى والتفكّر. ففي غياب الآخر، لا نستطيع النجاة إلا عبر التفاعل مع الآخر الفرضي من خلال الشعر والأدب والفلسفة وكل ما توفّر في عالم الأفكار والفن والخيال. وإذا قال سارتر أن الجحيم هم الآخرون، فربما في حالة الحجر الصحي، مهما اختلفت شروطه، تنقلب الآية، فيكون الجحيم هو نحن، هو الأنا. في هذه الخلوة المفروضة، علينا أن نواجه خوفنا ووحدتنا، ونحن لا نجيد ذلك، فنلجأ إلى الانترنت والواتساب والفايسبوك والنتفليكس وغيرها وغيرها من وسائل الترفيه واللهو. نلجأ إلى الأكل، إلى الطبخ، إلى الكلام، إلى أي شيء يمنعنا من رفع الحُجب عن النفس، ومواجهة هذا الكائن الذي تتصارع في داخله كل الملائكة والشياطين. ينتابنا خوف من الصمت، وخوف من الخوف. وكيف لا، ألم تكن الخلوة في معظم التقاليد الروحية، شرطاً أساسياً للسمو بالنفس إلى مراحل أرقى من التنوّر أو التحرّر أو العرفان، وظيفتها تطهيرية وهي من أصعب التجارب التي قد يُمتحن بها الإنسان.

وطبعاً، كل هذه النصائح يوجهها العلماء لفئة معينة ومحظوظة من الناس. فإن جمعت بينهم هذه الأزمة على صعيد ما، ففي النهاية من يدفع الثمن هم الضعفاء، المهاجرون واللاجئون والعمّال والمسنّون والطبقات المهمّشة… وإذا كان لا بد من فائدة إنسانية لهذه الأزمة التي عبرت كل الحدود، فهي، من جهة، مساءلة هذا العدو (أي المنظومة التي نعيش وفق شرائعها)، ومن جهة ثانية إعادة الاعتبار لما هو جوهري في هذه الحياة: الصداقة، الحب، التضامن، وكل هذه الأمور التي نكاد ننساها…

—————————–

كوفيد-19: لا قائد في قُمرة القيادة/ فيكين شيتريان

مما لا شك فيه أن نظاماً عالمياً قائماً على الحسابات المالية ليس السبيل إلى إنقاذ أرواحنا. لكن هذا النظام الرأسمالي يبدو اليوم هشاً للغاية وعاجزاً.

لعلك استمعت إلى ما قاله أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن وباء “كورونا”؟ ولعلك أيضاً اطلعت على التدابير التي اتخذها تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لـ”منظمة الصحة العالمية”، لمنع الوباء من قتل المزيد من الناس؟

انهمك كلا المسؤولين الدوليين في التصدي لمرض كوفيد-19 الذي يسببه فايروس “كورونا”، ولكن بعيداً من التصريحات ذات الطابع العام، فأنا لست على بيّنة بما فعلاه تحديداً، أو كيف يُمكن أن تقودنا أفعالهما إلى الخروج من هذه الأزمة. يبدو أن نظام الأمم المتحدة يتصدى الآن للوباء من خلال التصريحات، بل ويحرص الحرص كله بعد ذلك على عدم إغضاب أعضائه من الدول القومية.

أحد الأشياءِ المثيرةِ للاهتمام التي كشف عنها مرض كوفيد-19 هو أن نظامنا السياسي العالمي بلا قيادة. ليس وكأنّنا لا نعلم ذلك، فقد استمر الوضع على هذه الحال منذ زوال عصبة الأمم على أقل تقدير، بيد أن ظهور هذا الوباء جعل ما نعرفه واضحاً جلياً، وهو أن هذه الإنسانية، بعد تأسيس اقتصاد تحكمه العولمة، ونظم التمويل المتكامل، ونظام النقل العالمي، فضلاً عن وسائل الاتصالات الفورية، إلى آخر ذلك، بحاجة ماسة إلى نظام عالمي للإدارة، وهو ما من شأنه أن يعرضها لخطر جاثم.

يمكن اعتبار جنيف مركز الإنسانية على مستوى العالم، تلك المدينة الصغيرة التي تقع في سويسرا. وهناك يمكنك أن تجد مقر “منظمة الصحة العالمية”، فضلاً عن “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، ومنظمة “الصليب الأحمر الدولية” والكثير من المنظمات الدولية البيروقراطية الأخرى. لكن جنيف ليست المكان الذي تُتخذ فيه القرارات السياسية متعددة الأطراف. لهذا الغرض توجد مدينة نيويورك التي تُعد المركز السياسي للأمم المتحدة. وبمجرد اتخاذ القرارات في نيويورك، فإن هذا لا يعد مهماً ما لم تقرر بعض العواصم العالمية تمويلها على غرار، واشنطن العاصمة، وبروكسيل، وبكين، ولندن، ونيودلهي وغيرها. وبعد اتخاذ القرارات السياسية، وتوفير الأموال اللازمة، يصبح بوسع جنيف بوصفها اصطلاحاً مركزاً للمساعدات الإنسانية أن تنفذها. وهذا يعني بعبارة أخرى أن لدينا عدداً كبيراً من المنظمات الإنسانية، ولكنها لا تمتلك القدرة على اتخاذ أي قرارات سياسية أو مالية. فهي ببساطة لا تتمتع بأي سلطة. فهم ينفذون القرارات التي تُتخذ في أماكن أخرى، وبالتالي فإن الحد الأقصى لتفكيرهم الاستراتيجي يقتصر على “إدارة تكلفة المشاريع”.

من هذا المنطلق، نحن لا نملك إدارة عالمية قادرة على مواجهة التهديدات العالمية. فمنذ 10 كانون الثاني/ يناير، حين تم الإفصاح علانيةً عن حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 في الصين، قدمت منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، اقتراحات ودعوات خلال مؤتمرات صحافية. إلا أنها افتقرت إلى السياسات المنسَّقة الرامية إلى وقف انتشار الوباء. وباتت الأمم المتحدة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، لا تُشكل حتى جزءاً من النقاش حول ما حدث، وما الذي يتعين فعله بعد ذلك.

وبدلاً من الاستجابة العالمية لمواجهة الوباء، والتي من دون شك نفتقر إلى الآليات اللازمة، تولت الدول القومية عملية اتخاذ القرار. وتصرفت تلك الدول كما هو متوقع منها باعتبارها دولاً قومية، فأقدمت على إغلاق الحدود كردّ فعل غريزي. على رغم أنه في حالات كثيرة، لم يكن الوباء قد انتشر عبر الحدود الدولية، بل اقتصر انتشاره فقط على المناطق الداخلية من المدن والمقاطعات والأقاليم وعبر الجبال والأنهار داخل الدول القومية. وبحلول الوقت الذي توقفت فيه حركة الطيران الدولية، كان الأوان قد فات بالفعل لوقف انتشار الفايروس. وما زالت الدول القومية تواصل القتال بعقلية القادة العسكريين الذين يخوضون الحرب الأخيرة، لا الحرب المستقبلية.

ولم نشهد بزوغ نجم زعيم عالمي داخل تلك الدول القومية: فقد حارب شي جين بينغ، رئيس الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، الوباء من خلال فرض الرقابة: فقد أبقى على سرية مرض كوفيد-19 لفترة طويلة بما يكفي ليعرض الكوكب بأسره للخطر اليوم. والآن ثمة شكوك متزايدة بشأن الإحصاءات اليومية التي يُعلن عنها المسؤولون الصينيون. وقد اتبعت إيران نهجاً مماثلاً: فقد فضل قادتها عقد الانتخابات البرلمانية على حساب إبقاء الوباء سراً، على رغم ما  قد يترتب على ذلك من عواقب مأساوية.

لا يزال بعض الزعماء “الأقوياء” الآخرين، مثل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي -ويمكنك تسمية كثيرين غيرهم- يتبعون سياسة الرقابة، في حين أظهرت كوريا الجنوبية أن الطريقة الوحيدة الفعالة لمكافحة الوباء هي الالتزام بأقصى درجات الشفافية مع إجراء أعداد ضخمة من الاختبارات لتحديد مدى تفشي الوباء وكيفية القضاء عليه. وأكثر ما يثير قلق دونالد ترامب، زعيم الدولة التي تمتلك أقوى اقتصاد في العالم الذي لم يستطع فعل أي شيء سوى الإدلاء بتصريحات رنانة مقتضبة، هو الأداء الاقتصادي قصير المدى في وول ستريت نتيجة عواقب الوباء طويلة الأجل. بينما زار بوريس جونسون، زعيم الدولة التي كانت تهيمن على العالم حتى وقت قريب، أحد المستشفيات “وصافح بفخرٍ الجميع” إلى أن جاءت نتيجة اختباره إيجابية.

وإن كنا لا نحظى بقيادة سياسية عالمية؛ فهذا لا يعني أننا لا نمتلك نظاماً عالمياً، فنحن نخضع لنظام عالمي يقوم على رأسمالية ربحية، وقد وضع نظامنا العالمي بأكمله بهدف تحقيق الربح المالي. يفسر هذا السبب في أن اختبارات كوفيد-19 تتركز في قارة واحدة وفي بعض القطاعات من قارة أخرى. وسيخبرك أي محاسب أن مثل هذه الهوامش الربحية تكون أكبر.

ولهذا حدث نقص بعد أسابيع قليلة من تفشي الوباء في بعض الأشياء الأساسية البسيطة مثل الكمامات و”جيل” التعقيم وغيرها. خلال العقود الثلاثة الماضية -أيّ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي- أدى اتباع المنطق المالي ذاته إلى خفض الخدمات العمومية لتصل إلى الحد الأدنى وهذا ما يجعل مستشفياتنا مكتظة بالفعل وعاجزة عن التصدي للوباء، مع اضطرار المستشفيات إلى المفاضلة بين المرضى وإعادة المرضى الذين لا يعانون من أعراض شديدة لمرض كوفيد-19 إلى منازلهم بمنتهى البساطة من دون إجراء الاختبار.

مما لا شك فيه أن نظاماً عالمياً قائماً على الحسابات المالية ليس السبيل إلى إنقاذ أرواحنا. لكن هذا النظام الرأسمالي يبدو اليوم هشاً للغاية وعاجزاً.  ولم تأتِ الأسواق بزعيمٍ قادرٍ على إيصالنا إلى بر الأمان. فضلاً عن ذلك، قرر السياسيون المذعورون وقف الأنشطة الاقتصادية فجأة. ولم تعد لدى مديري الشركات متعددة الجنسيات حيلة الآن، فقد ذهب الوباء بسلطتهم، وكل ما يفعلونه حالياً هو مراقبة شاشاتهم مثل بقية الناس.

ثم هناك المنصات الإعلامية، المكان الذي نستقي منه معلوماتنا ونشارك في الحوارات الدائرة فيه. إذ تشجع أنظمة التواصل لدينا -المعتمدة على “فايسبوك” و”تويتر” وغيرهما- على نشر الشائعات والتكهنات بدلاً من التقارير الصحيحة والمناقشات الواعية. واليوم، بات مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي هم من يتصدرون المشهد وليس الخبراء والعلماء. فعلى مدار العقدين الماضيين شهد التمويل المخصص للصحافة وإجراء التحقيقات انخفاضاً حاداً، حاله حال التمويل المخصص لقطاع الصحة العامة.

ومن دون معلومات دقيقة حول التحديات التي تواجهها البشرية وعدم معرفتنا الحلول الممكنة؛ ليس في وسعنا إجراء مناقشات ديموقراطية لتحديد أيّ مسار سنسلكه، وما الذي يجب أن نتخلى عنه بينما نواصل مكافحتنا هذا الوباء، أو الذي يليه. فقد تركتنا وسائل التواصل الاجتماعي العالمية فريسة في أيدي المشاهير والشائعات، وقوضت حكمتنا وقدرتنا على اتخاذ القرار.

لقد أوصل كوفيد-19، المرض الأشد فتكاً بقليل فحسب من الإنفلونزا الموسمية، نظامنا العالمي إلى حالة الجمود. يمكن أن يمنحنا هذا لحظة للتأمل في ما يحدث حولنا، وفرصة لإعادة ترتيب عالمنا، والتفكير في التلوث الهائل الذي تسببنا فيه وتدميرنا لنظامنا البيئي ومواردنا الطبيعية وذوبان الجليد القطبي وارتفاع منسوب مياه البحار والتغير السريع في المناخ. ربما يمنحنا فايروس “كورونا” فرصة لإعادة التفكير في إدارة مشتركة لعالمٍ أصبح أصغر بكثير من أن يُترك لـ”صناع الأرباح”. فبعد تجاوزنا كوفيد-19 لا تزال أمامنا مخاطر أخرى كثيرة، لسنا مستعدين لها بعد، ولأن الدروس التي تعلمناها من إدارة الوباء -إذا تعلمنا أصلاً تلك الدروس- قد لا تكون كافية.

درج

——————————

#الحب_في_زمن_كورونا: الحجر من دونك ليس صحيا

الدردشة الإلكترونية تخفف معاناة الانفصال القسري المفروض بسبب تفشي وباء كورونا.

وضع انتشار فايروس كورونا فكرة المواعدة على المحك وحولها إلى مواعدة إلكترونية، فيما انتشر هاشتاغ #الحب_في_زمن_كورونا وقد تغنى ضمنه مغردون بأحبائهم.

بغداد – تصدر هاشتاغ #الحب_في_زمن_كورونا الترند العربي على موقع تويتر بسبب معاناة العشاق من “الانفصال المؤلم”، إذ أصبحت أشياء بسيطة “أمورا تتعلق بالحياة والموت”.

و”الحب في زمن كورونا”، عبارة مستلهمة من اسم رواية الكاتب الكولومبي الحائز على نوبل، غابرييل غارسيا ماركيز “الحب في زمن الكوليرا”، وقد استخدمت على نطاق واسع في الفترة الماضية سواء في الأخبار أو الطرائف التي أنتجها الحس الساخر البشري في مواجهة مرض جديد وغامض، ما لبثت أن تحولت إلى سؤال، وهو سؤال ملح بالنسبة إلى قطاع واسع من الناس حول العالم.

وانقلبت حياة 3 مليارات شخص حول العالم رأسا على عقب، مع تفشي فايروس كورونا “المستبد”. وتغير أسلوب المواعدة مع تطبيق الحكومات قواعد صارمة “للتباعد الاجتماعي” بهدف مكافحة الوباء الذي أصاب وفتك بأكثر من نصف مليون شخص حول العالم.

وفي أسابيع قليلة تمكن الوباء العالمي من تحويل المواعدة المباشرة إلى مواعدة إلكترونية.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تداول عراقيون على نطاق واسع مقطع فيديو يظهر احتفال امرأة عراقية في عقدها السادس، على طريقتها الخاصة بمناسبة شفاء زوجها المصاب بفايروس كورونا.

وأظهر مقطع فيديو داخل مستشفى الصدر التعليمي بمحافظة ميسان، جنوبي العراق، المرأة وهي ترقص على طريقة أهل الجنوب وتردد الأهازيج التي يُعرف بها سكان تلك المنطقة.

ووزعت زوجة المصاب السابق، جواد كاظم، الحلوى على الكادر الطبي الذي شاركها احتفالها، وذبحت خروفا قربانا لشفاء زوجها.

وضمن هاشتاغ #الحب_في_زمن_كورونا قال مغرد:

mona_syria2@

نكافح في هذه الحياة ليس حُبّا فيها وإنّما حُبّا فيمن نحبهم.. #الحب_في_زمن_كورونا.

كما احتوى الهاشتاغ على عدة تغرديات ساخرة. وكتب مغرد:

dhalajmy@

إحدى المتزوجات وبعد تطبيق الحجر المنزلي وبقاء زوجها الدائم بالبيت صارت تغني “كورونا رجعت لي تاني حب قلبي من جديد بعد غيبة جاني رح ناداني خلا عمري كلو عيد”. #الحب_في_زمن_كورونا.

وقال آخر:

ali00lb@

قريبا في الوطن العربي: “ابعثيلي صورتك وانتي شالحة (نازعة) الكمامة”.

وفجرت كورونا قريحة مغردين تغنوا شعرا بأحبائهم في زمن كورونا. وكتب مغرد:

rawi_haddad@

“سلام على المحجورين بغير ذنب سلام على التائهين بغير درب سلام على النائمين (طبا) لا على الجنب سلام على اللي ما بيسأل وبلا قلب #الحب_فى_زمن_كورونا”.

ونظم مغرد أبيات شعر جاء فيها:

Mohamadalsadiy@

“وقُلـت اعطسي فالموت عندكي راحتـي والحب فـي وقـت الشدائد يصنعُ إن جارت الأيـام والحجر عنك أبعدني سأحيا كورد في رحابك يُـزرع ما الكمامة الزرقاء إلا حاجزا ومرادها قطع للوصال وأمر مُفـزع ينتابني ألم الفراق ويغيضني هجر الأحبة وافتقاد مُجزع”.

وكتب مغرد:

Aly_n_@

سيكتب التاريخ إنه في زمن كورونا لم تسجل أي حالة خيانة زوجية على الكوكب. #الحب_في_زمن_كورونا #كورونا_الجديد.

وسخرت إعلامية:

KaramRachel@

“كم اثنين بحبو بعض سألتو بعض هلق:حياتي إذا انصبت بكورونا بظلك معي بالغرفة أو رح ظلّ لحالي؟!”. الجواب… #الحب_في_زمن_كورونا.

يذكر أن الهاتف الذكي وتطبيقات الدردشة ساهمت بشكل عام، في تقريب المسافات بين الناس وتسهيل التعبير عن المشاعر بين المحبين. وغردت إعلامية:

RimaNJEIM@

#علمتني_كورونا أن الحب هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة ما عدا ذلك كلّه باطل من أصيبوا بكورونا في إيطاليا وهم على شفير الموت لم يطلبوا قبل الرحيل إلّا رؤية وجوه أحبّائهم كانوا يتوسّلون أن يسمعوا أصواتهم … حتى نحن تعاطفنا معهم ليس لأنهم مرضى بل لأنهم يموتون وحيدين دون غمرة حب.

وبدأت العديد من مواقع المواعدة ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل منذ أيام بطرح أسئلة على الجمهور تتعلق بفايروس كورونا وعلاقاتهم العاطفية.

وأرسل موقع أوكيه كيوبيد (OKCupid) تنبيها لكل مستخدم لديه يحمل سؤالا يقول “هل يؤثر فايروس كورونا على حياتك العاطفية؟”.

وطرحت الشركة السؤال بعد ملاحظة ارتفاع بنسبة 262 في المئة في عدد الملفات الشخصية في المملكة المتحدة التي تذكر فايروس كورونا بين يناير ومارس، حتى الوصول إلى النقطة التي ذكر فيها الفايروس في الأسبوع الأول من مارس بقدر ما ذكر خلال شهر فبراير بأكمله.

وبحسب النتائج فإن نحو 93 في المئة من المستطلعة آراؤهم في المملكة المتحدة قالوا إنهم سيكملون بشكل طبيعي حياتهم العاطفية وسيستمرون بالمواعدة، بل إن الفايروس دفع بالناس إلى البحث عن الحب بشكل أكبر حيث سجل الموقع ارتفاعا بنحو 7 في المئة في المحادثات الجديدة خلال الأسبوع الأخير بحسب الشركة.

أما تطبيق تندر (Tinder) فقد بدأ بتحذير المستخدمين من مخاطر الاجتماع وجها لوجه، ولجأ إلى رسالة تحذيرية تحتوي على نصائح تعرض على الشاشة خلال سحب الشاشة عند عملية الاختيار أثناء استخدام التطبيق. من بين النصائح غسل الأيدي، وحمل مطهر اليدين، وتجنب لمس الوجه، و”الحفاظ على المسافة الاجتماعية في التجمعات العامة”.

يقول موقع تندر “في الوقت الذي نريد فيه أن تستمر بالاستمتاع ، فإن حماية نفسك من فايروس كورونا أكثر أهمية يدرك تندر أن أعضاءنا يقابلون أشخاصا جددا شخصيا في كثير من الأحيان، ونظرا للوضع الحالي، أردنا تذكيركم بالاحتياطات التي يجب عليكم اتخاذها”.

أما موقع هينج (Hinge) فلم يأت على ذكر الفايروس في التطبيق نفسه، ولكن نشر رسالة توعية على حساب التطبيق في تويتر، يطلب فيها من مستخدميه غسل أيديهم قبل سرقة أعواد البطاطس من شريك الموعد، فلا مشكلة بمشاركة البطاطس، إنما ليس الجراثيم!

العرب

———————————-

السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات… للأسف!/ حازم صاغية

هناك عبارة تتكرّر اليوم بلغات عدّة: كورونا ستسقط الرأسماليّة واللاعدالة وتفتح الطريق إلى نظام جديد، أو إلى اشتراكيّة تستفيد من نواقص اشتراكيّات الماضي، ومن التقدّم الذي حصل مذّاك، ومن تطوّرات البيئة والاجتماع والعلاقات الجندريّة… إنّها اشتراكيّة من طراز جديد يفتح الباب واسعاً لإرادة المجتمع وتدخّله.

خطوة صغيرة ما زالت تفصل هؤلاء عن القول: سوف تُملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً.

يا ليت!

الضرب في غوامض المستقبل ليس مستحسناً، و«مسيرة التاريخ» ليست في جيب أحد. لكنّ إشارات يومنا تقول إنّ الاحتمال أعلاه هو الأبعد عن الإمكان. تقول أيضاً إنّ الاحتمال السلطويّ، وربّما الفاشيّ، قد يكون، لشديد الأسف والرعب، الأرجح.

فالأزمة الاقتصاديّة التي تستجمع قواها بصمت، ستنفجر حال تراجع الوباء، ويُرجّح أن تكون صاخبة مهولة. هذا ليس للتهويل والتيئيس. إنّه نابع مما تعلنه الأرقام وتقديرات الاقتصاديين على عمومهم. التشبيه بكساد 1929 بات يفوق التشبيه بركود 2008. وهو لا يقتصر على التأرجح غير المسبوق للبورصة. العالم كلّه ستتراجع نسب نموّه كثيراً، وبالملايين سوف تتقدّم نسب البطالة فيه…

لكنّ الأزمة هذه ستأتي مصحوبة بانفجار الوعي الأشدّ محافظة على أنواعه. إشارات تحوّل كهذا باتت تفقأ العين: العداء للآخر والخوف منه أيّاً كان. تنميطه العدواني وحرمانه من الموارد المتضائلة ومن الاستفادة منها، خصوصاً إذا كان مهاجراً أو لاجئاً أو غريباً. احتمالات تجفيف الهجرة قويّة. التشدّد في الرقابات الحدوديّة صلب. «الحلول» القوميّة ستكون هي الموضة. في البلدان حيث النسيج الوطني والدول أضعف من التراكيب الطائفيّة والإثنيّة، قد نشهد شيئاً مختلفاً لكنّه لا يقلّ خطورة: تناسل القوى المتعصّبة التي تنشئ تنظيمات موازية، وقد تطلب، أو تفرض، أشكالاً من الأمن الذاتيّ، فضلاً عن احتمال تسيير الطوائف لشؤونها الاقتصاديّة، وربّما التعليميّة أيضاً. أي بدل الفاشيّة الكلاسيكيّة، القوميّة والدولتيّة، نعيش نيو فاشيات مكسّرة تُوازن إحداها الأخرى وتبقي المجتمع على حافّة الحرب الأهليّة. نقص الموارد والتنافس عليها يضاعفان هذا الاحتمال ويجعلانه أشدّ احتداماً.

القسوة إشارة أخرى. كورونا أنعشت ثقافة التمييز الحادّ بين شبّان معافين وبين مرضى ومسنّين. تأتي هذه مصحوبة بثقافة العزل و«التباعد الاجتماعيّ» والتمحور حول البيت مما قد يصلح علاجات تقنيّة مؤقّتة، لكنّه ليس نموذجاً أمثل للحياة (حتّى كعلاجات تقنيّة، لا بدّ من إرفاقها بتأمين الشرط الاقتصادي للبقاء في البيت).

إشارة أخرى: اتّجاه بعض الأنظمة إلى ضبط حركة الأفراد عبر التليفونات وأجهزة الإيميل ومعرفة التحرّكات وتجميع كلّ المعطيات حول الماضي…

تراجع الثقة بالعلم وبالتقدّم يدفع أيضاً في الوجهة نفسها. صحوة «التحليلات» الخرافيّة والتآمريّة تتوسّع رقعتها. الدور الثقافي معطّل إلى حدّ بعيد. تصريف العنف، أكان بالسياسة والانتخابات أم بالرياضة، مسدود.

إلى هذا، لا يبدو أي أثر لحركات مجتمعيّة أو نقابيّة أو مجتمعيّة أو ليبراليّة أو اشتراكيّة ديمقراطيّة تملك القدرة على الفعل والتأثير. أمّا على صعيد السياسات العليا، فمن المعبّر أنّ حظوظ ساندرز في أميركا قد تنتهي إلى ما انتهت إليه حظوظ زميله كوربين في بريطانيا.

وفيما خصّ النماذج، مُقلقٌ هو الطلب على الدولة القويّة والإعجاب بأفعال الصين فيما يترنّح الاتّحاد الأوروبيّ. ذاك الإعجاب يخدم الوجهة إيّاها، خصوصاً مع انحطاط النموذج الليبرالي إلى نموذج نيو ليبرالي غافل وساهٍ، فيما تضمر الحركات الاعتراضيّة على عمومها، وما بقي منها ضدّ «الأنظمة الفاسدة» و«الحكومات قليلة الفاعليّة» قادر على إعادة تدوير نفسه طلباً لأنظمة «أقوى». هكذا نضيف الاستبداد و«الكفاءة» إلى النيو ليبراليّة.

فوق ذلك: هذه الوجهة بشعبويّتها وعدائها للغريب وبمواصفاتها الأخرى لم تكن ضامرة حين هبّت كورونا علينا. كانت قويّة أصلاً.

هكذا، بقي النقد خجولاً جدّاً للاستبداد والمستبدّين: بشّار الأسد هجّر الملايين ممن لا يجدون بيوتاً يحتمون بها من كورونا. فلاديمير بوتين يتهيّأ لتعديلات دستوريّة تضمن بقاءه في الكرملين حتّى 2036. الزعماء المعصومون الذين تكاثروا في السنوات القليلة الماضية مرشّحون للتخصيب.

والحال أنّ السلطويّة والفاشيّة تخيفان أكثر من كورونا، وهما تقتلان أكثر. أمّا الخلاص الذي تقول لنا السيناريوهات الرؤيويّة إنّه يقيم خلف الكارثة فأغلب الظنّ أنّه خرافة. أمٌّ كهذه يصعب أن تلد بِنتاً كتلك.

الشرق الأوسط

—————————-

الأولوية للمرضى والمتخصصين.. ما الطريقة الصحيحة لاستخدام الكمامات؟/ د. أسامة أبو الرب

تؤكد منظمة الصحة العالمية مرارا على أن استخدام الكمامات ينبغي أن يقتصر على المصابين بفيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19، وأن ارتداءها بالنسبة لغير المصابين لا يقيهم من العدوى، فلماذا ذلك؟ وما الطريقة الصحيحة لاستخدام الكمامات؟

في كثير من مناطق الصين باتت الكمامات الطبية إلزامية منذ تفشي فيروس كورونا. وبعض البلدان الأخرى تتبع هذه الإجراءات مثل النمسا التي فرضت الكمامة على الزبائن داخل متاجر التسوق. وفي ألمانيا يدور النقاش حاليا حول فرض الكمامة.

ويوم الاثنين أبدى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عدم ممانعته في إلزام المواطنين بارتداء كمامات عند التسوق على سبيل المثال كما فعلت النمسا.

وفي مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية الصادرة الاثنين، قال السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي”إذا كان الأمر منطقيا، فلا ينبغي استبعاد مثل هذا الشيء”.

وأضاف ماس أنه يجب أيضا ضمان أن الكمامات مناسبة لحماية الشخص والآخرين، متابعا أنه “لن يجدي عندما يتم وضع أي شيء على الوجه ليس له أي تأثير وقائي”.

بالمقابل أعرب مسؤولون ألمان أمس الثلاثاء معارضتهم لاشتراط وضع السكان الكمامات والأقنعة الطبية خلال وباء كورونا المستجد، وسط تحذيرات من أن ذلك قد يعطى إحساسا زائفا بالأمان.

لا حاجة

وذكر وزير الصحة الألماني ينس شبان الثلاثاء أنه يرى الآن أنه “لا حاجة هنالك للالتزام” بارتداء كمامات في بلاده رغم أن مدينة يينا (شرق) اتخذت قرارا محليا بفرض ارتداء الكمامات أثناء التسوق أو استخدام المواصلات العامة في إطار تكثيف الجهود للحد من تفشي فيروس كورونا، وأصبحت بذلك أول مدينة ألمانية تتخذ هذه الخطوة.

ومن جانبه يرى وزير الداخلية هورست زيهوفر أن التركيز يجب أن يكون أولا على توفير كميات كافية من الكمامات للعاملين بمجال الصحة والشرطة، في حين حذر العديد من المسؤولين من إرسال إشارة خاطئة عن طريق مطالبة عموم السكان بوضع الكمامات.

المصابون بالفيروس

وفي بيان لها أكدت المنظمة العالمية للصحة مرارا أن استخدام الكمامات ينبغي أن يقتصر على المصابين بالفيروس، وأن ارتداءها بالنسبة لغير المصابين لا يقيهم من العدوى.

ولفترات طويلة اقتصر ارتداء الكمامة الطبية على غرف العمليات، والهدف هو حماية المريض الذي يخضع لجراحة من الإصابة بعدوى حال سعال أو عطس أحد الأطباء أو طاقم التمريض أثناء الجراحة، وهي طريقة وقائية فعالة تمنع انتشار رذاذ السعال، لكن بشروط من أهمها تغيير الكمامة بانتظام. والمتعارف عليه في غرف العمليات عادة هو تغيير الكمامة كل ساعتين.

وفي حال ارتداء الكمامات في الحياة اليومية، فإنها تقي من يرتديها من العدوى، ولكن على نطاق ضيق جدا، فالفيروسات تخترق الجسم عادة عبر الفم أو العين أو الجروح المفتوحة، أما الدور الأهم في انتقال العدوى فتلعبه اليد. النصيحة الأهم هنا من قبل الخبراء تتمثل في عدم حك العين أو الأنف.

ويوم الاثنين قال مسؤولون بمنظمة الصحة إن مقدمي الرعاية والعاملين في مجال الرعاية الصحية بالخطوط الأمامية فقط يجب أن يرتدوا الكمامات، وكذلك المرضى لمنع انتشار العدوى.

وقالت المنظمة إن الكمامات يساء استخدامها بشكل كبير، مستشهدة بأبحاث تشير إلى أن الكمامات يمكن أن تعطي إحساسا زائفا بالأمان وقد تقود الناس إلى التخفيف من عملية غسل اليدين.

وأوضحت مايكل رايان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالصحة العالمية -في رد على سؤال حول موضوع ارتداء الكمامات- إن المنظمة لا تلزم الجميع باستخدام الكمامة، وأكدت أن الأولوية للأطقم الطبية والمصابين ومن يتعاملون معهم إن كانوا بالمنزل، وقالت أيضا إن وضع الكمامة وخلعها مرارا وتكرارا قد تكون له أضرار.

وفي الولايات المتحدة توصي مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأشخاص الذين لديهم أعراض المرض أو الذين يقدمون الرعاية للمرضى فقط بارتداء الكمامات.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حث الجراح العام الأميركي جيروم آدامز على التوقف عن شراء الكمامات، حيث غرد “إنها ليست فعالة في منع عامة الناس من الإصابة بفيروس كورونا، ولكن إذا لم يتمكن مقدمو الرعاية الصحية من استعمالها –نتيجة نقصها أو انقطاعها- فإن هذا يعرضهم هم ومجتمعاتنا للخطر”.

كمامات بفلتر

بالإضافة إلى كمامات غرف العمليات، هناك أيضا كمامات أكثر فاعلية وهي تلك المزودة بفلتر للحماية من الأتربة والمواد الضارة. وتنتشر هذه الكمامات عادة بين العاملين في مجالات البناء والصناعة، ممن يتعرضون للأتربة والمواد الضارة.

هذه الكمامات أيضا لا تقدم الحماية المثالية من الفيروسات، إذ إنها معدة لهدف آخر، فهي مفيدة للنجار على سبيل المثال للحماية من استنشاق غبار الأخشاب، أو لعامل البناء الذي يخلط الإسمنت ويحتاج للحماية من غباره.

حتى استخدام الكمامات ذات أفضل درجات الفلترة لا يقدم الحماية دون اتخاذ إجراءات وقائية أخرى أهمها: اتباع أعلى درجات النظافة عند وضع الكمامة أو التخلص منها، ارتداء قفازات وبدلة كاملة تغطي الجسم كله، علاوة على الغسل المنتظم لليدين وتعقيم المكان المحيط بك بانتظام وبشكل سليم.

وهذا ما يعتمده العاملون في وحدات العزل التي يوجد فيها مصابون بالفيروس بالفعل، وهو أمر يحتاج لوقت طويل، وبالتالي فإن اتباع هذه الطريقة في الحماية أثناء العمل أو عند استخدام وسائل النقل العام غير عملي بالمرة.

 متى ترتدي الكمامة؟

وتقول منظمة الصحة على موقعها ردا على سؤال متى يجب استعمال الكمامة مع تفشي كورونا “إذا كنت بصحة جيدة، فليس عليك أن ترتدي كمامة إلا إذا كنت تسهر على رعاية شخص تشتبه إصابته بعدوى فيروس كورونا المستجد”.

وتضيف “ضع كمامة إذا كنت تعاني من السعال أو العطس.. لا تكون الكمامات فعالة إلا إذا اقترنت بالمداومة على تنظيف اليدين إما بفركهما بمطهر كحولي أو بغسلهما بالماء والصابون”.

وتؤكد المنظمة أنه “إذا كنت تضع كمامة، فيجب أن تتعلم الطريقة الصحيحة لارتدائها والتخلص منها”.

كيفية استعمالها ونزعها والتخلص منها

    افرك يديك بمادة قوامها الكحول أساسا، أو اغسلهما بالصابون والماء قبل ارتداء الكمامة.

    غط فمك وأنفك بالكمامة وتأكد من عدم وجود فجوات تتخلل وجهك والكمامة.

    تجنب لمس الكمامة أثناء استعمالها، وإن لمستها، فافرك يديك بمادة قوامها الكحول أو اغسلهما بالصابون والماء.

    استبدل الكمامة بأخرى جديدة بمجرد تعرضها للبلل، ولا تعد الكمامات المعدة لاستعمالها لمرة واحدة.

    نزع الكمامة: احرص على نزعها من الخلف (ولا تلمس مقدمتها) وتخلص منها فورا برميها في حاوية مغلقة، وافرك يديك بمادة قوامها الكحول أو اغسلهما بالصابون والماء.

ختاما فإن جميع وسائل الحماية لا تفيد ما لم يتم الالتزام بمعايير النظافة الشخصية، فمهما ارتديت من كمامات، يمكن أن يضيع كل تأثيرها في تلك اللحظة التي تلمس فيها أنفك أو عينك بيد غير نظيفة.

المصدر : مواقع إلكترونية

———————————————–

مقال بواشنطن بوست: هل يدمر كورونا الدول النامية؟

تواجه أنظمة الرعاية الصحية في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية تحديات جمة في ظل التفشي المتسارع لوباء كورونا المستجد، حيث توشك على تجاوز قدرتها الاستيعابية لاستقبال مزيد من المصابين، ولكن ماذا عن الدول التي لا تملك نظام رعاية صحية في المقام الأول؟

بهذا السؤال استهل الأكاديمي والكاتب الصحفي برايان كلاس مقاله في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “وباء كورونا يوشك أن يدمر الدول النامية” الذي سلط فيه الضوء على المخاطر التي ستنجر عن تفشي الوباء بالدول النامية في ظل غياب أنظمة صحية تمكن من مواجهته وصعوبة تطبيق التدابير الاحترازية بسبب الفقر والكثافة السكانية العالية.

وفيات مروعة

وأشار المقال إلى أنه بالرغم من أن عدد الوفيات في الدول الغنية جراء الفيروس ستكون مروعة حيث يتوقع أن يحصد أرواح مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الناس خلال الشهور المقبلة، فإن الأوبئة التي عرفتها البشرية من قبل تشير إلى أن تلك الأرقام لن تمثل سوى جزء ضئيل من عدد الوفيات في البلدان الأكثر فقرا في العالم.

فقد حصدت جائحة الإنفلونزا التي ظهرت عام 1918 أرواح ما بين 25 مليون شخص ومئة مليون، كما يقول الكاتب، وكان حوالي 12 مليونا من تلك الوفيات في الهند وحدها. كما توفي حوالي مئة ألف شخص في غانا التي لم يتجاوز عدد سكانها آنذاك مليوني نسمة، أي أن الوباء قتل 5% من مجموع سكانها في ذلك الوقت.

ورجح الكاتب ظهور أنماط مماثلة خلال جائحة كورونا الحالية خاصة في المناطق الفقيرة والأحياء العشوائية.

عجز طبي

وفي مقارنة بين الطاقة الاستيعابية للقطاع الطبي في الدول الغنية وتلك النامية، أشار الكاتب إلى أن عدد أَسِرّة العناية المركزة في المستشفيات الأميركية مقارنة بعدد السكان هو سرير واحد لكل 2800 شخص، بينما تحيل مقارنة مماثلة في أوغندا إلى سرير واحد بالعناية المركزة لكل مليون شخص.

ووفقا لخبراء فإن عدد أجهزة التنفس في مستشفيات ليبيريا -التي تقع في غرب أفريقيا ويضاهي عدد سكانها سكان ولاية لويزيانا الأميركية- لا يتجاوز ثلاثة أجهزة في كافة مستشفيات البلاد، وهو ما يعني أن المصابين بوباء كورونا الذين يحتاجون أجهزة تنفس ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة سيفقدون أرواحهم ما عدا الثلاثة الذين سيتمكنون من الاستفادة من أجهزة التنفس.

وأورد الكاتب رأي السفير البريطاني في مدغشقر، فيل بويلي، الذي قال “إن التحديات التي يشكلها الفيروس أكبر بكثير في البلدان الأشد فقرا، مثل مدغشقر، من تلك المتقدمة” مضيفا أن البنية الصحية في مدغشقر ضعيفة حيث لا يتجاوز عدد الأطباء عشرة لكل مئة ألف شخص، مقارنة بعشرة أطباء لكل 295 شخصا في الولايات المتحدة.

الفقر يعيق التدابير الاحترازية

وأشار الكاتب إلى أن تداعيات تفشي الجائحة في الدول النامية ستكون مضاعفة، لأن حكوماتها لا تملك القدرة على التخفيف من التأثيرات السلبية للتدابير الاحترازية الرامية للحد من تفشي الوباء، إذ قد يؤدي التطبيق الصارم لإرشادات عزل الناس إلى مجاعة واسعة النطاق.

ووفقا للسفير البريطاني في مدغشقر فإن العديد من “العائلات والمدارس وحتى بعض المستشفيات لا تحصل على الماء”، وإن ثمن المعقمات التي تستخدم لتعقيم اليدين يعادل راتب يوم كامل لمعظم السكان. وحذر السفير من أن التداعيات الإنسانية ستكون كبيرة إذا لم تتدخل الدول المتقدمة.

وحث الكاتب الدول المتقدمة على السعي لإنقاذ أرواح الناس في البلدان النامية، مؤكدا أن منح الحكومات في البلدان الغنية الأولوية لإنقاذ مواطنيها لا يتعارض مع إنقاذ أعداد كبيرة من الأرواح في مناطق أخرى بتكلفة قليلة نسبيا.

واقترح على البلدان المتقدمة إنشاء صندوق ابتكار سريع لتشجيع رجال الأعمال على تطوير أجهزة تنفس طبية منخفضة التكلفة لصالح الدول النامية. وقال إن على الدول الغنية التي تجاوز تفشي الفيروس فيها ذروته إرسال الطواقم والإمدادات الطبية إلى الدول الفقيرة التي تشهد تفشي الوباء.

المصدر : واشنطن بوست

—————————————

لماذا توقف عدد المصابين بفيروس كورونا في الصين؟/ مصطفى عباس

أراقب منذ أسابيع التطبيق الإلكتروني الذي يشير إلى عدد الإصابات بفيروس كورونا حول العالم، ما أثار انتباهي هو أن العداد متوقف في الصين عند واحد وثمانين ألفاً، وكذلك هو بالنسبة لإيران التي توقفت الإصابات عند خمسة وثلاثين ألفاً. ما أتمناه هو أن تتوقف الإصابات بهذا المرض في كل مكان، فهو وباء يجتاح العالم كله، ولا دولة في معزل منه.

ولكن هل يمكن الوثوق بالصين بالنسبة لعدد المصابين؟ وهل التصريحات التي تطلقها هذه الدولة عن تجاوزها هذا المرض يمكن حملانها على محمل الجد؟

الصين التي أخفت المرض عدة أشهر، بل هددت الطبيب الذي كان يعمل في مستشفى ووهان لي وينليانغ، واتهمه الأمن الصيني بنشر معلومات مضللة تخل بالأمن العام، عندما لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتحذير من تفشي فيروس خطير في المستشفى، قبل أن يتوفى هذا الطبيب الصغير بالسن في ظروف غامضة، قيل إنه أصيب بالفيروس القاتل. ولم تبلغ السلطات الصينية منظمة الصحة العالمية بالفيروس المستجد حتى نهاية كانون الأول الماضي، بينما ظلت بكين تزعم أن الفيروس لا ينتقل بين البشر، حتى النصف الأخير من كانون الثاني، حيث كانت عطلة رأس السنة الصينية اقتربت وبدأ الملايين يسافرون داخل وخارج البلاد، ما ساعد على انتشار المرض عالمياً.  منظمة الصحة العالمية كانت قالت إن معظم الدول لا تنشر الأرقام الصحيحة لعدد الإصابات، ولكن كيف هو الحال بالنسبة للصين البلد الذي يحكمه حزب شمولي شيوعي، يستمد سلطته من التخويف والترهيب، ويريد أن يواصل بأي شكل من الأشكال الزحف نحو قمة العالم اقتصادياً.

بل أكثر من ذلك.. فقد طردت الصين العديد من مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، وخصوصاً الأميركية منها (إذاعة صوت أميركا)، وصحف (نيويورك تايمز) و (وول ستريت جورنال) و(واشنطن بوست) و(التايمز)، ادعت الخارجية الصينية أنها جاءت رداً على تصنيف الولايات المتحدة خمس وكالات إعلامية صينية على أنها “بعثات أجنبية”.

الصين كانت لمحت قبل نحو أسبوعين على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان في تويتر عن احتمالية لتورط للجيش الأميركي في جلب كورونا فيروس إلى مدينة ووهان التي كانت الأكثر تضررا من هذا الفيروس، وتساءل الناطق عن سبب عدم انتشار المرض في الولايات المتحدة؟

ربما كان هذا الاتهام غير المباشر مقنعاً قبل أسابيع، أما اليوم وقد تصدرت الولايات المتحدة عدد المصابين، بل تضاعف عددهم بسرعة ليغدو خلال فترة قصيرة ضعفَي عدد المصابين المعلن عنه في الصين، فقد أصبح الاتهام نوعاً من حروب البروباغندا المندلعة بين البلدين، عملاقي الاقتصاد العالمي، ويحاول كل بلد إيقاف عجلة النمو الاقتصادي للآخر، لا سيما أن الصين كانت قبل انتشار الفيروس تحقق معدلات تنمية اقتصادية عالية وتسير بخطى متسارعة نحو قمة العالم اقتصادياً.

الصين التي كانت المصدّر للعديد من الأوبئة، يعني تسيدها الاقتصاد العالمي، فيما لو تم، أنها كذلك باتت ذات قوة ونفوذ سياسيَيْن، ولكم أن تتخيلوا شكل النظام القادم، الذي تتصدره دولة شمولية عُرفت بتقليد المنتجات الأوروبية، وطرح ماركات مقلَّدة بأسعار منخفضة، لا سيما أن القارئ للتاريخ يرى أن التغيرات المفصلية في تاريخ البشرية، كانت دائماً تأتي بعد الجائحات والأوبئة، فالفيروس القاتل برأيي هو تطور لأنواع الطواعين التي كانت تضرب العالم وتؤدي إلى انتهاء حقبة زمنية وابتداء حقبة جديدة.. طاعون 150 ميلادية أدى إلى انتهاء الدولة الرومانية.. وطاعون حوالي 600 ميلادية أعقبه انتشار الإسلام… ثم هناك طاعون في القرن الخامس عشر الميلادي تلته النهضة الأوروبية، فهل سيكون فيروس كورونا بداية للانحسار الغربي وبدء انتشار التنين الصيني؟

شخصياً لا أتمنى ذلك لعدة أسباب: أن الغرب هو صاحب كل المنجزات الحضارية التي نستمتع بها اليوم، ومنها منجزات أخلاقية صرفة، كحقوق الإنسان والديمقراطية، صحيح أن الغرب ليس صادقاً تماماً في هذا السياق، وقد تكون المصلحة في كثير من الأحيان مقدمة على المبادئ، ولكنه يملك مبادئ، ويستطيع صاحب الحق أن يحاججه بها، ولكن الصين نظام استبدادي لا يتوانى عن اعتقال مليون شخص وزجهم في معسكرات اعتقال جماعية، كما يحصل الآن مع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانج.

في معهد اللغة بالجامعة الفرنسية كان معي طلاب صينيون، هم بالإضافة إلى لطفهم الظاهري، إلا أنهم لا يذكرونني إلا بالطلاب في سوريا الأسد لجهة الخوف والكبت، حيث يهربون من التعبير عن رأيهم الحقيقي بالسياسة، ربما خشية من أحد كتاب التقارير المخفيين.  فكيف سيكون مصير العالم على صعيد الحريات، فيما يلاحق الخوف الصينيين حتى إلى أوروبا؟

تلفزيون سوريا

—————————————-

هل الأغنياء في مأمن؟ الحجر الطبقي ومساكن فقراء العالم/ محمد دريوس

يعيد الحجر الصحّي المفروض حالياً في أغلب دول العالم، تعريف المساحة الشخصية، تقديرها والانتباه إليها بوصفها أحد الحقوق التي ينبغي على الإنسانية، كتعريف كلي وعام ومليء بالخير والعدالة، تأمينها للأشخاص الذين بطبيعة الحال ينتمون إليها.

توابيت النوم

في سلسلة صور اسمها “المحاصرون” قام بتصويرها المصور “بيني لام Benny Lam” بين عامي 2012 و2015، للكبائن، أو “التوابيت” المصنوعة من الألواح الخشبية والتي تبلغ مساحة الواحدة منها متراً مربعاً فحسب، والتي يسكنها ما يزيد عن 200 ألف شخص في هونغ كونغ، بينهم 40 ألف طفل، مع انفجار سوق العقارات بحيث تصنف هونغ كونغ كمكان لأغلى العقارات في العالم، يعيش هؤلاء السكان حرفياً “القرفصاء”، حيث لا أمكنة كافية ليتمدد الشخص، ليريح أطرافه أو ليغير وضعية نومه، وحين يكون المسكن أكبر من متر بقليل يصيح المالك: “يجب أن تكون سعيداً، لديك نعش كبير”، يقول بيني لام.

خلف الإعلانات البراقة والنيونات المشعة واللافتات المضاءة بالليزر، يوجد أشخاص يعيشون في مساكن مساحتها 1.80 طولاً و60 سم عرضاً، بأدوات مطبخهم وصحونهم وملابسهم، بتلفزيوناتهم ومراحيضهم ونباتاتهم المنزلية، كما بأحلامهم، إن استطاعوا الحفاظ على بقية منها، هم ليسوا غير مرئيين عن يومياتنا، هم بائعو متاجر وعمال توصيل ومصففو شعر، ندل في مطاعم وحراس وعمال نظافة أيضاً، يقول بيني: “هم يشبهوننا في كل شيء، الفرق الوحيد بيننا هو منازلنا، أي ما يصنع الكرامة البشرية”.

يتكرر الأمر، تتكرر هذه المفارقات الغريبة في طبيعة المساكن، مساحتها بالنسبة لعدد الأفراد فيها، في كل مكان من أحزمة البؤس في العالم، سواء كنا في ليما في البيرو، أحياء الـ”فافيلا” في البرازيل، مانيلا في الفلبين أو حتى في المناطق العشوائية المحيطة بدمشق في سوريا، أو في مخيمات النزوح في لبنان، الأردن، تركيا والعراق، تبدو المساحات كما هي معروفة غير موجودة، وحتى غير معترف بها كحق من حقوق الإنسان.

في الوقت الذي يشتكي فيه الناس الموجودون ضمن الحجر الصحي، في باقي العالم، من الضجر وقلة الحيلة، وبرغم وجود كل وسائل الرفاهية الأساسية، من كهرباء، ماء، صرف صحي واتصال بالإنترنت، أي كل ما يجعل من فكرة الحجر الصحي بحد ذاتها، لا أكثر من إقامة جبرية في منتجعات فاخرة، تبدو الحياة الطبيعية لأولئك البشر عبارة عن سلسلة لا تنتهي من العذابات، بحيث يبدو مجرد الاستيقاظ بحد ذاته عملاً بطولياً يستحق أن تقام له الاحتفالات. في المساحات الضيقة، أحزمة البؤس الخانق، يتمشى الموت يداً بيد مع الطفولة والولادات الجديدة، حيث يعادل الحصول على قطعة اللحم الحصول على جائزة نوبل للكآبة.

الحجر الصحّي من جديد

يعود تاريخ ما يعرف بالحجر الصحي إلى القرون الوسطى، لكنه حالياً مفهوم يتعدى الأوبئة المنتشرة والطواعين والكوليرا، ليأخذ شكلاً طبقياً أكثر حسماً وصرامة، خصوصاً فيما يتعلق بتقسيم المجتمعات إلى فقراء موبوئين وأغنياء أصحّاء، أو إلى عمال وأرباب عمل، إلى رؤساء وقادة وجنود وبيادق. كانت الحدود الطبقية المرسومة باستمرار نقطة محورية في حركة المجتمعين أو الطبقتين باتجاه بعضهما البعض: يجب الفصل دوماً بين العامل ورب عمله، فصلاً مالياً، اجتماعياً وحتى دينياً، فبالتأكيد لن يشبه ربّ الفقير الشاحب، الذي يعاني من سوء التغذية، رب الغني المتخم، الذي تكاد تتفجر وجنتاه من الشحوم والتخمة.

العيش تحت “خط الفقر”… مشاهد من الحياة اليومية لأبناء بيروت

تأنيثُ الفقرِ مستمرّ.. لماذا تحظر المرأة في بلداننا من إرث الأراضي والعقارات؟

نصائح للشخص الأعزل: كيف تنشئ من هذا الحطام حياة

    عن فصل طبقي لا يتم اليوم التصريح به علانية، لكنه يأخذ مجراه الحقيقي عبر العديد من الإجراءات التي في ظاهرها تبدو مهتمة بصحة الناس، رفاهيتهم، بل وحتى صحّة الكوكب نفسه، لكنها في باطنها تقيم حاجز فصل عنصري بكل وقاحة، بين  أولئك الموجودون داخل النظام، السيستم، المالي والصحي والحياتي، وبين أولئك الخارجين عنه، المنفيين، المقطوعين

هذا الفصل الذي لا يتم اليوم التصريح به علانية، لكنه يأخذ مجراه الحقيقي عبر العديد من الإجراءات التي في ظاهرها تبدو مهتمة بصحة الناس، رفاهيتهم، بل وحتى صحّة الكوكب نفسه، لكنها في باطنها تقيم حاجز فصل عنصري بكل وقاحة، بين من يستطيعون القيام فعلاً بكل هذه الإجراءات أي أولئك الموجودون داخل النظام، السيستم، المالي والصحي والحياتي، وبين أولئك الخارجين عنه، المنفيين، المقطوعين، أكوام اللحم المفروم ضمن المخيمات وأكواخ الصفيح، فما يميز بشكل رئيسي العصر الجديد عن العصر القديم، هو أن السوط بدأ يعتقد نفسه رائعاً، كما يقول ماركس.

السجون والمساحات الشخصية

قد تبدو كوميديا سوداء فقط، لكن من الشروط الصحية التي أوردتها وزارة الصحة الفرنسية لشروط تربية الدجاج، كي ينطبق عليها وصف “العضوي”، هو وجود 10 دجاجات في المتر المربع، أي بما يعادل 19 كيلوغرام في المتر المربع، كنا نضحك من هذه الطرفة حين ننام على أحد جوانبنا، بحيث لا يحتجز الفرد أكثر من بلاطة واحدة، بعرض 40 سنتم، على طول الشخص، وفي كثير من المرات، كان السجناء ينامون على دفعات، بحيث يقف البعض ساعتين، لينام آخرون، ثم يتبادلون الأماكن.

وغالباً ما ننام في الممر المفضي إلى التواليت، بحيث يقف من سيستخدم التواليت على بطانية النائم ويتبوّل، هكذا بكل بساطة، وحين ينتقل الرذاذ إلى وجه النائم يقوم بمسحه، كأنه مجرد مطر خفيف فحسب، هذا ليس كابوساً، هذا جزء مما عشته أنا شخصياً في سجن مدني وليس في فرع تحقيق، جزء عشته على مدى أكثر من سنتين، مع سبعين شخصاً في غرفة واحدة، بحمام واحد، أما في فرع التحقيق فتلك تعتبر رفاهية، فلا يعطى الشخص أكثر من بلاطة واحدة، يجب أن يقلص جسده حتى ينام فيها.

لا يُعترف في أماكن مماثلة، سجون، مستشفيات أو حتى مدارس، بالمساحات الشخصية، المساحات مملوكة للسلطة فقط، تحتجزها، تضيّقها، تملؤها بما تريد، هي مساحتها الخاصة كمالك للفضاء برمته، للوطن بغاباته وعصافيره وأنهاره، وأنت أو أي شخص، شيء من ضمن هذه الأشياء، تبدو أكثر شبهاً بغرفة الكراكيب التي كانت النساء يستخدمنها لإلقاء ما ليس مستخدماً اليوم، وربما لن يستخدم مستقبلاً، أو لا لحاجة لرؤيته قريباً، حتى يجف من تلقاء نفسه وينخره السأم أو الرطوبة أو الموت، فيختفي من تلقاء نفسه، هكذا تتعامل السلطات مع المساجين، مع التلاميذ، مع المحجورين صحياً، أجزاء زائدة عن الحاجة، غير مفعّلة لا كبيادق ولا كأشياء، مهملة، غير ذات فائدة، تترك لتذوي من تلقائها، تختفي وتتلاشى في الهواء.

مساكن الرفاهية المختصرة

لا يقتصر الأمر على دول العالم الثالث كما قد نظن، بمزيد من الضغط من الشركات الكبرى، الكارتيلات الاقتصادية الضخمة، وتحت ضغط أسعار العقارات، يزداد الأمر صعوبة حتى في الدول الأوربية، حيث انتقل مفهوم تلك الغرف الصغيرة، من اليابان الذي اضطرت إليه بحكم قلة المساحات لديها في الثمانينيات، إلى تقليعة عمّت المدن الغربية بأكملها تقريباً، حيث ابتدأت بالمطارات ثم لحقتها الشركات التي تبحث عن استثمار أكثر ربحاً، فيتم استئجار “كبسولات” صغيرة مساحتها 5م مربع في برشلونة مثلاً، مصطفة بجانب بعضها كغرف، ومعزولة بأبواب بلاستيكية، وبعضها مساحته لا تتجاوز الثلاثة أمتار.

وفي أغلب المدن الكبرى الأوربية تنتشر “الكبسولات” هذه، ميلانو، وارسو، أمستردام، باريس وموسكو، فهي أفضل من النوم في الشارع، يقول أحد المالكين، إذ نشأت من حاجة العمال في سيؤول وسنغافورة لمكان للنوم فقط، لكن هذا يعتبراً ترفيهاً مرموقاً، إذ تتوفر فيها المياه النظيفة على الأقل، فقد نشر عمدة مدينة مونتريل التابعة لمدينة باريس، صورة لأحد المباني، يعيش فيه 240 مهاجراً من مالي، على حسابه في تويتر، قائلاً: “لقد رأيت البراز ينزف من طابق لطابق”، كمقدمة لإعطاء أمر للسلطات الأمنية لاجتياح المبنى وإفراغه من سكانه.

الحجر الطبقي

هل الأغنياء في مأمن؟ أرسل الفقراء إلى الجبهة… هكذا تقول الصورة الكاريكاتورية، وهذا ما تقوله أيضاً الحكومات التي وضعت قواعد الحجر الصحي الذي يناسب من يمتلك مالاً مدخراً فيصرف منه بلا حساب، بينما يقبع أولئك الفقراء، العمال المياومون، تحت رحمة الفيروس وبين أكوام نفايات الأغنياء، ينتزعون لقمتهم المغمسة بالوباء والموت، في حين يقسم الحجر عالم الأعمال إلى قسمين، قسم الراحة والاستمتاع وإدارة الأعمال عن بعد للأثرياء، وقسم الانغماس بالمخاطر وتحمّل التهديد عن البقية، يفرح البعض بأن الخوف الحالي وحّد الناس، أزال الفروق الطبقية وجمع المتخاصمين، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، لقد أظهر بوضوح تلك الفروقات التي كنا نغطيها بقليل من الماركات المقلدة من الثياب، الأحذية، العطور، الحقائب وأدوات المكياج.

لقد أظهر الفيروس أن الأغنياء يتصرفون وكأن الكوكب كوكبهم فحسب، يتلاعبون به ويبددون موارده ويخربون بيئته، بينما يدفع الفقراء ثمناً باهظاً من أجسادهم وأنفاس أطفالهم، وفي حين يتبجّح الأثرياء باتباعهم أساليب النظافة المبالغ بها وصرفهم كميات مهولة من المعقمات والكحول، وإفراغهم المخازن من الأطعمة، اللحوم المجمدة والشوكولا، يحتار البقية بهذا الاهتمام الفجائي الذي هبط على الحكومات والمدراء التنفيذيين بصحّتهم، ويعرفون أن الأمر ليس أكثر من عدم الرغبة بخسارة بعض الأقنان رخيصي الأجر لا غير.

رصيف 22

————————————-

=============================

===================================

تحديث 02 نيسان 2020

—————————-

من يوميات كورونا في دمشق/ كرم منصور

إنها العاشرة ليلاً، أكتبُ هذا النص والظلام يلفّني بعد سقوط الشمعة الأخيرة صريعةَ وحش الظلام منذ نصف ساعة. انقطاع التيار الكهربائي هنا يعني انقطاع الانترنت؛ شريان المعرفة الذي يصلني بالعالم الخارجي الافتراضي. كذلك أنا منقطع عن محيطي الواقعي؛ ممنوع من الخروج من المنزل بفعل حظر التجول المفروض يومياً بعد الساعة السادسة مساء، الحظر الذي جاء بعد نفي حكومي لوجود أي إصابة في بداية الأسبوع الثاني من آذار الماضي. بعد ذلك بثلاثة أيام، أصدرت وزارتا التربية والأوقاف قراراً بتعليق الدوام في جميع المدارس، وإغلاق المساجد بعد انتهاء الصلاة مباشرة، مع استمرار النفي الرسمي لوجود أي إصابة بالمرض.

استمرّت الحكومة في النفي أياماً بعدها، وكذلك في إصدار قرارات لتعطيل الحياة العامة مُحاوِلةً منع التجمعات، حيث قررت إغلاق جميع المطاعم والمقاهي في العاصمة، وإيقاف العديد من المؤسسات الحكومية عن العمل. وقد عطّلت هذه الإجراءات شريان الحياة في دمشق، التي لم أرها في يوم من الأيام إلى مدينة مصنوعة من ضجة وازدحام، مقارنة بالأرياف التي تحيط بها. بدأت هذه القرارات تُبطئ عمل قلب المدينة، ليأتي بعد ذلك قرارٌ بإعلان حظر التجول الليلي وإيقاف جميع جوانب الحياة باستثناء ما يخص الطعام والشراب، وتغرق العاصمة في صمت وحذر لم أشهد مثيلاً له من قبل.

الصمت الآن هو المتجول الوحيد في أحيائها، لا يكسره سوى أصوات الجنود المدججين بالسلاح لمواجهة كورونا! منذ بضعة أيام فُرِضَ حظر التجول؛ وبدأت تُسيّر دوريات من الشرطة معززة بعناصر من ميليشيات «الدفاع الوطني» لمطاردة أي شخص يعصي القرار، وبتنا لا نسمع إلا أحاديث الجند وعواء بعض الكلاب الشاردة التي أصبحت أكثر حرية من البشر في شوارع المدينة.

مقترحات الترفيه التي يعرضها رواد فيسبوك للقضاء على الملل، مثل تنزيل الألعاب الافتراضية أو مشاهدة قوائم الأفلام والمسلسلات عن طريق الإنترنت، لا يمكن أن أرى فيها الآن سوى محض ترف؛ زيارة الكهرباء يجب استغلالها بأشياء أكثر واقعية، مثل الاطلاع على آخر القرارات الرسمية التي تنظم حركتنا في البيت وخارجه على حد سواء. تصيح أختي من الغرفة المجاورة: «ابتداء من يوم الأحد سيُمنع مجيء القاطنين في الأرياف إلى المدن»، وهذا يعني أن معظم سكان العشوائيات، ومثلهم سكان غوطتَي دمشق المرتبطتين بها عضوياً، لن يستطيعوا الدخول إليها حتى إشعار آخر. ورغم تبرير هذا القرار بضرورة منع الاختلاط، إلا إنه يعيد إلى رأسي فكرة ثنائية الريف والمدينة، وكثيراً من قصص الازدراء الذي يتعرض له أهالي الأرياف عند قدومهم إلى المدن.

عند زيارة الكهرباء لمنزلنا القابع في أحد أحياء العشوائيات المحيطة بدمشق، يهرع أفراد العائلة إلى المحيط الأزرق، فيسبوك، لمعرفة آخر الأخبار، ونبدأ القراءة: سقط اليوم 1000 ضحية بوباء كورونا في إيطاليا، فتُعلِّقُ أمي بإيمانٍ فاتحةً ذراعيها للسماء بكثير من الرجاء: «يا رب… إذا بأوروبا المتطورة تموت هذه الأعداد، عندما يصلنا كم روحاً سيحصد في هذه البلاد؟ يا رب». أمي تتعامل مع الفيروس كأنه عاصفة أو إعصار جوي، ولا تجد إلا الخوف والدعاء للتصدي له.

خلال نحو تسع سنوات من المقتلة السورية، لم نكن نهتم بأعداد الضحايا خارج الجغرافيا السورية، كان حضور الموت السوري هو الذي يثير اهتمامنا وقلقنا، ويلهينا عن الأحداث والضحايا في مناطق العالم الأخرى. الآن أصبحنا أكثر اتصالاً؛ لقد وَحَّدَ كورونا الضحايا في مختلف بقاع العالم، فأعداد الوفيات في كل من إيطاليا والصين، وسرعة تفشيه في أوروبا، أمورٌ تزيد القلق من تفشيه أكثر فأكثر في بلادنا. أصبحنا نهتم بأعداد المصابين في كافة بقاع العالم، ونشعر بهم ونخاف عليهم كضحايا مفترضين للمرض رغم انفصالنا الجغرافي عنهم. أصبحنا نستقبل أخبار انتشار مرض كورونا في أي مدينة في العالم بالطريقة نفسها التي كنا نتلقى بها الأنباء عن دخول الشبيحة إلى البلدات السورية، بانتظار معرفة أعداد الضحايا. اختلفَ مكان الضحايا، وتحوَّلَ الشبّيح إلى فيروس يفتك بكافة سكان الكرة الأرضية، وأصبحنا نعيش في حالة من الشك والخوف. نتساءل؛ هل استطاعت جحافله التسرب إلى بلادنا.

*****

قرار منع الخروج من المنازل أشعر شريحة المطلوبين للخدمة الإلزامية في الجيش، ومثلهم المطلوبين لدواع سياسية، بالعدالة نوعاً ما. الآن هناك الملايين الذين يشاركونهم الحجر نفسه، الذي فرضوه على أنفسهم من قبل خوفاً من الاعتقال.

أحد الأشخاص كان مطلوباً لفرع الأمن العسكري، وكان لا يزال متخفياً خوفاً من الاعتقال، قال لي إنه يشعر بالعدالة عندما يرى جميع الناس محجورين في بيوتهم، مضيفاً أنه كان قد تمرّس بشعور الملل المستجد الذي يشعر به الناس الآن هو فيه من قبل. ومع حديثه عن الخوف من الاعتقال، راحت صور المعتقلين تدور في رأسي؛ ماذا لو دخل كورونا إلى مهاجعهم؟ ماذا لو تفشّت العدوى بينهم؟

وقد دفع الخوف من تفشي الأوبئة بشار الأسد إلى إصدار قانون عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 22 من شهر آذار الماضي، لكن هذا العفو لم يشمل المعتقلين السياسيين داخل الأفرع الأمنية، الذين لا يعترف بهم النظام أصلاً. تلاه بعد ذلك مرسوم بتسريح دفعات من الضباط وصف ضباط ممن تم الاحتفاظ بهم بعد إنهاء سنوات خدمتهم إلزامية، وهو الأمر الذي طالبوا به كثيراً في السابق دون الاستجابة لمطالبهم. زادت كلّ هذه الإجراءات من حالة القلق والتساؤلات عن مدى انتشار المرض، أو الخوف من انتشاره.

*****

السلطات الرسمية تخفي الأمر، دائرة القلق والشكوك تحيط بنا كهالة حول رؤوسنا فيما نسمع أخباراً متضاربة؛ تم اكتشاف ثلاث حالات في مستشفى المجتهد! يتناقل الناس تسجيلات على تطبيق واتساب لممرضات يُصرِّحنَ بعدد من الوفيات في مستشفى المواساة، ثم يخرج مصدر طبي لينفي هذه الأرقام وينسب الوفاة إلى التهابات في الرئة. الإجراءات الرسمية، وتضارب الأنباء، إضافة إلى انعدام الثقة بصدقية الأرقام الرسمية لدى معظم السوريين على اختلاف مشاربهم السياسية، كلّ ذلك يفاقم يومياً من حالة الخوف.

لم يلبث أن صدر تعميم طبي بعدم تداول أي معلومات طبية خارج المراكز الصحية، مرفقاً بمنع التصوير من خلال الهواتف المحمولة داخل المستشفيات، إضافة إلى منع اصطحاب المرافقين للمرضى، وذلك بحسب شهادات العديد من العاملين في المستشفيات. في حين تم إلزام طلاب الطب للسنة الخامسة والسادسة بالدوام، رغم انقطاع وسائل المواصلات العامة.

يخرج كثيرٌ من الطلاب باكراً لتقلّهم سيارات الخضار القادمة إلى دمشق، وهي السيارات الوحيدة المسموح لها بالدخول إلى العاصمة من أريافها، ومنهم من يستعملون درجات هوائية، وخاصّة القاطنين في ضواحي دمشق القريبة. سيارات الأجرة باتت تطلب أربعة  أضعاف تسعيرتها، وهو ما لا قدرة لأبناء الطبقة الفقيرة على دفعه يومياً، في حين بقيت مراكز التجميل وإزالة الشعر مشرعة أبوابها، شرط أن تتحول إلى مراكز صحية تقدّم الخدمات الطبية، وهي الحالة التي تنطبق على عدد من المراكز داخل العاصمة فقط، في حين فَضَّلَت المراكز الموجودة خارج العاصمة إقفال أبوابها.

*****

الحظر الذي تفرضه علينا القرارات الرسمية، إضافة إلى زيادة التقنين في الكهرباء، أنتجَ مفهوماً آخر للوقت لدينا، فالموعد الرسمي لانتهاء اليوم هو الساعة السادسة مساء؛ ساعة بدء سريان حظر التجوال اليومي. وقد أدّى اختصار اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة يمكن الخروج فيها من المنزل إلى تغيّر مفهومي عن الزمن؛ اثنتا عشرة ساعة مقسمة على أربعة مجموعات، ثلاث ساعات قطع، وثلاث ساعات إنارة… وهكذا. يخرج بعضنا من المنزل لتأمين احتياجاتنا، بينما لا بد أن يبقى البعض الآخر لاستغلال الكهرباء، لا سيما في ظل شحّ الوقود.

هكذا أصبح موعد يقظتنا أكثر فلاحيّة إذا صح القول؛ نستيقظ عند السادسة صباحاً، نُقسّم أوقات نومنا تزامناً مع انقطاع الكهرباء. أخرج من المنزل، أمشي وأنا أحترس من لمس الأسطح والجدران، جسدي أصبح أكثر مركزية بعد أن كنت أعتبره مساحة فالتة يمكنها أن تحتك بأي شيء دون أن أعي ذلك. ازداد وعيي بحدود جسدي، أُحاذِرُ أن ألمس أي شيء خارج حدوده. أكثر ما كان يخفيني عندما أخرج للشارع أن أمشي تحت بلكونات الأبنية المسقوفة خشية الدمار الذي قد تحدثه فيها قذيفة هاون، كنت أنظر إلى السيارات المركونة فتثير ريبتي، أخشى انفجارها في وجهي، كما أخشى دورية شرطة تتربص في هذا الحي أو ذاك. الآن، جميع مخاوفي تلك قد تلاشت، أو لنقل إنها أصبحت مخاوف قزمة أمام خوفي من كورونا.

*****

اختفى المشردون من شوارع العاصمة، المشردون الذين انتشروا بكثافة فيما سبق نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، وكنّا يفترشون الحدائق أو زوايا الأرصفة، ينامون تحت أغطية متسخة في أحسن الأحوال، وما أن أتى قرار حظر التجول حتى اختفوا، كأنهم تبخروا من شوارع العاصمة. بدأت حالة اختفاء معظم المشردين من العاصمة بعدما أجبرت محافظة دمشق القسم الأكبر منهم  على الخروج منها إلى بلدات قريبة منها، فيما القسم الصغير الباقي تكفّلت به جمعيات خيرية عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

حالة الشلل التي تحاول فرضها السلطات هنا، بعد قرار إغلاق جميع المحلات في  كافة المناطق التي يسيطر عليها النظام باستثناء محلات المأكولات والأغذية، أعادت تشكيل العديد من العلاقات الاقتصادية بين البائع والمشتري، فعند التجوّل في سوق البحصة للإلكترونيات أو في شارع رامي المختص ببيع المعدات الكهربائية، نجد جميع أبواب المحلات مغلقة؛ الهدوء والصمت يعم المكان، باستثناء بعض الشبان الذين ينظرون إليك نظرات معرفة مسبقة لكي تبدأ بالسؤال عمّا تحتاجه؛ يخفي هؤلاء هويتهم كأصحاب محلات أو على أقل تقدير عاملين فيها، حتى تبادر أنت بالسؤال: إلى متى سيبقى الإقفال؟ أو أين أستطيع الحصول على غرض كذا؟ فيكون الجواب دائماً: «موجود، خمس دقائق وسيكون ما تريد لديك»، لكن بسعر مضاعف بسبب الحظر.

تَحوَّلَت جميع عمليات البيع والشراء إلى ما يشبه السوق السوداء أو اقتصاد الظل، حيث يمكن شراء أي شيء بالطريقة نفسها التي تشتري فيها الحشيش أو المخدرات، أي بشكل سرّي. يتحكم البائع بالسعر ونوعية البضاعة، ولا يمكنك الاعتراض أو حتى المفاصلة، ولا الذهاب إلى أنواع أخرى أقلَّ سعراً بسبب محدودية العرض. هذا النوع من عمليات البيع والشراء يعكس حقيقة ما يجري في البلاد، حيث تبقى القوانين سارية ظاهرياً، إلا أن اقتصاد السوق السوداء هو المحرك الأساسي. الآن، أصبحت جميع عمليات البيع والشراء تحصل في السوق السوداء، دون رقيب أو حسيب.

استطاع حلّاق حارتنا، عبر حيلة يراها ذكية، أن ينجو من قرار الإغلاق، فهو يُنظّم مواعيده منذ الصباح الباكر، ويتقاطر الزبائن إلى منزله القديم، ويدخلون من باب المطبخ إلى محل الحلاقة المجاور من الباب الخلفي. تمرّ دوريات التموين والشرطة فترى المحل مغلقاً، لكن خلف الباب المغلق يجتمع الزبائن، يشربون المتة ويدخنون الأركيلة ويقصّون شعورهم، ويدفعون عن طيب الخاطر. تتكرّر طبعاً توصيات الحلّاق بعدم إفشاء السر خارج حدود الحارة.

أصحاب محلات تصليح السيارات أقفلوا محالهم، واستعاضوا عنها بحقيبة تشبه حقائب الأطباء الإسعافية، بهدف تصليح السيارات داخل الحارات والأزقة بعيداً عن عيون شرطة المحافظة. الحياة تمشي كما قبل كورونا، ولكن بعيداً عن أعين الشرطة وبتكاليف مالية أكبر بكثير، تصل أحياناً إلى ثلاث أضعاف.

*****

أَستقلُّ حافلة للعودة إلى بيتي الكائن في أحد ضواحي دمشق، نتدافع عند وصول إلى الحافلة، فلا مكان لكورونا بيننا عند حجز دور في الحافلة. الجميع يبتسم ابتسامة المنتصر بعد الظفر بكرسي للجلوس. نبدأ بجمع النقود على صوت الراديو، والحكومة تتوعد من يخرج منزله في أوقات الحظر. تُجري المذيعة حواراً مع القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي، الذي يقول فيه إن مخالفة تعليمات الحكومة هي مخالفة لشرع الله، إذ لا تجوز معصية أولي الأمر، فهذا ذنب شرعي. لم يتغير الخطاب الرسمي وشبه الرسمي منذ خمسين عاماً، دائماً يكون بلهجة وصائية استعلائية، حيث السلطة تعرف وحدها ما هو في مصلحتنا، نحن الشعب الذي لا يُقدِّرُ ولا يعرف مصلحته بسبب جهله.

يُخفِضُ السائق صوت الراديو قبيل وصول الحافلة إلى أحد الحواجز، يقف طابور من السيارات كسرب من النمل، وتتناسب سرعة عبور السيارات طرداً مع سرعة يد العنصر الذي يأمرها بالعبور، فيما تتباطئ يده عندما يشغله أي أمر ما، مثل مكالمة هاتفية أو إشعال سيجارة أو التدقيق في هويات ركّاب سيارة نمرتها إدلب أو دير الزور، أو عند استلطافه الثقيل لإحدى الراكبات في الحافلة. الجميع مرهون بحركة يد الجندي على الحاجز، هي كلمة السر التي تسمح لك بالتنقل بين مناطق دمشق.

منذ إعلان بدء الحملة ضد كورونا بحسب التوقيت المحلي، اختلف شكل الحاجز. ما يزال الجنود يرتدون بدلاتهم خاكية اللون وما تزال بنادقهم تتدلى من أعناقهم، لكنهم الآن يرتدون إضافة إلى قبعاتهم العسكرية كمّامات وكفوفاً، ويتعاملون مع لباسهم الطبي الجديد، بحسب تعبير أحد الجنود، على أنه جزء من اللباس الرسمي الذي يجب أن يراعى دون الاكتراث بالوظيفة المفترضة التي يقوم بها، مثل الوقاية والحد من الاحتكاك بالآخرين تجنباً لنقل العدوى. لا بأس لو كان العنصر لا يضع الكمامة فوق الأنف والفم كما يجب، بل ينزلها لتغطي الرقبة بما يجعل التنفس أسهل، لكنه لا يجرؤ على خلعها لأن هناك قراراً رسمياً بارتدائها.

يفتح الجندي باب الحافلة، يطلق سؤالاً مدوياً داخل الحافلة على شكل نكتة: «في حدا منكم حامل كورونا؟»، ترتسم على وجوه معظم ركاب الحافلة الابتسامة نفسها وبالقدر نفسه، استجابةً لِحس الدعابة الذي أطلقه العنصر. يذكرني هذا بالسؤال الذي كان يُطرح في بداية الثورة على الحواجز: «معك فيسبوك؟».

يبقى باب الحافلة مفتوحاً ريثما يخرج من جيبه علبة السجائر، إذ لا تساعده الكفوف التي ألزموه بلبسها في إخراج سيجارته بسرعة. يشعلها وينفث دخانها في وجوهنا، وينظر إلى سائق الحافلة قائلاً: «امشي»؛ كلمةٌ تعطينا كثيراً من الراحة إذ لا داع للتفييش وفحص الهويات، وتعطينا مزيداً من الزمن كي نستطيع العودة إلى بيوتنا قبل الساعة السادسة، توقيت بدء حظر التجوّل.

*****

يشيع على فيسبوك كلامٌ عن التسامح والوحدة العالمية، ومعه دعوات للجلوس مع الذات، وذلك الخلفية العزل الذي يفرضه كورونا. لكن هذا الكلام لا ينعكس عند السوريين في الداخل شعوراً بالراحة أو الطمأنينة التي تدفع إلى مراجعة الذات، ولا يزيدهم إلا لهاثاً وفزعاً، ليس من كورونا فقط، بل أيضاً من ازدياد صعوبة المعيشة وتحصيل قوت اليوم. ازداد لهاث السوريين على مدار اليوم، وحظر التجول أفرغ ما في جيوبهم من ليرات قليلة أصلاً، وتركهم وجهاً لوجه مع خطر الجوع في ظل تردي حالتهم الاقتصادية.

تتواصل التعليمات والفيديوهات وتصريحات المسؤولين والأطباء عن ضرورة التعقيم ومنع الاحتكاك والاختلاط، وتبقى كلّها سارية المفعول حتى الوصول إلى أبواب المؤسسة الاستهلاكية أو أحدى طاقات أفران الخبز؛ هناك تسقط كافة معايير الحجر، لا مجال للنصائح، حيث تُصَمُّ الآذان وتتكلم البطون الخاوية، التي تريد الحصول على قوت يومها قبل السادسة مساءً، موعد انتهاء اليوم. العديد من الأشخاص يقضون ساعات الصباح الأولى على أبواب المؤسسة الاستهلاكية للحصول على بعض المنتجات بأسعار مدعومة، كي لا يقعوا فريسة تسعيرات التجار. صحيحٌ أن نوعية المنتجات في المؤسسة الاستهلاكية تعتبر من الدرجة الثانية والثالثة، ولكن السؤال عن النوعية يعتبر ترفاً لأصحاب الجيوب الخاوية، لنجد أنفسنا أمام استعادة لحقبة الثمانينيات، عندما كان الحصول على  الموز وعلب المحارم رفاهية.

*****

رغم الرعب العالمي الذي تسبب به المرض، إلا أن الناس هنا ما يزالون يعطون الأولوية للحصول على قوتهم اليومي. الخوف من العَوَز والجوع يرمي بثقله على الناس، إذ أن هناك قلقاً كبيراً من عدم قدرة النظام على القيام بكافة الإجراءات الاقتصادية اللازمة لتأمين مستلزمات المعيشة الأساسية للسكان، مع استمرار وتفاقم شح الوقود، وتدهور سعر صرف الليرة. عَوَز السوريين هذه المرة مختلفٌ عن أي عَوَز عانوه سابقاً، هناك قسمٌ كبيرٌ منهم يعتمدون على حوالات تأتيهم من أحد أفراد أسرتهم في الخارج، لكن الشلل الاقتصادي يضرب كافة القطاعات في العالم، إضافة إلى صعوبة في تحويل الأموال إلى سورية بسبب إغلاق عدد كبير من مكاتب التحويل لتجنّب المرض، مما حرم كثيراً من السوريين دفعات مالية كانت تسدّ رمقهم، يضاف إليها ضعف التجهيزات الطبية في المشافي العامة، وارتفاع تكلفة الاستطباب في المشافي الخاصة، بالترافق مع اكتظاظها الدائم ونقص الأدوية، ليكون القلق والصمت هو الفاعل الأكبر في العاصمة دمشق، التي يرتفع فوقها شبح الخوف من الموت جوعاً أو مرضاً.

موقع الجمهورية

———————-

ماذا لو تعاملت الأمم المتحدة مع “كورونا” كما فعلت بسوريا؟ / أسعد حنّا

هل ستقوم الأمم المتحدة بإيقاف تعداد ضحايا “كورونا” لكثرتهم وصعوبة الإحصاء والاكتفاء برقم 100 ألف مصاب كما فعلت بوقف تعداد ضحايا سوريا؟

تحاول الأمم المتحدة التعامل مع فايروس “كورونا” بجديّة، والانخراط في سياق مكافحته كوباء عالمي، وتقوم مختلف الوكالات واللجان الأممية في الأمم المتحدة بالتفاعل وتوجيه الاهتمام والجهود نحو الفايروس الجديد في المجتمعات التي تعمل فيها.

ومع نشاط الأمم المتحدة اللافت في هذه الأزمة، نتذكر تفاعلها عام 2011 مع قضية سوريا، فمنذ بداية الثورة السورية حاولت الأمم المتحدة التدخل بقوة في ما يحصل، وعندها تعرفنا إلى عشرات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ولكن، ماذا لو تعاملت الأمم المتحدة مع أزمة “كورونا” كما تعاملت سابقاً مع ما يحصل في سوريا؟ كيف تكون النتيجة؟

ماذا لو أوقفت الأمم المتحدة تعداد ضحايا الفايروس وتثبيت الرقم على ما تم إحصاؤه بعد بضعة أشهر من بداية الانتشار؟

الأمم المتحدة أوقفت تعداد الضحايا الذين يسقطون خلال الثورة السورية برصاص الحكومة السورية بعد سنتين من اندلاع الثورة التي لا تزال مستمرة ولا يزال يسقط ضحايا، لكن الأمم المتحدة علّقت في 2013 إحصاء الضحايا بسبب “الوضع المعقد وكثرة الضحايا”، بحسب ما بررت، وهي لا تزال تعتمد رقمها الأخير الذي توقّف في تموز/ يوليو 2013 عند 100 ألف ضحية، بينما الأرقام التقديرية الآن تقول إن أكثر من نصف مليون شخص فقدوا حياتهم.

فهل ستقوم الأمم المتحدة بإيقاف تعداد ضحايا “كورونا” لكثرتهم وصعوبة الإحصاء والاكتفاء برقم 100 ألف مصاب؟

وماذا لو دفعت الأمم المتحدة أموالاً لشركات تحتكر الدواء واللقاح، ومن ثم تبيع هذه الشركات اللقاحات المدعومة بأسعار هائلة؟ أو ربما تساعد الأمم المتحدة الدول الدكتاتورية التي تمتنع عن معالجة مواطنيها، فتقوم ببيع العلاج في السوق السوداء لاستخدام العائدات المالية لقمع شعوبها وتمويل آلتها الحربية التي تقوم بقمع حركات تحرر الشعوب.

قامت الأمم المتحدة ومذ بدأ النظام السوري بسياسة تطويق المدن، بتزويد هذا النظام الذي يحاصر المدن ويمنع الطعام، بمئات الأطنان من المواد الغذائية، طالبة منه أن يفك الحصار. لم يفعل النظام طبعاً، بل استخدم الغذاء لدعم عملياته العسكرية وإرسال مساعدات الأمم المتحدة إلى القطع العسكرية، وباع الأغذية للمناطق المحاصرة بمبالغ خيالية لتحقيق مكاسب مالية لجنرالات جيشه.

وماذا لو قامت الأمم المتحدة بتزوير التقارير الطبية وتغيير المصطلحات لعدم إثارة الرعب في قلب المرضى والسكان في المجتمعات التي تتعرض لفايروس “كورونا”؟

قامت الأمم المتحدة من خلال مكتبها في دمشق، بالتلاعب بالتقارير الأممية التي تدين النظام السوري، لتخفيف حدة الاتهامات أو إزالتها بشكل كامل، ما أضاع فرصاً كبيرة لإدانة النظام ومحاسبته على المجازر التي ارتكبها، وقد ازداد هذا السلوك بعد تدخل روسيا بقوتها العسكرية على الأرض في سوريا لحماية بشار الأسد ودعمه لارتكاب الكثير من المجازر واستهداف مراكز الدفاع المدني السوري والمرافق الطبية، بينما لا تزال الأمم المتحدة تنظر بخجل وتدين بخجل هذه المجازر من دون توجيه أصابع الاتهام لأحد، وتحدّثنا عن الفاعل بصيغة المجهول.

هذا كله لا يغطي جزءاً بسيطاً من تقاعس الأمم المتحدة عن التعامل بجدية ومسؤولية مع ما حصل ويحصل في سوريا، فعلى سبيل المثال عندما كانت حلب محاصرة، بدلاً من أن تستخدم الأمم المتحدة قرارات مجلس الأمن لمجابهة الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، كانت ترسل الأكفان لدفن الموتى في المناطق المحاصرة، وتشرف على إخلاء السكان الأصليين وإرسالهم إلى إدلب، فيقوم النظام بتوطين موالين له وعائلات المقاتلين الأجانب من إيران والعراق ليخلق بيئات موالية له بمساعدة الأمم المتحدة.

لا بد من الإشادة بجهود الأمم المتحدة في التصدي لانتشار فايروس “كورونا” الحالي والأزمة العالمية التي لا تمكن السيطرة عليها، وسعيها إلى إحراز فرق وتقدم على الكارثة الدولية، مع جهود “منظمة الصحة العالمية” والبرنامج الدولي للغذاء وغيرهما من الهيئات التي تتبع للأمم المتحدة. ولكن لا بد من التذكير بكلفة تسيير هذا الجسم الضخم، إذ إن الكلفة التشغيلية لأجسام الأمم المتحدة تتعدى الخمسين في المئة، هذا يعني أنه إذا تبرعت إحدى الدول بمليون دولار لمواجهة أزمة ما من طريق الأمم المتحدة، فلن يتجاوز المبلغ الذي يتم إنفاقه على الأزمة الـ500 الف دولار، سواء أكان خدمات أو مساعدات غذائية أو برامج. أما بقية المبلغ فسيتم صرفه على موظفي الأمم المتحدة من رواتب وسفر وتنقلات وحراسة ومكاتب، ومع ذلك، لم نشهد نتائج حقيقية لجهود الأمم المتحدة في معظم الأزمات التي أشرفت على حلها، على سبيل المثال: بلغت كلفة العمليات التشغيلية لقوات حفظ السلام حول العالم في 2016 نحو 9 مليارات دولار، بينما كان الشرق الأوسط والكثير من المناطق عبارة عن بلدان لا سلام فيها.

بعد هذا، لا بد أن نسأل، هل لا تزال الأمم المتحدة هي الجسم الأممي الأنسب للتعامل مع الملفات الدولية؟ هل تستطيع مع هذا التسييس الذي يحصل فيها أن تحمي ملايين البشر الذين يعانون من ظلم بسبب الأنظمة السياسية التي تتحكم في الأمم المتحدة ذاتها؟ أم أنها أصبحت شريكاً لهذه الأنظمة السياسية في قمع المدنيين الرافضين هذه الأنظمة؟ هل باتت الأمم المتحدة عائقاً ثقيلاً على النظام العاملي من دون تحقيق أي جدوى من هذا الجسم الضخم والمكلف؟

درج

——————-

——————–

 زحمة وبكاء في شوارع دمشق بانتظار «كورونا»

«الشرق الأوسط» تستطلع استعدادات الأهالي في أسواق العاصمة السورية

دمشق: «الشرق الأوسط»

لا تتوانى محطات التلفزة الرسمية والرسائل الجوالة والإعلانات الطرقية عن توجيه السوريين والسوريات، إلى ضرورة حماية أنفسهم واتباع الإجراءات الصحية وأهمها العزل المنزلي، وما اصطلح عليه بـ«الحجر الصحي».

لكن المشهد اليومي في شوارع دمشق، يخالف كل التوصيات. وحمى الخوف من «كورونا» مؤجلة لصالح حمى تأمين الحاجات الضرورية وخاصة من أفراد «الطبقة المعدمة» (الفقيرة)، التي تشكل حسب إحصاء أكثر من ثمانين في المائة من عامة الشعب السوري.

ازدحام خانق على سيارات توزع الخبز الشعبي الذي تنتجه مخابز الحكومة. ازدحام يتمسك بـ«كورونا» وينشرها بدلاً من إبعادها، في حالة من الفوضى لا يوجد من ينظمها. حالة من الحاجة المادية والخدماتية والسلعية في ظل غياب كامل للسيولة المالية الكفيلة بسد قيمة الاحتياجات الأساسية. وكان سوريون تناقلوا فيديو قصيراً لمعتمد خبز في ضاحية صحنايا قرب دمشق، يعتدي بالضرب على سيدة تطالب بخبزها. ولاحظت رجلاً في الستين من العمر، يبكي بعد فقدانه الأمل بأن يحصل على ربطة خبز واحدة من شاحنة الخبز الكبيرة في حي قريب جداً من حي باب توما. كان يصرخ: «أريد خبزاً! ربطة واحدة فقط. لا خبز لدينا في المنزل ولا قدرة لي على شراء خبز سياحي»، غير مدعوم من الحكومة، تبلغ قيمة الربطة الواحدة منه أحد عشر ضعفاً من قيمة ربطة الخبز العمومي أو الحكومي.

سوق الخضراوات

في سوق الخضراوات وجوه بلا ملامح. أسئلة عن أسعار كل شيء من غير شراء أي شيء. في سوق الخضراوات تسود الخيبة وحدها، امرأة تجمع ما يسقط من أكياس الخس التي تُنقل من الشاحنة إلى محل بيع الخضراوات. وعندما يطلب منها صاحب الشاحنة وبصوت حاد ومرتفع التمهل حتى ينتهي من عمله، تشتمه وتقول: «اصمت! لقد فضحتني». تترك الكيس بما فيه من أوراق متكسرة وتمشي. في سوق الخضراوات، تشتري النساء ليمونة واحدة للضرورة القصوى كي لا يستخدمن حامض الليمون المصنّع لأن الزوج أو الأب مصاب بقرحة في معدته. يقررن الاستغناء عن استعمال البصل في الطهو بعد وصول سعر الكيلو الواحد منه إلى ألف ومائتي ليرة (دولار أميركي واحد تقريباً)، في سوق الخضراوات، تجادل النساء الباعة لخفض – قدر الإمكان – أسعار البندورة المعطوبة أو البطاطا المكسرة أو «الزرقاء» أو التي اهترأ جزء منها، وتجمع بعضهن بقايا الخضراوات التالفة والمرمية على أطراف حاويات القمامة.

بيضة ورغيف

ارتفع سعر البيض حتى وصل إلى مائة ليرة للبيضة الواحدة. في دكان البقالة الشعبي الصغير، تشتري رهف ثلاث بيضات. وجبة الغداء هي بيضة مسلوقة لها ولأخويها. «ماذا عن أمك يا رهف؟». تقول: «أمي لا تحب البيض تأكل رغيف خبز مدهوناً بزيت نباتي وزعتر من النوع الشعبي».

وعند فرن الخبز الخاص بمرضى السكري، يطلب رجل في الثمانين من عمره خبزاً بمائة ليرة، فيصرخ الخباز في وجهه، قائلاً: «قف بالدور. يشتمه الرجل أيضاً ويقول له لو كنت أستطيع الانتظام في هذا الطابور الطويل لما طلبت منك». بعد رجاء وتوسل، سبعة أرغفة وكل رغيف أصغر من حجم الكف.

أي حماية؟ وأي حجر منزلي أو أي مسافة أمان بين الشخص والآخر؟ كل تفصيل اضطراري يفرض أن تكون في قلب الطوابير والزحام المهدد لسلامتك وسلامة غيرك.

وبعد كل إشاعة عن إغلاق الطرقات أو حظر التجول، هرع بعض السوريين إلى محلات البقالة الكبيرة ومراكز بيع الجملة لتأمين مؤنة تكفيهم فترة العزل. بعضهم اشترى بمائة ألف ليرة وأكثر. وبعضهم اشترى ما يقدر على شرائه من مواد اعتبرها أساسية كالزيت النباتي وبعض المعلبات. لكن ليسرا قصة أخرى، هي تعيل أمها وأم زوجها وثلاثة أبناء من دون نقود في البيت. اضطرت لبيع سوارها الذهبي وهو كل ما تبقى لها من ذخيرة للأيام السوداء. كانت قد سألت عن ثمنه قبل أسبوع وعرفت أن قيمته ثلاثمائة ألف ليرة، لكن الصائغ لم يعطها ثمناً له إلا مائتي ألف ليرة تحت ذريعة أن الجميع يحتاج سيولة وأن أحداً من الصياغ لن يفرط بسيولته ليشتري ذهباً، خاصة أنها باعته قبل موعد الإغلاق بساعة واحدة، أي عند الساعة الخامسة مساء، ذلك أن حظر التجول يبدأ السادسة مساء حتى السادسة من صباح اليوم التالي.

وجع خاص

للمنظفات وجعها الخاص في دمشق، ارتفع سعر الكلور والكحول وكل مواد التعقيم، مترافقاً مع حالة هلع لا يوجد من يخفف منها أو يطمئن الناس إلى أن هذه المواد قد تتوفر مجاناً أو بأسعار «محمية» في المنافذ الرسمية، أو أن الرقابة ستلجم جشع المتاجرين بها. بين ليلة وضحاها ارتفعت قيمة الكمامة من خمس وسبعين ليرة إلى ثلاثمائة وخمسين ليرة، وعبوة الكحول من تسعمائة ليرة إلى ألفين وخمسمائة ليرة ثم فقدت من الأسواق رغم الارتفاع الجنوني لأسعارها.

فقد كثيرون أعمالهم وخاصة العمال «المياومون» (يعملون باليوم) والعاملات المنزليات وسائقو الحافلات الجماعية والباصات الصغيرة. بعض الورش توقف عن العمل بصورة نهائية خوفاً من تراكم الخسارات. ومن استمر عمله ينبغي عليه العودة إلى المنزل قبل السادسة مساء ولو سيراً على الأقدام بعد توقف كل وسائط النقل الجماعية.

إن كانت جائحة «كورونا» ناجمة عن فيروس متناه في الصغر، فإن مصائب متعاظمة الضخامة ترخي بثقلها يومياً على حياة السوريين، لتتحول الجائحة إلى كارثة ممتدة وقاهرة.

————————-

خليك في البيت كشعار أيديولوجي/ بكر صدقي

يمكن اعتبار شيوع التلفزيون في الحياة المعاصرة نقطة بداية لجاذبية البقاء في البيت، بدلاً من الخروج إلى أماكن السهر واللهو. مع التلفزيون أصبح البقاء في البيت، بعد يوم عمل، أقل إثارة للضجر. وبمرور الزمن تنوعت المضامين المقدمة على الشاشة الصغيرة لتلبي مختلف التفضيلات، كما تنوعت القنوات، بعد بداية البث الفضائي، مقدمةً للمشاهد «البيتوتي» خيارات واسعة، بل تخمة من الخيارات التي لا يمكن للفرد الواحد متابعة إلا قسما صغيرا منها.

وهكذا ارتبط التلفزيون، بداهةً، بارتفاع القيمة الاجتماعية للرابطة الأسرية. عدم الخروج يعني امضاء وقت الفراغ مع الأسرة، وإن كان التلفزيون، بصورة متناقضة، يسرق أفراد الأسرة بعضهم من بعض، فلا يتبادلون الحديث، بل يشتركون معاً في مشاهدة ما يعرض على الشاشة من أخبار وحفلات موسيقية وأفلام سينمائية ومسلسلات ومباريات رياضية وبرامج حوارية وعروض أزياء وغيرها. لكن هذه «المشاهدة معاً» تخلق، بالمقابل، ذاكرة مشتركة وذائقة مشتركة وتعزز قيماً مشتركة، لا تقتصر على أفراد أسرة واحدة بل تجمعهم مع مشاهدين مفترضين في بيوت أخرى، أي مع أسر أخرى عبر البلاد أو العالم. ما نسميه بنمط الحياة الحديثة، مثلاً، دخل عالمنا التقليدي من خلال السينما قبل كل شيء، حيث نشاهد كيف يلبس ويسلك ويتكلم الرجال والنساء في العالم الغربي المنتج لفن السينما. وإذا كانت الأفلام السينمائية تصل إلى كتلة صغيرة نسبياً من المشاهدين في صالات السينما المحدودة عدداً وطاقة استيعاب، والمحصورة في المدن، فقد وصلت، مع شاشة التلفزيون، إلى أقصى الأرياف.

ويعبر البقاء في البيت عن نزعة محافظة لدى طبقة متوسطة، فالبيت يمنح ساكنيه الشعور بالإلفة والأمان، فكل شيء حيث يجب أن يكون، ويمضي الزمن بوتيرة مألوفة ومكررة من الأعمال، فلا مكان لمفاجآت تكسر رتابة الحياة الآمنة. حتى الزيارات المنزلية لها نظام معين لا تحيد عنه، سواء بتواترها الزمني أو بأشخاصها أو بمفرداتها. «الخارج» هو مجهول ومصدر خطر محتمل. إن فعل إغلاق باب البيت هو قرار بعزل مخاطر ومفاجآت العالم الخارجي، ولا نفتحه إلا إذا كنا ننتظر أحداً بموعد مسبق. أما أن يطرق الباب من قبل مجهول بصورة غير متوقعة، فهذا مما يثير التوجس إلى أن نفتحه فنعرف من الطارق.

تحول شعار «خليك في البيت» إلى عنوان المواجهة الأساسي مع وباء كورونا الذي يستمر في حصد المزيد من الأرواح عبر العالم. فالانتشار السريع للعدوى وعدم وجود علاج طبي أو لقاح ضد الفايروس، دفع بحكومات الدول المتضررة إلى محاولة قطع الطريق على انتشار العدوى قدر الإمكان، لأن الأنظمة الصحية غير مستعدة للتعامل مع الأعداد الكبيرة من المصابين. ودفع الهلع الناس إلى الالتزام بتعليمات الخبراء، وعلى رأسها ملازمة البيت درءاً لاحتمال التقاط العدوى.

ولكن نسبة «المقتدرين» على البقاء في البيت تبقى ضئيلة بالقياس إلى عموم السكان، فهم إما ممن لديهم مدخرات كافية تمكنهم من تخزين ما يحتاجونه من مواد تكفي لأسبوع أو عدة أسابيع، أو ممن يستطيعون مزاولة عملهم من البيت. أما أولئك الذين عليهم الخروج لمزاولة عملهم، فإما أن تطالهم بطالة إجبارية تعني الجوع، أو يكونون في فم المدفع في الحرب ضد الفايروس القاتل كحال الجهاز الطبي والعاملين في المتاجر وأجهزة الشرطة وعمال التنظيفات وغيرهم.

ويأتي في أسفل السلم الاجتماعي في زمن الوباء نزلاء السجون والمعتقلات ومخيمات النزوح، حيث لا بيت أصلاً للبقاء فيه كما يدعو الشعار، إضافة إلى عدم توفر المستلزمات الأساسية للعيش أو شحها، ولا تتوفر أي شروط للحجر الصحي، بل على العكس تتوفر بيئة مثالية لانتشار الأوبئة.

خليك في البيت، في شروط اليوم، لم يعد كما كان في الستينيات والسبعينيات دعوة إلى تمثل قيم المحافظة الأسرية الآمنة، بل شعاراً أمنياً في مواجهة خطر داهم. وهو، بهذا المعنى، يخدم أغراض المحافظة السياسية ويعزز نزوع الانغلاق على النفس ونبذ قيم التضامن الاجتماعي والتوق إلى التغيير والتحرر. وبقدر ما يمتد أمد الوباء قبل التمكن من احتوائه، سنعيش في حالة طوارئ ونعتاد عليها، فيتحول الطارئ والمؤقت إلى دائم، بخاصة وأن احتمالات ظهور فايروسات جديدة من هذه السلسلة ستشكل ذريعة معقولة لتشديد الضبط السلطوي والانضباط الاجتماعي. يتوقع المفكر الإسرائيلي يوفال هراري أن أنظمة سلطوية كحال النظام الصيني لن تتخلى عن الفرصة التي أتاحها الوباء لتشديد الرقابة على المجتمع، بذريعة حماية السكان من الأخطار الصحية. بل إن النموذج الصيني «الناجح» في السيطرة على العدوى بات يشكل مصدر جاذبية ليس فقط لحكومات في دول أخرى، بل حتى في قسم من الرأي العام الذي لديه استعداد أيديولوجي مسبق لتفضيل الأنظمة الشمولية، سواء في بيئات يمينية أو يسارية.

ولكن هل البقاء في البيت يحمي حقاً من أخطار «العالم الخارجي»؟ ألا يمكن أن يكون البيت نفسه مصدراً للخطر؟ هذا ما عالجته السينما في عدد كبير من الأفلام المصنفة كأفلام رعب، تدور أحداثها داخل البيت أو في مكان مغلق. فإما أن يكون البيت «مسكوناً بالأرواح» فتظهر هذه لساكنيه الجدد الذين لا يعرفون شيئاً عن تاريخ البيت، أو يتحول أحد أفراد الأسرة إلى قاتل يستهدف أفراد أسرته، كما هي الحال في فيلم ستانلي كيوبريك الشهير «the shining»، أو يعيش في قبو البيت شخص بدون علم سكانه كما رأينا مؤخراً في الفيلم الكوري «parasite».

نعم، ليس البيت مكاناً آمناً في كل الأحوال.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

كورورنا في عالم سوري/ ياسين الحاج صالح

حظيت قبل أيام بموعد مع عيادة في برلين، من أجل فحوص طبية عامة. في غرفة الانتظار أعطيتُ كمامة من مساعدة كانت تضع كمامة على فمها وأنفها، قبل إدخالي إلى الطبيبة، التي كانت تضع كمامة بدورها. أخذ الأمر ثانية أو ثانيتين قبل أن أنتبه إلى أنني وضعت الكمامة على عيني، وليس على أنفي وفمي. كأنما «تذكّرت» يداي شيئاً قمت به كل ليلة في عامي السادس عشر، وكان في سجن تدمر في سوريا.

خلال عام 1996 ذاك كان يفرض علينا، نحن المعتقلين السياسيين من خلفيات سياسية وأيديولوجية مختلفة، أن ننام مُطمّشين، وعلى جنوبنا حصراً، وألا نتحرك حتى أثناء النوم.

يفترض بالكمامة أن تحمي من شبح كورونا، الذي يجوس آفاق برلين والعالم، ناشراً فيها الذعر أكثر مما نثر شبح ماركس وإنجلس الشيوعي الذعر في أوساط البورجوازية الأوروبية في أواسط القرن التاسع عشر. السيد الجديد، ملك الملوك المتوج كوفيد التاسع عشر أقوى من ترامب وبوتين، من أوروبا والصين، أقوى حتى من سجاني تدمر وصيدنايا المتمرسين بالتعذيب والقتل.

في أوضاع اللايقين واللاتوقع الراهنة، يتساءل اللاجئ اليوم: ألم نر هذا كله من قبل؟ ألم يسبق أن خبرنا العزل والحجز في نطاقنا؟ نعيش معاً أزمة كورونا بعد أن لم نكن معاً في أزمات أخرى، عالمية بصورة مغايرة. لا أستطيع أن أعيش زمن كورونا، كأنما لم يكن لي زمن قبله، ولا أن أؤول أزمة كورونا بدون الرجوع إلى أزمة البلد المهجور هناك. بلى، كان هناك زمن، وكان استثنائياً وراضاً بقسوة. والأسوأ أنه مستمر ومتجدد اليوم.

قبل أقل من عام، بدا لي أننا على مسافة أزمة كبيرة واحدة من كارثة عالمية. كان في بالي مخاطر انزلاق سوري لبلدان أكبر من سوريا مثل، مصر أو إيران، وليس كوفيد 19. ليس محتماً أننا في الكارثة العالمية، لكن ليس مؤكداً أننا لسنا فيها. وما يظهر إلى اليوم أن التضامن الذي لم ينله السوريون طوال تسع سنوات، أقل وفرة حتى من أسرة المشافي والمنافِس. ما يقوله مسعى ترامب لامتلاك شركة ألمانية تصنع لقاحاً ضد الفيروس هو، أن الفيروس ليس أسوأ ما نجابه من مخاطر.

ما يميز أزمة عالمية مفاجئة وسريعة الانتشار، أننا على اختلاف البلدان والثقافات في مواقع متقاربة من حيث الجهل، محتاجون لمحو أميتنا معاً وتعلم القراءة معاً. يمحو الوباء الفوارق بين الدول، وأول ما يمحو الحدود، التي تعمل الدول على تمتينها، مثلما فعلت في مواجهة «أزمة اللاجئين». يقول الفيروس إنكم عالم، وتقول الحكومات إننا عوالم منفصلة. وأمام تحدي المجهري، الذي لا يُرى نبدأ كلنا من مواقع قريبة من الصفر، هذا إلا إذا كنا سالفوي جيجك الذي استطاع أن يؤلف كتاباً بينما لا يزال أكثرنا يتهجأ الحروف الأولى. الحاجة إلى التواضع وفتح العيون كي ترى هي، أول ما يلزم في مواجهة غير المسبوق، كي لا نخوض على طريقة الجنرالات واليسار الغربي الحرب السابقة إلى الأبد. ليست هذه حرباً مثلما أمكن لماكرون أن يقول ست مرات في خطابه في 16 مارس/آذار، ومثلما يستطيع جيجك أن يقول كذلك.

الأرجح أن باراديغم محاربة الإرهاب كامن وراء هذا التشخيص، وهو ليس بعيداً عن اعتبار الفيروسات إرهابيين، أو عن سلوك الطريق المعاكس: الإرهابيون فيروسات، وقد يشمل ذلك عموم اللاجئين والمهاجرين، المسلمين بخاصة. اليمين الشعبوي في ألمانيا وغيرها ليس بعيداً عن ذلك، وتفكيره السياسي يترجم بسهولة إلى لغة العدوى والمناعة. الإبادة عندئد يمكن أن تكون الإجراء الصحي الأنسب. بشار الأسد تكلم في يونيو/حزيران 2011 على مؤامرات وجراثيم، وعلى إبادة الجراثيم ومناعة الجسم. البيوسياسة الخاصة بالطبيب بشار الأسد، قتلت فوق نصف مليون خلال تسع سنوات، وهجّرت فوق ستة ملايين خارج البلد. ليست حرباً، إنها وباء، ويفترض العمل على أن نكون في صف واحد ضده، وضد من لا يستطيعون التفكير بغير منطق الحرب.

الشجاعة هي ثاني ما يلزم في هذه اللاحرب، خاصة في عالم يعرض جبناء كثيرون فيه قدراتهم الحربية ضد من هم أضعف بكثير، عالم انحطت حروبه إلى تعذيب وإبادات. ليس هناك «حرب ضد الإرهاب»، لا ينبغي لأحد أن يخدع نفسه في هذا الشأن. هناك فقط تعذيب، قلما اقتصر ضحاياه على الإرهابيين المفترضين. هذه الحرب المزعومة شرّعت التعذيب عالمياً، وأوهنت الديمقراطية عالمياً. الشجاعة هي التوقف عن هذا العبث، وهي تغيير المسار.

اليوم نحن حرفياً نتجنب التقاء غيرنا ونُنصَح طوال الوقت بذلك، وليس واضحاً أننا نفكر بغيرنا، أو أننا نفكر مع غيرنا، وهذا ثالث ما يلزم. قد لا ينحفر الانعزال وهذا «التذرذر» الجديد في أجسادنا، وقد نتخلى بعد حين عن «سلام ووهان»، السلام على بعضنا بالأقدام حين نلتقي، لكن الهلع والانعزال في عهد السيد الجديد هو، استمرار لميل إلى الهلع والانعزال سابقين له، الهلع من الإرهاب.

قد نخرج من هذا العارض الصحي العالمي بخسائر كبيرة، أو غير كبيرة في الأرواح، وبعض التقديرات تصل إلى 1٪ من سكان الكوكب، أي فوق 70 مليونا. لكن صحة العالم كعالم في خطر. كورونا هو فقط اختبار عبّاد الشمس الذي يظهر تداعي صحة العالم، افتقاره إلى الشباب والعزيمة، استسلامه للخوف واليأس، رفضه التغيير، ورفضه تقبل مخاطر اللقاء بالغير لمواجهة المخاطر. الغير هو الخطر، يقول القبليون الجدد في كل مكان.

ما يلزم اليوم هو حالة استثناء حقيقية، مثلما كان دعا والتر بنيامين في مواجهة الاستثناء المُطبّع. لقد بدا جيورجيو أغامبن وهو يفكر في كورونا كذريعة لحالة استثناء يراها قائمة أصلاً، كمن يبحث عن المفتاح الضائع تحت الضوء (أي حيث هناك نظرية)، وليس حيث ضاع فعلاً (أي حيث المشكلة). وهذا تماماً مثلما فعل ماكرون، الذي يبحث عن الفيروس في ميادين الحرب، حرب سابقة أخرى. كسوري أعرف أن المشكلة في حالة الاستثناء المؤبدة المفروضة في بلدي منذ عام 1963، إنها حرمتنا من حالة استثناء حقيقية، مست الحاجة إليها غير مرة، خلال ما يقترب من ستة عقود. إذا كنا سلفاً في حالة استثناء، فماذا نفعل حين يقتحم طارئ استثنائي حياتنا؟ لا شيء. يورث الاستثناء المديد تراخياً مديداً وتبلداً فكرياً وأخلاقياً، وليس تأهباً وعيوناً مفتوحة.

قبل ستين عاما قالت حنه آرنت إنه لا يمكن التنبؤ بما يحدث في المستقبل، لكن نستطيع أن نَعِدَ، فننزع عن المستقبل المجهولية والخوف. قالت كذلك إن ما وقع في الماضي لا ينعكس، لكن يمكننا الغفران. في عالمنا هناك الكثير ما لا يغتفر، تحديداً معاملة الناس كفائضين، مثلما قالت مؤلفة أصول التوتاليتارية، ومثلما عرف مليون سوري من إدلب خلال الشهرين الأولين من هذا العام فقط. وفي هذا العالم القليل جداً من الوعود، أي القليل جداً من المستقبل. لذلك قد نشفى من كورونا، لكن لا الماضي يتراجع لأن نازعي الإنسانية لا يطلبون غفراناً من أحد، ولا المستقبل ينفسح لأن الفاعلين الكبار لا يعدون بشيء. نعيش حاضراً خانقاً، لا نكاد نستطيع الحركة فيه، كحال المعتقلين في أقبية التعذيب عند بشار الأسد. العالم في أزمة من فقدان الوجهة واختناق المخيلة. في سجن اللابدائل.

كان شعار المنتدى الاجتماعي في بورتو أللغري عام 2001 هو أن عالما آخر ممكن. لكن أرى أن الإمكان يصنع إذا قمنا بما يتعين علينا القيام به في أوضاع الأزمة، إذا غضبنا وغيرنا عاداتنا وتصرفنا بعدل، وإذا توققنا عن مقاومة المعرفة عن غيرنا وعن العالم، أي باختصار إذا أحدثنا استثناء، فرقاً حقيقياً عما ألفنا. الحدث، يقول روكو رونشي، ينتج تحولات لم تكن في الإمكان قبله، ويولد ممكنات حقيقية. هذه هي «فضيلة» كوفيد 19، حسب الفيلسوف الإيطالي. الأزمة اليوم قد تكون مُسرِّعاً في اتجاه تولد ممكنات جديدة، مغايرة. إن ضاعت الطاقة التوليدية للحدث، فيحتمل أن نتخبط لسنوات، ربما لجيل أو أكثر، في أوحال أزمة فقدان الوجهة، وهي أزمة مناسبة لمن يفضلون حاضراً مؤبداً، أي للأقوياء والأغنياء. ستكون سوريا مستقبل العالم إن ضاعت فرصة صنع الممكنات المغايرة هذه.

حال الاستثناء الحقيقية هي ثورة في أوضاع عالم اليوم، الذي يخنق نفسه بنفسه، خروج من أزمة فقدان الوجهة إلى حيث تستطاع الدهشة والغضب، من أننا عشنا في حاضر مؤبد. ينبغي أن لا نعود إلى سجن عالم اللابديل، «أن نقاتل ضد من يدعوننا إلى أن نعود كما كنا من قبل»، مثلما قالت سنثيا فلوري قبل أيام.

وأن لا نضع كمامة الإخفاء على أعيننا.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

————————

سيناريوهات عالم كرة القدم بعد كورونا!/ حفيظ دراجي

رغم التفاؤل الكبير الذي أبداه الاتحاد الأوربي لكرة القدم في اجتماعه مع الاتحادات المحلية بتمسكه باستئناف الدوريات الأوروبية في منتصف مايو/آيار، أو حتى منتصف يونيو/حزيران، وإنهاء الموسم في أغسطس/آب، وكذا استئناف دوري الأبطال في يونيو وأغسطس، الا أن الوضع الصحي الراهن مع سرعة وقوة تفشي عدوى فيروس كورونا يجعل الرؤية المستقبلية غامضة، ويفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما في ذلك امكانية توقيف الدوريات كليا، ثم الغائها أو تأجيلها الى موعد غير محدد في سابقة أولى من نوعها لم تحدث حتى أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي توقف فيها النشاط الكروي جزئيا في أوروبا وليس كليا كما يحدث اليوم في كل أنحاء العالم.

الاتحاد الأوروبي أعلن مبدئيا تأجيل كل مسابقاته المقررة هذا الصيف، و تمديد الموسم الجاري الى ما بعد 31 يوليو/تموز، ما يقتضي تمديد العقود الحالية للاعبين التي تنتهي عادة مع نهاية يونيو كاجراء أولي، ويقتضي تأجيل انطلاقة الموسم المقبل الى موعد غير محدد، سيؤدي لا محالة إلى ارتباك كبير في ترتيب روزنامة منافساته ومبارياته التي ستزيدها تعقيدا منافسات الكؤوس والبطولات القارية والدولية مثل تصفيات كأس العالم 2022 المقررة انطلاقتها شهر سبتمبر/ايلول المقبل في كل القارات، ويزيدها تعقيدا البطولات التي تم تأجيلها الى صيف 2021، والتي تقتضي انهاء الدوريات في منتصف مايو من نفس السنة.

الاتحادات المحلية الاوروبية أيدت تدابير الاتحاد الأوروبي وأبدت بدورها تمسكها بالأمل في العودة الى النشاط الكروي، إدراكا منها بأن توقيف الدوريات وتأجيل المسابقات الكبرى بسبب تمدد الفيروس سيدخل عالم الكرة في أزمة برمجة لم يسبق لها مثيل، تقتضي جهدا كبيرا لرسم روزنامة توافقية جديدة، تكون لها تداعيات مالية كبيرة، خاصة أن الأمر يتعلق بواحدة من أكبر خمس صناعات في العالم، تفوق ايراداتها صناعة الدواء، وتعتبر مصدر دخل أكثر من مليار نسمة من أصل سبع مليارات نسمة حول العالم، حيث تبلغ قيمة المعاملات المالية الرياضية في البرازيل مثلا، ما قيمته 17 مليار دولار سنويا، تساهم بما قيمته 5% من قيمة الدخل القومي، بينما تبلغ قيمة التداولات في كل قطاع الرياضة في الولايات المتحدة ما يفوق 200 مليار دولار، وهو ضعفا ما يمثله انتاج السيارات وأضعاف مداخيل صناعة السينما.

في أوروبا التوقعات تتحدث عن خسائر تفوق أربعة مليارات دولار في الدوريات الخمسة الكبرى، خاصة بالنسبة للأندية الكبيرة التي تفوق مداخيلها السنوية 500 مليون دولار مثل الريال والبارسا وماتشستر يونايتد من ايرادات الاشهار وعقود الرعاية وحقوق البث التلفزيوني وعملية بيع التذاكر وكذا عائدات المبيعات التجارية للأندية وكل استثماراتها في سوق الكرة العالمية، التي توقفت فجأة بسبب نفشي فيروس كورونا لتخلف خسائر كبيرة لن يعوضها تخفيض رواتب اللاعبين الذي لجأت اليه الاندية الكبرى خلال فترة التوقف، ولن يعوضها ركود سوق الانتقالات الصيفي الذي سيشهد تراجعا كبيرا.

في انكلترا مثلا، يتوقع أن تطالب القنوات التلفزيونية وشركات الرعاية الكبرى بتعويضات تصل مليار يورو تدفعها رابطة الأندية المحترفة، وخسائر أخرى تفوق مليار يورو لأندية البريميرليغ بسبب تراجع مداخيل حقوق البث التلفزيوني وبيع التذاكر والرعاية والاشهار، ما ينعكس على اقتصاد الكرة الأوروبية وعلى كل موازين القوى الحالية رغم تخفيض رواتب اللاعبين بنسبة تفوق 50% في بعض الاندية خلال فترة التوقف.

بحسب آخر تقرير صادر عن المركز الدولي للدراسات الرياضية، فان النموذج الاقتصادي الكروي الحالي سيتغير بعد الأزمة الصحية، و سوق التحويلات مثلا سيفقد 28% من قيمته في الدوريات الخمسة الكبرى وينخفض من 32,7 الى 23,4 مليار دولار، حيث ستنخفض قيمة بول بوغبا مثلا من 65 الى 35 مليون دولار في السوق الذي سيشهد ركودا غير مسبوق، في حين ستستفيد الاندية الغنية من الوضع لاقتناء مزيد من النجوم وتعميق الفوارق بينها وبين الأندية الأخرى التي ستكون مضطرة للتخلي عن لاعبيها مقابل الحفاظ على توازناتها المالية والوفاء بالتزاماتها.

كل المعطيات تشير الى تغييرات عميقة ستشهدها الكرة الاوروبية والعالمية بسبب مجرد فيروس لم يكن في الحسبان، لم يكتف بحصد الأرواح وتوقيف الحياة مثلما تفعل الحروب والكوارث، بل يعد بقلب كل الموازين في كل المجالات، لنستفيق بعد فترة على عالم أخر لا يمكن التكهن بمعالمه ما لم تعد الحياة الى مجاريها ويحصي العالم خسائره البشرية والمادية.

إعلامي جزائري

القدس العربي

————————-

الغارديان: “كورونا” أحرج اليمين الشعبوي لكنه لم يقض عليه وحفّزه للرد

إبراهيم درويش

قال مدير مركز الثقافة الرقمية والمنظر السياسي بكلية كينغز بجامعة لندن، باولو غيرباودو، إن فيروس كورونا سبب إحراجا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، لكن هذا لن يمنع اليمين الدولي المتطرف من مواصلة معركته، مضيفا أن اليمين الشعبوي بنى قوته على ثقة متغطرسة بالنفس وصاخبة.

 إلا أن رموزا تمثله مثل ترامب وبولسونارو بدوا في حالة دفاع عن النفس. فهم تارة يتمسكون بفكرة عادية الأمر (إنها مجرد انفلونزا) أو أجبروا على التراجع عن مواقفهم واعترفوا بمخاطر الوضع.

وكان على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون التراجع عن فكرة “مناعة القطيع” عندما كشف البحث العلمي أن الثمن الإنساني لسياسة كهذه سيكون باهظا. وأصيب جونسون نفسه بالفيروس، واتُهم بالتواطؤ في انتشار الوباء وغياب القيادة الحقيقية.

وفي إيطاليا، بدا ماثيو سالفيني، زعيم حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف، ونائب رئيس الوزراء السابق، فاقدا للمنطق وغير قادر على التصرف كرجل دولة يواجه حالة طوارئ. بل واتهم بعدم الوطنية نظرا لقلة حيائه وانتقاده معالجة الحكومة للأزمة.

واختفت في فرنسا زعيمة اليمين ماري لوبان من المشهد الإعلامي، فيما واصل بولسونارو التصميم على إنكار الأزمة بشكل بدا معزولا.

وظلت استراتيجية ترامب في أمريكا تتغير كل يوم، فبعد تقليله من أهمية الفيروس أجبر على إعلان حالة الطوارئ الوطنية، ثم تراجع الأسبوع الماضي، بعدما أكد أن حالة الإغلاق ستنتهي بنهاية عيد الفصح حتى لا يتضرر الاقتصاد. صحيح أن شعبيته ارتفعت بشكل متوازٍ مع شعبية جورج دبليو بوش في مرحلة ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر. إلا أن ترامب قلق من تداعيات انتشار الفيروس على مواقف الناخبين، في وقت تتزايد فيه معدلات الوفيات والمخاوف من دخول الاقتصاد حالة من الركود بشكل يؤدي لارتفاع نسبة البطالة إلى 20%.

ويعتقد الكاتب أن المصاعب التي تواجه الحكام الشعبويين ليست مستغربة، لعدم دعمهم للقضايا في قلب الأزمة: الصحة والرفاه الاجتماعي والعلوم.

فعلى جبهة الصحة، كشفت الأزمة الحالية عن حماقة سياسة استمرت عقودا من قطع الدعم والتمويل عن الخدمات الصحية وخصخصة النظام الصحي.

وأمام جونسون وسالفيني وترامب أسئلة محرجة للإجابة عليها فيما يتعلق بسجلهم كأعداء للنظام الصحي. وأكثر من هذا، تدعو الأزمة لتغير جذري في السياسة الاقتصادية يتناقض مع الأيديولوجية الشعبوية والتي تجمع ما بين الشوفينية على الجبهة الثقافية والسياسات النيوليبرالية المتطرفة على الجبهة الاقتصادية.  كما أن تقديم الدعم للصناعات الوطنية بدءاً من توفير المعدات الصحية والدواء ليست أمورا تهم الشعبويين الذين تبنوا سياسة الحماية التجارية. وهم يعارضون وبقوة إجراءات الرفاه التي أصبحت أمرا ضروريا لتجنب الكارثة الاجتماعية بعدما اعتبر هؤلاء الساسة سياسات كهذه “بالخطيرة” و”غير الوطنية”، مع أنهم يقومون بتبنيها وبشكل محرج لهم.

وهناك الملمح الثالث في هيكل المواقف القومية المتطرفة وهو هجوم الشعبويين على العلم.

فأزمة وباء كورونا تواجهنا بتهديد لا يمكن فهمه ومعالجته إلا من خلال العلم. وحصل علماء الأوبئة والفيروسات على مكانة مهمة في الإعلام، ويقوم الرأي العام بمتابعتهم وتنفيذ توصياتهم. ولا يعرف إن كان هذا سيقود لإيمان بالعلم وتراجع للحركة المضادة له التي يقودها القادة الشعبويون الذين اضطروا لمتابعتها. ويتوقع أن يعي المواطنون المخاطر التي تحدث عنها العلماء مثل التغيرات البيئية والمتوقع أن تؤدي إلى انتشار الأمراض.

ويعرف القادة القوميون الشعبويون بأنهم يتغذون على نشر الخوف، إلا أن الخوف المنتشر ليس ذلك النوع الذي يمكنهم استغلاله لصالحهم. وبسبب حالة الطوارئ الصحية والقلق الاقتصادي، هبط موضوع الهجرة من قائمة الأولويات، مع أنه الموضوع المفضل للحركات الشعبوية المتطرفة.

فمنع السفر وحقيقة أن أوروبا والولايات المتحدة باتتا في مركز انتشار الوباء أدت إلى تراجع الرغبة بالهجرة إلى هذه المناطق. وفي الواقع فنحن نلاحظ تبدلا تاريخيا في المواقع، فالمكسيك هي التي تقوم بإغلاق الحدود مع أمريكا، فيما تقوم دول أفريقيا بمنع الرحلات الجوية المتجهة نحو أوروبا أو القادمة منها.

وبدأ المزارعون البريطانيون بتنظيم رحلات خاصة للعمال من أوروبا الشرقية للعمل في المزارع حتى لا يترك محصول العام دونما قطاف. ولو قادت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى موجة هجرة كتلك التي شاهدناها عام 2015 فسيحاول القادة الشعبويون استغلالها لصالحهم والعودة لخطابهم المعادي للعولمة.

وفي الوقت الذي أربك فيه فيروس كورونا الحركات القومية المتطرفة ولو لفترة مؤقتة فهذا لا يعني أنها انتهت. وسيكون اليسار مخطئا لو اعتقد أن الأزمة تصب في صالحه.

ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة الصحية إلى أزمة اقتصادية تشبه فترة الكساد العظيم في القرن الماضي والأزمة المالية عام 2008.

وأثبت اليمين الشعبوي قدرته على التصيد في الماء العكر واستغلال يأس الناس والبحث عن كبش فداء لتحميله المسؤولية. وربما اتبع نفس الأسلوب لو أصبحت الأمور أكثر خطورة. وما قام به رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان يوم الإثنين من تعليق البرلمان والحكم عبر المراسيم هو نذير لما سيأتي.

ولم يتردد سالفيني في إيطاليا من مديح خطوات أوربان. وسنرى زيادة في الخطاب المعادي للصين، فقد وصف ترامب فيروس كورونا بالفيروس الصيني. وقال المنظر اليميني ومستشار ترامب السابق ستيفن بانون إن الفيروس هو “فيروس الحزب الشيوعي الصيني”.

واقترح سالفيني أنه بمعرفة الحكومة الصينية بالفيروس وعدم إخبارها العالم عنه، فإنها ارتكبت جريمة ضد الإنسانية. وتبني حلفاؤه في إسبانيا والبرازيل نفس الخطاب.

وفي ضوء المحاولات التي قام بها المتطرفون لإنشاء “القومية العالمية” تحت رعاية حركة بانون، فهذا التنسيق في التصريحات لم يأت عبثا، وتبدو وكأنها استراتيجية منسقة لتمرير الغضب واليأس تسببت به الأزمة نحو عدو عرقي تم تعريفه بالصين.

وسيتم تشويه كل شخص من الاشتراكيين أعداء اليمين إلى جوزيف بايدن المرشح الديمقراطي الذي وصفته “ناشونال ريفيو” بأنه “المرشح المفضل لدى الصين”.

وما هو مخبأ لنا قد يكون أسوأ من الحركة الشعبوية اليمينية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بل وأسوأ، فهناك حركة يمين متطرف تستخدم كل ما لديها من ترسانة ديكتاتورية متطرفة لاستفزاز والدفاع عن مصالحها ومنع أي محاولة ذات معنى لإعادة توزيع الاقتصاد. ومع أن الأزمة الحالية أحدثت إرباكا لليمين المتطرف، إلا أنها لم تقمعه بل وجعلته يتخلق بصورة جديدة.

القدس العربي

—————————

يوسا الروائي في مواجهة “الأخ الأكبر” الصيني/ محمد حجيري

قبل أكثر من أسبوعين، كتب الروائي البيروفي، ماريو فارغاس يوسا، مقالاً في صحيفة “الباييس” الإسبانية بعنوان “العودة إلى العصور الوسطى؟” حمّل فيه النظام السياسي الصيني مسؤولية انتشار وباء كورونا في العالم، وأكثر من ذلك ذهب يوسا -“اليميني” على ما تصفه بعض الصحف العربية- إلى القول بأن السلطات الصينية أسكتت بالقوة أصوات الأطباء الصينيين الذين اكتشفوا الفيروس، زاعماً أن انتشار الوباء كان سيكون مختلفاً تماماً لو أن الصين “كانت بلداً ديموقراطيّاً”، مذكّراً بكوارث سابقة في ظل الأنظمة الاستبدادية وتحديداً الشيوعية.

في اليوم التالي لصدور المقال، ردّت الصين بقوّة على يوسا، وجاء في بيان السفارة الصينية في ليما “إن مقال يوسّا تضمّن انتقادات سخيفة وعارية عن الصحة، وتجاهل الجهود الكبيرة التي قامت بها لاحتواء الأزمة”. ووفق صحيفة “إلباييس”، فإن رواياته مثل “حفلة التيس”، و”شيطنات الطفلة الخبيثة”، و”امتداح الخالة” اختفت من أسواق بيع الكتب الصينية في الانترنت، فيما نتائج البحث عن اسمه في محرّكات البحث الصينية لم تعد تفضي إلى أي نتيجة تتعلّق بالكاتب.

وبغض النظر عن صوابية كلام يوسا، حول الصين والكورونا، فهو مقال من ضمن آلاف المقالات التي كتبتْ، نتوقف عندها أو لا نتوقف، لكن المرء يفكر كثيراً أنه كيف لدولة عظمى وامبراطورية، وصاحبة واحد من أضخم الاقتصادات في العالم، أن تهتز مشاعرها من رأي كاتب بيروفي، وتتصرف بكيدية وطفولية إذا جاز التعبير… من حق السفارة الصينية الرد على يوسا، لكن من السخف أن تمنع كتبه في إطار رد الفعل المعهود… وليس يوسا وحده الممنوع في الصين، فالتاريخ شاهد على رواية “بجعات برية” ليونغ تشانغ، و”حلم الصين” لماجيان، وصولاً إلى كتب جورج أورويل… وأشار الصحافي شوقي الريس في جريدة “الشرق الأوسط”، إلى أن الحكومة الصينية سبق أن اتخذت إجراءات مماثلة في حق شخصيات عالمية، مثل الممثل الأميركي براد بيت، بعد قيامه بدور البطولة في فيلم “سبع سنوات في التيبت”، والذي اعتبرته بكّين موجَّهاً ضد سياستها بشأن هذه المقاطعة، أو نجم كرة القدم التركي مسعود أوزيل الذي انتقد القمع الذي يتعرّض له السكّان المسلمون في الصين.

على أن حديث يوسا عن انتشار الفيروس، وربط ما حصل بغياب الديموقراطية، ليس جديداً. فسبق أن قرأنا شبيهه لدى بعض المفكرين الفرنسيين والغربيين… المستجد في المشهد هو في رد فعل السفارة الصينية في ليما. قال الشاعر عيسى مخلوف، في تعليق فايسبوكي على القضية: “في المستقبل القريب، سيجد العلماء اللقاح الشافي لمحاربة وباء كورونا، لكن من الذي سيقف في وجه تحويل العالم إلى مكان شبيه بما وصفه جورج أورويل في روايته 1984؟ أيضاً، ليست المرة الأولى التي نقرأ فيها عن الصين، فتحضر في مخيلتنا رواية أورويل”. وكتبت المدونة الأردنية سلام برجاق، مقالاً في موقع “الجزيرة”، بعنوان “كيف طبَّقَت الصين رواية 1984 بحذافيرها؟”: “لا تتكلم، لا تفكر، لا تبحث، لا تحب، لا تتجرأ على التعبير عن رأيك، من أنت لتكتب حرفاً على ورقة أو حتى لتعرف معنى كلمة حرية؟ أنت لا تستحق أي شيء ولا يمكنك فعل شيء. هل تعرف لماذا؟ لأنك مراقب. بهذه الأفكار لخّص الكاتب جورج أورويل تخيلاته السياسية التي هيمنت على مستقبل العالم الذي يحيط بروايته “1984”، العالم القاتم الأسود، الخالي من ألوان الحياة، الذي تخيّل فيه الكاتب أن الأشخاص مستقبلاً سيكونون تحت مراقبةٍ دائمة لكل تفاصيل حياتهم؛ من نومٍ وأكلٍ وما يقتنون ومن يحبون، من قِبَل قوةٍ حاكمة عظمى تسيطر على عقول وحياة الناس، من قِبَل ما يدعى “بالأخ الكبير”. جاء هذا الكلام في اطار الحديث عن مسلمي الايغور وسجنهم، وبعد كورونا سيزيد حضور “الأخ الأكبر” في معظم الصين وربما العالم؟ الكورونا سيعطي مبررات لاستبداد جديد ربما، تحت حجج إنسانية وطبية، وبات كل فرد مراقباً من خلال كاميرا، وحتى من خلال داتا هاتفه النقال. وكثيرون سيتماهون مع أي اجراء بحجج من هنا وهناك.

الكاتب يوسف ابو لوز، مثلاً، اتهم يوسا بأن موقفه يحمل بُعْداً سياسياً واضحاً تجاه الصين، وقال: “هذه غلطة كاتب عالمي كان يمكنه أن يتجنّب الفرق في ما هو سياسي، وينظر إلى الجانب الإنساني، المأساوي، العالمي في هذا الوباء الملعون. لا وقت الآن مطلقاً لركوب أية سياسة أو أية أيديولوجية على ظهر فيروس مدمّر لتفاؤل الإنسان.. الوقت الآن.. وقت كتابة الأمل، ولو أن الخوف يحيط بالعالم الآن ويحوّله إلى قرية مهجورة”. بالتأكيد من البديهي أن يكتب الروائي عن الأمل، ومن البديهي أيضاً ان يطرح تساؤلات ويكتب انتقادات حول ما يجري في العالم، فهذا حقه الطبيعي ودوره الطبيعي.

   بالمختصر، إذا نظرنا في مسار يوسا الأدبي والسياسي، نجد أنه في البداية أحدث قطيعة على مستوى منهجه الفكري، بعدما قرأ شهادات المثقفين المنشقين عن النظام السوفياتي، وتأثره بفلسفة ألبير كامو حول التمرد… انتقل من اليسار إلى الليبرالية، ولم يعد يثق في الأفكار اليسارية والاشتراكية، وقدراته ظاهرة في روايات تحمل الكثير من المواقف والعناصر الفريدة والأيروسية، ولديه مواقف جديرة بالاهتمام في مقالاته. أما رد فعل الصين عليه، فيأتي في إطار سعيها الى الإشادة بالدور الذي قامت به، وتريد أن تكون قدوة حاملة هم الإنسانية العالمية في خضم صراعها مع أميركا ترامب، وتركّز في تحركاتها الخارجية على اعطاء صورة براقة لدورها في معالجتها هذا الوباء، ولا تريد أن يكون الرأي العام مسلطاً عليها كمُصدِّر ومُنتِج للكورونا.

أكثر من ذلك، لاحظ الزميل بشير البكر ان الصين تصرفت بطريقة غير أخلاقية، فقد سلمت لأميركا طلبية كمامات كانت تعاقدت عليها بلديات فرنسية. وذلك لأن أميركا رفعت السعر.

—————————–

بس تخلص كورونا”../ رشا الأطرش

ها هو يفعلها مجدداً.. يصفُّ أصدقاءه، جنباً إلى جنب، في السرير. القرد والدب والكلب.. وسائر أفراد الشلّة الملونة ذات الفراء الناعم المغوي بعناق نوم هانئ. لكن “الشباب” ليسوا في أحسن حال. “عندن كورونا”، يعلن الدكتور الصغير. يرصّهم جيداً، يغطّيهم، ويضع راحته على جبين كل منهم، مؤكِّداً المؤكَّد: “حرارتهم كبيرة”، ثم، وبقطّارة وهمية، ينقّط لكل منهم دواءه في فمه المرسوم على ابتسامة لا تكلّ. والطبيب، ابن السنوات الأربع، يعرف جيداً سبب إصابة الرفاق: لم يغسلوا أيديهم جيداً بالماء والصابون، أحدهم عطس قربهم، أو أنهم لمسوا وجوههم بأيديهم المتسخة. لكنهم سرعان ما يتعافون، ويخرجون من المستشفى، ليعاودوا الإصابة في اليوم التالي، فاللعبة باتت روتيناً، تُطعّم بتفاصيل إضافية، مرة تلو الأخرى.

ثلاثة أسابيع مرت على إقفال المدارس. ثلاثة أسابيع كانت كفيلة بتحفيظ صغيري كل شيء عن الكورونا. في البداية، كان يتحمس للخروج في نزهة سريعة على “السكوتر”، نصف ساعة يحرك فيها جسمه، يبذل طاقاته المكبوتة، ويستنشق الهواء المتاح في السجن الأكبر. لكن كثرة التعليمات والتحذيرات التي تصاحب كل مشوار، طغت على فرحة الخروج: لا تلمس باب المصعد، بوابة المبنى، لا تحكّ عينك، افرك يديك بالجِل،.. وبسرعة.. هيا إلى البيت. منذ أيام، يرفض الخروج كلما عرضنا عليه ذلك: “بس في كورونا!”، يخبرنا كأننا لا نعلم. أو كأننا، أبوه وأنا، ثنائي مخبول أو مستهتر أو فاقد للذاكرة، وهو الآن مضطر لأن يكون الناضج المسؤول عن سلامته وسلامتنا معاً. يجادلنا، مُستَفَزاً بعرض الخروج، سائلاً إن كنا نرى أولاداً يمشون في الشارع، أولاد عمرهم أربع سنوات. وحين نجيب بِنعَم، وأننا رأيناهم سوية في الشارع خلال نزهتنا الأخيرة، يستهول الردّ: “مش مزبوط!”. ويؤكد أنهم، وإن نزلوا إلى الشارع من قبل، فلن يكرروا ذلك “لأنو في كورونا!”.. ويسهب في استخدام مفردات ومرادفات العدوى، الميكروب، والمرض، التي باتت جزءاً من قاموسه اليومي.

أعرف كم يشتاق ابني إلى مدرسته وأصدقائه، إلى الحديقة و”الكاروسيل”. إلى جلستنا، أنا وهو، في المقهى كل نهاية أسبوع لتناول “الكريب بالشوكولا”، وإلى مسرح العرائس الأسبوعي الذي كان حديثه يكاد لا يخلو من أسماء أبطاله. لكن سِيَرهم شحّت أخيراً، لمصلحة شخصيات الرسوم المتحركة التي ما عاد في مقدرونا تقنين ساعاتها التلفزيونية كما اعتدنا قبل الأزمة. وأعرف، أو كنتُ أعرف، كم تضيق به شقتنا التي صرنا نتندّر بأن الشيء الوحيد الذي لم يتسلقه فيها بعد هو السقف. لكن قوقعتنا البيتية أصبحت شرنقته التي يخشى مغادرتها، وإن رغب حقاً في ذلك. تناقض الرغبة والخوف، الشغف والتوتر.. باكراً عرَّفه الوباء على تلك الاستعصاءات. أحياناً، أشعر بالذنب لمجرد أن المشهد هذا يحزنني، فيما يعاني الآلاف في المستشفيات، ويموت كثر بسبب هذا الوحش المستجد. أغطّي الذَّنبَ، بالامتنان، لأنني بخير، ومن أحب.. من دون أن ينسحب العرفان على كل ما يثيره واقع البيوت المغلقة من قلق وأسئلة.

أحسب أن جيلاً كاملاً (أو جيلَين) سيكبر وتكبر معه ملامح هوسٍ ما، هستيريا ربما، بالنظافة وتفادي مسببات الأمراض، حتى البسيطة والعابرة منها، بالنجاة مما لا نرى، بالخلاص. جيل كامل سينمو بداخله خوف مزمن من “الخارج” من “الآخر”، أي فرد، أي آخر. خوف من اللامرئي، جرثومياً كان أم خطابياً، وسيبذل جهداً عظيماً لكسره حينما يكبر، إن وعاه كفاية. لكن، أنّى لي أن أفتي.. أنا التي ما زلت أتصبب عرقاً بارداً وأكابد ضربات قلبي المتسارعة، كلما سمعت دوياً، ولو كانت فراقيع العيد، ولو ظننّا -جيلي وأنا- أننا انتهينا من عقلنة ومواجهة رواسب “تروما” الحرب اللبنانية التي ترعرعنا في كنفها. وتخطر في بالي حكايات الجدات اللواتي لم تقتلهن مجاعة لبنان، خلال الحرب العالمية الأولى، وعُرفن طوال أعمارهن بعدها بـ”البخل” و”الاقتصاد” وهوس التخزين.

أما الآن، هنا واليوم، فكل شيء في نظر طفلي مرهون بـ”بكرا بس تخلص كورونا”: اللعبة التي يتحرّق لشرائها، زيارة رفيقته المفضلة، الرحلة لرؤية تيتا وجدو، الكلب/الهر الذي يطالبنا باقتنائه منذ أشهر… “بس تخلص كورونا”، مفتاح المستقبل، بوابة أحلامه الصغيرة. أي عالم ينتظره وينتظرنا؟ وبأي تفاصيل يتراكب في وجدانه الغض؟ وهل سـ”تخلص كورونا” أبداً؟ وبأي ثمن؟.. أتساءل بينما أدرك كم انكمشت دنيانا إلى حدودها الدنيا، وابني يدافع عن مساحته فيها. باتت متكررة هجماته على كومبيوتري المفتوح ليطفئه، علّني أترك “الشغل” وأعود للعب معه: “كل النهار شغل؟!”، يعترض ويحاجج. وكذلك غزواته للزاوية حيث يفرش أبوه أوراقه وأقلامه، ليسرقها وينثرها في كل مكان، ضاحكاً، متسلقاً كتفيه ورأسه، رامياً نظاراته الطبية في فضاء مغلق على لا شيء وكل شيء. نحن الآن اللعب والسلطة، الصداقة والرقابة، الحرية والقفص. مفارقات الأمومة والأبوة تزداد تناقضاً وحدَّة، والطفل يزداد استمتاعاً بها، وحيرة في أمرها. فما كان وقتاً نوعياً نقضيه سوية مساء، أو في العطلات، صار ممطوطاً مترامي الأطراف، تتداخل فيها شروط التربية بأحكام تجزية الوقت، لجعله ينقضي بأي شكل، حتى ينتهي هذا اليوم، وغداً يوم آخر، نحمل همّه غداً.. أو ربما “بكرا بس تخلص كورونا”.

—————————————–

“كورونا” إيطاليا: الأموات دون وداع والأحياء في صراع داخل المستشفيات/ أحمد حاج حمدو

بعيدًا عن عدسات وسائل الإعلام، و”نظرة الوداع” من ذويهم، يُدفن الأموات ضحايا فيروس “كورونا” وهم يرتدون “ملابس المستشفيات” دون أي مراسم أو جنائز، لا تسمح السلطات بهذه المراسم، وكذلك الحال لا يُسمح لذوي المتوفين بوداعهم ولو بنظرة من بعيد.

السلطات الإيطالية حظرت مؤخّرًا إقامة الجنائز ومراسم الدفن، خوفًا من انتقال عدوى الفيروس، ما حرم الكثيرين من فرصة دواع أحبائهم.

وأمام العدد الكبير اليومي للضحايا، ووجود ذويهم تحت الحجر الصحّي، يضطر العاملون في الدفن لأن يأخذوا دور ذوي المتوفّي أو حتّى الكهنة، ولكنّهم غير قادرين على تصفيف شعرهم أو تزيين وجوههم أو إلباسهم الرداء الخاص بالموتى، وذلك بحسب ما يقول ماسيمو مانكاستوريا، وهو متعهّد دفن الموتى في مدينة كريمونا في إيطاليا بحسب ما نقل عنه تلفزيون “بي بي سي”.

وعلى الرغم من أن الفيروس لا ينتقل من جسد المتوفّي إلى جيد الحي، لكنه يبقى على أسطح ملابس المتوفّي والحاجيات التي كان يستخدمها وهو ما حال دون القدرة على إجراء أية مراسم للدفن.

يُلخّص هذا الواقع، حال معاناة الإيطاليين مع فيروس “كورونا” في ظل الارتفاع المتتالي للإصابات والوفيات أيضًا.

في مقاطعة لومبارديا شمال إيطاليا، يخوض الأطبّاء حرباً شرسة في الصراع مع الفايروس، لتقزيم عدد الوفيات مقابل رفع عدد حالات الشفاء، ولكن حربهم لا تبدو سهلة، أو على أقل تقدير لا تبدو أنّها ستنتهي في يومٍ وليلة.

أطبّاءٌ إيطاليون ومن مختلف الجنسيات الأخرى، يرتدون بدلات واقية للفايروس، لونها أبيض، فيسميهم البعض “الجيوش البيض”، يعملون نحو 16 ساعة يومياً، قد لا يتناولون وجبة طعام خلالها. انعزلوا عن أسرهم وأحبّائهم، وربّما نسوا شكل منازلهم لأن البعض منهم قرّر النوم في المستشفى حيث يساعد المصابين بـ”كورونا”.

الطبيب اللبناني غسّان شرّي، أحد هؤلاء الأطباء في لومبارديا، نقل لـ”درج” بعض يوميات الموت في المقاطعة الموبوءة شمال إيطاليا.

يقول شرّي: “الفايروس ينتقل من شخصٍ إلى آخر، وبكل بساطة وصل إلى أوروبا وإيطاليا بهذه الطريقة، ونحن اتخذنا قرار المواجهة، في حين أن هناك دولاً تنتظر ما سيؤول إليه الوضع ولم تتّخذ هذا القرار بعد”.

قبل حوار الطبيب شرّي مع “درج” اتصل به أحد المرضى الذين خرجوا من المستشفى، وكان يخبره عن شعوره فيما كان يتلقّى العلاج، وفجأة توفّي المريض الموجود في السرير المجاور له. كان المريض الذي تعافى لاحقاً محطّماً نفسياً بسبب وفاة شريكه في غرفة المعاناة تلك.

المستشفى المخصّص للفايروس، هو مكانٌ معزول تماماً عن العالم، كما يصفه شرّي، “ممنوع دخول أي شخص إليه، باستثناء المرضى والأطباء والممرّضين”.

ويتحدّث شرّي عن ضرورة حماية المريض نفسياً خلال علاجه جسديّاً، لأن استمرار وقوع الوفيات ونقل مرضى إلى غرف العناية المركّزة يؤثّر بشكلٍ كبير في نفسية المرضى الآخرين، الذين يشاهدون ما يحصل وينتظرون مصيرهم، ويقول: “من الصعب أن تشاهد يومياً شخصين أو ثلاثة أشخاص يموتون أمامك وأن تكون مصاباً بمرضهم ذاته”.

يبقى المريض منقطعاً تماماً عن العالم في حال دخل إلى غرفة العناية المشدّدة، ولا يستطيع غالباً حتّى استخدام هاتفه المحمول، للتواصل مع العالم الخارجي.

في معظم الأحيان، لا تسلّم السلطات الإيطالية جثث المتوفّين إلى ذويهم، وتُنقَل الجثث وتُحرَق بعيداً من الأعين، بلا أي مراسم ولا يتسنى للأسرة أو الأحباء توديعه حتى.

المستشفى حيث يعمل شري، يضم عدداً كبيراً من المصابين منذ تفشّي الفايروس في إيطاليا على نحوٍ واسع، وفي حال وفاة أو تعافي أحد المرضى، يتم إدخال مريض آخر مكانه خلال أقل من نصف ساعة فقط.

أمّا الطبيب الذي يعمل هناك، فهو غالباً انعزل عن أسرته وبات يعيش وحيداً في منزله أو حصل على غرفة ليعيش فيها وحيداً أيضاً، فيما ينام أطباء آخرون في المستشفى لحماية أسرهم وتجنّب نقل الفايروس إليهم.

يمضي الأطباء بين 12 و16 ساعة في العمل، ولا استراحات، ولا أماكن مفتوحة في المدينة لتناول وجبة سريعة أو حتّى فنجان قهوة خلال العمل، كما أنّهم في معظم الأحيان يمضون ساعات عملهم من دون أي راحة أو وجبة طعام.

والمجيء إلى العمل يجب أن يكون قبل الموعد المحدد بثلاث ساعات، من أجل التحضير والتعقيم وارتداء الملابس العازلة الخاصة بالأطبّاء، ولأن عملية خلع هذه الملابس وتعقيمها تحتاج إلى وقتٍ طويل، ولا يحصل الأطباء غالباً على فترات راحة لتناول الطعام بين ساعات العمل، وفق شري.

وتستمر أرقام الإصابات ومعها الوفيات في التصاعد، في إيطاليا وإسبانيا والولايات المتّحدة وفرنسا وغيرها من الدول.

“الفايروس جديد على العالم، ظهر منذ أشهر فقط والطب لم يكن يعرف عنه معلومات كافية مسبقة”، يقول شري، مضيفاً: “في الأسبوع الأول كانت معطياتنا أن أعراض المرض هي عبارة عن رشح وأوجاع عادية في الحلق والحنجرة وتشبه انفلونزا، علماً ان العلاج يحتّم على الطبيب الحصول على معطيات أولية حول المرض”.

ويتابع: “المشكلة في كورونا، أنّنا لم نعرف كيف نتعامل معه في بداية الأمر لأننا لم نكن نملك معطيات، فكان المرض أكثر شراسة وينتشر بسرعة”.

هناك معطيان اثنان يركن إليهما الأطبّاء خلال العلاج، وهما: هل الفايروس شرس أم لا؟ وهل هو بطيء الانتشار أم سريع؟

يقول شرّي: “على سبيل المثال عندما يكون لدي مستشفى فيه 700 سرير، فإذا كان لديَّ كل يوم 20 مريضاً فإن الأمر طبيعي، أما إذا كان هناك يومياً 700 مريض، فهناك مشكلة كبيرة، وإذا كان هناك 7 آلاف مريض يومياً فهناك كارثة ستخرج عن قدرات القطاع الطبّي”، لهذا الأمر تعوّل كل الجهات الطبّية على العمل على وقف انتشار المرض.

وتعوّل البلاد على حظر التجوّل وإغلاق المدن كإجراءً مهمّ، لأن الجهاز الطبّي عندما يحصي العدد التقريبي للحالات المصابة بإمكانه البدء بإجراءات التعامل مع هذه الحالات وتخمين نسبة انتشار المرض مقابل قدرة الأجهزة الطبّية.

وفيما تعاني لومبارديا وإيطاليا عموماً من نقص طبّي حادّ في التعامل مع المصابين، هناك الكثير من الأخبار الملفّقة حول “كورونا”، مثل أن الأطباء يختارون من سوف ينقذون بين المرضى، ليموت من فرصته أقل في العيش مقابل أن يُعالَج صاحب الفرصة الأكبر، وهي اخبار يؤكد شري أنها غير صحيحة.

ويتابع “حتّى يصل مريض كورونا إلى غرفة العناية المركّزة لا بد أن يكون قد وصل إلى حالة يرثى لها، وأُغلقت الرئتين لديه وأصبح يحتاج إلى جهاز التنفّس، وهؤلاء في الغالب يعانون من أمراض القلب والشرايين”.

أمّا عن نسبة الوفيات المرتفعة في إيطاليا، فيرجعها شري إلى ارتفاع نسبة من هم فوق 65 عاماً من الإيطاليين، موضحاً أن متوسّط عمر الإيطاليين 84 عاماً، كما أن السلطات تأخّرت نحو ثلاثة أسابيع لبدء الإجراءات الطبّية وعزل المدن، وخلال هذه الفترة قفز العدد، لكنّه أوضح أن هناك دولاً مثل إسبانيا والولايات المتّحدة تقارب العدد ذاته.

يشغل سبب ارتفاع معدّلات الوفيات في إيطاليا بال كثيرين، فمعدّل الأعمار مرتفع في ألمانيا أيضاً، لكنها تسجّل وفيات بمعدّل 0.4 في المئة، مقابل 10 في المئة في إيطاليا.

يتوقّع شري أن يرتفع الرقم أكثر ثم يعود إلى الهبوط لتتم السيطرة عليه، موضحاً أن دولة الصين نظام الحكم فيها مركزي، ويسهل في هذه الحالة اتخاذ القرار بعزل المدن، لذلك كان تعامل الصين أكثر مرونة مع المرض، على عكس إيطاليا التي تحتاج إلى توافق لاتخاذ أي قرار، إضافةً إلى أن نسبةً من الإيطاليين لم يلتزموا الإجراءات الطبّية كما يجب، لكنّه يتوقّع أن تتّجه الأمور إلى الانفراج مع انتشار الشرطة الإيطالية في الشوارع وتشديد عمليات الرقابة وعزل المدن.

——————————

كيف ستؤثّر أزمة فيروس كورونا على محط اهتماماتكم الشرق أوسطية في المُقبل من الأشهر؟/ مايكل يونغ

جوزيف باحوط | باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي

بموازاة المنحنى التصاعدي الذي تسجّله الإصابات بفيروس كورونا المستجد، ينبغي علينا الانتباه إلى المنحنى التنازلي الذي تسجّله أسعار النفط، التي تدنّت إلى مستويات غير مسبوقة – أي بالمعدلات الحقيقية إلى الأسعار القريبة من تلك التي سجّلها النفط في الفترة السابقة للصدمة النفطية العام 1973. وقد يؤدّي ذلك إلى تداعيات إقليمية مدمّرة.

في ظل هذه الظروف، قد يتم تأجيل، إن لم يكن إلغاء، رؤية السعودية 2030، وهي الخطة الرامية إلى إنهاء اعتماد المملكة على النفط. ستسجّل السعودية عجزاً هائلاً في الموازنة في غضون ستة أشهر، وستحطّم أحلام ولي العهد محمد بن سلمان، وسيلي ذلك جملة من التعديلات والإصلاحات. وسيلجأ ولي العهد على الأرجح إلى إجراءات أكثر سلطوية للحفاظ على نفوذه. لكن عدم قدرته على توزيع العائدات الناتجة من الريع النفطي لاحتواء السخط سيسفر عن تزايد خطر حدوث اضطرابات.

إن انهيار الأسواق النفطية سيترك أيضاً بصماته بعمق على الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط. ونظراً إلى إغلاق أسواق العمل في الخليج، سيسفر صرف ملايين العمّال الآتين من مصر والسودان ودول المشرق عن مشاكل اجتماعية في هذه البلدان التي تواجه أساساً تحديات ضخمة.

وستصبح الأنظمة السلطوية أكثر تقارباً من بعضها البعض على الأرجح، ساعيةً إلى تضييق شقة خلافاتها. أحدث مثال على ذلك تقرّب الإمارات العربية المتحدة من الرئيس السوري بشار الأسد. وفيما تواجه الولايات المتحدة شبح الركود الذي لا مفر منه، وتعاني روسيا من الإفقار بسبب اعتمادها على النفط، وتتّجه الصين على الأرجح نحو شراء المزيد من النفط الرخيص من إيران، ستصبح القوى العالمية أقل قدرةً على التحكيم أو فرض ديناميكيات محددة في الشرق الأوسط، ما يمنح القوى الإقليمية المتوسطة هامشاً أوسع للتصرّف كما يحلو لها.

ناثان. ج. براون | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

شكّل فيروس كورونا الجديد مصدراً لمصاعب جمّة على مستوى التوقعات. ويتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف سيؤثّر هذا الوباء على الدول التي كانت سياساتها حتى الآن متوقّعة للغاية، سواء في مصر حيث يُحكَم المصريون من قِبَل أنظمة سلطوية مترسّخة، أو لدى الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والانقسامات. ستتفاقم مشاكل هؤلاء على الأرجح.

مع ذلك، يمكن القول إنه من غير المحتمل أن يُسفر تشديد الرقابة على المواطنين عن حوكمة أكثر فاعلية. فالتحديات التي يفرضها الوباء على الحوكمة ضخمة بالنسبة إلى كلٍّ من الأنظمة السياسية الراسخة، والديمقراطيات الليبرالية، والمجتمعات المزدهرة. أما الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، فالأرجح أن يكون أداؤها أقل جودة، وستكون النتيجة سياسات مُذرّرة ومثيرة للنفور.

لكن، ثمة هنا منحى موازن وإن كان طفيفاً. فالأنظمة التي تفاعلت عكسياً مع الفيروس من خلال نفي تأثيراته المحتملة، دفعت ثمناً باهظاً، وبعضها تطوّر ( وإن بعد تأخير مأساوي) من خلال اكتشاف مقاربات أكثر صدقاً حيال التعاطي مع الوباء بكونه تهديداً للصحة العامة وليس فقط لأمن النظام. قد يكون هذا درساً مفيداً، بيد أن حفنة ضئيلة من الأنظمة تبدو مستعدة لتطبيق هذا المنحى في مجالات أخرى.

زها حسن | باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

سيكون من الأهمية بمكان، مع تفشّي فيروس كورونا المستجد في العديد من المجتمعات، معرفة ما إذا كانت السلطات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ستتعاون، أم لا، لدرء هذا الوباء. هذا ناهيك عن أنه يُحتمل أن تكون لهذه الأزمة تأثيرات على الجهود الأميركية والإسرائيلية لفرض تسوية سياسية على الفلسطينيين.

كان التعاون بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين طيّباً حين ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا في الأراضي المحتلة في 5 آذار/مارس الماضي. إذ هم شكّلوا لجنة مشتركة، وتشاطرت إسرائيل لوازم الفحص الطبي مع الفلسطينيين، وأفرجت عن شطر من عائدات التخليص الجمركي التي كانت تل أبيب تحجبها عن خزينة السلطة الفلسطينية، وذلك بهدف مساعدتها على شراء المواد الضرورية لمكافحة الفيروس. لكن إسرائيل أجبرت مؤخراً عمّالها الفلسطينيين المرضى على العودة إلى الأراضي المحتلة، من دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية، ودمّرت عيادة ميدانية مؤقتة لفلسطينيين يعيشون في غور الأردن، وواصلت نسف منازل فلسطينية وبنى تحتية؛ وكل ذلك حدث فيما الفلسطينيون يحاولون الامتثال لأوامر البقاء في منازلهم والحفاظ على الصحة. كما أن تل أبيب تباطأت في ضمان أن يكون للفلسطينيين داخل الخط الأخضر- وهم مواطنون إسرائيليون- فرصة الحصول على الفحص الطبي على قدم المساواة مع جيرانهم اليهود، وواصلت حصار غزة، واتخذت إجراءات قد تعيق دخول السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى المستشفيات.

في خضم هذه التطورات المُقلقة، كانت إسرائيل تتحرّك بسرعة البرق لتطبيق الإجراءات الهادفة إلى تعزيز سيطرتها على تلك الأجزاء من الضفة الغربية التي تسعى إلى ضمّها، كجزء مما يُسمى خطة ترامب للسلام. ويبدو أن الوباء يشكّل غطاء مناسباً لمصادرة أراضي الفلسطينيين وتشريدهم بالسرعة القصوى. وفيما يقذف الإغلاق الطوعي الفلسطيني بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أشداق الانهيار الاقتصادي، قد لا تبقى في أعقاب الوباء سلطة فلسطينية يمكن التعامل معها، ولا بالطبع فرص لتحقيق سلام دائم مع إسرائيل.

أتش. آي. هيلير | باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

من الصعب ألا يسفر وباء كورونا المستجد عن تأثيرات ضخمة على كل القضايا المتعلّقة بالمنطقة العربية الأوسع، خلال هذه الأزمة وبعدها. فما يُحتمل أن يفعل الوباء هو أن يكشف عن مدى ديمومة أو لاديمومة الأنظمة والسلطات في بعض بلدان المنطقة، ومدى قدرتها على البقاء. وسيميط أيضاً اللثام عن الفجوات في أنظمة الدولة، خاصة في مجال تأمين الخدمات الصحية.

أحد الأمور التي تكشّفت فصولاً الآن هي كيف دارت النقاشات في الدوائر الدينية الإسلامية حول العالم، والتي طرحت العديد من النقاط المهمة المتعلقة بتأثير السياسات على الدين. فقد شجّع علماء دينيون كثر المواطنين على تجنّب الذهاب إلى المساجد استناداً إلى دوافع الصحة العامة. وكان البعض حريصاً على أن يُعتبر موالياً للحكومة (خاصة في حالة الحكومات التي لم تدعُ إلى إغلاق المساجد)، فيما أراد البعض الآخر أن يبدو “ملكياً أكثر من الملك”، حتى حين كانت أهم السلطات الدينية، كالأزهر في مصر، واضحة حيال الحاجة إلى الانخراط في المسافة الاجتماعية، وحيال صوابية تعليق الصلوات الجماعية في المساجد.

أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن تأثير الديموغرافيا كان عاملاً مُحدداً لديمومة العديد من الأنظمة. وقد ألقى وباء كورونا المزيد من الأضواء الكاشفة على ذلك عبر إظهار مدى قدرة القطاع الصحي على التصدي له. يبدو أن الفيروس يشكّل خطراً بشكل غير متناظر على المُسنّين. ومع أن الشبان قد يصابون به، تشير الإحصاءات إلى أن المرض يؤثّر عليهم أقل. عموماً، الشرق الأوسط أكثر يفاعة من أوروبا، ما قد يُفسّر جزئياً تباين تأثيرات فيروس كورونا، حتى وإن كان من المبكر للغاية الخروج بمثل هذه الاستنتاجات الآن.

آرون ديفيد ميلر | باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

ربما ليس ثمة مكان كان فيه لفيروس كورونا الجديد تأثيرات سياسية أو ظرفية أكثر من إسرائيل. فبعد أن أُصيب مساعد مقرّب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمرض، عمد هذا الأخير إلى فرض حجر صحي على نفسه. لكن، ثمة هنا ما هو أكثر من ذلك: فمع وقوع 4300 إصابة و16 حالة وفاة، قد يكون هذا الفيروس القاسي الذي لا يرحم في طريقه إلى تحقيق ما عجزت عن فعله ثلاثة انتخابات في أقل من سنة، وهو تشكيل حكومة فاعلة تكون، ولو شكلاً، حكومة وحدة وطنية.

الصفقة لمّا تتم بعد، لكن ما يحفز عليها هو بالتأكيد عدم وجود خيارات أخرى يُعتد بها. فلا أحد يريد انتخابات رابعة. وفي خضم وطأة الوباء الراهن، لا يمكن على أي حال إجراء الانتخابات لأشهر عدة مقبلة، هذا إذا ما جرت. لا الليكود ولا حزب أزرق أبيض الذي يقوده بيني غانتس لديهما ما يكفي من الدعم للحصول على 61 مقعداً. أما خيار تشكيل غانتس حكومة أقلية بدعم للأحزاب العربية من الخارج، فقد اعتُبر محفوفاً بمخاطر جمّة، وغير شعبي بالمرة، وغير مستقر بالنسبة إلى غانتس المتجنّب للمخاطرة.

لذا، وحين نضع في الاعتبار وباء كورونا، ليس ثمة في الساح سوى الخيارات السيئة. والإسرائيليون الآن في حالة حجر صحي كاملة تقريباً ويتوقون إلى التوحّد لإلحاق الهزيمة بهذا المرض. وقد أعاد غانتس ترتيب أوضاعه في ما اعتبره العديد من النقاد الإسرائيليين نسخة سياسية ما من حادثة سفينة تايتانيك. إذ هو نسف حزبه ووافق على أخذ شريحة ثانوية من 17 عضواً للتفاوض مع نتنياهو حول تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي إطار هذا التوجّه، سيكون نتنياهو رئيس حكومة لمدة 18 شهراً، على أن يحوز غانتس على وزارات الدفاع والعدل والشؤون الخارجية، ثم يصبح هو رئيساً للوزراء بعدها بـ18 شهراً.

ربما يتقاطع فيروس كورونا مع الخيارات السيئة، لإنتاج أفضل حصيلة لإسرائيل في ما يتعلق بمواجهة الوباء. لكن، ما من شك في أن الفائز الآخر هو نتنياهو الذي سيقود إسرائيل إلى الأبد حقاً، إذ هو سيقاتل التهم المسوقة ضده من موقع قوة، وسيكون قادراً، إذا ما تفاقم الوباء، على أن يتشاطر اللائمة مع غانتس. أكثر من ذلك: بعد أن قسم غانتس حزبه ولم يعد لديه الآن سوى 17 مقعداً، بالمقارنة مع أكثر من 37 مقعداً للّيكود وحلفائه اليمينيين، وبعد أن خان حلفاءه، ليس ثمة سوى قلة تعتقد أنه سيحوز على مايكفي من النفوذ للحفاظ على صفقة المداورة. وبالتالي، لن يرى غانتس أبداً الديكور الداخلي لمقر رئيس الوزراء في شارع بلفور.

مارك بييريني | باحث زائر في مركز كارنيغي-أوروبا، حيث يركّز على قضايا الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي

قد يؤثّر فيروس كورونا المستجد بطرق مختلفة على فئتين من المواطنين السوريين: أولئك الذين فرّوا من الصراع الدائر في وطنهم ويعيشون اليوم في تركيا من جهة، والسوريون النازحون داخلياً في محافظة إدلب من جهة أخرى.

الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، ويبلغ عددهم 3.6 ملايين نسمة، يعيشون في شقق في المدن الكبرى. وهم يتمتعون بظروف الصحة العامة والنظافة، ويستفيدون من النظام الصحي التركي، كما أنهم مؤهّلون للحصول على المساعدة الدولية بالسيولة النقدية. إذاً، ينبغي أن يكونوا في أمان طالما أن النظام الصحي قادرٌ على التصدي للوباء. يجب أن يستمر الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات إلى هذه الفئة، لكن هذا القرار بات أصعب بعد قيام الحكومة التركية مؤخراً بحثّ اللاجئين، غير السوريين بمعظمهم، على محاولة دخول أوروبا عبر الحدود التركية-اليونانية.

يُعتبر الوضع أشد تعقيداً بكثير بالنسبة إلى السوريين النازحين داخلياً في محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية. فهم يعيشون في مخيمات لا تستوفي المعايير المطلوبة، وغير مزوّدة بأنظمة الصرف الصحي والمرافق الطبية المناسبة. إذاً، هم فئة معرّضة لخطر كبير في هذه الجائحة. في حال تم توسيع الجهود المتواصلة الرامية إلى تقديم مساعدات عبر الحدود لهذه الفئة من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، يجب عندئذٍ إعطاء الأولوية لاتّخاذ الإجراءات اللازمة من أجل احتواء تفشّي وباء كورونا.

مهى يحيَ | مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

جاء وباء كورونا ليكلّل سلسلةً من الصدمات الشديدة والمتتالية التي قادت لبنان إلى دوّامة انحدارية. فالأزمة المالية أغرقت اقتصاد البلاد في ركود عميق، وتقلّصت العائدات الحكومية إلى حدٍّ باتت معه الدولة عاجزة عن تأمين أبسط الخدمات، بما في ذلك توفير الدعم إلى 1.6 مليون لبناني يٌقدّر أنهم باتوا يرزحون تحت خط الفقر. في غضون ذلك، تشتدّ حاجة القطاع الخاص إلى السيولة النقدية بسبب الضوابط غير الرسمية المفروضة على حركة رأس المال من قِبَل قطاع مصرفي يفتقر بدوره إلى السيولة، وربما أيضاً إلى الملاءة.

كذلك، يُميط وباء كورونا اللثام عن الضرورة الملحّة لزيادة الإنفاق على القطاع الصحي وشبكات الأمان الاجتماعي. ويشمل ذلك منح حدٍّ أدنى من مخصّصات البطالة إلى الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة الإجراءات التي اتُّخذت لاحتواء تفشّي كورونا، وإلى العمّال المياومين الذين لا يستطيعون تحمّل أكلاف العزل المنزلي وخسارة دخلهم. تبلغ قيمة هذه النفقات عشرات مليارات الدولارات. صحيحٌ أن مستويات التكافل الاجتماعي الحاصل والدعم المقدّم من المجتمع المدني كانت ملحوظة حتى الآن، إلا أنها لا تستطيع وحدها التصدّي لهذا التحدّي الجسيم.

نظراً إلى أن مشاكل الحوكمة والانقسامات السياسية تلقي بوزرها على لبنان، يمكن توقّع استمرار توجّهات عدة: أولاً، وعلى الرغم من كل التحذيرات الصحية، يُرجّح أن تزداد أعداد الناس الذين سينزلون مجدّداً إلى الشوارع في مواجهة خيار إما الموت بالكورونا أو الموت جوعاً. وثانياً، ستلعب البلديات دوراً مهمّاً باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الوباء، مثلما فعلت إبان أزمة اللاجئين السوريين بعد العام 2011. وغالب الظن أن يؤثّر تعزيز قدرات البلديات على مستقبل الحوكمة في البلاد. وثالثاً، ستستغلّ الأحزاب السياسية أكثر فأكثر تفشّي الوباء للعودة إلى الساحة وإثبات وجودها. فقد أعلنت كل الأحزاب عن وضع خطط لمكافحة الفيروس، بما في ذلك إنشاء مراكز حجر صحي، ونشر فرق طبية، وإجراء حملات تعقيم وتطهير، وتوفير مساعدات غذائية للمحتاجين. إذاً، يبدو أن لبنان يسير نحو مزيدٍ من الانقسام السياسي وشتّى أنواع التحديات في الأشهر المقبلة، في ظل قيادة سياسية غير مستعدة لوضع أولويات البلاد فوق مصالحها الخاصة.

مركز كارنيغي للشرق الأوسط

———————————–

كلمات «هزّ» البدن/ نائلة منصور

سُئل وزير الصحة السوري الحالي عن الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا في سوريا فأجاب مادحاً الجيش العربي السوري، مخلّص سوريا من الفيروسات والجراثيم. هذا كل ما في الأمر. السؤال الآن هو: لِمَ أو كيف تهزّ كلمات الوزير البدن؟ ولا أخال تعبيراً أكثر بلاغة من هذا التعبير السوري يمكنه أن يفهم أثر عنف اللغة المباشر في الجسد. ولِمَ يحاكي ذلك الأثرُ أثرَ المذيعة ميشلين عازار حين توجهت لطفلين وأمهما في خلفية عربة هوندا، على وشك الاحتضار، بعد مجزرة داريّا في 25 آب عام 2012 لتسألهم عن شعورهم وعن مقترف المجزرة؟ الأثر وجعٌ وغثيانٌ ونوعٌ من الشلل والخوف المريع. مرة أخرى، لماذا؟ «يقتبس» (ولفعل اقتبس أهميته هنا) الوزير النعوت التي استخدمها بشار الأسد في خطابه في جامعة دمشق في حزيران 2011 قبل أن تتوالى النعوت من «قوارض» و«مندسّين» و«حثالة» إلى «عملاء» و«خونة» وغير ذلك. حاول المنعوتون أن ينقلبوا على النعوت الإقصائية والتخوينية ويتبنوها في الإشارة لأنفسهم، كفعل مقاومة. غير أني لا أزال لا أصدق أن هذا الكلام غير مؤذٍ ولا يجرح حتى المنقلبين عليه، ولا «ينكز» إحساس القرف من الذات (Abjection) الذي تحدثت عنه سلوى اسماعيل في كتابها حكم العنف؛ القرف من الذات، بالمعنى الحرفي الجسدي للكلمة، الذي حكم السوريين عقود. هو «خطاب كراهية»، ولكن بلادة وبرودة المنظمات والهيئات المشتغلة على نظم ورقابة وقمع خطاب الكراهية لا تشفي الغليل في هذا المضمار وفي إدراك عمق الوجع، وقد يتسلل من «فلاترها» الكثير من الكلام المؤذي الذي يهزّ البدن. نواظم هذه الجهات معدّة سلفاً، في الخارج غالباً، بناءً على الاثنية والجنس والطائفة والدين، وهي لا تعرف الطبقات التاريخية المتراكمة التي يحملها الكلام.  

أحاول أن أستبصر «لماذا» و«كيف» هذا الأثر حتى بوجود آلاف الكيلومترات الفاصلة، باستعادة  لكتاب جوديث بتلر1 الذي يحكي عن قوة الكلام وأدائيته في خطاب الكراهية. وليس الهدف تبيئة الكتاب، إنما تعقيد البيئة التي نتناولها من الحياة اليومية، لتفكيكها ووضع المسافات مع العنف، فربما في النظرية ملجأٌ لاقتفاء المعنى والفهم وبلسمة جروح تسببها الكلمات، خاصة أن بتلر تناقش في مقدمة كتابها كيف أن للكلمات أثراً جسدياً مباشراً، وإلا لما كنا استخدمنا كلمة جرح وتجريح للدلالة على الكلام المسيء والعنيف. 

تسعى بتلر في كتابها لتحليل حالات وحوادث بعينها حدثت في الولايات المتحدة، متعلقة بخطاب الكراهية العنصري أو الجنساني والتعامل الرسمي القانوي معها. الأطروحة الأساسية للكاتبة هي أن تعامل الدولة مع خطاب الكراهية وقوننته بالشكل المتداول والمعمول به يحصر الفعل الخطابي المؤذي في ناطقه المباشر ويجعل منه فاعلاً، ويعتّم بذلك على طبقات تاريخانية ومتنقلة من العنف، هي أصل الأذى، ويمنع تحليلها. وتحاول في نهاية كتابها تحليل مفهوم الرقابة ليس بأنها أداة منع، بل بكونها أداة إنتاج بشكل أساسي، حيث أن الرقابة لا تهدف إلى قصر أو تحديد مضمون خطاب ما، بقدر ما تسعى إلى خلق فاعل خطابي يعرف حدوده وحدود المُقال واللا-مُقال. خارج هذه الحدود التي يصطلح عليها الجميع دون وعي ودون ان تُصاغ بطريقة صريحة، يصبح المرء خطيراً يجب محاربته، أو ذهانياً خارجاً عن المعقول. الحواجز والممنوعات ليست ثابتة بأي حال من الأحوال، هي دائماً ديناميكية ومتغيرة على طول حياة المرء/الذات الخطابية. وهي، أي حواجز الرقابة، لا تستمر إلا بقدر ما يحاول المرء الدخول في حيز الكلام (اللا-مُقال) ويخاطر في كل مرّة بحياته. الرهان كبير لاقتحام اللا-مُقال، الحياة أو السجن أو مصح الأمراض العقلية. وتختتم بتلر كتابها بما مفاده أن قبول الشتيمة يمنح قوة هائلة للمشتوم، لأنه يدخله في حيز اللامقال ويسقط المحرمات بطريقة ما.  

للوصول إلى نتائجها، ومن أجل فهم سياسي ونفساني لخطاب الكراهية ومفاعيله وطرائق مقاومته، تستعير بتلر أدوات ومفاهيم من مشارب فلسفية وفكرية مختلفة، من أوستن وألتوسير وفوكو وفرويد ودريدا وكاثرين ماكنين ولاكان وبورديو وشوشانا فلمان. من اللغة والتداولية، وعلى وجه التحديد من الفيلسوف الإنكليزي جان لانغشو أوستن، فيلسوف التداولية ولغة الحياة العادية، ومؤسس نظرية أفعال الخطاب، تستعير فكرة الفعل الإنجازي (illocutionary) والفعل التأثيري (perlocutionary) للمضمون اللغوي وفكرة السياق والطقوس التي تضمن تحقق الأفعال التي تؤديها اللغة. الفعل «الإنجازي/ الأدائي»، بحسب أوستن، هو تماهي المضمون اللغوي مع أثره المباشر، حين يؤدي الخطاب فعلاً في الواقع، كما في كلام الرب أو الساحر حين ينطق «كُن» فيكون. في حياتنا اليومية، القانون هو المثال الأعلى على الفعل الأدائي، يترتب على الكلمة فيه نتائج ملموسة مباشرة. الفعل «التأثيري» هو ما يترتب على الكلام ولكن ليس بالضرورة كفعل مباشر أو واقعة، الكلام هنا ليس لصيقَ أو معادلَ «فعل» واقعي. من الممكن أن يكون أثراً عاطفياً، نفسانياً. هناك مسافة ما بين الكلمة و فعلها التأثيري. يشرط أوستن تحقق ونجاح الخطاب الأدائي بمجموعة شروط، أهمها احترام طقوس معينة وتحقق السياق المناسب. عدم اتساق الخطاب مع السياق هو سياق بحد ذاته، له مفاعيله. في كتابها، توظف بتلر هذا الفرق بين الفعلين الخطابين إلى مُنتهاهما، حتى يبدو أنها قد بالغت قليلاً في هذا التوظيف. النقطة الأهم التي تناقشها هنا: هل خطاب الكراهية هو فعل أدائي أم تأثيري؟ هل أن يُنعت المرء بنعت/شتيمة (being called a name) يجعل منه ما يحيل إليه النعت في اللحظة نفسها؟ الأمور معقدة بعض الشيء لأن المرء «يوجد» (بمعنى يصبح موجوداً) في اللحظة التي يُطلَق عليه اسم، يوجد من خلال الآخر الذي يراه فيطلق عليه الاسم وليس قبل ذلك.

هنا تأتي أهمية ألتوسير الذي تستعير منه بتلر مفهوم «الاستدعاء» (interpellation) الذي يخلق الهوية مسبقاً. يطرح ألتوسير مثالاً للتدليل على آليات السلطات والأيديولوجيات والمؤسسات المجتمعية في صنع الذات والهوية والفرد. المثال يحكي عن شرطي يتوجه إلى فرد يدير ظهره في الشارع، بالقول «هه! أنت!»، سيستدير الفرد حتى لو لم يذكر اسمه، وهذه اللحظة هي لحظة تأسيسية، تُخلق فيها الهوية بدئياً، فتوجّه الشرطي ليس إلى هوية موجودة قبلاً. لحظة التوجه او الاستدعاء قد تريح المستدعى لأنه سُميّ في علاقته مع الآخر، ومن هنا تناقش بتلر إشكالية «الأسماء المعطاة» التي قد تصنع ذاتاً مختلفة تماماً ومغتربة عن الذات الأصلية للفرد. تصور الآخر عن الفرد قد يكون تصوراً كاذباً ولكن تمثيل وتصور الآخر يؤسس. 

تتخيل بتلر في لحظة مشهداً، يُستدعى فيه المرء فيلتفت ليرفض الاستدعاء «لست أنا من تتوجه إليه، حصل خطأ»، وتتخيل أن الجهة التي تطلق على المرء «اسمه» أو صفته لا تتوقف عن فرض نفسها والإلحاح على تحديد المساحة التي يشغلها المرء، والإلحاح على موضعته اجتماعياً أو سياسياً بحسب ما يرغب «المستدعي». يخفق الاستدعاء هدفه في كثير من الأحيان، لهذا يعاود محاولاته المحمومة لفرض الاعتراف بسلطته والتمكن من إضفاء هوية ما على المُستدعَى. الهوية هوية افتتاحية وليست توصيفاً لهوية قائمة قبلاً كما ذكرنا سابقاً، هي فعل تعميد أولي، وهي تؤدي وظيفتها في دارة الاستدعاء ولكنها غير موجودة مسبقاً. هي تسعى لإدخال حقيقة ما بدل أن تدرك وتصف حقيقة موجودة مسبقاً. هذا الاستدعاء هو فعل خطابي مضمونه ليس «صادقاً» وليس «كاذباً»، فالهدف هو الإشارة لذاتٍ، استدعاؤها وخلقها، وإنتاج حدودها الاجتماعية زمانياً ومكانياً. والهدف من تكرارها هو تثبيت السلطة.

إلا أن هذا الاسم «المُستدعَى»، ودائماً بحسب بتلر، يمكنه أن يصبح دون فاعل مُخاطِب، تحت أشكال بيروقراطية إدارية، من الذي يطلق الاسم «للاستدعاء»؟ إن البيئة التي تنتجها السلطة، صاحبة السيادة، تخلق الأرضية المناسبة حيث السلطة الخطابية تعمل دون فاعل وراءها ولكنها تستمر بذلك في خلق «المُستدعى». هذا لا يعني أن لا أفراد يقومون بإطلاق الاسم، بل أن هؤلاء ليسوا أول المبادرين أو أصحاب النيّة في «إطلاق الاسم»، وأنهم على الأقل لا يدركون كنه السلطة ذات السيادة التي أطلقت أول مرة «الاسم» أو قامت بـ «استدعاء» الآخرين. بالنتيجة ما أن تصبح السلطة صاحبة السيادة منتشرة وحلولة في كل شيء، يصبح مصدر «الاستدعاء» كما نهايته غير واضح. وقدرة الكلمة على التجريح والإيذاء منفصلة عن فعالية السلطة. من الصعب تحديد موقع السلطة والفاعل اللغوي، وصاحب لغة الكراهية مسؤول عن كلامه دون شك ولكنه ليس البادئ والمبادر. الخطاب العنصري يعمل وفق اصطلاحات جمعية، ويتنقل في حركة مستمرة، على الرغم من أنه يحتاج إلى ذات ناطقة، فاعل لغوي كي ينطقه، إلا أنه لا ينتهي ولا يبدأ مع هذا الفاعل اللغوي المتكلم، أو مع الاسم الذي تم استخدامه في الخطاب الكاره. تستمد بتلر فكرتها هذه من فوكو، وفق هذا الأخير فإن السلطة تعمل بمبدأ التخفيّ، تظهر كشيء آخر، تظهر كاسم.

تقول بتلر: عندما نحيل الأذى الكلامي إلى فعل فاعل بعينه ونجعل من المجال القضائي الموقع ذي الامتياز لتصريف ومعالجة الأذى الاجتماعي الواقع، ألا نعيق بذلك وبدون وعي التحليل الدقيق لكيف أن الخطاب ينتج أذىً ؟ حين نعتبر أنه من المناسب الانطلاق من الذات الفاعلة الخطابية ومن فعلها الكلامي، فكيف يمكننا بذلك أن نفهم العلاقة التي تربط الكلمة بالجرح؟ فهي ليست علاقة سببية وليست تجسيداً لنيّة ما، ولكنها شكل من التنقل الخطابي ينبغي فهم تاريخانيته وعنفه بدقة. ما هي العلاقة بين التنقل والقدرة على التجريح؟ بمعنى آخر، ما الذي يجعل القوة الإنجازية للشتيمة أو خطاب الكراهية متحققة؟ تراجع بتلر هنا محاججات أوستن ودريدا، وخاصة بورديو، حول الشروط التي يفترضها كل منهم لجعل الخطاب الأدائي متحققاً. فبالنسبة لأوستن ومن بعده بورديو، هناك «السياق» و«الطقس» و«الاصطلاح» الاجتماعي المشترك بين الناس حول شرعية حامل الخطاب، والتي تضفي الشرعية كشرط لازم لجعل الخطاب فعلاً ووقائع. تطور بتلر هذا المفهوم مستعيدة أوستن نفسه ودريدا بشكل خاص، بقولها إن القوة الأدائية الإنجازية لخطاب قد تُستمد من القطع مع سياق اجتماعي موجود، والتشكيك بشرعية وسلطة هذا السياق وإنشاء سياق جديد وشرعية جديدة للفاعل الخطابي. ودائماً، بحسب بتلر، فإن محاججة بورديو لا تساعد على فهم دور الجسد في الخطاب، رغم أهمية فكرة «الهابتوس» كاستبدان للقوى والشروط الاجتماعية. تقول بتلر، وهنا إحدى أهم خلاصات كتابها، أنه إن كانت الاصطلاحات الاجتماعية تحرك الأجساد، فإن الأجساد بدورها تعيد إنتاج الاصطلاحات والقوى الاجتماعية بممارساتها، بهذا المعنى فالهابتوس يُشَكَّل ولكنه كذلك مُشكِّل، الجسد هو حلقة في دارة «الاقتباس» والتكرار لخطاب ما.

في نظرية بورديو قدرية ما، مفادها أن القوى المنعكسة والمتجذرة في الأجساد هي المصدر الوحيد لشرعية الخطاب وكأن لا إمكانية لفاعلية الفرد في قلب السياقات ووضع قواعد جديدة للشرعية. المقاومة لخطاب الكراهية أو أي خطاب سلطوي آخر بالقطع مع السياق (ومفهوم القطع مع السياق مستوحى من دريدا كما أسلفنا)، هي إعادة امتلاك الشتيمة لولوج منظومة الشرعية وتجديد القواعد من ضمنها، مثلما يسمي «الكوير» أنفسهم بـ «الكوير»2. ولعل أجمل مثال تطرحه بتلر في كتابها هي أمثولة  توني موريسون التي ألقتها ضمن كلمتها أثناء تسلّم جائزة نوبل للآداب عام 1993، حين قالت إن لغة القمع والاضطهاد لا تمثل العنف فحسب، بل هي العنف بذاته. تحكي أمثولة موريسون عن امرأة عمياء وثلة من الصبية يحاولون تدبير مقلب لها، أحدهم في يده طير ميت، يسأل المرأة ، هل تعرفين إن كان الطير في يدي ميتاً أم حياً؟ تجيبه المرأة «أعرف فقط أنه في يدك». المرأة في الأمثولة هي الكاتبة المتمكنة والطير هو اللغة، وقد حاولت المرأة قلب السياق في علاقة القوة التي ارتسمت بين الصبية وبينها وفق ملاحظة جديدة منفصلة عن السؤال الأول، والتي قد تخلق سياقات أخرى تقطع مع «التكرار» و«الاقتباسية» للسلطة صاحبة «الشرعية».

بالعودة للحالة السورية، هل يمكن لإعادة تملّك النعوت من نمط «جراثيم» (والتي قام بها معارضون شباب كما أسلفت في البداية) أن يكسر «تكرار» و«اقتباسية» منظومة النظام المتمثلة في الشتّامين فيها؟ هل يمكن أن نعيد استملاك نعت «خائن»، مثلاً، لـ«كركبة» السلطة الموغلة وجعاً في اجسادنا؟ في الواقع، لا أعتقد أن هذا ممكن بسهولة كما توصي أو تعتقد بتلر، أولاً لأن التاريخ المتراكم لهذه النعوت لا يعود إلى هذه الحقبة القريبة فقط، ولكن فوق ذلك لأن هذه النعوت لا تهدف فقط لنزع الإنسانية عن معارضي النظام وشرعنة قتلهم جسدياً أو معنوياً، بل لأن هذا الإقصاء اللغوي يرتكز بشكل أساسي على بنية عميقة مشتركة بين الجميع تحاول تحديد المفهوم الغائم للوطنية. الوطنية ببعدها النفساني العاطفي والذي قد يُعبر عنه بـ «ابن البلد»، «ابن البلد الآدمي» كنقيض لـ«عميل»، أو «خائن»، أو «متمول»، أو الكثير مما يسيل في معجم التخوين. يبدو واضحاً أن مفهوم الوطنية الذي يتشاجر عليه الجميع لا علاقة له بمفهوم المواطنة، ولكنه قوي في غموضه ويمس مساحات نفسانية عاطفية أقرب للعلاقات العائلية مع الأم والأب، وألّا يكون المرء «ابن بلد» هو الطعن الجسدي الأكبر في الكينونة الأولى، الوطنية هي المحرّك الذي دفع آلاف الشباب السوريين للانتفاض على نظام الأسد، وهذه الوطنية هي الحجة العليا التي يتذرع بها النظام في قتله السياسي للجميع ومع وجود كل اشكال الاحتلال في البلد.

«الاقتباسية» و«التكرارية» التي يقوم بها الجلادون بأشكالهم المختلفة، إمّعات أو مثقفون، لمضامين الكراهية السلطوية، والتي يكمن محمولها التجريحي بشكل أساسي في إزالة الشرعية عن المعارض كـ«ابن بلد»، تلك الاقتباسية والتكرارية تجعل منهم بيادق بسيطة في سلسلة الحركة والتكرار لخطاب التخوين والذي يحطّ رحاله في أجسادنا، هم أيضاً «مستدعَون»، استدعاؤهم قد يأخذ أشكالاً ثقافية نخبوية أحياناً، ولكنهم بيادق تأخذ مواقع مؤقتة في السلسلة حتى لو ظنوا أنفسهم «فاعلين». هم اشتقاقات وليسوا الأصل في إرث «الاستدعاءات». قد يسهل فهم ذلك، ولكن يبقى من غير السهل فهم كيف أن أجسادنا لا تتمكن من قطع السلسلة في هذا التجريح.      

والحال أن إصرار من يتكلمون باسم النظام، حتى لو ظنوا أنفسهم معارضيه، على إضفاء هويات مختلفة على من تجرأ على معارضة هذا الأخير، مفهوم من جهة ومحيّر في بعض أوجهه، وبعد عشر سنوات. المفهوم هو استبطان لغة السلطة في البيئة الخطابية السورية العامة، مفهوم أن مصدرها لم يعد يهمّ، فهي هنا لها حياتها المستقلة عن مصدرها، ولكنها محيّرة لأنها، كسلطة، «منتصرة»، فما الذي تبتغيه بعدُ بما يخص الاعتراف بسلطتها؟ لماذا يخفق كظم الغيظ تجاه من ابتعدوا آلاف الأميال؟ وتجاه القبعات البيضاء؟ واتجاه الناشطين؟ إلخ… لماذا تتصرف سلطة الرعب وكأن البعيدين يرفعون في وجهها الإصبع الوسطى، وتغلي حقداً لتحرق الجغرافيا وتستتبع الخارجين عن سلطتها مرة أخرى، تريد أن تضمهم لها وتريد إبعادهم في الوقت عينه. يبدو أنها الجغرافية التي تهدد بقص سلسلة التكرار والاقتباس في الأجساد، تكرار واقتباس الشتيمة حتى يصبح المحكومون كارهين لأنفسهم نافرين منها.

والمفارقة العجيبة هي أن الجغرافية هي العنصر الوحيد الذي قد يضفي على النظام الشتّام شيئاً من المصداقية، الجغرافية بالحدود الوطنية والتي تريد حرقها بعينها، لتضم الخارجين عنها مرة أخرى تحت جناحيها كي يسهل سحقهم. يريد بشار الأسد، حسبما ذكرت بعض الأنباء، أن يعطي أسماء السوريين اللاجئين في أوروبا والذين يدخلون إلى سوريا للاتحاد الأوروبي. قد لا يكون الخبر صحيحاً ولكنه يعطي فكرة عن هذا الغيظ من خروج محكومين من تحت بسطار السحق. المبعد لا يعامل كمبعد مجذوم يمكن أن ننساه ونرتاح، بل هو مبعد مشتهى في كل وقت، دونه لا تعريف لذات السلطة، هذا ما تقوله لغة النظام ولغة الجلادين الرمزيين، المختنقين في «زبل» غضبهم الذي ينهشهم، نستعير من الأخوة الجزائرين تعبيرهم الدقيق عن الغضب: طلعلي الزبل للراس.

لا أصدق أن سورياً لا يُجرَح حين يُنعت بخائن أو عميل، ولكني أعتقد أن التفكير بطريقة نظرية في هذا العنف، واستذكار وتفكيك كل طبقات الشتائم والنعوت التي وُصِف بها السوريون هي المقاومة المتاحة في مواجهة هزّ البدن. وهنا سأختتم باقتباس لبتلر: «التحفظ على مساءلة مواضعنا السياسية انطلاقاً من الأسئلة التي تطرحها علينا الحياة هي اختيار الموضع الدوغمائي على حساب الفكر وعلى حساب الحياة». 

1. Judith Butler, Excitable speech, A politics of the performative. Routledge 1997.

2. «الكوير» هم مجموعات جنوسة غير معيارية. وإذ يعني التعبير في الأصل «الغريب»، واستُخدم بشكل تحقيري، إلا أن جهداً ثقافياً كبيراً حصل اعتباراً من الثمانينات لامتلاك المصطلح وإعادة نحته وتعريفه.

موقع الجمهورية

———————————

فيروس كورونا – عقيدة “الصدمة”/ طارق ناصيف

في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقع حدث جلل في أصقاع المعمورة، وترك آثارًا كبيرة على مختلف الدول والحكومات في العالم، إذ أُبلغت منظمة الصحة العالمية بوجود حالات التهاب رئوي فيروسي تعود لسبب غير معروف أو محدد، وقد سُجلت تلك الحالات بدايةً في مدينة ووهان الصينية. ثم تطورت الأحداث بسرعة مذهلة، وأثر ذلك في محافظات ومدن عديدة في الصين، ثم انتقل ذلك التأثير إلى العديد من الدول في جميع أنحاء العالم، في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وأفريقيا. وفي 11 آذار/ مارس 2020، وصفت منظمة الصحة العالمية هذه الحالة الصحية الخطيرة، بأنها تفشّ لفيروس “كورونا”، أو ما سُمّي لاحقًا COVID-19، ووُصف الفيروس بأنه “جائحة” مرضية سريعة الانتشار على مستوى العالم [1].

وردًا على انتشار الفيروس؛ كثفت جميع البلدان في مختلف أنحاء العالم تدابيرها واستعداداتها، محاولةً إبطاء الفيروس والحد من انتشاره، وأوقفت كثير من السلطات الرحلات الجوية من الدول المصابة بالفيروس -علمًا أن انتشار الفيروس لاحقًا عمّ كل بلدان العالم تقريبًا- وأغلقت أجزاءً كبيرة من أراضيها، وحثت الناس على البقاء في منازلهم. وقد أعلنت الولايات المتحدة -كما هي الحال في كثير من دول الاتحاد الأوروبي- حالة طوارئ وطنية، وفرضت حظر سفر على دول مختلفة، منها دول الاتحاد الأوروبي (الذي أعلن بدوره إيقاف التعامل بحدود منظمة الشنغن، وإغلاق دول الاتحاد حدودها مع بعضها)، والصين وبعض دول الشرق الأوسط، وتم تأجيل أو إلغاء العديد من الأحداث المحلية والدولية، بسبب هذه الحالة الكارثية الاستثنائية الخطيرة [2]. وفي حقيقة الأمر، ما تزال الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا، على مختلف دول العالم، غير معروفة، وما يزال من الصعب التنبؤ بدقة بما سيحدث مستقبلًا، بخصوص إمكانية وقف انتشار هذا الفيروس القاتل، ولكن من الملاحظ -حتى الآن- أن كثيرًا من محللي السياسة والاقتصاد وعلوم المجتمع قد بدؤوا استدعاء ذكريات أحداث جسيمة مرت على العالم سابقًا، كأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، أو الأزمة المالية العالمية في 2008، أو الكساد الكبير الذي ضرب أصقاع المعمورة في ثلاثينيات القرن الماضي وأدى إلى عواقب كارثية. ومن المؤكد أن هذه الأحداث أعادت تشكيل السياسات والمجتمعات المحلية، وكذلك العلاقات الدولية على وجه الأرض، وتركت هذه الأحداث تأثيرًا واضحًا على قضايا الأمن والسلم المحلي والدولي، وعلى مسائل الحريات والرقابة على المجتمعات والهويات الوطنية والإقليمية، وأيضًا أثرت في علاقتنا -أفرادًا ومواطنين- بحكوماتنا. ومن وجهة نظر منطقية وعلمية؛ فقد بدأ تأثير فيروس كورونا (الذي قد يستمر بضعة أشهر، على الأقل) بالظهور والتأثير على جميع مناحي الحياة، كما لم يحصل سابقًا على مستوًى عالمي بهذه السرعة وبهذا المدى ومساحة الانتشار، ويبدو أن الفيروس وآثاره المرافقة سيستمران في التأثير بعمق في معاييرنا وعلاقاتنا، وسيغيّر كثيرًا من توجهاتنا المحليّة والدولية[3].

إن “عقيدة الصدمة” هي نظرية متداولة، تم استخدامها في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد والعلوم السياسية [4]. في الواقع، ترجع جذور النظرية إلى ستينيات القرن الماضي، حيث موّلت وكالة المخابرات المركزية مجموعة من التجارب المخبرية، بناءً على فكرة أن الحرمان الحسي عن طريق التأثير بالصدمات يمكن أن يمحو الذكريات، ويجبر المرضى على فقدان إحساسهم بالزمان والمكان، ويؤدي إلى انسلاخهم عن الواقع الذي يعيشون فيه، ومن ثَمّ يمكن تحميل أو تدوين معلومات وأفكار جديدة في ذهن الشخص المطلوب، بناءً على ما يُرغَب في إعطائه وتلقينه، ويمكن بهذه الطريقة أن تُكتَب وتُمْلى شخصية جديدة، على الأفراد والجماعات، بناءً على ما يُراد له أن يكون [5]. في الواقع، تم تنفيذ وتطبيق مثل هذه العملية في أجزاء مختلفة من العالم، من قبل حكومات مختلفة، بهدف فرض سياسات جديدة، كان من الصعب اعتمادها قبل التعرض للصدمات.

في هذا السياق، تقول نظرية “عقيدة الصدمة” إنه في فترات الارتباك، التي عادة ما تلي الحروب أو الانقلابات أو الكوارث الطبيعية أو الذعر الاقتصادي، يصبح تطبيق سياسات راديكالية جديدة، كانت في زمن سابق غير مقبولة، أمرًا أسهل بكثير وقابلًا للتنفيذ، مع انعدام أو انخفاض مستوى المعارضة لهذه التغييرات، على حساب ارتفاع نسب التأييد والقبول، بالرغم من أن غالبية المواطنين كانوا في السابق يرفضون ويعارضون هذه السياسات[6].

إن التاريخ الحديث يشهد على مجموعة من الأمثلة في السياق ذاته، فالانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة على الرئيس سلفادور أليندي (رئيس تشيلي) مكّن الولايات المتحدة من فرض سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة، تحَوّلَت بها دولة تشيلي إلى الخصخصة وإزالة الحواجز التجارية مع الشركاء الدوليين، وترافق ذلك مع خفض للإنفاق الحكومي على قطاعات الرعاية الاجتماعية والأسرية. ولتبنّي هذه السياسات الجديدة وإنجازها عقب الانقلاب العسكري؛ قام النظام الجديد في تشيلي بسحق الحركات الشعبية التي رفضت هذه التغييرات، وتم اللجوء إلى سياسات التعذيب على مستوى الدولة، وأدت في النهاية إلى مقتل الآلاف من المعارضين التشيليين[7].

وكمثال آخر، يمكن الاستشهاد به على فاعلية “عقيدة الصدمة “، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي وما رافقه من حالة عدم الاستقرار والاضطراب التي سادت دول أوروبا الشرقية، يُعدّ مثالًا آخر لواقعية فرضية عقيدة الصدمة. فقد مكّنت حالة الخوف والفزع والفراغ، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، القوى الغربية من فرض إصلاحات محددة على هذه البلدان، لجرّها بعيدًا عن النظام الشيوعي المنهار، حيث أصبحت معاهدات الدفاع المتبادل مع الغرب والانضمام أو التقرب من منظومة الاتحاد الأوروبي، واعتماد سياسات السوق الحرة، وكذلك الأيديولوجيات الليبرالية الغربية، اتجاهًا عامًا للعديد من دول أوروبا الشرقية. ولم يكن يمكن تصور سياسات كهذه سابقًا، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وقبل انتشار الفوضى بُعيد تفتت الكتلة السوفيتية[8]. ويمكن الجزم -من منظور عقيدة الصدمة- بالقول إن هنالك حالات استُخدِمت فيها الكوارث الطبيعية على شكل مبدأ الصدمة، من قبل حكومات معينة، لإقرار سياسات جديدة على الدولة أو المجتمع. فمثلًا استطاعت حكومة سريلانكا فرض سياسات الخصخصة على مختلف القطاعات في البلاد، وتخفيض الضرائب على الشركات بعد تسونامي 2004، هذه السياسات كانت صعبة التنفيذ سابقًا، وأصبحت حقيقة بعد التسونامي. من ناحية أخرى، في الشرق الأوسط، يُعدّ احتلال أفغانستان والعراق، قبل هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أمرًا صعبًا لا يمكن للمجتمع الدولي تقبّله. ولكن تَسَبُبَ الهجمات في صدمة في الداخل الأميركي، وكذلك على المستوى الدولي، مهّد وسهّل كثيرًا على أميركا للإقدام على احتلال أفغانستان والعراق، متجاوزة للشرعية الدولية. وهكذا تمّ استثمار الصدمات الناتجة عن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، من قبل أميركا وبعض حلفائها، لإحداث تغييرات ومكاسب معينة ما كانت لتتم قبل ذلك [9]. وبالنتيجة؛ يمكن القول إن استخدام الصدمات الطبيعية والسياسية والاقتصادية على نطاق واسع، في التاريخ الحديث، لإنفاذ سياسات حكومية معينة هو أمرٌ واقعٌ، وقد أصبح في بعض الحالات أداةً مهمة ومُنتَظَرَة للتغيير من قبل بعض الحكومات، في مختلف أنحاء العالم.

يشكل اللاجئون السوريون شريحة مهمشة ومستضعفة، نشأت منذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية، بعد ثورة آذار/ مارس عام 2011. وهم الآن -بحكم طبيعة الحال- من الأشخاص الذين يتابعون بعناية الانتشار المخيف لفيروس كورونا حول العالم. إن كابوس الحرب الأهلية التي دامت عشر سنوات في سورية تصدّره كابوس آخر، جاء هذه المرة متخفيًا تحت الأنفاس، ونتيجة لتتالي المصائب فقد أصبح البؤس عنوان القاعدة الأساسية في حياة اللاجئين السوريين، ولا سيّما من كان في دول الجوار والمحيط الجغرافي لبلدهم الأم. بيد أن شرارة أمل فُتحت حديثًا لبعضهم، للهجرة مجددًا وبعيدًا من الجوار السوري، وخصوصًا لمن هو مقيم في تركيا، فمع وجود أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، أعلنت السلطات التركية أخيرًا أنها لن توقف تدفق اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي[10]. ومع ذلك، يبقى التساؤل القديم والمتجدد قائمًا: هل سيصبح حلم آلاف اللاجئين السوريين الراغبين في العبور إلى الاتحاد الأوروبي حقيقةً مرة أخرى؟ وإذا كان الأمرُ كذلك، فهل سيكون الاتحاد الأوروبي المتوقع بعد فيروس كورونا هو نفسه ما كان قبله؟ للأسطر التالية رأيٌ في هذا.

ويفترض مبدأ أو “عقيدة الصدمة” أن الأزمات تمثل فرصة للحكومات لفرض التغيير. وبالتالي فمن هذا المنظور، فإن فيروس كورونا سيغيّر وجه السياسات الأوروبية إلى حدّ بعيد، وخاصة تلك المتعلقة باللاجئين والمهاجرين. لقد كان صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، في بعض دول الاتحاد الأوروبي، حتى الآن على الأقل، محدودًا إلى حدٍّ بعيد خلال السنوات الماضية، وذلك لعوامل وأسباب عديدة، من أهمها العقلية الأوروبية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية التي ترفض الإقصاء وتؤمن بالعدالة والديمقراطية والمساواة، وتمج العنصرية والتعصب والانغلاق لِما سبّبته للقارة الأوروبية من محن ومآسٍ وحروب خلت. هذه العقلية المتجذرة في الأفراد والجماعات الأوروبية مكّنت -في كثير من الحالات- من تخفيف حدة صعود ظاهرة اليمين المتشدد في أوروبا، وانعكس ذلك إيجابًا على موجة اللجوء، وخصوصًا لجوء السوريين، الذي حدث في عامي 2014 و2015. ولقد كانت بعض الصيحات اليمينية المتعصبة في بعض دول الاتحاد الأوروبي كافية لأن تقض مضاجع اللاجئين السوريين هناك، ولكن هذه الصيحات المتطرفة لم تلقَ آذانًا مصغية في البرلمانات والحكومات الأوروبية، وربما يمكن القول إنه في كثير من الأحيان كانت المعركة مع اليمين المتشدد تنتهي بسرعة لمصلحة الأحزاب الأكثر اعتدالًا، مع الإدراك أن أحزابًا يمينية، في دول مثل السويد وألمانيا وفرنسا وهنغاريا وإيطاليا، تلقى رواجًا من حين إلى آخر، ضمن أوساط مجتمعاتها لأسباب مختلفة. غير أن رواج هذه الأحزاب اليمينية وارتفاع شعبيتها أو سيطرتها على حكومات بلدانها، يشكل تهديدًا خطيرًا لوجود اللاجئين السوريين في الاتحاد الأوروبي، وكذلك لأولئك الذين ينوون أو يحاولون بالفعل العبور إلى أوروبا في المستقبل القريب. وبحسب عقيدة الصدمة، يُمكن الافتراض أن الجماعات والأحزاب السياسية الأوروبية، خصوصًا الموجودة منها في أقصى اليمين، ترى في الفيروس التاجي المنتشر بشدة الآن في أوروبا، سفينةَ نوح، للخلاص والتحول إلى سلّم القيادة. فقد بدأت هذه الأحزاب، في دول مثل إيطاليا وألمانيا والسويد وفرنسا، تنتقد أداء حكوماتها حول كيفية تعاملها مع أزمة كورونا [11]. وبغض النظر عن صوابها أو خطئها، فمن المؤكد أن هذه الأزمة الوبائية ستزيد الأحزاب اليمينية المتطرفة قوةً، على حساب أحزاب اليسار والوسط، نتيجة لضعف الأداء الحكومي الحالي، لكثير من الدول وضعف القيادات الأوروبية في تعاملها مع هذا الملف الوبائي الخطير، أي انتشار الوفيات والإصابات الفيروسية بطريقة مهولة. وبالتالي، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترى أن اللاجئين مصدرٌ لكثير من مشاكل دول الاتحاد الأوروبي، ستغتنم فرصة الحالة العامة للرعب وعدم اليقين المرتبطة بفيروس كورونا، لكسب مزيد من الدعم وتغيير السياسات الأوروبية التي من أهمها -بالنسبة إليهم- السياسات “الرحيمة والضعيفة والمرتبكة” مع ملف اللاجئين [12]. وفي حقيقة الأمر، ستمثل الصدمات الكارثية القادمة (المتولدة عن فيروس كورونا) على كل من الاقتصادات المحلية والدولية، وعلى المجتمعات والعلاقات الدولية، التربةَ الخصبة لزيادة السياسات الراديكالية والاستراتيجيات التقييدية والحمائية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، أو بين دول الاتحاد الأوروبي -إذا استمر الاتحاد الأوروبي في الصمود ككتلة موحدة أصلًا بعد جلاء كورونا- والدول الأخرى. وكلما كانت هذه الصدمات الناتجة عن انتشار الفيروس أقوى وأعنف وذات مدى أطول على الدول الأوروبية؛ تركت فرصة أقل لأي قوى معارضة للتغييرات والسياسات اليمينية المتطرفة والعنصرية، وخاصة تلك المصممة ضد اللاجئين. وبالتالي ستدفع الصدمات الناتجة عن فيروس كورونا الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى القيادة، مستغلةً حالة الإرباك والفوضى والرعب التي سيخلّفها كورونا، ليشكل ذلك وضعًا كارثيًا على اللاجئين السوريين، وخاصة أولئك الذين ينتظرون فرصةَ العبور إلى أوروبا ومحاولة الاندماج في مجتمعات دول الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن تروّج أفكار جديدة، لم تكن مقبولة على نطاق واسع في السابق، تعادي اللاجئين والمهاجرين، وتفرض عليهم حصارًا كبيرًا من داخل المجتمعات الأوروبية، وتعبّر عن كرهها الشديد لموجات جديدة من اللاجئين.

[1]-The European Respiratory Society(2020); The main website of The European Respiratory Society: Available from: https://www.ersnet.org/the-society/news/novel-coronavirus-outbreak–update-and-information-for-healthcare-professionals

[2]-The BBC (2020); The main website of the BBC: Available from: https://www.bbc.com/news/world-51235105

[3]-Politico (2020); The main website of Politico “Coronavirus Will Change the World Permanently. Here’s How”  Available from: https://www.politico.com/news/magazine/2020/03/19/coronavirus-effect-economy-life-society-analysis-covid-135579

[4]-Norberg, Johan (2008) “The Klein Doctrine: The Rise of Disaster Polemics” From 2-15

[5]-Klein, Naomi (2007) “The Shock Doctrine” page 42

[6]-Norberg, Johan (2008) “The Klein Doctrine: The Rise of Disaster Polemics” Page 2

[7]-Ferrara, A. (2014). Assessing the Long-term Impact of Truth Commissions: The Chilean Truth and Reconciliation Commission in Historical Perspective. London: Routledge.

[8]-Laitin, David D (2000) “POST-SOVIET POLITICS” Pages:117-141

[9] -Klein, Naomi (2001) “The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism” Pages:36-40

[10]-UNHCR (2020); The website of the UNHCR “ the Registered Syrian Refugees in Turkey” Available from: https://data2.unhcr.org/en/situations/syria/location/113

 REUTERS (2020); The main website of REUTERS “Turkey says will not stop Syrian refugees reaching Europe after troops killed” Available from: https://www.reuters.com/article/us-syria-security/turkey-says-will-not-stop-syrian-refugees-reaching-europe-after-troops-killed-idUSKCN20M0GR

[11]-Center for American Progress. “Coronavirus May Be the EU’s Hardest Test Yet.” Available from: Available from: https://www.americanprogress.org/issues/security/news/2020/03/18/481862/coronavirus-may-eus-hardest-test-yet/

[12] -Intini, Dario. “No Migrants , No Schengen : How Right-Wing Political Parties Are Increasing Their Popularity in Europe.” Pages:1-24

مركز حرمون

———————————-

“كورونا” في سوريا.. “العفو الدولية” تحذّر: يجب إطلاق المعتقلين فوراً

“انتهاكات النظام السوري بحق المعتقلين ترقى لأن تكون جرائم ضدّ الإنسانية”

شدّدت منظمة العفو الدولية على ضرورة الإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي والمعتقلين السلميين لدى النظام السوري، محذّرةً من تفشّي فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) بينهم، سيّما أنّ النظام يمتلك “سجلاً طويلا” في حرمان المعتقلين من تلقي العلاج والأدوية.

وأكّدت المنظمة نهاية الشهر الماضي على وجوب تعاون النظام بشكل كامل مع وكالات الأمم المتّحدة والمنظمات الإنسانية لمنع انتشار فيروس كوفيد 19 في السجون، ومراكز الاحتجاز، والمستشفيات العسكرية في البلاد.

وفي حين قالت إنّ الوباء العالمي (كورونا) يمكن أن ينتشر في معتقلات النظام بسرعة بسبب سوء الصرف الصحي والاكتظاظ الشديد، شدّدت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية على ضرورة “الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع سجناء الرأي – وهم النشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان، وغيرهم ممن سجنوا لمجرد ممارستهم لحقوقهم بصورة سلمية. كما ينبغي النظر في الإفراج المبكر أو المشروط عن السجناء المعرضين لخطر شديد، مثل السجناء المسنين أو أولئك الذين يعانون من ظروف صحية خطيرة”.

وزادت بأنّ لدى النظام “سجل طويل في حرمان السجناء والمحتجزين من تلقي الرعاية الطبية والأدوية التي هم في أمس الحاجة إليها. ويجب أن يحصل كل شخص محتجز على خدمات الوقاية والعلاج حيث أن وباء فيروس كوفيد – 19 يهدد الحياة”، حسبما نقل الموقع الرسمي للمنظمة.

وطالبت 43 منظمة حقوقية ومجموعات سورية معارضة في بيان مشترك الشهر الماضي، النظام السوري “بالإفراج الفوري عن المسجونين والمحتجزين السياسيين والحقوقيين، وعدم القيام بأي عمليات اعتقال جديدة” للحد من انتقال الفيروس.

جرائم ضد الإنسانية

ولا يوجد أرقام دقيقة لعدد المعتقلين في سجون النظام السوري إلّا أن الأمم المتّحدة تقدّر أعدادهم مع المفقودين أو المختطفين منذ عام 2011، إلى 2019 بنحو 100 ألف شخص، فيما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال النظام لنحو 130 ألف شخص.

وقد خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن استخدام النظام بشكل ممنهج للتعذيب، والوفيات الجماعية للمحتجزين في مراكز الاحتجاز في سوريا، يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

وقد وثقت منظمة العفو الدولية بشكل مستفيض الظروف اللاإنسانية في السجون العسكرية في سوريا، بما في ذلك صيدنايا، ومراكز احتجاز أخرى. وتشمل هذه الظروف الاكتظاظ الشديد في الزنازين، وعدم الحصول على الأدوية وتلقي العلاج الطبي، وعدم توفر مرافق الصرف الصحي، والغذاء، والمياه. كما أبلغ محتجزون سابقون منظمة العفو الدولية أنهم احتُجزوا في زنازين لعدة أيام مع جثث لمحتجزين توفوا في الحجز. وقال آخرون إنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة السيئة.

وفي عام 2014، أثارت 55 ألف صورة لأحد عشر ألف معقتل قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام، الرأي العام العالمي، بعد أن سرّبها سوري منشّق عن النظام معروف باسم “قيصر”.

وأظهرت الصور جثاميناً لمعتقلين يحملون على جباههم أرقاماً، بعضهم بلا عيون، وعليهم آثار التعذيب.

كورونا في سوريا

في آخر إحصائية أعلنت عنها وزارة الصحة التابعة للنظام وصل عدد المصابين بالفيروس 16 إصابة بينهم وفيّتان، حيث أعلنت الصحة الخميس عن 6 حالات إضافية.

وفرض النظام اليوم الحجر الصحّي على بناء في شارع الحرامات في منطقة السيدة زينب بسبب الاشتباه بحالة إصابة بالفيروس، لتكون المكان الثاني الذي يخضع للحجر الصحي، حيث أعلنت الصحّة أمس أنّها قرّرت عزل بلدة منين في ريف دمشق، التي توفيت فيها امرأة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) قبل 3 أيام، وسط مخاوف من تفشّي الفيروس.

وتشير تقارير صحافية إلى أن عدد المصابين بالفيروس أكبر من المعلن عنه، متّهمةً النظام بالتكتّم عن تلك الحالات.

———————————-

آخر تطورات فيروس كورونا.. عدد الإصابات المؤكدة عالميًا يقترب من حاجز المليون

يواصل فيروس كورونا الجديد تفشيه في عديد الدول حول العالم، ولاسيما في أوروبا، القارة الأكثر تضررًا بالوباء حتى الآن، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تجاوز عدد الإصابات فيها حتى اليوم 216،700 حالة، وعدد الوفيات جراء المرض وصل فيها إلى أكثر من 5138 حالة وفاة، بحسب مؤشر جامعة جونز هوبكينز.

أما إجمالي الإصابات المؤكدة عالميًا فيقترب بشكل متسارع من مليون حالة، ووصل حتى صباح اليوم الخميس 2 نيسان/أبريل إلى أكثر من 937،000 حالة، بحسب مؤشر جامعة جونز هوبكينز الأمريكية.

وهكذا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي تشهد أكبر عدد من الإصابات عالميًا، تليها إيطاليا بواقع 110،574 حالة مؤكدة، علمًا أن إيطاليا هي الدولة المتصدرة على مستوى عدد الوفيات بسبب المرض حتى الآن، بأكثر من 13،150 حالة وفاة.

وحلت إسبانيا في المرتبة الثالثة عالميًا على مستوى عدد الإصابات المؤكدة، بواقع 104،118 حالة مؤكدة، والثانية بعد إيطاليا على مستوى عدد الوفيات بواقع 9،378.

أما الصين فهي الرابعة عالميًا على مستوى عدد الإصابات المؤكدة، رغم كونها الدولة التي اكتشف فيها الفيروس الجديد، وتحديدًا في مدينة ووهان. وبلغ عدد الإصابات المؤكدة في الصين 82،394 حالة. أما في المرتبة الخامسة فتأتي ألمانيا، بواقع 77،981 حالة مؤكدة.

الدولة

عدد الإصابات المؤكدة

الولايات المتحدة الأمريكية

216,721

إيطاليا

110،574

إسبانيا

104،118

الصين

82،394

ألمانيا

77،981

آخر تطورات فيروس كورونا الجديد عربيًا

عربيًا، سجلت المملكة العربية السعودية العدد الأكبر من الإصابات المؤكدة المعلن عنها، بواقع 1،720 حالة، وهي الدولة العربية الأكثر تضررًا بكورونا حتى الآن. وتقترب الأرقام من الألف في دول خليجية أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت عن 814 إصابة مؤكدة بالفيروس. وفي العراق، وصل عدد الإصابات إلى 728 حالة، وفي الجزائر 847 حالة، و423 حالة تونس.

كورونا في تركيا

بلغت حصيلة فيروس كورونا الجديد حتى يوم أمس الأول من نيسان/أبريل 15،678 حالة، أما الوفيات فبلغت 277 حالة، معظمها في إسطنبول، بواقع 117 حالة وفاة، بنسبة تصل إلى حوالي 80%.

مخاوف من منظمة الصحة العالمية

أعرب الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، عن قلقه الكبير إزاء التسارع الكبير في أعداد الوفيات العالمية بسبب مرض كوفيد-19 والتفشي السريع للعدوى. وقال في تصريحات مساء أمس عبر الإنترنت من مقر المنظمة في جنيف إن الأسابيع الخمسة الماضية قد شهدت تزايدًا متسارعًا في عدد الحالات الجديد، وأن عدد الوفيات قد ازداد بأكثر من الضعف خلال أسبوع واحد. وأشار إلى أن عدد الإصابات سيصل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى أكثر من مليون إصابة، بينما ستصل عدد الوفيات إلى أكثر من 50 ألف وفاة على مستوى العالم.

ودعا غيبرييسوس في كلمته إلى ضرورة التكاتف العالمي لمواجهة الوباء، وقال “علينا أن نتوحد لمواجهة هذا الفيروس المجهول والخطير”.

————————————–

انتشار الكورونا يغيّر العالم ويطرح أسئلة جوهرية “عنيفة”… فأين نحن كعرب من ذلك؟/ عمار السوّاد

أسئلة كثيرة عن أصل وباء كورونا ونسبه المئوية تفرض نفسها علينا، ولا أجوبة حاسمة بعد، ورواية رسمية واحدة سردتها الحكومة الصينية عن أن الفيروس خرج من سوق للسمك وانتشر.

كورونا كالغيب. كثيرون يحللون خلفياته، والإجابات محدودة. هي قابلة لكل الافتراضات والتهيؤات والاحتمالات، وتسهل فيها الاتهامات والتأويلات. وحتى لو جاء الجواب العلمي الحاسم، سيواصل المؤولون والمتهيئون حديثهم. الكلام فيه خارج أطر الدوائر المختصة، العلمية والاستخبارية سهل، ولن يبتعد عن التحليل السياسي أو التجرد الفكري أو الإسقاط الأيديولوجي.

وكالعادة، ينشغل كثيرون من العرب بشكل واسع في تحليل الخلفيات، بدءاً من أسطوانة المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية، وانتهاء بحفنة اتهامات لا يجمع بينها سوى أنها تحليلات في أجواء ملبدة. في خطابات هؤلاء، يصعب أنْ يجد المرء الكثير من المضامين التي تتحدث عن المستقبل، إلا من باب التنبؤ بنهاية حضارة غربية شكّلتْ وما تزال عقدة نقص عند منتحِبين على يوم كان العرب فيه غزاةً وفاتحين.

بلداننا لن تتغيّر

ليس مهماً لأصحاب عقدة النقص هذه ماهيّة المتغيّر، أو ماذا تعني الإجراءات المتبعة منذ حوالي شهر في أكثر بلدان العالم، وما هي الدلالات المستقبلية إذا ما نظرنا إلى الأفكار والسياسات والأيديولوجيات والأنظمة المعمول بها. فالفرد العربي بشكل عام لم يشعر بتغيير مهم يتعلق بالأجواء السياسية أو الفكرية والمعرفية. فما تعتمده حكومات البلدان الناطقة بالعربية هو فعل معتاد، فهي الآمرة الناهية على أي حال، ولا أحد قادراً على الرفض، سواء في البلدان النفطية الرعوية، أو في بلدان الخصخصة المسيطر عليه حكومياً.

تلك البلدان لن تتغير. هي مثل السابق، مع كورونا أو بغيرها. حكومات دكتاتورية أو شبهها، تدار مِن قبل شخص أو حفنة أشخاص أو عائلات، يغيّرون الأقدار في كل مرة. إنها، مع الفيروس ودونه، باقية في القديم ومنتظرة نهايات الآخرين وصعود غيرهم. وإذا حدث الصعود والهبوط، ينسب الفعل إلى السماء راعية المسلمين حتى في أشد ساعات ضعفهم.

متغيرات فكرية عميقة

خطورة كورونا ليست فقط في ما ستقتله من بشر، وهو بلا شك عظيم وجلل. الحرب العالمية الثانية، بسبب طموح رجل مزج الحماقة بالعنصرية والأيديولوجية، انتهت بقتل عشرات الملايين من الناس. الخطورة الأكبر أنّ الوباء يدفع نحو متغير فكري معرفي عميق، أو سلوك لا ينسجم مع كل ما اعتمدته اللحظة الديمقراطية. وكأن الأنظمة الشمولية والدكتاتورية تقول إنها الأصح، وكأن “الاشتراكية” بنسختها المتخمة بالبيروقراطية، والتي دفع البشر ثمناً كبيراً نتيجة تطبيقاتها الشيوعية في القرن العشرين، تشير إلى أنها الأسلم.

الحكومات الغربية اليوم تتدخل بشكل مباشر في الحريات الاقتصادية والاجتماعية. تغلق المحلات والمتاجر، وتمنع التجمعات واللقاءات، وتتحكم في مَن يجوز أنْ يلتقي الأفراد ومَن لا يجوز. أحكام الطوارئ حاضرة وبقوة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفعّل قانون “الإنتاج الدفاعي” مجبِراً أو حاثاً شركة “جنرال موتورز” على صناعة أجهزة تنفس. دول كثيرة تعطي موظفي الشركات الخاصة المقفلة بفعل قرارات الإغلاق، نسباً كبيرة من رواتبهم. السلطات بدأت تراقب الأسعار وتتدخل كي لا يستغل أصحاب رؤوس الأموال الواقع… هذه ليست إجراءات طبيعية بالتأكيد، ولا تشبه السياق العام للأنظمة الاقتصادية كما الاجتماعية السائدة في الغرب.

مثلاً، تأخرت بريطانيا في إعلان حظر التجول والإغلاق الشامل، حتى اللحظة. الأمر ليس اقتصادياً فقط، بل هو ذو صلة وثيقة بصعوبة اتخاذ قرار يخنق بالكامل حرية الناس. ليس سهلاً في لندن أنْ تُناقَض بشكل حاسم التقاليد الديمقراطية، رغم أنّ الفيروس وصل إلى العائلة الملكية ورئيس الوزراء. اتبعت طريقة النصائح بدءاً وحصل بعد ذلك تدرّج، صاحبه تحذير السلطة الناسَ من هول الكارثة ودعوتهم إلى توديع أحبابهم. وفي النهاية هي مجبرة على إعلان حاسم قريباً، خصوصا إذا ما طال الموت أعداداً كبيرة.

وحين يقول الرئيس الفرنسي إنّ بلاده والعالم في حالة حرب، إنما يسعى إلى تبرير ما لا يمكن تبريره في غير زمن الحرب. تبرير الإجراءات الحكومية الصارمة التي اضطرت إلى إغلاق كل شيء تفسير صعب. هو يحاول أنْ يجد جواباً صريحاً لنفسه وللمجتمع بشأن سؤال انسجام الإجراءات الصارمة مع قيم الليبرالية الاجتماعية وحريات الأفراد.

صحيح أن أكثر الدول الغربية تعتمد نظماً للرعاية الاجتماعية، غير أن القواعد الليبرالية للاقتصاد وأسسه الرأسمالية ظلت دائماً موجودة بشكل واسع، والأسس المعرفية لحرية الأفراد غير قابلة للتلاعب إلا بحذر. لذا إنّ ما يجري يشير إلى إخضاع تلك القواعد والأسس، الاجتماعية فضلاً عن الاقتصادية، لتهديد غير مسبوق.

الديمقراطية لم تكن مستعدة

الديمقراطية لم تكن مستعدة لأحداث مثل انتشار فيروس بهذه السعة والخطورة. كان العالم مستعداً لشتى أنواع الحروب وموجات الإرهاب وردود الأفعال والعنف، لكن لا أحد استعد لفيروس شامل. من هنا بقيتْ أجهزة التنفس أقل بكثير من عدد البنادق والقنابل وربما عدد الصواريخ بعيدة المدى.

وحين تقول الصين، وهي منشأ الوباء، إنها نجحت في التصدي للمرض واحتواء تداعياته، وبدأت بتصدير الأقنعة وغيرها إلى الدول الموبوءة، وفي مقدمتها إيطاليا، فإنها تضع أمام الحضارة الغربية بكاملها أخطر تحدٍّ. هي تقول إنها استخدمت التعبئة للتعقيم وما سواه من المساعي اللوجستية والمادية في سبيل القضاء على الفيروس، وهو ما لا تستطيع الديمقراطية فعله. فالمملكة المتحدة غير قادرة بعد على حشد 25 ألف متطوّع للقطاع الصحي.

وكأن بلاد التنين تفترض أن شموليتها ومركزية سلطتها نجحت بينما فشلت الديمقراطيات. وإنْ صدقت بكين في رواية احتوائها للوباء، تصبح الحضارة الغربية كلها في مواجهة أزمة معرفية غاية في الصعوبة. بالطبع هناك شكوك بشأن نجاح الصين، غير أنها أقنعت الكثيرين بروايتها.

وعندما تعاني روما من عزلة مبكرة ولا تجد يد عون كافية من الاتحاد الأوروبي الذي انكفأتْ دوله لحماية شعوبها بعيداً عن التنسيق الجماعي، بينما تجدها من بكين وموسكو، فهذا ينبئ بتداعيات سياسية للكورونا على مستقبل الاتحاد الأوروبي الذي لم يستوعب بعد مشكلة خروج بريطانيا منه.

قضايا مثل الأمة والمجتمعات القومية والتضامن العابر للحدود القطرية تواجه أسئلة بفعل انتشار وباء كورونا والسياسات المتبعة لمواجهته. لا دور للتشابه القومي أو العرقي، ولا أهمية للرابط الديني.

لا وقت للشماتة والرقص على الاختلافات بين الحضارات. الفيروس يهدد البشر أجمعين، ما يخلق تساؤلات بشأن جاهزية التصورات الفكرية والسياسية الغربية لأن تستمر في كونها الأقدر، وما يفسح المجال بشكل أكيد أمام ضرورة فكرة الإنسان الكوني.

مجموعة العشرين مثلاً، تجتمع افتراضياً عبر الإنترنت، لتناقش قضية غير اقتصادية لها تداعيات اقتصادية. وبمعزل عن مدى صدق قادة العشرين في أنهم سيقفون موحدين، فإن الأمر لا يحتاج إلى صدقهم، هم مضطرون إلى ذلك.

وسط هذه المعادلة، فإن الشيء الوحيد المثير للخشية في نفوس كثيرين من المتدينين العرب، أو متديني الهوية بشكل عام، هو إغلاق المعابد والمساجد والأضرحة. هذا هو الحدث الجلل عندهم، وهذا ما انشغلوا بحوار طويل بشأنه، تارة بالرفض وأخرى بالتحليل. أما السياسات فثابتة، هي سلوكيات سلطوية تتعامل في ظل ظروف كورونا بنفس الطريقة التي تتعامل فيها مع المعارضين السياسيين.

العالم يتغير، ولا شيء مؤكد وسط هذه الجلبة، والأسئلة الجوهرية ستكون عنيفة وشديدة. بينما عربياً، لا أظن أنّ هناك بيئة لأسئلة محورية. الأرض التي ستطرح أسئلتها هي التي تعيش التحدي، وتسابق الزمن كي تتغلب عليه، فتشهد انهيارات وصعوداً، أو متغيرات وانقلابات، وليس التي يتساوى فيها زمن النوم بالصحو.

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف

——————————–

كيف غيّر فيروس كورونا طريقة تفكيرنا ونظرتنا إلى العالم من حولنا؟

ايليج نون /”فريق تحرير قسم حياة”

لا شك أن فيروس “كوفيد-19” أصابنا جميعاً بالتوتر، فقد جعلنا نشعر بالتعب، القلق، الفتور، الإحباط، الاكتئاب والخوف من أن نقع في “فخ” هذا الوباء، أو أن نكون سبباً لانتقال المرض إلى المقرّبين منّا، كما أنه أضرم في داخلنا نار الغضب والاشمئزاز من الأشخاص الذين لا يأخذون الأمر على محمل الجد، فيستهترون بصحتهم وصحة الآخرين، والنفور من أولئك الذين يصابون بالهلع الشديد والحرص الذي يصل لحدّ “الوسواس المرضي”.

وبغض النظر عن المشاعر التي خلّفها هذا الفيروس العالمي، وبعض الآثار النفسية التي لا تزال مجهولة والوقت وحده كفيل بكشفها، فإننا نعرف شيئاً واحداً بالتأكيد: العالم الذي نعيش فيه قد تغيّر، وما قبل كورونا ليس كما بعده، فبالإضافة إلى التركيز على موضوع النظافة الشخصية، مراعاة الآخرين وتطور ممارسات العمل، هناك تحول كبير يحدث في الطريقة التي نرى بها أنفسنا وتغير في طريقة تفكيرنا بشأن العالم من حولنا.

بين الاستسلام والاستفادة

أمام فيروس كورونا الذي ضرب العالم أجمع، يقف المرء أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الخضوع للضغط النفسي للوباء أو الاستفادة من الأزمة لتعزيز النمو الشخصي.

ففي علم النفس يشير مصطلح التأقلم إلى مجموعة من آليات التكيف النفسي التي وضعها الفرد للتعامل مع المشاكل العاطفية والشخصية والوجودية، وذلك من أجل إدارة، تقليل أو تحمل الإجهاد والصراع وجميع الآثار المترتبة عن ذلك.

الحقيقة أن البشر بطبيعتهم يحبون أن يكون لديهم روتين محدد ويرتاحون لفكرة التخطيط وتنظيم حياتهم، إلا أن مواجهة الشكوك لطالما كانت أمراً صعباً للغاية، بخاصة وأننا نواجه اليوم وباء يلفه الكثير من الغموض، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالتهديد من العدوى وتستحوذ المخاوف على تفكيرنا، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الخوف لا يخلق نظرة ضبابية فحسب، بل يجرنا إلى الغضب الذي يقودنا بدوره إلى نظريات المؤامرة والبحث المحموم عن “الجناة”.

واللافت أن هذا الغضب يستنزف طاقتنا لأنه يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، تبدأ بالخوف ثم الغضب ومنه إلى البحث عن الجناة، ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط وبالتالي تضخّم الخوف، من هنا ينبغي كسر هذه الحلقة المفرغة لتنفيذ استراتيجيات التكيّف الصحيحة.

بعيداً عن الصورة السلبية التي تطغى على المشهد العالمي اليوم، تناول الأخصائي في علم النفس هاني رستم، التغيير الإيجابي الذي أحدثه فيروس كورونا على طريقة تفكيرنا.

“اللمس ممنوع في زمن كورونا”… لماذا من الصعب التوقف عن لمس وجهنا؟

“استحم قبل ما تلمسني”… كيف يغير كورونا شكل علاقاتنا الحميمية والعائلية؟

ضرب الأكواع والسلام بالأقدام… كيف غيّر فيروس كورونا قواعد المصافحة حول العالم؟

فقد أوضح رستم، في حديثه مع موقع رصيف22، أنه في اللحظة التي حصل فيها بطء في وتيرة الحياة، أصبح لدينا مجال أكبر للتفكير في بعض التفاصيل التي لم نولِها أهمية في السابق، شارحاً ذلك بالقول: “وقت طبقنا قواعد الحجر الذاتي المنزلي، ووقفت العجقة والركض يلي كان عم بصير لحتى نكافح في الحياة ونعمل الإشيا يلي لازم نعملها، هيدا الشي بيعطينا مجال، لانو يكون في وقت أكتر تنعمل مراجعة لحالنا ولتصرفاتنا ولنشوف الامور بطريقة مختلفة”، وأضاف: “متل كأنو عم ناخد pause (استراحة) من الحياة لحتى نقدر نرتاح ونشوف الإشيا من منظور جديد”.

وأشار هاني إلى أن فيروس كورونا جعل العالم كله يتحد لمواجهته، وعليه أكد أنه لم يعد العديد من الأشخاص يشعرون بالوحدة، إذ يتشارك الجميع في هذه المحنة، “ما يخلق حالة من التعاطف الجماعي المشترك”، على حدّ قوله.

وبالرغم من تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي لمحاربة تفشي فيروس كورونا، شدد هاني رستم على أن الحجر المنزلي يساهم في تعزيز العلاقات بين أفراد الأسرة من خلال الوقت الذي يقضيه الأحبة معاً.

التغييرات

بحكم تجاربنا في الحياة، بتنا نعلم أنه في الأوقات الصعبة وعند الشعور باليأس فإننا نفكر كثيراً ونفعل أشياء لم نكن نعتقد أننا قادرون عليها في أوقات الرخاء، بمعنى آخر، إن أوقات الشدة تجعلنا ننكبّ على أنفسنا ونحدث تغييراً في داخلنا، وهذا ما يحصل تماماً في ظل أزمة كورونا المستجدة، وفق ما ذكره موقع سيكولوجي توداي.

وأوضح الموقع أنه في حال لم تلحظوا أي تغيير، فلا تستغربوا، إذ إنه في ظل وجود عدو خارجي مثل فوضى كورونا، من الشائع أن ينقص الوعي بشأن كيفية تطور معتقداتكم وسلوككم، فعلى عكس التطورات الجسدية التي تميز البشر، فإن المؤشرات النفسية، مثل الاعتقادات الشخصية، التفضيلات والتوقعات تتحدى الملاحظة المباشرة ومن الصعب تفسيرها بدقة، بخاصة وأن البشر عموماً لا يجيدون التقييم الذاتي، وهذا ما دفع الباحث ديفيد فيلدون، إلى أن يصرح في إحدى دراساته: “التفسيرات الذاتية للمشتركين غير دقيقة إلى حد كبير”.

كيف يغيّر “كوفيد-19” طريقة تفكيركم وتفكير العالم بأسره؟

ستكتشفون ما كنتم تعتبرونه أمراً مفروغاً منه: لقد أجبرتنا أزمة كورونا على إدراك أن الكثير من الأشياء المعتادة في حياتنا ليست مضمونة ولا يجب اعتبارها أمراً مفروغاً منه.

بغض النظر عن الثروة، العرق، العمر، المعتقدات السياسية والاختلافات الشخصية، نشعر جميعاً بعواقب العيش تحت “رحمة” وباء قاتل، إذ أصبح التواصل الاجتماعي مقيّداً، ولم يعد الكثير منّا قادراً على أداء المهام الأساسية في وظيفته، كما وأن الضروريات أصبحت نادرة، وحتى عندما ندرك أنه لدينا ثروة جيدة فإننا نصبح أكثر وعياً بمحنة الآخرين، الأمر الذي يجعلنا نعزّز تعاطفنا وقدرتنا على مساعدة المحتاجين، وننتبه إلى أشياء لم نعرف قيمتها إلا بعد فقدانها.

الشعور بفقدان السيطرة: يشعر الكثير من الناس بالاستقلالية، ويؤمنون بقدرتهم على تحديد ما سينجزونه وكيف سيسيّرون حياتهم، وهو ما يصفه علماء النفس “معتقدات تحكم خارجية”، لكننا الآن في فترة نواجه فيها تحدياً كبيراً لجهودنا بسبب الفيروس العالمي، وبالتالي يمكن القول إن مفهوم السيطرة الذي لطالما اعتدنا عليه قد تلاشى.

وعلى الرغم من التغيرات الخارجية، ما زال بإمكاننا تعزيز التغيير الشخصي والحفاظ على بعض السيطرة، من خلال النظر إلى الأمور بطرق مختلفة، فبالنسبة للبعض قد يكون هذا هو الوقت المناسب للتعمق بداخلنا، ووقت الفصل الذي نعيد فيه تقييم مسار حياتنا، لتنظيم التغيرات الإيجابية بمجرد انتهاء الأزمة.

اكتساب الوضوح من خلال البساطة: نظراً للقيود التنظيمية الضخمة المفروضة على تحركاتنا ووجود وقت فراغ كبير، فإننا الآن مضطرون للتركيز على الأشياء البسيطة التي لا تتأثر مثلاً بالمناخ العالمي، بمعنى آخر، يمكننا أن نشعر بالسعادة من خلال القيام بأمور بسيطة، كالاتصال بصديق قديم، الكتابة، التنزّه لمسافة طويلة أو الاسترخاء في أشعة الشمس، مع تجاهل مضايقات الحياة، فالأشياء التي كانت تحبطنا في العادة، مثل زحمة السير والاضطرار إلى العمل في وقت الغداء، لا تبدو مهمة تماماً الآن، لأننا أصبحنا ندرك أن أبسط المتع في الحياة ما زالت موجودة ويمكن الاستمتاع بها.

في كتابها How to Do Nothing: Resisting the Attention Economy، الصادر في العام 2019، تحدثت جيني أوديل، أن العمل القليل له فوائد بالنسبة للمناخ والبيئة، وكذلك لجهة خفض مستويات التوتر، وكما هو معلوم، فإن فيروس كورونا أدى الى خفض الإنتاجية، الأمر الذي أعطانا فرصة لمقارنة وضعنا الآن مع “حياتنا الطبيعية”، والضغط على زر الإيقاف المؤقت يمنحنا فرصة لتقييم ما يستحق حقاً في حياتنا.

أهداف طويلة المدى أقل أهمية: يميل العديد من الناس إلى التفكير والنظر فيما سيحدث لاحقاً على حساب الاستمتاع باللحظة الآنية، وهو ما دفع العديد من الأدباء، أمثال الكاتبة آن لاندرز، في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى الدعوة للاستمتاع باللحظة: “يجب أن نحصل على بعض الوقت لنتوقف ونشم عطر الورود”.

وفي حين أنه قد يكون من غير المنطقي الشعور بأن أهدافنا المستقبلية في خطر، فإن الأبحاث تظهر أن الأشخاص الذين يعيشون في الحاضر ويستمتعون بما يفعلونه، يحصلون على رفاهية أعلى ممن يغرقون في الماضي أو يركزون على المستقبل.

وبالنظر إلى الشكوك المستقبلية، فقد غيّر الفيروس من التفكير فيما قد يحدث بعد شهور، إلى ما يحدث الآن وما نفعله اليوم.

ازدياد الشعور بالامتنان: نعيش الآن في فترة استثنائية من عدم اليقين، فإذا كان بإمكانكم الذهاب إلى المتجر ربما لن تجدوا ورق تواليت أو معقم يدين، من هنا سوف ينتابكم الشعور بأنكم محظوظون لامتلاككم بعض ضروريات الحياة.

واللافت أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات عالية من الامتنان عادة ما يملكون قدراً كبيراً من الرضا عن الحياة، وباتت الرفاهية الجمعية تحل محل الإيديولوجيات الفردية والأنانية، ربما ستجدون أنفسكم في الكثير من الأحيان تختارون دعم القضايا العامة، مثل التطوّع أو التبرّع بالأعضاء، في حين لم يكن هذا الخيار مطروحاً في السابق.

إدراك معنى الاستثنائية والتميز: إذا كنت تقرؤون هذا المقال فهذا يعني أنكم تملكون هاتفاً ذكياً أو كمبيوتر وخدمة إنترنت، وسواء أدركتم ذلك أم لا، أنتم أفضل حالاً من الغالبية العظمى من البشر الذين هم أقل حظاً، وربما لا يعلمون إذا كانوا سيجدون طعاماً يأكلونه أو مكاناً ينامون فيه.

ربما ستدركون أن الاستثناء والتميز ليسا متعلقين فقط بالعمل الجاد أو التضحيات التي قدمتموها أو ما حققتموه، لكن الأمر يتعلق بقدرتكم على ممارسة حياتكم اليومية دون الحاجة للتفكير في سلامتكم الجسدية والنفسية.

تلاشي الاختلافات الفردية: عندما يكون لدينا عدو مشترك فإننا نميل إلى تعزيز الروابط مع الأشخاص من حولنا، حتى أكثر الشركاء أو الأزواج خلافاً باتوا يتفقون على ضرورة العمل معاً للتغلب على هذا الفيروس الخطير، والذي جعلنا ندرك أنه لا يبالي بلوننا ولا يهتم بعمرنا أو بمستوى تعليمنا، ولن يفرق بين مسجون أو مشرد أو شخص مشهور يعيش في قصر.

من خلال كورونا، تعلمنا أننا جميعاً على نفس القدر من الضعف، وأننا متشابهون بشكل جوهري رغم الاختلافات السطحية التي نبدو عليها.

باختصار، يتحد العالم كله اليوم ضد عدو مشترك وهو فيروس كورونا الذي يغيّرنا ويغيّر المجتمع من حولنا، لذا من الضروري أن تصبح الإيديولوجيات السياسية والآراء الشخصية ثانوية للتغلب على العقبات الحالية.

لقد حان الوقت لأن ندرك أن معتقداتنا ستتغير وأن المعركة ضد فيروس كورونا ستغيرنا للأفضل. هل تعرفون ما يفتقده الأشخاص الذين يهرعون الى المتاجر عند الأزمات ويخزنون في بيوتهم ورق التواليت ومعقم اليدين وغيرها من الأغراض…؟ إنهم ينسون أن الحياة هي هبة، وأن كل ما لدينا في الحياة هو نعمة، بدءاً من عائلاتنا، أطفالنا، بيوتنا أو وظائفنا… قد ننسى هذه الأمور في خضم صخب الحياة، إلا أن شبح كورونا استطاع أن يقلب حياتنا رأساً على عقب، بحيث أنه أوقف عجلة الحياة، أجبرنا على البقاء في المنزل وجعلنا نفكر بأدق التفاصيل الموجودة في حياتنا.

——————————

“جنود الربّ المجهولين”… يوميات أطباء وطبيبات من سوريا مع كورونا/ رنيم غسان خلوف

في السادس من آذار / مارس 2020،  تغزّل الطبيب علي نصر عبد الله، بغروب الشمس في بيروت، وكتب على صفحته الشخصية بالحرف: “لا يوجد غروب جميل… فهو ينسحب ويختفي معلناً الرحيل، وتاركاً للذاكرة الكثير من الكركبة”، ربما لم يكن يدري الطبيب المناوب في مشفى “دمشق المجتهد”، أن هذا الرحيل الذي كتب عنه في بيروت، سيتحول لرحيل قسري عن دمشق التي تغزل بها بعد يومين من بيروت، وكتب” الزهر ع خدودك صلاة”، ولم يكن يدري أيضاً أن ذاكرة السوريين ستحمل الكثير من “الكركبة” مقارنة بحرب استنزفت طاقتهم ولم تخرجهم من الشوارع، وخطر فيروس جرهم إلى بيوتهم قسراً من كل الشوارع السورية.

يجر فيروس العصر، كورونا، أحداثاً متسلسلة مع أطباء وطبيبات مناوبين/ات يعاصرون/ يعاصرن كورونا في مشافي دمشق، وتُجر حياة أطباء وطبيبات بين المواقف الصعبة والمرحة، كما وتمر حياتهم بين جدران المستشفيات والمعقمات والفيروس.

ما قبل كورونا ليس كما بعده

قبل بداية شهر شباط/ فبراير 2020، كانت كل منظومات الصحة في العالم، تعيش أكبر همومها في مواجهة مع مرض السرطان، لكن فيما بعد، غيّر فيروس كورونا مسار الكوكب بأكمله، وباتت المواجهات أصعب، ولربما السرطان أصبح أسهل من كورونا، كان الأطباء، وخصوصاً في قسم الإسعاف، يعيشون حياتهم اليومية الروتينية، مثلاً: مواجهة حوادث السير في طرقات المدينة، ربما نوبة قلبية لشاب أنهكته الحرب، أو حالة صحية لعجوز يلفظ أنفس الحياة الأخيرة، على حد تعبير الأطباء الذين التقاهم رصيف22 وأجمعوا على ذلك.

وقد أشار الأطباء أن ما قبل كورونا ليس كما بعده، حيث أشار الدكتور محمد الشرع، وهو طبيب مناوب في قسم الإسعاف بمشفى المجتهد بدمشق، منذ بداية الإعلان عن أول حالة في سوريا، تغير التعاطي مع الأمور كلياً.

ويضيف: “تدربنا على البروتوكولات العالمية للتعامل مع المرضى المصابين، وأصبحنا نعتقد أنّ أي حالة تدخل المشفى من المرجح أن تكون حاملة للفيروس، حيث أعلنت وزارة الصحة السورية حالة الطوارئ، وتم تخصيص قسم للعزل الطبي في كل مشفى من المشافي، وبعد الإعلان عن الحالات، تم تخصيص أكثر من قسم في المشافي، ومؤخراً تم الإعلان عن مشفى الزبداني ليكون كاملاً مجهزاً للعزل الصحي”.

وتابع الدكتور محمد معقباً على بروتوكول التعامل، أنه للشك بالمريض، يفترض أن يكون قادماً من مناطق موبوءة، وبالتالي إذا كان لديه حرارة، سعال أو ضيق نفس، وكل واحدة تأخذ نقطتين أو نقطة، وبناء عليها يتم تقييم الحالة. بينما أشارت الدكتورة ليلى سلوم، أنه قبل أن يتم الإعلان عن الحالات، كان لديها قناعة أنه لطالما هو فيروس موجود بكل دول العالم فهو أكيد موجود بسوريا، ونصحت كل الأطباء، حتى قبل الإعلان عن أول حالة، أن يتعاملوا مع أي مريض على أنه مصاب كورونا، وإذا مرض الكادر الطبي “بيكون على الدنيا السلام”، وتشير الدكتورة ليلى أن هذا الفيروس ليس آخر الأوبئة وهي ليست خائفة، إنما قلقة كون الناس حتى اللحظة لم تلتزم بالإجراءات الاحترازية بشكل كامل.

بين الحلو والمرّ

“أصعب شعور في قسم الإسعاف، عندما ترى عيون المريض وعيون مرافقيه بعد اتخاذنا قرار إدخاله (قسم العزل) في المشفى، وأجمل شعور عندما تدمع ذات العيون بعد أن تأتي نتيجة الفحص سلبية”، هذا أحد المواقف التي يمر بها الطبيب علي نصر عبد الله، وغيره من الأطباء يومياً في زمن كورونا، ربما يمرون به بفترات متقطعة عند مقابلة مرضى مصابين بالسرطان، لكن تحول إلى مشهد يومي، يحمل بين طياته خوفاً ورعباً على حياة مرضاهم وحياتهم، و منذ بداية الشهر الجاري، عندما لوّح خطر الفيروس الجديد في أفق سوريا، بدأت حكاياتهم الجديدة بحلوها ومُرّها، التي يرويها بعض الأطباء المناوبين في المشافي والمستشفيات لرصيف22.

من قلب الحدث

الدكتور طارق العبد، وهو طبيب أورام، يناوب في مشافي دمشق بقسم الإسعاف، يتحدث لرصيف22 عن أصعب المواقف التي يمر بها يومياً، ويقول: “قبل كورونا كان الكل ينظر للأطباء على أنهم شريحة تمارس عملها فقط، لكن بعد الفيروس بات كل التركيز علينا، أسئلة في المشافي، وأسئلة في المنزل ومن الأصدقاء، سواء كنا مختصين أو غير مختصين”.

وبالتالي هذه الحالة خلقت نوعاً من الضغط على الأطباء. يتحدث الطبيب طارق العبد، عن أصعب المواقف التي مرّ بها: أتى إليهم مريض تم الاشتباه بإصابته بكورونا، وتم عزله، وكان من الأطباء المشرفين على التعامل معه ومراقبته، وعندما عرفت والدة الطبيب ذلك منعته من الجلوس معهم على طاولة الطعام.

هل تمتلك الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا القدرة على التعامل مع كورونا؟

“يا الله، شبك؟ ما خلصنا من القذائف؟”.. أطفال وأهالي من سوريا في مواجهة الكورونا

في دمشق… كأن الموت الواضح أسهل من موت مجهول المصدر والشكل

ويضيف: “كل يوم نتحدث مع بعضنا كيف يجب أن نتعامل مع أهلنا نحن الأطباء، رغم أنه لم تظهر علينا أي علامات حتى اللحظة”، يتفق قلق أهل الدكتور طارق العبد مع القلق الشخصي للدكتورة ليلى التي ترفض زيارة أهلها خوفاً أن تكون حاملة للفيروس، كونها على تماس مباشر مع المرضى، ربما أصعب المواجهات للطبيب طارق كانت مع عائلته.

بينما كانت مواجهة زينب العاصي، وهي طالبة طب سنة سادسة، وضعت نفسها تحت تصرف المركز الصحي في المنطقة التي تسكن بها، مع مديرة المركز التي استغربت اتخاذ زينب للإجراءات الوقائية من كفوف وكمّامة، والمواجهة الأخرى مع محيطها الذي بات مصاباً بوسواس كورونا… فكل من أصابه الزكام يريد أن يجري تحليل لكورونا.

بينما يشير الدكتور علي عبد الله أن أصعب المواقف تتمثل بقدوم مريض مصاب بزكام شديد ولا يضع كمامة ويعطس بوجهك، وأصعب موقف أيضاً عندما تحاول إقناع أهل مصاب، أو شخص مشتبه بإصابته، أنه دخل الحجر ولا يستطيعون أن يروه إلا بعد نتيجة التحليل أو الشفاء.

بينما تشير الدكتورة ياني حاج حسن، وهي طبيبة في مشفى دمشق، تستقبل الناس في الإسعاف، أنه يوجد شريحة من الناس أصبحت تخاف من التعامل مع الأطباء، لكنها تضيف أن المرحلة القادمة تفرض أن نتعامل مع الظروف بلحظيتها مهما كان رأي الناس فينا، ومن حقهم أن يخافوا.

الجنود المجهولون في العالم

مع لحظة كتابة هذا التقرير، زادت الحالات التي صرحت بها الحكومة السورية لعدد المصابين بوباء كورونا، حيث بلغت 10 حالات، اثنين منهما فارقتا الحياة، حيث توفيت سيدة عند وصولها قسم الإسعاف في أحد مشافي العاصمة، ليتبين فيما بعد أنها مصابة بكورونا، وفي 30 آذار/مارس 2020، أعلنت وزارة الصحة السورية عن وفاة حالة ثانية، لكن الوقع كان أخفّ من وفاة الحالة الأولى، ربما تهيأ الناس نفسياً من بداية اجتياح الفيروس، وبين كل هذه الحالات طبيب يعلق مصولاً وريدية، وآخر يضع أوكسجين على وجه مريض بفيروس العصر، وآخر يسدل الستارة الأخيرة على وجه مريض خنقه كوفيد 19… وهذه كانت بعض حكايا أطباء في زمن كورونا، في دفاتر ذكرياتهم سيبقى الكثير من هذه القصص طي الكتمان، سيخبرون دمشق يوماً بعد أن يفك القدر حظر التجوال عنها، أنهم كانوا حراس فجر في زمن الفيروس وجنود الرب المجهولين.

—————————–

=================================

================================

تحديث 03 نيسان 2020

———————————-

ارتفاع إصابات كورونا في سورية وعزل “السيدة زينب”/ عبد الرحمن خضر

أعلنت وزارة الصحة، التابعة للنظام السوري، مساء الخميس، ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد إلى 16، بينها حالتا وفاة، بعد تسجيل ستّ إصابات جديدة. فيما قرّر النظام عزل منطقة “السيدة زينب” قرب العاصمة دمشق.

ونقلت فضائيّة “سما”، المقرّبة من النظام، أنّه تمّ فرض الحجر الصحي على بناء في شارع الحرامات بمنطقة “السيدة زينب”، بريف دمشق، بعد الاشتباه بوجود مصاب فيه. فيما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، أنّه تمّ عزل منطقة “السيدة زينب”، في إطار الإجراءات المتّخذة لتقييد الحركة في المناطق ذات الكثافة السكانيّة العالية، حفاظاً على السلامة العامة.

وتقع المنطقة الجديدة المعزولة جنوبي دمشق، وتنتشر فيها العديد من المليشيات الإيرانية والعراقية ومجموعات من “حزب الله” اللبناني، كما تكثر فيها المزارات الخاصة بالطائفة الشيعية.

وأعلن وزير الصحة، نزار يازجي، الأربعاء، فرض الحجر على بلدة منين، في ريف دمشق، بعد وفاة امرأة جرّاء إصابتها بفيروس كورونا.

وفي السياق، قرّر الفريق المشكّل من قبل النظام والمعني باستراتيجية التصدي لوباء كورونا، فرض حظر التجوّل، في جميع أنحاء سورية، يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، من الساعة الـ 12 ظهراً حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، وذلك اعتباراً من تاريخ اليوم وحتى إشعار آخر.

وشدّدت الوزارة، في تعميم أصدرته اليوم الجمعة، على ضرورة تكثيف الدوريات، خلال سريان حظر التجوّل، لضمان التزام المواطنين به، إضافة إلى توجيه القوات المكلّفة ضمان حظر التجوّل، بتوقيف المخالفين، وتسليمهم للشرطة، لتتمّ إحالتهم إلى القضاء المختصّ.

ولم تسجّل أية حالة إصابة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو الإدارة الذاتية “الكردية”، فيما شكّك “المرصد السوري” بأرقام الإصابات بالفيروس التي أعلن عنها النظام، وتحدّث عن وجود أكثر من 300 حالة في الحجر الصحّي في كل من دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة ودرعا، نتائج تحليل فيروس كورونا لـ 109 منهم كانت سلبيّة.

بدوره، حذّر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، من مخاطر استمرار النظام بسياسة إنكار الأعداد الحقيقية للإصابات في البلاد، مؤكداً أنّ هذه السياسة التي يتبعها النظام منذ عقود، ستقود البلاد إلى الهلاك.

وطالب “الائتلاف الوطني” في بيان له، المجتمع الدولي بممارسة الضغط على النظام للكشف عن الأرقام الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا، وإخراج المعتقلين المكدّسين في معتقلاته، وأقبية فروعه الأمنية، الذين اعتبر أنهم “أمام خطر إبادة جماعية بعدوى كورونا”.

العربي الجديد

————————————

كورونا سوريا: تزوير تصريحات منظمة الصحة العالمية!

لا يكتفي إعلام النظام السوري والإعلام الحليف له، بنشر المعلومات المضللة واعتماد سياسات التعتيم الإعلامي بشأن مختلف الأزمات التي تعيشها البلاد منذ سنوات، بل يدعّم ذلك بتأليف وتزييف الأنباء. ومثلما هو متوقع، لم يتم التعامل مع أزمة فيروس كورونا بشكل مختلف، حيث قامت قناة “العالم” الإيرانية باختلاق تصريحات حول التعامل الإيجابي من قبل حكومة النظام مع الأزمة، ونسبتها للجنة تابعة لمنظمة الصحة العالمية.

غير أن اللجنة التي تحمل اسم “لجنة التنسيق التابعة لمنظمة الصحة العالمية”، لا وجود لها على الإطلاق. وأوضحت منظمة الصحة العالمية في تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر” أن اللجنة مختلقة، وأن كافة التصريحات المنسوبة لها عارية عن الصحة.

    تؤكد #منظمةالصحةالعالمية أنه

    لا صحة لما تتداوله بعض وسائط التواصل الإجتماعي في #سورية حول “التوقع بإعلان سورية بلداً ناجياً من وباء #كوفيد19 خلال فترة 21 يوم”

    كما تؤكد أنه لا وجود لما يسمى بـ ” لجنة التنسيق التابعة لمنظمة الصحة العالمية” . pic.twitter.com/8U1mXQn1mL

    — WHO Syria (@WHOSyria) April 2, 2020

ورغم أن المنظمة العالمية لم تسمِّ القناة الإيرانية مباشرة، إلا أن المنشورات التي تحدثت عن اللجنة المزعومة في مواقع التواصل الاجتماعي أشارت للقناة كمصدر لـ”المعلومة”، كما أن الخبر نفسه الذي نشرته القناة مازال موجوداً عبر موقعها الإلكتروني، كما تحدث ناشطون معارضون عن التزييف الذي قامت به القناة، على نطاق واسع.

ويقول الخبر الكاذب: “أبلغت لجنة التنسيق التابعة لمنظمة الصحة العالمية بعد إجراء دراسة لمنحني انتشار فيروس كورونا في سوريا وحصر عدد الاصابات بعشرة حالات فقط، أبلغت الجانب السوري أن المتوقع وفق منحنيات انتشار الحالات المسجلة لديها عالمياً هو استبعاد أي انفجار أفقي للفيروس في سوريا وتتوقع فترة لا تتجاوز 21 يوماً لإعلان سوريا بلداً ناجياً من انتشار وباء فيروس كورونا”.

بعكس ذلك، أكدت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أن واقع الإصابات بفيروس كورونا في سوريا يمثل بداية منحنى تصاعدي. كما أعربت المنظمة في 20 آذار/مارس الماضي عن قلقها من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المبلغ عنها في سوريا واليمن، متوقعة حدوث انفجار في الحالات في تلك الدول.

وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، الخميس، عن تسجيل 6 إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد، ليرتفع عدد الحالات المسجلة إلى 16 توفي منهم شخصان، فيما تشير مصادر إعلامية إلى تكتم كبير من حكومة النظام حول إعلان الرقم الحقيقي لأعداد المصابين.

————————————-

كورونا سوريا:النظام يعزل منطقة السيدة زينب

أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، عن تسجيل 6 إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد ليرتفع العدد إلى 16 إصابة منها حالتا وفاة. ولم تكشف الوزارة عن تفاصيل الإصابات أو أماكن تواجدها.

وأقر الفريق الحكومي المعني باستراتيجية التصدي لوباء كورونا آلية عزل تدريجية لمناطق التجمعات السكانية المكتظة في مناطق النظام، وقررعزل منطقة السيدة زينب في محافظة ريف دمشق.

وأعلن رئيس بلدية السيدة زينب غسان حاجي أنه تم “تطبيق الحجر  الصحي الاحترازي على بناء في المدينة”. وقال إأن”عملية الحجر تمت بناء على توجيهات من مديرية صحة ريف دمشق”.

ووفقاً لحاجي فإن عدد سكان البناء الذي تم حجر سكانه يصل إلى 50 شخصاً، مشيراً إلى أن “صحة الريف لم تبين أسباب الحجر” متوقعاً أن “تكون نتيجة لمخالطة حالة أو بانتظار صدور النتائج”. وذكر أن”عملية الحجر تتضمن منع الدخول والخروج إلى البناء والشقق بانتظار بيان الأسباب”.

وقرر الفريق منع تجوال المواطنين في جميع أنحاء سوريا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع من الساعة ال12 ظهراً حتى الساعة ال6 من صباح اليوم التالي اعتباراً من  الليلة وحتى إشعار آخر.

وأصدرت وزارة الداخلية في حكومة النظام تعميماً حول تنفيذ هذا الحظر لفتت فيه إلى أن”عملية حظر التجوال ينفذها عسكريو قوى الأمن الداخلي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية والحواجز العسكرية والأمنية المقامة على الطرقات ضمن قطاعات المسؤولية بالتنسيق مع قادة شرطة المحافظات”.

وشددت الوزارة في تعميمها على “ضرورة تكثيف الدوريات على مدار الساعة خلال سريان حظر التجوال لضمان حسن التزام المواطنين بتدابير الحظر إضافة إلى توجيه القوات القائمة على موضوع حظر التجوال إلى توقيف المخالفين لإجراء الحظر وتسليمهم للوحدات الشرطية لتتم إحالتهم إلى القضاء المختص أصولاً”.

كما قرر الفريق الحكومي إيقاف تصدير مواد البقوليات والألبان والأجبان والبيض والكلور وماء الجافيل لمدة شهر لتوفير حاجة السوق المحلية منها وتخفيض أسعارها والسماح للمؤسسة السورية للتجارة بإستيراد العجول بقصد التسمين والذبح بهدف تأمين الكميات الكافية من مادة اللحوم الحمراء في صالاتها بأسعار مدعومة.

في المقابل كشف “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن “أعداد الحالات التي وضعت في الحجر الصحي وصلت إلى نحو 300 شخص متواجدين في كل من دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة ودرعا”.

وأضاف أن  نتائج 109 منهم كانت سلبية وجرى إخراجهم، بينما تم تأكيد إصابة 28 شخص بفيروس كورونا المستجد، توفي منهم 3 نساء حتى اللحظة، هن ممرضة في طرطوس ومواطنة وقريبة لها في دمشق، وسط معلومات عن مفارقة أشخاص آخرين للحياة.

————————————–

هدنة إدلب والقلق من انتشار «كورونا» في «الهشيم السوري»/ إبراهيم حميدي

سجل الشهر الماضي أدنى حصيلة للقتلى في سوريا منذ 9 سنوات. «فقط 103» مدنيين قُتلوا، نصفهم جراء القصف والغارات. أما الباقون، فقتلوا بانفجارات وألغام واغتيالات.

لا يعود انخفاض عدد القتلى (وهو ليس قليلاً في معايير دول أخرى)، إلى نصف عدد ضحايا فبراير (شباط)، إلى وجود قرار ذاتي صرف بوقف البحث عن «انتصار عسكري» بقدر ما هو القلق من «انتشار نار (كورونا) في الهشيم السوري». ويمكن الحديث عن ستة أسباب متداخلة:

الأول، الهدنة التي أبرمها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في موسكو، 5 مارس (آذار) الماضي. الهدنة جمدت هجوماً عسكرياً واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مناطق في إدلب في شمال غربي البلاد، تسبب بنزوح نحو مليون شخص منذ ديسمبر (كانون الأول)، هرباً من التصعيد، ما زاد الضغط على المخيمات المكتظة أساساً بعائلات أجبرت على الفرار جراء موجات عنف سابقة.

تضمن الاتفاق إقامة منطقة أمنية على جانبي طريق حلب – اللاذقية تمهيداً لتشغيله، وتسير دوريات روسية – تركية. لم يكن تنفيذ ذلك سهلاً، كما كان متوقعاً، إذ إن الدوريات قوبلت باحتجاجات محلية، فاضطرت تركيا إلى تسيير دوريات منفردة على الطريق الدولي.

ردّت دمشق على ذلك بالتلويح بشن عملية عسكرية، بسبب عدم التزام تركيا بتنفيذ تعهداتها، الأمر الذي لم يُقابَل بارتياح في «الكرملين».

الثاني، التدخل الروسي، إذ إن الرئيس بوتين أوفد وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى دمشق، بعد أسبوع من اتفاق موسكو. الرسالة الروسية إلى القيادة السورية، هي ضرورة التزامها الاتفاق وعدم شن عمليات عسكرية في إدلب، ذلك أن موسكو تريد إعطاء وقت إضافي إلى أنقرة، كي تنفذ ما يخصها من تعهدات. أيضاً، بالنسبة إلى بوتين، فإن العلاقة مع تركيا هي أوسع وأهمّ من تفاصيل إدلب، على الأقل في الوقت الراهن، دون أن يعني ذلك عدم الاستمرار في ممارسة الضغوط على إردوغان.

الثالث، الدعوة الأممية لوقف النار، إذ إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجّه نداء عالمياً لـ«وقف نار شامل» في جبهات الصراع، أعقبه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن بدعوة الأطراف السورية إلى هدنة شاملة وفورية، بهدف التفرُّغ إلى العدو المشترك المتمثل بـ«وباء كورونا»، مع تحذيرات من مخاطر الأعمال العسكرية في إدلب المكتظة، بأكثر من 3.5 مليون مدني.

الرابع، فيروس «كورونا»، ذلك أن الخوف المضمر والمعلن من هذا الوباء، لأن سوريا «عرضة أكثر من غيرها بكثير لأضراره»، دفع الأطراف المحلية والخارجية إلى إعطاء أولوية لمحاربته في الوقت الراهن. صحيح، أن بعض القوى الخارجية تحاول الإفادة من الهدنة الحالية لتعزيز مواقعها العسكرية ذلك أن التعزيزات السورية والتركية والإيرانية لا تزال مستمرة إلى الجبهات، لكنها في الوقت نفسه مشغولة بقلق قاعدتها الشعبية من «وباء كورونا». في هذا السياق، كان لافتا أن إحدى «رسائل» شويغو إلى دمشق، كانت ضرورة التعاطي بجدية وشفافية مع «كورونا»، لذلك لم تكن صدفة أن يوزع مكتبه فيديو له، وهو يقوم بإجراء اختبارات الكشف عن الفيروس في طائرته خلال العودة إلى موسكو.

الخامس، «منع الاحتكاك»، ذلك أن روسيا وأميركا لا تزالان ملتزمتين باتفاق عسكري بينهما يمنع الصدام بين جيشيهما في شرق الفرات، الأمر الذي لاحظه بيدرسن. وقال في مجلس الأمن قبل أيام: «أقدر أيضاً أن الترتيبات المتفق عليها بين الأطراف الرئيسية في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، إضافة إلى الأطراف السورية ما زالت تُطبّق بشكل عام».

سادساً، القوى المحلية، اتخذت القوى المحلية في «مناطق النفوذ» الثلاث، مناطق الحكومة وفصائل إدلب والإدارة الكردية، مبادرات لحظر التجول وتقييد الحركة وتجميد خطوط التماس تحسباً لتفشي «كورونا». وكان لافتاً أن بيدرسن نوّه بدور القوى المتحكمة بالأرض، إذ قال في مجلس الأمن: «اتخذت الحكومة السورية عدداً من الإجراءات المهمة لمواجهة الفيروس. في الوقت ذاته، قام الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية والسلطات المتحكمة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة باتخاذ خطوات أيضاً. إنني أسجل هذه الجهود وأحث الحكومة والسلطات المتحكمة على اعتماد الشفافية في نقل المعلومات حول كيفية تأثير الفيروس على جميع السوريين». غير أنه بالتوازي مع هذا الهدوء والانخفاض في عدد القتلى، لا يزال هناك قلق من انفجار، لذلك فإن التحذيرات والضغوط مستمرة للحفاظ على وقف النار، لاعتقاد مسؤولين أممين أن «تجدُّد العنف سينتشر الفيروس كالنار في الهشيم، بما لذلك من تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية كارثية على الشعب السوري، ويمكن أن يكون لذلك ارتدادات عبر الحدود الدولية».

——————————

كورونا وسكان الخيام/ بشير البكر

تبدو قريبةً من الترف دعوة سكان الخيام، من المهجّرين السوريين، كي يلتزموا بالإجراءات الاحترازية في مواجهة كورونا. جميل جدا أن نشدّد على ساكن الخيمة احترام التعليمات لجهة العزل الاجتماعي وما شابه ذلك، وأن نشرح له عملية قتل الفيروس من خلال رغوة الصابون والمطهرات الكحولية والكلور. ولكن هؤلاء الناس الذين يطفون على رغوة الحياة ليس لديهم الإمكانات من أجل تنفيذ الحد الأدنى من الإرشادات، طالما أنهم يعيشون في ظروفٍ غير ملائمة من النواحي كلها.

يتوجب على كل قادر أو معني أن يسلط الضوء على المحنة التي يواجهها أكثر من مليون سوري، يعيشون في أكثر من ألف مخيم، تفتقر للحد الأدنى من الشروط، مثل الصرف الصحي والماء النظيف والطعام، وخصوصا حليب الأطفال والأدوية الضرورية. وتقع مهمة إعلان حالة الطوارئ على منظمة الصحة العالمية التي قامت حتى الآن بخطوات رمزية، لا يمكن أن تدرأ الخطر في حال وصول الوباء إلى أيٍّ من هذه المخيمات. ويقتصر تحرّك المنظمة حتى الآن على تزويد محافظة إدلب بأجهزة فحص لا تسد حاجة المنطقة، لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة. ويكمن الخطر الرئيسي في أمرين: انهيار البنى الصحية، وكثرة المخيمات العشوائية. والأمران مترابطان، كونهما من فعل روسيا والنظام السوري وإيران. وصار معروفا، من خلال تحقيقات صحافية على قدر كبير من الحرفية، أنجزتها صحيفة نيويورك تايمز الصيف الماضي، أن روسيا تعمّدت تدمير المشافي وكل المرافق الحيوية في المنطقة الممتدة من ريف حماة، وصولا إلى ريف حلب ومحافظة إدلب، ونجمت عن هذه الممارسات التي ترقى إلى جرائم الحرب حركة هجرة كبيرة انتشرت في حوالي ألف مخيم عشوائي، يسكنها أكثر من مليون شخص، يعيشون في شروط مزرية.

رائعٌ أن تسارع منظمة الصحة العالمية لتدبير أجهزة فحص كورونا، ولكن كل ما يلزم لمواجهة الوباء في حال وصوله غير متوفر، من مستلزمات الحجر الصحي، وحتى العلاج في المشافي التي تفتقد الأسرّة الخاصة باستتقبال مصابي كورونا. وتعد الدعوات المتكرّرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على مدى الأيام الماضية من أجل وقف الحرب وتحقيق هدن إنسانية، المدخل الفعلي لحماية المخيمات العشوائية، ولكن الهدنة التي لا ترتبط بإجراءات فورية تسمح للمهجرين بالعودة إلى بيوتهم، تبقى ناقصة، وبعيدة عن جوهر المشكلة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عودة المهجّرين إلى بيوتهم يجب أن تشمل كل مناطق اللجوء السوري في لبنان والأردن والعراق ومخيم الركبان المنسي في قلب الصحراء، والذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة بقرار روسي.

ومن دون الذهاب إلى مربط الفرس لا معنى لكل كلام. والمقصود هنا تحميل روسيا المسؤولية التامة عن حياة السوريين، بوصفها دولة الوصاية على سورية، وهذا لا يعفي إيران ونظام بشار الأسد. واللافت أن روسيا حمّلت الولايات المتحدة المسؤولية عن منطقة شرق سورية، من دون أن تبدأ بنفسها، الأمر الذي يحتّم على الهيئات التمثيلية السورية التحرّك دوليا من أجل الضغط على موسكو.

عند وصول الفيروس إلى مخيم من المخيمات المنتشرة في محافظة إدلب، فهو سوف يتمدّد على كامل المساحة الجغرافية التي يعيش عليها قرابة أربعة ملايين سوري، لأن الوباء لا يعرف الحدود. وبالتالي، سوف يضرب منطقة الشرق الأوسط كاملة، مثلما توقع الكاتب ستيفان كوك في مجلة فورين بوليسي، والذي كتب مقالا معبرا تحت عنوان “انتقام سورية من العالم سيأتي عبر موجة من فيروس كورونا”. وهو إذ عرض المسألة من جانبها الصحي الكارثي، فإنه ربطها بأسبابها التي سماها بربرية الأسد وحماته الروس والايرانيين، والتي لا تستحق اسما أقل من الإبادة.

جميع حقوق النشر محفوظة 2020

العربي الجديد

————————————-

المعتقلون السوريون في زمن الكورونا/ حسن النيفي

قدّم السيد غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، في الثلاثين من آذار الفائت، إحاطةً مكثفة يوضّح فيها تصوّراته للراهن السوري حيال الخطر الذي باتت تجسّده الجائحة العالمية المتمثلة بانتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، إذ أكّد بيدرسون من خلال تلك الإحاطة على جملة من الأمور، لعلّ أبرزها هو ازدواجية الخطر الذي بات يواجهه السوريون، ويعني بذلك العنف الذي تحمله الحرب، موازاة بالخطر الذي يحمله الوباء الكوروني، كما ألمح إلى ضرورة إيجاد وقف مستدام لإطلاق النار، ليتسنى للجميع مواجهة الوباء، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الهدوء الذي يسود الجبهات في الوقت الراهن، والذي كان نتيجة للتفاهمات الروسية التركية في الخامس من آذار الماضي، ما هو إلّا هدوء حذر، وقابل للانفجار في أية لحظة، لأن التحديات التي تحول دون تفاهم كامل ومستدام مازالت ترمي بثقلها على الأطراف المتنازعة. إلّا أن المسألة الأهم التي يمكن الوقوف عندها في إحاطة السيد بيدرسون، هي قضية المعتقلين والمعتقلات في السجون.

لقد أشار بيدرسون في الفقرة (16) من إحاطته إلى التحديات التي يحملها وباء كورونا إلى المعتقلين في السجون السورية، ذاكراً في الوقت ذاته، مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد بتاريخ ( 22 – آذار 2020 ) الذي يتضمن عفواً عن عددٍ من مرتكبي الجرائم – مخدرات – قتل – سرقة إلخ، مستثنياً – كما هو مُتوقَّع – معتقلي ومعتقلات الرأي، وأي معتقل آخر دخل السجن بسبب موقفه المناهض لنظام الحكم.

لعلّ السقطة الأخلاقية الكبيرة التي لا ينفرد فيها السيد بيدرسون وحده، بل يشاطره بها المجتمع الدولي ممثَّلاً بهيئاته الرسمية، هي أنهم جميعاً ما يزالون يخاطبون رأس النظام، باعتباره ممثلاً شرعياً للسوريين، علماً أنهم يدركون أن هذه الشرعية المزعومة لا يستمدّها رأس النظام من خلال التزامه الفعلي بالمعايير التي تضمنتها اللوائح العالمية لحقوق الإنسان، ولا من خلال احترامه للعهود والمواثيق الدولية الناظمة لسلوك الدول والبلدان، وكذلك لا يستمد هذه الشرعية من ولاء شعبي يجسّد حالة من الوفاق الوطني بين السلطة والشعب، بل ما هو مؤكَّد، أن الجميع بات مدرِكاً – بعد مضي تسع سنوات – أن بشار الأسد لا يستمدّ شرعيته سوى من قدرته على الاستمرار في قتل السوريين، ولم يدّخر لهذه الغاية أيّ وسيلة من وسائل الدمار، بما في ذلك الأسلحة المحرّمة دولياً، ولم يكن أسلوب الاعتقال، سوى أحد الأساليب الذي لا يقلّ وحشية عن سواه، كوسيلة ضامنة للبقاء في السلطة.

ولعلّ الذي لا يريد المجتمع الدولي الوقوف عنده، ويصرّ على تجاهله، وكذلك السيد بيدرسون، هو أن قضية الاعتقال السياسي، بالنسبة إلى نظام الأسد (الأب والابن معاً)، هي ليست إجراءً وقائياً تمارسه السلطة حيال خصومها السياسيين، وفقاً لما تمليه الأعراف الدستورية والقانونية والإنسانية، بل هي عملية انتقام يمارسها حاكم متوحّش لم يرَ فيمن خالفه الرأيَ أو شقّ عصا الطاعة سوى عدوٍّ يجب الإجهاز عليه والتخلص منه، دون أيّ اعتبار لرادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني، ولا أعتقد أن المجتمع الدولي، بات بحاجة إلى ما يؤكّد جرائم نظام الأسد بحق المعتقلين والمعتقلات السوريات، حيال التوثيقات الدامغة التي وثّقتها هيئات عالمية ومحلية مختصة، لعل أبرزها ما وثقه المصوّر ( قيصر)، فضلاً عما وثقته المنظمات الإنسانية الأخرى.

إن خشية السيد بيدرسون من تسلل فيروس كورونا إلى السجون السورية، ربما تصبح أشبه ب ( النكتة) إذا ما علم أن نظام الأسد يرى في تسلل كورونا فرصة مناسبة للتخلص من ضحاياه، ألم يعمد نظام الأسد في ربيع عام 2019 إلى إبلاغ دوائر السجل المدني في المدن والبلدات السورية بقوائم تتضمن أسماء الآلاف من المعتقلين، زاعماً أنهم قد ماتوا داخل السجون ميتةً طبيعية، تعود في معظم حالاتها إلى أزمات قلبية أو قصور كلوي أو جلطة دماغية إلخ، فما الذي يمنع نظام الأسد – والحال كذلك – من الإجهاز على آلاف أخرى من المعتقلين والمعتقلات داخل سجونه، تحت غطاء وباء كورونا؟ ألا تتيح هذه الجائحة الوبائية ذريعة جديدة وغطاء إضافياً للمضيّ في إجرامه؟ وذلك في ظل الظروف الجهنمية التي يعيشها المعتقلون داخل السجون، والتي تكاد تكون كافية للموت دون الحاجة إلى كورونا، بل لعله ليس ضرباً من المبالغة إن اعتقدنا أن الموت بتأثير كورونا، يكاد يكون أرحم بكثير من الموت تحت وسائل التعذيب الفظيعة التي يمارسها الجلادون في سجون الأسد، وهل من يقوم بإلقاء جثث المعتقلين في أحواض (الأسيد) في سجن صيدنايا، أو مَن يقوم بفقء عيونهم وهم أحياء، سيكون رحيماً أو مشفقاً عليهم من فيروس كورونا؟.

لعل السيد بيدرسون قادر على إعفاء نفسه من أية مسؤولية إنسانية حيال قضية المعتقلين السوريين، بزعمه أنه ليس (فاعل خير) وفق التعبير الشعبي، لذا علينا ألّا نتوقع أن شكاوانا ومواجعنا سيكون لها مساحة في أجندته، ولكنه وسيط دولي يعمل على مراقبة تنفيذ قرارات صادرة عن أعلى هيئة دولية (الأمم المتحدة)، إلّا أن هذا الأمر بالذات، ما يجعله أكثر عرضةً للانتقاد، بل لسخط معظم السوريين، ذلك أن قضية المعتقلين لم تكن بعيدة عما صدر من قرارات أممية، فالقرار ( 2254 لعام 2015 ) يؤكّد بوضوح في بنوده ( 12 – 13 – 14 ) على أن قضية المعتقلين ملزمة التنفيذ، كإجراءات حسن نية، فضلاً عن كونها فوق تفاوضية، وبناء عليه، كان على السيد بيدرسون أن يؤكد، ليس في إحاطته الأخيرة فحسب، بل في جميع تقاريره السابقة، على عدم انصياع نظام الأسد وتنفيذه للبنود ذات المنحى الإنساني، كمقدمة تمهّد للشروع في مفاوضات سياسية، أما مناشداته الخجولة واستجداؤه لنظام الأسد، بعبارات تنزع نحو المواربة والتعميم غير المبرَّر، فما هي إلّا مجاراة حيناً، وتماهٍ تام أحياناً أخرى، مع الرغبة الروسية الرامية إلى عدم السماح بإدانة نظام الأسد في المحافل الدولية الرسمية.

ما من شك في أن قسماً كبيراً من أوزار مئات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات في السجون السورية، ما يزال في عهدة ضمير شاحب لمجتمع دولي، جعل مصالحه المادية فوق أي اعتبار إنساني، ولم يعد يعنيه من الكرامة البشرية سوى ما يلبي جشعه ونزوعه نحو الهيمنة وسطوة النفوذ، ولكن ضمور الحسّ الأخلاقي لدى المجتمع الدولي كان مسبوقاً – بلا أدنى ريب – بشحٍّ أخلاقي أكثر فظاعةً لدى ذوي القربى، ليصل إلى دركه الأسفل، لدى من فاوض باسم السوريين، وكان المفرِّط الأول، ليس بحياة المعتقلين فحسب، بل بجانب كبير من حقوق السوريين.

تلفزيون سوريا

————————————

فيروس كورونا.. معركة جديدة تنتظر المعتقلين لدى النظام

يرتفع كل يوم عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” في مناطق سيطرة النظام، الذي أعلن مؤخر إجراءات تمثلت بفرض حظر تجوال في أوقات معينة وإغلاق المحال التجارية ومراكز الخدمات التي تشهد ازدحاماً، إضافة إلى عزل المناطق المكتظة بريف العاصمة دمشق، لكنه لم يتخذ أي إجراء لمنع تفشي الفيروس القاتل في أكثر المناطق اكتظاظاً وضعفاً أمام كورونا وهي المعتقلات.

المعتقل بيئة خصبة للفيروس

منظمة العفو الدولية طالبت في الأيام الماضية نظام الأسد بالإفراج عن المعتقلين و”التعاون الكامل” مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لمنع انتشار فيروس كورونا في سجونه، والمستشفيات العسكرية.

وقالت الطبيبة وعضو “عائلات من أجل الحرية” هالة الغاوي لـ موقع تلفزيون سوريا: إن “بيئة الاعتقال في سوريا من الناحية الصحية من أسوأ المناطق على الصحة العامة على الإطلاق بسبب انعدام النظافة في المكان وغياب التهوية والرطوبة والتعفن ومنع التعرض للشمس، كما يؤدي وجود الحمامات والصرف الصحي في نفس مكان الاحتجاز إلى انتشار الحشرات والجراثيم بين المعتقلين”.

من أهم الإجراءات التي دعت منظمة الصحة العالمية العالم إلى تطبيقها لمنع انتشار العدوى بفيروس كورونا، تجنبُ الازدحام والاحتفاظ بمسافة أمان بين الأشخاص، أما في حالة المعتقلين السوريين فإن هذا الأمر يعد مستحيلا بسبب الأعداد الكبيرة التي يحتجزها الأسد في سجونه الرسمية والسرية.

وتعلق الغاوي على الموضوع بالقول ” المعتقلات من أخطر الأماكن على الصحة وبكل ثقة هي أفضل بيئة ممكن أن تنتشر فيها الأمراض المعدية مثل فيروس كورونا”.

وتضيف أن “أكثر الأمراض انتشارا في المعتقلات والتي ترتبط مباشرة بظروف الاعتقال الصحية هي الأمراض الجلدية المنتقلة بالعدوى المباشرة و التماس المباشر ( القمل والجرب والدمامل والأمراض الفطرية ) أو الناتجة عن التقرحات بسبب الجروح والأذى الذي يتعرض له المعتقلون نتيجة التعذيب وبسبب غياب أي علاج إضافة إلى الأمراض التنفسية مثل التهاب القصبات المزمن والربو والسل والتهابات الرئة الجرثومية”.

معركة قد تكون الأخيرة

تأتي الأمراض على جسد منهك ومتعب بسبب الجوع وانعدام الغذاء الصحي وقلة الوارد من الطعام كما هو حال المعتقلين، وتنشأ لديهم اضطرابات مختلفة من نقص الفيتامينات وفقر الدم بأنواعه المختلفة، وبسبب ظروف النظافة والصرف الصحي غير المناسب تنتشر الأمراض الهضمية مثل الإسهالات والتهابات المعدة، وبحسب الغاوي “ستكون مناعة المعتقلين بالحد الأدنى أو شبه معدومة” أمام فيروس كورونا، في حين قد تكون معركة أخيرة للحفاظ على أرواحهم بعد صمودهم في ظروف السجن.

وتتابع “طبعاً هذا عدا الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط  والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطرابات الصدمة والتي يكون الاعتقال والاحتجاز هو سبب مباشر لظهورها أو ازدياد سوء الأمراض الموجودة مسبقاً قبل الاعتقال لسبب غياب العلاج والمتابعة”.

فرصة للضغط على النظام

تشدد الغاوي على أن إجراءات مكافحة الوباء في المعتقلات هي الضغط على النظام وحلفائه لإطلاق سراح المعتقلين في تلك الظروف المأساوية. حيث يشير مراقبون إلى أن النظام سيعمل على استغلال تفشي الوباء لتحقيق مآربه على صعيد العقوبات الدولية المفروضة عليه.

وتنشر منظمات حقوقية ومنظمة العفو الدولية ولجان التحقيق المستقلة بشأن سوريا بشكل دوري، الكثير من الشهادات والأدلة التي تثبت أن ظروف الاعتقال في سوريا مأساوية، وما يحدث فيها هو انتهاك لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية،  كل حالة معتقل ترقى لتكون كذلك. ويبقى الرهان على تحرك أممي ودولي جدي بكل الوسائل المتاحة لإطلاق سراح المعتقلين غيرالمشروط، في ظرف عالمي غير مسبوق للضغط على النظام وروسيا بهذه الورقة الإنسانية.

وذكرت الشبكة السورية

لحقوق الإنسان في تقرير أن المعتقلين لدى قوات النظام يتعرضون لأساليب تعذيب غاية في الوحشية والسادية، ويحتجزون ضمن ظروف صحية شبه معدومة، وتفتقر إلى أدنى شروط السلامة الصحية.

وأشارت إلى أنه تكتيك متبَّع من قبل النظام على نحو مقصود وواسع، بهدف تعذيب المعتقلين وجعلهم يصابون بشتى أنواع الأمراض، ثم إهمال علاجهم على نحو مقصود أيضاً، وتركهم يتألمون إلى أن يأتيهم الموت.

وحذّر التقرير من ازدياد خطورة الوضع مع انتشار جائحة كوفيد – 19، في ظل ظروف الاعتقال المواتية لانتشار الفيروس، ما يُهدِّد حياة قرابة 130 ألف شخص ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى النظام.

تلفزيون سوريا

———————————–

إدلب تواجهُ “كورونا” بمنظومة طبية “هشة” دمرتها طائرات روسيا والأسد

سرير واحد لكل 2378 إنسان ووحدة عزل لكل 125 ألف

تصاعدت المناشدات المحلية والدولية، خلال الأيام الماضية، لتوجيه الأنظار نحو الشمال السوري، والتدخل الفوري والسريع لتقديم المساعدة لمواجهة انتشار فيروس “كورونا المستجد”، الذي إن وصل إلى المنطقة ستكون “كارثة حقيقية” بحسب وصف منظمات صحية.

وقبل 20 يوماً، أعلنت منظمة الصحة العالمية تصنيف فيروس “كورونا” بأنه “جائحة”، لتبدأ الحكومات في دول العالم بدق ناقوس الخطر، واتخاذ إجراءات على الأصعدة كافة، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، للتصدي للفيروس ومنع انتشاره.

لكن الشمال السوري، والذي يضم أكثر من أربعة ملايين نسمة، بظروف معيشية وصحية صعبة، تُرك وحيداً لمواجهة الفيروس، بإمكانيات محدودة وقطاع صحي متردي، بعد أشهر ماضية، من قصف وتدمير من قبل طيران النظام السوري والحربي الروسي، واستهدف البنى التحتية بما فيها المشافي والمراكز الطبية.

قطاع صحي هَشْ دمرته طائرات بوتين والأسد

ولم تسجل أي حالة بالفيروس في الشمال السوري، حتى اليوم الثلاثاء 31مارس/آذار، حسب ما أكده وزير الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، مرام الشيخ، في تسجيل مصور،  بعد إجراء اختبار لـ 15 حالة مشتبه بها خلال الأيام الماضية.

لكن ذلك لم يمنع منظمات محلية ودولية، من تجديد مخاوفها، وصول كورونا، إلى محافظة ادلب ومحيطها، بسبب قلة المراكز الصحية، وضعف امكانياتها، إذ أسفرت الحملات العسكرية للنظام وروسيا على الشمال السوري، خلال الأشهر الماضية، في إخراج أكثر من 60 مشفى ومركزاً طبياً عن الخدمة، وفقاً للدفاع المدني في إدلب.

وحسب إحصائية نشرها فريق “منسقو الاستجابة”، يوم الجمعة الماضي، فإن عدد الأسرَة ضمن المشافي الموجودة يبلغ 1689 سريراً ضمن الجاهزية، أي ما يعادل 2378 نسمة لكل سرير واحد، في حين يبلغ عدد أسرة العناية المركزة 243 ضمن الجاهزية، أي ما يعادل 16534 نسمة لكل سرير واحد.

ويبلغ عدد المنافس (أجهزة التنفس الصناعي) 107 أجهزة أي ما يعادل 37549 شخصاً لكل منفسة واحدة، في حين يبلغ عدد وحدات العزل الطبي 32 وحدة عزل أي ما يعادل 125554 شخصاً لكل وحدة عزل.

وتوحي الأرقام السابقة بوقوع الكارثة، يمكن أن تحصل في حال وصول فيروس كورونا إلى الشمال السوري، خاصة وأن عدد النازحين يبلغ مليون و41 ألفاً و233 شخصاً، معظمهم يعيشون في المخيمات على الحدود التركية، فضلاً عن نحو 2.5 مليون نسمة، يعيشون ظروفاً صعبة في بلداتهم وقراهم.

ورغم وجود عدد من المنشآت الطبية في محافظة إدلب ومحيطها(أرياف حلب وحماه واللاذقية الخارجة عن سيطرة النظام)، إلا أن مدير وحدة المعلومات، في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، أكد أنها غير مجهزة لمواجهة مثل هذه الفيروسات.

وقال شعبان لـ”السورية. نت”، اليوم الثلاثاء، إن المنشآت الصحية في إدلب تعرضت لعدة هجمات خلال الفترة الماضية من قبل روسيا ونظام الأسد، ما أدى إلى تدمير أغلبها بشكل كامل أو جزئي، ومنها ما يعمل بطاقة كاملة أو بنصف الطاقة أو لا يعمل نهائياً.

وبحسب شعبان فإن الخطورة تكمن في الكثافة السكانية في إدلب والمساحة الصغيرة التي يقطن بها ملايين السوريين، والعيش في مخيمات عشوائية لا تحتوي أدنى مقومات الحياة الإنسانية، فضلاً عن مقومات مواجهة كورونا، واصفاً الوضع بأنه “سيء جداً بشكل عام”.

إدلب لوحدها

ولم تصدر أي خطوات فعلية من قبل المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية، توحي بالاهتمام الكبير بإدلب والتصدي لكورونا، إذ تأخرت في إرسال كيتات الاختبار والتي لم يبلغ عددها سوى القليل.

وقال وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، مرام الشيخ، عبر حسابه في “تويتر”، الجمعة الماضي، إن “وحدة تنسيق الدعم استلمت 600 فحص للكشف عن الفيروس من منظمة الصحة العالمية، وهذه الدفعة الأولى، من عدد 2000 فحص مخبري كانت قد وعدت بها منظمة الصحة العالمية”.

في حين أرسلت منظمة الصحة منذ أسابيع 1200 فحص للنظام، لاستخدامها في مناطق سيطرته.

وأكد الشيخ أن النظام الصحي في إدلب “قد يكون عاجزاً عن احتواء اي جائحة محتملة لفيروس كورونا(…) لذلك علينا حشد كل الطاقات في كل القطاعات الأخرى، احتواء كورنا أصبح مسؤولية كل القطاعات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع كاملا عموماً”.

وقالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، إن “تخلي العالم عن اللاجئين في إدلب بسورية، في هذه الفترة العصيبة من محنتهم، التي فاقمها الخوف من وباء كورونا، لن يمر دون عقاب للعالم”.

وأضافت أن “الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات والقادة العسكريين على نطاق العالم، سيقفون جانباً كما فعلوا طوال فترة انزلاق سورية إلى العنف، ليشاهدوا انفجار الوضع في إدلب وتمدده إلى بلدانهم نتيجة تقاعسهم”.

واعتبر السفير الأمريكي السابق في سورية، روبرت فورد، في مقالة له بـ”الشرق الأوسط”، قبل أيام، أن “الأوضاع في الشمال السوري يهيئ المجال لانتشار الفيروس إلى الكثير من النازحين، وبطبيعة الحال، لا تتوفر هناك الكثير من العيادات أو المستشفيات بسبب القصف الجوي”.

من جهته اعتبر مدير وحدة المعلومات في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، أن “إدلب تُركت لوحدها، والدعم الذي قُدم من المجتمع الدولي هو دعم بسيط لا يناسب حجم الكارثة، إذ كان عليه أن يتدخل من اليوم الأول ويقدم مساعدات إضافية ويدعم برامج محلية للتوعية التي تأخرت في تنفيذها لاحقاً”.

وأعرب شعبان عن تخوفه من كارثة في حال انتشار الفيروس، مشيراً إلى الحظر التي طبق من قبل السلطات التركية في مدينة الريحانية الحدودية مع إدلب، معتبراً أن ذلك “مؤشر خطير بسبب الحركة بين المدينة التركية والشمال السوري من دخول البضائع والمدنيين”.

ومع انشغال العالم في مواجهة “كورونا”، تبقى مدينة إدلب تواجه الفيروس لوحدها بسلاح واحد فقط، هو سلاح وعي الشعب والتزامه بحملات التوعية التي تقوم بها مديرات الصحة والمنظمات والعاملين في الدفاع المدنية، والالتزام الكامل بهذه التعليمات.

———————————-

الفلسفة في زمن الكورونا (و)الأسدية: في نقد الخطاب اليومي/ حسام الدين درويش

لم يحصل في السنوات التسع الأخيرة أن استأثرت ظاهرةٌ ما باهتمام السوريين، إلى درجةٍ دفعتهم إلى جعلها مركز اهتمامهم الأول، وإزاحة “القضية السورية” إلى المركز الثاني. لكن هذا ما حصل لغالبية السوريين، في مواجهتهم لجائحة الكورونا. وقد ترافق ذلك مع تصدر “أزمة الكورونا” اهتمام الناس، في العالم أجمع، تقريبًا. طبعًا، لم يفوت سوريون كثر فرصة انتشار هذه الجائحة لمقارنتها بالظاهرة الأسدية، وللحديث عن “الكورونا الأسدية” أو التقاطعات أو التشابهات السلبية الكثيرة والكبيرة، بين الظاهرتين. بالإضافة إلى ذلك، ثمة أخطارٌ خاصةٌ يتعرض لها ملايين من السوريين، في هذا الخصوص، يمكن ردها إلى تضافر سلبيات ظاهرتي الكورونا والأسدية. فثمة مخاوف كبيرة من النتائج الكارثية التي يمكن أن يفضي إليها انتشار فيروس الكورونا، في مخيمات السوريين، في المناطق السورية غير الخاضعة للنظام، أو في تركيا ولبنان والأردن والجزر اليونانية. وهناك مخاوف حقيقيةٌ من انتشار الفيروس في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام؛ بسبب النقص الشديد في المعدات والكوادر الطبية، والحالة الكارثية للنظام الصحي عمومًا، وبسبب التخبط (الظاهري) في سياسة النظام الصحية والإعلامية، في مواجهة مخاطر تفشي هذا الفيروس: حيث تم الانتقال “بسرعة البرق” من حالة الإنكار، والتطمينات المزيفة، والنفي التام، لوجود إصابات بهذا الفيروس، في سوريا، إلى حالة الهلع، وإغلاق المنشآت العامة والخاصة، وحظر التجول، وحملات التعقيم “الغريبة”… إلخ.

سأحاول فيما يلي مناقشة بعض ردود فعل السوريين، وغير السوريين، على ظاهرتي الكورونا والنظام الأسدي، وبعض تفسيراتهم للظاهرتين. وفي مناقشتي لبعض البداهات المنتشرة، لدرجةٍ أو أخرى، بين السوريين، وغير السوريين، في خصوص الكورونا والنظام الأسدي، سأستند إلى بعض المبادئ أو القواعد العامة، أو المشارط الفلسفية Philosophical razors. والمقصود ﺑ “البداهات” هو تلك الأفكار التي يعتقد أو يسلِّم كثيرون بصحتها ومصداقيتها، بالبداهة، أي بدون امتلاك بيناتٍ كافيةٍ على صحتها، بل وبدون التمعن، أو حتى التفكير أو التفكُّر، في مضامينها وأسسها وتوظيفاتها ونتائجها. والمقصود ﺑ “المشارِط الفلسفية” هو مجموعةٌ من القواعد أو المبادئ التي تسمح باستبعاد بعض التفسيرات أو التأويلات أو الظواهر التي لا تبدو مناسبةً أو معقولةً، أو التي من المرجح ألا تكون صحيحةً أو موجودةً.

“عندما تقول أنت تفعل”، هذا هو عنوان الترجمة الفرنسية لكتاب الفيلسوف الإنكليزي جون أوستين “كيف تفعل الأشياء بالكلمات”. ويمكن الاستناد إلى هذه الفكرة، للتشديد على “مسؤولية الكلمة” أو على ضرورة تحلينا بالمسؤولية في كلامنا، بحيث لا نطلق الكلام على عواهنه، و”لا نشلف الكلام شلفًا”، خصوصًا عندما تفتقر أفكارنا أو كلماتنا إلى سندٍ معقولٍ يسوّغها، ويمكن أن يكون لها تأثيراتٌ سلبيةٌ ما. ومن هنا وجوب الحذر، على سبيل المثال، من تبني أو ترويج أفكارٍ تفسر جائحة الكورونا ﺑ “عقوبةٍ إلهيةٍ”، أو “مؤامرةٍ شيطانيةٍ”، أو ما شابه.

وتزداد ضرورة التحلي بمسؤولية الكلمة، بقدر زيادة حجم أو مستوى “المكانة الاجتماعية”، الفعلية أو المزعومة، والقدرة التأثيرية المحتملة، لصاحب الكلمة. فتهوين طبيبٍ مختصٍّ من شأن جائحة الكورونا يملك، غالبًا أو على الأرجح، تأثيرًا أكبر من تأثير كلام غير المختص. وهذا التأثير السلبي هو الذي تحدث عنه فرانسيس بيكون تحت عنوان “أوهام المسرح”. فلأبطال المسرح، و”النخب”، سلطةٌ معنويةٌ تجعلهم، أحيانًا او غالبًا، قادرين على التأثير، أكثر من قدرة غيرهم من الأشخاص. وعلى ذكر “المسرح”، يمكن أن نشير إلى سلبية تصريح “الفنان غسان مسعود” عن شكوكه في كون “فيروس كورونا هو 50% صناعةٌ امريكيةٌ، وتهوينه من شأنه، من خلال مقارنته بحوادث الطرق.

وفي الإطار ذاته، وفي صحيفة تشرين السورية، الصادرة في 16.03.2020، أجرى الصحفي أيمن فلحوط حوارًا مع “الدكتور” مجد نزار بريك هنيدي، وكان عنوان الحوار هو: “د. بريك: فيروس «كورونا» غير خطر ونسبة الشفاء تتجاوز 97% ويشبه نزلة البرد”. وبغض النظر عن إشكالية كون “الدكتور” بريك “دكتورًا” فعلًا، لكونه لا يحمل شهادة دكتوراه، وليس خريج كلية الطب، فإن تهوينه من خطورة الفيروس، وجائحة الكورونا عمومًا، يثير الكثير من التساؤلات والتحفظات. من المرجح أن عنونة الحوار بمثل هذا التهوين جاء نتيجةً لتوجيهاتٍ أمنيةٍ، في دولةٍ، هي “دولةٌ أمنيةٌ” بامتيازٍ، كما وصَّفها طيب تيزيني محقًّا. ففي مثل هذه “الدولة”، تهيمن التوجيهات الأمنية على كل مفاصل السلطة، ولا يكون للمصالح الاقتصادية العامة، أو الآراء الطبية المختصة، دورًا قياديًّا مهمًّا أو أساسيًّا، في تحديد مدى خطورة مرضٍ ما، ولا في كيفية التصدي له. لكن الطغيان الأسدي/ الأمني، مثله مثل كل طغيانٍ، بحاجةٍ إلى “بياعي حكي” أو سفسطائيين منافقين، ليروجوا لسياساته، وليحاولوا منحه بعض المشروعية والمقبولية، كما يقول أفلاطون محقًّا.

وفي وجه “نظريات المؤامرة” الساذجة التي يتبناها كثيرون، ويروجون لها، قصدًا أو عفوًا، في خصوص فيروس كورونا، أو في خصوص أسباب قيام ثورات الربيع العربي، يمكن التذكير ﺑ “قاعدة ساغان” القائلة “المزاعم غير العادية تتطلب أدلةً أو بيناتٍ غير عاديةٍ”. فأصحاب نظريات المؤامرة، الشائعة في هذا الخصوص، يقرون غالبًا بلا-عادية مزاعمهم، وبافتقارهم إلى بيناتٍ وأدلةٍ استثنائيةٍ، بقدر استثنائية نظرياتهم، لكنهم يصرون على التشبث بمواقفهم، في كثيرٍ من الأحيان. ومن هنا أهمية “نصل ميتشِن” الذي ينص على أن “ما يمكن تأكيده بدون دليل، يمكن رفضه بدون دليل”.

ويمكن أو ينبغي لاستبعاد تلك النظريات أو التفسيرات الساذجة أن يترافق مع إبرازٍ لنظريات وتفسيراتٍ تبدو كافيةً ومسنودةً بقرائن معقولةٍ جدًّا. ووفقًا ﻟ “نصل أوكام”، “التفسير الأبسط هو، غالبًا، التفسير الأصح، وفي حال العثور على أسباب تشرح، شرحًا كافيًا، وجود ظاهرةٍ ما، ينبغي استبعاد وجود أسبابٍ أخرى”. فلسنا بحاجةٍ إلى الحديث عن “مؤامرةٍ كونيةٍ” أو “مؤامرةٍ أمريكيةٍ”، مثلًا، لتفسير، أو فهم، أسباب قيام ثورات الربيع العربي. ففي البلاد التي حصلت فيها تلك الثورات أسبابٌ، أو بالأحرى عللٌ، كافية، لقيام تلك الثورات، بالمعنيين الممكنين لكلمة “علة”: مرضٌ أو داءٌ، من جهةٍ، وسببٌ، من جهةٍ أخرى. ولا يقتضي تطبيق هذا النصل/ المبدأ، في هذا السياق، استبعاد العوامل الخارجية، في هذا الخصوص، وإنما يقتضي فهم هذه العوامل، وفقًا ﻟ “جدل الداخل والخارج”، الذي يبين وجود تكاملٍ أو تضافرٍ ما، بين البعدين، وليس وفقًا ﻟ “جدال الداخل والخارج” الذي يحوِّل ما يحصل في الداخل إلى مجرد صدىً لتخطيطٍ/ تآمرٍ خارجيٍّ. ومن هنا أهمية “نصل هيوم” القائل: “ينبغي للأسباب أن تكون قادرةً لوحدها على إحداث الظاهرة المنسوبة إليها”؛ إذ يمكن تصور قيام ثورات الربيع العربي، بدون استدعاء أو وجود أي دور خارجيٍّ – “يلي فينا وعندنا مكفينا” – لكن لا يمكن تصور أن يكون لهذا الدور الخارجي مثل هذا التأثير، لولا وجود “العلل الداخلية، الكبيرة والكثيرة، والمتمثلة، خصوصًا، في الاستبداد السياسي، والقمع الأمني، والاستغلال الاقتصادي.

والمشكلة أو المفارقة في البداهات المذكورة وما يماثلها، لا تكمن، فقط، في افتقارها إلى أدلةٍ، أو بيناتٍ، أو حتى قرائن، معقولةٍ، تسوِّغ تبنيها، وتظهر واقعيتها، وإنما تكمن، أيضًا وخصوصًا، في استحالة دحضها، أو تفنيدها، أو التدليل على عدم واقعيتها. وانطلاقًا من “مبدأ بوبر” القائل ﺑ “وجوب وجود إمكانيةٍ لدحض أو تفنيد أي نظرية، لكي يكون بالإمكان الزعم باتسامها بالعلمية”، يمكن نفي “علميتها المزعومة”، ليس بالمعنى الوضعي للعلمية فحسب، بل وبمعنى المعقولية ووجود ما يسوغ تبنيها، أو حتى أخذها على محمل الجد، أيضًا.

وعلى الرغم من أن كل القرائن أو الدلائل تشير إلى أن كل الدول وقعت ضحيةً لهذا الفيروس، وأنه من الصعب تخيُّل أن يكون ظهور أو انتشار هذا الفيروس هو نتيجةٌ ﻟ “مؤامرةٍ صينيةٍ على الغرب” أو “مؤامرةٍ غربيةٍ أو أمريكيةٍ على الصين أو غيرها من دول العالم”، فما زال هناك من يتبنى مثل هذه الأفكار أو النظريات المؤامراتية الساذجة. ووفقًا للمنطق ذاته، ما زال هناك من يقول بوطنية النظام الأسدي، وبأن هذا النظام ضحيةٌ للتآمر الخارجي، أكثر من كونه سببًا للجرائم، الكثيرة والكبيرة، التي اقتُرِفَت، في سوريا، خلال السنوات الأخيرة، بل وخلال العقود الأخيرة، عمومًا. وينفي متبنو مثل هذا الرأي الطبيعة الاستبدادية للنظام، على الرغم من أنه يتسم بها بكل سمات/ سلبيات النظام الاستبدادي، وعلى الرغم من النتائج الكارثية التي أفضى إليها هذا الاستبداد. وربما كان من الضروري لمتبني مثل هذا المنطق (“الأعوج”) أن يفحصوا الواقع على غرار “فحص البطة”. وينص الفحص المذكور على ما يلي: “إذا كان كائنٌ ما يبدو مثل البط، ويسبح مثل البط، ويبطبط مثل البط، فهو على الأرجح بطةٌ”.

لا يوجد حاجةٌ ماسةٌ للبحث في الأعماق، إذا كان الظاهر يقدم لنا كل ما نحتاجه في خصوص أمرٍ ما، وإذا كان البحث يتضمن تزييفًا للحقائق المعرفية والأخلاقية والسياسية. فمثل هذا البحث الذي يزعم اتسامه بالعمق، وبسعيه إلى المزيد من التبحُّر والتعمق، هو انزلاقٌ إلى مزيدٍ من السطحية والتسطح في التفكير. فهل هناك، فعليًّا، حاجةٌ للتعمق، وتجاوز الظاهر والجلي، للقول أو للإقرار بالطبيعة أو الماهية الاستبدادية للنظام الأسدي، وبسلبياته وجرائمه الكثيرة والكبيرة؟

من المرجح أن الكثيرين من متبني نظريات المؤامرة الساذجة، أو البداهات المُنتقَدة آنفًا، هم من أصحاب “النيات الطيبة”، بمعنى أن تبنيهم لها ليس ناتجًا، بالضرورة، عن سوء نيةٍ أو سوء طويةٍ. ولهذا أرى معقوليةً في التشديد على أهمية “مبدأ/ نصل هانلون”، عمومًا، وفي هذا السياق، خصوصًا. وينص هذا المبدأ على التالي: “لا تفسر أي شيءٍ بسوء النية أو بسوء الطوية، إذا كان في الإمكان تفسيره، تفسيرًا معقولًا، بعدم الكفاءة أو بالغباء”.

يمكن للحديث عن وجود القواعد أو المبادئ أو المشارط الأخلاقية المذكورة، أو غيرها، أن يعطي الانطباع بأنها تجسد بعضًا من الحكمة (الفلسفية) التي يمتلكها، أو ينبغي أن يمتلكها، عادةً أو عمومًا، الفلاسفة و/ أو الباحثين في الفلسفة أو المشتغلين فيها. ولهذا ينبغي الإشارة إلى العلاقة المعقدة بين الفلسفة والحكمة، تاريخيًّا وبنيويًّا. فالفلسفة، عبر تاريخها الطويل، كانت تنوس بين قطبين أساسيين: من جهةٍ أولى، الفلسفة ظهرت أو عرُّفت بدايةً، على أنها “محبةٌ للحكمة”، وليست امتلاكًا لها. وغالبًا ما كان أقرب الفلاسفة إلى الحكمة”، أقلهم ادعاءً بهذا الامتلاك. وعلى هذا الأساس لا يكون الفيلسوف حكيمًا، كما يكف الحكيم عن أن يكون فيلسوفًا، في لحظة اعتقاده أو ادعائه بأنه أصبح كذلك. من جهةٍ ثانيةٍ، ادعى كثيرون من الفلاسفة والمشتغلين فيها، امتلاك هذه الحكمة، ومارسوا، ما يمكن وصفه، وفقًا لمنظور القطب الأول، خيانةً للفلسفة وللحكمة، في الوقت ذاته. يضاف إلى ذلك أن الحكم تتخذ، في كثيرٍ من الأحيان، صيغة أقوالٍ مأثورةٍ يناقض بعضها بعضًا، بدون وجود محاجاتٍ تسندها، وتبين معقولية وحدود شموليتها أو إطلاقيتها المزعومة. وعلى هذا الأساس، وبسبب المضامين السلبية و/ أو السخيفة لبعض “الحكم” و”الأقوال المأثورة” الشائعة، يمكن أن نفهم الانتقاد الشديد الذي وجهه “الفيلسوف” سلافيو جيجيك لفكرة “الحكمة”، وللحكم السائدة عمومًا، لدرجة وصفها بأنها “أكثر الأشياء المثيرة للقرف التي يمكن تخيلها”.

وعلى الرغم من ذلك كله، يمكن المحاججة بوجود معقوليةٍ كبيرةٍ في المخاطرة بالحديث عن القواعد والمشارط الفلسفية المذكورة آنفًا، حتى وإن بدا أنها تتخذ شكل “الحكم والأقوال المأثورة”. لكن يمكن الزعم أن “زمن الكورونا (و)الأسدية” يسوِّغ هذه المخاطرة، ويقلل من أبعادها السلبية، إلى حدٍّ كبيرٍ. ولا تهدف تلك القواعد والمشارط إلى تأكيد حقائق معينةٍ، وإنما تطمح إلى الإسهام في التخلص من بعض العقبات المعرفية والمنهجية والسياسية التي تَحول، أو تسعى إلى أن تَحول، دون وصول الناس إلى أحكامٍ ومواقف معرفيةٍ وأخلاقيةٍ وسياسيةٍ معينةٍ. ولا أعتقد بوجود معقوليةٍ (كبيرةٍ) في مطالبة أي كاتبٍ أو متحدثٍ، من متلقيه، بأن يطبقوا “مبدأ/ نصل غرايس”، الذي يقول: “اهتم بما يريد شخصٌ ما أن يقوله لك، بدلًا من الاهتمام بالمعنى الحرفي لكلامه”. فتبني أي كاتبٍ أو متحدثٍ لهذا المبدأ/ النصل يمكن أن يكون أساسًا لتبرير سوء تعبيره، أو للتقليل من أهمية اختياره لكلماته. فمثل هذا التبرير يتناقض، تناقضًا مباشرًا أو غير مباشرٍ، مع مبدأ “مسؤولية الكلمة: الذي أشرنا إليه آنفًا. و”المثل الأعلى” الذي يسعى، أو ينبغي أن يسعى، إليه، كل كاتبٍ/ متحدثٍ، هو “أن يقول كل ما يعنيه أو يقصد قوله، وأن يعني أو يقصد كل ما يقوله”.

من المرجح استحالة الوصول إلى مثل هذا “المثل الأعلى”؛ لكن أليس هذا هو حالنا مع كل مثلٍ أعلى؟

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار برس

————————————-

عن الاستثمار في الجائحة/ أكرم البني

من المؤسف أن يترافق المشهد العالمي المثقل بالعجز عن السيطرة على فيروس «كورونا» وبالصور المؤلمة لضحاياه، مع استمرار شحن الصراعات السياسية والمنافسات الاقتصادية وتغذية المصالح الأنانية والعصبيات العرقية، في تسابق بغيض لدى بعض قادة الدول لاستثمار الحدث، والإفادة من تداعياته، لتقوية عناصر سيطرتها ونفوذها، بدل التوجه للعمل على حلول إنسانية مشتركة لتجاوز المحنة.

فماذا يمكن أن يُفهم من سلوك سلطة بكين التي آثرت حفاظاً على مصالحها الاقتصادية وسمعتها السياسية التكتم على نشوء الفيروس، وحجبت حقائق تطوره وأعداد ضحاياه، مستهينة بالتحذيرات التي أثارها أطباؤها حول خطورته وسرعة انتقاله عبر المسافرين إلى أرجاء المعمورة؟ أو كيف نفسر تهربها من فعلتها ومسؤوليتها، بتمرير تصريحات عن أن الوباء صنيعة إمبريالية، وتحديداً أميركية، للنيل من الموقع المتقدم الذي باتت تحتله الصين اقتصادياً؟ ثم مسارعتها بعد أن تمكنت من محاصرة الوباء، للعمل على تلميع صورتها وعرض المساعدة لأكثر الدول الأوروبية تضرراً، عساها تعيد فتح أبواب تصدير منتجاتها، من دون أن تتردد في تشغيل دعايتها الإعلامية، للطعن في حيوية الأنظمة الديمقراطية وفي فعاليتها في حماية شعوبها، مروّجة لنموذجها المركزي القمعي، وقدرته في السيطرة على حياة الأفراد للحد من انتشار المرض؟ ثم ألا يصح النظر من القناة ذاتها إلى موقف روسيا، وكيف عملت بكل طاقتها للتشكيك في قدرة أوروبا على البقاء كياناً موحداً بعد جائحة «كورونا»، ساخرة من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، لأنه لم يستطع توفير أجهزة التنفس الصناعي ومعدات الوقاية والحجر الصحي لشركائه وأعضائه، كالتي وفرتها روسيا والصين لإيطاليا وإسبانيا وصربيا، وكأنها تتقصد الدعاية السافرة لكفاءة الأنظمة المغلقة، الشعبوية والاستبدادية؟!

مع الازدياد المستمر في أعداد المصابين والضحايا في الولايات المتحدة، لم يتأخر الرئيس الأميركي عن استثمار جائحة «كورونا» لتحميل الصين – بداية – مسؤولية خلق الفيروس ونشره، بغرض تقويض سمعتها وتأليب العالم ضدها، في سياق معركته للحد من نفوذها وطموحها الاقتصادي والسياسي، ثم الإفادة من مناخ الخوف المرافق لانتشار الوباء، لشحن الروح العنصرية، وتعزيز تعبئته الشعبوية ضد المهاجرين في بلاده، متوخياً مع اقتراب المعركة الانتخابية، ربح مزيد من النقاط ضد منافسه الديمقراطي. ويزيد الطين بلة تريثه في تنفيذ خطط شاملة للعزل وإغلاق المدن، كي تبقى عجلة الإنتاج دائرة، مدعياً أن الخسائر الناجمة عن تعطيل الاقتصاد أكبر من خسائر «كورونا». ولا تغير هذه الحقيقة؛ بل تؤكدها، محاولاته بث تطمينات زائفة، بادعاء قرب إنتاج لقاح ضد الفيروس، أو الرهان على دواء «الملاريا» في معالجة المصابين، بينما لن يغفر التاريخ له ما تردد عن سعيه لشراء واحتكار لقاح، أشيع بأن أحد المختبرات الألمانية توصل إليه.

وفي المقابل، تثار الشكوك حول تباطؤ حكومات غربية في إنقاذ مناطق انتشر فيها الفيروس وتعتبرها معاقل للمعارضة، بهدف تحسين فرص سيطرتها، أو عن تواطؤ خفي لحكومات أخرى للتخلص من كبار السن الذين يطالهم «كورونا»، وقد باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على المجتمع وحوافز تطوره الاقتصادي، بدليل مجاهرة رئيس الوزراء البريطاني بتطبيق ما سماه «مناعة القطيع»، كي تكتسب الأجيال المناعة من عمومية انتشار الوباء، حتى لو كان ثمن هذا الاصطفاء الطبيعي، البقاء للأقوى، وخسائر كبيرة في الأرواح!

لحكام طهران حكاية مختلفة، فقد حاولوا بداية استثمار الوباء حين تأخر انتشاره في مدنهم، للظهور بمظهر السلطة القوية والمحصنة؛ لكنهم كالعادة لجأوا إلى نظرية المؤامرة، واتهام أميركا بأنها مَن نشر الفيروس للنيل منهم بعد أن أفشلوا حصارها، كذا! ثم لم يترددوا في استثمار المرض بعد استفحاله، لاستجرار معونات يرجون منها تخفيف أزمتهم الاقتصادية، بينما لم يهتم الرئيس التركي إردوغان بمصير ضحايا شعبه من «كورونا»، مجاهراً بأن للاقتصاد أولوية لن يتنازل عنها، رافضاً إغلاق المدن والعزل، ومتطلعاً إلى كسب اقتصادي قد يمكنه من استعادة شعبية مفقودة.

وهنا، لنتمعن في سلوك حكومتي لبنان والعراق، وكيف أفادتا من انتشار الفيروس لحظر التجمعات، وتسويغ قمعهما لانتفاضات شعبية نهضت ضد الفساد والتسلط والارتهان، بينما تستمر السياسة السورية في نهجها الديماغوجي، إنْ لتغطية ما مارسته وتمارسه ضد الشعب السوري من قتل وفتك، وإنْ لتمرير حربها على إدلب بأقل ردود فعل، وإنْ بادعاء القدرة والكفاءة، وحتى التفرد، في التصدي لهذا الوباء. ويحتار المرء، هل يبكي أم يضحك، من تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، بأن العالم كله بات يقتدي بالتجربة السورية الناجحة في التصدي لفيروس «كورونا»؟! والأنكى حضور رغبات سلطوية في انتشار الوباء فيما تبقى من أماكن سيطرة المعارضة عساه ينهي وجودها، أو انتقاله لمخيمات اللاجئين، مع ما قد يخلفه ذلك من نتائج مأساوية.

ثمة فقهاء لجماعات الإسلام السياسي وبعض المتأسلمين الديماغوجيين، بادروا لتوظيف «كورونا» لبعث وإحياء بعض الخرافات الدينية التي تتعارض مع جوهر الدين ومع المنطق، وما أرسته العلوم والمعارف في فهم الوباء وطرق مواجهته، مرةً بالادعاء أن هذه الجائحة لن تطال المسلمين، وهي عقاب من الله ضد الكفرة والمشركين، ومرة ثانية بالتحريض على رفض قرار السلطات وقف الصلاة في المساجد؛ لأن أماكن العبادة أرض مقدسة لا حياة فيها للفيروسات والجراثيم! ومرة ثالثة بالإصرار على تقاليد زيارة مراقد الأولياء، على الرغم مما حصل في مدينة قم الإيرانية. زاد بالطنبور نغماً عناصر مأجورة تدعي العلم والمعرفة، وظَّفت نفوذها في وسائل التواصل الاجتماعي لإشاعة معلومات خاطئة، وطرق طفولية مثيرة للسخرية، على أنها قادرة على هزيمة الوباء.

أخيراً، يبقى السؤال: هل تنجح جائحة «كورونا» في إخراج أسوأ العادات والأخلاق الاجتماعية، أم ستكون محطة مفصلية، تعيد للإنسان إنسانيته، وللقيم الأخلاقية مركزيتها؟ وتالياً: هل تستمر النخب الأنانية في جر المجتمعات نحو العنصرية والغرائزية ومنطق القوة والعنف، وما يخلفه ذلك من ضحايا وتمييز وتدمير للبيئة وأزمات لجوء وانهيارات اقتصادية، أم أن التطورات الموضوعية التي وصلت إليها البشرية، وقوة تشابك مصالحها وإلحاح حاجتها للتفاعل والتلاحم في مواجهة التحديات والمعضلات المشتركة، ستدفعها لمراجعة حساباتها، ولإطلاق آفاق جديدة تعلي من شأن الإنسان، وأولوية صيانة حياته وحريته وحقوقه؟

الشرق الأوسط

————————————

دير شبيغل: نظام الأسد يخفي العدد الحقيقي لضحايا كورونا

ترجمة وتحرير ناجي مطر

نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية الأربعاء تحقيقاً مشتركاً مع موقع “سوريا إن كونتكست” حول انتشار جائحة كورونا في سوريا، تؤكد فيه إخفاء نظام الأسد الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات، والتي تقدر بأكثر مما هو معلن.

تتحدث الصحيفة أنه “قبل نحو أسبوع بدت سوريا كأنها جزيرة سليمة في خارطة انتشار الجائحة، فلا إصابات مصرح عنها وكل من خضعوا للفحوصات كانت نتائجهم سلبية، رغم انتشار الفيروس بسرعة في جميع دول الجوار”.

تكشف “دير شبيغل” أنه “في ٢١ من آذار سُجل أول إصابة بالكورونا، فقد عادت طالبة من لندن إلى دمشق عبر الإمارات وبيروت وكانت نتيجة الفحص إيجابية، دون الخضوع للحجر الصحي، حيث يفترض أنها ابنة مسؤول قوي في النظام”.

تتابع الصحيفة “حتى يوم السبت أعلنت سلطات النظام تسجيل أربع حالات وأعلن مساء الأحد عن أول وفاة، ويبدو ذلك محض كذب فالجائحة تنتشر بسوريا منذ أسابيع في المدن السورية الكبرى لكن يمنع الحديث عنها”.

ونقل التحقيق عن طبيب من المنطقة الساحلية طلب إخفاء اسمه ومدينته والمشفى الذي يعمل فيه أن “عناصر أمن الدولة يأتون مراراً وتكراراً ويأمرون الجميع بعدم الحديث عما يجري وإلا فسنموت”.

ويضيف الطبيب “رغم عدم استطاعتي تحديد داء المرضى الذين تم قبولهم بأعداد متزايدة إلا أنهم عانوا التهاباً رئوياً وضيقاً في التنفس وحمى شديدة جداً، فلا يمكننا إجراء الاختبارات هنا، لذا نرسل العينات إلى دمشق، لكننا لا نتلقى أي إجابة”.

سيناريو مشابه في دمشق

وبحسب الصحيفة الألمانية فإن طبيبين من مشفى تشرين العسكري في العاصمة السورية تحدثا عن سيناريو مشابه لمدن الساحل، فأعداد الإصابات والوفيات تزداد، ناهيك عن وجود العديد من الإصابات “بفايروس كوفيد 19” في صفوف عناصر المليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام، والمصابون من أفغانستان وباكستان ولبنان وايران والعراق. وهذا ما يتقاطع مع إعلان مصادر باكستانية في ٩ و١٠ من آذار الماضي عن تسجيل ست إصابات بالكورونا لأشخاص عادوا من سوريا.

ينقل التحقيق عن طبيبة تعمل في مشفى بدمشق تأكيدها وجود ٥٠ حالة وفاة بالفايروس، نتيجة عدم توافر أي أدوية وانعدام إمكانية عزل المصابين، فيما سجلت الوفيات على أنها التهاب رئوي.

وفي شوارع العاصمة يقف الجنود على الحواجز ونقاط التفتيش للتدقيق بأوراق المواطنين دون ارتداء أقنعة أو قفازات وعند السؤال عن ذلك يقولون “مرحباً بالموت إن جاء”.

إصابات في حلب

وفي حلب شمالي سوريا أفاد طبيب بوقوع أربع وفيات في غضون أيام قليلة، حيث ظهرت عليها أعراض الالتهاب الرئوي والتدهور السريع بالصحة وتوقف التنقس، فيما يقول سائق سيارة إسعاف “إنهم أخذوا المزيد والمزيد ممن ظهرت عليهم نفس الأعراض إلى المستشفى الجامعي لمدة أسبوعين تقريباً، لكن لا يمكن الحديث عنهم أو الإعلان عن إصابتهم، يجري كل ذلك في مملكة الأسد، حيث تبدو سوريا جزيرة منعزلة لكنها أكثر إنكاراً للواقع، “وفقاً لدير شبيغل.

وحتى الأسبوع الماضي أعلنت وسائل إعلام النظام بلا خجل أنه لم تكن هناك إصابات في سوريا وأن جميع الاختبارات كانت سلبية لأسابيع، بيد أن إخفاء الإصابات ليس ممكناً لفترة طويلة، خاصة مع حصول سوريا في 13 من آذار على الدفعة الأولى من أجهزة اختبار الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية.

لا شيء يمكن فعله

يقول طبيب من مدينة إدلب شمال غرب سوريا، إن “مئات المدنيين يأتون إلينا وهم يعانون أعراض الإصابة بالفيروس، لكن لا يمكن معرفة ما إن كانوا مصابين أم لا فنرسلهم إلى بيوتهم”.

وتشير الصحيفة إلى ما ورد في “ورقة استراتيجية” للحكومة الألمانية، أنه “يمكن التصور أن تصب أزمة كورونا في مصلحة الأسد، حيث يستغل الديكتاتور كارثة وشيكة وخوف الأوروبيين من حركة لاجئين جديدة، في الدفع نحو رفع جزئي للعقوبات الدولية، والترويج لتقديم مساعدات للشعب”.

————————————-

 المتسلطون لا يَهزّهم شيء!/ نهلة الشهال

كشفت كارثة كورونا في كل مكان، الفئات والمهن الضرورية حقاً للمجتمعات. كما أعادت التذكير بأن تأمين الصحة العامة لا يتوفر بدون تعليم عام متين، وشروط حياة لائقة بآدمية البشر. الأمر يخص زاوية النظر للمجتمعات، ما بين الاشتغال على رفاهها، أو

قد يكون من السذاجة افتراض وجود ولو مقدار قليل من القيم الخيّرة لدى كل إنسان، كائناً من كان. قد لا تكون سذاجة، بل تغليباً للإيمان بالإنسان، سواء أكان مصدر هذا الاعتقاد دينياً أم فلسفياً.. وهل من لحظة لرؤية ذلك أنسب من اليوم، مع ما يلم بالبشر كلهم بسبب جائحة كورونا؟

ولهذا أصلاً أبدى الجميع استعداداً للتغاضي عن تقلبات الرئيس الأمريكي البهلوانية، بين عناد متعجرف على أولوية الإنتاج والبزنس “مهما كان الثمن”، ثم على أولوية صحة الناس وسلامتهم حينما أصابت الجائحة مئات ألوف الأمريكيين وبدأت تحصد أرواح الآلاف منهم.

والتغاضي كذلك عن لهجة الرجل الساخرة والمشكّكة والاتهامية وحتى التهديدية، حيال الصين تارة، وإيران تارة أخرى، وحيال كل ما يقع بصره عليه: تغاضوا باعتبار أن المهم هو أن يُشجّع على استعادة توازنه لاتخاذ القرارات المناسبة لحماية البشر.. حتى لو كان المتغاضون عن السوء يعرفون أن تقلباته تلك، مصدرها أنه لا يفكر إلا بالانتخابات المقبلة – متى أصلاً يا رجل؟ الله أعلم! – وبالطريقة المثلى لإدارة فرص نجاحه فيها، أو محو أخطائه الفادحة التي تهدد بشكل جدي هذه الفرص.

ترامب هو النموذج الفج لمآل التوحش النيوليبرالي للرأسمالية.. ليفاجَئ الناس بأن السادة الآخرين ليسوا حقاً أفضل منه، حتى ولو كانوا أقل ابتذالاً وأقدر على تغليف كلامهم، وما يظهر من سلوكهم، برداءات من الثقافة والتهذيب والأناقة والترفع…

الأمثلة عن الآخرين كثيرة، وتغطي العالم، بغض النظر عن الاختلافات السياسية بين الأنظمة. فالعطب هو في السلطة والاستحواذ عليها، وما تتيحه من امتيازات معنوية ومادية. لكن الأمر ليس فردياً أو نفسياً. فخلف كل رئيس أو مسؤول تقبع مجموعات متشابكة من المصالح المالية والصناعية الهائلة.

كنا سهونا بمناسبة كورونا عن اللوبيات التي حالت (مثلاً) دون اتخاذ المفوضية الأوروبية (مثلاً مرة أخرى) قراراً بمنع تسويق المبيدات المعروفة باسم “راوند أب” المصنوعة من مادة “غليفوزات” glyphosate الخطيرة، وهي تُستعمل في الزراعة على نطاق واسع عالمياً. لم يفعلوا بحجة نقص الأدلة، والحاجة لمهل الخ.. أو هي حالت دون حظر المنتجات المعدلة جينياً (OGM) بحجة أنها باب للوفرة في الإنتاج ومحاربة الجوع في العالم (!)، بينما الوفرة الوحيدة وُجدت في جيوب الشركات وعلى رأسها “مونسانتو” التي ترعى المنتجَين معاً، ومعهما آلاف مجموعات الدعاية والضغط في العالم، وتقدم رشًى أو تدعم مسؤولين أو تحاربهم. وهكذا في السلاح، وفي الدواء إلخ.

.. في الدواء! حيث يتناطح وسط كارثة كورونا نفسها، بلا خجل ويكاد يكون بلا مواراة، متنفذون سياسيون وعلماء ومختبرات، متنافسين داخل كل بلد، وعلى نطاق عالمي. مع بهارات من التفاخر الوطني حيث يمكن، لزوم التشاوف والإقناع. يتناطحون قبل أن يتحقق إنتاج لقاح أو علاج، فيما عدّاد الموتى يرتفع بتعاظم، وتصل أخبار وصور جديرة بالقرون الوسطى لطاعنين في السن يموتون لوحدهم في دور رعاية متروكة، وجثث تتراكم بلا مكان لحفظها قبل التخلص منها، وزعماء يحذِّرون بكل هدوء ووقار من إمكان توقع ضحايا بالملايين، والخوف هو أحد أدوات السيطرة على الجموع والتحكم بها. وهذا يُرى في البلدان “المتحضرة”.وأما في بلداننا الفقيرة، فالكارثة ونتائجها تكتفي بالأرقام الباردة (والمزورة)، أو حتى تدور بلا أرقام، ولا تترافق مع صور، ولا مع تغطيات صحافية وتلفزيونية مزلزِلة. فمن يكترث؟

ووسط كل هذا، يجري التغنّي بال”أبطال”. الممرضات والممرضين والطبيبات والأطباء والمسعفين من الجنسين، في المستشفيات العامة، يستميتون لإنقاذ الأرواح، متجاوزين الخطر والإرهاق.

وهم يئنّون من قلة الإمكانات التي بين أيديهم.. وهو الشيء الوحيد الذي عرفوه وخمّنوا نتائجه قبل الجائحة – ومن دون تخيل جائحة – فأضربوا وثاروا وكتبوا العرائض وقابلوا المسؤولين، وانتحر بعضهم يأساً.. بلا طائل.

أبطال فعلاً، يتجاوزون بمناسبة الكارثة، وعلاوة على كل شيء، بؤس معاشاتهم وشروط عملهم التي كانوا قد صرخوا بها من قبل.

فهل سيكافَأ الأبطال، ليس بعلاوات – فهذا بمقدار ما هو إجراء سهل، فهو شكلي وهو معيب – وإنما بإعادة تنظيم الصحة العامة، وإعطائها ما تستحق من موازنات، وإمكانات، ورعاية. وهناك أبطال سواهم، وقد كشفت كارثة كورونا في كل مكان عن الفئات والمهن الضرورية حقاً للمجتمعات.. كما أعادت التذكير – لو ثمة داعٍ لذلك – بأن تأمين الصحة العامة لا يتوفر بدون تعليم عام متين، وشروط حياة لائقة بآدمية البشر، وأن الأمر يخص زاوية النظر للمجتمعات، ما بين الاشتغال من أجل رفاهها، أو تجاهلها والانصراف إلى تنمية “بزنس” قلة القلة.

ما يُكشف عنه من خطط المستقبل التي تعدها السلطات، يوحي بأن أصحاب هذه الأخيرة لم يفهموا! وقد نشرت صحيفة “ميديابارت” الإلكترونية الفرنسية بتاريخ الأول من نيسان/ أبريل، تقريراً سُرّب إليها عن مقترحات الجهة المكلفة بخطط المستقبل. مرعب! تتجه التوصيات لمزيد من الخصخصة تحت مسمى “التعاون بين القطاعين العام والخاص”. ويعتمد التقرير المرفوع إلى الجهات العليا لغة تكنوقراطية لا تكترث بأوضاع العاملين في القطاع ولا بالناس عموماً.

فهل سيُضحّى بسرعة ب”الأبطال”، حين تهدأ الأمور؟ ولو حصل، فهل سيُعْمد إلى الاتكال مثلاً على الروبوتات (من حسن الحظ أنهم ما زالوا قلة!)، باعتبار أن البشر ثقيلو الظل ومشْتكون دائمون، وما زالوا يفكرون ويطالبون، ولم يتأقلموا بعد مع الانسحاق التام، العبودية.. وهم كذلك منذ فجر التاريخ، مع العبد سبارتاكوس المتمرد، وحتى السترات الصفراء في فرنسا وشبان وشابات العراق المنكوب، ولائحة طويلة غيرهم من المتمردين الجدد؟

ثم من سيسدد فاتورة الاستشفاء، وهو يُخطط لإلغاء مجانيته التي أقرت في وقت ما بوصفها حقاً أساسياً للإنسان؟ القادرون فحسب؟ فكم أعدادهم، وهل سيُباد الآخرون؟

وكجزء من الإبادة، يَحْضر واقع الأغلبية الكبيرة من البشر الذين طُلب منهم التزام الحجر بوجه كورونا. فهل يمكن للأحياء العشوائية وشبه العشوائية المكتظة، في القاهرة، مثلاً، ولكن وكذلك، وإنْ وفق مقياس أصغر بكثير، في أحياء طرابلس- لبنان مثلاً أن تلتزم بالحجر؟ من يُطعم الذين يعملون في مهن يومية أو في كل مهن الاقتصاد الموازي، بلا معاشات ثابتة ولا ضمان اجتماعي وصحي، وهم صاروا أغلبية الشغيلة في بلداننا. وكيف يُطبّق الحجر في غرف ضيقة ومكتظة، تعاني من مشكلات عدم توفر المياه علاوة على الغذاء الذي انقطع. ومن أين الدواء؟ سيبادون!

.. وسيكثر الآخِرَويون بكل أصنافهم ومعتقداتهم. وسيكثرالمشعوذون!

السفير العربي

——————————

لا وقت للموت”كيف أصاب فيروس كورونا الديمقراطية في جميع أنحاء العالم/ برونو كوفمان

أدّى الانتشار المُستمر لفيروس كورونا إلى شَلّ الحياة حول العالم. الأنشطة العامة تم إلغاؤها – حتى عَرْض أحدثَ أفلام جيمس بوند – كما تم تأجيل الاقتراعات الشعبية في جميع أنحاء العالم. مع ذلك، لا يوجد أي أسباب يدعو الأوتوقراطيين والقوميين والشعبويين إلى إعلان النصر.

لا تبدو الأمور على ما يُرام حالياً، بَلْ وعلى العكس من ذلك في الواقع. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل بضعة أيام، فإن فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) “يُهدد البشرية جَمْعاء”، مُشيراً إلى الوباء الذي وضع أكثر من ثلاثة مليارات شخص قيد الحَجر الصحي، والذي قد يتسبب في أسوأ ركود اقتصادي في العصر الحديث.

في هذه المرحلة، لا يُمكن لإحد أن يقيس نطاق هذه الأزمة والعواقب المُترتبة عنها تماماً. “علينا أن نفْهَم بأننا لسنا نَحن مَن يحدد الجدول الزمني، لكن الفيروس هو الذي يُحدد ذلك”، كما قال أنتوني فاوتشيرابط خارجي خبير الأمراض المُعدية في البيت الأبيض، بعد أن كان الرئيس دونالد ترامب قد بَحَث إمكانية تَخفيف القيود المتعلقة بالفيروس.

في بلدتي الصغيرة في السويد، أدرَكْتُ مدى خطورة الوضع قبل بضعة أسابيع لأول مرة، إثر عودتي من رِحلةٍ إلى القُطب الشمالي لإنجاز تحقيق صحفي. العنوان الرئيسي للصحيفة المحلية للبلدة كان ينص على”تأجيل الاستفتاء المدرسي”. وكان يفترض أن يكون هذا هو الاستفتاء الشعبيرابط خارجي الأول من نوعه الذي يطلقه المواطنون بموجب قانون جديدرابط خارجي تم تبنيه قبل بضعة أعوام.

لكن هذه لم تكن سوى القطرة الأولى من ‘تسونامي كورونا’ الذي عَلَّق الديمقراطية التشاركية والمُباشرة في العديد من الأماكن، بما في ذلك بلدي الأصلي سويسرا، حيث تم إلغاء تصويت شعبي كان من المقرر إجراؤه يوم 17 مايو، بالإضافة إلى الأيقاف المؤقت لحملات لَجِمع التواقيع لاستفتاءات واقتراعات قادمة.

‘رئيس مدى الحياة’؟ هذا مؤجل أيضاً!

كما بات واضحاً، فإن هذا الوضع لا يختلف في أجزاء أخرى من العالم.

ففي الولايات المتحدة، حيث انصَبَّ الاهتمام السياسي على الاستعداد لانتخابات 3 نوفمبر (على منصب الرئاسة، والآلاف من المناصب والقضايا الأخرى أيضاً)، تم تعليق مُعظَم التجمعات الخاصة بجمع التوقيعات والحملات الانتخابيةرابط خارجي. وفي شيلي، حيث أطلق المواطنون العام الماضي عملية مُراجعة شاملة للدستور الوطني في عهد بينوشيه، تم تعليق الاستفتاء الخاص بهذا المسألة، الذي كان من المقرر إجراؤه في 26 أبريل.

وحتى في ظل نظام حكم أوتوقراطي انتخابي مثل روسيا (التي جاء ترتيبها هذا العام في الموقع 179 من 202 دولة في تقرير أصناف ديمقراطيةرابط خارجي المنشور حديثاً)، مَكَّن الوباء فلاديمير بوتين من تأجيل استفتاء استشاري كان من المُزمَع إجراؤه في 22 أبريل، والذي كان سيقدم للشعب تغييراً قانونياً يَسمح له بأن يصبح “رئيساً مدى الحياةرابط خارجي” في الواقع.

التأثير الديمقراطي للأزمة العالمية لا ينتهي بتعليق أنشطة المواطنين والاقتراعات الشعبية. فقد تم تجاوز البرلمانات في العديد من البلدان أيضاً، لا سيما تلك التي أعلنت فيها السلطات التنفيذية حالات طوارئ لم يَرَ العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية.

حالات كهذه تشمل أحد المرشحين البارزين في تقرير أصناف الديمقراطية (V-Dem report) النرويج، حيث حاولت حكومة الأقلية التي تترأسها إرنا سولبرغ [زعيمة حزب المحافظين] تجاوز البرلمان من خلال المطالبة بسلطات غير محدودة من خلال تشريع لـ”أزمة كورونا”. وفي هنغاريا، سوف تصوت الجمعية الوطنية في 31 مارسرابط خارجي على “تمديد حالة الطوارئ الحالية إلى أجل غير مسمى”، والتي تفرض – من بين قيود أخرى – “عقوبات بالسجن على أشخاص يُعتقد قيامهم بنشر معلومات كاذبة” – (كاذبة برأي رئيس الوزراء فيكتور أوربان).

مرشحون بالكمامات

لكن، وكما يعتقد دانيال كريغ في فيلم جيمس بوند القادم – والذي تم تأجيل عرضه في دور السينما حتى 12 نوفمبر –”لا وقت للموترابط خارجي” الآن لأكثر أشكال الحُكم نجاحاً وإنسانية في التاريخ – ألا وهي الديمقراطية التمثيلية الحديثة.

بَيد أن الواقع يُظهر العكس تماماً. فعلى بُعد بضع مئات من الكيلومترات من شاطئ الصين، عَرَضَت دول ديمقراطية مُتقدمة ونابضة بالحياة مثل كوريا الجنوبية وتايوان أمثلة جديرة بالإقتداء حول كيفية التعامل مع الوباء بطريقة ديمقراطية حقيقية، حيث تمكنت الحكومات في سول وتايبي، وبالتوازي مع استجابتها السريعة والحازمة لخطر الفيروس، من الحفاظ على الحقوق والحريات الديمقراطية الأساسية لشعوبها أيضاً. وفي غضون ذلك، سوف تُجرى الانتخابات البرلمانية القادمة يوم 15 أبريلرابط خارجي في كوريا الجنوبية كما تم التخطيط لها – وإن كان المُرَشحون يجرون حملاتهم في ظل ظروف خاصةرابط خارجي إلى حد ما.

وفي النرويج، قاوم البرلمان بفعاليةرابط خارجي محاولة استيلاء الحكومة على السلطة، بينما وافق مجلسا البرلمان في سويسرا على عقد جلسة خاصة للتدقيق في التدابير الشاملة التي اتخذتها الحكومة؛ حتى وإن كانت – وهذا من المهم تأكيده – القرارات التنفيذية التي اتخذتها برن متوافقة تماما مع التشريعات التي سُنَّت مؤخراً، والتي وافق عليها غالبية الناخبين في استفتاء وطني.

قيادة محلية في جميع أنحاء العالم

على الصعيد العالمي، ليست هناك في الواقع سوى أسباب قليلة جداً تدعو الأوتوقراطيين والقوميين والشعبويين لإعلان النصر. على العكس من ذلك، يقدم الوباء للعالم نافذة قوية على مستقبل يلعب فيه التعاون عبر الوطني والاستقلالية المحلية والأدوات الرقمية دوراً أكبر بكثير من اليوم.

سوف تكون الديمقراطية التمثيلية الحديثة بحاجة إلى التكيف مع مثل هذا السياق العالمي الجديد لكي تحافظ على جدواها ونجاحها. وهذا سيعني حاجتها إلى الموازنة ما بين السمات النُخبوية والشَعبوية والاستبدادية الحالية للعديد من الديمقراطيات، وأجندات الإصلاح الشامل بغية تحقيق المَزيد من الديمقراطية على جميع المستويات السياسية.

بالعودة إلى بلدتي السويدية الصغيرة، حيث سَيَحتجزني الوَضْع الحالي لفترة غير معروفة، سوف يكون لَدَي الآن الوقت لتقييم أول عملية استفتاء محلي (وتقديم مقترحات للحملة المؤجلة)، وكذلك لدراسة جميع الوثائق المتعلقة بالوضع القانوني لنهرنا (بصفتي عضو في مجلس النهر).

بالإضافة إلى ذلك، ومثل الكثير منا، سوف أستغل الفرصة لتَعَلُّم كيفية استخدام أحدَث الأدوات لعقد الاجتماعات والتعاون عبر الإنترنت.

في نهاية المطاف، يمكن للتباطؤ المُستمر في الحياة العامة والخاصة أن يُعلِّمنا جميعاً بعض الدروس عندما يتعلق الأمر بالصبر والالتزام بقضية مُشتركة. ولكن، وفي حين أن وباء كورونا سوف ينتهي في مرحلة ما، فإن الرِحلة نحو المزيد من الديمقراطية لن تنهي أبداً.

سويس انفو

————————————

العالم والعولمة في زمن كورونا/ عمار ديوب

وباءٌ عالميٌّ. هكذا صنفته منظمة الصحة العالمية. أثبت هذا الفيروس أن أنظمة العالم، شموليّة وتسلّطيّة وديمقراطيّة، وبدءاً من الصين وليس انتهاءً بأميركا، ليست أهلاً للحكم، وأنَّ البنى الصحيّة وحياة البشر غير أساسيّةٍ في منظورها، وأن ميزانية الصحة فيها لا تقارن بميزانيات الجيوش والأجهزة الأمنيّة، وبالطبع الاقتصاد، وسواها. تأخّرت الصين عن محاربة الوباء، لكنها وضعت أخيرا حدّاً له، كما تؤكد التقارير، وكانت لذلك كلفته الاقتصاديّة الضخمة، وكذلك البشريّة. تأخرت أميركا بدورها، وبدأت تعاني من توسّع انتشاره، وارتبكت في المواجهة. دولٌ كثيرة أيضاً لم توله أهمية، فراح يحاصر مدنها وسكانها بشراسةٍ، ويرسل مسنّين إلى الآخرة. ثلاث دولٍ تلتهمها الحروب، والتدخلات الإقليميّة، ويشار إليها أنّها ليست موبوءة بكورونا، وأقصد سورية واليمن وليبيا، ولكن توقعات أخرى تؤكد أنّ فيروس كورونا سيكون كارثة عليها، حيث بناها الصحيّة مهشمةُ بشكل كبير. هذا سيحدث، وهنا السؤال: إذا كانت دولة كإيطاليا انهار نظامها الصحيّ، وسلّمت أمرها للسماء! وباقي أوروبا تبدو عاجزة، وبدأت تستشعر الخطر الكبير، فماذا سيكون مصير أهالي الدول الثلاث، المبتلاة بأنظمةٍ وأمراء حربٍ وتدخلاتٍ دوليّةٍ وإقليمية، تَعنيها فقط مصالحها، ولو دُمّرت هذه الدول عن بِكرة أبيها، وانقرض أغلبية أهلها. هناك تقارير تؤكد وجود كورونا في هذه الدول، وتحذّر من كارثيّة خطورته عليها.

يربط محللون كثيرون بين عالميّة الوباء ونهاية العولمة التي وزعته على العالم! وأن الوباء الذي أقعد، بل احتجز مليارات البشر في منازلهم، وأوقف حركة المطارات، وتسبب بإغلاق المصانع وبانهيارات اقتصادية كبرى، سيغيّر من طبيعة العالم، ويخلق بديلاً أفضل عنه. كان يشار إلى العولمة بأنّها نظامٌ عالمي، تخضع فيه الدول الأقلّ تطوّراً للأكثر تطوّراً، وتنهار بسبب ذلك الأنظمة الوطنيّة والقوميّة، وبذلك يصبح العالم قرية كونيّة، وكل دوله مترابطة، وأن العولمة تمثل نهاية التاريخ.

أوضح الوباء هذا أن العولمة كنهايةٍ للتاريخ هي أكذوبة كبرى، وقابلة للتراجع. وهي بالأصل تفرض هيمنةً عالميّة لصالح بعض الشركات الكبرى، بينما العالم يزداد حروباً، وإفقاراً، وآلاماً، وأوبئة. وأدّت سياساتها الليبراليّة إلى ثوراتٍ، وحركاتٍ اجتماعيّة كبرى، هدفها إعادة النظر بالعولمة، لتكون إنسانيّة، وتحقق العدالة والمساواة والحرية، وليس مصالح الشركات الكبرى. المثال الأكثر وضوحاً عن الأكذوبة، أن دول الاتحاد الأوروبي لم تتكاتف كاتحاد ووحدة، بل إن كل دولة فيه تحاول النجاة بنفسها!

الوباء الذي أصبح عالميّاً بقوة، وأظهر هشاشة النظام الصحي العالمي، يقول إن هناك ضرورة إلى عولمةٍ إنسانيّة، وهو ما ناضل من أجله مناهضو العولمة قبل أكثر من عقد. طبعاً، لا أهمية هنا للآراء عن ثورةٍ منتظرة في الأخلاق أو مثاليات سيبزغ نورها! وأن البشريّة ستعدل عن إخفاقاتها، والوباء الذي يضرب الأغنياء والفقراء، سيقيم عالماً جديداً، يستند إلى الأخلاق وليس إلى المصالح. لا صحة لذلك، وهو يتجاهل حالة العالم تحت سيطرة الوباء، حيث يستغل التجار أدوات الوقاية الصحيّة، ويرفعون من أسعارها، أو يصدرونها وسكان دولهم بحاجةٍ إليها! وكذلك لم نشهد ظواهر اجتماعيّة وسياسيّة، توضح أن عالماً جديداً سينبلج، وستكون مرجعيته حقوق الإنسان، والأخلاق. يتبرع بعض الأغنياء، والدول ترصد مليارات لمواجهة الوباء وإنقاذ الشركات، ولكن ذلك كله سيتوقف بمجرد السيطرة عليه، وهو لإبعاد مسؤوليتهم عن الأحوال المتدهورة للقطاع الصحي في العالم، وليس دليلاً على أن عالماً يموت وآخر أرقى يولد.

ربما سنشهد سياسات شعبويّة إضافيّة، وتشدّداً في إغلاق الحدود، والعودة إلى سياسات الاكتفاء الذاتي. صورة الجيوش، وهي تحكم العالم اليوم، ستثير أحلام الطغاة والشعبويين في تخفيض مستوى الحريات والحياة الديمقراطية، وهذا بعكس الأوهام التي تؤكد أن الأنظمة المسيطرة ستغيّر من طبيعتها، بحيث تغيّر البوصلة من التركيز على الأرباح والمصالح إلى البشر وحاجاتهم وحقوقهم.

نظريات مواجهة الفيروس .. والشعبويّة

في كل الأحوال، يواجه العالم الآن فيروس كورونا، بنظريّتين: “مناعة القطيع” وهناك “تسطيح المنحني”، وإنْ كان يتجه نحو النظرية الأخيرة. أي الطريقة الصينية في المواجهة، حيث يتم عزل المدن، والحجر المنزلي أو في المستشفيات، وسيطرة الجيوش على الدول، إعلان حالات طوارئ. انتُقدت نظرية “مناعة القطيع” التي سادت في أوروبا، وهي تسمح بأن يُصاب الجميع بالفيروس، ويتعافى الأصحّاء، ويموت كبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة؛ هذا وجه فاشي في الأمر، وليس اعترافاً بشحّ الموارد، ومن أجل مناعة أقوى للجميع، الآن، ولاحقاً. الطريقة الصينية “الشمولية” أنجع بلا شك، وهي التي تسود عالميّاً.

هل سيكون إغلاق الحدود مرحلة تمهيديّة نحو سياساتٍ شعبويّة أكثر انبعاثاً، وانتصاراً للنزعات العرقيّة من جديد؟ أي هل سيتخلى العالم عن أشكال توحّده، المتعدّدة المستويات؟ هذا تفكير بسيط للغاية، ويتجاهل طبيعة النظام الرأسمالي، القائم على السيطرة على العالم، والتنافس والصراع على الثروات والشعوب. المقصد إن ضرورة تلك السيطرة ونهب الثروات وتصدير المنتجات يمنع إغلاق الحدود، وأن تصبح السياسات الشعبويّة سائدة في العالم، وهذا لا ينفي أن العالم سيعاني من سياساتٍ كهذه، ولا سيما أن نظامي الصين وروسيا يشجعان تلك الميول.

العالم سيتغيّر، وهذا سيكون على مستوى الشعوب، حيث سيتجه التفكير نحو أسئلة، كالتالي: لماذا مات الناس بفيروس كوفيد – 19، ولماذا لم تكن الدول متأهبة، ولا سيما أن العلم تطوّر بشكلٍ كبير، ولماذا ميزانيات الطب والصحة والتعليم ومراكز البحوث العلمية والجماعات بعامةٍ في أدنى حالاتها. أسئلةٌ وجوديّة وسياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة هي الآن في صلب الوعي، وكلها تُحمِّل الأنظمة مسؤوليّة ما حصل، وأن بديلاً آخر عما جرى كان ممكناً، ولم تكن البشريّة ستخسر ما خسرته، بالكثرة والكارثيّة نفسها. وبالتالي، ليست العولمة وثورات العلم وتطوّر الإنتاج الكبير هي السبب في مأساة البشرية مع هذا الفيروس، بل المشكلة في الأنظمة المستفيدة مما ذُكر أعلاه.

حقوق البشر

يحقُّ للبشريّة، وقد عانت احتجاز أفرادها وعزلة إجباريّة، أن تبحث عن عالمٍ جديد؛ المشكلة ستكون في غياب وعي جماعي عالمي نحو عولمة جديدة، والأسئلة حتى لحظته ما زالت مشوشة ومربكة، على مستوى المفكرين، فكيف بحال البسطاء. ما زالت المحاججات رديئة بامتياز، كالقول إن الليبراليّة أفضل، أو الاشتراكيّة، أو الأنظمة الدينيّة. وهناك من يفضل السلطويّة، وكل هذا خارج أسئلة العصر، حيث الثروات هائلة، والعلم يمتلك تقدماً استثنائيّاً مقارنة بالتاريخ السابق! السؤال الجذريُّ في العالم الآن، وعدا عما طُرح أعلاه، يتعلق بكيفية تثمير التطوّر المتعدّد المستويات، ووضع الإنسان في صلب تلك المستويات. أنظمة الدول المعاصرة، والتي تتمايز كثيراً، أثبتت أنهّا غير جديرةٍ بحكم الكائن النوعي، الإنسان، وأن هناك ضرورة للاستفادة من كل الإيجابيات في العالم، والبناء عليها، وبهدفٍ وحيد، وهو الحرية والمساواة والعدالة، وبغض النظر عن الجنس والدين والقومية، وعن كل أشكال التمييز التاريخي والراهن.

ربما يمكن طرح قضايا، أصبحت ضروريّة للتغيير في العالم:

أولاً، ضرورة إشادة بنيةٍ صحيّة متكاملة، وتأميم كل مجالات الطب والصحة، والتخلي عن أي أشكال من احتكار الطب والأدوية، وتأميم الشركات المتخصصة بهذه المجالات، والمستشفيات في العالم، ورفع ميزانيات الشؤون الطبية والصحية.

ثانياً، تأميم كل أوجه التعليم، ودعم مراكز البحوث العلمية، وهو سيكون مجال صراعٍ عنيفا، حيث الاستثمار فيه شديد، ويشمل مراحل عمرية كثيرة، وأعدادا هائلة من البشر.

ثالثاً، تخفيض ميزانيات الدفاع وأجهزة الأمن، وإيقاف سياسات سباق التسلح، والذي يشمل العالم، وليس فقط بين أميركا وروسيا، أو أميركا والصين، أو إسرائيل والدول العربية، وسواها كثير، وتخصّص لها أغلبية ميزانيات الدول، والموارد الطبيعية، والثروات.

رابعاً، تشكيل نظام طوارئ عالمي، لمواجهة الأزمات البيئيّة والصحية في أيّ دولة، حيث أظهرت تجربة كورونا كارثية السياسات الوطنيّة، وهذا أدى إلى انتشار الفيروس، بشكل خطير، وهو يُهدد الملايين حالياً؛ شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً.

أنظمة فائضة عن الحاجة

لم تبنَ كافة أشكال الأنظمة على أرضية النهوض بالإنسان، فلا التي تدّعي الديمقراطية السياسية، ولا التي تدّعي العدالة الاجتماعية، وكذلك من تدّعي الدين أو القومية؛ جميعها أثبتت فشلها الكامل إزاء هذا الوباء. القضية ليست وباءً جديداً، أو مستجدّاً، والبشرية لم تعرف له دواءً، كما يشاع، بل القضية تكمن في تخبئة المعلومات الأولى عن وجوده، وهذا يشمل كل الدول، وبدءاً بالصين، وهذا ما سمح له بالانتشار، والخروج عن السيطرة لاحقاً.

بيئيّاً، تناقلت التقارير الصحافية أن منسوب التلوث انخفض مع توقف مصانع ومعامل كثيرة في العالم، أي انخفض الأذى والمشكلات الصحية، والإصابة بأمراض المناعة كالسرطان. يفتح هذا الأمر نقاشاً في السياسات العدمية، وربما الهادفة، التي تتعامل بها الدول مع مشكلات البيئة والمناخ والتلوث والتصحّر وارتفاع درجة الحرارة. كشف توقف المصانع الصينية عن الإنتاج كارثة التلوث، وهذا يؤكّد إمكانية الحدّ من التلوث والتغيرات المناخيّة، والتي يشير توسعها إلى كوارث تشمل العالم بأكمله، وليس هذه الدولة أو تلك، وبالتالي هذه من قضايا البشرية، حالما تنتهي العزلة الإجباريّة المفروضة عليها.

اقتصاديّاً، تشير التقارير إلى تطميناتٍ من الأنظمة للشركات، وأنها ستساعدها في تجاوز خسائرها، وتوقف الإنتاج فيها، ولكنها تتجاهل، في الوقت ذاته، أحوال أغلبية البشر؛ وهذه ليست المرة الأولى، بل دائماً كان البشر يتركون لمصيرهم الفردي، أي للإفقار والتدهور المعيشي، وتتم مساعدة الشركات، والعودة إلى الإنتاج والاستغلال وتراكم الأرباح. تدفع هذه الفكرة محللين كثيرين للبحث عن عولمةٍ بديلة، ونظام اقتصادي جديد، وبما ينصف البشر ويساوي بينهم.

اجتماعياً، تخشى أغلبية البشر على مصيرها، حيث إن تقييد الحريات حالياً، وتسلم الجيوش إدارة شؤون المدن والدول، يوضح هشاشة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلو شأن تلك الجماعات المنظمة والمنضبطة (الجيوش)، ويوضح “البحبوحة” المالية التي تتمتع بها، وكذلك الرعاية الطبية التي تجعلها محصّنة بصورة كبيرة ضد ذلك الفيروس والأوبئة. المقصد هنا أن البشرية الآن تراقب المشهد كلّه، هم في بيوتهم، والجيوش في الشوارع! طبعاً، تقوم حالياً تلك الجيوش بأدوارٍ هامة لتأمين حياة الناس وإيقاف زحف الفيروس، ولكن الأهم أنّها تتسلم إدارة الدول، وهذا لا يحدث كثيراً، إلّا في الأزمات، وفي الحروب، ونحن في أزمة، ولكنه يوضح أن المؤسسات العسكرية أهم من كل مؤسسات المجتمع الأخرى، وكذلك أفراد الجيوش أهم من بقية المواطنين، وإلّا لماذا لم يحصل العكس؟

العزلة والجديد ثقافيّاً ..

ربما سينتج عن تجربة العزلة تفكير عميق بمستقبل البشرية، وستكون مفيدة للآداب والفنون والفكر والفلسفة بكل أشكالها، حيث ستُثَوِرُ الخيال والإبداع مجدّداً، عما يحدث في العالم، وما حدث للبشرية في أثناء الجوائح السابقة، والتي قضت على ملايين الأفراد. الحجْر الصحي الذاتي أو المفروض من الحكومات، سيساهم من دون شكٍ بإيجاد إبداعات ورؤى فكرية جديدة في العالم، وستنعكس على كل أوجه نشاطات الثقافة، وربما يكون محورها كيفية الارتقاء بكل مؤسسات العالم، لتكون في خدمة البشرية، وليس استخدمها من أجل طبقاتٍ ثريّةٍ، لطالما اغتنت على حساب البشرية، وليس فقط في بلدانها.

هل نحن نستعجل النقاش عما بعد انتهاء هذا الوباء، بينما الأدقّ أن نناقش ما يجري حالياً، وأن نهتم لمصير البشرية راهناً، والذي توحده المأساة على نحو غير مسبوق، ويتجاوز كل أشكال العولمة. الحقيقة، كما أوضحت السطور أعلاه: العالم ينكفئ على ذاته، والحدود تغلق بإحكامٍ، وكسرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، لا يساعد على تعزيز التضامن البشري، حيث نقرأ يومياً عن اتهاماتٍ متبادلة بين الصين وأميركا، أو الأخيرة وإيران، وكثير غيرها. إذاً، يهتم فقط الفقراء والأخلاقيون بمصيرٍ مشترك للبشرية، وأسقط هنا، التنمر الذي حدث ضد صينيين وآسيويين كثيرين، حيث تراجعت الموجة العنصرية هذه، ليحل مكانها إعجاب شديد بما فعلته الصين لإيقاف انتشار هذا الوباء فيها.

الطب والدين

أمر كورونا متروك حالياً للطب والعلم، وليس لرجال الدين، حيث يمتلكان هما فقط إمكانية إنقاذ البشرية. أهمية العلم المستجدة تدفع إلى تحييد الأديان عن شؤون الناس الصحيّة والبشريّة عامة، والتركيز على قضايا الإيمان فقط، حيث أثارت مواقف بعض رجال الدين، السماويّة والأرضيّة، سخريةً مريرة من سكان الأرض، وقد تراجعت مواقفهم التي ترفض إيقاف الصلوات الجماعية، أو فُرضَ عليهم إخلاء دور العبادة من السلطات، وهذا شمل مكة وبيت لحم وقم والنجف، وكل المعابد الدينية في العالم، وكذلك أماكن التجمعات الكبرى غير الدينية. والسؤال: هل ما يحصل للبشريةٍ سيدفع بعض رجال الدين إلى مراجعة رؤاهم إزاء الدين، وقراءتها وتأويلها بما يلغي كل أشكال التمييز بين البشر على أساس الدين، وتحويل الدين إلى مسألةٍ إيمانيّة محضةٍ وأخلاقيّة بامتياز.

مصير العالم

العالم كما كان منقسماً، وسيظلُّ كذلك، حيث هناك طبقات وفئات تستغل كل شيء: الثروات والطب والعلم والأديان، من أجل تعزيز مصالحها وديمومتها، وأخرى، توظفها من أجل فائدة البشريّة جمعاء. هذه مشكلة كبيرة! تغيير مصير العالم لن تقرّره هذه الجائحة، ولن تدفع نحوه؛ إنه يتعلق بالعالم ذاته، وبتشكل وعي جديد، ينطلق مما راكمته البشرية من علم وطب ومعارف وثقافة وآداب وفلسفات وصناعات، وتوظيفها من أجل البشرية جمعاء. لن يتحقق ذلك أبداً، من دون ذلك الوعي.

مشكلتنا أن العالم لا يمتلك نموذجاً للاحتذاء به، وأنظمته التي أشير إلى بعضها أعلاه، تثير مزيدا من الإحباط. وبالتالي هناك ضرورة للتخلص من فيروس كورونا، ومن كل الأنظمة التي لم تؤهل بناها الصحيّة، لمواجهة هذا الوباء، وكل الكوارث التي تلحق بالبشرية. ذاك التخلص يعني، في ما يعنيه، تغيير النظام العالمي الحالي بكل أشكاله. وبالتالي، هل حان الوقت لبناء عالمٍ إنسانيٍّ بحق؟ أعتقد بضرورة ذلك.

العربي الجديد

——————————–

لمحة عن تعامل السوريين مع كورونا/ الحسناء عدره

لم يتمكن خالد من إحياء صلاة الجنازة على روح عمه في المصلى ولا من إقامة مجلس عزاء وتوديعه بشكل لائق لتقتصر التعزية  على غرفتين في المنزل وحضور بعض المقربين والمعارف على نحو ضيق، وذلك بسبب قرار إغلاق المساجد ضمن سلسلة إجراءات احترازية اتخذتها الحكومة السورية للحد من التجمعات والاختلاط للوقاية من فيروس كورونا المتفشي في العالم. يقول الشاب: “توفي عمي منذ يومين إلا أننا لم نتمكن من إحياء صلاة الجنازة في الجامع، كما أننا استعنا بالمنزل لإقامة مجلس عزاء كبديل للصالة بعد محاولات عديدة للحصول على موافقة من وزارة الأوقاف للحصول على إذن بفتحها، إلا أن جميع هذه المحاولات بائت بالرفض، فيما اقتصرت لائحة المعزين على الأهل والأقرباء فقط إذ أن جميع صالات العزاء في العاصمة  قد أقفلت في خطوة احترازية من انتشار فيروس كورونا.”يُعد قرار إغلاق المساجد خطوة استفزازية وساخطة بالنسبة لمتدين عاكف على صلاة الجمعة كخليل الذي يُعرب عن غضبه واستغرابه في آن معاً قائلاً:  “هذا الإجراء هو الأول من نوعه في سورية خلال عقد وأكثر، فلم يحدث قط أن أغلقت المساجد حتى في أتون سنوات الحرب التي عشناها وأمطرتنا بوابل من القذائف”.

ما إن عاد طاهر من إيران التي تُعد في مقدمة الدول التي انتشر فيها فيروس كورونا حتى تحول إلى شخص من أصحاب الشبهات وانهالت عليه نظرات الخوف والشك بإصابته بالفيروس لدرجة أن شقيقته رفضت الاقتراب منه خوفاً من أن يكون قد أصيب بالعدوى. وعن تجربته يقول: “البعض من أصدقائي بدأ يتحاشى لقائي وكانوا يشيرون بأصابعهم في مزاح لا يخلو من الجد أنني مصاب بفيروس كورونا، حتى أختي لم تسمح لي بمصافحتها  وتقبيلها ظناً منها أنني أصبت بالعدوى”. يتأكد عامر قبل أن يسلم رأسه للحلاق من تعقيم الكرسي وأدوات الحلاقة بالكحول جيداً خشية التقاطه للفيروس ويقول: “سألت الحلاق مراراً عن تعقيمه لآلة الحلاقة، كما أنني أخذت بنصيحته بجز شعري ولحيتي أكثر من المعتاد تحسباً لقرار الإغلاق الذي قد يمتد لأسبوعين وأكثر”.

وهناك من على يقين تام أن من نجا من الحرب بأعجوبة سوف ينجو حتماً من هذا الفيروس؛ فحاتم يساوره شعور داخلي خفي بعدم وصول كورونا إلى سورية معزياً السبب إلى اكتساب المواطن السوري لقب أكثر الشعوب العربية صبراً وتحملاً للشدائد بجدارة. هذا الرأي يؤيده مازن وبشدة نظراً للأهوال التي خاضها خلال سنوات الحرب قائلًا: “واجهنا الموت بأقسى أنواعه وأشكاله وكابدنا ظروفاً في غاية القسوة من تفجيرات وقذائف وخطف وحصار حتى بات فيروس كورونا معركة خاسرة وهشة أمام تلك المعارك التي خضناها”. بينما يُردد إياد عيسى وصفة سحرية  قديمة يتفرد بها المواطن السوري لرفع مناعته ومواجهته لأعتى أنواع الأمراض موضحاً بالقول: “نعيش منذ الأزل في بيئة ملوثة غير صحية، وأسلوب حياتنا يفتقر لأدنى معايير الشرط الصحي،  ما هيأ أجسادنا وأكسبها مناعة عالية في مقاومة الأمراض؛ فدمشق تُصنف ثالث مدينة في التلوث على خلاف الدول المتقدمة التي تُعد النظافة فيها شرطاً صحياً بديهياً وغير قابل للمساومة”. هذ الرأي يتبناه علي ليضيف بالقول: “اعتدنا على المناخ الملوث العبق بنفاث السيارات ومخلفات القذائف والصواريخ وروائح الصرف الصحي والنفايات والمياه العكرة والخضار البلاستيكة؛ فجميع هذه العوامل أكسبت أجسادنا صفة المقاومة ورفعت مناعتاه لتتأهب لأي مرض فالجسم أصبح مسبقاً معتاداً على التعامل مع الجراثيم والفيروسات باستثناء من لديه مرض مناعي يجعل مقاومته للأمراض ضعيفة كمرضى الربو والسرطان والسكري وغيرهم.”

أخرجت سماهر (طالبة طب بشري) من حقيبتها أسلحتها الكحولية  المكونة من مناديل معقمة ومحلول وقفازات وكمامة لمجابهة “كورونا”. تُمسك  السيجارة بيدها اليمنى وعبوة المعقم باليد الأخرى تحسباً لأي عطسة مباغتة وتقول: “حماية أنفسنا من العدوى هي مهمة أشبه بالمستحيلة بالرغم من وجود هذه المطهرات، كما أن  تبديل الكمامة كل ساعتين يُعد خياراً غير متوفراً أولاً في ظل انقطاعها ومكلفاً ثانياً، ناهيك عن عدم قدرتك على منع نفسك من لمس وجهك أو عينيك”.

في حين لا تُعير نور أهمية لهذا الفيروس الذي أصاب البشرية  جمعاء دون استثناء متكأة إلى إيمانها الديني العميق والتسليم  بالمشيئة الإلهية دون أذن صاغية لكلام العلم والإرشادات الضرورية، فتقول الشابة: “كل ما يأتي من عند الله هو خير لنا، وسيقع ما كتبه علينا، فمهما قمنا باحتياطات رادعة للوباء فلا طائل منها إن أراده الله لنا والعكس صحيح، فلا داعي للهلع والذعر”. أما  لبنى فلا تلتزم بوضع قناع الوجه الواقي مكتفية بالقفازات فقط  بالرغم من كونها تعمل في جمعية الصحة الخيرية التابعة لمنظمة “اليونيسف” مع العلم أن عملها  يتطلب تماس مباشر مع الأشخاص وعن ذلك تقول: “لا أستطيع تحمل الكمامة على وجهي، تمنعني من التنفس وأشعر وكأن شيء يخنقني، فأكتفي بالقفازات التي تعد  مهمة جداً في عملي عند تبادل الأوراق الشخصية ودفاتر العائلة للمواطنين فأنا على احتكاك مباشر ودائم  معهم.”

تُخالف سلوى صديقة لبنى سلوك صديقتها وتوبخها على إهمالها وعدم تقيدها بإجراءات السلامة الشخصية خاصة أنها تعمل في مجال الصحة ويجب أن تكون قدوة للناس وأكثر وعي، لذا قررت سلوى الاعتكاف في قريتها بالساحل السوري ريثما انتهاء فترة الحجر الصحي التي فرضتها الحكومة السورية على مواطنيها.

أزمة ثقة بالجهاز الصحي والإعلامي معاً

قبل إعلان وزارة الصحة السورية عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد لشابة قادمة من لبنان، كانت ألسنة الشارع السوري لا تكف عن لوك أخبار وجود حالات إصابات  غير مؤكدة دون تفويت البعض منهم  لفرصة الاجتهادات الشخصية والمزوادات بارتفاع الأرقام نتيجة تداولها عن القيل والقال دون التأكد من دقتها، توضح سحر: “سمعتُ بوجود 200 حالة مصابة بفيروس كورونا في مستشفى المجتهد وذلك على ذمة سائق الأجرة الذي ركبت معه”؛ فيما تجد أن هذا الرقم انخفض إلى النصف على لسان شخص ثان، وتضيف المرأة: “إن كانت هذه الحالات حقيقية فلماذا لا تفصح عنها وزارة الصحة والإعلام وتخشى نشرها؛ فمن غير الممكن أن تكون هذه الإجراءات الوقائية الحذرة كإغلاق الجامعات والمدارس وتقليل التجمعات من أجل شيء غير موجود أصلاً.”

أما هنادي فتوافقها الرأي من ناحية قلة الثقة بالجهاز الصحي والإعلامي لكنها ترأى أنها قد تكون مجرد أساليب احترازية لعدم تفشي الوباء وأخذ الحيطة أسوة ببلدان العالم، بالإضافة إلى أن لا مصلحة لأي جهة رسمية من حجب معلومات مهمة كهذه عن الشعب ومحاولة تضليله، وتوضح وجهة نظرها: “لا أعتقد أن وزارة الصحة والإعلام تخفيان وجود إصابات لاسيما أن الأمر يتم بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية التي تُعتبر جهة حيادية وغير منحازة”، لتختتم الشابة بالقول: “آمل حقاً أن لا يدخل الوباء إلى بلدي ويحمينا الله، يكفينا همومنا ومصائبنا التي لا تنتهي.”

دور منصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في التهويل

لا شك أن هناك جانب إيجابي لتطويع ماكينة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتوتير في خدمة الشعوب ومساهمتهما في زيادة وعيهم إزاء مواضيع معينة وكيفية التعامل معها بدقة، لكن أيضاً هناك جانب سلبي من حيث التمادي في دور هذه الوسائل الإعلامية بالإسراف في رسم ونشر هذه  الصورة حد المغالاة والتهويل. يؤكد إياد الذي يعتقد بضلوع الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تضخيم فيروس كورونا والتعاطي معه بصورة مبالغة أن “الاستخدام الزاخم بدون وعي مدرك لوسائل التواصل الاجتماعي وتجنيدها في تصوير أدق تفاصيل الحياة ومشاركتها للجميع يساهم بشكل كبير في زيادة حجم الأمور وإعطائها مساحة أكبر من حجمها الطبيعي، فكلما قل التعامل مع قضية معينة انخفضت أهميتها ودرجة انتشارها والعكس صحيح، لكنني لا أنكر خطورة الفيروس وضرورة التعامل معه بحذر والتصدي له.”

دعابات الكورونا “شر البلية ما يُضحك”

يطلق باسل دعابة من وحي فيروس “كورونا” المستجد في أرجاء   صالون الحلاقة الرجاليةلتتردد صدى ضحكات الحاضرين، فيما يستمر السوريين في تبادل الرسائل فيما بينهم على أجهزة الهواتف الخليوية عن نكات “الكورونا” كوسيلة  دفاعية جماعية في وجه الفيروس وتحجيمه قدر المستطاع؛ فلا يمكن أن تفلت جائحة الكورونا التي اجتاحت العالم بأسره من ألسنة السوريين وسخريتهم المعهودة ومهارتهم العالية بتحويل الألم والمصائب إلى مادة دسمة  للتندر وإطلاق الدعابات في إشارة واقعية ومؤلمة في آن معاً إلى تجاوز المواطن السوري لشتى أنواع المحن والويلات في غضون 9 سنوات من الكوارث الحياتية التي حلت عليه خلال سنوات الحرب.

—————————

السوريون ينتظرون «كورونا»…خائفين جائعين معزولين/ ابراهيم حميدي

وصول «كورونا» إلى سوريا يعني الكثير. ثقل الوباء في هذه البلد يختلف عن غيره. سيكون توغله في أراضي هذه البلاد المنكوبة، أكثر وطأة من بلدان كثيرة.

لا بيوت يبقى فيها كثير من السوريين تحسباً لغارات الوباء، ولا مستشفيات يلجأون إليها. لسيارات الإسعاف صوت آخر، وخيمة مرمية في العراء، ملاذ المحظوظين من المشردين.

سوريا، خريطة مشرحة في 3 «مناطق نفوذ» على مائدة 5 جيوش بعد 9 سنوات من مخاض الحرب الدامية. كانت تترقب بأمل إشارات السلام، فإذا بأعراض الوباء تقبض رويداً على عنق البلاد وصدور أهلها.

الموعد السري لـ«تسونامي كورونا»، في مايو (أيار). ينتظره السوريون على الجمر. إلى حين ذلك، الحديث العلني في دمشق عن هذا الفيروس الخطير، خطير. تعزيزات قائمة لـ«معركة الحسم» ضده. هناك إصابات به ولا وفيات بسببه. «كورونا» لم يدخل بعد في القاموس الرسمي، سبباً للوفاة. «الالتهاب الرئوي» سبب مريح لقصة الموت. ونُقل عن شخصين في مستشفى دمشقي، أنهما تلقيا «أوامر شفهية بدفن قصص الموتى مع جثامينهم وعدم دق ناقوس الخطر».

في سوريا، تتراكم سلسلة من الأسباب تجعلها تقيم على حالة نادرة في التعاطي مع هذا الوباء:

أولاً، لم تعد الحكومة تسيطر على كامل أراضيها. منطقة فيها ثلثا سوريا ومعظم المدن الكبرى تدار من دمشق، لكن بنفوذ روسي وإيراني بقوتيه الخشنة والناعمة. الثلث الآخر، تدير معظمه الإدارة الذاتية الكردية تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة أميركا في شرق الفرات وفصائل معارضة بدعم الجيش التركي وأدواته «التتريكية» بوسائل عسكرية وخدماتية في شمال سوريا وشمالها الغربي.

ما يجمع «الدول الثلاث في الدولة الواحدة»، هو تدهور القطاع الصحي. في مناطق الحكومة، هاجر الأطباء هرباً من الملاحقات أو الخدمة الإلزامية أو بحثاً عن حياة جديدة أو أنهم بقوا لكن في إطار العمل العسكري. وفي المناطق الخارجة عن سيطرتها، دمرت مستشفيات بغارات سورية وروسية وتراجعت قدرات البنية التحتية التي أقامتها مؤسسات مدنية سورية وغربية.

ثانياً، بالنسبة إلى مؤسسات الأمم المتحدة، العمل متاح قانونياً في دمشق باعتبار أن الحكومة هي ممثل البلاد، حسب المنظمة الدولية، وليس في مناطق المعارضة. لكن إقامة مؤسسات الأمم المتحدة في العاصمة السورية، جعلها «أسيرة» قرار الحكومة ومعطياتها وخطابها في السنوات السابقة. منعكسات ذلك، بدأت تظهر أكثر لدى بدء الإعدادات لمواجهة «كورونا».

ثالثاً، استعادت الحكومة السورية معظم النقاط الحدودية والمطارات، لكنها لا تزال بعيداً عن أن تكون جميعها في عهدة دمشق. هناك نوافذ مع العراق وتركيا لا تزال تحت سيطرة الإدارة الكردية أو فصائل معارضة. كان هناك قرار دولي سمح بتمرير المساعدات الدولية عبر الحدود، لكن عدد البوابات المرخصة، قلص بإرادة روسية في بداية العام الجاري، وهو بانتظار التمديد في منتصف العام الماضي. هذا يضيف تعقيدات راهنة.

رابعاً، خروج أكثر من نصف الشعب السوري من بيوتهم. أكثر من 6 ملايين لاجئ في دول الجوار وخارجها والباقي في مخيمات مكتظة في مناطق مختلفة في البلاد. وهناك أيضاً، نازحون في مناطق الحكومة.

خامساً، وجود أزمة اقتصادية تصاعدت في الأشهر الأخيرة جراء طول الحرب والعقوبات الخارجية، إضافة إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى 1200 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان 46 ليرة في 2011. ويثير انقطاع الكهرباء ساعات طويلة قلقاً إضافياً في المنشآت الطبية.

سادساً، عقوبات أميركية وأوروبية على مؤسسات حكومية وشخصيات نافذة أو رجال أعمال بسبب دورهم في الحرب وقرب تطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي، الذي يعاقب أي جهة أو شخص بسبب المساهمة في إعمار سوريا. أيضاً، تستمر العزلة السياسية على دمشق وتغيب سفارات معظم الدول الغربية والعربية عنها.

أمام هذا الواقع، سارع كل طرف إلى «تسييس» الحرب على «كورونا». موسكو قادت مع بكين ودمشق حملة لرفع العقوبات عن دمشق. إلى الآن، لم تغث الصين سوريا بطائرة فيها معدات طبية كما فعلت مع إيطاليا. واشنطن ودول غربية بدأت حملة لإطلاق السجناء ووقف النار لـ«محاربة الوباء». أما الأمم المتحدة، فهي منقسمة. العاملون في دمشق يميلون إلى رأي الحكومة. يقودون حملة لـ«رفع العقوبات»، لكنهم لا يخوضون حواراً لدفع الحكومة كي تكون شفافية في التعاطي مع الوباء. عملياً، تدفع هذه المؤسسات إلى المساهمة في معالجة وباء غير موجود رسمياً. قبل أيام حصل اجتماع تنسيقي في دمشق لمؤسسات أممية، غاب عنه كبار المسؤولين السوريين. جرى تكرار المطالب نفسها، لكن من دون حوار يتضمن الوصول إلى ضمانات وتأكيدات بوصول المساعدات إلى جميع الأراضي السورية وقبول تقديمها عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى شمول ذلك بإيصال المعدات عبر نقاط التماس إلى مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية الذي يضم 45 ألفاً ومناطق شمال غربي سوريا أو شمالها الشرقي، حيث يقيم ملايين السوريين معظمهم نازحون.

لكن ماذا عن الواقع الصحي في سوريا؟ حسب تقرير داخلي للأمم المتحدة وبحث أعده «برنامج أبحاث النزاعات» التابع لكلية لندن للاقتصاد الممول من الخارجية البريطانية، يمكن رسم الصورة الآتية:

– نقاط الدخول

تأثرت المعابر الحدودية بوضوح بتفشي الوباء، مع اتخاذ سوريا والدول المجاورة عدداً من الإجراءات الاحترازية. وأعلن عن وقف الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي، مع فرض إجراء حجر صحي إجباري على القادمين من دول بعينها. وأجرت وزارة الصحة فحصاً للعابرين من نقاط عبور برية ومطارات دمشق واللاذقية والقامشلي قبل إغلاقها.

ومنذ 26 يناير (كانون الثاني)، أعلنت الإدارة الذاتية عن إغلاق معبر فيشخابور- سيمالكا البري غير الرسمي أمام جميع صور حركة المرور غير الطارئة، مع استثناء يوم واحد في الأسبوع للحالات الإنسانية. وفي 23 مارس (آذار)، أعلنت الإدارة الذاتية إلغاء هذه التصاريح وإغلاق المعبر لأجل غير مسمى.

حالياً، غالبية الحدود البرية إلى داخل سوريا مغلقة، مع بعض الاستثناءات المحدودة (من الأردن وتركيا ولبنان)، أمام الشحنات التجارية وشحنات الإغاثة وحركة العاملين بالمجال الإنساني والمنظمات الدولية.

وأفادت الأمم المتحدة بفرض بعض القيود على نقاط العبور داخل سوريا، بما في ذلك نقطتا الطبقة والتايهة شمال شرقي البلاد، حيث تنتشر فرق طبية لإجراء عمليات مسح ويجري فرض قيود على حركة المدنيين والسلع والشاحنات. وذكرت تقارير عن تقييد حركة الدخول والخروج في تل عبيد أمام التجار والعاملين بالمجال الإنساني والإداري. وأغلقت نقطة عبور شانان في الرقة، وكذلك أبو زندان وعون أدات (شمال ريف منبج). ورغم التوجيهات الرسمية، وردت أنباء عن بعض الحركة العشوائية حول بعض نقاط العبور، حسب تقرير أممي.

– صورة عامة وذعر

هناك ذعر بدرجات مختلفة وإقبال على شراء الحاجات في دمشق وإدلب والقامشلي. داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، يجري توفير أكثر السلع الأساسية من جانب عدد محدود للغاية من الهياكل الاحتكارية ذات الصلة بمؤسسات حكومية. ويجري دعم أكثر السلع الأساسية وإتاحتها فقط من خلال تلك المنافذ. هناك صفوف من المواطنين في كل مكان للحصول على الحاجات الأساسية، بينما تبدو الأسواق مرهقة. وتسود حالة حادة من الذعر مع إسراع الجميع لشراء وتخزين الإمدادات. ويحمل هذا الأمر صعوبة بالغة نظراً لأن غالبية الأفراد يعيشون على دخل يومي.

ولا يقف وراء حالة الذعر تلك غياب المعلومات، وإنما حقيقة أن الناس ليس أمامهم خيار آخر. في الشوارع، تبدو الحركة طبيعية، لكن المتاجر أغلقت أبوابها جبراً. والمؤكد أن الاستمرار على هذا النحو سيخلق تداعيات اقتصادية بالغة الخطورة، خصوصاً أن معدلات الفقر في سوريا تفوق 80 في المائة.

ارتفعت أسعار الخبز في سوريا كغيره من الحاجات. وحدث نقص في سلع أساسية (بنسب تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة) وكذلك في أدوات التعقيم والحماية الشخصية؛ مثل أقنعة الوجه والقفازات ومطهر اليدين التي ارتفعت أسعارها بنسب بلغت 5000 في المائة.

تشير تقديرات بعض المصادر إلى أنه في سوريا بأكملها فقط 12 ألف سرير في المستشفيات. ووصل إلى دمشق منذ يومين ألف جهاز اختبار، لكن لا تتشارك الحكومة معلوماتها مع أي جهة حتى الآن. وأكدت مصادر في دمشق أنه «لم يجرِ تخصيص أي موارد لمكافحة كورونا بسبب معاناة الموازنة من الإفلاس». وترفض الحكومة إشراك المؤسسات الدولية في جمع المعلومات وإحصاءات أعداد العاملين بالمجال الصحي. وفي الوقت ذاته، فإن الأشخاص الذين يعانون أعراض الفيروس يخشون الذهاب إلى المستشفيات. وبالتأكيد، يحمل هذا المستوى من الخوف تداعيات خطيرة على صعيد أعمال العنف والتصعيد.

يتوقع خبراء دوليون في دمشق أن يصل الوباء إلى ذروته داخل سوريا في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران). لكن حالياً، يجري الحديث عن الالتهاب الرئوي، وليس «كورونا»، تجنباً لإثارة مسألة الاستجابة الحكومية. وتفرض الحكومة حظر تجول جزئياً، لأنه في حال تسبب الفيروس في سقوط المئات أو الآلاف من الوفيات، فإن هناك قلقاً في دمشق من «منعكسات ذلك على الاستقرار للافتقار إلى القدرة على الاستجابة جراء تداعي منظومة الرعاية الصحية والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المروعة التي سيخلفها الوباء، في وقت أصبحت فيه قدرة البلاد على تحمل أي ضغوط إضافية محدودة للغاية»، حسب مسؤول غربي في دمشق.

يقول «مركز أبحاث النزاعات» إن العدد الأقصى لحالات الإصابة بالفيروس التي يمكن خضوعها للعلاج بصورة في سوريا يصل إلى 6500 حالة. ويضيف: «بمجرد تجاوز عدد الحالات المسجلة الحد المذكور البالغ 6500 حالة، من المتوقع انهيار نظام الرعاية الصحية مع الحاجة اللازمة لاتخاذ القرارات الترشيدية، مع توقعات بارتفاع المعدل الإجمالي للوفيات بما لا يقل عن نسبة 5 في المائة بين الحالات المصابة».

يضاف إلى ذلك، وجود نقص كبير في الوعي العام بمخاطر الفيروس، مع نقص كبير موازٍ في الموارد، وتدهور واضح ومستمر في الأوضاع العامة، الأمر الذي يجعلها معرضة وبشدة لمخاطر تفشي الوباء الفتاك على نطاق كبير تتعذر مواجهته أو تحمله.

– مناطق الحكومة

فرضت الحكومة مجموعة من الإجراءات الوقائية. في 24 مارس، أعلنت فرض حظر تجول ليلي بحلول مساء اليوم التالي. وأعلنت إغلاق جميع المدارس والجامعات والمعاهد حتى 2 أبريل (نيسان) 2020 على الأقل. كما جرى تعليق صلاة الجمعة والتجمعات داخل المساجد وجميع الفعاليات والتجمعات الكبرى وإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والأندية الليلية والأندية الرياضية والثقافية. وقلصت مكاتب القطاع العام ساعات العمل بها وفرضت الحكومة تقليص قوة العمل الموجودة بالمكاتب إلى 40 في المائة.

في 22 مارس، أطلقت الحكومة السورية حملة تعقيم في المدارس والسجون والأماكن العامة، مثل المتنزهات ووسائل النقل العام بالمدن الكبرى والسفن التي ترسو بالموانئ. وجرى إرجاء الانتخابات البرلمانية من 13 أبريل حتى 20 مايو. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول على المواطنين، بجانب إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد.

وأعلنت دمشق عن 5 حالات إصابة مؤكدة فقط بـ«كورونا». لكن كثيراً من المؤشرات يوحي بأن الفيروس أكثر انتشاراً من ذلك بكثير داخل البلاد قياساً إلى الأوضاع في الدول المجاورة يشارك بعضها في العمليات العسكرية في سوريا. وقال المركز: «تواجه إيران تفاقماً كارثياً في أعداد حالات الإصابة بالفيروس، في وقت تشارك فيه بقوات عسكرية في سوريا. حتى وقت قريب للغاية كان الآلاف يتحركون ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق عبر مطار دمشق أو عبر قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، خصوصاً في دير الزور الواقعة شرق البلاد، قرب الحدود مع العراق». ولوحظ أن دمشق قررت قبل أيام وضع أكثر من 100 شخص بالحجر الصحي بعد وصولهم من طهران.

الإعلان عن وجود إصابات أخذ منحى تدرجياً. في البداية اتخذت دمشق الإجراءات الوقائية قبل الإعلان عن إصابات. وكان لافتاً أنه بالتزامن مع نفي دمشق وجود مصابين أعلنت باكستان بداية الشهر، أن 7 أشخاص قادمين من سوريا تأكدت إصابتهم بالفيروس. وفي 24 مارس، أعلنت بغداد عن حالتي إصابة لشخصين جاءا من سوريا. وقال «مركز أبحاث النزاعات»: «هناك أدلة شفهية مهمة من داخل مناطق تخضع للسيطرة الحكومية حول وجود أفراد تظهر عليهم أعراض حادة للفيروس بعضهم توفي بالفعل. وهناك ارتفاع حاد في الوفيات الناجمة عن عدوى رئوية والالتهاب الرئوي بين مرضى تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، ظاهرة قائمة عبر أرجاء مختلفة من البلاد». ونقل عن شخصين في «مستشفى المجتهد» في دمشق أنهما تلقيا «أوامر شفهية» من ضباط بالاستخبارات بدفن هذه القصص مع الموتى وعدم دق أي أجراس خطر» عبر وسائل الإعلام.

– مخيمات ولاجئون

هناك 71 ألف شخص لا يزالون مشردين بلا مأوى في شمال شرقي البلاد و15 ألفاً موزعون في مآوٍ جماعية، إضافة إلى مائة ألف يعيشون في 4 مخيمات للإيواء. وبالتنسيق مع الجهات الصحية، وضعت منظمة الصحة العالمية خطة للتوعية بمخاطر «كورونا» في المخيمات والملاجئ الجماعية. وجرى توزيع مواد المعلومات، والتعليم والاتصالات ذات الصلة بتعزيز النظافة الشخصية على نطاق واسع داخل المخيمات والمرافق المدعومة، وتم تقاسمها مع السلطات بغية تعميمها على نطاق أوسع. كما جرى توسيع نطاق التعزيز والتوعية بشأن النظافة العامة داخل المخيمات.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من أن مئات آلاف الأشخاص في شمال شرقي سوريا يواجهون مخاطر متزايدة بالإصابة بـ«كورونا» بسبب انقطاع إمدادات المياه.

ومنذ عدة أيام، أوقفت محطة مياه العلوك لإمدادات المياه في رأس العين، المدينة الواقعة على الحدود السورية – التركية والخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل سورية مدعومة من أنقرة، ضخ المياه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية السورية. وأكد «المرصد» أن انقطاع المياه قررته تركيا.

وتؤمن محطة العلوك المياه لنحو 460 ألف نسمة، بينهم سكان مدينة الحسكة ومخيم الهول للنازحين، حيث يقيم الآلاف من عائلات عناصر «داعش». وأسفرت ضغوط عن إعادة تشغيل المحطة. لكن الإدارة الكردية حذرت من أن المناطق الخاضعة لسيطرتها غير مجهزة بشكل كافٍ لمواجهة احتمال انتشار الوباء. وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، إن «خطر انتشار الفيروس لدينا وارد جداً. لهذا قامت الإدارة باتخاذ عدة إجراءات مهمة من أجل مكافحة انتشار هذا الفيروس»، داعياً السكان إلى عزل أنفسهم في المنازل.

– «الكارثة الحقيقية»

للوضع الإنساني في «مثلث الشمال» في إدلب وبين أرياف حماة وحلب واللاذقية، حالة خاصة، بسبب الاكتظاظ البشري، حيث يقيم 3.5 مليون سوري معظمهم نازحون، وكان مسرحاً للعمليات العسكرية قبل وقف النار بموجب تفاهم روسي – تركي، إضافة إلى وجود تنظيمات مدرجة على قائمة مجلس الأمن بأنها «إرهابية».

منذ بداية العام، نزح أكثر من مليون مدني وهناك 60 ألفاً يعيشون في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد. وجرى إغلاق 62 منشأة صحية على مدار الشهرين الماضيين. كما فقد كثير من عمال الرعاية الصحية حياتهم أو أجبروا على الفرار خشية على أعمارهم. ونتيجة لذلك، لا يوجد في هذه المناطق أكثر من 166 طبيباً و64 منشأة صحية، من الذين يعملون بالحد الأدنى من البنية التحتية الممكنة بقدرات متدنية للغاية، حسب «برنامج أبحاث النزاعات». وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط: «بدأ اختبار الحالات المُشتبه في إصابتهم بالفيروس في شمال غربي سوريا منذ يومين بعد وصول شحنة من 300 اختبار إلى أحد شركاء المنظمة. وسيصل 600 اختبار إضافي إلى المختبر في إدلب، ومن المقرر وصول شحنة من 5000 اختبار إلى مدينة إدلب الأسبوع المقبل. وتم توزيع معدات الوقاية الشخصية بالفعل على 21 مرفق رعاية صحية، كما تم شحن معدات وقاية شخصية إضافية للعاملين الصحيين في مدينتي إدلب وحلب هذا الأسبوع».

وتعاني المنظمات الصحية السورية غير الحكومية مع مديرية الصحة في إدلب من نقص مزمن في عدد الموظفين مع قلة التمويل. وقال الدكتور منذر خليل، رئيس المديرية الصحية في إدلب، إن «احتمالات تفشي فيروس كورونا مرتفعة للغاية» وسط مخاوف من كارثة. وحذر خليل من صعوبة أن تعمل خطة الاستجابة الطارئة بفاعلية كاملة في غياب الدعم الكامل من الجهات المانحة الدولية، وذلك بسبب تدهور قدرة المرافق الصحية الوطنية، ونقص الممرضين المدربين، ونقص وحدات العناية المركزة والتعطل المستمر لشبكات المياه والكهرباء، والحركة المستمرة للمواطنين النازحين داخلياً، مع عدم قدرة كثير من الناس على التكيف مع الضغوط الاقتصادية الناشئة عن العزل الذاتي مع تعليق الأنشطة الاقتصادية.

وتنظر منظمات المجتمع المدني في شراء أطقم الاختبار من الأسواق التركية، نظراً لانعدام الثقة مع دمشق. ودشنت حملات توعية مع تطوير كثير من استراتيجيات الاستجابة الأخرى التي تستكمل جهود مديرية الصحة في إدلب والمنظمات الصحية غير الحكومية الأخرى حيال مكافحة الوباء. كما قام عناصر «الدفاع المدني» بتعقيم مخيمات وأماكن مدمرة مستفيدين من وقف النار الذي قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة دمشق التقى خلال الرئيس بشار الأسد لتأكيد تثبيتها حالياً.

«الشرق الأوسط».

——————————

فيروس رجعي: كورونا وفرصه الثقافية/ محمد سامي الكيال

ظهر كثير من التحليلات ذات الطابع الأيديولوجي، مع الانتشار السريع لفيروس كورونا حول العالم: هذا الوباء، رغم كل ما يحصده من أرواح، قد يحمل فرصاً اجتماعية وسياسية لم تكن في الحسبان. البعض يرى أنه قد يكون منطلقاً لتغيّر جذري في الرأسمالية كما نعرفها، نحو مزيد من السياسات الاجتماعية والتنسيق فوق الوطني. فهو يطرح مسائل ملحة مثل تعميم الرعاية الصحية للجميع على مستوى عالمي، وعدم ترك القرارات الاقتصادية المصيرية لحركة الأسواق الحرة.

يؤكد آخرون على أن الوباء هو إشارة تحذير للبشرية، التي تمادت في استثمار الطبيعة والسيطرة عليها. لدرجة أن انخفاض نسب التلوث في بعض المدن الصينية والإيطالية، نتيجة توقف النشاط الصناعي وحركة النقل، اعتُبر من إيجابيات الفيروس التاجي. يعتقد بعض المتدينين أن ما يحدث فرصة للتكافل الاجتماعي والعائلي، والعودة إلى القيم الأخلاقية والدينية، التي ابتعدت عنها المجتمعات الحديثة. عموماً كورونا هو فرصة لاكتساب وعي ما. يحاول كل طرف تحديده حسب أيديولوجيته وأمانيه.

من جانب آخر انتشر كثير من التصورات الديستوبية عن مستقبل البشرية بعد كورونا: عالم أكثر قمعية وسلطوية، أزمة اقتصادية كبرى تهوي بمئات الملايين من السكان إلى الفقر والبطالة والتشرد، وانهيار دول بأكملها.

لا توجد مؤشرات وأدلة كافية لتقييم صحة أي من هذه التصورات. التغيرات التاريخية الكبرى، غالباً ما تحدث بصورة مغايرة لتوقعات المعاصرين، ولا تتّبع نسقاً متسقاً يمكن تصوّره سلفاً. دعك من أنه لا يمكن الجزم بأن البشرية على عتبة تغيّرات كبرى أصلاً، أو أن الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة هشة لدرجة عدم القدرة على استيعاب تداعيات الوباء. ربما كان الأجدى مناقشة ما يجري في الحاضر، أكثر من التسرّع في إطلاق التنبؤات المستقبلية، والحديث بمنطق «نهاية العالم». فهل يحمل كورنا بالفعل فرصاً اجتماعية وبيئية وأخلاقية إيجابية في سياقنا الحالي؟ وما هي نتائجه على مستوى الخطاب العام، ونظرة البشر لأنفسهم وعلاقاتهم الاجتماعية؟ هل يمكن اعتباره فيروساً «تقدمياً»، بمعنى أنه سيقوم بتسريع تحقق إمكانيات كامنة في المجتمعات والمنظومة العالمية، أم هو فيروس «رجعي» يساهم بتجميد الأوضاع الحالية، وتقوية مظاهر ظُن أن البشرية اقتربت من تجاوزها؟

إمكانيات العزلة

يعيش الملايين حالياً تحت إجراءات مثل، تقييد الحركة أو حظر التجوال، التي أصبحت ضرورة لا بد منها في معظم البلدان التي تفشى فيها الفيروس. يناقش كثيرون الإمكانيات التي يمكن أن توفرها العزلة الاجتماعية المفروضة، مثل تطوير أشكال إدارية أكثر مرونة، وتغليب مبدأ العمل من المنزل، في حين يناقش آخرون عدم عدالة هذا: أنماط معينة ومحدودة فقط من العمل لديها رفاهية تحمّل العزلة، وهي أنماط عمل الفئات الأكثر حظاً أساساً، في حين سيفقد آخرون، ممن يعتمدون على عملهم اليدوي اليومي، مصدر رزقهم، أو يضطرون للعمل في الخارج، معرضين أنفسهم لخطر العدوى.

من الصعب اعتبار انتصار مبدأ العمل من المنزل، في قطاعات العمل المرن، تطوراً كبيراً في نمط الإدارة الحالي، فالميل لضغط النفقات، وابتكار أساليب أكثر سيولة في استخلاص أعلى إنتاجية من الموظفين، معروفٌ ومتّبعٌ منذ زمن، كما أنه لا يشمل إلا جانباً محدوداً من العمالة، وإلى جانب محدوديته فلا يمكن توقع استمراريته إن لم يثبت نجاعته المالية والإدارية. الأكثر إثارة للانتباه هو تعزز اتجاه تفكك مواطن العمل التقليدية، حيث يعمل البشر معا، يتعرضون لنمط موحد من الاستغلال والتطويع، ولكنهم في الوقت ذاته يكتسبون إمكانية تطوير علاقات اجتماعية تضامنية، تساعدهم على تحدي الاستغلال، وتحسين ظروف حياتهم. هذه الإمكانية ليست مطروحة بشكل كبير في قطاعات العمل المرن، التي يسودها أصلاً التنافس وضعف الأشكال التضامنية، ولكن في قطاعات أكثر تقليدية، يسهلُ فيها اكتشاف «العمالة الفائضة» تحت ضغط الأزمة، سيؤدي الميل لـ«المرونة» إلى تقليص أكبر لحقوق العمل، وضغط أكبر على العاملين، يضعف أي فرصة تضامن ممكنة، تحت تهديد الإرسال للبطالة المنزلية المفروضة.

وكما يؤدي تفكيك مواطن العمل إلى تدني فرص التضامن الاجتماعي، ذات الطبيعة التعاقدية، فإن العزلة المنزلية تعزز اتجاهين أكثر انغلاقاً: الأول هو الفردانية، المرتبطة بدعوات الاستفادة من الوقت الفائض لتطوير المهارات الذاتية، وهو اتجاه يُعرّف الفرد بوصفه مجموعة مهارات قابلة للاستثمار ضمن «مساحة خاصة»، بمعزل عن السياق الاجتماعي. والثاني هو العائلية، فكل العلاقات الاجتماعية، بما فيها الصداقة والجيرة والمحبة، تعتبر ترفاً زائداً عن الحاجة في زمن الحَجر، في حين تبقى العائلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية، التي يعتبر التواصل فيها بين الأفراد مقبولاً، رغم كل ما تتيحه من فرص اختلاط بين أجيال متعددة، تتفاوت مناعتها تجاه المرض.

يصعب اعتبار تعزيز العزل المنزلي للفردانية والعائلية فرصة ثقافية ذات أبعاد تقدمية، كما ان إغلاق المساحات العامة يمكن أن يقوّي كل أشكال السلطوية والاستغلال. بهذا المعنى يمكن اعتبار كورونا متماشياً مع اتجاهات سياسية واجتماعية ظهرت منذ ثمانينيات القرن الماضي، رفضت ما هو اجتماعي تعاقدي لمصلحة انعزال فردي وهوياتي في الآن ذاته، وبالتالي فالوباء لا يصيب الأيديولوجيا النيوليبرالية في مقتل بقدر ما يعززها ثقافياً.

التواضع الإنساني

الميل إلى ذمّ الحضارة والمدنية، اتجاه ثقافي لم يرتبط على الأغلب بتطلعات تقدمية، بل كان ملازماً لحركات ذات أيديولوجيات دينية وشبه دينية، لعنت «المدن الفاسدة»، التي فقدت قيمها المتعالية، وغرقت في الجشع والخطيئة، والنتيجة في كثير من الأحيان كانت إقامة أنظمة شديدة التزمت والقمعية، فرضت أحكام «مدنها السماوية» بقسوة على البشر. يُبدي جانب من الحركات البيئية في عصرنا سمات مشابهة، من خلال معالجة المشاكل البيئية، بوصفها اعتداءً على الطبيعة من البشر الجشعين والمحبين للاستهلاك، فتبدو الحضارة الحديثة بحد ذاتها خطيئة، بما يلازمها من تصنيع وحضرنة وتطوير للاحتياجات الإنسانية.

قد يكون إغلاق المعامل في الصين وعدد آخر من الدول أدى إلى انخفاض التلوث، ولكن لا يمكن اعتبار هذا عاملاً إيجابياً بحد ذاته، فتعثر الصناعة هو مأساة لآلاف العمال الذين فقدوا فرص عملهم أو انقطعت مصادر دخلهم، ولن يساعد الهواء النظيف هؤلاء كثيراً في تجاوز محنتهم، إضافة للتداعيات الاقتصادية، التي ستدفع الفـــــئات الأفقر ثمنها على الأغلب، فإن حالة الطوارئ التي فرضها الوباء تبدو مغرية للتعميم. يرى بعــــض الناشطين البيئيين، أن المشاكل البيئية لا تقلّ خطورة عن انتشار فيروس كورونا، ويطالبون بحالة طوارئ بيئية صارمة، تسمح للدول باتخاذ إجراءات إنقاذية لا تُعنى كثيراً بالآليات الديمقراطية. يمكننا بسهولة تخيّل مطالب مشابهة من كل مجموعة أيديولوجية، ترى في الإجراءت الاستثنائية خلاصاً من ابتعاد البشر «الأنانيين» عن أفكارها وضروراتها.

الخوف على كبار السن وضعيفي المناعة جانبٌ أساسيٌ في الجهد المبذول في مواجهة الوباء، ينبع أساساً من قيم التعاطف والتضامن، وهي قيم إنسانية تطوّرت في إطار اجتماعي، ولا توجد بالشكل نفسه في البيئات الطبيعية، التي لا تهتم كثيراً بقيم الخير والشر والتعاطف. فضلاً عن كون الطبيعة نفسها، والحديث عن التوازن فيها، مفاهيم إنسانية بدورها. عدم قدرة كثيرين على فهم هذا يبيّن مدى مساهمة الفيروس في إنعاش دعوات غير تقدمية للغاية.

كورونا والثورة

يبدو الحديث عن عجز الرأسمالية عن مواجهة الوباء أمراً مبالغاً فيه، تنافس شركات الأدوية مثلاً على إيجاد أدوية ولقاحات للمرض، عاملٌ إيجابي في تطوير البحوث الطبية، إذا ابتعدنا عن نظريات المؤامرة، كما أن ضرورات السوق الحالية تشجّع مزيداً من الإنتاج في مجال المعدات الطبية. تلعب الدول بالتأكيد دوراً شديد الأهمية في التخطيط الاقتصادي، وقد تضطر أحياناً لإجراءت تشبه التأميم، كما حدث في الأزمة المالية عام 2008، ولكن هذا لا يعني انتصاراً للاشتراكية، فالرأسمالية لم توجد يوماً إلا بارتباط مع الدولة وإجراءاتها، والسوق الحرة بالكامل ليست إلا نموذجاً أيديولوجياً.

قد تساهم بعض الأزمات باندلاع ثورات اجتماعية كبرى، ولكن الوباء لا يبدو حتى الآن أزمة من هذا النوع. في غياب المجتمع والطبقة والمساحة العامة لا يمكن الحديث عن تغيير، مهما اكتسب الأفراد من الوعي أثناء عزلتهم. تحتاج قضايا مثل تعميم الرعاية الصحية، وتخفيف عبء الأزمة عن الفئات الأدنى، جهوداً اجتماعية أكثر تكاملاً وتنظيماً، تسعى لاستعادة البشر للسيطرة على إنتاجهم لعالمهم، وهو ما كان يبدو صعباً ومتعذّراً حتى قبل الوباء. ربما كان العمل على ترميم المجتمعات والحيّز العام بعد الأزمة، أكثر جدوى من تخيّل نتائج ثورية لوباء لا يمكن أن يجلب معه كثيراً الإيجابيات، وهذا يتطلّب أساساً الإصرار على رفع الإجراءات الاستثنائية فور انقضاء الضرورات الطبية الملحة، والتمسّك بالديمقراطية وإمكانياتها الاجتماعية، بدلاً من التنظير لعدم فاعليتها.

٭ كاتب من سوريا

تاقدس العربي

———————————-

في زمن كورونا بريطانيا تغرق والإعلام يعوّم جونسون.. أَمَجدٌ مؤقت قبل الكارثة بدقائق؟/ ندى حطيط

حتى عندما كان بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانيّ، مجرّد صحافيّ صغير في يومية يمينيّة لا يقرأها سوى كبار السنّ، لم يكن يخفِ طموحاته ليكون أعظم سياسيّ بريطانيّ في التاريخ، مستلهماً أنموذج معبوده الشخصي وينستون تشرشل.

الأخير – رئيس الوُزراء الذي قاد المملكة المتحدة خلال الحرب العالميّة الثانيّة (1945-1939)، واعتبر بطلاً قوميّاً بعد انهيار النازيّة وسقوط برلين – كان لمع قائداً وطنياً في ظلّ الأزمة وعليها بنى مجده، وفق ما كتب جونسون المؤرّخ – بحكم التّأهيل الجامعي – في سفره الضخم عن سيرة تشرشل، ولذا فلا شكّ أنّه كان يبحث بدوره عن أزمة وطنيّة كبرى تفتح له أيضاً بوابات السؤدد.

ظنّ جونسون أن بريكست ستكون فرصته المنتظرة، فاكتفى بمراقبة تخبّط رئيسته السابقة تيريزا ماي المعلن أمام انقسام البرلمان وانشطار الأمّة حول شكل العلاقة مع الاتحاد الأوروبيّ وانتظر تعاظم الشقّة بين الجانبين، قبل أن يقدّم نفسه مسيحاً مخلصاً للجميع: لإنقاذ حزب المُحافظين الحاكم من سياسة حافة الهاوية وإمكان خسارة السّلطة، والبلادَ من الفرقة والترّقب.

وبفضل التّغطية الشديدة الانحياز لجونسون من قبل الإعلام البريطانيّ وعلى رأسه «بي بي سي» مقابل مرشّح المعارضة جيريمي كوربن، حصل الرّجل في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 على أغلبيّة مريحة داخل مجلس العموم مكنته من تشكيل حكومة محافظة خالصة دون تحالفات مقيّدة.

كان أوّل ما تولاه في منصبه الجديد حسم مسألة بريكست وإخراج المملكة (رمزيّاً على الأقلّ) من ربقة حكم بروكسيل مع نهاية المهلة المعلنة لذلك 31 يناير/ كانون الثاني بداية العام.

كانت عند الرّجل أحلام كثيرة لإعادة تشكيل بريطانيا المعاصرة اقتصادياً وسياسياً في طور جديد.

أراد أن يدير ظهره إلى جيرانه الأوروبيين ويستقبل أبناء العم الأمريكيين، مستعداً لأجل ذلك أن يتوّج سنوات من حرب حكومات اليمين على قطاع الصّحة الوطنيّة العام البرّيطاني ببيعه قطعة قطعة لرأس المال الأمريكي، ليخسر البريطانيون بذلك أهم مكسب جماعيّ حققوه لهم من ملوكهم في التاريخ مقابل تدفق رؤوس الأموال إلى جيوب أثرياء البلاد.

عن فرحة لم تكتمل: كورونا أطاح ببريكست

لكنّ احتفالات جونسون ليلة 31 يناير/كانون الثاني لم تكتمل، إذ أغرقه معاونوه بالتّقارير العاجلة عن وصول حالات أولى فيروس كورونا إلى البلاد والذي كان أنهك الصيّن البعيدة. ثلاث حالات هنا، وحالة هناك، ثم ثلاث أخرى وهكذا رويداً رويداً حتى وصلنا في شهرين إلى حدود الكارثة: أكثر من خمسمئة وخمسين وفاة بالفيروس في آخر أيّام الشهر الماضي وحده، مع تضاعف فلكي في عدد الحالات المسجلة عبر أقاليم البلاد، ناهيك عن حال من التوترّ الشديد تعم أوساط القطاع الطبيّ العام لضعف الاستعدادات، سواء على مستوى تأهيل الفرق الطبيّة أو حتى على مستوى توفير الأجهزة والمعدات والأسرّة اللازمة للتعامل مع الأوبئة.

الخُبراء يقولون إن جونسون ارتكب جريمة موصوفة بسوء إدارته للوباء، إذ تبنى بداية استراتيجية تقبّل انتشار كورونا على نطاق واسع (اعتماداَ على نظريّة مناعة القطيع) لمنح الأجيال الجديدة مناعة ضدّ الفيروس مقابل التضحيّة بمجموعة من كبار السنّ والمرضى الذين هم سيموتون به أو بغيره، على الرغم أن هؤلاء شكلوا الكتلة الحرجة لانتصار جونسون الكاسح في الانتخابات الأخيرة . ولمّا بدت معالم هذه النظريّة بالتفكك تحت تصاعد أعداد الوفيّات، تباطأ في فرض سياسة العزل على مواطنيه على نحو أفقد البلاد أسبوعين كاملين ثمينين من الوقت لمنع انتشار المرض. بل إن الرئيس نفسه أصيب لاحقاً بالفيروس، واضطر للانعزال في منزله وإدارة الدّولة بالريّموت كونترول.

جونسون على قمّة جبل الثقة الشعبيّة

ومع ذلك، فإنّ ثقة المُواطنين البريطانيين في الرئيس «المُكورن» ارتفعت إلى مستوى تاريخي غير مسبوق (72 في المئة) حسب استطلاعات الرأي مقابل 25 في المئة فقط من غير الرّاضين، كما حصلت حكومته اليمينية، التي كانت شرعت بالفعل بالتفاوض مع الأمريكيين لبيعهم مؤسسة الصحة العامّة على أعلى مستويات الثقة وهم في الحكم (54 في المئة)، بأعلى مما حصلوا عليه وقت انتصارهم على الأرجنتين في الصراع حول جزر المالفين (فوكلاند) عام 1982 الذّي اعتبر قياسياً في وقته.

فكيف يمكن تفسير العلاقة العكسيّة هذه بين الأداء الفعليّ لجونسون مع ارتفاع ثقة المواطنين فيه وفي حكومته؟

للحقيقة أن ذلك الأمر تكرر أيضاً في عدّة دول غربيّة بعد إعلان منظمة الصحّة العالميّة عن اعتبار كورونا وباء عالميّاً، ومنها الولايات المتحدة، التي كانت تشهد مناخاً استقطابيّاً عالياً، ومع ذلك ارتفعت ثقة المواطنين برئيسهم دونالد ترامب. إذ يبدو أن البشر في أوقات الأزمات والحروب ينحون إلى «الالتفاف حول العلم»، حسب تسمية أستاذ العلوم السياسيّة الأمريكية جون موللر، بمعنى تعليق الخلافات السياسيّة والايديولوجيّة، والتوحد حول قيادة مركزيّة. ورغم تعدد الأسباب التي قد تدفع المواطنين لذلك السّلوك، منها ربّما ظهور عدوّ مشترك، أو مطلق الخوف، أو حتى التّفكير العقلاني بالأولويات فإن شخصيّة القائد – وفق موللر دائماً – تصنع فرقاً هنا. في تلك النقطة تحديداً كان دور الإعلام البريطاني عموماً وفي مقدّمته «بي بي سي» – الأكثر مشاهدة عبر البلاد – محوريّاً. جونسون، الذي كان خلال يناير/كانون الثاني – عند نصف البريطانيين على الأقل – أقرب إلى مهرّج، تحوّل بعد انتشار كورونا لرئيس وزراء موثوق بصفة استثنائيّة. فالمحنة المتصاعدة أعادت المواطنين من جديد لمشاهدة تلفزيونهم الوطنيّ بعد 12 عاماً من التراجع المستمر في نسب المشاهدة منذ الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008 وما نشأ عنها من فقدان واسع لثقة الجمهور في السّلطات والنخب الحاكمة ووسائل إعلامها الكبرى، ولاحقاً في حالة «بي يي سي» انحيازها الملحوظ لطرف سياسيّ دون آخر – رغم تعارض ذلك مع قانونها وأغراضها كمؤسسة وطنية عامة يدفع المواطنون تكاليفها مباشرة من جيوبهم على أن تحتفظ بمسافةٍ واحدة مع كل فرقاء السّياسة. بثّت «بي بي سي» مباشرة مع إعادة طوال النهار في كل ساعة إخباريّة المؤتمرات الصحافيّة لجونسون التي ظهر فيها كقائد وطنيّ يقود حرب المواجهة مع الغزاة، محاطاً بكولونيالات من العلماء وخبراء إدارة الأوبئة، وموجهاً خطاباً ذا نغمة وطنيّة ظاهرة، يشّع ثقة بقدرة البريطانيين على الانتصار، لكنّه في الوقت ذاته يصارحهم (بالحقائق) عن صعوبة المعركة، وإمكان سقوط شهداء. واستقصدت «بي بي سي» استدعاء أصوات من تخصصات مختلفة للتّحدث عبر شاشاتها حول مسائل مختلفة متعلّقة بالوباء كانوا جلّهم من أنصار الحكومة دعموا سرديّة جونسون، وتجنبوا انتقاده، رغم أخطائه الفادحة. ولمّا أصابه الفيروس تم تقديمه رجلاً حديدياً، يعتزل النّاس حوله كي لا ينقل إليهم المرض، لكنّه من وراء الشاشة كرجل فولاذي يرتدي بذلته الرسميّة وربطة العنق، ويدير الحكومة من مقرّه السريّ، ويقود الحرب بنفسه، وهي بالطبع خدعة تامّة، فالرّجل متعب كما أي رجل مريض، وهو بحاجة للراحة والمتابعة اللصيقة، حتى لو كان الفيروس الذي أصابه من الفئة الأقل شراسة.

كورونا ممسكا بمصير جونسون

مع التسارع اليومي الهائل في أعداد المصابين والضحايا، واقتراب المنظومة الصحيّة البريطانيّة تدريجياً من حدود استيعابها القصوى، يبدو احتفاظ جُونسون بثقة البريطانيين لما بعد الرّبيع أمراً مستبعداً. إذ تتجه المؤشرات إلى تحوّل الجزيرة البريطانيّة لواحدة من أهم خمس بؤر للمرض في العالم، وسيسقط عشرات إن لم يكن مئات الألوف صرعى، فيما تبدو البيروقراطيّة البريطانيّة أبطأ بكثير في محاولتها إدارة مملكة العزل من سرعة تسرّب الفيروس القاتل، فيما ينزف الاقتصاد لحظياً على نحو قد يعصف بـ 15-25 في المئة على الأقل من الناتج القومي العام مرّة واحدة.

وبدلاً من أن يجد البريطانيون عندها «عَلَماً» يلتفون حوله، فإنهم سينتهون إلى كبش فداء يحملونه أوجاعهم وهزائمهم المتدفقة أمام العدوّ الخفيّ. وقد لا يكون الكبش سوى الزّعيم بوريس جونسون الذي وعدهم بالانتصار. وحينها ستُسدل ستارة تراجيديا شكسبيرية على طموح كان أكبر من الحياة.

٭ إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن

القدس العربي

—————————————————-

مدينة خاوية على عروشها: نيويورك في زمن الكورونا/ عبد الحميد صيام

قررت أن أتحدى الحظر المفروض علينا منذ نحو أسبوعين، وأن أطوف في شوارع مدينة نيويورك، أو التفاحة الكبيرة، كما تسمى هنا، والتي تشدنا لسحرها وجمالها وتنوع سكانها وجمال حدائقها وثرواتها الفنية والثقافية، التي لا حدود لها. فمن يعيش في مدينة نيويورك يعتقد أن كل المدن قرى. لقد شاهدت معظم المدن الكبرى في العالم، لكنني لم أعثر على مدينة بمثل هذا السحر والغنى والجمال والتنوع. إنها عاصمة العالم المالية والدبلوماسية والسياحية.

وبعد أن أخذت كافة الاحتياطات ووعدت أهل الدار أنني لن أخرج من السيارة، فأنا بالفعل اشتقت للمدينة الكبيرة، التي كنت بعيدا عنها مؤخرا لأكثر من شهرين، وبدل أن أعود جذلا إلى جناح الصحافة في مقر الأمم المتحدة، وجدت نفسي محشورا في البيت، أتابع أخبار المدينة عن طريق وسائل الإعلام وغيرها. أحسست بدافع قوي يشدني إلى التجول في حيّ منهاتن، لأشاهد بعيني حالة المدينة التي تضم عشرة ملايين ساكن، وأربعة ملايين إضافية يدخلونها يوميا عاملين وزوارا.

وأنا أتجول في المدينة مصدوما مما أرى، تذكرت الآية الكريمة التي تقول: «كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها». فكيف لفيروس يحتاج أن تكبره بالمجهر 500 مرة لتستطيع العين أن تراه، ينتصر على هذه المدينة الكبيرة، بل على الدولة الأعظم في العالم، ويُقعد الناس في بيوتهم، ويغلق محلاتهم، ويفرغ شوارعهم، ويشل حركتهم. مدينة تنبض بالحياة ليلا ونهارا تتفاخر بمسارحها العظيمة في برودواي ومتاحفها النادرة، ومكتبتها الأضخم ربما في العالم، وحديقتها المركزية الكبرى، ومركز لنكولن وروكفللر وبناية الإمبير ستيت وأخواتها من العمارات الشاهقة، التي تتسابق نحو الذرى، كل واحدة تريد أن تزيد المدينة بهاء وجمالا، إلا أنها الآن تنحني أمام الفيروس، وتسلم مفاتيحها وتختبئ في جحورها، ولا تسمع في شوارعها إلا صفارات سيارات الإسعاف المخيفة، وهي تنقل المصابين إلى غرف الطوارئ بالمستشفيات.

لقد احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في عدد المصابين بوباء كورونا، واحتلت مدينة نيويورك الرقم الأعلى في البلاد، واحتل حيّ كوينز في المدينة الرقم الأعلى بين أحياء المدنية الخمسة. فمدينة نيويورك هي الأكثر سكانا وازدحاما في الولايات المتحدة، حيث تصل نسبة السكان إلى 28000 شخص في الميل المربع الواحد، تليها مدينة سان فرنسيسكو، حيث تصل النسبة إلى 17000 نسمة. وأود أن أنقل بعض الصور والملاحظات من حياة المدينة وهي تعيش أحلك أيامها تحت قبضة الوباء اللعين، الذي قد يكون في أيامه الأولى ولا نعرف أين تتجه البلاد، التي أظهر هذا الفيروس هشاشتها المعيبة.

في مقر الأمم المتحدة ترتفع أعلام الدول الأعضاء الـ193 بالإضافة إلى علمي فلسطين والفاتيكان بين شارعي 42 و47 في الجادة الأولى. لكن المقر الآن خال من الموظفين والدبلوماسيين والزوار والصحافيين، كأنه أرض بلقع. يضم المقر في نيويورك نحو ستة آلاف موظف. أضف إليهم آلاف الدبلوماسيين الذين يمثلون بلدانهم، إضافة إلى مئات الصحافيين المعتمدين من كل وسائل الإعلام الكبرى في العالم. كان المقر يستقبل يوميا نحو 11000 شخص، انخفض العدد الآن إلى نحو 79 شخصا فقط معظمهم يعملون في أمن البناية، وضمان شبكة الاتصالات مع العالم، وترتيب الاجتماعات الرسمية والمؤتمرات الصحافية للأمين العام والمسؤولين الكبار، التي تعقد الآن كلها عن بعد، وعن طريق شبكة الفيديو. ومقر الأمم المتحدة يضم عددا من المعارض الدائمة واللوحات الثمينة والصور النادرة. الأمانة العامة للمنظمة الدولية تعتبر إحدى معالم المدينة، حيث تستقبل من الزوار سنويا نحو مليوني زائر. كما يضم المقر حديقة مشهورة تضم العديد من المجسمات، وحديقة الكرز الضخمة وبستان الورود. انتابني شعور بالأسى وأنا أقف قرب المدخل الرئيس الموصد تماما إلا من حارسين يقفان متباعدين، لضمان عدم دخول أحد في هذه الأيام العصيبة، بعد أن تأكد أن ما لا يقل عن 88 موظفا دوليا أو دبلوماسيا أصيبوا بالوباء.

ويبلغ عدد قوات الشرطة في المدينة نحو 36 ألف شخص، من بينهم، الآن، 6172 خارج الخدمة بسبب احتمال إصابتهم بكورونا. وقد تبين أن نحو 1200 منهم مصابون فعلا بالوباء، توفي منهم ثلاثة لغاية الأربعاء الماضي. وبسبب نقص الأعداد أضيفت مهمات إضافية إلى القوات الفاعلة. فقد طلبت قيادة الشرطة متطوعين للمساعدة في مهمات بسيطة، من بينها إنشاء وحدة خاصة لجمع كبار السن الذين يموتون في بيوتهم بسبب الوباء. لقد بلغ عدد الأموات الذين يبلّغ عن وفاتهم في بيوتهم بسبب العزل والخوف من المرض بين سبعة وتسعة أشخاص في كل نوبة عمل تمتد لثماني ساعات. لقد أصبحت ظاهرة الموت في الشقق مقلقة لقيادة الشرطة، لكن ليست لديهم القدرة في ظل ظروف الطوارئ الحالية للتعامل معها، إلا من خلال إنشاء وحدة تقوم على المتطوعين.

الشيء الإيجابي، الذي نتج عن الوباء، هو انخفاض عدد الجرائم بشكل ملحوظ في المدينة الكبيرة. وتفسير ذلك أن السرقات أسهل في مناطق الازدحام، وبقاء المحلات والمطاعم مفتوحة لساعات طويلة خلال الليل، ووجود ملايين السياح الذين يتجولون في المدينة، وهذه أمور غير متيسرة الآن. والنوع الثاني من الجرائم المنتشرة هو اقتحام بيوت العاملين والموظفين، الذين يتركون بيوتهم ساعات طويلة، فيتم رصدها واقتحامها. أما هذه الأيام فمعظم السكان في بيوتهم، لكن نوعا من الجرائم الصغيرة بدأ يأخذ مسارا واسعا وهو سرقة السيارات، التي تركن في مكان واحد لعدة أيام. يبحث لصوص السيارات عن أي شيء قد يعثرون عليه داخلها، من عملات وأدوات وشواحن وغيرها. لكن انتشار الشرطة في كل الشوارع والزوايا جعل مهمة اللصوص أصعب بكثي

ومن بين 216000 مصاب بوباء كورونا في الولايات المتحدة لغاية مساء الأربعاء الماضي، يوجد نحو 83.984 في مدينية نيويورك بأحيائها الخمسة المكتظة، التي شهدت موت نحو 1400 شخص لغاية الآن، ولم تعد المستشفيات تستوعب المصابين. طلب من كل الأطباء بكافة تخصصاتهم التحول إلى أقسام علاج كورونا. في البداية خصص كل مستشفى جناحا، أو طابقا للمرضى، ثم أضيف جناح ثان فثالث، حتى لم يبق إلا جناح واحد أو اثنان لبقية الحالات مثل الولادة والسرطان. مستشفى «ستاتن آيلند الجامعي» سيخلي جميع مرضى المستشفى من غير الكورونا، وينقلهم مع نهاية الأسبوع إلى سفينة ترسو في ميناء نيويورك فيها ألف سرير طبي، ويبقى المستشفى بكامله مخصصا للمصابين بكورونا.

وبسبب تفاقم عدد الموتى، تجد أمام كل مستشفى عددا من الشاحنات البيضاء التي تحولت صناديقها إلى ثلاجات كبيرة للموتى لنقص عدد الأسرة، ولإخلاء الموتى لاستقبال مرضى آخرين. كما نصبت في موقف سيارات المستشفى الأمامي خيمة كبرى لاستقبال حالات الطوارئ، لنقص في الأسرة داخل المستشفى. هذا ما تأكدنا منه في مستشفيات لوثرن وميثودست وستاتن آيلند. وفي مستشفى ماونت سيناء يوضع المرضى في الممرات. لم تعد مستشفيات نيويورك، التي يزيد عددها عن 32 مستشفى رئيسا تستوعب المصابين. أنشأت المدينة مستشفى ميدانيا في حديقة نيويورك المركزية، لكن هذا لا يكفي. وطلب من كل مستشفى أن يوسع قدراته الاستيعابية، لكن الأوضاع مقبلة على كارثة كبرى، حيث تتجه الأزمة نحو الذروة بداية من 5 إبريل كما أعلن عمدة المدينة بيل دي بلاسيو. وقال إن المدينة ما زالت بحاجة إلى أكثر من ثلاثة ملايين كمامة طبية، ومليوني كمامة للعمليات الجراحية و 100000 روب عازل و400 جهاز تنفس، ومع نهاية إبريل تحتاج المدنية إلى 65000 سرير إضافي. باختصار مدينة نيويورك مقبلة على كارثة كبرى قد يصل عدد الموتى فيها إلى عشرات الألوف في الأسابيع القليلة المقبلة.

بعد هجمات 11 سبتمبر، بدت المدينة كئيبة خائفة مهزومة مثل هذه الأيام، لكن المسؤولين كانوا يحضون الناس على الخروج والعودة إلى حياتهم الطبيعية بسرعة، كي لا تستقر الهزيمة والخوف في القلوب. وما هي إلا أيام معدودة حتى بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها رغم الجراح. أما اليوم فالعكس هو الصحيح. المطلوب من الناس جميعا أن يختبئوا في بيوتهم، وأن يتعودوا على العزلة والابتعاد عن التجمعات والمناسبات، وإلإ فالوباء واصل لا محالة. الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون خارج الولايات المتحدة، هو انتشار ظاهرة التطوع لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء، ففي كل حي وشارع انتشرت لجان المتطوعين عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ونشعر بالفخر ونحن نتابع أنشطة أبناء الجالية العربية، وهم يوزعون الكمامات ويقدمون الأغذية ويقومون بالتسوق لكبار السن، ويعطون دروسا مجانيا للطلاب ويقدمون النصائح الطبية باللغة العربية، ويتركون أرقام هواتف مراكز التطوع، لتقديم المساعدات الطارئة للسائلين. الأيام الصعبة مقبلة، وكان الله في عوننا جميعا.

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

القدس العربي

———————————

هل يستغل نظام الأسد كورونا؟/ عمر كوش

لم يكن مستغرباً أن ترسل كل من روسيا والصين، إلى جانب كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، رسالةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، تطالب فيها برفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري، كي تتسنّى له مواجهة تفشي انتشار فيروس كورونا، لأن كلا النظامين، الروسي والصيني، اعتادا الوقوف إلى جانب نظام الأسد في كل جرائمه، وحاولا استغلال كل القضايا الإنسانية، وغير الإنسانية، من أجل دعم النظام، وإعادة إدماجه في المجتمع الدولي، سواء من باب إعادة الإعمار، أو من باب إعادة اللاجئين الذين شردهم نظام الأسد نفسه، لذلك يستغل الساسة الروس ونظراؤهم الصينيون وسواهما جائحة كورونا، من أجل تجديد دعمهم نظام الأسد.

وجاءت الرسالة بعد أيام على الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى دمشق، في 23 من آذار/ مارس الماضي، ولقائه رئيس النظام السوري. وحاولت موسكو تسويقها في إطار مساعيها الإقليمية والدولية لرفع العقوبات عن النظام، مستغلة قضية إنسانية، بدلاً من إلزامه بوقف إطلاق نار شامل، واتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ لحماية المدنيين في مناطق سيطرته، والكشف عن مصير عشرات آلاف المدنيين في زنازين النظام في ظروف غير إنسانية، أو على الأقل حثّه على أن يفتح معتقلاته أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والسماح لممثليها بزيارتها، وأن يطلق سراحهم، بدلاً من العفو الذي أصدره عن مرتكبي الجرائم وتجار المخدّرات.

ويحاول نظام الأسد استغلال تفشّي فيروس كورونا، كي يجدّد دعوته إلى الأمم المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وعلى داعميه في نظام الملالي الإيراني، وتسويق ذلك عبر دعوة المجتمع الدولي إلى “احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني وقدسية الحياة البشرية”، والتي لا يقيم لها النظام أي وزن أو اعتبار.

واللافت تلقف بعض الأنظمة العربية هذه الدعوات، كي تهرول إلى تجديد محاولاتها تطبيع علاقاتها من نظام الأسد الإجرامي، حيث سارع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى الاتصال برأس النظام بذريعة الاعتبارات الإنسانية، وتغليبها على الاعتبارات السياسية، وهو اعتبار يفقد مصداقيته مع نظام الأسد الذي داس على المبادئ والأعراف الإنسانية في تعامله الوحشي مع السوريين، عبر إبادة مئات آلاف منهم، وتهجير الملايين الذين باتوا بلا مأوى يحميهم من كورونا.

ويبدو أن استغلال بعض الأنظمة العربية فرصة انتشار كورونا يلاقي محاولات النظام الاستفادة منها أيضاً، وقد وجدها فرصة للتكسّب، مثلما وجدتها الأنظمة المتسلطة فرصة لإيقاف ثورات الاحتجاج عليها في أكثر من بلد عربي، وهي تلتقي مع محاولة الروس والصينيين، والأنظمة العربية المهرولة نحو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، التسلل عبر يافطة التضامن الإنساني، كي تتستر على جرائم النظام، وتقفز على حزمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لمنع النظام من الإفلات من العقاب عن الجرائم البشعة التي ارتكبها ضد غالبية السوريين خلال السنوات التسع الماضية، وهي محاولةٌ بائسة يستخدمها ساسة هذه الدول، بغية دعم استمرار هذا النظام في الإمعان في قتل المدنيين، والانقضاض على ما تبقى منهم في المناطق الخارجة عن سيطرته.

ولا شك في أن التصدّي لتفشي فيروس كورونا مهمة جميع الأنظمة السياسية الحاكمة، بغية حماية مواطنيها، ولكن نظام الأسد لا يهمه سوى حماية نفسه وأزلامه، ولذلك لجأ، في البداية، إلى إنكار وجود الفيروس في سورية. وهو نهج اعتاد عليه النظام المذكور في التعامل مع الأزمات والكوارث التي حلت بسورية والسوريين، ثم راح يستغل انتشار الفيروس بغرض كسب التعاطف الدولي، والدعوة إلى رفع العقوبات، فيما عمد إلى استغلال الهلع من انتشار الفيروس للتضييق على حياة السوريين في مناطق سيطرته، عبر إذلالهم وجعلهم يقفون ساعات طويلة في طوابير تنتظر الحصول على رغيف الخبر والمواد الأساسية للعيش.

وعلى الرغم من محاولات النظام والروس والأنظمة العربية المتهافتة نحو التطبيع مع نظام الأسد، إلا أن المجتمع الدولي يعي طبيعة نظام الأسد الذي سيعمد إلى استغلال انتشار الفيروس لابتزاز المجتمع الدولي، عبر استخدامه السوريين رهائن. وبالتالي، يجب أن لا تمرّ مساعدة السوريين في مواجهة الوباء عبر هذا النظام الإجرامي، لأنه نظام لا يكترث بحياة السوريين، بل سيحاول الاستفادة من تفشّي الفيروس لتسويق نفسه، وتلميع صورته، وفي الوقت نفسه، لن يكترث بمصير من اضطروا على البقاء في مناطق سيطرته، بل ينظر إليهم بوصفهم حملا ثقيلاً عليه التخلص منه.

أما السوريون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فلم يتوقف النظام عن هجماته عليهم في إدلب وسواها، وعن تهديداته باجتياحها، على الرغم من نداءات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى وقف فوري وكامل لإطلاق النار، فضلاً عن تحذيرات المبعوث الأممي الخاص، غير بيدرسون، من تدهور الأوضاع في سورية وانهيارها، ومن أن أي تصعيد عسكري ستكون له آثار إنسانية كارثية، خصوصا في هذه الظروف التي تتطلب منتهى الحيطة بسبب الخوف من تفشي الوباء، لكن نظام الأسد يريد ابتزاز المجتمع الدولي، بغية الإفلات من العقوبات المفروضة عليه، فيما يحاول قادة العالم التقليل قدر الإمكان من الكوارث والأزمات في الظروف الحالية.

العربي الجديد

———————————

في المفاضلة بين الصين وأميركا/ أسامة أبو ارشيد

أطلق الفشل الأميركي الذريع في التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد نقاشاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد غاصت أكثر في طور تراجع زعامتها عالمياً، مخلفة وراءها فراغاً كبيراً تتحرّك الصين لملئه. ومعلومٌ أن الحديث في مآلات التنافس الأميركي – الصيني قديم، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وهناك دراسات عديدة ترجح أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد عالمي خلال السنوات القليلة المقبلة، مع أن في المشهد تفاصيل كثيرة ليس هذا مكانها. الجديد هنا أن النقاشات هذه المرة تتجاوز آفاق المنافسة الاقتصادية، أو حتى العسكرية، بين البلدين، إلى حدِّ طرح سيناريوهات مستقبلية مُتَخَيَّلَةٍ حول الزعامة الكونية الصينية المقبلة، مستندة إلى المقارنة بين استجابة الدولتين العظميين للجائحة.

بداية، لا يمكن إنكار أن استجابة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للأزمة تمثل عاراً للدولة الأعظم. وفوضوية هذه الإدارة ورئيسها، وانعدام كفاءتيهما، ليستا محل خلاف كبير. وفي حين كان العالم ينتظر، وتحديداً الحلفاء الأوروبيين، القيادة الأميركية، فوجئوا بأن الولايات المتحدة نفسها تتخبّط في احتواء تداعيات تلك الجائحة داخلياً، وهي لم تكن مستعدّة لها أصلاً، بحيث تحولت إلى بؤرة الوباء العالمي اليوم. ولكن، هل كانت الصين أفضل في إدارة تداعيات فيروس كورونا المستجد داخلياً؟ وهل مدّها يد العون لدول كثيرة، وتحديداً في أوروبا، حين أحجمت واشنطن، يعني أن بكين مؤهلة فعلاً لوراثة الزعامة الأميركية قريباً؟ بل هل من مصلحة البشرية، بما في ذلك نحن العرب، أن يسود النموذج الصيني كونياً؟ أسئلة كثيرة، تصعب الإجابة عنها باستفاضة هنا، ولكن هذا لا يمنع من تقديم بعض الومضات.

أبانت جائحة كورونا عن حجم الانكشاف الأميركي على أكثر من مستوى. ولا يتعلق الأمر بإدارة فاشلة فحسب، بقدر ما أكد أن عقوداً من السياسات الأميركية الخاطئة ضعضعت القوة الأميركية، وأصابتها بهشاشة لا تخطئها عين. مثلاً، في عام 2001، سمحت إدارة جورج بوش الابن للشركات الأميركية بنقل مصانعها إلى دول أخرى، وتحديداً الصين، أو ما يعرف بالـ “Outsourcing”. الدافع الرئيس وراء تلك السياسية كان جشع رأس المال الذي كان يبحث عن يد عاملة أرخص، وربح أكبر. وبسبب تلك السياسة، انحسرت القدرة الأميركية على تصنيع احتياجاتها الأساسية، وأصبحت رهينة للصين التي تحولت إلى عملاق اقتصادي.

لكن، وعلى الرغم من الهشاشة التي أبانت عنها الجائحة، إلا أن هذا لا ينفي أن أميركا تبقى الدولة الأقدر على التعامل مع الكوارث، أقله إلى الآن. ليست مشكلة أميركا في القدرات أو الإمكانات، على الرغم من التراجع على مدى عقود، بقدر ما أنها في إدارة غير كفؤة فشلت منذ اليوم الأول في إدارة الأزمة. وعلى أي حال، ستذهب هذه الإدارة، على عكس الصين، وتأتي غيرها خلال أشهر أو سنوات قليلة. أما الصين فهي ليست في وضع يؤهلها، على الأقل راهناً، أن تحتل المكانة الأميركية. قد يجادل بعضهم أن الصين أدارت أزمة الفيروس بكفاءة أكبر، وبأن الوباء هناك انحسر، على الرغم من أنه انطلق من أراضيها، في مقابل تحول الولايات المتحدة إلى بؤرته. ولكن من يستطيع أن يثبت ذلك، خصوصاً في ظل تقدير الأجهزة الاستخبارية الأميركية، قبل أيام، أن الصين تخفي حقيقة مدى تفشّي الوباء بين سكانها، كما تخفي حقيقة عدد المصابين والقتلى جرّاءه؟ المؤشرات في هذا السياق كثيرة، منها ما يتعلق بتغيير الصين، أول من أمس الأربعاء، تعريفها الإصابة بالفيروس، وهذه المرة الثامنة التي تفعل ذلك خلال أربعة أشهر، أو ما كُشِفَ عنه أخيرا عن رصد آلاف الجِرارِ التي يوضع فيها رماد المتوفين بعد حرق أجسادهم خارج بيوت الجنائز في إقليم هوبي الذي ضربه الفيروس.

أيضاً، نعرف أن الصين دولة شمولية قمعية، وإعلامها إعلام دولة، وكلنا يعلم أنها أخفت حقيقة الفيروس عن العالم منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي. لا الولايات المتحدة ولا أوروبا يستطيعان إخفاء معلومات كهذه عن الإعلام والناس. وفي حين أن السلطة في الصين يمكنها بسهولة أن تهدر قيمة مواطنيها وسلامتهم، فإن السلطة في الغرب، على الرغم من توحشها في مجالات كثيرة، لا تملك حرية واسعة في ذلك. المسألة الأخرى هنا أنه لا يوجد تفسير منطقي لكيفية عدم انتشار الفيروس في كل الصين، مع أن سلطاتها أنكرت وجود مشكلة أسابيع طويلة على الرغم من تحذيرات الأطباء، في حين أنه ينتشر في كل الدول العالم كالنار في الهشيم! علمياً، لا يوجد تفوق جيني لعرق على آخر، فكيف نفسر ذلك؟ ومن ثمَّ، فإن الحديث عن قصة نجاح صينية يبقى في دائرة الشك في أحسن الأحوال.

في سياق السؤال الثاني ما إذا كانت الصين مؤهلة في هذه المرحلة لوراثة الزعامة الأميركية لأنها مدت يد العون لمكافحة الجائحة في دول أخرى، خصوصاً في إيطاليا، في وقت غابت أميركا، فتكفي الإشارة هنا إلى ما أعلنته دول كثيرة، منها هولندا وإسبانيا والتشيك وتركيا، أنه اتضح أن الأدوات والمعدات الطبية التي اشتروها من الصين، كالأقنعة الواقية وأجهزة إجراء فحوصات الإصابة بالفيروس، معيبة ولا تعمل بشكل صحيح. وعلى هذا الأساس، اضطرت تلك الدول إلى سحب الملايين منها من التداول، ولكن بعد أن وقع الضرر.

يبقى السؤال الأخير المتعلق بما إذا كان من مصلحة البشرية، بما في ذلك نحن العرب، أن يسود النموذج الصيني كونياً؟ لا شك أن أغلب الشعوب قد طفح بها الكيل من السياسات العدوانية للغرب الإمبريالي، وتحديداً الولايات المتحدة. لقد سطا الغرب الإمبريالي على ثروات الآخرين ونهبها، وفتك بشعوب وحضارات عريقة، وكاد أن يبيد بعضها. وهو لا يتوقف عن دسّ أنفه في شؤون الآخرين، ينصب طغاة، ويقيم أنظمة دكتاتورية، ويعطيها حصانة في قمع شعوبها. ولكن الصين، في العقود الأخيرة، ليست أقل إمبريالية في شرق آسيا، وأطماعها التوسعية والاستعمارية في بحري الصين الجنوبي والشرقي معلومة، وهي تتطلع إلى ما وراء ذلك عالمياً. أضف إلى ذلك أنها دولة قمعية يحكمها حزب شيوعي شمولي، ولا تتردّد في التمييز الديني والعرقي ضد عشرات الملايين من مواطنيها. ومن ثمَّ، فإن المفاضلة بينها وبين الولايات المتحدة ليست في محلها، بل أجزم أنه لو خير شعب أن يعيش في كنف نظام، كالنظام الأميركي يعلي من شأن الحريات، مع بعض التحفظ هنا، أو في كنف نظام كالنظام الصيني يمارس الكبت، فإنه سيختار الأول. لو خير شعب بين احتلال أميركي أو احتلال صيني، فإنه سيختار الأول. الثقافة الغربية، على علاتها وهناتها، تقدم نموذجاً يمكن أن يتأقلم الناس في كنفه، أما الثقافة الصينية، فهي منغلقة وإقصائية.

باختصار، النماذج الإمبريالية الغربية والصينية، والروسية كذلك، سيئة ومجرمة، وهي لا تقيم وزناً لكرامة الشعوب ومصالحها واستقلالها. وكما ثبت لنا أن النموذج الإمبريالي الروسي (سورية مثالاً) ليس أقل توحشاً من النموذج الإمبريالي الأميركي، فإن الأيام ستثبت أن النموذج الصيني لا يقل عنهما توحشاً. هل يعلم الذين يراهنون على الصين، عربياً، أنها شريك اقتصادي، وصديق حميم لإسرائيل؟

——————————–

كورونا:الاصابات تجاوزت المليون..ونداء دولي لتبادل المعلومات العلمية

أعلنت جامعة “جون هوبكنز” الأميركية أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس “كورونا” على مستوى العالم قد تخطى المليون حالة حسب الإحصاءات التي تجريها .

وتسبب الوباء الذي بدأ في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ديسمبر في وفاة أكثر من 51 ألف شخص حتى الآن حسب إحصاءات الجامعة نفسها.

وأظهرت بيانات منصة “وورلد ميترز”، الدولية المتخصصة في الإحصائيات، أن إجمالي عدد الإصابات حول العالم بلغ مليون و16الف و604 حتى الساعة السابعة بتوقيت غرينتش من يوم الجمعة 4 نيسان/أبريل. كما أظهرت البيانات أن عدد المتعافين بلغ 213151. وأشارت أيضاً إلى أن عدد الوفيات بلغ 53 ألفاً و214 حالة.

وتعد الولايات المتحدة أكثر دول العالم من ناحية عدد الإصابات المؤكدة في ظل نظام تشخيص قوي بينما أصيبت إيطاليا بأكبر عدد للوفيات نتيجة الوباء.

ورغم ذلك فإن عدد الإصابات هو أكثر من مليون شخص بكثير حيث تقتصر إحصاءات جامعة على الحالات التي يتم تشخيصها.

وأشارت جامعة “جونز هوبكنز إلى أن أغلب حالات الإصابة تتلقى النصح من مؤسسات الرعاية الصحية بالبقاء في المنزل والخضوع للحجر الصحي الطوعي حتى تتعافى ذاتيا ويتم تشخيص الحالات التي تحتاج النقل إلى المستشفيات لتلقي العلاج فيها بسبب تدهور موقفهم.

واحتاج الوباء نحو شهر ونصف فقط ليتمكن من التفشي بين أكثر من مليون شخص بعدما كان عدد المصابين 100 ألف مصاب كما تضاعف عدد المصابين خلال الأسبوع الماضي فقط.

ويوجد نحو ربع عدد المصابين على مستوى العالم في الولايات المتحدة بينما تبلغ نسبة المصابين في أوروبا نحو نصف عدد المصابين حول العالم.

كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟

ونشرت “بي بي سي” عربية تقريراً توضيحياً يوثق زمنياً كيفية إنتشار الفيروس وقالت إنه في كانون الأول/ ديسمبر حاول الطبيب الصيني لي وينليانغ(34 عاماً) توجيه رسالة تحذيرية لأطباء آخرين حول فيروس جديد في مدينة ووهان عاصمة إقليم هوبي في الصين.

لاحقاً تلقى الطبيب زيارة من أفراد الشرطة واتهموه بنشر الأكاذيب والمخاوف التي لا أساس لها.

وفي 3 كانون الثاني/ يناير كانت الأخبار متداولة على المنصات بخصوص “الفيروس الجديد الغامض” الذي أصاب وقتها 44 حالة مشخصة بينها 11 حالة تعاني مضاعفات حادة.

عند تلك النقطة لم يكن هناك أي حالات وفاة معلنة لكن البعض كانوا يعربون عن خشيتهم من أن يكرر الفيروس الجديد سيناريو فيروس “سارس” عام 2003 والذي أدي لوفاة 774 شخصاً.

في الثامن عشر من الشهر ذاته كان عدد الحالات 60 مصاباً فقط لكن الخبراء قدروا أن عدد الحالات الفعلية يتعدى 1700 مصاب.

بعد يومين، وبينما كان أكثر من مليون شخص يستعدون للسفر في عطلة السنة القمرية الجديدة في الصين، تضاعف عدد المصابين أكثر من 3 مرات ليصل إلى 200 إصابة، ووصل الفيروس إلى العاصمة بكين وشنغهاي وشنزن.

قرار أممي

ومن أجل مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19)، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، قراراً يدعو الى “التضامن الدولي”.

القرار الذي صاغته سويسرا وإندونيسيا وسنغافورة والنرويج وليختنشتاين وغانا، قدمته 188 دولة من بين 193 عضواً في الأمم المتحدة.

وتم تمرير القرار عبر استخدام آلية “إجراء الصمت”، والتي لا تتطلب التصويت على القرار، واعتبار صدوره والموافقة عليه تلقائياً بعد وقت محدد طالما لم تعترض عليه اَي دولة من الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية.

ودعا القرار دول العالم الى “تبادل المعلومات والمعرفة العلمية في ما بينها”، مشدداً على ضرورة الالتزام “بالتعاون الدولي والتعددية لمقاومة وباء كورونا والقضاء عليه”.

وطالب قرار الجمعية العامة “الأمين العام أنطونيو غوتيريس، ومنظمة الأمم المتحدة بالعمل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة لمواجهة الوباء وآثاره الاجتماعية والاقتصادية والمالية السلبية على جميع المجتمعات”.

وشدد القرار أيضاً على “الحاجة إلى الاحترام الكامل لحقوق الإنسان” وأنه “لا مكان لأي شكل من أشكال التمييز والعنصرية وكره الأجانب في التصدي للوباء”.

——————————————-

الجوع أخطر من الكورونا/ مهند الحاج علي

هل نموت جوعاً أو مرضاً؟ هذا السؤال السوداوي اليوم يُطرح بقوة في بال الغالبية الساحقة للبنانيين. ذاك أن هناك ترجيحات بأن غالبية سكان هذا البلد باتت تحت خط الفقر. هكذا صرح مسؤول لبناني لوكالة “رويترز” يوم أمس، قائلاً إن توقعات البنك الدولي بأن يصير 40  ٪ من الشعب اللبناني تحت خط الفقر عام 2020 باتت بالية، ولا تنطبق عليها الوقائع الحالية، بل يجب إعادة مراجعتها في ظل أزمة الكورونا الطاحنة للاقتصاد والمالية العامة. الواقع أن واحداً من أصل كل لبنانيين اثنين اليوم هو فقير. وأكثر من ذلك، لو صحت التوقعات الأخيرة، فإن الفقراء أغلبية، وأبناء الطبقات أكانوا عمالاً أو موظفين أو أصحاب مؤسسات صغيرة ومتوسطة أو أثرياء هم أقلية. إذا كنت موظفاً تتقاضى راتباً حتى لو كان بالكاد يكفيك وعائلتك لآخر الشهر، فأنت أقلية في لبنان اليوم.

باتت المسيرات والاحتجاجات على الوضع المعيشي مكررة يومياً خلال الأسبوع الماضي، إذ من الصعب على الكثيرين من اللبنانيين تأمين لقمة العيش. ومن المستحيل أن تؤمن أحزاب السلطة، حتى الممولة خارجياً بالدولار منها، الحاجات الغذائية للبنانيين. جُلّ ما تستطيع هذه القوى الحزبية فعله هو العراضات الخدماتية والنفخ في أبواقها الإعلامية (البشرية) على الشاشات اللبنانية.

ومن المشاهد المكررة اليوم، محاولة مواطنين لبنانيين إحراق أنفسهم وتدمير ممتلكاتهم في ظل التدابير الأمنية الصارمة التي تنال من قدرة الانسان العادي على تأمين قوت يومه. هذه المدن والبلدات الفقيرة ليست واشنطن أو نيويورك أو لندن أو باريس، كي تُقفل بوجه أبنائها بهذا الشكل ودون تدابير اجتماعية تقي الناس خطر الجوع.

لبنان هو البلد الوحيد في العالم حيث تُتخذ هذه الإجراءات القاسية في وقت يُمنع الناس من التصرف بودائعهم في المصارف، ويعيشون في انهيار اقتصادي متواصل منذ شهور، تتدهور فيه العملة المحلية وتتبخر قدرتهم الشرائية معها. يُضاف إلى كل ما سبق أن هذه الدولة لا قدرات مالية لديها من أجل الإنفاق على المحتاجين خلال الفترة المقبلة.

الواقع أن تركيز الحكومة الحالية في مكان آخر، وهي تؤدي دوراً مزدوجاً في خدمة قوى السلطة. أولاً، تستغل هذه الحكومة فرصة أتاحتها إجراءات الفيروس، من أجل تصفية الثورة والقوى والناشطين فيها، بالاعتقالات وإزالة خيم الاعتصام. وثانياً، تفتح هذه الحكومة المجال واسعاً أمام أحزاب السلطة للعب أدوار استعراضية في مكافحة المرض. يومياً، تتوالى أنباء عن اعتقالات في صفوف ناشطين وملاحقات قانونية كأن شيئاً لم يحدث في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

لكن ما العمل؟ بالتأكيد، ليس من المطلوب إلغاء الإجراءات الاحترازية في مواجهة هذا الفيروس. في المقابل، من الضروري اتخاذ الإجراءات الاصلاحية الضرورية لفك أسر صغار المودعين في المصارف، من خلال توزيع الأعباء بشكل عادل ليتحمل أصحاب الودائع الكبيرة – وهم آلاف قليلة – العبء الأكبر، بدلاً من ملايين الناس ممن يملكون مئات أو آلاف الدولارات فقط في المصارف.

وعلى السلطة أيضاً أن تُطالب بشكل جدي بعودة مليارات الدولارات من الودائع المهربة، إن كانت أرباحاً للقطاع المصرفي وأصحابه، أو لأركان الحكم ممن استفادوا من غياب المحاسبة على مدى العقود الماضية. تُستخدم هذه الأموال في منع شبح الجوع عن ملايين اللبنانيين، وأيضاً في إطلاق عجلة الصناعات المحلية القادرة على تأمين آلاف الوظائف خلال فترة قصيرة.

لكن هنا نعود الى الحلقة المفرغة عينها. هذه السلطة وحكوماتها، حتى لو كانت من صنف الواجهة التكنوقراطية، لن تُعيد الأموال المهربة والمنهوبة، ولن تُقدم على إصلاحات حقيقية. هي تعتقل الناشطين، وتفتح مجالات للأحزاب، وتدفع صاحب سيارة أجرة لإحراق باب رزقه. تدفع بائع خضار لإتلاف بضاعته، وصاحب محل في صيدا لمحاولة إحراق نفسه. تُعيد الناس الى المنازل بوعود فارغة، ثم يأتي حزبي اليهم ليُقدم فتات الطعام وكمامة عليها شعاره التنظيمي.

إنهم يعدون الناس بالجوع بعد المرض.

المدن

————————-

محاربة كورونا صعبة: ما سر تفشيه السريع؟/ سامي خليفة

لا يزال العلماء في دول عدة يحاولون كشف سر التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد. ومع تسارع انتشار الدراسات بهذا الخصوص، تكثف الحديث في الأيام القليلة الماضية عن أن المصابين بالمرض الذين لا يشعرون بأي أعراض، يمثلون قنابل موقوتة للعدوى، لأنهم ينقلون الفيروس وهم لا يدركون إصابتهم به.

مرضى بلا أعراض

في نهاية شهر آذار المنصرم، حذر مدير المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، الدكتور روبرت ريدفيلد، من أن نحو 25 في المئة من الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد ربما لا تظهر عليهم أعراض. وهذا الرقم يساعد في تفسير مدى انتشار الفيروس في العالم، وفي شتى أنحاء الولايات المتحدة تحديداً، والتي أصبحت بؤرة رئيسية للوباء.

وقبل بضعة أسابيع، شددت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، مراراً وتكراراً، على أن المواطنين العاديين لا يحتاجون إلى ارتداء الأقنعة ما لم يشعروا بالمرض. ولكن روبرت ريدفيلد أشار إلى أن البيانات الجديدة عن الأشخاص الذين قد يصابون بالعدوى من دون شعورهم بالمرض، أو الذين ينقلون الفيروس لبضعة أيام قبل الشعور بأي أعراض، تجري مراجعتها مراجعةً حاسمة.

المريض صفر

لا يعلم الباحثون بدقة عدد الأشخاص المصابين بالمرض من دون شعورهم به. ومنذ ظهور الفيروس التاجي الجديد في كانون الأول 2019، رصد العلماء نوادر مقلقة لأشخاص أصحاء، كانوا ينشرون المرض عن غير قصد.

وروت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، قصة “المريض صفر” في مقاطعة غوانغدونغ الصينية، فقالت أنه أُصيب بالفيروس بعد اتصاله بشخص من ووهان، من دون يشعر بأي علامات تشير إلى المرض إطلاقاً.

وقال بعض العلماء للصحيفة الأميركية، أن حالة المريض صفر ليست استثنائية. فعلى سبيل المثال، لم تظهر أعراض المرض على ما يصل إلى 18 في المئة من الأشخاص المصابين بالفيروس على متن سفينة “دايموند برنسيس” الموبوءة. ويقترح فريق من العلماء في هونغ كونغ أن 20 إلى 40 في المئة من حالات العدوى في الصين حدثت قبل ظهور الأعراض.

ونظراً إلى هذه المعطيات، قد يساعد المستوى العالي من الانتشار الخفي في تفسير سبب أن الفيروس التاجي الجديد، هو الفيروس الأول الذي لا يُعد فيروساً للإنفلونزا، ويُحدث وباءً.

دراسة كولينغ

يتفق الخبراء على أن العدوى تنتقل في كثيرٍ من الحالات من طريق الأشخاص الذين لا يبلِّغون عن الأعراض. وهي الحالات التي تُسمى علمياً “عمليات النقل من دون أعراض”. وفي هذا الإطار، يقول الدكتور جيفري شامان، خبير الأمراض المعدية في جامعة كولومبيا، إن الدراسات التي أجراها فريقه أظهرت أن بعض الناس لا يلاحظون أعراضهم أبداً، وبعضهم الآخر غير قادر على تمييز العدوى عن السعال الناجم عن التدخين أو الحساسية أو الحالات الأخرى، بينما لا يزال آخرون يشعرون بألم حاد في الجهاز التنفسي.

وقام فريق بنجامين كولينغ، عالم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ، بتحليل البيانات الصينية في مراحل مختلفة من الوباء. وبعدما استنتجت بعثة منظمة الصحة العالمية إلى الصين، أن معظم المصابين بالفيروس كان لديهم بالفعل أعراض شديدة، استنتج كولينغ أنه في الأسابيع الأولى للوباء، نشرت الصين أرقاماً عن الحالات المؤكدة للعدوى، والتي عانت من مشاكل تنفسية وحمى والتهاب رئوي. وهي تجاهلت الحالات الخفيفة وغير المصحوبة بأعراض. ونتيجةً لذلك، قلل الصينيون كثيراً من حجم وطبيعة التفشي الذي قد يحدثه هؤلاء.

ويعلق كولينغ على تحليل البيانات الذي أجراه بالقول: “لقد قدرنا في الصين أن ما بين 20 و40 في المئة من حالات انتقال العدوى حدثت قبل ظهور الأعراض”.

مؤشرات مقلقة

وما أن رست سفينة “دايموند برنسيس” الموبوءة في اليابان، في 5 شباط المنصرم، حتى قام عدد من الأطباء بإجراء دراسة علمية على جميع ركابها، وراجعوا الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس في مناسبات متعددة على مدى أسبوعين. ووجدوا في النهاية، أن 18 في المئة من الركاب المصابين ظلوا من دون أعراض طوال الوقت.

وفي حديثه إلى صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، يعبر الدكتور جيراردو شويل، عالم الأوبئة في جامعة ولاية جورجيا، وهو أشرف على الدراسة، عن قلقه من هذه النتائج بالقول: “إن النسبة الكبيرة للمصابين بكوفيد -19 من دون أعراض، مقلقة للغاية”.

وأشار شويل إلى أن الركاب على متن السفينة يميلون إلى أن يكونوا أكبر سناً، وبالتالي أكثر عرضة للإصابة بالأعراض. وهو قدّر أن حوالى 40 في المئة من عموم السكان قد يكونون مصابين بالعدوى، من دون أن تظهر عليهم أي علامات على المرض.

الأكثر نشراً للمرض

وأظهرت الدراسات الحديثة، أن الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد، هم الأكثر نشراً للمرض قبل يوم أو ثلاثة أيام من بدء ظهور الأعراض عليهم. وهذا ما يُعد أمراً مقلقاً ومختلفاً عن حالات انتقال المرض بالفيروسات التاجية الأخرى كفيروس سارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

توضيحاً لهذه النقطة، يقول الدكتور كارل بيرجستروم، خبير الأمراض المعدية في جامعة “واشنطن” في سياتل: “عندما تفشى مرض سارس حالفنا الحظ بعض الشيء، وهو في الحقيقة لم ينتقل إلا بعد ظهور أعراض المرض على الأشخاص، ما جعل من السهل اكتشافه واحتوائه بتدابير الصحة العامة القاسية”.

نستنتج من كل ما ذكرناه آنفاً، أن تفشي الفيروس التاجي الجديد، تزامن مع انتقال الوباء من الأشخاص الذين يبدون أصحاء، لأشخاص عانوا بعد إصابتهم بالفيروس من أعراض شديدة أدت في أحيانٍ كثيرة إلى وفاتهم. لذلك يختم بيرجستروم بالقول: “هذا المزيج كله يجعل من الصعب للغاية القتال ضد الفيروس باستخدام تدابير الصحة العامة العادية”.

———————————-

 في ظل «كورونا»… كيف تدرّب نفسك على عدم لمس وجهك؟

غسل الأيدي بانتظام والبقاء في المنزل والابتعاد نحو مترين عن بعضنا الأماكن العامة، ماذا يمكننا فعله أيضاً للحد من انتشار فيروس «كورونا» المستجد؟

يقول خبراء الصحة العامة إنه لا يتم القيام بما يكفي لمعالجة لمس الوجه، وهو أمر يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً جداً في انتقال الفيروس التاجي، وفقاً لشبكة «سي إن إن».

وتوضح سوزان ميشي، مديرة مركز تغيير السلوك في كلية لندن الجامعية، أن التحدي بسيط للغاية.

ويلمس الناس وجوههم لأسباب عديدة، ونحو 23 مرة في الساعة الواحدة.

وللتغلب على هذه العادات المتأصلة، توصي ميشي ببذل جهد واعٍ لإبقاء يديك تحت مستوى الكتف في جميع الأوقات وتدريب نفسك على مقاومة الرغبة في لمس وجهك.

– لماذا الوجه؟

يعتبر الوجه، وخصوصا ما يسميه الأطباء منطقة «تي» التي تجمع عينيك وأنفك وفمك، طريقاً رئيسياً لانتقال الفيروس التاجي الجديد. ويمكن أن ينتشر كورونا عن طريق القطرات التي تبقى في الهواء والأسطح الملوثة والهواتف الجوالة ومفاتيح السيارة ومقابض الأبواب والمصاعد.

وإذا لمستَ أنفك وفمك وعينيك بعد لمس الأسطح والأشياء الملوثة بالفيروس، يمكن أن تصاب بالعدوى.

ويقول روبرت ويست، أستاذ علم النفس الصحي بكلية لندن الجامعية: «إذا لم تلمس وجهك مطلقاً، فلا يهم إذا لم تغسل يديك. فقد تكون يداك قذرة أو ملوثة كما تريد».

ويتابع: «السبب الوحيد لأهمية غسل اليدين هو أنه في نهاية المطاف سوف تتلامس يداك مع وجهك».

وأطلقت مجموعة «فلوتينغ دوكترز» أو «الأطباء العائمون»، وهي منظمة إغاثة طبية أميركية، حملة «لا تلمس وجهك» لحث الناس على كسر العادة الجسدية والنفسية المتمثلة في لمس وجوههم.

– ماذا يمكننا أن نفعل بالضبط لوقف لمس وجوهنا؟

اقترحت المجموعة أن يستخدم الناس شبكة الرأس عند الخروج، مثل تلك المستخدمة للحماية من لدغات البعوض، أو التي يرتديها مربو النحل.

وقال الدكتور بن لابروت، مؤسس المجموعة والأستاذ المساعد في كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا: «إن هذه الشبكات مريحة تماماً، ويمكنك ارتداؤها فوق قبعتك».

وأوضح: «العقل مدرك تماماً للحاجز الموجود»، مضيفاً أن شبكات الرأس متاحة بسهولة في معظم الأماكن، وهي غير مكلفة».

وأضاف: «هذا عمل فردي صغير يمكن أن يمنعك من الإصابة بالمرض أو إصابة شخص آخر».

وطرح ويست استراتيجية أخرى، وهي اللجوء إلى «عادة مضادة».

وقال: «الفكرة هي ملاحظة أن يدك تتحرك باتجاه وجهك. أحد الأشياء الواضحة هو تحويلها ووضعها على مؤخرة رأسك، أي إعادة توجيهها».

وتابع ويست: «اتصل بي عدد قليل من الأشخاص ليقولوا إنهم يضعون شيئاً على أيديهم لجعلهم مدركين لتحركاتها، مثل العطور… ما تحاول القيام به هو ربط الفعل بالوعي».

وقال إن «أصعب عادة يمكن التخلص منها هي حك الوجه».

وأضاف ويست: «عندما أشعر بالحكة، لا أحارب الشعور لكنني لا أستسلم له كما كنت أفعل من قبل».

وأكد ويست أننا بحاجة إلى الوصول إلى النقطة تجعلنا نستغرب من شخص يلمس وجهه في الأماكن العامة، وأضاف: «نحتاج إلى أن ندخل الفكرة في رؤوسنا بحيث لا يكون لمس الوجه شيئاً يمكننا القيام به».

———————————

ستراتفور: هكذا سيبدو العالم بعد أزمة كورونا

تتعامل معظم الدول في الوقت الحاضر مع التأثيرات اليومية لوباء “كورونا”، إلا أنه من المهم دائمًا الانتباه إلى المستقبل. ومن الواضح أن الوباء والاستجابات الوطنية والدولية له سيكون لها آثار لم تتضمنها توقعات ستراتفور 2020.

ولكن مثلما تعطلت أحداث العقد 2000-2010 بسبب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، نتوقع أن تشكّل الاتجاهات الجيوسياسية الكامنة نمط الاستجابة للفيروس والطريقة التي يتحرك بها التاريخ إلى الأمام بعد أن تنتهي الأزمة.

في الوقت الحالي، يبدو أن وباء “كورونا” هو محور التركيز الوحيد للنظام الدولي، وقد أصبح حدث “البجعة السوداء” الذي تجاوز جميع الأولويات الأخرى وهيمن على العواصم والمراكز المالية ونشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن نظرة خاطفة تظهر أن الفيروس لم يبدد أزمات الجغرافيا السياسية حيث تواصل الصين والولايات المتحدة المواجهة في بحر الصين الجنوبي، وتستمر المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في طريقهما للتفاوض على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولم تتوقف الحروب والتمرد وعمليات الإرهاب.

إذا نظرنا إلى الوراء قبل أكثر من قرن بقليل، يمكننا أن نرى وباء آخر ضرب العالم وأدى إلى الحجر الصحي المحلي وإلى الانكماش الاقتصادي. اندلع وباء إنفلونزا عام 1918، المعروف أيضًا باسم “الإنفلونزا الإسبانية”، في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى وانتشر بسرعة عن طريق تحرك القوات داخل مسرح المعركة وخارجه. أدى تأثير الوباء إلى تفاقم الخسائر البشرية والاقتصادية للصراع العالمي، ولكنه لم يفعل الكثير لوقف الاتجاه الأوسع نحو ترسيخ الدولة القومية باعتبارها محور النظام الدولي. بالرغم من الجهود المبذولة لإنشاء عصبة الأمم للإشراف على عالم مترابط، شكل الأوروبيون حلاً للسلام وضع إطار الحرب القادمة، وسعى الأمريكيون إلى الهيمنة في قارتهم المحمية.

من المرجح أن يثبت وباء “كورونا”، على الأقل من خلال التقديرات الحالية، أنه أقل فتكًا من إنفلونزا 1918، ولكنه أظهر بالفعل أنه أكثر تشويشًا في المجال الاقتصادي. سببت إنفلونزا عام 1918 فقط أزمة اقتصادية أثارتها سنوات من الحرب العالمية، وكانت الروابط حول العالم محدودة أكثر في ذلك الوقت. على النقيض من ذلك، ظهر “كورونا” في عالم مترابط على نطاق ربما لم يكن من الممكن تصوره قبل قرن من الزمان. حدث هذا وسط التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي كانت تختبر حدود العولمة، مما أثار مرة أخرى تساؤلات حول مستقبل القوة في جميع أنحاء العالم.

جاء ذلك بينما كانت أوروبا لا تزال تتكيف مع التداعيات الاجتماعية والسياسية لأزمة ديونها، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصعود الحركات السياسية اليمينية. وجاء في الوقت الذي كانت فيه المنافسة العالمية على التكنولوجيا، وخاصة أنظمة المعلومات، تقترب من القمة وتهدد الاتصال العالمي.

عندما ننظر إلى وباء “كورونا” في سياق توقعات “ستراتفور”، سوف نفكر في العديد من الأسئلة. بالرغم من أنها ليست قائمة شاملة، إلا أن الاتجاهات الخمسة الأوسع أدناه توضح المناطق التي تتقاطع فيها أزمة “كورونا” مع الأنماط الاستراتيجية العالمية الحالية. كما هو الحال مع الأزمات العالمية والوطنية السابقة، فإن “كورونا” والاستجابة العالمية له لن تقلب النظام، لكنها ستسرع بعض الأنماط وستعطل أنماطًا أخرى، وفي النهاية ستكشف عن الضغوط والقوى الجيوسياسية العميقة التي تشكل النظام العالمي.

هل تربح الصين حرب “كورونا”؟

منذ البداية، تم السؤال عما إذا كانت أزمة “كورونا” ستعزز أو تزعزع استقرار قبضة الحزب الشيوعي على الصين، وبشكل أكثر تحديدًا ما هو تأثيرها على سلطة الرئيس الصيني والأمين العام للحزب “شي جين بينج”. وكان مضمون السؤال أكبر – هل سيؤدي ذلك إلى تسريع أو إبطاء صعود الصين، وهل ستشهد الصين كسب أو فقد القوة مقابل الولايات المتحدة؟

توترت القيادة الصينية بالفعل بسبب محاولتها إعادة تشكيل الاقتصاد الصيني في مواجهة الاحتجاجات في هونج كونج؛ وتجدد المشاعر المعادية للصين في تايوان؛ والضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري من الولايات المتحدة قبل تفشي الفيروس. علاوة على ذلك، قد يكون توطيد السلطة في عهد “بينج” لتسهيل إعادة الهيكلة الاقتصادية والتحول إلى القومية قد مكّن الرئيس الصيني، لكنه ركز أيضًا المسؤولية عن الإخفاقات.

شهدت الصين تباطؤًا أو انكماشًا هائلاً في اقتصادها في الربع الأول من العام الحالي، وحاليا تحاول تخطي الأزمة الأكثر خطورة. ستواجه الصين مشاكل اقتصادية حادة حتى نهاية العام على الأقل، إن لم يكن بعدها. نحن نراقب مؤشرات على وجود مشاكل في قطاع الإقراض الصيني ونراقب عمق الضربة التي تلحق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي توظف عددًا أكبر من السكان و لديها إمكانية وصول محدودة إلى التمويل المصرفي.

ظهرت عدة أدلة على الاستياء الاجتماعي من بعض تدابير الاستجابة للوباء، بما في ذلك تقارير عن التحديات داخل الحزب. لكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا مجرد تذمر في الوقت الحالي، أو أعراض استياء أعمق أو أنها تعكس كيانات خارجية تحاول استغلال لحظة ضعف محتملة في الصين.

سيكون السؤال الرئيسي الآخر خلال الأرباع العديدة القادمة هو وتيرة ونطاق إعادة تنشيط الصين لمبادرة “الحزام والطريق”. إذا رأت الصين الحاجة إلى التركيز على الاستهلاك الداخلي والنشاط الاقتصادي، فقد تقطع هذه المشاريع الخارجية.

حتى قبل “كورونا”، كانت بكين تعيد تقييم القيمة مقابل التكلفة في العديد من مشاريع “الحزام والطريق”. ولكن في حين أن الصين قد تعزز قوتها الناعمة عبر إرسال الأطباء والإمدادات الطبية إلى دول أخرى، فإنها ستفقد الزخم في محاولتها لتشكيل الديناميات السياسية والأمنية لجيرانها وشركائها إذا قلصت الإنفاق على البنية التحتية الخارجية على مدى السنوات القليلة المقبلة.

التكنولوجيا والبنية التحتية للمعلومات

لم تؤدِ محاولات الولايات المتحدة للحد من نشر تقنية “هواوي” في تطوير البنية التحتية العالمية “جي 5” إلى توتر العلاقات بين واشنطن وبكين فحسب، ولكن أيضًا بين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

كما كشفت أزمة “كورونا”وتدابير الحجر الصحي المصاحبة لها عن الضعف البنيوي للبنية التحتية للاتصالات في العديد من البلدان والمجتمعات، مما عزز الطبيعة الحرجة للأعمال لهذه البنية التحتية. وقد أظهرت الأزمة أيضًا ضعف نظم المعلومات أمام التضليل والتلاعب الأجنبي.

كما أثارت الأزمة مخاوف تتعلق بالخصوصية بشأن زيادة استخدام الحكومات للتكنولوجيا لتتبع وإدارة انتشار “كورونا”. حيث ازدادت التساؤلات حول المراقبة الحكومية؛ والمعلومات الشخصية والخصوصية؛ ووصول الحكومة إلى الاقتصاد والأعمال؛ والعلاقة بين الحكومات المحلية والاتحادية وحتى الوطنية.

في السنوات الأخيرة، تسببت هذه القضايا في تقلبات سياسة واجتماعية، ونقاشات حول السيادة. وسيتم تنشيط هذه المناقشات من جديد بسبب “كورونا”.

ستعمل هذه المخاوف على تكثيف المناقشات حول أمن المعلومات الشخصية، و”السيادة السيبرانية” الوطنية. ونتوقع زيادة الاهتمام بتمويل وإدارة البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع دعوات لمزيد من التمويل الوطني والسيطرة على الشبكات. لذلك قد يسرّع الفيروس من التحركات نحو مزيد من الانعزال والتجزئة.

 مستقبل المنظمات الدولية

كان الجزء الأكبر من الاستجابة لأزمة “كورونا” قومياً بطبيعته، ولم تقده المؤسسات الدولية متعددة الجنسيات.

ظهرت العديد من المؤسسات الدولية العالمية في نهاية الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة، في أوقات مختلفة تمامًا عن الوقت الحاضر. لم تواكب هذه المؤسسات العالم المتغير، وواجهت الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمؤسسات الدولية الأخرى تحديات فيما يخص دورها وسلطتها حتى قبل “كورونا”.

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة العديد من هذه المؤسسات إما مقيدة أو غير فعالة، بينما بدأت الصين تسعى لتغيير اتجاهها لتناسب رؤيتها العالمية بشكل أفضل.

في حال اعتبار هذه المؤسسات فاشلة في الأزمة الحالية بعد أن فعلت القليل في الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمن، إلى جانب فشلها في وقف الصراع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وإدارة الهجرة بسبب النزاعات أو التصرف حيال مخاوف تغير المناخ العالمي، فإن “كورونا” سيثير الجدل حول إصلاح شامل للحوكمة العالمية.

إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يؤدي ببساطة إلى تجاوز الدول للعديد من هذه المنظمات سعياً وراء مصالحها الخاصة.

اضطرابات سلسلة التوريد

يعتبر وباء “كورونا”أحدث صدمة لسلسلة التوريد المعولمة التي تلفت الانتباه إلى المخاطر التي تهدد استمرارية الأعمال والتجارة، وفي بعض الأحيان تشكل خطورة على الأمن القومي.

حتى قبل “كورونا”، كانت سلاسل التوريد العالمية تواجه تحديات من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومن القومية الاقتصادية المتزايدة في جميع أنحاء العالم.

وبالرغم أن العالم لم يتحرر من قوة الجاذبية للصناعات التحويلية إلا أن التوترات التجارية بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العمالة في الصين تسببت في بدء بعض الصناعات التحويلية في فيتنام وأماكن أخرى في جنوب شرق آسيا.

وفي الوقت نفسه، كان التحضير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإعادة تقييم سلاسل التوريد حيث قامت الولايات المتحدة بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والترتيبات التجارية في أماكن أخرى تؤثر أيضًا على القرارات المحيطة بسلاسل التوريد.

سينظر إلى الفيروس على أنه اضطراب قصير المدى للنشاط الاقتصادي العالمي، حيث تمكنت بعض الشركات من نقل الإمدادات بسرعة خارج الصين في الأيام الأولى من الحجر الصحي في الصين، في حين أعادت شركات أخرى تجهيز المصانع أو الاعتماد على فائض المخزون.

ولكن على مدى السنوات العديدة الماضية، فإن الابتعاد عن التسليم في الوقت المناسب والصدمات السياسية أوغيرها من الصدمات بما في ذلك مقاطعة الصين غير الرسمية لكوريا الجنوبية بسبب نشر منظومة “ثاد” وكارثة “فوكوشيما” أجبر الشركات بشكل متزايد على ضمان المرونة في سلاسل التوريد الخاصة بها، أو البدء بإجراءات تعزلها بشكل أفضل عن الصدمات العالمية المستقبلية.

الاضطرابات الاقتصادية العالمية الأوسع

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كان لتوسيع إنتاج الطاقة الأمريكية والدفع نحو مصادر الطاقة المتجددة تأثير بالفعل على أنماط العرض والطلب، فإن الانخفاض الإضافي في الاستهلاك المتعلق بـ”كورونا” سيؤثر بشكل كبير على الاستقرار المالي الوطني.

كانت السعودية والإمارات ودول أخرى تواجه رياحا معاكسة في الجهود الاقتصادية والإصلاحية قبل “كورونا”، وستظل بحاجة إلى معالجة تزايد أعداد الشباب الذين يتوقعون خدمات عالية من الحكومة، ويأتي كل ذلك وسط انخفاض الإيرادات.

إذا توقفت جهود الإصلاح، ستتحول احتياطيات الحكومة لإعطاء الأولوية للإنفاق الاجتماعي بدلا من التنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والاستثمار الخارجي. وقد تثبت الإصلاحات الجزئية عدم الاستقرار الاجتماعي حتى مع ارتفاع الإنفاق الاجتماعي.

في حين أنه من المتوقع تحول بعض الدول إلى الصين فإن التحول في هذا الوقت سيكون بالرغم من تكلفة السيادة الوطنية أو على الأقل القدرة على المناورة السياسية، وكما هو موضح أعلاه، فقد تحتاج الصين إلى تحديد أولويات إنفاقها الداخلي.

سيلعب السلوك الإيراني ما بعد “كورونا” دورا في تحديد طبيعة المنافسة والعلاقات الإقليمية، وقد تكون الاضطرابات السياسية في إيران مزعزعة للاستقرار الإقليمي مثلها مثل تعزيز سيطرة الحكومة الإيرانية.

ويعتبر المكان الأخير الذي يجب مراقبته خلال العقد القادم للتأثيرات المتبقية من وباء “كورونا” هي البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، أو تلك التي تقع بين قوى أكبر، أو تلك الموجودة على الهامش العالمي.

تواجه دول جزر المحيط الهادئ، التي عانت من المنافسة المتزايدة بين الصين من جهة والولايات المتحدة وأستراليا من جهة أخرى، قيودًا اقتصادية كبيرة في التعامل مع “كورونا”، بالإضافة إلى انهيار السياحة وتخفيضات البضائع والإمدادات.

وعلى سبيل المثال ستكون أماكن مثل بيلاروسيا التي سعت إلى تحقيق التوازن بين الاهتمام الروسي والأوروبي والصيني المتنامي، أو منغوليا التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في صادرات الفحم إلى الصين في الربع الأول من العام، مع خيارات أقل للاحتفاظ باستقلالية العمل.

المصدر | رودجر بيكر/ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

————————————

تقديرات بملايين المصابين عالميا.. ووهان تخشى موجة كورونا ثانية وبكين ترد على الاستخبارات الأميركية

أشارت تقديرات أسترالية إلى أن الحصيلة الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا المستجد في أنحاء العالم ربما تكون عشرة ملايين شخص، وفي الصين قالت سلطات ووهان إن خطر عودة الوباء للمدينة ما زال كبيرا.

وبلغ عدد الإصابات المؤكدة عالميا مليونا ونحو 27 ألفا، وفقا لأحدث إحصاء متاح من جامعة جونز هوبكنز الأميركية بعد ظهر اليوم الجمعة (بتوقيت الدوحة)، في حين بلغ عدد الوفيات نحو 54 ألفا، وتجاوز عدد المتعافين من المرض 217 ألفا، وذلك منذ ظهور الفيروس أواخر العام الماضي.

بيد أن كبير المسؤولين الطبيين في أستراليا برندان ميرفي قال في إيجاز صحفي اليوم “نعتقد أن العدد الحقيقي (للمصابين بالفيروس عالميا) يبلغ خمسة أو عشرة أضعاف (المليون حالة المعلنة)”.

وعزا ميرفي ذلك إلى غياب الأرقام الحقيقية في بعض الدول بسبب عدم إجراء فحوص كافية للكشف عن الإصابات، وقال إن “الأرقام الوحيدة التي لدي ثقة تامة فيها بصراحة هي الأرقام الأسترالية”.

وأشارت وكالة رويترز إلى أن بعض المنتقدين شددوا على اختلاف مناهج الدول في إحصاء حالات الإصابة بفيروس كورونا، وقالوا إن الصين لم تكن تحصي المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض، لكنها بدأت تعدهم في الآونة الأخيرة.

خوف من الانتكاسة

وقال وانغ تشونغ لين رئيس لجنة الحزب الشيوعي الصيني في مدينة ووهان -وهي المركز الأصلي لهذا الوباء العالمي- في بيان نشرته السلطات إن خطر عودة الوباء إلى المدينة بعد تعافيها ما زال كبيرا بسبب المخاطر الداخلية والخارجية.

ودعا سكان المدينة إلى تعزيز إجراءات الحماية الذاتية وتجنب الخروج إلا للضرورة، ومن المتوقع أن ترفع السلطات حظر السفر عن المدينة بحلول 8 أبريل/نيسان الجاري.

في غضون ذلك، قالت وزارة الخارجية الصينية اليوم إن هناك إصابات مؤكدة بفيروس كورونا في صفوف الدبلوماسيين الأجانب في بكين، ونصحت الدبلوماسيين في العالم عموما بالتوقف عن القدوم إلى الصين.

 الرد على واشنطن

وردت الخارجية الصينية على الأنباء والتصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة مؤخرا، وقالت إن التشكيك الأميركي في بياناتها الصحية بشأن فيروس كورونا “معيب وغير أخلاقي”.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية خوا تشون ينغ إن المسؤولين الأميركيين يدلون بتعليقات “وقحة” تلقي بظلال من الشك على تقارير الصين عن حالات الإصابة في البلاد.

وأضافت أن الصين كانت منفتحة وشفافة بشأن تفشي الفيروس، وطالبت الولايات المتحدة بالتوقف عن تسييس قضية صحية، والتركيز بدلا من ذلك على سلامة الناس.

وكانت الاستخبارات الأميركية رفعت تقريرا إلى البيت الأبيض جاء فيه أن الصين ضللت العالم بسبب إخفائها كثيرا من الحقائق بشأن فيروس كورونا، وقال مسؤولون أميركيون إن السجل العام للصين بشأن الإصابات كان خادعا وغير مكتمل بشكل متعمد، على حد قولهم.

أسوأ حصيلة وفيات

وسجلت في الولايات المتحدة أسوأ حصيلة يومية عالمية للوفيات جراء فيروس كورونا، فقد أحصت جامعة جونز هوبكنر 1169 وفاة بين مساء الأربعاء ومساء الخميس، وهي أكبر حصيلة يومية على مستوى دول العالم منذ بدء تفشي الوباء أواخر العام الماضي، ليرتفع إجمالي الوفيات الأميركية إلى 5911 حالة.

اوسجلت في الوقت نفسه 30 ألف إصابة إضافية، مما يرفع عدد الإصابات بين الأميركيين إلى أكثر من 240 ألف إصابة بالفيروس.

وكان الرقم اليومي القياسي السابق لعدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا قد سجل يوم 27 مارس/آذار الماضي في إيطاليا، بواقع 969 حالة وفاة.

ويأتي تسارع وتيرة الوفيات في الولايات المتحدة في وقت طلبت فيه وكالة إدارة الطوارئ الأميركية من وزارة الدفاع 100 ألف كيس موتى، حسب ما ذكر البنتاغون.

وتوقع البيت الأبيض وفاة ما بين 100 ألف و240 ألف شخص جراء الفيروس، وحذر الرئيس الأميركي قبل يومين من أسبوعين مؤلمين يمكن أن تشهدهما بلاده على صعيد تفشي فيروس كورونا وفتكه بالأرواح.

 وقد توالت أوامر السلطات للمواطنين الأميركيين بالبقاء في المنازل، لتشمل في الوقت الراهن أكثر من 80% من سكان البلاد في أرجاء 39 ولاية.

الفحص الثاني لترامب

من جهة أخرى، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب خضع للمرة الثانية لفحص أثبت خلوه من الفيروس، وقال ترامب في مؤتمر صحفي “استغرق هذا الفحص -الذي قام به طبيب البيت الأبيض- 15 دقيقة تقريبا، لتظهر نتيجته، وبعدها قال لي الطبيب إن الخلاصة هي أن الفحص سلبي.. أجريت فصحين، وهذا الثاني كان سريعا ورائعا”.

ويواجه الرئيس الأميركي انتقادات داخلية متزايدة لأداء إدارته في مواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية لأزمة كورونا، وقالت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في مؤتمر صحفي أمس الخميس إن قرارات ترامب لا تتضمن مساعدة لملايين الأميركيين الذين لا يملكون ضمانا صحيا، وسيضطرون لدفع عشرات آلاف الدولارات للعلاج من دون ضمان صحي.

وأعلنت رئيسة مجلس النواب تشكيل لجنة خاصة من نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمتابعة الإجراءات المتخذة لمواجهة الوباء.

الأزمة الاقتصادية

ويأتي ارتفاع الوفيات والإصابات في الولايات المتحدة وسط تدهور متسارع للاقتصاد الأميركي الذي توقع مكتب الميزانية بالكونغرس أن ينكمش بنسبة 28% على أساس سنوي، مع خسارة نحو عشرة ملايين أميركي وظائفهم خلال أسبوعين فقط.

وأظهرت تقارير وزارة العمل الأميركية أن عدد المتقدمين للحصول على إعانة بسبب البطالة الأسبوع الماضي بلغ 6.6 ملايين شخص، وهو رقم قياسي للأسبوع الثاني تجاوز معدلات فترة الركود العظيم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

وبينت التقارير أن القطاعات الأكثر تضررا من توقف الحياة العامة وتعطلها هي الفنادق والمطاعم وشركات الطيران، وهي الأكثر تسريحا للعمال.

من جهة أخرى، قال بنك التنمية الآسيوي في تقريره السنوي الصادر اليوم الجمعة إن جائحة كورونا قد تترك “ندوبا دائمة على الاقتصاد العالمي”.

وذكر التقرير أن الخسائر العالمية الناتجة عن تعطل النشاط الاقتصادي وتكاليف الرعاية الصحية قد تصل إلى 4.1 تريليونات دولار، أي 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مشيرا إلى أن نصيب آسيا من تلك الخسائر سيكون حوالي 36%.

بريطانيا

قال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك اليوم إن ذروة تفشي فيروس كورونا في البلاد ستأتي أقرب قليلا مما كان متوقعا لتكون في الأسابيع القليلة المقبلة.

اعلان

وصرح هانكوك لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن النماذج “تشير إلى أن الذروة ستأتي أقرب قليلا من التوقعات السابقة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لكن هذا يتوقف بشدة على عدد الناس الذين يتبعون توجيهات التباعد الاجتماعي”.

إسبانيا

قالت وزارة الصحة الإسبانية اليوم الجمعة إن إجمالي الوفيات بفيروس كورونا المستجد زاد إلى 10,935 ارتفاعا من 10,003 في اليوم السابق.

ويعني ذلك أن 932 شخصا توفوا بسبب المرض خلال 24 ساعة، انخفاضا من 950 شخصا في اليوم السابق، فيما يمثل أول انخفاض في عدد الوفيات اليومية بإسبانيا منذ 26 مارس/آذار الماضي.

وأضافت الوزارة أن عدد الإصابات المسجلة زاد إلى 117,710 اليوم الجمعة ارتفاعا من 110,238 أمس الخميس.

ألمانيا

قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها أنهت الحجر الصحي الذاتي وعادت لممارسة مهامها اليوم الجمعة بعد أن أظهرت عدة اختبارات عدم إصابتها بفيروس كورونا.

وكانت ميركل في حجر منزلي بعدما تلقت لقاحا في 20 مارس/آذار الماضي على يد طبيب تبين فيما بعد إصابته بفيروس كورونا.

وسجلت ألمانيا 145 وفاة جديدة بالفيروس و6174 إصابة جديدة، لتصل حصيلة الوفيات إلى 1017، والإصابات إلى 79,696 وفقا لإحصاءات معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية.

العالم العربي

قالت منظمة الصحة العالمية إنه يتعين على حكومات الشرق الأوسط أن تبذل جهودا سريعة للحد من انتشار فيروس كورونا، بعدما ارتفعت الحالات في هذه المنطقة إلى نحو 60 ألفا، أي قرابة ضعف العدد المسجل قبل أسبوع.

وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط الدكتور أحمد المنظري في بيان صدر أمس الخميس “لا أستطيع التأكيد بما يكفي على خطورة الموقف، فزيادة أعداد الحالات تظهر أن الانتقال يحدث سريعا على المستويين المحلي والمجتمعي”، مضيفا “ما زالت أمامنا نافذة مفتوحة، لكن هذه النافذة تضيق يوما بعد يوم”.

وأشار المنظري إلى “تسجيل حالات جديدة في بعض من أكثر الدول عرضة للخطر والتي بها أنظمة صحية ضعيفة”. ويشمل النطاق الإقليمي لهذا المكتب الذي يديره المنظري، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط، باكستان وأفغانستان والصومال وجيبوتي.

السعودية

قالت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن مصدر بوزارة الداخلية إن المملكة قررت تقديم وقت بدء حظر التجول في مدينة الدمام ومحافظتي الطائف والقطيف إلى الساعة الثالثة عصرا اعتبارا من اليوم الجمعة وحتى إشعار آخر.

وأعلنت السلطات السعودية أمس الخميس قواعد مشددة لفرض حظر تجول كلي في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وبلغ مجموع حالات الإصابة المسجلة في المملكة 1885 حالة، توفي 21 منها، وهو أكبر عدد مسجل في منطقة الخليج.

الأردن

بدأ اليوم الجمعة تطبيق حظر تجول كلي في العاصمة الأردنية عمان وعموم البلاد لمدة 24 ساعة، وذلك ضمن إجراءات الحكومة لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

ويعد هذا الإجراء -الذي استثنى الكوادر الطبية فقط- الأكثر تشددا في الأردن منذ تسجيل الإصابات الأولى بالفيروس في البلاد.

وقالت الحكومة إنها ستعود صباح السبت لتسمح للمحال التموينية الصغيرة بفتح أبوابها ضمن إجراءات احترازية وفي ساعات محددة.

وسجل الأردن أمس الخميس 21 إصابة جديدة ليصل مجموع الحالات إلى 299، وأشار وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة إلى ارتفاع مفاجئ في الإصابات، وقال إن البلاد تمر بمرحلة حاسمة، مطالبا الجميع بالالتزام بالإجراءات المتخذة لمواجهة الوباء.

المصدر : وكالات

———————————-

كورونا.. من الذعر والصراخ إلى أسئلة محددة

لا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا الوباء، ولكن كقاعدة عامة التهدئة تعتبر شكلاً طبيعياً في أي تحرك وتعامل مع جميع الأحوال، ولا يمكن التعبير بكلمات كم هو مزعج عند توزيع إحصاءات الضحايا، كما لو أننا لا نتحدث عن الناس، ولكن عن الأشياء.

بات الجميع يعلم أنه في بداية الوباء، حاولت الصين الحفاظ على سرية كل شيء، وعدم إخبار أي شخص بما يحدث، الآن، بعد إدراك الحجم الحقيقي قاموا بتغيير سلوكهم.

واليوم، لا تقلل الولايات المتحدة الأميركية وبقية دول العالم من شدة الفيروس، حيث تقيد السلطات التواصل بين البلدان، وترتب الحجر الصحي لأولئك الذين تم اتصالهم بالأشخاص المصابين، الشركات تقلل/أوقفت  السفر، الناس يؤجلون عطلاتهم، ونشهد إلغاء الأحداث والفعاليات الكبرى.

الآن من المستحيل عملياً التحدث عن معظم الأحداث، في جميع البلدان التي وصلها الفيروس التاجي، يسير الفيروس منتصرا في جميع أنحاء العالم، لكنهم يقولون إنه يتراجع في الصين، وقد تكون هذه الأخبار هي الأهم، وفقاً لتقديرات الصينيين فقد تجاوزوا ذروة الوباء. وبفضل ذلك يمكننا تقدير الوقت الذي انقضى، منذ أن اكتسبت العدوى زخمًا، ثم بدأ في الانخفاض تدريجيًا، فمن الطبيعي أن يحدث هذا عندما تهدف جميع قوى الدولة إلى مكافحة الفيروس، وعلى الأرجح في البلدان التي لن يكون فيها مثل هذا النشاط سوف يمتد كل شيء لمدة شهر أو أكثر.

نظرًا لأنه تم العثور على الفيروس في كل من البرازيل ونيوزيلندا، يمكن القول إنه لم تبق قارة واحدة، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، خالية من الفيروسات التاجية، العدو طرق أبواب الجميع.

لا بد من التطرق إلى حقائق مثيرة للاهتمام، تميز دقة الفحص والتشخيص، ويجب أن يفتح الجميع أعينهم على إحصاءات حقيقية، فلدينا بلدان يمكنها فحص كل من يتحرك ولا تعاني من مشاكل في نظام الاختبار، بينما بلدان أخرى مختلفة تماماً، وفي بعض الحالات يتم فحص وتشخيص المزيد من الأشخاص مع من يعانون من أشكال خفيفة للغاية من المرض، وفي حالات أخرى يتم تحديد المرضى المصابين بأعراض وأمراض خطيرة فقط.

لكن الشيء المريح هو تغير الموقف من الإصابة بالفيروس التاجي في جميع أنحاء العالم بشكل تدريجي، فالناس يتحولون من الذعر والصراخ إلى أسئلة محددة: ماذا يمكنني أن أعمل؟، ما الذي أحتاجه للمطالبة من الحكومة  للبقاء على قيد الحياة؟

قد يكون هناك سؤال محوري: هل يمكن أن يتحول الفيروس التاجي إلى أشكال أكثر شدة، ليصبح تهديدًا لجميع الناس؟ هذا أمر مستبعد للغاية، فإذا تحور الفيروس إلى أشكال أكثر شدة، فإن الشخص الذي يصاب بالفيروس يموت، وهذا يعني أن الفيروس لم يعد قادرًا على الانتشار، حيث الاتجاه العام لمثل هذه الفيروسات هو العكس، فهي تصبح أسهل وأسهل، وكلما كان شكل المرض أخف، كان  نشره بشكل أكثر فعالية.

إن الأوبئة ليست مجرد مآسي وأمراض ووفيات فورية، حيث يؤدي انتشار هذه التهديدات على نطاق واسع، فضلاً عن المخاوف والشكوك المصاحبة لها، إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك والمعتقدات، ويصبح الناس أكثر شبهة وأكثر سذاجة، ولكن قبل كل شيء، تختفي رغبتهم في الاتصال بكل شيء يبدو غريبًا أو خارجيًا.

لا أحد يعرف إلى متى سيستمر وباء كوفيد 19، فإذا لم يصبح الفيروس أقل عدوى مع ظهور الربيع في نصف الكرة الشمالي، فقد يضطر العالم إلى الانتظار حتى يتم تطوير لقاح لهذا المرض ووضعه قيد الإنتاج، كما أن هناك متغير مهم آخر، هو فعالية السلطات الصحية في كل بلد.

على أي حال، فإن إغلاق المصانع وتعليق الإنتاج يعطلان سلاسل الإنتاج العالمية، وبدأ المصنعون في اتخاذ خطوات لتقليل اعتمادهم على نقاط الضعف في البلدان البعيدة، وحتى الآن، ركز المعلقون الماليون على حساب تكاليف الصناعات الفردية، حيث يقلق صانعوا السيارات من نقص المكونات، ويُترك عمال النسيج دون أقمشة، وتُحرم متاجر السلع الفاخرة من العملاء.

ومع ذلك، قلة من الناس يفكرون في أهمية مناخ عدم اليقين الجديد للاقتصاد العالمي بالمعنى الواسع، والتفكير في العواقب طويلة الأجل للأزمة مع فيروس Covid-19، الأفراد والشركات، وربما حتى الحكومات ستحاول حماية أنفسها بمساعدة العقود المعقدة التي يتم تنفيذها في ظل ظروف معينة (عقود طارئة)، ومن السهل تخيل منتجات مالية جديدة سيتم هيكلتها بطريقة تضمن الدفع لمصنعي السيارات في حالة وصول الفيروس إلى مستوى معين من الوفيات، وقد يؤدي الطلب على العقود الجديدة إلى ظهور فقاعات جديدة، مع توسع فرص كسب المال.

سيجعل الفيروس التاجي الحياة غير منتظمة تمامًا وغير طبيعية، ولا تساهم وسائل الإعلام إلا في ذلك، وكل هذا يقودنا إلى اقتصاد غير طبيعي تمامًا.

ليس من المستغرب أو المستبعد أن وباء Covid-19 يلعب بالفعل في أيدي الشعبوية الحديثة، فبالنسبة لبعض الأميركيين، سيكون الأصل الصيني لهذا المرض تأكيدًا آخرًا على اعتقادهم بأن الصين تشكل تهديدًا للعالم، “دولة لا يمكن الاعتقاد بأنها قادرة على التصرف بمسؤولية”، وفي غضون ذلك، سيجد الكثير من الصينيين على الأرجح أن بعض الإجراءات الأميركية لمكافحة هذا الفيروس مدفوعة باعتبارات عنصرية ومصممة لمنع صعود الصين، ظهرت نظريات المؤامرة بالفعل، وفي وقت يغرق العالم في وباء التضليل ، يعد وباء  Covid-19 بزيادة حجمه.

——————————————-

المثقف كأداة للبروبغاندا، في زمن كورونا/ علي عاشور

مع أزمة انتشار وباء COVID-19، كورونا، ينتشر ويتداول مصطلح “صراع البقاء” كعلامة على المرحلة الفاصلة والمصيرية التي يخوضها الإنسان المعاصر. تحمل مفردة البقاء دلالة الثبات والاستمرارية والمواصلة. بينما تحمل مفردة الصراع دلالة المنافسة والقتال والخلاف. تعود مفردة البقاء بالاستدلال على الذات، بينما تشكلّت مفردة الصراع موجهة ناحية الآخر. غير أن “صراع البقاء” كمصطلح تقني دارويني، يعيد الذاكرة إلى رحلة الإنسان الطويلة منذ نزوله من على الأشجار حتى هبوطه على سطح المريخ، وخوضه مغامرة جسديّة ومعرفية لا يمكن التنبؤ بنتائجها القادمة، فضلاً عن نهايتها، المحتومة بالضرورة.

وفي الحديث عن النهايات في أزمة الوباء الحالية، يتداول البعض من المثقفين العرب، ومعجبيهم، جملاً مثل ” نهاية الرأسمالية الغربية” أو ” نهاية السيطرة الغربية” أو ” نهاية المنظومة الرأسمالية” وغيرها من ” النهايات” والخلاصات المتسرعة والمقدمة بلا تحليل ولا قراءة تتناول المشهد الغربي، فضلاً عنه المشهد العالمي. كأن حماسة الأفكار اليسارية التقليدية، والقومية، من ستينات وسبعينات القرن الماضي، بما تحمله من بروبغاندا قدمتها المنظومات الإعلامية للاتحاد السوفيتي وحلفائه، إضافة إلى بروبغاندا الأيديولوجيا الأمريكية المضادة آن ذاك، عادت لتنتعش في العالم الحديث، الذي يختلف بطبيعته عن طبيعة البيئة التي خرجت منها تلك الأفكار.

غير أن هذا البعض لم يتوقف عند تقديم ” النهايات” كوجبة سريعة حتى تحدّث عن بدايات عالمية جديدة، مع إحالة هذه البدايات إلى الصين وإمكانيات نظامها الحالي، الذي بوجهة نظر البعض، سيكتب تاريخاً جديداً.

ويتضح من بداية انتشار الأزمة عالمياً، سقوط هذا النوع من المثقفين، مع جماهيرهم، في فخ البروبغاندا المتصارعة، دون التأني في قراءة المشهد والتمهّل في تحليل المعلومات والبيانات، والوثائق، الغير متوفرة حالياً، والقيام بتتبع تدريجي للتغطيات الإعلامية المقدمّة من يناير الماضي. كأن ما كان يدعو له المثقف من تأني وتمعن في قراءة الكتب، بقي محصوراً في الكتب، وانساق بعجلة المغتر يلقي أحكاماً تتناسب مع تحيّزاته، المعلنة حيناً وغير المعلنة حيناً آخر، وإبراز ما تراكم من قراءات وأمنيات في ذهنية العداء للمستعمر والمتحكم الغربي.

في كتابهما ” البروبغاندا والإقناع” يعرّف كل من جارث جويت وفيكتوريا أودونل البروبغاندا بأنّها ” عملية منهجية تسعى إلى تشكيل تصوّرات معيّنة، عن طريق التلاعب في الإدراك والسلوك المباشر لتحقيق استجابة تعزز الهدف المنشود لصانع البروبغاندا.”. إذ يصب كل هذا في استثارة النزعة الأيديولوجية، أو خلقها، عند الملتقي، كي يعمل كآلة آيديولوجية تفعّل العمل الذي يهدف له صانع البروبغاندا، دون حاجة من هذ الصانع إلى استثمار دعائي أو بذل مجهود أكبر، بعد ذلك. فالأثر المتراكم سيقوم بإعادة برمجة المنظومة الفكرية، أو المحفزات الداخلية، لدى المتلقي.

فاستعادة الصراع الغربي الشرقي، الأمريكي السوفيتي / الروسي، الرأسمالي الاشتراكي، ليس مصادفة عابرة أو استرجاعاً لتاريخ سابق، بهدف إعادة قراءة تاريخية، أو مقارنة. فالأثر المتراكم من صراعات ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أنتجته الحملات الدعائية وصدام السياسات المتصارعة على السيطرة العالمية، إضافة إلى ما أنتجته السينما والآداب والفنون والأطروحات الفلسفية والقنوات الإعلامية، ما زال يفعل فعله في دواخل الكائن البشري. فالصدامات التاريخية لا تنتهي حتى تورّث ما بعدها.

يقول البروفيسور البريطاني نيكولس أوشونيسي ” تتضمن البروبغاندا، بشكل عام، نقل رسالة واضحة … ناقلٌ معقّد للحلول البسيطة.”. العمل الذي يقوم به هذا الناقل، البروبغاندا، للرسالة الواضحة تقنياً أكثر تعقيداً، وربّما خطراً، من الرسالة نفسها. مثال ذلك، العمليات الإعلامية والدعائية التي قامت بها إدارة جورش بوش بعد أحداث 11 سبتمبر ورفعها لشعار ” الحرب على الإرهاب”، بقدر ما أوقد وحشد حماسة الشباب الأمريكي وقوى جيش الولايات المتحدة، ووجّه إصبع الإدانة إلى إرهاب طالبان، بقدر ما أوجد إيديولوجية إرهابية أخرى منتزعة من الإنسانية باسم الحرب لأجل تخليص الإنسانية من الإرهاب. والتي ما زالت آثارها في المجتمع الأمريكي وخطابه الثقافي. ذات العامل الذي نقل الكثير من الشباب العربي عام 2011 في سوريا وليبيا والعراق من عملية المطالبات الحقوقية والانتفاضة السلمية إلى الانضمام إلى جيوش داعش، التي تحارب الطاغية، والتحوّل إلى طغاة أشد وحشيةً وفتكا.

من هنا يمكن النظر إلى ما تقوم به المؤسسات الصينية، وحلفاؤها، في الوقت الحالي، من توجيه النظرات والتساؤلات والمطالبات بإجابات واضحة وصريحة عن حقيقة ما حدث قبل شيوع خبر انتشار وباء كورونا، وكيفية تعامل الحكومة الصينية، ومدة اكتشافها لوجود الفايروس، قبل اتخاذ إجراءات الحجر واتباع توصيات منظمة الصحة العالمية، ونقلها إلى اتهام القوات الأمريكية بفعل نشر الفايروس. وهذا ما حرّض الكثير من الرافضين للسياسات الأمريكية الخارجية إلى إذاعة وجود حرب بيولوجية خفيّة.

تناول الكثير من العرب والمسلمين، وبعض المثقفين بشكل خاص، ما أعلنته الصين، المؤسسات التي تساند منهجها، على أنه الجواب الأرجح، إن لم يكن الحقيقة، لما سبب انتشار الفايروس. من ذات المنطلق، قام البعض باستعادة الحس الأيديولوجي ضد الرأسمالية التقليدية ليسقطها على المنظومة الاقتصادية الحالية من جانب، والمؤسسات السياسية الغربية من جانب آخر. كما حرّض ذلك الكثير من المتدينين على بدء الإعلان عن هشاشة العالم المادي وقوة العالم الروحي. وكأنّ الجميع اكتشف وأدرك ما حدث، وتنبأ بما سيحدث، خلال فترة وجيزة!

وهذا ينطبق على بعض مؤسسات الإعلام العربية التي بدأت بالدخول في ميدان نشر البروبغاندا لا الخبر، خصوصاً تلك التي تتخذ موقفاً إيديولوجياً من الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص. فبدلاً من نشر ما يحدث عالمياً استناداً على الدلائل والمعلومات المؤكدة والمتاحة، عملت هذه المؤسسات على صنع بعض الأخبار وتوجيهها إلى الجانب الذي يعزز المعاداة ضد كل ما هو غربي وأمريكي، والذي يحتم بالضرورة إظهار الحكومة الصينية بأنقى الصور.

يشير كل من جارث جويت وفيكتوريا أودونل إلى أنّ البروبغاندا عنصر مهم في عمليات السياسات الخارجية للحكومات، خصوصاً عندما يحين موعد ” حرب الكلمات”. ما يحدث الآن ما بين الصين والولايات المتحدة عبارة عن حرب كلمات واتهامات لا تعمل فقط في صنع عوامل ضغط أو إدانة سياسية بقدر ما تعمل على تأسيس قاعدة أيديولوجية ينطلق المتلقون من خلالها للاصطفاف وتفضيل طرف على طرف آخر. قد أوافق من يقول بأن هذه المرحلة ستنقل العالم إلى مرحلة جديدة، ولكن ليس بالطريقة الدرامية المصوّرة، وليس على المستويين الاقتصادي والسياسي فقط، أي كما يدعي البعض بأن قوى جديدة ستفرض سيطرتها على العالم، بل سننتقل جميعاً إلى مرحلة جديدة على مستوى التواصل ونقل المعلومات، وتأمين المنظمات السياسية والاقتصادية من السقوط، لا بشكلها الصوري الحالي بل بقواعد قوامها التأسيسية الحالية. فالخوف الذي يسكن الإنسان المعاصر ويحركّه للنجاة بأي طريقة ممكنة، إضافة إلى التقنيات والمعارف والمؤسسات المعرفية الثقافية القائمة، لا تستطيع ولا تحتمل الانتقال إلى شكل جديد مختلف، هذا إن وجد ما يشكّل ملامح بنيان هذا الجديد، أو يرسم بداية مسار، من الأساس. كما أن الرجوع إلى تشكلات النظم القديمة، كالاشتراكية المركزية، ليس سوى ضرب من الوهم. خصوصاً مع اعتمادنا التام على عوالم الخوارزميات وتقنياتها، في جميع الحقول، من الإنتاج الزراعي حتى الاستثمار في عوالم الفضاء الخارجي. وأيضاً، لارتباط الهيكلة التأسيسية للشركات التي تدير هذه العوالم ارتباطاً مباشراً بالمنظمات السياسية والاقتصادية الحالية. ليس هذا فقط، بل وساهمت هذه الشركات في تطوير المنظمات القائمة ونقلها من مستوى إلى مستوى أكثر تقدماً.

ما يخيف في الأزمة الحالية، التي تواجهها البشرية، ليس عدم القدرة على الحد من انتشار الوباء بأسرع ما يمكن، فقط، بل عدم القدرة على مواجهة السيل الهائل من البروبغاندا والمعلومات الخاطئة والإحصائيات التي توضع في غير محلها، إذ يمكن استغلال الإحصائية الصحيحة في نقل الرسالة والمعلومة الخاطئة. ما يخيف في عملية نشر المعلومات الكترونياً ليس نشر الأكاذيب، بل نشر المعلومات الصحيحة في السياق الخاطئ.

يذكر البروفيسور والمفكر الأمريكي شارلز سيف في كتابه Virtual Unreality ، ” المعلومات الرقمية هي أكثر الأمراض المعدية الآن على كوكب الأرض.”. لا يبالغ شارلز في وصفه أبداً. بل يمكن القول بأنه أدق وصف يصوّر لنا الوضع الذي نعيشه الآن. ولأن الإنسان يريد البقاء، بشكل أو بآخر، في منطقة آمنة داخلياً، توفّر له البروبغاندا التي تنعش تحيّزاته وتوجهها هذه المنطقة. كما تعطيه وفرة المعلومات وتدفقها، العشوائي، شعوراً بتمكنّه من الوصول إلى الإجابات المنشودة.

وقوع الكثير من المثقفين في فخ البروبغاندا الحديثة لا يتوقف عند استرجاع وتحفيز أثر المتراكم فقط، فعامل سهولة وصول الناس إلى المعلومات، وسهولة إرسال المعلومات إلى الناس، يشكّل خطورة في توجيه الناس من خلال المعلومات، وخطورة عملهم كفاعل في توجيه وتشويه المعلومات من ناحية أخرى، أكثر منه تهديداً للأنظمة السياسية القائمة. من هنا يشير شارلز سيف إلى أنّ ” ظهور نسخ رقمية معلوماتية رخيصة ومثالية أدى إلى تدمير الطريقة التي نفكر بها كبشر بشأن المعلومات.”. لم تعد عدم وفرة المعلومات للإنسان هي المشكلة اليوم، بل فيضانها الذي غيّر طريقة التفكير والتركيز. فكأنما قرر الإنسان خوض السباق مع المعلومات وسرعتها بتناولها والتفاعل السريع معها وأهمل أدوات القراءة، ومنها التدقيق والفحص والتأكد والتفكير والتأمل.

 بقدر ما تحتاج هذه المرحلة إلى الانعزال عن المجتمع واتباع تعليمات المنظمات الصحية والانتظار، تحتاج أيضاً إلى التأني في قراءتها والنفاذ إلى ما وراء المشهد. فخوض سباق مع الكم الهائل من المعلومات هو سباق خاسر بالضرورة. في مثل هذه الظروف يتبين دور المثقف الفعلي وكفاءته. يقول جورج أورويل في مقدمة مزرعة الحيوان، ” يمكن إسكات الأفكار غير المرغوبة، والتعتيم على الحقائق غير الملائمة دون الحاجة إلى حظر رسمي … لأن هناك اتفاقاً ضمنياً عاماً على عدم ذكر هذه الحقيقة.”، في سياقنا الحالي، هذا ما تفعله البروبغاندا عن طريق من وقع في شراكها. وفي ذكر الحقائق والوقائع، هناك حقيقة وحدة في الوقت الحالي، وهي أننا لا نعرف الكثير عما حدث، ولا نعرف ما يخبئه المستقبل القريب، والبعيد.

 ————————————————-

الحرب على كورونا بسلاح الفحص والمراقبة.. كيف تفوقت كوريا الجنوبية وألمانيا؟

الترا صوت- فريق الترجمة

تباين سلوك الدول حول العالم فيما يتعلق بفحوصات فيروس كورونا الجديد على مواطنيها أو المقيمين فيها، وتباينت نسب النجاح فيما بينها بالنظر إلى منهجيتها في هذا الصدد. فينما تفوقت ألمانيا لمبادرتها في تطوير الفحوصات وتوفيرها، ونجحت كورويا الجنوبية على مستوى نطاق الفحوصات التي أجرتها داخل البلاد، نجد أن دولًا أخرى تعاني من آثار أشدّ من الوباء بسبب تقصيرها في إجراء الفحوصات في الوقت المناسب. فكيف كان أداء الدول المختلفة المتأثرة بوباء كورونا الجديد فيما يتعلق بإجراء الفحوصات الخاصة بكشف مرض كوفيد-19؟

الصين

كان للصين تجربة مطلع القرن الجديد مع وباء “المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة” المعروف اختصارًا باسم “سارس”، وبما أن الصين كانت أول دولة تفشى فيها فيروس كورونا الجديد، فإنها تقدمت على العديد من الدول الأخرى على مستوى إجراء الفحوصات للمشتبه بإصابتهم بالفيروس الجديد. وبنهاية شهر آذار/مارس الماضي، كانت الصين قد أجرت أكثر من 320،000 فحص كورونا على الأقل.

تم تطوير أحد أول الاختبارات في الصين من قبل المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ونشرت معلومات بخصوص هذا الفحص على موقع منظمة الصحة العالمية في 24 كانون الثاني/يناير، بعد الإعلان عن إغلاق مدينة ووهان، البؤرة الأساسية لتفشي المرض في الصين.

هونغ كونغ

عمل فريق من الخبراء في هونغ كونغ ممن ساعدوا في مكافحة وباء “السارس” سابقًا، على تطوير فحص محليّ، إدراكًا من السلطات الصحيّة هنالك لضرورة تطوير فحص تشخيصي فعّال، ولاسيما مع التجارب السابقة التي كشفت للخبراء أن المبادرة في توفير الفحص من أولى خطوات احتواء الأزمة.

ألمانيا

أدركت ألمانيا مبكرًا أن فيروس كورونا الجديد قد يتحول إلى وباء عالمي، وبادرت بناء على هذا التقدير إلى تطوير فحص تشخيصي خاص بها منذ أوائل كانون الثاني/يناير، وتم البدء بتطوير الفحص بعد ملاحظة العلماء في ألمانيا التشابه بين فيروس كورونا الجديد والفيروس المسؤول عن وباء “السارس”، وتم تطوير أول فحص بالاعتماد على البحوث المتوفرة السابقة المتعلقة بفيروس السارس والفيروسات التاجية الأخرى. وفي نهاية شباط/فبراير، كانت ألمانيا قد أنتجت أكثر من 4 ملايين فحص، وكانت قدرتها الإنتاجية قد وصلت إلى 1.5 مليون فحص في الأسبوع.

وقد نجحت ألمانيا في تطبيق عمليات الفحص الشاملة منذ وقت مبكر، حيث أجرت 12،000 فحص في اليوم على المواطنين والمقيمين فيها.

كوريا الجنوبية

كانت كوريا الجنوبية من بين الدول الأكثر جدية فيما يتعلق بإجراء الفحوصات، بخلاف العديد من الدول المتقدمة الأخرى. فقد تعلم مسؤولو الصحة في كوريا الجنوبية الدروس بسرعة من ووهان الصينية، وأدركوا أن الفيروس الجديد معد للغاية ويمكن أن ينتشر بسرعة على نطاق واسع.

أولت الحكومة والسلطات المعنية في كورويا الجنوبية الأولوية لتحديد وعزل الأشخاص الذين كانت نتائج اختبارهم إيجابية للمرض، وتمكنت من إجراء حوالي 15،000 فحص تشخيصي يوميًا. وقد أجرت حتى الآن أكثر من 300،000 فحص مجاني، عبر إجراءات تنظيمية عالية الكفاءة.

إيطاليا

قامت ألمانيا بإجراء حوالي 200،000 فحص للكشف عن عدوى فيروس كورونا الجديد في البلاد، وقد شمل ذلك جميع سكان بلدة “فو” (Vo)، قرب فينيسيا (البندقية)، والبالغ عددهم 3000 نسمة، وذلك في إطار تجربة لمعرفة ما إذا كان فحص منطقة بأكملها يمكن أن يساعد في إبطاء انتشار المرض. بالرغم من العدد الكبير من الفحوصات التي أجرتها إيطاليا إلا أنها لم تكن مبكّرة مثلما حدث في ألمانيا وكوريا الجنوبية، الأمر الذي قد يفسر سبب تباين أعداد الإصابات بين هذه الدول.

——————————-

أعراض كوفيد-19 لا تقتصر على الحمّى والسعال.. فما هي الأعراض الأخرى؟

الترا صوت- فريق الترجمة

الحمى والسعال وضيق النفس، الأعراض الثلاثة الأكثر شيوعًا لدى المصابين بعدوى فيروس كورونا الجديد، بحسب العديد من التقارير الطبية الرسمية وملاحظات الأطباء والكوادر العاملة في المستشفيات ممن يشخصون حالات كوفيد-19، وهي الأعراض نفسها التي تؤكد عليها منظمة الصحة العالمية والهيئات الطبية الرسمية المتخصصة في مختلف دول العالم.

لكن مع تزايد عدد الإصابات بالعدوى حول العالم، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية التي قارب عدد الإصابات المؤكدة المعلن عنها حتى الآن حوالي ربع مليون إصابة، فإن الفيروس يبدو أنه مرتبط بنطاق أوسع من الأعراض. ويعمد الأطباء والباحثون إلى محاولة التعرف بشكل أدق على سلوك هذا الفيروس والمرض الذي يسببه، ومختلف الأعراض التي قد تدلّ عليه، وذلك في محاولة السيطرة على الوباء.

يبدأ مرض كوفيد-19 بشكل مماثل لدى معظم المصابين بالعدوى، بغض النظر عن عمر المريض أو حالته الصحية السابقة.

الإعياء الشديد

وفي العديد من الحالات، يعاني المرضى أولًا من حالة من الإعياء الشديد، حتى أن السير لمسافة قصيرة أو قراءة بعض الصفحات في كتاب قد يكون مهمة بالغة الصعوبة لدى المصابين بالعدوى.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في شباط/فبراير الماضي عن الأعراض التي يعتقد الخبراء أنها قد تشير إلى الإصابة بعدوى فيروس كورونا الجديد، بعد دراسة العديد من الحالات في الصين، المركز الأساسي لانتشار الفيروس منذ نهاية العام الماضي. وقد نشر هذا التقرير بعد دراسة 56،000 حالة، وكانت الأعراض موزعة على النحو التالي:

    الحمّى (88%)

    السعلة الجافة (68%)

    الإعياء (40%)

أما ضيق النفس ومشاكل المعدة والضعف العام كانت أقل بين المرضى عمومًا. ومنذ أن نشر هذا التقرير، تتابعت الملاحظات الواردة من المختصين بشأن الأعراض الجديدة التي يتم تشخيصها لدى المرضى الذين تأكدت إصابتهم بالعدوى أو يشكّ الأطباء أنهم مصابون بالعدوى. من هذه الأعراض، الصداع، وآلام الحلق، والغثيان، والإسهال.

كما لاحظ الأطباء أن بعض المرضى عانوا من فقدان الشهية، إضافة إلى فقدان حاسة الشمّ أو الذوق. ومؤخرًا لاحظت جمعية أطباء العيون في المملكة المتحدة أن عدد من مرضى كوفيد-19 قد كانوا يعانون من التهاب الملتحمة واحمرار العينين، حيث بلغت نسبة المصابين بالالتهاب بين المرضى حوالي 38%.

الملاحظة الأخطر لدى مختصي الأوبئة والباحثين الذين يتابعون أزمة فيروس كورونا الجديد في مختلف أنحاء العالم أن النسبة الأكبر من الأشخاص المصابين بعدوى فيروس كورونا الجديد لا تظهر عليهم أية أعراض، وأن هؤلاء الأشخاص (الناقلون عديمو الأعراض) هم المسؤولون عن التفشي الواسع للمرض، وهي حالة تعرف علميًا باسم (Presymptomatic Transmission) أي انتقال العدوى في مرحلة المرض التي تسبق ظهور الأعراض على المريض.

المصدر: NBCNews

 ————————————-

كورونا.. دروس في الدولة والإنسان/ زيا وليد

للبشرية تأريخ حافل مع الأوبئة القاتلة التي اجتاحت مناطق من العالم في محطات مختلفة، ولتداعياتها وقصصها ونشأتها وطرق التصدي لها، الكثير من التشابه مع ضيفنا الثقيل الجديد، كوفيد ـ 19، رغم فارق السنين والقرون. وإن صحّت رواية بعض المؤرخين فأن فكرة العزل التي تجتاح العالم في أيامنا هذه، قد بدأت مع انتشار “الطاعون الأسود” في إيطاليا، وهي مصادفة تزيد دهشتها مع تذكّر الضربات المؤلمة التي يوجهها طاعون البشرية الجديد إلى إيطاليا. وكذلك حظر الأماكن العامة أثناء “طاعون لندن” وإرغام المصابين به بالقوة على البقاء في منازلهم، كما يحدث الآن في بعض المناطق.

لا تنتهي سلسلة القصص المتكرّرة مع انتشار وباء “سارس” مطلع الألفية الثالثة، وإجراءات الصين ضد سوق الحيوانات الناقلة للمرض إلى البشر، كما أن الدروس المُنتقاة ـ أو يُفترض أن تكون هكذا ـ هي ذات الدروس للبشرية، مع مُستَجِدات ظهرت مع تطور الدولة والتكنولوجيا ونمط العيش وتجذر بعض أشكال الحياة الحديثة.

أينما/كيفما تكونوا يدرككم كورونا

انطلق فيروس كورونا من الصين ليجتاح العديد من مناطق العالم، ولعل درسه الأول مثلما أشار كثيرون، أنه لم يفرّق بين قومية وأخرى، أو دين وآخر، ولا لونٍ وطائفة وعرقٍ. ضرب المؤمنين والملحدين، البوذيين والهندوس، المسيحيين والمسلمين، البروتستانت والكاثوليك والأرثوذوكس والإنجيليين، السنة والشيعة، الكرد والعرب والترك والهنودساتنيين والآريين والبشتون والفرس والسكسون والروس والجرمان. ضَرب الرجل الأبيض الذي يشعر بعض العنصريين بالحنين لإعادة تفوقه و”مجْده”، قبل الرجل الأسمر. ضَرب بلدان المقدسات ومناطق تواجدها، كالفاتيكان ومكة المكرمة وفلسطين، بما فيها الأراضي المحتلة من إسرائيل ومقدساتها، والمراقد الدينية في العراق وإيران ولبنان، التي خلت، كما خلت المراكز التجارية والمناطق السياحية والملاعب الرياضية والمطارات من البشر.

لم يميز هذا الفيروس بين رجل دين وطبيب، بين فقير وغني. أصاب كبار المسؤولين في العالم، من أمير ورئيس وزراء بريطانيا، إلى وزراء ونواب في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وبولندا والولايات المتحدة واستراليا وجورجيا وباكستان والمغرب العربي، وليس انتهاءً بكبار القادة في حكومة إيران وأجهزتها الأمنية، فضلًا عن رياضيين ومشاهير.

رغم الفوارق الطبقية والدينية والطائفية والعرقية، رغم فوارق المرتبة الروحية والدنيوية، رغم فوارق الإمكانيات والوسائل ودرجة التقدم العلمي والثقافي، رغم فوارق الأهمية بين موضعٍ وآخر، مهما تكن، وكيفما تكن، وأينما تكن، عليك بغسل يديك، لئلا يدركك كورونا.

حب الذات بحب الآخر

كثيرةٌ هي مصائب الدنيا التي تَصيب الإنسان وينقذه المال والتقدم العلمي والتكنولوجي، والأمراض الخطيرة هي إحدى الظواهر التي تنقسم شطرين، بين “الممكن” علاجه، عبر المستشفيات الراقية والدواء الثمين، وبين الذي يَصعب على البشر تلافي خطورته. وتبتلى المناطق الفقيرة بالعديد من الأوبئة الناتجة عن نمط الحياة غير الصحيّ وفساد الأنظمة الحاكمة، لكن “كورونا” ليس طبقيًا حتى الآن. لم يَضرب أفريقيا ودول العالم الثالث فحسب، بل بدأ بالدولة التي “تفور” اقتصاديًا الصين، واجتاح المدينة المثال للحياة العصرية نيويورك، وطال دول الرفاهية المزدهرة عمرانيًا كدول الخليج. غير مُتاحٍ للمسؤولين وأصحاب رؤوس الأموال ـ حتى الآن ـ فرصة السفر، هربًا من المصائب، أو للعلاج في مستشفيات راقية.

لا مفر لقادة الدول (في أنظمتنا الفاسدة خاصةً) من سلامة مواطنيهم، وإلا انهار النظام الصحي وتعطّلت الحياة، وما في ذلك من تداعيات خطيرة على المسؤولين ذاتهم، ومواقعهم القيادية. كما لا تنفع سيطرة الدولة الواحدة على الوباء دون سيطرة عالمية، فالعزلُ الطويل يعرّض النظام الاقتصادي للكوكب بأكمله إلى الخطر الذي يحذّر منه اقتصاديون. لن ينجو العالم دون تضامن جماعي.

لا يُتابع الناس في أيامنا نشرات الأخبار والتقارير الصحفية حول العالم على سبيل الفضول. لا يقرأ المرء عن حوادث كارثية كالزلازل ثم يمر مرور الكرام مع شيء من التعاطف. يقلق الإنسان العربي من انتشار المرض في الصين، ويخشى المواطن الأسترالي من تصاعد الإصابات بالوباء في إيطاليا والولايات المتحدة. إن تفشي الفيروس في أبعد نقطة عنه يهدده.

تتناقض الأنانية المريضة مع الانتصار على كورونا. كما لا سبيل لنجاة فردية بوسائل باهظة الثمن. أي لا نجاة لغنيٍ دون الآخرين، وإلا سيبقى حبيس منزله. كما أن إصابة قادة كبار ومشاهير مع استمرار الوباء لمدة طويلة قد تُعطي درسًا مقابلًا لما رأيناه من مظاهر شراء الأغذية والحاجيات بشراهة في بعض الأماكن. وربما كان على المتبضعين فوق حاجتهم التفكير بأن نفاد السلع من المتاجر بسبب جشعهم ليس خبرًا جيدًا لسلامتهم، فبقاء الناس في بيوتهم ونجاح الحجر الصحي يتطلّب أن يجد الناس ما يأكلوه أولًا.

لا يحتاج الإنسان وحده إلى التعقيم ومتابعة درجات الحرارة جسمه، وارتداء الكمامة والقفازات، بل يحتاج أن يفعل الجميع. وقاية الفرد بوقايةِ الجميع، والعكس. إن الانتشار “الأُسي” لكورونا يجعل المواطنين والدول في مركب واحد، وعلى السادة الركاب غَسل اليدين بالصابون لإزاحة جدار الفيروس الدهني وتدميره.

يتطلب نجاة المرء نجاة الآخر، يَجبر ذلك تمني السلامة له، ليَفرض الوباء على الأنا أن تحب الآخر، ويَفرض على “الأنانية” أن تدافع عن نفسها بأدواتها عن طريق نقيضها، حين تصطدم ببديهية “عمومية الشر”. الشر يَعم، والخير كذلك، خلافًا لما يقوله المثل العربي. شقاء الإنسان بأنانيته وخلاصه بخلاص الآخر كما تُعلّم بعض الفلسفات الشرقية. ويا له من حظ سيئ حين نخوض تجربة مريرة كهذه لتتيح لنا فرصة أن ندرك تلك الفرضية الفلسفية كحقيقة عملية: أنت تحب نفسك يعني أن تحب الآخرين.

وفي سياق الحديث عن الأنا، يَخسر محبو الظهور وعشاق “الترند” والشعبويون من رؤساء وزعماء وقادة حكوميين وروحيين، ومشعوذين وإعلاميين مهرجين، وكتّاب سطحيين، سوقهم الرائج، ذلك لاهتمام الناس بالحدث الأهم. بقاؤهم دون الخبر الأبرز أجبرهم وسيجبر بعضهم على قول شيء نافع للناس ولو كان وهمًا، وإلا رُكِنوا، كحال ترامب الذي قلل في البدء من خطر كورونا، “يبقى متدنيًا جدًا” في الولايات المتحدة، ثم تباهى بنسب المشاهدة المرتفعة لمؤتمراته الصحفية اليومية المطوّلة عن خطورة كورونا، وتفاخر بإجراءاته الاستثنائية التي “أنقذت حياة مليوني شخص”، بل راح يقترح مبادرة تعم بالخير على البشرية! ومثله نماذج كثيرة في منطقتنا العربية.

درس الدولة

لم يَغب النقاش حول “الدولة” يومًا ضمن صيرورة تطور الإنسان والنظام الذي يجترحه أو يُفرض تلقائيًا بفعل تغيّر أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية فضلًا عن السياسية، وبحسب درجة التطور ونوع النظام ووضعه الجيو سياسي. في حين لا زالت شعوبنا تبحث عن جوهر وشكل الدولة التي تحقق طموحاتها في العيش الكريم والحرية والاستقرار والتقدم، يجري في الدول المستقرة نقاشٌ حول أهمية وجود الدولة، ويستعجل بعض المفكرين بإقامة العزاء على جثمان “الدولة/الأمة” والخرائط والإدارة المركزية، مع ترسّخ الرأسمالية وتَقدم الليبرالية الجديدة.

لم تَغب الدولة/النظام عن المشهد العام. ربما أتاح “الاعتياد” على وجودها ترف إعادة التفكير في ضرورتها لدى بعض الناقدين؛ لكن الفيروس الجديد الذي أجفل العالم أقلق هذا الاسترخاء وأعاد الدولة لممارسة دورها الكلاسيكي منذ دويلة المدينة الرافدينية في الألف الثالث قبل الميلاد، المُلخّص بمَهمتين: حفظ أمن الناس وقوتهم.

“لا تدعه يعبر.. لا تدعه يمر”

تحت مطرقة عدوّنا المجهري، وفي برهة من الزمن، عادت دولنا المعاصرة في رؤيتها لذاتها قرونًا إلى الوراء، ليس بسلطة مركزية يضعف تأثيرها باتجاه الخارج كما في القرون الوسطى وبدايات النهضة، بل التي تبسط سلطتها بدءًا من الخارج، بحدود واضحة تحد فضاءها الإقليمي، بعد أن استباحته العولمة والانفتاح التقني، وموّهت بلا أهميته. لكن:

That is why we need the borders

يقول ترامب، حقًا يُراد به ناخب!

الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية، التي ننظر لها بالإعجاب والغبطة ونأمل رؤيتها في عالمنا العربي، أغلقت بترسيماتها التقليدية. مارست الدولة سيادتها بنوعيها. لم تلجأ إلى غلق وضبط الحدود فحسب، بل إلى ضبط ما في داخل الحدود من حدود، بعزل المدن والولايات عن بعضها، وغلق الأماكن العامة ومنع التجمعات داخل المدن نفسها، وتضييق تحركات المواطنين أرضًا وجوًا وبحرًا، خلافًا للنموذج الليبرالي الكافل لهذه “الحقوق”، التي اعتادها المجتمع منذ سنوات. أجبر فيروس كورونا الدول على “الحجر والحظر” في مشهد مفاجئ لا يروق للمتسرعين الحالمين بانتهاء عصر الدولة لصالح منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، أو لصالح المواطنين الأحرار كم سعى ماركسيون سابقًا. فَرضت الضرورة أن يَفرض نظام الدولة ـبأشكاله الديمقراطية وغير الديمقراطيةـ صلاحياته كمحتكر للعنف الشرعي بتعبيرات ماكس فيبر. لا مجال لانحسار الدولة في عالمِنا لصالح القطّاعات المدنية والخاصّة في القريب المنظور على الأقل.

سيبقى “درسُ الدولة”، هو الدرس العام الذي تتفرع منه دروسٌ أخرى من نقاشات تجري داخله لا في الخارج، كالتي تتناول نقاط الضعف والقوة في الأنظمة الديمقراطية والدكتاتورية، وفي اقتصاد السوق والاشتراكية، ورأسمالية الدولة والقطاع الخاص.

لا نعرف مدى حجم تأثير هذا النقاش على الأنظمة بعد انجلاء الأزمة، لكنها يقينًا، قَدمت تجارب دسمة ستُغني قراءات المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات المعنية بالعلوم الإنسانية، لترفدنا بأفكار جديدة تُسهِم في التكيّف والارتقاء البشري. وقد تطرأ تغييرات على النظام الصحي العالمي، وإعادة نظر بتوزيع التخصيصات المالية لمجالات الدولة، ونوع وطريقة مواردها.

فقط بعض المتحمسين، بحاجة إلى التذكير الدائم بأن الدستور والقوانين ونوع الاقتصاد ونمط الحياة في بعض الأنظمة الديمقراطية الليبرالية أعاقوها عن الإجراءات الحازمة المطلوبة، وتقيّدت أنظمةٌ في فرض قيودها خوفًا من تدهور اقتصادي، و”انهيار أسواق الأسهم الذي سَيصيب القطاع المالي بشلل لن يتعافى منه لأشهر”، كما عبّر حاكم نيويورك بتخوفه من فُرض حجر صحي على ولايته.

المتحمسون على الجانب الآخر، كذلك، بحاجة للتذكير بأن الإجراءات القمعية واستخدام القوة في غير مَحلِها، من ضمن أسباب انتشار فيروس كورونا في الصين، حين هددت السلطات الطبيب لي وينليانغ، أول من اكتشف خطر الفيروس، واعتبرت تحذيره لزملائه “إخلالًا جسيمًا بالنظام العام”، فلا يُمكن الفصل بين “حسنات” الاستبداد والقوة المفرطة، والسيّئات المترتبة عليه. يؤخذ النموذج هنا حزمةً واحدة، على غير ما نرغب.

عودٌ على بدء، إن إجراءات الدولة المطلوبة في إغلاق الحدود وعزل المناطق وفرض الحظر والحجر الصحي هو “الاستثناء المطلوب” لقطع سلسلة انتشار الفيروس كما يُعبّر الأطباء المتخصصون، ولا تعني ضرورة تلك الإجراءات بأي حال من الأحوال الدعوة لاعتماد نموذج كوريا الشمالية، كما لا تعني ضرورة الدولة أن تنفي الوطنية ما عداها، فمثلما حب الأنا يستلزم حب الآخر، فالوطنية تتطلب التضامن والمساعدة والتعاون مع الدول الأخرى في مركبِنا الحامل للفيروس

الترا صوت

———————————

=================================

===============================

تحديث 04 نيسان 2020

————————————–

كورونا.. كل ما تحتاج معرفته عن الفيروس

مع انتشار جائحة كورونا المستجد “كوفيد-19” في جميع أنحاء العالم، تستمر الدول في تطوير طرق مختلفة لمكافحة الفيروس والحد من انتشاره.

وفي إطار التدابير المتخذة لمكافحة الفيروس، تم تحديث معلومات عن طرق التشخيص والعدوى والأعراض، وآخر الأبحاث بخصوص العلاج واللقاح، والمعلومات المغلوطة الشائعة، وطرق استخدام الكمامات، وتحذيرات وزارة الصحة التركية، ومنظمة الصحة العالمية.

ما هو فيروس كورونا؟

تعرف فيروسات كورونا (الفيروسات التاجية) بأنها عائلة فيروسات كبيرة تتسبب في أمراض للبشر والحيوانات على السواء.

ومن المعروف أن كورونا المستجد يصيب الجهاز التنفسي بالإضافة إلى الأمراض الأخرى الأكثر خطورة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس).

ومؤخراً ظهر نوع جديد من فيروسات كورونا وتسبب في وفاة الكثيرين حول العالم، ولا يزال مستمراً حتى الآن.

ما هو وباء “كوفيد-19″؟

“كوفيد-19” هو اسم الوباء المعدي الذي يتسبب به كورونا المستجد، وظهر الفيروس أول مرة في ديسمبر/ كانون الأول 2019 بمدينة ووهان الصينية، وتم تعريف المرض في 13 يناير/ كانون الثاني عقب أعراض ظهرت على مجموعة من المرضى.

وظهر الوباء لأول مرة في سوق للمأكولات البحرية والحيوانات، ثم انتقل منها إلى بقية مدن مقاطعة هوبي، ومنها إلى مقاطعات الصين وثم إلى سائر أنحاء العالم.

ما هي أعراض المرض؟

الأعراض الأكثر شيوعًا هي الحمى والسعال وضيق التنفس والإرهاق، ولكن في الحالات المتقدمة من المرض فقد يصاب المريض بآلام، وانسداد الأنف، والرشح، وآلام في الحلق وإسهال.

80 بالمئة من المصابين بالفيروس يتعافون دون الحاجة إلى علاج خاص، وواحد من كل ستة مصابين “بكوفيد-19” تكون حالته شديدة ويجد صعوبة في التنفس، و20 بالمئة من الحالات يمكن علاجها في المستشفى، ويؤثر المرض في المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الستين أكثر من غيرهم.

يمكن أن يؤدي الفيروس إلى الوفاة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الضغط والقلب والسكري، ولا بد لمن يعانون ارتفاع درجات الحرارة والسعال وضيق التنفس الحصول على دعم طبي.

كيف ينتشر الفيروس؟

ينتقل وباء “كوفيد-19” عن طريق تعرض الأشخاص لرذاذ المرضى الناتج عن السعال والعطس ولمسهم للفم والأنف والعينين، كما ينتقل عن طريق لمس اليدين للأسطح الملوثة بالرذاذ الحامل للفيروس.

هل تنتقل العدوى بالفيروس عن طريق الهواء؟

كل الدراسات العلمية التي أجريت حتى الآن تظهر أن “كوفيد-19” ينتقل عبر الرذاذ وليس الهواء.

هل تؤثر المضادات الحيوية في الوقاية من المرض؟

لا تؤثر المضادات الحيوية على الفيروسات بل تؤثر على البكتيريا فقط، ولأن “كوفيد-19” يحدث بسبب فيروس، لا ينبغي استخدام المضادات الحيوية للوقاية منه أو علاجه.

هل هناك لقاح أو علاج فعال لمنع المرض؟

لا يوجد لقاح أو علاج محدد فعال ضد الفيروس حتى الآن، ولكن يتم استخدام الأدوية الداعمة حسب حالة المريض، ويتم البحث في فعالية بعض الأدوية على الفيروس، ولكن لم يتم اكتشاف علاج مقاوم له حتى الآن.

هل يجب ارتداء الكمامة للوقاية من الفيروس؟

يجب ارتداء القناع الطبي (الكمامة) في حالة العناية بمصاب بـ”كوفيد-19″ أو أي مصاب بفيروس، ويجب استخدام الكمامة مرة واحدة فقط إذا كانت مخصصة للاستعمال مرة واحدة.

 كيف يجب ارتداء وخلع الكمامة؟

يجب أن يرتدي الكمامة الأطباء والعاملون في المستشفيات ومن يعانون من أعراض تنفسية مثل ارتفاع الحرارة والسعال.

قبل لمس الكمامة يجب تنظيف الأيدي بالماء والصابون أو تدليكها جيداً بمطهر يحتوي على الكحول، والتأكد من أن الكمامة غير مثقوبة، ويجب التأكد من أن الجزء الملون هو الجزء الخارجي عند ارتداء الكمامة.

توضع الكمامة على الوجه وتضبط على الأنف، بعد ذلك تُسحب إلى الأسفل لتغطية الفم والذقن، بعد انتهاء استخدامها يتم نزعها من الجزء المطاطي خلف الأذن، مع الحرص على عدم لمسها ووضعها في صندوق أو عبوة مغلقة، ويجب تطهير الأيدي عقب نزع القمامة وإلقائها.

هل يلتصق الفيروس بالأسطح الخارجية؟

طبقاً للمعطيات الأولية للأبحاث العلمية يمكن لفيروس كورونا البقاء على الأسطح الخارجية لمدة تتراوح من عدة ساعات إلى عدة أيام، وتختلف هذه المدة باختلاف نوع السطح ودرجة الحرارة ومعدل الرطوبة.

كيف يتم تشخيص الإصابة بـ”كوفيد-19″؟

يتم التشخيص بواسطة أجهزة الكشف محلية الصنع التي تُظهر نتائج شاملة خلال 60 إلى 90 دقيقة، إضافة إلى أجهزة الكشف السريع خلال 15 دقيقة.

هل يمكن منع انتشار فيروس كورونا المستجد بالوسائل العادية؟

يمكن منع انتشار فيروس كورونا بتطبيق 14 قاعدة، على النحو التالي:

1. اغسل يديك بالماء والصابون جيدًا مع تدليكهما باستمرار لمدة 20 ثانية على الأقل.

2. قم بتغطية الفم والأنف بالمنديل أثناء السعال أو العطس، وإذا لو يتوفر لديك منديل قم بتغطية الفم والأنف بالجزء الداخلي من الكوع.

3. تجنب لمس العينين والفم والأنف.

4. حافظ على وجود مسافة ثلاث خطوات بينك وبين الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض البرد والإنفلونزا.

5. قم بإلغاء رحلاتك إلى خارج البلاد أو تأجيلها.

6. عند عودتك من الخارج قم بقضاء الـ14 يومًا الأولى في المنزل.

7. تأكد من تهوية الأماكن التي تتواجد بها بشكل جيد.

8. قم بتنظيف الأسطح المستخدمة كمقابض الأبواب وأقباس الكهرباء والأحواض بالماء والمنظفات كل يوم.

9. لا تشارك حاجياتك الشخصية كالمناشف مع الآخرين.

10. اغسل ملابسك بالمنظفات العادية في درجة حرارة بين 60 – 90 درجة مئوية.

11. تجنب الاتصال المباشر كالمصافحة باليد أو العناق.

12. تناول الكثير من السوائل، واتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا، وانتبه إلى نمط نومك اليومي من أجل تقوية الجهاز المناعي.

13. إذا كنت تعاني من أعراض البرد والإنفلونزا، فلا تكن على اتصال بالمسنين وذوي الأمراض المزمنة، ولا تخرج دون ارتداء قناع طبي (كمامة).

14. إذا ظهرت عليك أعراض الحمى والسعال وضيق التنفس، قم بارتداء القناع أو الكمامة الطبية، وتوجه إلى مركز الرعاية الطبية القريب منك.

معلومات مغلوطة شائعة بخصوص فيروس كورونا

يؤكد الخبراء على أهمية الحصول على المعلومات بخصوص الوقاية من الفيروس، من مصادرها الصحيحة، والابتعاد عن المعلومات الخاطئة الشائعة عن الموضوع.

ومن أشهر هذه المعلومات المغلوطة الشائعة:

الخطأ: وباء “كوفيد-19” يؤثر على المسنين فقط.

الصواب: يمكن أن يؤثر على كل البالغين واحتمال أن يؤدي إلى مرض شديد يزداد مع التقدم في العمر وخاصة لدى من تتجاوز أعمارهم 60.

وتبلغ نسبة الوفيات بسبب الوباء لدى من هم أقل من سن الأربعين 2 في الألف، بينما تبلغ هذه النسبة لدى من هم فوق سن الثمانين 15 في المئة.

الخطأ: فيروس كورونا المستجد هو فيروس تم إنتاجه في المعمل.

الصواب: لم يتم إنتاجه بالمختبرات ووصل إلى البشر نتيجة عدة طفرات جينية حدثت له.

وظهور فيروسات جديدة وتسببها في حدوث أوبئة في منطقة جنوب شرق آسيا هو أمر متوقع لدى الأوساط الطبية، وذلك للكثافة السكانية العالية والأعداد الكبيرة من الحيوانات المختلفة وكثرة الاتصال المباشر بين البشر والحيوانات.

الخطأ: تم تطوير لقاح من أجل “كوفيد-19” إلا أنه لم يُطرح بالأسواق بعد.

الصواب: حتى الآن لا يوجد أي لقاح يمكن استخدامه ضد وباء “كوفيد-19″، وما زالت الأبحاث مستمرة لإنتاجه.

كما أنه لم يتم بعد الكشف تماماً عن العلاقة المعقدة بين الفيروسات التاجية والجهاز المناعي للإنسان، مما يصعب التنبؤ بمدى فعالية اللقاحات التي سيتم إنتاجها.

الخطأ: وباء “كوفيد-19” يمكن أن يصيب الحيوانات الأليفة.

الصواب: حتى الآن لم تثبت الدراسات انتقال العدوى من الحيوانات الأليفة إلى الإنسان.

الخطأ: تم اتخاذ التدابير التي ذكرت بوثيقة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “وثيقة سرية”.

الصواب: القرارات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “وثيقة سرية” ليست صحيحة، وكل القرارات والإجراءات يتم إبلاغها للشعب عبر الجهات المسؤولة.

الخطأ: يجب تقشير الفواكه والخضروات لأن فيروس كورونا يلتصق بالقشرة الخارجية لها، وتجنب تناول الخضروات والفواكه التي لا يمكن تقشيرها.

الصواب: لا توجد أي معلومات مثبتة حول أن تناول الخضروات والفواكه بقشورها يزيد احتمال الإصابة بـ”كوفيد-19″ ويمكن تناولها بقشورها بعد غسلها بالطريقة الصحيحة.

الخطأ: يجب تطهير الملابس أيضا عند العودة إلى المنزل للوقاية من “كوفيد-19”.

الصواب: تطهير الملابس لمنع الإصابة بفيروس كورونا ليس تصرفا صحيحا ولا منطقياً، وغسيل الملابس بالشكل المعتاد يكفي.

الخطأ: الوقاية من الإصابة بالفيروس ليست ممكنة.

الصواب: يمكن الوقاية من الفيروس باتباع القواعد الموضحة، واتباع قواعد العزل الاجتماعي لدى الأشخاص المشتبه في إصابتهم أو المصابين فعلاً مهم جداً لمنع انتشار المرض ولوقاية المحيطين بالمريض من العدوى.

الخطأ: يمكن غسل الأقنعة الطبية الجراحية والكمامات العادية وإعادة استخدامها مرة أخرى.

الصواب: مدة استخدام الكمامات الجراحية من 3 إلى 4 ساعات ويجب تغييرها إذا اتسخت أو تبللت، وعند غسيلها تصبح عديمة الفائدة.

الخطأ: يجب على الأشخاص الأصحاء تناول منتجات تعزز قوة الجهاز المناعي وتناول الفيتامينات من أجل رفع قدرة الجسم على مقاومة الأمراض.

الصواب: ليس ضرورياً على الإطلاق تناول الأصحاء أي منتجات إضافية لتعزيز المناعة، ويكفي فقط الاهتمام بالتغذية المتوازنة والنوم الجيد وممارسة التمارين الرياضية لتقوية الجهاز المناعي، ومن يعانون من نقص فيتامينات معينة هم فقط من يتوجب عليهم تناول معادن وفيتامينات إضافية في صورة مكملات غذائية أو أدوية.

جدير بالذكر أن الفيروس أصاب، حتى مساء الجمعة، أكثر من مليون و89 ألف شخص، توفي منهم نحو 59 ألفا، فيما تعافى حوالي 228 ألفا. (الأناضول)

—————————————

فيروس كورونا السياسي/ ميشيل كيلو

سبق فيروس بشار الأسد ونظامه الأمني فيروس كورونا إلى تقديم نموذج مريع للفتك بالبشر. ويمكن القول، في المستوى الأخلاقي، إن الفيروس الأسدي لم يفتك بالسوريين وحدهم، بل فتك أيضا بالعالم الذي انحدر بجرائمه إلى مستوىً غير إنساني، قوّض جميع مرتكزات الإجماع البشري وأخلاقياته، وأغرقها في الهمجية التي صمت بعض المجتمع الدولي عليها، وانخرط بعضه الآخر بحماسةٍ فيها، وشارك في قتل آمنين وعزّل، باغتتهم وحشيتها، مثلما باغت فيروس كورونا البشر في كل مكان من عالم حلّت عليه “لعنة سورية”، وما بلغته الإنسانية من انحطاط، تعايش معه عتاتها الذين فتكوا بمن طلبوا حريتهم، ودمروا وجودهم وقوّضوا مجتمعهم ودولتهم وقدرتهم على العيش. ومثلما يفتك اليوم الفيروس بمواطني العالم بلا تمييز، ويغتالهم من دون رحمة، فتك فيروس الأسدية بالسوريين من دون تمييز، بعد أن أحكم قبضته على وجودهم قرابة نصف قرن، مزّقهم خلاله شر ممزّق باسم توحيدهم، واستعبدهم بذريعة منحهم الحرية، وانتزع اللقمة من أفواه أطفالهم باسم الاشتراكية. وها هو فيروس يستخدم فيروس كورونا ليُجهز على من نجا من براميله المتفجرة وصواريخه، وطائرات حلفائه الروس والإيرانيين، تنفيذا لأمر من قال في بدايات الثورة لبشار الأسد: أعدهم ستة ملايين، كما كان عددهم عندما “استلمهم” أبوك عام 1970!

فعل الكورونا الأسدي فعله تسعة أعوام من ثورة، شارك العالم خلالها في قتل السوريين بالسلاح من جهة، وبدم الفرجة البارد على موتهم من جهة مقابلة. وها هي دوله تدرك، وهي تستغيث، أن انقساماتها التي مكّنت للأسدية من الشعب السوري، ليست نقطة قوة لأي طرف منها، وأن الإنسانية تواجه الموت، لأنها لم تكن جسدا واحدا في مواجهة قتلة السوريين وموتهم الذي تغطي دلالاته الأخلاقية والسياسية الإنسانية بأسرها، وتخبر جبابرة زماننا أن أحدا لن يبقى آمنا، إن هو سمح بانتهاك حق غيره في الحياة والأمن، أو أسهم في انتهاكه، وتجاهل أن الرد على كورونا كالرد على الأسدية: ينجح بقدر ما يكون إنسانيا وشاملا، ويصدر عن بني البشر، بوصفهم جسدا مترابط الأجزاء، يضرب على أيدي القتلة بالسلاح، ليحصّنهم ضد موتهم بالأمراض، باعتبارهما معركةً واحدة هدفها حماية الإنسان من كل شر، بشريا كان أو طبيعيا، ومنع أيٍّ أحد من وضع نفسه أو سلطته ونظامه فوق أية قيم ومعايير أخلاقية وتشاركية، يرتبط مصير البشرية بها، وتكريس جهود العالم وذكائه لخير مواطنيه، وحفظ حقوقهم، وفي مقدّمها حقهم في الحياة الذي تتشارك جميع الفيروسات السياسية والمرضية في انتهاكه، وها هو كورونا يعلمنا أن استمرار البشرية يتوقف على تضامنها وما تنعم به من سلام، وأن التقدّم التقني لا يحصّنها ضد ما فيها من شرور من دون تضامن وإخاء، لو توفرا لنيويورك، عاصمة المال والتقانة، لواجهت كورونا خيرا مما تفعل!

بعد فيروسي كورونا، الأسدي والمرضي، سينهار العالم إن لم يذهب إلى نمط من التعايش التضامني، يضع حدا لمواقف من يقولون “اللهم أسألك نفسي”، و”لا شأن لي بجاري، قتل أو حرق”، ويفتح صفحةً جديدةً، لحمتها وسداها تضامن بلا حدود، فيه وحده إنقاذ بني الإنسان بأيديهم، مثلما يفعل اليوم الأطباء الصينيون والكوبيون والألبان والصوماليون الذين يواجهون الموت بأرواحهم، ليحموا حياة مواطني إيطاليا.

يذكّر كورونا جبابرة الليبرالية المتوحشة بالإخاء الإنساني الذي يدفعون ثمنا فادحا لتناسيه، ويريهم أنهم لا يسيطرون حقا على عالمٍ يغرقه الاستبداد في الدم، بينما تعاني بلدانهم من الهشاشة التي فضحها كورونا. وتتحدّى كورونا الليبرالية، وتؤكّد أنها لا تقل استهانةً بالحياة من الاستبداد الأدي. تُرى، ألم يحن الوقت لليبرالية إنسانية تنقذ شعوبها، وتنقذ البشرية من فيروس الاستبداد الذي فاق فتكه بشعب سورية فتك أي فيروس مرضي بأي شعب آخر؟

العربي الجديد

—————————————

يخلق من “الشبح” أربعين/ أحمد عمر

أفرط الناشطون في وصف النظام السوري وأخوته من الأنظمة الجمهورية والملكية بالكورونا. “يخلق من الشبه عشرين”، فهناك ملك عربي أو ملكان نجيا من فيروس الكورونا السياسي بين دول الجامعة العربية.

وصف النظام بكورونا “كلام جميل وكلام معقول” لكن خيال حبيبي المجهول يحتاج إلى تظهير وتحميض بسكاكين النظر ومشارط التحليل. وعندنا براهين وآيات على أوجه الشبح بين الفيروسين وأعراضهما، فيروس الوباء المرضي، وفيروس الدكتاتورية، وهذه بعض أوجه الشبه:

1- وجه عَرَض الحرارة:

كانت حرارة الشعب مرتفعة دوماً، هو منها في حمى، والحمى قاتلة، وينصح الأطباء بمخفضات الحرارة الدوائية، وكمادات الثلج، النظام كان يبرد الشعب بالتسويف والتخويف من بُعبع تهديد الأمن والاستقرار، وكمادات المسلسلات التلفزيونية المخدّرة، وتحميلة اسمها: الرد في الزمان المناسب، وتحميلة الرد في المكان المناسب. فينالها هو في الفم ويقول: ما أطيبها!

3- وجه عَرَض السعال: السعال كان ممنوعاً، السعال شكوى. شعبنا عظيم وصحيح ولا يسعل، والمسؤول لا يُسأل. صدر الشعب يخشخش مثل الشخشيخة، ويغلي مثل المرجل. العطاس جريمة توهن نفسية الأمة، الوحيد الذي كان يسعل ويعطس هو سيارات الجيش القديمة في الشوارع، أحياناً تنقطع الكهرباء، فتنهار الشبكات ويعلو السعال، وتعطس الشركات والدكاكين غضباً وخسارة، فيخمدها النظام إخماداً..

4 – وجه عَرَض الشبح والخفاء: لا تظهر الأعراض لدى المريض ولدى النظام، قد يكون المرء مصاباً بالمرض ولا يعرف، النظام كان يعرف إنه مصاب بكورونا، وذكرتْ الصين أن طبيبا صينياً حذّر ومات بها، ومنحته بعد موته وساماً، بعد إخراسه وقتله. آلاف الأطباء والمفكرين والكتب يحذرون النظام من هلاك الدولة، وكان يخرسهم بقتلهم والأوسمة كانت براميل ورصاصات في الرأس.

بالأمس أعلنتْ عن أول مصاب، وزعمتْ إنه ضيف وافد، الشعب المتجانس لا يصاب بالمرض بفضل رئيسه الحكيم، وقد انتصر على مائة دولة أفلا ينتصر على فيروس حقير. تنظر في تلفزيون النظام، فتظن نفسك في سويسرا، تمشي في الشارع فتجد نفسك في مقبرة.

5- وجه “الشبع” في فقدان الشهية بينهما: تقول قائمة أعراض الكورونا إن المصاب يفقد شهيته، وكانت شهية النظام مفتوحة مثل مرمى كرة قدم مكسور العوارض ويبلع الأخضر واليابس، شهية الشعب أيضاً كانت مفتوحة على الحرية، ويريد أن يلتهمها.

6- وجه التعرض للشمس: توصي تقارير صحية بالتعَرّض للشمس، وذكرت بعض التقارير أن الشمس تقتل الفيروس، ويزعمون أن أفريقيا خالية من المرض أو هو غير شائع بسبب الشمس. النظام لا يحبّ الشمس، ويتطيّر من نشر الغسيل وسخاً أو نظيفاً تحت الشمس. ذكرت تقارير طبية فيتامين دال للوقاية من المرض، وأنه يقوّي المناعة ويمكن استحصاله عند طريق الجلد بالتعَرَض للشمس، لكن الشمس هي العدو لدى النظام. الشمس ممنوعة بقرار رئاسي.

7 – وجه عَرَض صعوبة البلع:

يعاني المصاب بالكورونا من صعوبة البلع، إما النظام فلم يزدد إلا شهية في البلع، وإن أصيب بصعوبة في بلع الانتصار.

8- وجه عَرَض الوهن والإرهاق: وهو ظاهر لدى المصاب بالكورونا ولدى النظام، ولا يحتاج إلى شهود، النظام كان يزأر في وجه الشعب إذا عطس خوفاً من توهين نفسية الأمة، الأمة هي الطائفة الحاكمة، وإضعاف الشعور القومي يعني شعور الفئة الحاكمة الرقيق.

9- وجه عَرَض الإسهال: كان الشعب وما زال يتألم من وجع البطن وألم الظهر بسبب وقوفه أربعين سنة على أبواب الأفران وعلى أبواب موزّعي جرار الغاز، وعلى باب الأمل، ويعاني من إسهال في الروح والفكر والذرية والنسل والحاضر والماضي والمستقبل، أما النظام، فكان مصاباً بإسهال الخطابات الصفراء، التي تسيل من رأسه، فهو كمن يلتهم قيئه الفاسد، فيزداد إسهالاً.

10 – النظام والكورونا كلاهما شبحان أو شبيحة، لا يظهران ولا يُحاصَران، وما زالا يضربان، ويفشيان، ويتنكران، ولهما أجيال مثل سارس وكوفيد 19، وشنكليش الثامن من آذار. جند الكورونا المخلصين هم الشبيحة، لأنهم يركبون سيارات شبح فاخرة، لها زجاج لا ترى منها الفيروسات، وتدعس الناس، وتمضي من غير مخالفة مرورية.

11 – أوجه ” شبح” أخرى: الكورونا لا يفتك سوى بكبار السن والضعفاء مثل فتك عنترة بن شداد بالأعداء، لكن النظام كان أضرى وأشد، ويفتك بالصغار والكبار، ونسبة القتل بسيف الكورونا لا تجاوز 4%، أما النظام فبلغ فتكه 50 %. سرعة التكاثر لدى كورونا كبيرة بعد نصف يوم من الإصابة، يُظنُّ أن كورونا هو المعارض الوحيد في الميدان الآن.

12- الكورونا يتجنب اقتحام صحة الناس ما داموا محجورين في بيوتهم، أما النظام، فيقتحم حرمة البيوت والمساجد، ولا يرقب في الله أو في القانون والدستور إلّا ولا ذمة.

13 – الكورونا يتحاشى قتل الطاهرين والشرفاء ويتجنب النظافة فهو قاتل شريف، أما النظام فلا يقتل سوى الطاهرين والشرفاء، ويعيش في الوساخة والقذارة.

14 – للكورونا آباء وأجداد مثل السارس والإيبولا، أما النظام، فجدُّه الاستعمار.

 15- كلاهما يفتكان بالأطباء.

16- كلاهما يفرضان الحجر: الكورونا فرض حجراً صحياً، والنظام فرض قانون الطوارئ والأحكام العرفية منذ كوفيد الثامن من آذار الايبولي.

في اللهجة الحلبية يقولون: كو- رونا، أي: هذا هو النظام!

—————————————

تأهيل مستشفيات وإجراءات وقائيّة من كورونا في الشمال السوري/ عبد الله البشير

أطلق المجلس المحلي في مدينة تلّ أبيض، في ريف محافظة الرقّة شمالي سورية، سلسلة من الإجراءات الوقائيّة من فيروس كورونا، بالتزامن مع إجراءات مماثلة اتخذها المجلس المحلي في مدينة رأس العين، في الريف الشمالي من محافظة الحسكة، شمال شرقي البلاد.

وفي الوقت الذي يتفشّى فيه الفيروس عالمياً، والضرورة الملحّة للوقاية منه، أوضح مدير “الرابطة السورية لحقوق اللاّجئين والنازحين” مضر الأسعد لـ”العربي الجديد”، اليوم الجمعة، أنّ المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الوطني والحكومة السورية المؤقتة، شرق الفرات، واسعة جداً.

وقال إنّ “المنطقة واسعة ولا قدرة للحكومة السورية المؤقتة على تغطيتها، خاصة أنّ تنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي) (PYD)، قام بتخريب وحرق وتدمير البنى التحتية فيها، قبل أن يُطرد وينسحب من المنطقة. ولهذا تمّت، بالتعاون مع تركيا، إعادة تأهيل المستشفيات والنقاط الطبيّة، ومن بينها مستشفيا تلّ أبيض ورأس العين، وتجهيزهما على أكمل وجه، عبر زيادة عدد الأسرّة فيها وتوفير الكوادر الطبيّة السورية مع الأدوية والتقنيات والأدوات الطبيّة الحديثة، وسيارات الإطفاء. إضافة إلى توفير اللّقاحات والكمّامات، وغيرها من المواد الأوليّة لمواجهة فيروس كورونا، أو بقية الأمراض المعدية والسارية. أمّا الحالات المستعصية فيتمّ إرسالها إلى المستشفيات التركيّة الكبرى لمتابعة علاجها”. وأضاف أنّ إجراءات الوقاية من كورونا تشمل  عمليّات التعقيم الشامل والحجر الصحي، مع وقف الدخول والخروج عبر المعابر مع تركيا، أو المعابر مع النظام السوري وتنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي)”.

وتوجّه الأسعد بطلب إلى الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية، لتعمل على تقديم المساعدات الإنسانية والطبية والوقائية والغذائية وحليب الأطفال إلى الشعب السوري في المناطق المحرّرة، في إدلب وشمال حلب ومنطقة سيطرة “الجيش الوطني” شرق الفرات.

ودعا المجلس المحلي في مدينة تل أبيض الأهالي لتنفيذ حظر تجوّل طوعي، وذلك لتلافي انتشار العدوى بين الناس، إضافة لعمله على إلغاء التجمّعات، وحملات التوعية بخصوص فيروس كورونا، بالتزامن مع إجراء حملات تعقيم في الأماكن العامة ومساجد المدينة.

من جهته، وجّه المجلس المحلي، في مدينة رأس العين، ورشات تابعة له، للقيام بجولات على محلات المأكولات الشعبية ومحلات اللّحوم، للتعريف بكورونا وطرق الوقاية منه، إضافة لتأكيده على ضرورة التزام الأهالي منازلهم في الوقت الحالي، كإجراء وقائي لمنع انتشار الفيروس، مع التحذير من مخاطر الإختلاط ومساهمته في نشر العدوى.

ويعيش أهالي منطقة رأس العين، الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني”، حالة من الاطمئنان النسبي كون المنطقة مغلقة إلى حد ما. ويوضح عمر المحمد (43 عاماً) لـ”العربي الجديد”، أنّ “الفيروس ليس مخيفاً بالنسبة لأبناء المنطقة، ما لم يحمله أحد الوافدين من خارجها. وأنّ الحركة في الشوارع والأماكن العامة خفّت بشكل واضح عن السابق. وهذا أمر يدعو للتفاؤل مع انشغال العالم بأسره بهذا الوباء”.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المعبر، بين مدينة رأس العين ومناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، مغلق في الوقت الحالي. وكان يُسمح، في السابق، فقط لأهالي المدينة المقيمين في مناطق سيطرة القوات بالعبور لتفقّد أملاكهم ومنازلهم، في منطقة سيطرة “الجيش الوطني”.

ومن الإجراءات التي اتّخذها أيضاً المجلس المحلي في مدينة تل أبيض لمنع تفشي فيروس كورونا: إيقاف الصلاة في المساجد بما فيها صلاة الجمعة، إغلاق صالونات الحلاقة ومنع التجمّعات في الأماكن العامة، إضافة إلى حملات تعقيم وتنظيف الشوارع والأماكن العامة، بالتزامن مع تعليق العملية التعليميّة بشكل مؤقت، وإلزام عمّال المطاعم والمخابز والأسواق  بالتدابير الوقائية الفردية، من ارتداء الكمّامات والقفّازات، مع إيقاف الأنشطة في المقاهي وصالات الإنترنت وأنشطة المنظّمات غير الحكومية، ومنع الزيارة للسجناء.

العربي الجديد

————————————

كورونا والفقر يحاصران العائلات الفقيرة في الحسكة/ عبد الله البشير

تجبر الظروف المعيشية الصعبة في محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، الحلاق حمزة (45 عاماً) على التفلت من حظر التجوال الذي تفرضه الإدارة الذاتية لمنع تفشي فيروس كورونا الجديد في المنطقة. فصالون الحلاقة الصغير الواقع في حيّ شعبي وسط مدينة القامشلي، والذي اقتطعه من إحدى غرف منزله، يعدّ مصدر دخله الوحيد في الوقت الحالي، إذ يعينه على توفير احتياجات أسرته.

يتحدث حمزة عن حظر التجوال وتأثيره عليه، فيقول لـ”العربي الجديد”: “لست ضد الحظر الذي أعلنته الإدارة الذاتية في مناطقنا كإجراء احترازي من فيروس كورونا، لكن لا أستطيع التقيد به، لأن اليوم الذي لا أعمل فيه لن أستطيع تأمين الطعام لأطفالي الستة. أغلقت باب الصالون، لكنني أستقبل زبائني خلسةً، معرِّضاً نفسي لاحتمال السجن أو الغرامة. بكل تأكيد، لن أستطيع دفعها في حال معرفة أنني أعمل سراً”.

واضطر خليل أبو جان (60 عاماً)، وهو صاحب محل ملابس للأطفال، إلى إغلاق محله الذي يدفع بدل إيجاره مسبقاً. ويوضح لـ”العربي الجديد”: “أجبرت على إغلاق محلي الصغير، وأضطر إلى دفع بدل إيجاره مسبقاً. قد أستطيع تدبير أمور المعيشة مدة 15 يوماً، لكن ستتراكم عليّ الديون، ولدي أبناء بالكاد أستطيع توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم، في ظل الغلاء الفاحش، وأستطيع أن أقول إننا نعاني من سوء التغذية”.

وكانت الإدارة الذاتية قد أعلنت حظراً للتجول في مناطق سيطرتها، ومنعت التنقل بين المدن والبلدات، حيث تتولى قوات الأمن الداخلي الكردية (الأسايش) والقوات الخاصة التابعة لقوات سورية الديمقراطية الرقابة ومنع المواطنين من التجول، والتعرّض للمخالفين بالضرب واعتقالهم.

ويبدو أن حجم المعاناة لدى العائلات المحدودة الدخل يزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً التي يرتبط دخلها بالأعمال اليومية، ما يجعل من الصعب عليها التزام المنزل من دون وجود بدائل. فسائق سيارة الأجرة، ماجد البرازي (48 عاماً)، لم يعد قادراً على توفير مصاريف أسرته. يوضح لـ”العربي الجديد”، قائلاً: “كنت أعمل سائقاً لأطعم أطفالي وأقدم لهم ما يحتاجونه من مصاريف، وبالكاد كنا نستطيع تأمين معيشتنا اليومية في ظل غلاء الأسعار وارتفاع أسعار قطع السيارة وغيرها. أما الآن فقد توقف مصدر عيشنا، ولا أعرف إلى متى أستطيع الاستمرار من دون عمل”.

وفي محاولة للفرار من دورية الأمن خلال فترة حظر التجوال، يحكي حسن (17 عاماً): “كنت جالساً مع ابن عمي أمام البيت في حيّ الهلالية بعدما شعرت بالملل. ولدى مرور دورية، حاولنا الهرب منها، لكنهم ألقوا القبض علينا بعدما أطلق عناصر الدورية النار في الهواء ثم ضربونا. وبعد تدخل أبي والجيران أخلوا سبيلنا”.

وكانت الإدارة الذاتية قد استثنت الإعلاميين بموجب تصاريخ خاصة والمؤسسات الطبية ومحالّ المواد الغذائية ومحطات الوقود ومراكز توزيع الغاز المنزلي والعاملين في المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من حظر التجوال. وكان بعض الأطباء قد اشتكوا من عدم قدرتهم على تقديم الخدمات الطبية لمرضاهم، خصوصاً الإسعافية للمصابين بالأمراض المزمنة كالسكري والقلب، إضافة إلى عدم قدرتهم على الوصول إليهم، ولا سيما أبناء الريف.

———————————

كيسنجر: تداعيات “كورونا” ستستمر لأجيال وستغير النظام العالمي للأبد

“القدس العربي”: توقع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد، وتداعياتها قد تستمر لأجيال عديدة.

وفي مقال له بصحيفة “وول ستريت جورنال”، أوضح كيسنجر أن الأضرار التي ألحقها تفشي فيروس كورونا المستجد بالصحة قد تكون مؤقتة، إلا أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أطلقها قد تستمر لأجيال عديدة.

وقال إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم الآن بسبب الوباء الفتاك، أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جنديا في فرقة المشاة خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944، حيث يسود الآن الشعور نفسه بالخطر الوشيك الذي لا يستهدف أي شخص بعينه، وإنما يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر.

وأضاف كيسنجر أنه رغم أوجه الشبه بين تلك الحقبة البعيدة وما نعيشه اليوم، فإن هناك فرقا مهما يتمثل في كون قدرة الأمريكيين على التحمل في ذلك الوقت عززها السعي لتحقيق غاية وطنية عظمى، بينما تحتاج الولايات المتحدة في ظل الانقسام السياسي الذي تعيشه اليوم إلى حكومة تتحلى بالكفاءة وبعد النظر للتغلب على العقبات غير المسبوقة من حيث الحجم والنطاق العالمي المترتبة على تفشي الوباء.

وأشار إلى أن قادة العالم يتعاطون مع الأزمة الناجمة عن الوباء على أساس وطني بحت، إلا أن تداعيات التفكك الاجتماعي المترتب على تفشي الفيروس لا تعترف بالحدود.

واعتبر أن الجهود المبذولة لمواجهة تفشي الوباء، رغم ضخامتها وإلحاحها، ينبغي أن لا تشغل قادة العالم عن مهمة أخرى ملحة تتمثل في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا.

وأكد أنه لا يمكن لأي دولة، حتى وإن كانت الولايات المتحدة، أن تتغلب على الفيروس بجهد وطني محض، وأن التعاطي مع الضرورات المستجدة الآن ينبغي أن يصاحبه وضع رؤية وبرنامج لتعاون دولي لمواجهة الأزمة، مبينا أن الإخفاق في العمل على المحورين في آن واحد قد تترتب عليه نتائج سيئة.

وحث كيسنجر الإدارة الأمريكية على التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية لمواجهة تداعيات الوباء محليا وعالميا، أولها تعزيز قدرة العالم على مقاومة الأمراض المعدية، وذلك من خلال تطوير البحث العلمي، ثانيا السعي الحثيث لمعالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي جراء تفشي الوباء والتي لم يسبق أن شهدت البشرية مثيلا لها من حيث السرعة وسعة النطاق، ثالثا حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي.

وختم كيسنجر مقاله قائلا: “إن التحدي التاريخي الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم”.

القدس العربي

———————————–

صدمة كورونا: أزمة ستعبر/ بيار عقيقي

لم يخرج العالم من ارتباك صدمة وباء كورونا بعد، فتطوّر وضعية الصدمة ما زال أسرع من تطوّر الأبحاث لإيجاد اللقاحات له. وقد تكون هذه معضلتنا الكبرى في الكوكب: الوباء أسرع منا حتى الآن، مصيباً أكثر من مليون شخص، ومودياً بحياة أكثر من 55 ألفاً آخرين. صدمتنا التي تجعلنا نجمد في مكاننا غير قادرين على التفكير أو التصرّف تطغى علينا في المرحلة الأكثر سواداً في تاريخ البشرية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). نظنّ أن كل شيء ينهار من حولنا. أرقام العاطلين عن العمل ترتفع. السلوك الغرائزي يتحوّل إلى أسلوب حياة بدلاً من السلوك الواعي. يستيقظ سكان الكوكب كل يوم، وفي بالهم أسئلة عدة مثل “ماذا سيحصل غداً؟”، “هل سينهار العالم الذي نعرفه؟”، “ماذا لو كنا في طور الانهيار، لكن دورنا لم يحن بعد؟”، “كيف ستنتهي الأزمة؟”، “متى تنتهي؟”.

عملياً، كيف يمكن التصرّف في أزمة مثل هذه؟ هل هناك “دروس” تعلّمنا كيفية التحرّك في عالم مظلم في حال اختفت القناديل؟ لا، لكن طبيعتنا المتمحورة حول الغريزة ستجعلنا نثق بحدسنا في مسعانا للبقاء على قيد الحياة. الجنون ليس حلاً، على الرغم من طغيانه، في أحيان كثيرة، على النفس البشرية، خصوصاً إذا ما اقترن بانعدام الأمانيْن، الاجتماعي والوظيفي، فضلاً عن انقطاع المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها. في الواقع، لا يمكن لوم أي شخصٍ إذا اتخذ سلوكه مساراً عنفياً، على الرغم من أن تبرير الأمر صعب، لأن “الجميع في مركبٍ واحد”، غير أن قدرات التحمّل تختلف من فردٍ إلى آخر، فضلاً عن ردود الأفعال. الأسوأ أن ارتباك السلطات يساهم في تعزيز المخاوف، فخشيتها تدفعها إلى اعتماد الحلول العسكرية، سواء لتنظيم الحياة اليومية وفقاً لها، أو لحماية نفسها من الانهيار إذا ثَبُت قصرها عن معالجة الأزمة، لأن ولاء العسكر للحاكم يحمي ديمومته مع نظامه، ولنا في المجر بقيادة رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، نموذج، بعد أن حوّل البلاد إلى حكم ديكتاتوري باسم الديمقراطية.

يحدث أن يرتبك نظام ما في العالم، فيستغل آخر تردّده لخطف مكانه، إلا في أزمة وباء كورونا. من كان يتخيّل كيفية ارتباك الصين وإخفائها معلومات عدة مع بداية تفشي الفيروس؟ من كان يظنّ أن الولايات المتحدة، التي اعتادت أن تجد الحلول لكل مسألة، تُصبح في حاجة إلى مساعدات طبية؟ من كان يعتقد أن روسيا ـ فلاديمير بوتين ستهبط من عليائها القومية، وتدرك أنها معرّضة أيضاً للفيروس؟ الاتحاد الأوروبي، الذي سعى في تسعينيات مثالية إلى تسويق رؤيته الوحدوية لعالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، بات أقرب إلى صراع فكري بين قومياته وإثنياته المتناحرة.

كان هناك حل من اثنين، حتى الآن، إما أن يصطدم العالم بعضه ببعض، منتجاً حروباً كونية متناسلة، أو التعاون لهزم الفيروس. في الواقع، على الرغم من كل الظلامية المحيطة بعالمنا، تحديداً بعد بروز الأجنحة اليمينية المتطرّفة، شرقاً وغرباً، وتصاعد موجات العنصرية في مرحلة ما قبل كورونا، إلا أن مبدأ “التعاون الأممي” بات أكبر من قبل. قد تكون الأسباب عديدة، أبرزها أن الوباء “عدو غير مرئي”، إلا أن فكرةً تعاونيةً كهذه، في كوكبٍ يحكمه في ظرفٍ واحد، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وبوريس جونسون، تبقى أفضل، نسبياً، من مؤتمر يالطا، مع جوزيف ستالين وفرانكلين روزفلت ووينستون تشرشل، التي وإن أطاحت أدولف هتلر، إلا أنها رسّخت مفهوماً تجديدياً للاستعمار، سواء عبر الشركات أو عبر الجيوش أو عبر العقائد السياسية. من حقّ البشر الشعور وكأن الجدران تسوّرهم ولا حلول في الأفق، لكن عليهم الثقة بأمرٍ واحد، أن هذه الأزمة ستعبر، وأن مبدأ “التعاون” البشري هو الأفضل لتمرير هذه الأزمة. لا تضحية في هذا الأمر، بل حياة.

العربي الجديد

——————————————–

بعد “رويترز”.. الأمم المتحدة تشكك في أرقام كورونا العراق

شككت الأمم المتحدة في الأرقام المعلنة في العراق حول أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، مستبعدة في الوقت نفسه احتمال أن تتعمد الحكومة إخفاء أو تزييف النتائج.

ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” في بيان، الحكومة العراقية إلى دعم التقارير المستقلة عن أرقام الإصابات بفيروس كورونا، مضيفة أن الوباء “تهديد عالمي غير مسبوق يتطلب استجابات قوية من الحكومات والمجتمعات والأفراد”.

يأتي ذلك، بعدما علقت “هيئة الإعلام والاتصالات” العراقية عمل وكالة “رويترز” في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، وطالبتها بالاعتذار على خلفية نشرها تقريراً اعتبرته “يهدد الأمن المجتمعي” لاحتوائه معلومات أفادت بأن أعداد الإصابات بفيروس كورونا في العراق أكثر من تلك التي تعلنها وزارة الصحة.

وقالت الأمم المتحدة أن العراق، كما في دول أخرى، شهد نقصاً في الإبلاغ عن حالات الإصابة بمرض كوفيد-19، بسبب عوامل بينها اعتبارات ثقافية والخوف من وصمة العار وحالات لمرضى غير موثقين بالإضافة الى غياب المراقبة النشطة والمحدودية في الفحوصات. كما رفضت المنظمة “احتمال أن تتعمد الحكومة إخفاء أو تزييف النتائج”، مضيفة أنه “لا يمكن تحديد عدد الحالات المفقودة بدقة إلا باستخدام المراقبة النشطة”.

وطالبت الأمم المتحدة، الحكومة العراقية بـ”الدفاع عن التقارير المستقلة، لأن حرية الإعلام هي أحد أركان المجتمع الديموقراطي. وتوفر الشفافية والمساءلة والاستفهام البنّاء فرصة للسلطات لتوضيح إجراءاتها”.

وكانت “رويترز” نشرت قبل أيام تقريراً قالت فيه أن مسؤولين وأطباء عراقيين كشفوا أن هناك الآلاف من حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في العراق. وقالت “رويترز”: “يوم السبت من الأسبوع الماضي وحده تم دفن نحو 50 شخصا ماتوا بسبب المرض”، في وقت كانت البيانات الرسمية تشير إلى وفاة 42 شخصاً.

وبحسب إحصائيات السلطات العراقية، أصيب بالفيروس حتى مساء الجمعة 820 شخصاً تعافى منهم 226 شخصاً وتوفي 54 آخرين.

——————————-

الحجر في السيدة زينب:فوضى ومحسوبيات/ أحمد الشامي

قالت مصادر محلية من منطقة السيدة زينب في ريف دمشق ل”المدن”، إن وزارة الصحة في حكومة النظام السوري حولت فندقي “السفير” و”الجميل بلاس” الواقعين وسط البلدة، الى مركزين للحجر الصحي للقادمين من خارج البلاد.

ووفقاً لمصادر “المدن”، حجرت الوزارة في فندق “الجميل بلاس”، أكثر من 60 شخصاً كانوا عائدين على متن رحلة جوية من موسكو آواخر آذار/مارس.

فندق الجميل السيدة زينب

وأجرت الصحة فحصاً طبياً لطاقم قيادة الطائرة وسمحت له بالمغادرة بعد مرور 48 ساعة من مبيت افراده في الفندق، وبعد مرور يومين أجرت فحصاً طبياً للمضيفات اللواتي كن على متن الطائرة وسمحت لهن بالمغادرة، وذلك بعد مناشدة من نقابة عمال النقل الجوي والبحري، للصحة.

المسافرون الذين كانوا على متن الطائرة، لا يزالون محجورين ضمن الفندق في ظل غياب الخدمات الأساسية من قبل وزارة الصحة، وعدم توفر أدنى المعايير اللازمة للحجر، حيث أن المحجورين يتقاسمون الغرف في ما بينهم ما يعزز انتقال العدوى في حال وجود إصابة، بجانب أنهم لم يخضعوا لفحص كورونا.

كما نقلت الصحة عائلة مؤلفة من 3 أشخاص من السيدة زينب وصلت حديثاً من إيران، مشتبه بإصابتها بفيروس كورونا الى الفندق نفسه، وبعد إجراء التحليل الطبي لها تبين أنها مصابة بالفيروس وجرى نقل افرادها الى مشفى بإشراف الصحة.

وبعد اصدار وزارة الداخلية في حكومة النظام قرارها بعزل منطقة السيدة زينب خوفاً من انتشار فيروس كورونا، باتت أسواق البلدة شبه خالية من المواد الغذائية والمعقمات ومواد التنظيف، وأبرز الاحتياجات اليومية التي من شأنها تلبية حاجات المواطنين المعزولين.

الحكومة أصدرت قرار العزل بشكل مفاجئ ومتأخر أيضاً، من دون أن يكون لديها خطة جاهزة لإغاثة المنطقة، التي تعيش من قبل قرار العزل واقعاً خدمياً سيئاً للغاية، إذا ما تمت مقارنتها بالمناطق المجاورة.

وأوضحت مصادر ل”المدن”، أن نشطاء محليين مقربين من حزب البعث في المنطقة، سربوا خطة قيل إنها من إعداد الحكومة السورية لإغاثة المنطقة تزامناً مع قرار العزل، تتعهد بوصول الخبز، والخضار، والفواكه، والمستلزمات الطبية بشكل يومي الى البلدة، لكن منذ تطبيق قرار العزل لم تدخل او تخرج أي سيارة من البلدة. ما يدل على أن كل ما سرب هو مجرد إشاعات لتخدير الشارع.

وأشارت المصدر إلى أن سكان المنطقة عبروا عن غضبهم إزاء الخطوة غير المدروسة من قبل حكومة النظام السوري من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأوا بتوجيه الاتهامات، والانتقادات من رئيس البلدية حتى رئيس الحكومة.

——————————–

الكورونا إن أفضت إلى نظام عالمي جديد../ حسن مراد

في خضم ما يواجهه العالم من تحديات بفعل أزمة فيروس كورونا، أكدت جهات رسمية عديدة أنها ستستخلص العِبر من هذه المحنة. إشارة واضحة إلى حجم الخلل الذي أضاء عليه هذا الفيروس، خلل في المنظومة الصحية والاقتصادية والسياسية لبعض الدول، ما يؤشر إلى تحولات منتظرة في السياسات العامة لعدد من الحكومات.

لكن انعكاسات كورونا قد لا تتوقف عند هذا الحد، حيث بات هناك شبه إجماع في الأوساط الأكاديمية والصحافية على أن المناخ الدولي المرافق للفيروس المذكور ليس إلا مخاض ولادة نظام عالمي جديد، وإن تباينت الآراء حول ملامحه. فمثلما أدت الحرب العالمية الثانية إلى نشوء نظام القطبية الثنائية، ليتحول إلى الأحادية القطبية عقب انهيار المعسكر الاشتراكي، تُطرح تساؤلات عما إذا كانت الكورونا ستزحزح الولايات المتحدة عن عرشها لصالح الصين.

وفقاً لموقع “The Conversation” لا يمكن لأي دولة فرض نفسها كقوة عالمية بالاستناد حصراً إلى نفوذها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي. مثل هذه المكانة تفرض على الدولة المعنية التضحية طوعاً بمصالحها الداخلية، لتحقيق مكاسب على المستوى العالمي. مجلة “Foreign Affairs” لم تكتف بتبني هذا الرأي، بل زادت عليه أن الولايات المتحدة استمدت “شرعيتها العالمية” من القدرة على تنسيق وقيادة الجهود الدولية في الأزمات.

ذِكرُ الكلام أعلاه لم يكن عن عبث، فمع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ورفعه شعار “أميركا أولاً” انطوت الولايات المتحدة على نفسها ولم تعد تكترث للجهود الدولية المشتركة، المثل الفاقع هو انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ.

هذا الانطواء يفسر في جزء منه افتقاد واشنطن إلى حسّ المبادرة الدولية لحظة انتشار فيروس كورونا، خلافاً لما جرى قبل ست سنوات، حين بادر باراك اوباما إلى حشد الامكانات الدولية للتصدي لفيروس إيبولا. حتى أن قرار تعليق الرحلات الجوية مع القارة العجوز اتُخِذ بصورة منفردة من دون التشاور مع الحلفاء الأوروبيين أو حتى إبلاغهم مسبقا. بالتوازي، اشارت الدلائل إلى تخبط الولايات المتحدة بعد تفشي الفيروس على أراضيها بعدما اتضح عجزها لا سيما على الصعيد الطبي.

بالمحصلة، أنتج هذا الواقع فراغاً سعت الصين إلى ملئه من خلال “الديبلوماسية الصحية”. ورغم الإجماع الدولي على سوء إدارة بكين للأزمة، ما ساهم في تحويل الكورونا إلى وباء عالمي، إلا أنها نجحت في محو تلك الصورة: ففيما تجاهد دول العالم لاحتواء الفيروس على أراضيها، بدأت الصين حصدَ ثمار اجراءاتها رغم عدم تجاوزها للأزمة بالكامل.

الفارق الزمني في انتشار الفيروس صبّ في مصلحتها، ففي عز حاجة بعض الدول للمساعدة كانت الصين قد استوعبت ما حلّ بها، وباتت في موقع يسمح لها بمد يد العون للخارج. صحيحٌ أنها تلقت أطناناً من المواد الطبية بداية الأزمة، لكن بكين ردت بالمثل ما يعني إعادة فرض شيء من التوازن في العلاقة مع هذه الدول.

هذه الدبلوماسية الصحية، عكست ملامح القوة الصينية الصاعدة والساعية إلى تسويق نموذجها في التعامل مع انتشار كورونا. نموذج يعتمد على أجهزة الدولة والحزب الحاكم في فرض تدابير صارمة يتجاوب معها الصينيون إجبارياً انطلاقاً من إعلاء المصلحة العامة (والخوف؟) ووضعها فوق أي اعتبار.

علاوة على ذلك، لا تدخر الصين جهداً في تصدير قطاعها الصناعي الذي أثبت قدرة على التأقلم مع الظروف الاستثنائية، مضاعفاً إنتاجه لتزويد السوق العالمية بحاجتها من الكمامات الواقية والأجهزة الطبية. حتى في مجال الريادة الطبية تحرص الصين على إثبات حضورها إذ لم تكتف بإرسال المعدات، بل ابتعثت معها كوادر طبية، دون الحديث طبعاً عن جهودها في مجال الأبحاث والاختبارات لإيجاد علاج للفيروس.

والحال أنه بمجرد تباطؤ النشاط الاقتصادي الصيني بفعل الإجراءات الوقائية، اتضح حجم ارتباط الاقتصاد العالمي بعجلة الإنتاج الصينية. وباختصار، دلت أزمة الكورونا على حاجة العالم للصين.

ويتيح تربُع دولة ما على عرش النفوذ العالمي، لها تلقائياً تصدير نموذجها في إدارة الشؤون الداخلية وهنا تكمن الخطورة برأي عدد من الصحافيين. فمد الصين يد العون لعدد من دول العالم، لا يلغي مسؤوليتها عن انتشار الفيروس: منظمة “مراسلون بلا حدود” أشارت إلى الطبيعة الاستبدادية لنظام  بكين ما دفعها بداية الأمر للتستر عن الخبر، يضاف إلى ذلك حرية الصحافة المفقودة التي كان بوسعها التنبيه للخطر القادم.

من ناحية أخرى، طُرحت علامات استفهام كبيرة حول عدد من التدابير الصينية. على سبيل المثال، بعض التطبيقات الرقمية أتاح للسكان معرفة ما إذا احتكوا، خلال الأيام الثلاثين الماضية، بأحد المصابين بكورونا، خصوصاً في وسائل النقل العام. هذا التدبير برهن دون شك عن فعالية سمحت بحصر الإصابات من دون اللجوء لحجر صحي في عموم البلاد. لكن ألا تثير هذه التقنية القلق إذ تتيح للأجهزة الأمنية خرق خصوصية المواطنين في بلد لا يتمتع بمناخ من الحريات؟ يُخشى إذاً أن تتحول هذه الأزمة إلى منصة لتشريع تلك الممارسات التسلطية إذا ما استتب النظام العالمي للصين.

البعض حاول التخفيف من وطأة هذا السيناريو بافتراض أن مركز الثقل العالمي لن ينتقل للصين، بل لمنطقة جنوب شرق اسيا برمتها مستندين في ذلك إلى نجاح أنظمة ديموقراطية، كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، بدورها في التصدي للكورونا. اجتهادٌ لا يلغي أن الصين هي الحلقة الأقوى في محيطها الجغرافي.

التحول المحتمل في مركز القوة العالمية يقاربه بعض الباحثين والصحافيين بحذر شديد. كل ما سبق ذكره لا يعني برأيهم أفول نجم الولايات المتحدة، ما جرى أن الصين سدت فراغاً ولم تزحزح غريماً لها. فواشنطن مازالت تملك القدرة على أخذ زمام المبادرة، وتراخيها هي ورقة الصين الرابحة في الوقت الراهن.

لكن آخرين يتبنون وجهة نظر مغايرة تماماً. ففي حديث لمجلة “Foreign Policy” اعتبر ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في هارفرد، أن التأثير الحقيقي لفيروس كورونا ليس انتقال الثقل العالمي من الغرب للشرق بل إمكانية دفع الدول للتركيز على إدارة أزماتها بنفسها بدل البحث عن تعاون دولي، في إشارة منه إلى فقدان الثقة بدور الولايات المتحدة كقطب عالمي وبالتالي احتمال العبور نحو عالم أقل انفتاحا على بعضه.

وتوافقه الرأي شانون اونيل، نائبة رئيس مجلس العلاقات الخارحية في الولايات المتحدة، إذ تتوقع أن تدفع الحكومات نحو تعزيز انتاجها الداخلي بدل الاعتماد على موردين خارجيين في إشارة أخرى إلى الإفراط في الاعتماد على الإنتاج الصيني. بمعنى آخر لن تتردد دول في حث شركاتها على التضحية بجزء من أرباحها المادية (عدم السعي خلف تخفيض كلفة نفقاتها) لصالح تأمين الاستقرار.

“اتركوا الصين نائمة، إذا استيقظت فالعالم بأسره سيهتز” مقولة تنسب لنابليون بونابرت. بعيداً من صحتها التاريخية، يبدو أنها أكثر ما يصح في معرض استشراف ما بعد كورونا.  فمثلما كان القرن التاسع عشر أوروبياً والقرن العشرين أمريكياً، دفعت أزمة كورونا للتساؤل عما إذا كان القرن الحادي والعشرين آسيوياً وعلى وجه التحديد صينياً.

بكل الأحوال، قانون التاريخ لا يسمح لأي قوة أن تتربع إلى ما لا نهاية على عرش العالم، فهل عندما يحين أوان تأريخ النفوذ الأميركي، ستحجز أزمة كورونا مكاناً لها على لائحة أسباب و/أو مؤشرات السقوط؟

—————————————-

كورونا سوريا: النظام “يتلاعب بالطوارئ

لم تعلن وزارة صحة النظام السوري عن أي إصابة جديدة في فيروس كورونا اليوم، وبالتالي لايزال العدد المعلن عالق عند 16 إصابة بينهم حالتا وفاة.

وأصدرت حكومة النظام قراراً يقضي بتمديد تعليق الأنشطة الثقافية في المراكز الثقافية ودار الأوبرا وكل الأنشطة الأخرى التي تترافق مع تجمعات بشرية حتى إشعار آخر.

وأعلن مسؤول في محافظة حماة  الواقعة تحت سيطرة للنظام، عن حجر “الجهات المختصة” ل10 أفارقة دخلوا من لبنان  بطريقة “غير شرعية ” إلى المحافظة، وأشار إلى “إجراء فريق من الصحة للفحوصات اللازمة لهم في مشفى السقيلبية الوطني، وتبيّن خلوَهم من أي مرض أو من الإصابة بفيروس كورونا”.

وأوضح أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حجر أشخاص أجانب يدخلون البلد بطريقة غير شرعية، للتأكد من سلامتهم من الإصابة بالفيروس.

ونفت وزارة صحة النظام معلومات نشرها موقع إعلامي تابع لحزب البعث، أعلنت عن الحجر على 525 مواطناً في السويداء دخلوا المحافظة بطرق غير شرعية.

وجاء إعلان الوزارة لينفي تصريحات لمدير صحة السويداء نزار مهنا الذي كشف فيها أن “نحو 525 مواطنا ممن دخلوا البلاد بطرق غيرشرعية يلتزمون بالحجر الصحي في منازلهم تحت المراقبة الصحية”.

وبدأ في مختلف أنحاء المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام تطبيق قرار تمديد حظر تجوال المواطنين يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع اعتباراً من الساعة 12:00 ظهراً حتى 06:00 من صباح اليوم التالي.

‏وفي السياق، نفت منظمة الصحة العالمية صحة ما تداولته بعض وسائل التواصل الإجتماعي في سوريا حول التوقع بإعلان سوريا “بلداً ناجياً” من وباء “كوفيد 19” خلال فترة 21 يوماً.

وذكرت في بيان نشرته على صفحتها على “تويتر”، أنه لا وجود لما يسمى “لجنة التنسيق التابعة لمنظمة الصحة العالمية”.

وجددت المنظمة تأكيدها بأنه لا يمكن التنبؤ بتطورات جائحة “كوفيد 19” وتوّقع الحالات المستقبلية للإصابة بالمرض في سوريا أو في أي بلد آخر.

في المقابل  كشف تقرير جديد لمعهد واشنطن، أن”هناك ثلاث سياسات وبائية منفصلة على الأقل يتم توظيفها الآن في سوريا، فنظام الأسد “يتلاعب بالطوارئ” ويحاول، أسوة بشريكه الإستراتيجي إيران، استخدام الأزمة لتسهيل رفع العقوبات الدولية.

وأضاف أن ما يسمى ب”حكومة الإنقاذ” (الجبهة السياسية لجماعة تحرير الشام) تتصرف بشكل بنّاء أكثر بمواردها المحدودة، وتغلق الأماكن العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتعمل على رفع مستوى الوعي والسلامة بين السكان المحليين. فيما لا تزال الإدارة المستقلة التي يقودها الأكراد في شمال البلاد غير مستعدة بشكل مؤسف لحالة الطوارئ الصحية، وتفتقر إلى الإمدادات الكافية من المعدات الحيوية مثل أجهزة التنفس”.

ووفقا لتقرير جديد أعده معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام (MEMRI)، وصل المرض إلى البلاد قبل أسابيع من اعتراف دمشق به علناً، وتم نقله إلى هناك بشكل أساسي من قبل أعضاء الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية لإيران.

وينقل التقرير مخاوف المعارضين من استغلال النظام للوباء للإعلان عن مقتل عدد كبير من المساجين الذين تم قتلهم تحت التعذيب.

في غضون ذلك، قال مفوض الإتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، جوزيف بوريل، عقب اجتماع عقد في بروكسل لوزراء خارجية الدول الأعضاء: “بحثنا ضرورة ألا تعرقل العقوبات عمليات الإيصال العاجلة للمعدات الطبية اللازمة لمكافحة فيروس كورونا”.

وأضاف بوريل “نعمل على صياغة بيان مشترك دعماً لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة. سنرى ما إذا سيحظى بموافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.

وعبّر المسؤول الأوروبي عن أمله بأن يحظى الإعلان الجاري تحضيره بالدعم الكافي، مشيراً إلى أن “أوروبا ترى أن العقوبات تساهم في تفاقم أخطار تفشي الوباء خاصة في البلدان التي تشهد صراعات مثل سوريا، ليبيا واليمن”.

———————————-

كورونا فيروس عادل… فهل يكون اللقاح ضده عادلًا أيضًا؟: يستغرق إنتاجه بين 12 إلى 18 شهرًا

لن تستطيع الإجراءات الطارئة إلا إبطاء انتشار كورونا. لذلك، تحولت أنظار العالم إلى السباق الذي تشهده مختبرات العالم للتوصل إلى لقاح قادر على القضاء على هذا الفيروس.

 وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، هناك 42 لقاحًا تخضع للتجارب المختبرية، منها لقاحان يخضعان حاليًا للتجارب البشرية. هذا تقدم غير مسبوق، إلا أن الوكالة الاوروبية للأدوية تعتقد أن إختراع اللقاح وانتاجه بالكميات المطلوبة لن يتحقق إلا بعد عام من الآن.

عدالة وباء

ما يميز الوباء الحالي هو ”العدالة“ من ناحية الإصابات. فمهما كانت الدول متقدمة اقتصاديًا، فهي لن تبقى بمنأى عن الضرر الكبير. من الواضح أن الوباء أصاب المشاهير والسياسيين، والأغنياء والفقراء في كافة البلدان في العالم. إلا أن هذه ”العدالة“ قد تتبخر عند اختراع اللقاح. ففي عام 2009 خلال وباء ”أتش1 أن 1“ قامت الدول الغنية بشراء الكميات الأولى من اللقاح فور إنتاجها تاركة كميات قليلة للدول الفقيرة.

لا بل حتى قبل اختراع اللقاح، ووفق مقال نشر في صحيفة ”فيلت“ الالمانية في عددها الصادر في 15 مارس المنصرم، قامت الإدارة الأميركية بتقديم عرض مغري جدًا لشركة المانية متخصصة بإنتاج اللقاحات، بنقل عملياتها إلى الولايات المتحدة ولصالح الولايات المتحدة وحدها، ما حدى بالحكومة الألمانية إل أن تعرض مجموعة من الحوافز لشركة ”كيورفاك“ للبقاء في المانيا.

هذا لم يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترمب من استضافة دانيال مينيشيلا، الرئيس التنفيذي لشركة ”كيورفاك“، في البيت الأبيض مع مجموعة من مدراء شركات الأدوية من مختلف أنحاء العالم في أوائل مارس. وفي بيان صحفي بعد اللقاء صرح مينيشيلا بأنه أبلغ المسؤوليين الأميركيين أن شركته تأمل في طرح لقاح تجريبي مضاد لفيروس كورونا في بداية الصيف القادم.

12 إلى 18 شهرًا

تقول شركة ”مودرنا ثيرابيوتيكس“، مقرها في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأميركية، إنه تم الاتفاق مع جامعة ”إيموري“ في ولاية أتلانتا الأميركية على الشروع بتجارب على أشخاص أعمارهم من 18 إلى 58 عامًا في مرحلة أولى.

تؤكد الشركة أن إنتاج اللقاح بحاجة إلى 12 إلى 18 شهرًا، لكن بالإمكان توفير كميات منه لتلقيح العاملين في القطاع الصحي في الخريف المقبل تحت قيود شديدة.

إن الاستثمار الذي بدأته المختبرات في العالم بعد اكتشاف مرض ”سارس“ في الصين بين عامي 2002 و2004، سيمكن العلماء من الإسراع في اقتراح لقاح لوباء كورونا الحالي. فشركة ”نوفافاكس“ التي مقرها ولاية ماريلاند الأميركية أجرت تغييرات على لقاح ”سارس“، وأعلنت انها على وشك الشروع بتجارب على بعض المتطوعين خلال الربيع الحالي.

على الرغم من طول الفترة الزمنية هذه، فإن الاحتمال الاكبر هو أن تمكن الإجراءات الطارئة الحكومات من حصر الوباء إلى حد كبير قبل اختراع اللقاح.

أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن مصادر عدة. الأصول منشورة على الروابط الآتية:

https://www.theguardian.com/world/2020/apr/02/coronavirus-vaccine-when-will-it-be-ready-covid-19
https://www.who.int
https://www.ema.europa.eu/en/news/update-treatments-vaccines-against-covid-19-under-development
https://www.modernatx.com/modernas-work-potential-vaccine-against-covid-19
https://www.novavax.com
https://www.politico.eu/article/germany-confirms-that-donald-trump-tried-to-buy-firm-working-on-coronavirus-vaccine

——————————————–

خطورة التعرض لجرعات عالية من الوباء/ جوشوا رابينويتز وكارولين بارتمان

توفي لي وين ليانغ، الطبيب الصيني الذي رفع الوعي مبكرا بفيروس «كورونا» المستجد في شهر فبراير (شباط) عن عمر ناهز 34 عاماً ليشكل صدمة ليس بسبب دوره في نشر الوعي بشأن الوباء المستفحل فحسب، بل أيضا لأن تلك الحادثة لفتت الأنظار لحقيقة أن الشباب ليسوا في مأمن من الفيروس القاتل.

هل من الممكن أن يكون الدكتور لي قد توفي، لأنه كطبيب قد أمضى الكثير من الوقت قريباً من مرضى فيروس «كورونا» ذوي الحالات المتدهورة ولذلك أصيب بعدوى شديدة؟ الأهم من كل شيء أنه رغم أنه كان من أوائل العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين ماتوا بعد تعرضهم عن قرب للفيروس بشكل متكرر، إلا أنه للأسف لم يكن الأخير.

الحقيقة أن الجرعة الفيروسية يتم تجاهلها في المناقشات المتعلقة بفيروس «كورونا». فكما هو الحال مع أي سم آخر، عادة ما تكون الفيروسات أكثر خطورة عندما يتعرض لها الإنسان بكميات أكبر. فحالات التعرض الأولية الصغيرة للفيروس يمكن أن تؤدي إلى عدوى خفيفة، وقد لا يصاحبها أعراض، في حين أن الجرعات الأكبر يمكن أن تكون مميتة.

من منظور سياسي، نحتاج لأن نأخذ في الاعتبار أن تأثير التعرض لفيروس كورونا ليس واحدا في جمع الحالات. على سبيل المثال، فإن الدخول لمبنى إداري كان فيه شخص مصاب بفيروس كورونا ليس خطيراً مثل الجلوس بجانب شخص مصاب بالفيروس في رحلة بالقطار لمدة ساعة. قد يبدو ذلك واضحاً، لكن الكثير من الناس لا يميزونه، ولذلك فنحن بحاجة إلى التركيز على منع الإصابة بجرعات عالية. يمكن للكميات الصغيرة والكبيرة من الفيروس أن تتكاثر داخل خلايانا وتسبب مرضاً حاداً لدى الأفراد الضعفاء مثل ضعيفي المناعة، وعند الأصحاء، تستجيب أجهزة المناعة بمجرد شعورها بوجود فيروس ينمو في الداخل. ويعتمد التعافي على الفائز بالسباق: الانتشار الفيروسي أو التنشيط المناعي. ذكر خبراء الفيروسات أن الجرعة الفيروسية تؤثر على شدة المرض.

سيكون من غير الأخلاقي التلاعب التجريبي بالجرعة الفيروسية في البشر في فيروس خطير مثل «كورونا». لكن هناك أدلة على أن حجم الجرعة مهم أيضاً بالنسبة لتأثير فيروس كورونا على البشر. على سبيل المثال، فخلال تفشي فيروس «سارس» عام 2003 في هونغ كونغ، تسبب مريض واحد في نقل العدوى إلى آخرين يعيشون في نفس المجمع السكني، مما أدى إلى وفاة 19 شخصاً. يعتقد أن سبب انتشار العدوى هو الجسيمات الفيروسية المنتشرة في الجو والتي تناثرت في جميع أنحاء المجمع السكني انطلاقا من شقة المريض.

رغم الأدلة على أهمية الجرعة الفيروسية، فإن العديد من النماذج الوبائية التي جرى استخدامها في التوجيه السياسي خلال أزمة وباء كورونا قد جرى تجاهلها، وكان هذا خطأ كبيراً.

ولذلك يتعيَّن على الأشخاص توخي الحذر بشكل خاص من التعرض للجرعات العالية والتي من المرجح أن تحدث خلال التفاعلات الاجتماعية الوثيقة، مثل اجتماعات القهوة والحانات المزدحمة والوقت الهادئ في غرفة مع الجدة – وعند لمس وجوهنا بعد تلطخها بكميات كبيرة من الفيروس. تعتبر التفاعلات الشخصية أكثر خطورة في الأماكن المغلقة وعلى مسافات قصيرة، خاصة مع زيادة الجرعة نتيجة للتعرض لها لفترة طويلة.

ونظراً لأهمية مقدار التعرض للفيروس، فإن الطواقم الطبية تعتبر الأكثر عرضة للخطر لأنهم يتعاملون مع المرضى الأكثر حملاً للفيروس وبشكل متكرر، لذلك يجب أن نعطيهم الأولوية في معدات الحماية.

بالنسبة للجميع بصفة عامة، فإن أهمية التباعد الاجتماعي وارتداء القناع والعناية بالنظافة تعد من أهم وسائل الحماية على الإطلاق لأن هذه الممارسات لا تقلل من انتشار العدوى فحسب، لكن تعمل على تخفيف الجرعة، وبالتالي تقليص فرص فتك العدوى التي قد تحدث، وتجنب الجرعات العالية يعد متطلبا شخصيا ضروريا، حتى بالنسبة للشباب الأصحاء.

في الوقت نفسه، نحن في حاجة إلى تجنب رد الفعل المفرط المذعور من التعرض لجرعات منخفضة. فالملابس وتغليف المواد الغذائية التي تعرض لها شخص مصاب بالفيروس تشكل خطراً منخفضاً، والأشخاص الأصحاء الموجودين معا في متجر البقالة أو مكان العمل يواجهون مخاطر يمكن احتمالها طالما أنهم يتخذون احتياطات مثل ارتداء الأقنعة الجراحية، والتباعد بين بعضهم البعض. إن الإغلاق الكامل للمجتمع هو الطريقة الأكثر فاعلية لوقف انتشار الفيروس، لكنه مكلف من الناحية الاقتصادية والنفسيَّة. حان الوقت للبقاء في المنزل، ولكن نأمل أن تكون هذه المرة قصيرة. وعندما نعاود مغادرة منازلنا مرة أخرى، علينا أن نقوم بذلك بحكمة نظراً لأهمية عنصر الجرعة الفيروسية.

– خدمة «نيويورك تايمز»

—————————————-

الوحدة والاكتئاب… الثمن الباهظ للعزل جراء «كورونا»

قبل 6 أسابيع فقط، كان شيلي هاورد يتنقل ستة أيام في الأسبوع بين مطاعم ومحال شيكاغو بحرية مع أصدقائه؛ لكن على هذا الأميركي اليوم – كما الملايين في الأرض – قضاء أمسياته وحيداً في شقته، بسبب وباء «كوفيد- 19» العالمي.

وهاورد البالغ من العمر 73 عاماً، اجتماعي جداً بطبعه، ينشر دوماً صور سهراته الحيوية التي غالباً ما يظهر فيها وهو يصافح ويعانق أصدقاءه؛ لكن في ظلّ العزل وإغلاق كافة المتاجر غير الأساسية، انقطع هاورد الذي يعمل مصمم «غرافيك» في قطاع الموسيقى بشكل شبه تام عن أي تواصل بشري.

ويقول هاورد: «أنا شخص يحب معانقة الآخرين، والناس يحبونني جداً؛ لكن هذا الواقع».

تشبه تجربة هاورد تجارب كثير حول العالم، هم مكتئبون لعدم مخالطة الآخرين التي كانت تعتبر مكتسباً حتمياً، ويرى العلماء أنها حيوية.

تشير مديرة معهد «تاتش ريسيرتش» في كلية الطب في جامعة «ميامي» تامي فيلد، إلى أن «ما يحصل عند لمس الآخرين عبارة عن تغيير جسدي بحت».

وتوضح أنه في تلك اللحظة «يتباطأ الجهاز العصبي، ومعدل ضربات القلب ينخفض، وكذلك ضغط الدم، والموجات الدماغية تتجه نحو مزيد من الاسترخاء، وهو ما يؤدي إلى انخفاض في الكورتيزول، الهورمون المسؤول عن التوتر»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

تشعر ليليا شاكون، المديرة العامة للاتصال في مدينة سانتا فاي في ولاية نيومكسيكو، أيضاً بالحنين إلى الحقبة التي كان فيها التواصل البشري أمراً ممكناً في حياتها.

تعيش شاكون البالغة من العمر 65 عاماً بمفردها وتعمل من المنزل.

تروي شاكون «جنون كيف يمكن لواقعك أن يتغير بهذه السرعة. أشاهد التلفاز، أرى أشخاصاً جالسين جميعاً على طاولة واحدة، يتعانقون، وأقول: يا إلهي، الأمور لا تجري كذلك حالياً».

وللتعويض عن هذا النقص، تلجأ لمكالمات الفيديو مع أصدقائها.

وتؤكد: «نجد طرقاً للحفاظ على الصداقات والحميمية. بات أساسياً لي استخدام مكالمات الفيديو عبر (فيس تايم)، أن أبقى على تواصل مع أصدقائي بشكل مرئي، وليس فقط عبر المكالمات الصوتية. وهذا الأمر يساعد».

أكثر المتضررين من العزل هم الأشخاص الأكبر سناً، فهم أكثر عرضة للفيروس، وغالباً ما يعيشون بمفردهم.

تشجع ماري كارلسون عالمة الأعصاب في كلية الطب في «هارفارد» على التواصل النظري. وتخصصت كارلسون في مجال الحرمان الحسي، بعدما درست حالة الرُّضع الذين كبروا في منشآت في رومانيا في التسعينات، كان فيها عدد قليل من الموظفين.

وتقول: «أشجع الناس على التفاعل الاجتماعي عبر النظر والسمع»، مضيفة: «لمن يعيشون وحدهم، التكنولوجيا تتيح هذا التفاعل عبر المكالمة الهاتفية أو الفيديو، للتعويض عن هذه الحقبة الضرورية والمؤقتة من القيود على اللمس».

تطمئن كارلسون القلقين من فقدان القدرة على التواصل الطبيعي في مرحلة ما بعد الوباء. وتشرح: «أعطي دائماً مثال نيلسون مانديلا الذي أمضى 27 عاماً في السجن»، موضحة: «نعلم جميعاً ما حصل حين خرج. شاهدناه على التلفزيون وسمعنا كل ما قاله، لم يفقد إطلاقاً قدراته الاجتماعية وحساسيته تجاه الآخرين».

رغم أن ذلك لا يعوض عن التواصل الجسدي مع إنسان آخر؛ فإن تامي فيلد من معهد «تاتش ريسيرتش» توصي على سبيل المثال الناس الذين يعيشون بمفردهم بالجلوس أرضاً والقيام بتمارين تمديد العضلات، والاستحمام، والسير، لتحفيز مستقبلاتهم الحسية.

تعيش شارلوت كولن البالغة 46 عاماً، والتي تدير شركة علاقات عامة في قطاع العقارات في مانهاتن، وحيدة أيضاً، وتعمل من المنزل. وبالنسبة لها، مدة فرض القيود هي المشكلة.

وترى كولن التي تغلبت على مرض السرطان وتعاني من مرض مناعة ذاتية، وتقدَّر بالتالي تدابير العزل: «أن تقضي شهراً في بيتك أمر، وأن يدوم ذلك 18 شهراً أمر آخر».

في شيكاغو، يعوض شيلي هاورد العزلة عن طريق الترويج لحفلات موسيقية منزلية لصديق له على مواقع التواصل الاجتماعي.

يعتمد أيضاً على وجود قطتيه. ويقول: «ليس الأمران متساويين؛ لكن إحداهما تنام على يدي. أقضي بذلك عشر ساعات ملتصقاً بهذا الكائن الحي الذي يتنفس»، مضيفاً: «تنام الأخرى على ركبتي أو صدري، ولذلك أنا على تواصل مع كائنات حية».

————————————-

حرب عالمية على الإمدادات الطبية؟/ عصام حمزة

تنافس مستمر في دول عديدة على شراء البضائع الطبية، أو اللقاحات، ما يثير الشك في إمكانية إنجاز تعاون دولي لمواجهة فيروس كورونا المستجد. لكن الأخطر على الإطلاق، كما توضح المقالة أدناه المترجمة عن صحيفة الغارديان البريطانية، أن يتم شراء البضائع المتجهة إلى أكثر المناطق تضررًا، في مزاد يكسب فيه من يدفع أكثر.

تمكن مشترون أمريكيون بفضل تفوقهم المالي من الحصول على حمولة من الأقنعة كان من المقرر أن تشحن من الصين إلى إحدى أكثر مناطق فرنسا تضررًا من فيروس كورونا الجديد، وفقًا لمسؤولين فرنسيين.

كانت الأقنعة محملة على طائرة مستعدة للإقلاع في مطار شانغهاي حين ظهر المشترون الأمريكيون وعرضوا ثلاثة أضعاف المال الذي عرضه نظرائهم الفرنسيون.

قال جان روتنر الطبيب ورئيس مجلس مقاطعة غراند إيست المحلي، إن جزءًا من الطلبية التي تضم عدة ملايين من الأقنعة التي كانت مخصصة للمنطقة، التي تعج أسرة العناية المركزة فيها بمرضى كوفيد 19، فقدت لصالح المشترين الأمريكيين.

صرح روتنر لإذاعة RTL قائلًا: “وصلوا إلى مدرج الإقلاع وفي حوزتهم كثير من المال، لذا كان علينا أن نقاتل لأجلها”. لم يصرح روتنر بهوية المشترين، ولصالح من يعملون ولأي ولاية أمريكية طارت الشحنة، لكن مسؤولًا فرنسيًا آخر، كان مشاركًا في عملية شراء الأقنعة من الصين، قال إن المجموعة كانت تعمل لصالح الحكومة الأمريكية.

قال  رينو موسيلير رئيس مقاطعة بروفانس ألب كوت دازور في جنوب شرق فرنسا لقناة BFMTV التلفزيونية الفرنسية:  “خلاصة الأمر، أن هناك بلدًا أجنبيًا دفع ثلاثة أضعاف سعر الشحنة وهي على مدرج الإقلاع”. وقد تواصلت الغارديان مع وزارة الخارجية الأمريكية طلبًا للتعليق.

صرح مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية لوكالة الأنباء الفرنسية AFP “إن حكومة الولايات المتحدة لم تشتر أي أقنعة كان المقرر أن تصل من الصين إلى فرنسا. التقارير التي تفيد بخلاف ذلك خاطئة تمامًا”.  فيما وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هذه التقارير بأنها “مثيرة للقلق”، وطلب من المسؤولين الكنديين النظر في ادعاءات مشابهة بأن شحنات أقنعة مقررة إلى بلده قد أخذت إلى مكان آخر. وقال في تصريح له يوم الخميس “علينا أن نحرص أن تصل المعدات المقررة إلى كندا وأن تبقى في كندا، وطلبت من الوزراء أن يتابعوا هذه التقارير تحديدًا”.

من جهته، بين وزير الصحة البرازيلي لويس هينريك مانديتا في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 2 نيسان/أبريل، أن المحاولات البرازيلية الأخيرة لشراء معدات وقاية مثل القفازات والأقنعة من الصين قد تعثرت. “اليوم أرسلت الولايات المتحدة 23 من أكبر طائرات الشحن لديهم لحمل المواد التي اشتروها. كثير من طلبياتنا التي رغبنا في إتمام شرائها لإمداد نظامنا الصحي قد تعثرت. العالم كله يريد هذه الأشياء أيضًا. نحن نواجه مشكلة الطلب الفائق على هذه المواد”.

طلب مانديتا من المواطنين البرازيليين صنع أقنعة منزلية من قطع الملابس بأنفسهم لتوفير المعدات الطبية المتبقية للعاملين في قطاع الصحة. ومع تزايد حدة الوباء، اتهمت الحكومات المذعورة باستخدام وسائل مشكوك في نزاهتها للحصول على الإمدادات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا الجديد. تنوعت هذه الأساليب من حظر تصدير المواد الطبية إلى إرسال جواسيس في مهمات سرية بحثًا عن أدوات وأساليب الفحص.

وخوفًا من العجز في المواد الطبية وإنهاك الأنظمة الصحية، لجأت عدة دول منها فرنسا وألمانيا وروسيا إلى تخزين الأقنعة والمواد الخطرة، أو البذلات الواقية. عنى ذلك الحد من تصدير المعدات الطبية الواقية.

وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك، فلم تكتف بحظر تصدير المعدات الواقية بل ويبدو أنها ألغت صفقات بيع للخارج كانت أموالها قد دفعت بالفعل. وأفادت تقارير من صحيفة لو سوار البلجيكية وصحيفة كوريار ديلا سيرا الإيطالية بأن الأقنعة تركية الصنع التي كانت مخصصة لبلادهم لم تصل إلى وجهتها. وبالنسبة لإيطاليا، استغرق الأمر أكثر من أسبوعين بعد مكالمة أجراها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للإفراج عن شحنة الأقنعة. في بلجيكا، لم تصل الإمدادات حتى الآن رغم الشكوى الرسمية التي قدمتها وزارة الصحة البلجيكية إلى الشرطة.

وهددت تركيا أيضًا بتأميم مصانع إنتاج الأقنعة المحلية لضمان عدم بيعها سوى للدولة. نقلت وكالة الأنباء المحلية حريت عن وزير الداخلية سليمان صويلو قوله إن السلطات ستصادر المصانع إن لم توافق الشركات على البيع حصرًا لوزارة الصحة.

كما اتهمت الصين، أكبر منتج للأقنعة في العالم وأول دولة تضررت من تفشي كوفيد 19، بأنها تخزن الإمدادات لديها. لكنها أصبحت واحدة من الدول القليلة التي سلكت اتجاهًا معاكسًا ببيع الأقنعة والتبرع بها إلى أوروبا. صادرت السلطات التشيكية إحدى هذه الشحنات المتجهة إلى إيطاليا في ملابسات متنازع عليها بين البلدين.

نفت السلطات التشيكية مزاعم سرقة الشحنة من قبل الدولة والتي أفادت بها إذاعة جورنال راديو راي، التابعة لشركة البث العامة في إيطاليا. قالت الإذاعة إن الأقنعة وصلت إلى مستودع في شمال براغ، وصودرت في عملية لمكافحة التهريب. وقال زير الخارجية التشيكي توماس بتريشيك إن حكومته أرسلت 110 ألف قناع إلى روما تعويضًا عن الأمر. وقعت حادثة مشابهة في كينيا، حيث اختفت شحنة تحوي 6 مليون قناع متوجهة إلى ألمانيا أثناء مرورها في الدولة الأفريقية، لكن لا توجد دلائل على تورط الحكومة الكينية.

تشهد الأدوية واختبارات فيروس كورونا الجديد كذلك طلبًا عالميًا متزايدًا. فبعد إعلان الرئيس الأمريكي دون دليل عملي قوي، بأن الدواء المعالج للملاريا قد يعالج كوفيد 19، منعت الهند فورًا تصدير الهيدروكسي كلوروكوين. وأطلق جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد عدة عمليات سرية دولية لجلب آلاف من معدات اختبار فيروس كورونا. وأفادت تقارير إعلامية محلية، نقلًا عن مسؤولين استخباراتيين وفي وزارة الصحة بأن معدات الاختبار جلبت من دولة عدوة لن ترغب في الإعلان عن هذه الصفقة. لا تعترف كثير من الدول بإسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين.

وتحركت بعض الحكومات في الأسابيع الأخيرة لتخزين إمدادات الغذاء المحلية. حظرت كازاخستان، إحدى أكبر منتجي الدقيق في العالم تصديره. وتبعتها فيتنام، ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم في منع تصدير الأزر. وبدأت صربيا بمنع تصدير الدواء ثم حظرت لاحقًا تصدير دوار الشمس.

لا يتوقع أن تشهد أسواق الغذاء العالمية نقصًا، وأبقت معظم الدول أسواقها مفتوحة، لكن جهود بعض الحكومات المذعورة للسيطرة على الموارد أفزعت الكثيرين.

قال أبراهام نيومان الأستاذ بقسم الحكومة بجامعة جورجتاون وهنري فاريل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، إن هناك خطر بأن يهوي العالم إلى منزلق “انعدام الثقة والأنانية”. وكتبا في مجلة هارفارد بنزنس ريفيو: “ستصعب المستويات العالية من الشك التي تختمر بين الدول من إمكانية تعاونها لتنسيق استجابة دولية. يصعب على الحكومات أن تكون كريمة حين يرتعد مواطنوها وتقل الإمدادات. لكن هذا الأمر قد يؤدي إلى دوامة من الخوف والانتقام”.

أفادت وسائل الإعلام الألمانية الشهر الماضي بأن إدارة ترامب عرضت على شركة طبية ألمانية قدرًا كبيرًا من المال مقابل الحق الحصري للقاح تطوره. رغم أن شركة CureVac نفت هذه التقارير، إلا أن الحادثة أثارت ريبة الدول الأخرى.

ونشرت مجلة غلوبال تايمز الصينية المملوكة للدولة مقالة افتتاحية وصفت فيها البحث عن لقاح بأنه “حرب لا تتحمل الصين خسارتها”. وقالت مشيرة إلى التقارير المتعلقة بـ CureVac، إنه “بالنظر لتحركات هاتين الدولتين الغربيتين، لا يمكن للصين بأي حال من الأحوال أن تعتمد على أوروبا أو الولايات المتحدة في تطوير اللقاح. على الصين أن تعمل وحيدة في هذا المجال الحيوي”.

 ———————————————

==============================

===============================

تحديث 07 نيسان 2020

————————————–

وباء كوفيد-19 في سوريا: هل يصبح فيروس كورونا كارثة في سوريا خصوصا في معتقلات النظام؟

المعطيات تشكك في استثناء فيروس كورونا لسوريا، فنظام الأسد مدعوم من عشرات آلاف المقاتلين من إيران، البلد المتصدر لدول الشرق الأوسط من حيث عدد الإصابات بالفيروس. كما أعلنت باكستان أن الإصابات الأولى فيها تعود لستة مقاتلين من مليشيا لواء “زينبيون”، ممن عادوا إليها من مناطق النظام السوري. الصحفية الألمانية آنا فلايشر تسلط الضوء لموقع قنطرة على خلفيات تفشي وباء كوفيد-19 في سوريا وعلى تحذيرات من كارثة اجتياح فيروس كورونا للمعتقلات السورية.

تنهمك كل دول العالم تقريباً في تطوير خطط طوارئ لحماية مواطنيها من فيروس كورونا، وتعمل على اتخاذ إجراءات للحد من انتشاره. وحده نظام الأسد من أنكر حتى تاريخ [22 آذار/مارس 2020] وجود حتى ولو حالة إصابة واحدة بهذا الفيروس في سوريا. وقد تباهت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” بتأكيد منظمة الصحة العالمية هذه المعلومات.

غير أن وزير الصحة السوري ما لبث أن أعلن في 22 آذار/ مارس 2020 عن أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا، ما وضع حداً لحالة الإنكار هذه. وفي نهاية المطاف، أعلن النظام السوري عن إغلاق كافة المعابر البرية السورية مع لبنان ابتداءً من 23 آذار/ مارس 2020 أمام حركة القادمين، بمن فيهم حاملو الجنسية السورية، مع الإبقاء على حركة شحن البضائع شريطة إخضاع السائقين لفحوصات طبية.

هناك من المعطيات ما يجعل من المشكوك فيه القول بأن انتشار المرض يستثني سوريا بالذات. فنظام الأسد مدعوم من قبل عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين القادمين من إيران، أي من الدولة التي تتصدر دول منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، بعد أن تجاوز عدد المصابين فيها 20 ألف إصابة، بالإضافة إلى 1550 حالة وفاة بسببه. كما أعلنت السلطات الباكستانية أن الإصابات الأولى في البلاد تعود لستة مقاتلين من مليشيا لواء زينبيون، ممن وصلوا لتوهم إلى باكستان عائدين من مناطق النظام السوري.

نظام صحي متدهور في سوريا

وضمن هذا السياق، ينذر وضع القطاع الصحي في سوريا المتدهور بالخطر. فبحسب بيانات الأمم المتحدة غادر ما تصل نسبته إلى 70% من العاملات والعاملين في قطاع الصحة في سوريا عملهم، وبحلول نهاية العام المنصرم 2019 كانت ما نسبته فقط 64% من المستشفيات و52% من مراكز الرعاية الصحية الأولية في سائر أنحاء سوريا تعمل بكامل طاقتها. ولذا، فإن هذا البلد على وجه الخصوص غير مستعد لمواجهة أي جائحة أو وباء.

ووفقاً لما ذكرته ليلى حسو من شبكة حراس الطفولة، تحتوي المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري فقط على 200 سرير للعناية المركَّزة مزودة بأجهزة التنفس الاصطناعي، وهي ممتلئة فعلياً عن بكرة أبيها بمرضى حالات أخرى من غير المصابين بالفيروس.

وتضع استراتيجية مواجهة انتشار فيروس كورونا، المتأخرة والبعيدة عن الواقع بصورة واضحة للعيان، حياة السكان المدنيين على المحك، سواء أكان ذلك في مناطق النظام أم خارجها. وقد دفع الصراع المستمر في سوريا ملايين السوريات والسوريين إلى النزوح داخل الأراضي السورية، حيث يقاسي أربعة ملايين منهم حالياً من ظروف حياتية صعبة في محافظة إدلب شمال غرب البلاد، في مخيمات بدائية نُصبت على وجه السرعة تفتقر إلى خدمات النظافة.

“هل ينبغي علينا حقاً غسيل أيدينا!؟ كثير من الناس هنا يعيشون في العراء ولا يستطيعون حتى تأمين فرصة استحمام واحدة لأطفالهم أسبوعياً !”، يقول فادي مسحر مدير مؤسسة مرام للإغاثة والتنمية في إدلب لصحفية نيويورك تايمز.

إدلب في مصيدة فيروس كورونا

ومن الصعوبة بمكان إجراء اختبار الإصابة بفيروس كورونا في إدلب في الوقت الراهن. وإن كان بالإمكان إرسال عينات لفحصها في المختبرات التركية، إلا أنه، نظراً للظروف الراهنة التي دفعت مليون شخص خلال الأشهر السابقة للتدفق على الحدود التركية، لا يمكن التعويل على مساعدة كبيرة من هذا القبيل.

وقد ذكر هيدن هالدورسون، أحد الناطقين باسم منظمة الصحة العالمية في جنوب تركيا، يوم الأربعاء [19 آذار/ مارس 2020]، أنه من المتوقع وصول معدات اختبار الإصابة بالفيروس إلى إدلب خلال الأسبوع التالي، إلا أن المعلومات عن كمية هذه المعدات وعن موعد وصولها بقيت مجهولة. وقد علل هالدورسون سبب التأخر في إرسال معدات الاختبار بأن منظمة الصحة العالمية توزع هذه المعدات على السلطات الحكومية في كل بلد، إلا أن شمال غرب سوريا تعد منطقة بلا حكومة.

وتشدد ليلى حسو أيضاً على أن النقص يشمل في المقام الأول مستلزمات أولية مثل الأقنعة الواقية والقفازات ومواد التعقيم. بالإضافة إلى حقيقة أن كثيرين من الفقراء غير قادرين على البقاء في المنزل ومضطرون للعمل لكسب ما يسد رمقهم. وتضيف حسو: “إن أكبر مخاوفنا حالياً تدور حول الأطفال ممن قد تصاب عائلاتهم بهذا المرض، فمن سيهتم بهم حال مرض الوالدين أو حتى وفاتهما؟”.

خطر كورونا في معتقلات النظام السوري

وفي حين ينحدر وضع النازحات والنازحين في الداخل السوري إلى الأسوأ، لا ننسى وجود فئة أخرى مستضعفة للغاية من البشر في سوريا، هم المعتقلات والمعتقلون في سجون الأسد. وتحذر منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الظروف اللاإنسانية في معتقلات النظام السوري قد تجعل تداعيات فيروس كورونا أسوأ بكثير. فالسجون المكتظة تماماً، ضمن ظروف صحية وطبية سيئة لدرجة يعجز عنها الوصف، تمثل بيئة مثالية لانتشار الفيروس بسرعة شديدة.

وتقول سارة كيالي من منظمة حقوق الإنسان في تصريح لها: “من المخيف بصورة خاصة أن نعلم بأن السلطات السورية على دراية تامة بالظروف السيئة لهذه السجون، كيف لا، وهي من يهيئ الأسباب لخلق هذه الظروف من خلال حرمان المعتقلين من التغذية المناسبة ومن الرعاية الطبية ضمن بيئة تفتقر لخدمات الصرف الصحي والهواء النقي والأمكنة النظيفة. هذه الصورة تتناسب جيداً مع ما نعرفه عن ممارسات الحكومة السورية التعسفية ضد المعتقلات والمعتقلين، بما في ذلك التعذيب الممنهَج وسوء المعاملة والعنف الجنسي”.

“بمرور هذا اليوم يكون قد مضى على والدي 2446 يوم في سجون الأسد. في الوقت الذي أحاول فيه وقاية نفسي من كوفيد 19 يبقى خاطري مشغولاً بوضع والدي وبوضع غيره من آلاف المعتقلين ممن لا يملكون أدنى مقومات الرعاية الصحية هناك. لا قدرة لأحد على احتمال هذا.”، تقول وفاء مصطفى، ابنة أحد المعتقلين السياسيين، في تغريدة لها. تعيش وفاء في برلين، وتبدي مخاوف كبيرة من تفشي الوباء في السجون السورية. هذا هو حال عائلات المعتقلين الصعب جداً، ممن يبقى تفكيرهم مشغولاً بأقربائهم وأحبائهم المحتجزين في سجون التعذيب الوحشية لنظام الأسد.

خطر اجتياح فيروس كورونا للمعتقلات السورية

يطالب ممثلو المجتمع المدني والمعارضة في اللجنة الدستورية السورية في رسالة مفتوحة بإتاحة المجال أمام منظمة الصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة المعنية للوصول إلى مقرات الاعتقال التابعة للنظام السوري. ومع التهديد الجديد الذي يمثله فيروس كوفيد 19 فإن المعتقلات والمعتقلين في جميع السجون في سوريا هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس، وبالتالي، فإن فرص بقاءهم على قيد الحياة أقل بكثير.

وقد وقّعت سوريا سابقاً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، كما وقّعت على الإعلان العربي لحقوق الإنسان، ولكنها، رغم ذلك، لم تكن قَطّ عضواً في المجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة الذي صاغ القواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية المطلقة للمعتقلين. وبناءً عليه، لا يرى النظام السوري نفسه ملزماً، ولو بالحد الأدنى من المعايير، فيما يخص حقوق المعتقلات والمعتقلين.

هؤلاء -الذين صيّرهم التعذيب وسواه من انتهاك وإهمال وخوف على المستقبل- ضعفاء فعلياً، ومن شأن وضعهم حال تفشي فيروس كورونا أن يغدو كارثة تامة. وبحسب منظمة العفو الدولية، هناك قلق كبير من أن يصاب المعتقلون بالفيروس، ومن ثم يُترَكوا للموت، أي بطريقة شبه متعمدة.

معتقلات ومعتقلون “كأنهم مدفونون أحياءً تحت التراب”

وتبدي فدوى محمد لذلك قلقاً كبيراً على ابنها ماهر وعلى زوجها المختفيان منذ سنين، بعد أن أُلقي القبض عليهما في مطار دمشق الدولي في عام 2012، ولم يُعثَر لهما بعد ذلك على أي أثر. تقول فدوى بنبرة حزينة: “أعرف ماذا يعني أن يكون المرء في السجن، حيث لا يرى المرء الشمس ولا يشعر بالريح لسنين طوال، في وضع يبدو فيه وكأنه مدفون حيّاً تحت التراب”.

وقد كانت فدوى نفسها معتقلة سياسية في ثمانينيات القرن المنصرم في عهد حافظ الأسد. ورغم أنها في هذه الأثناء بعيدة عن الخطر، إلا أن التفكير في احتمال حدوث جائحةِ وباءٍ في السجون السورية ما زال يقض مضجعها.

ويبدو من المثير للسخرية رد فعل النظام السوري من خلال إصدار عفو جديد، مشابه لما سبق أن أصدره من مراسيم عفو لا معنى لها على الإطلاق. ويبقى من غير الواضح إنْ كان موعد صدور هذا العفو مرتبطاً بالخوف من انتشار فيروس كوفيد-19.

تقول سارة كيالي من منظمة هيومن رايتس ووتش: “يتوجب على المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة أن تضغط بصورة ملحة للسماح لها بالوصول إلى مقرات الاعتقال الرسمية وغير الرسمية لتقديم المساعدات العاجلة التي قد تنقذ حياة المعتقلات والمعتقلين. الأمر الذي لن تقوم به الحكومة السورية بكل تأكيد”.

آنا فلايشر

ترجمة: حسام الحسون

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

——————————————

دمشق على أبواب الانهيار..احتكار وغش في الادوية والاجهزة/ نور عويتي

يبدو الوضع في دمشق قابلاً للانهيار في أي لحظة، ليس فقط بسبب تفشي فيروس كورونا فيها وعزل بعض المناطق، وإنما بسبب عجز النظام السوري اقتصادياً وانهياره وسط الأزمة الوبائية وفشل منظومته الصحية باحتواء الفيروس.

حال الموطن السوري اليوم في أغلب مناطق النظام تسوء أكثر.. لم تكفه سنوات الحرب التسعة ومآسيها التي حلّت عليه، ليترك اليوم يكافح الفيروس والجوع لوحده، دون تأمين الحدود الدنيا للعيش.

المدنيون السوريون يتحملون كل العبء لتأمين احتياجاتهم الأساسية، والمهمة الأصعب باتت تأمين الخبز؛ ففي بعض المناطق لايزال المواطنون يصطفون  بطوابير يتجاوز تعدادها المئات أمام الأفران الحكومية للحصول على الخبز، كما يحدث في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق؛ المنطقة التي تم عزلها مؤخراً بسبب تفشي الفيروس فيها.

وتشهد المنطقة بشكل يومي تجمعات لآلاف المواطنين أمام المؤسسات الحكومية الاستهلاكية، من دون ان يتخذ النظام أي تدابير للتقليل من معاناة المواطنين. بينما تم منع المواطنين من التجمع أمام الأفران في بعض المناطق، التي أوكل فيها مهمة توزيع الخبز إلى وكلاء معتمدين من قبل الدولة.

كان المفترض أن يخفف توزيع الخبز بهذه الطريقة من الازدحام، إلا أنها تسببت بتجمعات أكثر عشوائية وفوضوية، حيث أدى ذلك الى تدافع المواطنين أمام سيارات المعتمدين بشكل جنوني. ولم يلتزم الموزعون بتسعيرة الخبز النظامية، ووصل سعر ربطة الخبز لدى بعض المعتمدين لما يزيد عن ثلاثة أضعاف السعر الأصلي.

وفي بعض المناطق ترافق توزيع الخبز مع تعنيف وإهانة للمواطنين، وقد رصد العديد من الناشطين معاناة المواطنين أمام سيارات المعتمدين، والمحسوبيات والإهانات التي يتعرض لها المواطنون أثناء عملية توزيع الخبز، بمقاطع مصورة؛ منها مقطع يوثق قيام أحد الموزعين بضرب امرأة تتبعه لشراء الخبز.

وسط هذا الفوضى، سعت العديد من المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية في دمشق للتدخل من خلال تنسيق مبادرات تطوعية لتوزيع الخبز بشكل مجاني على البيوت؛ وقد تم تطبيق هذه المبادرات في العديد من الأحياء الدمشقية، قبل أن يصدر النظام السوري قراراً غريباً من نوعه لايقاف هذه النوع من المبادرات.

وقال مصدر من إحدى هذه الجمعيات الخيرية ل”المدن”، إنه “بعد أن وزعنا الخبز ضمن عدد من المناطق، تم توجيه إنذار خطي لنا بأننا نقوم بتلك المبادرة بلا رخصة ويتوجب علينا إصدار واحدة، وعندما تقدمنا بطلب لمحافظ دمشق ليسمح لنا بتوزيع الخبز وبعض المواد الغذائية على البيوت بشكل مجاني، قوبل طلبنا بالرفض، حيث اعتبر المحافظ أن المواد الغذائية كافةً متوافرة في الأسواق وليس هناك داعٍ لإطلاق هذه النوع من المبادرات”.

على الصعيد الصحي، تعيش المستشفيات في دمشق نوعاً آخر من الفوضى، التي ربما يكون من عواقبها انهيار الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، بسبب عدم الاهتمام بسلامتهم. وتحدث مصدر من داخل أحد المشافي الحكومية في دمشق “المدن”، عن معاناة الأطباء قائلاً: “لقد تم إجبارنا على العمل لساعات متواصلة من دون استراحة، ومن دون أن يوفروا لنا أي غرف معزولة للمبيت في المشافى، مما يجعلنا على تواصل دائم مع المرضى، بمن فيهم المصابون بالفيروس”.

وأضاف أن معالجة المصابين بكورونا تتم “دون أن تتوفر لنا وسائل الوقاية من بدلات العزل والكمامات والكفوف؛ فالإدارة تقوم بتوزيع هذه المستلزمات الوقائية علينا بشكل شحيح، وأصدرت تعليمات لإعادة استعمال الكمامات لأيام متتالية؛ وهو ما دفع عدداً كبيراً من الأطباء إلى شراء الكمامات والكفوف من الصيدليات على حسابهم الخاص”.

وربما يكون سبب شح توزيع الكمامات في المشافي الحكومية هو ضخّها في الأسواق، بحسب مصدر من إحدى صيدليات دمشق. وقال المصدر ل”المدن”، إنه بعد الإعلان الرسمي عن اول حالة إصابة بفيروس الكورونا في البلاد ، تم توفير الكمامات والمعقمات بالصيدليات بكميات كبيرة من قبل الشركات الدوائية الحكومية، بعد أن كان من الصعب تأمينها، ولكن سعرها اليوم يفوق سعرها السابق بأضعاف.

زيادة الأسعار لا تنحصر فقط بالكمامات والمعقمات، وإنما شملت أيضاً جميع أنواع الأدوية. وفي هذا السياق قال مصدر يعمل في إحدى شركات الأدوية ل”المدن”: “نقوم اليوم باستخدام المخزون الاحتياطي الدوائي في سوريا، ولن يصمد هذا المخزون سوى لأسابيع قليلة. سوريا تقوم باستيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية وهذا أدى إلى توقف معظم مصانع الأدوية، وهو ما ينذر بأزمة صحية وشيكة، إذا لم تتحرك الحكومة بسرعة وتتمكن من إيجاد حلول بديلة”.

وفي ظل رفض وزارة الصحة السورية إجراء اختبارات للكشف عن الفيروس سوى للحالات المتقدمة، في محاولة منها للحفاظ على أرقام متدنية قي معدل الإصابات التي بلغت حتى اليوم 19 إصابة فقط مسجلة بشكل رسمي. فإن هذا فتح الباب أمام نوع جديد من المتاجرة في دمشق، وهي تجارة أجهزة الكشف عن كورونا.

وقد ساهم العديد من الأطباء بالترويج لهذه الأجهزة غير الناجعة وغير المعترف بها عالمياً لفحص كورونا. وقال مصدر مطلع ل”المدن”، إن “هناك عدداً كبيراً من الأطباء يقومون بالتسويق لبيع جهاز قياس الحرارة الذي يتم استعماله في المطارات، على أنه جهاز لفحص الكورونا. وبعد أن ازداد الطلب على هذه الجهاز وخلت الأسواق منه، ووصل سعر الجهاز إلى 300 ألف ليرة سورية”.

وأضاف أن “العديد من المراكز والصيدليات قامت بالتسويق لجهاز صناعي لقياس الحرارة، هو مصمم بالأصل لقياس حرارة الألات والمعدات الصناعية الضخمة؛ فتم ضبط هذه الأجهزة على أن تعطي الضوء الأحمر للحرارة التي تتجاوز 37 درجة. ويتم اليوم بيع هذا النوع من الأجهزة بما يزيد عن 50 ألف ليرة سورية، وكل ذلك يتم تحت غطاء حكومي لمنافع متبادلة مع التجار”.

————————————-

سيناريو مُدمر لسوريا لو تفشى كورونا ويتجاهله النظام! تقديرات مرعبة لعدد الضحايا وسط دمار مستشفيات

عندما تقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، الإثنين 6 أبريل/نيسان 2020، بتقرير تحدث فيه عن قصف المنشآت المدنية الحيوية في سوريا وعلى رأسها المستشفيات، أثار مواقف سلبية من منظمات حقوقية لأنه لم يشر صراحة إلى دور روسيا المباشر في قصف المرافق الطبية.

لكن حسابات الدول والمنظمات الدولية وتقاريرها مختلفة تماماً عن حسابات السوريين الآن، سواء الذين يعيشون في مناطق نظام بشار الأسد أو المعارضة، والذين يواجهون وحدهم خطر تفشي فيروس كورونا، الذي تتوقع منظمة الصحة العالمية انفجاراً بأعداد الإصابات بينهم، ليجدوا أنفسهم أمام سؤال مصيري: “أين سيُعالج مرضى كورونا في سوريا؟”.

خلف هذه الإجابة عن السؤال حصيلة مرعبة لعدد المستشفيات التي دمرتها العمليات العسكرية لنظام بشار الأسد وحلفائه، وسيناريو في غاية السوء لأعداد الناس الذين يُحتمل إصابتهم بكورونا، والتي تفوق قدرة النظام الصحي المتهالك في سوريا، الذي سينهار في حال التفشي الكبير للفيروس.

المشهد العام: يرجح مسؤولون أمميون، ومن بينهم روزماري ديكارلو مسؤولة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة، إلى احتمال أن يترك فيروس كورونا أثراً مدمراً في سوريا، وكتبت روزماري في تغريدة على تويتر: “إن كان هناك أحد بحاجة -ويا للعجب- إلى سبب لوقف القتال هناك، فها هو”، وفقاً لوكالة رويترز.

أما غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، لمجلس الأمن، فقال إنه “بعد عنف رهيب يسود هدوء غير مستقر على الأرض، يواجه السوريون الآن تهديداً مدمراً جديداً، وهو كوفيد 19”.

وعندما بدأت الحالات الأولى من كورونا بالظهور في سوريا قال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إنها ليست “سوى قمة جبل الثلج”، ومن المتوقع أن يكون هناك “تأثير مدمر” لذلك على المجتمعات الضعيفة.

أشار لوكوك إلى أن حوالي نصف مستشفيات الدولة ومرافق الرعاية الصحية كانت تعمل بكامل طاقتها في نهاية عام 2019، لكن ما تحدثت عنه عشرات المنظمات السورية من أرقام عن خسائر القطاع الصحي تشير إلى خسائر أكبر من التقديرات الموجودة لدى الأمم المتحدة.

السيناريو الأسوأ: في حال تحولت مخاوف مسؤولي الصحة في العالم بسوريا إلى واقع، فمن المُحتمل أن تكون مناطق المعارضة الأكثر تضرراً، هنالك حيث شهدت المناطق قصفاً متواصلاً على مدار سنوات من طائرات نظام بشار الأسد وروسيا.

أحمد الدبس من منظمة “أوسوم” الطبية ومقرها أمريكا، يقول إن القتال في سوريا خلال 9 سنوات أدى إلى تدمير معظم المنشآت الصحية في المنطقة، ولم يترك سوى 175 جهاز تنفس، في وقت يعيش في الشمال السوري ما لا يقل عن 3.5 مليون شخص، ويفتقر هؤلاء إلى أساليب الوقاية من الفيروس.

يتساءل الدبس: “دول مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ودول أخرى لم تستطع الهروب من أزمة فيروس كورونا، فكيف سيكون الحال في شمال غرب سوريا؟”.

أما السيناريو الأكثر سوءاً فتحدث عنه أطباء في المنطقة لصحيفة New York Time، عندما قالوا إنه بحسب التقديرات فمن المُحتمل أن يُصاب في إدلب مليون شخص، وأنه قد يقتل الفيروس ما بين 100 ألف إلى 120 ألف شخص، متحدثين عن حاجة ماسّة لأجهزة التنفس الصناعي.

في هذا الصدد، قال الطبيب عبدالرزاق زقزوق، من منظمة الجمعية الطبية السورية الأمريكية، لصحيفة New York Time: “لسوء الحظ ليس لدينا أماكن للحجر الصحي في شمال سوريا، إذا كانت هنالك أية حالة من فيروس كورونا فإن الوضع سيكون مأساوياً”.

كم خسرت سوريا من المشافي؟ في بيان  عاجل إلى المجتمع الدولي أصدرته لـ70 منظمة مجتمع مدني سورية، تمت دعوة الأمم المتحدة إلى حماية السوريين من جائحة فيروس كورونا، مشيرةً إلى هشاشة كبيرة في القطاع الصحي بسوريا.

أكدت المنظمات أنه لا يعمل سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحية الأولية، متحدثة عن تسجيل 595 هجوماً على 350 منشأة صحية في سوريا منذ عام 2011، مضيفةً أن 90% من الهجمات نفذها النظام وحلفائه، فضلاً عن قتل ومغادرة مئات الكوادر الطبية، وهذه الإحصاءات أكدتها أيضاً منظمة الصحة العالمية.

تُظهر إحدى الصورة التي نشرتها صفحات موالية للنظام عن ضعف النظام الصحي في سوريا مع بدء انتشار فيروس كورونا، فالإصابات بسوريا لم تتجاوز الـ 20، ورغم ذلك بدأ النظام يُجهز صالة رياضية كبيرة في دمشق، وضع بها أسرَّة تعزل بينها ألواح خشبية فقط.

الحلقة الأضعف: يتوقع أن يكون اللاجئون والنازحون السوريون الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وتقول الأمم المتحدة إن عدد النازحين داخلياً في سوريا تجاوز الـ 6.5 مليون شخص، وأكثر من مليون مدني (معظمهم نساء وأطفال) يقيمون على طول الحدود مع تركيا في شمال غرب سوريا في العراء أو في خيام مكتظة أو في مخيمات مؤقتة.

يُعدّ الحصول على الماء النظيف أو الصرف الصحي محدوداً للغاية في تلك المناطق. أما في سائر أنحاء البلاد، وفي أماكن أخرى من البلاد، فلا يزال عشرات الآلاف محتجزين في ظل محدودية فرص الوصول إلى الرعاية الطبية، بما في ذلك 70 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في مخيم الهول شرق سوريا.

—————————————–

أسئلة عن الرعاية الاجتماعية والسلطوية/ عروة خليفة

بدأت معظم دول العالم اليوم بتطبيق إجراءات الحجر الصحي الكامل أو الجزئي على مواطنيها، لوقف تزايد أعداد المصابين بمرض COVID 19، الذي أصبح جائحة عالمية. وقد ساهمت هذه الظروف في فتح الباب أمام سياسات تحاول تَمثُّلَ أزمنة الحرب، بهدف تمرير إجراءات استثنائية في مواجهة تفشي العدوى، التي تضع العالم في حالة استنفار ربما تقود إلى نتائج بعيدة. مع ذلك، ليس مؤكداً تماماً أنّ النتائج ستكون بعيدة المدى فعلاً، ولا أنها ستتجاوز الاستثنائي على المستويات الاقتصادية والسياسية.

لكن هل شجّعت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد السلطويةَ فعلاً، وهل ستقود العالم إلى تبني نماذج مماثلة للصين التي يتم استدعاؤها كثيراً للحديث عن «قصة نجاح» في مواجهة الجائحة؟ تعتمد السلطوية كما في حالة الصين على مركزية شديدة في اتخاذ القرار، الأمر الذي سمح بتطبيق الإجراءات على نطاق واسع وبسرعة؛ ولكن هل كانت تلك الإجراءات صحيحة؟ وهل يمكننا القول فعلاً إنها أنقذت حياة الآلاف؟

علمياً، لا يمكن التأكد من ذلك حتى ظهور دراسات مقارنة دقيقة تتحدث بلغة الأرقام عن انعكاسات ذلك على مستوى النجاة من الإصابة بالمرض، لكن ما يمكننا قوله الآن هو أنّ السلطوية على النمط الصيني لا تسمح بإجراءات تتجاوز السلطة المركزية لمراعاة الاحتياجات الأكثر محلية، وهو ما يعني أنّ السلطوية ذاتها، التي يتم امتداحها لاتخاذها قرارات سريعة (يمكننا المحاججة أنّ السلطات ذاتها تأخرت لأسابيع في اتخاذ أي قرار)، قد تكون اتخذتها ببساطة بناءً على مصالح فئات معينة في المركز. مؤسس الصين الشيوعية ماو نفسه، قال «ليَجُع الريف كي تحيا المدينة»؛ لا أعتقد أن نخبة الحزب الشيوعي الحاكم اليوم، الذي يتبنى خليطاً أوليغارشياً من التصنيع الرأسمالي وحكم الحزب الواحد، يمتلك أفكار أكثر تسامحاً مع حياة الناس من ماو.

هناك جانب إيجابي في هذا النقاش بالطبع، إذ كان انسحاب الدولة من دور الرعاية الاجتماعية في المجتمعات الغربية، بشكل متفاوت عموماً، سبباً رئيسياً في تراجع القدرة على التخطيط العام واتخاذ الإجراءات على مستوى الدولة، وهو ما يستعيض عنه السياسيون اليوم باستخدام استعارة «الحرب»؛ الاقتصاد هو اقتصاد حرب، والدول في حرب على الفيروس كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو تشبيه استخدمه كل من الرئيس الصيني والرئيس الأميركي أيضاً.

في واشنطن، تمت الاستعانة بقانون التصنيع الحربي، وهو قانون يعود إلى فترة الحرب الكورية، ويسمح للحكومة بتوسيع وتنظيم الصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية. وقد يكون استدعاء هذا القانون في الولايات المتحدة، كمثال عن الاستعانة بسياسات الحرب في مواجهة الجائحة، أمراً مفيداً على صعيد تحليل هذا التوجه، إذ أنّ هذه السياسات تتضمن عدداً من التناقضات الرئيسية؛ أول هذه التناقضات هو أنّها تعود في معظمها إلى فترة الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة، أي أنها صُمِّمَت لمنظومة اقتصادية مختلفة عن اليوم، ذلك أن سلاسل التوريد والإنتاج اختلفت منذ تلك الفترة، وباتت تعتمد على التصنيع في عدة دول لا دولة واحدة. ومن التناقضات الأخرى أنّ سياسات الإغلاق قد تكون عقبة رئيسية في مواجهة القدرة على توجيه الإنتاج بشكل فعّال خلال الأزمة، إضافةً إلى أنّ التخطيط الحربي للإنتاج قد لا يكون قادراً على التكيف مع التقلبات التي يسببها انتشار فيروس كورونا المستجد، وهو ما يعني أنّ الانتقال المفاجئ إلى تخطيط مماثل للتخطيط الحربي قد لا يكون الحل الأمثل في مواجهة هذه الأزمة.

لا يملك السياسيون كثيراً من الحلول في الحقيقة، وهو ما دفعهم للانتقال إلى تلك الإجراءات، إذ أنّ التراجع في نموذج دولة الرعاية الاجتماعية، الذي كان يسمح بتطوير قدرات التخطيط والإدارة العامة، قد أضعف هذا الجانب إلى حد كبير، وهو ما قد يفسر المؤشرات الإيجابية للتعامل مع هذه الجائحة في البلدان التي احتفظت بنظام رعاية اجتماعية أقوى مثل ألمانيا والدول الاسكندنافية.

لم تصل الموجة الحالية من الجائحة إلى ذروتها على المستوى العالمي بعد، وهو ما سيفتح الباب أمام تغييرات في الصورة الحالية لتعامل الدول، وفي طرق تأقلم الاقتصادات المحلية والعالمية مع هذه الأزمة، وهي تغييرات ستكون أكثر جذرية، على نحو لا يمكن التنبؤ به، إذا ما شهدنا انتشار موجة ثانية من المرض في فترات قريبة، نتيجة تحولات جينية قد تطرأ على الفيروس المسبب له.

أما إذا كان التعافي كاملاً بحلول العام القادم، فإن ارتفاع نسب النمو الذي سيعقب هذا التعافي، نتيجة نمو الاحتياجات التي كان قد تمّ قمعها من فوق في سياق إجراءات مواجهة الجائحة، سيقدم فرصة للعالم لتجاوز آثار كورونا، لكن ليس من دون أسئلة كبيرة حول مدى قدرة دول متقدمة على إقرار سياسات عامة فعّالة، ومدى قدرة دول عديدة على التخطيط. ولكن بالقياس إلى أزمات أخرى واجهت الاقتصاد العالمي، فإن أحداً لن يتعلم من الدرس على الأغلب، ولن تكون هناك مراجعات حقيقية، خاصةً أن التوجه لاستدعاء مصطلحات الحرب بهدف مواجهة الوباء أصبحت مع الوقت سمة عامة للحكومات، دون مراجعة حقيقية لوضع أنظمة الرعاية الاجتماعية، التي كان يمكن أن تكون خط دفاع فعّال عن المجتمعات التي أصيبت بالشلل نتيجة انتشار الفيروس، وكان يمكن أن توفّر بديلاً عن التغني بسلطوية دولة مثل الصين.

ستحاول سياسات أزمنة الحرب، كما في كل الحروب، تغييب الضحايا من أجل مصلحة «عُليا»، أما الوضع الحالي الذي يعتبر أقرب للهزيمة في هذه الحرب، فإنه قد يشجع حكومات دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا على الاستعانة بتجارب سلطوية أخرى؛ خطاب عبد الناصر بعد هزيمة حزيران سيكون مفيداً للغاية بعد هذه الحرب.

موقع الجمهورية

—————————————–

هواء نقي ومستقبل ملوث/ غالية العلواني

لأعوام، لم تجد التحذيرات من أن البيئة سترد على سلوكيات البشر البشعة بطرق قاسية لا تعرف الرحمة سوى آذان صماء؛ إذ لا يهتم البشر سوى بالمكاسب الاقتصادية الموقتة.

للمرة الأولى، ربما في تاريخ البشرية بأسره، نشهد “حواراً عالمياً” حقيقياً. إذ يبدو العالم متحداً على جبهات متعددة، متآزراً لمواجهة موجات من الذعر والقلق والتشكيك. ومن بين الأسئلة الملحّة التي تخيّم على وعينا الجماعي، مسألة البيئة، فضلاً عن توقعات العلماء الذين أمضوا عقوداً باذلين قصارى جهدهم في محاولة جذب انتباه الجماهير، قبل أن تجتاح أسوأ الحالات المحتملة بنيتنا التحتية، غير المهيأة لمواجهة هذا التحول المفاجئ بوضوح. بيد أنه من المؤسف أن هذا الموضوع كثيراً ما يُتناول على هامش مفاهيم الإغاثة، المرتبطة بالأفكار الرومانسية التي تدور حول كوكب الأرض، الذي يلهث طلباً للهواء للمرة الأولى منذ زمن بعيد. وعلى رغم روعة ذلك، ربما يُشكِّل هذا إهداراً لفرصة سانحة لوضع الحديث عن هذا الفايروس في سياق أكثر أهمية، بوصفه ارتكاساً مميتاً للسلوك العنيف المدمر، الذي تعرضت له البيئة على يد الإنسان منذ عقود.

الصورة الأوسع

أعقبت ذلك جهود موحدة للبحث عن أخبار سارة في بحر من الأحزان، فيما تحاول الرسوم البيانية التي تُظهر انخفاض معدلات تلوث الهواء أن تكون بمثابة نوع من المهدئات. ولا يعني هذا أن هذه الاستنتاجات لا ترتكز على درب من التفاؤل الحقيقي، فقد شهدت الصين، التي تساهم سنوياً بنحو 30 في المئة من الانبعاثات العالمية، انخفاضاً كبيراً في أكسيد النيتروجين (الذي تطلقه محركات المركبات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية)، فضلاً عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري العالمي نتيجة لتباطؤ النشاط الاقتصادي. وسُجلت تأثيرات مشابهة من قبل مؤسسات، على غرار وكالة “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية في أوروبا والولايات المتحدة. ولكن هذا ليس كافياً للأسف، فضلاً عن أنه لا ينطبق على جميع الدول في مجمل الأمر.

قال سامي كايد، مدير التطوير في “مركز حماية الطبيعة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، لـ”درج”، “شهدت الكثير من المناطق انخفاضاً ملحوظاً في معدلات تلوث الهواء. ولكن في أماكن أخرى مثل لبنان على سبيل المثال، ليس بالقدر الكبير، نظراً لانتشار المولدات الكهربائية في كل مكان، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات تلوث الهواء بدرجة كبيرة، فضلاً عن أنها لا تتوقف بسبب استمرار أزمة فايروس كورونا”.

لكن انخفاض معدلات تلوث الهواء منذ بداية ظهور كوفيد-19 غير كافٍ، نظراً لعلاقته المباشرة بمعدّل الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس في المقام الأول. فمن المرجح أن تكون الظروف التي يُشتبه في أنها تزيد من احتمال الوفاة بسبب كوفيد-19، بما في ذلك مرض السكري وأمراض الجهاز التنفسي وارتفاع ضغط الدم، ربما تكون ناجمة عن- أو تفاقمت بسبب- العيش في مناطق ذات معدلات تلوث هواء مرتفعة. دراسة أجريت عام 2003 عن ضحايا مرض “السارس”، خلُصت إلى أن احتمالات وفاة المرضى المقيمين في المناطق التي ترتفع فيها معدلات تلوث الهواء، أعلى بنسبة 84 في المئة، مقارنةً بأولئك الذين يعيشون في مناطق ذات معدلات تلوث منخفضة. إضافة إلى أن المناطق التي تتركز فيها عوادم المركبات التي تعمل بوقود الديزل، يتشبع هواؤها بكميات كبيرة من أكسيد النيتروجين، والأوزون الأرضي أي الأوزون الضار الموجود في طبقات الجو القريبة من سطح الأرض، ما يؤدي إلى انخفاض شديد في جودة الهواء في المناطق الحضرية؛ وأشارت التقارير إلى أن ذلك يرتبط بوقوع ما يقرب من 400 ألف حالة وفاة في أوروبا سنوياً.

لم يكن تلوث الهواء القضية البيئية الوحيدة التي كانت موضع تجاهل كبير في الماضي، في سبيل تحقيق عوائد اقتصادية؛ فالآن بات من المعتقد على نطاق واسع، أن نشأة الفايروس المسبب لكوفيد-19 كانت في أحد “الأسواق الرطبة” في مدينة ووهان الصينية، كما يُعتقد أن المضيف الطبيعي للفيروس هو نوع معين من الخفافيش. كما نظم العديد من الناس حملات من أجل إغلاق الأسواق الرطبة في كل مكان، حيث تباع الحيوانات البرية بشكل غير قانوني، سواء كانت ميتة أو حية، مع وصف العلماء تلك المناطق بأنها “أرض خصبة للأمراض”. بيد أن هذه الظاهرة انبثقت باعتبارها جزءاً من مشكلة منهجية أوسع نطاقاً، تتمثل في التدخل البشري في الحياة البرية بصفة عامة، وبالتالي زيادة اختلاطنا بهذه الأنواع، وليس في سياق التجارة غير المشروعة، وحسب.

ناقشت دراسة أجرتها جامعة أوبرن، صدر عنها بحث بعنوان “تأثير التطور المشترك باعتباره العامل المحرك وراء زيادة الانتشار”، مدى ارتباط فقدان الموائل الطبيعية على نطاق واسع، نتيجة التدخل البشري بالأمراض المُعدية الناشئة، بما في ذلك الإيبولا والسارس. فكلما زاد توسع البشر في تطوير الحياة الحضرية على حساب الغابات وغيرها من موائل الحياة البرية، وهي عمليات تنطوي عموماً على حرق هذه المناطق أو تدميرها، كلما شهدت الحياة البرية في تلك المناطق تنوعاً سريعاً.

أوضح كايد ذلك قائلاً، “بمجرد أن تنتهي من تجزئة الغابات لأنك ترغب في توسعة أحد المدن إلى اليمين أو اليسار، تتشكل لديك هذه البقع الصغيرة من الموائل الطبيعية، وما يحدث هو أن النظام البيئي في هذه المناطق يبدو شبيهاً بالجزر الصغيرة إلى حد كبير”. وأضاف، “الكثير من الكائنات الحية تواجه على هذه الجزيرة الآن أنواعاً جديدة من الضغوط، إذ يختلف النظام البيئي الجديد عما اعتادت عليه في موائلها الطبيعية، فقد أصبحت الآن منعزلة للغاية. وربما لا يعيش المفترس ذاته في ذلك النظام البيئي، لذا تتوفر الآن أمام بعض هذه الكائنات مجموعة مختلفة تماماً من القيود والفرص، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عملية تطور سريعة، لا تؤثر في تلك الكائنات فحسب، بل أيضاً في مسببات الأمراض والفايروسات التي تتخذ من تلك الكائنات عائلاً”.

يعزز هذا بدوره تنوع الميكروبات المسببة للأمراض. ونظراً إلى ازدياد اختلاط البشر بهذه الأنواع بالفعل، نتيجة لتدمير مواطن الحياة البرية بطريقة أو أخرى، ارتفعت احتمالية انتقال الأمراض من الحيوانات إلى التجمعات البشرية. يعود السبب في ذلك إلى اضطرار الحيوانات إلى التأقلم مع مدننا بوصفها موطنها الجديد بعد تدمير موطنها الأصلي، وينطبق ذلك بوجه خاص على الخفافيش. تسلط الدراسة الضوء على مصطلح “تأثير التخفيف”، الذي يشير إلى أثر الحفاظ على الحياة البرية على صحة البشر، وهي فكرة ندركها ونقدرها جميعاً، فحتى الشخص العادي يدرك الآن أن 75 في المئة من الأمراض المعدية منبعها الحياة البرية.

قال كايد لـ”درج”، “كان هذا على الدوام أمراً متوقعاً تُثار التحذيرات بشأنه، أعني فكرة عدم الإمعان في التعدي على المساحات البرية وأنه علينا تبني نموذجاً إنمائياً مختلفاً، وذلك كيلا نتعرض لهذه المخاطر الهائلة المتمثلة في ظهور أوبئة كبرى، لأن فرص حدوث تلك الأوبئة تزداد كلما اقتحمنا مساحات الغابات ومزقنا المواطن الطبيعية للحيوانات”.

وفي سياق الحديث عن تحذيرات العلماء الملحّة التي تُقابَل بالتجاهل، كشفت تقارير جديدة عن تنبؤات بـ”فايروس شبيه بالفايروس المسبب لمرض سارس”، تسبق اجتياح كوفيد-19 للكوكب بنحو 13 سنة. فقد شبه الباحثون في جامعة هونغ كونغ ثقافة تناول الحيوانات البرية المنتشرة في الصين، بـ”القنبلة الموقوتة” التي تنذر بتفشي الفايروسات الشبيهة بـ”سارس”، وقاموا بحصر الاحتمالات في خفاش حدوة الفرس، الذي غالباً ما يكون مستودعاً طبيعياً لعدد كبير من الأمراض الناشئة.

 الطبيعة لا تعرف التمييز… لكن البشر يعرفون

لأعوام، لم تجد التحذيرات من أن البيئة سترد على سلوكيات البشر البشعة بطرق قاسية لا تعرف الرحمة سوى آذان صماء؛ إذ لا يهتم البشر سوى بالمكاسب الاقتصادية الموقتة. ولعل ذلك يوضح جانباً من طبيعة البشر وشعورهم بأنهم أقوياء لا يُقهرون، وقدرتهم على تجاهل المخاطر التي تلوح في الأفق وتهدد الوجود البشري. وقد أيقظت حالة التعطل العالمية الحالية الكثير منا، ممن اعتادوا على أنظمة كانت تبدو راسخة وكأنها حجر لا يتزحزح أبداً. كان ذلك بمثابة إهانة موجهة للبشرية جمعاء، وتذكيراً لنا جميعاً بأن الاستعدادات التي يتخذها البشر – بغض النظر عن مدى رسوخها- تتداعى وتنهار في مواجهة قوى الطبيعة التي تتجاوز قدرتنا على السيطرة.

ويوضح كايد ذلك قائلاً، “نعرف جميعاً ما يعنيه تلوث الهواء، وما يعنيه وجود سحب بنية اللون في سماء المدينة، وندرك جميعاً، أو على الأقل هؤلاء الذين يعيشون في نصف الكرة الجنوبي، ما يعنيه تلوث المياه. لكننا تعاملنا مع ذلك على أنه أمر طبيعي، على رغم أن الكثير من البشر يموتون بسببه. ثم دهمنا كوفيد-19 على حين غرة في صورة تهديد من الخارج، ودفعنا إلى ترك الاقتصاد ينهار، وإلى إعادة النظر في حياتنا اليومية، فجميعنا الآن عالقون داخل منازلنا، أعني أن هذا الفايروس أدى إلى الكثير من التغييرات الصادمة والخطيرة في حياتنا اليومية، لأن التهديد هذه المرة يثير الرعب بحق نظراً لغموضه”.

لكن سر قوة كوفيد-19 الكبيرة، يكمن في قدرته العجيبة على كسر الحواجز التي طالما قسمت بين البشر، ويكاد يمثل تغييراً مريحاً لمن عانوا من التهميش مطولاً. وهو تذكير بأن الطبيعة لا تميز بين البشر، وإنما البشر هم من يميزون بين بعضهم بعضاً. في الأسابيع الأولى لانتشار المرض، انقلبت موازين حرية التنقلات رأساً على عقب، والتي تُعد أداة قوية يدركها الكثير من سكان المنطقة العربية. لطالما كانت حرية التنقل في كل أنحاء العالم أمراً مسلماً به بالنسبة إلى أصحاب جوازات السفر المرموقة، الذين لم يتشكّكوا يوماً في قدرة جوازاتهم. لكن بعد أسبوع أو ما شابه من انتشار الوباء، ظهرت عناوين من قبيل “الدول الأفريقية تغلق أبوابها أمام أوروبا، وأميركا”، ربما تُفهم للوهلة الأولى على أنها محاكاة ساخرة. ويمكننا أن نجادل بأن الفايروس يفضّل الأشخاص من جنسيات أو طبقات اجتماعية تمكنهم من السفر والانتقال، لأن أجسامهم أتاحت له إحكام قبضته على العالم بأسره.

مع ذلك، من المهم أن نشير إلى أن العدوى لا تفرق بين الجنس أو الطبقة أو العرق أو النوع، لكن واقع الرعاية الصحية والحقائق الاقتصادية تفعل ذلك. في البداية، سرى إحساس بالراحة لدى من يعيشون تحت وطأة نظم قمعية، نظراً لأن وقائع الاحتلال القاسية التي مارسها ضدهم مضطهدوهم لم تصب الأغنياء وذوي السلطة وحسب، بل ساهمت أيضاً في حمايتهم من الوباء. فقد أصبحت الآن المدن العالمية المزدحمة كثيفة السكان، التي كانت سابقاً مراكز مترفة للتبادل الثقافي والاقتصادي المزدهر، بؤراً ساخنة لتفشي العدوى والوباء. في كل الأحوال، ليس هناك مهرب من الاعتراف بأن عداد الموتى سيرتفع كثيراً إذا تفشى المرض في المناطق الفقيرة، بسبب ضعف أنظمة الرعاية الصحية فيها وهشاشتها. دمشق بأكملها ليس فيها سوى 96 جهازاً تنفسياً اصطناعياً، ولا يحوي قطاع غزة سوى 60 سريراً للعناية المركزة، وتتصاعد حدة الكارثة إذا تحدثنا عن تجمعات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. هذا من دون أن نذكر كمّاً هائلاً من المشكلات الصحية التي تواجهها المناطق الفقيرة في العالم، لم يُسلط عليها الضوء لأنها لم تصب الأشخاص المهمين بعد.  

يصرّح كايد لـ”درج”، “نحن نواجه مشاكل بيئية وصحية كبرى أخرى لم تجذب مثل هذا الانتباه. إذ يموت 3.4 مليون شخص كل عام، بسبب الأمراض التي تنتقل عبر المياه. هذه نسبة صغيرة من الضرر الذي تُحدثه جودة المياه المتدنية. ثم لدينا 4.6 مليون شخص يموتون لأسباب ترتبط ارتباطاً مباشراً بتلوث الهواء. ولدينا مئات وآلاف الأشخاص يموتون لأسباب متعلقة بتغير المناخ. النقطة هنا هي أن هذه التهديدات البيئية الكبرى تقتل عدداً كبيراً من الناس، أكثر مما فعل فايروس “كورونا” المستجد حتى الآن، لكن لا أحد يعيرها اهتماماً لأنها مشكلات تصيب الضعفاء ومن لا يملكون السلطة، والمجتمعات المهمشة التي دائماً ما تجد نفسها في طليعة المتضررين من هذه المشكلات”.

الزخم

بينما نشعر الآن بخجل شديد من العلماء وخبراء البيئة الذين حذروا مطولاً من هذه الأخطار، ما الذي سيحدث تالياً؟ تناول الكثير من التقارير فايروس “كورونا” باعتباره رد فعل بيئياً، وهو رد فعل قد يعتبره أي ناشط بيئي مبرراً من الطبيعة. قد يبدو الأمر قاسياً نظراً لتراكم ضحايا تفشي الفايروس على نحو مأساوي، ومعظمهم من كبار السن، إلى درجة أنه لم يعد بوسعنا سوى أن نتصالح مع فكرة أننا لا نستحق دورنا في توجيه غضب المضطهدين. في كل الأحوال، قد يخرج البعض من هذه التجربة أكثر حذراً واستعداداً لسماع تحذيرات المجتمعات المعرفية، التي تعرضت للتجاهل كثيراً في ما يخص سياسات الحكم ووضع السياسات المالية، لكن البعض يخشى أن يعود العالم إلى عاداته القديمة بمجرد تطوير اللقاح، أو حتى إلى ما هو أسوأ.

صرح أحمد مراد، المستشار البيئي اللبناني، لـ”درج” قائلاً، “بمجرّد أن ينتهي وباء كورونا، ستعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران بأقصى طاقتها. فإن كانت المصانع تنتج مثلاً 50 ألف منتج في اليوم، ستضاعف هذا العدد، وستعمل بكامل طاقتها الإنتاجية”. 

إن لم يتغير شيء بسبب هذا الوباء، ستواجه الإنسانية أوقاتاً أصعب من هذه، وسيغير هذا الأمر شكل الحياة كما نعرفه اليوم إلى الأبد، ولن نكون بعيدين من ديستوبيا مستقبلية تتحقق على أرض الواقع. من الخطير للغاية أن نُرجع سبب هذه الأزمة إلى مجرد تفشي الفايروس، بل هي ناتجة عن مشكلة بنيوية متجذرة في تعمّد القوى العالمية نشر الجهل، بهدف تحقيق أرباح موقتة. لا يتطلب الأمر مجهوداً عقلياً جباراً لإدارك أن صحة تحذيرات العلماء والمتخصصين من تفشي الفايروسات بسبب جشع الإنسان في ما يخص الحياة البرية والمساحات الطبيعية، تعني صدقهم كذلك في التحذيرات التي وجهها آلاف منهم مراراً وتكراراً بخصوص التغير المناخي.

يقول نديم فرج الله، مدير برنامج التغير المناخي والبيئة في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، “ما أرغب في أن يضعه الناس في اعتبارهم عندما نفكر في مشكلة تغير المناخ، هو أن تداعياتها عالمية وتؤثر على الكوكب بأكمله، وكل ما أنجز حتى الآن لا يُعدّ شيئاً مقارنة بحجم الدمار والخراب الذي يمكن أن تسببه في شتى المجتمعات، من أكثرها ثراءً إلى أشدها فقراً. حالياً، بالنسبة إلى كوفيد-19، ربما يتوافر مصل له خلال فترة قصيرة، في غضون عام أو عام ونصف العام. لكن بالنسبة إلى أزمة المناخ هذه، فليس لدينا حل لها، وبمجرد أن تندلع فعلينا توديع كل شيء، ولا يمكن لأي قدر من المال أن يصحح الأوضاع. مثلاً ارتفعت درجات الحرارة للغاية في العام الماضي في الكويت لدرجة أدت إلى ذوبان الإسفلت، إذاً ما مقدار المال الذي يمكنك دفعه لإخماد ذلك اللهيب؟ أنت عالق في منزلك ولا يمكنك حتى الذهاب إلى عملك، وهذا هو جرس الإنذار الذي يجب أن يوقظ الجميع”.

أصبح نطاق الخسائر المالية التي تسبب بها كوفيد-19 جسيماً، فهو يزحف نحو جميع مستويات الدخل من الأعلى للأدنى، ما أدى إلى انهيار النسيج الاقتصادي وانزلاقه في دوامة مأساوية هوجاء. وشهدنا معركة مباشرة بين الفقر و”كورونا”، إذ رفض كثيرون تدابير الحجر الصحي بدافع اليأس المطلق، فما هي الخطورة من فايروس يسبق المجاعة؟ الموت مفجع في كل الأحوال بغض النظر عن سببه. وبالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي ترتبت على تفشي الفايروس، تصاعدت حالة من الإحباط بسبب غياب التدابير الاحترازية المالية. هل يمكن أن يكون هذا كله قد حدث فعلاً بسبب السعي إلى تحقيق ربح عابر؟ وبهذه التكلفة؟

يقول فرج الله، “الشيء الذي يجب علينا فعله بصفتنا أكاديميين، ربما يكون تصميم نموذج للأثر الاقتصادي… يُظهر فعلياً ما ستكون عليه التكلفة، من حيث عدد الوفيات والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، لكن الأمر الأساسي بالطبع، هو التكلفة المالية. إذا اطلعنا على ما ستكون عليه تكلفة العيش فحسب، في بيئة متغيرة وفي مناخ متغير مقارنة بالتكلفة التي سوف نتكبدها حالياً لوقف هذا التغيير، عندها سيكون الخيار الأخير هو ما يجب فعله تالياً. يجب أن يدرك الاقتصاديون ذلك”.

يضيف فرج الله، “إذا بدأنا صوغ هذه المسائل بواقعية، فقد يُحدث هذا أثراً… أجرت وزارة البيئة دراسة حول الانعكاسات الاقتصادية للتغير المناخي، وقالت إن خسائر الاقتصاد اللبناني الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ تكلفتها نحو ملياري دولار حالياً، بحسب تقديراتها، وستصل إلى 140 مليار دولار بحلول عام 2080”.

حالياً هو الوقت الأمثل للاستفادة من هذا الزخم وتغيير اعتمادنا على النظم الصناعية، علماً أننا لم نعد بحاجة إلى محاكاة مخاطر أسوأ الاحتمالات. ولا ينبغي أن يكون هذا التغيير سريعاً وموجعاً كما تطلب الأمر في حالة كوفيد-19، فبصرف النظر عن آثارها الوخيمة، توفر الأنظمة الحالية القائمة أساسيات المعيشة لكثيرين، قوتهم الذي طالما انتزعوها من أيديهم بالقوة.

يُعقب كايد قائلاً، “فقد كثر حالياً أعمالهم وباتوا ينفقون من مدخراتهم في محاولة للصمود، لكن لا يوجد تلوث في الهواء، أليس هذا صحيحاً؟ لهذا أؤمن حقاً بهذه الأسباب المختلفة التي تدعو إلى تضافر الجهود، التي عليك معالجتها في الوقت ذاته”.

يضيف كايد، “إذاً، توجد سبل لإجراء تحول خلال هذه الفترة الحرجة، على مدار السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة… والقيام بتغييرات تدريجية في بعض المسائل، مثل تلوث الهواء وتلوث الماء وبقية المشكلات الرئيسية التي يسببها الاقتصاد ويفاقمها في كثير من الحالات، لكن لا ينبغي أن يتم ذلك بالإكراه أو من خلال تلك الأساليب السيئة. ولمحاولة الحفاظ على الأمر أخلاقياً، يجب أن يتحقق ذلك بطريقة لا تسبب الضرر لكثير من الناس، يجب أن يتضمن الأمر هذا التخلي التدريجي عن تلك الممارسات والأوضاع التي تتسبب في هذه الأضرار، بطريقة تضمن بقاء الأفراد في وظائفهم”.

الأمر المؤكد هنا هو أننا أصبحنا ندرك بشكل شامل، نطاق الضرر الذي يمكن أن يلحقه فايروس تنفسي فتاك بالبشرية، إضافة إلى الضرر الذي يمكن أن يلحقه الانتشار الفتاك، بالقدر نفسه، للجهل ونبذ الأوساط المعرفية المعنية بجزء من تدابير الحكم. أصبح المواطن العادي يرى الآن بوضوحٍ تام، أن الأنماط “الترامبية” لأنظمة الحوكمة العالمية لم تكن يوماً ذات تأثير مباشر ومهلك أكثر مما هي عليه اليوم. ولم يعد يمكن تجاهل تلك التحذيرات بتراخٍ، أو تركها عرضة لأهواء من ليس لديهم ما يخسرونه.

درج

————————————–

كيف يصيب فايروس “كورونا” خلاياك؟

تقضي المضادات الحيوية على البكتيريا لكنها لا تجدي نفعاً مع الفايروسات. لذا يختبر الباحثون عقاقير مضادة للفايروسات من شأنها تفكيك البروتينات التي يصنعها الفايروس ومن ثم وقف العدوى.

“كورونا” 2 المتسبب بـ”سارس”

ينتشر الفايروس المسبب لمرض كوفيد-19 حالياً حول العالم. وهناك على الأقل ستة أنواع أخرى من فايروس “كورونا” يمكن أن تصيب البشر، ويسبب بعضها نزلات البرد الشائعة ويؤدي اثنان منها إلى تفشي المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “سارس” ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”.

مغطى بنتوءات حادة

سمي فيروس “كورونا” بهذا الاسم بسبب النتوءات الحادة البارزة من سطحه التي تشبه التاج. والفايروس موجود داخل فقاعة أو غشاء من الجزيئات الدهنية، التي تتفكك بمجرد ملامستها الصابون.

اختراق خلية ضعيفة

يدخل الفايروس إلى الجسم عبر الأنف والفم والعينين، ثم يلتصق بالخلايا الموجودة في الشعب الهوائية التي تنتج الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2). ويُعتقد أن الفايروس نشأ أصلاً في الخفافيش، فمن المحتمل أن يكون قد التصق بإنزيم مماثل.

إنتاج الحمض النووي الريبوزي الفايروسي

يصيب الفايروس الخلايا من خلال دمج غشائه الدهني بالغشاء الخليوي. وبمجرد دخوله إلى الخلية، ينتج “كورونا” القليل من مادة وراثية تسمى “الحمض النووي الريبوزي”.

الاستحواذ على الخلية

تحتوي الجينومات الفايروسية لكورونا على أقل 30 ألف حرف جيني أو “قاعدة نيتروجينية”. (بينما يزيد عددها لدينا عن 3 مليارات قاعدة). تقرأ الخلايا المصابة حروف الحمض النووي الريبوزي وتبدأ تصنيع بروتينات تسيطر على الجهاز المناعي وتساعد على استنساخ أعدادٍ جديدة من الفايروس.

تقضي المضادات الحيوية على البكتيريا لكنها لا تجدي نفعاً مع الفايروسات. لذا يختبر الباحثون عقاقير مضادة للفايروسات من شأنها تفكيك البروتينات التي يصنعها الفايروس ومن ثم وقف العدوى.

انتشار البروتينات

بينما تتطور العدوى، تبدأ آلية عمل الخلية باستحداث طفرات وبروتينات أخرى جديدة تشكل نسخاً إضافية من فايروس “كورونا”.

تجميع النسخ جديدة

يتم تجميع النسخ الجديدة من الفايروس وتنقل إلى الحواف الخارجية للخلية.

انتشار العدوى

يمكن أن تنتج الخلية الواحدة المصابة ملايين النسخ من الفايروس قبل أن تتحلل وتموت في النهاية. ربما يصيب الفايروس الخلايا القريبة، أو قد ينتهي به المطاف في القُطيرات الصغيرة التي تنجح في الخروج من الرئتين وتتناثر عبر الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بمرض كوفيد-19 أو يعطس.

استجابة الجهاز المناعي

تسبب عدوى مرض كوفيد-19 في معظم الحالات حمى للجسم، وذلك لأن الجهاز المناعي يحارب للقضاء على الفيروس. وفي حالات عدة، يمكن أن يبالغ الجهاز المناعي في رد فعله ويبدأ مهاجمة خلايا الرئة. يؤدي هذا إلى انسداد الرئتين بالسوائل والخلايا الميتة، ما يصعب عملية التنفس. يمكن أن تتطور العدوى في نسبة قليلة من الحالات إلى حد الإصابة بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، وربما الوفاة.

مغادرة الجسم

يمكن أن يؤدي العطس والكحة إلى تناثر القطيرات الصغيرة المحملة بالفايروس على الأشخاص أو الأسطح المحيطة، حيث يمكن أن يظل الفايروس نشطاً ومعدياً لفترة تتراوح بين ساعات وأيام. يمكن أن يرتدي المصابون الكمامات لتجنب نشر العدوى، لكن ليس من داع لأن يرتدي الأصحاء الكمامات إلا في حالة اعتنائهم بأشخاصٍ مصابين بالمرض.

لقاح محتمل للوقاية من الفايروس

يمكن أن يساعد اللقاح المرتقب الجسم في إنتاج أجسام مضادة تستهدف فايروس كورونا 2 المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) وأن يمنعه من إصابة الخلايا البشرية. يعمل لقاح الإنفلونزا بطريقة مشابهة، لكن الأجسام المضادة الناتجة عن لقاح الإنفلونزا لا تحمي الجسم من فايروس “كورونا”.

الطريقة المثلى لتفادي الإصابة بعدوى فايروس “كورونا” وغيره من الفايروسات تتمثل في الآتي:

 – غسل اليدين بالصابون.

– تجنب ملامسة الوجه.

– الحفاظ على مسافة معقولة (لا تقل عن متر) بينك وبين المصابين بالمرض.

– تنظيف الأسطح التي يكثر استخدامها بانتظام.

هذا المقال مترجم عن nytimes.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.nytimes.com/interactive/2020/03/11/science/how-coronavirus-hijacks-your-cells.html?fbclid=IwAR01pBosiaQn-8_TdiGsGe7GaARrsqbZnJO5Bo613S_uZ4MJ6NzEI926B38

درج

————————————-

——————————–

ألم ووحدة وخوف من الموت: مصابون بكورونا المستجدّ من أنحاء العالم يروون اختبارهم

باريس: يخيّم الموت على المستشفيات والقلق على المنازل وكذلك الوحدة والرغبة بالمشاركة أو بالتغيير… مصابون بفيروس كورونا المستجدّ يروون لوكالة فرانس برس آلامهم ومخاوفهم، وقد فضّل بعضهم عدم الكشف عن أسمائهم الكاملة:

– الموت يخيّم على المستشفى –

روما – فابيو بيفيرالي، طبيب قلب إيطالي من سكان روما يبلغ 65 عاماً، أمضى 8 أيام “معزولاً عن العالم” في قسم العناية الفائقة والإنعاش في مستشفى بوليكلينيكو اومبيرتو أونو في روما، وهي عيادة طبّ أسنان تم تحويلها إلى مستشفى لمواجهة الأزمة.

وقال فابيو: “كنت أشعر بآلام غريبة كأن هناك قرداً على ظهري. هكذا وصف أحد المرضى لديّ العوارض التي شعر بها”.

وأضاف: “علاج الأوكسجين مؤلم والبحث عن الشريان الكعبري صعب. كان أفراد الطاقم الطبي يقومون بذلك مرتين في اليوم. لقد ساعدني واقع أنني طبيب لتحمّل الألم. كان المرضى الآخرون يائسين يصرخون (كفى، كفى)!”.

أُعطي مضادات للفيروسات، ضد الملاريا والإيدز وحتى عقار توسيليزوماب لالتهاب المفاصل.

وروى أن “الوقت الأصعب هو خلال الليل. لم أتمكن من النوم والقلق كان يجتاح الغرفة. تبدأ الكوابيس ويخيّم الموت”. وقال: “كنت أشعر بالخوف من أن أموت من دون أن أتمكن من الإمساك بأيادي أفراد عائلتي. كان اليأس يجتاحني”.

كانت أجساد أفراد الطاقم الطبي “مغطاة بالكامل، بما في ذلك القدمان واليدان والرأس. لم أتمكن من رؤية إلا عيونهم خلف الأقنعة الزجاجية. عيون فيها الكثير من العاطفة. لم أكن أسمع إلا أصواتهم. الكثير منهم كانوا صغاراً في السنّ، أطباء في الصفوف الأمامية. كانت لحظة أمل”.

– تغيير بعد المرض –

ووهان (الصين) – وان شونهو، صيني يبلغ 44 عاماً يعاني من ارتفاع ضغط الدمّ، هو مستثمر متزوج ولديه فتاة تبلغ تسعة أعوام: نُقل في 30 كانون الثاني/يناير إلى مستشفى ميداني في ووهان (وسط) حيث ظهر الوباء للمرة الأولى. تعافى بعد مرور 17 يوماً في المستشفى. وقد أمضى 14 يوماً في الحجر الصحي ينتظر أن يتلقى على هاتفه رمزا يؤكد أن صحته سليمة.

في المرة الأولى التي ذهب فيها إلى المستشفى وكانت حرارة جسمه مرتفعة، تمّ تشخيص إصابته بكوفيد-19، إلا أنه أُعيد إلى منزله مع مضادات حيوية لعدم توفر غرفة له. وقال: “كنت مرعوباً”.

تفاقمت حالته وبدأ بالسعال. أُدخل إلى أول مستشفى في 30 كانون الثاني/يناير.

تلقى علاجاً بالهرمونات لتخفيض حرارة جسمه، لكنه كان لا يزال يعاني من صعوبات في التنفس. كان هناك نقص في الأدوية فيما استخدم العاملون الصحيون أكياسَ نفايات لتغطية أحذيتهم.

في الرابع من شباط/فبراير، نُقل إلى أحد المستشفيين الميدانيين اللذين شُيّدا خصيصاً للمصابين بكورونا المستجدّ في ووهان. وقال: “لم أكن خائفاً، لكن كان هناك خوف بين المرضى”.

وأضاف: “اليوم أرى الأمور بطريقة مختلفة. أشعر بهدوء حيال كل شي، فعلاً هدوء. لقد وصلت إلى باب الجحيم وعدت. رأيت أولئك الذين لم يتعافوا والذين ماتوا. هذا الأمر أثّر فيّ كثيراً. لم أعد آخذ أي شيء على محمل الجدّ”.

– عوارض غير منتظمة –

جوهانسبرغ – كريستين، محللة جنوب إفريقية تبلغ 28 عاماً تعاني من تكهف النخاع الشوكي، ثبُتت إصابتها بكورونا المستجدّ في 20 آذار/مارس: لم يتمكن صديقها داوي وهو محام جنوب إفريقي يبلغ 30 عاماً وصحته جيدة، من إجراء الفحص لأن “النظام (الطبي) تحت الضغط”، لكن لديه العوارض نفسها. وهما يعزلان نفسيهما في المنزل في جوهانسبرغ حيث يعملان عن بُعد.

شعرت كريستين بأول عوارض بعد يومين من احتكاكها بزميلة لها مصابة وجاء الفحص ليؤكد الأمر. بعد ثلاثة أيام، أصبح داوي في الوضع نفسه. وتقول كريستين: “العوارض تتقلّب من ساعة إلى أخرى. تذهب وتعود، كأنها موجات. الأمر مختلف عن الزكام: هناك إرهاق وصعوبة في التنفس وضغط على مستوى الصدر. الطريقة الأفضل لوصف ذلك هي كأنكم على علو مرتفع ولديكم صعوبة في التنفس”.

يتساءل داوي أحياناً ما إذا كانا “يبالغان”، لأن “هناك أياماً نشعر فيها أننا بأحسن الأحوال. في اليوم نفسه، نرتعش (جراء الحرارة المرتفعة) وبعدها نشعر أننا تحسنّا. الأسوأ هو خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما واجهت صعوبة في التنفس وسألت نفسي ما إذا كان يجب أم لا الذهاب إلى المستشفى. شرح لي طبيبي كيفية معرفة ما إذا كان ينقصني الأكسيجين قائلا: “انظر ما إذا كان لون أظافرك تحوّل إلى الأزرق”.

– قلق في المنزل –

مولوز (فرنسا) – جميلة كيروش، ربة منزل فرنسية تبلغ 47 عاماً كانت عاملة نظافة في السابق، متزوجة ولديها ثلاثة أبناء يبلغون 6 و11 و19 عاماً: أُصيبت بكورونا المستجدّ في 17 آذار/مارس وعزلت نفسها في منزلها في مولوز في شرق فرنسا حيث يتفشى المرض كثيراً.

وروت لفرانس برس: “أُصبت بنوبة سعال. في اليوم التالي، تفاقم الأمر، فقدت صوتي وحاستَي الذوق والشمّ. عندما كنت أسعل، كنت ضعيفةً، ضعيفةً جداً. لم أجرِ الفحص لكن الطبيب شخّص إصابتي بالفيروس”.

وأضافت: “توسّلت لزوجي كي يأخذ إجازة لمدة أسبوع لكنه يعمل في ملحمة، فقال لي: +تخيلي إذا قام الجميع بذلك؟ لن يعود هناك طعام+”.

وتابعت: “في المنزل، أرتدي قفازات وقناعاً واقياً. لا ألمس الطعام. لكن اثنين من أبنائي يسعلان”.

واعتبرت أن “الأسوأ من كل شيء هو الفروض المدرسية. يضع أبنائي ضغطاً كبيراً على أنفسهم، يريدون أن ينجحوا في المدرسة. يعطيهم أساتذتهم فروضاً وكأن الوضع طبيعي. ابنتي البكر البالغة 19 عاماً تحضّر لشهادة الباكالوريا المهنية وأراها تبكي عندما لا تتمكن (من التركيز) ولا يمكنني أن أضمّها بين ذراعي ومواساتها ومساعدتها”.

وتابعت: “نفسيتي غير مرتاحة على الإطلاق. لا أكفّ عن البكاء، لا راحة، هذا الوضع يفوق قدراتي”.

– “يقظة اجتماعية” –

بوينوس آيرس – ماريسول سان رومان، عالمة اجتماع وطالبة أرجنتينية تبلغ 25 عاماً، أُصيبت بكوفيد-19 في 10 آذار/مارس أثناء عشاء وداعي في مدريد بعد إغلاق معهد “إمبريسا” حيث كانت تتعلّم، قبل عودتها إلى وطنها. وهي تخضع للحجر الصحي في منزلها.

في 12 آذار/مارس، عادت إلى بوينوس آيرس وبدأت حجراً صحياً إلزامياً فُرض على جميع العائدين من دول تفشى فيها الوباء. في اليوم التالي، ظهرت الأعراض الأولى. وروت: “كانت حرارة جسمي 40 درجة مئوية، كاد حلقي ينفجر، كنت أشعر أنني أتمزّق من الداخل”. وأضافت: “ما إن رآني الطبيب، أدرك أنني كنت على احتكاك بمصاب، لأنه كان هناك أشخاص في صفّي في الجامعة مصابين بكورونا المستجدّ”.

وقالت ماريسول إنها صدمت. “هذا الأمر لا يحدث، عمري 25 عاماً، أنا شابة، صحتي جيدة، هذا جنون”.

يتجنّب والدها البالغ 65 عاماً الاحتكاك بها فيترك لها الطعام أمام باب غرفتها. ينبغي عليها وحدها أن تتعالج من التهاب رئوي ناجم عن سعالها وقياس معدّل الأكسيجين في الدمّ. وقالت إن فترة المرض هي “وحدة، وحدة كاملة”.

انتشرت قصّتها وأجرت مقابلات كثيرة مع وسائل إعلامية. وقالت إنها تلقت إهانات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها عادت إلى البلاد فيما هي مصابة بالفيروس. لكنها قالت: “حاولت من جهتي أن أكسر الوصمة المقترنة بالمصاب بكورونا المستجدّ”.

وكتبت على حسابها على تطبيق “إنستغرام” أن دورها اليوم هو أن تكون شخصا لديه “يقظة اجتماعية”: “يقول للناس أن يصبحوا متيقظين لأن الأمر ليس مزحة وأن كونكم شبابا لا يعطيكم مناعة ضد شيء وأن كورونا المستجدّ ليس زكاماً”.

– “المصابة الأولى” –

باباهويو (الإكوادور) – لورينا مدرّسة إكوادورية تبلغ 33 عاماً، هي ابنة شقيقة “المصابة الأولى” في الإكوادور التي كانت عائدة من عطلة في إسبانيا واستُقبلت باحتفال عائلي جمع حوالي ثلاثين شخصاً في أواخر شباط/فبراير في المدينة الواقعة في جنوب غرب البلاد.

وروت لورينا: “خالتي لم تذهب إلى أي مكان. لم يكن لديها وقت. عند وصولها، لم تكن بحال جيّدة، قالت لنا إنها تشعر بأن حرارتها مرتفعة أثناء الرحلة وإن الكثير من الناس كانوا يسعلون” في الطائرة.

في 22 شباط/فبراير، نُقلت الخالة البالغة 71 عاماً إلى مستشفى في غواياكيل، بؤرة الوباء في الإكوادور. وبعد أسبوع ثبُتت إصابتها وتمّ عزل أقربائها وإجراء الفحوص لهم. في الأول من آذار/مارس، رأوا على التلفزيون وزيرة الصحة كاتالينا اندرامونو -التي أُقيلت من منصبها مذاك- تعلن عن خمس إصابات في مؤتمر صحافي. وتقول لورينا في إشارة إلى هذه الإصابات الخمس: “هم نحن!”، مضيفةً: “علمنا بالأمر عبر التلفزيون من دون إعلامنا” مسبقاً.

في 13 آذار/مارس، توفيت الخالة. وأصيب حوالي عشرة أفراد من العائلة بينهم لورينا التي تعافت لاحقاً. لا يعرف أحد فعلاً كيفية معالجة المرضى المعزولين في منازلهم. الأطباء “يقولون لي: قومي بقياس ضغط الدمّ لهم، بنفسك+ ويرفضون لمس أهلي”.

(أ ف ب)

———————————

هل تهدأ النزاعات؟/ غازي دحمان

يقول المنطق إن غزو فيروس كورونا جميع بقاع الأرض، وحالة الاستنفار التي فرضها على مختلف المجتمعات، لا بد أن يصرفا الأطراف المتخاصمة عن الحروب والمنازعات، إلى حين تجاوز هذه الأزمة وانتهاء الجائحة التي تتهدّد المجتمعات البشرية من دون تمييز. وكما تعطّلت أهم مناحي الحياة على مستوى العالم، فإن المَدافع لا بد أن تتعطّل إلى أمد غير معلوم، فمن لديه القدرة على خوض الصراعات وكورونا قد أوقفت الحياة؟

ويقول المنطق أيضاً إنه لا أحد، في العالم، دولة أو نظاماً سياسياً أو فرداً حاكماً، يملك ترف التفكير في المشاريع الجيوسياسية والمسائل السلطوية، في ظل انكشاف محدودية قدرة جميع الفاعلين الدوليين على مواجهة الجائحة التي، حتى اللحظة، خلخلت بنيان العولمة، وأسقطت الأمان الزائف الذي عاشت البشرية في ظله، منذ ما يزيد على قرن، والمستند إلى شعار أن التقدّم العلمي، والطبي منه، قد قضى نهائياً على الأوبئة الجماعية، ولم يعد لها وجود إلا في كتب التاريخ، كالطاعون والكوليرا والإنفلونزات بمختلف أنواعها.

لكن، ما هو أهم من ذلك، والذي يجعل من مسألة وقف النزاعات قضيةً بدهية، لا تحتاج حتى لنقاش، وتمنيات من أعلى المستويات الدولية، كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم، والتفرّغ للحرب ضد وباء كورونا العالمي، أن البشر الذين أنهكتهم الحروب، في مناطق النزاعات، يحتاجون لترتيب أمورهم لمواجهة الحرب البيئية الطارئة، كذلك فإن الأنظمة والحكومات لديها استحقاقات داهمة، من نوع تأمين الدواء والغذاء والماء لشعوبها، لتوفير الحد الأدنى من إمكانية تجاوز الأزمة بأقل قدرٍ من الخسائر، وإن كل طاقاتها ستتوجه بهذا الاتجاه، وليس لديها طاقاتٌ فائضةٌ تصرفها في مجالاتٍ أخرى، إذا كانت الدول المتقدّمة، والتي لديها إمكانات هائلة تستنجد العون في مواجهة الأزمة، فما بالك بدولٍ أنهكتها النزاعات ودمّرت أرصدتها وطاقاتها؟ ثم من أين ستأتي الأطراف المتصارعة بمقاتلين، لديهم طاقة وحماسة للقتال، فيما الوباء يهدّد عائلاتهم وذويهم؟!

وحتى بمنطق الحسابات السياسية البسيطة، يفترض أن تظهر جميع أطراف النزاعات ميلها إلى التهدئة والسلم، من منطلق استثمار الأزمة للحصول على فوائد سياسية من مجتمعاتها وخصومها على السواء، والظهور بمظهر الحسّ بالمسؤولية تجاه أزمة أرعبت المجتمعات البشرية وأربكت حياتها، وهي بحاجةٍ للإحساس بالأمان والدعم النفسي لعبور هذه الأزمة.

ولكن هذا المنطق يبدو نظرياً، وحتى ساذجاً، بالنظر إلى الوقائع الجارية في ساحات النزاعات، أقله في منطقة الشرق الأوسط. ففي ليبيا انهارت الهدنة التي سُمِّيَت هدنة إنسانية، وعاودت الأطراف لعبة الحرب على جثة بلدٍ مزقتها حروب الآخرين، وعاد الداعمون للحرب إلى نشاطهم الاعتيادي، بدعم أطراف الصراع، وكأن لا وجود لأزمةٍ اسمها كورونا؟ وفي سورية، تتجهز الجبهات لحربٍ جديدة في إدلب، وترصد التقارير الدولية تحشيد آلاف من عناصر المليشيات الإيرانية استعداداً لحرب قادمة! وكذلك في اليمن تسير الأمور إلى مواجهة حتمية بين أطراف الصراع.

لا يوجد تفسير منطقي لذلك، سوى أنه، في بلاد الأزمات، لا صوت يعلو على صوت المدافع، ولا تأجيل لخطط عسكرية، في هذه البلاد التي أصبحت الحرب مقدّسة لذاتها، ولم يعد ثمّة قيمة لشيء آخر، خصوصاً إذا كانت النزاعات تتغذّى من قنوات الأحلام السلطوية والجيوسياسية، حيث تقبع الشعوب وأوجاعها في ذيل قائمة أولويات اللاعبين الذين يقدّرون أن أي تأجيل لأجندة المعارك سينعكس سلباً على مشاريعهم، ويكسر المسار التصاعدي لإنجازاتهم الحربية.

وفق ذلك، تجد هذه الأطراف أنها أمام فرصة ثمينة، لا يجب أن يفوّتها العقل السياسي المحنك، ذلك أن أزمة كورونا ستخفّف، بدرجة كبيرة، من اهتمام وسائل الإعلام الدولية، في النزاعات العالمية، كذلك إن الدبلوماسية الدولية لا وقت لديها لمتابعة ما يحصل في ساحات نزاعٍ أرهقتها متابعتها على مدار السنوات السابقة، وهنا مكمن الخطورة، إذ من غير المستبعد لجوء أطراف

النزاعات إلى استخدام أساليب وحشية لتحقيق النصر على الخصم، في ظل انشغال العالم بتعداد ضحايا الأزمة، وانهماك الفاعلين الدوليين في معالجة أزماتهم الداخلية التي أنتجها تداعيات كورونا، التي لا يبدو وجود أفق واضح لانتهاء تداعياتها، وغير معلومٍ حجم الضرر الذي ستخلفه على البشرية.

من هنا، على المسؤولين الدوليين، بحجم الأمين العام للأمم المتحدة، عدم الاكتفاء بالأمنيات التي لن تؤثر كثيراً بماكينة حرب المشاريع السلطوية والجيوسياسية، بل هناك حاجةٌ ملحّة لاستصدار قرار من مجلس الأمن ملزم، بمنع شن الحروب ووقف كل العمليات العسكرية، واعتبار أن أي هجوم سيعتبر نوعاً من جرائم الحرب في ظل هذه الظروف، من دون الحاجة للبحث عن أدلة ومماحكات.

ويجب إجبار روسيا على الموافقة على قرارٍ كهذا والخضوع له، في وقتٍ تحاول بيع أوروبا مواقف إنسانية عبر ما تقدّمه من مساعدات طبية إلى إيطاليا المنكوبة بوباء كورونا، من دون انتظار عوائد سياسية، على ما يزعم إعلامها وساستها، وهذا تصرّف يجب الحذر منه، إذ ليس خافياً مساعي روسيا في استقطاب إيطاليا خارج الاتحاد الأوروبي، والظهور بمظهر الطرف الدولي المسؤول الذي لن تؤثر في صورته حربٌ يشنها على “المتطرّفين” في سورية أو ليبيا، فيما المنطق يستدعي أن تظهر روسيا شيئاً من إنسانيتها المزعومة تجاه ملايين المشرّدين على الحدود التركية الذين لا يملكون أبسط وسائل الوقاية من كورونا، الماء والصابون.

العربي الجديد

——————————-

لاجئون سوريون في فرنسا يتذكرون «الزنازين المنفردة» في بلادهم ليموج (فرنسا)/ رنا حاج إبراهيم

لم تتغير أوضاع اللاجئين السوريين بفرنسا بعد انتشار فيروس «كورونا»، ذلك أنهم وصلوا قبل سنوات واعتادوا أسلوب الحياة في هذه البلاد الأوروبية. لكن الإجراءات التي فرضتها السلطات الفرنسية ذكرت بعضهم بسنوات الاعتقال في سوريا مع اختلاف الظروف. ويقول طلال مصطفى لـ«الشرق الأوسط» إن أوضاع السوريين في مدينة ليموج «تختلف عن الوضع في سوريا، خاصة أن اللاجئين يلتزمون بالتعليمات والقرارات الفرنسية، والتي تُنشر في القنوات والصحف، ومؤسسات البلدية. ونحن نذهب ساعة أسبوعياً لشراء منتجات غذائية، كما أن بإمكان أبنائنا اللعب بحديقة لفترة ربع ساعة، وبذلك يكفينا ما نتسوقه لشهر».

وأضاف: «المهم هنا من إنترنت وكهرباء وتلفاز يكفي، خاصة ما يهم بالتواصل مع أهلي، وقراءة كتب، والبدء بكتابة قواميس كقاموس اللهجة من السلمية، ومواضيع كالتراث الساحلي والحوراني، واللهجة العامة. وأيضاً التواصل مع مراكز بحوث، كما تتواصل زوجتي مع أستاذة كل طفل من طفلينا لمعرفة واجباتهم ودروسهم مرة واحدة كل أسبوع. ومشكلة اللاجئين السوريين الحقيقيين، عند مكالمتهم مع أهلهم في بلادنا، بقاء العائلة السورية دون طعام أو حتى خبز، وحصولهم على ربطة خبز واحدة بعد انتظارهم طوال النهار».

إلى ذلك، تحدث مصطفى عن اعتقاله ست سنوات في سوريا خلال حكم الرئيس حافظ الأسد وعن «تسببها بأعباء نفسية وصحية، وخاصة عندما يكون المعتقل في (زنزانة منفردة) معتمة، وهذا ليس مجرد حجز للحرية، وإنما هو انقطاع عن الحياة البشرية، خاصة أن مساحة الزنزانة المغلقة لا تكفي لشخص طويل كي ينام أو يجلس كما يجب… هذا بالإضافة إلى جولة من التعذيب المختلف، والتي تقام يومياً في الليل، الأمر الذي يوصل السجين إلى حافة من الموت الأكيد… كما أن زيارات العائلة للمعتقل – مهما كانت طائفته – ترتبط بالـ«واسطة» والتي قد تكون مرة خلال شهر فقط، أو مرة كل أربعة أشهر.

وأوضح: «لذلك لا توجد أوجاع هنا في فرنسا، ومشكلتنا فقط بتأجيل مواعيد الأطباء لفحص العيون أو الصدر، وهذا ليس مهماً. وما يهمنا أن أهلنا لا يجدون ربطات الخبز بسهولة في الأفران السورية».

من جهته، قال محسن الموجود في فرنسا إن: «الاعتقال في زمن بشار الأسد مختلف، خاصة أن (سيزر) الذي وثق 55 ألف صورة لمعتقلين سبق وقتلوا تحت التعذيب، يختلف عن الهرب من سوريا، ومن أصبح نازحاً أو لاجئاً. والحياة في أوروبا – وفرنسا خصوصاً – من أفضل أنواع الحياة الإنسانية، وأريحها قانونياً ومعنوياً. رغم أن بعض القرارات القانونية تحتاج لوقت، لكنها ليست متعبة، ورفع المعنويات للاجئين يتم عبر الرحلات الرخيصة والمخيمات وغيرها».

أما ناصر، المقيم قرب باريس، فيرى أن اللاجئين السوريين: «لم تتغير حياتهم كثيراً، فالخدمات الأساسية موجودة، وهم يقضون أوقاتهم في الحديث مع أهلهم وأصدقائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانتهت مشاكلهم القانونية التي تعتبر – بالنسبة لهم – شهادات إقاماتهم، وما زالت المساعدات الاجتماعية مستمرة، خاصة أنه هنا – في فرنسا – لا توجد أعمال كثيرة. فنسبة البطالة مرتفعة، وبعد إنهاء طلبات اللجوء، تبين وجود كثير من دول أخرى وليس فقط من سوريا والعراق أو اليمن».

وأضاف ناصر أن «المشاكل الأساسية تكمن لدى من ليس لديهم إقامة في فرنسا، ولا مصادر دخل لديهم، ولا حتى لمساعدات الاجتماعية. ويعمل معظمهم عن طريق (السوق السوداء) في التعمير والبناء أو المطاعم، أو تصليح السيارات، وبأسعار بخسة. وبالطبع توقف عملهم الآن بسبب الفيروس».

السيدة رزان المقيمة في ليموج تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أكثر ما يزعجني هو ذكريات بيتي الذي هدم بريف دمشق، وأرسلوا لي صوراً لسرقته بعد الدمار، وما لا أستطيع نسيانه طائرات «الهليكوبتر»، وأصوات القصف. ورغم أن أولادي يعذبونني لوجودهم حالياً في المنزل ودراستهم عن طريق الإنترنت، لكني أتمشى من أجل الرياضة والشمس لأنسى تعب الحياة، أو لأركب بباص وأفكر، لأن خدمة هذا الباص أصبحت مجانية الآن».

الجدير بالذكر أن كثيراً من المسؤولين الفرنسيين سبق وتحدثوا عن ضرورة «تأمين السكن اللائق للفرنسيين الشباب، ولكل العائلات الموجودة في فرنسا، لرعاية صحتهم وتأمين الطعام والماء لهم، والعناية الطبية اللازمة في الوقت الأنسب، كالممرضات أو الأطباء، إضافة إلى حماية الجزر التابعة لفرنسا من الفيروس}.

————————————–

كوفيد-١٩: الانعكاسات المحتملة على دور إيران في سوريا؟/ علي حسين باكير

مع تفشي فيروس كورونا (كوفيد-١٩) وتحوّله إلى وباء، طالب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيرش بإعلان وقف دولي لإطلاق النار في جميع مناطق النزاع حول العالم وذلك لحماية المدنيين وإتاحة الفرصة للتركيز على جهود مكافحة واحتواء الوباء على اعتبار أنّ المدنيين في أماكن النزاع وفي الدول الهشّة هم أكثر الفئات عُرضة لمخاطر الإصابة بالفيروس ويجب إعطاء جهود حمايتهم أولويّة في هذه الظروف الاستثنائية بالذات.

استجابت عدّة دول لطلب الأمين العام وأعلنت وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد أو جمّدت عملياتها العسكرية أو سحبت قواتها من أماكن النزاع في مناطق مختلفة حول العالم. في منطقة الشرق الاوسط على سبيل المثال، قامّت عدّة دول غربية بسحب جنودها وتقليص قواتها كما فعلت فرنسا وبريطانيا، كما اتّجهت دول أخرى إلى تقليص تحرّكات قواتها إلى أدنى حد ممكن كما فعلت تركيا في سوريا، بينما أعطت واشنطن تعليمات بتطبيق نظام الحجر أو العزل أو التباعد الاجتماعي لعدد كبير من أفراد قواتها العاملة في الشرق الأوسط.

وحدها إيران فقط من فضّل على ما يبدو أنّ يتعامل مع التحدّي الذي يفرضه وباء كورونا على أنّه فرصة ثمينة للدفع بالمصالح الجيو-سياسية قُدماً إلى الأمام من خلال التعزيزات العسكرية و/أو التصعيد العسكري في هلالها الشيعي الممتد من لبنان وحتى اليمن مروراً بسوريا والعراق. فبالرغم من أنّها تعتبر واحدة من الدول التي ضربها الفيروس بشدّة موقعاً عدداً كبيراً من الإصابات والضحايا في صفوف مدنّييها وسياسيّيها وعسكريّيها، فإن النظام أثبت مرارا وتكراراً بانّ أجندته الخارجية الإقليمية تحتلّ الأولوية ولو على حساب الشعب الإيراني ومصلحته وصحّته.

في مارس الماضي، قامت طهران بتصعيد ملموس للأوضاع الإقليمية، فهاجمت الميليشيات الموالية للحرس الثوري في العراق قواعد عسكرية تتمركز فيها قوات للتحالف الدولي لمكافحة “داعش” في العراق، فأوقعت عدداً من القتلى ما دفع الولايات المتّحدة للرد بقوّة على مواقع لهذه الميليشيات تلاها تحذير شديد اللهجة من الرئيس الأمريكي مذكّراً بالعواقب التي من الممكن أن تلحق بإيران. وفي لبنان، قام حزب الله بإرسال طائرة من دون طيّار باتجاه إسرائيل مُعيداً إلى الذاكرة شبح المواجهة. أمّا في اليمن، فقد قامت ميليشيات الحوثي بإطلاق صواريخ بالستيّة باتجاه السعودية.

فيما يتعلق بسوريا، فقد أوردت العديد من التقارير قيام الميليشيات الموالية لإيران بتجنيد حوالي ٩ آلاف مقاتل جديد من الطائفة الشيعية الشهر الماضي في كل من جنوب وشمال شرق سوريا مستغلة الظرف الاقتصادي الصعب لهؤلاء الشبّان والدعاية المذهبية والاتجاهات القوميّة المعادية لتركيا والولايات المتّحدة الأمريكية. أمّا الأمين العام لحزب الله الموالي لإيران في لبنان، فقد أعلن هو الآخر عن استمرار إرسال المقاتلين من ميليشياته إلى سوريا لافتاً الى أنّه سيتم فحص المقاتلين الذين سيتم إرسالهم للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس.

عملية التعبئة والتحشيد وإعادة التمركز هذه تأتي بعد الضربة الموجعة التي تلقتها الميليشيات التابعة لإيران في سوريا خلال عملية “درع الربيع” التركية في إدلب. ومن حسن الحظ أنّ هذه العملية كانت قد أدّت إلى تخفيف حدّة الصراع إلى أدنى مستوى مع التوصّل إلى تفاهم مع روسيا قُبيل اندلاع أزمة كورونا العالمية. وبالرغم من أنّ هذا الاتفاق كان قد ساهم في تخفيض عدد الضحايا من المدنيين في شهر مارس إلى أدنى حد له منذ اندلاع الثورة السورية، فإن هناك انطباعاً سائداً بأنّ هذا الاتفاق تكتيكي وأنّه لن يدوم طويلاً، وأنّ إيران ربما يكون لديها مصلحة كذلك في نسفه نظراً لاستبعادها من المفاوضات التي تمت بين الجانبين الروسي والتركي.

الجانب التركي أعطى تعليماته مُؤخراً بتقييد حركة الجنود الأتراك في أماكن العمليات في سوريا قدر المستطاع. وفي المقابل، فإنّ احتمالات لجوء روسيا إلى التصعيد الآن تُعدّ ضعيفة ليس بسبب الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا فحسب، وإنما بسبب انخفاض أسعار النفط بشكل هائل نظراً لحرب الأسعار المستعرة بينها وبين السعودية. الجيّد في الأمر أنّ وباء كورونا قد يعزّز من فرص نجاح الاتفاق التركي-الروسي ومدّ عمره، لكن السلوك الإيراني يوحي بأنّه ينظر الى الوباء باعتباره فرصة ثمينة لتعزيز دوره وموقعه على الأرض بانتظار انتهاء المعركة مع كورونا.

هناك من يشير  أيضاً إلى أنّ روسيا تريد هي الأخرى استغلال الوباء للدفع بأجندتها العسكرية في سوريا ليس من خلال العمل العسكري وإنما من خلال تعزيز دورها في أجهزة الدولة. خلال السنوات القليلة الماضية، برز خلاف روسي-إيراني حول إعادة هيكلة الجيش السوري وموقع ودور الشخصيات المحسوبة على الطرفين داخل أجهزة نظام الأسد.

انتشار الوباء في سوريا عبر إيران وميليشياتها قد يوفّر الذريعة المناسبة لموسكو لتعزيز الفصل بين القوات الموالية لها وتلك الموالية لإيران بحجّة العزل أو الحجر، ويطلق يد موسكو بشكل أكبر في السيطرة على المواقع الحساسة. 

لكن في المقابل، إذا صحّت هذه المعلومات، فقد يكون تأثيرها تكتيكيا، وقد يؤدي في المقابل الى تعزيز ولاء القوات المحسوبة على إيران للحرس الثوري. بغض النظر عن هذه الجزئية، إلا أنّ الواضح من خلال التحركات الإيرانية أن لا شيء يوقف أجندة إيران التوسّعية بما في ذلك الوباء!

تلفزيون سوريا

——————————–

تعرية النسق الثقافي في حرب كورونا/ علي حسن الفواز

إذا كانت نهاية الحرب الباردة قد أنهت حرب الأيديولوجيات، فما الذي ستُنهيه «حرب كورونا»؟ وهل سيجد المثقف الغائب عن الشأن العام فرصة ذهبية لاستعادة دوره في نقد المركزيات الكبرى؟

تبدو هذه الأسئلة مُبررة في ظل وقائع الجائحة، التي تتضخم يوما بعد يوم، وتضع العالم إزاء متغيرات من الصعب السيطرة عليها، حيث تتفكك أنساق قديمة، وتُحذَف أوهام كثيرة، وتحضر أسئلة أكثر رعبا، وحيث يبحث المثقف عن وظيفة لائقة، تُخلّصه من لعبة المراقب البارد، والناقد اللجوج، وصاحب البرج العالي، لتضعه عند عتبات ساخنة، هي الأقرب للطهرانية، أو ربما للفلسفة، أو للنقد الثقافي الجديد، حيث البحث عن ما وراء النسق المفضوح، والنص العاري، وحيث لا مجال للحديث عن السياق الرومانسي، والثوري، ولا عن الأيديولوجيا، ولا حتى الاستعانة بها للتحليل، أو للقياس، أو لربط الحوادث بمرجعيات الهيمنة والصراع الطبقي، أو برعب ما تركته الإمبريالية البشعة من نقائض وهزائم وخراب كان ضحيتها إنسان الهامش، التي جعلت منه كورونا وجها آخر لفرضية هيمنتها، حدّ أن سمّاها سلافوي جيجك بأنها» أعلى مراحل الإمبريالية».

الإمبريالية اليوم مُهددة بضياع نصها المركزي، فهي بلا أسواق حقيقية، وبلا مصارف كبرى، وبلا دور باذخة للأزياء، ولا رهانات كبرى لكرة القدم، اتحادها الأوروبي بدا هشاً وضعيفا وشائهاً، لا يملك حتى القدرة الكفائية لإعادة تنظيم نظامه الصحي، والسيطرة السريرية على وبائية كورونا، مثلما فقدت دوله كثيرا من هيبتها البورجوازية، ومن قدرتها على فرض سياساتها، وديونها على الفقراء والمحتاجين، أو على الدول المتورطة بالحروب العدمية.. وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية – سيدة الإمبريالية- أخذت تتساوى مع الآخرين تحت يافطة أضحوية رعب كورونا، فمرضاها تجاوزوا مُصابي الصين، وسياساتها آخذة بالقلق والاضطراب، ورغم أنها لم تفقد مركزيتها بعد، ولا غرورها الطبقي وعنجهية رئيسها، لكن واقع الحال سيجعل لعبة السياسة والاقتصاد أمام جائحة اللامتوقع، حيث الكساد، ورعب الفقدان، الذي سيجعل منها مكشوفة الجهات، وطاعنة في حروبٍ لا أسماء لها، وعند أعداء لا وضوح لهم.

المثقف والميثولوجيا

فشل العالم المتحضّر في التصدّي لكورونا، افترض تداولا قلقا وشائها للمفاهيم الكبرى، وللقيم المتعالية التي ظلت الإمبريالية ومنذ عقود تُبشّر بها، وتفرضها بالقوة على الآخرين، بما فيها مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة والفردانية والخصوصية والتجارة الحرة، التي دخلت كأدوات في السياسة والاقتصاد، وفي النظام الصحي والاجتماعي، وفي صراع الأدلجات، وفي الحرب الباردة، وفي سرديات تغيير أنماط السلوك والاتجاهات والقيم العامة، وفي سياسات التطهير العرقي والثقافي الذي مارسته الأجهزة المخابراتية، والشركات العابرة للقارات، التي أسهمت في محو أنظمة متعددة في العالم، لأنها ذات سمات يسارية، ومحكومة من جماعات تقوم ثقافتها على رفض الهيمنة الإمبريالية.

المثقف العربي الخارج من هذه الصراعات والحروب، أصيب بصدمة العجز والهلع، والمحو، فلم تعد الذاكرة تسعفه، ولا التاريخ يُعينه، ولم تعد الحماية الماركسية تساعده على تحمّل أعباء الفقد الكبير، وانهيار الجغرافيا الأيديولوجية، وما عليه – وسط هذا الفقد- سوى الذهاب إلى الميثولوجيا، والتلذذ بسردية النسيان، وسرديات البطل المخذول، والعاشق المخصي، والماركسي الذي يتماهى وحيدا مع أشباح ماركس على طريقة «التوسير».

الذهاب إلى الميثولوجيا لا يشبه الذهاب إلى الأشباح حتما، لكنه يعني البحث عن بطولات أكثر شغفا بالتعالي، فاستعادة «كلكامش» تعني استعادة الديكتاتور، والحديث عن «أنكيدو» هو الحديث عن استعادة مشوشة لصورة المثقف المؤنسن، والضحية في آن معا، حيث الخروج عن الطبيعة وتوحشها إلى ثقافة اللذة والمعنى والكلام والجسد والحكاية والبطولة، كما أنّ العودة إلى الملك/ الإله «رع» قد تحمل معها شغفا للبحث عن القوة الطهرانية، حيث القوة العلاماتية للشمس والخلق والتعالي، وحيث تتحول الميثولوجيا إلى «قوة سردية» تقوم على استيهام صناعة الوجود والأفكار إزاء ما يتركه «الغزاة» من رعب تتكرّس فيه فكرة المحو، بما فيه محو الهوية والذات وخطاب الميثولوجيا ذاتها.

غزوة كورونا قد تشبه أي غزوة إمبريالية، فهي تقوم على «لعبة الفيروسات» السرية، وعلى المختبرات التي تشبه المعسكرات، أو الأسواق، ورغم تفكك مفهوم الضحية في هذه الغزوة، إلّا أنّ أغلب الضحايا العموميين سيكونون من «الفقراء» في أوروبا، الذين وثقوا بالإمبريالية، والبورجوازية، وبالنظام والصحي والرعوي، أو سيكونون من فقراء الشرق، الذين سيعانون من صعوبة شراء العلاج، رغم أن دولهم تفكّر بشراء المتعة والأسلحة أولا. الفقراء أو ضحايا كورونا العموميون ستظلّ ديونهم مفتوحة للإمبرياليين، الذين ستُنهي كورونا القدامى منهم، لتتركهم للإمبرياليين الجدد، الذين لن يتخلوا عن اللعبة، لأنهم سيصنعون حروبا وبنوكا وأسواقا وأجهزة مخابراتية وأتباعا، كما صنع أسلافهم، فالطغاة في العالم يتشابهون كثيرا في الحكايات وفي الزمان والمكان، بدءا من كلكامش وشهريار ونيرون وهتلر، وانتهاء بالجمهوريين أو الديمقراطيين أو بالجنرالات الجدد.

النقاد الثقافيون وكورونا

النقد الثقافي يحفر في النسق المُضمر، وفي مقاربة المسكوت عنه، وأحسب أنّ كورونا قد تحولت إلى أكبر فضيحة لهذا النسق، فهي عُريٍّ كوني، وتقويض للمركز الحضاري، إذ لم تعد الأنساق تستر أحدا، أو تُخفي فكرة أو معلومة أو موقفا، فالكلّ في اللعبة تشابهوا، والأقنعة باتت نوعا من الخديعة، بما فيها أقنعة اللغة والسيمياء، وهي ما جعلت النقاد في حيرة البحث عن وظيفة النسق الضائع، وعن رؤية تتجاوز لعبة كشف طلاسم ذلك النسق، وباتجاه من يرى العالم والنظام واللغة في مرحلة ما بعد الفضيحة، حيث يمارس الناقد القارئ وظيفة استعادة توازن الإنسان الذي سلبت الإمبريالية وجوده وأحلامه وخفايا جيوبه، أو أخذته الاشتراكية إلى أوهام مفتوحة من الصعب عليه ضبط مساراتها، أو أمام صراعات متخيلة، مسكونة بمراثي الرعب الطبقي، وبيانات النضال الذي يحتاج إلى توصيفات ومؤهلات تتجاوز عقدة الاستعماري والثوري الدائم والقومي العاطل عن خطاب الأمة، واليساري المشغول بأشباح أعداء ماركس.

الدخول القسري في حرب كورونا، يفترض أيضا، قاموسا ثقافيا جــــديدا، فالفيروس يشبه أيّ إرهابي، والحرب معه تتطلب استعدادا ناجعا للوقاية من أوهامه ومن شعاراته، مثلما تتطلب معرفة بأسراره الجينية والمعملية، فضلا عن معرفة صلته بـ«نظرية المؤامرة» التي تقول إن هناك نوايا لحربٍ بايولوجية تقف وراءه، وهــذه المعرفة هي جوهر النقد الثقافي، الباحث عن الأنساق الهاربة، والتناصات الخبيئة، التي قد تكون لها علاقة بنظريات مالتوس، وبتفريغ الأرض من «الكائنات الزائدة عن الحاجة» لا سيما أنّ كورونا يُصيب كثيرا الفئات الهشة، ومنهم كبار السن الذين يمثلون جوهر ذلك النسق المَعنْي.

٭ كاتب عراقي

القدس العربي

————————————–

عالم كورونا الكافكاوي/ عبد الباسط سيدا

الإشاعات التي تتخذ من موضوع جائحة كورونا (كوفيد 19) أكثر من أن تُحصى. منها ما تظهر في هيئة علمية، ومنها ما تأتي في صيغة نظريات المؤامرة، والقوى الخفية التي تتحكّم في العالم؛ ومنها ما تستند إلى المظلوميات، وغيرها كثير. .. والإشاعة عادة تنتشر بفعل توفّر عاملين أساسيين، ووجود التربة الخصبة القابلة بها، أو المساعدة على انتشارها. يتمثل الأول في الغموض الذي يحيط بالموضوع الذي تتمحور حوله الإشاعة. ويتجسّد الثاني في أهمية الموضوع بالنسبة إلى البيئة التي تنتشر فيها الإشاعات. وتتوقف مساحة دائرة الإشاعة على نوعية الوسط الاجتماعي الذي يتفاعل معها، ويساهم في إطلاقها، فهناك إشاعات على مستوى المجتمع المحلي، وأخرى على المستوى الوطني أو الإقليمي، وهناك إشاعات على المستوى الكوني؛ وهي سمةٌ يتميز بها عصرنا الراهن نتيجة العولمة، وتطوّر وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل النقل، وسهولة السفر. ومع ذلك، تبقى الأولوية لعاملي الأهمية والغموض، فطالما أن الموضوع الذي تتناوله الإشاعة هو على قدر كبير من الأهمية لوسط اجتماعي معين؛ وما دام الغموض يحيط بالموضوع في الوقت ذاته، فإن الإشاعات ستنتشر، نتيجة وجود استعداد لتقبّل تلك الإشاعات، والتعامل معها بوصفها تفسيراتٍ للقضايا الهامة الغامضة.

وإذا عدنا إلى بدايات التاريخ البشري، وجدنا أن الرغبة في الوصول إلى تفسيراتٍ مقنعةٍ بخصوص الظواهر الطبيعية المجهولة السبب في منظور التجمّعات الإنسانية الأولى؛ هذا إلى جانب أهميتها القصوى في حياتها، كانت تؤدّي إلى انتشار الخرافات والأساطير التي كانت تلبّي النزوع المعرفي لدى الإنسان في ذلك الحين، وهو النزوع الممتزج بالحاجة والخوف والعجز. وقد أسهمت مؤسستا السلطة، القصر والمعبد، باستمرار في توظيف الإشاعات، بل وفي صناعتها وتسويقها، وذلك في إطار جهودها للسيطرة على الداخل، أو للحدّ من المخاطر التي تمثلها القوى الأخرى المنافسة الطامعة، المحاذية لها في الجوار الجغرافي.

وفي العصور الحديثة، بات الإعلام السلاح الأمضى بيد السلطة السياسية التي استخدمته للتأثير في توجهات الناس وقناعاتهم، معتمدةً في ذلك على الإشاعات والسرديات التي تضفي عادة كل الصفات الإيجابية على مشاريع السلطة السياسية وتوجهاتها، وتقدّم، في الوقت ذاته، صورةً بغيضةً قاتمة للمعسكر الآخر المناوئ، الخصم. وموضوع كورونا في يومنا الراهن هو موضوع الساعة على جميع المستويات، المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية، فهو مهم لجميع الناس الذين ينظرون إليه بوصفه قضية حياة أو موت بالمعنى الحرفي للكلمة. والغموض إذ يهيمن على هذا الموضوع من جميع جوانبه، فيساهم هو الآخر في إطلاق الإشاعات، وانتشارها. فالأطباء لم يتمكّنوا حتى الآن من الوصول إلى تفسيراتٍ علميةٍ حاسمةٍ بشأن أسباب ظهور فيروس كورونا، وكيفية انتشاره، والمدة المتوقعة لاستمراريته، والتطورات التي يمكن أن تطرأ عليه. كما لم يتوصّلوا إلى علاج مؤكّد يقدم إلى ضحاياه، أو لقاح وقائي يُسلح به الناس لمواجهته، خصوصا الفئات المعرّضة لخطر الإصابة به، أو تلك التي لا تتمتع بقابلية مناعية كافية تمكّنها من مقاومة نتائجه. لذلك تكثر الإشاعات في كل المجتمعات، وفي جميع الاتجاهات، منها ما تتحدث عن مؤامرة أميركية أو صينية؛ ومنها ما تتحدّث عن غضب الطبيعة أو غضب السماء؛ ومنها ما تلتحف بالأساليب التقليدية والطقوس السحرية بأسمائها

المختلفة بحثاً عن الخلاص. واللافت في الموضوع أن الدول الكبرى نفسها قد أسهمت في تعزيز جانبٍ من هذه الإشاعات. إذا اتهمت الصين مباشرة الولايات المتحدة الأميركية بالتسبّب في انتشار الفيروس على أراضيها أولاً؛ وكذلك فعلت إيران. هذا في حين أن الرئيس الأميركي ربط بصورة غير موفقة بين الفيروس والصين، ليصبح الأخير، وفق تعبيره، صيني المنشأ أو الهوية.

وما يعزّز كثرة الإشاعات، وسرعة انتشارها في موضوع كورونا، هو بلوغ أهمية الموضوع وغموضه بالنسبة إلى البشرية كلها الذروة القصوى. ولن تكون هناك إمكانية للحد من انتشار الإشاعات، أو إيقاف عمليات تسويق الأخبار المزيفة من دون إحداث تغيير نوعي في أحد العاملين المذكورين، وهذا لن يتحقق من دون الوصول إلى علاج فاعل، يمكّن من السيطرة على الفيروس بصورةٍ تجعله أحد الفيروسات الأخرى المعروفة في عالمنا التي أصبحت جزءاً من الواقع المعاش، واقع تكيّف معه الجسم الإنساني على مر الوقت. وبالنسبة إلى عامل الغموض، لن يبطل مفعوله ما لم تقدّم رواية متكاملة، تمتلك المصداقية المعرفية حول أسباب وكيفية انتشار المرض؛ وهذا لن يتحقق من دون وجود تعاون شفّاف بين مختلف الدول، خصوصا الكبرى المتقدّمة منها، تلك التي تمتلك تقنيات الحرب البيولوجية، كما تمتلك قدرات إيجاد اللقاحات والأدوية الناجعة وتقنياته. ولكن المشكلة أن هذا التعاون غير موجود، بل هناك سعي من كل طرف إلى استغلال الموضوع لصالحه إعلامياً، وتسويق نفسه القادر على الإتيان بالمعجزات، مقابل اتهام الطرف الخصم بإخفاء الحقائق، والتسبب في استفحال الجائحة، والتلاعب بالأرقام الخاصة بضحاياه وآثاره. وفي المقابل، تحاول أنظمة دول أخرى استغلال الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى الداخلي، فتحت شعار مكافحة فيروس كورونا منحت أنظمةٌ عدة نفسها صلاحياتٍ واسعة، واتخذت إجراءات عديدة تهدّد حريات الناس عبر مراقبتهم، وجمع البيانات الشخصية حولهم؛ وذلك للالتفاف على المطالب المشروعة بضرورة وضع حد للفساد والاستبداد. وما مثال النظام المجري سوى البداية؛ فهناك أنظمة كثيرة في منطقتنا ستقتدي به، بل كانت الجائحة بالنسبة إليها نعمة مكّنتها من التخلص من الاحتجاجات، وأعطتها فرصة التراجع عن الوعود بالإصلاح، والحالتان، اللبنانية والعراقية، خير مثال، أما الوضع السوري فهو الكارثة بعينها.

وهناك زعماء عديدون حاولوا الاستفادة من نتائج استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تزايد شعبيتهم، وهي نتائج معروفة بمحدوديتها الوقتية، لأنها متأثرة إلى حد بعيد بواقع الهواجس التي تسيطر على الناس في زمن كورونا، وهي هواجس تذكّرنا بأجواء رواية كافكا “المحاكمة/ العملية”، حيث محاكمة غامضة يخضع لها شخص تم توقيفه لأسباب يجهلها، لا يعرف شيئاً عن التهمة أو التهم الموجهة إليه، ولا يعرف من هم القضاة والشهود. وتتقاطع هذه الأجواء، في أوجه كثيرة منها، مع الظروف التي يعيشها الناس راهناً. إنها أجواء سوريالية تثير رعب الناس الذين لا يعرفون كيف ومتى سيهاجمهم الفيروس المفترس، فهم يعتقدون أنه في كل مكان، ويتربّص بهم من جميع الجهات. وطبيعيّ، في هذه الحالات، أن يستسلم الناس للوساوس والمحاكاة والانقياد، وأن يبحثوا عن ملاذٍ يمنحهم شيئاً من الأمان. وغالباً ما يسلم الناس أمورهم في مثل هذه الحالات، ولو وقتيا، وبغريزة قطيعية، لمن يتصدّون لتحمل المسؤولية، أو لمن هم في موقعها أصلاً؛ وعادة ما يكون هؤلاء من الزعماء السياسيين الذين تُسلّط عليهم الأضواء، وترتفع شعبياتهم بعض الوقت، ولكن ما أن تم التيقن من عجزهم، أو عدم مصداقيتهم، حتى تنهار الشعبية في لحظات خاطفة.

ولكن أمام جسامة الأزمة الكونية الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، وانعكاساتها الكبرى على الاقتصاد العالمي، وعلى مختلف جوانب المجتمع، وحتى على حياة الأفراد الخاصة، فإن الباحثين في أشهر الجامعات والمراكز البحثية الطبية الموزعة في مختلف أنحاء العالم، في سباق مع الزمن، من أجل الوصول إلى لقاحٍ مناسب، وعلاج مفيد، لمواجهة الفيروس المتوحش؛ وتنقل المصادر عن هؤلاء أن هناك بوادر إيجابية مشجعة جداً. وإذا تحقق أمر من هذا القبيل فإن وتيرة الإشاعات الخاصة بكورونا ستنخفض تدريجياً، لتصبح مع الوقت جزءاً من الطرائف التي سمعناها عن الأوبئة السالفة، ونسمعها بكثرة اليوم هنا وهناك، والطرائف عادة تكون وسيلة يستخدمها الناس في أوقات المحن للتخفيف من الضغط والمخاوف.

وبالنسبة إلى الغموض الذي يحيط بسبب الفيروس، وسرعة انتشاره، فقد تقل حدّته مستقبلاً بفعل جهود الباحثين المهتمين، ولكن من المتوقع أن تظل أمورٌ كثيرة ذات علاقة بالموضوع في عداد أسرار الدول التي غالباً لا يُرفع الستار عنها إلا بعد مرور فترة طويلة، وربما تظل أسراراً إلى الأبد، لتكون باستمرار مادةً للتخمينات والإشاعات.

العربي الجديد،

————————-

في مسألة الصين ويوسّا/ معن البياري

أمّا وأن الحكم في الصين مستبدٌّ وشموليٌّ وقمعي، فذلك لا جدال فيه، ولكنه ليس غبياً أو أحمق، ولو كان كذلك لما صارت الصين بلد الإنجاز الاقتصادي المذهل، والتطوّر العلمي (والطبي) الكبير، والطموحات العالمية الكبرى تجاريا واستثماريا. ولكن ذاع، قبل أيام، أن السلطات الصينية أوقفت، أخيرا، بيع روايات الكاتب البيروفي (العالمي بداهةً)، ماريو فارغاس يوسّا (83 عاما)، في منافذ الإنترنت، وحجبت اسمَه من مواقع البحث في الشبكة العنكبوتية، بعد نشره، في مقاله نصف الشهري في صحيفة الباييس الإسبانية، أن دكتاتورية النظام في الصين مسؤولة عن انتشار وباء كورونا في العالم، وهو مقالٌ ردّت عليه سفارة الصين في البيرو، في بيانٍ اشتمل، للحق، على كثيرٍ من أوجه المحاجَجة القوية (اطّلع صاحب هذه السطور على نصّه)، وإنْ رمى اتهامات الكاتب الشهير بالسخافة. وليس من نعتٍ آخر لفعل المنع، إن صحّ، سوى أنه دليلٌ على حماقةٍ وغباء، فضلا عن قلّة عقلٍ فادحةٍ في الحكم في بلاد التنّين، لا تستقيم مع الإتقان المُعجز الذي يتّصف به أداء الدماغ الصيني في التخطيط والإدارة والتنفيذ في غير شأن.

ولمّا كان الأمر هكذا، فإن الخبر استوجب التثبّت منه، سيما وقد اغتبط به موقعٌ إلكتروني مصري تافه، واختار عنوان “الصين تشعل الحرب ضد الكاتب العالمي يوسّا بسبب كورونا”. تحرص على هذا التثبت، وفي بالك أن الدكتاتوريات يحدُث أن تُقدم على سخافةٍ من هذا الصنف، وحدث أن سلطات الصين منعت بيع رواياتٍ وكتبٍ معلومة، ولكن النقولات الكثيرة في غير وسيط صحافي عربي في شأن “منع” كتب يوسّا في الصين اعتمدت على خبرٍ غير واضحٍ في نسبتِه إلى أحد، وإنْ أفيد، أحيانا، بأن “الباييس” هي التي كتبت ذلك. وهنا لا بأس من بعض سوء الظن، فالصحيفة الإسبانية تستثمر في اسم صاحب جائزة نوبل للآداب، فتُواظب على نشر مقالاته (غير المقروءة كثيرا)، وهذه في أغلبها بين رديئةٍ وضعيفةٍ وعاديةٍ ومرتجلة، وفي المقال موضوع الغضبة الصينية بعضٌ من هذه النعوت (طالَعه صاحب هذا التعليق كاملا)، شرّق وغرّب في معلوماتٍ ذائعة (عنوانه .. العودة إلى القرون الوسطى)، وقد نُشرت في الصحافة العربية مقالاتٌ انتقدت الصين أرفع منه.

بإيجاز، الخبر غير صحيح إطلاقا، لم يتم شيءٌ في الصين بشأن روايات صاحب “الكلاب والمدينة”، فما زالت تباع في منصّات الإنترنت المختصة، ولم يجر عليها أي حظرٍ، وليس صحيحا أنها نفدَت هناك، وأن الصينيين تقاطروا لشرائها بعد المقال (!). وفي وسع من له أصدقاء يعرفون الصينية التيقن من هذا الأمر (كما فعل صاحب هذه السطور). وعجيبٌ حقا أن هذا الكاتب، الشديد اليمينيّة، والمتطرّف في رفعه لواء الليبرالية التاتشرية (شديد الإعجاب بريغان أيضا!)، مقروءٌ جيدا في الصين، بل إن نجله يقول، أخيرا، إن استقبالا طيبا حظي به والدُه في غير زيارةٍ قام بها إلى هناك. وبشأن نشر سفير الصين في البيرو بيانا مفصّلا ضد خمسة أسطر (فقط) في مقالٍ غير قصير في صحيفة، أخطأ في هذا أو لم يخطئ، صحّ كلامه عن احترام بلاده حرية التعبير أم لم يصحّ، فأمرٌ يخصّه. أما ما قد يخصّنا بعض الشيء، نحن في الإعلام العربي، فهو أن نعرف أن ماريو فارغاس يوسّا (وهو روائي شائق حقا) ليس حجّةً في الكلام عن الصين، ولا عن غيرها، بل لا أجازف في زعمي هنا إن من غير المستبعد أن يكتب مقالا، في وقت لاحق، يمتدح جهود الصين في الحدّ من انتشار كورونا، فالرجل مشهورٌ بتقلّب آرائه وتغيّرها (دعك من انتقاله من اليسار المتطرّف في شبابه إلى شغفه بالليبرالية الغربية المتطرّفة، فهذا ليس عيبا ربما)، وإنْ يحسُن امتداح مناهضته الدكتاتوريات، ودفاعه عن الحرّيات وحقوق الإنسان. فعلها فينا غير مرّة، ظل مدّاحا لإسرائيل، وصديقا لها، وارتضى منها جائزة القدس، ودافع عنها مرّات، ثم حدث أن أعلن خجله من صداقته لها، ذات عدوانٍ على غزة، (كتب عن الفلسطينيين كتابا أزعج الإسرائيليين، بعد زيارته لهم)، إلا أنه أخيرا يكتب عنها بلدا محبوبا ومحترما. ناصر الحرب على العراق لإسقاط نظام صدّام حسين، ثم كتب إنها كانت غير شرعية. أما هجومه الدائم على كاسترو بعد صلةٍ طيبةٍ معه، وكذا ضربُه صديقه السابق غارسيا ماركيز بلكمة، فذلكما وغيرهما من وقائع عديدة في أرشيف بعيد، وأرشيفه الأقرب لا يدلّ على كاتبٍ متزن في أفكارِه وتناقضاته وتأملاته.. ولكنه يبقى روائيا كبيرا.

العربي الجديد

—————————————–

منظمة الصحة: استخدام الكمامات غير كافٍ لوقف انتشار كورونا

حذّرت منظمة الصحة العالمية، يوم الإثنين، من أن استخدام الكمامات وحدها غير كافٍ للتغلب على تفشي وباء كوفيد-19، معتبرة أن استخدامها مفيد في الأماكن التي يتعذر فيها غسل اليدين والتباعد الاجتماعي.

وندد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس ادهانوم غيبريسوس، أيضاً باقتراحات وصفها بأنها “عنصرية” تدعو لاستخدام أفريقيا حقل تجارب للقاح محتمل ضد الوباء.

وأودى وباء كوفيد-19 حتى الآن بحياة أكثر من 70 ألف شخص في العالم، فيما أصيب أكثر من 12 مليون شخص بالفيروس. ويُعتقد أن اللقاح لن يصنع قبل سنة على الأقل.

وقال تيدروس، في مؤتمر صحافي عبر الفيديو، في جنيف، إنه “على الدول أن تنظر في مسألة استخدام الأقنعة في المجتمعات التي يصعب فيها غسل اليدين والتباعد الجسدي بسبب نقص المياه أو الاكتظاظ”.

وأشار إلى أن بعض الدول أوصت أو تنظر في استخدام الكمامات أو الأقنعة الواقية الطبية من قبل عموم الناس، لمنع انتشار الفيروس. لكنه شدد على أن الاستخدام الواسع للكمامات الطبية قد يفاقم النقص في معدات الوقاية، الخاصة بالعاملين في قطاع الصحة.

وأضاف أن “الكمامات يجب ألا تستخدم إلا في إطار حزمة إجراءات وقائية” أخرى، مضيفا: “لا يوجد جواب حاسم وما من حل سحري، الكمامات لوحدها لا يمكنها وقف تفشي كوفيد-19”. وتابع أنه خارج إطار الطواقم الصحية، يوصى بالأقنعة الواقية الطبية للأشخاص الذين كانوا مرضى أو الذين يهتمون بهم.

عنصرية

ندد تيدروس بالمقترحات “العنصرية” لبعض الباحثين، بشأن استخدام أفريقيا كحقل اختبار للقاح محتمل ضد كوفيد-19، يتوقع أن التوصل إليه ولا يزال يستغرق ما بين 12 و18 شهراً. وقد تسبب طبيبان فرنسيان بارزان بعاصفة من الانتقادات الأسبوع الماضي، بعدما بحثا في حديث تلفزيوني فكرة إجراء اختبار على لقاح فيروس كورونا الجديد في أفريقيا، حيث لا توجد تجهيزات كافية في البنى التحتية لمواجهته.

وأكدا الجمعة أن تصريحاتهما أسيء فهمها، وقدما اعتذارا عنها. وأعلنت دول أفريقيا عن عدد حالات ووفيات متدنية نسبيا، مقارنة بقارات أخرى.

وقال مدير عام المنظمة، الذي شغل في الماضي منصب وزير الخارجية الإثيوبي، إن “أفريقيا لا يمكن أن تكون ولن تكون حقل اختبار لأي لقاح”، منددا بالتصريحات التي اعتبرها من إرث “العقلية الاستعمارية”.

وقال: “كان سماع هذا النوع من التصريحات، من علماء في القرن الـ21، أمراً مخزياً ومريعاً. ندينها بأشد العبارات ونطمئنكم بأن ذلك لن يحدث”.

وتابع: “سنتبع كل القواعد لاختبار أي لقاح أو علاج في كل أنحاء العالم، مستخدمين نفس الإجراءات”.

(فرانس برس, العربي الجديد)

—————————–

منشقون عن “جبهة النصرة” يدعون لتجاهل كورونا في إدلب/ عبد الله البشير

تنفذ منظمات إنسانية في إدلب السورية حملات توعية للوقاية من فيروس كورونا، في حين دعا القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، أبو شعيب المصري، إلى إقامة الصلوات في المساجد، متجاهلاً قرار حكومة الإنقاذ المنبثقة عن الهيئة، والقاضي بتعليق الصلوات في المساجد لمنع تفشي الفيروس.

ورفض المصري إغلاق المساجد لأي سبب، ولبى دعوته عدد من أئمة مساجد المدينة رافضين تعليق الصلاة. لتتهم منظمات إنسانية بعض الشخصيات الدينية في إدلب بنشر الجهل بين الأهالي، متجاهلة تحذيرات الأمم المتحدة من تداعيات تفشي المرض في المنطقة التي تعاني من ضعف كبير في القطاع الصحي.

وتفتقر مدينة إدلب إلى منشآت قادرة على تحمل تبعات وجود إصابات، فضلاً عن النقص في الكوادر الطبية، مع الكثافة السكانية الكبيرة، حيث يصل عدد السكان في المنطقة لنحو 5 ملايين شخص.

وقال رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم، مصطفى سيجري، لـ”العربي الجديد”، إن تجاهل دعوات الوقاية من فيروس كورونا “ظاهرة خطيرة”، مضيفاً “فيما يتحدث أهل العلم وأكابر مراجعنا ومشايخنا عن ضرورة الالتزام بالتعليمات الحكومية للوقاية من هذا الخطر الكبير، وعدم التعاطي مع هذه الجائحة باستهتار أو لا مبالاة، إلا إننا نشاهد بعض المجاهيل والمشبوهين يدفعون الناس لعدم الاكتراث بهذه التعليمات”.

وأوضح أن انتشار الوباء في المناطق المحررة سيكون بمثابة كارثة إنسانية مرعبة في ظل ضعف الإمكانيات، مشيرا إلى أن ذلك سيصب في مصلحة النظام ومحذراً من أي استهتار أو لامبالاة.

وتحدث سيجري، عن دعوات أطلقها قادة سابقون في هيئة تحرير الشام لتجاهل مخاطر فيروس كورونا، ومنهم طلحة الميسر الملقب “أبو شعيب المصري”، وأبو اليقظان المصري، مشدداً على أن ما يقوم به هؤلاء “يندرج في سياق الخيانة والعمالة، واستكمال للمهام الوظيفية الموكلة إليهم من أعداء الشعب السوري. هؤلاء أصحاب تاريخ طويل من الغدر والخداع والنفاق والتآمر، وعلى شبابنا وأهلنا توخي الحذر منهم”.

في المقابل، أكد أحد مسؤولي المنظمات الإنسانية العاملة في مدينة إدلب لـ”العربي الجديد” أن هناك جهات متشددة تحاول بث الجهل بين الأهالي في مدينة إدلب على وجه الخصوص، والمنطقة على وجه العموم، مشيراً إلى أنهم يتجاهلون تعاليم الدين الإسلامي الداعي لدفع الضرر عن الناس.

وأشار إلى أن هناك خطة ممنهجة للتقليل من خطر فيروس كورونا وجعل الأهالي يتجاهلون حملات التوعية التي تقودها الجهات الإنسانية. وأضاف أنه على الرغم من مئات حملات التوعية التي تنفذها المنظمات الإنسانية، إلا أن هناك حالة من التجاهل وعدم إدراك مدى خطورة الأمر وهذا ما ينذر بكارثة.

في المقابل، تحدث الناشط الإنساني محمد محمد، العامل أيضاً في مدينة إدلب لـ”العربي الجديد”، أن حالة الاستهتار بين الأهالي سببها في الدرجة الأولى عدم تسجيل أي إصابة بمنطقة إدلب بفيروس كورونا في الوقت الحالي، لافتاً إلى أن إصابة واحدة كفيلة بالتسبب بحالة من الهلع والارتباك بين الأهالي.

وأكد أن هناك دعوات من بعض الجهات الدينية في المدينة للأهالي لعدم الاكتراث بدعوات الجهات الإنسانية وغيرها للوقاية من كورونا، مشدداً على أن تلك الجهات تستغل الدين لتجهيل الأهالي.

وكانت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة قد أكدت أن عدد الحالات التي خضعت للاختبار في شمال سورية بلغت 27 حالة، موضحة أن جميع نتائج الاختبار كانت سلبية.

العربي الجديد

———————–

في زمن كورونا.. نابولي بين البؤس والمافيا

تعيش مدينة نابولي الإيطالية وسط البؤس الذي فاقمته تداعيات تفشي كورونا المستجد، ويسعى سكانها إلى التضامن عبر تبادل الأغذية في سلال الشرفات، في مشهد وصفه البعض بأنّه انعكاس للمثل الشعبي المحلي “سكان نابولي يجوعون، لكنهم لا يموتون”.

ففي المناطق الغنية في شمال إيطاليا، يحصد وباء كوفيد-19 الأرواح بالآلاف، أما في جنوب البلاد فقدرته على الفتك أقل، حتى وإن بلغ عدد الوفيات في نابولي 200. لكنه يثير قلقاً كبيراً لجهة تأمين لقمة العيش. ولا تمنع تدابير العزل في الحي الشعبي التاريخي في هذه المدينة التي تعد من الأفقر في أوروبا، من توزيع الطعام على العاطلين من العمل، أو أولئك الذين فقدوا كل شيء. وقسم كبير من السكان كانوا يعملون بصورة غير شرعية، وخسروا كل إيراداتهم.

وعلى طول جدران المباني القديمة والمتصدعة، تبرز سلال القش المليئة بالمواد الغذائية، والوجبات الساخنة، ترفع حيناً، وتنزل أحياناً، إلى الشارع، لتبادل ما فيها. ويأخذ أحدهم وجبته على وقع كلمة “هنيئاً”، يقولها جار من على شرفته، في حين يحرق آخر أصابعه وهو يحاول فتحها قبل تناولها على ظهر سيارة. وبعد الطعام، تسكب لهم جارة مشروباً يساعد على الهضم. ويدفع تشيرو (20 عاماً) ثمن وجبته وهو يغني للطاهية التي تصفق له من الشرفة، ثم تقول “انتظر! سأعد المائدة! من يشعر بالجوع؟”.

قبعة جوزيبي

وجاءت المبادرة من أحد السكان، ويدعى أنجيلو بيكوني، رئيس جمعية فناني الشارع، المساهم في الحياة الإجتماعية في نابولي.

بيكوني قال لـ(فرانس برس) إنه استوحى الفكرة من أحد أطباء نابولي في القرن العشرين، وهو جوزيبي موسكاتي، الذي بحسب الرواية السائدة كان يمرر قبعته لدى الانتهاء من المعاينة، فيدفع المرضى الميسورون، بينما يأخذ المحتاجون منها.

وعندما أنزل من شرفته سلة مع ورقة يذكر فيها هذا المبدأ، لاحظ بيكوني أنها كانت تفرغ وتُملأ. وقال “هذا الأسلوب لا يكشف هوية الأفراد”. وسرعان ما تطورت هذه الفكرة واعتمدتها أيضاً تيريزا كاردو، وهي معلمة للغة الإنكليزية.

كاردو قالت: “بدأنا بوضع قطعة خبز، وكيساً من المعكرونة، وعلبة من الطماطم المقشرة. خلال ساعتين كان الكيس مليئاً”، بفضل المارة العائدين من التبضع. وأضافت: “كان الأمر مؤثراً جداً”، موضحة أن هذه التجربة تخفف من وطأة العزل.

وفي شارع مجاور، نصبت طاولة يضع عليها “القادرون على الشراء” الخبز، وعلب التونة، والزيت، في متناول “أولئك العاجزين عن تأمين حاجاتهم”.

صمود نابولي

في عام 2018، عدَّ “يوروستات”، مكتب الإحصاء الأوروبي، أن أربعة من سكان نابولي من أصل 10 معرضون لخطر الفقر، وهو رقم قياسي في أوروبا. وثلث الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة لا يذهبون إلى المدرسة، وليس لديهم وظيفة رسمياً، بحسب اليونيسف. وصباح الأحد، طلب حوالي 3500 من سكان نابولي قسائم غذائية مخصصة للمحتاجين. وصرح لويجي دي ماجيستريس، رئيس بلدية نابولي، التي تعد مليون نسمة، لـ(فرانس برس)، أن هنالك مثلاً شعبياً يقول إن “سكان نابولي يجوعون، لكنهم لا يموتون”. وأضاف “لنابولي قلب كبير، وصمود أكبر، أمام المعاناة. إنها مدينة التضامن القادرة في الأوقات العصيبة على أن تقدم أفضل ما لديها”.

وتابع: المدينة تصمد “لأنه تم خلال سنوات طويلة بناء شبكة مدنية للتضامن الشعبي”. لكنه حذر من أنه من الضروري أن تهب الدولة سريعاً لنجدة المناطق الأكثر فقراً لمساعدة سكانها.

وأضاف معلقاً على المافيا المحلية: “المجرمون يملكون المال، ولا يأبهون بالبيروقراطية، ويعرفون من أين يحصلون على مساعدة. إنهم يتحركون بسرعة وفعالية”. وخلص إلى القول: “إنه سباق. إذا وصلوا أولاً سنتعرض أيضاً لتفشي الإجرام. ليس فقط في نابولي، بل أيضاً في باقي أرجاء إيطاليا”.

(أ.ف.ب)

——————————-

كورونا وتحولات الممارسة الدينية.. ما بين الإيمان وغريزة البقاء/ حسام أبو حامد

يعيش سكّان الأرض جميعهم حدثا واحدا، منذ أن اجتاح وباء covid-19 مجتمعات وثقافات متنوعة، تشابهت استجاباتها في مواجهة الوباء تارة واختلفت تارة أخرى. بحث البعض عن حلول غيبية، وآخرون، في دائرة تخصصية أضيق، بحثوا عن حلول علمية، بينما لم يحرك البعض ساكناً في انتظار ما سيتضح لهم من مستقبل غامض، بينما أمسك غيرهم بمشرط التشريح النظري محاولاً القبض على التحولات القادمة في عالمهم ما بعد كورونا.

أثار تفشي الوباء أسئلة وجودية كبرى، وأسس لتحولات في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، ودفعت الأزمة الراهنة العديد من الزعماء الدينيين إلى مناشدة أتباعهم، ليس فقط لاتخاذ احتياطات السلامة، ولكن أيضاً لتوظيف إيمانهم للمساعدة في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المقبلة. وقامت السلطات الدينية والدنيوية بإغلاق أماكن العبادة أو تقييد التجمعات العامة، وغيّر العديد من المؤمنين عاداتهم الدينية لتجنب انتشار الفيروس.

وامتدت آثار كورونا إلى الممارسات الدينية لدى مئات الملايين من الناس محدثا فيها تغيرات عميقة، لكن ذلك لم يخل من صراع احتدّ بين غريزة البقاء وما يتصل بها من خوف، وبين الإيمان، ليتبادل فيها طرفا الصراع المواقع من حيث الانتصارات والهزائم في معركة الاستحواذ على سلوكنا الاجتماعي واستجابتنا أفرادا وجماعات لتفشي الوباء. تلك المعركة التي لم تحسم بعد.

العلاقة بين الخوف والإيمان

هل يسير الخوف المتأتي عن غريزة البقاء والايمان جنبا إلى جنب، أم ينفي حضور أحدهما وجود الآخر؟

الإجابات في الأديان تبدو متضاربة، فيذهب الكتاب المقدس إلى أن الإيمان والخوف يمثلان طرفي نقيض، وما الخوف إلا دليل على ضعف الإيمان؛ فبعد أن قضى المسيح يوما طويلا في الكرازة والوعظ وإتيان المعجزات، انصرفت الجموع، وركب مع تلاميذه السفينة لتعبر بهم إلى الضفة الأخرى. نام المسيح من شدة التعب، وفي تلك الأثناء هبّت عاصفة قوية “فكانت الأمواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلئ” (مرقص، 4:37). استشعر التلاميذ الخطر، فذهبوا ليوقظوا المسيح وقالوا له “يا معلم! أما يهمك أننا نهلك؟” (مرقص، 4:38). ويخبرنا الكتاب المقدس أيضا عن بطرس الذي استطاع أن يمشى مع الرب فوق الماء، ناسياً كل قوانين الجاذبية، فلما تذكّرها وخاف، سقط، فوبخه الرب قائلاً “يا قليل الإيمان لماذا شككت؟” (متى 14:31).

للقرآن الكريم رأي آخر، إذ يربط بين الإيمان والخوف، ما أن يزول الثاني حتى يزول الأول: “فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ”… وحين زالت العاصفة وزال معها خوفهم… “فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ” (العنكبوت 65). فالاطمئنان يقود إلى الكفر على عكس الخوف الذي يقود إلى الإيمان؛ “وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُوراً” (الإسراء :67)

قد يفقدنا الخوف الثقة واليقين، ويدفعنا إلى التردّد والشك، مما يهدد الإيمان، ويستدعي سلوكا وقائيا ممثلا في الأنانية والعدوان تجاه الآخر، بينما يبدو الإيمان، وما يرافقه من طقوس العبادة، إجابة شافية عن الكثير من الأسئلة الوجودية، لا سيما في الحالات التي يبدو فيها هذا الوجود مهددا أمام كوارث يصعب تفسيرها. ومهما بدا أن الخوف في حالات المرض والهلع من الأوبئة أقوى من الطمأنينة النفسية التي يوفرها الإيمان، فعلينا ألا ننسى أن المحرك الأساسي للإيمان هو الخوف من الموت، هنا تبقى الفرصة متاحة لالتقاء الإيمان بغريزة البقاء.

العقيدة والمعتقد الشعبي

يتمسّك الناس بالمعتقدات الشعبيّة، أكثر من تمسكهم بالعقيدة الدينية الأصلية، وقد تختلط تلك المعتقدات بالعقيدة فيصعب التمييز بينهما. وعموما، يتعلق الناس بالمعتقد الشعبي أكثر من تعلقهم بالتعليم الديني الشرعي الذي قد لا يكون متاحا إلا لدارسيه أو المتعمّقين فيه، أضف إلى أن هذا الإطار العقائدي المجرد، ثابت لا يزيد ولا ينقص بحسب أهواء الناس وعواطفهم، بينما يميل عامة الناس إلى ما هو عاطفي وبشري وملموس، فيتعاملون معه من خلال حواسهم وبطريقة عملية دون تكلّف عناء مزيد من التأمل النظري. لذا يفضّل كثير من المؤمنين التخفّف من الإطار العقائدي الراسخ، وما يتصل به من براهين جدلية. أما بالنسبة لزعماء دينيين فإنهم يتمسّكون بالعقل طالما كان يخدمهم، وسرعان ما يتخلون عنه حين يخذلهم، ليعلنوا في لحظة معينة أن المسألة “مسالة إيمان تتجاوز العقل”.

وحين يطغى الخوف على العقل، يشعر الناس أنهم بحاجة أكبر إلى اليقين المريح الذي يمنحه الإيمان المطلق، والتفسيرات غير المعقّدة للعالم التي يقدمها الزعماء الدينيون؛ مصورين كافة المشكلات على أنها مظاهر للصراع الأزلي بين الخير والشر. هذه التفسيرات، إضافة إلى الموروث الشعبي، تشكّل عدة أساسية في مواجهة الوباء وتفسيره. يتحلى هذا التفسير بمرونة عالية، ويبقى قابلا للشط والمط بما يتناسب وتغيرات الحالة المفسّرة.

لذلك، لم يكن مستغربا أن يرى مؤمنون مسلمون في تفشي الوباء في الصين انتقاما إلهيا، وعقابا لها على اضطهادها مسلمي الإيغور. ولكن ما أن وصل الوباء إلى ديار المسلمين حتى تم تصويره على أنه ابتلاء من الله طال مجتمعات المسلمين بعد أن تزعزع إيمانها، وتراخت في تطبيق شرعه. حاول آخرون استثمار الحدث لتأكيد فكرتهم حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية، ليبدو الحجر الصحي إعجازا علميا سبق النبي في الدعوة إلى تطبيقه، مستندين إلى أحاديث نهى فيها عن الدخول والخروج من الأرض التي اجتاحها الطاعون. البعض رأى في انتشار الوباء إحدى علامات الساعة أو مقدمة لظهور المهدي المنتظر، وبشر أحد الحريديم، وهو وزير الصحة الإسرائيلي يعقوب ليتسمان (حزب “يهدوت هتوراه”)، الخاضع للحجر الصحي بسبب إصابته بفيروس كورونا، بأن المسيح المنتظر سيأتي في عيد الفصح ويخلص اليهود، وربط حاخام يهودي آخر بين انتشار العدوى بالفيروس وبين مسيرات المثليين في إسرائيل. واعتقد مسيحيون في لبنان أن تُراب مرقد القديس مار شربل له قدرات علاجية ضد الوباء، وتداولت وسائل إعلام خبرا مفاده أن مشفى بيروت استلم أول حفنة من ذلك التراب لبدء العلاج. وخرجت في الإسكندرية مسيرات بشرية تهتف وتكبر لإزاحة كورونا. وبينما وجد الهندوس في بول البقر علاجاً للمرض، أعلن قس مسيحي أن علم الوقاية من كورونا هو من علوم الشيطان.

هكذا انتعشت التفسيرات الشعبية الغيبية، وتنوعت بانوراما الوصفات العلاجية السحرية. لكن الخوف الذي طغى على العقل لم يسيطر فقط على المؤمنين، فغير المؤمنين ليسوا منطقيين دائما، وهم أيضا يصدقون أفكارا سحرية، أو يتعلقون بالطب البديل، أو غيرها من فنون الطاقة والباراسيكولوجي التي ينسبونها إلى العلم ومناهجه.

حصانة الإيمان

اعتقد مؤمنون هنا وهناك، أنهم محصنون ضدّ المرض، وأن إيمانهم كفيل بتجنيبهم العدوى، فلاذوا به وبطقوسهم الدينية، وداوموا على دور العبادة. لم يمض وقت طويل حتى تأكد هؤلاء أن إيمانهم وحده لم ولن يحّصنهم، وأن covid-19 كغيره من الأمراض يصيب المؤمنين وغير المؤمنين، وكل أولئك الذين اكتفوا بالواقي الروحي دون تدابير وقائية عملية، وثبت أن التجمّعات الدينية كانت من الأسباب المبكرة لانتشار العدوى في العديد من البلدان.

اجتماع لكنيسة شينشيونجي في كوريا الجنوبية، وتجمع لجماعة تابليغي في الهند، والعبادة الإنجيلية التي استمرت خمسة أيام في فرنسا، كانت بؤر الانتشار المبكر للفيروس في تلك البلدان. وتم فرض الحجر الصحي على 40.000 شخص في 20 قرية في ولاية البنجاب بعد أن تسبب واعظ سيخي، عاد من رحلة إلى إيطاليا وألمانيا، في تفشي الفيروس، حين تجاهل النصائح المتعلقة بالحجر الذاتي، وزار تجمعاً كبيراً للاحتفال بعيد ديني. ونقل الوباء إلى قطاع غزة 3 من الدعاة الإسلاميين عادوا حديثا من باكستان يحملون الفيروس بعد حضورهم مؤتمرا دينيا. ومن قُم المقدسة انتقلت العدوى الى بلدان مجاورة، وتفشى المرض في إسرائيل انطلاقا من مدارس الحريديم الدينية وغيرها من مجتمعات اليهود الأرثوذكس، الذين يشكلون 12% من مجموع السكان، وشكلوا أكثر من 50% من مجموع المصابين بالفيروس. وفي ماليزيا ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا بعد أن أقام أحد المساجد في كوالالمبور احتفالا دينيا لمدة 4 أيام، في شباط/فبراير الماضي، حضره حوالي 16 ألف شخص. وقعت معظم هذه الأحداث عندما كانت الحكومات لا تزال مترددة في فرض الحظر الصحي خشية فوضى قد تتسبب بها ردود أفعال المؤمنين السلبية على ما يرونه خدشا من قبل الحكومة لعواطفهم الدينية.

مع تعاظم الخطر، طعنت الإجراءات الحكومية المتعلقة بالحظر الصحي وجدان المؤمنين من مختلف الطوائف والأديان، حين فرضت إغلاقا للكنس والكنائس والمساجد، وألغت طقوسا ومناسبات دينية جماعية؛ يومية وأسبوعية وموسمية. وبدا أن فيروس كورونا قد يغيّر طريقة أداء الناس لطقوسهم الدينية الجماعية في المستقبل المنظور.

هناك مرجعيات دينية ساندت الإجراءات الحكومية، فنشرت بطريركية اللاتين في القدس إرشادات لنظام العبادة داخل القدّاس الإلهي عن بعد، تحت عنوان “ليتورجيا خاصة في زمن كورونا” شملت مواد ليتورجية (طقسية) ونصوصا للعائلات لمتابعة الاحتفالات الليتورجية لآحاد الصوم، ودرب الصليب، وعيد البشارة، وغيرها.

وقدّم رجال دين مسلمون عذراً شرعياً للمتخلفين عن أداء الفرائض الدينية الجماعية، بدعوى أن التخلّف عنها أفضل من تحمّل المسؤولية عن مرض أعداد كبيرة من المصلّين، وهو ما يعدّ أيضاً إثماً عبر التسبّب بالأذى للناس، ورأى هؤلاء أنه في حال التعارض بين قيمة حفظ الشعائر، وقيمة حفظ الحياة، فإن حفظ الحياة مقدم على حفظ الشعائر، موضحين أن هذا الإجراء يتعلق بسياقات تنزيل الأحكام في الواقع ولا يعني إلغاء الحكم التكليفي. الكنيسة القبطية في مصر علّقت معظم النشاطات، وبدلا من عقد قداس كبير، قررت عقد أكثر من واحد صغير بعدد محدود من المشاركين. أما الكنيسة المارونية في لبنان، فأمرت القساوسة بمنح المصلين رقائق بسكويت بدلا من وضعها على ألسنتهم، وتم استبدال الماء المقدس بالمُطَهِّر. أغلق المسجد الأقصى، وخلا الحائط الغربي في القدس من المصلين اليهود، ودعا الحاخامات اليهود لتجنب تقبيل حجارته. وفي مكة، وهي المركز الروحي للعالم الإسلامي، علقت السلطات قبل حوالي شهر أداء مناسك العمرة، وبدت ساحة الطواف خالية تماما من المعتمرين.

الطقس: عاطفة جياشة عبر تقنية التحكم بالزمن

لا يستقيم نظام الدين، أي دين، دون طقوس عبادة جماعية، تضمن الخضوع والطاعة، فجاء في القرآن “وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” (الأحزاب 33). وفي الكتاب المقدس نقرأ “عندما يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون من بينهم” (متى 20:18). ولكن في أزمة الصحة العامة كالتي يطرحها حالياً COVID-19، كلما اجتمع مؤمنان أو أكثر لمشاركة الصلوات أو القربان أو غيرها، يمكن أن يكون هناك أيضاً فيروس كورونا. هل نحن مجددا أمام التعارض بين الإيمان وبين غريزة حفظ البقاء؟

يحقق الانخراط في الطقوس الجماعية عموما، والدينية منها خصوصا، لأولئك المنخرطين فيها، إشباعات رمزية متعدّدة لحاجاتهم المتغيرة باستمرار، تعيد إحياء واقعة مضت، فتضفي عليها صفة القداسة، وتسترجع أحداثها برموز تلهم الذاكرة الجمعية بدلالات ومعاني تبرز بوصفها قيما عليا. المنخرطون في الطقس يعيشون زمنين في آن واحد؛ أحدهما أسطوري متخيل، وآخر حقيقي فعلي. وحين يلتقيان في الطقس يلغي الزمن المتخيل الزمن الفعلي، وتنشط آلية التكرار والاسترجاع المميزة للطقس الذي عليه العمل على إحياء الأصول، أو بتعبير مرسيا إلياد “العود الأبدي” إليها. امتلاك تقنيات التحكم بالزمن عبر الطقس يوفر طمأنينة، ويتفادى أوجاعاً قد تواجهها الجماعة خلال صدمات التغيّر الاجتماعي السريع. الطقوس ليست هدفا في ذاتها بل تنبع قيمتها من التجييش العاطفي الملازم للفعل الجماعي الطقسي. ويركز إميل دوركهايم (في كتابه “الأشكال الأولية للحياة الدينية”) على حضور الفرد في الجماعة الذي يولد لديه، ولدى شركائه في هذا الحضور، شعورا جمعيا جياشا لا يُدرَك في حالتهم الفردية، فينتشلهم من اللامبالاة بالعالم وبالآخرين، ومن استسلام للفراغ والرتابة اليومية. هكذا يبدو أن الطقس الجماعي يعيد الفرد ليعيش في الكون ويشعر بالزمن والفضاء بشكل يختلف عما يشعر به في حال فرديته، ويُحيِي فيه قوّة خلاقة تجعله يتجاوز حدود فرديته.

حالة الطمأنينة التي يوفرها الانتماء للجماعة عبر المشاركة في طقوسهم، والعاطفة الدينية، الجياشة، إضافة إلى مصالح رجال الدين، لا تستسلم بسهولة، لذلك حطّمت جموع في إيران بوابة مرقد مقدس في قُم، بعد إغلاقه بأمر من السلطات الحكومية، وتوسلوا به من أجل الشفاء، وكسر اليهود الحريديم تعليمات وزارة الصحة الإسرائيلية، فتجمهروا ورفعوا شعار “التوراة تحمينا”، وتصادموا غير مرة مع قوات الشرطة الإسرائيلية، ولم تستطع الحكومة الإسرائيلية فرض الإغلاق على أكبر تجمعاتهم في “بني براك” إلا بعد فتاوى من كبار حاخاماتهم تؤيد الإجراءات الحكومية، لا سيما بعد إصابة وزير الصحة الإسرائيلي الحريدي ليتسمان نفسه بالفيروس.

يلتزم المؤمنون بالتعاليم أو الفتاوى الصادرة عن المرجعيات الدينية، لكنّ انتشار فيروس كورونا ترافق مع أشكال حادّة من التعبير عن التشبّث بالإيمان والمفاخرة بالعبادة الجماعيّة. فالإيمان بقدرة الإله على الحماية والشفاء أقوى من أي تحذير، حتى إن صدر عن جهة يعتقد المؤمنون، عادةً، أنّ لها القول الفصل في تشريع وتنظيم العلاقة بالخالق. قد تأمر المرجعيات الدينية بوقف الطقوس والمناسك وإغلاق دور العبادة، دون أن يمتثل الأتباع لهذه القرارات، المسألة هنا تتعلق بالعاطفة الدينية الجياشة التي تولدها الطقوس الدينية، والتي تسببت في بلدة عجلتون (في كسروان اللبنانية) بوقف قداس، نتيجة احتجاج المصلين على تغيير طريقة الصلاة، لتتناسب مع الوقاية من الوباء.

بالنسبة لمعظم الناس، فإنّ الإيمان والعبادة والطقوس الدينية إجابة شافية عن الكثير من الأسئلة الوجودية، وخاصة في وجه الأزمنة الصعبة، والمظاهر التي يصعب تفسيرها. لكن ألم يغيّر كورونا المعادلة لتتفوق غريزة حفظ البقاء، ممثلة بالهلع من المرض، على الطمأنينة النفسية التي توفرها الطقوس الدينية وما يرتبط بها من عاطف جياشة؟ لم يكسر المؤمنون الحجر الذي فرضته السلطات الروحية والزمنية في أماكن عدة إلا بشكل محدود، بينما لاذ غالبية المؤمنين بغريزة حفظ البقاء، حتى أولئك الذين اعتقدوا بنهاية العالم وأملوا أن تكون نهايتهم معتمرين أمام الكعبة. فما أن وصل الوباء إلى مكة حتى خلت الكعبة من المعتمرين، ولم يكن ذلك فقط استجابة لأوامر السلطة في مكان يحتل موقع القداسة المطلقة بالنسبة للمسلمين، وقادر على تجييش كل عاطفة دينية ممكنة.

كورونا المستجد.. أنماط تديّن جديدة

تهدف العبادات إلى السمو بأخلاق الإنسان والترابط الاجتماعي، ويؤكد علماء الاجتماع أن الأشخاص المؤمنين يعتمدون على قادتهم الدينيين لتأطير مواقفهم حول المعلومات العلمية.  المتعلمون منهم بشكل جيد يطلبون من هؤلاء القادة المساعدة في قراراتهم الأخلاقية من أجل تطهير ضمائرهم، والأقل تعليما، أصحاب النظرة التقليدية، ينظرون إلى القادة الدينيين بوصفهم مصدرا رئيسيا للمعرفة العلمية. من هنا حساسية موقع هؤلاء القادة ومسؤوليتهم الأخلاقية في إقناع أتباعهم بتقديم غريزة حفظ البقاء على طقوس العبادة، وأن يتخلى البعض عن جهله ليكون أكثر معرفة وعلما بقضايا الصحة العامة، وأكثر مسؤولية في كلماتهم وخياراتهم، متحاشين صراعا غير ضروري بين العلم والإيمان. وعلى صنّاع السياسات أن يبدو مزيدا من التقدير للاضطرابات غير المسبوقة التي تسببت بها الأزمة الحالية وتأثيرها على المؤمنين وممارساتهم الدينية.

لقد وجدت الأديان طرقاً بديلة لتقديم الدعم الروحي، والإرشاد الديني، لأتباعها من خلال نظام الاتصال الرقمي، هناك تغيرات جوهرية مسّت الممارسات الدينية بسبب كورونا قد لا يكون هناك رجعة عنها، على رأسها إضعاف الدين المؤسسي لصالح المبادرات الفردية. صحيح أن البعض سيستمر في غسل أدمغة الضعفاء والاتجار بالدين وبالعقول، متحوّلين إلى مبشرين رقميين، لكن الفضاء الرقمي يتيح للمؤمنين مزيدا من الحرية الفردية، وفرصة للبحث عن الإله عبر التأمل الشخصي. ورغم القلق بسبب عدم الوضوح بشأن نهاية حظر التجول، وحالات الإغلاق، والتباعد الاجتماعي، فإن العزلة الناجمة عن هذه الإجراءات توفّر فرصة إضافية للصمت والتأمل.

يبدو أن مستقبل العقيدة قد يكمن في روحانية قائمة على التأمل، وليس الطقوس الجماعية وحدها. وخصوصا إن طال أمد الحجر الصحي والعزلة بشكل يكفي لتحويل التأمل الشخصي إلى نهج يفكك التقاليد الدينية المؤسسية غير العقلانية، التي بدأت تستشعر فقدانها لأتباعها بسبب الحظر على طقوسها الجماعية، وسخرية الناس من تفسيراتها غير العلمية. وقد تستمر فقط تلك الأديان المستعدة لتهيئة أتباعها للروحانية الفردية على أساس التأمل الشخصي، والتكامل بين العلم والإيمان، وتعطي لأتباعها المعنى الحقيقي والدعم النفسي على حساب تقديم حلول غيبية ساذجة. لدينا اليوم مراقب يفرض حضوره بشدّة، إنه غريزة حفظ البقاء، ولم يعد بالإمكان تجاهله.

ضفة ثالثة

————————————–

المؤامرة التي يستسيغها نظام الأسد: كورونا هو غاز السارين

منذ أكثر من شهر يتم تداول نظرية مؤامرة سخيفة تتحدث عن أنه لا وجود لفيروس كورونا وأن ما يحصل في العالم اليوم هو تفش لغاز السارين السام، إثر تجربة أميركية في أحد المختبرات العسكرية في أفغانستان.

وازداد انتشار النظرية بشكل واسع خلال اليومين الماضيين في مواقع التواصل، وتحديداً بين السوريين، مع تبادل دعوة على نطاق واسع لإغلاق النوافذ وعدم التواجد في الهواء الطلق، لأن “الغاز السام سيأتي مع الغيم”، وهي العبارة نفسها التي تكررت في دعوات في عدد من دول المنطقة، من السعودية إلى تركيا.

انتشار هذه النوعية من الخزعبلات على نطاق واسع، دفع أستاذ أبحاث المسرطنات الدكتور فهد الخضيري، في السعودية، لتفنيدها، وقال “أن ما جرى تداوله غير صحيح ولم يصدر أيّ تحذير في هذا الخصوص، لا من أي مصدر رسمي حكومي ولا من منظمة الصحة العالمية” داعياً إلى عدم تصديق الشائعات، حسبما نقلت وسائل إعلام سعودية.

    يدور مقطع من مجهول لتخويف الناس ويزعم ان كورونا سينزل من السماء خلال هاليومين ومعه غاز السارين وينصح الناس باغلاق النوافذ والشبابيك والابواب،ونقول ان هذا غير صحيح ولم يصدر اي تحذير في هذا الخصوص لا من اي مصدر رسمي حكومي ولا من منظمة الصحة العالمية، فلا تصدق الاشاعات و #الزم_بيتك

    — أ.د.فهد الخضيري (@DrAlkhodairy) April 4, 2020

وبحسب شبكة “دويتشه  فيله” الألمانية، فإن بداية انتشار النظرية في مواقع التواصل العربية، كانت عبر مقطع فيديو تابعه أكثر من 4 ملايين شخص في “فايسبوك” قبل حذفه. وجاء فيه أن الفيروس صُنع في أفغانستان على شكل غاز السارين، وأن عدداً من الجنود أصيبوا به، ولكي يخفوا إصابتهم، سافروا إلى مدينة ووهان الصينية حيث نشروا عدوى السارين.

وفيما زعم الفيديو أن مصدر تلك “المعلومات” هو معهد “سكريبس” للأبحاث، إلا أن موقع المعهد لا يضم أي دراسة أو تقرير بهذا الصدد، علماً أن وسائل إعلام عربية، من بينها قناة “البغدادية” العراقية، نشرت المعلومات المضللة نفسها، وما زالت نشراتها الإخبارية ذات الصلة متداولة في “فايسبوك” من دون حذفها من قبل إدارة موقع التواصل، كما أن الفيديو الأصلي ما زال متوافراً كنص مكتوب يتم تداوله على نطاق واسع.

وبالطبع، فإن النظرية تتوسع في سوريا، لأن غاز السارين كان واحداً من الأسلحة المحرمة الدولية التي استخدمها النظام السوري مرات عديدة خلال الحرب في البلاد، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين. وزعمت المعلومات المضللة التي حاولت بشكل غير مباشر تبرئة النظام من تلك الاتهامات، أن الولايات المتحدة هي التي جربت الغاز بشكل محدود في سوريا عبر الجماعات الإرهابية التابعة لها.

يذكر أن دراسة نشرتها مجلة “نيتشر” العلمية، الشهر الماضي وتناقلتها وسائل إعلام أميركية، وشارك فيها باحثون من جامعات أدنبرة وكولومبيا وسيدني وتولين، لم تجد أي دليل على أن فيروس “كوفيد19” تم صنعه في مختبر أو هندسته بأي شكل آخر. وتم التوصل إلى تلك النتيجة بعدما حلّل العلماء بيانات تسلسل الجينوم العام لفيروس كورونا المستجد والفيروسات ذات الصلة.​

————————————————-

نقاش مع مقال زياد ماجد: “كورونا” والجرح النرجسي الأوروبي / زكي بيضون

قد تكون أزمة الجائحة ما زالت في بدايتها، لكن من المؤكد أن تفاوتاً هائلاً ظهر بين مسارها في الشرق الآسيوي ومسارها الموازي في الغرب

استوقفني في مقال زياد ماجد الأخير في “درج”: “الحداثة إذ تضربها جائحة…”، وأوافق على الكثير مما جاء فيه، غياب الشرق الآسيوي أو الشرق الأقسى (وفق التسمية المتمركزة حول الذات الأوروبية (eurocentric) عن فهمه لما يسميه الحداثة، وفي مواضع أخرى الحداثة الغربية.   تحضر هذه المنطقة في معالجته بوصفها مصدر الفايروس الذي انطلق “من الصين إلى محيطها المباشر، قبل أن يبلغ معاقل الحداثة الغربية، في أوروبا وأميركا الشمالية”. ما يغفله المقال هو أن هذه المنطقة تشكل غرباً رديفاً بكل ما للكلمة من معنى، والمفارقة الكبرى في المشهد الحالي تكمن في الجهوزية والكفاءة اللتين أظهرتهما في التعامل مع الأزمة، في مقابل تخبط الغرب الأصلي الرهيب فيها. أولاً الصين التي انطلق منها الفايروس ليست مجرد سوق “يبلغ فيه مأكل اللحوم الحيواني أقسى احتمالاته”، بل هي أحد مراكز الحداثة الغربية في صيغتها النيوليبرالية المعاصرة. مركز إشكالي ربما، لكنه المركز الصناعي والإنتاجي الأول حالياً، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير سرعة تفشي الوباء وتحوله إلى جائحة عالمية.

حسناً، دعونا نضع حالة الصين الإشكالية جانباً ولنعاين حالة دولة تستوفي شروط المقارنة كلها، مثل كوريا الجنوبية وهي ثاني دولة انتشر فيها الوباء بعد الصين. تمكنت هذه الديموقراطية البرلمانية من احتواء الوباء ومحاصرته من دون أن تفرض أي إجراءات حجر إلا على المصابين به، بل حتى من دون أن تغلق المطاعم والبارات. وحتى تاريخ 3 نيسان/ أبريل (وفق جدول منظمة الصحة العالمية) لم يحصل فيها إلا 174 حالة وفاة من أصل 10062 مصاباً، أي 1.73 في المئة المئة من مجمل عدد المصابين. أما اليابان التي ظهرت فيها أول إصابة في 22 كانون الثاني/ يناير، فحتى التاريخ نفسه لم تشهد إلا 65 حالة وفاة من أصل 2617 مصاباً، أي 2.48 في المئة من مجموع المصابين، ولم تضطر إلى اتخاذ إجراءات قاسية مشابهة للتي اتخذت في أوروبا وأميركا. ونجد الوضع مشابهاً لدى النمور الآسيوية المتفرعة عن الصين، أي تايوان وسنغافورة (إضافة إلى هونغ كونغ التي ما زالت تتمتع بوضع خاص وإدارة ذاتية). ولا داعي هنا للتذكير بأن حجم الجاليات الصينية في كل الدول المعنية وحجم جالياتها في الصين يفوق بأضعاف الأضعاف ما هو عليه الأمر مع أوروبا وأميركا.

هنا، وإن كانت شبكات النقل الحديثة سهلت انتشار الوباء، فتقنيات الحداثة الرقمية أثبتت فعاليتها في محاصرته، كما تمكنت الحداثة الطبية من تقليل عدد ضحاياه إلى الحد الأدنى، وهذا على الرغم من عدم توفر أي علاج متفق عليه بعد. في المقابل، كشف الوباء في أوروبا حجم الاهتراء الذي بلغته البنى الصحية والخدماتية بسبب سياسات التقشف النيوليبرالية، كما كشف اهتراء لا يقل فداحةً بلغه المستوى السياسي. منذ وقوع الكارثة، لا تنفك تسمع مسؤولين أوروبيين يتذرعون بأن خطورة الفايروس فاقت التوقعات ولا يتورعون، لتبرئة ذمتهم، عن الادعاء بأن ثمة مختصين غامضين كانوا أكدوا لهم أنه بالكاد أخطر من الإنفلونزا العادية! هذا لا يعقل. هل يتوقعون فعلاً من مواطنيهم أن يصدقوا، في عصر العولمة وثورة المعلوماتية، أنه كان على الفايروس أن يبلغ أراضيهم ليتبينوا مدى خطورته؟! ناهيك بأن الدول الأولى التي انتشر فيها الوباء مرتبطة عضوياً بالاقتصاد الغربي، وتكاد تقع فيها على مواطن أوروبي أو أميركي عند زاوية كل شارع! “معهد ووهان لأبحاث الفايروسات” (Institut de virologie de Wuhan) (中国科学院武汉病毒研究所) أُنشأ بالشراكة مع فرنسا عام 2003 على إثر أزمة وباء “السارس”  (يتعلق الأمر بنوع آخر من فايروسات الكورونا) وتربطه علاقات وطيدة بمختبرات فرنسية موازية وبمختبر غالفستون القومي (Laboratoire national Galveston)، في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية.  باختصار، القضية ليست قضية واقع سبق التوقّع، بل واقع جوبه بالنكران ولم يؤخذ على محمل الجد. من الجلي أن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين راهنوا على السيناريوات الأكثر تفاؤلاً وقامروا بحياة مواطنيهم، على غرار البنوك التي قامرت بأموال مودعيها متسببةً بأزمة 2007 2008 الاقتصادية.

فيما يخص فرنسا، يكفي أن يتابع أن يقرأ المرء مقالة وزيرة البيئة السابقة كورين لوباج (Corinne Lepage) في هوفينغتون بوست (Huffingtonpost) أو يتابع “المسرحية الهزلية” بين وزيرة الصحة

السابقة أنييس بوزين (Agnès Buzyn) ورئيس الوزراء (Édouard Philippe) حتى يدرك حجم التقصير الذي حصل والدرك الذي بلغته الطبقة السياسية الفرنسية. 

قد تكون أزمة الجائحة ما زالت في بدايتها، لكن من المؤكد أن تفاوتاً هائلاً ظهر بين مسارها في الشرق الآسيوي ومسارها الموازي في الغرب الأوروبي والأميركي، وهو تفاوت يؤسس لجرح نرجسي عميق وتصدّع غير مسبوق في الصورة المتمركزة حول الذات الأوروبية.

درج

—————————

الحداثة سياسيةٌ أيضاً، وكثرة المجهولات من علامات تداعي “المُتوقَّع”/ زياد ماجد

أنتروبولوجيا هذا المرض والسلوكيات والعلاقات ذات الصلة به وبانتشاره ستُظهر لنا في المستقبل الكثير من الأمور، وهنا بعض من النقاش حولها …

كتب زكي بيضون ملاحظةً وجيهةً حول مقالي في “درج” عن كورونا بوصفها أصابت واحداً من أبرز تبِعات الحداثة وسِماتها اليوم: القدرة على التوقّع. على أنه لم يناقش مضمونَ المقال نفسه بل ساءل مشروعية ما بدا في الأمثلة المضروبة اعتماداً منّي لجغرافيا حصريّة للحداثة، غربية، وعدم تطرّقي لحالات آسيوية، أسماها “غرباً موازياً”، نجحت بعِرفه بنسبٍ مختلفة في مواجهة الفيروس، متفوّقة في جميع الأحوال على “الغرب الأصلي”، جارحةً “نرجسيّته”.

وإذا كان صحيحاً أن الأمثلة التي قدّمتُها ارتبطت بنماذج أوروبية غربية وبالنموذج الأميركي، فإن الموضوع لم يكن لتقييم أدائها واعتباره منطلقاً حصرياً للكلام عن الحداثة ووهنها، وإنما لبلورة فكرة المقال وما قد يُبنى عليها من أسئلة حول تبدّلات محتملة في بديهيّاتٍ وأنماط عيشٍ وإدارة أحوالٍ مضى ما يقارب القرن على ضبطها إيقاع الحياة في مجتمعات كثيرة في هذا العالم، بدءاً بالغرب، وانطلاقاً منه نحو مناطق عديدةٍ صار يُقال إنها “تغرّبت” الى هذا الحدّ أو ذاك.

وبالعودة الى ما يورده بيضون في نصّه وانطلاقاً منه، أودّ التعليق بملاحظتين. الأولى حول الصين، والثانية حول كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وتايوان التي ذكرها جميعها كأمثلة تجسّد الحداثة في نجاحها المرحلي في مواجهة الجائحة.

في الملاحظة الأولى، يصعب الحُكم على الأداء الصيني واعتباره نجاحاً على ما يفعل البعض لأسباب إيديولوجية (ولا أقصد هنا بيضون الذي أشار الى “إشكالية” الحالة الصينية). وتصعُب أيضاً معرفة الأرقام في بلدٍ عاقَب الأطبّاءَ الذين أطلقوا التحذير من الفيروس، وأكّد رسمياً في مطلع العام الحالي، أي بعد أسابيع من انتشار الفيروس إياه، أنه لا ينتقل بين البشر! كما يصعب الجزم اليوم بقضاء الصين على المرض إذا كانت فحوصاتها تجري بنفس الوحدات المخبرية التي ثبُت أن 80 في المئة مِمّا أُرسل منها الى فرنسا لا يُعوّل على دقّة نتائجه (إلا إن كانت الوحدات المستخدمة داخل الصين لتقصّي الفيروس ومضاداته في الدم من مستوى أرفع). أما الإمكانات التي وضعتها بكين في مواجهة تفشّي الوباء وفرض حظر الحركة والسفر، فلا تشذّ عمّا يمكن لدولة ضخمة الموارد والإمكانات، شديدة السيطرة والتحّكم والقدرة على القمع، وضعُه في سياق “معركتها” مع ما قد يضرب نموّها الاقتصادي وصورتها وخططها في السنوات المقبلة. وكلّ هذا لا ينفي حداثة البنية الاقتصادية والتصنيعية والاستهلاكية الصينية اليوم ولا تطوّر العلوم فيها، المتفوّق في بعض المجالات على أوروبا نفسها. غير أنه يُشير أيضاً الى بقاء الصين خارج المؤدّيات السياسية للحداثة الغربية، القائمة على الحرّيات العامة والخاصة وعلى منظومات قيَم وحقوق ما زالت بكين تتحفّظ عليها وتحاربُها بوصفها “محاولات غزو ثقافي غربي”…

وفي الملاحظة الثانية، ومع الاتفاق مع ما أورده زكي بيضون من أمثلة حول الديمقراطيات الآسيوية المحيطة بالصين التي أبلت بلاءً جيداً في مواجهة المرض والتي يُمكن – على عكس الصين (أو روسيا) – الركون إلى بياناتها وتقاريرها، لأنها تحديداً أقرنت حداثتها الاقتصادية بتعدّدية سياسية وشفافية وتداول سلطة، تفيد الإشارة الى أمرين. الأول، أن النجاح هذا حصل بموازاة تضحيةٍ بحرّيات خاصة وحميميّاتِ حياةٍ أشدّ وطأة على الأفراد من الحجر المنزلي المُعتمد “غربيّاً”. ذلك أن انصياع المُصابين لقرارات السلطات في كوريا الجنوبية مثلاً بإتاحة اللجوء الى هواتفهم النقّالة والى كاميرات المراقبة في الشوارع والأماكن العامة لتتبّع حركتهم ورصد أنشطتهم ولقاءاتهم وبالتالي معرفة النُطُق المحتملة لنقلهم العدوى، لا يمكن لأوروبيّين أو أميركيّين القبول به، ولا يمكن لحكوماتهم أصلاً السعي له من دون تشريعات أو قوانين استثنائية ليس من اليسير إقرارها. الأمر الثاني أن اليابان وسنغافورة أو تايوان مثلاً، لم تبليا بلاءً أفضل نوعياً من البرتغال أو ألمانيا اللتين نجحتا بدورهما (حتى الآن على الأقل) في تقليص الإصابات وبالتالي معدّلات الوفاة لأسباب عدّة، منها تعاملهما المبكّر مع الخطر (ألمانيا) وعدم تراجع النفقات الصحيّة والاجتماعية وسِعة المستشفيات في ظلّ الحكم الاشتراكي الديمقراطي في السنوات الستّ الماضية (البرتغال).

يبقى في الختام القول إن أنتروبولوجيا هذا المرض أو دراسة السلوكيات والعلاقات ذات الصلة به وبانتشاره ستُظهر لنا في المستقبل الكثير من الأمور. والجزم اليوم في أيٍّ من مسائله الأساسية وتداعياته مجازفةٌ خطيرة، وهذا بالتحديد ما يُعيد الى فكرة المقال المعنيّ إياها: إصابة مبدأ “التوقّع” الذي أتاحته الحداثة إصابةً قد يتأخّر الشفاء من آثارها…

درج

—————————-

الحب في زمن “كورونا”… كيف أعاد الوباء تشكيل علاقاتنا الإنسانية؟/ ريد مطر

“ساهم الوباء في أن ننحي خلافاتنا جانباً، وكان هذا مدهشاً، فأمي متشددة دينياً، لكنها أدركت أن نهاية العالم قد تقترب، وهذه النهاية الوشيكة حطمت سطوة السلطات، التي كانت بمثابة جدران عالية حجبت عني أمي لوقت طويل”.

لم يتخيل أ.هــ. الناشط المصري المقيم في أميركا أن يلعب فايروس “كورونا” دور الوسيط البارع بينه وبين والدته، وينهي بشكل سلس قطيعة دامت أكثر من عامين، “تلقيت اتصالاً هاتفياً من والدتي منذ أسبوعين، كانت هذه المكالمة الأولى بعد قطيعة استمرت أكثر من عامين، بعدما قررت والدتي التبرؤ مني لأنني “مثلي”، وناشط في حقوق المثليين، ومعارض للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كانت مكالمتها الأولى قصيرة ومفاجئة، اطمأنت على صحتي، بعد انتشار كورونا في الولايات المتحدة، وطلبت مني الالتزام بوسائل الوقاية كي أنجو من الوباء. وبعدها فوجئت برغبتها في مهاتفتي يومياً للاطمئنان على صحتي، بالطبع وافقت، وطلبت منها في المقابل الالتزام بالبقاء في المنزل. لم تفتح معي أي مواضيع جانبية تخص ميولي الجنسية أو السياسية، فقد ساهم الوباء في أن ننحي خلافاتنا جانباً، وكان هذا مدهشاً، فأمي متشددة دينياً، لكنها أدركت أن نهاية العالم قد تقترب، وهذه النهاية الوشيكة حطمت سطوة السلطات، التي كانت بمثابة جدران عالية حجبت عني أمي لوقت طويل”.

يضيف أ.هـ. “كانت المكالمة الأولى عجيبة وعلى رغم قصرها فقد زلزلتني، حتى أنني أخبرت المقربين مني بهذا الحدث الاستثنائي، على رغم أنني لم أعلم كيف أتعامل معه، وتراودني أسئلة طوال الوقت، هل إن انتهى وباء “كورونا”، ستعود والدتي لحالة القطيعة، وستحاصرني مرة أخرى بمحاكماتها الأخلاقية، أم ستحدث المعجزة وتتقبلني وتتغاضى عن مثليتي وصوتي المعارض وتتقرب من ابنها بلا أحكام”.

يقول: “على الأقل أنا ممتن لفايروس كورونا لأنه حجب مشاعر السخط والإدانة واستبدلها بمشاعر المغفرة والرأفة، حتى ولو لفترة موقتة، لكنها قد تكون فرصة مستقبلية للتقبل والمراجعات”.

ويعتبر أنه “لم يعش مشاعر تضامن مشابهة من قبل منذ فترة ثورة 25 يناير، وغير التضامن فيبدو أن هناك حالة من الإحساس بالذنب عالية تجاه البعض وخطوات واضحة لإعادة إصلاح علاقاتنا الإنسانية”.

الحب والوباء

لم يختلف علماء النفس كثيراً حول ما يحدث للاوعي الإنساني من هزات عنيفة في حالات الخطر، وما يلحق هذه الهزات من مراجعات واضطرابات، قد تساعد على تخفف المرء بنسبة كبيرة من صوت “الإيغو” العالي، والاستسلام لحالة الهبوط الملحوظة في حدة الأحكام الأخلاقية على الآخرين، وهو ما يعطي المرء، بنسبة كبيرة، مساحة للتفكير في العلاقات الإنسانية بشكل ينحاز لفكرة البقاء والاستمرارية ضد الفناء والقطيعة.

لم يتحدث فرويد في كتابه “الحب والحرب والحضارة والموت” عن تأثير الوباء في النفس البشرية بشكل صريح، لكنه تحدث عن تأثير الحروب في النفس البشرية، والوباء يواجه المرء بفكرة الموت الجماعي مثل الحروب، وفي كلا الحالتين تحدث صراعات مشتركة، وتجربة تساعد المرء على التحرر من الأوهام، ولو بشكل موقت.

يرى فرويد أنه أثناء مواجهة الشعور بهزة الموت الجماعي، تحدث تراكمات نفسية جديدة من الشعور بالذنب تجاه الآخرين، واتخاذ الموت أداةً لإعادة التفكير في مسألتي الهدف من الحياة والسعادة المتوهمة، وهو ما قد يساهم في تضخم البعد الروحاني كشعور بدائي، وتلحقه مجموعة من المشاعر البدائية، لتكون بمثابة الحطب في نار الصراع بين غريزتي الموت والحياة في أكثر صورهما وضوحاً.

نجوى أشرف جاءت إلى مصر للزيارة وتركت زوجها في السعودية، كانت تنوي البقاء في مصر لأسبوع واحد لإنجاز بعض الالتزامات وتعاود السفر إلى زوجها، لكنها فوجئت بتعليق رحلات الطيران من مصر بسبب فايروس “كورونا”، وكان قرار تعليق الطيران علامة فارقة على مستوى علاقتها المتوترة بزوجها.

تقول نجوى لـ”درج”: “حياتنا في الغربة ضاغطة، ودائماً ما يصارعني زوجي وأصارعه، وكان قرار الطلاق وشيكاً أكثر من مرة، كنت واثقة أن الحب بيننا انتهى، واستمرار الحياة الزوجية ما هو إلا محاولة ديبلوماسية لإدارة المكاسب المادية في سنوات الغربة، لكن بعد إجباري بسبب فايروس كورونا في مصر على البقاء بعيدة من زوجي لأجل غير مسمى، اكتشفت ما لم أكن قادرة على رؤيته في السنوات السابقة”.

تضيف نجوى: “لم أتخيل أن أبكي بحرقة على زوجي وفراقه الموقت لهذه الدرجة، حتى أن والدتي وإخوتي صدموا من حالتي النفسية التي ازدادت سوءاً بغيابه، وهم يعلمون حجم الخلافات بيننا، لكن فجأة رأيت محاسنه، ورأيت مساوئي، كأن المشهد صار مكتملاً أمام عيني، حين ابتعدت قليلاً، ودخلت في حالة مراجعة متأنية لحياتنا معاً”.

تقول: “لم نعتد في عالمنا العربي على إدارة أزماتنا في العلاقات بشكل هادئ ومحايد، لا نعترف بفكرة “البريك” بين الشريكين، دائما ماً نسفّه المسألة فتحدث تراكمات ويزيد الوضع سوءاً، حتى الانفجار، فإن إعادة البناء لا تأخذ حظها، نبدأ على الخطى الخاطئة ذاتها، بل وبأحقاد مضمرة، وأحياناً نوازع انتقامية، أعتقد أن الإجازة أو الاستراحة التي منحنا إياها فايروس كورونا كانت بمثابة منحة ربانية لعلاقتي بزوجي”.

تعترف نجوى بأنها تحس اليوم بمشاعر غيرة جامحة على زوجها، وتتمنى لو تعاود شركات الطيران رحلاتها بسرعة بين مصر والسعودية، تقول: “غيرانة عليه من زميلته الفلسطينية، وأخشى أن تحاول جذب انتباهه في غيابي، هل الغيرة مؤشر لعودة الحب من غفوته؟ في الأغلب نعم، اليوم أنا أحس بالغيرة بعد سنوات من اتلبّد”.

أماني أكرم، قصتها “ثورية”، هكذا وصفت تأثير “كورونا” فيها، تقول إنها في حالة حب وهذه العلاقة لن يكتب لها الزواج لأسباب كثيرة، وبقدر انجذابها العاطفي لشريكها كانت منجذبة له جنسياً، لكن الخوف من الشعور بالذنب أو الإدانة كان يحول دون أن تخوض التجربة الجنسية مع شريكها”.

الإحساس بالذنب أو الإدانة من المشاعر تحاصرنا بها الأنا السفلى لتمنعنا من خوض التجارب بشجاعة، وغالباً ما يختلط فيها صوت المجتمع ومحاذيره مع مشاعر الخوف الفردي وقلة الثقة بالنفس، لكن أماني تغلبت على هذا الصوت الآن، “أدركت أن فايروس كورونا قاتل، وأشعر بأن إدارة هذا الفايروس في مصر لن تكون مثالية، وقد يحصد الفايروس أرواحاً كثيرة، لا أعلم لماذا شعرت بأنني قد أكون من ضحايا المرض، وأخسر حياتي بسببه. خوفي من فقدان الحياة أسقط مشاعر الخوف الأخرى، كما أسقط مشاعر الإدانة والهلع الأخلاقي، واستسلمت لرغبتي القوية لإقامة علاقة جنسية مع شريكي. ما كان ممتعاً حقاً هو أنني لم أندم على منح نفسي فرصة تجربة الجنس مع من أحب”.

مرام ع. فتحت “البلوك ليست” الخاصة على “فيسبوك”، قالت لـ”درج”: “كان من المرعب أن أتامل أسماء من حظرتهم على فايسبوك لأن مجرد تأمل أسمائهم يذكرني بعلاقتنا التي انتهت على نحو درامي وجارح، كان أكثر اسم أثار شجوني هو زوجي السابق وقد استمرت القطيعة بيننا إلى الآن، أربع سنوات، هو الآن متزوج ولديه ابن، لكن للمرة الأولى شعرت بأنني أرغب في ختام آخر لهذه العلاقة التي انتهت بأذى، لأننا شخصان رائعان ولم تكن تليق بنا هذه النهاية”.

تضيف مرام: “بصراحة لست متأكدة إن كان السبب في هذه المراجعات أزمة وباء كورونا، لكن تزامنت هذه الرغبة في المراجعة مع فترة العزل الصحي التي أعيشها الآن في بريطانيا، ألغيت قرار حظر زوجي السابق من على فايسبوك وقررت التواصل معه، وبالفعل نجحنا في الحديث لمدة 4 ساعات كانت عبارة عن ضحك وبكاء ولوم لكنها انتهت في النهاية كما نريد ونحب، كانت النهاية ساحرة وكلانا راض وسعيد”.

درج

—————————–

كورونا” فرصة الأنظمة لتمرير الفساد وقوانين الطوارئ/ ديانا مقلد

إنه وقت مثالي للحكومات الضعيفة الفاسدة لتفعل ما يحلو لها ولتجترح المزيد من السلطة بينما يصرف مواطنوها وقتهم وجهدهم لتوفير الحماية والطبابة والأمن والتكيف النفسي مع العزل والانكفاء.

فهمنا أن الحياة لن تكون أبداً كما عرفناها.

علينا تقبل أننا لا نستطيع الخروج من المنزل حين يحلو لنا، وأن علينا الحفاظ على مسافة آمنة مع الآخرين. أقصينا أنفسنا من الطرق ووجدنا أن من حق عناصر الجيش أن يوقفوا العابرين وأن يعيدوهم الى منازلهم وأحياناً أن تقودهم إلى السجن.

نحن مجبرون قسراً وسريعاً على التأقلم مع العيش في ظل موت يحوم فوق رؤوسنا، فيما نحاول استيعاب تأثير حالة الطوارئ الصحية الثقيلة على حياتنا اليومية وعلى أعمالنا وعلى علاقاتنا وأسلوب عيشنا، والأخطر على حرياتنا المنقوصة أصلاً والتي باتت اليوم تسلب منا سريعاً بحجة الحدّ من انتشار الوباء.

امتلأت الشوارع بالكثير من عناصر الجيش والأمن، فلا تجول، ولا تجمعات، ولا لقاءات ولا خصوصية إلكترونية ولا احتجاجات ولا انتقاد.

نتابع عداد الإصابات والضحايا من حول العالم يتزايد ومعه عداد إجراءات الحماية المفترضة، حظر تجول، لا تجمعات، ملاحقة صفحات إلكترونية خاصة، اعتقال وسجن من يجادل بالحقائق والمعالجات.

هل يكون العلاج أكثر كلفة من الوباء؟

بسرعة تكاد تفوق سرعة انتشار الفايروس، استغلت سلطات وحكومات كثيرة فرصة “كورونا”، للانقضاض على مكتسبات تحققت بشق الأنفس وبتضحيات هائلة، وتقويضها.

فجأة تم إقصاؤنا من الساحات العامة ومنعنا من الاحتجاج والتظاهر، ووجد ناشطون كان لهم أدوار بارزة في مجابهة فشل أو تقصير حكوماتهم أنفسهم مجدداً قيد الملاحقة.

في لبنان وبذريعة الوباء تم حرق خيم معتصمي وسط بيروت وجرى اعتقال ناشطين حاولوا الاحتجاج على استمرار المصارف في مصادرة أموال المودعين. وتحت مظلة كورونا جرى تمرير صفقات سدود تحمل شبهات فساد مالي وبيئي ونشطت محاصصات تعيينات وتلزيمات.

في المغرب والأردن، تكررت حملات اعتقالات واسعة وسجن أشخاص لم يلتزموا الحجر المنزلي وفرضت عليهم غرامات باهظة.

في تونس تفرض قيود على تغطية حالات الاصابة بالوباء، وبذريعة مكافحة الأكاذيب تنشط محاولات لتمرير مشروع قانون يبالغ في تجريم نشر الأخبار الزائفة ويحمل عبارات تسمح بالتسلل لمنع الاعتراض وتقويض الحريات.

في مصر، لا معلومات دقيقة حول حجم انتشار كورونا، وما أن نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً يقول إن الأرقام الرسمية التي نشرتها السلطات غير دقيقة وأن الأرقام أعلى من ذلك، حتى تم الإعلان عن طرد مراسلة الصحيفة من مصر.

إجراء مماثل اتخذته السلطات العراقية بحق وكالة “رويترز”، بعدما شككت بأرقام السلطة حول عدد إصابات كورونا، فتم أيضاً تعليق ترخيص الوكالة لأشهر. في تركيا سجن صحافيون، من بينهم من انتقد قصور المعالجات الحاصلة لاحتواء الوباء. أما حال السجون والسجناء فتلك قصة لها شجونها مع تردد معلومات عن إصابات تعرض لها سجناء في أكثر من بلد في المنطقة خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات.

بموازاة التعتيم والتضييق، نشط إعلام السلطات في نشر المزيد من الخرافات، فخرج “أطباء” في مصر على قنوات رسمية يتحدثون عن مآثر طبق الفول المصري الشهير في تقوية المناعة والاشادة بجهود الحكومة في القضاء عليه.

في سوريا، أعلن وزير الصحة أن الجيش السوري قضى على الفايروس، ولا معلومات دقيقة عن حجم انتشار الوباء.

وفي السعودية حيث النسبة الأعلى من عدد الاصابات بين الدول العربية، أعاد النظام استخدام رجال دين موالين له فظهروا يباركون ويدعمون باسم الدين إجراءات الحجر والابتعاد من المساجد.

في معظم الدول، علت أصوات التخويف من العامل واللاجئ والوافد وتم إغراق الخطاب العام بالتضليل والخرافة وبالكثير من الكراهية والحث على التمييز والقليل من المعلومات الصحيحة.

الأمثلة لا تتوقف، إذ لطالما اعتبرت الحكومات في بلادنا الشفافية نقطة ضعف، والحقائق والمعلومات المنشورة يتم التعامل معها كما لو كانت تهديداً للأمن القومي، وكأن المعلومات حول العدد الحقيقي لضحايا العدوى هي هجوم شخصي، لا أزمة صحية يكافح العالم بأسره لاحتوائها. لكننا في بلادنا ندفع ثمناً مضاعفاً بعدما أمعنت الأنظمة في فسادها لنجد أنفسنا في ظل الوباء أمام أنظمة صحية مهترئة غير مؤهلة لاستيعاب الكارثة التي حلت بنا.

العزل واعتقالات وسجن

يطلب المواطنون القلقون على صحتهم وأمانهم واقتصادهم اتخاذ إجراءات حماية في دول نخرها الفساد والتسلط. لقد طغى الفايروس التاجي بالفعل على الخدمات الطبية، وأوقف الرحلات الجوية، وقضى على النمو الاقتصادي، ولكن أحد آثاره الأكثر فتكاً ربما تمثل في الدخول في عصر سياسي المتسلطون فيه أكثر تمكناً وسطوة.

لقد أصدر قادة في جميع أنحاء العالم مراسيم طوارئ وتشريعات وسعت نطاق سلطتهم، فهل سيتخلون عن تلك السلطات حين يتم احتواء الوباء؟

عالمياً، وقع الجميع في فخ الاجراءات الاستثنائية. في المجر، منح قانون جديد رئيس الوزراء فيكتور أوربان سلطات هائلة، وتشيلي أرسلت الجيش إلى الساحات العامة التي كان يحتلها المحتجون في زمن ليس بعيد، وبوليفيا أجلت الانتخابات، ورئيس الفيليبين هدد بإطلاق النار على من يخرق الحجر الصحي.

في منطقتنا، هدأت الساحات التي التهبت بالمحتجين في لبنان والعراق والجزائر وبدت خالية تماماً، فالفايروس نفسه برّد إرادة المتظاهرين وبث الخوف وتراجعت المعارضة التي هزت البلاد شهوراً.

إنه وقت مثالي للحكومات الضعيفة الفاسدة لتفعل ما يحلو لها ولتجترح المزيد من السلطة بينما يصرف مواطنوها وقتهم وجهدهم لتوفير الحماية والطبابة والأمن والتكيف النفسي مع العزل والانكفاء.

المشكلة أننا قد لا ننتبه الى الحقوق التي تنازلنا عنها في محاجرنا إلا بعد فوات الأوان، إذ ليس من الواضح ما الذي سيحدث لقوانين الطوارئ عندما تمر الأزمة. فبمرور الوقت تتغلغل قوانين الطوارئ في الهياكل القانونية وتصبح طبيعية. من السهل بناء سلطة طوارئ لكن من الصعب جداً تفكيكها. حصل ذلك قبل الفايروس في سوريا ومصر حين أعلنت قوانين الطوارئ واستمرت سارية لعقود.

استبداد سابق للفايروس

كان العالم غرق بالفعل في مستنقع من الطموحات الاستبدادية قبل عام 2020، ولكن مثلما عرّض الفايروس التاجي وآثاره المدمرة الكثير من سكان الكوكب لخطر الموت، أعطت الأزمة هؤلاء القادة أدوات قمع فعالة: المحجر المنزلي، والاعتماد القسري على الاتصالات الإلكترونية القابلة للتتبع، والاعتماد على الموارد الحكومية والمعلومات.

المشاعر المتعاظمة هذه المرة هي الخوف، وهذا ما يجعل الناس على استعداد لتحمل كل شيء، فعندما يكون الخطر محدقاً، يعتقد البعض منا أن السلطة،أي سلطة، وحدها يمكنها مساعدتنا.

لقد تلقى الاقتصاد بالفعل أكبر ضربة، فقد مئات آلاف الأشخاص وظائفهم، وسيصبح كثيرون عاطلين من العمل في الأسابيع المقبلة. عدم المساواة في الثروة والفرص والحصول على الرعاية الصحية صار أكثر وضوحاً مما كان عليه قبل شهر فقط.

 يعاني مئات الملايين من سوء التغذية نتيجة التوزيع غير المتكافئ للثروة والسلطة، ويمكن أن يؤدي نقص الغذاء إلى تجويع المليارات.

مرة جديدة، سينتزع الأقوياء الطعام من أفواه الفقراء.

وها نحن قابعون في عزلتنا في المسافة غير المرئية بين الوباء والتسلط.

درج

———————————–

مجلس الأمن يجتمع الخميس.. 19 ألف إصابة بكورونا في أميركا بيوم واحد وطوارئ في اليابان

ولم تسجل الصين، لأول مرة منذ ظهور الفيروس على أراضيها، أي وفاة جديدة. في المقابل، أعلنت اليابان فرض حالة الطوارئ في البلاد لمواجهة تفشي الفيروس ضمن حزمة أخرى من الإجراءات.

وتعطي هذه الخطوة التي أعلنها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، حكّام المناطق الأكثر تضررا سلطات إضافية تمكّنهم من فرض قانون الحجر المنزلي، وإلغاء الفعاليات، وإغلاق المدارس والمرافق العامة.

وقد أسفر انتشار الفيروس حتى الآن عن وفاة ما لا يقل عن 73,139 شخصا حول العالم منذ ظهوره في ديسمبر/كانون الأول الماضي في الصين.

كما تم تشخيص أكثر من 1,310,930 إصابة في 191 دولة ومنطقة، وفق الأرقام الرسمية، منذ بدء تفشّي الوباء، غير أن هذا العدد لا يعكس إلا جزءا من الحصيلة الحقيقيّة لأن عددا كبيرا من الدول لا تجري فحوصا إلا للحالات التي تستوجب النقل إلى المستشفيات. ومن أصل هذه الإصابات، شفي 287,667 شخصا على الأقل.

وسيعقد مجلس الأمن الدولي بعد غد الخميس أول اجتماع له بشأن فيروس كورونا. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الغموض ما زال يكتنف ما ستؤول إليه الجلسة، وما إذا كانت ستكرس الانقسامات التي تباعد بين أعضاء المجلس بشأن الوباء، أو ستمثل مناسبة يبدي خلالها أعضاؤه رغبة في الوحدة والتعاون كما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت الخميس الماضي قرارا بإجماع أعضائها الـ193، على الرغم من محاولة روسيا عرقلته.

آسيا وأوروبا

وقد ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا في الصين إلى 81,740 حالة، بعد تسجيل 32 إصابة جديدة، جميعها لمسافرين قادمين من الخارج.

وللمرة الأولى منذ ظهور الفيروس قبل أشهر، خلت الحصيلة اليومية في الصين من الوفيات، لكن السلطات الصينية توقعت الإبقاء على إجراءات الوقاية من الفيروس لفترة طويلة في العاصمة بكين.

وفي الولايات المتحدة، تجاوز عدد وفيات كورونا 10,800، بعد أن أعلنت جامعة جونز هوبكنز تسجيل 1150 وفاة جديدة خلال 24 ساعة، كما أعلنت الجامعة عن تسجيل 19 ألف إصابة جديدة بالفيروس في يوم واحد.

وتعد الولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات المعلن عنها، كما أنها تسجل منذ أيام حصيلة وفيات يومية تزيد على الألف، مما يعني أنها قد تلحق قريبا بركب كل من إيطاليا (16,523 وفاة) وإسبانيا (13,005 وفيات).

وتواصلت التحذيرات الرسمية في أميركا من أن الأسبوعين المقبلين سيكونان عسيرين، في حين تستمر المطالبات لإدارة الرئيس ترامب بوضع خطة فدرالية موحدة لمواجهة الوباء.

من جانب آخر، أعلن وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران اليوم تسجيل 833 وفاة جديدة خلال الساعات الـ24 الأخيرة، ليصل الإجمالي إلى 8911، مشيرا إلى أن فرنسا لم تصل بعد إلى ذروة وباء كورونا، وأن إغلاق البلاد سيستمر ما دام ذلك ضروريا.

وقالت رويترز إن إيطاليا سجلت 636 وفاة جديدة بالفيروس، ليرتفع إجمالي عدد الوفيات إلى 16,523.

كما سجلت في بريطانيا 434 وفاة جديدة بكورونا خلال الساعات الـ24 الماضية.

أما السلطات الصحية السويدية فأعلنت تسجيل 76 وفاة جديدة، ليرتفع العدد إلى 477 وفاة، مع تسجيل 376 إصابة جديدة، ليصل الإجمالي إلى 7206 إصابات.

وفي النرويج، سجلت 116 إصابة جديدة بالفيروس، حيث وصل العدد إلى 5755، إلا أن وزير الصحة النرويجي أعلن أن انتشار العدوى بفيروس كورونا في بلاده أصبح تحت السيطرة.

وأعلنت وزارة الصحة الإٍسرائيلية تسجيل 102 إصابة جديدة بفيروس كورونا، مما يرفع عدد الإصابات إلى 9006، كما ارتفع إجمالي الوفيات إلى 59.

كما أعلن وزير الصحة التركي تسجيل 75 وفاة جديدة بفيروس كورونا، فارتفع إجمالي الوفيات إلى 649، وتم تسجيل 3148 إصابة جديدة، رفعت الإجمالي إلى 30,117.

من ناحية أخرى، قال وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي إن بلاده لم تصل بعد إلى مرحلة السيطرة على فيروس كورونا، ومن الممكن أن يستمر الوضع حتى أواخر مايو/أيار المقبل.

وأضاف نمكي في جلسة البرلمان الإيراني أن القطاع الصحي الإيراني سيكون قادرا خلال الأيام المقبلة على السيطرة على الفيروس في بعض المحافظات، مشيرا إلى أن تنفيذ الحملة الوطنية للكشف عن عدد كبير من المصابين بالفيروس سيؤدي خلال الأيام المقبلة إلى ارتفاع عدد الحالات المصابة بالفيروس، وفي الوقت نفسه سينخفض عدد الوفيات.

العالم العربي

عربيا، سجلت السعودية أربع وفيات جديدة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 38، مع تسجيل 147 إصابة جديدة، ليرتفع عدد الإصابات إلى 2752.

وقررت السلطات السعودية منع التجول على مدار اليوم في مدن الرياض وتبوك والدمام والظهران والهفوف، وكذلك في جميع أرجاء محافظات جدة والطائف والقطيف والخبر، مع استمرار منع الدخول إليها أو الخروج منها.

كما أعلنت وزارة الصحة القطرية تسجيل 228 إصابة جديدة بالفيروس، وارتفاع عدد حالات الشفاء إلى 131.

أما في الكويت فقد تم اليوم تسجيل 78 إصابة جديدة ليرتفع العدد الإجمالي إلى 743. كما قررت السلطات تمديد فترة الحظر لتصبح من الخامسة مساء وحتى السادسة صباحا، في إطار إجراءات مكافحة انتشار الفيروس.

وقالت وزارة الصحة الإماراتية إنه تم تسجيل وفاة جديدة بكورونا، ليصل عدد الوفيات إلى 11، مع تسجيل 277 إصابة جديدة، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 2076.

 وسجلت سلطنة عمان 40 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليرتفع العدد الإجمالي إلى 371.

كما سجلت وزارة الصحة المصرية 149 إصابة جديدة بكورونا، ليرتفع الإجمالي إلى 1322، وتم تسجيل سبع وفيات جديدة ليرتفع إجمالي عدد الوفيات إلى 85.

 وفي السودان، أعلنت وزارة الصحة تسجيل إصابتين جديدتين بفيروس كورونا، ليرتفع عدد الإصابات بالبلاد إلى 14.

ما سجلت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم 6 إصابات جديدة بالفيروس، ليرتفع إجمالي عدد المصابين إلى 260.

وفي لبنان، سجلت 7 إصابات جديدة ليرتفع العدد الإجمالي إلى 548 حالة إصابة.

وأعلنت وزارة الصحة المغربية تسجيل 21 إصابة جديدة بكورونا و3 وفيات، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 1141 والوفيات إلى 83، في حين ارتفع عدد المتعافين إلى 81.

وقالت الحكومة المغربية إن ارتداء الكمامات أصبح إجباريا اعتبارا من اليوم بالنسبة للمسموح لهم بالخروج.

من جانب آخر، قالت وزارة الصحة الجزائرية إنها سجلت 21 وفاة جديدة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 173، كما تجاوز عدد الإصابات 1400 بعد تسجيل 103 إصابات جديدة خلال 24 ساعة.

وقالت وزارة الصحة التونسية إنها سجلت 22 إصابة جديدة بكورونا، ليرتفع الإجمالي إلى 596 حالة‎.

وفي ليبيا، أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض تسجيل إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع الإجمالي إلى 19 مصابا.

 كما أعلنت وزارة الصحة في غزة إصابة فلسطيني بالفيروس، ليرتفع عدد المصابين في القطاع إلى 13 مصابا.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————————-

قرصنة وحرب الكمامات التي أطلقتها كورونا.. أصابع الاتهام تتجه نحو الأميركيين

قالت صحيفة لوتان السويسرية إن العديد من الدول تتهم الولايات المتحدة بقرصنة شحنات الأقنعة (الكمامات) عن طريق المزايدات في الأسعار حينا والحد من التصدير أحيانا، وكأن كل شيء يصبح من المباح عندما يكون هناك نقص في الإمدادات.

وفي هذه الحرب التي لا ترحم -قالت الصحيفة- إن الولايات المتحدة مستعدة لأي شيء، حتى ولو كان ذلك تحويل الطلبات في المطارات الصينية عن طريق شراء البضائع نقدا وبأسعار أعلى بأربعة أضعاف كما تتهمها دول مثل فرنسا وألمانيا وكندا.

وقد اتهم عدد من رؤساء المناطق الفرنسية الأميركيين بالمزايدات، حيث قال جان روتنر رئيس منطقة غراند إيست إن “الأميركيين يتقدمون إلى مدرج الطائرات، ويقدمون الأموال نقدا ويدفعون ثلاث أو أربع مرات مقابل طلبياتنا، لذلك علينا ألا نستسلم”.

لكن روتنر نفى للصحافة الإشاعة القائلة إن الأميركيين “سرقوا” أو “اختطفوا” طلبياته، وإن كان ذلك وقع بالفعل مع منطقة أخرى كما تقول الصحيفة.

من ناحية أخرى، يتهم وزير الداخلية في مقاطعة برلين أندرياس جيزل الولايات المتحدة بالقيام “بعمل من أعمال القرصنة الحديثة”، ويؤكد أن الأميركيين اختطفوا من بانكوك شحنة من 200 ألف قناع كانت موجهة لشرطة برلين.

وقد وجهت أصابع الاتهام -كما تقول الصحيفة- إلى الشركة الأميركية “إم3” التي تنتج أقنعتها في الصين، وإن كان في الأمر بعض الغموض، خاصة أن المتحدث باسم السفارة الأميركية في ألمانيا صرح لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الحكومة الأميركية “لم تتخذ أي خطوات للاستحواذ على إمدادات “إم3” من الأقنعة الموجهة إلى ألمانيا، وليس لديها علم بهذه الشحنة”، واستنكر ما اعتبرها حملة تضليل ضد بلاده.

قانون الإنتاج الدفاعي

ومع ذلك -تقول الصحيفة- إن “قانون الإنتاج الدفاعي” الذي أقره الرئيس الأميركي دونالد ترامب الآن هو الذي يعقد الوضع، لأن هذا القانون الذي يعود إلى زمن الحرب الكورية يسمح للرئيس بإجبار القطاع الصناعي على إنتاج المعدات الطبية، وكذلك إجبار الشركات الأميركية على التوقف عن بيعها للخارج.

وبالفعل، استهدف ترامب مباشرة شركة “إم3” في تغريدة له -كما تقول الصحيفة- بسبب “ما يفعلونه بأقنعتهم”، وقد رد عليه رئيسها التنفيذي مايك رومان في اليوم التالي قائلا “إن الفكرة القائلة إن شركة “إم3” لا تفعل كل ما في وسعها للحد من ارتفاع الأسعار وإعادة البيع غير المصرح به أمر غير معقول، كما أن القول إننا لا نفعل كل شيء لنوفر أقصى قدر من الأقنعة لبلدنا الأصلي قد يعتبر بعيدا عن الحقيقة”، مضيفا أن شركته ستضاعف إنتاجها في الولايات المتحدة.

وفي أوكرانيا أيضا، يوجه هذا النوع من التهم للأميركيين ولكن معهم الروس والفرنسيون، حيث قال النائب أندري موتوفيلوفيتس على صفحته في فيسبوك إن “قناصلنا الذين ذهبوا إلى المصانع الصينية وجدوا زملاءهم هناك من دول أخرى (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا) وهم يحاولون استلام طلباتنا، لقد دفعنا مقابل طلباتنا مقدما عن طريق التحويل المصرفي ووقعنا على عقود، لديهم المزيد من المال والنقد، نحن نقاتل من أجل كل شحنة”.

من جانبها، تحدثت إذاعة كندا عن وصول شحنة من الأقنعة الصينية أقل مما هو متوقع إلى كيوبيك بسبب الشهية الأميركية، إلا أن ما يقلق كندا الآن هو التجميد الكلي لتصدير أقنعة “إم3” الأميركية إليها.

المصدر : الصحافة السويسرية

—————————

جولات سياحية افتراضية عبر العالم… من داخل المنزل

متعوا أعينكم بهذه المكافآت البصرية وانتقلوا إلى عوالم أخرى

هيلين كوفي

في حين أن السفر الاعتيادي قد يكون خارج نطاق اختياراتنا في المستقبل المنظور، يظل خيار الهروب الافتراضي مفتوحاً أمام كل من لديه اتصال بالإنترنت.

والآن، بات الوصول إلى بعض أشهر المعارض الفنية والمتاحف والمناظر الطبيعية في العالم يتطلب فقط بضع نقرات على حواسبكم. إليكم هنا مجموعة مختارة من أفضل تجارب السفر الافتراضية للحفاظ على سلامة أذهانكم خلال مرحلة الانغلاق.

متحف اللوفر، باريس

اضطر متحف اللوفر، أكبر متحف للفنون والتحف في العالم، إلى إيصاد أبوابه مع دخول باريس في الإغلاق. في حين أنه لم يعد بإمكانكم أن تدلفوا عبر بنائه الزجاجي الخارجي الشهير، باستطاعتكم تعلم شيء عن المجموعة الرائعة التي يحتويها عبر عدد من الجولات الافتراضية، التي تستعرض كل محتوياته من الآثار المصرية إلى صالة معرض أبولو.

رابط الموقع الإلكتروني: louvre.fr/en/visites-en-ligne

المتحف البريطاني، لندن

ارتبط متحف العاصمة البريطانية الشهير بموقع غوغل للثقافة والفنون إلى جانب أكثر من 2000 مؤسسة رائدة أخرى، لتقديم جولة تفاعلية. بإمانكم القيام بجولة عبر الزمن والنقر على صور القطع الأثرية المختلفة لرؤيتها عن قرب، وقراءة تاريخها، وسماع المزيد من المعلومات عن طريق الدليل الصوتي.

رابط الموقع الإلكتروني: britishmuseum.withgoogle.com

فندق الجليد، لابلاند الفنلندية

أنشأت شركة لايتس أوفر لابلاند المختصة بتصوير الشفق القطبي تجارب تتيح للأشخاص الذين يعانون بسبب حرمانهم من متعة التجوال السفرَ افتراضياً إلى فندق الجليد في لابلاند الفنلندية. تسمح مقاطع الفيديو التي تغطي زوايا بقياس 360 درجة للمشاهدين بزيارة البرية القطبية الشمالية المحلية، والتعرف على كلاب الهاسكي وغزلان الرنة المحلية، وركوب الزلاجات التي تجرها الكلاب والغزلان، وحتى الانضمام إلى جولة في البحث عن  الشفق القطبي.

رابط الموقع الإلكتروني:

متحف ريكز، أمستردام

يعد متحف ريكز الزاخر بروائع العصر الذهبي الهولندي أحد أشهر مناطق الجذب السياحي في أمستردام. المتحف مغلق حتى 1 يونيو(حزيران) ولكنه أطلق حديثاً تجربة تفاعلية جديدة، بعنوان متحف ريكز من المنزل، التي تسمح لكم افتراضياً بزيارة المكان الذي يحتضن لوحات شهيرة لفنانين هولنديين مثل “حارس الليل” لرامبرانت و “فتاة الحليب” لـفيرمير.

وبالتعاون مع غوغل، لديكم أيضاً فرصة لاستكشاف 11 عملاً “معروضاً”، حيث يمكنكم التفاعل مع أعمال مختلفة في المتحف، وقراءة تاريخها ومشاهدة القطع عن قرب.

رابط الموقع الإلكتروني:

https://www.rijksmuseum.nl/en/masterpieces-up-close

متحف أورسيه، باريس

متحف أورسيه الواقع في محطة قطارات أورسيه السابقة الرائعة، يعرض أعمالاً فنية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين عامي 1848 و 1914. تأخذكم الجولة الإلكترونية عبر تاريخ المبنى، الذي أنشئ في بادئ الأمر من أجل المعرض العالمي لعام 1900. يمكن للمشاهدين أيضاً استكشاف بعض أشهر القطع في المجموعة، بما فيها بورتريه ذاتي لـفان غوخ، والتنزه افتراضياً في صالات العرض.

رابط الموقع الإلكتروني:         

artsandculture.google.com/partner/musee-dorsay-paris

القدس، إسرائيل

تروج إسرائيل لسلسلة كاملة من الجولات الافتراضية للمسافرين من منازلهم، بما في ذلك جولة تأخذكم إلى أشهر المعالم السياحية في القدس. تحتوي مقاطع الفيديو على تعليق صوتي للإرشاد السياحي يقدم المزيد من المعلومات عن أقدس الأماكن في المدينة، في حين أن ميزة الصور بزاوية 360 درجة تجعلكم تشعرون وكأنكم تستكشفون المكان.

رابط الموقع الإلكتروني: samsungvr.com/view/Wv_0tcndBOG

متحف سولومون غاغينهايم، نيويورك

يحتوي المعرض الأيقوني في مدينة نيويورك على جولة افتراضية باستخدام ميزة غوغل ستريت فيو حيث يمكنكم “المشي على مهل” على طول ممره المتعرج واستعراض الأعمال عن قرب، مثل بورتريه المنحرف الثلاثي الذاتي الجريء لكاثرين أوبي، وتركيبة “المصباح الشريد وماص العصير” للفنان التشيلي إيفان نافارو، ولوحة “مكتبة أوفيتز” لجوناس وود. علاوة على ذلك، يمكنكم أيضاً أن تتأملوا ببساطة  العمارة الرائعة للمبنى.

رابط الموقع الإلكتروني:

artsandculture.google.com/streetview/solomon-r-guggenheim-museum-interior-streetview

معرض أوفيزي، فلورنسا

يضم هذا المعرض المجموعة الفنية لأسرة ميديتشي داخل مبنى يعود إلى القرن السادس عشر. إلكترونياً، هناك أربعة معارض تأخذ المشاهدين خلال أعمال مختلفة، وتشرح أهميتها وتظهر لقطات مقربة للتفاصيل المهمة داخل اللوحات. شاهدوا أعمالاً مثل “بيرسيوس يحرر أندروميدا” لبييرو دي كوزميو كما لم تروها من قبل.

رابط الموقع الإلكتروني: artsandculture.google.com/partner/uffizi-gallery

جروف موهير، أيرلندا

هل ترغبون في مشاهدة غروب الشمس فوق هذه القمم الخلابة؟ يمكنكم القيام بجولة افتراضية في هذا المعلم الجيولوجي الأيرلندي الشهير، التي تلتقط مشاهد بزاوية 360 درجة، كما أنها مزودة بإمكانية سماع الواقع الافتراضي من أجل اكتمال التجربة الغامرة.

رابط الموقع الإلكتروني: cliffsofmoher.ie/virtual-visit-tour

سنترال بارك، نيويورك

التجول في هذا المنتزه المركزي في مدينة نيويورك متاح الآن عبر الإنترنت. لا يقتصر الأمر على عرض المواقع لكم فحسب، بل يرافق دليل صوتي الجولة ليخبركم عن الأحداث المهمة في تاريخ سنترال بارك أثناء “سفركم” من المدخل ويست 72.

رابط الموقع الإلكتروني: youvisit.com/tour/centralpark

إيبيسا، إسبانيا

أطلق نادي أوشويا إيبيسا، وهو ناد في الهواء الطلق في جزيرة الباليار هذه التي تضج بالاحتفالات – فواصل تحت عنوان ابقوا في المنزل – وهي عبارة عن إعادة لبث أفضل حفلات الدي جي لعام 2019 من هاي إيبيسا وأوشويا إيبيسا، لإضفاء أجواء الحفلات على منازل الأشخاص الذين يخرجون للسهر عادة حول العالم. انطلقت الحفلة الأولى في 21 مارس (آذار)، بمشاركة -سولاردو ودافيد سكويلاس وكاميلفات ونيك فانتشولي وأندريا أوليفا. تتيح جلسات البث للمستخدمين دعوة أصدقائهم للانضمام إليهم عبر الإنترنت.

وما زال التحضير جارياً للمزيد من الفعاليات الافتراضية.

رابط الموقع الإلكتروني: facebook.com/ushuaiaibiza

غراند كانيون، أريزونا

هناك الكثير من الصور على الإنترنت لهذا الأخدود الشهير، لكن يمكنكم التعمق قليلاً في جولة أثرية من الواقع الافتراضي. تسمح هذه للمسافرين الجالسين على آرائكهم باستكشاف ومعرفة المزيد عن التاريخ الذي يقف وراء تكوّن الأخدود من خلال النقر على صور عناصر جيولوجية مختلفة.

رابط الموقع الإلكتروني: nps.gov/features/grca/001/archaeology

منتزه يوزمايت الوطني، كاليفورنيا

عيشوا تجربة التجول في هذه الأعجوبة الطبيعية مباشرة من خلال النقر على كاميرات الإنترنت في أجهزتكم. تشمل المشاهد شلالات يوزماي، وإطلالة على جُرف “نصف القبة” الشهير من قاع وادي يوزمايت، وصوراً لمنطقة هاي سييرا للتخييم ملتقطة من على ارتفاع 8 آلاف قدم.

رابط الموقع الإلكتروني: nps.gov/yose

منتزه روكي ماونتن الوطني، كولورادو

أحد أفضل الأمور المرتبطة بالتواجد في الهواء الطلق هي طريقة اختباركم للمكان بكل حواسكم. سمح منتزه روكي ماونتن الوطني للزوار الافتراضيين باستخدام آذانهم بدلاً من أعينهم، من خلال “مكتبة صوتية” على الإنترنت تحتوي على مجموعة من أصوات الطيور والحياة البرية الموجودة في الحديقة.

رابط الموقع الإلكتروني:  nps.gov/romo

منتزه لونغليت للسفاري، المملكة المتحدة

أطلق منتزه لونغليت جولة سفاري افتراضية مصحوبة بتعليق صوتي من مقدمة برنامج “أنيمال بارك” على بي بي سي كيت هامبل. بُثت الجولة التي يرافقكم فيها دليل على صفحة ويلتشير على فيسبوك الخاصة بمواقع الحياة البرية الساعة 10 صباحاً يوم السبت، لكن ما زال استعراضها متاحاً بالمجان على موقع منتزه لونغليت على الإنترنت وعبر منصاته الرقمية. من خلال توظيف مزيج من التعليقات الصوتية ولقطات الفيديو والصور، تتضمن الجولة الافتراضية أيضاً مقدمة قامت كيت هامبل بتسجيلها حديثاً.

رابط الموقع الإلكتروني:  longleat.co.uk

ستونهنج، المملكة المتحدة

هل أردتم دائماً زيارة دائرة الأحلام هذه التي تعود إلى العصر الحجري الحديث؟ قوموا بجولة تفاعلية في ستونهنج من خلال موقع إنكلش هريتج بإطلالة بزاوية 360 درجة من داخل النصب الأثري، أو انتقلوا إلى التصوير الجوي “سكايكيب” لمشاهدة إطلالة مباشرة من داخل الأحجار.

رابط الموقع الإلكتروني: english-heritage.org.uk

منتزه غراند تيتون الوطني، ولاية وايومنغ الأميركية

هل ترغبون في تسلق الجبال؟ يمكنكم تجربة التسلق الإلكتروني مع منتزه غراند تيتون الوطني، والتنقل حتى تصلوا إلى القمة التي ترتفع 13770 قدماً (من دون مجهود). يمكن للمشاهدين أيضاً اكتشاف جيولوجيا وتاريخ كتلة غراند تيتون خلال الرحلة، ومعرفة المزيد عن النباتات والحياة البرية المحلية.

رابط الموقع الإلكتروني: nps.gov/grte

© The Independent

——————————————–

ما نتعلمه من كوفيد-19: درس جائحة كورونا – التضامن هو الأنانية الجديدة

مع تفشي وباء كورونا وتعرض الأرواح للخطر وتزعزع أركان الحياة اليومية، آن أوان تغيير سياسات الدول وأن يعرف الجميع أنهم واحد متصل: فلا معنى للحدود والتصنيف بحسب الجنسية والعِرق والجنس، وصار من المصلحة الشخصية الاهتمام برفاهية الجار، لأن مشكلته قد تصبح مشكلتك. في عالَمنا المترابط تصبح الطريقة الفعّالة الوحيدة لرعاية نفسك هي رعاية الآخرين، أي أن التضامن هو الأنانية الجديدة. تعليق السياسية الإيطالية فيديريكا موغيريني، نائبةُ رئيسةِ المفوضية الأوروبية.

قبل بضعة أسابيع، ما كان لأحد أن يجادل في أن الاتجاه الأكثر أهمية ووضوحا في السياسة العالمية في عصرنا هو “الانهماك في الشؤون الوطنية الداخلية”. وبدا الأمر كما لو أن الممارسات الأحادية ومنطق “المنافسة ذات المحصلة الصِفرية” أصبح الوضع المعتاد الجديد: “لكي أفوز أنا، يجب أن تخسر أنت”، و”أنا أولا”.

بدت مثل هذه العبارات وكأنها العلامة الفارقة التي لا لبس فيها ولا جدال عليها في هذا القرن. وهي فضلا عن ذلك علامة فارقة تكاد لا تحدها أي حدود جغرافية أو إيديولوجية: وهي متوفرة في أشكال عديدة، في كل قارة، وفي كل توجه سياسي (بما في ذلك العديد من أشكال الحركات السياسية غير المصنفة)، وعبر نطاق عريض من الأنظمة المؤسسية، بل وحتى داخل بعض المنظمات الدولية.

وبدا هذا الاتجاه وكأنه يتوطد يوما بعد يوم، مع قِلة ضئيلة من الأصوات التي تحاول الدفاع عن نهج دولي تعاوني، والتعددية، والحلول التي تضمن الفوز للجميع، والبحث عن أرضية مشتركة، وسياسات قائمة على المجتمع بدلا من رؤى فردانية بحتة للمجتمع.

مساجد المسلمين بلا مصلين في زمن فيروس كورونا

لأول مرة منذ عقود، ظهرت المساجد خاليةً تماماً في الكثير من الدول الإسلامية، جراء الإجراءات التي اتخذتها الدول بهدف مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.

هل نتعلم من دروس كورونا؟

اليوم، مع انتشار وباء فيروس كورونا إلى مختلف أنحاء العالم، وتعرض أرواح كثيرين منا للخطر، وتزعزع أركان طريقة حياتنا اليومية، يتعين علينا أن نتساءل عن إنْ كان هذا النموذج من المرجح أن يظل هو السائد. هل تزداد قوة الوباء؟ هل نتعلم أي دروس منه؟

هل يتحدى الفيروس بعض الافتراضات التي يقوم عليها المشهد السياسي العالمي الحالي؟ هل يحملنا على التركيز على ما يهم حقا، على ما يوحدنا كبشر، أم أنه يغذي مشاعر الخوف والارتياب بين المجتمعات وداخلها، فيجعلنا أشد انقساما ويزيد من مستوى الخطاب السام والسلوكيات السامّة التي أفسدت مجتمعاتنا بالفعل، وشلت جزئيا قدرتنا الجماعية على التصرف بكفاءة؟ هل نغتنم الفرصة التي تتيحها هذه الأزمة للاعتراف ببعض أخطاء السنوات الأخيرة على حقيقتها، وتعديل مسارنا أخيرا بالاستعانة ببوصلة الواقع؟

ينبئنا هذا الوباء بوضوح شديد بعدد من الأمور. وإذا كنا راغبين في الإنصات، فهذه بعض الحقائق الشديدة البساطة.

عطسة واحدة في إحدى القارات تؤثر في قارة أخرى

أولا: المجتمع العالمي موجود. فما يحدث بعيدا يخلف أثرا (بالغ الأهمية) هنا والآن. وعطسة واحدة على إحدى القارات قد تفضي إلى تداعيات مباشرة على قارة أخرى.

نحن متصلون، نحن واحد. وكل محاولات اعتبار الحدود خطوطا تقسمنا، وتصنيف الناس بحسب الجنسية، أو العِرق، أو النوع الاجتماعي (الذكر والأنثى)، أو المعتقد الديني ــ كل هذا يفقد معناه على الفور، لأن أجسادنا معرضة بذات القدر للفيروس، أيا كانت الفئة التي ننتمي إليها بمقتضى هذه التصنيفات.

ثانيا: أنا مهتم برفاهية جاري. فإذا كان أي من جيراني يواجه مشكلة، فإنها تصبح مشكلتي أنا أيضا. وبالتالي، فإذا لم تكن مصلحة جاري تشكل لي أي أهمية، فيجدر بي أن أهتم بمصلحتي الشخصية. في عالَم مترابط مثل عالَمنا، تصبح الطريقة الفعّالة الوحيدة لرعاية نفسك هي رعاية الآخرين. أي أن التضامن هو الأنانية الجديدة.

ثالثا: نحن في احتياج ماس إلى حلول عالمية منسقة، وهذا يتطلب الاستثمار في المنظمات الدولية المتعددة الأطراف. وإذا كنت تظن أنك قادر على الاستجابة بفعالية لأزمة كهذه بمجرد اتخاذ تدابير وطنية، فأنت بهذا تفعل ما يشار إليه في الثقافة الإيطالية بمحاولة “إفراغ البحر بملعقة”: قدر هائل من العمل دون نتائج.

دعوة إلى التزام سياسي عالمي هجومي ودفاعي لتغيير مسار وباء كورونا: قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إن وتيرة انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) تتسارع، في أنحاء العالم. ودعا المسؤول الدولي إلى التزام سياسي عالمي لتغيير مسار الوباء وحث الدول على اتخاذ إجراءات دفاعية وهجومية أيضا. وقال: “مطالبة الناس بملازمة منازلهم وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي وسيلة مهمة لإبطاء انتشار الفيروس وشراء الوقت لكنها إجراءات دفاعية”. وأضاف: “لكي نفوز علينا مهاجمة الفيروس بإجراءات هجومية ومستهدفة. الكشف عن كل حالة مشتبه بها والعزل والاعتناء بكل حالة مؤكدة والتتبع وفرض الحجر الصحي على كل اختلاط وثيق”.

لكي يتسنى لك أن تكون فعّالا، فأنت في احتياج إلى جهود نظامية منسقة على المستوى العالمي، مع الاستعانة بالقدر الكافي من الاستثمارات السياسية والمالية الجماعية في إطار السياق الدولي التعددي اللازم لرصد التطورات، والاستجابة لها، ومنعها من التفاقم. أما إذا عملت على تفكيك مصداقية المنظمات الدولية وقدرتها على العمل، فإن احتمالية عملها بفعالية تصبح أقل ترجيحا عندما تحتاج إليها، وأنت من سيدفع الثمن.

رابعا: القرارات السياسية القائمة على العِلم هي الطريقة العقلانية والمفيدة الوحيدة للتحرك. والدليل هو المرجع الوحيد لدينا الذي يمكننا التعويل عليه. ما يدعو إلى التفاؤل أننا نستثمر في العلوم منذ آلاف السنين ــ في مختلف أنحاء العالم، دون استبعاد أي حضارة، ولأسباب بالغة الحكمة. وأي انحراف عن القرارات القائمة على الأدلة العلمية، بسبب اعتبارات سياسية أو اقتصادية قصيرة الأمد، يشكل ببساطة خطورة بالغة.

خامسا: الصحة منفعة عامة. وهي ليست مجرد قضية شخصية. إنها مسألة تتعلق بالأمن الوطني ــ بل وحتى الدولي ــ والرخاء الاقتصادي. وعلى هذا فإنها تستلزم تنفيذ استثمارات عامة كافية ومستدامة، وتتطلب حسا جماعيا بالمسؤولية التي ندعو كل مواطن إلى تحملها. إن تجنب العدوى ليس ضرورة أساسية لإنقاذ حياة الأفراد وحسب، بل يشكل أيضا مساهمة بالغة الأهمية في بقاء المجتمعات وقدرة خدمات الصحة العامة على أداء مهمتها، وفي النهاية قدرة الدولة على أداء وظيفتها.

سادسا: يحتاج الاقتصاد العالمي إلى البشر لكي يتمكن من صيانة صحته. الاستثمار في الصحة العامة، والعلوم، والبحوث، هو استثمار في الاقتصادات المزدهرة في مختلف أنحاء العالَم. فالإنتاج، والاستهلاك، والتجارة، والخدمات ــ الأساس الذي يقوم عليه نظامنا الاقتصادي ــ كل هذا يحتاج إلى أناس يتمتعون بالصحة ويشعرون بالأمان. إنه الاقتصاد، يا غبي!

سابعا: تشكل المؤسسات الديمقراطية العاملة أهمية بالغة لحياتنا. نحن نتعامل مع العديد من الأمور كَـمُـسَـلَّـمات إلى أن ندرك أننا نخاطر بفقدها. والطريقة التي تعمل بها عملية اتخاذ القرار (أو لا تعمل) هي الاختبار المطلق في أوقات الأزمات.

وإذا كنا ننظر إلى الديمقراطية على أنها عبء يبطئ أو حتى يعرقل التدابير الفعّالة السريعة، فإننا بهذا نزيد من قوة الحجة لصالح أنظمة حكم أكثر استبدادية، مع كل العواقب السلبية المصاحبة لذلك على حقوقنا وحرياتنا. إن إنجاح عمل المؤسسات الديمقراطية استثمار في صحتنا، وأمننا، وحرياتنا، وحقوقنا.

أخيرا وليس آخرا: لا شيء أغلى ثمنا وأكثر قيمة من الحياة. ونحن ننسى هذا أحيانا، وخاصة عندما تكون حياتنا هي محل التساؤل. هذا حس سليم ــ وربما حان وقت العودة إلى الأساسيات.

الأزمات فرصة للتعلم من أخطاء الماضي

إن كل أزمة يمكن استخدامها كفرصة لتعلم الدروس من أخطاء الماضي، وتعديل السياسات، وتغيير المسار، وإصلاح الأشياء التي لم نكن نعترف حتى بأنها مكسورة. الأمر برمته يتوقف على ما يقرر الأفراد في مختلف أنحاء العالم القيام به، بدءا بأولئك الذين يتحملون مسؤوليات مؤسسية وسياسية.

ولكن في نهاية المطاف، سيكون لزاما علينا جميعا أن نقرر: هل نستغل هذه الأزمة لتحقيق مكاسب فردية قصيرة الأمد، في ظل ممارسة تقديم كباش الفداء المعتادة، أو هل نعتبرها نداء إيقاظ على الواقع؟ هذه ليست مثالية، بل هي واقعية محضة.

فيديريكا موغيريني

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2020

ar.Qantara.de

 ——————————

مصالح مالية عائلية وأهداف تجارية.. نيويورك تايمز تكشف خفايا دفاع ترامب عن استعمال دواء الملاريا لعلاج كورونا

يبدو أن جدل دواء “الملاريا” وفاعليته للمصابين بفيروس كورونا قد خَفتَ نوعاً ما في أوروبا، لكنه بات في أوجه بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن جعله الرئيس دونالد ترامب “حلاً سحرياً” للمرضى، وردّد في أكثر من مناسبة أنه “فعال للعلاج، وأظهر الكثير من المؤشرات الإيجابية”.

تصريحات الرئيس الأمريكي ما لبِثث أن أشعلت الخلافات بين العديد من الأوساط الطبية في البلاد، وقسمت الجسم الطبي في أمريكا بين مؤيد لتوجه الرئيس ومعارض له، خاصة أن العديد من الأبحاث والدراسات العلمية شكّكت في فاعليته، بل دقت ناقوس الخطر بخصوص الأضرار الجانبية الوخيمة التي يمكن أن يسببها.

ففي ظهورٍ نادرٍ له، حسب تقرير لصحيفة “نيورورك تايمز” الأمريكية، يوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان 2020، حضر الرئيس دونالد ترامب إلى غرفة عمليات البيت الأبيض، يوم الأحد 5 أبريل/نيسان، بينما كان فريق عمل التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد يجتمع لمناقشة دواء الملاريا الذي روَّج الرئيس له بقوة على أنه علاج لفيروس كورونا المستجد مؤخراً، في الوقت الذي تشير فيه العديد من التقارير إلى أن دوافع تشجيع ترامب لهذا الدواء تجارية محضة ومرتبطة بمصالح مالية.

“حدس” ترامب وتحذيرات العلماء

نقلت الصحيفة وفقاً لشخص اطّلع على تفاصيل اللقاء، تحذيرات الخبراء مرة أخرى من الإفراط في بيع دواء لم يثبت أنه علاج آمن بعد، وبالأخص لمرضى القلب، وهو الأمر الذي أقر به الرئيس الأمريكي فعلاً بالقول “نعم، النقطة المتعلقة بالقلب”.

لكنه ما لبث أن غادر الاجتماع، حتى وقف أمام الكاميرات وروَّج للدواء بالرغم من كل شيء، بل اعترف للصحفيين في إحاطته الإعلامية اليومية: “ما الذي أعرفه؟ أنا لست طبيباً، لكنني أتمتع بحسن الإدراك”. 

وبدعم من مستشاره التجاري لاري إليسون، اعتبر ترامب الدواء علاجاً سحرياً للفيروس الذي قتل الآلاف وشلّ الحياة الأمريكية.

وفي هذه الأثناء أثار ترامب جدلاً دولياً حول الدواء الذي يختبره باستماتة العديد من الأطباء في نيويورك وأماكن أخرى على مرضى “كوفيد-19″، حتى من دون دراسات علمية قاطعة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور جوشوا روزنبيرغ، طبيب الرعاية الحرجة في مستشفى بروكلين: “أتفهم بالفعل السبب الذي يجعل الرئيس يدفع بهذه المسألة، فهو رئيس الولايات المتحدة، وعليه أن يحيي الأمل، وحين تكون في موقف يخلو من الأمل تتخذ الأمور منحى سيئاً، لذا أنا لا ألومه على الضغط في هذا الاتجاه، حتى لو لم يكن هناك الكثير من الأدلة العلمية التي تدعمه، لأنه في الموقف الحالي هذا أفضل خيار مطروح نستغله”.

أمل كاذب ومخاوف لمرضى آخرين

قال طبيب كبير في مركز وايكوف الطبي في بروكلين، حيث لا يقدِّم الأطباء هذا الدواء كعلاج للفيروس، إنَّ الطلب الحالي على الدواء يثير قلق المرضى الذين يعانون من أمراض الروماتيزم المزمنة.

وفي مستشفى سانت بارناباس في برونكس، قال طبيب آخر إنَّ طاقمه كان يعطيه لمرضى فيروس كورونا المستجد، لكنهم انتقدوا الرئيس وحاكم نيويورك أندرو كومو بسبب “التشجيع” على استخدام الدواء من دون وجود دليل، معتبراً أن “الأمل الكاذب يمكن أن يكون سيئاً أيضاً”.

من جانبها، غيّرت منظمة The International Society of Antimicrobial Chemotherapy، المنظمة المختصة التي نشرت دراسة إيجابية فرنسية التي استشهد بها حلفاء الرئيس ترامب، غيرت رأيها في الأيام الأخيرة بخصوص هذا الدواء، مشيرة إلى أن المقال لا يفي “بالمعايير المتوقعة للمنظمة”.

أما في السويد، وحسب صحف محلية، فإن  بعض المستشفيات في البلاد توقفت عن تقديم عقار الهيدروكسي كلوروكوين لعلاج فيروس كورونا المستجد، عقب صدور تقارير عن إحداثه آثاراً جانبية عكسية.

الدكتور فوسي يحذر

قال الطبيب ميتشيل كاتز، المدير التنفيذي لمجموعة ﺍﻟﻣﺳﺗﺷﻔﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺻﺣﻳﺔ في مدينة نيويورك، المسؤولة عن إدارة المستشفيات العامة، إنَّ المجموعة لا تُلزِم الأطباء باستخدام عقار الهيدروكسي كلوروكوين، لكن توصيهم بذلك استناداً إلى تجربة كشفت أنه يساعد في تقليل السعال والحمى، لكنه تسبب في آثارٍ جانبية طفيفة عند مريضَيْن. 

كما أعرب الدكتور فوسي، كبير العلماء الأمريكيين، عن قلقه، الأسبوع الماضي. وقال في حديث لشبكة Fox News، يوم الجمعة 3 أبريل/نيسان: “أعتقد أننا يجب أن نحذر من عدم القيام بهذه القفزة النوعية، ونفترض أنَّ هذا عقار حاسم للقضاء على الفيروس، فما زلنا بحاجة إلى إجراء الدراسات التي تثبت إثباتاً قاطعاً ما إذا كان أي تدخل دوائي، وليس هذا التدخل فقط، آمناً وفعالاً حقاً”.

لكن في إحاطته الإعلامية عقب الاجتماع، قال ترامب إنه من الخطأ الانتظار لحين إجراء تلك الدراسات التي يرغب فيها فوسي، وأضاف: “ليس لدينا الوقت، ليس لدينا حتى ساعتان لأنَّ الكثير من الأشخاص يموتون الآن”.    

وربما يتبيّن في النهاية أنَّ ترامب محق، ويخرج الأطباء بأدلة قصصية عن فاعلية الدواء، تحيي الأمل في النفوس، لكن ذلك لا يزال غير مؤكد، وإصرار الرئيس في دعم فاعلية الدواء على خلاف رأي مستشارين مثل الدكتور أنتوني فوسي، أكبر مختصي الأمراض المعدية في الحكومة، قد دق إسفيناً بين أعضاء فريق عمل البيت الأبيض للتعامل مع فيروس كورونا المستجد، وأثار تساؤلات حول دوافع ترامب.

مصالح مالية متشابكة وأهداف تجارية

إذا اعتُمِد هيدروكسي كلوروكوين علاجاً للفيروس، فالعديد من شركات الأدوية ستنتفع من ذلك، بما في ذلك مساهمون ومديرون تنفيذيون كبار لهم صلات بالرئيس، إلى جانب أنَّ ترامب نفسه يمتلك مصالح مالية شخصية في شركة Sanofi الفرنسية لتصنيع الأدوية، التي تنتج عقار بلاكونيل، الاسم التجاري لمادة هيدروكسي كلوروكوين.

 وقال ترامب إنَّ الحكومة الفيدرالية ستُوزِّع 29 مليون جرعة من العقار، وأشار إلى أنه اتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طالباً استيراد المزيد.

إلى جانب ذلك، بعض زملاء ترامب لديهم مصلحة مالية وراء اعتماد هذا العقار علاجاً للفيروس، إذ من بين أكبر المساهمين في شركة Sanofi، هي Fisher Asset Management، شركة الصناديق المشتركة التي يديرها كين فيشر، أحد أهم المانحين للجمهوريين، ومنهم ترامب.

وأحد المستثمرين الآخرين في كل من Sanofi وشركة Mylan للأدوية شركة Invesco لإدارة الاستثمارات، التي كان يديرها في السابق وزير التجارة الحالي ويلبر روس.

وقال روس، في بيان يوم الإثنين 6 أبريل/نيسان، إنه “لم يكن على علم بأنَّ Invesco لديها أية استثمارات في الشركات المنتجة للدواء، ولم يكن لدي يد في قرار استكشاف هذا العقار علاجاً” للفيروس.

وكان الرئيس ترامب قد أفاد العام الماضي بأنَّ الصناديق الائتمانية الثلاثة المملوكلة لعائلته لديها استثمارات في Dodge & Cox mutual Funds، التي تستثمر أكبر حصة لها في شركة Sanofi.

بالإضافة إلى ذلك تستعد العديد من شركات تصنيع الأدوية العامة لإنتاج أقراص هيدروكسي كلوروكوين، بما في ذلك Amneal Pharmaceuticals، التي يمتلك مؤسسها المشارك شيراج باتيل عضوية في ملعب ترامب الوطني للغولف في منطقة بيدمينستر بولاية نيوجيرسي، وقد لعب مع ترامب مرتين على الأقل منذ أن أصبح رئيساً، وفقاً لشخص رآهما معاً.

—————————————-

===============================

===========================

تحديث 09 نيسان 2020

————————————

سياسات “نظام الأسد” لمواجهة كورونا: بين “الانكار” و”الاستثمار

أصدر “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، تقريراً، تناول فيه بالتفصيل، المحددات التي تدفع نظام الأسد، لعدم التعامل بشفافية مع أزمة فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد19)، الذي تتزايد يومياً أعداد المصابين به، في دول جوار سورية.

واعتبر التقرير، أن النظام لا يتعامل بشفافية، لـ”إخفاء عجزه البنيوي في قطاع الصحة (كتقنيات وكسياسات)”، ولـ”عدم تأجيج الاحتجاج المحلي الذي تعددت مستوياته سواء اقتصادية أو اجتماعية والآن صحية”، معتبراً أن النظام لا يستطيع التعامل بوضوح مع أزمة الفيروس، لأن هذا “قد يساهم في نشر الذعر داخل جيشه”.

وذهب إلى أن نظام الأسد “سيستغل  هذا الظرف ليكون سرديته التي تحيل سبب العجز وما يعيشه من أزمات محلية للعقوبات الدولية؛ وهو أمر تدحضه الكوارث المتراكمة في  إدارة القطاعات الاقتصادية منذ عقود؛ واستنزافه المطلق لموارد الدولة لصالح العجلة العسكرية وأهدافه الأمنية وتغييبه كل أسئلة التنمية واستحقاقاتها”.

وتصرح جميع الدول المجاورة لسورية بشكل يومي عن تزايد حالات الإصابة بالفيروس، بينما استمر النظام لفترة  بنفيه بوجود إصابات؛ نفي يدحضه من جهة أولى العديد من المصادر التي أكدت  أن فيروس كورونا انتشر بصورة رئيسة بمحافظات دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص السورية وتم تسجيل إصابات كثيرة ووفاة البعض من المصابين ووضع آخرين منهم بـ “الحجر الصحي”، ناهيك عن إعلان العديد من الدول عن حالات إصابة لوافدين من سورية كوزارة الصحة الباكستانية التي أعلنت عن تسجيل 8 إصابات لأشخاص قادمين من سورية؛ ووزارة الصحة اللبنانية أعلنت عن 4 حالات قادمة من سورية؛ ويدحضه من جهة ثانية استمرار حركة العبور للايرانين والميليشيات الأجنبية ومئات الحجاج في ظل ما تشهده إيران من تفشي متزايد لأعداد المصابين. وامام هذه المعطيات أضطر النظام بنهاية المطاف إلى الاعتراف غير الشفاف لأعداد المصابين.

إجراءات متسارعة لـ”بنية معتلة”

في النصف الثاني من شهر آذار بدأ النظام في فرض حظر التجول الليلي؛  وتم فرض حظر التجوال في البلدات والمدن الرئيسية؛ يعكس هذا الاجراء السريع الذي لجأ له النظام مباشرة حالة انعدام الخيارات الاحتياطية الأخرى لعدم امتلاكه لها  لا سيما على الصعيد الصحي؛ إذ أنه ووفقاً لـ” تقرير” LSE  فإن سورية لديها حالياً 325 سريراً من وحدات العناية المركزة المتاحة، مما يتيح للنظام من استقبال 6500 حالة من المصابين بالفيروس كحد أقصى في كافة مناطق سيطرته. وهو ما يوضح اختلال سياسات قطاع الصحة عموماً، ومما يضاعف هذا الافتقار هو حالة الاستنزاف شبه الكلية لموارد الدولة لصالح العجلة العسكرية الأمر الذي انعكس ارتكاساً وظيفياً لبنى الدولة ومؤسساتها، مما يجعل مناطق سيطرته أرض خصبة لتكاثر الفيروس وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين.

وبتفحص الإجراءات الرسمية المتبعة كطرق احترازية نجد أنها كانت حزمة من الإجراءات الإسعافية الحكومية التي اتسمت بأنها شكلية وتفتقد إلى آليات متابعة وأدوات ناجعة للتطبيق.  فإغلاق جميع المعابر أمام حركة القادمين من لبنان باستثناء سيارات الشحن؛ لم يتم الالتزام به؛ واغلاق كامل الحدود السورية العراقية لم يلحظ في الحدود البرية بين العراق ومحافظة دير الزور، حيث تؤكد مصادر وحدة المعلومات في المركز أن المعبر لا يزال حركة من وإلى حتى تاريخ إعداد التقرير؛ ولايزال حزب الله النجباء هو المسيطر الأساسي على المعبر؛  كما ان إجراء تعليق الرحلات مع كل من العراق والأردن لمدة شهر و”الدول التي أعلنت حالة الوباء” لمدة شهرين، وإجراء الحجر الصحي للقادمين من هذه الدول لمدة 14 يوماً؛ تم الالتزام به من جهة الأردن ولكن من جهة العراق لم يتم الالتزام به ويعود ذلك إلى سيطرة قوات الحشد الشيعي الموالية لإيران على النقاط البرية مع سورية.

عملياً؛ لا يمكن للنظام إغلاق الحدود باتجاه حركة حزب الله من الحدود اللبنانية أو باتجاه الايرانيين والميليشيات الأجنبية فهذا أمر عائد لتقديرات إيران العسكرياتية؛ ربما يتم الاتجاه من ضبط حركة العبور دون أن يعني إلغائها وهذا يشكل تهديداً صحياً على الحواضن الاجتماعية التي تنتشر فيها الميليشيات الايرانية والأجنبية

ومن الطرق الاحترازية التي ترتجي تخفيف التجمعات؛ لجأت حكومة النظام  إلى استصدار سلسلة من القرارات كقرار تعليق الدوام بالمدارس والجامعات، دون إيجاد طرق افتراضية ناجعة بحكم ضعف الاتمتة عموماً في مؤسسات الدولة؛ ومن بين القرارات تخفيض حجم العاملين في القطاع الإداري إلى حدود 40%، وتخفيض ساعات العمل واقتصارها على الفترة الممتدة من 9 صباحا حتى 2 ظهرا، وإلغاء نظام البصمة اليدوية لمدة شهر؛ كما صدر المرسوم الجمهوري رقم 86 لعام 2020 القاضي بتأجيل انتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث المحددة بموجب المرسوم رقم /76/ لعام 2020 بتاريخ 13/4/2020، إلى يوم الأربعاء الموافق لـ 20/5/2020 م ؛ كما عطلت وزارة  العدل  المحاكم والدوائر القضائية حتى 16 نيسان 2020. وأقفت وزارة الداخلية  العمل في تسجيل واقعات الأحوال المدنية ومنح البطاقات الشخصية والعائلية لذات التاريخ؛ كما تم إيقاف كل وسائل النقل الجماعي العام والخاص داخل المحافظات وبينها إلا أنه لم يلتزم بهذا القرار أيضاً؛ وفي 2 نيسان تقرر عزل منطقة السيدة زينب في محافظة ريف دمشق.

تتراوح نسب الالتزام في التطبيق لهذه القرارات؛ فالقرارات المرتبطة بحركة المواطنين وتقليص حركتهم لم يتم الالتزام بها؛ إذ أن هناك انعدام  في الخيارات البديلة؛ كما يلحظ ترهل “أجهزة”النظام في تطبيق بعض القرارات مما يؤكد استهتار النظام بالتعاطي مع هذه الجائحة

تداعيات وتحديات جمة

اتخذت حكومة النظام على المستوى الصحي سلسلة من الأمور الاحترازية التي ترتجي تغطية سوء السياسات الصحية خلال العقدين الماضيين؛ فقد حددت وزارة الصحة مراكز الحجر الصحي في المحافظات للعناية ومراكز للعزل الطبي لعلاج الحالات المصابة بالفيروس، وبلغ عدد هذه المراكز 21 مركزا في 12 محافظة وهو عدد لا يمكن اعتباره مؤهلاً للتصدي للفيروس في إحدى المحافظات المكتظة بالسكان كدمشق ؛ كما تؤكد التقارير المحلية على أنها مراكز غير مؤهلة للحجر الصحي إطلاقاً.

كما قامت الوزارة بإنشاء مستشفيات ميدانية في حلب وحمص ودمشق وتجهيز صالة الجيش الرياضية في دمشق لحجر المصابين وكلية الفنون في مدينتي حلب وحمص.  والجدير بالذكر أن منظمة جهاد البناء الايرانية بدورها قد أنشات مراكز صحية دون تواجد أي آجهزة للكشف؛ كما تم تجهيز معسكر الطلائع في مدينة دير الزور كي يكون مكاناً للحجر، تحت إشراف مباشر من فصيل “القوة 313” وحزب الله اللبناني.

أما على المستوى الاقتصادي؛ فقد أعلن مصرف سورية المركزي عن خفض ساعات الدوام الرسمي ضمن المصرف وفروعه في المحافظات، وفي المصارف وشركات الصرافة، أصدر تعميماً  للمصارف يسمح لها بإغلاق عدد من أفرعها، شريطة ألا يقل عددها في المحافظة الواحدة على فرعين، وتخفيض عملياتها المصرفية، وتنظيم دوام العاملين فيها بالحد الأدنى. كما تم اقتصار تداول الأسهم في سوق دمشق للأوراق المالية على يوم واحد فقط أسبوعيا وهو يوم الاثنين. من جهة أخرى تقرر تسيير سيارات محملة بالخضار والفواكه من أسواق الهال في المحافظات إلى الأرياف ومراكز المدن لتأمين متطلبات المواطنين منها وتوفير المحروقات اللازمة لضمان عمل هذه الآليات.  إلا أنه لم يتم الالتزام به وتم استغلاله من قبل شبيحة النظام ورفع أسعار السلع الأولية مما خلق حالة من الفوضى؛

بطبيعة الحال؛ وبحكم قلة الموارد المتاحة للمواطن السوري الذي يعيش انتكاسات سوء الإدارة الاقتصادية؛ فقد ازدادت الضغوطات على المواطنين وتضاعفت إبان أزمة كورونا؛ فازدادت طوابير المدنيين عند مراكز التوزيع للسلع والبنوك. خاصة بعد إن حدد النظام لكل فرد رغيف خبز ونصف، مما أدى إلى زيادة في سعر الخبز في السوق السوداء وبالتالي ظهور فئة جديدة من المستفيدين والانتهازين والذين بدأوا باستغلال النقص في بعض السلع وقاموا باحتكارها ومن ثم إعادة بيعها بأضعاف سعرها الحقيقي. وللحد من أزمة الخبز صرح وزير الاقتصاد السوري إن الوزارة ستقدم المساعدة للمخابز الخاصة ورفعت القيود المفروضة على استيراد الدقيق ولن تقتصر على صناعات محددة مثل قبل، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يسمح فيها للقطاع الخاص باستيراد القمح والدقيق.

أما على المستوى العسكري فقد لحظ عدة إجراءات؛ كقيام الجيش الروسي بتطبيق حجر صحي على قاعدته في مطار حميميم كإجراء احترازي، حيث تم منع الحركة من والى القاعدة؛ وقيام الميليشيات الموالية لإيران بنقل كمية من العتاد من قاعدة سعسع باتجاه الشمال، تم تعليل هذه الحركة كإجراء وقائي من الغارات الإسرائيلية، ولكن عملياً  لم تخلي إيران تلك المواقع وإنما تعمل على تخفيف الكثافة البشرية في قواعدها وتقوم بتوزيع المقاتلين على عدة مواقع من أجل الحد من انتشار الفيروس.

من جهتها أصدرت القيادة العامة لجيش النظام أوامر بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء في جيش النظام السوري وقراراً خاصاً  بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء “للأطباء البشريين الأخصائيين.  وفي السياق العسكري وفيما يتعلق بانتشار الفيروس لم يتم رصد أي تحرك احترازي من قبل قوات النظام، وانحصر الأمر على قيام الجانب الروسي بإنشاء 3 نقاط طبيه خاصة بعناصره، بالإضافة إلى تواجد 5 مروحيات روسية جاهزة في المنطقة، وهي على الأغلب مخصصة لنقل المثابين الروس إلى مطار حميميم في حال ظهور عوارض الفيروس عليهم.

ملف المعتقلين والمصير المجهول

من أكثر الملفات التي يخشى عليها من تداعيات أزمة كورونا هو ملف المعتقلين وخطورة إصابتهم بالفيروس؛ حيث أثار العديد من نشطاء المجتمع المدني السوري ومنظمات حقوق الإنسان الدولية قضية عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في السجون الرسمية وغير الرسمية في سوريا الوباء الحالي؛ في بيان صدر بتاريخ 18 آذار / مارس، طالب أعضاء من كتلة المجتمع المدني في سورية اللجنة الدستورية بوضع الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين في السجون السياسية أولوية في الوقت الحالي، كما طالبوا بإنشاء بعثة للأمم المتحدة لمراقبة الأوضاع الصحية في جميع السجون المتبقية.

بالمقابل لم يكترث النظام لتلك المطالبات؛ وقام بإجراءات شكلية لبعض سجون وزارة الداخلية؛ حيث تم إيقاف الزيارات في جميع فروع ومراكز السجون لمدة شهر وتم إصدار المرسوم التشريعي رقم 6 القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 22-3-2020. (لم يشمل معتقلي  الرأي  والموقف السياسي والمعتقلين على خلفية الثورة )

من المعروف أن وضع السجون من الناحية الصحية يجعل انتشار الفيروس أمر لا مفر منه وخاصة بعد عدم قيام النظام بأي إجراءات وقائية لحماية السجون واقتصرت إجراءاته بنشر صور ومقاطع توضح قيام بعض المساجين برش مواقع مختلفة من السجن المركزي في عدرا بالمعقمات. ولكن الكارثة الحقيقة تكمن في المعتقلات الأمنية والتي في الوضع الطبيعي لا يمكن الحصول على أية معلومة حول ذلك.

وتشير المعلومات إلى أنه في 13 مارس، تم نقل 9 حالات إلى المشفى العسكري في حمص من السجن، وتلك الحالات ما زالت في المشفى، وكافة الحالات اشتركت بعدة أعراض تمثلت بـ (وهن في الجسم، صعوبة تنفس، ضعف في البصر، وفقدان شهية.) وقد طالبت جمعية حقوق المساجين بالتعرف على تلك الحالات من أجل إخبار عوائلهم، ولكن إدارة السجن لم تبدي تعاون وعللت ذلك إلى خطأ في أوراق التخريج الخاصة بالحالات الصحية وطلبت مراجعة المشفى العسكري، والذي يمنع زيارته من دون تصريح من أحد الفروع الأمنية.

ملاحظات ختامية

من خلال رصد الإجراءات التي يتبعها النظام من جهة؛ وعدم الشفافية في التعاطي مع أزمة كورونا،  يمكن تصدير ملحوظتين رئيسيتين، تتعلق الأولى بإخفاء عجزه البنيوي في قطاع الصحة (كتقنيات وكسياسات) وبالتالي فإن عدم التهويل سيساهم في عدم تأجيج الاحتجاج المحلي الذي تعددت مستوياته سواء اقتصادية أو اجتماعية والآن صحية كما أن هذا الأمر قد يساهم في نشر الذعر داخل جيشه؛ أما الملحوظة الثانية متعلقة بعدم قدرته الاستغناء عن الدور والوجود الايراني المكثف والذي يشكل داعماً مهماً على مستوى الكوادر البشرية.

بموازة ذلك؛ سيستغل  النظام هذا الظرف (تبرير هذا العجر واللاقدرة ) ليكون سرديته أن ما يعيشه من أزمات محلية سببها العقوبات،وهذا عار عن الصحة تماما لأن الخلل بنيوي ومتراكم في ادارة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية منذ عقود، ولأن العجلة العسكرية هي المتحكمة في مسار عمل الحكومة فلو أراد الاستجابة لمتطلبات الداخل لما أقدم على معركة تكلف ملايين الدولارات وإن كان تمويلها خارجي؛  فلا يزال الناظم الرئيسي لحركية النظام مرتبطة بأمرين تحييد الملف الانساني لصالح الهدف الأمني وتحويل كل الاستحقاقات السياسية من اعادة اعمار وعودة لاجئين وتماسك اجتماعي لتحديات حكومية غير مستعجلة وقابلة للتوظيف والابتزاز الدولي.

————————————-

النظام السوري مستمر في الإنكار وتفشي كورونا في المخيمات ينذر بكارثة/ سامر القطريب

لا يفرق فيروس كورونا المستجد والمرض الناتج عنه “كوفيد 19″، بين مناطق النظام السوري ومناطق المعارضة، فانتشاره في إحدى المنطقتين سيؤدي لاحقًا إلى تفشيه في كامل الأراضي السورية، في وقت يحاول فيه النظام إخفاء الإصابات بالفيروس ودفن أدلة انتشار الوباء في مناطقه مع الجثث. وتؤكد تقارير صحفية أن أرقام الإصابات أكبر مما يقر به النظام، الذي أعلن مؤخرًاعزل مدينة صيدنايا بريف دمشق وبلدة منين ومنطقة السيدة زينب مركز السياحة الدينية للقادمين من إيران وللميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية، وهي دول تفشى فيها الفيروس.

وتصنف منظمة الصحة العالمية سوريا على أنها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط ​​، نتيجة للتحديات في النظام الصحي الناتجة عن أكثر من 9 سنوات من الحرب في البلاد.

وزودت المنظمة النظام السوري بمقاييس حرارة تعمل بالأشعة تحت الحمراء وماسح ضوئي حراري لمطار دمشق الدولي، وأجهزة تنفس وأسرّة للعناية المركزة، وثلاث دفعات من وسائل الحماية الشخصية مثل الأقنعة والأثواب الطبية والمعقمات اليدوية للعاملين، في وقت يعتمد الشمال السوري على مختبر واحد لفحص عينات لفحص المرضى المشتبه بإصابتهم بالفيروس.

الفيروس يدخل مع الميليشيات ومن طرق التهريب

أعلنت وزارة الصحة التابعة لنظام الأسد تسجيل ثلاث إصابات جديدة في مناطق سيطرة النظام، ليرتفع عدد الحالات المُعلن عنها إلى 19 حالة، إضافة إلى حالتَيْ وفاة، كما نشرت “انفوغراف” يوضّح مناطق تسجيل الإصابات، وسط تشكيك بتلك الإحصائيات وترجيح أن الأعداد أكبر مِن ذلك بكثير.

وقالت شبكات إخبارية محليّة، إن شابًا مِن مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية توفي، إثر إصابته بفيروس كورونا، تزامنًا مع تسجيل إصابات جديدة بالفيروس في الغوطة. وحسب ناشطين فإن مخابرات نظام الأسد رفضت تسليم الجثة لذويه، ووجهت تهديدًا لهم بالاعتقال في حال الإفصاح عن أن سبب الوفاة هو فيروس كورونا.

كما ظهرت أعراض الإصابة بفيروس كورونا في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية أيضًا على ثلاثة شبّان قدموا مؤخرًا مِن لبنان بشكل غير قانوني، ونقلوا إلى مركز الحجر الصحي بعد التأكّد مِن إصابتهم.

وكان النظام قد أعلن عزل مدينة صيدنايا بعد تسجيل إصابة شاب دخل إلى المدينة عن طريق التهريب من لبنان، لتضاف المدينة إلى قائمة المناطق المعزولة التي تضم بلدة منين بريف دمشق ومنطقة السيدة زينب مركز الميليشيات الإيرانية والموالية لها.

وفي ريف دمشق أيضًا، أغلق مجلس مدينة جرمانا مداخل ومخارج المدينة غير الرئيسية، بهدف التخفيف مِن حركة السير لمنع انتشار الفيروس، حسب ما ذكرت شبكة “صوت العاصمة”.

النظام ينشر الفيروس في حلب

شهدت مدينة حلب التي تسيطر عليها قوات الأسد وحلفاؤها الروس والإيرانيون، حملةً تتهم النظام بنشر فيروس كورونا في المدينة، وتطالبه بالإفراج عن المعتقلين السوريين، وطرد الميليشيات الإيرانية. واتهم القائمون على الحملة عبر مناشير ورقيّة، النظام السوري بأنه يساهم في نشر فيروس كورونا بين أهالي المدينة، متعمدًا قتل السوريين بجميع أنواع الأسلحة وبكافة الوسائل.

وكشفت مصادر خاصة لـ”تلفزيون سوريا”، أن رجلًا من أهالي مدينة أورم الكبرى جنوب غرب حلب، توفي إثر إصابته بمرض كوفيد 19، وسط تكتم من نظام الأسد. وأفادت المصادر بأن الرجل البالغ من العمر 74 عامًا أصيب بكورونا، ونقلته زوجته مع اثنين من “الشبيحة” إلى مستشفى الرازي في حلب وتم الحجر عليه بشكل كامل لمدة يومين قبل أن يفارق الحياة في 25 آذار/مارس الماضي.

وأضافت أن جثمان المتوفى نقل إلى بلدة أورم الكبرى في الساعات الأولى من فجر اليوم الذي يليه، وتم دفنه مع التقرير الطبي لمنع انتشار الخبر، كما لم يسمح لأحد بالاقتراب من مكان الدفن، حيث أشرف “الشبيحة” على دفنه بمشاركة ابنه. وأكدت المصادر أن مستشفى الرازي وثق إصابة الرجل بفيروس كورونا، إلا أن “شبيحة” النظام ضغطوا على المستشفى لتوثيق الوفاة باعتبار أنها ناجمة عن “التهاب ذات الرئة”.

ونشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تحقيقًا مشتركًا مع موقع “سوريا إن كونتكست” حول انتشار وباء كورونا في سوريا، أكدت فيه إخفاء نظام الأسد الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات، والتي تقدر بأكثر مما هو معلن.

وحتى الأسبوع الماضي أعلنت وسائل إعلام النظام خلو سوريا من الإصابات وأن جميع الاختبارات كانت سلبية لأسابيع، بيد أن إخفاء الإصابات ليس ممكنًا لفترة طويلة، خاصة مع حصول سوريا في 13 من آذار/مارس الماضي على الدفعة الأولى من أجهزة اختبار الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية.

وكشفت صحيفة “دير شبيغل” أنه “في 21 من آذار/مارس الماضي/ سُجلت أول إصابة بكورونا، حيث عادت طالبة من لندن إلى دمشق عبر الإمارات وبيروت وكانت نتيجة الفحص إيجابية، لكنها لم تخضع للحجر الصحي، باعتبارها ابنة مسؤول قوي في النظام.

تتابع الصحيفة أنه “حتى يوم السبت أعلنت سلطات النظام تسجيل أربع حالات وأعلن مساء الأحد عن أول وفاة، ويبدو ذلك محض كذب فالجائحة تنتشر بسوريا منذ أسابيع في المدن السورية الكبرى لكن يمنع الحديث عنها”. ونقل التحقيق عن طبيب من المنطقة الساحلية طلب عدم ذكر اسمه ومدينته والمشفى الذي يعمل فيه، أن “عناصر أمن الدولة يأتون مرارًا وتكرارًا ويأمرون الجميع بعدم الحديث عما يجري وإلا فسنموت”.

ويضيف الطبيب “رغم عدم استطاعتي تحديد داء المرضى الذين تم قبولهم بأعداد متزايدة إلا أنهم عانوا التهابًا رئويًا وضيقًا في التنفس وحمى شديدة جدًا، فلا يمكننا إجراء الاختبارات هنا، لذا نرسل العينات إلى دمشق، لكننا لا نتلقى أي إجابة”. وبحسب الصحيفة الألمانية فإن طبيبين من مشفى تشرين العسكري في دمشق تحدثا عن سيناريو مشابه لمدن الساحل، فأعداد الإصابات والوفيات تزداد، ناهيك عن وجود العديد من الإصابات بالفيروس بين عناصر المليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام، والمصابون من أفغانستان وباكستان ولبنان وايران والعراق. وهذا ما يتقاطع مع إعلان مصادر باكستانية في التاسع والعاشر من آذار/مارس الماضي عن تسجيل ست إصابات بكورونا لأشخاص عادوا من سوريا.

كما ينقل التحقيق عن طبيبة تعمل في مشفى بدمشق تأكيدها وجود 50 حالة وفاة بالفيروس، نتيجة عدم توفر أي أدوية وانعدام إمكانية عزل المصابين، فيما سجلت الوفيات على أنها التهاب رئوي حاد.

الشمال السوري يستغيث

لم تسجل حتى الآن أي إصابة بفيروس كورونا في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث أعلن وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة مرام الشيخ في تغريدة على تويتر أنهم أجروا  اختبارٍا على 27 حالة يشتبه بإصابتها بالفيروس كانت نتيجتها سلبية، لكن الخطر يهدد المنطقة بسبب ضعف المنظومة الصحية التي دمرها نظام الأسد وروسيا خلال السنوات الماضية. وفي محاولة لمنع وقوع كارثة صحية، وقّعت عشرات المنظمات المدنيّة السوريّة على بيان وجّهت خلاله نداء استغاثة مِن أجل استجابة فورية وشاملة ومتوازنة للوباء في عموم سوريا، وحماية الشعب السوري مِن هذه الجائحة.

وطالب الموقّعون على البيان، منظمة الصحة العالمية (WHO) بالشراكة مع المنظمات السورية الاستجابة الفورية والشاملة والمتوازنة لجائحة كورونا، وتزويد جميع السوريين في جميع المناطق السوريّة بوسائل الوقاية مِن الجائحة ومكافحتها، بما في ذلك مجموعات الفحص “Testing Kits”  وأجهزة التنفس الاصطناعية والكمامات والقفازات الطبية ومواد التعقيم، وعدم السماح لـ نظام الأسد بعرقلة الجهود الإنسانية تحت أي حجة أو ذريعة.

كما طالبت المنظمات بتفعيل آليات تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود بشكل أكبر والحفاظ عليها، لتقديم ما يكفي من الدعم للمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، كما طالبوا المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية بمزيد من الضغط على “النظام” لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الفيروس وتأمين العلاج والحماية لجميع المواطنات والمواطنين على كافة الأراضي السورية، ومراقبة ذلك من خلال مشاركة الأرقام الفعلية للمصابين بفيروس كورونا ضمن مناطق سيطرته.

ودعا البيان إلى المزيد مِن الضغط على نظام الأسد لإطلاق سراح أكثر مِن 130 ألف معتقل في سجونه، وكذلك الضغط على الجهات العسكرية الأخرى لإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين تعسفيًا لديها المعرّضين اليوم لخطر أكبر في ظل تفشي الوباء، والسماح للصليب الأحمر بزيارة كل مراكز الاعتقال والتأكد مِن توفر الظروف التي لا تسمح للجائحة بالانتشار.

وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية من أن سرعة تفشي فيروس كورونا، في مخيمات اللاجئين والنازحين المكتظة، ستفوق بأربع مرات سرعة ذروة تفشيه في مدنية ووهان الصينية منشأ الفيروس، وقارنت وضع المخيمات بسفينة “دايموند برنسيس” السياحية التي تفشّى فيها الفيروس وتم فرض الحجر الصحي عليها في ميناء يوكوهاما الياباني، قبل إخلائها.

————————————-

فقراء دمشق لا يمتلكون حتى خيار الخوف من كورونا

على الرغم من الإجراءات الحكومية، التي اتُخذت للوقاية من انتشار وباء كورونا، كإغلاق المدارس والجامعات، وتعليق الدوام الرسمي لمعظم الموظفين، وإيقاف حركة المواصلات العامة، وإغلاق المطاعم والمقاهي والأسواق التجارية، وحظر التجول المسائي، ومنع التنقل بين المحافظات، وعلى الرغم من إعلان الأمم المتحدة بأن الوضع في سوريا قد يكون كارثياً، وارتفاع عدد المصابين بكورونا إلى نحو 10حالات بينهم حالتي وفاة، لا يكترث كثيرٌ من الناس في دمشق بكل ما ذكر، حيث نجد معظم الشوارع، خلال فترة النهار، مليئة بالمارة، تعج بضجيج السيارات وأصوات الباعة المتجولين.

حين أطل من شرفتي وأرى حركة الناس في الشارع، أتساءل: ألا يخشى هؤلاء البشر على حياتهم؟، ألا يرعبهم كورونا؟، لماذا لا يحجرون أنفسهم في بيوتهم أسوةً بمعظم شعوب العالم؟،  فتأتيني الإجابة من وجوههم المنهكة ومن خطاهم المتهالكة. ببساطة هم ليسوا كشعوب العالم ولا يشبهون سوى بلادهم التي مازالت ترزخ تحت وطأة وباء الحرب الذي يحاصرهم منذ تسعة أعوامٍ اختبروا خلالها أنواعاً لا تحصى من الموت.

الفقراء لا يملكون حتى خيار الخوف من كورونا

في الساعة السابعة صباحاً، يكنِّس أبو عبدالله الشارع أمام بعض البقاليات ومحلات الخضار، التي نجت من قرار الإغلاق، ثم ينقل القمامة بكفيه إلى العربة. لا يرتدي كمامة أو قفازات طبية، فهو لا يكترث للوباء: “تسع سنوات ونحن نلعب مع الموت، نجونا منه أكثر من مرة، لن أتوقع أن رب العالمين سيقتلنا بفايروسٍ غير مرئي”. أبو عبدالله ليس موظفاَ في البلدية وإنما يزاول عمله هذا مقابل بعض المال الذي يجنيه من أصحاب تلك المحلات، إلى جانب بقايا الخضار والفاكهة والخبز اليابس التي يهبونه إياها دون مقابل.

وليس ببعيدٍ عن أبو أحمد، وأمام أحد أكشاك معتمدي بيع الخبز الحكومي يتجمهر عشرات الناس في ازدحامٍ مخيفٍ. نظرة سريعة على هيئاتهم ستكشف أن معظمهم ينتمي للفقراء والمعدمين.  أوقفتُ سيدةً كانت خارجة لتوها من قلب ذلك الازدحام، وقد نزعت، بتأففٍ وغضبٍ، شالها الذي غطت به وجهها كبديلٍ عن الكمامة، وسألتها عن خوفها من خطر التواجد في الأمكنة المزدحمة فأجابت لاهثةً وبكثيرٍ من القهر:” لو كان باستطاعتي شراء الخبز السياحي لما أتيت إلى هنا، فسعر ربطة ذلك الخبز (700 ليرة)  يكفيني وأولادي ثمن وجبة طعام. نحن الفقراء ممنوعٌ علينا أن نخاف من الوباء”.

الطفل عدنان، عامل توصيل الطلبات في سوبرماركت، هو أيضاً لا يكترث للكورونا. يرتدي كمامته ويواصل عمله مبتسماً، ليصعد كل يومٍ عشرات البنايات محملاً بطلبات الزبائن الذين اختاروا البقاء في بيوتهم حرصاً على سلامتهم، وهو خيار ليس بمقدور عدنان وأخيه -الذي يعمل في عملٍ مشابه- اتخاذه، فهما المعيلان الوحيدان لعائلتهما النازحة والتي تعاني ظروفاً معيشية قاهرة.

وخلف عربةٍ صغيرة لبيع الفريز والعوجة يقف أبو غسان، مرتدياً كمامته وقفازاته لينادي على بضاعته القليلة. البائع مقتنعٌ بأهمية وضرورة الحجر الصحي ولكنه لا يستطيع تطبيق ذلك :” أتمنى أن أجلس في بيتي لأرتاح من كابوس الوباء الذي يلاحقني طوال عملي، حيث أضطر للاحتكاك مع عشرات الزبائن، ولكن إن جلست في البيت، ربما أنجو من الكورونا ولكني قد لا أنجو من الجوع”.

قبل أيامٍ، وبالتزامن مع حملة “خليك بالبيت” وتنفيذ قرار حظر التجول المسائي، وفي مشهدٍ درامي، اكتظت معظم المحامص، التي مررت بجانبها، بالزبائن الذين كانوا يشترون مؤونة وفيرة، من المكسرات والموالح وغير ذلك، تكفيهم أياماً وربما أسابيع، وذلك استعداداً لتطبيق خيار الحجر المنزلي. مقابل إحدى تلك المحامص وقف متسولٌ عجوزٌ يستجدي المارة والخارجين بصحبة أكياسهم، منادياً: “ساعدوني الله يبعد عنكن الكورونا”، وعلى بعد أمتارٍ منه كان طفلٌ ينام على الرصيف بأسماله البالية غير آبهٍ بالوباء الذي يرعب العالم.

كورونا يهدد مصدر رزق الفقراء

في إحدى ساحات مدينة جرمانا يقف سائق التاكسي أبو راشد لأكثر من ساعتين، منتظراً  ركاباً، باتوا شبه معدومين، كي يصعدوا إلى سيارته التي يتكفل بتعقيمها عدة مراتٍ في اليوم. يشتكي السائق واقع حاله: ” تضرر عملنا بعد قرار إغلاق المطاعم وبعض الأسواق والمحلات التجارية حيث شُلت حركة الناس بشكلٍ كبيرٍ، كما أن الرعب قد تسلل لقلوبهم فباتوا يخافون من الصعود معنا خشية احتمال إصابتهم بالفايروس”. ويضيف :” أدفع لصاحب التاكسي مبلغاً شهرياً لقاء استثمارها، ونتيجة حظر التجول المسائي تراجعت ساعات عملي ما قد يجعلني عاجزاً عن دفع ذلك المبلغ”.

في ساحة أخرى يتجمع عدد من الرجال الذين يعملون في مهنة العتالة ونقل الأثاث ومواد البناء. تحدق وجوههم، الطافحة بمعالم القهر والوجع، في كل الاتجاهات علَّها تلتقط أحداً يطلبهم في عملٍ ما.

يحدثني أبو ياسر أحد أولئك الرجال عن واقع عملهم خلال أزمة الكورونا: ” قبل يومين قمت بنقل أربعة أكياس رمل وكيسيْ إسمنت إلى شقةٍ في الطابق الخامس لقاء ثلاثة آلاف ليرة، وكان هذا آخر عملٍ قمت به وقد كنت محظوظاً به مقارنة بمعظم العتالين الذين لم يحظوا بأي عملٍ يذكر منذ عدة أيام”. مضيفاً :”عملنا هذا يؤمن قوتنا يوماً بيوم، وقد أصبحنا الآن مهددين بخسارته، إذ لا أحد سيحتاج لجهودنا في مثل هذه الظروف؟”.

وعند الظهيرة تصدح في الشارع عربة بائع البوشار بأغنية “طير وفرقع يا بوشار”، ولكن دون أطفالٍ يتحلقون حولها كما اعتاد البائع الذي يقول:” في السابق كنت أحقق مبيعاتٍ كبيرة، خاصة خلال عودة الأطفال من مدارسهم، وبعد أزمة الكورونا انخفضت مبيعاتي لأكثر من 70%  نتيجة انحسار وجودهم في الشوارع، وأخشى أن يسوء الوضع أكثر فأضطر لإيقاف عملي الذي يشكل  مصدر رزقي الوحيد”.

وحدهم الفقراء يدفعون ثمن القرارات الوقائية

نتيجة قرارات الإغلاق وإيقاف حركة المواصلات العامة تحول آلاف الناس إلى عاطلين عن العمل، وباتوا مهددين بغدٍ مخيفٍ ومجهولٍ، خاصة من ليس لديهم أي مصدرٍ مالي آخر أو أي داعم يلجؤون إليه.

لم يفرح الشاب شادي بمقهاه الجديد الذي أغلقه بعد أسبوعٍ من افتتاحه، حيث يقول: “لنحو شهرين وأنا أستعد للافتتاح. بشق النفس جهّزت المكان وبذلت جهداً في تصميم ديكوراته وقد استدنت لأجل ذلك نحو مليون ليرة، كما أن معظم المستلزمات التي أحضرتها للمقهى لم أسدد ثمنها بعد”. ويضيف بقهر: “ماذا سأفعل الآن لتعويض خسارتي وكيف سأسدد إيجار المكان؟”، أخشى أن يطول أمر الإغلاق وحظر التجول لأنني حينها قد أموت من القهر وليس من الكورونا”.

ويحدثنا سائق السرفيس أبو عمر عن تداعيات توقفه عن عمله: ” كان السرفيس يؤمن عملاً لثلاثة سائقين فتعتاش منه ثلاث عائلات، وخلال الأيام الماضية تقلص دخلنا لأكثر من النصف، ومع قرار إيقاف حركة المواصلات العامة حُرمت عوائلنا من أي دخلٍ وبتنا مهددين بالعوز والحاجة، ولولا المساعدات المالية التي يمدني بها أخوتي لكنت مهدداً بالجوع بشكلٍ فعلي”.

معاناة أخرى يعيشها الشاب مهند الذي كان يعمل نادلاً في مطعم حيث يقول” أتفهم مدى أهمية قرار الإغلاق في الحفاظ على السلامة العامة، ولكن بالمقابل، هل سيدفع لي صاحب المطعم أي تعويضٍ يساعدني على تأمين قوت يومي، وهل سيعفيني صاحب البيت الذي أسكنه من دفع إيجاره؟، وهل سأجد من يؤمن أدوية الضغط والسكري لأمي المريضة؟”.

الإجراءات الوقائية تكلف غالياً 

“درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج”. بالرغم من أهمية ذلك المثل إلا أنه لا يناسب الكثير من الناس في سوريا، إذ باتت الوقاية تحتاج لقناطير من المال، نتيجة جشع تجار الأزمات، فقد وصل سعر الكمامة الجيدة إلى 700 ليرة وأكثر، والسعر ذاته لعلبة الكحول الصغيرة، كما طال الغلاء الفاحش أسعار الصابون ومواد التنظيف، وهو ما شكل عبئاً إضافياً على المواطن الذي بالكاد يتمكن من تأمين لقمة عيشه. وفي مفارقة مؤلمة، دفع أبو غسان (بائع الفريز والعوجة) كل ما جناه من عمل يومٍ كاملٍ لشراء كمامته وقفازاته وعلبة معقمٍ صغيرة.

 وتحتاج تقوية الجهاز المناعي لتناول الأغذية الصحية المتنوعة إلى جانب الراحة النفسية والابتعاد عن التوتر، لكن معظم الناس لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، في ظل تحليق أسعار الفاكهة والخضار، فعلى سبيل المثال،  وصل سعر الموز والتفاح والبصل إلى ألف ليرة، فيما تجاوز سعر الليمون والفليفلة – الغنيين بفيتامين C-  الـ 1600 ليرة. أما اللحوم فقد أصبح شراؤها حلماً بعيد المنال.

ولعل الرجل الذي صادفته في محل بيع الخضار يلخص واقع الحال، فبعد أن كان عازماً على شراء كيلوين من الليمون والبصل، تراجع عن ذلك بغضب حين علم بسعرهما مكتفياً بشراء بصلتين وليمونتين صغيرتين، ومعلقاً بسخرية رمادية: “ينصحوننا بضرورة تقوية مناعتنا !، هل سنقويها بتناول الخبز والعدس والبرغل؟. إن الفقر والألم والحرمان الذي نعيشه كفيلٌ بتدمير جميع أعضاء جسدنا. يبدو أنه ليس لنا من منقذٍ سوى الرعاية الإلهية”.

وعند سؤال أحد اللحامين عن مدى إقبال الناس على ملحمته أجاب متنهداً :”معظم الزبائن يكتفون بشراء مئة أو مئتين غرام لا أكثر، وهناك من يكتفي بشراء العظام لكي يضعها مع الحساء ممنياً نفسه بطعم اللحم، فالناس اليوم بالكاد يستطيعون شراء الخبز والخضراوات الرخيصة”.

مع بداية موعد حظر التجول المسائي وحلول الليل يعم الصمت فجأة، ليخوض الناس معاناة أخرى داخل بيوتهم التي تغيب عنها معظم وسائل الترفيه والتسلية وأبسط مقومات الحياة، نتيجة الأزمات السابقة التي مازالوا يعايشونها، كفقدان الغاز المنزلي والانقطاع الطويل للكهرباء وسوء خدمات الإنترنت التي تعيق إمكانية التواصل الالكتروني الذي بات المتنفس الوحيد أمامهم.

أحدِّق في نوافذ البيوت المعتمة، أفكر بحال ساكنيها. ماذا يفعلون الآن؟ وماذا يخبئ الغد لهم؟، ترى هل يستطيعون إلى النوم سبيلاً في ظل الكوابيس التي تداهمهم في نومهم وصحوهم؟.

About the Author: Amer Fayyad                 

عامر فياض موسيقي وكاتب سوري – دمشق

صالون سوريا

————————————

كورونا، حرب جديدة في دمشق/ سلوى زكزك

يكتسح فيروس كورونا شاشات الأخبار ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي  وكأنه يغزوها فيصيبها في مقتل، يتجاوز الشاشات ليحضر بقوة بين الناس، في البيوت وفي الغرف الضيقة وفي المطابخ والمدارس ومراكز العمل وصولاً للأسواق والأمكنة العامة والطرقات والمشافي.

في المصعد تتردد الأصابع بالضغط على رقم الطابق المراد الوصول إليه، الجميع يحتاج لمغامر يُبادر لضغط زر الإقلاع. يتردد السوريون بخجل في إعلان عدم رغبتهم بالتقبيل ولا حتى بالمصافحة. البعض يُحيي ملوحاً بيديه من بعيد والبعض الآخر يرمي قبلات طائرة في الهواء، والبعض يحافظ على عاداته بالحضن والتقبيل المبالغ به في حالة نكران معلنة.

في البداية تعامل غالبية السوريين مع الخبر بالسخرية أو باللامبالاة، قالوا إنهم موتى منذ سنين تسع، ولن يزيد فيروس سخيف من مآسيهم المتعددة والتي تبدو مستمرة دونما توقف أو تباطؤ. لكن الوضع تغير بعد القرار الرسمي بتعطيل المدارس والجامعات وبتقليص ساعات دوام العاملين في القطاع العام والخاص وفي البنوك والشركات والمؤسسات المالية، وذلك اعتباراً من الخامس عشر من آذار وحتى الثاني من نيسان. أوقف هذا القرار كل النشاطات الجماعية من مباريات رياضية أو رحلات المسير أو الندوات والمحاضرات والاجتماعات العامة، حتى أن القرار أُلحق بتأكيد على وقف الصلوات الجماعية في المساجد والكنائس، واستكمل رجال الدين التعليمات بحيث دعوا إلى التقليل قدر الإمكان من المشاركة بالجنازات وبالتعازي. كما  دعا الأطباء والمسؤولون الصحيون الى التقليل من عدد مرافقي المرضى، لدرجة وصل الأمر بالبعض إلى الدعوة إلى حملة عنوانها “خليك بالبيت”  حفاظاً على السلامة وتجنباً للعدوى. تلاها حملة عنوانها “نحنا قدها” تقدم النصائح والتوعية والخدمات الممكنة للناس الذين اختاروا عزلاً طوعياً أو أن سنهم المتقدم أو إصابتهم بأمراض مزمنة دعتهم لتجنب أي اختلاط وامتنعوا عن مغادرة بيوتهم حرصاً على سلامتهم وأملاً بالتخفيف من أية إصابة محتملة ولو برشح عادي قد تتضاعف آثارها وتجعل من إصابتهم فرصة محتملة تهددهم بالخطر بسبب ما يعانون منه من أمراض تجعلهم عرضة للإصابة المباشرة أو الأكيدة بفيروس الكورونا  ومضاعفاته التي قد تكون مميتة لهم.

وعلى الرغم من أن الجائحات الخطرة عادة ما تترافق بحالات هلع شديدة تدفع الأفراد للتخزين المبالغ به وخاصة للأدوية والمواد الغذائية والمعقمات ومواد التنظيف، إلا أن الحركة التسوقية في دمشق كانت باردة بشكل عام، ماعدا بعض المناطق المزدحمة مثل مساكن برزة وجرمانا، اللتين شهدتا مبالغة في زحف الأفراد وخاصة إلى المخزنين الكبيرين فيهما (مول قاسيون ومول جرمانا ). وتقول سيدة (لا تريد الإفصاح عن اسمها) تسكن في جرمانا بأن مول جرمانا شهد ازدحاماً مرعباً يوم السبت، فرغت بعده الرفوف من المواد الأساسية، وتقول إنها رأت بعينها فواتير البعض التي وصلت إلى ما فوق المائة ألف ليرة، وهو مبلغ كبير في سورية تعجز الغالبية عن أن تملكه، وإن توفر لها، لا يمكنها إنفاقه دفعة واحدة لحاجتها لمبالغ كبيرة لإنفاقها في مناح حياتية متعددة.

نقلت سيدة أخرى على صفحتها على الفيس بوك معاناة سائقي التكسي الذين يعانون من قلة الطلب على خدماتهم، بسبب قرار الغالبية بالجلوس بالبيت، أو بسبب نقص السيولة الذي يعتبر سمة عامة للسوريين، وقد قال أحد السائقين والذي قرر ارتداء الكمامة للوقاية قدر الإمكان من الاختلاط بالركاب بأن الراغبين باستقلال سيارة أجرة كانوا يعدلون عن الطلب إليه للتوقف لنقلهم إلى وجهتم فور رؤية الكمامة، توجساً من إصابته بالكورونا أو من وساوسه حسب توصيفهم في ظل ترد شبه عام للوعي الصحي وفي ظل ثقافة شعبوية تعوّم مفاهيم التوكل والقدرية والتردد والعزوف عن تنفيذ أية تعليمات وقائية كائناً من كان مصدرها، إضافة لفقدان الثقة بكافة الإجراءات الرسمية. كما أشار إلى شكوى سائق آخر من روائح الكحول والمعقم الذي يسكبه الركاب على أيديهم وأجسادهم للوقاية، مما يسبب له الاختناق نظراً لإصابته بالتحسس المزمن. ويضع بعض سائقي الحافلات العامة الكمامات على وجوههم ومن لا يحتمل بقاءها على وجهه يترك المقعد الملاصق له مطوي الظهر وفارغاً كي يخفف قدر الإمكان من التقارب الشديد مع راكب قد يكون مصاباً.

وقال لي أحد المعارف مُعلقاً على حال السوريين بعد قرارات التعطيل واتساع انتشار فيروس كورونا وتوصيفه كجائحة عالمية، بأن لا شيء تغير في أحوال السوريين سوى أنهم انتقلوا من خطاب “الله يفرّج” لخطاب “الله يتلطف”!! مشيراً إلى أن البؤس وضيق ذات اليد وتعثر النمو الاقتصادي والأمان النسبي بقي على حاله لكن الخطاب يتبدل لمراعاة الظروف المستجدة.

اللافت في تعامل السوريين مع جائحة فيروس كورونا هو الازدحام الخانق على الأفران العامة والخاصة، حتى خبز السندويش شهد طلباً زائداً عليه، وكذلك الكعك الحلو والمالح والتوست وكافة أنواع المعجنات. ويسعى السوريون بشكل دائم لتخزين الخبز، لأنه ملحهم وقوتهم اليومي ولأن الفوز به يتطلب وقوفاً طويل الأمد في طوابير لشرائه، حتى أفران خبز السكري شهدت تزايداً بعدد طالبي الخبز وبازدياد الكميات المطلوبة وخاصة أن مرضى السكري يرغبون بتخزين الخبز في ثلاجاتهم ومن ثم الاستسلام للحجر الطوعي بعد أن اطمأنوا إلى توفر الخبز القابل للعيش فترة طويلة والصالح للمشاركة مع أي مادة غذائية أخرى لتتحول المادتان إلى وجبة كافية.

ولابد من الإشارة إلى نفاذ مادة الكحول الايتيلي من الأسواق والتي تم التوجيه بأنها المادة الأكثر توفيراً للوقاية وللأمن الصحي. وقد شهدت الصيدليات ازدحاماً خانقاً أيضا للحصول على الكحول وعلى المعقمات الشخصية وعلى الأدوية للأمراض المزمنة وأدوية التهابات الأطفال وخافضات الحرارة والكمامات. وقد وصل سعر الكمامة الواحدة إلى ثلاثمائة وخمسين ليرة بعد أن كانت تباع بخمسين ليرة فقط، هذا بالإضافة إلى ارتفاع فجائي وسريع بأسعار الخضراوات والفواكه وخاصة الليمون والحمضيات والبطاطا لزيادة الطلب عليها، خاصة لما أشيع عن فوائدها الطبية وعن إمكانية تخزينها.

وإن استقبل السوريون أخبار فيروس الكورونا بالسخرية وبترويج الفكاهات والنكات وبتحويل كلمات الأغاني الشعبية مثل الدلعونا إلى كلمات تناسب وتعاصر انتشار فيروس كورونا، إلا أن السخرية المُرة أيضاً طفت على السطح وانتشرت بخيبة وبمرارة، خاصة حيال إجراءات الحماية المطلوبة والضرورية في خضم حاجات يومية لا يمكن للسوريين تلبيتها دونما الانتظام في طوابير لا تؤمن السلامة لأحد، لابل تهدد السلامة الشخصية بشكل مباشر، مثل الوقوف في طوابير للحصول على مخصصات الرز والسكر والمواد التموينية المخفضة والتي تباع حصراً في المؤسسات العامة الاستهلاكية وكذلك الوقوف في طوابير لاستلام الرواتب الشهرية من الصراف الآلي. هذا عدا عن الازدحام في المشافي العامة، رغم أن حالات عديدة لجأت للمشافي بدافع الهلع فحسب ومع مرافقة عددية كبيرة من الأهل أو الأصدقاء أو الجيران، مما فاقم من حالات الازدحام ومن تعثر تأمين سرعة الفحص والتشخيص وتقديم الإسعافات أو المساعدات الطبية اللازمة.

أما الأطفال فقد تعاملوا مع قرار العطلة وكأنه مكافأة لهم، لدرجة أن طالباً قال لمديرة مدرسته الجديدة: (أنت أحلى مديرة بالعالم ع وجهك إجت كل العطل!). أما ذوو الطلاب فقد شعروا بمسؤولية مضاعفة، تفرض عليهم البقاء في المنزل مع أطفالهم وإن اضطروا لأخذ إجازات طويلة من العمل ومحاولة تعويض ما سيترتب من نقص علمي لأن الدراسة توقفت وبالتالي فإن إعطاء المنهاج كاملاً خرج عن دائرة التحقق.

وقد أخبرتني إحدى الأمهات أنها فكرت بالسفر إلى قريتها لأن الجو أنظف وبيت القرية أوسع، لكنها خافت من الانتقال بالحافلة الضيقة والتي لا يراعي فيها أحد شروط السلامة العامة، عدا عن أن أجرة التنقل باتت مكلفة ومرهقة جداً والبيوت في القرية خالية من التدفئة والمونة.

هذا وقد سعى بعض الأساتذة لدعم طلابهم بدروس عبر الانترنت. أما أهالي طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية فقد نظموا زيارات الأساتذة الخصوصيون لأبنائهم لتقديم الدعم اللازم والمراجعة الشاملة والواجبة للمنهاج متضمناً كل الدروس التي لم تُعطى لهم، في محاولة لتعويض كل ما خسروه في الصفوف بسبب قرار العطلة قبل وقت الانقطاع الطبيعي.

ينتظر السوريون\ات بلهفة وقلق انحسار جائحة فيروس كورونا، ليعودوا إلى أعمالهم التي توقفت لتتوقف أرزاقهم معها، وليخففوا من الأعباء المالية الطارئة لتأمين السلامة الشخصية وشراء الأدوية والكحول والمعقمات، وليشعروا أن عبئاً جديداً قد انزاح عن صدورهم المثقلة بالخوف والحرمان والنقص شبه الدائم والمتفاقم لأساسيات حياتهم اليومية في كافة مناحيها. مازال البعض متأملاً بقدرة خارقة تُنقذهم، متجاهلاً فرضية الانتشار والخطورة الفائقة للوباء المرعب، بينما تتصاعد مخاوف المختصين وخاصة الجسم الطبي والعقلاء من لحظة انفلات للفيروس لن يقدر حينها أحد ولا بأية مقدرة من القضاء عليه أو لجمه. أما مجمل السوريين\ات فيتأملون بحل خارق أو بضربة حظ تُنقذهم من وباء الكورونا.

About the Author: Salwa Zakzak                 

سلوى زكزك كاتبة سورية

———————————

الوباء والسياسة/ بكر صدقي

يبدو، للوهلة الأولى، كما لو أن وباء كورونا الذي بلغ عدد المصابين بعدواه مليوناً ونصف المليون على مستوى العالم، قد نحى السياسة جانباً، لمصلحة مواجهة مشتركة لتطويق النتائج الكارثية. هذا ما يوحي به الإعلام الذي كاد يتفرغ لموضوع وحيد هو الوباء وأرقامه اليومية، والتدابير المتخذة لاحتوائه، والتوقعات المشؤومة بشأن الآثار الاقتصادية المدمرة التي ستنتج عنه، والتأملات الفلسفية بشأن عالم ما بعد كورونا، ما الذي يحتمل أن يتغير في حياة البشر، أفراداً ومجتمعات، وتنظيماتهم السياسية على المستويين القومي والأممي، ونظرتهم إلى شرط الوجود البشري على الكوكب، وعلاقتهم بالبيئة الطبيعية..

لكننا نرى، في الواقع العملي، أن السياسة لم تغب، وما كان لها أن تغيب، في سياق واحدة من أخطر الأزمات التي يواجهها البشر. ثمة عنصران تصدرا المشهد، بصورة لا مفر منها، هما السلطات الحكومية والسلطات الصحية. صحيح أن الثانية هي جزء من الأولى، وتابعة لها، لكنها الآن صاحبة الكلام. بتنا نرى وزراء الصحة في مختلف الحكومات أكثر مما نرى رؤساءها أو وزراء خارجيتها كما عهدنا دائماً. السلطة الصحية هي التي «تعرف» التدابير التي ينبغي اتخاذها، وإن كان القرار باعتمادها في يد الحكومة أو رئيسها أو رئيس الجمهورية، وفقاً للنظام السياسي القائم في كل بلد. يمكن القول إن الواجهة الصحية للدولة هي البارزة اليوم في مقدمة المشهد. هذا ما قد يوحي بتأملات من نوع توقع شيوع حكومات تكنوقراط تحل محل الحكومات المشكلة على أساس سياسي، أو هيمنة «طبقة الأطباء» على الحياة السياسية.

من جهة أخرى، برز الاهتمام بالنموذج الصيني في مواجهة الوباء، وهو يجمع بين التوتاليتارية السياسية والتقدم التكنولوجي الموظف في خدمة مزيد من المراقبة والضبط لجميع أفراد المجتمع. فقد استخدمت السلطات الصينية الذكاء الاصطناعي والروبوتات والمراقبة على مدار الساعة عن طريق الهواتف الذكية، لضبط مسارات انتشار الوباء ومحاصرته، بما في ذلك وضع كاميرات مراقبة وأجهزة حساسة على مداخل كل الأبنية في مقاطعة ووهان تقدم للسلطات الصحية أولاً بأول درجات حرارة كل شخص يتعرض لنطاق فعاليتها. من نافل القول إن هذه التكنولوجيات قادرة على رصد كل ما يفعله الأفراد ويقولونه، وكل اتصالاتهم بأشخاص آخرين، وجهاً لوجه أو عن بعد. هذا مخيف، يقدم شيكاً على بياض للسلطات السياسية للتدخل في أدق تفاصيل حياة السكان، ومن شأنه أن يلغي السياسة بما هي تعبير عن مصالح وأفكار وتطلعات متباينة، وأن يلغي الثقافة بما هي رؤية نقدية للعالم، لمصلحة بعد وحيد تقني يختزلها إلى تعليم وتطوير تكنولوجي دائم.

مقابل هذا النموذج الأورويلي في الصين، رأينا ما يقارب الإفلاس في مواجهة أزمة الوباء لدى النموذج الليبرالي الجديد القائم في دول الغرب. بدا وكأن الأمر يتعلق بزلزال غير متوقع داهم تلك البلدان على حين غفلة، مع العلم أن الخبراء كانوا قد حذروا من سيناريو مطابق تقريباً لما يحدث الآن، بشأن جائحة فيروسية قادمة. لكن حكومات معظم تلك الدول لم تعامل بالجدية المطلوبة من تلك التحذيرات، فرأينا الأنظمة الصحية تنهار تحت ضغط الانتشار السريع للوباء.

وفي بلد كتركيا حيث تجاوز عدد الإصابات بالعدوى 34 ألفاً، وعدد الوفيات بسبب العدوى 720، تستمر التجاذبات السياسية بين السلطة والمعارضة، سواء في موضوع التدابير الاستثنائية الخاصة بمواجهة الوباء، أو بخصوص مشروعات قوانين مطروحة على البرلمان كالمشروع المتعلق بإعادة النظر في قانون العقوبات. وتأخذ الأصوات المعارضة على الحكومة قصور إجراءاتها الاجتماعية الخاصة بدعم الطبقات الدنيا وتمكينها من مواجهة الأزمة، وعدم شفافيتها فيما يتعلق بالأرقام المعلنة بالنسبة لعدد الإصابات وعدد الوفيات، والأهم من ذلك ممارستها لسياسة استقطابية مؤذية بدلاً من تعزيز روح الوحدة في مواجهة الكارثة.

يقول الصحافي روشن تشكر إن «كل شي قد يتغير بعد هذه الأزمة باستثناء الرئيس رجب طيب أردوغان» الذي يتهمه بأنه لم يتخل، أثناء الأزمة، عن نهجه الحزبي وكأنه ليس رئيساً لكل تركيا، بل فقط لحزب العدالة والتنمية ومناصريه. فقد رأس اجتماعاً في القصر لرؤساء بلديات المدن التركية اقتصر على أعضاء الحزب منهم، وقال في الاجتماع إنه يجب تحويل الأزمة إلى فرصة سياسية.

ورأى كتاب معارضون ترجمة هذه الكلام عملياً في منعه رؤساء بلديات من أحزاب معارضة من تنظيم حملات جمع تبرعات لمساعدة الأسر المتضررة من البطالة الإجبارية بسبب الوباء، وأبرزهم رئيس بلدية إسطنبول، بدعوى عدم السماح بوجود «دولة داخل الدولة»! وأطلق الرئيس رداً على الحملات التي منعها حملة تبرعات لم تتجاوز حصيلتها ملياراً ونصف من الليرات التركية، انتقدتها المعارضة لهزال حصيلتها من جهة، ولأن على الدولة أن تقدم للناس، في أوقات الأزمات، لا أن تطلب منهم التبرع، حسب رأيها.

أما فيما خص تعديل قانون العقوبات، فقد انتقدته المعارضة لأن المشروع سيؤدي، في حال إقراره، إلى خروج آلاف المجرمين من السجون، وإبقاء سجناء الرأي من صحافيين وسياسيين فيها.

شكلت جائحة كورونا، في جانب منها، مرآة سياسية لأحوال السياسة في مختلف البلدان والمواقع، حيث حكومات تسعى وراء تحقيق «قصة نجاح» تطيل في عمرها في السلطة، وأخرى وجدتها فرصة لتشديد القبضة على المجتمع، وعصابات حاكمة، تتصرف وكأن شيئاً لم يستجد، كما هي الحال في سوريا ومصر ولبنان وأمثالها من البلدان المنكوبة.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————

كورونا ومخيمات المهجرين السوريين/ أحمد عيشة

في الوقت الذي تسعى فيه معظم دول العالم وبكل ما تملك من وسائل للحد من انتشار فيروس كوفيد -19 (كورونا)، وتعلن بمختلف الوسائل الإعلامية فضلاً عن الطواقم على الأرض بضرورة البقاء في البيت (عزل ذاتي)، وغسل اليدين المتكرر بالماء والصابون، وترك مسافة لا تقل عن متر بين الأشخاص، وضرورة الغذاء الجيد، ومراجعة المراكز الطبية المختصة بحال الشعور بأي من أعراض ذلك الفيروس المعروفة، تبدو مثل تلك النصائح والإجراءات غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة لمئات الألوف من سكان المخيمات، ولأكثر من خمسة ملايين مهجر في مناطق الشمال السوري، والمخيمات في دول اللجوء.

ففي المخيمات الممتدة من إدلب حتى مدينة الباب مروراً بالشريط الحدودي على أطراف مدينة اعزاز، تتلاصق الخيام من دون مسافات بينها ومن دون تهوية معقولة، ناهيك عن الازدحام داخلها، يعيش في كثير منها أكثر من خمسة أشخاص بمساحة لا تتعدى الخمسة عشر متراً مربعاً.

في هذه الخيام، لا يتعذر فيها العزل فقط، بل حتى الهمس أيضاً، ناهيك عن اضطرار المهجرين إلى اقتطاع مساحة صغيرة من هذه الخيمة وتحويلها إلى مطبخ ومنتفعات “صحية”. أما قضية المياه فهي قصة أخرى، فمعدلها في اليوم وفي أفضل الأحوال ساعتان يسارع فيها الناس إلى تعبئة ما لديهم من براميل بلاستيكية وغيرها من الأوعية لتكفيهم لليوم التالي، ناهيك عن شحها الكبير في الصيف.

هذا بالطبع فيما يُدعى بالمخيمات “النظامية”، أما في الخيام العشوائية المنتشرة بين أشجار الزيتون على طول المنطقة الحدودية، وخاصة بعد التهجير الأخير من محافظة إدلب وريف حماة عقب الهجوم الأخير لكل من النظام وداعميه روسيا وإيران التي طالت حوالي المليون إنسان، حوالي نصفهم من الأطفال، فالأمر أكثر قسوة ويصعب تخيله، إذ يقترب كثيراً من الجحيم.، حيث ينام العديد منهم في العراء وسط الظروف القاسية.

وسط هذه الكثافة السكانية الكبيرة، وانعدام فرص العمل بغض النظر عن الظرف الحالي وارتفاع معدل البطالة بين القادرين على العمل لدرجات مخيفة وهو الأمر الذي ينعكس على صعوبة تحمل تكاليف العيش، وبالطبع يصبح الحصول على الغذاء “الجيد”، من باب الترف، فأكثرهم يعيشون على حدود الكفاف. ففي ظل مثل هذه الظروف التي تفتقر إلى تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة، ناهيك عن التدمير المقصود من النظام ومعسكره للمشافي والنقاط الطبية في حملاته المتكررة، سيكون من الصعب للغاية منع انتشار المرض بين المهجرين السوريين، وخاصة بين سكان الخيام، في حال وصل هذا الوباء إلى تلك المناطق، وهو الخوف الذي صرحت به منظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الإنسانية العاملة في تلك المنطقة، ما لم يتم اتخاذ تدابير جدية من الدول، تدابير لا تقتصر على الدعم بأجهزة الاختبار والتنفس وغيرها من الملحقات وأجهزة الوقاية الشخصية التي لا يمكن لكثيرين حتى شرائها، وإن كانت ضرورية وملحة اليوم.

أما حال المهجرين الموجودين في المخيمات اليونانية، فليس أحسن حالاً، حيث يعيشون في مخيمات مكتظة بأضعاف طاقتها الاستيعابية. فمخيم موريا -جزيرة ليسبوس- الذي يشغل مساحة صغيرة بين أشجار الزيتون، والذي يسكنه 20,000 طالب لجوء في مساحة مخصصة لـ 3,000، يشكل بيئة مواتية لانتشار الفيروس الوبائي؛ فسوء المعاملة ونقص الخدمات الطبية والغذائية، ناهيك عن سوء الصرف الصحي في المخيم (صنبور مياه واحد لكل 1300 شخص، أما الصابون فهو نادر الوجود). وسط هذه الظروف السيئة التي يعيشها المهجرون، وكجزء من الإجراءات الاحتياطية تخوفاً من هذا الوباء، فرضت اليونان حظر التجول على اللاجئين والمهاجرين في هذا المخيم. ومع ورود أخبار عن أول إصابة بهذا الفيروس في المخيم، يصبح الأمر أكثر قلقاً على حياة الآلاف فيه، حيث: “سيكون من المستحيل احتواء تفشي المرض في مثل هذه المخيمات في ليسبوس وغيرها من المخيمات”، على حد قول المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليونان، الدكتورة فوشتن.

لم يكن هذا فقط ما يعانيه المهجرون في تلك الجزيرة، فتعامل المتطرفين اليمينيين معهم أكثر سوءاً، والذين ينشرون معلومات كاذبة مفادها أن اللاجئين والمهاجرين ينشرون الفيروس مما يزيد أكثر من المشاعر العدائية المتنامية بين أوساط اليمين الأوروبي، وحتى الصحفيين والأطباء والعاملين في المجال الإنساني لم يسلموا من تلك الشائعات والنبرة العدائية، إذ تعرض بعضهم للضرب، كما أحرقوا بعضاً من مستودعات لتخزين المواد الغذائية، ولم يقتصر الأمر على المتطرفين، فقوات الأمن شاركت بصورة بشعة من خلال مهاجمة بعض الزوارق للقادمين الجدد بقصد إغراقها.

بينما تحاول جميع البلدان التعامل مع الوباء بكل جدية، هناك خطر حقيقي جراء التغاضي عن وضع المهجرين السوريين وخاصة الذين يعيشون في الخيام، لكونهم الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس بسبب ظروفهم المعيشية واكتظاظ مخيماتهم. فكيف يمكن لسكان المخيمات أن يقوموا بالإجراءات التي تعلن عنها كل الدول وهم يفتقدون لأبسط مقومات الحياة من مياه وغذاء وخدمات طبية، ناهيك عن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة بين القادرين على العمل، حيث لا يقدم لهم سوى معونات شهرية لا تكفي ربع حاجاتهم، وكيف يمكنهم تحقيق العزل وهم يفتقدون لأدنى مساحة يرتاحون فيها، وأن الوقوف في طابور الغذاء في مخيمات اليونان قد يستغرق ساعات…

يأتي هذا الوباء في وقت محفوف بشكل خاص حيث إن مستقبل المهجرين واتفاق الهجرة بين الاتحاد بالمخاطر الأوروبي وتركيا موضع خلاف. بالتأكيد يتحمل المجتمع الدولي، وبالتحديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليس فقط المسؤولية في زيادة مساعدته الإنسانية والطبية وتقاسم العبء مع الجيران واستضافة اللاجئين ومعالجة طلبات اللجوء بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني، وإنما باتخاذ موقف جدي ضد روسيا ونظام الأسد نحو إيجاد حل جدي للمهجرين ولغالبية السوريين يزيل عنهم كابوس القهر الأسدي والانتقال لمرحلة جديدة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين والاتفاق على شكل الحكم المقبل الذي يضمن حياة كريمة لكل السوريين، وهذا الموقف لا يكون مرهوناً بوقف مساعدات إعادة الإعمار ورفع العقوبات، وإنما التلويح بالقوة إن اقتضى الأمر.

هل ستدفع كارثة وباء كورونا المجتمع الدولي نحو الالتفات الجدي لمأساة السوريين المتلخصة في بقاء هذا النظام المستبد والذي صار عائقاً أمام حياة جميع السوريين، وليس فقط المهجرين؟ فحياة عشرات الآلاف من المعتقلين مهددة، والملايين مهجرة في الداخل، ومثلهم خارج سوريا، وطوابير المواد الغذائية في عموم سورية مرعبة، والناس تعيش حالة افتقار تصل حد الجوع، أم أنها ستكون ردة كارثية تشجع المستبدين في حدود بلدانهم؟ وفي الجواب على هذا تتكشف صلابة القيم الديمقراطية التي قام عليها العالم الغربي اليوم.

تلفزيون سوريا

———————————-

مأساة مخيم موريا المتكررة: خوف وموت ومرض وعزل وكورونا/ غياث الجندي

المخيم كرم الزيتون في حالة ميؤوسة منها، إنهما يفتقدان النظام والأمان الصحي في هذه الفترة الحرجة حيث العالم بأكمله في حالة خوف من انتشار فيروس الكورونا بينما يعيش آلاف اللاجئين واللاجئات في حالة ذعر من انتشار المرض. “سننتهي جميعنا إن وقع شخص واحد ضحية هذا الفايروس”، تصرخ لاجئة، وهي تحمل طفلها الصغير بعد أن تعذر إيجاد أي نوع من المعقمات حيث خلت الصيدليات والمتاجر منها بشكل كامل

“لم يكن لدي أي خيار آخر، لم يسمح لي الاستقرار بتركيا وبقي خطر الترحيل أو الابتزاز منغصا لي خلال الأشهر الستة التي عشتها في تركيا. لم يكن لي أي خيار إلا أن أصدق كذب المهرب لكن بالتأكيد صدمت أن الأمور هنا بهذه الحالة من السوء”.

أعاد فهد الجملة مرة ومرتين وثلاثة وهو ينظر نحو البحر، إذ لم يكن يدرك أن الأمور ستنتهي به وبعائلته بين أشجار الزيتون المكسرة خارج مخيم موريا في جزيرة ليسفوس اليونانية. فلقد أُخبروه بأن الأمور تمشي على مايرام والطريق إلى أوروبا ستفتح بعد قليل من وصوله إلى شواطئ الجزيرة.

“كانت الرحلة منهكة ومخيفة. كنت أراقب أطفالي مع كل قطرة ماء تقفز من البحر وتهطل علينا في المركب المزدحم. كان الأطفال يصرخون والرجال والنساء يبكون/ن من الخوف على الأطفال وعلى أنفسنا”. هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت.

تابعت حركات فهد، وهو يشرح لي الجزء الثالث من مأساة عائلة سورية قذفتها الحياة من مدينة إدلب “بعد قصف وحشي من الطائرات الروسية وطائرات النظام” إلى فراراه إلى تركيا قبل ستة شهور، ومعاناته الشديدة هنالك والتهديد بالترحيل، إلى وصوله اليونان.

يقول لحكاية ما انحكت: “حاولت جاهدا أن أبقى في تركيا. ولكن كان ذلك مستحيلا. كنت في أي لحظة معرّضا للترحيل، ولم يبقى لي إلا حلم الأمان باليونان ولكني الآن ربما أدركت أن ذلك كان وهما أيضا”.

هذه باختصار حالة الكثير من العائلات التي عانت الأمرين للوصول إلى اليونان بعد سلسلة من الهزائم في الصراع على إيجاد مكان آمن لهم.

لا ملجأ سوى أشجار الزيتون

يعيش فهد مع عائلته، كما عائلات أخرى في كرم للزيتون خارج مخيم موريا بعد أن ضاق المخيم بساكنيه، فهو مصمم لاستيعاب أقل من 2500 لاجئ ولاجئة، بينما تجاوز عدد اللاجئين حاليا 22000.

تتراكم الخيم فوق بعضها البعض فلقد امتدت الخيم إلى التلال المحيطة بالكرم وإلى الوادي المحيط بالمخيم. عائلات لا تعرف بعضها البعض تتشارك بخيمة واحدة، مقسمة بستار أو بطانية عسكرية وزعتها عليهم الأمم المتحدة.

خيام بين قبائل الذباب والقمامة

ومع تجاوز كرم الزيتون القدرة على الاستيعاب، تقلصت المساحة المتاحة للأطفال للعب أو الجري أو حتى الوقوف للتفرج على ما يجري في العالم المحيط بهم. فبين الخيمة والخيمة مسافة قصيرة تشغلها الحبال المثبتة للخيم وعلى اليمين، ومن كل الجهات تحاصر الخيم أكوام القمامة برائحتها الكريهة وقبائل الذباب الحائم حولها.

لا مكان للطفولة

للمرة الأولى أرى هذا العدد من الأطفال، وخصوصا أطفال تحت سن الخامسة. البعض منهم اخترع بعض الألعاب من الحجارة أو الحصى الموجودة بكرم الزيتون والقسم الأكبر يقف على حافة الكرم ليرى العابرين المنسيين على  الطريق الترابي الخشن. ليس هنالك مدرسة ولا أقلام، وليس هنالك طعام نظيف ولا نظافة، بل هنالك نفس الثياب لجميع الفصول، ثياب الصيف نفسها ثياب الشتاء.

سألت أحد الأطفال: “ماذا يريد أن أجلب له من المدينة؟ فقال لي: “باص صغير أو سيارة صغيرة” أجابته والدته: وأين ستلعب فيها؟ وعلى الفور ذبلت ابتسامته ونظر نحو الأرض. حكاية هؤلاء الأطفال هي قلب الألم في هذا المخيم المعزول عن الإنسانية وعن الحياة الطبيعية.

خيبة الحلم بأوروبا والخوف من كورونا

“هل فعلا هذه أوروبا؟ أم نحن في مخيم للنازحين في إدلب” سمعت هذه العبارة من العديد من اللاجئين واللاجئات. الصدمة لا يمكن أن تخفي نفسها من عيون هؤلاء.

المخيم وكرم الزيتون في حالة ميؤوسة منها. إنهما يفتقدان النظام والأمان الصحي في هذه الفترة الحرجة حيث العالم بأكمله في حالة خوف من انتشار فيروس الكورونا بينما يعيش آلاف اللاجئين واللاجئات في حالة ذعر من انتشار المرض.

“سننتهي جميعنا إن وقع شخص واحد ضحية هذا الفايروس”، تصرخ لاجئة، وهي تحمل طفلها الصغير بعد أن تعذر إيجاد أي نوع من المعقمات حيث خلت الصيدليات والمتاجر منها بشكل كامل. كل ما كنت أسمعه هو طلب المعقمات وكانت النتيجة واضحة “غير موجود”.

فوق الموت “يمين متطرف”

قبل أيام، قامت جماعات من اليمين المتطرف بمهاجمة اللاجئين، وأيضا هاجموا بعنف شديد المتطوعين والمتطوعات وغالبيتهم من الأطباء والطبيبات والممرضات، فاضطر هؤلاء لمغادرة الجزيرة، وبذلك أصبحت الخدمات الطبية شبه معدومة.

وفي الأيام القليلة الماضية فرض ما يشبه حظر التجول على مخيم موريا وصارت حدود تحركاتهم محدودة جدا فلا يمكنهم الوصول لمدينة متيليني عاصمة الجزيرة، ولا يمكنهم أيضا الذهاب للقرى المحيطة. وما زاد الطين بلة قطع إدارة المخيم مساعداتهم المالية القليلة بالأساس بحجة أن العاملين لا يمكنهم الوصول لمكان عملهم. لقد تُرك هؤلاء اللاجئون في حالة من الفراغ غير المسبوق، فلا يمكنهم الحصول على الأدوية اللازمة ولا يمكنهم شراء الحاجات الأساسية للطعام والشراب. وهنالك مشكلة حقيقية في الوصول إلى المياه النظيفة حيث صار انقطاع المياه عن المخيم حالة معتادة.

وللأسف تترافق كل هذه المعطيات المخيبة للآمال مع محاولة العالم كله التغلب على فيروس كورونا بينما ينام لاجئو ولاجئات مخيم موريا جنبا إلى جنب مع الرعب من الإصابة.

بانتظار الكارثة

كما في العالم الخارجي الآن، لا يفرق الوضع الحالي بين قادم جديد إلى المخيم  وبين مقيم قديم. فالكل مشمول بالكارثة المحتملة لانتشار وباء الكورونا والكل منشغل باليأس المحيط بهم. فالمخيم وما جاوره شديد الازدحام، فلا مسافة أمان أو تباعد يمكن الحصول عليها ولا مقومات صحية أو نظافة معقولة يمكن تأمينها. هنالك لاجئون مازالوا ينتظرون منذ سنوات ولكن لم يعطهم هذا الانتظار أي خصائص أو مزايا أكثر  من الذين وصلوا حديثا. هنالك أيضا أطفال ولدوا في الأسابيع الماضية، وهنالك رجال ونساء تزيد أعمارهن عن السبعينات ويبدو أن السلطات اليونانية قررت أن أكثر ما يمكن القيام به هو عزل هؤلاء الناس عن بقية المناطق، فإن أتت الكارثة فلتأتي في تلك الدائرة فقط.

لكني، مازلت أتذكر ذلك الصوت الذي مر علي مرات ومرات خلال أيام “فقط نريد أن نعيش بأمان كناس طبيعيين. ليس لدينا طمع في أي شي فنحنا فقط هربنا لننجو من الحروب”.

جكاية ما انحكت

———————————-

“سنعيش الجوع والتشرد”… عرب يواجهون كورونا في تركيا/ فادي الحسني

في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة التركية تدابير احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، تواجه فئة كبيرة من الشباب العرب المقيمين في تركيا أزمة بطالة، على ضوء التوقف المفاجيء عن العمل.

يلزم غالبية الشباب العرب، مثل غيرهم، مساكنهم هذه الأيام، والكثير منهم لا يغادرون إلا للضرورة القصوى، إثر فرض حظر التجوال على من تقل أعمارهم عن عشرين عاماً، مع عدم السماح للتجمعات في الأماكن المفتوحة، بما فيها الشوارع، إلى جانب إجراءات أخرى تبنتها الحكومة التركية قبل أيام للحيلولة دون تفشي الوباء.

تراجُع ضجيج إسطنبول يعكس في حقيقة الأمر التوقف شبه الكامل لمظاهر الحياة، بما في ذلك عجلة الاقتصاد، وبالتالي يواجه العمال العرب، أصحاب الدخل المحدود، مخاوف كبرى نتيجة عجز الغالبية عن تحمّل الأعباء المعيشية، فضلاً عن العجز عن توفير قيمة إيجار المساكن.

“أصحاب العمل أغلقوا مشاريعهم”

يقول عامر العروقي، وهو فلسطيني مقيم في إسطنبول، إن الفلسطينيين المقيمين في تركيا مهددون بإخلاء مساكنهم في حال عجزهم عن دفع قيمة الإيجار المستحقة على كاهل كل منهم، وأشار إلى أنهم معرضون للفقر أيضاً، نظراً لامتناع أرباب العمل عن استقبالهم في ظل إغلاق المتاجر والشركات.

وقال العروقي، الذي يعمل في حقل الإعلام، لرصيف22: “إن الشباب العرب العاملين في تركيا، وخصوصاً في إسطنبول، يواجهون أزمة خطيرة.. البلد تعطلت بالكامل، ولم يعد هناك فرص عمل، الشباب الآن يعانون من التفكير بكيفية دفع الإيجار، وتوفير الطعام، الدواء أو مستلزمات السلامة والوقاية، نتيجة عدم توفر الأموال لديهم”.

وأضاف العروقي أن متوسط ما يتقاضاه الفرد من معظم العمالة العربية، بحسب احتكاكه بهم، 1500 ليرة تركي (300 دولار)، وهو مبلغ زهيد لا يغطي كافة احتياجاتهم، ولهذا يقيمون في شقق مشتركة، مع مجموعة مكونة من ثمانية أفراد على الأقل من جنسيات مختلفة.

وشدَّد العروقي على أن استمرار الحال على ما هو عليه يُهدّد بقاء الشباب العرب في تركيا، وخاصة أن معظمهم هاجروا إلى تركيا بحثاً عن فرص عمل لمساعدة أسرهم.

“هناك الكثير قدم من قطاع غزة إلى تركيا، معظمهم يعملون في التجارة، والبعض الآخر يسعى للهجرة إلى أوروبا للبحث عن مستقبل أفضل، غير أن تفشي فيروس كورونا يحول دون ذلك الآن”.

ولفت العروقي إلى أن الكثير من الشباب من أبناء قطاع غزة يرفضون العودة إلى مسقط رأسهم، خشية من احتمال نقل الفيروس إلى عوائلهم المحاصرة هناك، وهم عالقون الآن.

ويضيف العروقي: “المشكلة هنا إذا لم تعمل فإنك ستموت جوعاً.. إذا لم تدفع قيمة الإيجار خلال أسبوعين سوف يلقى بك في الشارع.. نحن لا نعمل منذ ثلاثة أسابيع ونحتاج ما يقارب 500 ليرة كحد أدنى لدفع قيمة إيجار مسكن مشترك، والشباب عاجزون تماماً الآن عن الدفع، ولهذا علينا أن نتكاتف جميعاً لدعم بعضنا البعض”.

وطالب العروقي الجهات الفلسطينية المعنية،  وبخاصة الجمعيات الفلسطينية الكبرى، ورجال الأعمال، بأن تتضافر جهودهم من أجل رعاية الشباب المقيمين هناك، وشدد على ضرورة أن تقدم السفارة الفلسطينية مساعدة للجالية الفلسطينية في مثل هذه الظروف.

ويتجاوز عدد العرب المقيمين في تركيا 5 ملايين، بينهم أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري ورجال أعمال وطلبة، بحسب بيان “الجمعية العربية” في إسطنبول.

“منشغلون بكورونا عن مساعدتنا”

مهاب عبد السلام، سوري الجنسية، يقيم في تركيا ويعمل في مهنة حياكة الستائر، يقول لرصيف22 إنه متعطِّل عن العمل منذ قرابة الشهر، وذلك إثر توقف الصناعات والمحال التجارية، وأنَّ حاله هو حال غالبية الشباب اللاجئين من سوريا.

وأضاف عبد السلام، الذي غادر حلب قبل ثلاث سنوات متجهاً إلى إسطنبول بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل: “تأثَّر غالبية العمال السوريين بسبب تفشّي فيروس كورونا، ومنذ أن اتخذت السلطات إجراءات احترازية، توقفت عجلة الإنتاج، ولم يعد هناك فرص للعمل”.

وأبدى عبد السلام مخاوف من استمرار التوقف عن العمل لمدة أطول، وبخاصة أن غالبية العمال العرب يعيشون على الأجر اليومي الذي يتقاضونه، مشيراً إلى أنه ليس لديه فرصة كلاجئ لمغادرة تركيا الآن، رغم أنه يطمح لحياة أفضل، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله الآن هو أن يكثف جهده للبحث عن فرصة عمل جديدة.

وقال عبد السلام بلكنة حلبية: “لا شيء يلوح في الأفق، ومثل ما بقول المثل تاركينها ع الله.. الصرف حاليا من هل كم ليرة يلي كانت مخبايه للأيام السودا”.

ونفى عبد السلام وجود دعم للعمال السوريين في هذا التوقيت، نظراً لأن الجميع مشغول بالوباء.

وقدم نشطاء فلسطينيون وسوريون على وجه الخصوص، مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل مساعدة هذه الشريحة الواسعة من العمال العرب، ممن يعيشون على الدخل اليومي أو الشهري المحدود.

إثر ذلك، نشطت المبادرات الفردية، مثل كفالة العائلات بتوفير المأوى أو احتواء الأسر العاجزة عن دفع الإيجار، أو توفير بعض المساعدات الغذائية أو النقدية.

“ظروفنا الاقتصادية أصعب”

تسبَّب انتشار فيروس كورونا في إفشال عمل الشابة الفلسطينية مرام أكرم، التي قدمت إلى تركيا قبل نحو ستة أشهر بهدف السياحة، ومن ثم قررت الإقامة هناك، وباشرت بالبحث عن فرصة عمل.

تقول مرام لرصيف22 إنها أجرت مؤخراً مقابلة عمل، وكان من المفترض أن تتسلم مهامها كسكرتيرة لدى إحدى الشركات، لولا أن انتشار فيروس كرورنا قد حال دون ذلك.

وعن إمكانية عودتها بسبب تبعات انتشار كورونا الاقتصادية في تركيا، تقول مرام: “الظروف الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية بالغة التعقيد، ويصعب العثور على فرصة عمل حتى في الظروف المستقرة نسبياً، فما بالك لو كان هناك حجر منزلي؟”.

وتعول مرام على عودة الحياة إلى طبيعتها خلال الأشهر القادمة. وبينت أنه باستطاعتها المكوث حتى شهر يونيو/ حزيران المقبل، اعتماداً على مدخراتها من المال، وقالت: “إذا استمرت الحياة بهذا الشكل إلى ما بعد يونيو، ربما لن يكون بمقدوري البقاء هنا، وحتماً سأعود إلى بلدي”.

وتتفق علياء أحمد، وهي تحمل الجنسية السودانية، مع مرام في التأكيد على أن استمرار الحال على ما هو عليه سيضطرها للعودة إلى بلدها.

تقول علياء، وهي معلمةً لغة عربية، لرصيف22: “ليس بمقدوري المكوث في ظلّ تعطل الحياة الاقتصادية حتى وقت طويل، لأنه ليس لدي ما يكفي من المال لتغطية نفقات المعيشة هنا، الجميع يعرف أن الحياة في إسطنبول مكلفة جداً، وتحتاج إلى مصروف كبير سأعجز عن تغطيته خلال الشهر المقبل”.

وكان العديد من الملاك في تركيا بادروا إلى إعفاء المستأجرين من الإيجار لمدة تتراوح بين شهر و3 شهور. لكن هذا ليس حلاً من وجهة نظر قاسم أحمد، أردني الجنسية، والذي يبدي مخاوف من العودة إلى بلده إذا استمر انتشار فيروس كورونا.

وقال أحمد، الذي لم يكمل تعليمه الجامعي، ويعمل في أحد المطاعم في إسطنبول: “لا يمكننا كعمال تحمل أعباء التوقف عن العمل لمدة تزيد عن شهر على أبعد تقدير، وإلا فإني سأواجه الجوع”.

وشدَّد أحمد على ضرورة أن تقوم الحكومة التركية بإيجاد حلول لشريحة العمال العرب، خصوصاً في هذه الظروف التي يصفها بـ”العصيبة”.

أحمد الذي لا يتوفر لديه تصريح رسمي بالعمل، قال لرصيف22: “أغلب الشباب الذين يتجولون في الشوارع الآن هم عرب وليسوا أتراك، هم يخاطرون بحياتهم لأجل البحث عن فرصة عمل، والقلة التي لا تزال تواصل عملها لا يتوفر لديها أي ضمانات صحية تحول دون إصابتها بالفيروس”.

وتضغط نقابات عمالية تركية على الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان، تتهمه بالتقاعس عن دعم العمال الأتراك، في مواجهة التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا، مما يقلّل احتمالات تقديم دعم أو تعويضات للعمالة العربية في تركيا.

تأمين مستقبل عبر توفر فرص العمل كان الدافع الأساسي للعديد من الشباب العرب للهجرة إلى إسطنبول، إلا أن الأمور تكاد تنعكس الآن، فشرائح الشباب العرب الذين فقدوا وظائفهم يواجهون خطرين: كورونا والتشرد.

————————————–

أزمة كورونا قد تدفع نصف مليار شخص للفقر المدقع

قالت منظمة أوكسفام الخيرية الدولية، اليوم الخميس، إن تداعيات انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 83 ألف شخص والفوضى التي أحدثها في اقتصادات العالم، قد تدفع نحو نصف مليار شخص نحو الفقر.

يأتي التقرير الذي نشرته المنظمة ومقرها نيروبي قبيل الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الأسبوع المقبل، ويلقي الضوء على تأثير الأزمة على مستوى الفقر في العالم بسبب انخفاض دخل الأسر أو الاستهلاك. وخلص التقرير إلى أن “الأزمة الاقتصادية التي تتطور على نحو سريع أعمق من الأزمة المالية العالمية في 2008″، بحسب ما نقلت “فرانس برس”.

وتابع “تظهر التقديرات أن الفقر العالمي قد يتفاقم لأول مرة منذ 1990″، مضيفاً أن هذا قد يعيد بعض البلدان إلى مستويات فقر لم تشهدها منذ نحو ثلاثة عقود.

وطرح القائمون على إعداد التقرير عددا من السيناريوهات تأخذ في الاعتبار خطوط الفقر المتنوعة التي حددها البنك الدولي من الفقر المدقع، أي العيش بمبلغ 1.90 دولار يوميا أو أقل، إلى خطوط فقر أعلى للعيش بأقل من 5.50 دولارات يوميا.

وفي ظل أسوأ السيناريوهات سيؤدي انكماش الدخل 20% إلى زيادة عدد من يعيشون في فقر مدقع بنحو 434 مليوناً إلى 922 مليون شخص في أنحاء العالم. وسيسفر نفس السيناريو عن زيادة عدد من يعيشون بأقل من 5.50 دولارات يوميا بمقدار 548 مليونا إلى نحو أربعة مليارات شخص.

وكشف التقرير أن النساء مهددات أكثر من الرجال، نظرا لأنهن يعملن على الأرجح خارج مجال الاقتصاد الرسمي من دون حقوق عمل تذكر. وقال التقرير “بسبب العيش يوما بيوم لا يملك الأفراد الأكثر فقرا القدرة على أخذ عطلة من العمل أو تخزين المستلزمات”، مضيفا أن أكثر من ملياري شخص يعملون خارج مجال الاقتصاد الرسمي في أنحاء العالم ليست لديهم أجازة مرضية.

ولتخفيف أثر الأزمة، اقترحت أوكسفام خطة عمل من ست نقاط، تشمل توزيع منح نقدية ودعم الأفراد والشركات المعوزين، وطالبت كذلك بإسقاط ديون وتقديم صندوق النقد الدولي المزيد من الدعم وزيادة المساعدات.

وأضافت أن فرض ضرائب على الأثرياء والأرباح الاستثنائية وأدوات المضاربة المالية ستساهم في جمع الأموال المطلوبة. وبشكل إجمالي، تحتاج الحكومات في أنحاء العالم لتخصيص ما لا يقل عن 2.5 تريليون دولار لدعم الدول النامية.

وقال التقرير “أبدت الدول الغنية قدرتها على جمع تريليونات الدولارات في أوقات الأزمة لدعم اقتصاداتها”. وأضاف “لكن ما لم تكن الدول النامية قادرة أيضا على التصدي للتبعات الصحية والاقتصادية، فإن الأزمة ستستمر وستلحق المزيد من الضرر بجميع البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء”.

————————————–

الكورونا:أصالة التعاطف الإنساني/ وجيه قانصو

أهم صفة في فيروس الكورونا أنه صدم العالم، فاجأ الجميع، وكسر المألوف والمعتاد من الطبيعة، عرى الثقة الفائضة بالسيطرة والتحكم، ألغى الجداول والبرامج المسبقة والدقيقة للنشاط الإنساني، وسخَّف كل التوقعات، وفرض جدوله الزمني على البشر  كلهم، وجعل العالم يلهث وراءه ويسخر طاقته المالية والبشرية للحد من انتشاره والتقليل من كوارثه، ويستنفر موارده البحثية للدخول إلى تكوينه واكتشاف سره الغامض.

الصدمة هي الحدث الذي يحصل للإنسان وهو في حال الغفلة عن شيء لم يلتفت إليه رغم أنه موجود هناك دائماً، عن أمر غير مفكرٍ فيه وغير متوقعٍ رغم أنه لا يتوقف عن إرسال نداءاته، عن جانب من الحياة الإنسانية لم يكن مدرجاً في جدول أعمال البشر اليومية رغم أنه يدخل في صميم معنى الحياة وتدفقاتها الخصبة، عن عمق وجودي لم يحظَ بالقيمة والإلتفات الكافيين داخل انشغالات الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم.

ومثلما أن الصدمة خروج عن الغفلة، فهي حين تكون بحجم صدمة الكورونا: يقظة من سبات، خروج عن وضع مختل، تصويب مسار، معالجة أعطاب حياتية، استحضار أبعاد وجودية كانت مغيبة،  إعادة النظر برهانات ومسلمات قام عليه الإنتظام الإنساني الحالي، إنتاج منظومة معنى ونمط فهم مختلف للأشياء في حقائقها ودلالاتها وعلاقة الإنسان بها.

بعبارة أخرى هي دافع لإعادة بناء العالم الذي ألفنا واعتدنا العيش فيه.  والعالم هنا ليس الظواهر الفيزيائية التي تحيط بنا ولا الكائنات الحية التي تتقوم بقوانين وخصائص طبيعية، أي ليس العالم الذي يقدم نفسه لنا،  بل العالم الذي نسبغ عليه المعنى ونؤول حقائقه ونشبك وجودنا فيه ونكتشف إمكاناته ونحوله مدى مفتوحاً وخصباً لتحققاتنا الوجودية وتدفقاتنا الحياتية، أي العالم بما يعني لنا أن نعيش فيه.

هذا يكون بإخراج العالم نفسه من هيئته المقفلة والممتلئة بالضرورات والحتميات إلى عالم مفتوح ومليء بالإمكانات غير المتحققة واحتمالات الإنوجاد الإنساني اللامتناهية.  أي مجال متاح لتمارس الإرادة الإنسانية الحرة نشاطها، ومدى رحب لظهورات كامنة وتفتحات مختزنة في صميم حقيقتنا الإنسانية، التي هي حقيقة غير منجزة، ومشروع دائم التحقق، وكينونة تكره الكمال والإمتلاء، وتمل من الإكتفاء الذاتي، وتعشق ما لا تكونه، ومندفعة باستمرار نحو المستقبل الذي يشبع شغفها بملاقاة الغائب عنها والمفقود فيها.  فالإنسان بحسب هيدغر هو الكائن الوحيد الذي يعي ويدرك أن عبء تحقيق وجوده في هذا العالم يقع عليه وحده.

كشفت صدمة الكورونا، تكثيف الدولة الحديثة الهائل لمواردها في حقل الإنتاج، والتلازم الشديد الذي أقامته بين الرفاه المادي والأمان Security الإنساني، إلى درجة أن موجبات الأمان الأخرى لم تنل العناية والاهتمام الكافيين.  لذلك وعلى الرغم من معرفة الولايات المتحدة والشمال الأوروبي المبكر من مخاطر الفيروس الصحية والاجتماعية، فإن سياسات التعامل معه بقيت محكومة لذهنية الحفاظ على وتيرة الإنتاج وعدم المساس بمعدل الدخل القومي. وعندما اجتاح الفيروس هذه البلدان، فإنه كشف عريها وعدم جهوزيتها بل بيَّن عدم إدراج الكوارث الطبيعية والبيئية في ميزانيات الدول وسياساتها، بحكم أن قاعدة الجدوى الاقتصادية ظلت الأصل الأول في وضع السياسات واتخاذ القرارات.

هي وضعية وصلت إليها البشرية منذ أن تحولت الحداثة من رهانات وجود وفضاءات معنى وإمكانات إبداع هائلة، إلى عقلانية أداتية يقاس فيها عمل الإنسان وجهده وكفايته بكمية وقيمة السلعة التي ينتجها.  ومنذ أن صار الإنسان موضوعاً للعلم التجريبي الخالص، يمكن معه فك ألغازه واختراق حجبه الداخلية، وبناء نظام انضباط داخلي له ومعايير صارمة للسلوك السوي والمستقيم، تسهل معه السيطرة عليه والتحكم في كل ميوله ورغباته وتطلعاته.  فبات الإنسان نتيجة لذلك قيمة سوقية تحددها معايير العرض والطلب، وكينونة سدت فيها كل تدفقات الحياة وتوثباتها الخلاقة، وانحصر هاجسها بانتزاع الاعتراف بقيمتها الاقتصادية وتأكيد جدواها داخل شبكة الانتاج.            

بالمقابل تجد قوى ونظماً لم تفوت على نفسها فرصة استثمار أزمة فيروس الكورونا، لتخبر العالم، بصيغ متعددة وعبارات متنوعة، بأن الفيروس عقاب على إثم الاستجابة لحقيقتنا البشرية، أي إثم الاستجابة للدوافع الخلاقة والمتوثبة داخل التكوين الإنساني، وأن الفيروس تدخل غيبي أو كوني لتصويب أو إبادة وجود إنساني آثم، وأن ملاذات الأمان والاستقامة متاحة وطلائعها بدأت بالكشف عن نفسها.

إنه خطاب المشاريع والنظم والقوى التي تستمد زخمها من إدانة الطبيعة الإنسانية والتشكيك بجدوى الانوجاد في العالم الذي نعيش فيه.  فتعمد إلى تقديم عالم بديل أو مواز له لكنه افتراضي ومتخيل، وتقترح إنساناً جديداً مكتملاً لكنه إنسان منطفيء انمحت بداخله نوازع القلق والهلع والارتعاب والخطيئة.  هي مشاريع داعية في عمقها إلى الخروج من هذا العالم أو تدميره والعيش فوق أنقاضه، إلى إدانة صور الحياة بعناوين “أخلاقية” و”تقوية”، وإلى تعطيل كل البواعث الفائضة والأصيلة داخل الإنسان في مواجهة مصيره لوحده، أي إجهاض مشروع وجوده ككائن حر. 

هي قوى تراهن على وعد غيبي أو كمال ميتافيزيقي لخلاص العالم، ومحملة برؤية لا ترى الكائن الإنساني جديراً بصنع وجوده وتقرير مصيره، رؤية تملي عليه الخروج من عالمه الفعلي، ومعانقة وجود مكتمل وممتليء ومنجز، لا يحتاج إلى جهد لاستكشافه أو فهمه أو حتى حيازته، بقدر ما يدعوه إلى الإرتماء والسقوط فيه والتنعم بوعوده. هو وجود مرجأ ومنتظر، يُخرج الإنسان من وحدته وعزلته ويخفيه داخل الجموع، ويزرع فيه الطمأنينة واليقين وأحاسيس التفوق والامتلاء لينهي قلقه ويسكّن هلعه، إلا أنه يُنسيه وجوده وحقيقة أنه كائن محدود مرمي في عالم يهدد بقاءه ويحاصره من كل الجهات.

وضعنا الفيروس أمام حقيقة أننا نتألم وأننا كائنات مائتة.  هي حقائق لا تأتي إلينا من خارجنا لتعكر وجودنا بقدر ما أننا ننوجد بالألم والمعاناة والهلع من الموت المتربص بنا. ما يعني أن الفيروس أزال الحجب وأسقط أسوار الأمان الوهمية بيننا وبين حقيقتنا التي عمدت حضارتنا إلى ابتكار متع وبهجات لتناسيها، وعمدت ميتافيزيقياتنا إلى إغرائنا بوجود ساكن ومطمئن وآمن، أي وجود مزيف يزيف حقيقة ما نحن عليه وما نكونه وما يمكن أن نكونه.

مواجهة ما نحن عليه بصفتنا كائنات مائتة ومتألمة، لا يعني الاستسلام السلبي للألم واحتضان الموت بيأس، بل يعني كم هو معجز هذا الوجود الإنساني المحاصر بالموت ومهدد بالشلل، ورغم ذلك لا يهن ولا يضعف إصراره على صنع كينونته وسط صمت الوجود وعماء العالم المطبق.  هي قيمة تستدعي التثمين المركز للحياة بجميع صور انوجادها، وإخراج أقصى ما فينا من التعاطف الإنساني الذي لم نستجلِ حتى الآن حقله الخصب وفرصة اختباره وجوداً أصيلاً فينا. 

————————————

كورونا:مشاهد تركية..وسورية/ عائشة كربات

كان من الصعب علينا، نحن أبناء إسطنبول، أن نسمع أن مطار أتاتورك المحبوب لدينا حيث اعتدنا أن نعانق أحباءنا قبل الرحيل أو بعد العودة، سيتم تحويله إلى مستشفى ميداني بسعة 1000 سرير.

القرار منطقي بالطبع لأن مدينتنا الجميلة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 16 مليون نسمة، يبدو أنها مركز الوباء في تركيا حيث تم رصد حوالي 60 في المئة من الحالات هنا. في بداية هذا الأسبوع، تم وضع بعض المباني في إسطنبول تحت حظر التجوال الكامل بسبب الوباء في حي يسمى “باجيلار”، المعروف باسم “سوريا الصغيرة”، بسبب سكانه.

على أي حال، لم نكن نستخدم مطار أتاتورك منذ العام الماضي، إذ جرى استبداله بمطار جديد يبدو كأنه مركز تجاري كبير جداً في جزء آخر من المدينة. لكن العديد من المباني والأهم من ذلك المطابخ والمرافق السكنية لا تزال موجودة. اقترح عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري المعارض، تحويل مطار أتاتورك إلى مستشفى ميداني منذ اندلاع فتيل “كوفيد-19″، لكن الحكومة كانت تتظاهر بأنها لم تسمعه. كان هذا مجرد مثال آخر على الاقتتال الداخلي في المستويات السياسية في تركيا، ولكن الأهم من ذلك أنها كانت فرصة لإلقاء نظرة على ما ينتظرنا قريباً. إذا اعتقدت الحكومة أننا سنحتاج إلى هذا المستشفى الميداني، فإن أياماً مظلمة تنتظرنا.

عندما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان هذا القرار الجديد، أكد أن اقتصادنا يجب أن يستمر في العمل ويجب أن نبذل قصارى جهدنا في الإنتاج. كما قدم بعض حزم الإغاثة الإضافية مثل التأجيلات الضريبية، والدعم المادي، والدفع الجزئي لبعض الرواتب من قبل الدولة في ظل بعض الظروف، ولكن هذه التدابير حتى الآن بعيدة عن أن تكون مريحة. قرار حظر تسريح العمال الذي طال انتظاره لم يأتِ، ويبدو أنه لن يأتي.

كإجراء آخر ، فرضت تركيا الأسبوع الماضي حظراً جزئياً للتجول على المواطنين الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً، والذين ربما لا يمرضون ولكنهم يساعدون كثيراً في نشر الفيروس. يجري تخفيف هذا القيد على المواطنين الذين يعملون في المصانع أو في الزراعة، والعمال الموسميين إذا كانوا بعمر 18 سنة أو أكبر. حسناً، ربما يتمتع المواطنون الذين يتعين عليهم العمل بالمناعة، ولا نعرف. ولكن ما نعرفه هو أن معظم العمال الزراعيين الموسميين هم لاجئون سوريون.

قال الرئيس أيضاً إن بيع أقنعة الوجه محظور الآن وأنه سيتم تقديم الأقنعة بدلاً من ذلك مجانًا في محلات السوبر ماركت أو توزيعها على منازل المواطنين من قبل منظمة البريد والبرق التركية. أفضل من لا شيء. القرار معقول لأن وضع قناع الوجه أصبح إلزامياً في الأماكن العامة المزدحمة، في وسائل النقل العام، ومحلات البقالة وأماكن العمل، الأسبوع الماضي.

بدأ إنتاج أقنعة الوجه التي يمكن أن تنقذ الأرواح في كل مكان؛ شركات الملابس والمدارس الثانوية المهنية وورش الخياطة التابعة للجيش، ولكن يتم إنتاج جزء كبير منها في غازي عنتاب في الغالب من قبل اللاجئين السوريين. ربع سكان المدينة هناك سوريون. الأطباء السوريون الذين يُسمح لهم بمعاينة المشكلات الصحية للسوريين فقط قبل انتشار بالفيروس التاجي، لا يتطوعون لفحص حرارة الركاب عند نقاط التفتيش التي يتم إنشاؤها عند مدخل المدن. كما أن الحركة بين المدن مقيدة بشدة.

معظم المواطنين وأحزاب المعارضة يشعرون بالغضب من الحكومة بدعوى أن تركيا تعتني بالسوريين منذ سنوات عديدة، وينبغي الآن أن تكون قادرة على رعاية مواطنيها لبضعة أسابيع. ولكن يمكن لعدد قليل من الأشخاص غير المكفوفين أن يروا أن جميع العناصر الضرورية وغير الضرورية، التي تم شراؤها عبر الإنترنت من قبل الأشخاص الذين لديهم رفاهية القدرة على الجلوس في المنزل وما زال بإمكانهم إنفاق الأموال، يتم نقلها إليهم عن طريق السعاة، بعضهم سوريون.

ومع ذلك، فإن دورات التعليم للأطفال السوريين الذين يخضعون للتكيف مع نظام التعليم التركي يتم نقلها عبر التلفزيون، مثل نظام التعليم بأكمله. إلى جانب ذلك، أعلنت الحكومة أنهم إذا مرضوا، يمكنهم الحصول على الخدمات الصحية مجاناً، مثل أي شخص آخر. لكن ما نعرفه أن معظمهم يترددون في الذهاب إلى المستشفيات المكتظة حيث أنهم لا يعرفون كيف سيتم استقبالهم هناك.

ليس من الصعب أن نفهم أن السوريين هم الأكثر تضرراً. لكنهم أيضاً الذين يعانون في صمت كالأكثرية غير المرئية.

——————————

القامشلي تحت وطأة كورونا/ شفان إبراهيم

تحاول الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا منع انتشار فيروس كورونا في مناطق عملها، وهي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في أجزاء واسعة من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب. ويتم ذلك عبّر منع التجمعات وإغلاق المدارس، وفرض حظر تجوال شبه كامل، إذ يُسمح لفرد واحد من كل بيت بالخروج لشراء مستلزمات الحياة، ويُسمح لمحلّات السمانة والأغذية والصيدليات فقط بالعمل حتى العصر، وهو ما أثَّرَ بشكل مباشر على أرزاق أعداد كبيرة من السكّان، وخاصة العمال المياومين.

على الصعيد الطبي، لم تقم منظمة الصحة العالمية بتزويد هيئة الصحة في الإدارة الذاتية بالمعدات اللازمة لإجراء تحاليل الكشف عن كورونا، وذلك التزاماً بقرار مجلس الأمن الصادر مطلع العام الجاري، الذي استثنى معبر اليعربية في محافظة الحسكة من عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود بضغط روسي، لذا تضطر الإدارة الذاتية لإرسال العينات من أجل تحليلهاإلى  دمشق حصراً.

وكان جوان مصطفى، رئيس هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية، قد قال لوكالة فرانس برس في آذار (مارس) الماضي، إنه تم تخصيص تسعة مراكز للحجر الصحي في عموم شمال شرق سوريا، وإنه تم وضع نقاط طبية لمراقبة وفحص الوافدين عبر مطار القامشلي، لكن تقريراً لمنظمة «لجنة الإنقاذ الدولية» قال إن اثنين من المستشفيات المخصصة ليسا مُجهزين بالكامل. وقد تحدثنا إلى مصدر طبي في هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية، لكنه اشترط عدّم ذكر اسمه، وأشار إلى «قلّة عدد منافس الأكسجين في مناطق الإدارة الذاتية، والبالغة 45 منفسة موزعةً ما بين المشافي الخاصة والحكومية، سواء التابعة للإدارة الذاتية أو الحكومة السورية، مع توافر 28 سريراً فقط في وحدات العناية الفائقة، وقلّة عدد الأطباء المدربين على التعامل مع تلك الأجهزة».

ويبقى أن مخيمات اللاجئين هي المشكلة الأبرز في المنطقة، وذلك نتيجة غياب الدّعم والتمويل الدّولي لها، وعدّم جهوزيتها طبياً لمعاجلة أيَّ حالة، أو كبح انتشار الفيروس. حمّاد الأحمد هو أحد قاطني مخيم الهول في محافظة الحسكة، يقول إن «وجود إصابة واحدّة فقط سيعني كارثة كبيرة، لصعوبة الفصل الاجتماعي، والكثافة السكانية، وعدّم التمكن من التحكم بحركة الأطفال. تقتصر الإجراءات على تخصيص خيمة كبيرة؛ لعزل المصابين إن وجدوا».

تترك هذه الظروف آثاراً عميقة على جميع مناطق عمل الإدارة الذاتية، وتتضمن المقاطع التالية خلاصات من أحاديث ومقابلات مع عدد من سكان مدينة القامشلي شمالي محافظة الحسكة، تشرح جوانب من الآثار التي خلّفها الوباء على حياتهم.

الموظفون والمياومين؛ وعودٌ جزئية

يعيش قطاعٌ واسعٌ من سكّان مناطق عمل الإدارة الذاتية بالاعتماد على معاشات وظائفهم في مؤسسات حكومة النظام السوري أو مؤسسات الإدارة الذاتية، وتتراوح  هذه المعاشات بين ما يعادل 50 و80 دولاراً شهرياً، غير أن ضعف القوة الشرائية لهذا المبلغ الضئيل أصلاً يزداد مع استمرار تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار. كما أن رواتب أغلب العاملين في القطاع الخاص قد توقفت، وذلك نتيجة توقف الشركات والمؤسسات الخاصة عن العمل في سياق إجراءات مواجهة الوباء.

يقول الموظف الحكومي ديار معمو، من القامشلي، للجمهورية «نتيجة ضعف معاشي الشهري، كُنت أعتمد على الحوالات المالية التي يُرسلها أخي من كوردستان، لكن توقفت الحيّاة هناك أيضاً. إن لم أحصل على مساعدة، فإنني لن أتمكن من دفع فواتير الكهرباء والخبز وحليب الأطفال وأدوية والدتي المريضة».

لكن المشكلة الأكبر هي التي تواجه آلاف العمال المياومين، الذين توقف مصدر رزقهم الوحيد في كثير من القطاعات. خالد العبد الله مسؤولٌ عن ورشة للعمال المياومين في القامشلي، وهو يروي معاناته: «نعيش بيومياتنا من أعمال مختلفة، كالعتالة وورشات البناء والحديد وتنظيف وشطف الأدراج، وهناك غيرنا من يعمل في الأسواق والمحلات، والمطاعم. كُلّنا بلا عمل الآن، رُبما نصبر بضعة أيام أخرى، لكنّ بعدّها لا أحدّ يعلم ماذا سيحصل. صحيحٌ أن الإدارة الذاتية أعلنت عن نيتها توزيع سلال غذائية، لكننا نطالب بالعدّالة في التوزيع الذي قد لا يشمل الجميع، ونطالب أن يتم تأمين كميات كبيرة ودائمة للتوزيع. لقد أعفونا من دفع ثلاثة دولارات شهرياً كضرائب مختلفة، هل نضحك أم نبكي؟!».

وكانت الإدارة الذاتية كانت قدّ قررت توزيع سلال غذائية على المحتاجين من الأهالي، لكن التوزيع لم يبدأ بانتظار تسجيل أسماء المحتاجين عن طريق المجالس والكومينات. كذلك قررت الإدارة إعفاء الأهالي من الضرائب المفروضة على استهلاك المياه والكهرباء وخدمات البلديات، وهو مبلغ زهيد جداً يعادل ثلاثة دولارات للبيت الواحد.

بين الخوف والاستخفاف

يبدو أن ثمة استخفافاً من قبل جزء من المجتمع المحلي بالوباء ونتائجه؛ شادي هو حلّاق من أهاليّ حيّ البشيرية في القامشلي، يقول: «لقد مُنعنا من العمل لأن صالونات الحلاقة صغيرة الحجم عادة، وتشكل تجمعاً للنّاس، لكن رغم هذه الإجراءات التي تشير إلى خطورة الوضع، فقد لمستُ استهتاراً بالوباء عند كثيرين، والأرجح أن سببه فقدان الأمل بالمستقبل، وعدم التفاؤل باحتمال الانتقال إلى حيّاة جديدة خارج إطار الحرب وويلاتها. كذلك فإنه لا ثقة لدّى الناس بوجود جهات تسعى لمدّهم بمتطلباتهم اليّومية أيضاً، وهو ما يجعل الخوف من المرض أقل أهمية من الخوف من الجوع».

تقفُ أمُ مروان على شرفة منزلها في حيّ الآشورية في مدينة القامشلي، تراقب وضع ابنها الذي أرسلته لشراء بعض الحاجيات من أحد الأكشاك القريبة. تقول للجمهورية «التزمنا طواعيّة بالحظر المفروض، في النّهاية كُلنا مستفيدون من عدم انتشار المرض، وكلّنا سنتضرر في حال انتشاره. ابني الصغير يشعر بالضجر والضيق، أرسله لشراء ما أحتاجه من أمور بسيط، بعدّ أن يرتدي القفازات والكمامة، أراقبه من الشرفة حتّى لا يلعب مع الأطفال المنتشرين في الشوارع. للأسف ثمة من لا يأبه لمصير أولاده».

ولا تزال الشوارع والأحياء الفرعية تشهد حركة شبه طبيعية دون أخذ الاحتياطات اللازمة. يقول هاني، وهو صاحب محل غذائيات في المدينة: «أحصلُ على الخضار والفواكه من سوق الهال، أبيعُ للعشرات، أستلمُ نقودهم وأعيدُ لهم الفكّة، أعطيهم الأكياس وأزنها لهم بعد أن يملؤوها، كيف ليّ أنّ أقي نفسي وعائلتي؟ الحامي هو الله، ولا شيء آخر، لا أستطيع منع أولادي من اللعب فيما أصدقاؤهم أيضاً يلهون أمام المحلّ. قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، إن لم أعمل، لن يأكل أبنائي».

بالمقابل، يلتزم جزء من الأهالي بالبقاء في بيوتهم، وهو ما يشكّل ضغطاً كبيراً عليهم، حتى أنه غَيَّرَ من عادات وطبائع بعضهم. يعمل جوان بائعاً للألبسة النسائية في سوق القامشلي المركزي، أحد أكثر المراكز التجارية نشاطاً؛ يقول: «سئمتُ البقاء في المنزل، إلى متّى هذا الحجر؟ لا أحب المكوث طويلاً في البيت، أشعر بأنني مخنوق، كما أنني أحتاج إلى العمل لتأمين قوت عائلتي».

بختيار رسول هو تاجر مواد تجميل في السوق نفسه، ويقول عن هذا الأمر: «تغيرت حياتي حالياً، من تغيير مواعيد وجبات الطعام، والاستيقاظ المتأخر. لكن بالمقابل، أحاول جاهداً أن أخلق نمطاً جديداً للتعامل في المنزل، من حيث زيادة الحديث مع عائلتي والقيام ببعض الأعمال في البيت، وعقد دردشات عائلية مطوّلة عبر الواتس آب مع ولديّ وإخوتي في أوروبا. أحاول أن أجعل البقاء في البيت أمراً أقل إزعاجاً بالنسبة لأولادي، وقد شرحتُ لهم باستفاضة خطورة هذا الفيروس، وكيف يُمكن لشخص واحد مصاب أن ينشر الوباء إذا استمرّ في ممارسة حياته الطبيعية».

مشكلة التعليم

في حزيران (يونيو) من كل عام، يخضع طلبة الشهادتين الثانوية والإعدادية للامتحانات النهائية في المدارس التابعة لحكومة النظام، لكن تمديد فترة حظر التجوال يزيد من الضغوط النفسية على الطلبة، كحال نورمان نور الدين، التي تقول: «تسببت هذه الأزمة بمشكلة لنّا، فلم نعد نستطيع التركيز على الدراسة بينما تدور حولنا أحاديث عن احتمال تأجيل الامتحانات. لا يمكن أن نتمكن من الدراسة بشكل طبيعي في ظروف كهذه، ولذلك نأمل أن يتم تخفيض علامات القبول الجامعي في المفاضلة النهائية».

وفي هذا السياق، يتم تداول شائعات عن احتمال تأجيل امتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية، وذلك في حال استمرار تعليق الدوام لما بعد شهر نيسان (أبريل) الجاري. كما يدور حديث عن احتمال إعفاء الطلاب من الدروس التي لم يحضروها بسبب إغلاق المدارس، وعدم إدراج مضمونها في أسئلة الامتحانات العامة.

وقد أوقفت هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية دوام المدارس وباقي المؤسسات، وتقول مصادر خاصة إنه في حال استمرار حظر التجول، فإن النية تتجه صوب إنهاء العام الدراسي وإلغاء الامتحانات، وذلك في حال لم تظهر بوادر تشير إلى تراجع الوباء عالمياً.

*****

حتى الآن، لم تتحدث وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام، ولا هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية، عن تسجيل أيّ إصابة بفيروس كورونا في مناطق الجزيرة السورية، لكن هواجس الأهالي تكبر يوماً بعد يوم، ما بين السعي إلى حماية أنفسهم ومناطقهم من انتشار الوباء من جهة، وبين السعي لتأمين أرزاقهم ومعيشتهم من جهة أخرى، وهو الهم الأساسي الذي يسيطر عليهم اليوم، في ظلّ التدهور المتسارع للأوضاع المعيشية جرّاء إجراءات العزل والإغلاق التي يتم اتخاذها.

——————————

مواطنون شرفاء/ ياسين السويحة

دوريات شرطة تدقّ أبواب شقق لتحقق مع ساكنيها لأن جاراً لهم قد بلّغ أنهم استقبالهم زواراً في زمن الحجر؛ نوافذ وشرفات تتحول إلى راجمات شتائم وإهانات و«تجريصات» لمارّة في وقت حظر التجوّل؛ أشخاص يمارسون العنف اللفظي، أو حتى الجسدي، على آخرين، في الشوارع والسوبرماركتات، لأنهم اعتبروا أن الآخر قد خرق التباعد الاجتماعي. هذه صور من الحياة اليومية في عدد كبير من دول العالم اليوم، خصوصاً الدول الأوروبية، ويزداد تواتر هذه المظاهر وتتضاعف شدّتها في الدول الأكثر تعرضاً للوباء. وبطبيعة الحال، ليس بالإمكان عدم تفهّم منطلق هذه المظاهر، فالناس على أعصابهم… كلّنا على أعصابنا. الوضع جدّي، وخطير، وآلاف الناس يموتون كلّ يوم. الإجراءات المتخذة جذرية، ومُزعجة، ومُعطِّلة للحياة، وستكون لها تبعات اقتصادية عامة طويلة الأمد، ونسبة كبيرة من البشر يعانون الآن آثارها المباشرة على لقمة عيشهم، حرفياً؛ لكنها ضرورية لإبطاء انتشار الفيروس قدر الإمكان وتجنّب انهيار القطاع الصحي، وتطبيقها بأكمل وجه ممكن ضرورة حيوية لكي تكون فعّالة. من يخترق الإجراءات لا يقوم بمشاغبة بريئة فحسب، بل يعرّض نفسه ويعرّض الآخرين للخطر. هذا الكلام ثابت، ونهائي، ولا جدال فيه. حاضر.

لكن كل هذا لا يمنع أن ثمة ما يثير النفور في المظاهر المذكورة أعلاه، ليس فقط على صعيد ذائقةٍ قد تُنقد بوصفها ليبرالية حسّاسة في غير مكانها في هذه اللحظة العصيبة -وهو نقدٌ مشروعٌ، رغم لوثة الغوغائية التي تصاحب هذا النوع من النقد دوماً-، وليس التوجس فقط من تشابه هذه الظواهر مع سلوكيات «المواطنين الشرفاء» في أيّ ديكتاتورية منحطّة من النوع الذي سئمنا خبرته. هذه الممارسات، اشتدت أم خفرت، بقيت عنفاً لفظياً أو وشاية أم صارت عنفاً جسدياً، هي لَبنات تبني جوّاً له تبعات على مستوى الخطاب السياسي، أو الخطاب ذي الاستخدامات السياسية الممكنة، المتصاعد تحت ظلّ هلع الكورونا، أو حتى تبعات سياسية مباشرة، مثل استغلال هذا الهلع من قبل النزعات السلطوية من أجل تعزيز مواقعها.

هذه أمورٌ باتت تحصل وتمرّ مرور الكِرام، وللمرور على بعضٍ منها، نبدأ النموذج الأكثر تراجيدية-كوميدية.

بلكونازيين

ولو بشكل ما زال بدائياً، بات للكورونا «لينغو» متصاعد الحضور، خصوصاً في شبكات التواصل الاجتماعي، فالمتهوّرون الذين يخرقون إجراءات التباعد الاجتماعي اسمهم كوفيديتس (Covidiots)، ولكي تعبّر عن الحالة النفسية الناتجة عن توابع العزلة والهلع والضجر والضغط النفسي تقول إنك كوفيديبري (Covidepre). البلكونازيين (Balconazis) مصطلح ظهر وتصاعد في إسبانيا وإيطاليا، البَلَدان اللذان يعانيان أعتى أمواج الفيروس، وبالتالي أصحاب إجراءات الحظر والعزل الأشد والأطول أمداً، ويُقصد به أولئك الذين يُلازمون شرفاتهم ونوافذهم، ليشتموا و«يجرّصوا» من يبدو من مروره في الشارع أنه يخرق إجراءات حظر التجول. وقد بدأ انتشار هذه الممارسة منذ بدايات إجراءات الحجر، واختلطت مع ممارسات بلكونية «إيجابية» مثل التصفيق للكوادر الطبية أو الغناء والعزف، أو احتجاجية مثل قرع الطناجر. وقد شاع منذ الأيام الأولى أن يُصوّر الناس أنفسهم وهم يصرخون على المارّة، ويرفعوا تسجيلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي كمساهمة في «التوعية» مخلوطة باستعراض بطولة لفظية ما. ومع الوقت، أصبح هناك بلكونيون شهيرون على تويتر وانستغرام وغيرها، إما بسبب انسيابية شتائمهم أو خفة دمها، أو بسبب عنفها المفرط أحياناً.

تتناسب هذه السلوكيات، أكان البلكونازية أو إسراف الوشاية أو الجلافة والعنف اللفظي السريعين، مع حالة الحرب. وقد غرقنا في خطاب حالة الحرب في الأسابيع الأخيرة، مسكوباً علينا من وسائل إعلام ومن صنّاع رأي، وحتى من سياسيين على مستوى رؤوساء جمهورية، مثل الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد كُتبت أفكار كثيرة في نقد استخدام خطابٍ حربي في سياق هذه الكارثة التي نعيش، وأحد هذه النصوص كتبه المفكر الإسباني سانتياغو آلبا مع الكاتبة والأنتروبولوجية يايو هيريرو، ويرد فيه:

انطلاقاً من هذه الفكرة، يمكن توسيع نزع الأنسنة ليشمل ليس فقط الحاملين أو المصابين، بل أيضاً حاملين محتملين، أو مجرد «غير المنضبطين» وفق العرف العسكري لهذه «الحرب» على الفيروس. هذا المنطق، وهذا الخطاب، سيئان بحدّ ذاتهما، ويزداد السوء سوءاً إن فكرنا باستحالة أن تُخاض حربٌ كهذه دون أن تُخاض حروب سابقة عليها، إيديولوجية أو عرقية أو مزاجية، برفقتها، أو بموازاتها. ثمة مثال «بلكونازي» لتوضيح الفكرة: هناك سيدة في الجنوب الإسباني، اشتُهرت بأنها من أوائل البلكونازيين في البلد، نشرت مطلع هذا الأسبوع على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي فيديو مُلتقط من شُرفتها1، المطلّة على حديقة صغيرة، وهي تشتم شاباً يظهر في الفيديو جالساً على أحد كراسي الحديقة وحيداً وهو يحمل ما يبدو كأس قهوة. يبدأ الفيديو بالسيدة وهي تشتمه وتهدده بأن هاتفها هو «أحدث آيفون» وقادر على التقاط وجهه بوضوح وإرساله للشرطة (ووجهه واضح في الفيديو فعلاً)، ثم تبدأ السيدة مونولوغاً هذيانياً شاتماً، تقرر فيه في البداية أن الشاب ابن عاهرة «أحمر» (أي يساري)، لتنتقل بعدها للتأكيد على أنه «شاذ»، وتنهي هذيانها بتهديد الشاب بأنها زوجة عسكري، مُطلِقةً شعارات يمينية قومية. إذاً هو «أحمر» و«شاذ».. لم يُسعفها الوقت أو الخيال لتتصورها كتلونياً أو باسكياً -أو مهاجراً- كي تستكمل باكج الكراهية الذي يحمله اليمين المتطرف الإسباني. ورغم أن المشهد قد يبدو مسروقاً من أحد أفلام برلانغا، ورغم أنه يبدو مثالاً كاريكاتيرياُ قصووياً، إلا أنه ليس استثناءاً. الأنباء عن اعتداءات عنصرية على مواطنين ذوي ملامح آسيوية شبه يومية منذ أكثر من شهرين، والاستخدام التوظيفي اللفظي واضح في خطاب ترمب وإدارته، وتيارات سياسية تستلهم نموذجه وخطابه في العالم أجمع، مثالان آخران معممان أكثر بكثير. من المُتوقّع جداً أن يكون الهلع الكوروناتي، وتفهّمنا الإجباري لتبعاته على النفسية العامة، ظلاً يتحول فيه، مثلاً، العنصري إلى كوفيدعنصري، إذ لن يكون من المُستغرب، لو حصلنا على إحصائيات الوشايات على الجيران في مختلف الدول الأوروبية، أن نكتشف أن نسبة من وُشي بهم من المهاجرين والأجانب عالية جداً؛ والكاره للنساء إلى كوفيد كاره للنساء، فمجيء الوباء في آذار كان مناسبة لتيارات يمينية شعبوية عديدة لتحميل مظاهرات عيد المرأة مسؤولية نشر الوباء، وكأنه لا مسارح ولا سينمات ولا مباريات رياضية ولا أي نوع آخر من التجمعات حصل عدا هذه المظاهرات؛ وكاره المثلية إلى كوفيدكاره المثلية، مثل التقاء مقتدى الصدر وإياد القنيبي وصديقتنا البلكونازية (وغيرهم كثيرون، لا شك) على ربط المثلية بالفيروس، أو خوض الحرب ضد المثليين تحت ظلّ الفيروس بتصريحاتهم وتغريداتهم.

كوفيدسلطوية

ليست الحروب السياسية المتمفصلة على «حرب الفيروس» والعنصرية وحدها ما يثير الاشمئزاز في سياق الحجر الكامل. ففي بلدان ومناطق الحجر الكامل، مثل إسبانيا، يُعاني أهالي أطفال التوحّد أزمة كبيرة، فحالة التأهب القانونية، التي طُبّق تحت غطائها القانوني حظر التجول، تسمح لهم بإخراج أطفالهم للتنزّه قليلاً مع الحفاظ على إجراءات صحية، وذلك لأن الحبس المديد في المنزل أشبه بتعذيب شديد لهؤلاء الأطفال، ولأهاليهم أيضاً. لكن الأهل يتعرضون للشتم من النوافذ حين يتنزهون مع أطفالهم، ما دعا بعض مجموعات أهالي أطفال التوحّد لأن تنصح بربط شريط أزرق واضح على ذراع الأطفال، وطلب التعاون من وسائل الإعلام لتوعية الناس بألا يشتموا عائلات أطفال بأشرطة زرقاء ويهينوهم، لكن الكثير من الأهالي، محقين، أعتقد، يرفضون «دمغ» أطفالهم. الخطأ في الغوغاء القروسطي الهائج، وليس في أبنائهم.

«دمغ» آخر، إرادي هذه المرّة، يخبرني أحد أصدقائي أنه يقترفه بنفسه. هو طبيب يعمل في إحدى مدن شمال إسبانيا، وحين سئم تلقي الصراخ والشتائم من الشرفات وهو عائد إلى بيته بعد العمل صار يعود وهو يرتدي الصدرية، أو البزة الطبية الخضراء. حينها، صار يتلقى التصفيق والتشجيع بدل الشتم. هكذا هي الحرب، تحتمل فقط الشتم أو التصفيق. لا حلّ وسط بينهما، أي لا مجتمع!

تفيد حالة هذا الصديق الطبيب للتفكير أيضاً بظاهرة التصفيق اليومي للكوادر الطبية، التي تعممت في العديد من الدول التي تُعاني أوضاعاً كوروناتيّة سيئة. من الطبيعي التفكير في أنَّ لهذه التعبيرات الجمعية طابعاً احتجاجياً مُضمناً على الاقتطاعات التقشفية التي عانتها منظومات الصحة العامة في عديد دول العالم منذ بداية الثمانينات، وخصوصاً خلال الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، فمنظومة الصحة العامة، المنضوية ضمن دور الدولة الاجتماعي، اعتبرتها المقاربات النيوليبرالية الأوروبية «ترفاً» لا يمكن احتماله، ويجب «ترشيقه» و«خصخصة» ما أمكن منه. وما نراه اليوم أن منظومة صحة عامة معافاة هي الوحيدة القادرة على احتمال هكذا أوضاع وإخراج المجتمع منها بأسرع وقت وأقل الخسائر. خطاب الحرب لا يقدّم القطاع الطبي كمنظومة مجتمعية تحتاج التفكير في كيفية دعمها وتقويتها، ويعاني أفرادها نزيفاً في الإصابات والوفيات لأن الموارد باتت شحيحة حتى لتوفير القدرة على حماية أنفسهم أثناء أدائهم عملهم، بل كـ«قوات نخبة» أُنزِلت مظلياً «خلف خطوط العدو»، يُهلَّل لها ويُحتفى بـ «بطولاتها» وتُبارك «تضحياتها». قوات نخبة قد «تغار» من التهليل لها قطاعات أخرى ترى نفسها أيضاً «قوات نخبة» تستحق تهليلاً، مثل عمال نقل وبيع المواد الغذائية، أو الشرطة وقوات الأمن، وغيرهم. منطق الحرب ليس قمعاً للتفكّر العقلاني فحسب، بل أيضاً خنقاً للإيثار، وللتضامن والتعاضد المجتمعيين.

أطفال التوحّد، والطبيب الذي يُشتم حين لا يبدو طبيباً بوضوح، مثالان على ظلم صرف -على فرض أن المخالفين والمخطئين يستحقون تجريصاً ما، وهي فرضية يرفضها كاتب هذه السطور بالمطلق-، ظلم وقع لأن بلكوناً قد قرر وأطلق الحكم ونفّذ (لفظياً فقط حتى الآن، لحسن الحظ). لم تأتِ شرطة لتتحقق وتتصرف (بتهذيب واجب) وفق معطيات موضوعية ومعلومات مثبتة، ولم تُتخذ إجراءات احترازية بناءً على قانون وحصانات وحقوق، ولم يُعطَ حق المرافعة والدفاع أمام قاضٍ يحكم بموضوعية القانون لا بانطباعية الانفعالات المنفلتة. باسم الكورونا يُتسامح مع كمية كبيرة من الناس منحوا أنفسهم مزيجاً من قناعات الحق والواجب، ممزوج بدوره بمشاعر الملل والإحباط والغضب والرعب، كي يؤذوا غيرهم لفظياً، أو يقدموا فيهم وشاية مجانية أشبه بالديستوبيات الشموليّة، ذات فائدة معدومة عدا «التفشش» بالجار؛ ويُتصالَح مع العنف وقلة اللباقة والتهذيب، ويُنبذ التفهّم والتعاضد، والثقة وحسن النيّة، والغيرية، أي أولى أساسيات أي مجتمع سليم بالحدّ الأدنى.

أن يكون المواطنون مواطنين وليسوا جنوداً، وأن يكون القاضي والشرطي شخصيات واضحة بصلاحيات مقيدة بالقانون وليس أي أحد يقرر هو أنه كذلك، وأن تكون الإدانة والعقاب وفق القانون وليس بالشبهة والانطباع، وفوق كل شيء، أن امتهان الكرامات غير مقبول حتى للقتلة، كلها تصبح «لزوم ما لا يلزم» وفق معطيات تبرير الغوغائية بحجة رعب الناس. المضاعف الأسّي لهذا الكلام هو إفراط  الإعجاب بفعالية السلطوية الصينية مقابل ذم ما يُفترض أنه غنج وتلكؤ الديمقراطيات، الحذرة من اتخاذ إجراءات تمس الحقوق والحريات العامة، لأن الحرص على الحقوق والحريات والكرامات وعدم استسهال فرض أوضاع استثنائية كلها تقدّم كـ «معوقات» مكروهة، وليس ثمرة نضالات وتضحيات منذ مطلع عصر التنوير. الترجمة الأسرع لهذا الكلام صدرت، وكيف لا، من هنغاريا، فبحجة الكورونا، ومحاطاً بتشجيع وتهنئة شبكة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي، اتخذ فيكتور أوربان إجراءات لتعليق الحياة البرلمانية والدستورية وتقييد حرية الصحافة، وبات يحكم بالمراسيم، في حركة ليست إلا انقلاباً بكل معنى الكلمة، في قلب الاتحاد الأوروبي. لكن لنصمت، الوضع لا يحتمل غنجاً ليبرالياً وفرط تحسس ديمقراطي.. هناك كورونا!

وكما كرر آلبا وهيريرو في مقالهما: لسنا في حرب «ضد» الكورونا، بل وسط كارثة إنسانية. يحتاج الخروج من هذه الكارثة الإنسانية للمزيد من الإنسانية. إنسانية «عن جد»، وليس التي تدثَّرَ بها، وبالكورونا، محمد بن زايد كي يتّصل ببشار الأسد. إن كانت هناك حرب ما فهي حرب ضد المجتمع، تركب رعبه كالمتزلج على الأمواج، لزرع كل ما تحتاجه أي سلطوية كي تنمو وتمدّ جذورها وتهيمن، من عنف وتشكك وكراهية ونبذ لمنطق الحقوق والحريات والكرامات. ما قد «يُمرّر» بحجة كورونا سيُمرّر بحجج أخرى، لينتهي مارّاً ومارّاً دون الحاجة لحجّة حتى، ونحن السوريون، وغيرنا من ضحايا الطغيان الذي يتبادل الحب مع «المواطنين الشرفاء» من الخبراء المدميين بهكذا سيرورات. الأمثلة التي نراها لتوظيف سياسي سلطوي من قبل حكومات وتيارات سياسية، وتلك التي سنراها في الأسابيع والشهور المقبلة مع تعاظم الأزمة الفيروسية والأزمة الاقتصادية اللاحقة، تدعونا لكي نتمسّك أكثر وأكثر بكل ما يستهدفه الغوغاء السلطوي الآن، ويلقى آذاناً كثيرة جداً للأسف، ويُقدّم كعائق بوجه الفعالية «الحربية» ضد كورونا: بالحقوق والحريات، وبالحياة المجتمعية السليمة، وبالديمقراطية، وبالحصانات الدستورية والقانونية، وباستثنائية وكراهة «الأوضاع الاستثنائية»، وبجوهرية الكرامة في أي نوع من أنواع العلاقات الإنسانية.

لا يجب أن نتمسّك بها «رغم» كورونا، بل بالذات في أوقات كهذه الأوقات الكوروناتية.

1. انتشر الفيديو بشكل واسع جداً (بطريقة فيروسية كما يُصطلح، يالسخرية اللغة). أمتنع عن وضعه هنا احتراماً لهوية وخصوصية الشاب المشتوم، إذ أن الفيديو يُظهر وجهه بوضوح، وأيضاً احتراماً لخصوصية السيدة نفسها أمام احتمال أن تُعاني من حالة عُصابية ما.

موقع الجمهورية

—————-

“نهاية التاريخ” من فوكوياما إلى كورونا/ منير الربيع

عندما خرج فرانسيس فوكوياما بكتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير، في العام 1992، مدعياً انتصار الرأسمالية، واختزال التطور التاريخي عند حدود انتصارها. كانت الولايات المتحدة الأميركية قد أكلمت صراعها التاريخي الذي افتتحته بشكل مباشر في الحرب العالمية الأولى للسيطرة على النظام العالمي. دخول أميركا إلى الحرب العالمية الأولى، هدف لإثبات دورها كعنصر موفّر للانتصار لمن يتحالف معها. قالت لفرنسا وبريطانيا إن بقاءهما منوط بدورها، وهو ما تكرر في الحرب العالمية الثانية، التي بعدها، بدأ التمدد الأميركي في العالم يتوسع، أجبرت باريس ولندن على اللجوء إلى الجناح الأميركي، وتصدرت واشنطن مواجهة الاتحاد السوفييتي.

بسقوط الإتحاد السوفييتي، كرّس الأميركيون سيطرتهم على العالم، أكملوا إنجاز النظام العالمي الذي طمحوا إليه، ما حدا بفوكوياما، إلى كتابة “نهاية التاريخ”. في الأخذ المباشر والمبسط للعبارة المكملة لعنوان الكتاب، أي “الإنسان الأخير”. فهي حكماً تعني انتهاء حقبة بشرية واستيلاد حقبة أخرى، تقوم على جعل الإنسان كائناً استهلاكياً ليس للسلعة فحسب وفق شروط النظام الرأسمالي، إنما متلقياً لما يُغدق عليه من أفكار وتنميطات ثقافية واجتماعية، بـ”ثورة” دعائية سياسية، سينمائية روائية وغيرها، تهدف إلى إسقاط كل ما يتعلق بالنقد والانتقاد، أو النقد البناء وفق المصطلحات الماركسية. مقابل تكريس منطق الزبائنية الفكرية، بحيث من يتماشى مع هذه “العصرنة الفكرية” يكون تقدمياً ومن لا يتماشى مع الطبائع التي تكرسها هذه الفكرة يكون رجعياً وساقطاً في حسابات العالم الجديد.

هنا يمكن أن تنقلب جملة “الإنسان الأخير” إلى “آخرة الإنسان”، بما يمثله من قيمة فكرية قادرة على النسج والتطوير الفكري في مجالات متعددة، في مواجهة كل محاولات مكننته وفق مقتضيات السوق. والمدى الأبعد لتلك العبارة هو إسقاط كل ما يتعلق بالصراع الفكري، وجعل الصراع مادياً فقط على السلعة، التي يفترض بالإنسان الأخير أن يتماهى معها. ولا بد لإسقاط أي صراع فكري أن يؤدي إلى تتفيه المجتمعات، وهو ما تشهده أقطار العالم كلها، منذ ثلاثين سنة إلى اليوم. طبعاً لا يمكن ربط حماية الأفكار بوجود الاتحاد السوفييتي، الذي كان أيضاً أحد أكبر المساهمين في إجهاض أي فكرة أو ابتكار، وإنما الأساس هو لرمزية وجود صراع فكري.

النتاج الأولي لفشل النموذج السوفييتي، والتسيد الرأسمالي للنظام العالمي الجديد، المتخطي لكل الحدود “ثقافياً” واقتصادياً، عبر شركات متعددة الجنسيات، هو انهيار منظومة الأفكار السياسية التي تنتج ديناميكية تطورية في مجالات اجتماعية وفلسفية وسياسية واقتصادية وثقافية وفنية. وهذا ما انعدم كلياً بعد إعلان نهاية التاريخ. ليتلقى النظام العالمي المتسيّد ضربة أولى في العام 2008، إثر الأزمة المالية العالمية التي عصفت به، وأدت إلى فرض تغييرات جذرية في آلية عمل السوق وتدخل الحكومات في تنظيمها.

الضربة الثانية التي تسقط جذرياً “نهاية التاريخ” جاءت من بوابة صحية وطبية، وهي أزمة كورونا، التي أول ما عصفت به غيرت الإنسان، حيث كانت هذه المنظومة قائمة على أساس السوق فتطورت، فالاتحاد الأوروبي تطور من سوق أوروبية مشتركة إلى اتحاد بين دول أوروبا، ليعود الاتحاد ويسقط، في تصارع دوله على مواجهة الوباء والسعي إلى البقاء، بدون أي مساعدة من أي دولة، ما حدا بوزراء ومسؤولين أوروبيين إلى القول، إنه إذا ما كان الاتحاد قائم فقط على تجارة في سوق مفتوح فلا يمكن له الاستمرار.

حتماً، لن يبقى النظام العالمي على حاله بعد أزمة كورونا، وما سينتج عنها من أزمات سياسية وكساد اقتصادي، وتداعيات اجتماعية وبشرية. تلك الأزمة التي سددت ضربة قاسمة إلى منطق اقتصاد السوق، وإنتاج مؤسسات وقطاعات منتجة موازية أو مضاربة لمؤسسات الحكومات. فيما لم يجد الناس غير الحكومات من معين لهم في أزمتهم الحالكة هذه، وأثبت السوق المتفلت فشله في مواجهة التداعيات والمخاطر وتوفير البدائل. أعادت الأزمة الاعتبار لعمل الحكومات وتدخلها في السياسات الاقتصادية والرعاية الاجتماعية، وليس الصحيّة فقط. وهي من شأنها أن تشرّع الأبواب أمام نقاشات فكرية مديدة حول كيفية تطور دور الدولة، ومستقبل هذه الدول، ونظمها، وآلية تعاطيها مع مواطنيها. خاصة أن كل دولة أو مجتمع انغلق على نفسه، وعادت معه نفحة العنصرية أو التفوق العنصري، كما حدث بالنسبة إلى الأفارقة والمغاربة في فرنسا، أو التعاطي الأوروبي العام مع إيطاليا وإسبانيا، أو التعاطي الأميركي مع الصينيين.

والملاحظ، أنه بعد كل فورة صناعية أو اقتصادية، تنتج أزمة عالمية، تؤدي إلى حروب ونزاعات عسكرية أو بأوجه مختلفة، فتنتج هذه الحروب نماذج جديدة من التفاهة السياسية القائمة على المنطق الشعبوي، كما حصل إبان الحرب العالمية الثانية والذهاب إلى بروز “النازية” و”الفاشية”. وغالباً ما تأتي الشعبوية التسخيفية بعد الهزائم، بحيث يعمل الشعبويون على تستير عيوبهم ونواقصهم بالصراخ الديماغوجي المتودد إلى الجموع المحتقنة التواقة للاحتشاد والتعبير عن الغضب. ترتبط السياسة التتفيهية هنا بشخص شعبوي، يدعي الإلهام والألوهية، ويهدف للسيطرة على العقول، بتقديس قضيته من خلال تقديسه لذاته. كتأسيس موسوليني للفاشية القائمة على المعتقد القومي والإثنية، وعبادة الدولة التي يجسدها الحزب القائد أو الشخص القائد، الممثل لمصلحة المجتمع التي تُفضّل وتُقدم على مصلحة الأفراد، بما يلغي أن ديناميكية اجتماعية. وهذا ما حاول هتلر أن يبتكره ويكرسه في التماهي بين شخصه وألمانيا، بجنون عظمته الجانح نحو الحرب.

منذ القرن التاسع عشر والثورة الصناعية، هناك رهان بأن الرأسمالية هشة وغير عادلة، وعند كل أزمة ومنعطف، تبرز هذه الرهانات، ولكن كل تحدٍّ يُطرح بوجه هذه الرأسمالية، تنجح في هضمه واستيعابه وتطوير نفسها. كتحسين شروط العمال، والمنفعة، وتوزيع الثروة، وهذا كان تطور في بنيتها، بينما ما يناقضها لم يكن لديه قدرة على تسويق أو تطوير أفكاره. طبعاً ما يتبع الانتصار الرأسمالي الاقتصادي، هو التركيز على عنصرين إلى جانب هذه الرأسمالية، فهي ليبرالية المجتمع، والديمقراطية السياسية. هذه الرأسمالية فرضت نفسها على أنظمة كانت في عداد الاشتراكية والشيوعية كالصين مثلاً كنظام رأسمالي ولكن غير ديمقراطي، وروسيا كنظام رأسمالي أوتوقراطي ليس فيه أي مقومات للديمقراطية.

حتماً سيكون ما بعد كورونا، معضلة كبرى لدى الديمقراطيات الغربية، بحيث سيكون هناك نزوع نحو حكومات أكثر تشدداً بنزعتها الوطنية والقومية، بحيث ستميل الناس إلى تيارات الخوف من الآخر والخطر الآتي من الخارج، ما سيؤدي إلى نوع من أنواع كبح العولمة، والخوف الأكبر من المختلفين والاختلاط، وهو سيؤثر حكماً على الديمقراطيات وليس على الرأسمالية، التي لا يوجد ما يواجهها جدياً. الديمقراطيات ستكون أمام تحدّ حقيقي، يؤدي إلى طفرة شعبوية، بمواجهة “وحدة مصير العالم” ووحدة الجنس البشري، المتساوي أمام العجز الناتج عن هذه الأزمة. وهذا سيكون أكثر عقلانية كمقابل للنزعات الشعبوية الأخرى.

تلفزيون سوريا

————————–

كورونا.. الهشاشة والتعاون والإنفاق العسكري/ محمود سمير الرنتيسي

ألزم فيروس كورونا كثيرين بارتداء القناع الطبي أو الكمامة خوفا من انتقال العدوى، لكنه في ذات الوقت رفع القناع عن الكثير من الأمور التي كان ينظر إليها على أنها مسلمات أو كيانات كان ينظر إليها على أنها كيانات قوية إلا أنها في الواقع كانت أكثر هشاشة من المتصور عنها.

هشاشة الاتحاد الأوروبي

وأول هذه الكيانات هو الاتحاد الأوروبي حيث كشفت الأزمة مدى الهشاشة وعدم التماسك بين دوله، وفي الحقيقة حتى نتجنب عدم الدقة فقد كانت هناك عوامل خلاف كبيرة داخل الاتحاد وأحد قصصها قصة بريكست، والخلاف بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا، وبين فرنسا وألمانيا على الزعامة في أوروبا، وغيرها. ولكن أزمة كورونا فضحت هذا العالم الليبرالي الذي عجزت دوله عن التضامن فيما بينها وهذه رسالة إلى شعوب منطقتنا التي كانت تأمل أن تتضامن معها دول الاتحاد الأوروبي، وبدلا من ذلك رأينا هذه الدول تستولي على شحنات المواد الطبية القادمة لجيرانها، وعلى سبيل المثال استولت دولة التشيك على شحنة من المعدات الطبية أرسلتها الصين إلى إيطاليا. كما قامت إيطاليا بالاستيلاء على شحنة قادمة لتونس. وبينما تعتبر إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تأثرا بفيروس كورونا مع أكثر من 137 ألف حالة مصابة، وأكثر من 17 ألف حالة وفاة شعر الإيطاليون بتخلي حلفائهم وجيرانهم الأوروبيين عنهم، وردا على هذا الأمر قام العديد منهم بإحراق علم الاتحاد الأوروبي في إشارة رمزية على الشعور بالترك وعدم التضامن، ولم يقتصر الأمر على مواطنين عاديين بل قام مسؤولون رسميون بأعمال مشابهة للتعبير عن الاستياء.

وقد حذر رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الاتحاد الأوروبي من أنه “قد يفقد سبب وجوده” في حال ارتكابه “خيارات مأساوية” في مكافحة فيروس كورونا، وتنبأ بحالة كساد غير متوقعة قد تغرق أوروبا. ولكن على الرغم من كل التصريحات وسط الأزمة سوف يبقى الاتحاد الأوروبي في المدى القريب من خلال العمل على محاولات علاجية وتضامنية خاصة في الجانب الاقتصادي، فإن الفيروس سيقوي عوامل تفكك الاتحاد التي تتصارع من عوامل ترابطه.

العالم لا يريد أن يتعاون

لا يهدد وباء كورونا إيطاليا أو الولايات المتحدة أو إسبانيا أو دولا أو أعراقا بعينها، فالعدوى لاتحابي أحدا، وكان من المفترض أن تتحد دول العالم في مواجهة الفيروس الذي يعتبر تهديدا عالميا، لكن بدلا من ذلك رفع الفيروس مستوى التنافس بين الدول، وحاولت كثير من الدول استغلال قضية الفيروس في صراعاتها القديمة القائمة وليس هناك مثال أفضل من الحرب الباردة الأمريكية الصينية حاليا، وتعتبر أحد تجليات هذا الخلاف إعلان ترامب أنه يدرس “تعليق” المساهمة المالية الأميركية  (120 مليون دولار سنويا) في منظمة الصحة العالمية بعد ما وصفه بـ”فشلها” في دق ناقوس الخطر حول فيروس كورونا المستجد، في وقت أبكر. وكان ترامب قد غرد على تويتر قائلا إن “منظمة الصحة العالمية أفسدت الأمر حقا، لسبب ما ورغم التمويل الأميركي الكبير لها، ما زالت تركز كثيرا على الصين، سننظر في هذا الأمر جيدا”.

وعدا الحرب الأمريكية الصينية، هناك المعركة مع إيران، والمعركة المستمرة بين الحوثيين والسعودية، وهجوم حفتر المستمر على طرابلس، والحصار على قطر، وغيرها وكلها صراعات لم تستطع أطرافها أن تقرر استغلال تفشي الوباء لإيقافها.

القوة ليست في المجال العسكري فحسب

حسب التقرير السنوي لموقع غلوبال فاير باور احتفظت الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى في ميزانيات الإنفاق العسكري خلال العام الجاري 2019، متقدمة بفارق كبير على بقية دول العالم، حيث وصلت موازنتها العسكرية لهذا العام إلى 716 مليار دولار.

وحلت الصين ثانيا على مستوى ميزانيات الدفاع العسكري لهذا العام، حيث وصلت موازنتها العسكرية إلى 224 مليار دولار، بينما حلت السعودية في المرتبة الثالثة بموازنة بلغت 70 مليار دولار. ولو نظرنا إلى قائمة أكثر الدول إنفاقا في المجال العسكري سنجد الهند، وألمانيا وبريطانيا وروسيا وفرنسا.

ولعل هذه الدول أيضا من أكثر الدول إنفاقا في المجال الصحي وعلى رأسها الولايات المتحدة لكن ظهرت هناك مشاهد لا تنسجم مع هذا الأمر ففي الولايات المتحدة كانت الممرضات في مستشفى بمانهاتن يرتدين أكياس القمامة لعدم توفر ملابس الحماية، فضلا عن نقص الكمامات الطبية حيث تبين وجود نقص استراتيجي في هذه المواد، وحسب بعض التقارير الواردة فإن شركات الأدوية والتأمين هي من تحصل على نسب كبيرة من ميزانيات هذه الدول.

سيركز المواطنون والدول على ميزانيات الصحة وبشكل مفصل لاحقا وعلى التدابير الصحية وربما يشهد العالم استعراضات صحية بدلا من الاستعراضات العسكرية، ويقف قادة العالم وزعماؤه في منصات أمام الإسعافات المتطورة وغرف العزل التي تدار عن بعد.

بالتأكيد هناك أمور كثيرة كشف عنها هذا الفيروس الصغير الحجم وأهمها قصور النيوليبرالية والتي كانت متراجعة بالأصل وربما كما

ذكر بعض الباحثين إعلان مقتلها ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال نجاح الدكتاتورية حتى لو تجاوزت بعض أنظمتها المعركة مع الفيروس.

تلفزيون سوريا

——————————–

وباء الكورونا: بين الحل الإسعافي وفهم الأسباب/ سلام الكواكبي

على هامش انتشار الأحاديث والتحليلات والاستنتاجات غير العلمية والقريبة من الخزعبلات والإشاعات والتكهنات الطريفة في وسائل التواصل الاجتماعي كما في العديد من وسائل الإعلام العربية خصوصاً، وعلى هامش الكذب والخداع اللذين تمارسهما أجهزة صحية حكومية في كثير من الدول العربية لتنفي الحقائق وتشوه المعطيات وتزوّر في الأرقام، ظنا منها ومن مخططيها بأن نفي الانتشار المحلي لوباء يودي بحيوات الآلاف حول العالم سيعود بالحمد والشكر على قائدها المستبد أو / والفاسد أو / وغير الكفء، يعكف العلماء في عدد من الدول المتقدمة على العمل ليلاً نهاراً في سعي لإيجاد الترياق المناسب لوباء اكتسح العالم.

البحث العلمي المكثّف في هذا الاتجاه الحيوي والإسعافي للغاية، لم يمنع علماء آخرين، وكل في اختصاصه، من التوقف مليّاً أمام العوامل التي ساعدت على انبعاث هذا الفيروس وانتشاره. وفي هذا العمل، لا يسعى الباحثون إلى إدانة الماضي وممارساته فقط، بل إلى استخلاص الدروس المناسبة لتفادي الوقوع بشكل متكرر في نفس الفخ الصحي المميت. وقد تبين أن هناك إجماعا عالميا غير مؤدلج يُركّز على عاملين اثنين في تحفيز انتشار الوباء وهما التلوث البيئي وما ينجم عنه من احتباس حراري إضافة الى عمليات التصحير واقتلاع الغابات لغايات زراعية أو صناعية أو سياحية، وبالتالي إصابة التوازن الطبيعي باختلالات ومزج العالم البشري بعوالم غير مكتشفة بعد في جوانبها المرضية.

إن انتشار فيروس الكورونا، وهو القادم من عالم الحيوان، بين البشر صار أمراً ممكناً بسبب طرق الحياة الحديثة، فامتداد العمران واقتلاع الغابات واستغلال باطن الأرض بطريقة مركّزة، تؤدي باجتماعها حتماً إلى التفاعل غير الإيجابي بين الجنس البشري والعالم الحيواني حيث يستثمر الإنسان أراضين استوطنها الحيوان منذ القدم وأسس فيها لسلسة من الأمراض والفيروسات الغريبة عن الجنس البشري. وقد توصل برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2016 بأن انتشار فيروسات الإيبولا، الزيكت والنيباه، مرتبط بشكل مباشر بعملية اقتلاع الغابات. ومع الاحتباس الحراري، لم يعد مرض الإنفلونزا موسمياً في بعض المناطق الجغرافية من العالم. والانتظام البيئي، المرتبط مباشرة بانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري والناجمة عن النشاط الإنساني، هو سبب يُضاعف من التهديدات.

لقد صار من شبه المؤكد علمياً بأنه، مناخياً، سيكون هناك ما قبل الكورونا وما بعدها في مختلف أنحاء العالم. فمن خلال ملاحظة تراجع النشاط الصناعي بسبب الحجر الصحي، يبدو للعلماء بأن وباء الكورونا يُخفّض أيضاً من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري كما للتلوث المناخي. ويمكن بالتالي اعتبار هذا الانخفاض كإحدى النتائج الإيجابية النادرة لانتشار هذا الوباء كونياً. وتبدو هذه الظاهرة واضحة جدا في الصين، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية لوكالة الناسا الأميركية الملتقطة للسماء الصينية انخفاضا ملموساً للتلوّث الذي اشتهرت به المدن الصينية الكبرى. وقد ربط الباحثون هذه الظاهرة بالانخفاض الكبير في النشاط الاقتصادي الذي أدى اليه الحجر الصحي والعزل الاجتماعي الناجم عن الوباء. وقد دفع هذا التراجع الواضح لنسبة التلوث وانتشار الجسيمات الدقيقة في الهواء ببعض العلماء البيئيين للقول بأنه قد أنقذ من الناس عدداً أكبر مقارنة مع الضحايا التي سببها الفيروس نفسه.

ومن جهة أخرى، تعتبر الوكالة الأوروبية للبيئة أن المصانع كما الآليات تبعث في الجو ديوكسيد الآزوت الذي يتسبب بوفاة 68 ألف مواطن أوروبي سنوياً في دول الاتحاد. فالتلوث في سماء المناطق الصناعية في الصين، يُقابله تلوث أقل كثافة ولكن يحمل نفس الخطورة في مناطق صناعية أوروبية كمنطقة ميلانو مثلاً حيث انتشر الكورونا بشكل قوي للغاية. وبالتالي، فمن المتوقع أن انخفاض النشاط الصناعي كما النقل الجوي سيؤديان في أشهر الكساد الاقتصادي المقبلة بعد تجاوز مرحلة انتشار الوباء إلى انخفاض ملحوظ في نسبة التلوث البيئي وبالتالي في عدد الضحايا الذي ينجم عنه. وعلى العكس، وكما حصل بعد الأزمة المالية سنة 2008، يمكن أن تؤدي كثافة النشاط الاقتصادي التي ستسعى للتعويض عن مرحلة التوقف، إلى ارتكاب انتهاكات عديدة وغير محسوبة للبيئة وانعدام الحذر المبرمج وذلك من خلال تعزيز اللجوء الى الفحم لتشغيل مصانع الصين كما إلى الوقود الأحفوري في صناعات الدول الغربية، وكلاهما من أهم مسببات التلوث البيئي المميت. يُضاف إلى هذا الخطر المحتمل، تراجع الدول المتقدمة، في مرحلة إعادة تفعيل عجلة الاقتصاد العالمي، عن الاستثمار في مسارات السعي إلى استخدام مصادر الطاقة البديلة النظيفة.

إن التلوث عموماً، وخصوصاً بالجسيمات الدقيقة، يساعد على انتقال الفيروسات ودخولها للجسم البشري كما ولو أنها حصان طروادة. ويتسبب هذا النوع من التلوث في وفاة 48 ألف إنسان في فرنسا وحدها سنوياً. وتجدر الإشارة مجدداً الى أن الصين، حيث هناك كذب وغموض فيما يتعلق بأعداد الضحايا والمصابين، كما شمال إيطاليا، حيث الأعداد هائلة وصادمة للأسف الشديد، هما منطقتان معروفتان بتسجيل نسب تلوث مرتفعة مرتبطة بالنشاط الاقتصادي. وللخروج من عنق الزجاجة، من المناسب التفكير في حلول بديلة ومستدامة. 

يوما ما قال أحدهم أنه يجب تحويل الأزمة إلى فرصة، ولقد حانت.

تلفزيون سوريا

———————————

ترامب والحاجة إلى قيادة في زمن الكورونا/ رضوان زيادة

بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة كما أصبحنا نردد باستمرار فقد كشفت الأزمة المالية العالمية في 2008 وسرعة انتشار فيروس كورونا في عام 2020 أن ما يصيب جزءا من العالم يتأثر به بقية العالم بسرعة لا يمكن تصورها في السابق، حتى لو بقيت منعزلا عن العالم لن تكون بمأمن أو بعيدا عن التحولات العالمية التي تجري باستمرار وبشكل متحول.

وكما أن سياسة التأثر تكون عالمية كذلك الحاجة إلى الرد على التحديات العالمية تحتاج على قيادة من نوع جماعي وتحتاج إلى تنسيق الجهود الدولية من أجل القيام بهذا الرد بشكل منسق، ويستجيب للتحديات العالمية المتزايدة، لقد مكن الرد الدولي بقيادة الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما في عام 2008 من تنسيق الجهود الدولية من أجل الحد من تأثيرات الأزمة المالية العالمية وكان اجتماع دول العشرين والتنسيق بين وزراء المالية هو المكان والمفتاح للوصول إلى حلول في الكثير من المشاكل المتتابعة التي هزت العالم في عام 2008.

بالمقابل نجد ترامب يتصف بالعجز أو الفشل الكامل في تنسيق الجهود الدولية لمكافحة فيروس كورونا، ولم تزد المؤتمرات الصحفية التي يعقدها يوميا لم تزد الطين إلا بلة كما يقال بسبب تخبط تصريحاته وابتعادها عن استخدام اللغة أو المفاهيم الخاصة بعلم الأوبئة، وتكرار معلومات خاطئة أو غير دقيقة، كما أن التنسيق على المستوى الدولي في أدنى مستوياته إن لم يكن في أسوأ حالاته كما وجدنا في قرصنة شحنات المعدات الطبية بين الدول، أما اجتماع

العشرين الأخير الافتراضي الذي عقد من السعودية فقد فشل حتى في إصدار بيان بشأن الجهود الدولية لمكافحة الفيروس لأن إدارة ترامب أصرت على وصف الفيروس بأنه “فيروس ووهان” وهو ما رفضته الصين ودول أخرى ففشل الاجتماع في إصدار البيان الختامي كما ذكرت صحيفة الفورين بوليسي.

لقد وجدنا فشلا عالميا في التعامل مع الفيروس مهما كان نوع النظام الصحي متطوراً، فقد زاد عدد الوفيات في كلا النوعين من النظام الصحي الذي تسيطر عليه الدولة بالكامل مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وذلك الذي هو خاضع لمبدأ العرض والطلب بالكامل في الاقتصاد الحر كما في أميركا، وجدنا كلاهما يتعرضان لهزات غير مسبوقة وبالتالي لا يمكن القول إن ازمة كورونا أعطتنا أية أفضلية لنظام صحي على آخر.

أما بالنسبة للكلام الكثير بلا معنى عن ولادة نظام عالمي جديد بعد الكورونا أعتقد أن ذلك مبكر جدا جدا

إذا لم نجد وفيات بالملايين حيث تباد شعوب بأكملها بسبب عدم القدرة على الاستجابة، وهو مستبعد بشكل كبير فلا تغيير سيحدث، لكن من الأكيد أن الصين ستستمر بصعودها الاقتصادي المذهل وربما تتفوق على أميركا في الناتج الاجمالي المحلي لكنها ستصطدم مجددا بفشل نظامها السياسي في الاستجابة لرغبات مواطنيها كما وجدنا في هونغ كونغ وإقليم شينانجنغ مع الأقلية المسلمة وغيرها.

وبالتالي فالنظام القديم الذي ورثناه عن الحرب العالمية الثانية سيبقى مع ندوب أو جروح غائرة تدميه كما جرى في سوريا، لكنها لا تدفعه لتغيير قواعده لأنه مريح للأطراف الفاعلة فيه الأكثر قوة.

لقد كشف التعامل الدولي مع فيروس كورونا فشل إدارة ترامب الذريع في التحضير أو قيادة رد فعل دولي يستجيب لعولمة الوباء ويرتقي إلى حجم وعدد الضحايا الذين يسقطون بشكل يومي، مما يحتم القدرة على تنسيق الجهود الدولية من قبل الإدارة الأمريكية التي لديها الموارد الكبرى والتأثير المهيمن الأكبر على المستوى الدولي بحجم قدرتها على التأثير في دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة وكندا وغيرها من دول الشرق الأوسط القادرة ماليا، لكن بسبب غياب القيادة في عهد ترامب الذي يدعي أنه قائد لا يشق له غبار يعني أن التداعيات الدولية للوباء على الصعيد الطبي والصحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعلى صعيد التعاون الدولي وغير ذلك كله مهدد بالفشل والوصول إلى نقطة الصدام أو نقطة انهيار المنظمات الدولية التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تنسيق الجهود الدولية لبناء ما سمي حينها “السلام العالمي”.

تلفزيون سوريا

—————————–

الإسلاميون وإشكالية المعاصرة… الكورونا نموذجًا/ أحمد الرمح

أتاح عصر الحداثة وتشكل دولة المواطنة، وترسيخها كقيمة إنسانية لجميع مواطنيها تحت سلطة قانون مدني واحد، لا أحد فوقه، أتاح للغرب نهضة حقيقية مترافقة بتنمية وتطور في المجالات معظمها. أدى ذلك إلى هذه الطفرة العلمية والتكنولوجية التي ظهرت في العقود القليلة الماضية كمنتج لعصر الحداثة.

منذ ذلك الحين، وقع في مجتمعاتنا صراع فكري بين فريقين نخبويين من أبناء المجتمع.

الفريق الأول: طرح العلمانية كحل للتخلص من حالة التخلف التي نعانيها، وطالب بتطبيق التجربة الغربية، من خلال تنحي الدين عن التدخل بعمل الدولة، وحصره بالمسجد تحديدًا، معتمدًا الأنموذج الغربي الذي أثبت نجاحه في التعامل مع المعاصرة ومنتجاتها.

أما الفريق الثاني (الإسلامي): فقد وجد نفسه في حرج شديد أمام هذا التطور الهائل في الصيرورة التي آل إليها شكلُ الدولة والقفزة العلمية والتكنولوجية الهائلة التي أدت -بشكل أو بآخر- إلى فرض نمط ثقافي وسلوكي جديد، جعل التدين الشعبوي في حرج أمام إشكالية المعاصرة!  ولا بد من إيجاد حل لتلك الإشكالية.

بعد جدل كبير، بين المدارس الإسلامية بمختلف توجهاتها وخلافاتها العقدية والمذهبية والفكرية؛ حصل شبه اتفاق أو تفاهم لاحتواء المعاصرة ومنتجاتها التي لم تكن موجودة في العصور التي تأدلجت فيه العقلية الإسلامية بكل مدراسها، ونقصد بذلك القرون الثلاثة التي تلت قرن الرسالة.

ونستطيع القول إن هذا التفاهم بين المدراس الإسلامية، لحلِّ إشكالية المعاصرة، حصل مع بداية ما سُمي عصر الصحوة الإسلامية، نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، حيث كان التعامل مع إشكالية المعاصرة من خلال أسلمة أدوات الحداثة كلها، وكُتبت كتبٌ وألقيت محاضرات في الإسلام والمعاصرة، لكن من خلال ظاهرة الأسلمة، وتوسعت ظاهرة الأسلمة لتشمل مناحي الحياة الحديثة كلها، بطريقة فيها تمحل كبير، أعادت بالتدريج فرض مفهوم الحاكمية الشرعية التي نادت بها تنظيمات وتيارات إسلاموية متشددة.

هل نجحت الأسلمة في احتواء المعاصرة؟

هذا سؤال مهمّ يجب أن نواجهه بكل جرأة، لنقول إن احتواء إشكالية المعاصرة بالإسلمة قد فشل، وحتى نبيّن فشل ظاهرة الأسلمة، التي نعتقد براءة الدين منها، لا بد من أن نعرّج على أهمّ سماتها سريعًا.

مظاهر الأسلمة

بدأت ظاهرة الأسلمة بالاقتصاد، حيث كُتب كثيرًا عن ظاهرة الاقتصاد الإسلامي والبنك اللاربوي، وأُنشئت البنوك الإسلامية، في محاولة لأسلمة الاقتصاد، وعلى الرغم من كل (البروباغندا) التي ترافقت مع ظاهرة البنوك الإسلامية، وأسلمة الاقتصاد، وخصوصًا بعد أزمة الرهن العقاري التي اجتاحت العالم بالعام 2008، كانت النتيجة هي الفشل الذريع لأسلمة الاقتصاد.

وتبيّن للقاصي والداني أن لا اختلاف بين البنوك المعروفة والبنوك الإسلامية المستحدثة إلا من حيث المسميات، وبقي الجوهر نفسه، ولكن بعض الفقهاء المعاصرين استطاعوا إقناع شريحة واسعة من المتدينين، بأن هذه الفروقَ جوهريةٌ وتخرجهم من حرج الوقوع بالربا المنهي عنه شرعًا.

نستطيع القول بكل صراحة إنه لا يوجد في الإسلام نظام اقتصادي، كالذي يقود اقتصاديات السوق العالمي اليوم، حيث إن الإسلام طرح قيمًا أخلاقية تضبط حركة الاقتصاد من الانحراف في أي زمان ومكان، وما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية، من منع للربا والرشوة والغش والتدليس…إلخ، هو قيم أخلاقية تضبط الحركة الاقتصادية حتى لا يُظلم الفرد والمجتمع، وليست نظامًا. وما قيل وكُتب عن النظام الاقتصادي في الإسلام ليس إلا هرطقة بذريعة أسلمة العلوم الحديثة.

ثم دخلت الأسلمة مجال التكنولوجيا، عندما ظهر الكمبيوتر واللابتوب والهاتف النقال، ولكي تُؤسلم هذه التقنيات، قام البعض بتغير التنبيهات من تنبيهات موسيقية إلى تنبيهات تحتوي أناشيد وأذكار وتلاوة دينية! ولعمري هذا أمرٌ فيه من السذاجة الثقافية ما يجعلنا فاشلين في حلِّ إشكالية المعاصرة.

مع ولادة الربيع العربي؛ كانت الطامة الكبرى بمحاولة استغلال أهم ظاهرة اجتماعية للخلاص من الاستبداد، بمحاولة السطو على الربيع العربي لأسلمته، وعودة الإسلامويين للسلطة، ولكني أعتقد جازمًا أن كل من درس ظاهرة الربيع العربي، حمَّل بشكل أساسي الحركات الإسلاموية -بمحاولتها أسلمة الحراك الاجتماعي- مسؤولية فشل ثورات الربيع العربي، وسورية أنموذج واضح في ذلك.

ولذلك نقول، لمن يريد أسلمة الدولة والسياسة: إن الإسلام لم يدعُ إلى نظام سياسي محدد، وليس فيه ذلك، ولكنه بالتأكيد يدعو إلى تحلي النظام السياسي بقيم وأخلاق سياسية، على رأسها العدالة الاجتماعية وحرية الرأي وحفظ الكرامة الإنسانية.

الظاهرة التي تفوقت فيها مسألة الأسلمة هي الإعلام، فقد ظهرت الفضائيات الدينية وغزت سوق الإعلام الفضائي بشكل رهيب، وأصبح لها متابعون بالملايين. وهذه الظاهرة ليست اختراعًا إسلاميًا، ولكنها محاولة لمحاكاة التجربة التبشيرية المسيحية التي ظهرت في أميركا مطلع سبعينيات القرن المنصرم. حيث لاحظت الكنيسة أن المتدينين لم يعودوا يذهبون إلى الكنيسة كالسابق، ومع ظهور البث الفضائي، وتطور الفضائيات؛ كانت الفكرة بأن تذهب الكنيسة لهم إلى المنزل، لمقاومة ظاهرة (اللاأدريين) التي ما زالت منتشرة وتتسع، إنْ في أميركا أو أوروبا.

مع ظهور الفضائيات العربية، بدأت تجربة أسلمة الإعلام، من خلال المحطة الفضائية الشهيرة (ART) ونجحت، ثم تطورت، لتتولد ظاهرة (دعاة الفضائيات ومشايخها) وعلى الرغم من أن كثيرًا من هؤلاء الدعاة سقطوا، لأسباب يطول شرحها، فقد استغلت الأنظمة نجاح تلك الظاهرة، لتشكيل رأي عام ديني متصالح مع الأنظمة المستبدة، وأدى ذلك إلى إفراغ هذه الظاهرة من نجاحها، لينفض عنها روادها الكثر، وتعود للانحسار، وعلى الرغم من بقاء شريحة، لا بأس بها، تتابع هذه البرامج الدينية، فإن الظاهرة بحد ذاتها فشلت لأسباب ذاتية، قبل وجود الأسباب الموضوعية، يطول شرحها في هذا المقال الضيق.

في نطاق الأسلمة أيضًا، نجحت ظاهرة أسلمة العلوم الطبيعية شعبيًا، من خلال ما أطلق عليه مع ظهور عصر الصحوة الإسلامية (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) وكانت هذه الظاهرة من ضمن برامج حلِّ ومواجهة إشكالية المعاصرة، وأصبح لها أعلامها ومؤسساتها ومنابرها، ولكنها أمام التطور التكنولوجي الهائل، وأمام التمحل الشديد في أسلمة العلوم، أفلست وانفضّ عنها كثير من المفتونين بها، وتبيّن أنها تحمّل الدِّين ما لا يحتمل، وتقوم على انتظار للآخر حتى ينتج اختراعًا علميًا ما، أو يكتشف اكتشافًا علميًا ما، طبيًا كان أم جيولوجيًا أو في المجالات الأخرى، ثم القول بأن هذا موجود في النص الديني قبل اكتشافه بقرون. وحين تسأل هؤلاء: “لمَ لمْ تكتشفوه أنتم، مع أن النص الذي لديكم أشار إليه؟”؛ لا تجد جوابًا من دعاة وأعلام هذه الظاهرة. وبالحديث عن ظاهرة الإعجاز العلمي نصل إلى نقطة مهمة من مقالنا هذا وهو وباء فيروس كورونا وكيف تعاملنا معه.

ظاهرة الأسلمة وإشكالية المعاصرة، فيروس كورونا نموذجًا

مع نهاية شباط/ فبراير، وبداية آذار/ مارس، اجتاح البشرية كلها فيروس كورونا، الذي ما زال يشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا للجنس البشري كله! كوباء يمكن أن يحصد ملايين الضحايا من البشر.

ومع تعميم تجربة الحجر الصحي في محاولة لتسطيح الخط البياني من التصاعد لهذا الوباء، وتوقف غالبية مناحي العمل والإنتاج الأخرى؛ بقيت الطواقم الطبية هي الخط الأول في الدفاع عن البشرية، ريثما يجد العلم عقارًا له لهذا الوباء، كما فعل في مواجهة أوبئة أخرى مماثلة مرت بالبشرية تاريخيًا. هنا عادت ظاهرة الأسلمة، لتطرح نفسها مجددًا في المعركة ضد هذا الوباء المرعب! خصوصًا في الأوساط الاجتماعية المتدينة شعبويًا! من خلال الحديث عن نصوص قيل إنها تكلمت أو أشارت إلى وباء كورونا والحجر الصحي. وهذا الأمر لم يكن محصورًا بالمسلمين فقط، بل ظهر في الأديان الأخرى، ولكن في الحالة الإسلامية عادت الأسلمة لتقدّم نفسها من جديد، بعد فشلها في مناح عدة من الحياة تكلمنا عنها آنفًا.

المشكلة في ظاهرة وباء كورونا -وهو خطر حقيقي يهدد حياتنا جميعًا- هي إعادة إقحام الدين في مضمار ليس مضماره، وملعب لا علاقة له به، لكنَّه الاعتقاد بأن الأسلمة يمكن أن يُعاد إنتاجها من خلال حالة الفزع العالمية من كورونا.

الحقيقة أن معركة فيروس كورونا ليست بينه وبين الأديان، فالأديان يجب أن نطهرها من الدخول في معارك من هذا النوع، وليست أيضًا بين المتدينين وغير المتدينين، ولا بين العلم والإيمان، إنما معركة كورونا مع الطب والعلم الحديث، هذا هو ملعبها. وهي تحدٍّ حقيقي للعلم والطب اللذين وصلا إلى أوج مراحلهما في الحفاظ على الحياة البشرية، والرهان عليهما بالتأكيد رهانٌ رابحٌ، أما زجّ الدين في هذه المعركة، فهو إساءة إلى الدين وتحميله ما لا يحتمل. دون أن نقلل من دور الإيمان عند شريحة كبيرة من الناس التي تجد، في الأزمات العالمية والذاتية، في الإيمان ملجأً يبعث في أنفسهم الطمأنينة ويقوي إرادتهم أمام هذا الوباء.

ولكن أن نحاول أسلمة الظاهرة ونقوم بليّ أعناق نصوص دينية للحديث عن إشارات ذُكرت فيها ظاهرة كورونا، ونستحضر نصوصًا ظنية غير ثابتة، أو تأويلات تحمِّل النصَ الدينيَ ما لا يحتمل، إنما هذا باب جديد من أبواب محاولة الأسلمة التي ثبت فشلها، وعلى المتدينين أن يطهّروا الدين ويبعدوه جانبًا، في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ البشرية، ويفسحوا للعلماء والأطباء المجالَ للانتصار على هذا الوباء، فهم فرسان تلك المعركة، وقادتها المناسبون.

ختامًا

المعاصرة -برأينا- تتمثل بإعادة إحياء القيم الإنسانية الأخلاقية التي دعت إليها رسالات السماء كلها، وهي قيم عالمية، لا يختلف عليها غير المتدينين مع المتدينين، ولا يخالفها مجتمع أو يرفضها، مهما كانت نسبة تدينه، وهي تساعد الدول في إنجاح تطبيق القوانين التي هي لمصلحة الجميع.

وأهمّ خطوة في المعاصرة هي استيعاب الظواهر العالمية للحداثة والتعامل معها في خدمة المجتمع والفرد، وعلى رأس هذه الظواهر حقوق الإنسان وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني والديمقراطية وثقافة المواطنة وإحياء روح التسامح، بدلًا من التشدد والتكفير الذي أوصلنا إلى ظاهرة الإرهاب ذاتها، فجعلت العالم كله ينفضّ عنا خوفًا من أسلمة، تلغي الآخر وحقه في الحرية وإبداء الرأي والعيش الكريم.

ودون ترسيم حدود حقيقي وحاسم بين الديني والسياسي، والإصرار على ظاهرة الأسلمة التي هي شكل ناعم من أشكال إعادة انتاج الحاكمية؛ ستبقى مجتمعاتنا تمارس الاحتراب بينها بجنون إلى الأبد، ونحن جميعًا خاسرون في هذه المعركة.

مركز جرمون

———————————

جائحة كورونا والتغيير القادم/ رُوان الرجولة

من الصعب تقدير تكلفة جائحة كورونا على الولايات المتحدة، وما ستحصده من أرواح بشرية، أو ناتج محلي إجمالي، والفترة الزمنية التي تحتاجها واشنطن لوقف انتشار هذا الفيروس التاجي.

إن تفاصيل الخطة الكاملة التي تعتمدها الولايات المتحدة لمواجهة الفيروس لازالت غير معروفة، خاصةً وأن الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب يعتبران هذه الجائحة عدواً عسكرياً تكون مواجهته عن طريق غرفة عملياتٍ عسكرية يقودها عدد كبير من السياسيين والعلماء والعسكريين. لذلك  تسود الموقف حالة الغموض وتضارب الأخبار والتصريحات، وأصبح التغيير في خطط الإدارة واضحاً في جو يسوده تكتيك التحكم، وإدارة تدفق المعلومات للجمهور.

طرحت إدارة الرئيس ترامب والحكومة الفيدرالية إجراءات شاملة عبر تشغيل مجموعة كبيرة من قطاعات الخدمات المصرفية والترخيص الطبي و الإنتاج الصناعي من أجل أن تصب في خطة فيدرالية شاملة لمحاربة (العدو كورونا). ومن خلال هذه الخطة الشاملة، نستطيع أن نقول أن دور السلطة الفيدرالية  في مواجهة الأزمة سيكون كبيراً وقوياً  ويعتمد على التنسيق الشامل بين البيت الأبيض وحكام الولايات الخمسين. ويعد هذا الأمر أمراً  فريداً، لم تشهده الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

طرحت الحكومة الفدرالية مجموعة كبيرة من الإعانات والقروض منخفضة الفائدة، وغير ذلك من أشكال الدعم  بالنسبة للشركات الأمريكية الصغيرة والكبيرة، بشروط معينة كنقل سلاسل التوريد إلى الولايات المتحدة. ومع دمج أهداف سياسية أخرى في جهود الإغاثة، ستتأثر وإن بشكل طويل الأمد السياسات الاقتصادية والديناميكية السياسية الأمريكية، وهذا ما لم نشهده في تداعيات الأزمة المالية لعام 2008.

النهج الديموقراطي في إدارة ترامب الجمهورية

مع ازدياد انتشار الفيروس التاجي، وارتفاع حصيلة الضحايا والتداعيات الاقتصادية ، تُعتمد تدابير فريدة من نوعها ومستغربة في بلد رأسمالي، وصاحب أكبر الأسواق العالمية الحرة. وهذه التدابير لم تشمل  فقط  مجال الصحة العامة والاستثمارات الكبرى والحفاظ على البورصات وسعر الدولار مقابل العملات الأجنبية الأخرى وسعر النفط، بل أيضاً مستوى معيشة الفرد والعائلة الأمريكية.  حيث وافق الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون إنفاق الطوارئ الذي تبلغ قيمته 2.2 تريليون دولار والذي جرى إقراره منذ قرابة أسبوعين ويقدر بحوالي عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والذي اعتبره عدد من الخبراء والاقتصاديين الأعلى ارتفاعاً في الإنفاق الفيدرالي طوال تاريخ أمريكا.

وتعد خطوة البيت الأبيض بصرف شيكات للمواطنين الأمريكان مباشرة أمراً في غاية الأهمية، إذ تمثل خروجاً لإدارة ترامب عن النهج الكلاسيكي في الحزب الجمهوري، والمعروف بدعم أصحاب رؤوس الأموال وقطاعات الاستثمار على حساب القطاعات الأخرى. ورداً على اتهامات بعض أقطاب الحزب الديمقراطي بأن إدارة ترامب تُعنى بدعم القطاعات الاستثمارية والأعمال على حساب العاملين والموظفين.

ومن جهة أخرى حاولت الإدارة الموازنة، من خلال دعم ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على قروض مصرفية لتغطية جميع تكاليف تشغيلها، بما في ذلك أجور العمال وذلك خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتعمل وزارة الخزانة على تشجيع الشركات الصغيرة على إعادة من سُرِّحوا من وظائفهم، بعدما طرحت سداد قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة بالكامل وبشكل تلقائي. كل هذا سيدفع كحركة استباقية، لدعم القطاع الخاص الذي يعد من أهم الشرايين الاقتصادية في أمريكا.

وما يلفت النظر في هذه الخطة الاقتصادية، أنها تعتمد النهج الديموقراطي والذي يعرف بأهمية دعم  الفرد والموظف حتى على حساب الاحتياطي الفيدرالي، ولكن هذه المرة تطبق من قبل إدارة جمهورية محافظة، مما سبب إرباكاً  لعدد من أقطاب الحزب الديموقراطي الذي يحضر نفسه لخوض الانتخابات الرئيسية في الأشهر القليلة القادمة.

فيروس تغيير السياسة الخارجية

سَلّط  تفشي الفيروس التاجي (كورونا) الضوءَ في الولايات المتحدة على بعض الخيارات في ظل  الوضع الراهن من عولمة الاقتصاد والاعتماد على دول دون أخرى في عدد من القطاعات وعلى رأسها القطاع الصناعي. ودفع النقص الحقيقي في الإمدادات الطبية ومواد أساسية أخرى في محاربة “العدو الكوروني” إلى إقناع صناع السياسة في واشنطن، باهمية القطاع الصناعي القوي، وإعادة هذا القطاع في أمريكا. وبالطبع تعد هذه القضية جزءاً من أجندة الرئيس ترامب، وليست بعيدة عن أجندته الانتخابية التي وعد بها الناخبين في حملته الأولى.. وبعد تجدد التوترات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، ازداد عدد “الصقور” الأمريكيين تجاه الصين وسياستها، وخاصة بعد ما نشرت الحكومة الصينية ادعاءات كاذبة، بأن الجيش الأمريكي يشن حرباً بيولوجية عليها، وأن واشنطن هي السبب وراء انتشار الفيروس عالمياً.

وبالتالي يرى عدد من المحللين والسياسيين الأمريكيين أن الخطر والتهديد الحقيقي ليس الفيروس التاجي، بل الاعتماد الأمريكي على جمهورية الصين الشعبية في عدد كبير من السلع الرئيسية. فقد تجلى هذا  التهديد في الطلب الكبير على عدد من السلع التي يصنعها الصديق اللدود الصين.

يبدو أننا سنشهد في المستقبل القريب، انخراطَ  الولايات المتحدة المستمر في سياسات عدد من القوى العظمى، وسيصحب هذا الانخراطَ جهدٌ أمريكي لتجديد القاعدة الصناعية الأمريكية، مع تمكين الطبقة العاملة. وتهدف هذه الخطة للإسهام في تمكين الولايات المتحدة من تقوية البنية التحتية الداخلية، والعمل على تلبية التزاماتها الداخلية والدولية، ما سيساهم بمنع الانكماش العالمي.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار

بروكار برس

———————————–

دراسة تكشف مصدر تفشي كورونا في نيويورك… من أين أتى؟ الفيروس وصل إلى المدينة في فبراير… ومصدر العدوى ليس الصين

خَلُص فريق من الاختصاصيين الأميركيين في علم الجينات في دراسة نُشرت الأربعاء إلى أنّ فيروس كورونا المستجدّ بدأ بالتفشّي في نيويورك في فبراير (شباط)، أي قبل إطلاق حملة الفحوص الواسعة النطاق في الولاية، وأنّ مصدر العدوى هو أوروبا.

وأكّد الفريق أن تعقّب سلسلة انتقال الفيروس المسبّب لجائحة كوفيد-19 سيتيح للسلطات التصدّي بشكل أفضل لأيّ تفشّ وبائي في المستقبل.

وقالت رئيسة الفريق أدريانا هيغي، اختصاصية علم الجينات في كلية غروسمان للطب في جامعة نيويورك لوكالة الصحافة الفرنسية “من المثير للاهتمام، في هذه المرحلة، أنّ غالبية الحالات أتت على ما يبدو من أوروبا، وأعتقد أنّ ذلك مردّه جزئياً إلى أنّه كان هناك تشديد على وقف الرحلات من الصين”.

حالات غريبة من الالتهاب الرئوي

وأضافت أنّ هناك رابطاً بين ما كشفت عنه الدراسة وموجة حالات غريبة من الالتهاب الرئوي كان الأطباء في نيويورك يعملون على معالجتها قبل إطلاق حملة الفحوص الواسعة النطاق في الولاية.

وقد عمد الاختصاصيون إلى تتبّع إصابات 75 شخصاً أُخذتذت منهم عيّنات في ثلاث مستشفيات في نيويورك.

————————————-

كورونا في سوريا، ومسرح اللامعقول

أغلقت الحكومة السورية المدارس والجامعات في سوريا إبتداء من يوم 14 آذار وحتى 2 نيسان لتعقيم الصفوف، وأصدرت قراراً بمنع الأركيلة في المقاهي. وجاء هذا القرار بغتةً إذ أن الإعلام الرسمي السوري أكد مراراً أن سوريا خالية من فيروس كورونا وبأن الحالة الوحيدة التي اشتبهوا أنها مصابة بفيروس كورونا ثبت بعد التحاليل أنها ليست كورونا ! لذا جاءت هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية مفاجئة، لكن ماذا تعني هذه الإجراءات بالفعل؟

حالة صفوف المدارس: بداية أحب أن أشير إلى أهم مدرسة في اللاذقية وهي ثانوية البعث للطالبات في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وتقع هذه المدرسة في حي العوينة المكتظ سكانياً، وأهم ما يميزها هضاب الزبالة عند باب المدرسة، ولا أبالغ بكلمة هضاب أبداً، لدرجة أصبحت هضاب الزبالة من جغرافية المشهد، حتى أنني عندما طلبتُ تاكسي قلتُ للسائق أنني أريد الذهاب إلى جانب مدرسة البعث للبنات في حي العوينة فرد للتو: يعني عند حاويات الزبالة ؟ قلتُ تماماً. أصبحت حاويات الزبالة دليلاً للعنوان، ولأنني على احتكاك مباشر مع العديد من المدرسين والطلاب في مدارس اللاذقية فقد أخبروني ما يلي ومن يرغب بالتأكد يستطيع زيارة تلك المدارس:

أولاً: معظم الطلاب يحضرون إلى المدرسة خاصة في الأحياء الشعبية بحالة دوار من الجوع، لدرجة تضطر المُدرسة بالتعاون مع إدارة المدرسة أن يشتروا خبزاً وزيتاً وزعتراً أو لبنة لهؤلاء الأطفال الجياع، ومعظم هؤلاء الأطفال يتناوبون هم وأخوتهم الطلاب أيضاً الدفاتر نفسها والقلم نفسه، لأن لا إمكانية للأهل أن يشتروا لكل ابن دفتراً وقلماً.

ثانياً: معظم الصفوف في مدارس اللاذقية غير مدفأة ولا مُضاءة، وفي الشتاء يبدأ الظلام حوالي الساعة الرابعة والنصف وينتهي دوام الطلاب عند الساعة الخامسة والنصف أي أنهم يقبعون ساعة وأكثر في الظلام وقالت لي إحدى الطالبات: ننزل الدرج خائفين أن نسقط لكن إن كانت الأستاذة لطيفة تنير لنا الدرج بضوء موبايلها.

ثالثاً: الحمامات في المدارس أي المغاسل والمراحيض مروعة في قذارتها وإهمالها لدرجة يمكن إعتبارها مزارع لأخطر أنواع الجراثيم وثمة طلاب يمتنعون عن شرب الماء كي لا يضطرون للتبول في المراحيض، والكثير منهم يُصابون بإلتهاب المجاري البولية بسبب القذارة المقرفة للمراحيض والمغاسل. وهذه القذارة نجدها في معظم المقاهي والمطاعم في اللاذقية ولو بدرجات متفاوته.

لا أعرف معنى تعقيم الصفوف فيما هضاب القمامة على أبواب المدرسة! وحين سألت الطلاب إن كان بعض الأساتذة أو المسؤولين في المدرسة قد نبهوهم للإصابة بفيروس كورونا وكيفية الوقاية منه أجمع كل الطلاب على جواب: أبداً لم يتكلم معنا أحد عن فيروس كورونا لكنهم (بعض المدرسين وإدارة المدرسة) وعظوا الطلاب عن أهمية الليرة السورية وإحترامها والليرة عزتنا الخ ونبهوا الأطفال (الدائخين من الجوع) إلى خطورة التعامل بالدولار (الشو اسمو). وبأن عقوبة من يتعامل بالدولار كبيرة جداً! هل نبالغ إذا وصفنا سوريا بمسرح اللامعقول أو وطن اللامعقول! من أين سيحصل طالب فقير على الدولار! وهو الذي يلهث وراء رغيف الخبز ليسد جوع معدته! ما هذه المواعظ الخُلبية التافهة؟ من يقرر هكذا مواعظ لطلاب فقراء يدرسون على ضوء الشموع في منازلهم ومحرومين من الأكل الصحي الضروري لنمو أجسامهم وعقولهم، يحدثونهم عن عقوبة التعامل بالدولار! يا للعار، يا لاحتقار الطفولة والمراهقة.

جاء قرار إغلاق المدارس والجامعات ومنع الأركيلة مُضحكاً والكل يرى الحشود التي تزيد عن مئتي أو ثلاث مئة سوري محتشدين متلاصقي الأجساد عند باب الأفران أو بانتظار جرة الغاز أو عند أبواب المؤسسات الإستهلاكية حين توزع السكر والرز والزيت النباتي على المواطنين ولكل مادة غذائية بطاقة ذكية! كل شيء مجبول بالذكاء في سوريا ولا يمكنك الحصول على أي شيء إلا بواسطة ذكاء البطاقة الذكية! هؤلاء الحشود كيف ستتعامل معها وزارة الصحة السورية وكيف ستقيها من الكورونا! إذ يكفي أن يكون أحد الأشخاص الواقف في طابور الخبز أو الغاز أو الرز مصاباً بفيروس كورونا حتى يعدي الـ300 مواطن سوري الذي يهدر وجوده بانتظار الخبز والرز والغاز وغيرها من المواد الأساسية.

الأمر المهم أن سوق البالة المركزي وسط اللاذقية يعج بآلاف محلات البالة، وهو عبارة عن زقاق ضيق جداً تتراص دكاكين البالة على جانبيه ولا يمكنك المرور به بسبب الازدحام الشديد للناس والذي ينافس الازدحام على الأفران، ولا أظن أن الدولة السورية قادرة على اتخاذ قرار بإغلاق محلات البالة، وإلا لمشى 80 بالمئة من الشعب السوري عارياً. وثمة إجراءات هامة اتخذتها الدول المتقدمة وحتى لبنان بأن تعوض الراتب كاملاً للعمال الذين يضطرون للعمل كل يوم محتكين بالناس. في سوريا لم تلتفت الحكومة لوضع هؤلاء العمال ولم تطالب أي من العاملين في كل مؤسسات الدولة بتخفيض عمل العاملين فيها أو أن يعملوا من بيوتهم، بقي وضع المصارف ومعظم مؤسسات الدولة كما هو. وبقيت هضاب القمامة في الطرقات والأزقة وعند مداخل المدارس، واستمرت آلاف محلات البالة تشرع أبوابها كي يلبس الفقراء أجمل الماركات العالمية وبأسعار معقولة. الحشود على الأفران والمؤسسات الإستهلاكية التي توزع المعونات للمواطن السوري والحشود في محلات البالة لا يُمكن تعقيمها، بل هي بيئة ممتازة لإنتشار فيروس الكورونا وتحوله إلى وباء. وماذا بعد 2 نيسان! هل ستتعقم المدارس والجامعات فعلاً، في حين تتراكم الزبالة عند مدخلها وينغل الذباب والجرذان، ومراحيضها ومغاسلها قمة في القذارة وغالباً المياه مقطوعة.

التعقيم في سوريا مجرد ديكور، شيء منفصل عن الواقع الحقيقي لشعب يعاني من الإهمال والفقر والجوع والخوف. حياة السوري مع التعقيم الذي أوهمتنا به وزارة الصحة تشبه حكاية الإمبراطور العاري. على الشعب كله أن يمتدح ملابسه ووحده طفل سوري فقير لا يعرف طعم السمك ولا اللحم ولا الفاكهة ويحضر إلى المدرسة بحالة دوار من خواء معدته ليجد نفسه يتلقى وعظاً عن خطورة التعامل بالدولار! وحده الطفل سوري الطالب في صفوف معتمة باردة مخلوعة النوافذ والأبواب يمكن أن يقول: التعقيم كذبة ويكشف عري وزارة الصحة والإجراءات المزعومة للوقاية من الكورونا.

About the Author: Haifa Bitar

هيفاء بيطار: روائية وقاصة سوريّة

—————————-

لا الرّأسماليّة ستنهار، ولا الشيوعيّة ستتحقّق/ شاكر الناصري

مثل كل الكوارث والأزمات والإرهاب والحروب المدمّرة التي تثير التفكير وطرح الأسئلة الكبرى حول مصير العالم والحياة البشريّة، فأنّ الجدل الفكريّ والسّياسيّ والفلسفيّ وتبادل الإتهامات، حول تفشي وباء كورونا وما يمكن أن يفرضه من خسائر مؤلمة وتراجعات على العالم وطبيعة الحياة البشريّة، لم ينقطع، بل يتواصل ويتزايد لحظة بعد اخرى. وقد زاد من وتيرته دخول مجموعة من المفكرين والفلاسفة الذين يمتلكون التأثير والحضور القوي في الإعلام والجامعات والمراكز البحثيّة والعلميّة، وكذلك كونهم أصوات مسموعة على الصّعيد الرّسميّ والأكاديميّ والثقافيّ أيضًا، وفي الكتابة والتنظير واقتراح الحلول لما يحدث في العالم ووقائع حياتنا اليوميّة.

من المؤكد، أنّ ثمّة خلافات كثيرة وكبيرة بينهم، تصل مرحلة الصّراع والتقاطع الفكريّ الحاد، لكنّهم يقولون كل شيء عن وقائع عالم اليوم وأزماته المتواصلة، وطبيعة الأنظمة السّياسيّة الحاكمة وممارساتها في مجال الحقوق والحريّات الإنسانيّة. تشومسكي، وآلان باديو، وجورجيو أغامبين، وسلافوي جيجيك، وجان لوك نانسي، وبيون تشول هان، و روبيرتو إسبزيتو، وجوديث بتلر، وجاك أتالي وكارستن ينسن وأسماء اخرى تقدّم تصوّراتها عن العالم الذي يواجه أخطر أزمة في تاريخه المعاصر.

حتى هذه اللحظة، فإنّ مقالات وحوارات هذه المجموعة من المفكرين والفلاسفة حول أزمة وباء كورونا وتعامل الدّول والأنظمة وطبيعة استجاباتها للتحذيرات وطريقة تعاطيها مع بوادرانتشاره وتحوله إلى كارثة صحيّة واجتماعيّة وسياسيّة وإقتصاديّة، تبيّن أنّ العالم الرّأسمالي، بكل أنظمته وحكوماته وممارساته، يواجه أزمة حادّة وعميقة، وأنّ الرّكون إلى سياسات النيوليبراليّة والإصرارعليها يقود العالم نحو أزمات جديدة ومتواصلة حتى لو كان الخطر أقل من وباء بمستوى كورونا! تصوّرات كهذه تحوّلت إلى وقائع وانتقادات يردّدها سكان العالم ضد الحكومات والأنظمة السّياسيّة التي تحكم عالم اليوم، ولافرق في هذا بين أمريكا أو الصّين والعراق ومصر وبريطانيا وفي كل بقعة تفشى فيها وباء كورونا، وممارساتها وانحيازها التّام لصالح الشركات والبنوك وأصحاب رؤوس الأموال على حساب حياة النّاس ومعاناتهم وفقرهم وبطالتهم وصحّتهم. ولعل تردي قطاع الخدمات الصّحيّة الذي فضحه وباء كورونا وعدم توفر الأجهزة الطبيّة والعلاجيّة التي تنقذ حياة المرضى كانّ الحقيقة الأبرز التي فاقمت من حدّة الإنتقادات الموجّهة إلى الحكومات والمؤسّسات الصّحية في العالم.

كان لجوء الأنظمة الحاكمة في العالم الى خطاب الموت والتأكيد الجازم على فقد المئات والآلاف من سكان الدّول، أمرًا مفزعًا ومخيفًا يحمل ملامح قرار هذه الأنظمة بالتخلي عن حياة النّاس وتركهم في مواجهة الموت. لم يتوقّف هذا الخطاب عند محاولة تحويل الموت الجماعي إلى أمر واقع: سيموت الكثير، ستفقدون أحبائكم، سيموت كبار السّن فقط….إلخ، بل تعداه إلى خطاب فاشي ضد كبار السّن والتّعامل مع حياتهم وأرواحهم وحقهم بالعيش بعنصريّة صريحة جدًا، وإنّ عليهم الموت لحماية الإقتصاد، كما صرّح بذلك “جوف دان باتريك” نائب حاكم ولاية تكساس الأمريكيّة، وهو الخطاب الذي لايختلف عن خطاب رئيس وزراء بريطانيا وقبله رئيس وزراء إيطاليا، وهولندا والسّويد أيضًا!

قد يتمكن العالم من احتواء هذه الأزمة والتّعامل مع الوباء، لكنّه سيفقد الكثير، لأنّ للأزمة تبعات كبيرة ومرهقة على الصّعيد الإقتصادي والإجتماعي. ربّما سنكون إزاء نظام عالميّ جديد وإنّ عالم ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبله، كما يذهب وزير الخارجيّة الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وقبله الكثير من الذين استشرفوا مخاطر كورونا والتبعات المحتملة التي سيتركها على العالم. وفي نفس الوقت سيترك تأثيراته المباشرة والصّريحة على طبيعة علاقة الأفراد بالنّظام الرأسمالي وقدرتهم على الثقة به كضامن لحياتهم من عدمه.

إنّ الحديث عن إنهيار النّظام الرّأسمالي كنتيجة مباشرة لأزمة وباء كورونا لايعدو أن يكون محض خيال، لايعادله سوى إطلاق الخيال لعودة الشيوعيّة وفق تصورات جيجيك، أو إمكانية تحوّلها إلى بديل سياسي وإجتماعي مغاير، وكرد فعل على مايحدث في عالم اليوم من فقر وبطالة وأمراض وإنعدام العدالة واللامساواة..إلخ.

من المؤكد أنّ الرّأسمالية وأنظمتها لن تسقط أو تنهار بالسّهولة التي يتم الحديث بها، وقد تكون أزمة كورونا أسوة بأزمات اخرى سابقة لكنّها لم تُسقط الرأسمالية، بل كشفت عن سياسات وممارسات الأنظمة الحاكمة وإنحيازها لصالح جزء من المجتمع على حساب الجزء الأعظم. فهذا- إسقاط الرأسماليّة- لن يتحقّق إلا بوجود قوى سياسيّة وإجتماعيّة ثوريّة ترتقي بفكرها وممارساتها إلى مستوى التوقعات بإمكانية إنبثاق عالم جديد، حر ومرفه ينحاز للإنسان وآماله وحرياته، وما أحدثته التّطورات التقنيّة والمعلوماتيّة والإتصالات من تغيرات كبرى على العالم وعلى حياة البشر وتصوّراتهم عن كل مايحدث، بل وحتّى على نمط تفكيرهم وعلاقاتهم الإجتماعيّة والتّغييرات التي حدثت في سوق العمل وبروز وظائف جديدة…إلخ، لتتمكن من تجاوز الرّأسماليّة في قضايا كثيرة كالحقوق والحريّات والرّفاه والعدالة والمساواة. عندما يكون العالم في حالة حرب، يمكن للقوى الإجتماعيّة والطبقيّة والسّياسيّة الثوريّة أن تستغل هذا الواقع وتفرض بديلها الثوري. وثمّة تجارب سابقة عديدة في تاريخ الأقرب والأبعد، لكنّ العالم، الآن، كله، مهزوم. الحكومات والأفراد والمؤسّسات والأنظمة الصّحية، والكل يبحث عن ملاذ آمن من الوباء والعدوى والإصابة بالفايروس المرعب، حتّى الذين يطالبون بمواجهة الأنظمة الرّأسماليّة وإسقاطها!

ومن المعروف أنّ القوى الإجتماعيّة والطبقيّة التي يعوّل عليها في مواجهة النّظام الرّأسماليّ، حكومات وشركات وأنظمة سياسيّة وإجتماعيّة وثقافيّة، أي الطبقة العاملة، باتت تواجه تحديات كثيرة بفعل التّطور الصّناعي والتكنولوجي الذي غيّر وجه العالم. وفرض حالة التشتيت المتواصل الذي قلّص قوى العمّال بفعل تسريح الملايين منهم  في المعامل والشركات التي تحوّلت إلى الصّناعات الرّقميّة والتقنيّة الحديثة ودفع العمّال إلى أرصفة البطالة أو ليمارسوا أعمالاً متعدّدة وغير ثابتة تتغيّر بفعل الدّخل الذي يحصلون عليه جراء ممارستهم لهذه الأعمال وقدرته على سد جوع عوائلهم. الأمر الذي أشاع ما عُرف بالعمالة الهشّة، وكذلك بروز قطاعات خدميّة وتجاريّة جديدة حوّلت الإنترنيت إلى أداة تسويق ومنافسة. كل ذلك ترك آثاره على الطبقة العاملة وتكوينها وبنيتها الطبقيّة وعلى طبيعة تفكيرها ومهمّاتها القادمة. إنّ الآثار التي تركتها التّحولات الصّناعيّة والتكنولوجيّة على الطبقة العاملة، لاتختلف عن تلك الآثار التي تركتها الحروب وتدمير البلدان وماترتب عليها من هجرة وبطالة وفقر.

إنّ الإضرابات العماليّة التي اندلعت في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأمريكا جاءت للرّد على سياسات الحكومات ودفاعها عن الشركات وأصحاب رؤوس الأموال بعد أن تم إستثناء المصانع والشركات من قرار الإغلاق، ودفع ملايين العمّال لمواصلة العمل رغم عدم توفر شروط السّلامة الصّحيّة وانعدام وسائل الحماية والوقاية في مصانع مزدحمة ممّا يهدّد بتفشي الوباء بين العمّال وسهولة إنتقاله في الأماكن المغلقة، نجاح هذه الإضرابات في تعطيل الشركات والإبقاء على خطوط الإنتاج الضروريّة عزّز من إمكانية نجاح العمّال في الدّفاع عن وجودهم والإحتجاج على الاستغلال الذين يتعرّضون له في أحلك الظروف، كما يحدث الآن، مع وباء كورونا. وربّما سيفتح لهم الطريق نحو تحركات أكثر فاعليّة بعد كورونا، ولعل تصفية حساباتهم مع النقابات الانتهازية والقيادات التي تتاجر بالعمّال ومصالحهم وكذلك تحيد أفقهم السياسي والطبقي الذي يحدد مهامهم ومطالبهم وقدرتهم على التنظيم والمواجهة، مِن أبرز خطواتهم المقبلة في عالم مابعد كورونا.

إذا كان ثمّة شيء تحقّق حتّى الآن، وأفرزته أزمة وباء كورونا بشكل جلي، فهو الإقرار بأنّ النيوليبراليّة وسياساتها قد وصلت إلى النّهاية ولم يعد لديها ماتقدّمه سوى صورتها اللصوصيّة والمهيمنة والمتحكّمة في صناعة القرار السّياسي. قد نشهد نهاية عهد سلطة البنوك والشركات الكبرى أو تحجيمها مقابل العودة إلى الدّولة المسؤولة عن حياة الأفراد وسلامتهم وصحّتهم وتعليمهم وضمان حياتهم وبطالتهم..إلخ. ليس نظام رأسماليّة الدّولة، لكنّ الدّولة التي توازن مابين العام والخاص، الطريق الثالث أو الدّيمقراطيّة الإجتماعيّة الذي كان سائدًا في الكثير من الدّول الأوربيّة. ولعل النّموذج الإسكندنافي هو النّموذج الأكثر بروزًا آنذاك لكنّه أصيب بتراجعات كبيرة بحكم توجّهات الليبراليّة الجديدة التي سادت العالم، وبروز قوى اليمين المتطرّف، وكانت تأثيراتها واضحة في دول كثيرة، وحيث جاءت سياسة تقليص الإنفاق العام في مجالات الصّحة والضّمانات الإجتماعيّة والتربية والتّعليم والخدمات والثقافة لتكون الممارسة الأبرز لليبراليّة الجديدة التي أوصلت الجميع إلى التهلكة.

———————————-

المثقف كأداة للبروبغاندا، في زمن كورونا/ علي عاشور

مع أزمة انتشار وباء COVID-19، كورونا، ينتشر ويتداول مصطلح “صراع البقاء” كعلامة على المرحلة الفاصلة والمصيرية التي يخوضها الإنسان المعاصر. تحمل مفردة البقاء دلالة الثبات والاستمرارية والمواصلة. بينما تحمل مفردة الصراع دلالة المنافسة والقتال والخلاف. تعود مفردة البقاء بالاستدلال على الذات، بينما تشكلّت مفردة الصراع موجهة ناحية الآخر. غير أن “صراع البقاء” كمصطلح تقني دارويني، يعيد الذاكرة إلى رحلة الإنسان الطويلة منذ نزوله من على الأشجار حتى هبوطه على سطح المريخ، وخوضه مغامرة جسديّة ومعرفية لا يمكن التنبؤ بنتائجها القادمة، فضلاً عن نهايتها، المحتومة بالضرورة.

وفي الحديث عن النهايات في أزمة الوباء الحالية، يتداول البعض من المثقفين العرب، ومعجبيهم، جملاً مثل ” نهاية الرأسمالية الغربية” أو ” نهاية السيطرة الغربية” أو ” نهاية المنظومة الرأسمالية” وغيرها من ” النهايات” والخلاصات المتسرعة والمقدمة بلا تحليل ولا قراءة تتناول المشهد الغربي، فضلاً عنه المشهد العالمي. كأن حماسة الأفكار اليسارية التقليدية، والقومية، من ستينات وسبعينات القرن الماضي، بما تحمله من بروبغاندا قدمتها المنظومات الإعلامية للاتحاد السوفيتي وحلفائه، إضافة إلى بروبغاندا الأيديولوجيا الأمريكية المضادة آن ذاك، عادت لتنتعش في العالم الحديث، الذي يختلف بطبيعته عن طبيعة البيئة التي خرجت منها تلك الأفكار.

غير أن هذا البعض لم يتوقف عند تقديم ” النهايات” كوجبة سريعة حتى تحدّث عن بدايات عالمية جديدة، مع إحالة هذه البدايات إلى الصين وإمكانيات نظامها الحالي، الذي بوجهة نظر البعض، سيكتب تاريخاً جديداً.

ويتضح من بداية انتشار الأزمة عالمياً، سقوط هذا النوع من المثقفين، مع جماهيرهم، في فخ البروبغاندا المتصارعة، دون التأني في قراءة المشهد والتمهّل في تحليل المعلومات والبيانات، والوثائق، الغير متوفرة حالياً، والقيام بتتبع تدريجي للتغطيات الإعلامية المقدمّة من يناير الماضي. كأن ما كان يدعو له المثقف من تأني وتمعن في قراءة الكتب، بقي محصوراً في الكتب، وانساق بعجلة المغتر يلقي أحكاماً تتناسب مع تحيّزاته، المعلنة حيناً وغير المعلنة حيناً آخر، وإبراز ما تراكم من قراءات وأمنيات في ذهنية العداء للمستعمر والمتحكم الغربي.

في كتابهما ” البروبغاندا والإقناع” يعرّف كل من جارث جويت وفيكتوريا أودونل البروبغاندا بأنّها ” عملية منهجية تسعى إلى تشكيل تصوّرات معيّنة، عن طريق التلاعب في الإدراك والسلوك المباشر لتحقيق استجابة تعزز الهدف المنشود لصانع البروبغاندا.”. إذ يصب كل هذا في استثارة النزعة الأيديولوجية، أو خلقها، عند الملتقي، كي يعمل كآلة آيديولوجية تفعّل العمل الذي يهدف له صانع البروبغاندا، دون حاجة من هذ الصانع إلى استثمار دعائي أو بذل مجهود أكبر، بعد ذلك. فالأثر المتراكم سيقوم بإعادة برمجة المنظومة الفكرية، أو المحفزات الداخلية، لدى المتلقي.

فاستعادة الصراع الغربي الشرقي، الأمريكي السوفيتي / الروسي، الرأسمالي الاشتراكي، ليس مصادفة عابرة أو استرجاعاً لتاريخ سابق، بهدف إعادة قراءة تاريخية، أو مقارنة. فالأثر المتراكم من صراعات ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أنتجته الحملات الدعائية وصدام السياسات المتصارعة على السيطرة العالمية، إضافة إلى ما أنتجته السينما والآداب والفنون والأطروحات الفلسفية والقنوات الإعلامية، ما زال يفعل فعله في دواخل الكائن البشري. فالصدامات التاريخية لا تنتهي حتى تورّث ما بعدها.

يقول البروفيسور البريطاني نيكولس أوشونيسي ” تتضمن البروبغاندا، بشكل عام، نقل رسالة واضحة … ناقلٌ معقّد للحلول البسيطة.”. العمل الذي يقوم به هذا الناقل، البروبغاندا، للرسالة الواضحة تقنياً أكثر تعقيداً، وربّما خطراً، من الرسالة نفسها. مثال ذلك، العمليات الإعلامية والدعائية التي قامت بها إدارة جورش بوش بعد أحداث 11 سبتمبر ورفعها لشعار ” الحرب على الإرهاب”، بقدر ما أوقد وحشد حماسة الشباب الأمريكي وقوى جيش الولايات المتحدة، ووجّه إصبع الإدانة إلى إرهاب طالبان، بقدر ما أوجد إيديولوجية إرهابية أخرى منتزعة من الإنسانية باسم الحرب لأجل تخليص الإنسانية من الإرهاب. والتي ما زالت آثارها في المجتمع الأمريكي وخطابه الثقافي. ذات العامل الذي نقل الكثير من الشباب العربي عام 2011 في سوريا وليبيا والعراق من عملية المطالبات الحقوقية والانتفاضة السلمية إلى الانضمام إلى جيوش داعش، التي تحارب الطاغية، والتحوّل إلى طغاة أشد وحشيةً وفتكا.

من هنا يمكن النظر إلى ما تقوم به المؤسسات الصينية، وحلفاؤها، في الوقت الحالي، من توجيه النظرات والتساؤلات والمطالبات بإجابات واضحة وصريحة عن حقيقة ما حدث قبل شيوع خبر انتشار وباء كورونا، وكيفية تعامل الحكومة الصينية، ومدة اكتشافها لوجود الفايروس، قبل اتخاذ إجراءات الحجر واتباع توصيات منظمة الصحة العالمية، ونقلها إلى اتهام القوات الأمريكية بفعل نشر الفايروس. وهذا ما حرّض الكثير من الرافضين للسياسات الأمريكية الخارجية إلى إذاعة وجود حرب بيولوجية خفيّة.

تناول الكثير من العرب والمسلمين، وبعض المثقفين بشكل خاص، ما أعلنته الصين، المؤسسات التي تساند منهجها، على أنه الجواب الأرجح، إن لم يكن الحقيقة، لما سبب انتشار الفايروس. من ذات المنطلق، قام البعض باستعادة الحس الأيديولوجي ضد الرأسمالية التقليدية ليسقطها على المنظومة الاقتصادية الحالية من جانب، والمؤسسات السياسية الغربية من جانب آخر. كما حرّض ذلك الكثير من المتدينين على بدء الإعلان عن هشاشة العالم المادي وقوة العالم الروحي. وكأنّ الجميع اكتشف وأدرك ما حدث، وتنبأ بما سيحدث، خلال فترة وجيزة!

وهذا ينطبق على بعض مؤسسات الإعلام العربية التي بدأت بالدخول في ميدان نشر البروبغاندا لا الخبر، خصوصاً تلك التي تتخذ موقفاً إيديولوجياً من الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص. فبدلاً من نشر ما يحدث عالمياً استناداً على الدلائل والمعلومات المؤكدة والمتاحة، عملت هذه المؤسسات على صنع بعض الأخبار وتوجيهها إلى الجانب الذي يعزز المعاداة ضد كل ما هو غربي وأمريكي، والذي يحتم بالضرورة إظهار الحكومة الصينية بأنقى الصور.

يشير كل من جارث جويت وفيكتوريا أودونل إلى أنّ البروبغاندا عنصر مهم في عمليات السياسات الخارجية للحكومات، خصوصاً عندما يحين موعد ” حرب الكلمات”. ما يحدث الآن ما بين الصين والولايات المتحدة عبارة عن حرب كلمات واتهامات لا تعمل فقط في صنع عوامل ضغط أو إدانة سياسية بقدر ما تعمل على تأسيس قاعدة أيديولوجية ينطلق المتلقون من خلالها للاصطفاف وتفضيل طرف على طرف آخر. قد أوافق من يقول بأن هذه المرحلة ستنقل العالم إلى مرحلة جديدة، ولكن ليس بالطريقة الدرامية المصوّرة، وليس على المستويين الاقتصادي والسياسي فقط، أي كما يدعي البعض بأن قوى جديدة ستفرض سيطرتها على العالم، بل سننتقل جميعاً إلى مرحلة جديدة على مستوى التواصل ونقل المعلومات، وتأمين المنظمات السياسية والاقتصادية من السقوط، لا بشكلها الصوري الحالي بل بقواعد قوامها التأسيسية الحالية. فالخوف الذي يسكن الإنسان المعاصر ويحركّه للنجاة بأي طريقة ممكنة، إضافة إلى التقنيات والمعارف والمؤسسات المعرفية الثقافية القائمة، لا تستطيع ولا تحتمل الانتقال إلى شكل جديد مختلف، هذا إن وجد ما يشكّل ملامح بنيان هذا الجديد، أو يرسم بداية مسار، من الأساس. كما أن الرجوع إلى تشكلات النظم القديمة، كالاشتراكية المركزية، ليس سوى ضرب من الوهم. خصوصاً مع اعتمادنا التام على عوالم الخوارزميات وتقنياتها، في جميع الحقول، من الإنتاج الزراعي حتى الاستثمار في عوالم الفضاء الخارجي. وأيضاً، لارتباط الهيكلة التأسيسية للشركات التي تدير هذه العوالم ارتباطاً مباشراً بالمنظمات السياسية والاقتصادية الحالية. ليس هذا فقط، بل وساهمت هذه الشركات في تطوير المنظمات القائمة ونقلها من مستوى إلى مستوى أكثر تقدماً.

ما يخيف في الأزمة الحالية، التي تواجهها البشرية، ليس عدم القدرة على الحد من انتشار الوباء بأسرع ما يمكن، فقط، بل عدم القدرة على مواجهة السيل الهائل من البروبغاندا والمعلومات الخاطئة والإحصائيات التي توضع في غير محلها، إذ يمكن استغلال الإحصائية الصحيحة في نقل الرسالة والمعلومة الخاطئة. ما يخيف في عملية نشر المعلومات الكترونياً ليس نشر الأكاذيب، بل نشر المعلومات الصحيحة في السياق الخاطئ.

يذكر البروفيسور والمفكر الأمريكي شارلز سيف في كتابه Virtual Unreality ، ” المعلومات الرقمية هي أكثر الأمراض المعدية الآن على كوكب الأرض.”. لا يبالغ شارلز في وصفه أبداً. بل يمكن القول بأنه أدق وصف يصوّر لنا الوضع الذي نعيشه الآن. ولأن الإنسان يريد البقاء، بشكل أو بآخر، في منطقة آمنة داخلياً، توفّر له البروبغاندا التي تنعش تحيّزاته وتوجهها هذه المنطقة. كما تعطيه وفرة المعلومات وتدفقها، العشوائي، شعوراً بتمكنّه من الوصول إلى الإجابات المنشودة.

وقوع الكثير من المثقفين في فخ البروبغاندا الحديثة لا يتوقف عند استرجاع وتحفيز أثر المتراكم فقط، فعامل سهولة وصول الناس إلى المعلومات، وسهولة إرسال المعلومات إلى الناس، يشكّل خطورة في توجيه الناس من خلال المعلومات، وخطورة عملهم كفاعل في توجيه وتشويه المعلومات من ناحية أخرى، أكثر منه تهديداً للأنظمة السياسية القائمة. من هنا يشير شارلز سيف إلى أنّ ” ظهور نسخ رقمية معلوماتية رخيصة ومثالية أدى إلى تدمير الطريقة التي نفكر بها كبشر بشأن المعلومات.”. لم تعد عدم وفرة المعلومات للإنسان هي المشكلة اليوم، بل فيضانها الذي غيّر طريقة التفكير والتركيز. فكأنما قرر الإنسان خوض السباق مع المعلومات وسرعتها بتناولها والتفاعل السريع معها وأهمل أدوات القراءة، ومنها التدقيق والفحص والتأكد والتفكير والتأمل.

بقدر ما تحتاج هذه المرحلة إلى الانعزال عن المجتمع واتباع تعليمات المنظمات الصحية والانتظار، تحتاج أيضاً إلى التأني في قراءتها والنفاذ إلى ما وراء المشهد. فخوض سباق مع الكم الهائل من المعلومات هو سباق خاسر بالضرورة. في مثل هذه الظروف يتبين دور المثقف الفعلي وكفاءته. يقول جورج أورويل في مقدمة مزرعة الحيوان، ” يمكن إسكات الأفكار غير المرغوبة، والتعتيم على الحقائق غير الملائمة دون الحاجة إلى حظر رسمي … لأن هناك اتفاقاً ضمنياً عاماً على عدم ذكر هذه الحقيقة.”، في سياقنا الحالي، هذا ما تفعله البروبغاندا عن طريق من وقع في شراكها. وفي ذكر الحقائق والوقائع، هناك حقيقة وحدة في الوقت الحالي، وهي أننا لا نعرف الكثير عما حدث، ولا نعرف ما يخبئه المستقبل القريب، والبعيد.

———————————–

من مدينة ووهان: ليس بالحَجر وحده نسيطر على “كورونا”/ ملاذ اليوسف

(١)‎

في مساء 27\1\2020، راح أهالي ووهان يصرخون من النوافذ: “ووهان دجايو” أي “تشجّعي يا ووهان”، فيما فضّل البعض الآخر ترديد الأغاني الوطنية ليصل صوته إلى الأطباء والممرضات الموفدين إلى مشافي المدينة من سائر المقاطعات الصينية. أراد هؤلاء القول إن أهالي ووهان سيكونون عونًا لهم عبر الالتزام بالحجر الصحي وتقليص حالات الإصابة حتى لا تستنزفهم أعدادها.

ليس بالحجر الصحي وحده تسيطرُ الصين اليوم على فيروس “كورونا” الجديد، بل بالتخطيط الشامل والمتكامل الذي يُنسّق العمل بين مؤسسات الدولة والشركات الصينية، جميعها من دون استثناء، لتبقى في حالة استنفار دائم لمواجهة الفيروس. لم يكن للصين أن تصل إلى إنتاج 53 سيارة إسعاف، خلال 12 يوماً فقط، من دون جهود وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات التي قامت بتنسيق العمل، من خلال الخطابات الموجهة والاتصالات، بين 60 شركة من أجل ضمان إنتاج سيارات الإسعاف وتسليمها في الوقت المحدد. ولم تكن لتُحقق ذلك لولا العامل الصيني الذي وصل عدد ساعات عمله إلى 20 في اليوم، حتى بات يأكل وينام في المصنع. ولم تصل الصين إلى سدّ حاجات الطلب الداخلي على الكمامات، ومن ثم تقديم أطنان من المساعدات الطبيّة وملايين الكمامات للدول الأوروبية، لولا توجيه الأوامر لشركات إنتاج السيارات بتعطيل بعض خطوط الإنتاج وتحويلها لتتخصّص في صناعة الكمامات بهدف زيادة الإنتاج اليومي منها. كذلك لم تصل الصين إلى تأمين الأسرّة في المشافي للمصابين كافة وتخصيص سيارات إسعاف مجهزة لنقل أي منهم من باب منزله إلى المستشفى (حتى لا يحتكّ بالآخرين)، لولا جهود من وصلوا الليل بالنهار من أجل بناء مستشفى خلال أسبوعين فقط، ومن ثم تجهيزه بالمعدات الطبية والكوادر اللازمة. لم يكن لكل ذلك أن يحصل لولا التنسيق بين جسد المجتمع الصيني ككل والعقل المدبّر.

الحكاية من البداية

سهرنا ليلة رأس السنة الميلادية، هنا في مدينة ووهان، ونحن نتحدث عن حادثة إغلاق سوق للأسماك البحرية في خانكو (خانكو هي جزء من مدينة ووهان والسوق يبعد عن منزلي نحو 5 كم فقط). قالوا إن هناك حالات إصابة بالتهاب رئوي غامض انتشر في السوق وتمت السيطرة عليه بعد عزل جميع من اختلط بالمصابين ومن ثم تعقيم السوق وإغلاقه، برغم عدم وجود دليل بعد يثبت قابلية انتقال المرض بالعدوى بين البشر. لم يمض عشرون يوماً (20\1\2020) حتى صُعق سكان ووهان بالخبر الآتي: إصابة بعض أطباء وممرضات الكادر الطبي بالعوارض نفسها برغم ارتدائهم الكمامات أثناء قيامهم بواجبهم في المستشفى، وحصول وفيّات بين المصابين سابقاً. بعدها بيومين (22\1\2020) تتابعت الأخبار على المنوال نفسه: 129 حالة إصابة جديدة والعدد مرشح للازدياد. وفي ليلة ذاك اليوم تناقلت قنوات التلفزة الصينية خبر حظر ووهان وإيقاف المواصلات العامة فيها، على أن يُباشر بهذه الإجراءات في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي (23\1\2020).

مدينة ووهان المحظورة

كان الحظر يعني منع الخروج من والدخول إلى مقاطعة خوبيي (ووهان جزء من هذه المقاطعة). وكان هذا بدوره يعني إيقاف محطات القطار والمطار وإغلاقًا جُزئيًا للطرق الرئيسية التي تصل المقاطعة بالمقاطعات الأخرى، بالإضافة إلى تعطيل حركة المواصلات العامة داخل المدينة. وعندما تتوقف المواصلات العامة في ووهان، فهذا يعني أن من بين كل 10 أشخاص، سيكون هناك 7 ليس بمقدورهم الخروج من الحي الذي يقطنون فيه بسبب عدم امتلاكهم سيارات خاصة. ولم يمض يومان على قرار إيقاف المواصلات العامة حتى صدر قرار جديد ينص على منع التنقل بين أجزاء المدينة (ووتشان، خانكو، هانيان) من دون ترخيص حكومي. بعدها بأيام، صدر قرار آخر ينص على عدم جواز التنقل داخل جزء المدينة نفسه من دون سبب وجيه.

في تلك الغضون، كَثُرَ التداول بالأخبار الكاذبة التي تفيد بأن “الصينيين محبوسون في منازلهم”. كانت هناك أيام ثلاثة (من 17\2 حتى 19\2) مُنعنا فيها من مغادرة المجمّعات السكنية إلا في الحالات الاستثنائية التي تقتضي ذلك. وفي حال الخروج، لم يكُن ذلك متاحًا سوى لفرد واحد من العائلة فقط. أما سبب المنع على مدى الأيام الثلاثة فتمثل بالحاجة إلى تعقيم المدينة بكل ما فيها بغرض الحدّ من انتشار الفيروس. في ما عدا ذلك، كان على الداخلين والخارجين من المجمعات السكنية وإليها تدوين أسمائهم وأرقام هواتفهم المحمولة ودرجة حرارة أجسامهم بعد قياسها. باستثناء ذلك، كان التزامنا بالبقاء في المنزل أخلاقياً بالدرجة الأولى، وكل ما قيل غير ذلك منافٍ للحقيقة.

ووهان تضحي من أجل الصين

الصين تُضحي من أجل ووهان

بعدما أُعلن الحظر وفُرض الحجر الصحي في ووهان، ازدادت رقعة انتشار “كورونا” حتى بدأت الأمور تخرج عن السيطرة. كان شعار الحجر في حينها “ووهان تضحي من أجل الصين”. وفي ليل 25\1\2020، ومع وصول أول كادر طبي عسكري إلى مطار المدينة، أُعلن عن بدء إرسال أطباء إلى ووهان، أتوا من جميع المقاطعات، كدلالة رمزية على أن “الصين تضحي من أجل ووهان” أيضًا. فهؤلاء تركوا عائلاتهم وقرروا المضي نحو مجهول المشافي في المدينة، والتي قد لا يتمكنون من العودة منها بسبب عدم توافر معلومات كافية حول كيفية التعامل مع الفيروس في ذلك الحين. وفي مساء 27\1\2020، راح أهالي ووهان يصرخون من النوافذ: “ووهان دجايو” أي “تشجّعي يا ووهان”، فيما فضّل البعض الآخر ترديد الأغاني الوطنية ليصل صوته إلى الأطباء والممرضات الموفدين إلى مشافي المدينة من سائر المقاطعات الصينية. أراد هؤلاء القول إن أهالي ووهان سيكونون عونًا لهم عبر الالتزام بالحجر الصحي وتقليص حالات الإصابة حتى لا تستنزفهم أعدادها.

تخطيط مدينة ووهان

بعدما فُصلت أجزاء المدينة عن بعضها البعض، تمّ تقسيم كل منها إلى مناطق فُرزت لاحقًا إلى مجمّعات سكنية. وكان المسؤول عن كلّ من هذه المجمّعات رجال أمن (“بو آن”). والـ”بو آن” موظفون مدنيون يمتلكون سلطة تنظيم شؤون المجمعات السكنية وتقتصر سلطتهم التنظيمية على أمور المجمّع وتنتهي عند أبوابه. أصبح هؤلاء مسؤولين عن تلبية الحاجات الخاصة بسكّان كلّ من المجمعات من خلال شراء الحاجات الأساسية بكميات كافية وعرضها في ساحاتها التي باتت تشبه الأسواق، حيث يتم فيها توزيع ما هو مجاني لقاطني المجمّع، ويُباع فيها ما هو مدفوع الثمن أيضاً. أما التنسيق مع سكان المجمّع فكان يتم من خلال تطبيق إلكتروني صيني (WeChat)، حيث تُنشأ غرفة محادثة جماعية على التطبيق تضم سكان المجمّع، يُضاف إليها رقم منزل كل منهم واسم البوابة التي تخصه بجانب اسمه المُستعار على التطبيق الإلكتروني. وهؤلاء الـ”بو آن” كانوا مسؤولين أيضاً عن التدقيق في معلومات الخارجين من المجمعات والداخلين إليها. أما العشوائيات المتناثرة هنا وهناك، فتم إغلاق أزقتها الفرعية بجدران بلاستيكية، وتُرك شارع واحد مفتوح للحركة منها وإليها (أي تم تحويل العشوائيات إلى مجمعات سكنيّة)، على أن يضبط هذه الإجراءات في كل منها رجال أمن “بو آن”، من ساكني المنطقة الذين يعرفون أهلها.

(2)‎

في الساعة الأولى من يوم الثلاثاء الواقع في 25\1\2020، شاهدنا أبواب مطار ووهان المُغلق تُفتح بشكل استثنائي، لتحطّ طائرةٌ في أحد مدرجاته وليخرج منها أشخاصٌ يرتدون البزّات العسكرية ويسيرون في صفّ واحد. كانت الحقائبُ على ظهورهم تدلُّ على أن الإقامة في ووهان قد تطول…

أثناء محاولة الأطباء الصينيين عزل فيروس “كورونا”، كانت المعلومات التي تُرسَل إلى العاصمة بكين مبنيّة على الإحصائيات فقط. وكانت الزيادة النسبيّة (اليوميّة) في أعداد الإصابات تدلّ على أن سرعة انتشار الفيروس ستؤدي إلى فقدان السيطرة في مدينة ووهان، وأن الوضع سيزداد سوءًا إذا ما استمر الانتشار على هذا النحو، بشكل لا يعود معه ممكنًا استيعاب المزيد من الحالات في المشافي.

في تلك اللحظة الحرجة، كان لا بدّ للّجنة العسكرية المركزية (“القيادة المركزية” و”جيش التحرير الشعبي”) من التدخل سريعًا بهدف اتخاذ إجراءات عاجلة ووضع خطط ملائمة والإشراف على تنفيذها. وفي الساعة الأولى من يوم الثلاثاء الواقع في 25\1\2020، شاهدنا أبواب مطار ووهان المُغلق تُفتح بشكل استثنائي، لتحطّ طائرةٌ في أحد مدرجاته وليخرج منها أشخاصٌ يرتدون البزّات العسكرية ويسيرون في صفّ واحد. كانت الحقائبُ على ظهورهم تدلُّ على أن الإقامة في ووهان قد تطول، فيما خطواتهم العسكرية المتناسقة توحي بأن النّظام سيحل محلَّ فوضى الهلع والقيل والقال. كان هذا محتوى الفيديو القصير الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي الصينية في ذلك اليوم. لقد شكّل هؤلاء أوّل كادرٍ طبي عسكري يصلُ إلى ووهان، ليعلنوا “حرباً شعبية” ضد “كورونا”.

مستشفى جبل إله النار “هوو شين شان”

في مساء اليوم الذي أُغلقت فيه مدينة ووهان (23\1\2020)، كانت عشرات الحفّارات والجرافات تمهّد لبناء مستشفى ميداني يخضع لإدارة “جيش التحرير الشعبي” الصيني. وفي “سباق مع الشيطان” كما وصفته السلطات الصينية، وعبر الاستعانة بـ 7000 آلاف شخص يعملون على مدار الساعة في ثلاث مناوبات، أرادت بكين الانتهاء من بناء المستشفى في وقت قياسي لا يتجاوز العشرة أيام. وأثناء عملية البناء (27\2\2020)، أعلنت “اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح” عن تخصيص 300 مليون يوان صيني لدعم بناء المشافي. وفي اليوم ذاته، قدّمت مؤسسة “الشبكة الحكومية الصينية” مواد بقيمة 60.28 مليون يوان صيني للغرض نفسه. ومع انتهاء اليوم العاشر (2\2\2020)، وُضعَ الحجر الأخير في البناء، وبدأ سلاح الجو بنقل الكوادر الطبية والإمدادات إلى ووهان، ليُفتتح المستشفى في اليوم التالي عند الساعة العاشرة صباحاً ويستقبل المرضى الأوائل، وليشكّل نموذجاً أولياً لبناء مشافي مشابهة مُخصّصة للحالات الطارئة.

كلّ إنسان حامل للفيروس وناقل له

تتراوح مدة حضانة الفيروس في جسم الإنسان من دون ظهور أعراض، بين يوم واحد وأسبوعين. وخلال مرحلة الحضانة هذه، يُعتبر الجسد الحاضن للفيروس ناقلاً له أيضاً. ونظراً لصعوبة تحديد الجسد الحاضن للفيروس، كان لزاماً علينا اعتبار أن كلّ إنسان هو حاضن مُحتمل لـ”كورونا”. وعليه، كانت تقع على عاتق أيّ فرد في المجتمع مسؤوليتان: مسؤولية فردية تقتضي أن يحمي المرء نفسه من الآخرين، وأخرى اجتماعية تقتضي أن يحمي الآخرين من نفسه. ولهذا السبب فُرض ارتداء الكمّامات على السّكان جميعًا من دون استثناء. ولكن هل يمكن للصين أن تلبّي طلبًا داخليًا بضخامة تعداد سُكّانها؟

بالرغم من استخواذ الصين على نصف الإنتاج العالمي من الكمّامات الواقية (بواقع 15 مليون قطعة يومياً)، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لتلبية الطلب المتزايد عليها في الأسواق الداخلية. لذلك دخلت شركات صناعة السيارات على خط هذا الإنتاج، من بينها مجموعة “غوان زهاو أوتومبيل” التي تتعاون مع شركتي “تويوتا موتورز” و”هوندا موتورز” في صناعة السيارات، بالإضافة إلى شركة “بي واي دي أوتو” الصينية العملاقة، التي وصل إنتاجها إلى 5 مليون قطعة يومياً. اليوم، بات ارتداء الكمّامة في الصين أشبه بـ”واجب وطني” يخضع للرقابة الاجتماعية، إذ إن عدم القيام بذلك يُعدّ تهديداً للمجتمع ككل.

من باب المنزل إلى باب المستشفى

كيف لمصابٍ بفيروس “كورونا”، لا يمتلك سيارة خاصة، أن يذهب إلى المستشفى في مدينة توقّفت فيها حركة وسائل النقل العامة؟

كلّ ما عليه فعله هو التواصل مع أقرب نقطة صحّية في الحي، لتقوم بدورها بإبلاغ الجهة المسؤولة حتى ترسل سيارة إسعاف تقلُّ المريض من باب منزله إلى باب المستشفى. ولكن، هل ثمة سيارات إسعاف كافية لتأدية الواجب؟

في ظلّ الظروف الاستثنائية المفتوحة على مفاجآت كارثية، تمكّنت مجموعة محركات “جيان لين” (أكبر شركة لصناعة سيارات الإسعاف في الصين) من إنتاج 53 سيارة إسعاف ضغط سلبي خلال 288 ساعة، أي ما يقارب 12 يوماً (إنتاج السيارة يمر بالحلقات التالية: تفكيك وتلحيم وطلاء وتجميع نهائي ثم اختبار الضمان). وقال “تسوي مين”، مدير المبيعات في المجموعة: “حاولنا تقصير مرحلة الإنتاج عن طريق إطالة وقت العمل اليومي، إذ يعمل عمال الجبهة الأمامية من الساعة الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساء، وكثير منهم يتناول الطعام في المصنع ويبيتون فيه”. كما أشاد بإصدار وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات أكثر من 20 خطاب اتصال عمل، بغية التنسيق بين نحو 60 شركة من أجل ضمان إنتاج سيارات الإسعاف وتسليمها في الوقت المحدد.

مكافحة استغلال التجّار

المبدأ القائل بأن “التجارة شطارة” قد يبرّر لبعض التجّار استغلال تفشي وباء “كورونا” لرفع الأسعار أو لإرغام المواطنين على شراء بضائع كاسدة. لهذا السبب، كانت تصلنا رسائل نصيّة عبر شركات الاتصال بشكل شبه يومي، تذكّر بأهمية دور المواطن في مكافحة استغلال التجّار من خلال الاتصال بأرقام تستقبل الشكاوى. بعدها بأيام، صار لزاماً أن تُنشر لائحة بأسعار الحاجيات الأساسية في المجمّعات السكنية.

لكن مكافحة استغلال التجّار لم تتمّ من خلال القرارات فقط، وقد تراوحت العملية بين أخذ وردّ ومدّ وجزر. على سبيل المثال: منذ بداية تفشي الوباء تم تحديد سعر كيس الكمامات بـ 20 يوان صيني، وهو ما دفع التجّار إلى بيعها بسعر 19.9 يوان. لذلك ردّت السلطات الصينية بحصر بيع الكمّامات في الصيدليات فقط، فصار التجار يشترونها من الصيدليات ليبيعوها في دكاكينهم. عندها ردّت السلطات بتحذير المواطنين من شراء الكمّامات المعروضة في المحلات والدكاكين، محذرة من أنها مجهولة المصدر، وأن ماركتها قد لا تكون مسجّلة، وأن استخدامها قد يسهّل الإصابة بـ”كورونا”. هكذا رحنا، تدريجيًا، نلتزم بشراء الكمّامات من الصيدليات حصرًا.

نتيجة “الحرب الشعبية” ضد “كورونا”

هزمت مدينة ووهان فيروس “كورونا” في المعركة الأولى، إلا أن الحذر ما زال قائماً. إذ إنّ عودة الحياة إلى مجاريها في هذه المدينة محفوفة بالمخاطر. لذلك وضعت السلطات الصينية نظاماً جديداً وفريداً، سمّته “كود الصحّة”، وهذا ما سنتناوله في الحلقة الثالثة والأخيرة.

—————————————

===========================

==========================

تحديث 15 نيسان 2020

————————————–

لماذا يخشى بشار كورونا؟/ عمر قدور

في الثاني والعشرين من الشهر الماضي أعلنت سلطة الأسد عن أول إصابة لديها بفيروس كورونا. قبل الإعلان وبعده، اتخذت السلطة مجموعة واسعة من الإجراءات التي تصر على أنها احترازية، وهي إجراءات غير متناسبة مع الحجم المعلن لاحقاً من الإصابات، وغير متناسبة مع نظيراتها في الدول الأخرى التي سجلت عدداً قليلاً من المصابين. سياسة الإنكار التي تمارسها السلطة على جميع المستويات تدفع كثراً إلى الاعتقاد بوجود عدد ضخم من الإصابات تتكتم عليه، وهي فرضية لا تستند بدورها إلى معلومات موثقة، ليبقى من شبه المؤكد أن حجم انتشار الوباء أعلى من الرقم المعلن وأقل من أن يكون مفضوحاً بحيث يتعذر التستر عليه.

حتى الآن لا يفيد التواصل مع سوريين في الداخل بالكشف عن معلومات جديدة، لا توجد على سبيل المثال أرقام بارزة من الوفيات لأسباب “غامضة”، وليس هناك من روايات عن حالات حجر أو عزل سوى تلك التي تسربت إلى الإعلام، ولا تنتشر أقاويل شفاهية مضخَّمة عن الوباء لتعكس كالمعتاد الواقعَ المخفي. لا ريب في أن سياسة التعتيم الأسدية تقلل من معرفة الأهالي بما يحدث، إلا أنها غير كافية فيما لو حدث تدهور ملحوظ.

بعد أسبوع من إعلان مسؤولي الأسد عن أول إصابة، صرّح محافظ كربلاء “العراق” بأن معظم الإصابات الجديدة المسجلة، وهي 11 إصابة، قدمت من سوريا، وهم على الأرجح من زوار ضريح السيدة زينب في ضواحي دمشق. ثم أعلنت الإدارة الذاتية مؤخراً عن إصابة قادمة من مناطق سيطرة الأسد، لعنصر مسرَّح من قواته، ما استدعى منها عزل قرية أم حوش وقريتين أخريين في مناطق سيطرتها. تصريح محافظ كربلاء وإعلان الإدارة الذاتية فيهما مؤشر على كذب الأرقام التي تعلنها سلطة الأسد، من دون أن يتعدى ذلك إلى توضيح مدى انتشار الوباء في منطقة السيدة زينب التي عُزلت لاحقاً وبين صفوف قوات الأسد.

سيكون من الاختزال وصف السلوك الأسدي إزاء الوباء بالكذب والتعتيم الإعلامي فحسب، إذ من المرجح وجود عوامل أخرى إضافية، منها الجهل حقاً بمدى انتشار الوباء، والعجز عن الإحاطة بانتشاره، والخوف من تفشيه. وسيكون من الاختزال التوقف عند وصف الإجراءات التي اتُخذت بأنها محض تظاهر إعلامي، رغم تسويقها الإعلامي الرخيص والركيك، بما فيه الإصرار على كونها تدابير احترازية. الأقرب إلى الدقة ربما أن سلطة الأسد حائرة وخائفة جداً من الوباء، والمبالغة في اتخاذ التدابير الاعتباطية انعكاس لارتباكها أمام عدو لا تنفع معه قبضتها الأمنية ولا طيران وميليشيات الحلفاء.

تعرف سلطة الأسد أكثر من غيرها واقع القطاع الصحي التابع لها، وبحسب تقرير للأمم المتحدة نُشر أواخر الشهر الماضي تبلغ الطاقة الاستيعابية القصوى للمشافي 6500 مصاب بالوباء، منها 325 إصابة يُتاح لها العلاج في أسرة العناية المركزة المصحوبة بأجهزة تنفس. جدير بالذكر أن القطاع الصحي قد شهد منذ عام 2011 نزيف ما يقارب 75% من كوادره، ومن المتوقع أن النزيف شمل نسبة كبيرة من أكفئها لسهولة الحصول على فرص في الخارج.

الوضع الغذائي لا يقل تردياً عن نظيره الصحي، وهناك تقارير تتحدث عن نضوب الاحتياطي من القمح والدقيق. المؤكد، في بلد يُعدّ فيه الخبز قوتاً أساسياً، وجود أزمة في الحصول على الرغيف قبل الوباء، وتحديد حصص غير كافية منه الآن لكل فرد دليل على تفاقمها في توقيت حرج. ما يزيد الوضع سوءاً انشغال طهران وموسكو بأزماتهما الاقتصادية السابقة، ثم بالوباء الذي يجتاح البلدين وله الأولوية على نجدة تابعهما، وقد يكون الاقتصار على طلب المساعدة الصحية من موسكو إدراكاً من الأسد لحدود “الكرم” الروسي.

السمة المشتركة حتى الآن في التصدي العالمي للوباء هي: كلما ضعف القطاع الصحي لجأت السلطات إلى إجراءات وقائية أشدّ للتعويض عن ضعف الإمكانيات. سلطة الأسد ليست استثناء، مع عدم إغفال طبيعتها المخابراتية الأصيلة، والأخبار الواردة عن تجهيز عدد ضخم من أماكن الحجر الصحي هي من جملة الإجراءات الاحترازية لتعويض النقص الطبي الفادح، فضلاً عن تداخل الطبي مع المخابراتي بهدف السيطرة الإعلامية المطبقة على أخبار الوباء. إننا أمام سلطة تستخدم الأسلوب الذي اعتادت عليه دائماً، لأنه الوحيد الذي تتقنه والمتاح لديها.

هناك قناعة سورية منتشرة على نطاق واسع، مفادها عدم اكتراث سلطة الأسد بحيوات السوريين، وهي تتعارض شكلياً مع اتخاذها التدابير خوفاً من تفشي الوباء. هذه القناعة لها دور في اتخاذ قسم من السوريين أقصى درجات الحيطة، وحتى ذعر كثرٍ منهم من الإصابة والوصول إلى المجهول “الطبي والمخابراتي” الأسدي. لقد قدّم بشار بنفسه أوقح الأمثلة على الاستهتار بحيوات السوريين، عندما تفاخر بالحصول على “مجتمع متجانس” جراء ما ارتكبه من إبادة وتهجير. الاستنتاج المنطقي التالي أن موت عدد ضخم بالوباء لن يؤرق سلطته، بل يريحها من مسؤولياتها التي تدّعيها كدولة.

من أجل الفرضية الأخيرة، ينبغي لنا أن نتخيل سيناريو ينام فيه بشار ويصحو وقد قضى الوباء على ذلك العدد الضخم، وانتهى الأمر كما لو لم يكن هناك ما قبل وما بعد. لكن الأمر لن يكون بهذه البساطة والتبسيط، ولن يكون مضمون النتائج على هذا النحو. الأقرب إلى الواقعية أن بشار الأسد يخشى كورونا لأسباب متعددة، ليس بينها ذلك الحرص على أحد من الخاضعين لسلطته، لكن في صلبها الخوف على سلطته.

لقد نجا بشار من السقوط بفضل حلفائه، والثمن كان التحول إلى دولة فاشلة بأقصى ما لهذا المفهوم من معنى. في الأوضاع الاعتيادية لديه فائض عسكري ومخابراتي لإرهاب كل من تسوّل له نفسه التذمر مما آلت إليه الأوضاع المعيشية، أما في مواجهة الوباء فهذه البنية المخابراتية-العسكرية نفسها معرّضة للإصابة وفقدان الفعالية، وحتى تفشي الوباء حولها سيشلّها تلقائياً لتقع الفوضى التي تعني انهيار تنظيم الأسد. ربما يرغم كورونا سلطة الأسد على تجرع السم الذي لا تطيقه، وهو الحرص على نجاة السوريين، فقط لأنه لا مفرّ لها من ذلك.

————————————-

مقابلة مع خالد الملاجي، طبيب وناشط سوري

ساندي القطامي

ما هو حجم انتشار الوباء في سورية، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الخاضعة لسيطرة المعارضة على السواء؟

يبلغ عدد الحالات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري نحو 19 حالة. ولكن هذا الرقم يُشير إلى الإصابات المثبتة. لا نعرف عدد الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أي أعراض لكنهم يحملون الفيروس، أو حتى ينشرونه. آمل بأن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تعمل بالتوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. لا أعرف ما هو وضع منظومة الترصّد هناك، لكننا نعلم أنهم يتكتّمون على الإصابات. لقد طلب عناصر الاستخبارات من مختبرات في حلب إعطاء تشخيص خاطئ لحالاتٍ بدا على أصحابها أنهم يعانون من أعراض “كوفيد 19”. وقد أُرغِم الأطباء على رفض تشخيص الحالات على أنها تُشير إلى الإصابة بوباء “كوفيد 19” حتى لو كانوا على يقين من أن الشخص مصاب بالفيروس، وعندما كان واضحاً لهم أنه مرض جديد لم يختبروه من قبل. يصدرون تشخيصهم بحسب ما يفرضه النظام عليهم. في هذه المناطق، تخضع فحوص الكشف عن “كوفيد 19” للسيطرة التامة من المؤسسات الإدارية التابعة للنظام. ويضع هؤلاء الأشخاص تقاريرهم بحسب ما تمليه عليهم السلطات. ولذلك لا نعرف حالياً تأثير “كوفيد 19”.

في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يُبدي الأشخاص حماسة شديدة لإظهار الأمور كما هي في الواقع. وأحياناً يبالغون لسوء الحظ. ولكنه أمرٌ جيد لفريق العمل الخاص بـ”كوفيد 19″ من نواحٍ عدة. أقلّه نحصل على خيوط تدفع بفريق الاستجابة إلى التوجّه إلى المكان والبحث عن أي إشارات أو علامات عن وجود إصابات. وعلى الرغم من هذه الخيوط، لم نسجّل بعد أي إصابات مثبتة بـ”كوفيد 19″ في شمال غرب سورية. ولا يعلم فريق العمل الخاص إذا كان السبب هو أننا لم نستطع العثور على المصابين، أو أن المنطقة خالية فعلاً من الإصابات. لا شك في أن اعتماد منظومة ترصّد جيدة يساعد على تحديد الإصابات في مراحل مبكرة، ولكن التبليغ الحالي عن حالات “كوفيد 19” لشبكة الترصّد التابعة لنا يفتقر إلى الفعالية بسبب ضعف إمكانات المرافق الصحية في مجال العناية بالحالات المشتبه بها منذ وصول المريض إلى حين إجراء الفحص له.

ما هي الإجراءات التي يتخذها فريق العمل الخاص بـ”كوفيد 19″؟

طلبنا، نحن أعضاء فريق العمل الخاص التابع لمنظمة الصحة العالمية، من السوريين في شمال غرب البلاد ملازمة منازلهم أو تقديم المساعدة إلى الأشخاص الذين لا يمكنهم مغادرة منازلهم. هدفنا هو حماية الفئات الأكثر هشاشة. مؤخراً، تلقّينا من خلال منظومة الترصد التابعة لنا في شمال غرب سورية، معدّات اختبار من منظمة الصحة العالمية للكشف عن الإصابات. هذه المنظومة المعروفة بـ”شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة” (EWARN) هي المنظمة الميدانية الوحيدة التي تحصل على معدات اختبار، وتجهيزات وتدريبات تُفيد منها جميع المنشآت الصحية من أجل تحديد الأشخاص المصابين بوباء “كوفيد 19”. كنت من المؤسّسين الأساسيين لهذه المنظومة في عام 2013، والتي ساعدتنا على مكافحة تفشّي شلل الأطفال في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه. تعمل شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة على ترصّد الأمراض المعدية، وتعزيز آليات التبليغ في المرافق الصحية، وإدارة اللوجستيات المتعلقة بأخذ العيّنات وإجراء الفحوص، وإعداد تقارير منتظمة لوصف الوضع الوبائي في المنطقة. وتعمل الشبكة أيضاً على نشر الوعي، وتُشارك في أنشطة الاستجابة. خلال تفشّي مرض شلل الأطفال، أطلق فريق من الأطباء السوريين والمتطوعين في القطاع الصحي، ومنهم أنا، مجهوداً تنسيقياً مع وكالات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الأهلية الدولية والمحلية لإنشاء فريق العمل الخاص بالسيطرة على شلل الأطفال، والذي تولّى قيادة آلية مكافحة المرض بالتنسيق مع الجهات المانحة المختلفة.

اتّبعنا المقاربة نفسها لإطلاق فريق العمل الخاص بـ”كوفيد 19″ الذي يعمل الآن انطلاقاً من تركيا. يتّسم هذا المجهود بالفعالية لأن هيئة واحدة تتولى مختلف جوانب التنسيق، ما يعني أنه بإمكان جميع المانحين التعامل مع جهة واحدة. نستخدم المنظومة المعتمدة من شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة والمؤلّفة من مسؤولين وأطباء وصيدلانيين ميدانيين خضعوا للتدريب في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ويقوم هؤلاء بجمع المعلومات من مختلف المرافق الصحية الميدانية. يرفع هؤلاء العاملون في القطاع الصحي تقارير إلى منظومة الشبكة على أساس يومي وأسبوعي انطلاقاً من نحو 550 مرفقاً صحياً من مستويات مختلفة صغيرة ومتوسطة ومتقدّمة في جميع أنحاء المنطقة الواقعة شمال غرب البلاد. ولكن المنشآت ليست مجهّزة كما يجب، وتقتصر المعايير الصحية فيها على الحد الأدنى. وبالكاد تتمكّن من تأمين العناية اللازمة للمرضى المصابين بأمراض مزمنة أو المرضى الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية. ولذلك من شأن أي تحدٍّ جديد أن يؤدّي إلى انهيارها بالكامل. ولم تحصل هذه المرافق الصحية على أي دعم إضافي من تركيا أو من فريق العمل الخاص بـ”كوفيد 19″. فقد اقتصر الدعم على معدّات الاختبار وبعض الإرشادات التقنية. وفيما خلا ذلك، السكان المحليون وعامة الناس هم مَن يتولون حالياً إدارة الأشخاص المتواجدين على الأرض. هذا كل شيء. هناك بعض التبرعات، ولكنها محدودة جداً.

يُعتقَد أن الجهوزية تعني توافر عدد كافٍ من المستشفيات والأسرّة، وتحديد الأعداد الدقيقة للإصابات المثبتة. هذه الأهداف أساسية، لكن في الوقت نفسه، حملات التوعية وجهود التعبئة الاجتماعية هي التي ستساهم فعلاً في مكافحة الفيروس. يستطيع هذا الفيروس الانتشار وبلوغ مستويات تعجز أي منظومة رعاية صحية في العالم عن التعامل معها. نحتاج إلى مزيد من التعبئة الاجتماعية وحملات التوعية، بحسب ما يقول خبراء الصحة العامة. يجب إشراك الجمهور كي يفهم خطورة هذه المسألة، وينخرط فعلياً في إعداد خطط التدخل، ويدلي بآرائه وتعليقاته في المراحل الأولى. لهذا ينكبّ فريق العمل الخاص على ابتكار وصلات بينية مرتكزة على الجمهور وموجَّهة إليه ليتمكّن الناس من متابعة المستجدّات. علينا أن نشرك الأشخاص من مختلف المجتمعات والخلفيات والإثنيات والأديان. يجب أن تكون جميع هذه المجموعات جزءاً من عملية تصميم آلية التدخل والاستجابة. القيادة مهمة جداً في هذا المجال. يجب أن يساعد الأشخاص بعضهم بعضاً من أجل ملازمة منازلهم، لأنه لا يمكننا أن نطلب من السوريين أن يلازموا منازلهم فحسب. ثمة عدد كبير من النازحين داخلياً، ومن الأشخاص المتقدّمين في السن، والفقراء الذين ليس لهم مكان يقصدونه. تواجه مخيمات النازحين في شمال غرب البلاد الوضع الأشد خطورة بسبب “كوفيد 19”. يعيشون في خيَم صغيرة حيث لا يمكنهم المشي أو التحرك إلا عندما يخرجون من الخيمة. ولذلك، جميع سكان المخيّم معرّضون للاختلاط في ما بينهم يومياً. إذا انتشر وباء “كوفيد 19” في هذه المخيمات، فسوف نكون أمام كارثة كبيرة، نظراً إلى الظروف الصحية السيئة وغياب الخدمات الصحية المتطورة. قد نتشارك الفوائد التي نحققها من بقاء الناس في منازلهم، أو داخل خيمهم، إنما يجب أن نتشارك أيضاً التكاليف المترتبة عن الطلب من الفئات الهشّة ملازمة منازلها، ينبغي علينا أن نتشارك مسؤولية تقديم المساعدة إليهم.

كيف سيغيّر الفيروس العلاقة بين المواطنين وقادتهم، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الخاضعة لسيطرة المعارضة على السواء؟

في 2013-2014، أفضت أزمة شلل الأطفال إلى تعزيز العلاقة بين المدنيين وقادتهم في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال البلاد، من اللاذقية وصولاً إلى الحسكة ودير الزور. لقد ساهمت هذه الأزمة إلى حد كبير في تعزيز الإدارة المدنية في مقابل الإدارة العسكرية في هذه المنطقة. وقد محض الناس ثقة عميقة لقادتهم في هذه المنطقة. والسبب هو أن المسؤولين اتخذوا القرارات الصحيحة، وتحلّوا بالمسؤولية، وعملوا بلا كلل. سرعان ما التفّ الناس حول قيادتهم وتبنّوا آليات التدخل والحملات التي أطلقتها المؤسسات ذات الإدارة المدنية في شمال سورية. ولكن يمكن تسييس الأزمة. إذا لم تقدّم الأمم المتحدة دعماً فعالاً لهذه المنطقة، على غرار الدعم الذي تمنحه لدمشق، سوف يخسر جميع الأفرقاء الذين يعملون على مواجهة الأزمة، ثقة المواطنين التي بُنيت على مر السنوات الماضية على مستوى القيادة المحلية في قطاع الرعاية الصحية في هذه المنطقة. نتخوّف من حدوث ذلك في هذه المرحلة الحسّاسة جداً التي نحتاج فيها جميعنا إلى التعويل على هذه الثقة وهذه العلاقة لإقناع الرأي العام باتّباع توصيات منظمة الصحة العالمية.

الوضع مختلف في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فالعلاقة هي ذات طبيعة مختلفة. يقرر النظام ما ينبغي على الناس فعله ويأمرهم بالتنفيذ، من دون أن تكون هناك أي ثقة بتاتاً؛ لا نتوقع التزاماً حقيقياً من الجمهور هناك. أما في مناطق المعارضة، فالناس لا يزالون يهتمون بالحفاظ على هذه العلاقة. نعم، الوضع كارثي في هذه المنطقة، ولكن المواطنين لا يزالون يتمتعون عموماً بهامش من الحرية والحقوق.

ما هو التأثير الذي تتوقعونه على المنطقة الواقعة شمال غرب سورية في المدى الطويل؟

يجب أن تركّز الاستراتيجية المعتمدة في شمال غرب سورية على المراحل الأولى للاستجابة، أي التوعية، ووقف انتشار الفيروس، ومساعدة الفئات الأكثر هشاشة، مثل المتقدّمين في السن، والفقراء، والنازحين في المخيمات عند الحدود التركية. لا نريد أن نصل إلى مرحلة نقول فيها للمصابين: “علينا أن نرى أولاً الإمكانات المتبقّية في مستشفياتنا”. إنها مرحلة خطيرة. عندئذٍ سوف نخسر المعركة. ونحن لا نملك الإمكانات اللازمة في المنظومة الصحية المنهَكة أصلاً والتي تعاني من نقص شديد في التجهيزات. لا يمكننا المجازفة بإلقاء عبء زائد على الجهات القليلة المتبقية في مجال الرعاية الصحية وتحميلها أكثر من طاقتها.

في المجمل، سورية معزولة أصلاً. والمنطقة الواقعة شمال غرب البلاد معزولة أيضاً. لن يذهب أحد إلى هناك بهدف السياحة. وحدهم عمّال الإغاثة الإنسانية يُسمَح لهم رسمياً بدخول المنطقة والخروج منها. ثمة قوائم محددة جداً من الأشخاص الذين يستطيعون دخول المنطقة والخروج منها، وتخضع هذه القوائم لسيطرة تركيا. تتولى الحكومة التركية مراقبة حركة الدخول إلى هذه المنطقة والخروج منها، وتتحكّم بها، ولكن في الوقت نفسه، علينا العمل للحؤول دون دخول الفيروس إلى المنطقة. فإذا دخل إليها [شمال غرب سورية]، سيكون الوضع سيئاً للغاية.

الدكتور خالد الملاجي طبيب سوري مقيم في تورنتو ومستشار رفيع المستوى في المنظمة الدولية للإغاثة الطبية المستدامة، وعضو في فريق العمل الخاص التابع لمنظمة الصحة العالمية والمعني بانتشار “كوفيد 19” في شمال غرب سورية. برز اسمه من خلال الجهود الريادية التي قادها لتلقيح 1.4 مليون طفل سوري خلال تفشّي شلل الأطفال في 2013-2014.

ساندي القطامي زميلة مبتدئة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي. أجرت هذه المقابلة لـ”صدى”.

مركز كارنيغي للشرق الأوسط

————————————-

ملاعب كورونا المقبلة – سوريا/ موفق نيربية

لم يترك السيد غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة فرصة تمرّ في الشهر الأخير، إلّا وكرّر فيها التعبير عن مخاوفه من انتشار فيروس كورونا في سوريا وليبيا واليمن خصوصاً. وهو في ذلك يرجع إلى حالة انفلات الأمن وغياب سلطة الدولة أو ضعفها، مع وجود صراعات مسلحة على الأرض، وحالة يصعب التحكم فيها أو إقناع الناس باتخاذ الحيطة مع وجود ضياع وبؤس بالأساس.

وما يطلبه غوتيريش هو الحد الأدنى من متطلبات مقاومة الوباء، وتمكين الآخرين من تقديم العون، المتمثّل في وقف حقيقي لإطلاق النار، وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية، والصحية، التي يُتوقَّع ازدياد الحاجة إليها بشكل حادٍّ قريباً.

هنالك سمات خاصة، ربما قومية ودينية، تاريخية واجتماعية وثقافية، تجعل هذه البلدان متشابهة إلى حدٍّ ما، مع تفاوتٍ وفروقات إلى هذا الحدّ أو ذاك. فتأثير القبائل والعشائر والمناطق موجود، وله دورٌ في التحزبات والعصبيات في البلدان الثلاثة، إضافة إلى المذهبية والتشدّد الديني والبيئة المتفهمة جزئياً لتواجد القوى الموسومة بالإرهاب أيضاً. وكذلك يتوزع التعلّق باقتناء السلاح واستخدامه بشكلٍ يكاد يكون فطرياً وبدوياً، مع استعداد قوي لاستقبال التدخل الخارجي، والترحيب به. ذلك كله متعلق بعضه ببعضه، ويترابط.

تحتاج المعركة مع فيروس كورونا إلى دولة منظمة، تحتكر السلاح واستخدامه، وإلى سلطات صحية تحتفظ ببنية تحتية قوية، فيها الأسِرّة وغرف العناية المشددة وقابلية التعقيم، ومجتمع يقبل الالتزام بالنظافة الطبية والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، وإلى قدرات معيشية وغذائية وتوفّر للمتطلبات والمستلزمات وتوزيعها من دون فوضى، وإلى ثقة متبادلة بين السلطة المفترضة والناس، وبين الناس أنفسهم، وإلى حالة نفسية اجتماعية عالية، قادرة على الاحتفاظ بالهدوء اللازم للمقاومة الطويلة الأمد، والتمتع بمعنويات تكفي لتحمّل الخسائر والعبور إلى ما بعدها… وهذا يكاد يكون مستحيلاً في تلك البلدان. ولكن يبقى أن الصحيح أولاً هو وقف إطلاق النار؛ الذي ينبغي أن يتقدّم بشكل مطلق على أي شعارٍ أو ممارسة أو اهتمام؛ حتى يكون ممكناً التفكير بهذا المستحيل، وتقليل خسائر الأسابيع أو الأشهر المقبلة، بمساعدة المجتمع الدولي طبعاً. وسوف تكون محاولة للإضاءة على بلدي سوريا في ما يلي.

هنا، حذّرت منظمة الصحة العالمية، كالأمين العام للأمم المتحدة، من انفجار بأعداد الإصابات، بشكل مثيرٍ للرعب، خصوصاً مع التأخر الكبير بالحديث عن وجود أي إصابات، بل كان هنالك تفاخر أجوف بنظافة البلاد من ذلك العدوّ الوافد، وصل مع أحد الوزراء إلى حدّ تشبيهه بالثوار، حين افتخر بقدرة النظام على القضاء على «الجراثيم»، في تعبير مخيف عن مستوى الذين سيقودون البلاد في هذه الأزمة.

وفي العاشر من مارس أبلغت الحكومة الباكستانية، عن ست إصابات مقبلة من سوريا، ثم أعلن محافظ كربلاء في التاسع والعشرين من الشهر نفسه عن وجود 15 إصابة هناك» معظمها من سوريا» أيضاً. في حين تحدثت الحكومة السورية في الثاني والعشرين عن أول إصابة وافدة من الخارج، وفي التاسع والعشرين عن وفاة، وفي الرابع من إبريل عن وفاة واحدة، ثم استقر عدد الإصابات على 19 لفترة من الزمن، تم الإعلان خلالها أيضاً عن حالات شفاء. يؤكد ذلك العبث وتلك الفوضى، صحة قلق من راعهم احتمال انفجار الوضع هناك.

وكانت الحكومة السورية قد مهدت للإعلان عن أول إصابة قبلها بيوم واحد، حين أمرت بإغلاق الأسواق والأنشطة التجارية والخدمية والثقافية (مع تركيز على توقيف نشاطات دار الأوبرا.. لسخرية الزمان واللغة) والاجتماعية في جميع المحافظات، وتعليق العمل في الجهات العامة، بدءا من يوم الغد( الذي صدر فيه بالصدفة الإعلان عن أول إصابة)، حسبما نقلت وكالة أنباء النظام. ونسخَ القرار تعليمات الدول التي سبقت على ذلك الطريق، فاستثنى مراكز بيع المواد الغذائية والتموينية والصيدليات والمراكز الصحية الخاصة.

كذلك طلبت رئاسة الوزراء من الوزارات «اتخاذ القرارات اللازمة لتعليق العمل في الوزارات، والجهات التابعة لها، والمرتبطة بها، التي لا يشكل تعليق العمل فيها عائقاً أمام مواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا».. ويشمل التعميم «تقليص أعداد العاملين المداومين في الجهات التي يكون من الضروري استمرار العمل فيها إلى أدنى حد ممكن»، علماً أن أولئك العاملين أساساً خارج نطاق الانضباط والالتزام، لظروف غياب الأمن، وتفرّق المناطق، وانحلال مركزية المؤسسات.

يتركّز الخوف على السوريين المقيمين تحت سيطرة النظام، على الآثار الصحية البليغة التي يمكن أن تنتج عن انتشار العدوى بشكل جماعي، خصوصاً في ظروف ضَعُفت فيها الدولة، تحت ضربات مستمرة من قبل النظام وحلفائه، بين ميليشيات داخلية وخارجية، وعصابات واحتلالات؛ وتراجعت بنيتها التحتية في جميع جوانبها، وفي جسمها الصحي خصوصاً، الذي ترى بعض الإحصائيات أنه قد تعطّل بنسبة 50%، بالقصف الحكومي والروسي، وبالفساد وفوضى السلطات القائمة هنا وهناك. هنالك خصوصاً نقص حاد في سوريا حالياً بالكوادر الطبية، التي كان من بينها 923 شخصاً فقدوا حياتهم، من بينهم 269 طبيباً. وباعتبار أن ذلك قد حدث بجزئه الأكبر بين عامي 2012 ـ 2014، فينبغي تفهم أن الجسم الطبي، خصوصاً جزءه الرفيع الاختصاص، وجد طريقه إلى الهروب من المجزرة إلى الخارج. في أوائل عام 2014 مثلاً وللقياس، قال نقيب الأطباء السوريين؛ وهو واحد من المسؤولين الذين يكذبون عادةً؛ إن ثلث أطباء سوريا الأكثر مهارة تركوا البلاد. فإذا أضفنا إلى ذلك ضعفا وعَوَزا مدقعا في البنية التحتية الأساسية، خصوصاً في لوازمه الحالية، من غرف عناية مركزة وأجهزة تنفس تحتاجها مقاومة الجائحة، ندرك أسباب خوفنا، ولو بمعالمها الأولى.

ورغم ذلك، يعرف السوريون جيداً، من يعارض النظام ومن يواليه، أن أطباءهم وجهازهم الصحي البشري في أساسه لا ينقصه المستوى العلمي والالتزام، وأنه لو تمتّع بالقدرة على القيادة، وتوفرت له مؤسسات دولة متماسكة ومجهزة، لقام بالمعجزات.

أولئك نعرفهم، ونعرف تركيبتهم الطليعية التي جعلتهم، مثلاً، في مقدمة الشعب السوري، مع المهنيين الآخرين من محامين ومهندسين وصيادلة، في إضراباتهم وحركتهم الشجاعة في انتفاضة 1980 السلمية (لا تلك المسلحة- الإسلامية المتطرفة آنذاك)، قبل انقضاض النظام الفاشي على نقاباتهم ولجمها، وتفريغها من قدراتها.

وفي سوريا مناطق أخرى تحت سيطرة قوى محلية أو خارجية، منفلتة من إسار الانضباط الاجتماعي، مضروبة الجهاز الصحي، متأزّمة اجتماعياً ومعيشياً وسياسياً واقتصادياً، لديها مشاكل موازية أمام الجائحة، وأفضليتها الوحيدة هي في غياب النظام في هذه الحالة، كلياً أو جزئياً، ما يمنع عن الناس فعله السلبي، ويتيح من ثَمّ، إمكانية تدخل مباشر من منظمة الصحة العالمية أو المجتمع الدولي.

في مناطق النظام، هنالك ما يشبه الحكومة قليلاً، ويشبه الدولة قليلاً، ولكن هنالك إلى جانب الفساد والتفسخ فيهما، ووجود مراكز قوى مافويّة في كلّ زواياهما، سلطات أمر واقع تلقائية في كلّ مكان، وسلطات روسية وتركية وإيرانية ومشتقات محلية أو غريبة منها جميعاً. في الحالة التي تراجعت إليها اللُحمة الاجتماعية، وانتعشت لُحماتٌ أخرى، طائفية ودينية وقبلية ومناطقية ومحلية وغريبة، أصبحت طرق نفاذ فيروس كورونا مقلقة فعلاً، لن يحمي منها إلا المبادرات السريعة والشجاعة، التي تطوّر التضامن والتكافل والانضباط وحسّ المقاومة وإرادة الحياة. وفي سياسات ذلك الفيروس ما يشجّع على الأمل، في ضعفه أمام الأطفال والشباب وأصّحاء البدن والذهن.

ربّما كان أيضاً لأولئك السوريين في خارج البلاد، من أهل الاختصاص والقدرات المادية والمعنوية خصوصاً، ما يجتمعون حوله، ليمنعوا عن بلادهم الكارثة، أو ليخففوا من نتائجها أيضاً. وبالفعل هنالك مبادرات ومؤسسات مدنية، ابتدأت في هذا الميدان، لعلها تتطور وتعمّ وتصبح ظاهرة سورية جديدة… والحديث في معظمه، يصحّ أيضاً على اليمن وليبيا، وعلى العراق ولبنان والسودان، بتفاوت وتنوّع طبيعي وسماتٍ وطنية، أو بالأحرى لا وطنية ولا مواطنية.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————–

عالم ما بعد كورونا..حتى لا يكون أسوأ مما قبله/ برهان غليون

لا أحد يعرف بالضبط ما طبيعة الحياة الدولية التي ستولد من كارثة وباء كورونا العولمي، بعد أن تتحقق السيطرة عليه في الأشهر المقبلة، فبينما يخشى اقتصاديون انهيارا اقتصاديا أكثر عنفا من انهيار 1929، مع إغلاق آلاف الشركات أبوابها وتقلص الأسواق ورمي عشرات ملايين العاطلين عن العمل في الشوارع من دون مورد، يعتقد آخرون أن نهاية الكارثة الكورونية سوف تطلق دينامية اقتصادية توسعية قوية تعوّض عن الخسائر الحاصلة. وبينما يعتقد بعضهم أن الأزمة الناجمة عن هذه الكارثة سوف تدفع النخب العالمية إلى مزيد من التنسيق بين خططها وسياساتها العالمية، يرى آخرون أن من المحتمل أن تفتح نهاية الأزمة الباب أمام تنافسٍ لا سابق له على الأسواق العالمية، وربما العودة عن العولمة، والانكفاء على الحدود القومية كما كان عليه الحال في المراحل السابقة من الرأسمالية.

وبالمثل، لا تبدو نهاية الأزمة حاسمة على الصعيد الجيوسياسي، وبالنسبة للاتجاه الذي سوف تتخذه العلاقات الدولية، هل ستنهي الأزمة/ الكارثة سيطرة الولايات المتحدة والغرب لمصلحة صعود القوى الجديدة، وفي مقدمتها الصين والهند والدول الصاعدة، أم أنها ستجدّد مناخ الحرب الباردة، ولكن هذه المرة بين القطبين الكبيرين في بكين وواشنطن. وعلى المستوى السياسي، يخشى كثيرون عن حق من أن تنتج كارثة كورونا البيئة المثالية لانفلات الأيديولوجيات الشعبوية من عقالها، وأن يحصل التراجع عن الخيارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعاون الدولي الذي أظهر عجزا ملحوظا في مواجهة الكارثة الراهنة، على الرغم من تكرار الحديث عن أهمية العمل المشترك لتجاوزها.

لم يبرز واقع الافتقار لسياسة عالمية متسقة في مواجهة المخاطر الطبيعية والاجتماعية، كما حصل خلال هذه الجائحة الصحية التي طاولت البشرية بأكملها، حيث نكاد لا نرى أي جهودٍ دوليةٍ مشتركة، للرد على مخاطر انتشار الوباء على الصعيد العالمي. وتسعى كل دولة حسب ما يتوفر لديها من موارد وإمكانات ومنظومة صحية أن ترد على التحدّي بوسائلها الخاصة. حتى أن منظمةً للتعاون الدولي من طراز رفيع، كالاتحاد الأوروبي، تكاد تفقد الثقة بإمكانية استمرارها بعد الأزمة الراهنة، بسبب ضعف التنسيق والتعاون فيما بين دولها، وهو ما حاولت إنقاذه القرارات الأخيرة لمساعدة إيطاليا وإسبانيا، وبعض الدول الأكثر تضرّرا من الوباء.

تكمن المشكلة الرئيسية في نظري في أن العالم الذي أصبح واحدا، ويسير بسرعة أكبر نحو توحيد المصائر البشرية، كما أظهر ذلك الانتشار السريع لوباء كورونا نفسه، لا يزال يفتقر إلى الجملة العصبية التي توحد حركاته وعلاقاته وتنسقهما. ولذلك يبدو بل يصبح بالفعل أكثر تباينا في الأوضاع والأحوال والإمكانات والموارد المادية واللامادية، بمقدار ما يزداد اندماجه. وتخلق هذه الديناميكية المهيأة للتنامي مع تقدّم مكاسب الثورة الرقمية وتعميمها وضعا مضطربا وعالما مليئا بالمفارقات. وبعكس التصورات الساذجة لنهاية القرن الماضي التي اعتقدت أن نهاية الحرب الباردة، وتقدّم العولمة، سوف يقودان إلى نشوء عالم منسجم ومتّحد ومتناغم، أطلق عليه اسم القرية الصغيرة التي لا يحتاج فيها الناس إلى جهد لمعرفة حال جيرانهم، وإقامة علاقات حميمية وشفافة معهم، ومساعدتهم عند الحاجة، أنتجت العولمة مجتمعا دوليا أكثر انقساما وتنافرا وتناثرا وكتامة في الوقت نفسه. وعلى الرغم من تقليصها بالفعل المسافات التي تفصل بين المجتمعات، واختصارها المدهش الزمن الذي يحكم تفاعل الناس فيما بينهم على اتساع المعمورة، لم تعمل عولمة رأس المال والأسواق والإعلام وشبكات ومنصات التواصل الرقمية على بعث مزيدٍ من التجانس في شروط حياة الشعوب، وانسجام أكبر في التعايش بين الثقافات، بمقدار ما أبرزت الاختلافات في الأحوال والأوضاع والمطالب والمشاعر أيضا، وما أبدعت من أنماط جديدة في الفقر والغنى والجهل والمرض والتنور والإيمان والكفر والمدنية والهمجية، ومن احتكاكات أكثر خطورةً بين الهويات الاجتماعية والثقافية المتنافية والمتقاتلة، ومن تصادم المشاعر والمخاوف والتفاوت المضطرد في مستويات الحياة والمعيشة والمصالح والتوجهات.

(2)

أربعة مواقف تميز سلوك الأفراد والجماعات في مواجهة الأزمة المتفاقمة الناجمة عن تنامي المطالب والتطلعات المشتركة لعموم الإنسانية إلى السعادة والحرية والكرامة، وتوسع قاعدة انتشارها مع تقدّم المدنية من جهة، والعجز المتزايد لعالم العولمة النيوليبرالية عن تلبيتها، وبالتالي تعميم الشعور بالبؤس والإحباط والحرمان والاستعداد للعنف لدى قطاعات واسعة من المجتمع الإنساني من جهة ثانية:

الأول هو موقف تجاهل الآخر. صحيحٌ أن من يقطن قريبا مني، في القرية الكونية، يصبح جاري وشريكي في الإنسانية، لكنه لا يظهر في مرآتي، ولا أعرفه، ولا أريد أن أعرفه، ولا يعنيني مصيره. وليس لدي تجاهه أية مشاعر سلبية أو إيجابية. إنه ببساطة غير موجود بالنسبة لي ما لم يصدر عنه ما يهدّد وجودي أو مصالحي. وعلى هذا الموقف التجاهلي يبنى الآخر، المتجاهل والمغيب تماما عن النظر، استراتيجيته للتذكير بوجوده، وأحيانا مصالحه، وهي إظهاره، من وقت إلى آخر، قدرته على الأذى وإقلاق راحة الجار المتباعد، وربما التنغيص على القاطنين في القرية الكبيرة حياتهم وتهديدهم في مصالح أساسية، وهي استراتيجية “كاسر مزراب العين” التي يشرب منها أهل القرية جميعا.

والموقف الثاني هو العنصرية. ولا تعني العنصرية اليوم بالضرورة إبادة الطرف الآخر، كما حصل لسكان القارة الأميركية الأصليين، وبعض مناطق أفريقيا على يد المستعمرين الغربيين الذين اعتبروا “أعداءهم” أقل من بشر وأسوأ من وحوش، وإنما يكفي لها إقامة نظام الفصل العنصري، بالجدران المادية أو بالجدران السياسية والقانونية أو الفكرية والنفسية. ومن وراء إشادة هذه الجدران تكمن فكرة جوهرية: نحن المدنية وهم الهمجيون أو المتوحشون، لنا ثقافتنا ولهم ثقافتهم، ولا نستطيع أن نعيش معا أو نتساوى في الحقوق والواجبات، وما ينطبق علينا من قوانين ومعايير وقيم لا يمكن أن نطبقه ولا ينطبق عليهم. وهذا يعني التحرّر من الفلسفة الإنسانية الكونية التي سادت منذ عصر التنوير، وجعلت أوروبا في الواقع في مركز مدينة كونية، وزودتها بقوة مادية ومعنوية استثنائية مكّنتها من احتلال قارات عديدة، والانتشار فيها والحلول محل شعوبها ومدنياتها، في أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها. ومن آخر تجليات العنصرية الجديدة النظر إلى المناطق والجماعات البشرية الأخرى أنها حقل تدريب واختبار للأسلحة الفتاكة الحديثة، كما تفعل روسيا في سورية، أو بمثابة فئران تجارب تستخدمها للحصول على نتائج مجانية أو تقلل من التكلفة الإنسانية، كما اقترح منذ أيام باحث فرنسي، في حديثه عن تسريع التوصل إلى لقاح ضد كورونا، بالقيام بالتجارب مباشرة على البشر في أفريقيا، حيث لا توجد كمّامات ولا أدوية ولا حجر صحي، وحيث يموت الناس على جميع الأحوال.

والموقف الثالث هو إنكار مصالح الآخر وحقوقه، نهارا جهارا، كما نقول، وربما إنكار وجوده من الأساس للحلول محله. وقد أصبح الإنكار سياسة قائمة بذاتها، تقوم على تحويل الواقع إلى وهم والوهم إلى حقيقة. وهو من الأساليب التي ورثها العالم الراهن عن النظم الشمولية، لكن تعميمها يتخذ اليوم أشكالا متعدّدة قد تصل عبر تعميم مفهوم المؤامرة إلى تبرير الإبادة الجماعية.

والموقف الرابع الحرب، أي العنف المنظم والقاتل، الذي يمكن أن يبدأ من الحصار والعقوبات المشدّدة حتى يصل إلى مستوى الإبادة، وهو ما يهدف إليه الجيل الجديد من أسلحة الدمار الشامل، التي تقتل عن بعد، من دون جهد ولا كلفة بشرية، ومن دون صور، وبالتالي من دون ألم. وليس من الضروري أن تكون الإبادة اليوم بوسائل بدائية على طريقة حرب التطهير العرقي، كما حصل في بلدان أفريقية عديدة في القرن الماضي، وكما هو الحال في سورية، منذ بداية هذا العقد، حيث تقصّد بشار الأسد بث صورة مجازره وسلخ جلود ضحاياه في أشرطة، وعرضها في القنوات، إمعانا في الانتقام والتعبير عن الهمجية والعنف الأعمى، وإلحاق مزيد من الأذى النفسي والمعنوي بمن ثاروا عليه. كما أنه ليس من الضروري أن تكون استراتيجية الفتك بالمجتمعات، وحل بنياتها السياسية ومؤسساتها ومراكزها العصبية، ومن ثم تدميرها، كما شهدنا ذلك في العراق، منذ 2003 بشكل خاص، ردا على أعمالٍ عدوانيةٍ ارتكبتها، أو ارتكبها ممثلوها، وإنما وقايةً من احتمال السيطرة عليها من طرفٍ معاد، أو قطع الطريق على تغييرات محتملة لا تتفق وخيارات الأطراف الأخرى.

هكذا أصبحنا نعيش في عالمٍ مسكون بالنزاعات والحروب الدائمة والمتنقلة، حتى أصبحت تغطية أعمال الموت والحروب المنتشرة في مختلف القارات المادة الرئيسية لأخبار قنواتنا وإذاعاتنا، وقد اعتدنا عليها إلى درجةٍ لم تعد تثير لدينا أي تساؤل أو رد فعل. أصبحت الحياة صراعا دائما، تماما كما أصبح الفقر والبؤس والمرض الذي يضرب في أنحاء مختلفة من المعمورة، أمرا طبيعيا، وأصبح بناء الجدران العازلة حلا مناسبا للحدّ من موجات المهاجرين أو البرابرة، كما صارت الحرب على الإرهاب أو التصدي لـ”المؤامرة الكونية” مبرّرات كافية لسحق احتجاجات الشعوب، أو الانتقام من خصم، أو إجهاض مشاريع منافسة. ولا تقتصر هذه التكتيكات على حقل العلاقات الدولية، ولكنها تسم أيضا العلاقات داخل المجتمعات ذاتها، بين الأطراف المتباعدة والمتنابذة أكثر فأكثر، مع تفكّك ما كانت تسمى الأمة أو الروح الوطنية، وبشكل خاص داخل الأقطار الفقيرة والضعيفة التي تتحكّم بها منذ الآن نخب لا تكاد تشعر بالتزام من أي نوع تجاه شعوبها، وتعمل كما لو كانت وكيلة للاستراتيجيات الدولية.

(3)

ليس من المؤكد، إذن، أنه إذا لم يحصل اختراق في المنطق الذي يحكم العلاقات داخل هذه القرية المأزومة، ألا يكون عالم ما بعد كورونا أسوأ بكثير مما كان قبله، بل إنه بالتأكيد سيكون عالما متوحشا بشكل مضاعف. في المقابل، يمكن أن تعطي أزمة هذا الوباء درسا للمستقبل لنا جميعا، لتحسين قدرتنا كمجتمع دولي على مواجهة ما يشابهه من المخاطر ذات الأبعاد الكونية التي سنشهدها بشكل متواتر وأكثر فأكثر. وفي هذه الحالة، من المفيد أن ننظر إلى هذه الكارثة من زاوية الحاجة للتأمل في نمط الإدارة الراهنة للعالم، والتي درجنا فيها على توظيف الجزء الأكبر من مواردنا، وجهود شعوبنا، وإبداعات عباقرتنا، في خوض الحروب والنزاعات أو الإعداد لخوضها، بدل تطوير وسائل التعاون والعمل المشترك لصد الجائحات الكبرى، وهو ما جعلنا لا نحرك ساكنا أمام مرأى انتشار الأوبئة والأمراض والتشرّد والنزوح والجوع والعطش، زعزعت وتزعزع باستمرار حياة قارّات ومناطق واسعة من العالم قريبة منا.

الشعور بالهشاشة الذي استبد بحق بالإنسانية أمام فتك الفيروس الجديد لا ينبع من إدراك مستجد بنقص تقدمنا العلمي والتقني، ولا بنقص الموارد التي تتوفر لدى البشرية الراهنة لمقاومة الجوائح والأوبئة والمخاطر الطبيعية الأخرى، وإنما من تخبط قادتنا وحكوماتنا في مواجهته. ولا يرجع هذا التخبط إلى نقص الكفاءة الإدارية أو الذكاء أو الخبرة والشعور بالمسؤولية عند النخب العالمية. إن سببه الحقيقي هو اكتشاف ضعف قنوات التواصل، وسبل التعاون الدولي الفعال، من خارج المؤسسات الوطنية، لبلورة رد عالمي أو عولمي من مستوى التحدّي الجديد، فأثار الارتباك وأضاع وقتا طويلا قبل لملمة الموارد الكبيرة والإمكانات التي في حوزتنا للتدخل السريع والشامل لمحاصرة المشكلة.

والواقع لا يختلف سلوكنا تجاه هذا الوباء الكوني كثيرا عما نُظهره تجاه المخاطر الكونية الأخرى، مثل تلوث البيئة وتبدل المناخ، والقضاء على ظواهر الفقر والجريمة المنظمة والمتاجرة بأعضاء البشر والمخدّرات والإرهاب، فلم ننجح إلا في ميادين محدودة جدا في التعاون لمواجهتها. وفي حالات كثيرة، يستخدم بعضنا هذه الكوارث ذاتها وسائل حرب ضد خصومه، أو منافسيه من الشعوب والمجتمعات الأخرى. ولكن الفرق أنه، بعكس ما يجري مع هذه المخاطر، كان خطر الوباء الكوروني داهما وسريعا لا يفيد فيه التردّد والعنعنة وشراء الوقت، كما حصل في قضايا المناخ والبيئة وغيرها. والواقع، فيما وراء النقص الواضح في وسائل التعاون والعمل العالمي المشترك، يرجع العطب الذي يقيّد حركتنا إلى سيطرة المنطق العام الذي لا يزال يحكم النظام العالمي والعلاقات الدولية برمتها، وهو منطق النمو الاقتصادي المضطرد واللانهائي، الذي يضع الموارد المادية واللامادية، أي رصيد الإنسانية ورأسمالها، في خدمة أولوياتٍ أثبت الزمن الماضي أنها غيرت بالفعل شروط حياة الإنسان إلى الأفضل، فصار التشبث بها قاعدة شبه مقدّسة للقيادات السياسية.

ولكن إذا لم يكن هناك شك في أن التراكم الحضاري الذي حصلنا عليه ما كان ممكنا من دون الرأسمالية التي خلد كارل ماركس نشأتها وانتصارها على النظم الاجتماعية القديمة الأخرى جميعا في كتاب “رأس المال” الشهير، فليس من المؤكد اليوم أن ما كان منتجا، وما قلب شروط حياة الجماعات رأسا على عقب منذ قرنين، لا يزال قادرا على تثويرها اليوم. كما أنه ليس من المؤكد أن التراكم الرأسمالي الذي كان وراء هذه الثورة الاقتصادية والاجتماعية، وحافز تعظيم هامش الربح، لا يمكن أن يتحول في مرحلة تالية إلى منطقٍ غير منتج، وربما إلى العقبة الرئيسية أمام سعادة البشرية، حتى لو استمرّت عجلة الإنتاج في التحرّك، وكانت صناعة السلاح والإعداد للحرب القطاع الأكثر إدرارا للربح/ الريع فيها.

وربما يساعدنا التأمل في الأزمة الجديدة على النظر فيما إذا كان لا يزال من المفيد الاستمرار في وضع النمو في الأرباح والسلع والرساميل أولوية مطلقة تنتظم من حولها المجتمعات البشرية، أم أصبح من الأفضل التفكير في تغيير الأولويات، وإعطاء الأسبقية، ولو مرحليا، لغاية تبدو أخلاقيةً، لكنها وحدها تستطيع أن تعيد بعض الانسجام والوحدة والسلام والأمن للعالم، وتساعد على توجيه الجهود بما يسمح بامتصاص التناقضات وتخفيف حدّة الانقسامات والتوترات والاختناقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتشوهات التي أحدثها النمو المتسارع في العقود الأربعة الماضية، مما يمكن أن يساعد المجتمع العالمي على هضم المكتسبات الحضارية وتجنب مخاطر السير لا محالة نحو الانفجار. لن يكون ذلك سوى الرجوع خطوة إلى الوراء من أجل التقدّم خطوات عديدة إلى الأمام في المستقبل، ولكن على أسس أسلم، تجنب النظام القائم أزمة اقتصادية عظمى، كان جميع الخبراء يتوقعونها، قبل أن تغطي عليها أزمة وباء كورونا.

والقصد أننا لن نستطيع أن نخرج من الطريق المسدود الذي نجد أنفسنا فيه، اليوم، على الرغم مما حققناه من تقدّم علمي وتقني لا سابق له، من دون العودة إلى التفكير بشكلٍ أعمق في الشرط الإنساني. ويعني الشرط الإنساني التفكير في حياة الإنسان، الفرد والجماعة، وفي القيم التي تعطي لحياته معنى، من الكرامة والحرية والأمن والسلام والسعادة، وما يستدعيه تحقيق ذلك كله من تفاهم وتعاون وتضامن بين البشر داخل حدود الدول وعبرها، ومن وراء حسابات الأرباح الصناعية والمكاسب التقنية والتقدم العلمي أيضا. أي التفكير في الأخلاقيات التي توجه خيارات الإنسان وتشكل أولوياته، في السياسة والحرب والاقتصاد معا، والذي لن يستقيم اليوم من دون أن يكون، في الوقت نفسه، تفكيرا في الأخلاقيات الكونية. وهو ما تحثّ عليه ولادة مجتمع إنساني عالمي، لم يلحظ معظمنا وجوده الحقيقي، أو لم نعر لوجوده أهمية كبيرة حتى الآن بسبب انشغالنا، وإشغالنا، بالحروب والنزاعات التي تكاد تحتل اليوم البند الأول في أجندة دول “وطنية” عديدة، و”فضيلة” كورونا، الوحيدة ربما، أنها سلّطت من أجلنا الضوء على نقص إنسانيتنا في وقتٍ بدونا فيه إنسانيين وبشرا، فيما وراء الاختلافات الثقافية والاجتماعية والقومية، كما لم نكن في أي حقبة سابقة.

(4)

بمقدار ما أظهر الوباء المستجد انسداد طريق التنمية الوطنية، مهما كان حجم الدولة القُطرية، وغياب سياسات التعاون والتضامن والتنسيق في القضايا الكبرى التي تمس جميع أبناء البشرية، أبرز أيضا، بشكلٍ لا سابق له، غياب القيادة العولمية التي تنظر إلى العالم ككل، وتبحث في اتساق حركته، وفي تنظيم أفعال مكوناته وعناصره، وتضع له جدول أعمالٍ يختلف بالضرورة عن جداول أعمال السياسات الوطنية الخاصة بكل دولة وقُطر. بل إن التنافس بين هذه الإدارات الوطنية المتعدّدة أصبح المصدر الرئيسي للفوضى التي يشهدها العالم اليوم، بما في ذلك بمناسبة التصدّي لجائحة كورونا الراهنة.

حاولت الولايات المتحدة، مستفيدة من قدراتها ومواردها الهائلة، أن تتنطع لهذه القيادة، وتحتل موقع السلطة العالمية، وتصوغ جدول أعمالها، وحدها تقريبا، في العقود القليلة الماضية. ولكن سرعان ما تحطمت أحلامها بعد فشلها الذريع في قيادة العالم نحو حقبةٍ أكثر سلمية وتضامنا وتعاونا، وهو ما كانت الأمم والشعوب تنتظره، بعد انتهاء الحرب الباردة، وتنظر إليه بمثابة فرصة للملمة صفوفها وتضميد جراحها، وتفعيل آليات التضامن التي كان من الممكن أن تمثلها منظمات الأمم المتحدة، لبناء عالم جديد يكرس الجزء الأكبر من موارده وإبداعات علمائه لتقليص الفوارق بين طبقات الأمم والمجتمعات، بدل الاستمرار في توظيفها في الحروب والنزاعات المتواصلة لفرض السيطرة أو الهيمنة العالمية، ولكن ما حصل كان العكس تماما، فقد أحبطت الدولة الأعظم تطلعات الشعوب نحو عصر من السلام والتعاون والازدهار عندما تعاملت مع سقوط جدار برلين أنه فرصة تاريخية لتحقيق أقصى ما يمكن من مصالحها الوطنية الخاصة أو مصالح زعمائها، وتصرّفت بوصفها الرابح الأكبر، وشرّعت للوحوش المفترسة الأصغر أن تحذو حذوها.

ولا يزال الشرق الأوسط يعيش العواقب المدمرة لمغامرتي أفغانستان والعراق اللتين حولتا المنطقة إلى خراب كامل، ومسرح للحروب والنزاعات المتعددة الأبعاد والأطراف، لعقود مقبلة عديدة. ولا يقل تهورا ارتداد الرئيس دونالد ترامب نحو سياسةٍ قوميةٍ متطرّفة تدفع العربة العالمية إلى التهور والسقوط في هوةٍ لن يمكن الخروج منها بسهولة. ولكن السبب في الحالتين ليس طيش ترامب، ولا انكفاء سلفه باراك أوباما وتخليه عن المسؤوليات العالمية، وإنما أبعد من ذلك بكثير، غياب منظومة فكرية وسياسية وأمنية متسقة ومتفاهم عليها، أي وجود قيادة عالمية بالمعنى الحقيقي للكلمة، تقوم على قبول الأطراف جميعا، بما فيها الدول الصغيرة المفتقرة للموارد، ومشاركتها في المسؤولية وبناء نظامٍ من الالتزامات الفعلية المتبادلة، تحل محل انتظام عالمي لا يزال قائما على القوة والتهديد بالقوة وعلى التحالفات العسكرية وصراع المحاور. وهذا هو نظام الهيمنة الذي يدفع إلى مزيدٍ من صدام المصالح والنزاعات الدموية، بمقدار ما يعمّق التفاوت في شروط الحياة الإنسانية، وتقاسم ثمرات التقدّم الحضاري، في عالمٍ لا تكفّ فيه المسافات والأزمنة عن التقلص، والتطلعات الإنسانية نحو المساواة والتحرّر عن الصعود. وهو النظام نفسه الذي حيد منظومة الأمم المتحدة التي راهنت المجتمعات الضعيفة عليها لإدخال قسط من الشرعية لإحلال لغة الشرعية والقانون محل لغة السلاح والقوة، وقوّض رسالتها الإنسانية التي جعلت الحفاظ على السلام والأمن العالميين، أي سلام وأمن جميع الشعوب بالتساوي، مبرّر وجودها نفسه. وكان من الطبيعي أن تتحول إلى ما يشبه المنظمة الخيرية التي تعنى بالشؤون الإنسانية والاجتماعية، وأن ينتزع موقع القيادة والقرار العالميين كارتيل السبع الكبرى، أو الـ”G7″.

قد ينجح العالم، هذه المرّة، ولو بتكاليف باهظة، في تجاوز أزمة وباء كورونا، وربما من دون القدرة على منع الفيروس من الاستيطان في بؤر كثيرة لا تملك وسائل إزالته. ولكن ليس هناك أي ضمانة كي لا نخسر الرهان في المستقبل أمام الجوائح الاقتصادية والبيئية والصحية والديمغرافية المتنامية، والتي تلوح في الأفق، إذا فشلنا في أخذ العبرة من التجربة الراهنة، ولم نستوعب أننا أصبحنا الآن كمن يركب سفينة واحدة، ويمخر عباب محيط هائج، ولكن من دون قبطان، أو بمتنطعين كثيرين يتنازعون على القيادة، ولا يملك أي واحد منهم خريطة طريق، أو هدفا واضحا يصلح كي يكون غاية مشتركة تتحد من حولها إلإرادات لتنتج إرادة واحدة.

والحال أن الإنسانية تملك اليوم الموارد والإمكانات التي تؤهل الجميع للعيش بكرامة وسلام، إذا عرفنا كيف نعيد تنظيم حياتنا، وتعديل سلوكنا وأساليب إدارتنا هذه الموارد وسياساتنا الاجتماعية والدولية وخياراتنا. وقدّمنا قيم التضامن والتعاون العالمي على الخضوع للقوانين العمياء لأسواق المال والأعمال، والشركات التجارية والمصارف والمنصّات الرقمية التي تتحكّم بها قوى لا أحد يسيطر عليها حتى الفاعلون أنفسهم، والتي لا غاية لها سوى تعظيم المكاسب الخاصة والأرباح، بصرف النظر عن النتائج المباشرة وغير المباشرة على الأفراد والمجتمعات. وإذا نجحنا في أن نضع لأنفسنا أي للمجتمع العالمي غايات موجهة تليق ببناء مدنية إنسانية جديدة، تسودها قيم وعلاقات التعاون والمودة والألفة والانسجام، وتنظم شؤونها فكرة العدالة التي هي اليوم أكثر ما نفتقر إليه في جميع القارّات. في هذه الحالة، ينبغي أن يشعر كل فرد وكل مجتمع بأن مصير المجتمع الآخر يعنيه، وأنه لا يستطيع أن يتركه لمصيره من دون أن يهدّد مصيره هو بالذات، وأن إرضاء الحاجات الأساسية لجميع سكان المعمورة سابق على مراكمة الأرباح والرساميل والسلع، وأن كلفة تحقيق السلام ربما تكون أقل بكثير من تكاليف الاستيطان في الحرب والإعداد الدائم لها.

هل ينجح الوباء الكوروني في أن يتحوّل إلى لحظةٍ مفصلية تهز قناعاتنا الثابتة، وتدفعنا إلى مراجعة أسلوب إدارتنا القديم للعالم، والذي أصبح ينتج من البؤس والإحباط والضغينة أضعاف ما ينتجه من السعادة والنشوة والفرح والازدهار، ويساعدنا على وضع الأمور في نصابها من جديد، أي العودة إلى السير على الأرض بأقدامنا، ورأسنا إلى الأعلى، لا السير على رؤوسنا والتفكير بأقدامنا، كما تفعل جميع جيوش العالم، أي أن نفكر كعالم واحد، بالفعل، لا عالم معولم بالقوة والغش والخداع؟

لا يوجد في نظري مبدأ آخر يمكن أن تبنى عليه إعادة النظر في النظام العالمي الراهن، أي في العولمة النيوليبرالية التي وضعت العالم في سفينة، ورمتها في بحر هائج، من دون قبطان، أو بأكثر من متنطع للقيادة، والسير في بناء نظام جديد يخرجنا من حالة التخبّط والعنف والفوضى وحروب التدمير المتبادل، غير مبدأ التضامن الإنساني الذي يمكنه وحده أن يغير من نظرتنا لأنفسنا وللحياة في المجتمع وللعلاقة مع الطبيعة ولمفهوم العمل والإنتاج والتقدّم والمدنية، ويدلنا على الطريق الصحيح لاستعادة إنسانيتنا المهدورة.

هل هذا حلم رومانسي. بالتأكيد، لكن الحلم الذي يملك أدوات تحقيقه يتحول إلى خيار واقعي، متى ما وجد من يؤمن به ويعمل من أجله. ولعل الجانب المضيء الوحيد في كارثة كورونا هو تذكيرنا بأنه لا خيار لنا سوى التعاون في مواجهة الكوارث المقبلة، لا محالة، في عالمنا الذي فقد وجهته وأضاع بوصلته، وأن الجهود المطلوبة للارتقاء بمستوى هذا التعاون تكاد لا تزن شيئا مقارنةً بتلك اللازمة لبث الذعر والهلع وكسر الإرادة المتبادل. أما البديل فهو من دون أدنى شك مزيد من التخبط والفوضى والأزمات والاختناقات والمواجهات الفاشلة.

باختصار، لن يغير وباء كورونا من سوء أحوالنا ما لم نغير نحن أنفسنا من أخلاقياتنا ونراجع خياراتنا.

العربي الجديد

——————————-

كورونا وتَحوُّل كل ما هو صلب إلى أثير/ مالك ونوس

عادةً ما تُبقي الطبقات المسيطرة مجتمعاتها هشةً ضعيفة أمام كلِّ تهديدٍ، لكي تجعلها تلجأ إليها وسط الأزمات، وتجعلها تقبل جميع الحلول التي تختارها لها، والموجِعةً في الغالب.

يحيلنا ظهور فايروس كورونا في الأشهر الأخيرة، وانتشاره وشلِّه العالم، وإظهاره هشاشة النظم التي اتبعتها البشرية في بناء حضارتها إلى الكاتب مارشال بيرمان وكتابه “كل ما هو صلب يتحول إلى أثير”، الذي وجد طريقه إلى العربية في طبعته الأولى باسم “حداثة التخلف” بترجمة فاضل جتكر. ومع (إقفال العالم)، يتثبت لنا، إن كل ما ظنت البشرية أنه صلبٌ صنعته يدها قد بدأ يتحول إلى أثير، بفعل فايروس لا تراه العين. وليس هذا فحسب، فمع ذوبان مآثرها وتبخُّرها، أو مآثر الطبقات المسيطرة فيها، ستستعين هذه الطبقات بالفايروس لتشقَّ طريقاً على جنَبتيه حواجزٌ عاليةٌ وسط بيئةٍ وصروحٍ كانت مزدهرةً فتدمِّرها، مستغلّةً هذه الأزمة لإشادة صروحٍ جديدة على أنقاض السابقة.

مع الحديث عن تفشِّي المرض في أغلب دول العالم بسرعةٍ قياسيةٍ، وعجز حكومات الدول المتقدِّمة والنامية، على السواء، عن مقاومة انتشاره، برز شكٌّ حول مدى صحة ما تدَّعيه الدول المتقدِّمة، حول جدارة أنظمتها الصحية، سواء خلال فترة الراحة أو الطوارئ. كذلك شكٌّ حول مدى صحة ادعائها باهتمامها بمواطنيها وحياتهم، عملاً بنظام مجتمع دولة الرفاه الذي تتبناه وتتباهى به أمام بقية المجتمعات، وهو ما أظهرت سرعة تفشي الفايروس القاتل فيها بطلانه. بل أظهر تفشي الفايروس والعجز أمام مواجهته مدى هشاشة المجتمع الإنساني برمته، بمَشيْداته وأنظمته الصحية والإدارية، والذي لم يقلل تقدّمه العلمي من هذه الهشاشة.

في هذه الأثناء، لن نُفاجَأ إذا استغلت الطبقات البرجوازية المسيطرة في المجتمعات المتقدمة هذا الظرف، لإحداث تغييرٍ في علاقات الإنتاج وأدواته، وبالتالي علاقات المجتمع، عملاً بتشخيص المفكر كارل ماركس الذي استعار بيرمان منه عنوان كتابه، حين قال إنه في ظل سعي تلك الطبقات للتغيير، تجرف معها كل شيءٍ قديمٍ، فنرى كل ما هو صلب ومقدَّس وقد صار يذوب في الهواء. وقد لمس بيرمان ذلك، حين حصل هذا الأمر في بيئة حي (ذا برونكس) في نيويورك الذي كان يقطنه، والتي دمرها الطريق الذي شُقَّ وسطها لخدمة بيئة أخرى. وفي الوقت الحالي، وفي ظل أزمة البشرية مع كورونا، ستكون هذه هي الفرصة المناسبة لتلك الطبقات لإحداث التغيير الذي قد يقوض قدرة المجتمعات على مقاومته، وبالتالي زيادة هشاشتها.

ومن أجل هذا المسعى، عادةً ما تُبقي الطبقات المسيطرة مجتمعاتها هشةً ضعيفة أمام كلِّ تهديدٍ، لكي تجعلها تلجأ إليها وسط الأزمات، وتجعلها تقبل جميع الحلول التي تختارها لها، والموجِعةً في الغالب. حدث ذلك حين فرضت إدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، “قانون باتريوت” بعد هجمات 11 سبتمبر، وتقبَّله الأميركيون على الرغم من تقويضه الحريات الشخصية والعامة، القانون الذي ما زالت تداعياته قائمة حتى الآن. ثم يعيد التاريخ نفسه من جهة استغلال الأزمات لدعم الشركات الكبرى، أساس النظام الرأسمالي؛ إذ مرَّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطة “تحفيز الاقتصاد الأميركي”، لمواجهة تبعات تفشي كورونا. وقضت بتخصيص ترليوني دولار لمنحها على شكل قروضٍ للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وذلك بعد أن أفشلها الديمقراطيون قبل ذلك لأنها لم تلحظ حماية حقوق ملايين العمال في هذه الشركات، ما يزيد من توحُّش الشركات الكبيرة ويعطيها الضوء الأخضر للانقضاض على هذه الحقوق، وذلك بغض النظر عن أن أحد بنود الخطة ينص على تقديم مساعدات مباشرة للأفراد الأميركيين.

وفي سياق تعزيز سيطرتها، وفي إطار التغيير، وفي الربع الأخير من القرن الماضي، جرى الترويج للنيوليبرالية، على أمل تغيير صورة البرجوازية المتوحشة. لكن تحول البرجوازية إلى نيوليبرالية لم يبعد صورة التوحش عن هذا النظام الذي غيَّرَ قواعد اللعبة فسلَّع حياة البشر، وأصبح يسرق، ليس جهدهم، فحسب، بل خصوصياتهم وذاكرتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُجرِّدهم من مشاعر التعاطف والتلاحم الحقيقية، مقابل إظهار تلك المشاعر افتراضياً، وبالتالي خداع الذات والآخرين. وفي غمرة النجاح الذي حققته المؤسسات صاحبة مواقع التواصل الاجتماعي، وقبلها محركات البحث الضخمة، لم نرها وقد خصصت جزءاً من مداخيلها الخيالية للكوارث أو البحوث الطبية، فهي غير معنية بهذا الأمر، حتى مع تفشي المرض القاتل.

وفي التوازي، في تلك الفترة، وعلى هامش الحرب الباردة التي كانت جارية بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كان هنالك دعاة سلامٍ، ينادون بوقف الحروب ووقف سباق التسلح بين المعسكرين وبنزع السلاح، خصوصاً النووي منه. كان خطاب هؤلاء يركِّز على انتقاد التوظيفات المالية الكبيرة في مجال صناعة السلاح، واستنزاف هذه الصناعة قدرات البشرية المادية والروحية، علاوةً على تحييد العقول عن العمل للصالح العام. كما كان يجري تشريح العقلية البشرية التدميرية التي تقف خلف هذه الصناعة وانتقادها على أمل تغييرها.

ولتدعيم خطابهم، الذي كان يُوصف يومها أنه خشبيٌّ، أجرى دعاة السلام مقارناتٍ كثيرةٍ بين تكاليف صناعة الأسلحة، وبين ما يُنفق على الصحة والتعليم. وكانوا يوردون أمثلة عن تكلفة الطائرة الحربية التي تكفي لبناء مشفى يتسع لمئة سرير، وتكلفة صاروخ عابر للقارات التي تكفي لبناء مدرسة حديثة. وكان الحديث يجري دائماً عن فتوحات العلم في كثير من المجالات الصناعية والعسكرية وتقصيره في المجال الطبي. وطبعاً كان التقصير متعمد، إذ ليس من المعقول لمن وجدت قدراته العلمية سبيلاً لإرسال مركبة فضائية لتحط على متن كوكب المريخ وتبدأ بإجراء بحوثها وإرسال نتائج البحوث إلى الأرض أولاً بأول، أن تعجز عن إيجاد علاج لمرض السرطان الخبيث، كما تعجز حالياً عن إيجاد لقاح أو مصل لعلاج كورونا.

وكما خلال كل أزمة مشابهة، ستخرج من أعلى المستويات نداءات لتغيير البشر سلوكهم، غير أن هذه النداءات لن تكون سوى لحصد أصوات الناخبين. وبعد انقضاء الأزمة سيعود السياسيون والشركات وصنّاع السلاح للتنافس على المكاسب والربح. وسيعود الخطاب الذي يدعو إلى إيلاء الصحة شيئاً من الاهتمام للظهور، وسيُتَّهم بالخشبية؛ إذ ليس من عادة الطبقات المسيطرة أن ترتدع عن استغلال البشر، وتحويل، حتى أحلامهم، إلى أثير.

————————————

كورونا سوريا:بروتوكول شرعي لدفن الموتى..والنظام يخشى المعتقلين

أعلن النظام السوري عن تسجيل أربع إصابات جديدة بفيروس كورونا ضمن المناطق التي يسيطر عليها ليرتفع عدد الإصابات المعلنة إلى 29 إصابة. وقالت وزارة صحة النظام أنه تم شفاء 5 إصابات.

بدوره أعلن وزير صحة النظام، نزار يازجي، عن تجهيز محجرين في دمشق هما فندق مطار دمشق الدولي وفندق “جهان بلازا” كما تم تأمين الإحتياجات اللازمة وتم وضع الأشخاص القادمين من الخارج ضمنها وتأمين الطعام والشراب لهم، حتى التأكد من سلامتهم وإعادتهم إلى ذويهم.

ولفت إلى ما أسماها حالات دخول غير شرعي عبر معابر غير نظامية مع دول الجوار يتم التعامل معها من قبل وزارة الداخلية وتنظيم الضبوط اللازمة بحقهم، ووضعهم في المحاجر وتأمين احتياجتهم من طعام وشراب، وفي حال تم التأكد من سلامتهم تتم إعادتهم إلى أهلهم.

وقال إنه تم أخذ الرأي من الجهات الشرعية لما تم إرساله من منظمة الصحة العالمية لآلية الدفن للمتوفي بفيروس كورونا، وتم تضمين هذه الإجراءات في البروتكول الذي سيتم توزيعه ووضعه على صفحة وزارة الصحة.

ونشرت صفحات موالية ما وصفته بأنه قرار إداري صادر عن المحامي العام الأول في دمشق ينص على استجواب المعتقلين لدى نظام الأسد في كل من “سجن عدرا المركزي” وسجن النساء بدمشق ضمن دور التوقيف التابعة لتلك المعتقلات، حسب وصفه.

وجاء ذلك للحيلولة دون احضار المعتقلين من تلك السجون والمعتقلات إلى “عدلية دمشق”، وسط العاصمة السورية، ويعزو ذلك للظروف الراهنة التي تتعلق بفيروس كورونا، الأمر الذي يرى مراقبون أنه يشير ألى وجود إصابات داخل تلك السجون التي تضم مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسراً.

ويتزامن القرار مع الحديث عن وجود عشرات الوفيات والمصابين بفيروس كورونا بين المعتقلين في سجن عدرا بدمشق الذي يعدّ من أكبر سجون النظام، وسط تفشي الوباء بين السجناء والمعتقلين، حسبما ورد في تسريبات أمنية تناقلتها وسائل إعلام محلية.

يأتي ذلك في وقت يتخوف نشطاء محليون من استغلال النظام لتفشي المرض بتصفية المعتقلين.

في غضون ذلك أعلن مدير عام مؤسسة الطيران المدني التابعة للنظام، باسم منصور، عن طائرة صينية محملة بالتجهيزات الطبية التي تخدم التصدي والعلاج لفيروس كورونا، ستهبط الأربعاء في مطار دمشق الدولي.

وأشار الى “الإستمرار برحلات الإسعاف الجوية ورحلات منظمة الصحة العالمية أو الرحلات المعنية بنقل المعونات، مع إستمرار عبور الطائرات فوق الأجواء السورية، والسماح بعمليات الهبوط الاضطراري، مع امكانية الهبوط للحصول على الخدمات أو تزويدها بالوقود دون نزول الركاب، بما يعود بالقطع الأجنبي على الخزينة العامة للدولة”.

———————————

 «الصحة العالمية» مدعوة لتدارك {كارثة} في إدلب/ فتح الرحمن يوسف

البحرة لـ«الشرق الأوسط»: الكثافة السكانية مقلقة في حال اخترقها «كورونا»

أهابت هيئة التفاوض السورية بمنظمة الصحة العالمية، بما يتوجب عليها وبأسرع وقت ممكن، لدعم جهود «وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة» ومنظمات المجتمع المدني، تحسباً لحدوث أي إصابات، وأيضاً لاتخاذ الإجراءات الصحية الوقائية للحد من خطر دخول الجائحة لمنطقة إدلب، بسبب شح المرافق الصحية بعد أن قصف معظمها بالغارات الجوية منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وإلى تاريخ الهجمة الشرسة الأخيرة، لكن ما زال هناك حوالي 940 ألف نازح لم يتمكنوا من العودة بانتظار معرفة ما آلت إليه قراهم ومدنهم.

وقال هادي البحرة، رئيس وفد «هيئة التفاوض السوري المعارضة» في «اللجنة الدستورية السورية»، لـ«الشرق الأوسط» إن «أكبر الخسائر التي تكبدها الشعب السوري هو رحيل ما يقارب 70 في المائة من الكوادر الطبية إلى خارج سوريا، في وقت تتسم فيه مناطق إدلب بكثافة سكانية مرتفعة، وسكانها يعيشون ظروفاً معيشية قاسية، ما ينذر بكارثة صحية في حال دخلت الجائحة هذه المناطق».

وبين البحرة أن سكان المنطقة حتى تاريخه لم يسجلوا أي حالة إصابة بالفيروس في شمال غربي سوريا، أي بما فيها محافظة إدلب، مشيراً إلى أن كل الحالات التي كان مشتبهاً بإصابتها، ظهرت نتائج الفحوص المخبرية الخاصة بها وكانت جميعها سلبية، ولكن الوضع خطير في تلك المناطق بسبب تردي وندرة الرعاية والمراكز الصحية.

وتابع بقوله: «بعد البرتوكول الذي وقع بين روسيا وتركيا، تحسن الوضع الأمني نسبياً، مما أتاح لحوالي 32 ألف نازح العودة إلى أماكن سكنهم الأصلية، لكن ما زال هناك حوالي 940 ألف نازح لم يتمكنوا من العودة بانتظار معرفة ما آلت إليه قراهم ومدنهم. فجميعهم لا يقبلون العودة إلى مناطق تحت سيطرة النظام. المأساة الكبرى هي أوضاع المعتقلين في المعتقلات السرية وغير المعلنة لدى النظام، كما في سجونه الرسمية».

ونوه البحرة، إلى أن عدد المعتقلين والمغيبين قسراً يقارب 200 ألف معتقل ومعتقلة، حيث يعيشون اعتقالهم في ظروف لا إنسانية، مبيناً أن هناك اكتظاظاً بالسجون وزنزانات عديمة التهوية، وفي بيئة غير نظيفة، ما يعني أن «دخول الفيروس إليهم سيحدث كارثة، مبدياً تخوفه من استغلال النظام لهذه الأوضاع وقتل المعتقلين عمداً باستخدام الفيروس».

وأضاف: «لذلك نهيب بجميع الدول ومنظمات حقوق الإنسان والحقوقية والأمم المتحدة بتكثيف ضغوطها وعملها على داعمي النظام للإفراج عن المعتقلين الأبرياء، بدءاً بالأطفال والنساء والشيوخ والحالات المرضية التي تحتاج للعلاج، ولا يغيب عنا أيضاً ما يصلنا من تقارير مقلقة عن وضع السوريين في السجون اللبنانية ولا سيما سجن روميه، الذي يقضي فيه أكثر من ألف سوري أحكامهم أو ينتظرون محاكماتهم».

وأوضح البحرة، أن ظروف الاحتجاز غير صحية، والإجراءات الوقائية شبه معدومة، ومعظم المساجين من المحكومين لمخالفات في الإقامة أو بسبب التعثر المالي، «لذلك نهيب بالحكومة اللبنانية وبمجلس النواب ضرورة البت بإصدار قانون عفو عام عن هؤلاء، وعن كل الحالات التي تجيز القوانين المرعية صدور عفو عنها».

وقال البحرة: «هناك تقريران صدرا مؤخراً: الأول داخلي من قبل مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي كشف أن المرافق الطبية تم استهدافها عن قصد من قبل النظام، (وبكل أسف هذا التقرير قيمته سياسية وليست قانونية). أما التقرير الثاني الذي صدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فقد كان حاسماً في نتائجه، وبات انتهاك النظام لقراري مجلس الأمن 2249 و2118، مثبتاً».

وأضاف: «نص القرار 2118 (2013) في المادة 21 منه بشكل واضح على أنه في حال انتهاك القرار فيتوجب محاسبة المسؤولين واتخاذ إجراءات تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، (لم يعد للعالم عذر للتغاضي عن جريمة الحرب هذه)، فإن استخدام السلاح الكيميائي أودى بحياة المئات من الأطفال والنساء والرجال المدنيين العزل، فإن تغافل المجتمع الدولي عن استخدام السلاح الكيميائي المحظور، فذلك سيعد سابقة تؤدي إلى استخدامه من قبل المزيد من الدول المارقة».

——————————

مديح السيادة: ثقافة مجتمعات الضرورة/ محمد سامي الكيال

كتب المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما مقالاً يناقش فيه التبعات السياسية لانتشار فيروس «كورونا»، مؤكداً على فكرة أساسية: لم يعد تصنيف الأنظمة السياسية إلى ديمقراطية أو سلطوية مركزياً في ظرفنا الحالي، الأساس هو مدى قدرة السلطة التنفيذية على اكتساب ثقة المواطنين، بإجراءاتها في مواجهة الأزمة. وهو ما نجحت به ألمانيا ذات النظام الديمقراطي، والصين بحكمها السلطوي، وفشلت فيه الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب.

لا يتسرّع فوكوياما بإطلاق أحكام نهائية حول فعالية الديمقراطية، ولكنه ينقل السؤال إلى مستوىً آخر، فبعد سنوات من التنظير لانتصار الديمقراطية الليبرالية على الصعيد العالمي، بوصفها أفضل الأنظمة الممكنة وأكثرها عقلانية، يصبح سؤال الديمقراطية ثانوياً، ليس أمام تحدي التطرفات، وأشكال الاعتراف غير العقلانية، التي حذّر منها فوكوياما سابقاً، بل أمام ضرورات حاسمة ذات طابع حيوي، أي البقاء بمستواه الأولي، وما يرتبط به من حد أدنى من استمرار التنظيم الاجتماعي والاقتصادي.

تبدو «الضرورة» بهذا المعنى الكلمة المفتاحية في أيامنا، وفي المجتمعات التي تعيش تحت ضغط الضرورة، يصبح حتى أكثر المفكرين تفاؤلاً بالليبرالية، وضماناتها القانونية والسياسية، مبشراً بأولوية السيادة، التي تمثلها السلطة التنفيذية، على الديمقراطية بحيوية مجتمعها المدني وحيزها العام، وارتباطها بآليات السلطتين التشريعية والقضائية. يذكّر هذا بقوة بآراء المفكر والفقيه القانوني الألماني كارل شميت، عن عبثية الادعاء الليبرالي حول فصل السلطات، ففي مستوى السياسي تبقى السيادة هي العامل الأكثر حسماً.

إلى جانب ذلك تصبح الثقافة نفسها في مجتمعات الضرورة أمراً عبثياً، فالقيم التي تحملها لغاتنا ومفاهيمنا ومنتجاتنا الفكرية والفنية، والتي ينبني عليها وجودنا الاجتماعي والسياسي في الحيز العام خصوصاً، لا تعود إلا مجرد وهم أمام هشاشة الوجود الإنساني، في عهد الكوارث والأوبئة. تسود اليوم، بشكل أكثر من المعتاد، خطابات ذمّ المجتمعات الإنسانية، ودعوتها إلى التواضع أمام الطبيعة. ورغم علاقة الطبيعة لدى كثيرين بتصورات عن التوازن أو الجمال أو الفطرية، فإنها أيضاً المجال الأساسي للضرورة القاسية. وهذا يطرح تساؤلاً حول ارتباط دعوات التواضع للطبيعة بمديح السيادة، المتمثلة بجهاز غير طبيعي على الإطلاق هو الدولة، هل العيش تحت الضرورات القاسية للبقاء يترك مجالاً لقيم اجتماعية وثقافية جداً مثل الحرية؟

سيادة الضرورة

ترتبط دعوات التواضع عادةً بنقد الجشع الإنساني المدمر للطبيعة، هذه النقد يوجه أساساً إلى البلدان الغربية المتقدمة، التي تعيش طبقات معينة فيها مستويات مرتفعة من الرفاه الاستهلاكي. ولكن الميل للاستهلاك لم يعد يأتي أساساً من تلك البلدان، بل من ازدياد أعداد الطبقة الوسطى في بلدان نامية مثل الصين والهند والبرازيل. خروج فئات كثيرة من الفقر المدقع، ورغبتها برفع مستوى حياتها، يبدو التمثيل الأبرز للجشع البشري في أيامنا.

الحديث عن نظام أكثر توازناً وتواضعاً، قد يكون بهذا المعنى دعوةً لإيقاف عمليات الحضرنة، المرتبطة بفترات الازدهار والنمو الاقتصادي. وبالتالي فـ»التواضع» قد لا يكون أخلاقياً للدرجة التي يظنها أنصاره، بل ربما يكون ميزة طبقية مقتصرة على من يستطيعون تحمّل هذا النمط من الرفاهية الأخلاقوية. الاحتفاء بتوقف الإنتاج والنمو الاقتصادي المتعثر أصلاً، قد يكون مفيداً لأغراض تداول صور الحيوانات البرية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه مأساة كبرى لعشرات الآلاف ممن سيفقدون وظائفهم ويخسرون استقرار حياتهم الهشة.

صفة الجشع هنا قد لا تكون أكثر من حكم أخلاقي متعالٍ على الرغبة الإنسانية، التي يجب، حسب هذا المنظور، أن تُقلص لمستوى ضرورات البقاء العاري. ولكن الرغبة بالبقاء والاستمرار نفسها، أكثر تعقيداً من هذا، يُنتج البشر بفضل رغبتهم أنماطاً متعددة من المنتجات المادية وغير المادية، ومنها القيم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية، التي لا معنى للديمقراطية أو التحرر دونها، حيث تسود الضرورة، أي في المجتمعات التي تعاني من الفقر والأوبئة والتخلف، يصعب الحديث عن تميّز أخلاقي، وليس صدفة أن تكون السيادة فيها بأشد أشكالها ضراوة.

من العبث الحديث عن أي تغير إيجابي نتيجة تعاظم سيادة الدول، في حال الضرورة الذي نعيشه. لن يؤدي هذا لأي تطور في الوعي أو معالجة اختلال المنظومة العالمية، البشر المذعورن أميل لتقبّل أي شكل من الاختلال والظلم الاجتماعي، إذا طُرح بوصفه ضرورة لا غنى عنها للبقاء. وكل الأنظمة القمعية تاريخياً بررت ممارساتها بضرورات معينة، خاصة الحفاظ على بقاء المجموعة في مواجهة عدو ما، وحدها القيم الثقافية والاجتماعية، المتداولة عبر لغة البشر بحد أدنى من الحرية، يمكن أن تنتج مقاومة فاعلة ضد الاختلال الذي قد تفرضه السيادة. بهذا المعنى فالمشكلة ليست في جشع البشر، بل في عدم قدرتهم على إطلاق رغباتهم للسيطرة على مفردات العالم الذي ينتجونه يومياً: السلع المادية والقيم الثقافية والعلاقات الاجتماعية.

الثقافة بوصفها عدوى

بالنسبة لسلافوي جيجيك فإن الضرورة التي فرضها الوباء، والتي جعلت عالمنا يتوقف عن الدوران، وأدت لتغيرات عميقة على حياتنا اليومية، تجعلنا على أعتاب ثورة فلسفية، أي ثورة في وعينا لذاتنا وعالمنا. قد يكون العقل- الروح الإنساني Der Geist، بحسب جيجيك، شبيهاً بطفيلي يستوطن أجساد البشر، يدفعهم للتكاثر ويهددهم بالفناء. الدماغ البشري أيضاً ليس أكثر من عضو مصاب بآلاف «الميمات» Memes، حسب مصطلح عالم البيولوجيا التطورية ريتشارد دوكينز، أي الرموز والأفكار والقيم والمعتقدات، التي تنتقل من دماغ إلى آخر بفضل اللغة والكتابة والخطابة وغيرها من أساليب التواصل. «فيروسات الدماغ» هذه، التي لها وجود فيزيائي، وليس رمزيا فقط، تشبه العدوى. وهنالك صراع بين عدوى خبيثة وأخرى حميدة. بالنسبة للأديب الروسي ليف تولستوي مثلاً، فالمسيحية نفسها مجرد عدوى، ولكن عدوى إيجابية. يخلص جيجيك إلى أن الدرس الذي يقدمه لنا كورونا، هو أن البشر أقل سيادة بكثير مما يتخيلون، ينقلون الأفكار التي يصابون بعدواها، ويتكلمون بدون أن يعرفوا ماذا يقولون، وسيختفون يوماً، كما يبدو، عن سطح الأرض. وعليهم تقبّل هذه الحقائق بدون الإصابة بالجنون.

هذه النظرة، التي تبدو شديدة السوداوية، تُسهم في شرح وجهة نظر جيجيك عن الأيديولوجيا، وقد يكون كورونا، كما كتب في مقالة سابقة، يحمل فرصة ما لنشر عدوى أيديولوجية حميدة، تساعدنا على خلق عالم أكثر تواضعاً، ولكن أكثر توازناً. إلا أن تقليص البشر إلى مجرد كائنات قابلة للعدوى، واعتبار اللغة، بكل قدراتها التواصلية، مجرد قواعد يجب تعلمها، تنقل معها العدوى الثقافية، يغفل جانباً أساسياً في الثقافة الإنسانية: البشر ليسوا مجرد متلقين سلبيين لـ»الميمات»، بل هم يصنعون مجتمعاتهم وتواريخهم، حتى لو كانت تقاليد الأجيال السابقة تثقل على أذهانهم كالكابوس، حسب تعبير ماركس الشهير.

رغبة البشر وقدرتهم على التواصل تمكّنهم من صياغة تركيبات وبناء عوالم جديدة، ولذلك فقد يملكون إمكانية لانتزاع السيادة أكثر مما يظن جيجيك، أو قادرون على الأقل على مقاومة الاختلال في السيادة القائمة. وفي هذا المجال لن تنفعهم الدعوة للتواضع كثيراً.

زلّة أغامبين

اشتُهرت المقالة التي كتبها الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين حول إجراءات العزل، التي اتخذتها الحكومة الإيطالية، وقوبلت بانتقادات شديدة، بالنسبة لكثيرين فإن غامبين لم يفهم الضرورات التي فرضها انتشار كورونا، ولم ير فيها أكثر من محاولة السلطة الحيوية لتطبيع حالة الاستثناء. باختصار المقالة لا تبدو إلا زلّة مفكر كبير، متمسك بطروحاته القديمة في عزلة تامة عن الوقائع. وعلى الرغم من أن مقالة أغامبين المذكورة قد تكون أغفلت بالفعل الضرورات الصحية في إيطاليا، إلا أن هذه الزلة تليق فعلاً بمفكر بأهميته، ما أراد أغامبين قوله، وأكّده في مقالة ثانية نُشرت في ما بعد، إن مجتمعات تعيش فقط تحت ضرورات البقاء لا تفقد فقط ضماناتها السياسية والقانونية، بل تخسر أيضاً قيمها الإنسانية والعاطفية، أي كل ما توفره الثقافة الاجتماعية من إمكانيات في مواجهة السيادة، فيصبح ممكناً رد البشر إلى وضعية «الحياة العارية». وهي ليست مجرد حالة بيولوجية طبيعية، بل ما يبقى من الحياة الإنسانية بعد أن تستبعدها السلطة من كل حماية قانونية.

لا يمكن بالتأكيد تجاهل الضرورات التي يفرضها الوباء، كما أن السلطات الديمقراطية لا تعتبر الكوارث دوماً مجرد فرصة لتصليب سيادتها، النموذج الألماني في التعامل مع الأزمة مثلاً، أثبت جدارته العملية وحفاظه على الحد الأدنى من حقوق المواطنين في الآن ذاته، وهذا دليل على أن احترام القيم الدستورية لا يقل أهمية عن السيادة، في مواجهة الأحداث الاستثنائية. رغم كل هذا فربما نكون بحاجة دوماً لزلّات جميلة على طريقة أغامبين، تذكرنا أن الضرورة ليست المجال الأفضل لاكتساب الوعي، أو إنجاز التغيير، وأن السيادة تتغول عندما نقبل طوعاً التخلي عن قيمنا الديمقراطية.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

—————————

«كورونا»: الخطوة التالية/ فايز سارة

لعله من الضرورة، ألا تغيب عن البال حقيقة، أن فيروس كورونا، انطلق من مدينة ووهان الصينية، ذلك أمر مهم، وخاصة عند رجال الساسة وقادة الرأي والمتابعين الذين يقاربون أو يتحدثون عن الفيروس وما يسببه من آثار مدمرة، وعما يبذله المجتمع الدولي من جهود هدفها إلحاق الهزيمة بالفيروس، ولعل من المهم تأكيد، أن الإصرار على تذكر المعلومة، لا يرتبط بما يرد من أحاديث واتهامات لا معنى لها عن خطأ أو دور صيني أو حرب يشهدها العالم، تتواصل إحدى جولاتها باستخدام الفيروس، وهي تقولات، أعتقد أنها أقل من أن تناقش، ولهذا فإن استذكار المعلومة، يبدو مهماً من ناحيتين، أولهما فكرة انتشار الفيروس من مدينة ووهان إلى بقية أنحاء العالم، والثانية التدقيق في سياسات الدول وأشكال تعاملها مع الفيروس، والأمر في الحالتين لا يتصل بما حصل في الماضي فقط، وإنما بما يرتبط باحتمالات ما سيحصل.

لقد أظهر الانتشار السريع والواسع للفيروس – رغم ما تم من إجراءات واحتياطات – هشاشة جدران العزلة في عالمنا المعاصر، وأكد أن الدول بما لديها من مؤسسات وأجهزة وإمكانيات مادية وقدرات علمية، وما عندها من سياسات، لا توفر قدرات كافية ومناسبة للتصدي لجائحات عامة مثل «كورونا»، الذي وضع العالم على بوابة كارثة إنسانية، تفاوتت قدرات الدول واختلفت في مسارات التعامل معها، في وقت كان فيه من المطلوب تنسيق القدرات ومسارات العمل من أجل هدف، تتفق أغلب الدول على قول، إنه هدف مشترك.

غير أن تحقيق التشاركية الدولية في مواجهة «كورونا» كان أمراً صعباً، ليس بسبب اختلاف أنظمة الدول، والأسس التي تقوم عليها سياساتها فقط، بل لأن الأمر كان جديداً، وأجزم، أن التوقعات بصدده، كانت أقل مما صار، وهذه جميعها، تندرج في عداد الدوافع نحو تشاركية دولية في مواجهة الجائحة، التي تنوعت أنماط مواجهتها في الأشهر الماضية، لكن يمكن ترتيبها في أربعة:

النمط الأول، يجسده النمط الصيني، وهو مثال لنمط الدولة الأمنية المتقدمة علمياً، وتتمتع بقدرات كبيرة، وقد تكتم نظامها في البداية إلى حد ما عاد بالإمكان تجاهل الفيروس أو إنكاره بعد سيطرته على ووهان، فكشف بعضاً مما يحيط بالجائحة، وأغلق المدينة، وعمم في أنحاء مختلفة من الصين أنماطاً متشددة للحماية والمعالجة، بحيث أمكن وضع الفيروس تحت السيطرة، كما قالت الحكومة الصينية، ولو أن هذا القول تحيطه شكوك كثيرة.

النمط الثاني، تمثله الدول الديمقراطية الغربية، وغالبيتها دول متقدمة وبينها مستويات من العلاقات، وتملك قدرات كبيرة جداً، وقد اتبعت نمطاً مفتوحاً في التعامل مع الجائحة، معتمدة على وعي ومسؤولية شعوبها إلى جانب قيامها بالمراقبة والمتابعة، لكنه ومع الافتراق في نتائج تلك السياسات إلى حالتين: الحالة الإيطالية، وقريب منها الإسبانية والفرنسية والأميركية، التي تزايد فيها انتشار الفيروس، وزادت معه أعداد المصابين والأموات، وتصاعدت فيها سياسات الحجز والتشدد. والحالة البريطانية، والتي تقاربها السويد وأغلب دول الشمال الأوروبي، وقد اتبعت معاً سياسات أقل تشدداً، وسط آمال في إصابات محدودة، وأعداد موتى أقل.

النمط الثالث، وهو نمط هجين، يستمد أساسه من نمط الصين – الأمني، ويسعى في الظاهر لتمثل النمط الديمقراطي الغربي، وتعتمده أغلب دول العالم، لكن مع تمايزات بين دوله، التي لا تستند فقط إلى تمايزها في تغليب «الأمني» أو «الديمقراطي»، بل إلى شبكة علاقات إقليمية – دولية، وإلى ظروف وشروط محلية متعددة، وكلها عوامل تجعل من تعامل هذه الدول مع «كورونا» محاطاً بالالتباس والاختلاط في السياسات والممارسات.

النمط الرابع: والذي تمثله أكثر الأنظمة تردياً في العالم، وأغلبها موصوف بأنه «نظام ديكتاتوري – دموي»، غارق في الفساد وسوء الإدارة، ويخضع لعقوبات دولية، وبعضها ينخرط في صراعات إقليمية وسباق تسلح، وآخر يعيش حروباً مدمرة، وكلها جعلت السياسة الأمنية الأساس الذي يحكم تعاملها مع الجائحة، مما جعلها تنكر وجودها، ولا تفرض أي إجراءات احترازية تجنباً لتكلفتها، وعندما تعترف بوصول الجائحة، تضعها في أدنى حدود الاهتمام، وتزعم أنها تحت السيطرة، وأن سياسة الحكومة فعالة، وأن المنظومة الصحية تعمل بكل كفاءة، رغم ما هو معروف عن تلك الدول من غرق في المشاكل وتدهور في أوضاعها، وبؤس منظوماتها وخاصة الصحية منها، وللحق فإن الإنكار والكذب والادعاءات، تمثل السياق الذي تسير عليه سياسات هذه الدول في تعاملها العام ومع «كورونا» بشكل خاص.

لقد تجنبت الحكومة الكورية الشمالية الإفصاح ولو عن إصابة واحدة، وهي التي ترتبط من زوايا مختلفة بأكبر بؤرتين لـ«كورونا» في القارة الآسيوية هما الصين وكوريا الجنوبية، ومنعت جمهورية تركمانستان السوفياتية السابقة، تداول واستخدام كلمة «فيروس كورونا»، وأنكرت الحكومة السورية وصول «كورونا» قبل أن تعترف بوجودها المحدود، وما زال القول الرسمي في لبنان والعراق عند الحد الأدنى من الاعتراف بوجود الجائحة، رغم ارتباط البلدين إلى جانب سوريا بشكل وثيق مع إيران، التي تشكل بؤرة «كورونا» الرئيسية وصاحبة أعلى رقم في الإصابات وحالات الموت بسببه في الشرق الأوسط بعد إنكار ومراوغة وكذب.

وأدت الأنماط الأربعة في تعاملها مع الجائحة إلى نتائج مختلفة، راوحت بين مواجهة حادة مع الجائحة، كما في النمط الصيني، وكذب مع إهمال متعمد مع الجائحة من جانب أنظمة الاستبداد الدموي، التي لن يكون مستغرباً منها استعمال وجود «كورونا» وآثارها سلاحاً لمفاوضات مع الآخرين، وهو وضع لا يمكن استمراره ولا القبول به، خاصة في ظل أمرين أولهما تصاعد تهديدات الجائحة، التي صارت حاضرة في كل دول العالم تقريباً، وأصابت أكثر من مليون وربع مليون شخص، وأدت إلى وفاة أكثر من سبعين ألفاً غيرهم، إضافة إلى ما تركته من آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة، والثاني تصاعد التضامن والتآزر الإنساني والدعوات لتشارك دولي في مواجهة الجائحة ومعالجة آثارها.

ويضع ما سبق من وقائع ومعطيات المجتمع الدولي أمام ضرورة الوحدة أو التنسيق الفعال في الحد الأدنى لمواجهة «كورونا»، وسيكون من الممكن للأطراف الدولية الرئيسية ممثلة بالصين والولايات المتحدة ومعها الدول الغربية وفقاً لوعي ومسؤولية كل منها، وحجم معاناتها، والتهديدات الماثلة، أن تبلور سياسات مشتركة وجهوداً منسقة تواجه فيها الجائحة، ويمكن أن تنضم لهذه الجهود معظم دول النمط الثالث مثل بلدان جنوب شرقي آسيا وبلدان الخليج العربية وأميركا اللاتينية، مما يعني توافق الأكثرية الدولية في خط واحد، لن يخرج عنه إلا قليل من دول النمط الرابع، وبخاصة كوريا وإيران، والسائرين في فلك الأخيرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن الذين سيجدون ألف سبب وسبب للهروب من أي تعاون يتطلب التزامات علنية واضحة، حتى لو تعلق الأمر بالحفاظ على حياة سكان تلك البلدان وحمايتهم من الأخطار.

إن الطريق إلى الخطوة التالية، يبدأ بمفاوضات بجدول زمني، وإذا تعثر، فينبغي الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات بسياسات وإجراءات أممية ملزمة في مواجهة الجائحة، وإن خطر لطرف ما تعطيل مثل هذه الجهود ونجح، فإنه ليس أمام المجتمع الدولي من طريق سوى تحالف خارج مجلس الأمن، ليس من أجل خطة دولية في مواجهة الجائحة فقط، بل لمواجهة أنظمة مارقة، اعتادت التعيش على آلام الشعوب بما فيها شعوبها، وعملت بعض القوى الكبرى على حمايتها من أجل مصالح ذاتية وأنانية.

الشرق الأوسط

—————————

ضيّعت بيتاً في سوريا ولا أريد أن أضيّع آخرفي بريطانيا

يقول اللاجئ “رأيت بريطانيا تصارع، ففكرت بأن عليّ أن أفعل شيئاً ما”

زوي تيدمان

لم يشتغل حسان عقاد، 32 سنة، من قبل في مستشفى، فهو كان مدرّساً للإنجليزية في سوريا، ويعمل معداً للبرامج الوثائقية في بريطانيا منذ تقديمه طلب لجوء فيها قبل سنوات.

لكن تغير كل شيء بالنسبة له حين راح فيروس كورونا يتفشى وأعداد المصابين به تكبر، إذ قرر أن يعمل منظفاً بمستشفى في شرق لندن. وقال لصحيفة “اندبندنت” عن تجربته، “شعرت أن عليّ أن أقوم بشيء ما… حين كنت في أوضاع مماثلة سابقاً نتة ، قمت بفعل ما”.

هكذا سجل اسمه للالتحاق بـ “مشروع خدمة الصحة الوطنية التطوعي”، ولمّا لم يأته رد بدأ يبحث عن وظائف أخرى، فوجد أن المستشفى المحلي حيث يقطن يعاني من نقص في عدد المنظفين.

وذكر حسان أن “الأخبار الرهيبة التي كنا نسمعها عن إصابة الممرضين والأطباء في الخطوط الأمامية، بالمرض، حفزتني كي أؤدي هذه الوظيفة، لأني أعرف أن التعقيم والتنظيف يساعدان”. وأضاف “كنت أسمع قصصاً عن متطوعين يقومون بأشياء مدهشة. أردت أن أكون جزءاً من حركة تسعى إلى إنقاذ بريطانيا خلال أسوأ أزمة تمر بها منذ الحرب العالمية الثانية”.

تجدر الإشارة إلى أن حسان هو في الأصل من دمشق حيث اشتغل مدرساً. وحين بدأت الثورة هناك، أخذ يخرج في تظاهرات سلمية ويعمل على توثيقها لمشاركتها مع العالم. وقال “أدى نشاطي إلى اعتقالي وتعذيبي مرتين، وأخيراً كان عليّ أن أرحل”.

استغرقت رحلته أشهراً عدة عبر أوروبا في ذروة أزمة اللاجئين عام 2015، وخلالها صوّر عقاد كل شيء. وعُرض ما صوره في برنامج “إيكسودِس” (النزوح الجماعي) الوثائقي الذي على شاشة تلفزيون تابع لـ “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) تحت عنوان “رحلتنا إلى أوروبا”. وحصل على عدد من الجوائز بينها جائزتا بافتا وأيمي.

يعيش حسان منذ سنوات في المملكة المتحدة، وقد أعد برامج وثائقية، ويساعد في جمع التبرعات لجمعيات خيرية تساعد اللاجئين. بيد أنه أراد أن يفعل شيئاً آخر خلال تفشي فيروس كورونا الذي أصابت عدواه ما يزيد على 78 ألف شخصاً وأدت إلى وفاة 10 آلاف مريض في المستشفيات البريطانية حتى وقت كتابة هذا التقرير. وقال لـ “إندبندنت” مبيناً، “رأيت بريطانيا تصارع، ففكرت بأن عليّ أن أفعل شيئاً ما”.

وأضاف “بريطانيا هي الآن بيتي. لقد فقدت سلفاً بيتي في سوريا، ولا أريد أن أفقد بيتاً آخر”.

وقد بدأ أخيراً يعمل بالتنظيف في “مستشفى ويبس كروس” بلندن، حيث يدوام خمسة أيام في الأسبوع، يبدأ كل منها في السابعة صباحاً بتعقيم الأجنحة.

يُذكر أن منشوراً له على “تويتر” يبدو فيه ببزته وقفازاته وخوذته الواقية قد حظي بآلاف من إشارات الإعجاب. واللافت أنه وجّه تحت المنشور دعوة للجميع لتقديم التبرعات للمستشفى الذي ينظفه، لا سيما أنه يحتاج للمساعدة على مواجهة الأزمة.

واللافت أنه حثّ الجميع على المساهمة في حملة تبرعات فيروس كورونا التي أطلقها المستشفى الذي ينظفه، لا سيما أنه يحتاج للمساعدة على مواجهة الأزمة، كما دعا إلى تقديم الدعم لحملة تبرعات لإعانة مخيمات اللاجئين على دفع خطر الفيروس عنهم.

وأكد حسان أنه ليس بطلاً، وذلك على الرغم من سيل الردود التي تلقاها عبر الوسائط الاجتماعية. وأضاف “أنا مجرد شخص لا على التعيين أراد أن يفعل شيئاً… يسرني أن بوسعي أن أقدم بعض المساعدة”. وقال إنه يعمل في الجناح نفسه إلى جانب أشخاص بينهم حملة 20 جنسية أجنبية، ومنهم الكيني والنيجري والإسباني والبولوني والبريطاني. وتابع “نحن من مناطق العالم المختلفة ونعمل معاً على مكافحة هذه الجائحة”.

وتابع “وها نحن الآن نرى فرق العمل التابعة لخدمة الصحة الوطنية وسائقي الباصات والعاملين الأساسيين الآخرين، يشتغلون على مدار الساعة لمحاربة هذه الجائحة… ينبغي ببريطانيا أن تعيد النظر في مشكلتها مع الهجرة، بعد هذه التجربة”.

في غضون ذلك، تُظهر الأرقام الأخيرة الصادرة عن الحكومة أن  حوالى 153 ألف موظف يمثلون 13 في المئة من مجموع العاملين لدى خدمة الصحة الوطنية، يقولون إنهم من حملة جنسيات أجنبية. وتعمل المملكة المتحدة على تغيير طرق قبول اللاجئين الراغبين بالإقامة والعمل فيها، وذلك بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مع وجود خطط لتطبيق نظام شبيه بالأسترالي الذي يقوم على النقاط، وصفته الحكومة بأنه “يعطي الأولوية للمهارات التي يتمتع بها طالب الهجرة”.

عن ذلك، قال حسان “أؤيد مساعي الحكومة لوضع سياسة للهجرة تتسم بالحكمة، غير أننا بحاجة لإجراء نقاش على المستوى الوطني لأنه إذا تعلمنا شيئاً من هذه الجائحة فهو متى نفتح قلوبنا وأيدينا للترحيب بالمهاجرين واللاجئين، فذلك ترحيب لن يضيع سُدى”.

© The Independent

————————————

رفوف المطابخ السورية في مواجهة كورونا/ قاسم البصري

في الوقت الذي أعلنت فيه كثيرٌ من دول العالم عن تعطيل الحياة العامة جزئياً أو كلياً لتفادي الانتشار السريع لوباء كورونا، عمّت مشاهد الإقبال الكثيف على محلات بيع المواد الغذائية حول العالم، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بكثيرٍ من صور الرفوف الفارغة، حيث سارع عشرات ملايين البشر إلى تخزين الاحتياجات الضرورية للبقاء في المنزل، وفي أعلى هرم هذه الاحتياجات كانت المواد الغذائية. وقد ركّز المستهلكون في دولٍ أوروبيةٍ عديدة على المعكرونة والرز والطحين والسكر والمناديل الورقية، حتّى بدا أنّ الأسواق قد تخلو في أوقاتٍ لاحقةٍ من هذه المواد.

ليس الأمر كذلك في سوريا، وباستثناء صور التزاحم الشديد على شراء الخبز، لم تشهد الأسواق إقبالاً على شراء كمياتٍ كبيرة من المواد الغذائية. وحتى بالنسبة للخبز، فقد كان السبب وراء التزاحم والفوضى هو إغلاق الأفران واقتصار البيع على الموزعين في الأحياء، وليس الارتفاع الشديد على الطلب، إذ لا يوجد كهرباء لتخزين هذا الخبز. لا يُقبل السوريون على تخزين احتياجاتهم الأساسية، وذلك رغم أنّهم يعيشون أيضاً حظراً جزئياً للتجوال وتعطيلاً للحياة العامة بسبب فيروس كورونا، ورغم أنّ تخزين المواد الغذائية وتكديس أقدارٍ كبيرة من المونة في الأيام العادية نهجٌ تقليدي يقوم عليه المطبخ السوري. ويُلخّص ممدوح عارف (اسم مستعار) سبب ذلك بجملةٍ قصيرة: «دخل قليل وأسعار عالية… الله المُستعان».

تحدّثت الجمهورية إلى سبعة أشخاصٍ من الطبقتين الوسطى والفقيرة، ومن مدنٍ سورية مختلفة خاضعة لسيطرة النظام أو المعارضة أو وحدات الحماية الكردية، لتسألهم عن طبيعة المواد التي خزّنوها لضمان البقاء في المنزل. وكانت الإجابات متقاربة، فأولئك الذين يحسبون أنفسهم على الطبقة الوسطى اشتروا ما يكفيهم لخمسة عشر يوماً من المعكرونة والبرغل والشعيرية والرز والفول، بالإضافة إلى قليلٍ من اللحم الأحمر ولحم الدجاج والسكر والشاي والقهوة والخضروات. أما الفقراء فلم يشتروا شيئاً يُذكر، بل قلّلوا من مصروفهم باعتبارهم مياومين قد توقّف عملهم إلى أجلٍ غير معلوم.

وقد سألنا ممدوح عارف، الذي يصنّف نفسه من الطبقة المتوسطة رغم أنّ دخله لا يتجاوز 225 دولار شهرياً، عن طبيعة المواد الغذائية التي اشتراها بالتزامن مع توقّف عمله وإغلاق محله الصغير في مدينة الحسكة؛ يُجيب ممدوح: «كحال أغلب الناس، اشتريت معكرونة وفول وشعيرية، لأنّ السوق مليء بهذه المواد المُقدمة مجاناً من الأمم المتحدة، ولذا فهي تباع بأسعارٍ معقولة؛ كيس المعكرونة 175 ليرة، علبة الفول 200 ليرة، وكيس الشعيرية 200 ليرة. اشتريتُ أيضاً كيلو لحمة ودجاجتين وسكر وشاي وقهوة ورز وزيت وطبق بيض ولبن وجبنة وبندورة وبصل. يمكنني القول إن هذه المواد تكفيني لمدة عشرين يوماً مع الحاجة إلى بعض الاحتياجات اليومية من الخضروات التي لا يمكن تخزينها. من رحمة الله بنا أنّ الحجر تزامن مع موسم عددٍ من الحشائش التي تنمو في الأرض دون زراعة، وهذه أسعارها في متناول الناس».

يضيف ممدوح: «عند عودتي إلى المنزل بعد أن اشتريت هذه المواد، التي وصلت قيمتها إلى 150 ألف ليرة، كان ضرورياً التفكّر في آلية تدبير استهلاكها بالطريقة المثلى، فمن دون ذلك لن تكفي أسرتي المكوّنة من ثمانية أشخاص أكثر من أسبوعٍ واحد. حالي أفضل من غيري بما لا يُقارن، وبإمكاني تحمّل شهرين من دون عمل، لكنَّ هناك أسراً يعولها شخصٌ واحدٌ يعمل بالمياومة، وهؤلاء إن أكلوا اليوم فإنهم لا يعرفون ما سيأكلونه غداً في الأحوال العادية، فكيف في ظلّ هذه الأحوال!».

أمّا حلا السالم (اسم مستعار)، المقيمة في حيّ النيال بحلب، فتقول إنّ عائلتها تعتمد اليوم فقط على راتب زوجها التقاعدي الذي يصل إلى خمسين ألف ليرة سورية، لأنّ ولديها اللَذين يعملان كأجيرين مياومين قد توقّفا عن العمل. تحمد حلا ربّها لأنّ فرض إجراءات الحجر الحالية جاء بعد أيامٍ قليلة من حصول زوجها على 500 ألف ليرة سورية ورثها بعد موت أحد أقربائه. تقول حلا: «فوراً ذهبت إلى السوق واشتريت مواداً تموينية بنصف المبلغ، وآمل أن تكفي عائلتي المكونة من سبعة أشخاص حتى نهاية الحجر، حتى لا أُضطرّ لصرف باقي المبلغ في حال طال هذا الأمر».

لا يختلف الوضع كثيراً عند الانتقال للحديث مع الساكنين في دمشق، «فحال السوريين من بعضو» كما تشرح للجمهورية زينة شاكر (اسم مستعار)، وتضيف بأنّ «الحجر تزامن أيضاً مع انخفاضٍ جديدٍ في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار (1290 ليرة صباح اليوم الإثنين)، ولذا ارتفعت الأسعار للسببين معاً؛ إغلاق المحلات بسبب الحجر وانخفاض الليرة. تنتهي جلّ أحاديث كورونا في دمشق هذه الأيام بالجملة السورية المقرونة بكلّ أزمة: التجار ما بيخافوا الله. ولا ندري حقيقةً إذا كان هناك دور حقيقي لجشع التجار في ارتفاع الأسعار في ظلّ هذه الأزمة التي تحتاج قدراً هائلاً من التكاتف بين الناس، ولكن ما نعرفه جيداً هو أننا نتنقل بين أكثر من محل بحثاً عن السعر الأرخص قبل أن نشتري أيّ غرض، وفي الحقيقة هناك تفاوت كبير في الأسعار، لا سيّما بعد تعطيل الجهات التموينية والرقابية».

في سياق حديثنا مع ممدوح عارف، يروي لنا أنّه يعرف أسرةً تعيش في حارته، يعولها أربعينيٌّ مياوم كان يعمل في ورشات البناء. يقول ممدوح: «هذه الأسرة تفطر وتتغدى وتتعشى فلافل، فهم يشترون الحمص المُخصص كمساعدات إنسانية بسعرٍ رخيص، ويطحنونه مجاناً لدى أحد المطاعم لتحضير خلطة الفلافل، ويبقى لهم أن يشتروا ربطة خبز (13 رغيف) بسعر 150 ليرة. ذهبتُ لتقديم مساعدة متواضعة لربّ الأسرة، فأخبرني أنّه لا يلتزم بالحجر المنزلي، وينزل يومياً إلى السوق بحثاً عن أيّ عمل، لكن جميع الأعمال متعطّلة. بدوري اعتذرتُ منه سلفاً عن عدم قدرتي على مساعدته خلال أيام الحجر اللاحقة، فأنا مثله لا أعمل هذه الأيام، كما يقولون: أظهر عذرك ولا تُظهِر بخلك».

يعيش العالم كله أزمةً عصيبةً هذه الأيام، ولكنّ ما يزيد من قساوة هذه الأيام العصيبة على السوريين، فضلاً عن فقر أكثر من ثُلثيهم، هو أنّ شطراً منهم يعتمد على المساعدات التي يرسلها أفراد أسرهم المقيمين خارج البلاد، بيد أنّ وصول هذه المساعدات متعذّرٌ اليوم بسبب إغلاق أغلب محلات التحويل النظامية وغير المُرخّصة على حدٍّ سواء، وبسبب توقفّ أشغال كثير من السوريين الذين يعملون في الخارج نتيجة الإجراءات المتنوعة التي تم اتخذاها في البلدان التي يقيمون فيها. هنالك أزمة رفوفٍ فارغة أحدثها وباء كورونا في سوريا أيضاً، ولكن ليس في المحلات، إنّما في المطابخ.

موقع الجمهورية

——————————-

أكباش الفداء أو عندما تسود اللاعقلانية/ جلبير الأشقر

قصةٌ رهيبة تلك التي رواها في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية يوم الإثنين الماضي مراسلان قاطنان في الهند. هي قصة رجل من الهنود المسلمين، اسمه محبوب عليّ، عاد إلى قريته شمالي العاصمة دلهي قبل أسابيع، بعد مشاركته في تجمهر ديني في مدينة أخرى. وقد تأثر سكان قريته من الهندوس بصيغة محلّية لذلك المرض العقلي الذي تُطلق عليه تسمية «نظرية المؤامرة» أخذت تذيع في الهند، تُعزي وباء كوفيد ـ 19 إلى «جهاد كورونا» مزعوم شنّه المسلمون على الهندوس. فقد مسك بضعة مسعورين بمحبوب عليّ المسكين وانهالوا عليه ضرباً بالعصيان وهم يسألونه عن سائر المشاركين في «المؤامرة»، ثم حملوه إلى معبد هندوسي وفرضوا عليه فيه إعلان التخلّي عن ديانته واعتناق ديانتهم شرطاً لنقله إلى المستشفى حيث تمّ وضعه في حجر صحّي لا يزال سارياً بالرغم من أن لا أعراض لدى الرجل تدلّ على إصابته بالوباء.

هذا وقد بدأت الصيغة الطائفية الهندية من «نظرية المؤامرة» تنتشر عندما أخذت أوساط حزب أقصى اليمين الطائفي الحاكم، «حزب الشعب الهندي» الذي يتزعمّه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أخذت تلك الأوساط تتهم «جماعة التبليغ» المسلمة بأنها مسؤولة عن انتشار الوباء في الهند بسبب عقدها لمهرجان ديني رخّصت بقيامه السلطات وجمع في أواسط الشهر الماضي ثمانية آلاف من المؤمنين. وقد اتهمت أوساط الحزب الحاكم أعضاء الجماعة بالتسبّب في ترويج الوباء، من أجل تحويل الأنظار عن المساهمة الأعظم بكثير في ترويجه التي شكّلها المهرجان الذي حضره حشدٌ بلغ 125،000 شخص في أواخر شهر شباط/ فبراير في مدينة أحمد آباد ترحيباً بزميل مودي في العداء للمسلمين، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبالرغم من تأكيد العلماء في الهند على أن التهمة الموجّهة للتبليغيين باطلة لا أساس لها من الصحة (قصدنا علماء الطب والبيولوجيا بالطبع، ومن المؤسف أن تخلط اللغة العربية بين العلوم الوضعية والفقه الإسلامي بحيث نضطر إلى تفسير أي «علماء» نقصد)، بالرغم من التأكيد المذكور إذاً، أصرّت السلطات على العمل بموجب التهمة وكأنها صحيحة، ففرضت حجراً صحّياً على أكثر من 27،000 من أعضاء «جماعة التبليغ» في معظم أنحاء الهند. وقد زاد الخيال المرَضي في خطورة التهمة بحيث أصبح الأمر إرهاباً متعمّداً أُطلق عليه اسم «جهاد كورونا»، وهو يقوم وفقاً لرواية المسعورين على بصق «الإرهابيين» في آبار الماء وعلى الأطعمة والمارّة في الشوارع بغية إعدائهم بالوباء. ولا عجب من أن تكون التهمة قد تخطت «جماعة التبليغ» بسرعة لتشمل كافة مسلمي الهند.

طبعاً، ليس توجيه إصبع الاتهام إلى إحدى أقليات المجتمع بظاهرة جديدة، ولا هي ظاهرة محصورة بالهند. فحتى في الولايات المتحدة وبريطانيا حيث تصاعد كره الأجانب، وقد انعكس بالفوز الانتخابي الذي أحرزه «شعبويون» يمينيون كترامب وبوريس جونسون، حصلت اعتداءات عنصرية ضد صينيين أو من كانت لهم ملامح وجه اعتقد المعتدون أنها صينية. وقد عزى المراقبون تلك الأحداث إلى إصرار الرئيس الأمريكي على نعت فيروس كورونا بأنه «صيني». هذا وقد بقيت الاعتداءات المذكورة محصورة جداً قياساً بالاتساع الذي بلغته الاعتداءات الطائفية في الهند، ذلك أن تفشّي الخرافات يتناسب مع درجة معرفة المجتمعات العلمية التي تتناسب بدورها بوجه عام مع مستواها الاقتصادي (تكفي المقارنة بين الهند حيث لا يزال ربع السكان أمّيين والصين حيث لا وجود للأمّية تقريباً).

ولا عجب بالتالي من أن يكون التاريخ حافلاً بمثل روايات اللاعقلانية المعاصرة، على غرار اتهام سكان مقاطعة إغريقية لسكان مقاطعة أخرى في القرن الخامس قبل الحقبة العامة بإعدائهم بداء مجهول لديهم، كان مرض الطاعون، وذلك بتسميم خزّانات الماء على حدّ زعم مروّجي الاتهام. وهكذا، على سبيل المثال، كانت أيضاً حال تفشّي وباء الطاعون الذي أحدث «الموت الأسود» في القرن الرابع عشر في أوروبا والمنطقة الناطقة حالياً باللغة العربية، تلك المصيبة التاريخية الهائلة التي يقدّر عدد ضحاياها بما بين 75 مليوناً و200 مليون، بحيث قضت على أكثر من نصف سكان دائرة انتشارها حسب بعض التقديرات. وقد ألقيت تهمة نشر ذلك الطاعون على اليهود وغيرهم من الأقليات، فاستهدفتهم اعتداءات ومجازر مريعة.

هذا وكلّما تقدّمت معرفة البشر وحلّت عقلانية العلوم الوضعية محلّ لاعقلانية الخرافات على اختلاف أنواعها، كلّما تقلّص البحث عن أكباش فداء وفعلت الأوبئة الفعل الذي ينبغي أن تفعله عقلانياً، ألا وهو تعزيز التعاضد بين البشر بناء على إدراكنا أننا ننتمي إلى نوع واحد. «كلنا في الهوا سوا» في مواجهة أنواع وأشباه أنواع كالفيروسات تتسبب في أمراض تطال نوعنا البشري، مثلما نحن نوع واحد في مواجهة الكارثة البيئوية العظمى التي تهدّد مستقبل البشرية ومستقبل قسم كبير من الأنواع الأخرى على وجه الأرض. وإن كان لقسم من البشر أن يكون مصبّ غضب عامة الناس في وجه أي من الخطرين الوبائي أو البيئي، فينبغي أن يشتمل هذا القسم على أعداء التعاضد البشري، كالأثرياء الذين يستأثرون بوسائط مكافحة الوباء على حساب الفقراء والحكّام الذين يحاولون التعمية على دور سلوكهم الأخرق في تسهيل انتشار الوباء بتحويل نقمة الناس ضد أكباش فداء من المستضعفين.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

————————————

ما بعد وباء كوفيد 19: أي عالم يمكن توقعه؟

سيتسم العالم بعد كوفيد-19 بتفاقم التفاوت بين الأثرياء والفقراء، وتعاظم اتجاهات الانكفاء داخل الحدود الوطنية، وتشديد الدول قبضتها على المجتمع، وترسيخ معالم نظام عالمي متعدد الأقطاب.

لم يكن غريبًا أن يطلق وباء كورونا 19 موجة واسعة النطاق من الجدل حول مستقبل العالم الحديث والمؤسسات والأنظمة التي ترتكز إليها المنظومة الدولية. هذا وباء غير مسبوق، على الأقل من جهة وعي الإنسان والمجتمعات به. تعرف الذاكرة البشرية أوبئة أكثر شدة وضراوة، من طاعون منتصف القرن الرابع عشر إلى الإنفلونزا الإسبانية في 1918-1920. ولكن لا وسائل الاتصال، في حقب الأوبئة السابقة، كانت بالسرعة واللحظية التي تتسم بها اليوم، ولا توقعات الإنسان من دولته كانت بالمستوى التي هي عليها الآن. خلال أسابيع من انتشار فيروس كورونا 19 خارج الصين، بدأ عشرات، بل مئات الملايين من البشر يعيشون انتشار الوباء، ووقعه، وأثره الإنساني والاجتماعي والاقتصادي في معايشة ومعاينة واقعية ملموسة.

مع العاشر من أبريل/نيسان 2020، كان الوباء قد أصاب ما يزيد عن المليون ونصف المليون شخص (مع وجود إصابات أكثر بكثير من ذلك لم تُفحص بعد، ولم تُدرج بالتالي في الأرقام الرسمية)، قتل ما يزيد عن 100 ألف من المصابين، وعصف بالحياة الإنسانية كما لم تعصف بها رياح الحروب. وبالرغم من أن نصف الكرة الشمالي يبدو الأكثر تأثرًا حتى الآن، بلغ عدد الدول التي أعلنت عن وجود حالات مرضية ما يزيد عن 200 دولة. ثلث هذه الدول، على الأقل، أعلن منذ النصف الأول من مارس/آذار، دولة بعد الأخرى، عن إغلاق كامل، أو شبه كامل، للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وعن تطبيق قواعد صارمة للابتعاد الاجتماعي، أملًا في محاصرة الوباء. مدن كبرى في شرق العالم وغربه، من إسطنبول، ولندن، وباريس، إلى نيويورك، كانت تعج بالحياة وترسم صورة عالم القرن الحادي والعشرين، تحولت إلى مدن شبه صامتة، مغلفة بالخوف والقلق وفقدان اليقين.

فأي عالم سيولد من بعد الوباء؟ يتساءل علماء السياسة والتاريخ والفلسفة والعلاقات الدولية، خلال الأسابيع القليلة الماضية. هل سيشهد العالم، والنظام الدولي، تغييرًا إلى الأفضل، أم أن البشرية ستعود إلى ما كانت عليه بعد انتهاء مخاوف الوباء؟ إلى أي حد يمكن للوباء أن يعيد تشكيل مؤسسة الدولة: علاقة الدولة بشعبها، وعلاقاتها ببعضها البعض؟ وما النمط الاقتصادي الذي يمكن أن يؤسِّس له الوباء، الذي لم يعد ثمة شك في أنه يجر العالم إلى كساد اقتصادي ثقيل الوطأة؟ ما مصير العلاقات العولمية التي أخذت في التجلي بصورة متسارعة منذ تسعينات القرن الماضي: أليس الوباء نفسه شاهدًا مأساويًّا على وحدة العالم والمساواة بين شعوبه؟

هذه بعض القضايا الكبرى، التي تحتل صفحات الجدل حول عالم ما بعد الوباء، والتي سيجري التعرض لها في النقاش التالي. ولكن، وقبل تناول هذه القضايا، ينبغي ربما محاول استقراء ما بات معروفًا وما لم يزل غير معروف عن اتجاه الوباء، كما استقراء علاقة الوباء بالعالم، بدول العالم وشعوبه.

لسنا معًا ولسنا سواسية أمام الوباء

ليس ثمة ميكروب وبائي تمكن العلم من التعرف عليه بصورة كاملة ويقينية بعد. فيروس الإنفلونزا، الذي تسبب في وباء الإنفلونزا الإسبانية، لم يزل محل دراسة حتى اليوم، بعد مرور أكثر من مئة عام على وقوع الوباء. ولكن المؤكد أن العلم استطاع تقديم إجابات يمكن الثقة بها بدرجة عالية على الأسئلة الرئيسة المتعلقة بالأوبئة التي شهدها العالم الحديث. مشكلة كوفيد- 19 وفيروس كورونا المستجد، المسبِّب له، أن عددًا من الأسئلة الرئيسة المتعلقة به لم تتم الإجابة عليها بعد، بأي مستوى من الثقة.

المؤكد، مثلًا، أن الصين تعرفت على أول حالة مرضية من الوباء في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (2019) (وليس في نهاية ديسمبر/كانون الأول، كما أعلن الصينيون). ولكن التعرف على حالة مرضية وعزل الميكروب المسبِّب لها لا يعني أن الميكروب لم يكن موجودًا بين البشر قبل ذلك، ربما لأشهر طويلة، بهذا القدر من الأعراض أو ذاك، أو حتى بدون أعراض. فمنذ متى انتقل الفيروس من الحيوان إلى الإنسان؟ ومتى اكتسب القدرة على الانتقال الوبائي من إنسان إلى آخر؟ الإجابة على هذا السؤال قد توفر معطيات ما لنسبة البشر الذين سبق أن أُصيبوا بالفيروس واكتسبوا مناعة ضده، سيما بعد أن أشارت عينة معتبرة ممن أُجري عليهم فحص المناعة في أيسلندا إلى أن خمسين بالمئة ممن فُحصوا يتمتعون بالفعل بمناعة ضد الفيروس، بدون أن تظهر عليهم الأعراض المعروفة للمرض.

ويتعلق أحد الأسئلة المهمة الأخرى بما إن كان كورونا 19، كما فيروسات كورونا الشائعة الأخرى (التي تتسبب بنزلة البرد)، وفيروس الإنفلونزا، تتأثر بارتفاع درجة الحرارة وازدياد ساعات النهار خلال أشهر الربيع والصيف. إن كانت الإجابة بنعم، فلابد أن يكون كورونا 19 هو الآخر موسميًّا؛ بمعنى أن يتسارع انتشاره في الشتاء وينحسر في الصيف. فإلى أي حدٍّ يمكن للمجتمعات التي عصف بها الوباء أن تكتسب جدارًا مناعيًّا كافيًا قبل حلول موسم الشتاء المقبل؟ وهل هذا يعني أن شدة الوباء ستنتقل إلى نصف الكرة الجنوبي، حيث تنخفض درجة الحرارة في الشهور المقبلة؟ وهل يمكن للمناعة ضد الفيروس أن تستمر أشهرًا، أو سنة على الأقل، كما هي الحال مع أصناف فيروسات الإنفلونزا الأخرى؟

السؤال الآخر يتصل بما إن كان علماء الفيروسات والدواء سينتهون سريعًا إلى التعرف على العقار الأفضل للتعامل مع كوفيد 19، على الأقل لتخفيف أعراضه. وإلى أي حد تقدمت الجهود للتوصل إلى لقاح للوقاية من العدوى؟ وهل يمكن بالفعل أن يكون هناك لقاح فعال في الربيع المقبل؟ في نهاية الأمر، وكما أي وباء فيروسي آخر، ليس من الممكن محاصرة الوباء بدون تطور جدار مناعي فعال بين أغلب السكان؛ ولا يتطور هذا الجدار بدون انتشار للمرض بين أغلب السكان، ومن ثم اكتساب الناجين للمناعة، أو توافر اللقاح القادر على بناء هذه المناعة بدون التعرض للمرض.

هذه، ربما، أبرز الأسئلة التي يمكن أن تساعد إجاباتها على توقع زمن استمرار الوباء عبر العالم: ضراوة المرض وقدرته على الفتك بضحاياه، والطريق الأسلم للتعامل مع الوباء في المجتمعات المختلفة. ولكن، وحتى يستطيع العلم الإجابة على هذه الأسئلة، يمكن القول: إن فيروس كوفيد 19، الذي أخذ في التحول إلى وباء عالمي منذ نهاية يناير/كانون الثاني، سيستمر في العصف بالمجتمعات البشرية لعدة أشهر قادمة على الأقل. وحتى إن أمكن السيطرة على الوباء في فصل الصيف، فليس ثمة ما يمنع من عودته في موجة أخرى في الشتاء المقبل.

هذا الوباء، إذن، يمثل بالتأكيد أزمة عالمية الطابع، لن تستثني دولة ومجتمعًا. ولكن، وبينما ترتفع الأصوات بأن البشرية في هذه الأزمة معًا، وأن الوباء يتعامل مع المجتمعات الإنسانية بدون تفضيل أحدها على الآخر، يبدو الواقع مختلفًا إلى حد كبير.

هناك دول أعلنت بالفعل ميزانيات هائلة للإنفاق على مؤسساتها الصحية، على رعاية قواها العاملة التي فقدت عملها بفعل الوباء، ولإنقاذ الشركات والمصانع والخدمات التي تأثرت بفعل الإغلاق الكلي أو الجزئي. وحتى في الدول الغربية التي طالها الوباء بقسوة غير متوقعة، يبدو أن المرض أكثر فتكًا بأبناء الطبقة العاملة والفقراء وأبناء الأقليات، أكثر منه بالنخب وأبناء الطبقات العليا. وهناك، في الوقت نفسه، دول لا تملك أية مؤسسات صحية فعالة، بأية صورة من الصور، ولا تستطيع تبني سياسات إنفاق واسع النطاق، ولا حتى بمستويات أقل بكثير من الدول الغنية. والمشكلة، بالطبع، أن قلة ممن يستطيع، قلة قليلة جدًّا، بادرت إلى مد يد العون لمن لا يستطيع.

الحقيقة، أن الأشهر القليلة الماضية من الوباء شهدت ارتفاع مستوى الأنانية والانكفاء القومي في أكثر تجلياته انغلاقًا. أغلب دول العالم المنتجة للأدوات والمواد الصحية والطبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أحد أكبر المنتجين، أوقفت الصادرات بدون تصريح حكومي. وفي حالات، قامت دولة ما بالسيطرة على شاحنات كانت في طريقها إلى دولة أخرى. وباستثناء بعض المساعدات التي منحتها الصين وتركيا وقطر ودول قليلة لعدد من الدول الأخرى، ليس ثمة دليل على قيام الدول الثرية بتقديم معونات ضرورية للدول الفقيرة. وحتى ضمن الاتحاد الأوروبي، المنظمة الإقليمية الأكثر فعالية ورفاهًا في العالم، تشتكي الدول الأكثر تأثرًا بالوباء، مثل إيطاليا وإسبانيا، من غياب وشائج التضامن بين دول الاتحاد، بينما تتصاعد الانتقادات من دول الشمال الأوروبي لشركائها في الجنوب، لضعف بنية الأخيرة المالية وتزايد المؤشرات على عجزها عن مواجهة الآثار الاقتصادية للوباء.

وربما كانت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، بتاريخ 5 أبريل/نيسان، التي أكد فيها رفض حكومته تبني سياسة الإغلاق، دليلًا صارخًا على تباين قدرات دول العالم على مواجهة الوباء. قال آبي أحمد: إن أغلبية العاملين في بلاده يعتمدون على عملهم ودخلهم اليومي للبقاء، وإن الإغلاق يعني إنقاذهم من الكورونا لإماتتهم من الجوع. وليس مثل أزمة الركود الاقتصادي العالمي كاشفًا لمصائر الأمم والدول المختلفة في عالم ما بعد الوباء.

كساد عظيم وانحسار متزايد للاقتصاد النيوليبرالي

كان محرر الغارديان الاقتصادي، لاري إيليوت، في 20 مارس/آذار، من الأوائل الذين توقعوا انكماشًا حادًّا في الاقتصاد العالمي بفعل الطابع الوبائي لكوفيد 19. وخلال أسابيع قليلة، أكدت مؤسسات مالية دولية وخاصة، بما في ذلك صندوق النقد والبنك الدوليين، أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة من التراجع الاقتصادي، وأن تفاقم الأوضاع قد يجر العالم إلى كساد اقتصادي يفوق أزمة 2008/2009، وربما حتى كساد 1929 الشهير.

المؤكد، بخلاف أزمات 1929، و1987، و1998، و2009، أن تدهور الاقتصاد العالمي هذه المرة لم يولد في منطقة معينة من العالم، ولا بفعل عامل اقتصادي/مالي محدد. التدهور، هذه المرة، عالمي الطابع، يطول كافة الاقتصادات الكبرى، المتوسطة، والصغيرة. وطالما أن أحدًا لا يمكنه توقع مسيرة الوباء، وأثره على كل دولة على حدة، ولا كيفية محاصرته، فإن وقع الوباء الاقتصادي لم يزل محل جدل. ثمة من يقول: إن دولًا، مثل الصين، نجحت في محاصرة الوباء بصورة مبكرة، وهي في طريقها لاستعادة معدلات الإنتاج السابقة على انتشار الوباء؛ ودولًا، مثل السويد ودول نصف الكرة الجنوبي، التي تجنبت الإغلاق الكلي أو الجزئي؛ ستكون أقل تأثرًا بالأزمة الاقتصادية. ولكن الأرجح أن هذه الحسابات ليست صحيحة تمامًا.

المشكلة، أن الوباء أصاب العملية الاقتصادية على مستوى العالم بكافة مراحلها: الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك. كما أن التعقيد المتزايد في شبكة التوزيع والإمداد، التي يرتكز إليها الاقتصاد العالمي، تجعل بنية هذه الشبكة أكثر هشاشة. لجأت القوى الكبرى، سيما بعد نهاية الحرب الباردة، إلى هذا التعقيد باعتباره دافعًا للاعتماد المتبادل بين الدول ووسيلة فعالة لمنع الحرب، طالما أن قطاعات هائلة من السلع والمنتجات تقوم على مواد وقطع تُصنَّع في عديد من الدول وليس في دولة واحدة. ولكن، كلما ازداد تعقيد منظومة اقتصادية ما، أصبح من الصعب إصلاحها إن توقفت أو أصابها الخلل. وبتصاعد مستوى التوتر بين الاقتصادات الكبرى، فإن المتوقع أن تصبح عملية الإصلاح أكثر صعوبة.

عمومًا، وباستثناء المواد الطبية والصحية والصناعات الغذائية، فإن عودة عجلة الإنتاج في بلد ما لطبيعتها لا يعني الكثير، طالما أن وسائل النقل والتوزيع لا تعمل، وأن المستهلك أحجم عن الاستهلاك. ما يجعل التدهور الاقتصادي أكثر تفاقمًا، أن الوباء تسبب في تراجع غير مسبوق في قطاع الخدمات، من السياحة والنقل الجوي، والتعاملات المالية، إلى المقاهي والمطاعم.

ولم يكن غريبًا بالتالي أن تطلق نذر الأزمة الاقتصادية، وردود فعل دول الاقتصادات الكبرى عليها، جدلًا واسع النطاق حول مصير النمط الاقتصادي النيوليبرالي، الذي صعد بصورة حثيثة منذ الثمانينات ليتحول إلى الإطار المرجعي للسياسات الاقتصادية عبر العالم. وُلد النموذج النيوليبرالي من أوساط مجموعة من علماء الاقتصاد والسياسة والتاريخ والفلسفة، كانت تلتقي بصورة منتظمة منذ بداية الحرب الباردة، لتفكر في طرق مواجهة الخطر الشيوعي على العالم. ولكن لم تصبح سياسات حرية السوق، وتراجع دور الدولة، وخفض الإنفاق العام، واقعًا ملموسًا في الساحة الدولية إلا بعد أن تبنتها دول مثل الولايات المتحدة، تحت إدارة ريغان، والمملكة المتحدة، تحت حكومة تاتشر، وبينوشيه في تشيلي، وأوزال في تركيا. بانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، اكتسب النموذج النيوليبرالي جاذبية عالمية، ليصبح النمط الاقتصادي الأرثوذوكسي الجديد.

الحقيقة، أن هيمنة النموذج النيوليبرالي على السياسات الاقتصادية لم يستمر طويلًا، سيما في الدول التي كانت أول من روَّج له. خلال أزمة 2008/2009، واجهت حكومة غوردون براون في بريطانيا الأزمة بحزمة إنفاق كبيرة وبخطوات لتأميم مؤسسات متعثرة والعودة إلى سياسات الاقتراض، معلية ما عُرف حينها بالكنزية الجديدة. ولمساعدة الاقتصاد الأميركي على الخروج من الركود الاقتصادي، تبنَّت إدارة أوباما سياسة التيسير الكمي (أي بكلمة أخرى: طباعة المزيد من أوراق النقد) وبرامج إنفاق هائلة لإصلاح البنية التحتية عبر الولايات المتحدة. وكذلك فعلت حكومة أردوغان الأخيرة وحكومتا داود أوغلو في تركيا. أما تشيلي، فكانت قد تخلت عن النمط النيوليبرالي منذ أزمة نهاية التسعينات.

بيد أن هذه المتغيرات في السياسات الاقتصادية لم تتصف بالاستدامة ولا هي شكَّلت موجة عالمية. حكومات المحافظين المتتالية في بريطانيا، عادت إلى النمط النيوليبرالي منذ 2010؛ كما عادت تركيا إلى تقليص الإنفاق العام بعد الضغوط التي تعرضت لها الليرة التركية في 2018. المؤكد الآن، وفي ضوء حزم الإنفاق والدعم المالي الهائلة التي أعلنت عنها بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وعدد من الدول الغربية والآسيوية الأخرى، وبدرجة أقل، تركيا، أن علامات استفهام كبيرة بدأت في الظهور حول مصير الاقتصاد النيوليبرالي.

خلال أشهر الأزمة القاسية، وضعت الشعوب ثقتها في الدولة لحمايتها من الخطر الداهم، وفي أغلب دول النموذج الليبرالي، ثمة مؤشرات متزايدة إلى أن الحكومات لن تعبأ كثيرًا بعد اليوم بتصاعد حجم الدَّيْن العام، وارتفاع معدلات التضخم، أو عجز الميزانية. ما يعزز من توقعات انحسار هيمنة النيوليبرالية الانكشاف الصارخ للخدمات العامة، والخدمات الصحية على وجه الخصوص، سيما في الدول الغربية الرئيسة، بفعل تقلص الإنفاق العام طوال عقود.

المشكلة، بالطبع، أن هناك تباينات واضحة في قدرات وطرق تعامل دول العالم المختلفة مع نذر الأزمة الاقتصادية. تستطيع الدول التي تملك احتياطيات مالية كبيرة، أو عملات ذات جاذبية دولية، أو بنية اقتصادية دينامية، مثل: الولايات المتحدة، وبريطانيا، ودول اليورو، والصين، واليابان، ودول النفط العربية، وتركيا، تحمل أعباء حزم الإنفاق الحكومي الكبيرة لمواجهة عواقب الوباء، والنهوض بالعملية الاقتصادية بعد انحساره، بما في ذلك تبني سياسة التيسير الكمي. بيد أن دولًا أخرى مثقلة بالديون أصلًا، أو ذات بنية اقتصادية هشة، مثل: مصر، ولبنان، ومعظم دول المغرب العربي، والعديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، سيصعب عليها التوجه نحو المزيد من الاقتراض، أو طباعة المزيد من أوراق النقد ومواجهة معدلات تضخم متزايدة.

المشكلة الأكبر في حالة المجموعة الثانية من الدول أن الجدل حول مصير الاقتصاد النيوليبرالي يكاد يغيب كلية عن الساحة السياسية والأكاديمية، إما لأن طبقة رجال الأعمال في هذه الدول أصبحت شريكًا رئيسًا في نظام الحكم، أو لأن هذه الدول لا تتمتع بالحرية الفكرية والسياسية الضرورية لفتح النقاش حول تغيير جذري في النموذج السائد. في دول هذه المجموعة، سيكون وقع الأزمة الاقتصادية أفدح أثرًا وأطول زمنًا بالتأكيد. وليس من المستبعد في لحظة ما أن تشهد هذه الدول انفجارًا هائلًا لسؤال الشرعية السياسية.

يوتوبيا العولمة

ارتبطت فكرة العولمة من البداية بالنموذج الاقتصادي النيوليبرالي؛ ومثله، كانت ولادتها الأولى في أميركا وبريطانيا. حتى المصطلح نفسه وُجد أولًا في اللغة الإنجليزية، وكان على اللغات الأوروبية الأخرى إبداع اشتقاق لغوي جديد لترجمته. وكما الاقتصاد النيوليبرالي، وجدت فكرة العولمة رواجًا بعد انتصار الغرب في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات، معززة بادعاءات نهاية التاريخ وحسم الصراع لصالح الليبرالية الغربية، والديمقراطية، وحرية الفرد. ما حملته العولمة، التي ظلت على الدوام مفهومًا أقرب إلى الغموض، من وعود، تتعلق أساسًا بحرية انتقال الأفراد والمال والبضائع والأفكار عبر العالم، وانحياز المجتمعات البشرية المطَّرد لصالح الثقافة الغربية بكافة أبعادها. ولكن هذه الوعود لم تتحقق بصورة منتظمة ودائمة، حتى من قبل الدول التي روَّجت لفكرة العولمة وأسست لمقولاتها الرئيسة؛ وهو ما أدى إلى تصاعد الشكوك حول ما إن كان المقصود بالعولمة، حقيقة، سيطرة الكتلة الغربية الأطلسية على مصائر المجتمع الإنساني، ماديًّا وثقافيًّا وروحيًّا.

بانتشار الوباء، انطلقت التوقعات بنهاية العولمة. أغلقت أغلب دول العالم حدودها، وضعت قيودًا متزايدة على حركة البشر والبضائع، سنَّت تشريعات مقيدة للحريات، تبنَّت سياسات مختلفة لمواجهة الوباء، وتبادلت الاتهامات حول المسؤولية عن بروز الفيروس أو انتشاره. الفيروس وحده من بات يتمتع بحرية الحركة الكاملة وتجاوز الحدود والقوانين والأنظمة. إن كان من الصحيح التوقع، كما هي تجارب الأزمات الكبرى من قبل، بأن نهاية الوباء أو انحساره لن تعني بالضرورة نهاية كافة الإجراءات الطارئة التي فرضها، فلابد أن العالم يشهد الآن بالفعل نهاية يوتوبيا العولمة والوعود التي بشرت بها. بيد أن المشكلة في جدل العولمة أنه لا يفرِّق بين مستويين أساسيين: الأول: يتعلق بالأدوات والوسائل التي عملت، ولم تزل تعمل، على تسارع معدلات النقل والاتصال والحركة، سواء للبشر، للمعاملات، أو للنصوص والفنون. والثاني: يتعلق بفكرة هيمنة تصور واحد للعالم على المجتمعات البشرية كافة، بغضِّ النظر عن المواريث والقيم والمعتقدات الخاصة بكل جماعة أو أمة.

في المستوى الأول، ليس ثمة ما يشير، بوجود الوباء أو غيابه، أن البشرية ستتخلى عن وسائط النقل الجوي والبري والبحري السريعة، التي تطورت بصورة مطردة، منذ دخول الآلة البخارية إلى وسائط النقل في منتصف القرن التاسع عشر. لن يتخلى العالم عن الإنترنت، والهاتف الذكي، وتطبيقات البنوك، ولا عن أمازون، رمز العولمة التجارية الأبرز. دولة ما لن تستطيع منع كتاب ما، طالما أن تحميل الكتاب على الإنترنت لا يحتاج سوى دقائق، ولا حظر خبر ما، طالما أن الأخبار، صحيحها وزائفها، تنتقل على الفيسبوك وتويتر بأقل قيود ممكنة. أما في المستوى الثاني، فإن التشققات في جدار العولمة لم تكن خافية منذ اليوم الأول لولادة الفكرة. رحبت أغلب دول العالم، بما في ذلك دول الاقتصادات الكبرى، بحركة المال والاستثمار، ولكنها رفضت القبول بحرية حركة البشر. حتى دول الاتحاد الأوروبي، التي مثَّلت التعبير الأكثر جاذبية لفرضيات حرية الحركة والانتقال، سرعان ما واجهت ردود فعل داخلية ملموسة على هجرة العمالة بين الدول، تصاعدت إلى أن صوَّتت بريطانيا في استفتاء 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وما أن تولت إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض، حتى بدأت سلسلة إجراءات للتخلي عن، أو إعادة النظر في عضوية منظمات حرية التجارة الإقليمية، وقواعد التجارة السابقة مع الصين ومع الشركاء الغربيين في نصف الكرة الغربي وفي أوروبا، وفرض قيود صارمة على الهجرة للولايات المتحدة.

ما قد ينجم عن الوباء هو إحداث المزيد من التشققات في أطروحة العولمة، وإعادة التوكيد على سلطة ومصالح الدولة القومية، وقيمها الخاصة بها، الاتجاه الذي أخذت بوادره في الظهور منذ سنوات قبل الوباء.

علاقة الدولة بشعبها وببقية الدول

وُلد مفهوم سيادة الدولة بعد وستفاليا في 1648؛ ولكن الدولة لم تبدأ بالتحول إلى مؤسسة مركزية للسيطرة والتحكم إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد شهد القرن التاسع عشر وبداية العشرين، نضوج مؤسسة الدولة وتحولها إلى وحدة النظام الدولي الأساسية، وتحولها، شيئًا فشيئًا، من أداة لتعظيم القوة والمقدرات إلى هدف بحد ذاته، وفي حالات إلى إله علماني بالغ السطوة.

في الدول الدستورية والديمقراطية، ذات البنية القانونية الصلبة، استُخدم التشريع لتعزيز قدرات الدولة التحكمية والتنظيمية والرقابية. وفي الدول الديكتاتورية، لم تكن ثمة حاجة للقانون أصلًا لتحقيق الأهداف ذاتها. وليس مثل فترات التأزم، والحرب، والتهديد، الحقيقي والمتصور، فرصة لإعادة توكيد سيطرة الدولة وتحكمها؛ نظرًا لتراجع مقاومة المجتمع أمام زحف الدولة وصعودها خلال هذه الفترات. وقد شهد العالم خلال القرن الماضي شيئًا من العلاقة الجدلية بين مستوى قوة مؤسسة الدولة وسيطرتها، من جهة، وبين فترات التأزم والحرب والتهديد، من جهة أخرى، عندما تصبح الدولة محل تطلع الشعب لحمايته من المخاطر.

واجب الدولة الأول هو حماية شعبها من الخطر؛ والمعتاد خلال فترات الأزمات أن تلجأ الدولة، وبرضى وقبول شعبي، في أغلب الأحيان، لاكتساب سلطات استثنائية. ولكن التجربة التاريخية تكشف أن نهاية فترات التأزم والحرب والتهديد لا تعني تخلي الدولة عن كافة السلطات الاستثنائية؛ بل تقوم دائمًا بالاحتفاظ ببعضها. وهكذا، تخرج مؤسسة الدولة من فترات الأزمة أكثر قوة وقدرة على السيطرة والتحكم؛ ويزداد، بالتالي، اعتماد الشعب عليها وتطلعه لقدراتها الحمائية في فترة التأزم والحرب والتهديد المقبلة.

ولا يوجد ثمة شك في أن بعضًا من السلطات التي منحتها مؤسسة الدولة لذاتها لمواجهة الوباء خلال الشهور القليلة الماضية، والأخرى التي يمكن أن تكتسبها إن طال أمد الوباء، سيجري التخلي عنها بعد نهاية الأزمة الصحية التي تطبق على معظم دول العالم. ولكن المؤكد أيضًا أنه لن يتم التخلي عنها كلية. إن معظم السلطات الرقابية التي اكتسبتها مؤسسة الدولة بعد ما عُرف بسنوات الحرب على الإرهاب، سيما في مجالات الانتقال والسفر والتعليم واستخدام التقنيات الحديثة، لم تزل سارية. في كلمات بالغة الدلالة، قال وزير الخارجية الألمانية السابق، الاشتراكي الديمقراطي، سيغمار غابرييل: “عملنا، طوال ثلاثين عامًا، على التقليل من شأن الدولة”، مشيرًا إلى أن الأجيال القادمة لن تكون بهذه السذاجة.

بيد أن الوباء يوفر فرصة أخرى لإعادة التوكيد على دور الدولة، ببعدها القومي الحصري، على المسرح الدولي. الحقيقة، أن الوباء حمل معه دلالات متناقضة على صعيد العلاقة بين الدول. فمن ناحية، كشف الوباء أن دولة واحدة، مهما بلغت من قوة وتمتعت بمقدرات، لا تستطيع مواجهة أزمة ذات طابع عالمي، بما في ذلك الأزمات الناشئة عن الأوبئة والتدهور المناخي وتوقف عجلة الاقتصاد العالمي. ومن ناحية أخرى، يعيد الوباء توكيد النزعة الصراعية للدولة القومية، واندفاعها لخوض منافسات غير أخلاقية وغير إنسانية، في كثير من الأحيان، للحصول على الأدوات والمواد الصحية والطبية الضرورية لمكافحة الوباء.

وبالرغم من الاتصالات التي وقعت بين قادة الدول الكبرى، بما في ذلك الاجتماع عن بُعد لقادة دول مجموعة العشرين، إلا أن الواضح أن مكافحة الوباء تجري على أساس قومي، وأن ليس ثمة أي مستوى من التنسيق الدولي، لا فيما يتعلق بالتعرف على العلاج الأفضل للمرض، تطوير لقاح ضد فيروس كوفيد-19، أو التوافق حول جملة الإجراءات الاقتصادية التي لابد أن تُتخذ على مستوى دولي لاحتواء العواقب المتوقعة للوباء. ومن المتوقع، بعد انحسار الوباء، أن تلجأ الدول إلى التوكيد على خيارات الاكتفاء الذاتي في الحاجات الضرورية للأمم، وأن تنحسر بالتالي مقولات الاعتماد المتبادل.

أسهمت نهاية الحرب الباردة، والتوسع المستمر في نطاق وعمل المنظمات الإقليمية، وبروز الشركات الهائلة العابرة للحدود (التي عُرفت خطأ بالشركات متعددة الجنسية)، وجاذبية خطاب العولمة، في ولادة اعتقاد بانحطاط الدولة القومية وتقلص أهميتها ودورها. ولكن السنوات العشر الأخيرة أظهرت أن المراهنة على تراجع الدولة القومية كانت متسرعة إلى حدٍّ كبير. وقد كشف صعود قوى اليمين القومي إلى السلطة في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، والتراجع الحثيث في قوة وفعالية العديد من المنظمات الإقليمية، و فوز برنامج “أميركا أولًا” في انتخابات الرئاسة، أن حسابات تراجع الدولة القومية لم تكن صحيحة أصلًا. ولم تلبث التدافعات التجارية الحادة، بين دول الاقتصادات الكبرى، أن أظهرت الحجم الحقيقي للشركات العابرة للحدود، وأنها في النهاية شركات ذات أصول قومية، يصعب عليها التمرد على الدولة الأم وقرارها.

ما يصنعه الوباء هو التوكيد على اتجاه “عودة الدولة” إلى مسرح العلاقات الدولية، الذي انطلق بصورة حثيثة منذ عقد على الأقل.   

تحولات جيوسياسية حاسمة؟

يتعلق أحد أبرز جوانب الجدل حول عالم ما بعد الوباء بمقولة التراجع الأميركي وصعود الصين كقوة قائدة لنظام دولي جديد. إن أُخذت البيانات الصينية الرسمية على ظاهرها، يبدو أن الصين استطاعت التحكم في الوباء بصورة مبكرة، وبأقل خسائر ممكنة، بالرغم من أن أدلة متضافرة تشير إلى أنها منبع الوباء. اتخذت بكين إجراءات سريعة وقاسية لعزل المدن والمقاطعات، نقلت عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الصحي، من منطقة إلى أخرى، للتعامل مع المرضى، وبادرت إلى تجربة العديد من الأدوية لتخفيف أعراض المرض.

بذلك، عادت معظم المقاطعات الصينية إلى الحياة الطبيعية، أو ما يقاربها، منذ الأسبوع الأول من أبريل/نيسان، وبخسائر إنسانية واقتصادية طفيفة، مقارنة بحجم البلاد وحجم اقتصادها. وبعد أن كانت تقارير الوباء الصيني تثير الرعب في أنحاء العالم الأخرى، بدأت الحكومة الصينية تبيع المعدات الصحية والطبية للدول الأخرى بمئات الملايين من الدولارات، وترسل المساعدات الرمزية لأصدقائها ولدول تعاني من الوباء. طبقًا لهذه الصورة، يتوقع أن تكون الصين أولى الدول الناهضة من أعباء الوباء الثقيلة؛ وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بين أكثر الدول تأثرًا بالوباء، اقتصاديًّا وإنسانيًّا، ليس من المستبعد أن تصبح أزمة كوفيد-19 العالمية المنعطف الحاسم لصعود الصين النهائي: الصعود الاقتصادي، ومن ثم العسكري والسياسي.

الحقيقة، أن التوقعات بارتفاع الدخل القومي الصيني إلى ما يساوي، أو ربما يفوق قليلًا، الدخل القومي الأميركي مع نهاية العقد الثالث لهذا القرن، سبقت اندلاع الوباء. ما سيفعله الوباء، ربما، ليس سوى تسريع عجلة النمو المطرد للدخل القومي الصيني. ولكن حتى هذا لابد أن يكون محل شك. فالواقع أن معظم الدول التي طبقت سياسة الإغلاق، بما في ذلك تركيا، لم تغلق القطاع الصناعي الإنتاجي كلية، سوى المصانع التي لم يعد ثمة طلب ملح ٌّعلى إنتاجها، مثل صناعة السيارات. بمعنى، أن عودة الصين السريعة للحياة الطبيعية قد لا تحمل بحدِّ ذاتها تفوقًا فوق العادي عن منافسيها الغربيين. كما أن ضعف الطلب بصورة عالمية، والاضطراب الهائل في شبكات النقل والإمداد والاعتماد المتبادل بين الدول، يعني أن أعباء الوباء ستطول الجميع، سواء المنتجون أو الأقل إنتاجًا.

ولكن، حتى إن افتُرض أن الوباء سيسرِّع من عجلة الصعود الصيني الاقتصادي، فإن تحقق مستوى عال من الاكتفاء والرفاه يتطلب النظر إلى الدخل القومي للفرد، وليس مستوى الدخل القومي وحسب. مستوى الرفاه في دولة من مليون شخص، يبلغ دخلها القومي عشرة ملايين من الدولارات، ليس مثل ذلك الذي تتمتع به دولة أخرى بنصف مليون من السكان وبذات الدخل القومي.

الملاحظ، بالتأكيد، أن الولايات المتحدة أظهرت، منذ تولي إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض، انكفاء قوميًّا صارخًا، وتخليًا نسبيًّا عن دورها القيادي في العالم، بما في ذلك في التعامل مع أزمة الوباء. ولكن هذا الانكفاء قد لا يستمر طويلًا، بعد نهاية ولاية ترامب. الأهم، أنه وبغضِّ النظر عن سياسات الإدارة الأميركية، ثمة اتفاق بين دارسي صعود وانحدار القوى الكبرى حول حقيقة أن القوة الاقتصادية ليست المحدد الوحيد لوزن الدول وتأثيرها على المسرح الدولي. ثمة عشرات من وسائل التأثير الأخرى، مثل: اللغة، والموروث الديني والقيمي، والفنون والآداب، ونمط الحياة السياسية والاجتماعية، التي لابد من وضعها في الاعتبار. في كثير من هذه المجالات، لا يصعب على الصين المنافسة وحسب؛ بل ويستحيل أحيانًا عليها المنافسة.

سيشهد العالم في الشهور المقبلة، بالتأكيد، جدلًا، أخذ في الاحتدام منذ الآن، حول فعالية الدول المختلفة في التعامل مع الوباء، وما إن كان النجاح حالف الأنظمة الليبرالية، التي وقع أغلبها صريع انتشار المرض والموت، أو أنظمة التحكم المركزي، مثل الصين وسنغافورة؛ حيث العلاقة بين الدولة وشعبها أقرب إلى العلاقة بين القائد العسكري وجنوده، وكانت الأسرع في التحكم بالوباء وعواقبه. ولكن مثل هذا الجدل لا يتعلق بجانب واحد من أزمة كوفيد 19. دول، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، التي نجحت هي الأخرى في التعامل سريعًا مع الوباء، تتحدث بفخر عن الصلة الوثيقة بين ديمقراطيتها ونجاح جهودها. كما أن ثمة من يطرح مقارنات أخرى حول تباين المصداقية بين الأنظمة الليبرالية الديمقراطية والأنظمة التحكمية السلطوية، وما تستدعيه المصداقية من الحرص على حياة البشر أو إهدارها. 

ما لا يجوز أن يكون محل شك أن لحظة القطب الواحد، عندما برزت الولايات المتحدة في التسعينات باعتبارها القوة الكبرى المتفردة في قرار العالم السياسي والاقتصادي، كانت أقصر بكثير من التوقعات. ومنذ أخذت الولايات المتحدة في الغرق في العراق وأفغانستان، في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وأخذت الصين في تسجيل معدلات نمو متصاعدة بصورة مطردة، وقامت روسيا بتدمير الآلة العسكرية الجورجية وفرض إرادتها على تبليسي، بدأ العالم في التحرك إلى مشهد متعدد القطبية.

خلال العقد القادم، قد يصبح هذا المشهد أكثر وضوحًا؛ حيث ستجد الولايات المتحدة في الصين منافسًا اقتصاديًّا يصعب كسره، وفي روسيا منافسًا عسكريًّا وسياسيًّا، وإن بصورة محدودة، وفي عدد من القوى الأصغر منافسًا إقليميًّا أكثر استقلالًا في قراره. ولكن ما يجب ألا يُغفل عنه أن الولايات المتحددة تتمتع بعناصر قوة متعددة وفريدة، ستساعدها في الحفاظ على موقع الدولة الأبرز والأكثر تأثيرًا بين عدد من المنافسين، ربما لأكثر من عقد مقبل من الزمن.

 ما بعد الوباء: عالم أقل تضامنًا وأشد ضراوة

كان لينين من قال يومًا: “ثمة عقود حيث لا يحدث شيء، وأسابيع حيث تحدث عقود”. وليس ثمة شك في أن أسابيع الوباء الممتدة من نهاية يناير/كانون الثاني حتى الآن شهدت جملة من الوقائع المتداعية التي لم يشهد العالم لها مثيلًا ربما منذ الحرب العالمية الثانية. سيترك الوباء آثارًا متفاوتة على الحياة ذاتها، على الاقتصاد والاجتماع والصحة النفسية، كما على السياسة وأنماط الاجتماع السياسي والعلاقات الدولية. ولكن من المبالغة القول بأن عالم ما بعد الوباء سيختلف كلية عن عالم ما قبله.

المؤكد أن هناك اتجاهات سياسية واقتصادية ودولية كانت بدأت التحرك منذ سنوات، لن يفعل الوباء سوى تسريع وتيرتها؛ متغيرات مستجدة كلية سيولِّدها الوباء؛ وأنظمة وعلاقات وتوجهات لن تشهد أي تغير ملموس. إن العالم يواجه أزمة اقتصادية طاحنة، ستتجلى وطأتها بدرجات مختلفة من دولة لأخرى (وفي تناسب مع مقدرات الدولة السابقة على الوباء وليس مع ضراوته)، وقد تفضي إلى اضطرابات سياسة، هو أمر ليس محل جدل. ولكن المؤشرات على عودة الدولة، وتراجع دور الأنظمة الإقليمية وتواضع أهدافها، ومضي النظام الدولي نحو تعددية قطبية، كانت أخذت في البروز منذ سنوات على الأقل. من جهة أخرى، فالأرجح أن ارتفاع درجة المنافسة والتدافع، إقليميًّا ودوليًّا، سيستمر على ما هو عليه، وأن الآمال في أن يعمل الوباء على إعادة بناء العلاقات الدولية على أسس أكثر إنسانية وعدالة ستبقى مجرد تمنيات.

في حمأة الوباء، وما بدا وكأنه يجتاح الحدود والطبقات والمكونات الاجتماعية بلا تمييز، لم يكن مستغربًا أن يدفع الشعور المتسع بالفاجعة والفقدان البعض إلى توقع ولادة عالم أفضل من رحم المأساة. ولكن التجارب الإنسانية السابقة لا تؤسس بالضرورة لهذه التوقعات المتفائلة. ثمة من يرى من المؤرخين أن طاعون منتصف القرن الرابع عشر، دفع بقوة نحو نهاية النظام الإقطاعي وولادة العالم الحديث، ولكن الذاكرة الأقرب لأزمات العالم الكبرى توحي بعواقب مختلفة.

بكل وقعها المأساوي، لم تجعل الحرب العالمية الأولى الإنسان أكثر عقلانية ولا العلاقات الدولية أكثر عدلًا. الحقيقة، أن سلام نهاية الحرب الأولى حمل في داخله بذور الحرب الثانية، وترك خلفه شرقًا أوسط مسكونًا بالنزاعات والحروب. الكساد العالمي في 1929، كان أحد العوامل الممهدة لصعود النازية؛ كما أن نهاية الحرب الثانية سرعان ما أفضت إلى حرب باردة باهظة التكاليف والمخاطر، وسلسلة من الحروب الإقليمية خارج نطاق القارة الأوروبية. هذا وباء ثقيل الوطأة، بالتأكيد، ولكن يبدو أن الإنسان الحديث لم يكتسب بعد مستوى الحكمة الضروري لرؤية العواقب الكارثية لنمط حياته واجتماعه وعلاقاته.

Al Jazeera Centre for Studies

مركز الجزيرة للدراسات

تأسس مركز الجزيرة للدراسات في أحضان شبكة الجزيرة سنة 2006، وهو مؤسسة بحثية مستقلة تعنى بتعميق مقومات البحث العلمي وإشاعة المعرفة عبر وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، مساهمة منها في الارتقاء بمستوى المعرفة وإغناء المشهد الثقافي والإعلامي وإثراء التفكير الاستراتيجي في العالم العربي.

———————————–

كورونا ـ حرب التأويلات/ سعيد يقطين

يقول مثل مغربي: «طاحت البقرة، كثروا الجناواة» (وقعت البقرة، فكثرت السكاكين). منذ بداية انتشار فيروس كورونا في الصين، ظهر التأويل الأول الذي يرجعه إلى الخفافيش، في إحدى أسواق ووهان. ومنذ البداية إلى الآن ظهرت تأويلات متعددة ولا حصر لها، وكلها تنبني على تحليلات تربط بين عدة بنيات، وعناصر، وحجج لتأكيد صحتها.

كنت دائما ضد التأويل لأنني أراه تمثيلا لما يقدمه المؤوِّل على أنه الحقيقة، التي يمكن الأخذ بها والدفاع عنها للانتصار لموقف ما من النص والحياة. أطرح سؤالين اثنين أراهما يختزلان عدة أسئلة حول التأويل، هما: لماذا نؤول؟ وما الغاية منه؟

نعمل على متابعة التأويلات، والبحث عنها، لأننا نلاحظ أن المعلومات التي تفرضها علينا وسائل الإعلام متباينة، حول نشأة الفيروس وأسباب انتشاره. كما أن تعدد وجهات نظر الخبراء والمختصين من العلماء وتناقضاتها في تفسير أو تأويل النشأة والانتشار، تبين لنا أن ليست هناك رؤية علمية موحدة، وأن الفيروس تحول إلى «لغز» لا نعرف عنه شيئا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن سره يدفع في اتجاه بروز محاولات، بغض النظر عن صدقها أو واقعيتها، للتأويل والتأويل المضاد. وعلاوة على ذلك فإن تباين التأويلات وتضاربها لا يعني إلا أن هناك حقائق لا يراد الكشف عنها، وليس من معنى لحرب التأويلات، سوى محاولة لتوجيه الأنظار نحو تأويل معين لأغراض محددة. لو تتبعنا مختلف ما تمدنا به الوسائط المختلفة، وما نتوصل به يوميا من مواد نصية وصوتية وصورية، لما أمكننا حصر هذه التأويلات. نركز على البعض منها، ومحاولة قراءة خطوطها العريضة، وبلا تفاصيل، في ضوء السؤالين اللذين طرحناهما. فهناك من جهة التأويل السياسي ـ الاقتصادي الذي يتجسد من خلال الصراع الأمريكي ـ الصيني. وما اتهام كل منهما للآخر بأنه مسبب الفيروس ومنتجه في مختبراته، أو عدم التصريح به. أما كيف؟ وبأي سيناريو؟ فتلك قصص أخرى. وهناك التأويل الديني، مسيحيا، وإسلاميا، فيراه ابتلاء من الله ونذيرا. ثم هناك التأويل الاستكشافي المبني على تاريخ تطور الفيروسات منذ أواخر القرن الماضي، خصوصا سنة 2003، ونظيره التأويل البيئي الكهروميغناطيسي الذي يرصد بداية التحول البيئي، خصوصا سنة 1921، ويمكن إدراج التأويل العددي المؤسس على الصدف، الذي يبين أن سنوات العشرين من كل قرن تحمل جائحة كبرى وعامة، وتُقدم سنتا 1820و1920، إضافة إلى 2020 للدلالة على ذلك.

وأخيرا نشير إلى تأويل آخر يربط الجوائح والكوارث العالمية بالصهيونية العالمية، بالإشارة إلى صلة وعد بلفور بالحرب العالمية الأولى، وتقسيم فلسطين نهاية الحرب الثانية، وبروز فيروس كورونا بالإجهاز على القضية الفلسطينية نهائيا بتحقيق مكاسب أخرى لفائدة الصهيونية.

كل تأويل من هذه التأويلات يحارب غيره، من أجل تأكيد أطروحة خاصة يتبناها على المستوى العالمي. وكلها تصب في دائرة بسط الهيمنة على العالم، من أجل كسب المزيد من الرهانات المتعلقة بالمستقبل، لفائدة فئة محدودة على حساب السواد الأعظم من الناس. وهذه الأطروحة هي المهيمنة، لأنها تتصل بالقوى المتصارعة. أما الأطروحة النقيض، فترى في الجائحة ضرورة لإعادة التفكير وبناء عالم جديد، وهي ترتبط بالمستضعفين في الأرض.

نسجل من خلال كل هذه التأويلات، وغيرها، مما لم نتوقف عليه، أن انتشار الوباء مرّ بمرحلتين: مرحلة القول بالخطأ، الذي أدى إلى تسرب الفيروس المصطنع عن طريق الخفافيش، أو غيرها. ومرحلة تأكيد أن الأمر مدبر ومخطط له منذ مدة، وأن من بين أهدافه التقليل من أعباء المسنين في الغرب، من جهة، ومن الانفجار الديموغرافي الذي يثقل كاهل الأرض؟ خاصة في افريقيا التي يتوقع تزايد أعداد ساكنتها إلى حد تجاوز عدد سكان أوروبا وأمريكا، في العقود المقبلة، من جهة أخرى. تلتقي كل هذه التأويلات، رغم اختلاف منطلقاتها، وتقاطعاتها، وكيفيات تفسيرها للأمور في عنصر جوهري واحد: الكارثة محدقة بالإنسان والطبيعة، جراء أفعال الإنسان، والحرب الجرثومية هي السبيل الوحيد لإبقاء فئة المحظوظين (ملائكة وشياطين) لمواصلة الحياة.

إن الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن أن نختلف بصددها هي أن الفيروس حدث واقعي، نلمس آثاره واضحة على المستوى العالمي، من جهة. ومن جهة أخرى نؤكد أن كل هذه التأويلات تعبيرات عن وجهات نظر، أو أطاريح خاصة. إن حرب التأويلات دليل على حرب صراعات بين القوى العظمى التي تعمل إما: من أجل إدامة الهيمنة على العالم، أو من أجل احتلال موقع فيه إلى جانب المهيمِن، أو من أجل إزاحة من ينافسها على الهيمنة. أما المستضعفون في الأرض، وأقصد بهم الأممَ والشعوب الذين فرِض عليهم التخلف والتبعية، والمثقفين والعلماء الأحرار في العالم أجمع، فلا يعنيهم بالضرورة تبني هذا التأويل أو ذاك، وإلا كانوا يصطفون إلى جانب إحدى الإطروحات المتناحرة. ما يهم هؤلاء هو أن يتخذوا من الجائحة، وبغض النظر عن مسبباتها ومقاصدها، ما يُمكِّنهم من أن يفكروا في بدائل جديدة لفرض وجودهم، وإلا فإنهم سيظلون فئران تجارب للقوى العالمية المتصارعة.

٭ كاتب مغربي

القدس العربي

—————————-

ترامب يعلّق المساهمة المالية الأمريكية في منظمة الصحة العالمية

واشنطن: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء تعليق المساهمة المالية الأمريكية في منظّمة الصحة العالمية، في قرار أثار موجة تنديد دولية.

ووجّه الرئيس الأمريكي لائحة اتّهام مطوّلة إلى المنظّمة الدولية، قائلا إنّ “العالم تلقّى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات” الناجمة عن وباء كوفيد-19.

وأضاف ترامب الذي كان يتحدث من حدائق البيت الأبيض: “آمر اليوم بتعليق تمويل منظّمة الصحة العالمية أثناء إجراء مراجعة لتقييم دور منظمة الصحة العالمية في سوء الإدارة الشديد وإخفاء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ”.

وأشار ترامب إلى دراسة “معمّقة جداً” يمكن أن تستمرّ بين ستين وتسعين يوماً.

    President @realDonaldTrump is halting funding of the World Health Organization while a review is conducted to assess WHO’s role in mismanaging the Coronavirus outbreak. pic.twitter.com/jTrEf4WWj0

    — The White House (@WhiteHouse) April 14, 2020

والولايات المتحدة هي أكبر مساهم في تمويل منظمة الصحة العالمية التي تتخذ من جنيف مقراً لها.

ولفت الرئيس الأمريكي إلى أن مساهمة بلاده في تمويل المنظمة كان يراوح بين 400 و500 مليون دولار سنوياً مقابل مساهمة الصين البالغة حوالي 40 مليون دولار “وحتى أقلّ”.

وأكدت بكين الأربعاء أنها دفعت 20 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية، في إشارة إلى هبة قدّمتها الصين للمنظمة في شهر آذار/مارس.

– “هذا ليس وقت خفض موارد” –

وانتقد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بشدّة قرار ترامب معتبراً أنّ “هذا ليس وقت خفض موارد” منظمة دولية كهذه منخرطة في المعركة ضدّ وباء كوفيد-19.

وفي بيانه الذي اتّسم، على غير عادة، بنبرة حادّة، أوضح أنه بعد انتهاء الأزمة “سيكون هناك وقت” لفهم كيف نشأ المرض وتفشى.

وكان غوتيريش دافع في الثامن من نيسان/أبريل الجاري عن المنظّمة بعدما وجّه إليها ترامب وابلاً من الانتقادات.

من جهتها، أعربت الصين عن “قلقها الشديد” حيال القرار. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن “هذا القرار سيُضعف قدرات منظمة الصحة العالمية وسيقوّض التعاون الدولي ضد الوباء”.

بدورها، دانت ألمانيا القرار الأمريكي، معتبرة أن “اللوم لا يفيد” حالياً. وكتب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في تغريدة: “علينا العمل بتعاون وثيق ضد كوفيد-19”. وأضاف أن “أحد أفضل الاستثمارات هو تعزيز الأمم المتحدة وخصوصا منظمة الصحة العالمية التي ينقصها التمويل مثلا لتطوير وتوزيع معدات الفحص ولقاحات”.

كذلك، أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن “أسفه العميق” لتعليق المساهمة المالية الأميركية. وكتب بوريل على تويتر: “ليس هناك أي سبب يبرر” هذا القرار في وقت تُعتبر جهود منظمة الصحة العالمية “ضرورية أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في احتواء وتخفيف (انتشار) الوباء العالمي”.

واعتبر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد الأربعاء في تغريدة أن القرار الأمريكي “مؤسف للغاية”.

– “الصين دائماً على حقّ” –

وقال ترامب إن “من واجب” الولايات المتحدة المحاسبة.

وأضاف: “لو أنّ منظّمة الصحّة العالمية قامت بعملها بإرسال خبراء طبيّين إلى الصين لتقييم الوضع على الأرض بشكل موضوعي وفضحت عدم شفافية الصين، لكان من الممكن احتواء تفشّي المرض في مهده مع عدد قليل جداً من الوفيات”.

وتابع: “لدينا مشاكل معهم منذ سنوات”.

وما أثار غضب ترامب بشكل خاص هو انتقادات منظمة الصحة العالمية لقراره في أواخر كانون الثاني/يناير، القاضي بمنع دخول إلى الولايات المتحدة المسافرين القادمين من الصين — وهو إجراء لا يزال يتفاخر به ترامب ويؤكد أنه أبطأ وصول الفيروس.

وقال ترامب إن “الصين دائماً على حقّ” في رأي منظمة الصحة العالمية.

(أ ف ب)

————————-

الغارديان: قرار ترامب تحويل منظمة الصحة العالمية لكبش فداء هو محاولة للتغطية على فشله في التصدي لكورونا

قال مراسل صحيفة “الغارديان” جوليان بورغر، إن الرئيس الأمريكي وجد في منظمة الصحة العالمية هدفا يخفي وراءه فشله في التعامل مع أزمة كوفيد- 19، مشيرا إلى أن القرار غير الشريف لوقف الدعم عن المنظمة سيعرض الصحة العامة للخطر، خاصة أن التحرك من الرئيس جاء وسط مواجهة مع وباء عالمي، إلا أنه وجد المنظمة كبش فداء مناسب ليلقي عليها مسؤولية تأخر إدارته والفوضى التي اتسم بها رده على الأزمة.

وتعتبر الولايات المتحدة أكبر متبرع لمنظمة الصحة العالمية، حيث تقدم لها سنويا 400 مليون دولار، كمساهمة عضوية وتبرعات، رغم أنه هناك مستحقات عليها بـ200 مليون دولار.

ومن الناحية النظرية لا يستطيع البيت الأبيض وقف تمويل المنظمات الدولية والذي يفوضه الكونغرس بعمله. إلا أن الإدارة وجدت طرقا للتحايل على المعوقات التي يضعها الكونغرس، من خلال عدم دفع الأموال أو فرض العقوبات مثلا. ويمكن للإدارة إلغاء التمويل بشكل رسمي، إلا أنها بحاجة لموافقة من الكونغرس أو يمكن إعادة برمجتها من خلال تحويلها إلى مصدر آخر يقترحه البيت الأبيض ويقول إنه متوافق مع قرار وإرادة الكونغرس.

وتقول ألكسندرا فيلان، البروفسورة في مركز علم الصحة الدولية والأمن بجامعة جورج تاون: “مهما كان الشكل الذي سيتخذه، فهذا قرار ينم عن ضيق نظر وخطير علاوة على صدوره وسط وباء”.

وقال غافين يامي، مدير مركز أثر السياسة على الصحة الدولية بجامعة ديوك: “هذا قرار غريب سيترك أثره العميق على الصحة الدولية العامة”، وأضاف أنه “يحاول حرف النظر عن أخطائه التي قادت إلى أسوأ رد حكومي على كوفيد- 19″.

وهناك الكثير من المسؤولين انتقدوا أداء المنظمة خلال الوباء، ولكنه أحسن من أدائها أثناء وباء إيبولا عام 2014، وبالتأكيد أفضل من الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة الأمريكية مع الأزمة الحالية.

وبدأت منظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر حول انتشار الفيروس في مدينة ووهان في الخامس من كانون الثاني/ يناير. وفي 7 كانون الثاني/ يناير أخذت بإصدار إيجازات يومية للمسؤولين الصحيين في الولايات المتحدة وبقية الحكومات الأخرى عبر مؤتمرات بالفيديو. وفي 9 كانون الثاني/ يناير، وزّعت المنظمة إرشادات للدول الأعضاء لكي تقوم بتقييم المخاطر والتخطيط لمواجهة الفيروس.

وبدأ ترامب وأنصاره بالتركيز على تغريدة لمنظمة الصحة العالمية في 14 كانون الثاني/ يناير والتي نشرتها على تويتر، واحتوت على ما توصلت إليه دراسة صينية “بعدم وجود أدلة واضحة” عن انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان.

وفي الوقت الذي يجب فيه على المنظمة نشر ما توصلت إليه الدول الأعضاء فيها، خاصة الدولة التي نشأ فيها الفيروس، إلا أن المسؤولين أخبروا نظراءهم في الدول الأخرى في 10 و11 كانون الثاني/يناير، في تقاريرهم وفي المؤتمرات الصحافية في 14 كانون الثاني/ يناير، ولم يستبعدوا فيها إمكانية انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، في ضوء التجارب السابقة مع أنواع كورونا الأخرى.

 ويرى  يامي أن من السخافة بمكان توجيه تهمة الوباء إلى جهة بعينها وربطه بتغريدة نشرتها المنظمة بداية الأزمة “كل قضية تتعلق بالعلم هي وجود فرضيات أولية وفكرة مبدئية ونقوم بتحديث هذه الأفكار بناء على البيانات التي تظهر لاحقا”.

وفي 23 كانون ثاني/ يناير، قامت المنظمة بتعديل روايتها عن التهديد الذي يمثله فيروس كورونا مؤكدة انتقاله من شخص إلى آخر، وحذرت من المخاطر التي يمثلها على المجتمع الدولي. وبعد أسبوع أعلنت عن حالة طوارئ عالمية.

إلا أن ترامب اتهم يوم الثلاثاء المنظمة الدولية بعدم إرسال خبراء إلى مصدر الوباء لجمع العينات، وكان هذا الفشل نكسة في جهود مكافحة الفيروس. ولم يقل ترامب إن الصين منعت وفد المنظمة الدولية من زيارة ووهان في الأسابيع الأولى من انتشاره. وكان على مدير المنظمة تدروس أدانوم غيبرسيوس السفر شخصيا إلى بكين ولقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ في 29 كانون ثاني/ يناير للتفاوض حول السماح لفريق المنظمة بالدخول إلى المدينة المنكوبة والتشارك في المعلومات. وسُمح لفريق المنظمة بدخول ووهان في 23 شباط/ فبراير. ويُتهم مدير المنظمة بمغازلة الرئيس الصيني، إلا أن أنصاره يرون أن هذا كان ثمن السماح لوفد المنظمة بدخول ووهان.

وقام الرئيس ترامب بأكثر من المغازلة مع الصين، ففي تغريدة نشرها يوم 24 كانون ثاني/ يناير، قال فيها: “تقوم الصين بمحاولات جادة لاحتواء الفيروس وتثمن الولايات المتحدة جهودهم وشفافيتهم”.

كما أن زعم عدم توفر العينات تسببت في شلل المجتمع الدولي لمواجهة الفيروس غير صحيحة، ذلك أن العلماء الصينيين نشروا التسلسل الجيني لكوفيد- 19 في 11 كانون ثاني/يناير.

وبحلول شباط/ فبراير، كانت المنظمة توزع الفحوصات لكوفيد- 19 حول العالم. ولكن الولايات المتحدة قررت عدم تسريع طلبها، وقام مركز السيطرة على الأمراض ومنعها، بإجراء فحصه الخاص في نفس الوقت، وكان غير صحيح ولهذا تمت استعادته.

وكان الفحص الأمريكي متأخرا ستة أسابيع مقارنة مع الفحص العالمي. ولعدم وجود فحوصات في الولايات المتحدة خلال شباط/ فبراير وقلة أعداد المصابين، اعتقد ترامب أن بلاده قد أفلتت من الفيروس. وتفاخر في 24 شباط/ فبراير بالقول: “فيروس كورونا تحت السيطرة في الولايات المتحدة” و”نحن على تواصل مع الجميع وكل الدول المعنية. ويعمل مركز السيطرة على الأمراض مع منظمة الصحة العالمية يداً بيد وبطريقة ذكية وبدأت الاسواق المالية تبدو جيدة بالنسبة لي”.

وقرر ترامب التحرك ضد المنظمة الأسبوع الماضي، بعدما بدا أن الأعداد المتزايدة من الوفيات والإصابات هي نتاج عجز وتواطؤ إدارته. ويمكن أن تقوم دول أخرى بتعويض المساعدة الأمريكية، خاصة أنها عبرت عن ثقتها بالعمل الذي تقوم به المنظمة الدولية.

وأعلنت بريطانيا عن 200 مليون جنيه استرليني لمكافحة الوباء عالميا، منها 65 مليوناً ستذهب إلى منظمة الصحة العالمية. ولا يعرف أثر قرار ترامب تحويل منظمة الصحة العالمية لكبش فداء على الانتخابات الأمريكية، لكن قراره سيكون دليلا جديدا على تخلي الولايات المتحدة عن ريادتها العالمية.

—————————

مدير منظمة الصحة العالمية: “لا وقت نضيعه” و”الهم الوحيد” إنقاذ الأرواح من الوباء

جنيف: أعلن مدير منظمة الصحة العالمية الأربعاء بعد إعلان ترامب تعليق التمويل الأمريكي لها أنه “لا وقت نضيعه” و”الشاغل الوحيد” إنقاذ الأرواح من وباء كوفيد-19.

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس على حسابه على تويتر: “لا وقت نضيعه. الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية مساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشي فيروس كورونا المستجد” دون ذكر قرار ترامب.

    There is no time to waste. @WHO’s singular focus is on working to serve all people to save lives and stop the #COVID19 pandemic. https://t.co/08xlv7HLC4

    — Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) April 15, 2020

————————————

فرنسا تأسف لقرار ترامب بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية

باريس: قالت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي اليوم الأربعاء إن فرنسا تأسف لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية.

وكانت ندياي تتحدث بعد اجتماع لمجلس الوزراء قرر حزمة إنقاذ بقيمة 110 مليارات يورو لدعم الاقتصاد أثناء أزمة فيروس كورونا.

وندد قادة العالم اليوم الأربعاء بقرار ترامب وقف التمويل عن منظمة الصحة العالمية بسبب طريقة تعاملها مع وباء فيروس كورونا، مطالبين بالتعاون والاتحاد.

(رويترز)

——————————–

الاتحاد الأوروبي.. “خارطة طريق” مشروطة لرفع قيود كورونا

بروكسل: كشف الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، عن “خارطة طريق” مشروطة، تتعلق برفع تدريجي للقيود والتدابير المتخذة لمكافحة فيروس كورونا، لدى الدول الأعضاء.

جاء ذلك على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل، في مؤتمر صحافي مشترك، في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وأوضحت “فون دير لاين” أن التدابير المتخذة لدى بلدان الاتحاد الأوروبي ساهمت في تقليص أعداد الإصابات بالفيروس وتعزيز مواجهة النظام الصحي للوباء، لكنها تسببت بتبعات اقتصادية وتكاليف مالية أيضاً.

وأعلنت المسؤولة الأوروبية قبول الاتحاد “خارطة الطريق” المتعلقة برفع دوله التدابير والقيود المتخذة لمكافحة الفيروس، مستدركةً أن هذه الخارطة لا تعني الرفع الفوري للقيود والتدابير، بل تشكّل إطاراً معيناً للدول الأعضاء، وتقترح رفع القيود بشكل تدريجي ومتابعة نتائجها بشكل مستمر ودقيق.

وشددت على أن رفع القيود مرتبط بـ 3 شروط مسبقة، هي وجود تراجع كبير في انتشار فيروس كورونا لدى البلدان، وامتلاكها النظام الصحي الكافي، والقدرة على المتابعة المستمرة بعد رفع القيود.

وفي سياق متصل، أشارت المسؤولة الأوروبية إلى الحاجة لمبادرة عالمية من أجل القضاء على الوباء، معلنةً عن عقد مؤتمر في 4 مايو/أيار المقبل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لجمع التبرّعات من بلدان العالم لهذا الخصوص.

وحتى ظهر الأربعاء، تجاوز عدد مصابي كورونا حول العالم مليوني حالة، توفي منهم أكثر من 127 ألفا، فيما تعافى ما يزيد على 491 ألفا، بحسب موقع “Worldometer”.

(الأناضول)

————————————

ما مدى تأثير وقف ترمب تمويل منظمة الصحة العالمية عليها؟

رغم حالة الطوارئ الصحية نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء أمس (الثلاثاء) تهديده بتعليق المساهمة المالية الأميركية في منظمة الصحة العالمية التي يتهمها «بسوء الإدارة» في مواجهة وباء «كوفيد – 19» الذي انطلق من الصين في نهاية عام 2019.

وكانت الولايات المتحدة هي أكبر مساهم في المنظمة في المنطقة، حيث تدفع لها أكثر من 400 مليون دولار سنوياً، أي نحو 10 أضعاف المبلغ الذي تدفعه الصين.

وقدمت مجلة «ذا كونفيرسيشن» الأميركية تحليلاً مفصلاً عما يعنيه هذا القرار للمنظمة.

كيف يتم تمويل منظمة الصحة العالمية؟

تتلقى منظمة الصحة العالمية معظم تمويلها من مصدرين أساسيين، الاشتراكات المقدّرة والمساهمات الطوعية.

والاشتراكات المقدّرة هي مستحقات تدفعها البلدان لتكون عضواً في المنظمة. ويتم حساب المبلغ الذي يتعين أن تدفعه كل دولة على أساس الناتج المحلي الإجمالي وتعداد السكان.

ولكن هذه الاشتراكات تشكل فقط ربع تمويل المنظمة، حيث يأتي بقية التمويل من المساهمات الطوعية، التي تقدمها الحكومات والمنظمات الخيرية لتمويل مشاريع أو مبادرات محددة، مما يعني أن منظمة الصحة العالمية لن يكون لديها القدرة على الاستفادة سحب هذه الأموال من المبادرات والمشاريع لاستخدامها في حالات الطوارئ مثل جائحة «كوفيد – 19».

هل سحبت أي دولة تمويلها للمنظمة من قبل؟

على مدار أكثر من 70 عاماً من تأسيسها، فشل عدد من الدول في دفع اشتراكات العضوية في الوقت المحدد.

في عام 1949 أعلن الاتحاد السوفياتي السابق رغبته في الانسحاب من المنظمة، ولكن مع عدم وجود نص قانوني يسمح بالانسحاب، فقد رفضت المنظمة الطلب، فرفض الاتحاد السوفياتي دفع اشتراك عضويته لعدة سنوات.

وعند انضمامه مرة أخرى للمنظمة في عام 1955. طالب الاتحاد بتخفيض قيمة الاشتراكات السابقة التي لم يدفعها فوافقت المنظمة على ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، تأخرت بعض الدول الأخرى في دفع اشتراكاتها المقدرة في كثير من الأوقات، الأمر الذي عرض المنظمة لخطر الإفلاس أكثر من مرة.

هل تم توجيه أي نقد سياسي لمنظمة الصحة العالمية من قبل؟

نعم. في عام 2009. اتُهمت منظمة الصحة العالمية بالتسرع في تصنيف إنفلونزا الخنازير كوباء عالمي، حيث قالت الانتقادات إن هذا التسرع جاء تحت ضغط من شركات الأدوية لتسويق عقاراتها وزيادة مبيعاتها.

وبعد خمس سنوات، اتُهمت المنظمة بالتأخر في تصنيف «إيبولا» كوباء خطير، وبإساءة تقدير حجم المرض الذي أودى بحياة أكثر من 11 ألف شخص بين عامي 2014 و2016.

وانتقد ترمب منظمة الصحة العالمية لعدم تصرفها بسرعة كافية وعدم إرسال خبرائها لتقييم جهود الصين لاحتواء فيروس كورونا.

وتقول منظمة الصحة إنها لا تتمتع بالسلطة لإجبار الدول الأعضاء على قبول فريق من خبرائها لإجراء أي تقييم لجهودها، أو مشاركة أي معلومات تخصها.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المنظمة إلى أنها أرسلت بالفعل فريقاً من الخبراء للصين في منتصف فبراير (شباط) لتقييم الأوضاع بعد حصولها على موافقة الحكومة. وقد قدمت نتائج هذا التقييم معلومات مهمة حول الفيروس وجهود الصين لوقف انتشاره.

هل للصين تأثير متزايد على منظمة الصحة العالمية؟

انتقدت غرو هارلم برونتلاند، المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة الصين علناً وقت انتشار فيروس سارس في عام 2003 قائلة إنها حاولت إخفاء تفشي الفيروس.

وتعرضت الصين مؤخراً لاتهامات من بعض الدول والقادة بعرقلة محاولة تايوان للانضمام إلى المنظمة.

لكن الصين هي في نهاية المطاف مجرد دولة واحدة من بين 194 دولة عضو في منظمة الصحة العالمية.

ماذا يحدث بعد وقف الولايات المتحدة تمويل المنظمة؟

قد تتسبب هذه الخطوة في إفلاس منظمة الصحة العالمية في منتصف الوباء.

وهذا يعني أن المنظمة لن تكون قادرة على تنسيق الجهود الدولية حول قضايا مثل أبحاث اللقاحات، وشراء معدات الوقاية الشخصية للعاملين الصحيين، وتقديم المساعدة الفنية وإرسال الخبراء لمساعدة البلدان على مكافحة الوباء.

بالإضافة إلى ذلك، لن يتمكن الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل من الحصول على الأدوية الحيوية المطلوبة لمكافحة الوباء.

————————————–

خطر الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا/ عمرو حمزاوي

تألمت بشدة حين طالعت الخبر المتعلق بتجمهر نفر من أهالي قرية في محافظة الدقهلية المصرية (شبرا البهو) رفضا لدفن جثمان طبيبة توفيت إثر إصابتها بفيروس كورونا المستجد في مقابر القرية خشية انتشار الفيروس.

تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا والتنمر على ذويهم والامتناع عن التضامن معهم هي نقيض ما تحتاجه مصر اليوم، شأنها في ذلك شأن بقية بلدان عالمنا التي يفرض عليها انتشار كورونا أزمات صحية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.

تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا طال في محافظة الدقهلية جثمان طبيبة، حتى وإن لم تشارك في جهود إغاثة وإسعاف وعلاج المصابين لكونها كانت غير متفرغة، تنتمي للفرق الطبية التي تبذل عناصرها جهدا هائلا لإنقاذ المصابين من خطر الموت وتضع سلامتها الشخصية على المحك في سبيل مساعدة الناس. هذه لحظة للامتنان للأطباء والممرضين والقائمين على أعمال الرعاية الصحية والشعور بالعرفان لهم وهم يضطلعون بمهنتهم السامية في وجه فيروس ينتشر دون توقف ولا يملك عالمنا له لا مصلا ولا علاجا مضمون النتائج.

تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا عبث في محافظة الدقهلية بحرمة الموت ولم تحل لا تعاليم الدين ولا الحدود الدنيا من الالتزام الأخلاقي والإنساني بينه وبين إبقاء جثمان الطبيبة المتوفية معلقا دون دفن في سيارة الإسعاف التي نقلته إلى المقابر ولولا تدخل قوات الأمن وفضها لتجمهر الأهالي لما تمكنت الأسرة المكلومة من إكرام الطبيبة بدفنها.

حسنا فعلت وزارة الصحة المصرية بالخروج الفوري على الرأي العام ببيان لا يتوقف عند الإدانة، بل يتجاوزها إلى شرح علمي لإجراءات الأمان الواجب إتباعها عند نقل ودفن جثامين ضحايا كورونا لكيلا ينتشر الفيروس. حسنا فعل رئيس الوزراء حين تواصل هاتفيا مع زوج الطبيبة المتوفية واعتذر منه عما حدث، في استمرار للإدارة الجيدة لأزمة كورونا من قبل الحكومة. وحسنا فعل شيخ الأزهر الذي عبر عن حزنه إزاء غياب تضامن البعض مع الضحايا والمصابين، وذكر الجميع بكونهم في مرمى نيران الفيروس وغير بعيدين عن مساره الخطير على نحو يتطلب الابتعاد عن الوصم الاجتماعي، وطالب كل المصريين مسلمين ومسيحيين بتغليب إنسانيتهم على استثارة الخوف والأنانية والقسوة وتهييج المشاعر.

في الواقعة المؤلمة لطبيبة محافظة الدقهلية جاء أداء المؤسسات الثلاث، وزارة الصحة ورئاسة الوزراء والأزهر الشريف، معبرا عن تضافر جهود الدولة المصرية بكافة مكوناتها للسيطرة على انتشار كورونا وعلاج المصابين وحماية صحة المواطنين. من الاعتماد على الفرق الطبية والعلماء والمتخصصين في مواجهة فيروس خطير يواجه أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم بتحديات بالغة، مرورا بتوظيف كل الأجهزة والطاقات الحكومية للحد من آثار الفيروس الخطيرة على الصحة العامة والاقتصاد، وصولا إلى اعتماد خطط محددة لتحفيز الاقتصاد ومساعدة الفئات الأكثر تضررا كالعمالة غير المنتظمة والتنسيق بين الحكومة وبين المحافظات والمحليات لضمان فاعلية تنفيذ إجراءات حظر التجوال والحجر الصحي وضمانات الأمان للأطقم الطبية، تدلل هذه الخطوات على مساع حقيقية للإدارة الناجحة للأزمة.

غير أن الواقعة المصرية لم تكن واقعة الوصم الاجتماعي الوحيدة التي تناقلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل في بلاد العرب والشرق الأوسط أنباءها. فمن الكويت، خرجت طائفة قليلة العدد بخطاب شديد العنصرية ومضاد لكل القيم الإنسانية باتجاه العمالة غير المنتظمة وغير الشرعية التي وصمت جهلا بالتسبب في انتشار الفيروس ونقل العدوى إلى المواطنين واتهمت ظلما بالاستيلاء على ما ليس لهم به حق من خيرات البلاد. وحسنا فعلت السلطات القضائية الكويتية بالإفصاح عن توجهها لمساءلة مروجي مثل هذا الخطاب العنصري البغيض. وفي إيران، تواترت على نحو صادم وقائع انتحار بعض المصابين بفيروس كورونا خوفا من الوصم الاجتماعي وانتحار بعض ذوي من سقطوا ضحايا لكورونا من جراء غياب التضامن المجتمعي والإنساني معهم. هنا أيضا تدخلت المؤسسات الحكومية والمرجعيات الدينية للتوعية بضرورة التضامن مع الضحايا ومناشدة المواطنين تغليب إنسانيتهم على الخوف والقسوة.

ليس زمن كورونا هو زمن عودة الدولة بمؤسساتها وأجهزتها فقط، بل هو أيضا زمن التدليل على أن الدولة حتى وإن غابت عنها الطبيعة الديمقراطية وتراجعت إمكاناتها في بعض المواقع تظل الفاعل الأكثر عقلانية ورشادة وإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة.

كاتب من مصر

القدس العربي

—————————————-

الخروج من وإلى العولمة: عن بيللو والصين والقوى المنتجة/ وسام سعادة

قبل أعوام قليلة من أزمة 2007 ـ 2008 المالية العالمية المبتدئة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، خرج عالم الإجتماع والسياسي اليساري الفيليبيني والدن فلوريس بيللو بكتاب يستشرف فيه عصر «الخروج من العولمة»، والرجعة القهقرى إلى محورية السوق الداخلية في كل بلد، على حساب السوق المعولمة.

بعد انفجار الأزمة العالمية وتسابق الناس إلى الأخذ بأطروحته في الفكاك عن العولمة، استدرك بيللو وكان سبّاقاً إلى الإقرار بأنّ هذا الفكاك تأجّل. فالصين، التي خسر عشرات الملايين من عمّالها وظائفهم ابان أزمة 2008، هي التي تطوّعت وتمكّنت، ولأكثر من عقد، من انقاذ تلك العولمة، وبثّت مقولة «التشبيك الكوني»، التي وجدت ترجمتها المباشرة في احياء طرق الحرير البرّية والبحرية، وفي بروز الزعيم الصيني شي جين بينغ الذي يستجمع منذ 2012 سلطات لم يصل إليها أسلافه على رأس الدولة والحزب والجيش، بمظهر المدافع عن العولمة أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، في مقابل نزعة حمائية انطوائية تجاه حركة السوق العالمية ستتنامى في الغرب، وتبلغ مداها مع دونالد ترامب.

مقدار الصحّة في نظرة والدن بيللو ليس بقليل. الصين هي التي أنقذت العولمة طيلة العشرية الماضية. وتماشى ذلك في البدء مع استمرار حاجتها لتطوير القوى المنتجة ولإستيراد المعرفة التكنولوجية، ولأنّها لا تكمل مع أحد في هذه الدنيا، فقد وصلت عملية تطور القوى المنتجة داخل الصين الشعبية إلى لحظة تباطؤ في السنوات الأخيرة، بفعل تقاطع جملة مستويات وعوامل. فتحسن معيشة الصينيين أنفسهم، أدّى إلى ازدياد حصة الطلب الداخلي لإستهلاك السلع على حساب التصدير إلى الخارج الذي يدرّ ربحية أعلى، وأدّى من جهة ثانية إلى تحسن أجور العمال والموظفين في الصين بشكل زاد من كلفة الإنتاج.

وجاءت السياسات الحمائية في الغرب، لا سيّما في أمريكا، وارتفاع كلفة المواد الأولية التي تستوردها الصين، جراء سياسة ترامب أيضاً، وارتفاع كلفة النقل على الصعيد العالمي بشكل عام في السنوات الأخيرة، لتعميق مسار التباطؤ في حركة نمو الإقتصاد الصينيّ. يضاف إلى هذا تراجع الهجرة من الأرياف إلى المدن الكبرى في العشرية الأخيرة بشكل كبير، ووجود سياسة حكومية تلاقي ضغط سكّان المدن في هذا الإتجاه. كما يضاف ارتفاع سلّة الواردات من السلع المنتجة في الغرب التي تسعى إليها البرجوازية الصينية الجديدة. فالصين تصدّر سلعاً «شعبية» إلى كل بلدان العالم، وإلى الغرب بشكل أساسي، أما البرجوازية الصينية فتقبل على السلع «اللوكس» المصنّعة في الغرب.

المفارقة أنّ الصين استطاعت في السنوات الأخيرة التي دخل فيها اقتصادها طور التباطؤ في النمو، أن تنتقل من ساع محموم لاستيراد المعرفة التكنولوجية الغربية بأية وسيلة، وبالقفز على حقوق الملكية الفكرية إلى ناشطة في عالم الإبتكار.

تشابك تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني في الأعوام الثلاثة الأخيرة مع تباطؤ في التبادل السلعي على الصعيد العالمي في نفس الفترة، فشاع الحديث عن «السلوباليزيشن» أو «الحلزنة» كمسار مختلف سواء بسواء عن الركود الواسع بعد أزمة 2008، أو عن عودة الرواج بعد 2012. في المقابل، استطاعت أمريكا، السبّاقة إلى تبني شعار والدن بيلو «من على يمينه» هذه المرة، مع دونالد ترامب، معاودة النمو، بدءاً من تطوير القوى المنتجة والقاعدة الصناعية مجدّداً، طبقاً للرجعة إلى الحمائية، إنما حمائية غير مرفقة بحماية اجتماعية وصحية للقوى المنتجة، بل العكس تماماً، وهو ما كان فاتحة لوهن كبير ستظهّره أزمة الكورونا المتفاقمة حالياً.

مع تعطيل حال العالم لعرقلة حركة فيروس كورونا، سيسارع صاحب أطروحة «الخروج من العولمة» والدن بيلو مجدّداً إلى مقولته هذه. ويعتبر أنّ ما تأجّل بعد أزمة 2007 ـ 2008 بفعل الدور الصيني في إنعاش العولمة، عاد وفرض نفسه، وأننا عدنا الى لحظة «الخروج من العولمة»، وردّ الاعتبار للأسواق الوطنية على حساب السوق المعولمة، ويأتي بعدها الصراع في كل بلد كيف يستثمر هذا، لتصاعد النزعات اليمينية الشوفينية، أم لظهور بديل ايكولوجي اجتماعي شعبي.

بشكل عام، ينبغي التروي قبل تحديد أثر أزمة الكورونا على حركة الاقتصاد العالمي. فإذا كانت الصين، في تحليل بيللو، هي التي أنقذت العولمة في العشرية الأخيرة، فلا يمكن المصادرة على المرحلة المقبلة. فالسؤال يتّصل بالرأسمالية قبل أن يتّصل بالعولمة. أفلتت الرأسمالية منذ قرن ونيّف من كل الانتظارات المتشائمة حول قدرتها على تطوير القوى المنتجة، ومن كل الأزمات والصدمات التي تمكّنت بالفعل من ايقاف هذا التطوير في مكان بعينه أو في مرحلة بعينه، لتكون النتيجة معاودة تطوّر القوى المنتجة بشروط ووتائر أخرى في مرحلة تالية أو في منطقة أخرى.

والعولمة من حيث هي تنامي السوق المعولمة على حساب الأسواق الوطنية بشكل متعاظم في نهايات القرن العشرين كانت منعطفاً في هذا الإطار، وهي واجهت منذ نهاية الحرب الباردة أزمتين اقتصاديتين كبريين، «الأزمة الآسيوية» عام 1997، كأزمة فائض الإنتاج معطوفة على فوضى المضاربات، والأزمة المالية العالمية 2007-2008 كأزمة تضخّم فقاعة رأس المال المالي في مقابل انكماش تطوّر القوى المنتجة.

ليست هذه الأزمات مجرّد «أزمات دوريّة» أو «عاديّة» ولا هي تسارع للتاريخ بإتجاه انهيار الرأسمالية، بشكل أبوكاليبسي، من تلقائها. الرأسمالية تنتج «حفّاري قبرها»، انما تنتجهم بشكل «مستدام» حتى اشعار آخر. والأمر يتخذ سياقاً محموماً للغاية بمقدار توسّع التواصل والتشابك: فمع العولمة، كل تطوير للقوى المنتجة يطوّر بشكل سريع نسبياً العراقيل والحواجز أمامه، فيكون سريع العطب للغاية. وحتى التدمير الهائل للبيئة والتنوع الحيوي، وما يترتب عليه من سياق «إيكولوجي» لأزمات تطوّر القوى المنتجة على الصعيد العالمي، فإنّ التعكيز عليه وحده للبناء على أنّ الرأسمالية تحفر قبرها من خلال تدميرها للبيئة فيه مقدار كبير من العبث.

العالم الذي يتراجع فيه التنوّع الحيوي سيكون على جانب كبير من البشاعة، لكنّه يمكنه أن يستمرّ أجيالاً مديدة، بل قروناً، ببشاعته المتنامية والمتفاوتة بين الأقاليم تلك. من يمنّي النفس بالفوز على الرأسمالية بـ»نضوب الموارد» يستحضر في سرّه روح مالتوس وليس ماركس.

صحيح أنّه شابت أعمال الأخير تتبعات لمسار التناقضات المتعاظمة في مسار الرأسمالية، إلا أنّ موقفه الفلسفي الثوريّ الأساسي بقي يفصل بين أن تنتج الرأسمالية حفاري قبرها وبين أن تهدي الرأسمالية بالقبور التي تحفرها لنفسها الحرية والسؤدد للقوى المنتجة. «تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم»، شعار ماركس في لحظة اطلاق الأممية الأولى ما زالت له راهنية في هذا الصدد: تحرّر قوى العمل والإبتكار، وانعتاق الأجساد والكلمات، يكون من صنع الفاعلين الذاتيين المنتجين أنفسهم، ولا يكون من خلال «يد خفية» تحكم على الرأسمالية بإفناء ذاتها بذاتها.

بالمطلق، الرأسمالية «قادرة إلى ما لا نهاية» على الإستثمار في حفرها قبورها لنفسها. ستكون أقل قدرة بمقدار تنامي حركة التحرر الذاتي لعموم المنتجين المبدعين والمبدعين المنتجين. بدوره، هذا التنامي بات مشروطاً أكثر فأكثر بالتوقف عن انتظار انهيار الرأسمالية عند كل منعطف، ومشروطاً بالتمييز بشكل منهجي بين مناهضة الرأسمالية من موقع السعي، كلّ في نطاقه وبوعي حدوده، لفكّ سيطرة الرأسمال الشاملة على العلاقات الإجتماعية وتفكيك التشابكات المختلفة التي يعقدها الرأسمال مع شتى أنواع الإضطهاد والإستلاب، وبين مناهضة الرأسمالية من موقع ابتغاء الغاء الرأسمال نفسه.

وإذا كان هناك شيء أساسي يمكن تثمينه في مسيرة الصين بعد ماو، منذ زمن دينغ شياو بينغ إلى اليوم، فهي أنّها أقلعت نهائياً عن كل «عقدة» أيديولوجية من الرأسمال نفسه. لا يلغي هذا في المقابل أنّها أبعد ما تكون اليوم عن «تجسيد» مشروع الإنعتاق الذاتي للمنتجين المبدعين.. لكنّ المفارقة هنا أنّ مسار التحرّر الذاتي لقوى العمل والإبداع قوّته هو مشروع «لا يتجسّد» في نهاية التحليل. إنه يأتي ويذهب ثم يأتي. يُراكِم إنما بشكل مركّب. يراكم في حضوره وفي غيابه، ويشبه بهذا المعنى، في نقطة أساسية، هذه العولمة، التي لا تكاد تخرج من نفسها حتى تدخل إليها.

كاتب لبناني

القدس العربي

———————————

الفيروس الأمريكي والعلاج الصيني!

رأي القدس

تغيّرت موازين الأمور بشكل مذهل بين أمريكا والصين بعد أقل من شهر على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصف بها كورونا المستجد بـ»الفيروس الصيني»، وسخريته من تقاعس بكين في مراحل انتشار الوباء الأولى، وهو الذي أدى لردود فعل صينية من قبيل اتهام أحد مسؤوليها الولايات المتحدة بالمسؤولية واعتبار ما حصل برنامجا أمريكيا للحرب الجرثومية انتقل عبر الجنود الأمريكيين.

سبب التغيّر طبعا أن الصين أعلنت تراجع الجائحة في بلادها إلى حدود صفرية تقريبا، وفتحت مدينة ووهان بعد 76 يوما من عزل قرابة 60 مليون شخص في المقاطعة التي ابتدأ فيها انتشار الوباء، وفي المقابل أصبحت أمريكا البؤرة العالمية الكبرى لتفشي الفيروس فوصل عدد المصابين إلى أكثر من 535 ألفا وتجاوز عدد الوفيات 20 ألف شخص، من دون أن يتجرأ أحد في العالم على ابتداع وصف «الفيروس الأمريكي»، ومن دون أن يشمت برئيسها أو إدارتها.

انقلب الموقف إذن، وبعد أن كانت أمريكا تغلق حدودها بوجه القادمين من الصين وأوروبا، كانت بكين قد تمكنت من قلب الموجة الوبائية لصالحها، ورغم التباطؤ والركود اللذين أصابا اقتصادها، فقد عادت لدورها السابق باعتبارها «مصنع العالم»، وحوّلت الأزمة الطبية العالمية إلى طريقة للكسب الكبير، من جهة، ولخوض حملة علاقات عامّة كبرى، فبينما توالت فضائح الإدارة الأمريكية، كما حصل في التعامل بفظاظة مع استغاثات حاملة الطائرات «روزفلت»، ووصف قائدها بالأحمق، وكذلك بانكشاف نسب الوفيّات الهائلة التي تطال الأقليات والفقراء، وقيامها بالمزايدة على سعر كمامات قادمة من الصين لتحرم منها الشاري الأساسي الذي لم يكن غير حليفتها الأوروبية فرنسا، كانت بكين ترسل الفرق الطبية والمواد الضرورية إلى بلدان كإيطاليا وإيران وصربيا، وتقوم بتكريم الطبيب الصيني المتوفى الذي أبلغ زملاءه بانتشار الوباء فكفّرت عن ذنبها السابق بمطالبة الأمن له بالاعتذار، فتضيف تعزيز سمعتها العالمية على الفوائد الاقتصادية التي بدأت بجنيها.

لم تفعل إدارة الرئيس الأمريكي عمليا، بالتصريحات والقرارات الصبيانية فيما يخص الصين، وما يخص مدنييها وعسكرييها، غير في تسريع انتشار الوباء في بلادها وفي العالم، وبينما تتخبط هذه الإدارة في سياساتها الصحية والمالية، فإن بكين تحقق انتصارات تكتيكية، يمكن لعالم ما بعد كورونا، أن يحوّلها الى انتصارات استراتيجية، وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يخوض حربا اقتصادية مريرة لفرض شروط اتفاق تجاري واقتصادي مع الصين لصالح بلاده، فإن المحصلة الأخيرة لهذا الأمر لم تعد واضحة، والأغلب ألا تكون في صالح الولايات المتحدة، اذا استمرت هذه الإدارة في الحكم.

جاءت جائحة كوفيد 19 الأخيرة لتبطل الكثير من ادعاءات إدارة ترامب، بدءا من شعار «أمريكا أولا»، فبلاده صارت فعلا الأولى ولكن في انتشار الوباء المخيف بدل أن تكون القوة العظمى التي تقود الكفاح ضده.

إضافة إلى القوة العسكرية والعلمية، فقد كانت أمريكا محط أنظار العالم باعتبارها أهم الديمقراطيات العالمية، ولكن السيرك الذي يديره ترامب، والذي سلّم فيه ملف كورونا إلى صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وعدد الوفيات الهائل، والفضائح المتزايدة على كافة الأصعدة أناخت بقتامتها على صورة أمريكا بأكملها، وجعلتها «مسخرة» في أعين الشعوب والساسة، وهو ما سمح للصين، البلد الدكتاتوري الذي يحمل ملفا هائلا من الانتهاكات ضد البشر، أنموذجا يتفوق بكثير على النموذج الترامبي العتيد.

———————————

الوباء يؤجج العنصرية: استهداف للسود في الصين وللمسلمين في الهند وللعمال في السعودية

لندن ـ «القدس العربي»: اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس الثلاثاء، دولاً بينها مصر والصين، بـ«استغلال» انتشار كورونا لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، والتضييق على الحريات. وجاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة الحقوقية الدولية أظهر أن المسؤولين الحكوميين في مصر ميانمار والهند والصين والولايات المتحدة وزيمبابوي على سبيل المثال، كانوا من بين «أكثر المسؤولين في دول العالم إنكاراً بشأن تقديم معلومات دقيقة حول تفشي الفيروس». وتحدث التقرير عن استغلال بعض حكومات دول العالم فيروس كورنا لـ«التضييق على الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان». وأضاف أن السلطات في كل من «مصر والصين وميانمار وإثيوبيا قامت باعتقال أو احتجاز أو طرد صحافيين وغيرهم، بسبب قيامهم بالتعبير عن آرائهم حول تفشي كورونا عبر وسائل التواصل الاجتماعي».

كما اتهمت «هيومن رايتس ووتش» السلطات الهندية بـ«التقصير وعدم القيام بما ينبغي إزاء حملات التضليل التي انتشرت بشكل ملفت في البلاد والتي تزعم بأن أفراد الأقلية المسلمة هم من يقفون وراء انتشار الفيروس في البلاد». كما انتقدت إصدار نيودلهي أوامر بخفض سرعة تدفق الإنترنت، مما أدى إلى تقليل إمكانية الوصول إلى المعلومات الضرورية بمكافحة الفيروس.

هذا وتتزايد مظاهر العنصرية حول العالم مع التوتر الاجتماعي الناجم عن وباء كورونا المستجد، إذ نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» تقريراً كشفت فيه ما يتعرض له الأفارقة من تمييز عنصري في الصين بحجة فيروس كورونا. وقالت إنه تم طردهم من الفنادق في مدينة غوانغزهو وصودرت جوازاتهم وهو ما أدى إلى تأذي العلاقات الصينية – الأفريقية بعدما رد المسؤولون الأفارقة بغضب على التمييز الذي مورس على المواطنين الأفارقة في مدينة غوانغزهو جنوب الصين والاتهامات التي تعرضوا لها بأنهم المسؤولون عن نشر الفيروس.

وكشفت أشرطة فيديو على منصات التواصل الاجتماعي أفارقة يتم طردهم من البيوت والفنادق وينامون في الشوارع وقد منعوا من دخول المحلات والبقالات.

وانتشرت تقارير أخرى عن إجبار الكثيرين منهم على الحجر الصحي رغم نتائج الفحوص السلبية على كوفيد-19.

وكتب السفراء الأفارقة في بكين رسالة إلى وزير الخارجية، اطلعت عليها الصحيفة، شجبوا فيها ما سموه «التحرش المستمر والإهانة للمواطنين الأفارقة». وتقول الصحيفة إن العائلات التي لديها أطفال صغار أجبرت على النوم في الشوارع بعدما صادرت السلطات جوازات سفرهم.

وقال السفراء: «لقد تم استهداف الأفارقة وفرض عليهم الفحص والحجر الصحي، وهذا بنظرنا لم يقم على قاعدة منطقية وعلمية ويصل إلى حد العنصرية للأفارقة في الصين».

وفي رسالة ثانية وصلت إلى علم مسؤولي الأمم المتحدة ووقعتها مجموعة «عموم المجتمع الأفريقي في غوانغزهو»، اتهم الموقعون الصين بـ «شن حرب» على أفريقيا، معتبرين أن «المعاملة المهينة والكراهية والتمييز الصارخ ضد الأفارقة والذي يجري الآن في غوانغزهو لا يمكن وصفه». كما اعترفت سلسلة مطاعم ماكدونالدز بحادثة رفض العاملون فيها تقديم الخدمة لرجل أسود، مضيفاً أنه اعتذر للشخص بدون تحفظ، وأنه يقوم بتدريب العاملين على أهمية الاحترام والتنوع.

أما في الخليج، فقال مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» بن هبارد، إن ملايين العمال الوافدين وجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في معسكراتهم وبدون عمل وعالقين ولا يعرفون مكاناً يذهبون إليه.

وتابع أنه في السعودية طلبت الشركات السعودية من العمّال الأجانب البقاء في منازلهم ثم توقفت عن دفع رواتبهم. وفي الكويت دعت ممثلة معروفة علانية على التلفاز إلى التخلص من المهاجرين و«رميهم بالصحراء».

كما كشفت الصحيفة أن انتشار الفيروس عزز من موجة الكراهية ضد المسلمين في الهند، وذلك بمشاركة مسؤولين حكوميين ووسائل إعلام محلية. وأشارت في تقرير إلى اتهام وزارة الصحة الهندية جماعةً دينية مسلمة بالمسؤولية عن انتشار فيروس كورونا، في الوقت الذي انتشرت فيه وسوم تحريضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عناوين «قنابل بشرية» و«جهاد الكورونا».

وأكدت الصحيفة أن شباناً مسلمين تعرضوا للضرب العنيف في الشوارع، كما هوجموا بالمساجد، وطُردوا من بعض الأحياء. في ولاية بنجاب مثلاً، «بثت مكبرات الصوت بمعابد السيخ رسائل تطلب من الناس عدم شراء الحليب من أصحاب مزارع الألبان المسلمين، لأنه يحتوي على فيروس كورونا».

وفي سياق آخر، بينما تستمر أعداد الإصابات والوفيات بالارتفاع في بريطانيا والولايات المتحدة، استغلت بعض الدول الأوروبية فرصة انخفاض عدد الوفيات والإصابات اليومية فيها لإعادة تشغيل الاقتصاد. وسمحت إسبانيا والنمسا بالعودة على نحو جزئي إلى العمل بعد عيد الفصح أمس الثلاثاء لكن بريطانيا وفرنسا والهند مددت إجراءات العزل العام بهدف مكافحة فيروس كورونا، أسوأ أزمة صحة عامة تواجه العالم منذ نحو قرن. لكن منظمة الصحة العالمية قالت إن الوضع «قطعا» لم يبلغ الذروة بعد.

وفي إيطاليا، التي سجلت ثاني أعلى حصيلة وفيات في العالم وبلغت 20465 شخصاً، أبقت السلطات على بعض القيود المشددة على الحركة. وستعيد الدنمارك، التي كانت من أوائل الدول الأوروبية التي فرضت قيوداً، فتح مراكز الرعاية النهارية والمدارس للأطفال من الصف الأول إلى الصف الخامس في 15 أبريل/ نيسان. كما فتحت آلاف المتاجر في أنحاء النمسا أبوابها أمس الثلاثاء، لكن الحكومة قالت «إن الخطر لم ينته بعد». وتحركت النمسا مبكرا للتصدي للفيروس حيث أغلقت المدارس والحانات والمسارح والمطاعم والمتاجر غير الأساسية وغيرها من أماكن التجمعات العامة لنحو أربعة أسابيع. وناشدت السكان البقاء في المنازل والعمل منها إن أمكن. وسجلت النمسا 368 وفاة إجمالا وهو ما يقل عن العدد الذي ترصده يوميا بعض الدول الأوروبية الأكبر.

في المقابل، سجلت بريطانيا، التي تواجه حكومتها انتقادات للبطء في إجراء الفحوصات وعدم توفير معدات وقاية على الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس، خامس أعلى حصيلة وفيات في العالم بالفيروس. وقال مستشار بارز في الحكومة إن البلد قد يصبح الأكثر تضررا في أوروبا. وبلغت حصيلة الوفيات في المستشفيات البريطانية 12107 حتى أمس الثلاثاء.

——————————————-

عودة إلى العمل … تعايُش مع الفيروس/ أرنست خوري

الناس لا ينقصها مزيد من الهموم. لا التقليل من حجم كارثة كورونا يجدي، ولكن لا ضرورة لإضافة مسحات سوداء على المشهد القاتم أصلاً. أصبحت الحكاية بلا ألغاز: علينا التعايش مع الفيروس المقيم بين البشر، فلا هو موسمي، ولا موجة سرعان ما تنقضي. لا درجات الحرارة تميته ولا يفعل مرور الزمن إلا كشف مزيد من “خِصال” كورونا وقدراته العجيبة. أصبح فرداً أصيلاً في عائلة الأمراض المعدية التي تعرفها لائحة فيروسات تنمو باضطراد، جزئياً بسبب ما ارتكبناه ولا نزال بحق الطبيعة. التعويل كبير على الطب والعلماء لعلهم يجدون لقاحاً وعلاجاً سريعين، ولكن يُستشف من كلام أهل العلم أنه حتى ولو حصل ذلك، بعد 12 أو 18 شهراً (وفق بشرى منظمة الصحة العالمية)، فإن الإصابة بكورونا ستظل احتمالاً كبيراً بالنسبة لملايين البشر، بسبب سرعة انتقال الفيروس وتطويره نفسه باستمرار، وربما لأن اللقاح، إن وُجد، لن يكون في متناول الجميع. أما والحال كذلك، فما الحلّ في انتظار إصلاح أنظمة الرعاية الصحية وكسر احتكارات شركات الأدوية وتعميم حق الاستشفاء للجميع؟

مرّت أسابيع فقط على إجراءات الإغلاق في العالم، وها هي منظمة العمل العالمية تخبرنا بأن توقف دورة الاقتصاد أثر على ما يقرب من 2.7 مليار عامل حول العالم. منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحدها قد تُلغى فيها 125 مليون وظيفة بدوام كامل على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة. رقم لا يحتسب الملايين من وظائف وأعمال الاقتصاد الموازي “غير الرسمي” الذي لا تتعامل معه أرقام المؤسسات الدولية الرسمية. لا حاجة هنا للدخول بلغة اقتصادية مليئة بنسب مئوية لا تعبّر عن فداحة الموقف. فعبارات تقنية باردة من نوع أن النمو العالمي سيتحول إلى نسب سالبة للمرة الأولى في التاريخ منذ الكساد الكبير (نهاية عشرينيات القرن الماضي)، أو أن الانكماش الاقتصادي العالمي بلغ مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، لا تعني شيئاً مقارنة بعبارات أكثر وضوحاً: ارتفاع نسب انتحار فقراء حول العالم لم يعودوا قادرين على توفير الطعام ولا بدل السكن. ازدياد صارخ لمعدلات سرقة مواد غذائية في المتاجر. ملاحظات كهذه تقدّم صورة مختصرة عن مأساوية الحالة العامة أكثر بكثير من إحصاءات رصد معدلات ركود الإنتاج: ازدياد أعداد ضحايا المجاعة وسوء التغذية والأمية والفقر والبطالة (الصريحة لا المقنعة)، يجعل من احتمال الموت بالمرض خياراً مفضلاً بالنسبة للمعنيين بالمفاضلة، بدل الموت جوعاً، ولتفعل السلطات ما تفعل لمنع خروج البشر إلى محاولة إيجاد عمل، وليتحدث القادرون على المكوث في منازلهم وبطونهم ممتلئة مثلما يشاؤون عن محاسن وإيجابيات الحجر المنزلي وحملات “ابقَ في البيت”.

العودة التدريجية إلى العمل من دون انتظار لقاح وعلاج ليست حلاً وحيداً فحسب، بل سمّ لا مفر من تجرعه بالنسبة لمئات الملايين، وربما المليارات من البشر. خلاصة ربما يُفهم منها خدمةً للرأسمالية. ربما هي كذلك بالفعل، لكنها من نوع الخلاصات الحتمية التي لا بديل عنها مع ما تحمله من نتائج كارثية مؤكدة على ملايين ممّن لا تستطيع أجسامهم العليلة وأعمارهم المتقدمة مقاومة الفيروس وانتظار تكوينها مناعة طبيعية تمكنها من التعايش معه. وهل الرأسمالية مهددة إن طال زمن الإغلاق العام؟ ربما، لكن زبائن الرأسمالية وضحاياها، أي مليارات البشر من خارج فئة الواحد في المئة من أصحاب الثروات والشركات، هم أكثر عرضة للزوال جوعاً من احتمال زوال النظام الاقتصادي المتوحش. ربما تكون هذه أقوى جينات الرأسمالية: ربط مصيرها بمصير ضحاياها أنفسهم. شيء قريب من متلازمة استوكهولم: يا عمال العالم أنقذوني وعودوا إلى العمل وليمت من يموت منكم ومن مرضاكم ومن الطاعنين في السن من أهلكم، لكي يبقى بعضكم على قيد الحياة.

العربي الجديد

—————————————

التجربة الألمانية في مواجهة كورونا…كيف تميزت عن إيطاليا وفرنسا؟/ اسل الحمدو

يعتبر الدكتور فيضي محمود كبير الأطباء في مشفى جامعة إرلنغن الواقعة في مقاطعة بافاريا جنوب شرقي ألمانيا، أن انخفاض نسبة وفيات المصابين بفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، يعود إلى تفسيرات وفرضيات ما تزال في مرحلة الفحص، غير أنها ترتكز بشكل أساسي على متانة النظام الصحي، وقوة وعدد وحدات العناية المشددة، والتي تضاهي ما تملكه عدة دول أوروبية غنية، فضلا عن عدد الفحوص والتحاليل التي تجرى يوميا للكشف عن المصابين بالفيروس، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أن ألمانيا لديها مستشفيات في أقبية مجهزة منذ الحرب العالمية الثانية، وما تزال مغلقة وبإمكانها أن تدخل الخدمة في حال الاحتياج لها.

وتمتلك ألمانيا نظاماً صحياً قوياً يتألف من 1160 مستشفى بسعة 28031 سريرا، بمعدل 33.7 وحدة عناية مشددة لكل 100 ألف شخص، وشغل مرضى كورونا منها 613 سريراً فقط، وفق بيان رسمي أصدره الاتحاد الألماني للعناية المشددة والحالات الطارئة في 26 من مارس/آذار الماضي، كما جرى رفع وحدات العناية المشددة خلال الجائحة إلى 40 ألف وحدة عناية مشددة و30 ألف جهاز تنفس اصطناعي، بحسب بيانات وزارة الصحة الألمانية التي حصل عليها معد التحقيق من مديرة الصحة في برلين جيزوند هايتس آمن.

وبلغ عدد الوفيات بالفيروس 2673 حالة، من إجمالي عدد المصابين البالغ 120479، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية الصادرة في 12 إبريل/نيسان، وهو ما يعني أن عدد المتعافين تجاوز لأول مرة عدد المصابين وفق ما أعلنه معهد “روبرت كوخ” للأمراض المعدية والسارية التابع لوزارة الصحة الألمانية، في بيان صحافي، لافتا إلى أنه تم شفاء 60200 مريض، وتوفي نتيجة هذا المرض 2673 شخصا، وبذلك يكون عدد المصابين 57606.

كيف جرى احتواء عدد الإصابات الكبير؟

يعد معهد روبرت كوخ المؤسسة المرجعية المسؤولة عن تقييم مخاطر وباء فيروس كورونا في ألمانيا، ويقدم توصياته للحكومة لمكافحة انتشار الوباء، ومع توفر وحدات العناية المشددة وأجهزة التنفس الاصطناعي والأوكسجين، بفضل السعة الكبيرة للمشافي الألمانية حصل المصابون على الرعاية اللازمة، بخلاف ما حصل في إيطاليا وإسبانيا، وفق ما تؤكده ميريكي ديغين الناطقة الإعلامية لمعهد روبرت كوخ، والتي أوضحت أنه في 4 إبريل/نيسان كان عدد الإصابات بين من تجاوزت أعمارهم 80 عاماً 5925 حالة من أصل 85778 حالة مصابة بالفيروس.

وتعتبر ديغين أن رفع عدد الفحوصات التي تُجرى لمن يشك الأطباء في إصابتهم، من أسباب احتواء المرض وتقليل عدد الوفيات الناجمة عنه، موضحة أن هذه الاختبارات كان لها الفضل في البدء في رؤية الحالات في مراحل مبكرة من الإصابة بالمرض.

ورفعت ألمانيا عدد التحاليل المخبرية للتأكد من الإصابة بفيروس كورونا من 7115 اختبارا في اليوم الواحد، بمشاركة 28 مختبراً في السادس من مارس الماضي، إلى 103 آلاف اختبار يوميا، ويتراوح عدد الاختبارات بين 517 ألفاً وحتى 724 ألف اختبار أسبوعياً مع نهاية  مارس الماضي بحسب بيانات معهد روبرت كوخ  التي حصل عليها معد التحقيق.

ووفرت شركات ألمانية مثل بوش جهاز فيفاليتك، والذي يعطي خلال ساعتين ونصف الساعة فقط نتائج عالية الدقة حول الإصابة بكورونا، ويستخدم مستشفى ميونخ الجامعي جهازا يجري 100 اختبار مرة واحدة ويعطي نتائج فورية، ويستفيد من الاختبار مظفو القطاع الطبي من أجل إعادة الأصحاء للعمل بدون إخضاعهم لأسبوعي الحجر الاحترازي، وفق ما جاء في مقطع مصور بثته قناة Deutsche Welle.

وبالمقارنة مع التحاليل المخبرية اليومية التي تجرى للتأكد من الإصابة بفيروس كورونا في دول أوروبية، تتفوق ألمانيا في هذا المجال، إذ أجرت فرنسا خمسة آلاف اختبار يوميا، أما إسبانيا فأجرت 15 ألف اختبار يومياً، وبينما أجرت إيطاليا 21 ألف فحص يومياً بالإضافة إلى 50 ألف فحص إجمالي أجرته مقاطعة إيميليا راماغونا حتى تاريخ 31 من شهر مارس/آذار الماضي وفقا لبيانات منظمة الصحة الأوروبية.

استقبال مصابين من إيطاليا وفرنسا

تختلف مستوى جاهزية النظام الصحي في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا عن ألمانيا، من حيث التجهيزات الطبية، خاصة وحدات العناية المشددة، إذ كان لدى إيطاليا في بداية حالة الطوارئ الصحية 5179 وحدة عناية مشددة، ثم رفعت إلى 9284 وحدة عناية، وفق بيانات وزارة الصحة الإيطالية الصادرة في 4 إبريل الجاري، وبدرجة أقل في فرنسا، إذ زادت سعة أسرة الإنعاش من 5 آلاف وحدة عناية مشددة قبل الوباء، إلى 8 آلاف وحدة بحلول 24 مارس الماضي وفق بيانات منظمة الصحة الأوروبية، وتمتلك إسبانيا 3363 وحدة عناية مشددة فقط وفقا لبيانات وزارة الصحة الإسبانية.

واستقبلت مشافي ألمانيا إيطاليين مصابين بالفيروس، بحسب ما قاله الدكتور فيضي محمود والذي عمل 30 عاماً مشرفاً على العناية المشددة، ونقل طيران الجيش الألماني مرضى بالفيروس في ست رحلات، من أجل تلقي العلاج في مشافي ألمانيا حتى الثامن والعشرين من مارس الماضي، وفي اليوم التالي بدأت طائرات عسكرية ألمانية أخرى بنقل مصابين فرنسيين من مدينة ستراسبورغ إلى المشافي الألمانية لمعالجتهم بحسب بيانات حركة طيران الجيش المنشورة على موقعه الإلكتروني.

يوميات الكادر الطبي في مواجهة الفيروس

عايش الطبيب السوري القعقاع المُغير اللحظات الأولى لتفشي الفيروس في ألمانيا، فهو يعمل في مشفى شمال الراين غربي البلاد، ويروي المغير مراحل تطور المواجهة الصحية لكورونا في مشافي ألمانيا، قائلا: “لم نكن نملك حينها معرفة واضحة ورصينة حول الفيروس، وبقيت المسألة على هذا الحال حتى وصول المرض لنا في المشفى وتمكنّا من إجراء فحص على أحد زملائنا ممن أصيبوا من الكادر الطبي. وبدأت بعدها تتوالى حالات الإصابات والوفيات، ووقتها عاشت ألمانيا حالة ارتباك واضحة في الأيام الأولى لتفشي الفيروس، ونقص شديد في الأقنعة والكمامات ووسائل الحماية”.

لاحقا بدأ تنظيم المواجهة مع الفيروس، من خلال تخصيص وحدات إسعاف خاصة للمشكوك في إصابتهم، وإحداث نقلة نوعية بعد زيادة عدد أسرة العناية المشددة، وفق ما قال الطبيب المغير، موضحا أن الحالات التي تعاني من إصابات خفيفة بالمرض يتم إرسال الكثير منها إلى الحجر الصحي في المنازل، والحالات المتوسطة الخطورة والخطرة يتم فرزها من قبل إلى العناية المشددة.

ويضيف الدكتور فيضي محمود إلى ما سبق: “نقوم في الوقت الحالي بإجراء مناوبات تمتد لست أو سبع ساعات متواصلة، يتولى ذات الكادر الطبي العمل فيها مع المرضى الذين تقع على عاتقه رعايتهم، حتى نتجنب ارتفاع عدد الإصابات بين الأطباء في حالة إصابة الطبيب بالمرض حتى لا ينقله إلى زملائه أو غيره من المرضى”، مضيفا أنهم يقومون بأبحاث متواصلة بهدف إنتاج لقاح مضاد”

وسجلت 2300 إصابة بين الأطباء وموظفي الرعاية الصحية ممن تعرضوا للعدوى بفيروس كورونا خلال عملهم، ولم تسجل حالات وفيات بين الكوادر الطبية وفق إحصائيات مديريات الصحة في المقاطعات الألمانية التي نشرت في 3 إبريل، وفي المقابل بلغ عدد المصابين بالفيروس ضمن الأطقم الصحية الإيطالية 8956 مصابا، حسب آخر نشرة صادرة في 30 مارس/ آذار الماضي عن معهد الأوبئة التابع للمعهد العالي للصحة وتسجل الإحصائيات اليومية لتفشي فيروس كورونا في إيطاليا وفاة طبيب واحد أو أكثر، منذ انطلاق حالة الطوارئ في 31 من يناير/ كانون الثاني الماضي بحسب الموقع الرسمي للفيدرالية الوطنية لنقابات الأطباء والجراحين وأطباء الأسنان.

إهمال أماكن إيواء اللاجئين

رغم ما فرضته ألمانيا من إجراءات للحد من تفشي كورونا وخفض الوفيات، إلا أن قوانين الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي أقرتها ألمانيا تتعارض مع ما يحدث في أماكن إيواء اللاجئين، حيث يستخدم الجميع دورات المياه الصحية والمطابخ ذاتها.

انتقال العدوى إلى أحدهم يعرض العشرات في نفس المكان للإصابة، وفق ما وثقه معد التحقيق في لقاءاته مع لاجئين، ومنهم السوري شكري شيخ الذي يقبع مع عائلته في مأوى للاجئين في لاندس هوت، التابعة لمدينة بافاريا منذ أكثر من 21 يوماً تحت الحجر الصحي بسبب اكتشاف إصابات بفيروس كورونا بين اللاجئين في المأوى.

ورغم أن نتيجة فحوصات عائلة شكري كانت سلبية ولم تثبت إصابتهم، لم يتم نقلهم من المأوى إلى مكان آخر، وفي الوقت نفسه تعرضوا للحجر الصحي مرة أخرى، بسبب اكتشاف إصابات جديدة، وفق روايته لـ”العربي الجديد”، مؤكدا عدم عزل كبار السن والأطفال والمرضى.

لم تكن هذه الحالة الوحيدة بل وقعت حالات مماثلة في فندق أماريا سيتي الذي يستخدم مأوى للاجئين في منطقة الشارلتون بورغ في برلين، ومأوى آخر في مدينة أويسكن كيرشين غرب ألمانيا، عندما نقلت إدارة المأوى لاجئين آخرين كانت من بينهم حالات مصابة، ما دفع الإدارة إلى حجر اللاجئين سويةً. لكن هذه الإجراءات لاقت انتقادات في مجلس اللاجئين البافاري والذي طالب بعزل اللاجئين في الفنادق الفارغة.

——————————-

“الآلة” التي علَّمتنا كيف نَعيش/ نجيب مبارك

فرضَ فيروس كورونا على معظم سكّان الأرض البقاء في بيوتهم، إلى حينٍ قد يطول أو يقصر، وقايةً لهم من الإصابة بعدوى غامضة وقاتلة. كما انتشرت في كلّ مكان دعوات إلى المكوث في البيوت، سواء عبر وسائل الإعلام المقروء، المرئيّ أو المسموع، أو في مواقع التواصل الاجتماعي. وربما هذه سابقة في التاريخ الإنساني: أن يتّفق البشر على أمرٍ واحد بهذا الشكل، رغم أنّه يبدو بديهياً وبسيطاً وسهل التطبيق، لكنّه أعاد إلى أذهان الجميع أنّ “البيت”، هذا الامتداد لجسدِ الإنسان في المكان، باعتباره مأوىً وملجأ وحصناً منيعاً، شكّل دائماً المرجع الأساسيّ لحياة البشر على الأرض، سواء في أبعادها المادّية أو المعنوية، الواقعية أو المتخيّلة.

المأوى عبر التاريخ

سكن الإنسان الأرض منذ آلاف السنين، لكنّه لم يبدأ في تشييد مسكنٍ خاصّ به إلّا منذ عشرة آلاف سنة فقط. خلال هذه الفترة، أصبح البيت هو النموذج الأصلي لإقامة البشر على الأرض. أوّلاً، لأنّه ظلّ لفترة طويلة الشكل الوحيد القادر على إيواء البشر. وثانياً، لأنّه متجذّر في خيالنا بشكلٍ فطريّ أكثر من أيّ شكل آخر من أشكال المأوى. واستناداً إلى علم النفس، فنحن جميعاً نمتلك بداخلنا تصوّراً لنموذج البيت الذي يصلح مستقرّاً دائماً.

فمن الكهف الّذي سكنه أسلافنا في فترة ما قبل التاريخ، إلى الكوخ البسيط في غابة، إلى ما وصلت إليه الحضارة اليوم من أشكالٍ معمارية حديثة، تطوّرت ثقافةٌ كاملة حول السكن، بكلّ ما يتطلّب ذلك من ضروريات وكماليات وقوانين، في ارتباطٍ مع درجة تطوّر المجتمع وهيمنة شكل الأسرة النووية.

وإذا عدنا إلى التاريخ، خصوصاً إلى تلك الفترة الممتدة من العصور الوسطى إلى القرن السابع عشر، نجد أنّ البيت كان في كثير من الأحيان مكاناً للعمل أيضاً، وكان يحمل أسماء عدّة، مثل: المزرعة، المتجر، ورشة العمل، القصر، وما إلى ذلك، وعلى هذا النّحو فهو كان يستقبل العديد من الأشخاص الغرباء إلى جانب أفراد الأسرة (سادة، عبيد، خدم، عمّال، فضلاً عن أجيال كثيرة من العائلة الواحدة) بشكلٍ أوسع من نموذج الأسرة النووية المعاصرة. لهذا، كان يصعب التمييز بين المجالين العامّ والخاصّ بداخل البيت، ولم يكن مفهوم الحميميّة قد تبلور بالشكل الّذي نعرفه اليوم، بحيث كان الاختلاط شديداً، ولم يكن الناس قد استأنسوا بعد العيش في عزلة عن الآخرين.

البيت كوننا الأوّل

وفقاً لعالم النفس جان- لويس لوران، فإنّ البيت هو الفضاء الأكثر تأثيراً في تشكيل مراجعنا المكانية والعاطفية. لأنّ “البيت هو المأوى، هو هذا الجسد الذي يغلّفنا بداخله من كلّ جانبٍ ويحمينا، بحيث يشكّل غلافاً خارجياً مضاعفاً يطوّق رحم الأم”. ذلك لأنّ جسد الأم، من الناحية النفسية، هو المأوى الأوّل للإنسان، أي ذلك المأوى الّذي يحمي، قبل كلّ شيء، من الاعتداءات الخارجية. وبالتالي، فإنّ فضاء البيت يشكّل في البداية – بالنسبة للطفل- امتداداً لجسد الأمّ، وعليه يصبح البيت هو الفضاء الحميميّ للأسرة، الّذي بدوره يتغيّر قليلاً أو كثيراً بحسب العصور والثقافات. وهذا بالضبط ما لاحظه غاستون باشلار من قبل في كتابه “جماليات المكان”، حين قال إنّنا جميعاً مسكونون بالبيت الأوّل الذي وُلدنا فيه، ليس باعتباره بناء مادّياً فقط، ولكن باعتباره مسكناً للأحلام أيضاً.

يرى باشلار أنّ البيت هو رُكننا في العالم. إنّه كونُنا الأول، وهو كونٌ حقيقي بكلّ ما للكلمة من معنى. وبما أنّ كلّ الأمكنة المأهولة حقّاً تحمل جوهر فكرة البيت، فإنّ ما يحقّق هذه الفكرة في الواقع هو الخيال، الّذي يعمل في هذا الاتّجاه أينما لقي الإنسان مكاناً يحمل أقلّ صفات المأوى، ذلك لأنّ الخيال يبني “جدراناً” من ظلال دقيقة، مريحاً نفسه بوهم الحماية، أو على العكس، نراه يرتعش خلف جدران سميكة متشكّكاً من فائدة أقوى التحصينات. وباختصار، طبقاً لجدلٍ لانهائي، فإنّ ساكن البيت يضفي عليه حدوداً. إنّه يعيش تجربة البيت بكلّ واقعيتها وحقيقتها خلال الأفكار والأحلام. ولهذا السبب، فالبيت، مثله مثل الماء والنار، يتيح استرجاع لمحاتٍ من أحلام يقظةٍ تضيء ذلك الدّمج بين القديم جدّاً وبين المستعاد من الذكريات. وهذه المنطقة التي تنفتح على تاريخٍ سحيق يرتبط فيها الخيال بالذاكرة، كلّ منهما يعمّق الآخر.

البيت وأحلام اليقظة

من الواضح تماماً أنّ البيت كيانٌ مميّز يحضن قِيم أُلفَة المكان من الداخل، على شرط أن ندرسه كوحدة وبكلّ تعقيده، وأن نسعى إلى دمج كلّ قِيمه الخاصّة بقيمة واحدة أساسية. إنّنا لا نعيش تجربة البيت يوماً بيوم مثلما نعيش تسلسل قصّة. إذ تتداخل في أحلام اليقظة مختلف البيوت الّتي سكنّاها، لأنّها تظلّ حاضرة في الذاكرة مدى الحياة.

لكن ما هي الفائدة الرئيسية للبيت؟ يجيب باشلار بلا تردّد: البيت يحمي أحلامَ اليقظة، والحالمَ، ويتيح للإنسان أن يحلم بهدوء. لأنّ الفكر والتجربة لا يكرّسان وحدهما القيم الإنسانية. فالقيم المنسوبة إلى أحلام اليقظة تسِم الإنسانية بالعمق. ولهذا، فإنّ الأماكن الّتي مارسنا فيها أحلام اليقظة تعيد تكوين نفسها في حلمِ يقظةٍ جديد. ونظراً لأنّ ذكرياتنا عن البيوت التي سكنّاها نعيشها مرّة أخرى كحلمِ يقظة، فإنّ هذه البيوت تعيش معنا طيلة الحياة. ومن المدهش أنّ شاعرنا أبي تمّام قد سبق باشلار في التعبير عن هذه الفكرة بدقّة في بيته الشهير: كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى/ وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ.

إنّ هدف باشلار من دراسة البيت، وفق منهجه الظاهراتي، يستند على اعتبار البيت واحداً من أهمّ العوامل التي تدمج أفكار وذكريات وأحلام الإنسانية. وفي رأيه، فإنّ مبدأ هذا الدّمج وأساسه هما أحلام اليقظة. فالبيت في حياة الإنسان يقوم باستبعاد عواملِ المفاجأة ويخلق استمراريّة، وبدونه يصبح الإنسان كائناً مفتّتاً. فهو الفضاء الوحيد الّذي يحفظه من عواصف السماء وأهوال الأرض. لهذا، يستحقّ البيت أن يوصف بأنّه “جسدٌ وروح”، وأنّه “عالم الإنسان الأوّل”. كما يستنتج أنّ الفلسفة التي تنطلق من لحظة “إلقاء الإنسان في العالم” هي فلسفة ثانوية. ويفضّل في مقابلها الفلسفة الّتي تعيد الإنسان إلى مكانه الأصليّ، أي مَهد البيت الذي وُلد فيه. فحين نحلم بهذا البيت، وبينما نحن في أعماق الاسترخاء القُصوى، ننخرط في ذلك الدّفء الأصليّ، في تلك المادّة لفردوسنا المادي. هذا هو المناخ الّذي يعيش الإنسان المحميّ في داخله، وهو ما يمنح للبيت ملامح أموميّة.

الإقامة شعريّاً على الأرض

من جهة أخرى، لكي نتبيّن مدى ارتباطنا بالبيت الذي وُلِدنا فيه، فإنّ الحلم يساعدنا أكثر من الفكر. إنّ قوة لاوعينا هي الّتي تبلور أبعد ذكرياتنا، فعلى مستوى حلم اليقظة، لا الواقع، تظلّ طفولتنا حيّةً ونافعة شاعرياً في داخلنا. ومن خلال هذه الطفولة الدائمة نحتفظ بشاعرية الماضي. فسُكنى البيت الذي وُلِدنا فيه – حُلميّاً – يعني أكثر من مجرّد سكناه في الذاكرة، إنّها تعني الحياة في هذا البيت (الذي زال) بنفس الأسلوب الّذي كنّا نحلم فيه. وهكذا، متخطّين القيمَ الإيجابية للحماية، نشحن البيت الذي وُلِدنا فيه بقيمِ الحلم الذي تبقّى بعد زوال البيت. وتتجمّع مراكز الوحدة والضّجر والأحلام لتشكّل بيت الأحلام، وهو أكثر ديمومة من ذكرياتنا المشتّتة عن البيت الذي وُلِدنا فيه. وبالتالي، فالبيت يشكّل مجموعة من الصور التي تعطي الإنسانية براهينَ أو أوهام التوازن، ولتنظيم هذه الصور، يدعونا باشلار إلى أن نأخذ في الاعتبار موضوعين أساسيين: الأوّل، تصوُّر البيت كائناً عمودياً، أي أنّه يرتفع إلى الأعلى فيميّز نفسه بعاموديته، وهو إحدى الدعوات الموجّهة إلى وعينا بالعامودية. وثانياً، تخيُّلنا للبيت كوجود مكثّف، أي أنّه يتوجّه إلى وعينا بالمركزيّة.

لقد علّمنا البيت الأول، أي المكان الذي وُلدنا فيه، كيف نحلم وكيف نقيم في العالم بطريقةٍ ما. وهذه الطريقة سوف لن تغادر أحلامَ يقظتنا إلى الأبد. لذلك، توجد بداخل كلّ واحد منّا صورة عن البيت الأوّل الذي سكناه، وهو بيت من خيالٍ في الحقيقة، لكنّه سيرافقنا في الحلّ والتّرحال عبر كلّ البيوت الأخرى التي سنسكنها طوال حياتنا. وهذا ما يؤكّده أيضاً ميشال دي سيرتو في مؤلّفه “اختراع اليومي”: “إنّ منازلنا المتعاقبة لا تختفي أبداً، نُغادرها من دون أن تغادرنا، لأنّها تعيش بدورها، حاضرةً ولامرئية، في ذكرياتنا وأحلامنا”. وبحسب هذه النّظرة، لن يعود البيت مجرّد “آلةٍ للعيش”، كما يقول لو كوربوزييه، وإنّما “آلة تعلّمنا كيف نعيش”. إنّها الآلة التي علّمتنا سابقاً كيف نكتشف الأرض، من الحبو على أربع إلى اكتساب عادات العيش في المجتمع. لهذا، ربّما حين يصير الطفل بالغاً، سيحاول في بيته المستقلّ إعادة اكتشاف الأرض من جديد، بالطريقة نفسها التي نشأ عليها في بيت والديه.

لعلّ هايدغر كان على صواب حين ردّد وراء هولدرين بأنّ “الإنسان يقيمُ شِعريّاً على الأرض”

نخلص، في النهاية، إلى أنّ البيت ليس فضاءً للسكن فقط، وإنّما هو أوسع من ذلك، إنّه مكان يضع فيه الإنسان موطئ قدم، تسمح له بالإقامة فيما بين الأرض والسماء، باعتباره كائناً فانياً كغيره من الكائنات، وباعتباره كائناً قادراً على الحلم أوّلاً وأخيراً. ولعلّ هايدغر كان على صواب حين ردّد وراء هولدرين بأنّ “الإنسان يقيمُ شِعريّاً على الأرض”.

ضفة ثالثة

————————–

زمن كورونا..أعمال فنية بالشرفات وموسيقى من غرفة المعيشة

فيما أغلقت الصالات الفنية والمتاحف أبوابها بسبب وباء كوفيد-19، يقدم نحو خمسين فنانا مقيمين في برلين أعمالهم على شرفات الأبنية ويدعون الجمهور إلى “زيارة حميمة” لاكتشاف إبداعاتهم.

وأوضح تجمع الفنانين الذي أشرف على هذا المشروع في حي برنزلاوير برغ الفني في شرق العاصمة الألمانية، أنه فيما حرية التنقل معلقة أصبحت الشرفات مواقع فريدة للعروض اليومية وللتعبئة المدنية.

وقال مفوضا المعرض أوفول دورموسوغلو ويوانا فارسا، اللذان طلبا من الفنانين إطلاق العنان لمخيلتهم: “الشرفات هي مخارج طوارئ، للتنفس وتمضية الوقت في الشمس أو التدخين في ظل الحجر المنزلي”.

ودُعي المتنزهون والفضوليون في برلين حيث إجراءات الإغلاق أقل صرامة من مقاطعات ألمانية أخرى، إلى رفع رؤوسهم لمشاهدة هذه الأعمال ومنها سلم مصنوع من أغصان الأشجار وصور بالأبيض والأسود لأشخاص واقفين على شرفاتهم في أثينا أو قرطبة.

وتتضمن إحدى المنشآت أجزاء طويلة من ورق المرحاض على واجهة مبنى تشهد على تهافت الألمان على هذا المنتج الذي بات ثمينا منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجد في أوروبا. وقال المنظمون إن هذه التظاهرة الفنية “من دون ميزانية ومن دون افتتاح ولا حضور، وهي نزهة حميمة بحثا عن مؤشرات حياة وفن”.

إلغاء مهرجان أفينيون للمسرح في فرنسا

ألغي مهرجان أفينيون بفرنسا، أحد أهم الملتقيات المسرحية في العالم، بسبب انتشار وباء كوفيد-19، بعدما كان مقررا بين الثالث من تموز/يوليو والخامس والعشرين منه على ما أعلن المنظمون.

وأوضح المنظمون في بيان: “لم تعد الظروف متوافرة راهنا لتنظيم الدورة الرابعة والسبعين بعد الاستماع إلى ما قاله رئيس الجمهورية”.

وأشار الرئيس إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع إلى استحالة إقامة المهرجانات قبل منتصف تموز/يوليو على الأقل.

وأضاف مدير المهرجان أوليفييه بي ومديره المنتدب بول روندان: “لقد حافظنا على الأمل قدر الإمكان لكن الوضع بات يفرض سيناريو آخر. وأصبح واجبنا الآن المحافظة على مستقبل مهرجان أفينيون”.

وتستحيل أفينيون في شهر تموز/يوليو من كل عام عاصمة للمسرح مستقطبة 700 ألف زائر.

ويؤمن المهرجان إيرادات تقدر بحوالي مئة مليون يورو للمدينة. ويتوقع أن يكون الإلغاء كارثيا على آلاف الفنانين والتقنيين ومن بينهم الكثير من العاملين الموقتين. ومنذ تأسيسه عام 1947 ألغي المهرجان مرة واحدة في عام 2003 بسبب الخلافات مع العاملين الموقتين.

فنان أردني يقدم عروضه للجمهور من غرفة المعيشة عبر الفضاء الإلكتروني

يقيم منسق أغان أردني حفلا عبر الإنترنت يبثه من غرفة معيشته في عمان.

ويعزف رجا قمر بآلاته على وقع دقات الطبول، مقطوعات موسيقية لنشر البهجة ورفع المعنويات في مواجهة فيروس كورونا المستجد.

فالأزمة التي فجَرها الفيروس لم تترك للشباب خيارات تُذكر للترفيه في ظل حظر التجول الصارم الذي فرضته الحكومة لمنع انتشار الفيروس.

ومن ضغوط الحظر استلهم رجا قمر فكرة الالتجاء إلى فضاء الإنترنت ليبث ألحانه وموسيقاه على الهواء مباشرة لمتابعيه على منصات التواصل الاجتماعي. ويمارس قمر تنسيق الأغاني منذ 16 عاما.

وفي أغلب الأحيان ينضم إليه صديقه بشار حداد، الذي يعزف على الطبلة، الآلة الشعبية الشهيرة في العالم العربي.

وقال قمر البالغ من العمر 31 عاما، والمعروف في الأردن باسم رجا يا رجا، إنه يشعر بأن عليه مسؤولية المشاركة في رفع معنويات معجبيه في هذا الوقت العصيب.

وأضاف أن الموسيقيين لديهم الآن مسؤولية اجتماعية تجاه الناس لترفيههم، وأكد أن الموسيقى بالنسبة إليه وإلى كل إنسان هي غذاء الروح.

وقال ركان عازر، وهو واحد من جمهور قمر، إن العزف الذي يقدمه صار وسيلة التقاء تجمعه بأصدقائه، حتى ولو كان ذلك عبر الفضاء الرقمي وليس على أرض الواقع.

وأشار رجا إلى أن أحدث عروضه حصل على أكثر من 10 آلاف مشاهدة، ويأمل في أن يزداد العدد في الأيام المقبلة.

 (أ.ف.ب ــ رويترز)

 —————————-

جثمان منبوذ.. وغوغاء/ شادي لويس

الأمر ِأشبه بمقطع من كتاب غوستاف لوبون “سيكولوجيا الجماهير”، الحشود الغاضبة التي فقدت عقلها ووازعها الأخلاقي، تثيرها فورة من الجنون وتندفع في خضمها كالقطيع الهائج. مئات يخرجون إلى الطريق في إحدى قرى الدقهلية في دلتا مصر، ويقطعونه على سيارة إسعاف، يرشق الحشد الموكب الجنائزي بالحجارة، رافضين دخول جثة طبيبة توفيت بعد إصابتها بالكورونا، ينشب حريق في قطعة أرض زراعية صغيرة، ثم تصل قوات الأمن المركزي، اشتباكات وإطلاق الغاز المسيل للدموع، وينتهي الأمر بتفريق الاحتجاج، وإلقاء القبض على أكثر من عشرين شخصاً من مثيري الشغب.

ما زال كتاب لوبون، الصادر في نهاية القرن التاسع عشر، يحظى في الثقافة العامة بتوقير كمرجع “علمي” لفهم سلوكيات الحشود، كما لا زال منطق صاحبه سائداٍ، منطق البرجوازي الفرنسي الذي أرعبته ظاهرة الحشود، التجمعات الحضرية المتزايدة في المدن الصناعية الأوروبية، وهبّاتهم المفاجئة التي كان لها دور في تغيير السياسة بشكل جذري وبلا رجعة، المنطق الذي لا يري بديلاً سوى استخدام عنف الدولة لضبط الجماهير، فلا مكان للعقلانية في مواجهة وحش ضخم وهائج بلا عقل.

تلقفت وسائل الإعلام ومنظومة الحكم، الواقعة، بحماسة شديدة، وتم الادعاء في البداية بأن المتوفاة كانت على خط الدفاع الأول ضد الوباء، وإنها سقطت إثناء تأدية مهمتها النبيلة كطبيبة. هكذا، بدت خسة أهالي القرية المحتجين، مضاعفة، اعتداء على الأموات، مخاوف من العدوى مؤسسة على الإشاعات والجهل، ونذالة استثنائية في حرمان الميت البطل من كرامة الدفن. لاحقاً، يتضح أن المتوفاة، وإن درست الطب، لم تمارس المهنة، وكانت ربة منزل. تلك تفصيل هامشية، ولا تعنينا ولا يجب أن تعنينا، لكن بعض تلك التفاصيل الصغيرة، وتغييرات طفيفة تطرأ عليها، عمداً أو من دون قصد، تخلق قصة مغايرة تماماً.

يتصل رئيس الوزراء شخصيا بزوج المتوفاة، وتنقل وسائل الإعلام الخبر، ويخرج مفتي الجمهورية بتصريحات تدين “التصرفات الغوغائية” ضد دفن “شهداء كورونا”. وبلا شك يظهر هذا كله كجُهد محمود، لكن إطلاق فتوى بأن من مات بعدوى الكورونا هو في حكم الشهيد لم يكن هو المطلوب بالتأكيد. فالاحتجاجات لم تخرج في القرية بسبب خلاف فقهي على شهادتها أم لا. لكن لدينا طبقة أخرى من الإدانة للحشود الغوغائية، المتورطة في التمثيل المعنوي بالمرأة المتوفاة، بالطبيبة البطلة، والشهيدة بحكم الدين أيضاً.

حالة مبررة ومفهومة من الغضب تسيطر على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حتى أن كاتباً في جريدة معارضة للنظام، كتب إن ما حدث من اعتداء على الموتى “غير مسبوق في تاريخ المجتمع الإنساني”. أصوات قليلة تحاول لفت الانتباه إلى إن الخوف من العدوى الذي حرك المحتجين على الدفن، مع إنه يفتقد للعلمية، لكن يمكن فهمه أو تفهمه على الأقل. آخرون حاولوا شد الانتباه إلى الأحداث والخلفيات التي تطورت في النهاية إلى اشتباكات في الشوارع، عن أن المتوفاة لم تكن تعيش في القرية، وإن لدى عائلتها مقابر للدفن في قرية أخرى، بينما الدفن كان مزمعاً في مقابر عائلة زوجها. لكن تظل كل هذه تفاصيل لا تعنينا أيضاً، ولا يجب أن تعنينا. لا ضرورة لتبرئة المحتجين أو الدفاع عنهم بشكل مطلق، الحشود ليست معصومة، وبعضها كما نعرف يتميز بالقسوة، و”الأهالي” يرتكبون الجرائم أحياناً.

لكن ما يعنينا هنا، ألا ينتصر منطق يرى في الحشود، وفي التجمعات والاحتجاجات، وفي أبناء الريف، في المواطنين عموماً، مجرد “غوغاء”، أو خطراً داهماً بالضرورة، خليط من جهل وانحطاط أخلاقي وقسوة لا يمكن مواجهتها سوى بقوة الدولة المفرطة. لم يضيّع النظام فرصته، بوعي أو بشكل عفوي ألقت وسائل الإعلام اللوم على جماعة الإخوان المسلمين، كالعادة، أما الاتهامات التي وجهتها النيابة للمقبوض عليهم، فكانت لائحة تشبه تلك التي يُدان بها معارضون سياسيون. فجوهر المعضلة يقدم على إنه واحد: إفلات الحشود التي يجب قمعها لمصلحة الجميع.

—————————————-

تركيا:الجائحة الحقيقية/ عائشة كربات

ربما ذهبت معظم الجهود هباءً، كل هذه الجهود المتمثلة في التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل قدر الإمكان، ومحاولة التحلي بالصبر لتسريع الأيام الأفضل لمستقبل مجهول، كل هذه الاحتياطات التي نحاول اتباعها منذ الإبلاغ عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا بتركيا في 11 آذار/مارس.

فسّر العديد من العلماء مشاهد 10 نيسان/أبريل، خاصة في إسطنبول على أنها مضيعة لجهد استمر لمدة شهر. في تلك الليلة من يوم الجمعة، فرضت وزارة الداخلية، فجأة، حظر تجوال لمدة يومين في 31 مدينة كبيرة، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير، رداً على انتشار “COVID-19”. جاء الإعلان قبل ساعتين فقط من حظر التجول، وهرع الكثيرون من الأتراك غير المدركين لمفهوم حظر التجوال، إلى المخابز والأسواق لشراء الاحتياجات الأساسية.

تشكلت طوابير طويلة أمام هذه الأسواق، بشكل مثير للاهتمام أمام محطات البنزين أيضاً. كان الذعر والتوتر شديدين لدرجة أنه حتى في المدن التي لم تكن ضمن حظر التجول نالت حصتها منه. واضطرت بعض البلديات في المدن المعفاة من حظر التجول إلى الإعلان عن عدم الحاجة إلى الاندفاع إلى الأسواق. لقد ساءت البلاد بأكملها تقريباً، وانتشرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تبيّن أن السكان أهملوا قواعد التباعد الاجتماعي، وتقاتلوا مع بعضهم البعض من أجل الحصة الأخيرة وتنافسوا على الشوكولا. بدوا وكأنهم وليمة حقيقية للفيروس التاجي.

كتب البعض في وسائل التواصل الاجتماعي أثناء تعليقهم على هذه المشاهد، أنهم كانوا قادرين على تطوير نوع من التعاطف مع السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب الخوف من المجاعة والحرب. لكن هذا النوع من الحس السليم كان محدوداً.

ومثل كل شيء، انقسم المجتمع إلى قسمين. اتهم المؤيدون للحكومة المواطنين بالطمع. زعموا أنه في تركيا، بالطبع، كل شخص لديه ما يأكله لمدة يومين. ووجّه آخرون تهماً لمؤيدي الحكومة بأنهم “ماري أنطوانيت” حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، نسبة إلى تصريحها الشهير: “إذا لم يكن هناك خبز فليأكلوا الكعك”.

ولكن مهما كانت الحالة، يدّعي العلماء أنه في تركيا حيث ينتشر فيروس كورونا بسرعة كبيرة، فإن عدد المرضى المعلن عنه منخفض نسبياً. بعد تلك الليلة يجب أن ننتظر 15 يوماً حتى 25 نيسان/أبريل، لرؤية الصورة الحقيقية للجائحة.

ولكن بعد الانتقادات الشديدة حتى من الناس الأكثر هدوءاً، للحشد الذي حصل في تلك الليلة، وزير الداخلية سليمان صويلو، وهو أحد أقوى المرشحين لقيادة حزب العدالة والتنمية (الآخر هو صهر الرئيس رجب طيب أردوغان) ادعى في البداية أن كل ما فعله، كان تحت علم الرئيس. ولكن قبل ساعات قليلة من انتهاء حظر التجول، تحمّل مسؤولية هذه الفوضى قائلاً: “ما كان يجب أن تؤدي خبراتي التي لا تعد ولا تحصى إلى مثل هذه المشاهد في هذه الحادثة التي نتحمل مسؤوليتها”، واستقال.

ثم هذه المرة، كان أولئك الذين يحبونه بطريقة منظمة للغاية يخرجون من الشوارع، بالطبع دون الانتباه إلى التباعد الاجتماعي، ويظهرون التضامن معه، ويثنون عليه لجهوده في ما يسمونه محاربة الإرهاب، ولكنها بالنسبة لآخرين هي جهود للحد من حرية التعبير. لكن بعض المواطنين السذج، خاصة الشباب، عبّروا عن دهشتهم من خلال رؤيتهم لأول مرة في حياتهم، سياسياً يتحمل مسؤولية الأعمال الخاطئة. لكن مزاجهم لم يدُم طويلاً بعد أن أعلن أردوغان عدم قبوله الاستقالة.

تتضمن المناقشة الآن العديد من التكهنات حول الاستقالة -إذا كانت مجرد خطوة سياسية محسوبة مسبقًا- إذا كانت مسرحية جرت بعلم الرئيس. قد تكون مثل هذه المناقشة مفيدة للمواطنين ليشغلوا أنفسهم أثناء محاولتهم البقاء في المنزل، ولكن، هناك شيء واحد واضح؛ لم يبق أحد مسؤولاً لمحاسبته بشأن تسارع المرض المحتمل خلال 15 يوماً.

لكن، أعتقد أننا يجب أن نفكر في شيء آخر. لماذا حدث هذا الذعر ليلة الجمعة؟ هل كان ذلك فقط بسبب نقص بعض الاحتياجات الأساسية في المنزل؟ هل يستطيع الفقراء التسوق يومياً فقط؟ ربما تكون هذه الأسئلة مهمة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر. المواطنون لا يثقون بمؤسسات الدولة، ويجدون صعوبة في تصديق ما تقوله الحكومة، وهم غير متأكدين تماماً من أن حظر التجول لمدة يومين سينتهي في غضون يومين.

انعدام الثقة هذا هو الجائحة الحقيقية التي نتجاهلها في هذه المنطقة لفترة طويلة.

————————————-

كورونا يشتد بأميركا..وترامب يعاقب منظمة الصحة العالمية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه أمر إدارته بأن تعلّق دفع المساهمة المالية للولايات المتحدة في منظّمة الصحة العالمية بسبب “سوء إدارة” المنظمة الأممية لأزمة تفشّي فيروس كورونا المستجدّ.

وقال ترامب خلال مؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض بشأن تطوّرات وباء “كوفيد-19″، “اليوم آمر بتعليق تمويل منظّمة الصحة العالمية في الوقت الذي يتم فيه إجراء مراجعة لتقييم دور المنظمة في سوء الإدارة الشديد والتعتيم على تفشّي فيروس كورونا المستجدّ”.

وإذ وجّه الرئيس الأميركي لائحة اتّهام مطوّلة إلى المنظّمة الأممية، قال: “العالم تلقّى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات الناجمة عن الوباء”.

والولايات المتّحدة هي أكبر مساهم في تمويل منظمة الصحة العالمية وقد دفعت لها العام الماضي 400 مليون دولار.

وقال ترامب: “سنناقش الآن ما سنفعل بكل تلك الأموال التي كانت تذهب إلى منظمة الصحة العالمية”. وأضاف “في ظلّ تفشي جائحة كوفيد-19، لدينا مخاوف عميقة بشأن ما إذا كان كرم أميركا قد استُخدم على أفضل نحو ممكن”.

ووفقاً للرئيس الأميركي فإنّ تأخّر الصين في الكشف عن الوباء ونطاقه ومدى فتكه بالبشر كلّف سائر دول العالم وقتاً ثميناً كان يمكن خلاله اتّخاذ إجراءات لوأد الفيروس في مهده.

وتابع ترامب: “لو أنّ منظّمة الصحّة العالمية قامت بعملها بإرسال خبراء طبيّين إلى الصين لتقييم الوضع على الأرض بشكل موضوعي وفضحت عدم شفافية الصين، لكان من الممكن احتواء تفشّي المرض في مهده مع عدد قليل جداً من الوفيات”.

وأضاف أنه “كان من الممكن لهذا الأمر أن ينقذ آلاف الأرواح وأن يمنع وقوع الأضرار الإقتصادية العالمية. لكن بدلاً من ذلك، فإنّ منظّمة الصحّة العالمية قررت أن تثق بظاهر التطمينات الصينية ودافعت عن تصرّفات الحكومة الصينية”.

وحول انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، قال: “بدأنا نرى ضوءاً في نهاية النفق”، لافتاً إلى أنه “سيبحث القرار المناسب بالنسبة لسياسات الاغلاق في مطلع أيار/مايو والموقف سيختلف من ولاية إلى أخرى، وأن 20 ولاية أميركية على الأقل تعد في وضعية جيدة بالنسبة للفيروس”.

وقال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إن “الولايات المتحدة تسعى إلى إحداث تغيير جذري في منظمة الصحة العالمية”، مشيراً الى أن المنظمة قامت خلال تاريخها بعمل جيد. ولكن للأسف، فإنها لم تبلِ بلاءً حسناً هذه المرة”.

بدوره انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بشدة، قرار ترامب، معتبراً أن “هذا ليس وقت خفض موارد” مثل هذه المنظمة الأممية المنخرطة في الحرب ضد وباء “كوفيد-19”.

وقال غوتيريس: “هذا ليس وقت خفض تمويل عمليات منظّمة الصحّة العالمية أو أي منظّمة إنسانية أخرى تكافح الفيروس. قناعتي هي أنه يجب دعم منظّمة الصحة العالمية لأنّ أهميّتها حاسمة في الجهود التي يبذلها العالم للإنتصار في الحرب ضد كورونا”. وأضاف أنه سيأتي لاحقاً الوقت الذي يمكن فيه تقييم “أداء كل الذين كانوا معنيين بالأزمة”.

في غضون ذلك سجلت الولايات المتحدة 2407 حالات وفاة بفيروس كورونا خلال الساعات ال24 الماضية، لترتفع الحصيلة الإجمالية إلى 26047 حالة، وفقاً لموقع “وورلد ميتر” المتتبع للحالة الوبائية للفيروس في أنحاء العالم.

كما سجلت الولايات المتحدة 26945 إصابة بالفيروس خلال الفترة نفسها، ليبلغ إجمالي الإصابات 613886 حالة، حسبما أظهر إحصاء الموقع في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء.

وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول المتضررة من فيروس كورونا، من حيث عدد الوفيات والإصابات. وتجاوز عدد الذين توفّوا بكورونا في مدينة نيويورك الثلاثاء عتبة ال10 آلاف شخص، بعد إعلان سلطات المدينة أنّها أضافت إلى حصيلة ضحايا الوباء حوالي 4 آلاف شخص لم يخضعوا لفحوص مخبرية تثبت إصابتهم بالفيروس، لكنّ ملابساتهم وفاتهم ترجّح أنّها ناجمة عن الوباء الفتّاك.

وكشف وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أن “أكثر من 50 ألف جندي يعملون على حماية الشعب الأميركي من فيروس كورونا”. وقال إن 6 آلاف طبيب يساعدون الطواقم الطبية لمواجهة الفيروس، متعهداً “بإرسال بعثات طبية من وزارة الدفاع إلى نيويورك وغيرها من الولايات الأميركية”.

———————————-

جينالوجيا العدو

ترجمة روجيه عوطة

النص الآتي هو كناية عن مقاطع منفصلة من كتاب “D’un fragement l’autre” (ألبان ميشال، 2010)، الذي يشتمل على مقابلة طويلة بين جان بودريار وفرنسوا ليفونيه. هنا، تعريبه بعنوانٍ احتواه من دون ان يحمله في أصله:

كنا قد ميزنا بين أربع أنماط من الهجوم، والدفاع، من العدوانية والدفاعية، حتى ألفنا بها نوع من الجنيالوجيا. الذئاب، الجرذان، الصراصير، والفيروسات. بدايةً، كان العدو أمامي: الذئاب-وهذا ينسحب أيضاً على العدو الإنسي-حينها، كنا نحجر على أنفسنا، نبني المتاريس، نشيد مدينة القرون الوسطى، وفي كل الأحوال، نقاوم جبهياً، أي نجابه. كان العدو مرئياً، بحيث أننا على علم به، وبطريقة ما، بقينا على هذا الوضع حتى صراع الطبقات عند ماركس.

بعد ذلك العدو، جاء عدو غيره، وهو الجرذان: إنه عدو تحت أرضي، بالتالي، الدفاع الجبهي لا يشتغل حياله، ولهذا، يجب خلق شيء مغاير، وقاية ما، نظافة ما، محاولة للإطباق على هذا العدو الذي لا يمكن الإمساك به بيسر… لاحقاً، يأتي جيل آخر من الأعداء: الصراصير، التي لا تتنزه في فضاء ثلاثي الابعاد، ولكن، في كل التجويفات. فعلى عكس الجرذان، هي تقريباً أينما كان، ومن الصعب إنقاص عددها، لذا، من اللازم تحويل كل أنماط الدفاع ضدها. المرحلة الرابعة: برزت الفيروسات، وها نحن في البعد الفيروسي الرابع، حيث أن المقاومة قد غدت محالة…فماذا من الممكن أن نفعل إذاَ؟

لا بدّ من التنبه إلى ماذا يحيل كل هذا: الجرذان بمثابة الأنظمة السرية، بمثابة الدسيسة. الصراصير بمثابة تشويش على كل الأنظمة بالتوازي مع كون تدبر الأشياء في قنواتها هو تدبر عسير. أما الفيروس، فهو الأسوأ، لأنه المعلومة بحد ذاتها. إذ إنه حمال المعلومة، وفي الوقت نفسه، مدمرها. إنه عدو، إلا أننا لا نعرف شيئاً عنه. هل له وظيفة فقط؟ وظيفة حيوية؟ فعلياً، الاحتماء منه عويص للغاية. هذه مشكلات تطرح نفسها على النظام، لا سيما في صعيد دفاعه عن ذاته. غير أنها تنطرح أيضاً على هؤلاء الذين يريدون الإجهاز على النظام من خلفه، بحيث أن فعلهم هذا مجبر، ولكي يتحقق، على العبور بتبدلات الدفاع والهجوم اياها.

من ناحية السياسة، هناك مستويات مختلفة: مستوى الركس، رد الفعل، المجابهة، ومستوى التنفيس الديماسي، تحت أرضي. يجب التأكيد على الاختلاف بينهما: الركس، التسلح ضد، محاولة زعزعة النظام. والتنفيس، الذي لا يستلزم، وبكل سهولة، سوى دحرالنظام، رفضه، من دون محاربته، ومن دون توهم إمكانية الذهاب في هذه الحرب معه إلى عقبها، إذ أنه ليس مقبولاً فقط… يبدو لي هذا التنفيس اليوم أنه علامة على لا-اكتفاء غائر، ولكنه، لا يستطيع أن يمر في وعي نقدي، وليس ممكناً له أن يتسلح ضد عدو مرئي.

فضدّ عدو لامرئي، ولا يمكن الإمساك به، أفترض وجوب التطبع به، الإتسام بلامرئيته، وبانعدام إمكانية احتجاز. على الفكر أن يصير فيروسي أيضاً. وهذه ليست خلاصة تشاؤمية، ولكن، يجب محاربة العدو بأسلحته الخاصة، حسب منطقه الخاص. لهذا، لا بد للفكر، ولكي يكون تحدياً، أن يتساوى مع النظام، الذي يقوم بالمفارقة، بالتملص، بالاعتباط… إننا نتوهم كثيراً في رد المشكلات إلى موضوعات تقليدية، فنمضي إلى التجمع نقابياً، نعترض، نتظاهر، كأننا لا نزال نتعامل مع العالم إياه.

على الفكر أن يكون متطابقاً مع موضوعه، وبالفعل نفسه، منصرف منه. حيال عالم فيروسي، رقمي، على الفكر، وكما سلف الذكر، أن يصير فيروسيا يعني قادرا على خلق التعاقبات والانقطاعات، لتكون مختلفة فيه عما هي في النقد الموضوعي أو حتى النقد الجدلي. لا مناص له من الانغماس في فيروسية العالم، وفي الوقت نفسه، معارضته، اما، وإن لم يفعل ذلك ، فلا سبيل له إلى الوجود.

من الضروري أن يكون الفكر في مذهبه أسرع من الأشياء، أسرع من العالم. من وجهة نظر معينة، هو لاحق على العالم، الذي، ومن دون فرضية الواقع الموضوعي حتى، يتقدم عليه. الاقتصاد يتغلب بالسرعة على فكره. ولكن، من الممكن انوجاد مجال آخر، حيث الفكر في مقدوره، وعلى طريقته – بنوع من القطع الناقص- أن يكون أسرع من النظام. ثمة لعبة مبهمة بين توازي الفكر والعالم، وتورط واحدهما في الثاني: هل هما متزامنان؟ هل هما منفصلان بشكل حاسم؟ هل يجب أن يكونا كذلك؟ هناك مسافة تحدد سرعة إيقاع غير متعادلة بين الفكر والعالم. فالفكر “المحافظ” الذي يطرح التفكير كإنعكاس للعالم هو فكر متأخر على الدوام، ومن هنا، يقول ريلكه:”مذهب الأحداث هو كونها تسبقنا على الدوام، فلا نقدر البتة على تداركها”.

——————————————–

مذكراتي مع كورونا/ خالد منصور

(1) : العيش خارج ايقاع الفايروس

لكم أنزعج من هذين الصنفين من الناس، وهما، أصحاب اليقين المتشائمون، وأصحاب اليقين المتفائلون. ما له الشك، لا سوق له ولا اتباع؟

هناك أسباب وجيهة وقسرية تجعل معظمنا لا يتوقف عن التفكير في كوفيد-19 أو فايروس “كورونا” المستجد طوال الوقت. كيف لا نفعل هذا وهو يسيطر على أدق تفاصيل حياتنا، ونومنا. عندما تنزلق أجفاننا وتنغلق مرة أو اثنتين حتى ننتقل من برزخ النوم القلق إلى حالة الصحو اليقظ مع أول ضوء في النهار، نتذكر أننا لا نحتاج للقفز سريعاً من أسرتنا كي نلحق بمواعيد العمل والمدارس، ونتذكر “كورونا”. عندما تزحف علينا ساعتها مشاعر قلق لأننا عرفنا سبب ترددنا في الخروج من الفراش أو ربما كان هذا القلق نفسه هو ما أيقظنا بعد أحلام مفككة، إنما ناضحة بالاضطراب، نتذكر “كورونا”. ثم يمر اليوم كله حتى تغرب الشمس ونحن نشعر بإرهاق من لم يغادر زنزانته الاختيارية أو الإجبارية، ونفكر في “كورونا”.

قد يغامر بعضنا ويضطر كثيرون منا للسير في الشارع أو ركوب سيارات أو مواصلات عامة مزدحمة أو خالية. ما زال كثيرون منا يضطرون للخروج للعمل لأننا نعيش في مجتمعات لا يهتم فيها أصحاب الشركات والأموال بقواعد الصحة العامة أو لا يهتمون بتأثيرات التهاون في حيوات منخفضة السعر في السوق. ويقول لك الواحد منهم وهو بعيد منك بضعة أمتار ووجهه مغطى بكمامة وفي منزله ربما غرفة إنعاش خاصة فيها جهازا تنفس اصطناعي، إنه لا بأس في أن يموت منا مليون في سبيل أن يحيا ملايين. نكره هذا الرجل ونتذكر “كورونا”.

في كل ساعة من ساعات اليوم، وأحياناً في أحلام الليل، يظهر لنا “كورونا” بتجليات مختلفة. تغيرت حياتنا تماماً في أقل من 30 يوماً. صارت أوائل شهر آذار/ مارس كأنها تاريخ بعيد: تغير عملنا، أو تبطلنا، مدارس أولادنا أو سبل تسليتنا، مصدر رزقنا، ثروتنا التي نقصت أو فقرنا الذي زاد، قلقنا المتزايد، قاموسنا المتضخم من المصطلحات الطبية والاحصائية وشؤون الصحة العامة وأنواع الاحماض النووية المختلفة التي تتركب منها الفيروسات، تغيرت علاقتنا بالله، وبالعلم، وبالسياسة.

أنا من الذين يعتقدون في أهمية المواجهة وعدم العيش في حالة انكار ونفي للواقع أو تقاعس عن محاولة فهمه وتغييره قدر الإمكان. وفي هذا الواقع الفايروسي، الذي نجهل الكثير من جوانبه، والذي ربما ترهق ضوضاؤه نفسياً مئات ملايين البشر أو أكثر، ممن تأكدت إصابتهم به، علينا أن نحاول، لمن استطاع إليه سبيلاً، أن نعيش خارج إيقاع الفايروس وتأثيراته، من دون إنكار وجوده الطاغي، وأن تكون لدينا علاقة صحية بهذا الخطر الداهم.

ما يمكن أن يكون أكثر فائدة لنا لدعم صحتنا النفسية المهددة طول الوقت هو أن يتحدث كل منا بهدوء عما نفعل، وكيف نواجه تحديات “كورونا” دون أن نزعج بعضنا بعضاً بنقل (قص ولزق أو كوبي آند بيست) تجارب الآخرين، فتنهال علينا رسائل “واتساب” وبوستات “فايسبوك” وتغريدات “تويتر”، تهطل معها نصوص وصور وشرائط فيديو لآيات قرآنية ومقتبسات من العهدين الجديد والقديم، تدريبات يوغا، عشرات النصائح حول كيف تستغل الوقت لتتعلم كيف تقف على رأسك، بينما تقطع الجزر وتدوس زر الريموت بيدك الأخرى، لتستمع إلى فصول فيفالدي الأربعة أو الشيخ حسن الحفار، أو تتعلم النحت، أو اللغة البرتغالية، أو أن تشاهد مسلسلات التسعينات لأسامة أنور عكاشة بعد أن تعيد مشاهدة أفلام “ملك الخواتم” كلها.

معظم من حولي بفعل الحظ الاقتصادي والمرحلة العمرية هم من الفصيل الذي يخشى من انهيار قيمة مدخراته أو ممتلكاته بسبب الكساد الاقتصادي الزاحف على العالم كله، إضافة إلى الرعب من زيادة الوزن بسبب “كورونا” الذي يجبر الجميع على البقاء في بيوتهم. الفصيل الأكبر في هذا العالم طبعاً على الناحية الأخرى يواجه أو سيواجه سريعاً تحديات دفع إيجار البيت أو أقساط السيارة أو مصاريف المدرسة، أو حتى أوجه أنفاق أكثر حيوية وأهمية مثل الطعام والشراب والكهرباء واشتراك الانترنت.

هناك خطر أن يقسمنا “كورونا” أكثر مما نحن منقسمون، تفصل بيننا حدود دول وطبقات وعقائد وطوائف وحسابات مصرفية وشهادات علمية وانتماءات مناطقية، كما أن هناك خطر أن نتغاضى عن هذه الفوارق وألوان الطيف تحت ادعاء أن الفايروس يهاجم الإنسان من حيث هو إنسان بلا أي اهتمام بهذه الفروق المصنوعة اجتماعياً.

لذا، سأحاول في مذكراتي مع “كورونا” التي أطمع بأن تتحول إلى سلسلة مقالات منتظمة، أن أتحدث عما أقرأ وأشاهد من دون أن أتحدث عن هذا الفايروس صاحب التيجان كثيراً، ومن دون أن أتجاهل وجوده الطاغي تماماً. فكرت في هذه المقالات بعدما سخرت صديقة متخصصة في علم النفس (ولديها أسباب وجيهة) من ادعائي بأنني انجز الكثير من العمل، على رغم هذه العزلة. وعلقت صديقة أخرى قائلة: “أنت في حالة إنكار. هذه العزلة وحظر التجول سيؤثران فيك لا شك. توقف عن خداع الذات أو انتظر أسابيع لترى الانتشار الهائل للأمراض النفسية وأعراض كرب ما بعد الصدمة، وحَ تشوف”. ولما شعرت بعد أيام بملل من الروتين واشتياق للشكاوى المعتادة عن فشل السياسات الاقتصادية وتجاوزات الأجهزة الأمنية والكوارث البيئية المحدقة في عصر ما قبل “كورونا”، كتبت على “فايسبوك”، فجاء رد الصديقة فورياً، كأنها كانت جالسة إلى طاولة مطبخ بيتها في مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون الأميركية تنتظر تعليقي. قالت: “أترى. ألم أقل لك. وستسوء الحال أكثر!”.

في اليوم ذاته اعتذر صديق آخر عن الحديث الي على تطبيق “زوم”، لأنه مشغول بـ”كورس” جديد عن الخبيز في المنزل. “تعرف يا خالد، لكأنما كنت انتظر هذا الكورونا حتى اكتشف أشياء كثيرة احبها ويتوفر لي الوقت للقيام بها. سننجو وسيكون العالم أفضل لانه سيكون قد أدرك فائدة التباطؤ وسخافة هذا الولع بالتكديس والتراكم والعمل ساعات طويلة”.

لكم أنزعج من هذين الصنفين من الناس، وهما، أصحاب اليقين المتشائمون، وأصحاب اليقين المتفائلون. ما له الشك، لا سوق له ولا اتباع، على رغم أنه مشجع على العمل وإعادة النظر والحيوية المنضبطة.

ترقبوني وراقبوني وشاركوني!

(2) : أصابعنا متفاوتة الطول!

الخطر الداهم (الحقيقي أو المُبالغ فيه) يدفع بعض الناس للتخلي ببجاحة عن الصوابية السياسية، وليقولوا علناً ما اعتادوا ربما ان يقولوه سراً.

هل البشر سواسية؟ طبعاً، طبعاً، سيكون الرد السريع. كلنا بشر، أولاد حواء وآدم.

هذا كلام “ساكت” كما يقول الناس في السودان، أي كلام فارغ كما يقول الناس في مصر، أي هراء. وتعكس هذه الأمثال الشعبية، أقوال أخرى من قبيل “أصابع ايديك مش زي بعضها” و”الناس مقامات” و”العين لا تعلو عن الحاجب”، إلى آخر قائمة طويلة في منطقتنا الحزينة وبقية العالم. ستجد أمثالاً في الناحية الأخرى تشجع على المساواة ولكن من باب التفضل والتفكه، مثل “كلنا ولاد تسعة” و”خادم القوم سيدهم”، إلخ.

بعد أسابيع في السودان في عام 2008، بدأت أنتبه إلى عملية ترتيب للبشر على أساس اللون، ولكن ليس مجرد أسود وأبيض. وفي يوم امتلكت شجاعتي وتغلبت على كوابح الصوابية السياسية وطلبت من صديق أن نسير في شوارع محيطة بجامعة الخرطوم وأن يشرح لي تلك الخريطة اللونية وهكذا جالسين عند ست الشاي (امرأة تبيع الشاي في الشارع وتجلس هي وزبائنها على كراسٍ بسيطة صغيرة وواطئة متناثرة حول طاولة صغيرة عليها معدات صنع الشاي ومشروبات أخرى ساخنة)، بدأ يشير إلى المشاة واحداً وراء الآخر: هذا “أزرق”، هذا “أحمر” وذلك “أخضر”، ويمكن أن تصفه أيضاً بأنه “أسمر”، اما هذه المرأة فهي “حلبية”، أي فاتحة البشرة. والأزرق عادة هو صاحب البشرة الأدكن والملامح الزنجية ثم تتدرج التقسيمات مع البشرة الأفتح فالأفتح مروراً بالأخضر ثم الأحمر وصولاً للحلبية. ولا يعني هذا بالضرورة أن صاحب البشرة الأفتح في أعلى المراكز، فهناك تقاطعات أخرى مثلاً، إذ يمكن أن تكون “غرباوي” (أي من غرب البلاد) وطبعاً لقبيلتك نصيب في تحديد وضعك الاجتماعي، والمال يمكنه أن يعبر بك كثيراً من هذه التقسيمات ويجعلك فوقها نسبياً، ولكن إلى حد معين.

القانون السوداني نظرياً أمام المحاكم لا يلقي بالاً إلى هذه الفوارق لكن اجتماعياً لا شك تعني هذه التقسيمات الكثير في المعاملات المختلفة بين البشر، وبخاصة لو قررت الدولة أن تعاقب فئة بكاملها أو تنحاز لفئة أخرى كما فعل الرئيس المخلوع البشير وبطانته في دارفور حيث قُتل مئات الآلاف من دون حساب، وقبلها في الصراع الدموي مع الجنوب والمتقطع مع قبائل شرق البلاد ووسطها، الخ.

يسعى الناس وبخاصة المنتمون إلى الفئات الأضعف جاهدين من أجل المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون وأمام الدولة وأمام كل هذه الكيانات الحديثة، لكن معظم الثقافات والديانات والأسواق ما زالت تفرق بين الناس على أسس عدة بعضها بيولوجي ومعظمها اجتماعي، ما يميز بينهم وبين استحقاقاتهم في معظم نواحي الحياة المشتركة. 

في كل الثقافات والمجتمعات في العالم لا مساواة مطلقة بين الناس وأهم الفوارق التي لها تبعات اجتماعية واقتصادية هي طبعاً النوع الاجتماعي (ذكر، أنثى، الخ) والعرق والمستوى الطبقي. تاريخ البشر من وجهة نظر ما، هو مسعى مستمر لمحو هذه الفوارق أو تقليلها وعلى الأقل خلق مساواة للجميع أمام القانون. في البداية كانت المساواة فقط داخل كل فئة، فمثلاً في شرائع حمورابي منذ نحو أربعة آلاف عام كان عقاب قتل الحر غير عقاب قتل العبد والمرأة غير الرجل وهكذا. وتاريخ البشر يحكي في جانب منه ازدياد المساواة بين البشر على الصعيد القانوني وإن كانت المسيرة أبطأ وأكثر تعقيداً على صعيد الممارسات الاجتماعية.

وفي مذكراته يحكي نوبار باشا، رئيس وزراء مصر في القرن التاسع عشر، أنه في عام 1844، قتل مسلم مسيحياً في الإسكندرية فصدر الأمر بإعدامه ونصبت مشنقة في وسط المدينة، “فسارت جموع غفيرة من الناس خلف المحكوم عليه بالإعدام في أثناء اقتياده لتنفيذ الحكم وهي تشعر بالمهانة وتردد همساً: “كيف يُشنق مسلم لأنه قتل كافراً؟!” “ألم يعلمنا أساتذتنا في القانون أن حياة مسلم تساوي حياة عشرة من الكفرة؟! إذا تم شنق هذا الرجل فعلينا أن نقتل تسعة آخرين من هؤلاء المسيحين الكلاب”. ولكن بمجرد أن أعلن طاهر بك رئيس البوليس (وهو أعرج) ببساطة ان الوالي محمد علي أمر بأن يُشنق إلى جوار القاتل أي شخص تسول له نفسه إبداء أقل ملاحظة، انصرفت الجموع فجأة واختفت. بعدها بسبعين عاماً، دافع السياسي البريطاني ونستون تشيرشل في مذكرة سرية عن موقفه الداعي إلى استخدام الغازات السامة في الحرب ضد “القبائل غير المتحضرة” في الهند. وبعده بعشرين عاماً، قتل هتلر ملايين اليهود ومئات آلاف الشيوعيين والرحّل (الغجر) وأصحاب الإعاقات الجسدية والمثليين في أفرانه “لأنهم ليسوا بشراً.

وحتى عندما سادت دول سيادة القانون الحديثة وانتهى عصر الاستعمار وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ينتهي الأمر كثيراً بما لخصه الروائي جورج اورويل في روايته “مزرعة الحيوانات” الناقد لشيوعية ستالين، عندما كتب “جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها”، بمعنى أن هناك حيوانات تحصل، ويحق لها أن تحصل على معاملة أفضل من الآخرين. وفي الولايات المتحدة يتندر أساتذة القانون أحياناً حول أن بلادهم مهووسة بالقانون وفيها أفضل عدالة “يمكن أن يشتريها المال”، فالمحامي الجيد باهظ التكاليف عامل مهم لكي تحصل على نتيجة أفضل أو جزاء أقل في أروقة مؤسسات القانون.

ولكن لماذا تذكرت كل هذا في عصر “كورونا” التي لا يفرق فايروسها كوفيد-19 بين الغني والفقير، والوزير والشحاذ، والأزرق والأخضر، ذلك لأن الخطر الداهم (الحقيقي أو المُبالغ فيه) يدفع بعض الناس للتخلي ببجاحة عن الصوابية السياسية، وليقولوا علناً ما اعتادوا ربما ان يقولوه سراً. خذ مثلاً الممثلة السعودية مرام عبد العزيز التي اقترحت استغلال المساجين في المملكة كحقل تجارب للقاح “كوروناً، بدلاً من تعريض الفئران والقرود التي لم تؤذِ البشر للخطر! افترضت السيدة مرام التي أصرت على موقفها على رغم انتقادات سعودية وعربية أن مملكة النفط لديها باحثون يعملون ليل نهار على اختراع هكذا لقاح، أو ربما كانت تفكر في عرض أجساد المساجين على شركات الدواء الغربية، أو أنها لا تفكر أصلاً وتفصح فقط عن لا مبالاتها بحياة المساجين الذين هم أقل منزلة في حسبانها من البشر. وقبل مرام، دعت “سيدة الشاشة الخليجية” الممثلة الكويتية حياة الفهد إلى التخلص من الأجانب الوافدين من طريق إلقائهم في الصحراء إذا رفضت بلادهم عودتهم (لاحقاً قالت الفهد إنها لم تقصد ما قالت وكانت منفعلة).

البشر ليسوا سواسية والمساواة ليست قانوناً طبيعياً، ولا حتمية تاريخية، والمساواة (على الأقل قانونياً) هي دائماً مسعى ونضال وحلم يأتي عادة من الفئات والطبقات المستضعفة، ويتجذر شيئاً فشيئاً في النظم والمؤسسات ثم يصل إلى الوعي الاجتماعي والخطاب أو ما نسميه الصوابية السياسية. وفي فترات الأزمات الكبرى مثلما يحدث الآن في العالم تتضح معالم هذا الصراع أكثر ويعبر الناس من الفئات المهيمنة بصوت أعلى عن مواقفهم الدفينة المستمدة من تاريخ طويل من التفرقة والتقسيم والهيمنة وبخاصة عندما لا ينظرون أبعد من أصابع أيديهم ويرون أنها ما زالت مختلفة الطول!

درج

————————–

“كورونا”: مسنون يدفعون الأثمان والمؤسسات الرعائية صامتة/ زينة علوش

شح مخيف بالمعلومات عن الإجراءات المتخذة في دور الرعاية المؤسساتية للوقاية من انتشار العدوى. مخاوف حقيقية تنسحب على ما يمكن أن يحدث خلف أسوار الدور.

31 مسناً يعيشون في دار للمسنين في مونتريال لقوا حتفهم بسبب فايروس “كورونا”. هذا هو الخبر الذي أعاد رئيس وزراء كيبيك فرانسوا لوغو من عطلة الفصح التي ارتآها متنفساً بعد مؤتمرات صحافية يومية منذ إعلان كندا عموماً وكيبيك خصوصاً خطة الطوارئ الصحية. وكان لوغو اعتاد أن يعقد مؤتمراً صحافياً عند الساعة الواحدة من كل يوم ليعرض الحصيلة اليومية للإصابات، والوفيات، وإجراءات السلامة. كما اعتاد لوغو على تأكيد أولاً واجب كيبيك تجاه كبار السن، لأنهم من أسس هذه المقاطعة وبناها. بفخر يشوبه القليل من التعالي، كان لوغو يتباهى بعادات الكنديين في احترام كبار السن وحمايتهم.

 أما خلال مؤتمره الصحافي ليوم 11 نيسان/ أبريل 2020، فقد أشاح لوغو نظره وأخفى خجله من فضيحة أن داراً للمسنين، هجرها الطاقم العامل وتُرك الكبار لمصيرهم بعدما تعمدت إدارة الدار إخفاء معلومات عن حالة النزلاء فيه.

لم تكن هذه الكارثة وليدة كورونا فقط، لكن الفايروس الذي وجد في المسنين فريسة سهلة، ساهم ومن حيث لا يدري بتكشف خبايا دور المسنين. فلقد أشارت شهادات أهالي النزلاء إلى مشكلات إدارية إضافة إلى سوء المعاملة التي كان يتعرض لها المسنون/ات في الدار، وصولاً إلى حد الإهمال المميت.

فضيحة مدوية، ومن ثم توالت التقارير التي شهدت على أن عدداً كبيراً من دور الرعاية الخاصة بكبار السن تواجه مشكلات خطيرة من ناحية نوعية الخدمة وخبرات الفريق العامل، في ظل عوائق أساسية على مستوى المتابعة والتقييم الحكومي لأداء هذه الدور. وانسحبت هذه الخشية على مراكز الرعاية الداخلية بأشكالها كافة. هذه المعطيات دفعت الحكومة المحلية إلى إطلاق أوسع عملية تحقق حول الخدمات الرعائية في مقاطعة كيبيك.

لا بد من الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها كندا على انتكاسة كبرى مرتبطة بالرعاية المؤسساتية. فالدولة ما زالت تنوء تحت وطأة الفضائح المتكررة، لا سيما في منتصف التسعينات، والمتمحورة حول إساءة المعاملة وصولاً إلى التسبب بالوفاة نتيجة الإهمال ومروراً بالانتهاكات الجنسية التي تعرض لها نزلاء المؤسسات الرعائية (أطفال، كبار السن، ذوي الإعاقات). وتشير الدراسات التي أجريت على 80000 من قدامى النظام المؤسساتي في كندا إلى أنهم تعرضوا لانتهاكات متعددة بقيت قيد الكتمان حتى عام 1990، بعد مسيرة انتقال تدريجي في مسؤولية الرعاية المؤسساتية من يد السلطة الدينية إلى الحكومة المدنية.

وهنا لا بد من التذكير بأن نمط الرعاية المؤسساتية تأسس في كندا مع وصول البعثات الإرسالية عام 1831 حيث تم فصل أطفال الشعب الأصيل عن عائلاتهم ومجتمعاتهم كوسيلة لإبادة هذا الشعب. ومن ثم انسحب هذا النمط المؤسساتي ليشمل ذوي الإعاقات (لا سيما الإعاقات الذهنية) ومن ثم المسنين. كانت سياسة الفصل مبنية على الأجندة السياسية والاقتصادية ذاتها: حجر كل مختلف وأقل قدرة على الإنتاج.

إذاً فهي كارثة إنسانية مدوية في مونتريال وفي المقابل صمت يطبق على حال الرعاية الداخلية في لبنان بعد ضجيج الضائقة المادية التي عبرت عنها المؤسسات الرعائية خلال ثورة 17 تشرين. في حينها، أعلنت مؤسسات رعائية كثيرة عن عدم قدرتها على الاستمرار في توفير الخدمة للمستفيدين بعدما تخلفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن دفع المستحقات الموجبة لتلك المؤسسات. وهكذا أُخرِج الأطفال والكبار إلى الشوارع ليعترضوا على التقصير المالي. كان التركيز وقتذاك على الرعاية الخاصة بذوي الإعاقات علماً أن دور المسنين/ات ودور الأيتام في لبنان تواجه التحديات المادية نفسها.

والسؤال يطرح نفسه الآن: ما هو الواقع الراهن للرعاية المؤسساتية في لبنان، وما هو وقع شح الأموال عليها، وكيف أثّرت حالة التعبئة العامة المفروضة في البلد لا سيما من ناحية إجراءات منع التجول وظاهرة المفرد\مجوز للسيارات.

شح مخيف بالمعلومات عن الإجراءات المتخذة في دور الرعاية المؤسساتية للوقاية من انتشار العدوى، تضاف إليه تقارير عالمية ومحلية عن ارتفاع حالات العنف صد النساء والأطفال نتيجة الحظر. هي مخاوف حقيقية تنسحب على ما يمكن أن يحدث خلف أسوار الدور.

وهنا لا بد من طرح أسئلة مباشرة على وزارة الشؤون الاجتماعية وعبرها على المؤسسات الرعائية:

-ما هي إجراءات السلامة المتخذة في الدور؟

– هل هناك إصابات بالفايروس بين النزلاء؟

– كيف يتم التعامل مع هذه الحالات؟

– هل هناك إجراءات إضافية لضمان وصول العاملين والعاملات إلى دور الرعاية؟

– ما هي سياسات الحماية الطارئة والمشددة التي استُحدثت للوقاية من تعرض النزلاء إلى العنف وسوء المعاملة؟

في مقابلة لوزير الداخلية على إحدى المحطات التلفزيونية، سأله المذيع عن استثناءات منع التجول على الطرقات لموظفي/ات الجمعيات الأهلية، رد الوزير حمل ما حمله من مقاربة ملتبسة لدور هذه الهيئات فقال:

شو يعني جمعيات؟ يعني شو بيشتغلو؟

تلعثم المذيع ثم سأل الوزير عن استثناءات قد تطاول العاملين والعاملات في دور الأيتام ومراكز المسنين/ات.

منشوف.

هكذا أتى جواب وزير الداخلية مختصراً، ومبهماً، ويحمل الكثير من التقويل. وفي المقلب الآخر، ليس هناك ما يشير إلى أي خطة طوارئ رعائية.

الكارثة المأساوية في مونتريال أطلقت ناقوس الخطر وحضت على فتح تحقيقات قضائية قد تصل بالمرتكبين إلى عقوبات جزائية إلى حد القتل المتعمد. فهل نتعلم الدرس في لبنان؟

درج

———————————–

صندوق النقد: أثر كورونا بالشرق الأوسط سيفوق أزمة 2008

قال صندوق النقد الدولي، الأربعاء، إن دولا في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، ستشهد انكماشا هذا العام، يفوق ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، وصدمة أسعار النفط في 2015.

وقال الصندوق في وقت سابق من الأسبوع الجاري، إن من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي 3%، خلال 2020 في ظل انهيار للأنشطة الاقتصادية، ناجم عن فيروس “كورونا”، ما سيمثل أكبر تراجع منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين.

وفي الشرق الأوسط، ستعاني الدول التي تعول بقوة على صادرات النفط من ضغط إضافي نتيجة انهيار أسعار الخام الناجم عن تراجع الطلب على النفط، وكذلك بسبب معركة على الحصص السوقية بين عملاقي النفط السعودية وروسيا، والتي عززت تخمة فائض المعروض وذلك حتى يوم الأحد الماضي.

وقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول المنطقة المصدرة للنفط 4.2% العام الجاري، في تعديل حاد، نزولا من توقعات الصندوق بنمو 2.1%، التي أعلنها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ومن المتوقع، أن تنخفض صادرات نفط تلك الدول بأكثر من 250 مليار دولار.

وقال الصندوق، إن اتفاق خفض إنتاج قياسي أُبرم الأحد، بين منتجين دوليين، قد يقدم بعض الدعم لأسعار الخام، ولكن “الانخفاضات في أسعار النفط كبيرة، لدرجة أن من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدرة للخام، بما في ذلك التي قد تتمكن من كسب حصة في السوق من منتجين أعلى تكلفة”.

وقال الصندوق، إنه بصفة عامة، من المتوقع أن ينخفض النمو في المنطقة من 1.2% في 2019 إلى انكماش 2.8% العام الجاري، لكنه يتوقع أيضا أن يتعافى النمو لاحقا إلى 4% العام المقبل مع انحسار المخاطر من الوباء.

ومن المتوقع، أن ينكمش اقتصاد السعودية، أكبر دولة مصدرة للخام في العالم، 2.3% في العام الجاري، من نمو 0.3% في 2019، حسب الصندوق الذي كان يتوقع نموا 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو.

وتسعى إيران، أكثر دول الشرق الأوسط تضررا من المرض، لاقتراض 5 مليارات دولار من تمويل الطوارئ للصندوق، فيما تحاول تحقيق التوازن بين إجراءات احتواء الفيروس، والتحرك لدعم الاقتصاد الذي تضرر بالفعل جراء العقوبات الأمريكية.

وقال الصندوق في توقعاته الاقتصادية للمنطقة “إجراءات الاحتواء اللازمة لوقف تفشي الفيروس أثرت على القطاعات الغنية بالوظائف في المنطقة، مع آثار سلبية على الثقة والنشاط غير النفطي”.

وعقب ركود حاد في 2019، يتوقع الصندوق انكماش الاقتصاد الإيراني 6% هذا العام.

آثار الجولة الثانية

ومن المرجح، أن يقع الأثر الأكبر لإجراءات احتواء الفيروس، التي أدت لتوقف شبه كلي لقطاعات اقتصادية حيوية مثل السياحة والضيافة والتجزئة، على الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم في المنطقة.

وتابع الصندوق: “إلى جانب ذلك، نظرا لكثافة العمالة في هذه القطاعات، قد تكون هناك موجة ثانية من الآثار على الطلب المحلي في المنطقة إذا ارتفع معدل البطالة وانخفضت الأجور والتحويلات”.

وتضررت أنشطة اقتصادية أخرى بفعل تعطل سلاسل الإمداد وتهاوي الأنشطة وثقة المستهلكين.

وزاد من الضغط، التدهور في أسواق المال العالمية، مما قاد لنزوح تدفقات رأس المال.

وقال الصندوق، إن تدفقات محافظ بنحو 5 مليارات دولار، خرجت من المنطقة في مارس/آذار ما يمثل تهديدا لتحديات إعادة التمويل لحكومات تواجه استحقاقات خارجية مقبلة، تصل إجمالا إلى 35 مليار دولار هذا العام.

ويثير هذا القلق بشكل خاص، لبعض الدول المستوردة في المنطقة بما في ذلك العراق والسودان واليمن، التي تواجه أكبر تحديات لاحتواء تفشي الفيروس.

وذكر الصندوق: “من أجل المساعدة في مواجهة هذه التحديات، فقد يتضح أن من الضروري تلقي دعم مالي وطبي خارجي في الوقت المناسب من اقتصادات كبرى ومنظمات دولية”، مضيفا أنه قدم إعفاء من الدين لليمن بالفعل.

كما أن الصندوق قدم دعما ماليا للأردن وجمهورية قرجيزستان وباكستان وتونس، وإعفاء من الدين من مقرضين دوليين للصومال.

————————————–

مراكز الخليج للطيران تحت وطأة فيروس كورونا

ترجم هذا المقال من الفرنسية هشام المنصوري.

يقول فراس مال الله وهو رُبّان طائرة مقيم في الكويت: “على مدى مسيرتي المهنية التي بلغت 21 عامًا، عايشت الكثير من الأزمات الصّحية، كالسّارس [متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد] وإيبولا، إلّا أن أيّ منها لم يؤثر على الرحلات الجّوية كما فعل وباء فيروس كورونا. إننا إزاء انخفاضٍ حادّ، والعديد من الرحلات متوقفة تماماً على مدار الأسبوع.”

الوضع مماثل في الإمارات العربية المتحدة المجاورة، حيث علّقت الحكومة مؤقتًا جميع الرحلات الجوية التجارية مع مطارات الاتحاد، وهو ما تسبب في إغلاق مطاري أبو ظبي ودبي المركزيين والذين يشهدان عبور ما يزيد عن المائة مليون مسافر سنويا.

أمّا لدى شركة “طيران الإمارات” -عملاق الرحلات الطويلة-، فقد تم تجميد نشاط أزيد من 270 طائرة و20 ألف من أفراد طواقمها. في بلاغ له، أكد أحمد بن سعيد آل مكتوم الرئيس التنفيذي للشركة أن المجموعة لم تعد قادرة على مواصلة استغلال رحلات الركاب بشكل مستدام “طالما لم تفتح البلدان حدودها”، مضيفاً أن شركته اختارت “تخفيض الأجور الأساسية مؤقتًا” بنسبة 25٪ إلى 50٪ لمدة ثلاثة أشهر، “بدلاً من مطالبة الموظفين بمغادرة الشركة”. أما منافسها “الطيران العماني”، فتشير مذكرة داخلية إلى استغناءات مقبلة على وظائف. فيما أقدمت الخطوط الجوية القطرية على فصل 200 من مستخدميها بعد خسارتها لـ 639 مليون دولار، تسبب فيها بشكل جزئي الحصار المفروض على الإمارة منذ عام 2017.

7 مليارات دولار من الخسائر

وفقًا للتقديرات الصادرة من قبل الاتحاد الدولي للنقل الجوي منتصف مارس/آذار، سيكلف فيروس كورونا شركات الطيران الخليجية أكثر من 7 مليارات دولار. على الصعيد العالمي، خفّض الوباء من الطلب ما جعل وكالة التصنيف “موديز” تُقبِل على إلغاء أكثر من ربع الرحلات التجارية بحلول عام 2020. ويُعتبر الوضع أكثر اضطراباً لدى شركات طيران البلدان التي استحوذت على قطاع العبور، المتمثل في نقل المسافرين إلى مركز جوي يقع عند تقاطع طرق التجارة الرئيسية ثم توزيعهم على وجهاتهم النهائية على متن رحلة ثانية. بفضل موقعها بين أوروبا وآسيا -وهو خط يمثل ربع المسافات الإجمالية للرحلات الدولية عبر العالم-، يعتمد ازدهار مطاري دبي والدوحة على نموذج اقتصادي سِمته الرفع من نسبة ملء الطائرات. ومع ذلك، يبقى هذا النموذج “هشّاً” أمام القيود المفروضة على حرية تنقل الأشخاص، وفقًا لشركة الخطوط الجوية السنغافورية، المتخصصة هي الأخرى في رحلات العبور.

غنيمة الإمارات

يقول فراس مال الله: “إن تعليق الرحلات قرار سليم، فكما قلت منذ الأيام الأولى للأزمة، فيروس كورونا لا يسافر لوحده! شركات الطّيران هي السبب الأول لانتشاره”. ويُضيف: “إنها أيضاً فرصة كي تستمتع العائلة بوجودي، فزوجتي سعيدة برؤيتي في المنزل”.

وإن فضل الطيار النظر لإيجابيات الموقف، فعلى شركات النقل الجوي أن تتسلّح مادياً كي تجتاز أزمة غير مسبوقة. يُحذر الاتحاد الدولي للنقل الجوي من خطر عمليات إفلاس متعددة في حال استمر انهيار الطلب في التأثير على القطاع إلى غاية ما بعد شهر ماي. في اتصال مع أوريان 21، تشير مديرة التواصل في شركة مؤسسة دبي للطيران (فلاي دبي) الإماراتية المنخفضة التكلفة، إلى أنه “من السابق لأوانه تقييم أثر الأزمة على المستوى الطويل الأمد” ـ فيما رفضت كل من الخطوط الجوية القطرية والطيران العماني والسعودية طلبات أوريان 21 لإجراء مقابلة. ويعتقد صاج أحمد، كبير المحللين في معهد الأبحاث الجوي الاستراتيجي (StrategicAero Research) أن “شركات الطيران الصغيرة والمستقلة، كـ”السعودية الخليجية“و”طيران الجزيرة“و”طيران ناس“، قد تكون الأكثر عرضة للخطر، إلّا أنه لا زال من السابق لأوانه إصدار أحكام”. ويضيف أن التعليق المؤقت للحركة الجوية في الإمارات يسمح للشركات بتقليل نفقاتها والحفاظ على السيولة التي يعتبر أنها كافية، إذ أن “طيران الإمارات يتوفر على غنيمة من قرابة 6 مليارات دولار”.

“سنتجاوز هذه الأزمة”، هكذا كتب بثقة رئيس شركة النقل الإماراتية المؤسسة عام 1985 بناء على أوامر نائب الرئيس الحالي والوزير الأول الإماراتي. يُحلّل الاقتصادي البحريني عمر العبيدلي الأمر قائلاً: “إذا كانت جميع شركات الطيران في العالم مهددة حاليًا، فمن غير المحتمل أن تترك الصناعات الخليجية شركاتها الوطنية تتعرض للإفلاس”. في الواقع، بالإضافة إلى دورها الأساسي المتمثل في كونها واحدة من المراكز العصبية لحركة نقل الركاب العالمية، تعتبر دول الخليج هذه البنيات التحتية الجوية بمثابة كيانات استراتيجية بالغة الأهمية.

فـ “طيران الإمارات” على سبيل المثال تابعة لصندوق الثروة السيادي لدبي. يذكرنا العبيدلي أننا إزاء “دول صغيرة لا يمكنها الاعتماد على شركات الطيران الأجنبية لتلبية احتياجاتها”. أمّا الهدف الثاني، فهو سياسي من الدرجة الأولى: تعزيز القوة الناعمة لدول ناشئة (نالت الإمارات وقطر والبحرين استقلالها في عام 1971) وتحقيق رغبة قادتها في الحصول على اعتراف دولي.

نجحت هذه الشركات بسرعة في إغراء الزبائن الغربيين بفضل الخدمات عالية الجودة والأسعار المناسبة، إلّا أن منافسيها الأوروبيين ظلوا لوقت طويل ينظرون إليها بازدراء. يتهمها هؤلاء بالاستفادة من إعانات حكومية غير عادلة، وتعريفات جمركية تفضيلية على وقود الكيروسين. كما تُتهم بالاستثمار في شركات النقل الأوروبية المتعثرة بهدف استقطاب المسافرين الراغبين في الذهاب إلى آسيا نحو مراكزها، وهي ممارسة تلتف على التزامات التفاوض بشأن حقوق الولوج إلى السوق الأوروبية. بالموازاة مع ذلك، تُسهل لها الصفقات القياسية لشراء طائرات إيرباص لا سيما 380A- وكذا عقود توريد الأسلحة، الحصول على حقوق رسوّ جوي إضافية.

عنصر أساسي لتنويع الاستثمارات

بالإضافة إلى دوره الهام في التألق على المستوى الدولي، يُعد قطاع الطيران أحد العناصر الرئيسية في التنويع الاقتصادي الذي بدأت تعرفه شبه الجزيرة العربية، والذي يهدف إلى تجديد الاقتصادات الريعية التي لا تزال صحتها المالية تعتمد على مداخيل قطاع الطاقة. ففي عمان على سبيل المثال، تمثل عائدات الهيدروكربونات ثلاثة أرباع الميزانية الوطنية. كما تُشير أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي إلى إمكانية استنفاد الموارد المالية للمنطقة بحلول عام 2034 نظرًا لوضع الميزانية الحالي، وهو ما يوضحه الانخفاض الحاد الذي عرفته أسعار النفط سنة 2014 ثم أوائل عام 2020.

في هذا السياق، توجهت دول الخليج إلى قطاع السياحة -إحدى الصناعات الأسرع نمواً في العالم- لتجعل منها رافعة للنمو الاقتصادي. من أجل جلب السياح، تنظم العديد من المطارات في المنطقة -كدبي والدوحة على وجه الخصوص- حملات تسويقية قوية لحث مسافري العبور على القيام بجولات سريعة في البلاد.

يرى عمر العبيدلي أن “التسويق الجيد والسّمعة التجارية يشكلان سرّ أي استراتيجية سياحية ناجحة”، وأن “شركات الطيران تشكل نقطة انطلاق هذه العملية […] إذ يحظى مجال الطيران في المملكة العربية السعودية بأهمية متزايدة وذلك راجع لرغبتها في جعل السياحة الدينية وغير الدينية عنصرًا مركزيًا في اقتصادها”. وبالفعل، تهدف المملكة إلى جلب أكثر من 100 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030، أي أكثر من ضعف الرقم الحالي والذي يهيمن عليه بشكل كبير الملايين من الحُجاج. على نفس المنوال، وضعت العاصمة العمانية نصب أعينها تحقيق هدف الخمسة ملايين سائح دولي في غضون العشرين عاماً المقبلة.

أمّا في قطر والبحرين، يساهم تنظيم الأحداث الرياضية الدولية في الإيرادات السياحية، فهناك بطولة العالم في ألعاب القوى وكأس العالم لكرة القدم بالنسبة لقطر وسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 بالنسبة للبحرين. يرى العبيدلي أن تنظيم منافسات دولية من هذا الحجم يستلزم أن يتوفر البلد على نقل خاص به لربط الخدمات الجوية والبرية: “هذا يتطلب ما يكفي من الرحلات الجوية التي تكون على ارتباط بالنقل البري والفنادق وتأجير السيارات كي يتمكن السياح من الاستمتاع بإقامتهم”.

على الرغم من التكلفة المالية لأزمة فيروس كورونا، تحد هذه المكانة المركزية الذي تحتلها شركات الطيران ضمن استراتيجيات التنمية لدول الخليج من مخاطر الإفلاس. يشير صاج أحمد إلى أن “العديد من هذه الشركات تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من قبل الدولة، وهذا ما يجعل انهيار شركة كبيرة أمراً مستبعداً. ولكن لنكون صريحين، يسجل عدد من هذه الشركات منذ عقود نتائج سيئة للغاية، وهي لم تكن لتستمر في نشاطها من دون هذا الدعم”. في مقابلة حصرية مع رويترز، تم بثها في 29 مارس/آذار 2020، تعهد رئيس الخطوط الجوية القطرية بمواصلة الرحلات الجوية التجارية، معترفاً في الوقت نفسه بأن الشركة قد تعاني قريباً من نقص في السيولة. وقال أكبر الباكر “سنلجأ بالتأكيد في نهاية المطاف إلى حكومتنا”، على اعتبار أن الخطوط الجوية القطرية ملك الإمارة.

على المدى المتوسط، يأتي التهديد من ظهور محاور جوية منافسة على الخط أوروبا -آسيا، فقد فُتحت محطة جوية بسعة مماثلة لتلك الموجودة في مركز دبي للتو في إسطنبول لتكون بمثابة قاعدة للخطوط الجوية التركية، الشركة الأولى عالمياً من حيث عدد الدول التي تغطيها. وبالفعل، تراجعت أرباح طيران الإمارات منذ 2018 لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ عقد. وأخيرًا، يُسائل تصاعد الرحلات الطويلة المنخفضة التكلفة والتي أتاحتها أنواع جديدة من الطائرات مدى استدامة النموذج الاقتصادي الذي ازدهرت حوله محاور الخليج منذ عشرين عامًا.

سيبستيان كستيليي

صحفي مستقل

————————————–

كيف ستؤثّر أزمة فيروس كورونا على محط اهتماماتكم الشرق أوسطية في المُقبل من الأشهر؟/ مايكل يونغ

جوزيف باحوط | باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي

بموازاة المنحنى التصاعدي الذي تسجّله الإصابات بفيروس كورونا المستجد، ينبغي علينا الانتباه إلى المنحنى التنازلي الذي تسجّله أسعار النفط، التي تدنّت إلى مستويات غير مسبوقة – أي بالمعدلات الحقيقية إلى الأسعار القريبة من تلك التي سجّلها النفط في الفترة السابقة للصدمة النفطية العام 1973. وقد يؤدّي ذلك إلى تداعيات إقليمية مدمّرة.

في ظل هذه الظروف، قد يتم تأجيل، إن لم يكن إلغاء، رؤية السعودية 2030، وهي الخطة الرامية إلى إنهاء اعتماد المملكة على النفط. ستسجّل السعودية عجزاً هائلاً في الموازنة في غضون ستة أشهر، وستحطّم أحلام ولي العهد محمد بن سلمان، وسيلي ذلك جملة من التعديلات والإصلاحات. وسيلجأ ولي العهد على الأرجح إلى إجراءات أكثر سلطوية للحفاظ على نفوذه. لكن عدم قدرته على توزيع العائدات الناتجة من الريع النفطي لاحتواء السخط سيسفر عن تزايد خطر حدوث اضطرابات.

إن انهيار الأسواق النفطية سيترك أيضاً بصماته بعمق على الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط. ونظراً إلى إغلاق أسواق العمل في الخليج، سيسفر صرف ملايين العمّال الآتين من مصر والسودان ودول المشرق عن مشاكل اجتماعية في هذه البلدان التي تواجه أساساً تحديات ضخمة.

وستصبح الأنظمة السلطوية أكثر تقارباً من بعضها البعض على الأرجح، ساعيةً إلى تضييق شقة خلافاتها. أحدث مثال على ذلك تقرّب الإمارات العربية المتحدة من الرئيس السوري بشار الأسد. وفيما تواجه الولايات المتحدة شبح الركود الذي لا مفر منه، وتعاني روسيا من الإفقار بسبب اعتمادها على النفط، وتتّجه الصين على الأرجح نحو شراء المزيد من النفط الرخيص من إيران، ستصبح القوى العالمية أقل قدرةً على التحكيم أو فرض ديناميكيات محددة في الشرق الأوسط، ما يمنح القوى الإقليمية المتوسطة هامشاً أوسع للتصرّف كما يحلو لها.

ناثان. ج. براون | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

شكّل فيروس كورونا الجديد مصدراً لمصاعب جمّة على مستوى التوقعات. ويتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف سيؤثّر هذا الوباء على الدول التي كانت سياساتها حتى الآن متوقّعة للغاية، سواء في مصر حيث يُحكَم المصريون من قِبَل أنظمة سلطوية مترسّخة، أو لدى الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والانقسامات. ستتفاقم مشاكل هؤلاء على الأرجح.

لن يبقى خيار المظاهرات الشعبية على الأرجح قائماً في الفترة المقبلة، وهي كانت الخطر الوحيد الذي هدّد الأنظمة السلطوية طيلة العقد المنصرم. وعندما تُطلق مجدداً شرارة المظاهرات، قد تقف في مواجهة أجهزة أمنية عزّزت قدراتها على مراقبة المجتمعات وضبطها. مع ذلك، يمكن القول إنه من غير المحتمل أن يُسفر تشديد الرقابة على المواطنين عن حوكمة أكثر فاعلية. فالتحديات التي يفرضها الوباء على الحوكمة ضخمة بالنسبة إلى كلٍّ من الأنظمة السياسية الراسخة، والديمقراطيات الليبرالية، والمجتمعات المزدهرة. أما الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، فالأرجح أن يكون أداؤها أقل جودة، وستكون النتيجة سياسات مُذرّرة ومثيرة للنفور.

لكن، ثمة هنا منحى موازن وإن كان طفيفاً. فالأنظمة التي تفاعلت عكسياً مع الفيروس من خلال نفي تأثيراته المحتملة، دفعت ثمناً باهظاً، وبعضها تطوّر ( وإن بعد تأخير مأساوي) من خلال اكتشاف مقاربات أكثر صدقاً حيال التعاطي مع الوباء بكونه تهديداً للصحة العامة وليس فقط لأمن النظام. قد يكون هذا درساً مفيداً، بيد أن حفنة ضئيلة من الأنظمة تبدو مستعدة لتطبيق هذا المنحى في مجالات أخرى.

زها حسن | باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

سيكون من الأهمية بمكان، مع تفشّي فيروس كورونا المستجد في العديد من المجتمعات، معرفة ما إذا كانت السلطات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ستتعاون، أم لا، لدرء هذا الوباء. هذا ناهيك عن أنه يُحتمل أن تكون لهذه الأزمة تأثيرات على الجهود الأميركية والإسرائيلية لفرض تسوية سياسية على الفلسطينيين.

كان التعاون بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين طيّباً حين ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا في الأراضي المحتلة في 5 آذار/مارس الماضي. إذ هم شكّلوا لجنة مشتركة، وتشاطرت إسرائيل لوازم الفحص الطبي مع الفلسطينيين، وأفرجت عن شطر من عائدات التخليص الجمركي التي كانت تل أبيب تحجبها عن خزينة السلطة الفلسطينية، وذلك بهدف مساعدتها على شراء المواد الضرورية لمكافحة الفيروس. لكن إسرائيل أجبرت مؤخراً عمّالها الفلسطينيين المرضى على العودة إلى الأراضي المحتلة، من دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية، ودمّرت عيادة ميدانية مؤقتة لفلسطينيين يعيشون في غور الأردن، وواصلت نسف منازل فلسطينية وبنى تحتية؛ وكل ذلك حدث فيما الفلسطينيون يحاولون الامتثال لأوامر البقاء في منازلهم والحفاظ على الصحة. كما أن تل أبيب تباطأت في ضمان أن يكون للفلسطينيين داخل الخط الأخضر- وهم مواطنون إسرائيليون- فرصة الحصول على الفحص الطبي على قدم المساواة مع جيرانهم اليهود، وواصلت حصار غزة، واتخذت إجراءات قد تعيق دخول السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى المستشفيات.

في خضم هذه التطورات المُقلقة، كانت إسرائيل تتحرّك بسرعة البرق لتطبيق الإجراءات الهادفة إلى تعزيز سيطرتها على تلك الأجزاء من الضفة الغربية التي تسعى إلى ضمّها، كجزء مما يُسمى خطة ترامب للسلام. ويبدو أن الوباء يشكّل غطاء مناسباً لمصادرة أراضي الفلسطينيين وتشريدهم بالسرعة القصوى. وفيما يقذف الإغلاق الطوعي الفلسطيني بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أشداق الانهيار الاقتصادي، قد لا تبقى في أعقاب الوباء سلطة فلسطينية يمكن التعامل معها، ولا بالطبع فرص لتحقيق سلام دائم مع إسرائيل.

أتش. آي. هيلير | باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

من الصعب ألا يسفر وباء كورونا المستجد عن تأثيرات ضخمة على كل القضايا المتعلّقة بالمنطقة العربية الأوسع، خلال هذه الأزمة وبعدها. فما يُحتمل أن يفعل الوباء هو أن يكشف عن مدى ديمومة أو لاديمومة الأنظمة والسلطات في بعض بلدان المنطقة، ومدى قدرتها على البقاء. وسيميط أيضاً اللثام عن الفجوات في أنظمة الدولة، خاصة في مجال تأمين الخدمات الصحية.

أحد الأمور التي تكشّفت فصولاً الآن هي كيف دارت النقاشات في الدوائر الدينية الإسلامية حول العالم، والتي طرحت العديد من النقاط المهمة المتعلقة بتأثير السياسات على الدين. فقد شجّع علماء دينيون كثر المواطنين على تجنّب الذهاب إلى المساجد استناداً إلى دوافع الصحة العامة. وكان البعض حريصاً على أن يُعتبر موالياً للحكومة (خاصة في حالة الحكومات التي لم تدعُ إلى إغلاق المساجد)، فيما أراد البعض الآخر أن يبدو “ملكياً أكثر من الملك”، حتى حين كانت أهم السلطات الدينية، كالأزهر في مصر، واضحة حيال الحاجة إلى الانخراط في المسافة الاجتماعية، وحيال صوابية تعليق الصلوات الجماعية في المساجد.

أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن تأثير الديموغرافيا كان عاملاً مُحدداً لديمومة العديد من الأنظمة. وقد ألقى وباء كورونا المزيد من الأضواء الكاشفة على ذلك عبر إظهار مدى قدرة القطاع الصحي على التصدي له. يبدو أن الفيروس يشكّل خطراً بشكل غير متناظر على المُسنّين. ومع أن الشبان قد يصابون به، تشير الإحصاءات إلى أن المرض يؤثّر عليهم أقل. عموماً، الشرق الأوسط أكثر يفاعة من أوروبا، ما قد يُفسّر جزئياً تباين تأثيرات فيروس كورونا، حتى وإن كان من المبكر للغاية الخروج بمثل هذه الاستنتاجات الآن.

آرون ديفيد ميلر | باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

ربما ليس ثمة مكان كان فيه لفيروس كورونا الجديد تأثيرات سياسية أو ظرفية أكثر من إسرائيل. فبعد أن أُصيب مساعد مقرّب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمرض، عمد هذا الأخير إلى فرض حجر صحي على نفسه. لكن، ثمة هنا ما هو أكثر من ذلك: فمع وقوع 4300 إصابة و16 حالة وفاة، قد يكون هذا الفيروس القاسي الذي لا يرحم في طريقه إلى تحقيق ما عجزت عن فعله ثلاثة انتخابات في أقل من سنة، وهو تشكيل حكومة فاعلة تكون، ولو شكلاً، حكومة وحدة وطنية.

الصفقة لمّا تتم بعد، لكن ما يحفز عليها هو بالتأكيد عدم وجود خيارات أخرى يُعتد بها. فلا أحد يريد انتخابات رابعة. وفي خضم وطأة الوباء الراهن، لا يمكن على أي حال إجراء الانتخابات لأشهر عدة مقبلة، هذا إذا ما جرت. لا الليكود ولا حزب أزرق أبيض الذي يقوده بيني غانتس لديهما ما يكفي من الدعم للحصول على 61 مقعداً. أما خيار تشكيل غانتس حكومة أقلية بدعم للأحزاب العربية من الخارج، فقد اعتُبر محفوفاً بمخاطر جمّة، وغير شعبي بالمرة، وغير مستقر بالنسبة إلى غانتس المتجنّب للمخاطرة.

لذا، وحين نضع في الاعتبار وباء كورونا، ليس ثمة في الساح سوى الخيارات السيئة. والإسرائيليون الآن في حالة حجر صحي كاملة تقريباً ويتوقون إلى التوحّد لإلحاق الهزيمة بهذا المرض. وقد أعاد غانتس ترتيب أوضاعه في ما اعتبره العديد من النقاد الإسرائيليين نسخة سياسية ما من حادثة سفينة تايتانيك. إذ هو نسف حزبه ووافق على أخذ شريحة ثانوية من 17 عضواً للتفاوض مع نتنياهو حول تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي إطار هذا التوجّه، سيكون نتنياهو رئيس حكومة لمدة 18 شهراً، على أن يحوز غانتس على وزارات الدفاع والعدل والشؤون الخارجية، ثم يصبح هو رئيساً للوزراء بعدها بـ18 شهراً.

ربما يتقاطع فيروس كورونا مع الخيارات السيئة، لإنتاج أفضل حصيلة لإسرائيل في ما يتعلق بمواجهة الوباء. لكن، ما من شك في أن الفائز الآخر هو نتنياهو الذي سيقود إسرائيل إلى الأبد حقاً، إذ هو سيقاتل التهم المسوقة ضده من موقع قوة، وسيكون قادراً، إذا ما تفاقم الوباء، على أن يتشاطر اللائمة مع غانتس. أكثر من ذلك: بعد أن قسم غانتس حزبه ولم يعد لديه الآن سوى 17 مقعداً، بالمقارنة مع أكثر من 37 مقعداً للّيكود وحلفائه اليمينيين، وبعد أن خان حلفاءه، ليس ثمة سوى قلة تعتقد أنه سيحوز على مايكفي من النفوذ للحفاظ على صفقة المداورة. وبالتالي، لن يرى غانتس أبداً الديكور الداخلي لمقر رئيس الوزراء في شارع بلفور.

مارك بييريني | باحث زائر في مركز كارنيغي-أوروبا، حيث يركّز على قضايا الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي

قد يؤثّر فيروس كورونا المستجد بطرق مختلفة على فئتين من المواطنين السوريين: أولئك الذين فرّوا من الصراع الدائر في وطنهم ويعيشون اليوم في تركيا من جهة، والسوريون النازحون داخلياً في محافظة إدلب من جهة أخرى.

الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، ويبلغ عددهم 3.6 ملايين نسمة، يعيشون في شقق في المدن الكبرى. وهم يتمتعون بظروف الصحة العامة والنظافة، ويستفيدون من النظام الصحي التركي، كما أنهم مؤهّلون للحصول على المساعدة الدولية بالسيولة النقدية. إذاً، ينبغي أن يكونوا في أمان طالما أن النظام الصحي قادرٌ على التصدي للوباء. يجب أن يستمر الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات إلى هذه الفئة، لكن هذا القرار بات أصعب بعد قيام الحكومة التركية مؤخراً بحثّ اللاجئين، غير السوريين بمعظمهم، على محاولة دخول أوروبا عبر الحدود التركية-اليونانية.

يُعتبر الوضع أشد تعقيداً بكثير بالنسبة إلى السوريين النازحين داخلياً في محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية. فهم يعيشون في مخيمات لا تستوفي المعايير المطلوبة، وغير مزوّدة بأنظمة الصرف الصحي والمرافق الطبية المناسبة. إذاً، هم فئة معرّضة لخطر كبير في هذه الجائحة. في حال تم توسيع الجهود المتواصلة الرامية إلى تقديم مساعدات عبر الحدود لهذه الفئة من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، يجب عندئذٍ إعطاء الأولوية لاتّخاذ الإجراءات اللازمة من أجل احتواء تفشّي وباء كورونا.

مهى يحيَ | مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

جاء وباء كورونا ليكلّل سلسلةً من الصدمات الشديدة والمتتالية التي قادت لبنان إلى دوّامة انحدارية. فالأزمة المالية أغرقت اقتصاد البلاد في ركود عميق، وتقلّصت العائدات الحكومية إلى حدٍّ باتت معه الدولة عاجزة عن تأمين أبسط الخدمات، بما في ذلك توفير الدعم إلى 1.6 مليون لبناني يٌقدّر أنهم باتوا يرزحون تحت خط الفقر. في غضون ذلك، تشتدّ حاجة القطاع الخاص إلى السيولة النقدية بسبب الضوابط غير الرسمية المفروضة على حركة رأس المال من قِبَل قطاع مصرفي يفتقر بدوره إلى السيولة، وربما أيضاً إلى الملاءة.

كذلك، يُميط وباء كورونا اللثام عن الضرورة الملحّة لزيادة الإنفاق على القطاع الصحي وشبكات الأمان الاجتماعي. ويشمل ذلك منح حدٍّ أدنى من مخصّصات البطالة إلى الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة الإجراءات التي اتُّخذت لاحتواء تفشّي كورونا، وإلى العمّال المياومين الذين لا يستطيعون تحمّل أكلاف العزل المنزلي وخسارة دخلهم. تبلغ قيمة هذه النفقات عشرات مليارات الدولارات. صحيحٌ أن مستويات التكافل الاجتماعي الحاصل والدعم المقدّم من المجتمع المدني كانت ملحوظة حتى الآن، إلا أنها لا تستطيع وحدها التصدّي لهذا التحدّي الجسيم.

نظراً إلى أن مشاكل الحوكمة والانقسامات السياسية تلقي بوزرها على لبنان، يمكن توقّع استمرار توجّهات عدة: أولاً، وعلى الرغم من كل التحذيرات الصحية، يُرجّح أن تزداد أعداد الناس الذين سينزلون مجدّداً إلى الشوارع في مواجهة خيار إما الموت بالكورونا أو الموت جوعاً. وثانياً، ستلعب البلديات دوراً مهمّاً باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الوباء، مثلما فعلت إبان أزمة اللاجئين السوريين بعد العام 2011. وغالب الظن أن يؤثّر تعزيز قدرات البلديات على مستقبل الحوكمة في البلاد. وثالثاً، ستستغلّ الأحزاب السياسية أكثر فأكثر تفشّي الوباء للعودة إلى الساحة وإثبات وجودها. فقد أعلنت كل الأحزاب عن وضع خطط لمكافحة الفيروس، بما في ذلك إنشاء مراكز حجر صحي، ونشر فرق طبية، وإجراء حملات تعقيم وتطهير، وتوفير مساعدات غذائية للمحتاجين. إذاً، يبدو أن لبنان يسير نحو مزيدٍ من الانقسام السياسي وشتّى أنواع التحديات في الأشهر المقبلة، في ظل قيادة سياسية غير مستعدة لوضع أولويات البلاد فوق مصالحها الخاصة.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

——————————-

عادات حليمة القديمة لم تعد نافعة/ مروان المعشّر

بديهي للغاية أن يركّز العالم على الإجراءات قصيرة المدى لمكافحة وباء كوفيد-19. بيد أن حفنة فقط من البلدان، هذا إن وُجدت، لديها القدرة، أو الشهية، لمباشرة التفكّر حول كيفية التعاطي مع التأثيرات بعيدة المدى لهذا المرض. وهي بالمناسبة تأثيرات كبرى. فنحن نسمع اليوم عن تقديرات تدور حول نسبة انكماش هائلة في الاقتصاد العالمي تبلغ 11 في المئة، وحول احتمال خسارة 25 مليون وظيفة، وحول انخفاض دائم بمعدل 2-3 في المئة في الدخل المحلي الإجمالي العالمي. والحبل على الجرار.

بالطبع، لن يكون الوضع مُختلفاً في العالم العربي. بيد أن الأزمة أزفّت في وقت كانت فيه منطقة الشرق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني أصلاً تحديات اقتصادية واجتماعية جمّة وخطيرة.  فهذه هي ثالث موجة تضرب المنطقة خلال العقد الأخير (الموجتان الأولى والثانية كانتا الانتفاضات العربية التي اندلعت في العام 2011، وهبوط أسعار النفط بدءاً من العام 2014). وقد سجّلت الموجة الثانية بداية نهاية الحقبة الريعية التي اعتمد خلالها بعض البلدان على النفط لتحقيق النمو الاقتصادي والسلام الاجتماعي. والآن، فإن تقاطع هذه الموجات الثلاث خلال عقد واحد، يمكن أن تكون له تبعات كارثية، مالم تتم معالجة تأثيراتها على نحو ملائم وعلى جناح السرعة.

ثمة بلدان قليلة في المنطقة حائزة على مدى مالي لتوفير ملاءات حفز اقتصادية جدّية. كما ولّت تلك الأيام التي كانت دول الخليج تستخدم فيها عائدات النفط لإنقاذ دول في المنطقة تعاني من المتاعب. فتدهور أسعار النفط من 140 دولاراً للبرميل إلى نحو 25 دولاراً اليوم، يعني على وجه الخصوص أن الدول غير المصدّرة للنفط بات عليها أن تُواجه أقدارها بنفسها، ولن يكون في وسعها الاعتماد على الهبات الخليجية. كما سيتحتم عليها أن تتنافس مع البلدان الأخرى في العالم على الموارد العالمية.

سيكون كل على البلدان العربية، مثلها مثل بقية دول العالم، سواء خلال أسابيع أو أشهر مقبلة أن تطوّر خططاً متوسطة المدى للتعاطي مع مضاعفات الوباء. فالبطالة في المنطقة، التي هي أصلاً ضعف المعدل العالمي، ستحلّق عالياً، والعديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستخرج من السوق، والقطاعات الأضعف من السكان ستعاني بقسوة. وبالتالي، أي خطط اقتصادية لمواجهة هذه التحديات ولمحاولة إعادة عجلة الاقتصاد إلى قدر من الحالة الطبيعية والاستقرار، ستحتاج إلى وقت، وتنطوي على تضحيات اقتصادية مؤلمة للغاية ستقع على عاتق المواطنين العاديين.

إذا ما كان ثمة وقت للإصلاح السياسي وسد شيء من فجوة الثقة بين المواطنين والدول، فأوانها أزف. إنه الآن. بيد أن أدوات الحوكمة القديمة، التي تُقرر فيها الحكومات ويستجيب لها الشعب بالرضوخ والإذعان، لم تعد تنقع. فالمسألة الرئيسة التي يجب أن تتطرق إليها الحكومات العربية الآن لا تكمن في ما إذا كانت قادرة على بلورة خطط اقتصادية، إذ هي قادرة تماماً، بل إذا ما كانت أي من هذه الخطط ستكون مقبولة من لدّن المواطنين الذين سيقبلون بتنفيذها، أو ما إذا كانت ستشعل اضطرابات اجتماعية.

لهذه الأسباب بالتحديد، يجب أن يشارك أولئك الذين سيعانون أكثر من الأزمة، أي مواطنو المجتمعات العربية، في صياغة هذه الخطط. ما قد يطرحه هؤلاء على طاولة المفاوضات ليس بالضرورة الخبرة التقنيّة، بل الشعور بأنه تتم مشاورتهم وبأنهم، في الواقع، جزء من الحل. وهذا عنصر حاسم تشتد الحاجة إليه لنيل المقبولية من المواطنين العرب.

مرّ الأردن بتجربة معبّرة في أواخر الثمانينيات، حين ضربته أزمة اقتصادية ضارية أسفرت عن خسارة الأردنيين نصف صافي قيمة الأصول بين ليلة وضحاها. آنذاك، لم تكن المساعدة المالية في طريقها إليه من دول الخليج، ولم يكن ثمة خطة اقتصادية قادرة على تحقيق الإنقاذ السريع. بيد أن الحل الذي طرحه الملك الراحل حسين انطوى على عنصر سياسي قوي: فهو نظّم أول انتخابات عامة وحرة منذ 30 سنة، ما أسفر عن ولادة برلمان شعر الأردنيون أنه يمثلهم. كما شكّل لجنة وطنية لوضع عقد اجتماعي جديد للبلاد. والنتيجة كانت رائعة وإعجازية: فعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية الضخمة التي بقيت لسنوات بعد الأزمة، تم الحفاظ على السلام الاجتماعي بفضل مثل هذه الإحاطة الكلّية وثقة الشعب بالحكومات المتعاقبة.

وبالتالي، وفيما تجهد البلدان العربية للعودة إلى سكة السلامة، لن يكون في مقدور أحد الإطلالة على مفاهيم كالثقة والإحاطة الكلية على أنها من بنات أفكار نخب سياسية منقطعة الصلة بمجتمعاتها. فهذه الأفكار أضحت ضرورية وحاسمة لأي طرف يريد الخروج من الأزمة. وفي ظل غياب مثل هذه المفاهيم، سينزلق العالم العربي إلى مرحلة مقبلة في غاية الصعوبة.

من نافلة القول إن السجل التاريخي يقف ضد هكذا محاججة. فهذه المفاهيم نادراً ما كانت جزءاً من أدوات الحوكمة في المنطقة. بيد أن العالم تغيّر. وعادات حليمة القديمة التي تم تبنيها في المنطقة- الإجراءات الأمنية والموارد المالية للحفاظ على السلم الاجتماعي- لم تعد متوافرة. ووباء كوفيد- 19 قد يوفّر فرصة ذهبية لإطلاق بداية جديدة: بداية تقود فيها الحوكمة الحميدة ومشاركة الرأي العام مسيرة تحقيق الإبلال والنهوض.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

——————————-

كورونا (كوفيد-19) والإرهاب الداعشي

خبراء: داعش سيحاول إستغلال جائحة كورونا للتمدد من جديد

نشرت “مجموعة الأزمات الدولية”، البحثية المرموقة تحليلاً حذرت فيه من عودة نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذا نجح التنظيم الإرهابي في استغلال جائحة “كورونا” وانشغال الدول القومية في مكافحته.

تكافح السلطات الصحية في مختلف أنحاء العالم ضد تداعيات تفشي وباء كورونا. وفي كثير من الأماكن تعم الفوضى بسبب هذا الفيروس المستجد، لكن تنظيم يحاول استغلال الفرصة: إنه تنظيم “داعش” الإرهابي.

في مقال صادر قبل أسبوعين وصف التنظيم الإرهابي الوباء بأنه “عذاب مؤلم” من الله “لأمم المحاربين الصليبيين”، وهو مفهوم ينطبق على البلدان الغربية المشاركة في العمليات العسكرية المضادة لتنظيم “داعش”. وبالطبع لعامل الخوف تأثير أكبر على الناس من الوباء نفسه في كثير من المواقع، وهو ما تكشف عنه ردود فعل المتطرفين.

فبعض قيادات التنظيم تعتبر أن العالم الغربي يقف “على حافة كارثة اقتصادية كبيرة، لأنهم قلصوا من حركة التنقل والأسواق تنهار حاليا والحياة العامة تلقى الجمود”، و”تطلب من الله أن يزيد من آلامهم وأن يحفظ المؤمنين”، وفق تصريح الباحث البريطاني المختص في قضايا الإرهاب أيمن جواد التميمي.

ونشرت “مجموعة الأزمات الدولية”، البحثية المرموقة مؤخرا تحليلاً حذرت فيه من عودة نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذا نجح التنظيم الإرهابي في استغلال جائحة كورونا وانشغال الدول القومية في مكافحته.

وأشار التحليل إلى أن تنظيم داعش “زاد من عملياته مؤخرا، مستغلا الفرصة في ظل انشغال دول العالم بمكافحة تداعيات تفشي فيروس كورونا على حساب أنشطته الأمنية والعسكرية”.

وأوردت  “مجموعة الأزمات الدولية” في التحليل الذي نشر تحت عنوان “التناقض مع داعش في زمن كورونا”، أنه يجب الاستعداد لمواجهة داعش من جديد، الذي يبدو أنه يستغل الفوضى الإقليمية والدولية”.

    زوجات مقاتلي #داعش: كورونا لا يصيب المسلمين الذين يسيرون على منهج البغدادي. pic.twitter.com/OIXPmM0HBb

    — ZaidBenjamin (@ZaidBenjamin5) April 12, 2020

صرف النظر عن الكفاح ضد داعش

وفي الواقع فإن تفشي فيروس كورونا قد يقوي “داعش” في موقفه. وفي الوقت نفسه يؤثر الوباء على أسلوب التعامل المقبل ضد المجموعة الإرهابية التي تُعتبر في الحقيقة مهزومة عسكرياً منذ السنة الماضية.

في العراق مثلا أعلن حلف شمال الأطلسي بداية هذا الشهر أن تدريب الجنود بسبب الوباء سيُلغى لمدة 60 يوما. والنتيجة هي أن وزير الدفاع البريطاني قلص تدخل قوات بلاده، وقيل بأن وتيرة التدريب انخفضت.

وفضلا عن ذلك فإن التحالف المضاد لداعش في العراق وسوريا مضطر لاتخاذ تدابير لمنع تفشي الوباء داخل وحداته العاملة هناك، لأن الفيروس وصل إلى سوريا في الأسبوع الاخير.

وبالرغم من أن السلطات الأمريكية انطلقت من أن الإجراءات لن يكون لها تأثير على مواصلة العملية ضد “داعش”، فإن الوباء يعيق فعلا الجهود الرامية إلى محاربة المنظمة الإرهابية على أرض الواقع.

    ISIS terrorists managed to take over the first floor in Hasakah prison removing internal walls& doors.

    some of them managed to escape and our forces are searching to capture them.

    anti-terror forces are dealing with the situation in the first floor to finish riots in the prison.

    — Mustafa Bali (@mustefabali) March 29, 2020

“وباء فيروس كورونا سيجلب بلا منازع جميع الاهتمام والموارد”، كما قال أحد الأخصائيين الأمريكيين. ومن ثم لن يتم التركيز على محاربة تنظيم داعش. “لكن مقاتلي التنظيم هم بالطبع معرضون للإصابة. وهؤلاء ليس لديهم مناعة ضد الفيروس. وإذا ما اعتمدوا على معلومات طبية أو صحية خاطئة فمن الممكن أن يفقدوا مقاتليهم بسبب الفيروس.”

استغلال الفوضى.. فرصة للهروب من السجون في العراق وسوريا

وابتداء من منتصف مارس/ آذار حذرت المجموعة الإرهابية أعضاءها من السفر إلى أوروبا ومناطق أخرى متضررة من تفشي الفيروس. لكنها كررت الدعوة للجهاد معللة ذلك بأن مقاتليها “سيحصلون على حماية إلهية من الفيروس”، إذا ما شاركوا في ما يُسمونه الجهاد.

أما الطريق المحتمل إلى ذلك فيمكن أن يتمثل في تحرير مقاتلين آخرين ونسائهم وأطفالهم من السجون في العراق وسوريا. ومنذ أكتوبر هرب أكثر من 750 شخص مشتبه بصلتهم بداعش من معسكر عين عيسى في الشمال الشرقي لسوريا. وقد نجحوا في ذلك، لأن القوات الكردية فقدت السيطرة هناك بسبب هجوم تركي.

“إذا ما تفشى الفيروس في السجون ومعسكرات الاعتقال، وهي الحالة المحتملة الآن، فإن الأكراد بصفتهم مسؤولين عن إدارة بعض السجون سيتخلون عن مهامهم”، كما قال كلارك، مؤلف كتاب “بعد الخلافة”.

وعلى هذا بالتحديد يراهن ما يُسمى بتنظيم داعش. ففي العراق وحده يتم حاليا اعتقال نحو 20.000 مقاتل مفترض من تنظيم داعش في السجون. ويقوي التنظيم أعضاء المجموعة الإرهابية الذين تلقوا المساعدة من مقاتلين آخرين للهروب من السجون وأماكن الاعتقال.

“تنظيم داعش يرى في الوباء فرصة ويريد استغلالها”، هكذا يلخص الباحث البريطاني التميمي تعاطي ما تبقى من “الدولة الإسلامية” مع جائحة كورونا العالمية.

توم ألينسون، ليفيس ساندرس/ م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله 2020

 ———————————-

خطأ الصين الذي كلف العالم 127 ألف قتيل حتى الآن! تسريب يكشف إخفاءها كورونا لأيام سافر فيها الملايين

كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، الأربعاء 15 أبريل/نيسان 2020، عن أنها حصلت على وثائق داخلية من الصين تُظهر أن بكين تأخرت 6 أيام حاسمة قبل أن تحذر العامة من انتشار كورونا، وأنه في الوقت الذي قررت فيه الصين الإعلان عن الفيروس كان الأخير قد بدأ في التفشي على نطاق واسع، الأمر الذي أدى إلى انتشاره حول العالم وقتله لـ 127 ألف شخص حتى تاريخ اليوم.

خطأ فادح: أشارت الوكالة إلى أنها حصلت على الوثائق من مصدر مجهول في الحقل الصحي بالصين، لم يرغب في الكشف عن هُويته خوفاً من التعرُّض للانتقام.

تقول الوثائق إنه في الأيام الستة التي أعقبت توصُّل كبار المسؤولين الصينيين سراً إلى أنهم على الأرجح يواجهون جائحة من فيروس جديد ينتمي لعائلة كورونا، استضافت مدينة ووهان، التي مثَّلت بؤرة الوباء، مأدبة جماعية لعشرات الآلاف من الأشخاص، وبدأ الملايين يسافرون استعداداً لاحتفالات رأس السنة القمرية الجديدة.

في يوم 20 يناير/كانون الثاني 2020 خرج رئيس الصين شي جين بينغ ليحذر العامة في اليوم السابع من انتشار الفيروس، لكن بحلول هذا التاريخ، كان أكثر من 3 آلاف شخص قد أُصيبوا بالعدوى خلال أسبوع تقريباً من الصمت الرسمي، وذلك وفقاً للوثائق الداخلية، وتقديرات لخبراء تستند إلى بيانات عدوى سابقة.

لم يكن التأخير من 14 يناير/كانون الثاني حتى 20 يناير/كانون الثاني 2020، هو أول خطأ يرتكبه المسؤولون الصينيون على كافة المستويات في مواجهة التفشي، كما لم يكن أطول تأخُّر.

لكن التأخير من جانب أول دولة تواجه فيروس كورونا جاء في وقتٍ حاسم وهو بداية التفشي، وفقاً للوكالة الأمريكية.

زو فينغ تشانغ، وهو خبير وبائيات مستقل بجامعة كاليفورنيا الأمريكية بمدينة لوس أنجلوس، قال عن طريقة تعامل السلطات الصينية مع كورونا: “هذا مروِّع. لو كانوا اتخذوا إجراءات قبل ستة أيام.. لربما كنا تجنّبنا انهيار النظام الطبي في ووهان”.

من جانبهم، أشار خبراء آخرون إلى أن الحكومة الصينية ربما تمهَّلت لتحذير العامة كي تتلافى حالة الهستيريا، وأنها تصرَّفت خلال ذلك الوقت بسرعة وبصورة سرية.

عوائق البيروقراطية: تشير أسوشيتد برس إلى أنه ليس مؤكداً ما إن كان المسؤولون المحليون هم الذين لم يُبلّغوا عن الحالات، أم أن المسؤولين على المستوى الوطني هم الذين لم يُسجِّلوها.

كما أنه ليس من الواضح ما الذي كان المسؤولون يعرفونه بالضبط في ووهان في ذلك الوقت، وهي المدينة التي لم تبدأ في اتخاذ إجراءات رفع قيود الحجر الصحي التي فُرِضت عليها إلا الأسبوع الماضي.

لكن ما هو واضح -بحسب الخبراء- أن الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين على المعلومات، والعوائق البيروقراطية، والتردد في رفع الأخبار السيئة إلى مستويات القيادة الأعلى هي ما منعت إصدار التحذيرات المبكرة.

أما الحكومة الصينية فنفت مراراً أن تكون كتمت المعلومات في الأيام الأولى، قائلةً إنها أبلغت منظمة الصحة العالمية عن التفشي فوراً.

اجتماع سري: تُظهِر الوثائق أن وزير لجنة الصحة الوطنية الصينية، ما شياوي، وضع تقييماً قاتماً للوضع يوم 14 يناير/كانون الثاني خلال اجتماع سري جرى عن بُعد مع مسؤولي الصحة الإقليميين في الصين.

جاء في مذكرة أن الاجتماع الذي تم عن بُعد انعقد لنقل التعليمات بشأن فيروس كورونا من الرئيس شي جين بينغ، ورئيس الوزراء لي كيكيانغ، ونائب رئيس الوزراء سون تشونلان، لكنها لا تُحدِّد ماذا كانت تلك التعليمات.

أيضاً تنقل المذكرة عن شياوي قوله: “الوضع الوبائي لا يزال شديداً ومعقداً، وهو التحدي الأشد منذ سارس عام 2003، ويُرجَّح أن يتطور إلى حدث صحة عامة كبير”.

وفي قِسم بعنوان “الفهم الواقعي للوضع”، تذكر المذكرة أنَّ “الحالات المتجمعة تشير إلى أنَّ الانتقال من إنسان إلى إنسان أمر ممكن”، وأشارت إلى حالة الإصابة التي كانت قد سُجِّلَت في تايلاند بحلول ذلك الوقت، قائلةً إنَّ الوضع “تغيَّر بصورة كبيرة” بسبب الانتشار المحتمل للفيروس خارج البلاد.

تضيف المذكرة: “مع حلول مهرجان الربيع، سيسافر الكثير من الناس، ويكون خطر انتقال وانتشار (العدوى) عال. على كل المواقع الاستعداد لجائحة ومواجهتها”.

أما لماذا انتظر القادة الصينيون ستة أيام لإعلان مخاوفهم فهذا ما لم تتضمنه الوثائق، بحسب الوكالة الأمريكية، التي أضافت أن الاجتماعات قد تكون أحد الأسباب.

في هذا السياق، تحدث دانيال ماتينغلي، الباحث في الشؤون السياسية الصينية بجامعة ييل الأمريكية، عن “ضرورات الاستقرار الاجتماعي، وعدم زلزلة القارب قبل أن تكون مؤتمرات الحزب المهمة تلك قوية للغاية”.

بداية الإعلان عن كورونا: عقب الاجتماع الذي جرى عن بعد، أعلن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في بكين أعلى درجات مواجهة الطوارئ داخلياً، الدرجة الأولى، يوم 15 يناير/كانون الثاني.

كانت المذكرة قد وجهت بشكل رئيس تعليمات إلى إقليم هوبي، حيث تقع مدينة ووهان، وطالبت ببدء اختبارات درجات الحرارة في المطارات ومحطات الحافلات والقطارات، وخفض التجمُّعات العامة الكبيرة، لكن في العلن، استمر المسؤولون في التقليل من شأن التهديد، وأشاروا إلى الحالات الـ41 حالة التي أُعلِنَت للعامة آنذاك.

في يوم 20 يناير/كانون الثاني 2020، أصدر الرئيس شي أول تصريحات علنية بشأن الفيروس، قائلاً إن التفشي “يجب أن يُؤخَذ على محمل الجد”، وأنه جرى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة.

كذلك أعلن خبير الوبائيات الصيني الكبير، تشونغ ناشان، للمرة الأولى أن الفيروس قابل للانتقال من إنسان إلى آخر على التلفزيون الوطني.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت ورقة بحثية أنه كان بالإمكان تقليص عدد الحالات بمقدار الثلثين لو كان تم تحذير العامة قبل ذلك بأسبوع لاتخاذ إجراءات مثل التباعد الاجتماعي، وارتداء الأقنعة، وقيود السفر.

اتهامات كثيرة للصين: بعدما تحول فيروس كورونا إلى وباء اجتاح العالم، واجهت الصين اتهامات عدة بأنها كانت السبب الرئيسي فيما وصل إليه العالم اليوم، عبر إخفائها الحقائق والسماح لسكانها بالتحرك والسفر في أرجاء الأرض بينما كان الفيروس يتفشى بمدنها.

في هذا السياق، قال الرئيس السابق لجهاز المخابرات البريطاني، جون ساورز، الأربعاء 15 أبريل/نيسان 2020، إن الصين أخفت معلومات جوهرية عن انتشار فيروس كورونا المستجد عن بقية العالم، وبالتالي ينبغي أن تُحَاسب على هذا الخداع.

رأى ساورز أنه من الأفضل إلقاء المسؤولية على الصين وليس منظمة الصحة العالمية، وأضاف في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): “هناك غضب شديد في أمريكا إزاء ما يرون أنه ضرر أُلحق بنا جميعاً على يد الصين وتتهرب الصين من تحمّل جزء كبير من مسؤولية ظهور الفيروس والإخفاق في التعامل معه في البداية”.

———————————————

من التهديد إلى التبرئة الخافتة.. لماذا تغيرت لهجة واشنطن ضد الصين بشأن كورونا

    لا أدلة على أن الصين هي التي خلَّقت فيروس كورونا ولكن الأمر ليس محسوماً

    مؤشرات على أن الفيروس لم يخرج من السوق التي تحدَّثت عنها الصين

    هل تعاقب الولاياتُ المتحدة الصين بسبب فيروس كورونا؟

    تعويضات بقيمة 6.5 تريليون دولار

    لعبة الضباط الأخيار والمسؤولين الأشرار

    حدود حرب الكورونا بين الصين وأمريكا

“الصين هي التي خلَّقت فيروس كورونا، لا.. الصين أخطأت فقط بإخفائها المعلومات عن فيروس كورونا”.

تبدو المعلومات التي تخرج من الإدارة الأمريكية عن مدى مسؤولية الصين عن الفيروس، متضاربة أحياناً، ومتعددة المصادر وحمّالة أوجه أحياناً أخرى.

كل ذلك يذكِّر بطريقة الاختلاقات التي قامت بها إدارة بوش لتوفير ذريعة لإشعال الحرب على العراق.

ولكن عكس العراق الذي كانت المواقف الأمريكية تتصاعد تجاهه وصولاً للحرب، فإن الحرب الإعلامية للإدارة الأمريكية تجاه بكين تتراوح بين التلويح بالعقاب، وتخفيف اللهجة والطلب من الصين ضرورة التعاون مع واشنطن.

لا أدلة على أن الصين هي التي خلَّقت فيروس كورونا ولكن الأمر ليس محسوماً

في آخر التصريحات الأمريكية بشأن الصين، برَّأ أكبر جنرال بالجيش الأمريكي الصين من اتهامها بأنها صنَّعت فيروس كورونا عمداً أو خطأً.

إذ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، إن المخابرات الأمريكية نظرت في احتمال أن يكون تفشي الفيروس التاجي قد بدأ في مختبر صيني، لكن “الأدلة” تشير حتى الآن إلى الأصول الطبيعية للفيروس.

جاء ذلك في تعليق للجنرال ميلي، على تقرير لصحيفة واشنطن بوست، كشف عن برقيات لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2018، تشير إلى أن دبلوماسيين أمريكيين أثاروا مخاوف تتعلق بالسلامة داخل معهد ووهان للفيروسات (WIV) الذي كان يُجري دراسات حول الفيروس التاجي من الخفافيش.

وأشارت الصحيفة إلى أن البرقيات الدبلوماسية أثارت النقاشات داخل الحكومة الأمريكية، حول ما إذا كان هذا المختبر في ووهان أو غيره هو مصدر فيروس كورونا، وذلك على الرغم من أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل قاطع على أن يكون الفيروس مصدره أي من المختبرات.

وتشير إحدى البرقيات إلى أن الوفد الأمريكي التقى شي زينغلي، الذي كان يشرف على تلك الأبحاث في مختبر ووهان، والذي نشر عدة دراسات علمية متعلقة بالفيروسات التاجية لدى الخفافيش، على امتداد سنوات طويلة.

الإعلام الصيني يركز على دور البلاد كمنقذ للبشرية من كورونا/رويترز

وأعرب الوفد حينها عن قلقه بشأن نقص بروتوكولات السلامة والسلامة الحيوية لأبحاث المختبر حول الفيروسات التاجية في الحيوانات، وقالت Washington post إن المسؤولين “حذَّروا من أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات جدية، فإن بحث المختبر قد يؤدي إلى تفشي فيروس السارس”.

أما عن الهدف من وراء تلك الأبحاث، فقالت الصحيفة الأمريكية إنها كانت “بغرض الوصول إلى تفادي وباء شبيه بالسارس قد يظهر مستقبلاً، من خلال وضع سيناريوهات استباقية لكيفية ظهوره”.

وظهرت البرقيات التي أوردتها صحيفة واشنطن بوست، في وقت تسعى فيه الإدارة الأمريكية إلى إلقاء اللوم على الصين ومنظمة الصحة العالمية بشأن تفشي الفيروس، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.

وأثار السيناتور الجمهوري توم كوتون احتمال أن يكون الوباء هجوماً متعمّداً على أسلحة بيولوجية صينية.

ولكن الجنرال ميلي قلل من هذا الاحتمال، وإن لم يستبعده تماماً.

إذ قال كبير جنرالات الجيش الأمريكي، الثلاثاء 14 أبريل/نيسان: “هناك كثير من الشائعات والمضاربات في مجموعة واسعة من وسائل الإعلام ومواقع المدونات وما إلى ذلك”، مضيفاً: “لا ينبغي أن يكون من المستغرب أن نولي ذلك اهتماماً كبيراً، وقد تلقينا كثيراً من المعلومات الاستخبارية حول ذلك. وأود فقط أن أقول إن الأدلة تشير إلى أنه طبيعي، إلا أن تحديد مصدره أمر غير محسوم حتى الآن، ولا نعرفه على وجه اليقين”.

مؤشرات على أن الفيروس لم يخرج من السوق التي تحدَّثت عنها الصين

كان التفسير الرسمي الصيني لتفشي الفيروس المسبِّب لمرض كوفيد19، يقول إنه تم نقله إلى البشر من الحيوانات بأسواق الحيوانات البرية في ووهان، على الرغم من أن بعض المسؤولين الصينيين قاموا بتعميم نظريات المؤامرة، مما يشير إلى أنه تم تصميمه في مختبر الأسلحة البيولوجية الأمريكية.

يقول معظم العلماء إن هذا الفيروس التاجي ربما نشأ في الخفافيش، لكنه وجد طريقه إلى البشر من خلال حيوان وسيط.

ولكن لا يوجد دليل قاطع على حدوث ذلك في أسواق ووهان “الرطبة” سيئة السمعة، حيث يتم بيع الحيوانات البرية من أجل لحومها. فقد وجد تحليل أول 41 مريضاً بـCovid-19 في المجلة الطبية “لانسيت”، أن 27 منهم تعرضوا بشكل مباشر لسوق ووهان. لكن التحليل نفسه وجد أن الحالة الأولى المعروفة لم تفعل ذلك.

واللافت أنه بعد تقرير “الواشنطن بوست”، كشفت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية، الأربعاء 15 أبريل/نيسان 2020، أنها حصلت على وثائق داخلية من الصين تُظهر أن بكين تأخرت 6 أيام حاسمة قبل أن تحذِّر العامةَ من انتشار كورونا، وأنه في الوقت الذي قررت فيه الصين الإعلان عن الفيروس، كان الأخير قد بدأ في التفشي على نطاق واسع، وهو ما أدى إلى انتشاره في العالم وقتله 127 ألف شخص حتى تاريخ اليوم.

فهل هذه التقارير الصحفية والتصريحات تعبّر عن حقائق تتكشف أم تمهيد للتصعيد ضد الصين؟

هل تعاقب الولاياتُ المتحدة الصين بسبب فيروس كورونا؟

قبل ذلك وصف الرئيس الأمريكي، دونالد ،ترامب الفيروس بالفيروس الصيني، كما اتهم منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين عبر التشكيك في جدوى منع الدول السفر إليها في بداية الأزمة.

ولكن اللافت أن ترامب ركز في مؤتمره الصحفي الأخير، في الهجوم على منظمة الصحة العالمية، معلناً عزمه تعليق التمويل الأمريكي لها.

كما اتصل بالرئيس الصيني، وتحدثا معاً عن التعاون في مجال مكافحة كورونا، متجنِّباً تسمية فيروس كورونا بالفيروس الصيني.

من جانبه، أصر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، على تسمية الفيروس بفيروس ووهان.

الرئيس الصيني مع مدير منظمة الصحة العالمية/رويتر

كما اتهم وزير الخارجية الأمريكي، الصين، بتعريض حياة الآلاف للخطر، قائلاً إن الحزب الصيني الحاكم لا يزال يحرم العالم من المعلومات التي يحتاجها للحيلولة دون حدوث إصابات أخرى بفيروس كورونا المستجد.

وقال الوزير الأمريكي إنه قد يأتي وقت لمساءلة الأشخاص المسؤولين عن ذلك، وذلك بسبب تأثر كل دول العالم بالوباء وما تبعه من هزات اقتصادية عنيفة بالدول كافة، من جراء هذا الوباء.

وعندما سُئل عن عواقب ذلك على الصين، قال بومبيو: “هذا ليس وقت العقاب. لكنه لا يزال وقت الوضوح والشفافية”.

وتطرق بومبيو مؤخراً إلى موضوع مختبر ووهان بطريقة حمّالة أوجه، قائلاً: “نعلم أن لديهم هذا المختبر. نحن نعرف عن الأسواق الرطبة، وهذا الفيروس نفسه نشأ في ووهان”، واضعاً علامات استفهام على اجتماع كل هذه الأشياء مجتمعةً.

وأضاف: “يجب أن يتحدثوا عن مكان المرض في بلادهم، وعدد الوفيات التي تعرضوا لها، ونوع الحالات التي يعانونها، ونوع الاختبارات التي شاركوا فيها”.

وانتقد حديث الحكومة الصينية عن أن مصدر الفيروس ربما يكون قد جاء من جندي أمريكي أو مختبر أسلحة أمريكي، وعلق قائلاً: “هذا يخلق خطراً عندما تضع معلومات مضللة بهذه الطريقة”.

ولكن على غرار رئيسه، خفف بومبيو كذلك هجومه على الصين، وركز على انتقاد منظمة الصحة العالمية، غير أنه ظل يشدد على ضرورة تعاون بكين مع واشنطن للإجابة عن عديد من الأسئلة المتعلقة بالمرض.

تعويضات بقيمة 6.5 تريليون دولار

أواخر مارس/آذار الماضي، بدأت تظهر مقالات لخبراء قانونيين غربيين يتوقعون مقاضاة الصين ومطالبتها بتعويضات قد تصل لتريليونات من الدولارات، بسبب ما قالوا إنه “تستُّر متعمّد من جانب الصين” على ظهور الفيروس في ووهان، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأعدَّ ماثيو هندرسون، وهو دبلوماسي بريطاني سابق في الصين ويعمل حالياً مديراً لمركز دراسات آسيا، تقريراً يقول إنه تجب مقاضاة الصين ومطالبتها بتعويضٍ قدره 6.5 تريليون دولار.

موقع ناشيونال ريفيو الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “كيف يمكن أن نحاسب الصين؟”، ناقش المسألة من منظور أمريكي يعترف باستحالة مقاضاة الصين في ظل القانون الدولي.

لكنه وضع سيناريو أمريكياً لجعل بكين تدفع الثمن.

البديل الأمريكي، وفقاً للموقع، هو تجميد واشنطن وحلفائها أصول وأموال الشركات الصينية المملوكة للدولة؛ لإجبار بكين على دفع تعويضات، وفي حال لجأت الصين إلى مقاضاة تلك الدول، يتم إذن الاحتكام إلى القانون الدولي فيما يخص الوباء ومسؤولية الصين عنه.

لعبة الضباط الأخيار والمسؤولين الأشرار

يبدو أن الإدارة الأمريكية في حربها الإعلامية على الصين بسبب أزمة فيروس كورونا، تستخدم مستويات متعددة من التصريحات، مصادرها متفاوتة المصداقية، كما حدث قبيل حرب العراق.

فهناك الأجهزة العسكرية والاستخباراتية التي تتسم بمحاولة التزام المهنية والحذر وعدم الميل إلى المبالغة.

وهذا المستوى عبَّر عنه رئيس أركان الجيش الأمريكي، الذي أكد بالفعل أن هناك ملاحظات أمريكية سابقة بالنسبة لنقص الأمان في معمل ووهان، ولكنه قال إن الأدلة الوازنة تشير إلى أنَّ أصل الفيروس ليس مختلقاً.

ولكنه أبقى الأمر معلَّقاً، قائلاً: “في النهاية لا شيء يقينياً”، فاتحاً الباب أمام إمكانية تأويل كلامه من المستوى السياسي.

ورغم أن الأجهزة التنفيذية لوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية غالباً تحاول التزام الاحترافية ومحاولة الابتعاد عن الأجندات السياسية الأيديولوجية وغلبة المنطقية والمعلوماتية، فإن هذه الأجهزة في النهاية مجرد أدوات تنفيذية تنصاع في الأغلب بدرجات متفاوتة، للمستوى السياسي إذا تعرضت لضغوط لإعادة تأويل تفسيراتها، سواء بالصمت أو إعادة تشكيل كلامها أو تمييعه.

ويحدث هذا غالباً في عهد الإدارات الجمهورية، كما حدث في عهد إدارة بوش حينما استجابت أو صمتت الاستخبارات الأمريكية عن تحريف الإدارة للأدلة التي جمعتها الاستخبارات لاتهام العراق بأنه كان يسعى إلى إحياء برنامج الأسلحة النووية، وأن لديه برنامجاً لأسلحة الدمار الشامل، وهو الاتهام الذي ثبت عدم صحته.

من جانبهم فإن السياسيين الأمريكيين الجمهوريين، سواء التنفيذيين أو البرلمانيين، يكون لديهم في الأغلب خليط من البراغماتية والشعبوية والعداء للأجانب.

وهذا الخليط يسمح لهم باختلاق بعض الأمور، ثم تصديق أنفسهم بعد أن يختلقوها، وبعد ذلك مطالبة الأجهزة الفنية المحترفة بتقديم الأدلة على مثل هذه الاختلاقات.

وفي الحالة الصينية فإن إدارة ترامب تواجه انتقاداً داخلياً، بسبب طريقة معالجتها للأزمة؛ ومن ثم فإنها تبحث عن كبش فداء مثل منظمة الصحة العالمية (بصرف النظر عن أنها قد أخطأت بالفعل أم لا).

ولكن الصين تمثل كبش الفداء المثال.

فهي دولة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية في كل المجالات، ويخشى كثير من الأمريكيين أنها سوف تحل محل واشنطن في صدارة العالم.

وفي الوقت ذاته فإن الصين ليست بريئة تماماً، فعلى الأرجح تتحمل مسؤولية انتشار الفيروس في بداية الأزمة، بسبب تكتُّمها على معلومات مهمة كان من شأنها تقليل تفشي فيروس على مستوى العالم.

إذ كانت الصين حريصة على مظهرها وضمان سلامة اقتصادها واستمرار رحلات السفر منها وإليها أكثر من حرصها على سلامة شعبها والعالم.

كما أن الصين لا تخفي رغبتها في استغلال تعافيها المبكر نسبياً من الأزمة، لتعزيز نفوذها وتقديم نفسها كمُنقذ للبشرية.

حدود حرب الكورونا بين الصين وأمريكا

لقد وقع العالم ضحية عملية استغلال سياسي فجّ للأزمة تقوم به أمريكا والصين إضافة إلى روسيا.

ولكن تظل هناك حدود للصراع الناشئ بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والذي بدأ قبل أزمة كورونا عبر الحرب التجارية بين البلدين.

فرغم أن التنافس بين البلدين مرشَّح للتفاقم، فإنهما عكس قوى عظمى أخرى على مدار التاريخ، لا ترغبان في تدمير بعضهما بعضاً حتى لو اقتصادياً.

فالصين والولايات المتحدة الأمريكية متداخلتان ومعتمدةٌ إحداهما على الأخرى اقتصادياً ومالياً، بشكل يعني أن خراباً اقتصادياً لإحداهما معناه أضرار بالغى للأخرى.

وعندما نتذكر أن شركة آبل، أيقونة التكنولوجيا الأمريكية وفخر الاقتصاد الأمريكي، تصنّع هاتفها “آيفون” الشهير، بشكل أساسي في الصين، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة تريد تحجيم صعود اقتصاد الصين ولكن ليس تخريب اقتصادها.

في المقابل فإن الصين أكبر حائز للسندات الأمريكية، أي إنها أكبر ممول للفجوة الاستهلاكية الأمريكية الضخمة، إضافة إلى أن الولايات المتحدة أكبر سوق للمنتجات الصينية؛ ومن ثم مهما هاجم الحزب الشيوعي الصيني الإمبريالية الأمريكية والنموذج الأمريكي، فإن رخاء الصين قائم على تلبية مطالب هذا النموذج الأمريكي الذي يهاجمه المسؤولون الصينيون.

وقد يفسر هذا سبب أن الحرب الإعلامية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لها حدود، وأنها تبدو حرباً محدودة أو حرباً بالنقاط أكثر من كونها حرباً شاملة بين الجانبين.

وإذا نظرنا إلى عقلية الصفقات العقارية التي تميز ترامب، وتجربته السابقة في الحرب التجارية مع الصين، فإن حرب كورونا بالنسبة له، ما هي إلا وسيلة لتحقيق مكاسب شعبية داخلية، وفي الوقت أداة لمساومة الصين لتحقيق بعض المكاسب كما فعل عبر التعريفات الجمركية.

ولكن الأكيد أنه بصرف النظر عن نتيجة هذه الحرب (التي لن تكون مدمرة على الأرجح)، فإن الطرفين بعد نهاية الأزمة سيبتعدان -ولو قليلاً- عن بعضهما، وسيتراجع التداخل الاقتصادي بين بكين وواشنطن والذي ميَّز الاقتصاد العالمي في العقدين الأوَّلين للقرن الحادي والعشرين.

فقد أثبتت أزمة كورونا أن مقدار التداخل بين الاقتصادين الأمريكي والصيني أكبر بكثير من مقدار الثقة بينهما.. “فهو زواج مصالح ليس به سوى قليل من الإعجاب المتبادل وكثير من التوجس”.

——————————————-

تحديثات كورونا.. 2 مليون إصابة مؤكّدة والحالات الخطرة 4 بالمئة فقط

الترا صوت- فريق التحرير

وفقًا لمؤشّر Worldometers، فإن عدد الإصابات المؤكدة بعدوى فيروس كورونا الجديد قد تخطى حاجز المليونين، حيث تم توثيق 2،000،243 حالة حول العالم بمرض كوفيد-19، أما عدد الوفيات فبلغ 126،758. في المقابل، بلغ عدد المتعافين من إجمالي من تأكدت إصابتهم بمرض كوفيد-19 زهاء 484،747 حالة، ما يعني أن الحالات “النشطة” حاليًا هو 1،388،738.

وبحسب مؤشر Worldometers، فإن 4 بالمئة فقط من الحالات النشطة تعاني من أعراض جدّية أو خطيرة، أي حوالي 51،603 حالات، أما 96% من الحالات النشطة المسجّلة فلا تعاني إلا من أعراض خفيفة إلى متوسطة.

البيت الأبيض يعلن تعليق المساعدات لمنظمة الصحة العالمية

وصلت عدد الحالات المؤكدة من الإصابة بفيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة أكثر من 609،422 حالة، بينما وصل عدد الوفيات بسبب المرض إلى 26،056 حالة، من بينها 7،905 حالات وفاة في ولاية نيويورك، الولاية الأكثر تضررًا بالوباء والتي تجاوز عدد الإصابات المؤكدة فيها ما هو مسجل في أي دولة في العالم.

وفي خطوة أثارت موجة من الاستهجان محليًا وعالميًا، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يواجه انتقادات لاذعة بسبب طريقة استجابة إدارته للوباء، تعليق الدعم لمنظمة الصحة العالمية وإطلاق تحقيق في كيفية تعامل المنظمة مع الوباء. وقد أعلن ترامب أن تعليق الدعم سيكون لشهرين أو ثلاثة أشهر، متهمًا المنظمة الأممية بسوء إدارة الأزمة والتضليل بشأن خطورتها على حد تعبيره.

تخفيف حالة الإغلاق في بعض المدن الأوروبية

أعلنت كل من إيطاليا وإسبانيا والنمسا عن البدء بخطوات “متدرجة” من أجل عودة بعض القطاعات للعمل بشكل جزئي، وذلك بعد أن تم تسجيل تراجع في عدد الحالات الجديدة على مدى الأيام الماضية. وقد بلغ عدد الحالات المسجلة في إسبانيا 174،060 حالة، توفي منها 18،255 مواطنًا. أما في إيطاليا فبلغ عدد الإصابات المؤكدة 162،488، لكنها ما تزال الأكثر تأثرًا في أوروبا على مستوى عدد الوفيات، بواقع 21،067 حالة وفاة. وفي ألمانيا، الرابعة عالميًا على مستوى عدد الإصابات بواقع 132،201، فقد تم تسجيل 3،495، وهو عدد منخفض نسبيًا مقارنة مع ما يتم تسجيله في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، حيث بلغ عدد الوفيات في الأخيرة حوالي 15،729 حالة وفاة.

أما في المملكة المتحدة، فيقترب عدد الإصابات المؤكدة من 100 ألف حالة، حيث تم تسجيل 94،845 حالة، أما عدد الوفيات، فوصل إلى 12،107 حالات وفاة بسبب كوفيد-19.

تركيا.. إفراج عن سجناء وحظر تجوّل كامل نهاية الأسبوع

وصلت أعداد الإصابات المؤكدة في تركيا إلى 65،111 حالة، بينما بلغ عدد الوفيات بسبب المرض 1،403 حالة. وكان البرلمان التركي قد أقر أمس قانونًا يتيح للسلطات الإفراج عن عشرات آلاف السجناء، وذلك بهدف التخفيف من الاكتظاظ في السجون، بعد تسجيل ثلاثة نزلاء بسبب كوفيد-19، من بين 17 حالة مؤكدة. كما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن سابقًا عن تطبيق حظر التجول الكامل في أجزاء واسعة من البلاد يومي السبت والأحد المقبلين، ضمن الإجراءات التي تتخذها السلطات هنالك لاحتواء الوباء.

السعودية الأعلى عربيًا في عدد الإصابات والجزائر في عدد الوفيات

في السعودية بلغ عدد الإصابات المؤكدة بعدوى فيروس كورونا الجديد إلى 5،360 حالة، وهو الرقم الأعلى عربيًا على مستوى عدد الإصابات، تليها مباشرة الإمارات العربية المتحدة، والتي اقترب عدد الإصابات فيها من حاجز 5 آلاف حالة، وذلك بواقع 4،933 حالة، مع استمرار أعداد الوفيات منخفضة في كلا البلدين، بواقع 73 حالة وفاة في السعودية، و28 حالة وفاة في الإمارات.

أما في الجزائر، والتي بلغ عدد الإصابات المؤكدة فيها 2،070 حالة، فوصل عدد الوفيات إلى 326 حالة، وهو الرقم الأعلى عربيًا على مستوى عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالمرض، تليها مصر بواقع 178 حالة وفاة، ثم المغرب بواقع 126 حالة وفاة.

الأردن يعلن استمرار إغلاق المساجد في رمضان

وصلت أعداد الحالات المؤكدة بالإصابة بفيروس كورونا الجديد في الأردن إلى 397 حالة، بعد تسجيل 6 حالات جديدة يوم أمس الثلاثاء 14 أبريل/نيسان. أما عدد الوفيات بسبب كوفيد-19 في الأردن فقد بلغ 7 حالات فقط. وتستمر السلطات في الأردن بفرض حالة من حظر التجوّل شبه الكليّ في مختلف محافظات المملكة، حيث يمنع التجوّل بشكل كامل للمركبات باستثناء المصرّح لها بالحركة خلال أيام الأسبوع، مع استمرار تطبيق للحظر الكامل في نهاية الأسبوع لمدة 48 ساعة. كما أعلنت المملكة عن عزمها الاستمرار في إغلاق المساجد حتى أثناء شهر رمضان، ضمن إجراءاتها الصارمة لمحاولة السيطرة على الوباء.

———————————

الرقم المنسيّ في المعركة ضدّ كورونا.. كم بلغ عدد المتعافين من المرض عالميًا؟

الترا صوت- فريق التحرير

يقترب عداد الإصابات المؤكدة المعلن عنها بفيروس كورونا الجديد حول العالم من حاجز المليونين، بعد أن سجلت جامعة جونز هوبكنز الأمريكية 1،921،369 إصابة، بينما بلغ إجمالي الوفيات من كوفيد-19، المرض الناجم عن الإصابة بالفيروس، حوالي 119،730 وفاة.

الولايات المتحدة سجلت العدد الأكبر من الإصابات المؤكدة، وباقع 582،594 إصابة، أما عدد الوفيات فيها بسبب المرض فقد بلغ 23،649 وهو الرقم الأعلى عالميًا.

أما إجمالي أعداد المتعافين من المرض بعد تعرضهم للعدوى فقد بلغ بحسب مؤشر جامعة جونز هوبكنز الأمريكية حوالي 457،549.

3 ملايين فحص في الولايات المتحدة

وكانت السلطات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية قد أجرت زهاء 2،964،726 فحصًا على السكان في مختلف الولايات، نصف مليون من هذه الاختبارات كانت من نصيب ولاية نيويورك، الولاية الأكثر تضررًا بالوباء والتي تجاوزت الإصابات فيها ما هو مسجّل في أي “دولة” في العالم، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا. ويبلغ عدد المواطنين الأمريكيين الموزعين على المستشفيات حاليًا بسبب كوفيد-19 حوالي 95،505 مريضًا، منهم 42،712 في نيويورك.  أما عدد المتعافين في أمريكا فبلغ 44،308.

يأتي ذلك في ظل تصاعد الاتهامات للرئيس الأمريكي بإخفاقه في التعامل مع الأزمة، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تحقيق لها عن ضعف إجراءات الإدارة الأمريكية وتأخرها في احتواء الوباء منذ مطلع العام.

تزايد في الإصابات والوفيات في روسيا

سجلت روسيا 2،558 إصابة جديدة يوم أمس الإثنين، وهو الرقم الأعلى المسجل يوميًا منذ أنت أعلنت السلطات عن فرض إجراءات إغلاق مشددة في موسكو، ليصل إجمالي عدد الإصابات في روسيا البالغ عدد سكانها 144 مليون نسمة إلى 18،328 إصابة، قضى منها بسبب المرض 148 مواطنًا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار في اجتماع عبر الإنترنت في الأمس مع مسؤولين روس إلى أن “الوضع بسرعة بين يوم وآخر، وهذا التغير للأسوأ مع الأسف”، مشيرًا إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون “حاسمة”.

الطوارئ مستمرة في اليابان

في اليابان، تم تسجيل 390 حالة جديدة، ليرتفع عدد الإصابات إلى 7،645 إصابة مؤكدة. وكانت اليابان قد أعلنت حالة الطوارئ الأسبوع الماضي من أجل تسهيل مهمة السلطات في فرض الإجراءات اللازمة لاحتواء الوباء، خاصة مع استمرار أعداد كبيرة من اليابانيين بالذهاب إلى الأسواق والمتاجر.

الأرقام في الدول العربية

في المملكة العربية السعودية اقتربت أعداد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا الجديد من 5،000 إصابة، أما أعداد الوفيات فلم تتجاوز 65 حالة وفاة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فوصل عدد الإصابات المؤكدة إلى 4،521 حالة.

في مصر وصل عدد الحالات المؤكدة المعلن عنها إلى 2،190 حالة، أما عدد الوفيات بسبب كوفيد-19 من بين المرضى فوصل إلى 164 حالة. أما في الجزائر فوصل عدد الإصابات المؤكدة إلى 1،983 حالة مؤكدة، وارتفع عدد الوفيات ليصل إلى 313 حالة وفاة.

———————————–

كيف سيُعيدُ كورونا تشكيل الذهنيَّات في المستقبل؟/ حذيفة أمين

يعيش العالم اليوم تجربة قاسية من جميع نواحي الحياة المختلفة، وقد تضررت الدول أجمع بشكل كبير من جراء هذه الأزمة أو الوباء الذي يجتاح تقريبًا كل المعمورة، بحيث إن الاقتصادات الكبرى والمؤسسات العالمية أصبحت ترضخ لما يمليه عليها هذا الوباء المتفشي بشكل مفزع ومقلق، ولقد عرفت في الأشهر القليلة الماضية عملية غلق واسعة لجميع المعابر والحدود الدولية، وانهارت المنظومات الطبية والصحية في الكثير من دول العالم، لعدم استطاعة هذه القطاعات تحمل العدد المهول من الإصابات بهذا الفايروس المستجد والمكنى بفيروس كورونا (كوفيد 19).

تسابقت الدول المتقدمة مخبريًا في التوصل لعلاج أو لقاح لهذا المرض القاتل، والذي قد يستغرق بحسب إحصائيات صادرة عن معاهد بحوث مرموقة أكثر من 18 شهرًا، وفي خضم هذا الانتظار يعيش العالم اليوم حالة من الفزع والهلع المرتبطين بمدى قرب إصابة الأشخاص بهذا الفايروس، والتحرك بسهولة وسيولة داخل أجسامنا، فالكل ينتظر معركته مع هذا المرض إما بالانتصار عليه، أو الهزيمة أمامه.

بالرغم من خطورة هذه الجائحة التي تحذر منها منظمة الصحة العالمية في كل فرصة سانحة، إلّا أن هذا الوباء خلق حالة من الوعي لذى الأفراد داخل المجتمعات، على الكثير من الأصعدة المختلفة، بما فيها التعرف على القواعد الصحية والطبية اللازمة اتبعها عند تفشي هكذا أمراض في المجتمعات، بالإضافة إلى المعلومات التاريخية حول طبيعة الأوبئة التي اجتاحت العالم في القرنين الماضيين، وكيف تعاملت معها الحكومات في تلك الفترة، زيادة على ذلك الامتثال لقواعد السلامة والاحتراز التي أقرتها المنظمات الصحة العالمية، والحكومات والجهات المدنية المختلفة كالحجر الصحي، والاهتمام بالنظافة الشخصية كعملية غسل اليدين المتكررة، والابتعاد عن المصافحة والتقبيل، واتباع فلسفة التباعد الاجتماعي والفيزيائي لتقليل فرص الإصابة والعدوى من هذا المرض، رغم كل هذه السيرورة الطويلة من الإرشادات الصحية التي يتعامل معها البشر اليوم على أنها من البديهيات، تشكل وعي آخر مهم وضروري، يرتبط أكثير بعملية التغيير التي يجب أن تحصل في كل مجتمع مهما إختلفت درجة تطوره وتقدمه، فعملية التغيير قد تحصل نتيجة العديد من المتغيرات التي يمر بها المجتمع مثل (الحروب، التكنولوجيا، التلوث، الأمراض… إلخ)، ولذلك وجب التنوية بأن مرحلة فيروس كورونا من المتغيرات التي قد تعيد بناء وتشكيل العالم وفق خارطة جديدة تختلف كليًّا عن ما كان سائدًا في العقود الأخيرة، وتعيد إحياء حضارات لتتسلم المشعل وقيادة العالم اليوم، بحيث سنقوم بتحديد الرزنامة التاريخية بالقول؛ الحدث قبل كورونا والحدث بعد كورونا.

الوعي بخطورة الوباء قد يفضي إلى نزعة عقلانية جديدة، تتعامل مع الوضع كأنه طريق مسدود لانتهاء البشرية والعالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عند ظهور كورونا في جمهورية الصين الشعبية، حاول الكثير في مجتمعاتنا تبرير هذا الوباء على أنه عقاب إلهي لما كان يحدث لمسلمي الأيغور من قبل الحكومة الصينية، ولكن بعد مرور أشهر قليلة ووصول هذا الوباء إلى المنطقة العربية، تحولت هذه النظرة أو تلاشت تلقائيًا، وأصبح التعامل مع الوضعية أكثر حذرًا بعيدًا عن التأويلات الماورائية، والتي أنتجت عقمًا خادعًا للفرد العربي المحلي، فضرورة التحلي بقيم العلم والثقافة ضرورية في هذه المرحلة الحساسة والصعبة في تاريخ الإنسانية أجمع، فالتعلق والتشدد بالأمور الأخروية على سبيل تحقيق والضفر في الدنيا أمر يجب إعادة مراجعته في منظومتنا الفكرية بالمطلق، فاليوم يعيش الفرد في منطقتنا المحلية اختبارًا صعبًا جدًا، قد يتبين فيها الكثير من المعطيات و يتحدد من خلاله سلم أولوياتنا، ومكانتنا في الجوار والعالم أجمع، فالمعاهد والمخابر وإنتاج المعرفة هو السبيل الوحيد اليوم للخروج من هذا المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه، قد تتبدد اليوم الرؤية؛ وتتضح غدًا بشأن من هو أكثر حكمة في التعامل مع الأزمات وكيفية إداراته.

الأزمة اليوم حقيقة، عالمية واسعة، ولكنها تعني كل شخص فينا، فمصائرنا بأيدينا، وطرائق الخروج من هذه المعضلة نحن من نصنعها، فلا بد لنا جميعًا من التحلي بأخلاق العلم وما ينص عليه العلم، لأن الإنسانية أهم بكثير من المعتقدات الشخصية والاعتناقات الفردية، والاثنيات والعرقيات.

للحظات سنفقد كل شيء، وللحظات أخرى بإمكاننا الإبقاء على كل شيء، الوعي والذهنية القويمة في هذه الأثناء هي المخرج الوحيد لنا، فعلينا التشبث بها الآن، ومستقبلًا بكل تأكيد.

——————————————

===========================

تحديث 17 نيسان 2020

————————————–

لبنان: “كورونا” والضغط الاقتصادي يفاقم الاعتداءات بحق اللاجئين السوريين./ هديل مهدي

“كورونا”، الفقر، الخطاب السياسي… كله يضع مسألة اللاجئين والعلاقة مع المجتمع المحيط في لبنان على فوهة أزمة قابلة للاشتعال في أي لحظة.

“العالم دشرت بهالحقالي على أطراف غزة والباقي توزعوا على الضيع المجاورة بين الغادرية والخيارة والمنصورة وجب جنين… كأنه بعد ناقصنا  تهجير ما بكفي كل شي عشناه من أسى وظلم وتشرد”. يقول أبو يوسف  اللاجئ السوري المقيم في مخيم 011 في غزة في البقاع الشمالي بعد ليلة دامية إثر إشكال وقع بين شبان المخيم وعناصر من بلدية غزة وشبان من البلدة، أدى إلى وقوع جرحى من الطرفين بينهم شاويش المخيم “عبد الرزاق شحادة” وإبنه وصهره “عوض محمود السويران”، والشاب محمد خليل من غزة، الذي أصيب بكسور في الجمجمة بعد  ضربه بحجر على رأسه.

بدء الإشكال على خلفية دخول لاجئة سورية الى مخيم 011 آتية من بر الياس بعد أن خرجت للتبضع استعداداً لزفافها. وفور وصولها ومن معها إلى حاجز أقيم من قبل متطوعين مكلفين من البلدية لتنفيذ قرار التعبئة العامة وحظر التجول في ظل أزمة “كورونا”، منعوا من دخول المخيم. عندها تخطوا الحاجز وحاولوا دخول المخيم ليلحق بهم شبان من خلية الأزمة. حينها حصل تضارب بينهم وبين شبان من المخيم أسفر عن وقوع جرحى بعد أطلاق نار من قبل شبان البلدة واستخدام آلات حادة من عصي وحجارة وسكاكين من قبل الطرفين. 

وعلى إثر إصابة الشاب “محمد خليل” إصابة حرجة، أصدر المجلس البلدي في غزة الذي يرأسه محمد المجذوب قرار بالاتفاق مع فعاليات ومخاتير ومشايخ من القرية بإزالة المخيم كلياً بعد الإشكال. وعلل المجلس البلدي في غزة القرار بأنه اتخذ “درءاً لردود الفعل التي قد تنشأ جراء أي احتكاك وتحت ضغط أهل غزة الرافضين بقاء المخيم في خراج بلدتهم”. إلا أن وزير الداخلية محمد فهمي رفض القرار وطلب توقيف الفاعلين فقط، ما أثار حفيظة أهالي المنطقة واستدعى تجدد الإشكال بين الأهالي واللاجئين، أدى إلى تدمير 39 خيمة من أصل50 وسقوط ثلاث جرحى وتهجير أهل المخيم من نساء وأطفال وشيوخ. مع اتجاه شبان القرية الى تدمير ما تبقّى وعدم السماح لأي سوري بالبقاء في القرية.

“أنا عيلتي 8 أشخاص رحت على عيلة 10 أشخاص ونمت عندهم… ما إلنا غير الله يساعدنا لا أمم متحدة ولا وجهاء سائلين عنا” يقول أبو يوسف بحرقة بعد أن خرج من المخيم خوفاً من اعتداء جديد في غزة.

 آخرون فروا في البراري باحثين عن مأوى، وقلة منهم استقبلتهم عائلة لبنانية مجاورة للمخيم للمبيت عندهم إلى حين تأمين ملجأ آمن.

“إجو بحالة ببكوا، نسوان وولاد شو ذنبن ينعمل فيهم هيك، ما هانت علينا حالتهم… نحن واياهم حال وحدة والبيت بيتهم”. تقول السيدة سليمة التي استضافة العائلتين مهجرتين في منزلها.

(م.ع) إبن البلدة اعتبر أن البعض في غزة “مش مهديين البال” والوضع في المخيم “على كف عفريت”، خاصة بعد عمليات الاعتقال العشوائية التي نفذها الجيش ليلاً، مطالباً الدولة بوضع نقطة أمنية قريبة من المخيم لدرء الدماء وتحشياً لأي اعتداء آخر يتسبب بأذى كلا الطرفين.

انتهاكات بالجملة تطال اللاجئين

مدير “مركز وصول لحقوق الإنسان” محمد حسن رأى أن “الانتهاكات بحق اللاجئين تزايدت في الآونة الأخيرة، وحادثة الشجار التي حصلت في منطقة غزّة البقاعية تفاقمت وأصبحت الآن كارثة على اللاجئين”، ويضيف “أثبتت السلطات بعد هذه الحادثة عدم تمكّنها من السيطرة على الوضع الأمني في لبنان، بعد تجاوزات حصلت من السوريين واللبنانيين على حدٍ سواء، وها نحن ننتظر ما سيحل بالنساء اللاتي خرجن من خيمهنّ جراء خوفهنّ من دخول أهالي منطقة غزّة إلى المخيمات وإحراقها، بعد إفراغ المخيم من الرجال”، يقول حسن.

الاعتداء على لاجئين سوريين بالضرب

سوء الأحوال هذه دعت “وصول” إلى إدانة جميع من تسبب بهذه الكارثة، مطالبةً السلطات اللبنانية بمحاسبة الفاعلين لاجئين كانوا أم مواطنين.

المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أوصت بدورها على وقف الاخلاءات خلال هذه الفترة العصيبة لتجنب تعريض الأفراد من لبنانيين أو غير لبنانيين لخطر التشرد مما قد يزيد من خطر انتقال عدوى كورونا.

تعبئة عامة أم منع تجول للسوريين؟

التعبئة العامة في البلاد ترجمها البعض بأنها حالة منع تجول تنفذ على السوريين القاطنين في المناطق اللبنانية. حالات طرد السوريين من منازلهم تكررت وازدادت أكثر مع انتشار فايروس “كورونا”، ففي إحدى المناطق الزراعية في محافظة جبل لبنان، خرج فتى سوري من خيمة أهله، ليشتري علبة “بنادول” من الدكان الصغير القريب من تجمّع يضم نحو خمسين عائلة سورية. ما أن عاد إلى خيمته حتى تبعه نحو 10 شبان متطوعين لمساعدة البلدية في تنفيذ التعبئة العامة. أراد متعقبو الفتى التحقيق في السبب الذي دفع العائلة إلى شراء “بنادول”، مشككين في أن أحد أفرادها مصاب بفايروس “كورونا”. وما أن اعترض أب العائلة على هذه الرقابة المتشددة، اندلع إشكال تطور إلى تضارب. وطلب المتطوعون من البلدية ترحيل اللاجئين من المنطقة تحت طائلة التوقف عن مساعدتها لتنصاع بعد ذلك البلدية لطلبهم وأمرت صاحب البيت مع عائلته وعائلة ابنه المتزوج بالمغادرة، على رغم مكوثهم في البلدة منذ 7 سنوات.

دُمرت 39 خيمة من أصل 50

وكان “مركز وصول” سجل في إحدى بلدات البقاع ممارسات تمييزية من قبل بلديات وأجهزة أمنية عدة ضد لاجئين يسكنون في 10 مخيمات في منطقة البقاع، إذ تم إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى تجمع المخيمات، وتُرك طريق واحد مفتوحاً وهو مراقب بحاجز لقوى الأمن، يمنع اللاجئين من الخروج من محيط مخيماتهم بهدف الحد من حركة تنقل اللاجئين بشكل مهين من دون السماح لهم بالخروج لشراء اللوازم الأساسية للمعيشة حتى، ويُفرض عليهم دون غيرهم شرط الاستحصال على أذونات من البلديات (للتحرّك) التي ليس من السهل الوصول إليها بسبب حاجز قوى الأمن الذي يمنعهم من التحرّك.

بلدية غزة وشبانها اليوم يتجهون إلى اتخاذ إجراءات تعسفية بحق اللاجئين من دون وجه حق، بذريعة “كورونا” والتعبئة العامة، ما يزيد منسوب الاحتقان ضد اللاجئين.

هذه الإجراءات في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي ظل جائحة “كورونا” تقترن مع خطاب سياسي تحريضي في الغالب من قبل أطراف أساسية في السلطة اللبنانية وهذا كله يضع مسألة اللاجئين والعلاقة مع المجتمع المحيط في لبنان على فوهة أزمة قابلة للاشتعال في أي لحظة…

درج

——————————————–

اللاجئون السوريون يعانون داخل المخيمات بالأردن: فقر وغلاء وبيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا/ إعداد إيهاب زيدان

يزيد من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا الكثافة السكانية العالية بين اللاجئين بالمخيمات، إذ يعيش 8 أفراد داخل المتر المربع الواحد

هذا التحقيق هو الأول ضمن سلسة تحقيقات عن ظروف الحياة بالنسبة للاجئين السوريين في المخيمات في ظل التخوف من تفشي فيروس كوفيد-19. سيتم نشر التقرير الثاني الأسبوع القادم من مخيمات اللجوء في اليونان.

“بقالنا مدة مش عارفين نأمن احتياجات الأسرة من الغذاء، لازم نستلف مصاري لنجيب أكل يكفينا لأن زوجي توقف عن العمل بسبب فيروس كورونا ومن وقتها الأوضاع من سيء لأسوأ،” تشكو لطيفة عوض، 35 عامًا، لاجئة سورية بمخيم الزعتري شمالي الأردن، خلال حديثي معها عبر موقع فيسبوك، من أوضاع أسرتها البالغ تعدادها 7 أفراد في ظل الخوف من وصول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى المخيمات.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن نحو 655 ألف لاجئ، فيما يعيش قرابة 123 ألف لاجئ سوري ظروفًا مشابهة لـ لطيفة في مخيمات اللاجئين الثلاث الرسمية في الأردن، وهي الزعتري، الأزرق، والإماراتي الأردني بمنطقة مريجب الفهود بمدينة الزرقاء. ويعتبر مخيم الزعتري الأكبر حيث يعيش فيه حوالي 67 ألف لاجئ.

في ظل سوء الأوضاع المعيشية وضعف قدرة اللاجئين على تأمين احتياجاتهم اليومية، يتخوف اللاجئون في هذه المخيمات من الإصابة بفيروس كورونا، خاصة أن المخيمات هي الحد الأضعف في المعادلة الصحية العالمية بسبب ضعف مستوى الخدمات الطبية وعدم قدرتهم على شراء مستلزمات الوقاية الشخصية مثل الكمامات ومواد التعقيم وعدم توفر المياة بشكل متواصل. ويعيش 79% (أكثر من 500 ألف شخص) من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر بما يعادل 3 دولارات يوميًا.

ويحصل اللاجئون السوريون داخل المخيمات في الأردن على دعم مالي يمكنهم من الحصول على حصص تموينية شهرية، تشمل: البرغل، المعكرونة، الأرز، العدس، السكر، والملح، “لكن ساعات التبضع باتت محدودة، بسبب حظر التجوال الجزئي المفروض على سكان المخيم،” كما يخبرني محمد الحواري، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في الأردن.

وهذا ما يؤكده أحمد موسى، 32 عامًا، لاجئ سوري بمخيم الأزرق الصحراوي (120 كلم شرق العاصمة الأردنية عمّان) الذي يضم 53 ألف لاجئ سوري، خلال حديثه معي عبر فيسبوك، بأنه لا يوجد نقص في توافر المواد الغذائية حتى اللحظة، لكنه اشتكى “من ارتفاع الأسعار لأربعة أضعاف قيمتها علاوة على زيادة الطوابير أمام المخابز،” وعبر عن مخاوفه من تفاقم الأزمة مستقبلاً، بسبب الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا داخل الأردن بشكل عام، والمخيم بشكل خاص، ما قد يؤثر على توافر احتياجاتهم اليومية.

حتى اللحظة لم تُسجل أي حالات اشتباه أو إصابة بفيروس كورونا بين مجتمع اللاجئين داخل الأردن. ولكن القلق هو المسيطر. وقد سجلت الأردن 372 حالة إصابة و7 وفيات، فيما تم إعلان شفاء 170 حالة. وبعد تسجيل حالات الإصابة بالفيروس، قامت وزارة الداخلية الأردنية بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية باتخاذ إجراءات للحد من تنقل اللاجئين داخل المخيمات وخارجها وشملت هذه الإجراءات الحد من الحركة داخل المخيمات والسماح للاجئين بشراء احتياجاتهم خلال الفترة ما بين الـ6 صباحًا و الـ12 ظهرًا. كما تم إغلاق المحال التجارية والأسواق داخل المخيمات، وتقرر منع خروج الأطفال والحوامل وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة من مقار إقامتهم، ومنع الزيارات الخارجية للمخيمات.

المخيم بيئة خصبة لانتشار الفيروس بين المقيمين داخله، ولدينا شكوك كبيرة من قدرة المستشفيات الميدانية الموجودة في المخيم على تأمين احتياجات المرضى حال الإصابة بالفيروس

هذه الإجراءات الاحترازية فاقمت من حدة الفقر التي يعاني منها اللاجئون، بسبب منع حركتي الدخول والخروج من المخيم، وتعليق المنظمات الأممية أنشطتها داخل المخيمات، ما ترتب عليه انقطاع مصادر دخل عمال المياومة، وهو ما يجعل آلاف اللاجئين عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية. وتشير تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين إلى أن أكثر من ثلث أسر اللاجئين يتراكم عليها ديون بأكثر من 400 دينار (حوالي 564 دولار) بسبب حاجتهم إلى شراء الطعام ودفع تكاليف الرعاية الصحية. وذلك لأن 66% فقط من اللاجئين السوريين بالأردن يحصلون على الخدمات الصحية برعاية المفوضية والمنظمات الأممية.

ويشكو مازن حاج يحيى، 40 عامًا، أحد اللاجئين بمخيم الزعتري، من عدم توافر مواد الحماية والوقاية الشخصية بالصيدليات داخل المخيم، مثل الكمامات وأدوات التعقيم وغيرها وأضاف خلال حديثنا عبر فيسبوك: “المخيم بيئة خصبة لانتشار الفيروس بين المقيمين داخله، ولدينا شكوك كبيرة من قدرة المستشفيات الميدانية الموجودة في المخيم على تأمين احتياجات المرضى حال الإصابة بالفيروس، أو على الأقل التعامل المبدئي معها. نحن نعيش في قلق وخوف دائم.” وطالب مازن بتكثيف ندوات التوعية بطرق الوقاية من الفيروس داخل المخيم، وتوفير أدوات الحماية الشخصية مثل الكمامات ووسائل التعقيم.

وقد طالبت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتوفير المياه بكميات كافية لمخيمات اللاجئين بعدة دول بينها الأردن، لأهميتها في الوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ويؤكد سعيد عبد الحافظ، رئيس المؤسسة في مقابلة هاتفية معه على “الأوضاع المأساوية في المخيمات” بسبب صعوبة الحصول على المياه ومواد التعقيم، ويضيف: “يواجه اللاجئون السوريون في مخيمي الزعتري والأزرق أزمة كبيرة في نقص المياه، التي تعد خط الدفاع والوقاية الأول ضد الإصابة بفيروس كورونا. هذه المخيمات ستتحول إلى بؤر ‏لتفشي المرض حال وصول فيروس كورونا إليها.”

وبالإضافة إلى أزمة المياه، فإن الكثافة السكانية العالية بين اللاجئين بالمخيمات تزيد أيضًا من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا، إذ يعيش 67 ألف لاجئ على مساحة تقارب 8.5 كيلومترات داخل مخيم الزعتري، أي 8 أفراد داخل المتر المربع الواحد. كما تعيش جميع الأسر داخل كرفانات ضيقة بالمخيم، تتسم برداءة التهوية. وتتجمع كل عائلة داخل كرفان واحد لا يتعدى حجمه مساحة حمام منزلي، فيما يصل عدد معظم العائلات إلى 10 أفراد. ويزيد الأزمة حرجًا أنه لا يمكن لأي من أفراد الأسرة أن يعزل نفسه عن باقي أفراد العائلة حال الاشتباه في إصابته، إذ أن الكرفان لا يتسع لذلك على الإطلاق.

كما يعيش اللاجئون السوريون خارج المخيمات (أكثر من مليون مواطن وفًقا لوزارة الداخلية الأردنية) قلًقا بالغًا يعادل من يعيشون داخله، وذلك لحرمانهم من الحصول على المواد الغذائية الخاصة بشهر أبريل من داخل المخيمات، بسبب حظر التجول وقرار الحكومة منع الزيارات للمخيمات، ما يصعب على آلاف الأسر أن تحصل على حصتها من المواد التموينية. وتقول نهلة، 20 عامًا، لاجئة سورية تعيش في الأردن بجوار مخيم الزعتري: “أسرتي مكونة من 13 فرًدا، كنا نحصل على المواد الغذائية من المول التجاري داخل مخيم الزعتري، ولا نعرف مصيرنا الآن، أو كيف سنتدبر حالنا الفترة المقبلة.”

على الرغم من الصعوبات في توفير الحماية للاجئين في ظل هذه الأزمة الصحية مع وجود تواجد محدود لموظفي المفوضية داخل مخيمات اللاجئين، أكد الحواري بأن المفوضية ستستمر تلبية جميع احتياجات الحماية العاجلة للاجئين: “الخدمات الأساسية ستستمر في العمل داخل مخيمات اللاجئين، مثل المستشفيات والعيادات ومحلات السوبر ماركت، وسيتم تم توفير الكهرباء لأكثر من 14 ساعة في اليوم لدعم الأطفال الذين يدرسون عبر التلفزيون ومنصات التعلم الإلكتروني، إذ ستتوافر الكهرباء خلال الفترتين ما بين الـ8:30 صباحًا و الـ6 مساء، وبين الـ 8 والـ10 مسًاء.”

كما أشار الحواري إلى وجود مستشفيات وعيادات مؤهلة للعلاج الأولي والثانوي بالمخيمات، أما الحالات المتقدمة فستتم إحالتها إلى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، ويضيف: “تم توفير كل ما يلزم لاحتواء الحالات وعزلها وعلاجها. وقد ناشدنا المجتمع الدولي بتوفير 27 مليون دولار للمساعدة في منع انتشار فيروس كورونا في الأردن بين اللاجئين والمهجرين قسريًا، كي تتمكن من الحفاظ على الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والعيادات الطبية، وشراء المعدات الطبية.”

تقول نهلة، لاجئة سورية تعيش في الأردن بجوار مخيم الزعتري: “أسرتي مكونة من 13 فرًدا، كنا نحصل على المواد الغذائية من المول التجاري داخل المخيم، ولا نعرف مصيرنا الآن، أو كيف سنتدبر حالنا الفترة المقبلة.”

يدعو اللاجئون يوميًا أن تنزاح غُمة فيروس كورونا بسلام، خوفًا من تبعاتها وتأثيرها السيئ عليهم من ارتفاع نسب الفقر وتفاقم أزمة الديون، إضافة إلى أن منع حركتي الدخول والخروج من وإلى المخيم قد تتسبب في نقص حاد في احتياجات المقيمين داخل المخيم من مواد غذائية وتموينية وأدوية ومياه. تأمل لطيفة بأن تمر هذه الأزمة على خير على الرغم من قلقها المستمر من وصول الفيروس إلى المخيم، كما وصلت الحرب إلى بلدها قبل تسع سنوات: “خوفي كل يوم بيزيد من وصول كورونا للمخيم، ما بنقدر نشتري أي شي للوقاية من المرض، الوقاية أصلاً رفاهية ما بنقدر عليها.”

——————————————-

أميركا وأوروبا تتحديان كورونا.. فتح الإقتصاد تدريجياً

فيما تكافح الدول والمنظمات الإنسانية والصحية جائحة “كورونا” لمنع تفشي الوباء الذي أصاب أكثر من مليونين ومئة ألف شخص حول العالم، قررت حكومات عدة تخفيف اجراءات العزل المفروضة في إطار مكافحة الوباء العالمي.

ففي الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليل الخميس/الجمعة، عن البدء بفتح عدد من الولايات بشكل منفرد وتدريجي، مشيراً إلى أن خطة إعادة فتح الاقتصاد ستكون على ثلاث مراحل.

وقال في مؤتمر صحافي لخلية الأزمة الأميركية، إنه لم يتم وضع مدى زمني لمراحل فتح البلاد وتم ترك تحديدها لحكام الولايات، حيث سيتم السماح لكل ولاية بتنفيذ خطة فتح الاقتصاد بما يتناسب مع ظروفها، لافتاً إلى أن “أي ولاية ترى نفسها جاهزة لخطة فتح الاقتصاد عليها البدء في تنفيذها من الغد”.

وأكد الرئيس الأميركي أنه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمنع دخول الفيروس للبلاد مجدداً، موضحاً أن “الخطة تقوم على منح حماية أكبر لمن هم أكثر عرضة للتأثر بالفيروس”.

وكانت وكالة “رويترز” سربت أجزاءً من توجيهات الرئيس الأميركي الإرشادية لإعادة فتح الاقتصاد في خضم جائحة “كورونا”، لتكشف عن خطة من ثلاث مراحل تتوزع على الشكل التالي:

المرحلة الأولى

• لابد أن يبقى الأشخاص الأكثر تعرضاً للعدوى في بيوتهم

• يجب العمل عن بعد والعودة على مراحل

• المدارس تبقى مغلقة

• لا تجمع أكبر من 10 أشخاص

• الحد الأدنى من السفر غير الضروري

• فتح المطاعم ونوادي التدريبات الرياضية، مع مراعاة دقيقة للتباعد الاجتماعي، والإبقاء على الحانات مغلقة، ومعظم الأحداث الرياضية سيتم إقامتها من دون جمهور.

المرحلة الثانية

• لابد أن يبقى الأشخاص الأكثر تعرضا للعدوى في بيوتهم

• الاستمرار في تشجيع العمل عن بعد

• المدارس تفتح جميعها

• يجب تفادي أي تجمع أكبر من 50 شخصاً

• يمكن استئناف السفر غير الضروري

• فتح المطاعم ونوادي التدريبات الرياضية والبارات مع مراعاة دقيقة للتباعد الاجتماعي.

المرحلة الثالثة

• يمكن للأشخاص الأكثر تعرضا للعدوى أن يخرجوا ويتفاعلوا مع العامة مع مراعاة التباعد الاجتماعي

• لا قيود على أماكن العمل

• فتح جميع المحلات مع مراعاة تباعد اجتماعي محدود، وبروتوكولات صحية.

القارة العجوز

أما أوروبياً، ورغم تحذير منظمة الصحة العالمية “القارة العجوز” من أنها لا تزال في “عين الإعصار” بالنسبة لتفشي فيروس “كورونا”، قررت بعض الدول تخفيف اجراءات العزل.

وأعلنت سويسرا الخميس رفع اجراءات العزل بشكل “بطيء” و”تدريجي” اعتباراً من 27 نيسان/أبريل بعد تباطؤ الوباء في البلاد.

وفرضت بولندا وضع الأقنعة الواقية في الأماكن العامة، فيما تعيد بعض المحلات التجارية فتح أبوابها في ليتوانيا. وتنوي ألمانيا إعادة فتح بعض محالها التجارية قريباً، واعتباراً من الرابع من أيار/مايو، سيأتي دور المدارس.

وفي الدنمارك، أعلنت الحكومة منتصف الاسبوع عن إعادة فتح المدارس “شرط الالتزام بالتباعد الاجتماعي وغسل اليدين”. واستؤنفت الدروس فقط في نصف المقاطعات الدنماركية، وفي 35 في المئة من المدارس في كوبنهاغن، ويفترض أن تفتح كل المدارس أبوابها مجددا بحلول 20 أبريل/نيسان الجاري.

كما أعادت النمسا فتح محالها التجارية الصغيرة غير الأساسية. وأعادت إيطاليا الدولة الثانية الأكثر تضررا في العالم وبلغ عدد الوفيات فيها نحو 22 ألفا، فتح بعض هذه المحلات.

وفي إسبانيا، استأنف قسم من العاملين عملهم في المصانع وورش العمل، لكن العمل من بعد لا يزال سائداً حيثما أمكن ويُرجّح أن يتمّ تمديد العزل إلى ما بعد 25 نيسان/أبريل.

وتعد السلطات الفرنسية خطتها لرفع إجراءات العزل تدريجا اعتباراً من 11 أيار/مايو، بعدما قررت الاثنين تمديد قيودها.

—————————-

واشنطن بوست: ترامب والصين يتبادلان الاتهامات بشأن كورونا في لعبة طفولية لا تنفع أحدا

اتهم فريد زكريا المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” كلاً من الولايات المتحدة والصين بمفاقمة أزمة فيروس كورونا، من خلال لعبة التلاوم بينهما، وأنها لا تحمي أرواح الناس.

وقال: “يخبرنا الرئيس ترامب الآن أن الصين هي التي يجب أن تلام على انتشار فيروس كورونا المستجد الذي يعيث فسادا في العالم. ولهذا قام بوقف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية التي اتهمها بالتواطؤ مع الصين على إخفاء المعلومات حول الفيروس”.

ويعلق زكريا أنه من أجل تقييم هذا الزعم، ما علينا إلا النظر في تغريدة للرئيس في 24 كانون الثاني/ يناير “تبذل الصين جهودا كبيرة لاحتواء فيروس كورونا” و”الولايات المتحدة ممتنة لجهودهم وشفافيتهم، وستعمل جيدا، وبالتحديد نيابة عن الشعب الأمريكي، وأريد توجيه الشكر للرئيس شي”.

ويتساءل زكريا: “ماذا كان يعلم الأمريكيون، بمن فيهم ترامب عن الفيروس عند تلك النقطة؟”. فقبل يوم من تغريدة الرئيس، وفي 23 كانون الثاني/ يناير، حذرت منظمة الصحة العالمية أن “على كل الدول تحضير نفسها لاحتواء (الفيروس) بما في ذلك ممارسة الرقابة النشطة والكشف المبكر والعزل والتعامل مع الحالات والبحث والملاحقة ومنع انتشاره أكثر”. ففي تلك الفترة كانت القصص عن انتشار الفيروس في كل الأخبار.

وأعلنت الصين أن الفيروس بدأ ينتشر بين البشر، وأغلقت ولاية هوبي. وفي الولايات المتحدة، قامت وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية ألكس أزار في 18 كانون الثاني/ يناير بتقديم إيجاز للرئيس حول مخاطر الفيروس. وبحلول 24 كانون الثاني/ يناير، سجلت حالتان في الولايات المتحدة. ومع 27 كانون الثاني/ يناير أعلن مركز السيطرة على الأمراض ومنعها رفع مستوى التحذير إلى الدرجة الثالثة ودعا الأمريكيين إلى تجنب الرحلات غير الضرورية إلى الصين. وفي 29 كانون الثاني/ يناير، نشر ترامب تغريدة قال فيها: “لقد وصلني الآن إيجاز حول فيروس كورونا في الصين من وكالاتنا العظيمة والتي تعمل أيضا مع الصين”.

وفي نفس اليوم كتب بيتر نافارو، المساعد الموثوق لدى ترامب، مذكرةً حذر فيها من الوباء الذي قد يقتل ملايين الأمريكيين. وأكد نافارو أن التقارير القادمة من الصين تشير إلى أن الفيروس سيكون معديا أكثر من حالات الإصابة بالإنفلونزا العادية، وهو مثل الطاعون الدملي أو الجدري.

وفي اليوم التالي، 30 كانون الثاني/ يناير، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة طوارئ صحية عالمية. وبعد ذلك بساعات، طمأن ترامب الأمريكيين وقال: “نعمل بقوة مع الصين لمواجهة فيروس كورونا ونعتقد أننا ستكون بنهاية جيدة”.

ويتساءل زكريا: “هل كان ترامب يقول الحقيقة عن الصين في ذلك الوقت وهل يقول الحقيقة الآن؟”.

ويجيب: “عليّ أن أكون واضحا أن الصين قامت بعملية تستر في موضوع كوفيد- 19، وأن منظمة الصحة العالمية لم تعترض”، مضيفا أن المسؤولين في ووهان كانوا يعرفون عن المرض، ولكنهم حاولوا التقليل من المخاوف حوله، وعاقبوا الأطباء الذين حذروا علانية من مخاطره. وفي الوقت نفسه حاولت الصين إحكام الغطاء على المعلومات ورفضت مساعدة مركز السيطرة على الأمراض ومنعها في أمريكا وسمحت لمنظمة الصحة العالمية بالدخول إلى ووهان. ومن المحتمل أن الصين لا تزال تقدم نفس المعلومات المضللة حول أعداد الذين أصيبوا وماتوا. فالنظام الصيني القمعي يسيطر ويتلاعب بالمعلومات لخدمة مصالحه الكبرى”.

ويضيف: “كل هذا لا يغير من حقيقة أن ترامب كان يعرف مؤكدا بنهاية كانون الثاني/ يناير على الأقل، وفي منتصف شباط/ فبراير بمخاطر الفيروس”. ولكنه “أصدر حكما أن الفيروس لن يكون مشكلة على الولايات المتحدة وأنه سيختفي بحلول نيسان/ أبريل مع بداية الموسم الدافئ، ولهذا فالإعلان عن إجراءات قوية ستؤدي إلى إخافة وصدمة الأسواق المالية. وكانت هذه الأخطاء في الحكم هي التي أسهمت بتفاقم أزمة كورونا في أمريكا”.

وقام ترامب الآن كي يحرف اللوم عنه بمهاجمة الصين، وهو ما فاقم سياسة سيئة بأخرى أسوأ. فمهما كانت أخطاء الصين وخطواتها المتعثرة وخداعها، فإن أسرع طريقة لهزيمة هذا الفيروس هي بناء تحالف دولي وحشد المصادر والتشارك بالمعلومات وتنسيق التحرك.

وفي الوقت الحالي تقوم واشنطن بالعكس، فهي تقوم بأخذ المعدات الطبية من الدول الأخرى بدون إذنها، وفرضت قيودا على المواد الأخرى بدون استشارة حلفائها. وكان أهم ملمح في جهود ترامب الدولية هو تحميل الصين المسؤولية.

وردت بكين بنشر نظريات مؤامرة حول نقل الجيش الأمريكي للفيروس إلى ووهان. وحاولت تبييض صورتها من خلال تقديم المساعدات والخبرات للدول المنكوبة مثل إيران وإيطاليا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة. في وقت قامت فيه أمريكا بشحن 500 ألف ماسح من إيطاليا التي كانت أعداد الوفيات تتزايد فيها. وقامت الجمعيات الخيرية الصينية بإرسال أول شحنة من الأقنعة الواقية، بواقع 500 ألف قناع.

ويقول زكريا: “في أثناء الحرب الباردة، تعاونت الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي رغم العداء الأبدي بينهما في حملة توفير اللقاحات للعالم ومحو الجدري. ونحن وسط وباء دولي ولكن أعظم دولتين فيه تتراشقان الشتائم والاتهامات، في لعبة أطفال لن تنقذ حياة البشر في أي مكان”.

———————————-

الصليب الأحمر: كورونا يهدد بزلزال اجتماعي قد يدمر حياة ملايين الفقراء في الشرق الأوسط

تتحمل ولاية نيويورك العبء الأكبر في الولايات المتحدة جراء وباء كورونا، وبلغ عدد الوفيات 16251، أي حوالى نصف الوفيات في البلاد.

وبلغت غرين وود، أكبر مقبرة في نيويورك، طاقتها الاستيعابية القصوى بعد ارتفاع عمليات حرق الجثث بأكثر من الضعف، وازدياد عمليات الدفن خمسة أضعاف.

وكانت المقابر قد استعدت لاستقبال عدد كبير من الموتى خلال وباء إيبولا بين عامي 2013 و2016، لكن الولايات المتحدة نجت منه.

ووصلت موجة وباء كوفيد-19 في الأسبوع الثالث من شهر آذار/مارس إلى المقبرة الواقعة في بروكلين والتي تم إنشاؤها في عام 1838 لتصبح من أجمل المقابر في المدينة، إذ تمتد فوق 193 هكتارا وتطل على خليج نيويورك، وفيها يرقد الموسيقي ليونارد برنشتاين والرسام جان ميشيل باسكيات.

وقال نائب رئيس المقبرة والمسؤول عن العمليات إريك بارنا «بدأ الأمر بحرق الجثامين» وفي بعض الأيام تجاوز العدد «أربع أو خمس مرات» الحجم المعتاد. ويجري في المقبرة، حاليًا، حرق 130 إلى 140 جثماناً في الاسبوع مقابل 60 في الأوقات العادية.

ويؤكد بارنا، وهو عضو في جمعية مقبرة متروبوليتان التي تضم مقابر نيويورك ومنها لونغ آيلاند في الشرق، وويستتشستر في الشمال «أن الأمر لا يقتصر على غرين وود».

ويوضح «أن الجميع يستقبل أعداداً مماثلة. لقد سمعت أن بعض مكاتب الدفن تبحث خارج ولاية نيويورك (…) لقد وصلنا إلى نقطة لم يعد ممكناً للنظام عندها إدارة مثل هذا الحجم في زمن قصير كهذا» . ويعد حرق الجثمان (حوالى 370 دولارًا) أقل كلفة بكثير من الدفن، حيث تباع المساحة المخصصة لثلاثة توابيت في المقبرة بمبلغ 19 ألف دولار.

ويؤكد بارنا أن عمليات الدفن شهدت «تسارعاً حقيقياً» منذ عشرة أيام، حيث بلغت 15 أو 16 يوميًا، مقابل 2 أو 3 في الأيام العادية. ويبدو أن عدد الوفيات المسجلة رسميا بوباء كوفيد-19 في نيويورك، بؤرة الجائحة في الولايات المتحدة، والتي تتجاوز حصيلة بعض البلدان الأكثر تضرراً، «أقل بكثير من العدد الفعلي»، والسبب يعود بدون شك إلى محدودية عدد اختبارات الكشف عن الفيروس، وفق بارنا.

وذكر تقرير إخباري، أمس الخميس، أن فيتنام قررت التبرع للولايات المتحدة بعدد 200 ألف قناع طبي محلي الصنع. ونقلت وكالة «بلومبيرغ» للأنباء عن وزارة الخارجية الأمريكية قولها في بيان إن قيمة الأقنعة تبلغ ما لا يقل عن 100 ألف دولار.

وتأتي هدية فيتنام للولايات المتحدة، بعد أن كانت قدمت تبرعات مماثلة بأقنعة لدول أخرى، من بينها روسيا وفرنسا وإيطاليا وكمبوديا. وكانت فيتنام قد سلمت 450 ألف بدلة واقية طبية إلى مدينة دالاس في ولاية تكساس الأمريكية، في وقت سابق من الشهر الجاري.

وفي سياق متصل، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس الخميس، إن تفشي فيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط يهدد بتدمير حياة ملايين الأشخاص ممن يعانون الفقر بالفعل في مناطق الصراعات، وقد يفجر اضطرابات اجتماعية واقتصادية.

وأضافت اللجنة أن حظر التجوال وإجراءات العزل المفروضة في إطار تدابير الحفاظ على الصحة العامة لكبح انتشار الفيروس تجعل من الصعب وربما المستحيل على الكثيرين توفير سبل العيش لأسرهم.

وحثت اللجنة، ومقرها جنيف، في البيان السلطات في المنطقة المضطربة على الاستعداد «لتداعيات ربما تكون مدمرة» و«زلزال اجتماعي واقتصادي» .

وقال فابريزيو كاربوني مدير العمليات لمنطقتي الشرق الأوسط والأدنى: «يواجه الشرق الأوسط اليوم تهديداً مزدوجاً يتمثل في احتمال تفشي الفيروس على نطاق واسع في مناطق الصراع، والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الوشيكة. وقد تكون للأزمتين تداعيات إنسانية بالغة».

وتابع إن تداعيات الجائحة قد تكون أصعب من المرض نفسه، مضيفاً وهو يتحدث من مقر اللجنة الذي بدا خالياً تقريباً: «إلى جانب الصراعات وإلى جانب العنف سيتعين عليهم التعامل مع التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للجائحة، وهذا أمر مخيف في الحقيقة».

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الملايين في الشرق الأوسط يعانون بالفعل من نقص في الرعاية الطبية والغذاء والماء والكهرباء في الدول المنكوبة بالصراعات، والتي تضررت فيها البنية التحتية وارتفعت الأسعار. وهناك ملايين السوريين النازحين داخل بلادهم واللاجئين في لبنان وتركيا والأردن المعرضين للخطر بشكل خاص، وكذلك سكان اليمن حيث أعلن تحالف عسكري تقوده السعودية وقف إطلاق النار في الصراع المستمر منذ خمس سنوات.

وقال كاربوني إن اللجنة وفرت أول شحنة من أجهزة التعقيم ووسائل الحماية الشخصية لعشرة سجون في سوريا تديرها وزارة الداخلية. وأضاف أن اكتظاظ السجون وظروف الإقامة بها قد يجعل من الصعب السيطرة على أي تفش للفيروس. وقال «نجري حوارا مع السلطات لتوسيع نطاق الدعم ليشمل جميع مراكز الاعتقال».

وتابع أنه طوال فترة الصراع الدائر في سوريا والذي دخل عامه العاشر تعرضت البنية التحتية الصحية والعاملون في القطاع الصحي «لاستهداف متعمد» مما «أضعف الاستجابة الجمعية» لكوفيد-19. وأضاف «مشروعات المياه يجب أن تعمل ومحطات الضخ لا يمكن أن تتوقف، ويعتمد ملايين السوريين بشكل كامل على توزيع الغذاء فلا يمكن وقف ذلك» .

وقال: «ينطبق ذلك على سوريا كما ينطبق على العديد من الدول الأخرى المتضررة من الصراعات، يتعين العمل على صعيدين، طوارئ كوفيد-19 والمساعدات الإنسانية».

————————————-

كيف غيّر “كورونا” حياتنا ومفاهيمنا؟/ ماجد كيالي

ربما تصح مقولة “ما بعد كورونا ليس كما قبله”، لكن المشكلة أن لا أحد يملك اليقين حول ذلك الـ”ما بعد”.

خلق تهديد جائحة “كورونا” تأثيرات أو تغييرات كبيرة ونوعية، طاولت سلوكيات الأفراد والمجتمعات والدول، وعلاقات النظام الدولي، بما يفوق أي تأثيرات أو تغيرات أخرى، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، لا سيما أن الأمر يتعلق بهزّة عالمية، لا يمكن أن يتكهّن أحد بمآلاتها، أو تداعياتها، بعد.

إذاً، فعل “كورونا”، هذا الفايروس الخفيّ والتافه والخطير فعله، أكثر من أي شيء، أو حدث، آخر، إذ غيّر سلم الاهتمامات العالمي، للأفراد والشركات والجيوش والحكومات. حتى أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والبورصات والمختبرات الدولية أضحت مشغولة به، إلى درجة أن العالم كله بات مجيشاً ضده، بما يفوق التجييش العالمي الذي حشدته الولايات المتحدة الأميركية، للحرب ضد الإرهاب، بعد تعرضها لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. كأن الأمر يتعلق بفتح صفحة جديدة في تاريخ العمران البشري، مع إدراك التمايز أو التفاوت في أوضاع الدول والمجتمعات، في مواجهتها الخطر المذكور، أو تكيّفها معه، أو لا مبالاة بعضها إزاءه.

في نقاش التغيرات والتأثيرات، التي أحدثها خطر “كورونا”، تمكن ملاحظة الآتي:

أولاً، ربما هذه المرّة، أو التجربة، الأولى، في تاريخ العمران البشري، التي يصبح فيها الخلاص من وباء معين مرهوناً بالانعزال، وفك العلاقة مع الآخرين، بطريقة طوعية، على الضد من المقولة التي مفادها أن “الإنسان اجتماعي” بالطبع، أو بحكم الحاجة، مع تأكيد أن العزلة هنا هي غير الوحدانية، التي تحمل معنى الخصوصية، أو الاستقلالية، فهذا هو القصد من الحجر الفردي، ومنع الاحتكاك بين شخص وآخر. وبدهي أن هذا الوضع، وفق التطورات المتعلقة بمواجهة خطر الفايروس، لا بد ستنجم عنه آثار نفسية، فضلاً عن تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، إذ يصعب، أو يستحيل، العيش، من دون علاقات اجتماعية. ولعله من حسن الحظ أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت موجودة، وأنها سدّت فراغاً في هذا المجال، ولنتخيل وضعنا في ظل عدم وجودها في هذه الجائحة التي ضربتنا، إلا أنها، على أهميتها، لا تفي بالغرض تماماً، ولا تعوض البشر عن حاجتهم إلى علاقاتهم ببعضهم بعضاً، لأسباب كثيرة. فأمام الآلة، أي جهاز الاتصال أو اللابتوب، يمكن مثلاً أن تتبادل الكلمات، لكن لا يمكنك أن تعبر عن المشاعر، والأحاسيس، أو تتبادلها.

ثانياً، مثلما بيّن خطر الفايروس وحدة المصير البشري، فإنه بيّن، أيضاً، هشاشة العمران البشري إزاء المخاطر الناجمة عن الطبيعة، وفوق ذلك، فهو كشف عطالة النظام الدولي، أو تقصيره، إزاء التنبؤ بالمخاطر البيئية وإزاء قدرته على إيجاد معالجات لها. وفي الواقع فإن الدول الغنية والشركات العالمية الكبيرة تتشارك مع الدول الفقيرة والأنظمة المتخلفة، بهدر الموارد الطبيعية، والاستهتار بالبيئة، كل بحسب حصّته. ولعل قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب بلده من “اتفاق باريس للمناخ” (حزيران/ يونيو 2017)، الخاص بحماية البيئة، والتخفيف من التسخين الحراري، مثالاً على ذلك، كأنه كان يظنّ أن بلاده في منجى من أي خطر، وأن تحقيق الأرباح أهم من الحفاظ على أهم رأسمال للبشرية، وهو البيئة، أو سلامة الكرة الأرضية.

ثالثاً، تبعاً لما تقدم فقد تكشّف النظام العالمي عن سوء توزيع مريع، وافتقاد للعدالة، واستخفاف بنوعية الحياة، أو بالحياة ذاتها، في الدول الفقيرة، وحتى عند الطبقات الفقيرة في الدول الغنية ذاتها. وتأتي في الإطار ذاته، هجمات الشركات الاحتكارية وأنظمة الليبرالية المتوحشة، التي ظلت تحاول تقليص التقديمات أو الضمانات الاجتماعية في تلك الدول، لضمان استقرار الشركات الاحتكارية الكبرى ونموّها، وضمان تربّحها، على حساب المجتمعات، وعدم التوازن بين الإنفاق الكبير للمال على التسلح، أو الترفيه، مقابل إنفاق أقل على البحث العلمي، وسلامة البيئة، وعلى الصحة وعلى البني التحتية. ويحضرنا هنا مثال الرئيس الأميركي ترامب، الذي حاول الانقضاض على نظام الضمان الصحي الذي تم إقراره في عهد سلفه باراك أوباما. وفي العموم فقد كشف خطر “كورونا” افتقاد معظم المجتمعات لشبكات الضمان الصحي، والخدمات الصحية، على نحو ما شهدنا في الأزمة الحاصلة، بخاصة مع رؤيتنا الفجوة الكبيرة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

رابعاً، ظهرت الدولة، في أزمة “كورونا”، باعتبارها الفاعل الأساس، والأكثر تنظيماً وقدرة على إدارة المجتمع، وإدارة الأزمة، مقارنة بالفاعلين الآخرين، أي المجتمع المدني والنقابات والأحزاب، وإن ظل لكل منها دوره الضروري والشرعي (مجدداً مع إدراك التفاوت بين دولة وأخرى). وذلك على خلاف بعض تنظيرات، من تلك التي كانت تتحدث عن تضاؤل قوة الدولة لمصلحة فاعلين آخرين، ضمنهم المجتمع المدني، على رغم تباين خلفياتها أو مقاصدها من ذلك الأمر، ما يؤكد الحاجة إلى دولة مهمتها خدمة كل مواطنيها، بغض النظر عن مكانتهم أو طبقتهم الاجتماعية، وإلى مجتمع مدني قوي يراقب هذه الدولة، ويشكل قوة ضاغطة لضمان سلامة وظائفها. 

خامساً، بينما أتى مقترح العزل، أو الحجر، في إطار محاولة حصار “كورونا” وتقليل مخاطره والتصدي له، فإن هذا الوضع، الذي شمل مجتمعات بأكملها، في مدن ودول كثيرة، خلق فرصة لتحولات في عالم العمل، وضمن ذلك تغيير شكله، في المكان والزمان، في آن معاً. وهكذا شهدنا أن الكثير من قطاعات الأعمال تكيفت مع حالة العزل، والحجر، بحيث بات موظفوها يعملون من المنزل، عبر الاستثمار في تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، مع كل ما يعنيه ذلك من توفير للجهد والوقت والمال والأماكن والطرق. وطبعاً، لا أحد يعرف انعكاسات ذلك مستقبلاً، أو مدى تطوره، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن هذا الوضع لا بد سيفرض ذاته مستقبلاً كأحد قطاعات الأعمال، أو كشكل جديد للعمل.

سادساً، ثمة من يرى أن “كورونا” وضع حداً لمسار العولمة، وأنها عبر ردود فعل الدول، شجعت على النكوص نحو المحلية، كأنها خدمت في ذلك المنحى الكثير من الأنظمة، لا سيما الإدارة الأميركية في ظل ترامب، التي انتهجت خط الانكفاء إلى الداخل، على حساب دورها القيادي المفترض في العالم. بيد أن ذلك الاستنتاج ينم عن تسرع وتبسيط، إذ على رغم ما يبدو أنه إجراءات محلية، لا بد منها، في مواجهة عاصفة “كورونا”، إلا أن انضباط الوحدات المشكلة للنظام الدولي يؤكد العالمية، لا على عكسها، وربما تلك هي أهم خلاصة من الأزمة الحاصلة. وتمكن هنا ملاحظة أن المنظمات الدولية، سواء منظمة الصحة العالمية أو غيرها، لم تقم بالدور المناط بها تماماً، وفقاً لإمكاناتها المحدودة، إلا أن أحد أهم الاستنتاجات التي يفترض اعتمادها، بعد الخروج من أزمة “كورونا”، يتعلق بتعزيز دور تلك المنظمات، باتجاه أكثر فاعلية وتشاركية في صيانة الموارد الطبيعية والبشرية وإدارتها، والحفاظ على سلامة البيئة، وتعزيز دور منظمة الصحة العالمية، وضمن ذلك تطوير دور المنظمات والمراصد ومراكز البحوث المعنية بالبيئة والأحياء والمناخ.

سابعاً، في ما يخص مسألة الحريات واستقلال الأفراد لا يمكن التسليم بفكرة أن جائحة “كورونا” ستسهل على الأنظمة الاستبدادية، أو حتى الشعبوية، مصادرة حقوق المواطنين، بالقياس إلى الإجراءات التي فرضتها، لأن تلك الإجراءات أتت في ظروف الطوارئ، وتماشت مع الغريزة الأساسية الأولى للبشرية، أي البقاء، وهي تمت في كثير من البلدان بطريقة طوعية، على ما شهدنا خصوصاً في بعض البلدان الأوروبية. صحيح أن فايروس “كورونا” أعاد الناس الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، كما حدث في العراق ولبنان والجزائر مثلاً، لكن تلك ليست نهاية القصة، ذلك أن الجائحة أثارت انتباه الناس في كل مكان إلى أهمية إعادة النظر في الدولة، كنظام لإدارة المجتمع وحمايته وتأمين متطلباته، وضمن ذلك باتت قيمة الحرية ترتبط مع قيمة العدالة الاجتماعية، وضمن ذلك الحق في الضمان الصحي والخدمات الجيدة والنظيفة.

ربما تصح هنا مقولة “ما بعد كورونا ليس كما قبله”، التي شاعت أخيراً، لكن المشكلة أن لا أحد يملك اليقين حول ذلك الـ”ما بعد”.

درج

————————————–

فيروس كورونا ضيف ثقيل يحرمنا السير في جنازات أحبائنا/ عبد الحميد صيام

جائحة كورونا ليست قصة خيال علمي، أو لوحة تجريدية أو حكاية موت جماعي في بلد بعيد، وضحاياها ليسوا أرقاما معلقة في الهواء. هذا الفيروس حل علينا ضيفا ثقيلا ودخل بيوتنا بلا استئذان. تسلل من الثقوب واقتحم خلوتنا، ونشر الرعب في شوارعنا وحاراتنا ومدراسنا وجامعتنا. شبح يلتف حولنا، ويكاد يقتترب من فتحات أنوفنا وصحون آذاننا ليتسلل إلى رئتينا. بدأ يخطف أحبابنا وأصدقاءنا. يطيح برفاقنا ويرمي بهم في المستشفيات التي لم تعد تتسع إلا لأنصاف الموتى. نتصل يوميا بعشرين أو ثلاثين صديقا أو قريبا للاطمئنان عنهم والتأكد من خلوهم من الوباء أو تماثلهم للشفاء. بعضهم ما زالوا في غرف العناية المركزة، لا يستطيعون الكلام، وبعضهم في غرف مغلقة معزولة في بيوتهم، لا يتعاملون مع أحد، ولا أحد يتعامل معهم إلا من وراء الأبواب الموصدة.

سأنقل لكم اليوم قصصا حقيقية عن أصدقائنا الذين قضوا وبكينا عليهم عن بعد، وما تمكنا من السير في جنازاتهم، ولا وقفنا طابورا بعد دفن الميت لنقدم التعازي لأهله وذويه. قدمنا التعازي بالهاتف، أو بوسائل التواصل الاجتماعي.

وداعا أيها الأعزاء سيف وعماد وحسن

يوم الثلاثاء الماضي، بلغ عدد ضحايا كورونا في منطقتي نيويورك ونيوجرسي المتلاصقتين 2228 وفاة من كل الجنسيات والألوان والخلفيات. حملت سيارات الجنازة خمسة وعشرين شخصا من العرب والمسلمين إلى مثواهم الأخير في مقبرة بتلر بنيوجرسي. أخبار الوفيات تصلنا كل يوم. نحن في قلب العاصفة. لا نعرف متى تزول هذه الغمة، لكننا ما زلنا ملتزمين بالحجر البيتي وشروط السلامة قدر الإمكان. لكن من بيننا من هو مضطر للخروج، خاصة العاملين في المجال الصحي والطبي وأصحاب محلات الغذاء والدواء والسوبرماركت. من هؤلاء فقدنا مجموعة زادت عن 120 على الأقل والأعداد ما زالت في تصاعد.

عن هؤلاء الضحايا نتكلم. خطفتهم منا ذراع كورونا الطويل، أوجعنا رحيلهم قبل الأوان. وبسبب الحظر والتباعد فوجئنا برحيلهم، فجاءت الأخبار ثقيلة وكأن «ما فينا لا يكفينا». سنذكر هذه الأيام العصيبة. وعندما نخرج من عين العاصفة، وتهدأ الرياح العاتية ونخرج من زوايانا لنحتفل معا بالانتصار على الفيروس اللعين، سيكون الاحتفال ناقصا بمقدار ما فقدنا من أحباب وأصدقاء وأقارب. الدكتور سيف تيتي صديق الجميع. من أعمدة الجالية العربية الفلسطينية. في كل مناسبة تجده في المقدمة. كان مسكونا بحب فلسطين كلها ومسقط رأسه غزة على وجه التحديد. لا تفوته مناسبة وطنية أو دينية أو اجتماعية، إلا كان مشاركا أو صانعا لها أو ممولا. فتح أولى صيدلايته في منطقة جورنال سكوير في منطقة جيرسي سيتي، حيث توجد أكبر جالية مصرية. كان محبوبا من جميع أبناء الجالية هناك، الذين أحبوه لدماثة خلقه وكرم طباعه. لم يكن يفرق بين مصري وفلسطيني، أو بين مسيحي ومسلم، لكنه كان منحازا للفقراء، الذين لا يتقاضى منهم أي ثمن عن دواء هم بحاجة إليه، كما حدثني الشيخ عبد الخالق، الذي صادقه لأكثر من ثلاثين سنة. زوجته كانت تعمل ممرضة في أحد المستشفيات في نيوجرسي، ولم تكن الاحتياطات الوقائية قد أخذت زخمها بعد فاصيبت بالوباء، نقلت العدوى لزوجها ودخل الاثنان المستشفى، وبعد خمسة أيام انتقل إلى رحمة ربه يوم 7 إبريل، وبقيت زوجته مدة أسبوعين من بعده وتماثلت للشفاء. كانت صدمة للجالية، خاصة أنهم لم يستطيعوا الصلاة عليه أو المشاركة في الجنازة، التي اقتصرت على سبعة أشخاص فقط. غريب أمر هذه الأقدار. كان يستعد للرحيل إلى كاليفورنيا، ليكون قريبا من ابنه من زوجته الأولى التي توفيت بالسرطان. لكن القدر كان أقوى فرحل ولا أحد حوله بعد أربعين سنة في خدمة القضايا العربية والإسلامية، خاصة قضية فلسطين.

عماد شاب من بلدة بيت حنينا القريبة من القدس عمره لا يزيد عن الثلاثين سنة. يعمل مع والده في محل سوبر ماركت في بروكلين.. في بداية الأزمة، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ يوم 13 مارس، هجم الناس على المحلات التجارية للتزود باحتياجاتهم الضروروية، لم تكن الاحتياطات الوقائية صارمة، خاصة بعد التصريحات المتناقضة للرئيس ترامب، الذي ظل يقلل من خطورة الأزمة، وعينه على الانتخابات المقبلة أكثر ألف مرة من أن تكون على المواطنين. كان التزاحم على المواد الغذائية والمستلزمات الورقية والصحية الأخرى شديدا. في تلك الفترة انتشر الفيروس بشكل مخيف. بدأت عوارض الإصابة بكورونا تظهر في الأسبوعين التاليين بشكل واسع، وهؤلاء وسعوا من نشر الفيروس لتصل ذروة الانتشار في منتصف الشهر الحالي إبريل. شعر عماد بارتفاع حرارته فذهب لمراجعة المستشفى وإجراء الفحص الاعتيادي. طلبوا منه أن يبقى في المستشفى، بعد أن تأكدوا من إصابته بالفيروس. بقيت حالته تقريبا مستقرة. يستخدم جهاز التنفس العادي للمزيد من الأوكسجين. أبو مراد كان يتصل به يوميا ثلاث مرات. ويتحدث معه ويزوره بعد أخذ الاحتياطات اللازمة. «بعد تسعة أيام كان هناك أمل بأنه سيخرج معافى من المستشفى»، قال والده عصام مجلي وهو يروي قصة وفاة ولده والدموع تغالبه. «توفي عماد أمامي. استبدلوا جهاز التنفس الصناعي الذي كان عليه بجهاز تنفس صناعي آخر، وما هي إلا دقائق عدة حتى رأيته يفقد حركته تماما وينزل مؤشر دقات القلب إلى خط مستقيم. كان ذلك الساعة الحادية عشرة صباح الاثنين 6 إبريل».

وتابع وهو يتذكر بحسرة تلك اللحظات التي لا تصدق أن ابن الثلاثين ربيعا يرحل بهذه الطريقة وهو الخالي من أي مرض. «لا أعرف لماذا غيروا الجهاز. لكنني أؤمن بقضاء الله وقدره. لقد ربيت ابني عماد على الأخلاق السامية والدين الحنيف والاستقامة والإيمان العميق. لا أريد أن أتهم أحدا بارتكاب خطأ طبي. الله أعطى والله أخذ. تصور أن ابني الثاني رزق بعد يومين من وفاة عماد بمولود ذكر سميناه عماد، وكأن الله أراد أن يعوض عليّ بديلا لمن فقدت. ولنا عزاء أيضا في ابني الفقيد ابنته ذات السنوات الثلاث وابنه في سنته الأولى» إنها الأقدار. من كان يتخيل أن هذه الجائحة ستقبض على خناق مدينة نيويورك العظيمة، وترعب ملايينها العشرة وتقعدهم في بيوتهم، لا يسمعون إلا أصوات سيارات الإسعاف.

حسن مسعود أبو محمد، مصور الفيديو. الإنسان البسيط اللطيف الهادئ دائما. صديق الجميع. صور أعراس أبناء الجالية في نيويورك ونيوجرسي لمدة ثلاثين سنة. مصور تلفزيوني بارع. ترك العمل مع مؤسسات كبيرة مثل الأسوشيتد بريس، لأنها تتحكم في وقته وحياته. وأحب عمله الحر مصورا لأعراس ومناسبات الجالية، وليبقى قريبا من عائلته وأقاربه وأصحابه. أصيب بعدد من التعقيدات الصحية وتعافى من سرطان الدم، لكنه ظل يذهب مرتين في الأسبوع لغسيل الكلى في مستشفى جامعة نيويورك، الذي يعتبر من أفضل مستشفيات المدينة، كما حدثتني أم محمد بقلب مكسور على رفيق عمرها. فبدل أن يرجع من زيارته الدورية في وضع صحي أفضل أصيب بفيروس كورونا داخل المستشفى، ولأن لديه تعقيدات صحية أخرى، لم يمض عليه وقت طويل حتى مضى إلى حيث سنذهب جميعا، إصبري وصابري فـ»كل من عليها فان» يا أم محمد. رحمة الله على الإنسان الطيب النبيل حسن مسعود.

في الصفوف الأمامية من المعركة مع كورونا أصدقاؤنا الأطباء والممرضون والممرضات. نتصل بالدكتور باسل لنطمئن عنه وهو في الحجر الصحي، ونتلقى أخبارا أن الدكتور الشاب محمد أيضا أصيب بالفيروس. أحد اصدقائنا الأطباء دخل المستشفي قبل يومين وحالته حرجة. سألت عنه قبل كتابة المقال فقيل لي إن وضعه صعب، ودخل المستشفى هو وأولاده وزوجة ابنه. الطبيب الفلسطيني محمود المتخصص بعلاج الأوبئة والعمل في غرفة الطوارئ، أكد لي أن معظم الأطباء والعاملين في المجال الصحي يحملون الفيروس، وربما لا يعلمون فبعضهم يتعافى بدون أن يعلم، أو تكون عوارض المرض خفيفة يمكن التخلص منها بالحجر فقط. لكن الممرضين والممرضات في وضع أكثر خطورة. «نحن نمر على المريض دقائق ونسأله سؤالا أو اثنين ونمضي، أما الطواقم الصحية فهي التي تتعامل مع المصاب بشكل متواصل. كان الله بعونهم. هم الأبطال الحقيقيون». مقابل ثلاثة أطباء أصيبوا في مستشفى ستاتن آيلند هناك 122 أصيبوا من مجموعات المساعدات الطبية والصحية في المستشفى، كما أخبرني طبيب تعافى من الوباء اللعين.

كل ما نتمناه الآن أن يأتي مع خلاصنا من هذه الجائحة طرد ترامب من البيت الأبيض. وبعد سنين سيكتب التاريخ الجائحة التي أسقطت الرئيس المغرور. أما إذا أعيد انتخابه فربما نعود للاقتناع بنظرية المؤامرة، ونبدأ نفتش عن بلد آخر نرحل إليه.

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

القدس العربي

——————————————

باحثون لـ”القدس العربي”: قدرة كورونا على تطوير نفسه تصعّب مهمة إيجاد لقاح ناجع له/ حسن سلمان

يتمتع فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) بقدرة كبيرة على تطويره نفسه، وهو ما يصعّب إيجاد لقاح ناجع له، وخاصة في ظل الحديث عن وجود أكثر من 40 طفرة جينية للفيروس في العالم.

وكان علماء آيسلنديون أكدوا قبل أيام اكتشاف 40 طفرة جينية لفيروس كورونا، بعد تحليل عينات مأخوذة من المصابين في البلاد، وتتبع الحالات المسجلة في عدد من الدول الأوروبية، ومقارنتها بالمعلومات الواردة من الصين حول الوباء.

ويقول الدكتور عمار البعداني، طبيب المخ والأعصاب والمكلف من قبل الحكومة الصينية بنشر التوعية حول فيروس كورونا، لـ”القدس العربي”: “المعلومات التي لدي حاليا تؤكد أنه تم اكتشاف 16 تسلسلا جينيا مختلفا لفيروس كورونا، حتى نهاية شهر آذار/ مارس، وهذه الطفرات تم اكتشافها بعد فحص التسلسل الجيني للفيروس لدى عدد كبير من المصابين، ومقارنته بالتسلسل الأول الذي تم اكتشافه في مدينة ووهان الصينية. ففيروس كورونا يتمتع بقدرة كبيرة على تغيير نفسه وصناعة نسخ جديدة منه (وهذا مُثبت علميا)، فهناك اختلاف بين النسخة الأولى التي تم اكتشافها، وبقية النسخ التي اكتشافها في المدن الصينية الأخرى وباقي دول العالم”.

ويضيف: “هذا الفيروس سيستمر بنسخ نفسه، لكن الخبر الذي يبعث على التفاؤل هو أن هذه الطفرات المكتشفة لم تغيّر من شدة الفيروس أو قدرته على الفتك، بمعنى أن هناك تغيرات كثيرة في التسلسل الجيني ولكنها لا تتعلق أبدا بتغير في شدة هذا الفيروس، بمعنى أنها لن تؤثر كثيرا على فاعلية العقاقير أو الأدوية المستخدم لعلاج المصابين بفيروس كورونا، ولكن هذا التغيير – في حال ازداد حجمه- قد يؤثّر سلبا على تطوير لقاح ناجع للفيروس، وهذا معروف في علم الفيروسات، إذا طورنا اللقاح على تسلسل جيني معين ثم تغير هذا التسلسل لاحقا، فإن لقاحنا هذا لن يكون ذو جدوى واسعة النطاق”.

وكانت وسائل إعلام كشف أخيرا عن وجود تجارب على 115 لقاحا لفيروس كورونا المستجد، يتم تطويرها حاليا من قبل الخبراء حول العالم، لكن العلماء يؤكدون أن الوصول إلى لقاح ناجع للفيروس قد يستغرق أكثر من عام.

ويقول البروفيسور غسان الجعيدي، رئيس قسم جراحة العظام وطب الطوارئ في مستشفى كيرون مدريد، وعضو اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا في إسبانيا لـ”القدس العربي”: “إذا اطلعنا على الحمض النووي لفيروس كورونا المستجد، فسنجد أنه يقوم دوما بنسخ نفسه مستعينا بالبروتينات الموجودة داخل الخلايا، وهذه النسخ قد لا تكون طبق الأصل، فلذلك يحدث هناك تغيرات داخل الفيروس، وبالتالي تتشكل بروتينات مختلفة على غشائه، وهو ما يصعّب علينا إيجاد لقاح خاص به”.

ويضيف: “الباحثون الآن في الصين والولايات المتحدة يطورون لقاحات عدة بالاعتماد على جزء من الفيروس، وخطورة هذا الأمر تكمن في أن اللقاح قد يكون جيدا على المدى القصير (ستة أشهر) لكن بعد سنة قد يفشل أو تقل فاعليته، لأن الفيروس سيتغير جزئيا (تتغير بعض البروتينات داخله)، فإذا كانت البروتينات المتغيرة هي التي عملت عليها دراستك الجزئية لتطوير اللقاح، فهذا اللقاح لن ينفع. وهذا ما دفع الباحثين في اسبانيا إلى استخدام غشاء الفيروس كاملا في تطوير لقاح مضاد له، وهذا يعني أنه حتى لو تغيّرت بعض البروتينات داخل الفيروس (طفرة جديدة) فإن اللقاح سيبقى فعالا”.

وكان وزير العلوم والابتكار الإسباني، بيدرو دوكي، أكد لوسائل إعلام محلية أن بلاده تعمل على تطوير لقاح لفيروس كورونا، باستخدام “تقنية معقدة وواعدة للغاية”، لكن قال إن هذا اللقاء الذي تتم تجربته على الحيوانات، لن يكون جاهزا لتجريبه على البشر قبل بداية العام المُقبل.

—————————————-

الجماعاتية الجديدة: هل سنعود إلى «الحياة الاعتيادية»؟/ محمد سامي الكيال

يتردد السؤال حول موعد رفع قيود التباعد الاجتماعي في العديد من البلدان، فالناس حول العالم، الذين بدأت العزلة تنعكس عليهم بشكل سلبي، اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، يتوقون للعودة لحياتهم الاعتيادية. إلا أن تعريف الحياة الاعتيادية، يبدو أكثر تعقيداً مما يظن كثيرون، وربما لن تعود الأمور لطبيعتها، بشكل أوتوماتيكي بمجرد تخفيف إجراءات الإغلاق والحظر والحجر. روبرت هابيك، رئيس حزب الخضر الألماني، الحائز درجة الدكتوراه في الفلسفة، نشر مقالاً يتساءل فيه عن أي اعتيادية نريد العودة؟ ما التفاصيل والممارسات التي كانت موجودة في حياتنا ويمكن اعتبارها وضعاً طبيعياً؟

ما يجب أن نعود إليه، بالنسبة لهابيك، هو مجتمع أكثر عدالة وتطوراً، وأكثر استدامة وعقلانية في استغلال الموارد الطبيعية. لا يمكن في المجتمع الاعتيادي المنشود أن ينال العاملون في القطاع الصحي مثلاً أجوراً متدنية، أو أن تكون التقنيات الرقمية متخلفة وعاجزة عن سد الاحتياجات الإدارية والإنتاجية، كما يجب الوصول إلى مجتمعات «محايدة مناخياً». باختصار سؤال العودة للحياة الاعتيادية يتطلب إعادة التفكير بالجانب الاجتماعي والإنتاجي والسياسي.

الركود الاقتصادي الكبير، وانقطاع كثير من النشاطات الاجتماعية، فضلاً عن عرقلة ممارسات سياسية شديدة الأهمية مثل الانتخابات، أجبر العالم على أخذ إجازة اضطرارية. ترميم الخسائر المترتبة عن هذا، يحتاج إلى رسم سياسات جديدة، ووضع «خطط إنقاذ»، وعلى المستوى الاجتماعي والفردي، سيُنظر إلى أغلبية العلاقات الاجتماعية القائمة بمنظور جديد. لا شيء على الأغلب سيكون طبيعياً في العودة المنتظرة للحياة الاعتيادية، بل سيتم إنشاء بناءات اجتماعية وسياسية محدثة، بدون أن يعني هذا بالضرورة التغيير بمعناه الثوري. ما يشغل السياسيين والمفكرين والاقتصاديين في أيامنا هو كيفية صياغة هذه البناءات، أو بعبارة أخرى، إعادة إنتاج الأطر التي نعيش داخلها حياتنا الاعتيادية. هذه العملية، السياسية – الحيوية والأيديولوجية في جوهرها، تطرح العديد من الأسئلة، لعل أهمها إعادة تعريف الجماعة: المفترض في مجتمعات قادرة على التعامل مع الأزمات الكبرى وجود نوع من الروح الجماعية، تجعل الأفراد مستعدين للالتزام بسياسات معينة، وتطبيقها بشكل مشترك استجابة لضرورة ما، سواء كانت التباعد أو التقارب الاجتماعي، فما شكل الجماعاتية الجديدة التي يمكن أن نصل إليها؟ وهل يمكن أن تكون قريبة من القيمة الاجتماعية- الأخلاقية الكلاسيكية للتضامن؟

إعادة الإنتاج

يطالب المفكر الإيطالي أنطونيو نيغري، في مقابلة إذاعية بُثت مؤخراً، بالكف عن الحديث عن الأزمة، بوصفها سيناريو متطرفا لكارثة أدت إليها الرأسمالية. اعتبار الأزمات نتيجةً لفساد أو شر النظام القائم، يُغفل المحرك الأساسي لعملية الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي، وهو رغبة الجمهور وحيويته، ولذلك يجب ألا تُترك معالجة الأزمة للمخططين التقليديين في النيوليبرالية، بل إطلاق نضالات جمعية، تتسم بالتعدد والتنوع، تسعى لمزيد من الديمقراطية الاجتماعية، وتضع قضايا مثل، الرعاية الصحية الشاملة وإعادة توزيع الثرورة في مقدمة مطالبها.

أصبح الغطاء المالي والإداري الذي أمّنته السياسات النيوليبرالية عائقاً أمام التنمية الاجتماعية وإعادة إنتاج الحياة نفسها، حسب نيغري، ونحن الآن أمام أزمة تختلف جذرياً عن الأزمة المالية العالمية. في عام 2008 انخفضت الإنتاجية بشكل جزئي في بعض القطاعات، بسبب تعطّل الآليات المالية وحسب، في حين ظلت القدرة على الإنتاج نفسها، والطلب على السلع الاستهلاكية، ثابتين. اليوم نواجه وضعاً جديداً، الإنتاج في أدنى مستوياته، بسبب ظروف العزل والإغلاق، ولن تستطيع المصانع والمزارع تلبية الطلب الاجتماعي، ما يستلزم إعادة تصميم شاملة للإنتاجية، تهتم أساساً بتأمين ضرورات إعادة إنتاج الحياة. يشبّه نيغري توقف سير الإنتاج الحالي بالوضع الذي كانت تؤدي إليه أساليب المقاومة العمالية في الماضي، مثل الإضراب والتهرّب من العمل، وتحطيم الآلات، هذه الأساليب لم تكن تهدف فقط إلى التخريب وتعطيل الإنتاجية، بل تجبر أرباب العمل على إدخال تغييرات أساسية في أسلوب الإنتاج، تؤدي بالمحصلة إلى انطلاقة جديدة في التنمية الاجتماعية، وتحطم الأطر الضيقة التي تحشر فيها الرأسمالية رغبة الجمهور وقدرته على إنتاج عالمه. اليوم لم تعد هذه الصراعات تخاض على مستوى المصانع فقط، كما كان سائداً في عصر الإنتاج الفوردي- التايلري، بل على مستوى إنتاج الحياة وتكاثرها، بما فيها من منتجات لا مادية، مثل المعلومات والأفكار والعواطف.

مفهوم «الجماعية» يصبح بهذا المعنى فرض الرغبة بإعادة إنتاج الحياة على منظومة ضيقة وجامدة، وبذلك يختلف منظور نيغري كثيراً عن منظور مفكرين آخرين، يدعون للتواضع، ويذمّون «الجشع» الإنســـاني للنمـــو اللانهائي. مشكلة الرأسمالية ليس ميلها إلى النمو، بل في كبحها لرغبة البشر وقدرتهم على تحقيق نمو أشمل وأكثر توازناً. يعترف نيغري بأنه أصبح عجوزاً للغاية (87 عاماً)، لدرجة أنه لا يستطيع أن يفهم إمكانيات وسائل الاتصال الحديثة في تحقيق التواصل، ونقل العواطف والأفكار من الفرد إلى الجماعة، في زمنه كان البشر يلتقون معا، ليس فقط لتبادل التحية، بل لخوض النضالات بشكل مشترك. ولا يدري كيفية تحقيق النضالات الجمعية المطلوبة في ظل التباعد الاجتماعي المفروض. ولكن هل تقدم نيغري في السن هو السبب الوحيد لصعوبة فهم هذا الوضع؟

الحشد السلبي

مفكر إيطالي عجوز آخر، وهو جورجيو أغامبين، لا يملك تردد نيغري نفسه في تقييم كفاءة الوسائل الحديثة للاتصال. مصطلح «التباعد الاجتماعي» الذي برز مؤخراً، هو، حسب أغامبين، تعبير ملطّف عن ترسيم الحدود الاجتماعية بين البشر، وكل حالة طوارئ لا تقتصر آثارها على المدة الزمنية التي تُفرض بها، بل يمكن اعتبارها مختبراً اجتماعياً وسياسياً لتقنيات سلطوية ستستمر في ما بعد. ورغم قدرة وسائل الاتصال الحديثة على تأمين تواصل ما بين البشر، فإن مجتمعا قائما على «التباعد» لا يمكن أن يكون إنسانياً وقابلاً للحياة السياسية.

وعلى عكس كثيرين، لا يرى أغامبين في التباعد مؤشراً على ازدهار الفردانية، تبرز اليوم حشود اجتماعية جديدة ذات طابع سلبي، لا تشبه كثيراً التجمعات النضالية التي اعتادها نيغري ومناضلو زمنه، حين كان الخوف من ملامسة الآخر يزول في إطار الحشد الجماهيري. في الحشود الفاعلة «ذاك الذي يزاحمك هو أنت نفسك» حسب تعبير الأديب الألماني إلياس كانيتي. أما الحشد الذي ينشأ عن التباعد والذعر، فهو غير فاعل ومميّع وسلبي، غير قادر على التحرك بحرية ولا رأس له، يتكوّن من أفراد يجعلهم الخوف متماثلين ومتراصين في سعيهم للحفاظ على المسافة في ما بينهم. تتفكك ضمن هذه الحشد كل القناعات الاجتماعية والسياسية، ولا تبقى إلا القيمة المجردة للحفاظ على الحياة، وهذا هو الشرط الأمثل لتقوية الحكم الاستبدادي، وبروز شبح «الليفاتان» من جديد، ذلك الكائن الأسطوري المتوحش، الذي لطالما شبّه المفكرون السياسيون الدولة الشمولية به. الجماعية الجديدة التي يحذّر منها أغامبين، تبدو معاكسة كلياً لأي مفهوم ممكن للتضامن، وربما يكون تهديدها حاضراً أكثر من جماعية «إعادة الإنتاج» التي يبشّر بها نيغري.

اختبار إنسانيتنا

بالنسبة للرئيس الألماني فرانك شتاينماير، فنحن الآن لسنا في حالة حرب، بل أمام اختبار لإنسانيتنا، وهو رد شبه مباشر على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي فاجأ مواطنيه بإعلان حالة الحرب في مواجهة الوباء. قد تكون إجراءات الدولة الألمانية أكثر ديمقراطية، وأشد كفاءة من الإجراءات الفرنسية، ولكن يبقى «الاختبار» الذي تحدث عنه شتاينماير غير واضح المعالم. إذا كان التضامن اليوم يتجسد أساساً بالالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي، لحماية الفئات الأضعف من خطر العدوى، وتخفيف العبء على القطاع الصحي والعاملين فيه، فما هي ممكنات هذا النمط من «التضامن» على المدى المتوسط والطويل، خاصة أثناء الفترة الانتقالية، التي قد تطول، للعودة للحياة «الاعتيادية»؟

سيكون من الصعب ربما على البشر، الذين تعودوا على اتخاذ مسافة من بعضهم بعضاً، والالتزام بتعليمات السلطة التنفيذية، المشاركة في إعادة إنتاج الأطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فترة ما بعد الحظر والإغلاق. حكم الخبراء، الذي فرضته ضرورات الوباء، مرشح بقوة للاستمرار مستقبلاً، وقد يتم تعميمه ليس فقط على المستوى الصحي، بل على مستوى كل الأنظمة الاجتماعية. يصبح هنا «اختبار الإنسانية» أقرب لاختبار قدرة «الحشد السلبي» على الطاعة، والالتزام بالتوصيات التي يراها التكنوقراطيون مناسبة. رغم ذلك قد يكون رهان نيغري غير طوباوي بالكامل، فلا يمكن لأي سلطة فرض تباعد اجتماعي كامل وطويل الأمد، وقد يستطيع البشر كسر قيود التباعد، ليس باستخدام وسائل الاتصال الحديثة وحسب، بل أيضاً عن طريق أشكال متعددة من التمرد والعصيان وعدم الالتزام، خطوط الانفلات هذه، حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، قد تنتج أشكالاً جديدة من التواصل الاجتماعي، وحشوداً اجتماعية فاعلة تعيد إنتاج حياتها الاعتيادية، بشكل أكثر توافقاً مع رغبتها ومصالحها.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

——————————————–

كورونا .. جدل الصحة والاقتصاد/ بشير البكر

حتى يتوصل العلماء إلى لقاح ضد كورونا، سيظل الجدل قائما بين الصحة والاقتصاد. سيبقى الحفاظ على سلامة الناس أولويةً لا تقبل النقاش، وفي الوقت ذاته، سوف يزداد الضغط في اتجاه إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الذي بات متوقفا بنسبة 95% منذ حوالي منتصف الشهر الماضي (مارس/ آذار). وإزاء هذه المعادلة المعقدة، لا يبدو أن هناك لقاحا سوف يأتي بين عشية وضحاها، كي يعيد البشرية إلى حياتها الطبيعية قبل تفشّي كورونا خارج حدود الصين، وإعلانه وباء من منظمة الصحة العالمية في 11 مارس/ آذار الماضي. وحتى الآن، طرحت أكثر من جهة علمية عاملة على اكتشاف لقاح وإنتاجه ووضعه في متناول العالم مهلا تتراوح ما بين عام وعام ونصف العام.

وفي هذه الأثناء، يحتاج العالم، بقوة، أن يعود تدريجيا إلى وضعه الطبيعي، إلا أن الأمر لن يحصل بين عشيةٍ وضحاها، كما أنه لن ينتظر حتى يتم اكتشاف اللقاح وإنتاجه على نحو واسع. هناك حاجات ملحّة لا يمكن أن تنتظر اللقاح، ويتوقف على القيام بها استمرار حياة البشر مثل التغذية والأمن والصحة، والنقل العام، والمياه والكهرباء. وهذه المسائل تستهلك نحو 5% من طاقة أي دولة، وهي الخدمات المحرّكة للبلد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تقرّر دولة إعادة تشغيل المطارات أو فتح المدارس، من دون أن توفر الأمن والغذاء والدواء والكهرباء والماء .. إلخ. ولحسن الحظ، لم تتأثر هذه الأساسيات على غرار ما حصل في أزمات دولية كبرى، مثل الحروب العالمية، ولبت خلال الشهرين الأخيرين المطلوب منها في حدود جيدة، ما عدا قطاع الصحة، الذي تبين أنه مُهمل على المستوى الدولي، باستثناء بعض البلدان، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا.

وإزاء هذا الوضع، تشكل العودة التدريجية المدروسة البديل للمعادلة التي راجت في عدة دول أوروبية وغير أوروبية حول التضحية بأرواح بعض الناس، من أجل استمرار دوران عجلة الاقتصاد بطاقة عالية. ومن هنا جاءت نظرية مناعة القطيع، والتي تبين تهافتها في بريطانيا بلد المنشأ، خصوصا أن الخلاصات الطبية عن فيروس كورونا لم تجزم بالمناعة بعد الشفاء من الإصابة، وهناك دراسات في كوريا الجنوبية تؤكد العكس. وبعد مرور ثلاثة أشهر من تفشّي الوباء خارج الصين، واستفحاله في أهم البلدان الغنية، كفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، تقتضي العودة التدريجية وضع خطط مدروسة من كل دولة، وبين الدول مع بعضها بعضا، ضمن استراتيجيةٍ للحدّ من آثار الوباء إلى حين التوصل إلى لقاح، والبناء على الإنجازات التي حققتها سياسات الحجْر الصحي. وفي حين يبدو أن هذا الخيار لا بديل له، يحاول الرئيس الأميركي، ترامب، أن يقفز فوق الوقائع الصحية، ويعيد إطلاق عجلة الاقتصاد في ذروة الوباء. ومن شأن هذا التوجه أن يحوّل الولايات المتحدة إلى بؤرة كبيرة للفيروس، ويسقط التخطيط العقلاني الذي تعمل عليه أوساط طبية واقتصادية وسياسية في أوروبا.

لن يكون إيجاد معادلة متوازنة بين هذين الخيارين بالأمر السهل، ويحتاج قرارات دولية صارمة تقوم على التعاون، وتكثيف الجهود الدولية في مواجهة الوباء. ويمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تنهض بهذه المهمة، بمساعدة الدول التي نجحت في كبح جماح الوباء، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، والتي يمكن أن تشكل عونا كبيرا لبقية الدول، وخصوصا المتضرّرة، ولا يزال الوباء يتقدّم فيها مثل بريطانيا. ولكن التضامن الدولي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الإنسانية لا يقتصر على مكافحة الوباء، بل على الآثار التي أصابت مئات الملايين من الذين أصبحوا بلا وظائف. وهؤلاء يحتاجون خطة إنقاذ موازية أيضا.

العربي الجديد

———————————————

هل دشن كورونا حرباً على الصين؟/ منذر الحوارات

ما بين ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول 2019، مرورا بيوم إعلانه من منظمة الصحة العالمية جائحةً، في 11 مارس/آذار 2020، وإلى كتابة هذه السطور، لا تزال التكهنات تطغى على الحقائق، ما فتح المجال على مصراعيه لشتى أنواع التأويلات والاستخدامات بشأن ماهية الفيروس، تركيبته ومنشئه ومكان ظهوره، وغاب المنطق عن بعضها، وحضرت الصدمة والذهول في بعضها الآخر، فلم يتوقع أكثر المتشائمين أن عصر الذكاء الخارق سيشهد هزيمة مروّعة أمام كائن غير مرئي، جعل القرية الكروية في أشد لحظاتها عزلةً، على الرغم من كل ما حصلت عليه خلال العقود الأخيرة من قدرة غير متصوّرة للتواصل البيني، فهي في كل الأصقاع حشرت بقسوة بين جدران مساكنها أو قبعت وراء أقنعتها الواقية إذا أرادت الخروج، في حالةٍ لا تذكّر إلا بالقلاع المحاصرة بجيوش جرّارة، تفرض عليها العزلة والجوع، ولكن هذه المرة متعلقة بأهداب أنوف كل واحد. أما الفريق الذي شط به خياله لاستخدام الفيروس للتنفيس عن احتقاناته التاريخية، فقد جعل من الفيروس وسيلته، فشيطن الحدث، كلّ حسب مبتغاه، فكارهو الغرب اعتبروه مؤامرة أميركية، غرضها تدمير صعود الصين، لمنعها من الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وكارهون للصين اعتبروه نتاج التجارب البيولوجية الصينية، ولم يخل الموقف من الاستخدامات الطريفة لكل الفرق السياسية والدول المتحاربة، ففي منطقتنا العربية مثلاً، دارت اتهامات متبادلة بين إيران ودول خليجية، وبين المتمردين الحوثيين والسعودية، وهذه شواهد إقليمية على استغلال الفيروس لتنفيسات محلية، ومثلها شواهد على مستوى العالم، تكاد تكون بين أغلبية الدول المتصارعة.

وكان يمكن التغاضي عن ذلك كله، لولا حدثان غيّرا طبيعة الاستخدام السياسي للفيروس، حينما سمّاه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الفيروس الصيني، متهماً بذلك الصين بأنها سبب في وجوده أو بأنها سبب في نشره، بإخفائها المعلومات بشأن حقيقة المرض، وهذا ما أكّده اتهامه لاحقاً منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين، التي اتهم مسؤول بارز فيها أيضا الولايات المتحدة بنشر الفيروس في ووهان بواسطة الجيش الأميركي، فماذا يعني هذا الاتهام المتبادل؟

الاتهامات المتبادلة لا تغادر السياسة أبدا، فالولايات المتحدة حينما تتهم الصين تريد أن تحمّلها نتائج تفشي الفيروس عالمياً، ولهذا نتائج مستقبلية خطيرة، ولكن عدم سكوت الصين واتهامها أميركا فهذا يعني أنها تريد أن تفتح باب الجدل الذي لن ينتهي، وستكون له أطرافه المتشابكة. ولم يغب عن الصين استرجاع العام 2008، حينما انهار الاقتصاد العالمي بسبب انهيار سوق العقار الأميركي. إذاً هو اتهام باتهامين، ولكن ماذا وراء الأكمة؟ إنها المخاوف الأميركية من مقدرة الصين الرهيبة على ضبط إيقاع المرض والسيطرة عليه، بواسطة إمكانات تقنية مذهلة، استطاعت أن ترصد حركة الناس من خلال وجوههم ومعلوماتهم الشخصية، وخريطة تحرّكاتهم بواسطة ما عرف بال Big Data، أي منظومة البيانات الضخمة، والتي وضعت العالم وجهاً لوجه أمام الإمكانات الصينية الذكية، والتي قد تترجم على أرض الواقع بسيطرةٍ لا متناهية على سلوك البشر.

ولكن ما الذي يزعج الولايات المتحدة هنا، طالما أن الحدث داخل الصين؟ بالتأكيد، سيذهب بعضهم إلى أن الرغبة الأميركية في تدمير قدرات الصين هي السبب، قد يكون ذلك في جزء منه صحيحا، ولكن الاعتقاد الذي تكوّن لدى بعضهم، خصوصا بعد تحذيرات ساسة أميركيين عديدين، من أن الخوف من تراجع الولايات المتحدة أمام إمكانات التكنولوجيا الصينية، خصوصاً بعد فشل الولايات المتحدة في معركتها ضد هواوي، وجيلها الخامس الذي يعتبر بموازاة الثورة الصناعية، وفشلها أيضاً في إقناع حلفائها بعدم تبنّي هذه التقنية التي إن حصلت سوف تنهي الاحتكار الأميركي عصر التقنية، وستهدد ما تعتبره الولايات المتحدة الأمن الاستراتيجي لها، لأن الشبكات الناقلة في دول الحلفاء ستكون صينية، وهذا سوف يؤدي، عاجلاً أو آجلاً، إلى تراجع القوة الأميركية بعد أن تراجعت قوتها الناعمة، بسبب أفق ضيق لإدارات متلاحقة.

وعلى الرغم من تطمينات عالم السياسة والدبلوماسي الأميركي، جوزيف ناي، أن الصين لا تمتلك القدرة لأن تكون قوة قائدة، بسبب مشكلات كبرى تعاني منها، ومن أهمها أن مجتمعها يشيخ، ما سيزيد من كلفة الرعاية الاجتماعية، وأن اقتصادها بني على نمط ماوي من الاكتفاء الذاتي، ويعتمد فقط على الصادرات، الأمر الذي يجعله رهينةً لبقاء الآخرين أقوياء قادرين على الاستهلاك. وهنا تكون الولايات المتحدة والغرب معنيين. يضاف إلى ذلك غياب أي شكل للإصلاحات الداخلية، سواء للقضاء أو تبعية الشركات للدولة، أو تغيير طريقة الحصول على السكن، أو الفصل بين الحزب الشيوعي والدولة. وبحسب ناي أيضاً، ربما أصبحت الصين ضحية نجاحاتها، فالدولة أصبحت مجتمعاً من الطبقة الوسطى، الطبقة النشطة سياسياً، والتي لن يلائمها أبداً منطق النخبة الحاكمة، والتي لا ترى في أي إصلاح إلا تعزيزاً لدور الحزب الشيوعي، وهذا ما لا تحتاجه الصين، عدا عن أن قمع الحريات والأقليات العرقية يحدّ من جاذبية الصين، ويحد قوتها الناعمة، وكذلك رغبتها في العودة إلى العظمة العالمية.

تتخذ الصين التي تبدو مثل رجل الأعمال الباحث عن المكاسب موقفاً سلبياً من جميع القضايا الخارجية، وتنتظر مواقف الدول الأخرى لتحدد موقفها، فهي أبداً لم تتصدر مشهد الدبلوماسية الدولية فاعلا رئيسيا، على الرغم من أن سياستها تتسم بالحدة والغضب، عندما تتعلق النقاشات بقضاياها الداخلية، مثل قضية التبت، وإقليم سينجيانغ ذي الأقلية المسلمة من الإيغور. وأيضاً حينما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان فيها، أو النزاعات الإقليمية البحرية في المياه المحيطة بها، تلك أمور لا تسمح الصين لأحد بالاقتراب منها إلا وتثور ثائرتها. وعلى الرغم من أن الصين فاعل كوني أكثر منها قوة عظمى، فإن القناعة تتعزّز لدى الولايات المتحدة أن زعامتها العالمية مهدّدة بأن تزعزعها الصين، وربما تنهيها. ويدلل المتشائمون الأميركان على ذلك بخطواتٍ صينية متتالية، لا تقتصر فقط على امتلاك ناصية الذكاء الاصطناعي والتطور التقني المذهل، ولكن سعي الصين إلى إنشاء بنك آسيوي تديره هي، لإنهاء احتكار البنك الدولي، وأيضاً احتكار الصين 95% من المعادن الاستراتيجية النادرة، والتي لا بديل لها في الصناعات التقنية الحديثة، وبدء الصين استخدام قوتها الناعمة بمد جسور التاريخ إلى المستقبل، بواسطة طريق الحرير، لتقول للجميع إن الصين تريد مغادرة كتب التاريخ إلى مستقبل الأمم، وتدخل إلى ذلك من باب شراكة الماضي، لتحولها إلى شراكة المستقبل.

وكما يقول أمين معلوف، “الغرب في مأزق، ليس لأن حضارته أمست مقصرة عن حضارات الآخرين، بل لأن الآخرين تبنوا حضارته، فحرموه مما كان يشكل نوعيته وتفوقه”. ولكن الصين اقتصر تبنّيها على النموذج التقني، ولم يتعدّه إلى العناصر الأخرى من النموذج، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالتجربة أخيرا مع فيروس كورونا أنتجت نموذجاً صينياً محكوماً بقوة التكنولوجيا، يتحكّم من خلال الوجوه والشيفرات الإلكترونية بحركة المجتمع وطريقة إدارته مركزياً، ما ينهي أي أمل بنهاية التاريخ عند حدود الديمقراطية الغربية كما تنبأ فوكوياما، فهذا النموذج الصيني متقن الضبط سيكون بصيص النور لثلثي سكان العالم الذين يبحثون عن نموذجٍ يغيب أي مشاركة للمجتمعات في صناعة القرار، ولتتخلص من الصداع المزمن الذي يسبّبه الغرب في حديثه عن الديمقراطية. إذاً، تنتج الصين نموذجاً جذاباً سيتشكل بموجبه محور جديد من الرافضين، ولكن هذه المرّة ليس فقط كما كان النموذج السوفييتي، والذي تميز بالفقر والحرمان، بل بنموذج متخم بالرفاهية.

إذن، سيواجه الآن مشروع الغرب المختنق بمأزقه الداخلي تحدّياً وجودياً من الخارج. يستخدم هذا التحدي كل أدوات الغرب باستثناء ديمقراطيته، فهل سيستسلم أم يبدأ الحرب؟ القصة بدأت الآن، فهل تصمد الصين أم سيكون مصير الاتحاد السوفييتي ماثلاً في مستقبلٍ قد يطول أو يقصر، حسب صمود كل طرف؟ ويمتلك الغرب كل أدواته السابقة التي هزمت المنافس السابق، فهل يجد الحافز للبدء؟ الأمور صعبة، ولكن الغرب دوماً كان شرساً وقاسياً، بالذات عندما يتعلق الأمر بوجوده.

العربي الجديد

————————————–

انكشاف أميركا أمام جائحتي ترامب وكورونا/ أسامة أبو ارشيد

لم تُعَرِّ جائحة فيروس كورونا المتجدد الخلل الذي تعاني منه البنيتان، الصحية والصناعية، الأميركيتان فحسب، بل إنها كشفت عن ثغراتٍ، كذلك، في الهيكلين، القانوني والدستوري، للولايات المتحدة، وهو ما يضعها أمام احتمالات فوضى سياسية، وإن لم يعن ذلك أنها حتمية. يُضاعف القلق من هذه الثغرات وجود شخص على رأس قمة الهرم السياسي، والحديث هنا عن الرئيس دونالد ترامب، والذي أثبت، في أكثر من ثلاث سنوات، أنه لا، ولن يتردّد في محاولة تطويع القوانين ونصوص الدستور لصالحه، بل وخرقها، متى أمكنه ذلك. وبما أن الحزب الجمهوري يبدو في وضع المستسلم أمام غرائز الرجل السلطوية، فإن هذا يعني أن نظام “الضوابط والتوازنات” (Checks and Balances)، والقائم على الفصل بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والهادف إلى منع واحدةٍ منها من التغول على الأخريين، قد لا يكون فعالاً بما فيه الكفاية كما توسّل “الآباء المؤسسون”.

الحزب الجمهوري اليوم شبه مملوك لترامب، وبما أنه يسيطر على مجلس الشيوخ، وهو أحد مجلسي الكونغرس (السلطة التشريعية)، فإن هذا يضعف قدرتها على التصدّي لتغول السلطة التنفيذية، فمجلس النواب غير قادر وحده على الحدِّ بشكل مطلق من نوازع تسلط الرئيس. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تعطي سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ الجمهوريين اليدَ العليا في تعيين قضاة المحكمة العليا، والقضاة الفدراليين، وهو ما يخلخل أكثر مبدأ توازن السلطات، ذلك أنهم لن يعينوا إلا قضاة يمينيين متطرّفين منحازين لهم، وهذا هو الحاصل.

مناسبة هذا الحديث عاصفتان سياسيتان أثارهما ترامب أخيرا، وثالثة قد تكون لها تداعيات كارثية على الولايات المتحدة، إن حاول العبث بها وإطلاق شرارتها، مستغلاً الحجْر الذي فرضه فيروس كورونا. الأولى، زعم ترامب، في الأيام الماضية، امتلاكه “السلطة الكاملة” لإرغام الولايات الأميركية على الخضوع لقراراته، في ما يتعلق بإجراءات مواجهة الجائحة لناحية فتح اقتصاد ولاياتهم، وتخفيف سياسة التباعد الاجتماعي، على الرغم من مخاطر ذلك الصحية. وقد رفض كثيرون من حكام الولايات والخبراء الدستوريين زعم ترامب هذا، على أساس أن التعديل الدستوري العاشر ينص على أن: “السلطات غير المفوضة للولايات المتحدة (أي الحكومة الفيدرالية) بموجب الدستور، ولا يحظرها على الولايات، محفوظة للولايات، أو للشعب”.

العاصفة السياسية الثانية كانت تهديده، الأربعاء الماضي، بفض جلسات الكونغرس، ليتمكّن من تعبئة شواغر في إدارته، من دون الاضطرار لنيل مصادقة مجلس الشيوخ. اللافت هنا أن الشواغر التي اشتكى ترامب من تعطيل الأقلية الديمقراطية مرشحيه لها لا تمتّ بصلة لأزمة التعامل مع الجائحة، إذ إنه حدّدها في قضاة فيدراليين، ومسؤول في وزارة الزراعة، ومدير جديد لإذاعة “صوت أميركا”. أبعد من ذلك، أن مجلس الشيوخ تحت سيطرة حزبه، لا الديمقراطيين. والمشكلة الحقيقية أن الرئيس لم يقدّم مرشحين لكثير من تلك الشواغر. وبالتالي، السؤال الحقيقي سيتعلق بغرض ترامب من طرح سيناريو فض جلسات الكونغرس؟

الإجابة السريعة أن ترامب يبحث عن مشاجب، داخلية، كما الديمقراطيين، وخارجية، كما منظمة الصحة العالمية والصين، يعلق عليها فشل إدارته في التصدّي لجائحة كورونا، وهو الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة بؤرته عالمياً اليوم. وعلى الرغم من أن الدستور الأميركي، في الفقرة الثالثة من المادة الثانية، يعطي للرئيس الحق “في ظروف استثنائية أن يدعو كلا المجلسين (النواب والشيوخ)، أو أياً منهما، إلى الانعقاد، وفي حال حدوث خلافٍ بينهما بالنسبة إلى موعد فض الجلسات، فله أن يفضّها إلى الموعد الذي يراه ملائماً”، إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة. من ناحية، فإن “الظروف الاستثنائية” لا تخضع لمزاجية أو حسابات سياسية. وكان واضحا أن مشكلة ترامب تتعلق بمرشحين لشواغر معينة في إدارته لا تؤثر ولا تتأثر بالجائحة. كما أنه لم يسبق لرئيسٍ قبله أن مارس تلك الصلاحية، بما في ذلك خلال الحرب الأهلية أو الحروب الخارجية والكوارث. ومن ناحية ثانية، هذه الصلاحية مرهونة بحدوث خلافٍ بين مجلسي الكونغرس على موعد فض الجلسات. وتاريخياً، طوّر كل مجلس من المجلسين آلية تعرف بـ”الجلسات الشكلية” (Pro Forma Session)، لمنع أي رئيسٍ من القيام بتعيينات في مواقع حساسة خلال عطل الكونغرس، فضلاً عن منع أيٍّ من المجلسين من استغلال عطلة الآخر. وليست هذه الآلية حكراً على حزب دون آخر، إذ إن كلا الحزبين يستخدمانها.

أما العاصفة السياسية الثالثة التي يخشى كثيرون أن يشعلها ترامب، وهي الأخطر، فهي محاولة تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية بذريعة الجائحة، وخشية استفحال العدوى بين الناس. صحيحٌ أن ترامب لم يتحدث في الموضوع، إلا أن محسوبين على معسكره لمّحوا إليه. دستورياً وقانونياً، لا يمكن لترامب فعل ذلك، غير أن ثمَّة ألاعيب قد يحاول الجمهوريون اللجوء إليها. قانونياً، ينص القانون الفيدرالي على أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ينبغي أن تجري: “يوم الثلاثاء بعد أول يوم اثنين في نوفمبر/ تشرين الثاني”. ولا يمكن تغيير هذا القانون من دون موافقة الكونغرس بمجلسيه، وبعد ذلك يوقع عليه الرئيس ليصبح ساري المفعول. ومعلوم أن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب الحالي. وحتى إن وافق الكونغرس على تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية، ووقع الرئيس على ذلك، فإن سلطة القانون محدودة بالتعديل العشرين من الدستور، والذي ينص في فقرته الأولى: “مدة ولاية كل من الرئيس ونائب الرئيس تنتهي ظهر يوم العشرين من يناير / كانون الثاني” كل أربع سنوات. وبهذا، فإنه في ذلك اليوم من العام المقبل، إن لم تكن جرت انتخابات رئاسية، فإن ترامب ومايك بينس لن يكونا رئيساً ونائب رئيس، وحينها يوكل لمجلس النواب انتخاب رئيس من أعضائه. وتعديل الدستور عملية معقدة جداً، وقد تكون أقرب إلى المهمة المستحيلة، خصوصاً، ضمن السياق الحالي.

إلا أنه ضمن الحيل التي قد يسعى الجمهوريون إلى اللجوء إليها محاولة تفعيل بند في الفقرة الأولى من المادة الثانية في الدستور تنص على حق كل ولاية في تعيين مندوبيها إلى “الكلية الانتخابية” (Electoral College)، عبر مجالسها التشريعية، لا عبر التصويت العام. وبما أن الجمهوريين يسيطرون على حوالي 30 هيئة تشريعية في 30 ولاية أميركية، من أصل 50، فإن هذا سيكون في صالح ترامب. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فبعض الولايات التي يسيطر الجمهوريون على هيئاتها التشريعية يوجد على رأسها حاكم ديمقراطي، فضلا عن أن قوانين 49 ولاية تنص على أن اختيار المندوبين للكلية الانتخابية لا يكون إلا عبر انتخابات عامة، وهو المعمول به اليوم في الخمسين ولاية أميركية. بمعنى أننا أمام عملية قانونية معقدة، وأزمة دستورية تلوح في الأفق، في حال قرّر الجمهوريون السير في هذا الطريق. الأخطر أن الولايات المتحدة تعبر، في أمر كهذا، إلى المجهول، خصوصاً إذا وقفت المحكمة العليا، بأغلبيتها المحافظة مع الجمهوريين في حال حدث ذلك.

باختصار، إذا كانت الولايات المتحدة ستتعلم شيئاً من رئاسة ترامب وجائحة كورونا المستجد، فهو أنها ليست دولةً عصيةً على اختطاف شخص أو حزب أو تيار لها، وأن كثيراً من هيكليها، القانوني والدستوري، بحاجة إلى إعادة تحديث وتطوير. المشكلة أن ذلك لن يكون أمرا هينا في ظل الانقسام والشرخين الإيديولوجي والمجتمعي اللذين تعيشهما البلاد في العقود الأخيرة.

.. لا يعني ما سبق أن أميركا تعدم مؤسسات عريقة وكوابح قوية لمنع حدوث الانزلاق، بقدر ما يعني أنها ليست معصومة منه.

العربي الجديد

——————————–

اليقين واللايقين/ كمال عبد اللطيف

نواصل تأرجحنا بين اليقين واللايقين، ونحن نتابع أحوالنا العربية، وأحوال البشر عامة، أمام الأوبئة والحروب والكوارث التي نساهم اليوم، بطريقة أو أخرى، في حصولها. فأمام المصائب التي تأتي من زوايا مختلفة نُصَابُ بالْعَمَى، فلا نعود نُبصر شيئاً، ثم ننخرط في محاولاتٍ نتوخّى منها معرفة ما يجري أمامنا بهدف مغالبة آثاره. نتردَّد كثيراً قبل الحديث بلغة اليقين ومنطق الحتميات، خصوصا في التاريخ والسياسة، ونتردَّد أكثر لكي لا نلج أبواب اللايَقين. وقد دفعنا فيروس كورونا إلى الخوف، فتعطَّلت مؤقتاً بعض صور إيماننا العظيمة بفتوحات العلم والتقنية في حياتنا.

تزداد تأكداً من التأرجح القائم والمتواصل في حياتنا، وأنت تتابع تحوُّلات الراهن العربي، وتعاين الدهاليز المظلمة التي يترنح العرب اليوم في قلبها، بين خيارات ونزوعات أبعدتهم كلية عن الشعارات والآمال التي تغنت بها أجيال القرن الماضي، ولم نتمكَّن من الاقتراب منها، فأصبحت اليوم في صورة أفق بعيد المنال. ولا أريد أن أفسر ما حدث بما اعتدنا قوله في الأغلب الأعم، بسوء الحظ وتضافر العوامل الخارجية وحدها، ذلك أن مختلف المصائب التاريخية التي ألَمَّت بنا، في مختلف أوجه الحياة ومظاهرها، تتعلق، أولاً وقبل كل شيء، بسوء تقديرنا وتدبيرنا مصائرنا .. وإلا كيف نفسر النفور الذي أصبحنا ننظر من خلاله إلى جامعة الدول العربية، ومختلف مؤسسات العمل الإقليمي العربي؟ كيف نفسر جمود المؤسسات التي أنشأنا لننظر في صور خلافاتنا ومستقبلنا، ونرعى التضامن والتعاون في ما بيننا؟ لا يتعلق الأمر هنا فقط بمجلس التعاون الخليجي ولا باتحاد المغرب العربي، بل إنه يشملهما معاً، ويشمل كذلك المؤسسات الفرعية المرتبطة بهما. فلماذا ننشئ المؤسسات ونُنْفِق عليها، ثم نحولها إلى مجرد لافتةٍ لا نستطيع الاستغناء عنها، على الرغم من نفورنا منها؟

بدأ الحديث في العالم عن عالم ما بعد كورونا، وتقرأ آراء تجعلك تتعجب كثيراً من اليقينية التي أصبحت تحكم مواقف كثيرة في موضوع احتمال تحوُّلات النظام الدولي، وتتعجب لأولئك الذين يحلمون بأن تدفع تداعيات كورونا العرب إلى إعادة النظر في سياساتهم العامة في الصحة والتعليم والبيئة، وكذا علاقاتهم بمسارات التعولم الاستهلاكي التي تنخرط فيه بعض أقطارهم، وكذا نوعية السياسات التي تفرضها عليهم المؤسسات المالية الدولية.

يُواجِه العرب اليوم مثل بقية الدول وباء كورونا، في زمن تراكمت فيهم أمامهم تداعيات عقد من النتائج التي ترتَّبت عن ثورات شبابهم التي اندلعت في أكثر من ساحة عربية، بهدف تجاوز حالات الانسداد السياسي التي شملت أغلب بلدانهم مطالع هذا القرن .. وفي قلب عمليات المواجهة بإيجابياتها، وبما صنعت من ثورات مضادّة، وكذا بمختلف أشكال الصراع العربي العربي، والصراع الإقليمي والدولي الذي نشأ وتطور بمحاذاتها، وما نتج عن ذلك من صعوباتٍ وعوائق جديدة في مسألة تجاوُز تَبِعات كل ما جرى ويجري. ووسط انقساماتٍ وخلافاتٍ تروم مزيداً من تقسيم بلدان عربية بتواطؤ مع المصالح المعلنة لبعض القِوَى الإقليمية والدولية .. وفي قلب الزلازل الحاصلة، أو المنتظرة الحصول، تستمر منذ أربعة شهور جائحة كورونا، وأضافت إلى المحيط العربي إشكالات جديدة، عَرَّت المستور في السياسات العمومية العربية، فازدادت الأوضاع سوءاً، وأصبح مؤكّداً تضارُب مصالح القِوَى العظمى، وقد تعددت رؤوسها اليوم، والقِوَى الإقليمية وقد أصبحت لها مواقع عسكرية جديدة في قلب الديار العربية.. ارتفع عدد ضحايا الوباء في أغلب البلدان، مثلما ارتفع في أغلب بلدان المعمورة وقاراتها، فازدادت الأمور تعقيداً.

واجه العرب قبل الوباء القاتل أوبئة الاستبداد السياسي التي تُمارسها السلطات منذ عقود الفتك بحقوق مواطنيها، وواجهوا، منذ ستينيات القرن الماضي، إسرائيل ومن يقف معها وخلفها، لمحاصرة الطموح العربي في النهضة والتنمية، فهل يستطيعون اليوم مغالبة الغشاوات التي تملأ أعينهم، وتمنعهم من رؤية صور العنف التي تملأ ديارهم؟

ليس من المبالغة أن نقرّ بأن الحالة العربية تَعْبُرُ اليوم مفازاتٍ مرعبة، وأن الوباء الجديد يملأها اليوم بويلاتٍ لم تكن تنتظرها ولا تتوقع حصولها، فقد تراكمت، منذ سنوات، أخطاء سياسية أدخلت بلداننا في دواماتٍ لا تفضي إلى دروب الأمل، وواصلت أغلب أنظمتنا السياسية استئناسها بوتيرة التراجع، ومن دون أي مبادرةٍ تسعف بما يساعد ويمكِّن من تقليص حجم الخسارات والأهوال التي تضاعفت، والنزيف الذي لم نتمكّن من وقفه، فأصبح الجميع اليوم في قلب الهاوية.

لا نتحدّث عن البلدان التي حُوصِرَت طموحاتها في الثورة والتغيير، ولا عن البلدان التي أطاحت رؤوس الاستبداد والفساد في مجتمعاتها، ولم تنجح في تدبير سياساتٍ عموميةٍ مكافِئة للطموحات التي عبر عنها شباب الميادين، وقت حماسهم لشعارات محاربة الفساد. كما أننا لا نتحدّث عن الأنظمة التي اختارت مواجهة مشروع التغيير في بلدانها، وفي البلدان التي حصل فيها التغيير، فأعلنت ثوراتٌ مضادة وركبت دروباً غير مأمونة في التاريخ وفي السياسة. إننا نتحدّث عن العرب بالجمع، زمن الحروب والأوبئة، زمن المراجعات الكبرى.

العربي الجديد

—————————————

من حلم المدينة الفاضلة إلى بشرية مريضة/ فيصل درّاج

تعدُّ رواية الخيال العلمي جنساً أدبياً خفيفاً، موضوعه ما هو غير مألوف، يتعامل مع الغريب العجيب، ولا ينصاع إلى ما يعيشه البشر في حياتهم اليومية، يركن إلى الفضاء، ويهرب إلى المستقبل، ولا يعبأ بقواعد العقل المتعارف عليها، ويرسل إلينا، في الحالات جميعاً، رعباً متعدداً لم نتعوّد عليه.

بعد وفود كورونا إلى عالم البشر، تبدو تخيّلات “الرواية العلمية” قريبة منا، ولا ننظر باستهتار إلى مسرح اللامعقول. فما لم نكن نعرفه أصبح جزءاً من حياتنا اليومية. فالشوارع التي دورها احتضان المارة غدت خاوية، وأماكن اللهو التي يسرّي فيها البشر عن أنفسهم صارت… تثير الخشية، وزيارة الأصدقاء المعتادة حُذفت من عادات الأصدقاء، وتحوّل تراب الأرض المحايد مؤذياً، يحمل جرثومة كورونا.

لم تعد رواية نجيب محفوظ الواقعية مرجعاً للكتابة الروائية، بعد أن غيّر الواقع المريض ملامحه، ولا رواية إرنست هيمنغواي المحدثة عن الحرب والسلاح مكتملة الإجابات. جاءت معركة جديدة بين ضحايا كورونا والوباء الذي سقط عليهم، وما عادت كلمة السلاح، في عرفها القديم، كافية. جاء المرض بسلاح غير معروف، وأجبر البشر على اللجوء إلى ذخائر غير مسبوقة. لكأن الواقع البشري اليوم في حاجة إلى ما قبل وما بعد جديدين: ما قبل كورونا الذي كان له أعراف قديمة، وما بعد كورونا الذي أخضع البشرية لاختبار جديد لن تخرج منه سالمة. يفصح الاختبار، في وجهيه، عن بشرية خدعت نفسها، اكتست بالأوهام، وبغرور لا يحتمل، ووزعت البشر إلى أقوياء وضعفاء، إلى “دولة عظمى أولى في كل شيء”، ودول لاحقة،متباينة القوة والاستطاعة، دولة متغطرسة تفعل ما تريد، تنهب وتضع اليد وتوزّع وتعاقب، وآخرين يحتجّون كما يريدون، ولا يظفرون بحقوقهم، ولا بما يشبهها.

لم يكن في قواميس اللغات ما يحتفي كثيراً بالكلمات المربكة: الاحتمال، اللامتوقع، الممكن، اللامعقول… ذهب الاهتمام المتأمل، كما التأمل القوي البنيان إلى مفردات لا شكوك فيها: الحقيقة، اليقين، المفهوم العلمي، إذ الحقيقة تفصح عن معرفة كاملة، واليقين يخبر عمّا لا حاجة إلى تجريبه، والمفهوم العلمي يربّع الدائرة ويخرج منتصراً. جاء هذا التصوّر الإيماني، المحصّن بالغطرسة والغرور، عن تاريخ العلم وتاريخ الفلسفة ومنطق الانتصارات السلطوية المتواترة. تشخصن كل شيء في إنسان امتلك معرفة شفافة، في مجالي المجتمع والطبيعة، حذف من قاموسه كلمتي السر والغموض. كان الفرنسي ديكارت، فارس الأزمنة الحديثة كما يقال، قد وعد بترويض الطبيعة، و”بطبيعة جديدة” يخترعها الإنسان المتمكّن من العلوم الحديثة.

ولعل إعادة اختراع العالم، أرضاً وثروات وبشراً وأنظمة، أخرج لنا وقائع لغوية مسلّحة: الاستعمار، وتحضير الشعوب، والإمبريالية، وتقسيم العالم، و”دولة إسرائيل”، وحماية “السلم في الشرق الأوسط”… وإذا كان الاشتراكي الإنكليزي الطوباوي هـ. ج. ويلز كتب رواية عن “حرب العوالم”، بين عالم البشر وشعوب فضائية، وصولاً إلى “حرب النجوم”، في زمن الرئيس الأميركي الراحل، رونالد ريغن، فإن منطق الأقوياء جاء بحروب مفتوحة في العالم الأرضي، امتلكت المدافع والأساطيل ومخزوناً نووياً يكفي تدمير الأرض خمسين مرة.

والسؤال الساخر اليوم: لماذا يقف حلف الأقوياء عاجزاً أمام مرض يشبه “الحمى”، ولماذا يتحدث رئيس أقوى دولة في العالم عن ضحايا قد تصل إلى مليون، من دون قنابل ذريّة، ولا نشر للأساطيل والصواريخ؟ الجواب، ربما، بسبب هوس القوة العسكرية المدمّرة، الذي كلّف ثروات لا حصر لها، ونسيان أمر بسيط الحروف: النظام الصحي الإنساني، الذي كان في إمكانه أن يكون أكثر مناعة لو أنفق عليه ما تم إنفاقه على صناعة الموت العسكرية التي أرادت أن تزيد “القوي” قوة والضعيف ضعفاً، بلا وازع أخلاقي، ولا محاكمة عادلة للقتلة والمغتصبين.

في العقد الأخير من القرن الماضي، أصدر باحث مغربي يعيش في فرنسا، عن دار نشر شهيرة، كتاباً عنوانه: “العلم ضد العالم الثالث”، تناول صناعة الأوبئة التي توجّه إلى الشعوب الفقيرة. لو كان “سادة العالم” أكثر أخلاقية لاجتهدوا في عنوان آخر: “العلم لصالح الإنسانية”، الذي لا يستوي إلا بعنوان آخر: نحو مجتمع إنساني عادل، حق الشعوب في التصرّف في حقوقها، ونحو مجتمعات بلا جوع ولا جهل ومستبدين، توزع القتل وتستبيح الكرامة.

أراد ديكارت أن يعهد إلى الإنسان بتصنيع ما تخلقه الطبيعة. نسي ربما أن يضيف الأخلاق إلى العلم، ولم يقتصد في غطرسة “الإنسان الأبيض”، الذي اعتقد أنه امتلك، أو سيمتلك، أسرار الكون كله، وسيصل إلى إنسان مطلق الحرية يقول: “العالم بين يديه”، دون أن يدري أن العالم لا يسيطر عليه أحد.

سرد محفوظ واقعة حصلت معه لا جواب لها. وحين سُئل عن السبب أجاب: إنه السر، معترفاً أن العالم مسكون بنقاط عمياء، لا يمكن محوها، ولا التعرّف عليها. أليس في مرض الكورونا شيء من هذا “السر المفترض”؟ أليس فيه ما يعترف بأن الطبيعة كتاب مفتوح لا يروضه “علم الطبيعة”، وأن علوماً كثيرة لا تزال متأبيّة على الإنسان؟

ليس المطلوب السعي إلى “علم ضد العالم الثالث”، ولا الانفاق على الحرب الجرثومية، إنما المنشود إنسانية جديدة تؤمن بالمساواة، وتكافل الجهود، لمحاربة الأمراض المنتشرة، والاعتراف بما هو جلي وواضح وحزين، وبذلك “السر” الذي تأمله محفوظ طويلاً، وسأل عن إجابة.

انتسب الفارابي إلى الفلسفة العربية المستنيرة، وكتب عن “المدينة الفاضلة”، القائمة على العدل والحرية، وكتب توماس مور، الذي مات قتيلاً، عن “اليوتوبيا”، مدينة صالحة مجهولة المكان. وصلت الإنسانية الظالمة المخفقة إلى “يوتوبيا” مضادة، لا عدل فيها، ولا مساواة، يعبث فيها مرض هالك يدعى: كورونا.

ضفة ثالثة

—————————————–

صدامات وجرحى بالبقاع: كورونا يضاعف النعرات ضد اللاجئين السوريين/ لوسي بارسخيان

انفجرت “القلوب المليانة” في بلدة غزة بالبقاع الغربي. فالضغوط الناجمة عن “التعبئة العامة” ومنع التجول، والتضييق المضاعف على مخيمات النازحين السوريين ومحيط إقامتهم، تطورت إلى مواجهة بين متطوعين كلفتهم بلدية غزة مراقبة مخيمات النازحين، وبين شاويش أحد المخيمات السورية في البلدة وأفراد عائلته. وأدت المجابهة بين الطرفين إلى إطلاق نار مساء الأربعاء 15 نيسان الجاري، فأصيب عدد من الأشخاص، وأوقفت القوى الأمنية آخرين.

قراران متعارضان

وبعد هذه الحادثة، أمرت بلدية غزة بإخلاء مخيم النازحين السوريين، المعروف باسم مخيم “عبدو كلينتون”، واتخذت بإجماع أعضائها قراراً بإزالته كلياً، وهو يضم نحو 60 عائلة.

لكن مجلس غزة البلدي – بعدما أكد أنه “اتخذ القرار تداركاً لردود فعل قد تنشأ جراء أي احتكاك، وتحت ضغط أهل غزة الرافضين بقاء المخيم في خراج بلدتهم” – تراجع عن قراره بناءً على عدم موافقة وزارة الداخلية على نقل أي مخيم للنازحين السورين على الأراضي اللبنانية من مكانه.

إلا أن رئيس بلدية غزة محمد المجذوب، أصرّ على مغادرة الشاويش وعائلته الموسعة المخيم.

عائلة الشاويش

وأكد رئيس البلدية لـ”المدن” أن أبناء البلدة “لا يكنّون أي عداء للنازحين السوريين المقيمين في غزة”. وأشار إلى أن “49 عائلة سورية نازحة تأوي إلى المخيم. و13 خيمة من عدد الخيم تشغلها عائلة الشاويش الموسعة وحدها. وأبناء هذه العائلة مقيمون في غزة منذ أكثر من 35 سنة. وهم عمال ورش، وليسوا نازحين”.

وفي المقابل، كشف المجذوب عن أن في غزة 17 تجمعاً آخر للنازحين السوريين، يصل عدد النازلين فيها إلى نحو 1700 نازح. وهؤلاء لم يتعرض أي منهم لأذى في أي وقت.

لكن رواية شقيق شاويش مخيم “عبدة كلينتون” عن خلفيات الحادثة وملابساتها، تكشف عن مركب من “الاستعلاء والتشاوف” المتماديين يمارسهما الأهالي المحليون اللبنانيون على نزلاء المخيمات السوريين في المناطق المختلفة.

وفي أوضاع وأحوال يعيشها لبنان وجماعاته، يصعب ألا تجد أي حادثة جزئية أو ظرفية غطاء “عنصرياً” يؤدي إلى اعتداءات “عنصرية” على النازحين ومخيماتهم، بصرف النظر عن أحقية أي من الطرفين، وصدق روايته.

ملابسات الاشتباك

وروى شقيق الشاويش أن شرارة “المواجهة” انطلقت بعدما أقدم شبان من غزة مكلفون بتعقيم مدخل بلدتهم، على ملاحقة سيدة خرجت من المخيم لتتبضع تحضيراً لمناسبة عقد قرانها، فأسمعها الشبان الغزيين كلاماً نابياً مؤذياً. وهذا ما أدى إلى مشكل بين الشبان وأهالي البلدة من جهة، وعائلة الشاويش واللاجئين في المخيم من جهة أخرى.

لم تمر المواجهة الأولى من دون تضارب بآلات حادة وعصي. ولما كانت الغلبة للنازلين في المخيم، تكتل شبان من بلدة غزة وراحوا على مدى يومين يلاحقون سوريي المخيم ويعتدون عليهم. وهذا أدى إلى العراك الكبير الأخير، فلم تنجُ خيمة في مخيم “عبدة كلينتون” من التخريب، إضافة الى تحطيم الحمامات وخزانات مياه الشفة. وأصيب أشخاص أربعة بجروح استدعت نقلهم إلى المستشفيات، ومن بينهم شاويش المخيم، وآخر من بلدة غزه إصابته حرجة.

وتدخلت القوى العسكرية مساء الأربعاء 15 نيسان الحالي، فأوقفت شباناً شاركوا في الاشتباكات من الطرفين، لمنع تدهور الأمور إلى أخطر مما آلت إليه.

كورونا وعزلاتها

وفي الأثناء بدأ غزيون بطلب مغادرة نزلاء المخيم. لكن هذا الطلب صعب التحقيق. فحتى لو رغب نزلاؤه المغادرة، فهم لا يملكون ولا يملك من يطلب منهم ذلك جوابا عن الوجهة التي يمكن أن يقصدها سكان المخيم السوريين. وليس سبب ذلك امتناع معظم البلدات عن زيادة أعداد النازحين فيها منذ أكثر من عام، فحسب، بل أيضاً بسبب جائحة كورونا والمخاوف التي تساور معظم المجتمعات المضيفة حيال الاجئين، ونظرتها إلى مخيمات السوريين باعتبارها قنابل “وبائية” موقوتة، لا يُعرف موعد انفجارها.

فبعد صدور القرار البلدي بترحيل نزلاء مخيم “عبده كلينتون”، سارعت بلدية قب الياس المجاورة لغزة إلى إصدار بيان طلبت فيه من أهالي البلدة التنبه والاستنفار “لمنع انتقال الخيم الى منطقتنا”، على ما جاء في البيان الداعي الى مراقبة محيط ‏المخيمات والطرق المؤدية إليها. وهذا ما لجأت إليه معظم البلدات البقاعية التي لاحق أهلها السوريين ومنعوهم من التجول، ومن التنقل بين تجمعاتهم في المناطق.

هذا وعمد النظام السوري إلى إقفال المعابر الحدودية في وجه مواطنيه المقيمين في لبنان، بذريعة منع تفشي كورونا وانتشاره عبر الحدود. وبدا أن الظروف الوبائية تشكل عاملا إضافياً ضاغطاً على النازحين السوريين في لبنان، قد تدفعهم إلى مطالبة السلطات السورية بـ”فتح سوريا أبوابها بوجه مواطنيها المهددين بالتشرد”، وفقا لما نقله مقيمون في مخيم “عبدة كلينتون”.

——————————————–

التلفزيون السوري: تعلّم كيف تشتري الخبز بلا دورات تدريبية

“تعلّم كيف تشتري ربطة خبز من دون دورات تدريبية”، هو الوصف الساخر الذي تناقله ناشطون سوريون، تعليقاً على مقطع فيديو نشرته قناة “الفضائية السورية” الرسمية، شرحت فيه كيفية استخدام البطاقة الذكية للحصول على الخبز في البلاد.

واعتبر المعلقون الفيديو استغباء للمشاهدين من جهة، واستمراراً في سياسة إذلال السوريين، خصوصاً أن القناة اعتبرت توزيع الخبز عبر البطاقة الذكية إنجازاً تكنولوجياً وتقنياً كبيراً، رغم أن العملية كلها لا تستحق كل هذا الشرح، ولا الاحتفاء الذي بلغ حد اسضافة وزير التجارة الداخلية عاطف النداف في الاستديو، للإشراف على هذه الدورة التعليمية التي تصلح لأن تكون أساساً لخبر ساخر في صحيفة “الحدود” أو للوحة من لوحات سلسلة “مرايا” الساخرة.

يأتي ذلك بالتوازي مع بدء عملية بيع الخبز عبر البطاقة الذكية في محافظتي دمشق وريف دمشق، الأربعاء، قبل أن تطبق العملية في جميع المحافظات السورية لاحقاً “إن اقتضت الحاجة”. ويبلغ عدد البطاقات الإلكترونية في محافظة دمشق 430 ألف بطاقة، وفي ريف دمشق 628 ألف بطاقة.

وتحاول حكومة النظام السوري، الحد من مشاهد الطوابير المحرجة التي أثارت استياء كبيراً بين السوريين في مناطق سيطرة النظام، خصوصاً أن الازدحام على الأفران وشاحنات توزيع الخبز التي ابتكرها النظام قبل أسابيع، تتنافى مع الإجراءات الصحية اللازمة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد.

كما يسعى النظام من كل هذه الإجراءات، والضخ الإعلامي الموازي لها، إلى ذر الرماد في العيون بشأن حقيقة عدم قدرته على تلبية الحاجات الأساسية للسوريين، رغم “انتصاره على الحرب الكونية”، وهو ما كررته التعليقات التي قالت أنه لا وجود أصلاً للخبز بكميات كافية، فيما أشار آخرون لعمليات الاحتكار والسرقة والإذلال التي وصلت حد ضرب موزعي الخبز للمواطنين في الشارع، حسبما أظهرت تسجيلات نشرت مؤخراً.

يذكر أن وزارة التجارة الداخلية حددت ما يمكن للأسرة الواحدة الحصول عليه من الخبز، بسقف 4 ربطات يومياً، لكن العديد من المعلقين اشتكوا من تدني جودة رغيف الخبز، في وقت ذكرت الوزارة أن السبب يعود لعدم توفر الخميرة، وصعوبة استيراد المعدات اللازمة لتشغيل الأفران وصيانتها.

———————

مساعدات صينية للنظام السوري: مَن تذكّرني بعَظمة..كنتُ عنده عظيماً

احتشد إعلام النظام السوري وحلفائه، طوال ليل الأربعاء، من أجل توثيق لحظات وصول طائرة محملة بالمساعدات الطبية الصينية إلى مطار دمشق الدولي، لكن المساعدات نفسها لم تكن أكثر من صندوقين صغيرين، ما أثار سخرية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي.

ونشر الناشطون صوراً للحظات الاستقبال الرسمي للصندوقين، حيث حضر السفير الصيني في دمشق فنغ بياو يوم، ونائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، ومسؤولون آخرون ومصورون ومراسلو وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى في البلاد، من أجل استقبال الصندوقين وتعقيمهما أيضاً، في مشاهد هزلية.

وقال أحد المعلقين: “ما معكم حق كان لازم القصر الجمهوري كله يستقبلها. على كل حال كتيرة على هيك نظام مهترئ”، وقال آخر: “كرتونتين مساعدات. من وين جايبينهم من الصيدلية؟ ثمن المساعدات 300 دولار وثمن رحلة الطائرة 40 ألف دولار، ليش البعزأة كنا كلفنا شركة الهرم بالمهمة”، فيما سخر البعض في التعليقات عبر استذكار المثل الشعبي الدمشقي: “مين تذكرني بعظمة كنت عندو عظيم”.

وأعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام، مساء أمس الأربعاء، تسجيل أربع إصابات جديدة بالفيروس ليرتفع عدد الإصابات المسجلة في البلاد إلى 33 إصابة.

وكان من اللافت أن التغطية السورية للحدث ركزت على الدور الصيني في مكافحة وباء كوفيد-19 عالمياً، وليس على جهود النظام السوري لمكافحة انتشار الفيروس في البلاد.

ويتطابق ذلك مع دراسة نشرها معهد “أوكسفورد” للإنترنت، قبل أيام، حللت تقارير إخبارية من الإعلام الناطق بالإنجليزية المرتبط بالدولة في الصين ودول أخرى. وخلصت إلى أن السردية الصينية حول فيروس كورونا تركز على تصوير بكين كدولة رائدة على مستوى العالم في المجال الطبي مقابل تصوير جهود الآخرين، وتحديداً الدول الغربية، على أنها عقيمة.

    طائرة صينية نسي طاقمها كرتونتين علب فحص كورونا تحت الكراسي فقالوا أحسن مانرجع فيهم للصين منعطيهم لسوريا الأسد ، على مبدأ فرّح الولد الله بفرحك

    الله يبهدلكم فوق بهادلكم pic.twitter.com/sgMMIb0AMP

    — ماجد عبدالنور (@majed_abdalnoor) April 16, 2020

    اقسم بالله تصلح لتكون أحداث مسلسل كوميديا 😂😂😂😂

    حشد صحفي بعد استقبال مساعدات الحليف الصيني عدو امريكيا الامبريالية (كرتونتين) pic.twitter.com/6kNLu6M05o

    — Hashem (@hashem_bulbol) April 16, 2020

    حكومة الأسد العتيدة تستقدم طائرة من #الصين إلى #دمشق ويشرف عليها نائب وزير الخارجية وتغطية إعلامية كبيرة من أجل كرتونتين تحوي اجهزة فحص درجة الحرارة من اجل فيروس #كورونا.

    ويا صباح الخير… مسخرة

    👆😂😂😂😂😂 pic.twitter.com/RBp1O5cy7g

    — البرادعي ابو احمد (@Welibaradi) April 16, 2020

    كرتونتين مساعدات .. من وين جايبينهم من الصيدلية ؟

    ثمن المساعدات 300 دولار وثمن رحلة الطائرة 40 ألف دولار ، ليش البعزأة كنا كلفنا شركة الهرم بالمهمة. https://t.co/wVg6sQEtI1

    — 🇸🇾 mohammad ahmad🇸🇾 (@Assad000000) April 16, 2020

    الرئيس الصيني بعد ما بعت كرتونتين مساعدات للنظام

    الله يقدرني و ما خليكن تعتازوا حدى 😂😂😂 pic.twitter.com/sMw0j5TzGI

    — Salah (@SBatarekh) April 16, 2020

    كرتونتين كيتات فحص صينية بطائرة خاصة من الصين واستقبلها وفد سوري برئاسة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد .. ما معكم حق كان لازم القصر الجمهوري كلو يستقبلها …

    على كل حال كتيرة على هيك نظام مهترئ

    — Ahmad Hassan (@binaasorya) April 16, 2020

    لك انا كل يقهرني انو عاملين استقبال رسمي على كرتونتين و نص 😂😂😂😂😂

    — Salah (@SBatarekh) April 16, 2020

    حكومة الأسد الموقرة هههه تستقدم طائرة من #الصين إلى #دمشق ويشرف عليها نائب وزير الخارجية وتغطية إعلامية كبيرة من أجل كرتونتين تحوي اجهزة فحص درجة الحرارة من اجل فيروس #كورونا.

    ويا صباح الخير… مسخرة المساخرررر

    بزيادة ليس البعزئة، وهيك هيك الصين عينهم ديئة ههههههههه pic.twitter.com/VFGvbzILCs

    — صفوك الشيخ sfouk alsheikh (@sfoukalsheikh84) April 16, 2020

    يعني بدك بشار شخصيا يطلع يستقبل كرتونتين !!!؟

    و الله بشار ازا مو اكثر من اربع كراتين ما بيطلع

    يا رجل هذا ” رئيس جمهورية ” مو طرطور

    — عنفوان رجل (@ifeelsobad1975) April 16, 2020

    8 صور من المساعدات الصينية لسوريا الشبيحة ومافيهن غير كرتونتين الله عليم شو فيهن😂😂😂…طيارة وسيارة شحن وعمال وأستقبال ووفود

    — mahmod alshame (@khaledert51) April 16, 2020

    ههههههههههههه ههههههههههههه ههههههههههههه الصين ترسل للسعودية أطباء وعلماء وترسل لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا ومصر معدات وتجهيزات وترسل لنظام بشار كرتونتين وتقله رجع الفوارغ 😂😂😂😂 https://t.co/hozQjQWjxq

    — الدمشقي🏳️#FSG (@aldmashqei) April 16, 2020

    كرتونتين مساعدات .. من وين جايبينهم من الصيدلية ؟

    ثمن المساعدات 300 دولار وثمن رحلة الطائرة 40 ألف دولار ، ليش البعزأة كنا كلفنا شركة الهرم بالمهمة. https://t.co/wVg6sQEtI1

    — 🇸🇾 mohammad ahmad🇸🇾 (@Assad000000) April 16, 2020

———————————

حرب على الصين؟/ مهند الحاج علي

لم يُخفف فيروس الكورونا من انتشاره بعد، وما زال عديد القتلى يرتفع (في الولايات المتحدة نفسهاأكثر من 670  ألف حالة و34 ألف وفاة)، لكن ورغم ذلك، تلوح في الأفق اليوم مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة،  والصين.

في قلب الحُجة للحملة المقبلة ضد الصين، أنها أخفت انتشار الفيروس في ووهان وحجبت المعلومات عنه، حتى عن “منظمة الصحة العالمية” التي تفرض على الدول ابلاغها بأي حالة طوارئ صحية قد تُشكل قلقاً دولياً. وفقاً لهذه الرواية الأميركية، لم تُبلغ الصين عن وجود الوباء سوى بعد مضي أسابيع على رصد أولى الحالات، وبالتالي تتحمّل مسؤولية على المستوى الدولي. بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن الصين مصدر الفيروس، وهي أيضاً مسؤولة عن تحوله إلى وباء ومن ثم لجائحة لم تصل إلى ذروتها بعد في أنحاء العالم. في المقابل، ترى الصين أنها أبلغت المنظمة الدولية حين معرفتها بالوباء المحلي، ولم تخف معلومات في هذا الصدد، بل نشرت التسلسل الجيني للفيروس للإسهام في إيجاد لقاح ودواء سريعاً.

في هذا السياق، ليس مهماً إن كانت الصين أو الولايات المتحدة على صواب أم خطأ. ذاك أن قطار المواجهة انطلق من أسس مختلفة، أولها معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحرف الانتباه عن تقصير لترامب في مكافحة الجائحة واغلاق البلاد مبكراً. حاصرت هذه الجائحة الإنجازات الاقتصادية للرئيس الأميركي خلال السنوات الماضية، من أرقام البطالة، إلى الأسواق المالية، إذ تتجه البلاد الى انكماش اقتصادي نتيجة الاغلاق العام. يُضاف الى ذلك أن ادارة ترامب للجائحة لم تحظ بأي اشادة، بل بانتقادات، في حين أشادت منظمة الصحة العالمية بالتعامل الصيني معها، ما دفع الإدارة الأميركية الى تجميد تمويلها (15 بالمئة من موازنة المنظمة).

لكن فريق ترامب اليوم يعمل باتجاه اثارة الأزمة مع الصين، وإظهار خصمه الديموقراطي جو بايدن كقائد مهادن وربما متواطئ مع خطر خارجي يُهدد الولايات المتحدة. وتسير واشنطن باتجاه اثارة نظريات مؤامرة حيال الصين، إذ أومأت الإدارة وفقاً لشبكة “سي أن أن” الأميركية، بفتح تحقيق في احتمال نشوء عدوى فيروس الكورونا من أحد المختبرات الصينية. يُوحي التحقيق وموجة الاتهامات المرافقة له، بأن الصين أعدت الفيروس في مختبر ثم أطلقته ليشل الاقتصاد الأميركي. في السياق ذاته، فتحت الإدارة الأميركية الباب أمام دعاوى قانونية ضد الصين لمطالبتها بتعويضات مالية عن أضرار الفيروس. هذه الدعاوى ستُمثل عراقيل طويلة الأمد أمام تعافي العلاقات الأميركية-الصينية.

نقطة الانطلاق الثانية لهذه المواجهة كانت الدعاية الصينية نفسها. بيد أن الصين أطلقت أولاً اتهاماً مؤامراتياً ضد الولايات المتحدة الشهر الماضي، بأن الفيروس من صناعة مختبر عسكري أميركي (بعدها، بدأ الرئيس الأميركي ووزير خارجيته مايك بومبيو بتسمية “كوفيد-19” بالفيروس الصيني).

والدعاية الصينية طاولت أيضاً نقطة حساسة جداً، وهي “نجاح النموذج” الصيني في مكافحة الفيروس في مقابل فشل أميركي وأوروبي في احتوائه. وهذه الادعاءات وما صاحبها من تبرعات صينية بمواد طبية كالفحوص والأقنعة، بغض النظر عن الجدل حول فاعليتها، أثارت استياء واضحاً في العالم الغربي وشعوراً بقوة لم تكن بهذا الوضوح سابقاً.

وهذا الانتباه الى فائض القوة الصينية، ليس أميركياً فحسب، بل تُعبر عنه رغبة أوروبية (تحدث عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، في تخفيف الاعتماد على الصين عبر تعزيز الصناعات المحلية. بعض الإجراءات الحمائية كفيل بالتخفيف من صادرات الصين، وهو مناسب سياسياً في ظل عصر جائحة الكورونا وصعود قوى اليمين في أنحاء العالم الغربي.

يبقى أن المواجهة تلوح في الأفق، وأن العالم سيشهد بعد تراجع هذه الجائحة، موجة سلبية ضد الصين، يقودها ترامب، مع تصعيد لا يُعرف مداه، اقتصادياً وسياسياً، ولا بد أن تتخلله صراعات بالوكالة.

المدن

————————–

——————————

“كورونا” والمخيمات: لماذا على اللبنانيين واللاجئين التعاون؟

تُعامل الحكومة الفلسطينيين بطريقة مختلفة عن المواطنين اللبنانيين، إذ تعتبرهم مجرد أشخاص هامشيين، ويشكّلون عبئاً وتهديداً، على رغم أن الفايروس نفسه لا يعرف مثل هذا التمييز.

بذل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان كل ما في طاقتهم لمنع انتشار الفايروس في المخيمات، بيد أن الأشخاص العاديين لا يستطيعون فعل الكثير في غياب الدعم المنظم الذي تقوده الدولة. تُعامل الحكومة الفلسطينيين بطريقة مختلفة عن المواطنين اللبنانيين، إذ تعتبرهم مجرد أشخاص هامشيين، ويشكّلون عبئاً وتهديداً، على رغم أن الفايروس نفسه لا يعرف مثل هذا التمييز. وعلى هذا، فإن الخوف الذي يشاطره اللبنانيون والفلسطينيون من تفشي مرض “كوفيد-19″، والذي من شأنه أن يدمّر المخيمات وينتشر خارجها، بات احتمال حدوثه أكبر في غياب استجابة موحدة ومتسقة.

لعل آخر ما يحتاج إليه أي شخص في لبنان، فضلاً عن اللاجئين هو ظهور أزمة صحية عامة. ففي الوقت الذي سجلت فيه لبنان أول حالات الإصابة بمرض كوفيد-19، لم يجلس المقيمون الفلسطينيون مكتوفي الأيدي في انتظار المساعدة. فقد بدأت “جمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية” في مخيم شاتيلا بعد أيام توزيع آلاف الكمامات، وفحص درجات الحرارة في المدارس، ورش المطهرات في مختلف أنحاء المخيم. كما بُذلت جهود مماثلة في المخيمات وأماكن التجمعات في جميع أنحاء لبنان، إضافة إلى حملات التوعية حول النظافة الشخصية، والتباعد الاجتماعي وتجنب التواصل الجسدي، والبقاء في المنزل.

لم تقتصر هذه الجهود، التي غفل عنها لبنانيون كثيرون، على الفلسطينيين فقط. فقد عملت منظمات المجتمع المدني اللبنانية بلا كلل للتصدي لهذه الأزمة الأخيرة. قال فلسطيني يقيم في مخيم الرشيدية للاجئين، “لأننا نعيش جميعاً على الأرض ذاتها، فثمة أشياء كثيرة توحدنا”. مضيفاً “كلنا متأثرون بما يحدث في هذا البلد، ولا نثق في النظام لحمايتنا بالقدر الكافي”. ففي حين ينتاب اللبنانيون القلق من الدولة، يبدو أن الوضع بالنسبة إلى الفلسطينيين أكثر مدعاةً للقلق.

فقد أظهر المقيمون في المخيمات قدراً كبيراً من البراعة والمبادرة، وذلك لأسباب كثيرة، أقلها أنهم لطالما اضطروا إلى سد الثغرات التي خلفتها القيادة الفلسطينية الضعيفة، والخدمات الأساسية الرديئة، والدولة المضيفة التي تمارس التمييز ضدهم بطرائق شتى، على غرار منعهم من ممارسة الكثير من الأعمال المتخصصة المحترفة، ورفض منحهم مزايا الضمان الاجتماعي الوطني، وحرمانهم من حقوق الملكية. وعلاوة على هذه المعوقات الهيكلية، اضطر الفلسطينيون في السنوات الأخيرة إلى التكيف مع تدفق اللاجئين من سوريا، الأمر الذي زاد من كثافة المخيمات المكتظة بالفعل، بينما تحولت برامج المساعدات إلى سكان آخرين بحاجة إليها.

في هذه الأثناء، واجهت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، نقصاً في التمويل، وهي تعاني الآن من عجز يتجاوز 50 مليون دولار. فضلاً عن أن الانهيار الاقتصادي في لبنان كان سبباً في تفاقم الأوضاع، فاضطرت شركات صغيرة كثيرة إلى إغلاق أبوابها، وتعطيل مشاريع البناء التي اعتمد عليها الكثير من الفلسطينيين من أصحاب العمالة غير المنتظمة، وتفاقم معدّل البطالة الذي خرج عن زمام السيطرة بالفعل. أما برنامج شبكة الأمن الاجتماعي التابع لمنظمة الأونروا، الذي يُقدم للمعدومين من الفقراء 130 دولاراً سنوياً فقط، توزع بالليرة اللبنانية، فقد تقلص لأقل من نصف قيمته السابقة تقريباً.

على رغم الصعوبات المالية التي تواجهها “الأونروا”، لا تزال تكاليف اختبار اللاجئين الفلسطينيين وعلاجهم تقع على عاتقها، وبدعمٍ من السفارة الفلسطينية. فإضافةً إلى وضع بروتوكولات الاستجابة في المخيمات، تجهز “الأونروا” أيضاً مركزاً للحجر الصحي لاستقبال المرضى الذين ينتظرون نتائج اختباراتهم أو من كانت نتائجهم إيجابية ولا تستدعي حالاتهم الدخول إلى المستشفى. لكن ما زال التحرك في هذا الاتجاه بطيئاً، وفي حال تفشى الوباء فلن يكون مركز واحد للحجر الصحي كافياً.

وعلى رغم تعهد الحكومة بحصول جميع الأجانب على فرص متكافئة للاختبار والعلاج في المستشفيات العامة، فإن الوفاء بمثل هذا الوعد يستلزم زيادة الطاقة الاستيعابية الحالية بدرجة كبيرة. وقد بدأت الاستثناءات تظهر بالفعل مع انتشار تقارير تشير إلى عدم السماح بدخول العمال المهاجرين غير المسجلين إلى المستشفيات العامة ووفاة امرأة سورية في إحدى الحالات بمرض غير معلوم بعد رفض الكثير من المستشفيات في شمال لبنان استقبالها.

في الوقت نفسه، أصبحت تدابير الحجر في المخيمات ارتجالية، مع ترك مسؤولية تأمين الأحياء الفلسطينية لسكانها أنفسهم، وتكون عملية تطبيق الإغلاق التام غير مكتملة بالضرورة في أحسن الأحوال، بخاصة في المناطق المكتظة حيث تعيش أسر كاملة متكدسة تحت سقف واحد. وتُفاقم الضغوط الاقتصادية الأوضاع، إذ يعني البقاء في المنزل التضور جوعاً لبعض الفلسطينيين.

لخص أحد العاملين في “الأونروا” المأزق قائلاً، “قالوا لنا: تخافون من موتنا بسبب كورونا، لكننا سنموت جوعاً أولاً”. صحيح أن شبكات التضامن بدأت المساهمة، لكن لا يسعها تعويض الخسائر بالكامل. يسأل مدير إحدى المؤسسات الفلسطينية غير الحكومية في مخيم البداوي، “يتبرع من لديهم دخل إضافي بما يقدرون عليه، لكن إلى متى سيواصلون القيام بذلك؟ حتى الأصدقاء والأقارب في الخارج الذين يرسلون الحوالات عادة، يعانون من مشكلاتهم الخاصة حالياً”.

في نهاية المطاف يعتبر العزل رفاهية. فمع تفاقم أوضاعهم، خرق الكثير من الفلسطينيين الحجر بالفعل وعادوا إلى العمل. وبالنظر إلى مستويات الفقر والبطالة المرتفعة، على الحكومة زيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات أو توفير شبكة آمنة للمحتاجين، لأن التضحية بالفقراء لن تساهم إطلاقاً في احتواء انتشار الوباء. مع ذلك بدأ كثر من السياسيين إشاعة الخوف: فقد دعا سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، الحكومة إلى إعلان تدابير ضد المخيمات الفلسطينية (التي تأوي الكثير من اللبنانيين أيضاً)، تتمثل في إغلاق المخيمات ورفض السماح لأيٍّ كان بالدخول أو الخروج منها. لا تعد مثل هذه التصريحات عنصرية فحسب بل وتأتي بنتائج عكسية أيضاً، مع إمكان إخفاء المقيمين في المخيمات أعراض مرضهم خوفاً من الانتقام من مجتمعهم بأكمله وليس منهم وحدهم فحسب.

 بدلاً من إثارة المخاوف والتوترات الطائفية، على الحكومة اللبنانية التأكد من أن المستشفيات لديها القدرة على استيعاب من يتوافدون إليها ومن بينهم الفلسطينيون. الطريقة الوحيدة لاحتواء مرضٍ لا حدود له مثل كوفيد-19، تتمثل في اتباع نهج موحد ودقيق ومنهجي، نهج غير عنصري، مثله مثل الفايروس.

هذا الموضوع مترجم عن synaps.network ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.synaps.network/post/lebanon-camps-palestinian-refugees-corona

درج

——————————-

الواقع الافتراضي يخفف من وطأة عزلة كورونا

منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى الخيار الأول لأولئك الذين لا يريدون الانفصال عن محيطهم الاجتماعي أثناء البقاء في المنزل في فترة العزل الصحي.

نيويورك ـ فرضت التدابير المتخذة في جميع أنحاء العالم لمنع انتشار فايروس كورونا على مناحي الحياة حول العالم، واقعا جديدا تدور أنشطته في “الواقع الافتراضي”.

ففي ظل التزام كثير من سكان العالم بمنازلهم ضمن إطار التدابير المتخذة لمنع انتشار الفايروس، بدأ كثيرون في قضاء مزيد من الوقت أمام شاشات الأجهزة الذكية لتلبية احتياجاتهم المعيشية والتعليمية والاجتماعية والتجارية.

وفي الوقت الذي لا يزال فيه وباء كورونا يؤثر على العالم كله، يطالب المسؤولون والخبراء الحكوميون مواطنيهم الالتزام بـ “البقاء في المنزل” من أجل مكافحة فعالة أكثر لانتشار كوفيد-19وأدانتشار الفايروس في معظم أرجاء العالم، إلى تزايد الاهتمام بأنماط العمل من المنزل والتواصل عن بعد، فيما تعاظمت أهمية الشاشات الذكية لكونها نوافذ تمكن الأفراد من العمل عن بعد وقضاء أوقات ممتعة في المنازل.

وازداد استخدام الأجهزة الذكية بشكل ملحوظ مقارنة بفترة ما قبل الجائحة العالمية، وتحولت الهواتف المحمولة والكمبيوتر المستخدمة في العمل عن بعد إلى أجهزة تلعب دورا حيويا خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى أجهزة التلفاز المستخدمة في عملية التعليم المنزلي.

وتحولت منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى الخيار الأول لأولئك الذين لا يريدون الانفصال عن محيطهم الاجتماعي أثناء البقاء في المنزل.

وقد أدى ارتفاع رغبة الشعوب في معرفة مجريات الأحداث و تتبع أخبار الوباء، إلى مزيد من الإقبال على متابعة قنوات التواصل الاجتماعي.

تواصل عن بعدتواصل عن بعد

وكشف تقرير صادر عن مجلة الأعمال اليوم (Business Today) الأميركية، أن 75 بالمئة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقضون كثيرا من أوقاتهم على مواقع وتطبيقات مثل فيسبوك وتويتر وواتس آب، بعد تطبيق تدابير منع انتشار جائحة كورونا.

ووفقا للتقرير الذي نشرته المجلة، فإن عدد الساعات التي يقضيها مستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي في الهند قد تجاوزت الـ 4 ساعات يوميًا في هذه المرحلة، ما يقابل زيادة بنسبة 87 في المئة مقارنة بفترة ما قبل انتشار الوباء.

وتفشي كورونا الذي يؤثر على العالم بأسره، ألزم الكثير من المؤسسات والمنظمات والشركات، وخاصة الكبيرة منها، بتشجيع موظفيها على العمل من المنزل.

ومن أجل تنسيق العمل بين الموظفين وعدم الوقوع في المشاكل، تفضل هذه الشركات استخدام برامج وتطبيقات “الدوائر التلفزيونية المغلقة”، للمحافظة على فاعلية العمل بالتواصل بين الموظفين والمدراء.

وخلال الفترة ما بين 14-21 مارس الماضي فقط، أي مع تكثيف إجراءات العزلة الاجتماعية حول العالم في إطار تدابير مكافحة انتشار الوباء، تم تحميل العديد من تطبيقات “الدوائر التلفزيونية المغلقة” مثل Hangouts Meet وTeams وCloud Meetings أكثر من 62 مليون مرة من متاجر App Store ومتاجر تطبيقات Google Play حول العالم.

في حين زادت أعداد التحميل بنسبة 45 في المئة مقارنة بالأسبوع السابق، فقد زاد بنسبة 90 في المئة فوق المتوسط مقارنة بالأسابيع المماثلة من العام 2019.

وفي الوقت الذي يؤثر فيه تفشي كورونا على جميع القطاعات، فإنه يخلق صعوبات مضاعفة بالنسبة للعاملين في مجال الإعلام. حيث بدأ الصحفيون، الذين يواصلون توعية الجمهور رغم الظروف الخاصة في معظم أنحاء العالم، إجراء مقابلاتهم الاعتيادية وتأدية واجباتهم الإعلامية من أجل نشر الوعي في المجتمع.

———————————

ما معنى “ما قبل كورونا وما بعدها”؟/ خالد حاجي

حاولت أن ألجم ذاتي عن الخوض في موضوع وباء كورونا الذي ألمّ بنا، وذلك لاعتبارات شتى، منها أنني لم آنس من نفسي قدرة على فهم ما يجري من حولنا. فنحن أمام أحداث تتسارع بوتيرة كبرى، أسرع مما يمكن للعقل أن يستوعبه.

وعجبت من أمر كثير من مثقفينا -ونحن نعيش وضع الانجحار- كيف يسارعون لاستخلاص العبر والدروس مما يحدث؛ منهم من يتساءلون عن دور الفن والفنانين في أوقاتنا العصيبة، يريدون بذلك الإعلاء من شأن الدعوة والدعاة؛ ومنهم من يلمز بالمنظومة الدينية التقليدية، يشير إلى عجزها عن مسايرة العصر والانخراط في البحث عن اللقاح. ومنهم فئة ثالثة ترى فيما يحصل مؤامرة يوشك من قام بحبك خيوطها على إحكام قبضته على العالم.

والواقع أنني ما زلت أقر بعجزي عن فهم ما يجري؛ إلا أني -عند التأمل- أجدني أتمثل قول الشاعر العربي القديم:

سوف ترى إذا انجلى الغبار ** أفرس تحتي أم حمار

فوجه الشبه بيننا وبين هذا الشاعر هو أننا محاطون بغبار كثيف يحجب عنا رؤية مطايانا، ولو أن الشاعر -على خلافنا- يتحدث بلغة الوثوق، ويعرف أن انجلاء الغبار سيجلي للناظر أنه يمتطي فرسا. أما نحن؛ فيبدو أننا لسنا واثقين إلا من شيء واحد، هو أن زمن ما بعد كورونا لن يكون كزمن ما قبلها. أما موقعنا في هذا الزمن القادم ومكانتنا تحت شمس الغد فلا يعلمهما إلا الله.

وإن تعجب فعجب كيف شاعت فكرة “ما قبل كورونا وما بعدها”، وأحكمت قبضتها على العقول كمسلمة يُبنى عليها كل نقاش، ويتأسس عليها كل تفكير. لماذا يُفترض أن يكون العالم ما بعد هذا الوباء بالضرورة مختلفا عما كان عليه قبله؟ ما الذي تغير؟ صحيح أنه بالإمكان أن يقوم هذا الادعاء على استقراء لتاريخ الأوبئة، كأن يقول القائل بأن كل الأوبئة غيرت معالم الدنيا، وأرست دعائم أنظمة حضارية وعلاقات دولية جديدة.

لكن يصعب على المؤرخين إثبات أن البشرية أثناء الأوبئة السابقة كانت -وهي تحارب من أجل البقاء- تحتكم إلى نفس المسلمة التي نحتكم إليها اليوم، تعي مسبقا أن عالم ما قبل الوباء سيكون مختلفا عن عالم ما بعد الوباء.

أذكر أنني كتبت مقالة قبل سنوات تحت عنوان “الرمز المفقود أو زمن ظهور الباطنية”، والمقالة عبارة عن قراءة في رواية دان براون “الرمز المفقود”. ما أثارني في الرواية حينها هو حديث دان براون عن مختبر يعنى الساهرون عليه بالاشتغال على الأفكار، يرومون بلورة الفكرة الأقوى التي تملك أن تجرّ العالم، وتحدد وجهة الفعل الإنساني فيه.

وتجدني اليوم أتساءل: ألسنا -ونحن نسلم بفكرة “ما قبل كورونا وما بعدها”- أمام أقوى فكرة على وجه الأرض، تعيّن وجهة التفكير الإنساني وتحجب عنه آفاق النظر الأخرى! ويخيل إليّ أن فكرة “ما قبل كورونا وما بعدها” تحضّر العقول للقبول بحتميات جديدة لا سبيل إلى دفعها.

من البواعث التي دفعتني إلى كتابة هذه الأسطر مقالةُ هنري كيسنجر التي اختار لها عنوان: “وباء كورونا سيغيّر العالم إلى الأبد”. وقد استوقفتني في هذا المقال جملة واحدة، بُنيت على مسلمة أن عالم ما بعد كورونا سيكون إلى الأبد مختلفا عن عالم ما قبلها، وهذه الجملة تقول: “إن الوباء أفرز لنا مفارقة تاريخية، وهي إحياء المدينة المحاطة بالأسوار (ويقصد بها هنا الدولة ذات الحدود المغلقة) في زمن يتوقف فيه الرخاء على التجارة العالمية وتنقّل الشعوب”.

تتضمن هذه الجملة دعوة إلى إعمال العقل الإستراتيجي قصد رفع التناقض بين حاجة الدول إلى الانكماش على ذاتها، بعيدا عن منطق العولمة الاقتصادي المسوِّغ للانفتاح، وبين حاجتها إلى تجارة عالمية قوامها تنقّل الشعوب. فهذه معضلة حقيقية؛ حيث يستحيل رفع إحدى الضرورتين أو الحتميتين، كأن نفتح حدود الدولة، أو نوقف تنقل الشعوب.

ولا إِخالُ حلَّ هذه المعضلة يغيب عن هنري كيسنجر، وهو رجل الإستراتيجية المحنك. إنه يقول باستحالة أو صعوبة التفكير في مسألة السلطة والشرعية الآن ونحن في زمن الوباء، لكنه -في الوقت نفسه- يؤكد ضرورة صيانة قيم الأنوار، مناديا جميع الأطراف بالتحلي بالصبر وضبط النفس. نلمس من هذا الحديث ضربا من الخلط المتعمد الذي يراد منه استدراج القراء إلى التفكير في مستقبل أميركا والعالم المتنور الإستراتيجي، انطلاقا من حالة الطوارئ التي فرضها الوباء.

وهذا أمر لا يستقيم؛ فلو صح أن الوباء يشمل العالم كله، ولا يعترف بالحدود الجغرافية، وأن مكافحته تقتضي تضافر جهود الجميع وتعاونهم؛ فلماذا لا يصح أن يكون الوباء فرصة لفكر إستراتيجي جديد، يوطد دعائم نظام دولي يعي المخاطر المحدقة بالإنسانية، ويستحث الجميع على نبذ الخلافات السابقة لبدء صفحة جديدة! أقل ما يمكن أن يقال هو أن في كلام كيسنجر لبساً وغموضا كبيرين.

فالراجح عندنا أن مطلوبه ومطلوب الفكر الإستراتيجي الجديد -المسكوت عنه- هو تثبيت قوائم نظام هجين (Hybrid) يقوم على التوليف بين الدولة المتحيزة داخل الحدود الجغرافية التقليدية، وبين سوق كونية افتراضية تُبقي على حق الشعوب في التنقل الافتراضي قائما.

من الآن فصاعدا؛ سيكون طلب الرخاء مقترنا بشرطين اثنين: الشرط الأول هو وجود دولة بمواصفات ليبرالية، تقليدية وصلبة في نفس الآن، غير الدولة في أزمنتنا السائلة كما يسميها زيكمونت باومان؛ والشرط الثاني هو سوق افتراضية تخترق جميع الحدود.

وبهذا يكون وباء كورونا قد غير ملامح العالم إلى الأبد، أو يكون فرصة للإعلان عن ميلاد عهد جديد، تتنافس أو تتصارع فيه الدول الليبرالية/الصلبة -التي تستمد صلابتها من حالة الطوارئ- حول سوق أو أسواق كونية افتراضية.

عند التأمل؛ نجد أننا في الحجر الصحي الذي نعيشه اليوم -اتقاءً للإصابة بفيروس كورونا- لا نطلب إلا شيئين اثنين: سلّة مؤونة تضمن لنا الأكل والشراب، ووسائل التواصل مع العالم الخارجي، بمعنى آخر الإنترنت ولوازمه. وكأننا بالحجر المفروض على العالم، إذ يقوي دعائم التواصل عن بعد، والتعليم عن بعد، والعمل عن بعد، إنما يقوض ما تبقى من أسس الفضاء العمومي الديمقراطي التقليدي، تقويضا قد يسهل معه التمكين لإستراتيجية السوق الافتراضي في عالم الغد.

لماذا لا تفكر الشعوب -كما يفكر كيسنجر- في بلورة إستراتيجية ما بعد كورونا؟ كأن تقول مثلا: نريد أن نخرج من جحورنا لنجد عالم ما بعد كورونا عالما متخلِّقا، متراحما، يستصغر حياة الرغد، ترشد معه حركة الإنسان في الكون، يعمّه التآزر المجتمعي، يُكبح فيه جموح المضاربة المالية، يقلّ فيه التلوث، يلتفت فيه الإنسان إلى الضروريات أكثر من حرصه على الكماليات، نعيد فيه ترتيب علاقاتنا الأسرية على وجه أفضل، وترتيب العلاقات الدولية على وجه يضمن تعاون الشعوب على المصلحة المشتركة؟

لن يكون هذا الأمر ممكنا مع تصلب الدولة الليبرالية المتاجرة وهيمنتها على الفضاء الافتراضي. في مرحلة ما قبل كورونا؛ كانت الهجنة تسمح بالتفكير من داخل الفضاء الافتراضي، ثم النزول إلى الفضاء العمومي الجغرافي.

أما ما بعد كورونا؛ فستتحكم الدولة الليبرالية/الصلبة في مقاليد السلطة لتوجيه الذكاء الجمعي داخل الفضاء الافتراضي، وذلك اعتمادا على تمكنها من الذكاء الاصطناعي، ذكاء يوسع للفكرة التي يريدها، ويضيق على الفكرة التي لا يريدها، ذكاء يتصارع من أجل الحصول على الفكرة الأقوى والأطول والأكثر تأثيرا في الواقع الكوني.

أجدني هنا أكرر ما كتبته -في مقالة سبق نشرها قبل سنتين- بعيدا عن أجواء مقولة “ما قبل كورونا وما بعدها”؛ قلت فيها التالي: “يخيّل إلينا -لأول وهلة- أن الأمر بسيط، نعتقد أننا نسير باتجاه نظام دولي جديد أساسه المحوران: الأميركي الديمقراطي، والصيني اللاديمقراطي. والواقع أنه على بساطته الظاهرة؛ فإن الأمر يبدو لنا أعقد بكثير عند تقليب النظر. إذا كانت الشعوب في العالم العربي الإسلامي -ومعها حتى شعوب أوروبا- تتدحرج بين هذين النموذجين، تتردد على أي الجنبين تميل، فهذا دليل على فقدان الوجهة، وتأشير على انهيار كل نماذج السلطة التقليدية، ديمقراطية كانت أو لاديمقراطية.

إن ما يحصل اليوم -على الحقيقة- هو أن التطور التكنولوجي الرقمي الرهيب ساهم في تفكيك بعض الأسس التي انْبنى عليها النظام القائم على ثنائية الديمقراطية وضدها؛ وصار بالمقابل يفرز لنا نظاما جديدا لم تتحدد ملامحه الكبرى بعدُ، اللهم إذا استثنينا كونه نظاما لا يكترث بحكم الشعوب لذاتها، بقدر ما يزعم أنه يكترث بحكم الأفراد لذواتها”.

فالظن عندي -والله أعلم- أن هذا الوباء الذي ألمّ بنا، والذي نرجو الله أن يرفعه عنا، وندعو الناس إلى الالتزام بالإجراءات الصحية لمكافحته؛ قد يجد فيه كثيرون فرصة لتثبيت إستراتيجيات مستقبلية شنيعة، ووجه الشناعة فيها هي جرأة المبشرين بها على الكلام في سبل تحقيق الهيمنة، وكأننا نخرج من حرب بيننا، والأصل أننا نحارب الوباء مجتمعين، وأن في اجتماعنا هذا ما قد يسهّل استشراف مستقبل بملامح أخرى، مستقبل تخف فيه وطأة الصراعات الموروثة.

ومع هذا؛ فيجب ألا ينقطع رجاؤنا في أن تتخذ الشعوب الخلوة -التي فرضها الوباء علينا- فرصة للتأمل في أبعاد فاتنا التنبه إليها من قبلُ، في مسار الحضارة الإنسانية، في مستقبل العلم والعالم، في علاقتنا بالحياة والموت، في جدوى كثير من حركاتنا وسكناتنا، وفي معاني الوجود الكبرى.

————————-

واشنطن بوست: استعدوا لأضرار جانبية مدمرة لفيروس كورونا

جاءت افتتاحية واشنطن بوست اليوم بعنوان “استعدوا لأضرار جانبية مدمرة مثل الفيروس”. ووصفت الصحيفة جائحة فيروس كورونا المستجد بأنها أشبه بموجة عاتية عمت شعوبا بأكملها بسرعة فائقة، لكن الذي لم يُر منها بعد هو الأضرار الجانبية الهائلة على الصحة العالمية.

فهذه الجائحة تجعل من الصعب أو المستحيل مكافحة أوبئة مثل الحصبة وشلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا التي سببت الموت والمعاناة حتى قبل فيروس كورونا، وسوف تجلب الآن المزيد وأثرها قد يصبح مدمرا لكل ما في طريقها مثل الموجة العاتية.

وذكرت الصحيفة أن البحث المستمر منذ عقود للقضاء على شلل الأطفال، الذي اقترب من النجاح، قد توقف الآن لمكافحة الفيروس الجديد لأن موارد وأصول المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال تُحول الآن لمواجهة هذا الوباء، وهو ما يعني أن مزيدا من الأطفال سيعانون في غضون ذلك.

وضربت مثلا بأن عدد حالات شلل الأطفال البري في الدولتين المتبقيتين -أفغانستان وباكستان- كان قد انخفض إلى 33 حالة في عام 2018 ثم ارتفع إلى 175 في عام 2019. ومع تعليق حملة التطعيم ستزيد حالات شلل الأطفال البري وقد تنتشر إلى بلدان أخرى.

وفي غضون ذلك أيضا، أفادت مبادرة الحصبة والحصبة الألمانية، وهي شراكة عالمية لوقف الحصبة، أنه بسبب التوقف المؤقت في حملات التطعيم الشاملة فإن أكثر من 117 مليون طفل في 37 دولة قد يفقدون تلقي تطعيم الحصبة هذا العام.

وهذه نكسة كبيرة عندما انفجرت حالات الحصبة في جميع أنحاء العالم وأودت بحياة أكثر من 140 ألف شخص في عام 2018، معظمهم من الأطفال دون الخامسة.

وألمحت الصحيفة إلى تقرير لها من أفريقيا وجنوب آسيا بأن فيروس كورونا المستجد سيؤثر على حاملي فيروس نقص المناعة البشرية والسل بشكل غير متناسب. وبما أن السل هو في المقام الأول من أمراض الجهاز التنفسي، مثل كورونا المستجد، فهذا يعني أن أولئك الذين يعانون منه غالبا ما تكون صحة الرئتين عندهم متدنية جدا.

وفيروس نقص المناعة البشرية يسبب فشلا تدريجيا في جهاز المناعة، مما يجعل حامليه أكثر عرضة للوفاة من الإصابات الأخرى. كما أن هناك مخاوف حقيقية من أن جائحة كورونا يمكن أن تعطل أنظمة الرعاية الصحية وتؤدي إلى عودة ظهور الملاريا التي أودت بحياة 405 آلاف شخص على مستوى العالم في عام 2018.

المصدر : واشنطن بوست

—————————-

هجوم جديد من ترامب على “الصحة العالمية”.. وجه لها 3 أسئلة بينها رسالة تحذيرية تجاهلتها

عاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مجدداً، للهجوم على منظمة الصحة العالمية بعد أن اتهمها في وقت سابق، بتجاهل خطورة المرض وبث معلومات غير دقيقة، ساهمت في تفشي فيروس كورونا، بحسب الرئيس الأمريكي، الذي أعلن تجميد دعم بلاده المالي للمنظمة.

ترامب أعاد، الجمعة 17 أبريل/نيسان 2020، نشر معلومات نشرها خبير سياسي وأكاديمي أمريكي في وقت سابق من هذا الأسبوع، وهي عبارة عن 3 أسئلة وجهها الباحث بمعهد هوفر لانهي تشين، في مقال نُشر على موقع محطة فوكس الإخبارية الأمريكية، الثلاثاء.

ثلاثة أسئلة من ترامب: جاء في التغريدة التي تضمنت ثلاثة أسئلة: “لماذا تجاهلت منظمة الصحة العالمية رسالة بريد إلكتروني من مسؤولي الصحة التايوانيين في أواخر ديسمبر/كانون الأول، لتنبيههم إلى احتمال انتقال فيروس كورونا بين البشر؟”.

كما تضمنت التغريدة أيضاً تساؤلاً آخر هو: “لماذا قدَّمت منظمة الصحة العالمية عديداً من الادعاءات حول فيروس كورونا وتبين أنها غير دقيقة أو مضللة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، مع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم؟”.

أما السؤال الثالث فكان يتعلق بالسبب الذي دعا منظمة الصحة العالمية إلى الانتظار طويلاً قبل اتخاذ إجراءات حاسمة.

مضمون الرسالة التي أرسلتها تايوان: في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، أرسلت تايوان رسالة إلكترونية تشير إلى انتقال العدوى من شخص لآخر، وهو الأمر الذي لم تؤكده الصين ومنظمة الصحة العالمية لأسابيع.

قال البريد الإلكتروني التايواني: “تشير مصادر الأخبار إلى أن ما لا يقل عن سبع حالات من حالات الالتهاب الرئوي تم الإبلاغ عنها في ووهان، الصين… ردَّت سلطاتهم الصحية على وسائل الإعلام بأن الحالات لا يُعتقد أنها سارس، ولكن العينات لا تزال قيد الفحص، وتم عزل الحالات للعلاج”.

ردَّت منظمة الصحة العالمية على تايوان، هذا الأسبوع، قائلةً: “نحن على علم فقط برسالة إلكترونية واحدة لا تذكر انتقال العدوى من شخص لآخر”. تم إرسال بريد إلكتروني من تايوان في اليوم نفسه الذي حذَّرت فيه الصين منظمة الصحة العالمية من المرض الغامض في ووهان.

كيف ردَّت الصين؟ قال تشاو لي جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الجمعة، إنه لم يحدث مطلقاً أي تعتيم بشأن تفشي فيروس كورونا في الصين/، مضيفاً أن الحكومة لا تسمح بذلك.

جيان قال للصحفيين في إفادة يومية، وفق ما ذكرته وكالة رويترز، إن مراجعة إجمالي الإصابات في ووهان، التي ظهر بها المرض لأول مرة في نهاية العام الماضي، كانت نتيجة تدقيق إحصائي لضمان الدقة، مضيفاً أن المراجعة ممارسة عالمية شائعة.

كما راجعت السلطات الصحية في ووهان، الخميس، إجمالي الوفيات وعدَّلتها بالزيادة بنسبة 50% إلى 3869 شخصاً، لتدارُك ما وصفته بالتقارير الخاطئة والتأخير في الإبلاغ عن الوفيات، وغيرها من أوجه التقصير.

بينما شكك البعض علناً، ومنهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في دقة إعلانات الصين بشأن نطاق الوباء في البلاد.

إعادة التمويل بشرط! فقد كشفت وسائل إعلام أمريكية، الجمعة، أن نواباً جمهوريين في الكونغرس الأمريكي دعوا إلى أن تكون عودة تمويل واشنطن لمنظمة الصحة العالمية مشروطةً باستقالة مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي يتهمونه بأنه “فشل” في الاستجابة لجائحة فيروس كورونا.

غير أن ذلك لا يتوافق مع التوجه العام في أغلب دول العالم التي رفضت “ابتزاز” الرئيس الأمريكي للمنظمة، خاصة في الظرفية الحالية التي تقتضي توفير جميع الإمكانات لمواجهة فيروس كورونا.

إذ عبَّر المسؤولون في كثير من الدول “الحليفة” لأمريكا، كفرنسا وألمانيا واليابان، عن رفضهم قرار ترامب تعليق الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية.

كما قالت صحيفة  The Guardian البريطانية، الخميس 16 أبريل/نيسان، إن زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أعربوا في اجتماع بوجود ترامب، الذي بقي وحيداً، عن دعمهم القوي لمنظمة الصحة العالمية بعد قطع واشنطن تمويلها.

بينما قال البيت الأبيض في بيان له عن الاجتماع، إن زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى دعوا إلى عملية مراجعة وتصحيح في منظمة الصحة العالمية، إذ تركز النقاش في الاجتماع، على عدم الشفافية، وسوء الإدارة الحاد لأزمة الوباء من جانب منظمة الصحة العالمية.

————————————————

الوباء العضال/ علي سفر

كنت قد بدأتُ بأرشفة حوادث القرصنة الدولية التي ظهرت مع انشغال العالم بمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا، معتقداً أنها حوادث عرضية، يمكن المرور عليها من زاوية الطرافة على هامش انشغال الدول بأزمة الوباء الراهنة، غير أن تتاليها الصادم وضمن فترة زمنية قصيرة لفت الانتباه إلى أنها ليست مجرد تفاصيل عابرة في السياق!

فمنذ إعلان الإيطاليين قبل ثلاثة أسابيع تقريباً أن دولة التشيك قد استولت على معدات طبية كانت قد أرسلتها الصين لهم، بدأت المياه العكرة بالصبيب في مجرى العلاقات الدولية الراسخة!

حيث أعلن وزير التجارة التونسي محمد المسيليني أن بلاده تعرضت لقرصنة من قبل الإيطاليين أنفسهم حينما استولوا على سفينة تحمل شحنة كحول طبي قادة من الصين!

وفي السياق ذاته أكد رينو موسيليه حاكم إقليم (ألب -كوت دازور) في مرسيليا بفرنسا أن الولايات المتحدة اشترت حمولة طائرة من الكمامات الصينية مباشرة على المدرج، كانت معدّة للإرسال إلى فرنسا.

كما اتهمت ألمانيا، واشنطن بـالقرصنة العصرية، بعد قيام مسؤولين أميركيين في العاصمة التايلاندية بانكوك بمصادرة 200 ألف كمامة وقناع وجه طبي تعاقدت عليها بلدية برلين. وقد سبق لألمانيا أن خسرت شحنة تحوي 6 ملايين قناع “FFP2” بعد أن اختفت في أحد المطارات بكينيا.

ليس هناك ما يدعو لاعتبار هذه التفاصيل مجرد حوادث على الهامش، فوقوعها يجعلها مدخلاً للحديث عن هشاشة القواعد الأخلاقية التي فرضتها أنظمة الحضارة والمدنية السائدة عالمياً، وحمتها الاتفاقات الأممية الراسخة.

فبعد عقود طويلة من حماية هذه القواعد والاتفاقات لمصالح الأقوياء في العالم على حساب الضعفاء فيه، تحسس المسيطرون لإمكانية أن يصبحوا ضحايا للممارسات التي اعتادوا هم أنفسهم على القيام بها في الخفاء، وباتوا مضطرين لأن يقوموا بها ودون حياء على العلن وأمام وسائل إعلام الكوكب كله!

إيقاع اللهاث وراء سبل النجاة بات يتحكم بالجميع، فحتى على المستوى الداخلي لبعض دول العالم المتقدم ثمة انفلات ما أصاب العقل المؤسساتي فدفعه لأن ينقاد إلى ممارسات خارجة عن الأصول، فوقعت حوادث سرقة للمعدات الطبية في غير ولاية ألمانية، وحدث أيضاً أن استولت سلطات إقليم فرنسي على مخصصات إقليم آخر، تحت وطأة الحاجة الماسة إثر ارتفاع معدل الإصابات!

كل ما سبق يعيد النقاش حيال الشرائع الدولية والمحلية المتفق عليها إلى دوائر أولى، كانت تغلق محيطها على جزئيات السؤال الخاص بإمكانية سقوط القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد في مجتمعاتهم، والمؤسسات فيما بينها، والدول مع بعضها بعضاً، لينتكس العالم إلى عصور منفلتة، يأكل القويُ الضعيفَ فيها، دون أن يردعه فيها أحد، ويستولي فيها اللصوص على ممتلكات الآخرين، وتحل شريعة الغاب بين الأفراد، ما يُذكر بظلامية العصور الغابرة، رغم ما بلغه العالم من تقدم حضاري وتقني!

مطالعة كتابات عدد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع عما يجري حالياً في زمن “الكورونا” لا تخرج برؤى متفائلة، بل إن غالبيتها إن لم تبشر بالخراب العام، فإنها تتماهى مع مآسي وكوارث النصف الأول من القرن العشرين؛ حربان عالميتان، أوبئة قاسية كالإنفلونزا الإسبانية والكوليرا، وأزمة اقتصادية كبرى في عام 1929.

وفي المقابل لهذه الرؤى السوداوية المتجهمة، التي تحذر دول العالم من المستقبل في حال لم تقم بالتعاون فيما بينها ضمن أفق إنساني يكرس فيه مفهوم النجاة للجميع وليس للقلة القوية!

ثمة من يسّن سكاكينه ليدخل بها إلى الغابة للصيد، وللحصول على الغنائم الكبيرة، فرأسماليو الكوارث الذين حدثتنا عنهم الباحثة الكندية نعومي كلاين في كتابها المبهر (عقيدة الصدمة)، وعاد الصحفي الأسترالي أنتوني لوينشتاين ليكتب عنهم مؤلفه (رأسمالية الكوارث)، لا يجدون غضاضة في أن يصنعوا الصفقات الصغيرة والكبيرة على هامش إبادة الجماعات البشرية.

ففي الحروب التقليدية تزدهر تجارات الموت، التي تبدأ ببيع القبور والتوابيت، وتمر بالتكسب من الجوع، وبيع الركام والحطام في المدن المدمرة، ولا تنتهي بعقد الاتفاقيات السرية عن تغيير ديموغرافي في هذا البلد، أو عن تفكيك مقومات ذاك البلد!

زمن الحروب والكوارث هو الوقت المناسب لحدوث كل هذا! ولكن ما كان يجري في الخفاء بات حالياً يجري على مرأى العالم كله، دون خشية من أحد! ودون خجل! وهذا هو أخطر ما في الأمر!

تحدث أزمة فيروس كورونا، وبمصادفة عبثية في 2020 في نهاية العقد الأكثر دموية في المنطقة العربية، فقد حلّت فيه كل أنواع الكوارث على سكانها!

فبدأ بنهوض ثورات حالمة ذات أفق إنساني، ولكنه ينتهي حالياً بأرقام مفجعة لعدد الضحايا، بسبب حروب قمع هائلة قادتها أنظمة الثورات المضادة، وبإحصائيات أكبر وأقسى من المعنى المفهوم لكلمة الفجيعة، تتحدث عن بيانات تراجع المستويات المعيشية والاقتصادية والثقافية في عموم بلاد المنطقة.

وضمن هذا المشهد الغرائبي، حيث يسود المرض والجوع والفقر والقمع تحت سمع دول العالم المتقدم التي تواطأت مع الأنظمة ضد الشعوب الثائرة بحجة الحروب المزعومة ضد الإرهاب، لا يجد السوريون ولا الليبيون ولا اليمنيون مروراً بغيرهم من الشعوب المنكوبة أنفسهم في مواجهة كارثة كبرى، لقد عاشوا الموت الحقيقي فعلاً قبل هذا، وليس ذلك الذي ينتمي للبلاغة اللغوية، وغالبية أفراد هذه المجتمعات لا يدرون إن كان طعم الفناء بالمرض العابر والسريع سيختلف عن طعوم ميتاتٍ أخرى مثل التعذيب والرصاص والغاز الكيميائي والصواريخ البالستية والقذائف العشوائية.. الخ.

لم تخجل دول العالم المتفوقة حضارياً وهي ترى المذبحة المستمرة منذ عقد كامل، ولم يكن لديها أي حرج في أن ترعى روسيا والصين -هي دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي-الأنظمة القاتلة لشعوبها.

كما أن غض النظر عما يجري سياسياً وميدانياً كان هو ذاته غض نظر عن استثمار المجرمين في الدمار! حيث إن صفقات كثيرة عقدها سابقاً رأسماليو الكوارث على هامش ما جرى ويجري، جرت أيضاً بلا خجل أو مؤاخذة أخلاقية! فهؤلاء لن ينسوا في غمرة انشغالهم بالصيد والتربح في غابات الدول المتقدمة التي بات الموت فيها عادياً بفعل فيروس كورونا، أن بإمكانهم الصيد أيضاً في سهوب ووديان الشرق الأوسط، فتدمير الحياة ههنا لا يوقف تدفق المال، طالما أن ثمة من يرعى الخراب، فيضخ للأنظمة الفاتكة المال لتعاود إعمال السيف بمواطنيها بالتجاور مع ما يفعله الوباء بهم!

فإذا كانت الانتكاسة الحضارية والإنسانية الراهنة حيث باتت الدول والأقاليم تسرق بعضها، قد عنونها الإعلام حالياً باسم الكورونا كوباء مرضي يمكن علاجه وحتى صناعة لقاح ضده، فإنَّ تجاهل مآسي الشعوب الثائرة وسرقة أحلامها برعاية الدول الكبرى وصمتها هي الوباء العضال الذي لن يشفى منه أحد!

تلفزيون سوريا

—————————————–

عمارة وعمران ومدينة ما بعد جائحة كورونا: تحولات حتمية/ علي الرؤوف

مقدمة: البقاء الإيجابي وتفكير ما بعد الوباء

تغير جائحة كورونا الحالية و بصورة متسارعة، الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها. هل تشير هذه التغيرات إلى تأثيرات طويلة الأمد على تخطيط وعمارة مدننا؟ نعم، ففي وقت من التغير اللا مسبوق وعدم اليقين، نحن نواجه تحديا لإعادة تشكيل رؤيتنا للدور المتكشف تدريجيا للمدينة وللمخططين العمرانيين والمعماريين في عصر أزمة عالمية نتجت عن وباء غير مسبوق. يعتقد البعض ومنهم مجموعة من الاقتصاديين والأكاديميين وصناع السياسات في العالم، أن وباء كوفيد-19 هو فرصة لإصلاح الاقتصاد والبيئة وأسلوب الحياة على المدى الطويل، أنه يخلق فرصاً لدفعٍ ديناميكي في الوضع الراهن وطرح تساؤلات عميقة عن المستقبل وفي كل قطاعات الحياة. كيف سنعيش حقبة ما بعد كورونا؟ ليس فقط تساؤلا وجوديا بل هو بالأحرى مصدر قلق عالمي. إن المرونة والمقاومة الحضرية هي قدرة المدينة على البقاء والازدهار في مواجهة الكوارث. الآن وقت مثالي لإعادة التفكير في كيفية تخطيطنا للمدن وتعمير واستغلال الأحياز المكانية و الأراضي المتاحة في المستقبل وقبل فوات الأوان. عندنا مسؤولية كبيرة في دعوة المخططين في جميع أنحاء العالم للنظر في مستقبل ما بعد كورونا لمناطقنا ومدننا وبلداتنا. وينبغي إثارة نقاش جديد بشأن الخطاب المكاني ومفهوم المحلية والعالمية والحدود. ومن ثم، قمنا في هذا المقال بصياغة عدد من الأفكار التحفيزية والأسئلة لتنشيط النقاش بشأن مستقبل مدننا وعمراننا وعمارتنا. البداية المنطقية هي محاولة التفكير في ما تعلمناه من الدراما التي لا تزال تتكشف بسبب فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من مليون ونصف شخص في جميع أنحاء العالم وتسبب في أكثر من ثمانين ألف حالة وفاة موزعة في أكثر من 200 بلد. ولمناقشة عقلانية، نبدأ بصياغة السؤال الحاسم التالي: كيف يمكن للمدن أن تنجو من الوباء العالمي؟ إنه من الضروري في هذه الفترة من الأزمة أن نقف معا. هذه لحظة يجب أن نعمل فيها معاً ونمضي قدماً معاً. نحن كمجتمع المعماريين والمصممين والمخططين يجب أن نكون الأكثر تفانيًا، وحرصا على تجميع طاقاتنا ومواهبنا وأفكارنا معا لطرح تصورات مستقبلنا. يجب حصر وبلورة الفرص التي يمكن للمدن اغتنامها للعودة أقوى بعد انقضاء  حقبة من الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي غير المسبوق الذي سببه الوباء. ولذلك نطرح الأسئلة المحورية التالية:

 كيف ستتحول المدن إلى نموذج إنمائي جديد؟

كيف ستبني المدن البنية التحتية لتكون مرنة  ومقاومة وعادلة؟

كيف سيواجه الابتكار التحدي وينتح أحياء سكنية جديدة؟

كيف ستقدم العمارة فهما جديدا للفضاءات العامة والخاصة؟

كيف سيتحرك الإنسان في المدينة وكيف سيتواصل في فضاءاتها؟؟

عن المدينة

إذا كانت المدينة هي العالم الذي خلقه الإنسان، فإنها أيضا العالم الذي أصبح محكوما على هذا الإنسان أن يعيش فيه ويواكب تطوراته. المدينة حسب المنظور الإيكولوجي هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر، ففي المدينة تطورت الفلسفة والعلم اللذان يجعلان الإنسان ليس حيوانا عاقلا فحسب، بل حيوانا معقدا مفكرا رفيعا، وبالتالي فالفرد المديني تميز عن الحيوانات الدنيا وعن البدائيين.

“إن المدينة هي أكثر محاولات الإنسان اتساقًا وبشكل أعمّ أكثرها نجاحًا لإعادة تشكيل العالم الذي يعيش فيه بما يتفق بدرجات أكبر مع رغبات قلبه، لكن إذا كانت المدينة هي العالم الذي خلقه الإنسان، فهي بالتالي العالم الذي يتعين عليه العيش فيه. فالإنسان بشكل غير مباشر، ودون إدراك واضح لطبيعة مهمته، قد أعاد أثناء خلقه للمدينة تشكيل نفسه”. مقال المدينة، روبرت بارك – عالم الاجتماع العمراني الأمريكي، جامعة شيكاجو

لقد ناقش العديد من الباحثين الفجوات الاجتماعية وانعدام العدالة المكانية في المدن المعاصرة. على سبيل المثال، استعمل بارك في مقاله “المدينة” مفهومين وهما: المجال الأخلاقي والمجال الطبيعي. وأوضح أن هذه المجالات تشكلت بطريقة اعتباطية وتلقائية بمعنى أنها تنمو بمعزل عن أي استراتيجية أو سياسية للدولة. وهي تخص الأحياء الهامشية والعشوائية؛ هذه المجالات تنتج عن سببين وهما: الضغط الذي يمارسه المركز على الأفراد والإقصاء والتهميش الذي تتعرض له فئات عريضة داخل المجال الحضري. وهذا يعني أن المركز له خصوصياته وله قالبه الخاص، وهو الذي تتوفر فيه الأنشطة الاقتصادية والتجارية. وهذا ما يجعله نقطة جذب بالنسبة للأحياء الأخرى. بالإضافة إلى أن الانتماء إلى المركز يتطلب مكانة اقتصادية مريحة. وبالنسبة إلى بارك هذا المجال الهامشي يصبح مع مضي الوقت مجالا خاصا له تقاليده وعاداته وقيمه الخاصة. ومن هنا، فهذه الفئات تشكل تاريخها المشترك الذي يقوم على ذاكرة جماعية ومشاعر خاصة بها (أكنيك، 2019). إن المجال الطبيعي يتكون من أفراد غير متشابهين ثقافيا ما يجعلهم يعيشون بشكل مشترك هو وضعيتهم الاقتصادية وهذه الوضعية هي وضعية إجبارية وليست اختيارية. ولذا واحد من أهم ما يجب التركيز عليه بصدق في المستقبل هو دراسة تقييم أثر المخططات العمرانية التي تعد وتنفذ ليس فقط اقتصاديا وبيئيا ولكن والأهم اجتماعيا منعا للتهميش وخلق الحواجز وتفعيل سياسات الفرز والانتقاء المجتمعي البغيضة.

مغالطة أم إفلاس العولمة

كشف فيروس كورونا عن هشاشة صرح “العولمة” وخاصة في تفسيرها المباشر من حيث حتمية التجانس وانحسار الفوارق. ومن الواضح جليا أن الأزمة الحالية تدفع العالم إلى موجة متسارعة من العودة إلى نظام الدول الوطنية المنغلقة على الذات. وهي موجة يصاحبها التركيز على مراقبة الحدود والإفراط في تقييم القومية. نفس الموجة التي اجتاحت أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وأدت إلى اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. هنا يتبين أهمية فحص واستجواب التجربة الصينية في التعامل مع فيروس كورونا بغرض التمكن من الحصول على المعلومات الحقيقية. وسيتعين التحقيق في كيفية تعامل الحكومة الصينية مع الوباء واقتراح الحلول. لقد أظهرت لنا التجربة الصينية مع الوباء، أهمية الطاعة التامة لتعليمات السلطة المحلية مما أدى إلى إخلاء تام للأماكن العامة فى مدينة ووهان وجميع المرافق المجتمعية. وقد تعرض نموذج الصين في التعامل مع الوباء للانتقاد ثم تمت الإشادة به. فهل تدعو الأزمة الحالية إلى التركيز أكثر على الهويات والكيانات المحلية بدلا من الاعتبارات والهموم العالمية؟ أم سنظل نفكر على الصعيد العالمي ونتصرف محلياً وعالميا بتوازن مدروس؟

مفهوم الخوف

من تخطيط المدن إلى بناء المجتمعات المحلية

واحدة من الحقائق المهمة التي ظهرت في الأزمة الحالية أن التخطيط لا يتعلق فقط بمادية المدينة ومكوناتها، ولكن حول مشاركة شعبها في إنتاج المدينة وتحديد ملامحها وأولوياتها. يقينا سيتطلب المستقبل نزول المعماريين والمصممين العمرانيين والمخططين من أبراجهم العاجية التي تحصنوا فيها لعقود وان يتعاملوا مع تحديات كيفية بناء المجتمع مع المجتمع وليس في عزلة عنه أو رفض لمساهمته. كيف يمكن إشراك المجتمعات وتلبية احتياجاتها الحقيقية في صياغة المكان والفضاء والمدينة؟ يجب أن يكون هو السؤال الأهم للمهتمين بالبيئة المبنية في مرحلة ما بعد كورونا. يجب الإدراك الكامل بأهمية المسؤولية المجتمعية للمعماري والمصمم العمراني والمخطط وضرورة أن فلسفتهم التصميمية تعتمد على إشراك حقيقي للمجتمع والتواضع أمامه ليساهم أفراده بلا تحفظ في عملية تصميم وتخطيط فضاءاته ومبانيه ومساكنه. لقد أوضحت تداعيات الوباء أن كل مدن العالم ترتكب جرائم في حق الفقراء ومحدودي الدخل والعاملين بالأجرة اليومية أو الأسبوعية. هؤلاء لا يمثلون بالقطع أولوية أمام مخططي المدن والمطورين بل أحيانا وأمام الحكومات. يبدو أن من الواجب الانتقال إلى حقبة تخطيط مجتمع محلي صغير متماسك وليس التنافس من أجل تحويل مدن العالم إلى مدن متعولمة متضخمة لا مكان فيها إلا لأصحاب قدرات مالية فائقة. إن التوسع الحضري، وبخاصة في المدن الكبيرة له عيوبه الجمة كازدحام شبكات النقل وزيادة التلوث وتراكم النفايات وثقافة الاستهلاك. كما أن الفوارق الاجتماعية والمكانية تجعل الوصول إلى الخدمات الحضرية أمرا بالغ الصعوبة وحكرا على القلة من الناس المحظوظين.

حجم وقياس المدينة

أنتجت العولمة فصيلة من المدن تسيطر على الاقتصاد العالمي والشؤون السياسية، وتتحكم في شبكة تدفقات الأموال والسلع والناس والمعرفة. هذه المدن هي ركائز بالنسبة للرأسمالية العالمية فهي توفر أنظمة الخدمات المتقدمة وتشكل محاور النقل والتواصل وتأوي المقرات الرئيسة للشركات العابرة للقوميات. كما تلعب دورا رئيسا في نشر الرموز الثقافية ولاسيما تلك المرتبطة بالرأسمالية والغرب، وباختصار هي سبب العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية وأثرها (موراي، 2013). هذا المناخ خلق أجواء تنافسية شرسة جعل كل مدينة تستهلك في خلق شخصيتها العمرانية وصورتها الأيقونية ومهما كانت التكلفة. هذه المدن، تقوم بتنفيذ المشاريع العمرانية الضخمة ومجمعات التكنولوجيا الفائقة والمطارات الدولية وغيرها، وهي تسعى من خلالها إلى توفير فرص عمل وجذب الاستثمارات الأجنبية وتحويل المدن إلى مواقع جديدة للاستهلاك والمرح والترفيه والسياحة والتسوق. فهل ستكون حقبة عمران ما بعد كورونا محفزة لكي نعود إلى مفهوم القرى الحضرية المدمجة أم أننا ينبغي أن نستمر في الاحتفاء بمفهوم المدن الضخمة المتروبوليتانية. لقد أوضحت لنا الأزمة أن “الأقل هو الأكثر” فيما يتعلق بأحجام المدينة وأنساق التنمية العمرانية. لقد تبين أنه يمكن عزل القرى الحضرية الصغيرة وحمايتها بطريقة أكثر قابلية للحياة من المدن الضخمة. بل أن سكان المدن الكبرى في إيطاليا وأسبانيا وفرنسا اندفعوا ناحية الريف والقرى الصغيرة هربا من سيطرة جائحة كورونا على المدن الكبرى مثل باريس ومدريد. يمكن أن تكون نوعية الحياة والاستدامة الحياتية والعدالة الاجتماعية محل اهتمام في معايير تصنيف المدن إلا أن مقياس عالمية المدينة يبقى في الإنتاج والحجم السكاني اللذين يمكن قياسهما كميا، من الناتج الداخلي القائم والعدد السكاني العام. ففي كثير من الحالات تساهم مدينة واحدة بالقسط الأوفر من الدخل القومي وفي غنى بلد ما، كما تعمل غيرها في استقطاب عدد كبير من السكان، قد يصل إلى أكثر من نصف المقيمين في بلد ما. فالأهمية النسبية لهذه المدن تطمس بقوة مواقع المدن الأخرى ولذا قد يكون من المناسب أن يطرح المخططون العمرانيون تصورات مستقبلية للتحضر العالمي على أساس الكيانات العمرانية الصغيرة والمتوسطة المتصلة بكفاءة عبر وسائل النقل العام. وكل من هذه الكيانات الحضرية، تتوافر بها على نحو عادل، جميع المرافق المجتمعية، ولا سيما السكن والتعليم والرعاية الصحية.

بيئتنا: العالم الذي نبني أم نُدمّر؟

في تفسير الهجمة الشرسة لفيروس كورونا، استمعنا إلى أطروحات تفيد أن سلوكنا التنموي والعمراني في العقود الأخيرة دمر البيئة ويبدو أنه حان الوقت لها للانتقام. نعم فسرت جائحة كورونا على أنها عقاب الطبيعة التي صبرت كثيرا أمام تصرفات البشر اللا مبالية. نعود لتجربة الصين مرة أخرى ونندهش من النتائج الإيجابية لحالة الجمود الإجباري التي مرت بها البلاد لتواجه الوباء. لقد انخفضت معدلات انبعاث الكربون والتلوث الناجم عن الصناعة الصينية منذ أن ضرب الفيروس البلاد لأول مرة . فقط شهران دون إنتاج، نقى السماء والأجواء وسمح للناس بالتنفس الصحي مرة أخرى. ولكن لا يزال التحدي البيئي الرئيسي الذي نواجهه، هو التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من آثاره، وتفعيل الإجراءات التي مازالت تعاني من نقص الالتزام بها في الكثير من دول العالم وعلى رأسها الدول الصناعية الشرهة للإنتاج الرأسمالي. أوساكا (2020) يسأل لماذا لا نتعامل مع تغير المناخ كمرض معد؟ ويبدو أن درساً عظيماً قد يظهر بوضوح من الأزمة الحالية، فالشعوب والحكومات والأنظمة السياسية يمكن أن يكون لها موقف جماعي عندما تشعر بالتهديد الحقيقي. فيروس كورونا هو تهديد قاتل لإنسانيتنا ولكن تغير المناخ ونتائجه، لا يقل خطورة عن الأول.

 حتمية الحقبة الجديدة: “صفحة خالية لبداية جديدة”

سيكون أثر فيروس كورونا حاسما لبناء عالم بديل ومختلف اختلافا عميقا. وخلال القرن الماضي، كانت معظم التحولات الجذرية في العالم مرتبطة بأسباب اقتصادية. كما يتضح من دراما فيروس كورونا، هناك حاجة إلى حقبة جديدة لتصور كيف نعيش. كما هو موثق، كان وباء الكوليرا في لندن في عام 1854 هو الذي حول نظام إدارة المدن بأكمله في الثقافة الأنجلوسكسونية، فقد ولد التخطيط الحضري الحديث. وبالمثل وأكثر فعالية، فإن وباء فيروس كورونا الذي يؤثر حرفيا على العالم بأسره بحالات مسجلة في أكثر من 200 بلد، ينبغي أن يشجعنا على تصور حقبة التخطيط الجديدة أو بالأحرى يجبرنا على ذلك. وسيتعين على الناس أن يعتادوا على العيش بممتلكات أقل والسفر أقل لأن الفيروس يعطل سلاسل الإمداد وشبكات النقل العالمية. وستكتسب الصناعات والأنشطة المحلية زخماً وستزدهر المبادرات القائمة على الجماعة الإنسانية المحلية. سيكون هناك قيمة للأحداث حميمية المقياس مثل أسواق المزارعين المحليين واحتفاليات الشوارع ومسابقات الرقص والغناء وتبادلات الحرفيين والموهوبين. وكما تطرح لي ايلكوت (2020) يبدو أن جماليات أن تصنع بنفسك، ستصبح  المهيمنة وهو ما يؤكد ما سبق لها توقعه من أن المستقبل سيكون عصر الهواة أو بالأحرى عصر يساهم فيه الإنسان البسيط المقبل على الحياة والمنتمي للمجتمع وليس بالضرورة المهني المحترف.

تخطيط المدن الصحية: حل أزمة الرعاية الصحية

“نقطع الأشجار، نقتل الحيوانات أو نحبسها ونرسلها إلى الأسواق. نحن نعطل النظم الإيكولوجية، ونهز الفيروسات لتتحرر من مضيفيها الطبيعيين. عندما يحدث ذلك، تحتاج إلى مضيف جديد. في كثير من الأحيان، نكون نحن البشر المضيف”. ديفيد كوامن، مؤلف كتاب “الآثار غير المباشرة: العدوى الحيوانية والجائحة التالية”.

في وتيرة التحضر، نغزو المجالات الطبيعية البرية والنظم الإيكولوجية لتمهيد الطرق لمراكز عمرانية جديدة؛ طرق ومطارات بل ومدن بأكملها. تبين الأزمة الحالية أن المدينة الصحية ليست فقط ناتجة عن نمط الحياة الصحية وتوفير المسارات للعدائين ودراجات الركوب وأماكن لممارسة الرياضة. ولكن في حال وجود موجة من المرضى القادمين إلى المستشفيات ولا تكون المعدات والتجهيزات والرعاية التي يحتاجها المجتمع متاحة لا يمكن وصف مدينة كهذه بأنها صحية. تجيب كار (2020) عن الكيفية التي تم من خلالها تخطيط السياقات العمرانية الحضرية استجابة للأوبئة، من الكوليرا إلى السمنة. نحن بحاجة للتأكد من أن الجميع في مدينتنا / مجتمعنا، الذين يحتاجون إلى الذهاب إلى الطبيب يمكن لهم الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها. وينبغي أن تنظر المدينة في توافر ليس فقط المستشفيات ولكن تلك المجهزة، على أنها أولوية رئيسية. وينبغي أن تتعاون الحكومة والقطاع الخاص تعاوناً وثيقاً للسماح بمجموعة جديدة من التدخلات والإجراءات التي يمكن أن تيسر معايير الرعاية الصحية المقدمة لجميع أفراد المجتمع المحلي بغض النظر عن دخلهم.

تخطيط المدن في عصر الأزمة الاقتصادية العالمية

يجري تسريح الملايين من العمال في جميع أنحاء العالم. وتحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ولا سيما تلك التي تنتمي للمجالات المتأثرة بشدة مثل المطاعم وصناعة النقل وتجارة التجزئة المحلية، إلى الإغاثة الفورية. ومن ثم، كيف يمكن للمدينة رعاية الأسر العاملة في هذا البلد؟ ويحتاج العمال إلى الشعور بالأزمة وحمايتها وتعويضهم فيها. ويمكن النظر إلى الأمن الغذائي على أنه استراتيجية لا بد منها لكل مدينة. وقد تكون هناك حاجة إلى النظر في الزراعة الحضرية في الوقت المناسب كضمان لعدم جوع أحد. وينبغي أن تكون المدينة الجيدة قادرة، ولا سيما في وقت الأزمات، على توفير الغذاء المغذي لمجتمعها المحلي، وخاصة لكبار السن والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال. في عمران ما بعد كورونا سيتولد جدل كبير مرتبط بقيمة الكثافة البشرية في الفضاءات العمرانية والأحياز التخطيطية. في وقت الأزمة الحالي، نخفض الكثافة في كل مكان نستطيع، ويمنع الناس من التواجد المكثف في مراكز مدنهم. من جهة أخرى وكما يشير ريتشارد سينيت، أستاذ الدراسات الحضرية في معهد ماساشوسيتس للتقنية، المدن الأكثر كثافة هي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. لذلك نعتقد أنه على المدى الطويل سيكون هناك صراع بين المطالب المتنافسة للصحة العامة من خلال تشجيع الامتدادات العمرانية وبين مقتضيات مكافحة الاحتباس الحراري واستهلاك الطاقة. في المستقبل سيكون هناك تركيز متجدد على إيجاد حلول تصميم للمباني الفردية والأحياء التي تمكن الناس من الاختلاط والتفاعل المجتمعي دون أن تكون معبأة في المطاعم والحانات والنوادي المضغوطة. على الرغم من أنه نظراً لارتفاع تكلفة الأراضي بشكل لا يصدق في المدن الكبرى مثل نيويورك وهونغ كونغ، فإن النجاح في إنتاج أنساق معمارية وعمرانية جديدة في حقبة ما بعد كورونا يعتمد على الإصلاحات الاقتصادية والمناهج التنموية المبدعة المغايرة للأطر الحالية.

 المدن المعاصرة ومعضلة الإسكان

كشف لنا وباء كورونا هشاشة ما ننتجه من مساكن أو بالأحرى أماكن لإيواء البشر. لقد اضطر الملايين حول العالم إلى الاستجابة للنداءات الصارمة بضرورة الوجود في منازلهم. ومن رصد حالات المساكن في معظم دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى بعض مقاطعات أوربا وولايات أمريكا، يتبين أن الغالبية العظمى منها صممت ليس لتكون سكنا وملتقى عائلياً وأحيازاً مفعمة بالمعنى والقيمة والدفء، وإنما هي في معظمها مخازن بشرية طاردة. مخازن يمكن فقط تقبلها عندما يكون منطق الحياة مرتكزاً على الخروج والمغادرة وخلق حياة أخرى في الشارع أو العمل أو المقهى ثم الارتداد للمخزن البشري لانهيار الجسد واستسلامه لنوم يؤهل الإنسان للاندماج صبيحة اليوم التالي في نفس السيناريو البغيض. كورونا الذي عرى فساد الحكومات و ضعف القادة و جهل المجتمعات و جشع التجار و دجل من يسترزقون بالخرافات..هو أيضاً كاشف لجرائم تصميم البيوت و العمارات التي يحشر فيها الناس لأسابيع و هي بالكاد تصلح للنوم. مناهج التخطيط و التصميم المعماري سيعاد صياغتها فيما بعد الفيروس.

فيروس كورونا والعدالة الاجتماعية والمدن العادلة

يتطلب تشخيص الفيروس مجموعة اختبارات متطورة لا تتاح حتى في أكثر البلدان تقدما. ويُنصح الناس بغسل أيديهم لمدة 20-40 ثانية دون التفكير في أن مليار شخص يعيشون في أحياء فقيرة أو مستوطنات غير رسمية حيث المياه لتلبية الاحتياجات الأساسية قليلة. وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى الابتعاد الاجتماعي في حين يتقاسم الملايين غرفا ومرافق إقامة صغيرة، وتعتمد حياتهم على سعيهم اليومي للعمل. ان الأزمة الحالية تدعو المخططين الحضريين إلى النظر في السبل الخلاقة التي يمكن بها تزويد الأحياء الفقيرة أو المستوطنات غير الرسمية بالبنية الأساسية المناسبة للحيلولة دون أن يكون أضعف السكان في العالم هم الضحايا الرئيسيون للفيروس. وقد يتطلب هذا الاتجاه تغييرا كبيرا في أولويات التخطيط الحضري والتنمية. تنفيذ سياسات لتحسين الصحة العامة في جميع أنحاء المدينة؛ الرسمية وغير الرسمية أمر ضروري. تقول نعومي كلاين (2020) إننا قد نعتقد أننا سنكون آمنين إذا كانت لدينا رعاية صحية جيدة، ولكن إذا كان الشخص الذي يصنع طعامنا، أو يقدم طعامنا، أو يحزم صناديقنا لا يحصل على رعاية صحية ولا يستطيع تحمل تكاليف الاختبار – ناهيك عن البقاء في المنزل من العمل لأنه ليس لديه إجازة مرضية مدفوعة الأجر – لن نكون آمنين. يجب أن نعتني ببعضنا البعض لأننا متشابكون. هذا هو مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يجب تبنيه.

 في خضم تداعيات فيروس كورونا تتعاظم تساؤلات أخلاقية متشابكة حول المدينة ومنها؛ كيفية تخطيطها ، وتكيفها مع متغيرات فارقة، والعيش فيها الآن وفي المستقبل. إن القيام بذلك بشكل جيد، سواء كمخطط للمدينة أو مقيم بالمدينة، يعني الاحتفال بالتعقيد وقبول التنوع. ولا يعني إطلاقا تعظيم الفصل والطبقية والتهميش. من بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد من مطلع السبعينات في القرن الماضي، اعتمدت الكثير من دول العالم المتقدمة والنامية على السواء على استراتيجية أساسية واحدة للتعامل مع الفقر والتلوث ومختلف المشاكل والتحديات الاجتماعية الأخرى: الحجر والعزل والفصل والتهميش. لقد خططت المدن والمجتمعات المحلية بحواجز مكانية، وبنينا جيوبا محصنة للأثرياء، وسعينا إلى إيجاد حلول تعتمد على فصل من يملكون عن مشاكل من لا يملكون. وبدلا من الاهتمام بالديناميكية المجتمعية الجماعية والاستثمار العام، حاولنا أن ننحت الفضاءات ونحجر على المشاكل الاجتماعية، والسماح للقطاعات المجتمعية الأكثر حظا من إجمالي السكان بعزل نفسها عن تلك المشاكل، وتقييد وحصر من يمكنه الوصول إلى مناطق الفرصة. وللتعامل مع أكثر التحديات إلحاحا التي نواجهها، أنشأنا نظاما مطورا ومعقدا من متاريس وفواصل وحواجز في الفضاءات. لقد هدم الفيروس كل المتاريس المكانية. الآن يواجه العالم بأسره أزمة الفيروس، وهي الأزمة التي ترفض أن يتم احتواؤها من خلال الحواجز التي بنيناها. في دولة تعلمت حل المشاكل بمحاولة عزلها في الفضاء، كيف يمكننا أن نجتمع معا لهزيمة هذا الفيروس؟

الحياة العامة والابتعاد الاجتماعي: هل يمكن لحياة المدينة النجاة من فيروس كورونا؟

 قد تكون هذه هي المرة الأولى التي لا يمكن فيها التخفيف من حدة مثل هذه الأزمة الوطنية أو العالمية من خلال الخروج والحفاظ على الحياة العامة. مكافحة الفيروس تتطلب العزلة. الأكاديمي علي أبو غنيمة (2020) يسأل في مدوناته المعنونة المدينة ما بعد الكورونا: هل تصبح الساحات العامة افتراضية؟ ويستطرد موضحا أن الساحات العامة هي أكثر الأماكن تعبيرا عن فكرة التلاحم والتواصل المجتمعي وأن ما يحدث حاليا يثير التساؤل عن الدور الذي ستلعبه حاليا مع تفشي الفيروس وانتشاره وهي التي نشأت منذ قرون بعيدة كوسيلة للتواصل واللقاء ما بين أفراد المجتمع. كما يعلن تخوفه من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من واتس اب وفيسبوك وتويتر وانستجرام وغيرها مما جعل إمكانيات التواصل والتعارف واللقاء ممكنة دون الذهاب للساحة أو للجامع أو للمقهى أو للحديقة. ويراهن على الأبعاد الإنسانية التي ستعيد الإنسان إلى مقاومة المكوث في الساحات الافتراضية والتمسك بالتلاحم الاجتماعي في الساحات والفضاءات العامة الحقيقية.يحتاج المخططون الحضريون والمدن إلى إيجاد نهج مختلف، بشكل جماعي، يمكن أن يجلب حياة المدينة أو يوفر منصات رقمية بديلة تحل محل المنصات الحقيقية ويتناوبون على التساوي مع ذلك بمجرد أن تنتهي الحرب. المدن هي مراكز رأس المال والإبداع، مصممة لتكون مشغولة بشكل جماعي. إن الأوبئة معادية للتحضر، تفترس رغبتنا البشرية في الاتصال (كيميلمان، 2020). إن الأوبئة تستغل دافعنا للتجمع. واستجابتنا حتى الآن في تفعيل التباعد الاجتماعي، لا تتعارض مع رغباتنا الأساسية في التفاعل فحسب، بل أيضا ضد الطريقة التي بنيت بها المدن والساحات العامة ومترو الأنفاق وناطحات السحاب. كلها مصممة لتكون مشغولة ومتحركة بشكل جماعي ومفعمة بالحياة. بالنسبة للعديد من الأنظمة الحضرية للعمل بشكل صحيح ، فإن الكثافة هي الهدف ، وليس العدو.

استشراف بدايات جديدة وتحولات حتمية

في مرحلة ما بعد الأزمة ستكون شواغلنا وهمومنا أكثر بساطة وأساسية في تساؤلاتها، أي أين يمكنني أن أعيش بتكلفة معقولة وكيف يمكنني الحصول على فرصة العمل والخدمات بأمان؟ من جهة أخرى لعبت المنصات الرقمية دورا بارزا كأداة تواصل كاسحة في فترة الوباء ويبدو أن هذا الدور سيستمر لأنه يحقق الأمان. تسمح التكنولوجيا الرقمية للكثيرين بمواصلة إدارة أنواع معينة من الشركات والعمل على الصعيد العالمي بطرق لم نكن نتخيلها قبل جيل أو جيلين. خلقت الأزمة الحالية دفعة لجميع أنواع المنصات الرقمية من التعلم عن بعد إلى التسوق عبر الإنترنت. وينبغي أن يكون المعماريون والمخططون الحضريون على علم بمثل هذه القوى الجديدة التي تؤثر على سلوك الناس في جميع أنحاء العالم وخاصة الحقبة الجديدة من العمل في المنزل واحتياجاته الفراغية والتصميمية ومعدلاته الإنتاجية ومكاسبه الاقتصادية والبيئية والإنسانية. حالة العزلة الممتعة التي كانت تعيشها المدن العالمية وتكثيف مشاعر التميز والأمان بها لأنها بعيدة عن مشاكل المدن الفقيرة والمجتمعات البائسة، أصبحت وهما كبيرا. الوباء لا يعرف الحدود ولا يفرق بين المحلي والعالمي والفقير والثري. قد ينسحب الأغنياء أكثر وراء حماية الأبواب المحصنة والمجتمعات المسورة. ولكنهم سيدركون أن هذا ليس حلا مستداما. بينما سوف يكون الجميع أكثر خوفاً من أي اتصال عام، على الأقل لعدد من السنوات، ولذا فإن العودة المقننة لتفعيل الحياة الاجتماعية والترابط الإنساني اللا طبقي سيكون حتميا في مدينة ما بعد كورونا. في الحقبة الجديدة قد يكون تصميم الخدمات العامة والمجتمعية وخاصة الفضاءات الثقافية المعرفية مثل المكتبات والمتاحف شديد الأهمية. هذه أماكن اجتماعية إنسانية، قل الوجود بها بسبب ما تقدمه شبكة الإنترنت وممكن أن تضعف أكثر إلا إذا أبدع المعماريون في صياغة فراغية جديدة تجذب الناس وتحافظ على سلامتهم وتخلق مساحات تسمح بالتباعد المنطقي والاقتراب المحمود. لا يمكن ادعاء الانكشاف الكامل عن الصورة شديدة الضبابية لمستقبلنا وحال مدننا في حقبة ما بعد كورونا ولكن اليقين أننا بالفعل بدأنا الخطوات الأولى في تشكيل حقبة جديدة تتطلب طاقة إبداعية فريدة ومواجهة صادقة وإنتاج منطق جديد لمعنى الحياة وقيمة الاقتصاد العادل ومستقبل المجتمعات الإنسانية ودور المعماري والعمراني المقاوم المناضل المحمل بهموم وطنه وكل البشر.

مراجع وقراءات ذات الصلة

أبو غنيمة، علي. 2020. المدينة ما بعد الكورونا: المسكن والساحات العامة. مدونات ابريل 2020.

أكنيك ، فاطمة الزهرة. 2019. المقاربة الإيكولوجية عند روبرت بارك. صحيفة المثقف صحيفة الكترونية  تصدر عن مؤسسة المثقف العربي. العدد: 4685 المصادف. 2019-07-04

مواري، ورويك. 2013 جغرافيات العولمة: قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ترجمة سعيد منتاق، سلسلة عالم المعرفة، العدد 397، فبراير 2013، الكويت، ص.139.

عبد الرءوف، علي. 2018. مدونات معمارية وعمرانية وإنسانية.

Carr, Sara Jensen. 2020. The Topography of Wellness: Health and the American Urban Landscape. University of Virginia Press.

Sennett, Michal. 2018. Building and Dwelling: Ethics for the City. NY: Farrar, Straus and Giroux.

Quammen, David. Spillover: Animal Infections and the Next Pandemic.

https://www.dezeen.com/2020/03/09/li-edelkoort-coronavirus-reset/?fbclid=IwAR3HOH_jj3Hor3QFd4ghZoHSqAZLbc9duU9pN8X7BcERoSuqCJOFIwmMe6A

Ximena De La Barra (2000) Fear of Epidemics: The Engine of Urban Planning, Planning Practice & Research, 15:1-2, 7-16.

Kimmelman, M. 2020. Can City Life Survive Coronavirus?

Osaka, S. 2020.

https://grist.org/climate/why-dont-we-treat-climate-change-like-an-infectious-disease/
https://www.newshub.co.nz/home/world/2020/03/all-the-ways-coronavirus-is-stopping-climate-change-in-its-tracks.html
https://ny.curbed.com/2020/3/19/21186665/coronavirus-new-york-public-housing-outbreak-history
https://www.citylab.com/life/2020/03/coronavirus-data-cities-rural-areas-pandemic-health-risks/607783/

Tags

—————————————-

بارقة أمل جديدة.. تجارب سريريّة تؤكّد فعالية “ريمديسيفير” في علاج كوفيد-19

أعلنت شركة غيلياد (جلعاد) الأمريكية عن وصول نتائج أولية من تجارب سريرية لعقار “ريمديسيفير” (Remdsesivir) على 113 مريضًا كانوا يعانون من أعراض حادة من كوفيد-19. وتفيد النتائج الأولية للتجارب بأن الدواء ساعد في تقليل حدّة الأعراض لدى المرضى بشكل كبير، إضافة إلى التخلص من الحمّى، وتقليص المدة اللازمة للبقاء في العناية المركّزة. كما ذكر التقرير الأولى بأن 2 فقط من بين 113 مريضًا ماتوا أثناء التجارب السريريّة، أي 1.8% فقط، وهي نسبة أقل بكثير ممّا كان متوقعًا، لاسيما أن المرضى كانوا يعانون من أعراض شديدة بسبب كوفيد-19.

وكانت التجارب قد تمّت في مستشفى شيكاغو حيث كان يرقد المرضى للعلاج، بعد الحصول على عقار “ريمديسيفير” من شركة غيلياد (جلعاد) للعلوم (Gilead Sciences). وكان عقار “ريمديسيفير” أحد العقارات الأولى التي تم تحديد منافع محتملة لها في العلاج من كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد (SARS-CoV-2)، بعد تجارب مخبريّة أوليّة.

وكان العالم أجمع بانتظار تطبيق التجارب السريرية على مرضى مصابين بكوفيد-19، بعد أن تعاونت كلية الطب في جامعة شيكاغو مع الشركة المصنعة للدواء لتجربته على 125 مريضًا يعانون من كوفيد-19، كان عدد من يعانون من أعراض شديدة من المرض من بينهم 113 مريضًا. وقد خضع جميع المرضى للعلاج باستخدام عقار  ريمديسيفير، حيث تلقوا جرعات يوميّة من العقار تحت رقابة مشدّدة من الأطباء المشرفين على التجربة.

وقالت كاثلين مولان، مختصة الأمراض المعدية في جامعة شيكاغو الأمريكية إن “الخبر الجيّد هو أن معظم المرضى الذين حصلوا على العقار قد خرجوا من المستشفى بالفعل، وهذا أمر ممتاز، وقد توفّي اثنان من المرضى فقط”.

النتائج الأولية التي تم الحصول عليها فيما يتعلق بالتجارب السريرية لعقار مديسيفير قد تدفع السلطات المختصة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تسريع الإجراءات الخاصّة باعتماد الدواء من قبل إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية، المسؤولة عن منح تراخيص لإنتاج العقارات بعد التأكّد من فعاليتها وسلامتها على البشر بشكل قطعيّ.

 ———————————————-

==========================

تحديث 20 نيسان 2020

———————————-

عندما يكون منزلك خيمة في إدلب “خلّيك بالخيمة”/ فرحات أحمد

تطبيق مبدأ التباعد الجسماني غير ممكن في مخيمات لا تبعد الخيمة فيها من الأخرى سوى بضع سنتيمترات، والوقاية فيها تعتبر ترف

مع تزايد الحملات التي تدعو إلى البقاء في المنازل في كل دول العالم بسبب جائحة “كورونا”، اقترح ناشطون في محافظة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا إطلاق حملة مشابهة.

الحملة هدفت لحثّ حوالى مليون سوري على البقاء في خيمهم، وذلك على غرار تلك الحملات لمنع تفشي الفايروس الذي أثّر في معظم دول العالم، وترك كل بلدٍ ينشغل بشأنه الداخلي لتأثيره المباشر في الجوانب الحياتية وسرعة تفشيّه.

لا يحتل الخوف من الفايروس أولوية لدى أكثر من 900 ألف نازح سوري يتوزعون على نحو 1500 مخيم، ما بين محافظتي حلب وإدلب، إذ همّ النازح الحصول على لقمة عيش أولاده، بعدما خسر المنزل والأملاك خلال الحرب، إضافة إلى الصمود حتى الحصول على الحصة الغذائية الشهرية التي خفّضها برنامج الغذاء العالمي أخيراً إلى 1855 سعرة حرارية فقط لكل عائلة.

وفي هذه الظروف، يصبح تطبيق مبدأ التباعد الجسماني غير ممكن في مخيمات لا تبعد الخيمة فيها من الأخرى سوى بضع سنتيمترات، والوقاية فيها تعتبر ترفاً، وينتظر المقيم في المخيمات دوره في الوصول إلى دورة المياه. كما أن كثيرين لا يعتبرون الفايروس مرعباً على اعتبار أنهم ذاقوا صنوف الموت كلها خلال 9 سنوات، لكنّه مرعب للغاية لمنظمة “أطباء بلا حدود” التي قالت إن الاستجابة الصحية في إدلب لمرض “كورونا “ضعيفة كثيراً، وناشدت السلطات التركية لتسهيل عبور الإمدادات الطبية.

وأضافت المنظمة في بيان، أنّ النظام الصحي في إدلب يتحمّل فوق طاقته وتنقصه إمدادات كثيرة، غير أنّ صعوبة تقديم الرعاية ستتفاقم مع انتشار “كورونا”.

وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أعرب في وقت سابق عن قلقه العميق بشأن التأثير المحتمل لفايروس “كورونا” على ما يقرب من مليون مدني نازح في محافظة إدلب.

وقال ينس ليرك، المتحدث باسم المكتب الأممي إن، الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق حيال التأثير المحتمل لـ”كورونا” على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء سوريا، وبخاصة أكثر من 900 ألف شخص في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، يتركزون في محافظة إدلب وما حولها.

وبدوره حذّر محمد حلاج مسؤول فريق “منسقو الاستجابة في سوريا” في حديث مع “درج” من ارتفاع احتمال الإصابة في صفوف المدنيين الذين عادوا إلى مناطقهم الواقعة على خطوط الجبهات، والذين تجاوز عددهم 34 ألف نسمة، وأشار إلى أن، جميع المناطق التي عادوا إليها في ريف إدلب خالية من النقاط الطبية والمستشفيات.

وأكّد أن، إصابة واحدة ستؤدي إلى انتشار العدوى بين كل سكان المنطقة، وعندها ستحدث كارثة إنسانية، بخاصة أن الفرق الطبية والمستشفيات غير قادرة على استيعاب الحالات المرضية العادية في الشمال السوري، إضافة إلى أن، الحدود مع تركيا باتت مغلقة، على خلفية مخاوف أنقرة من انتقال العدوى من سوريا إلى أراضيها.

وأضاف أن، المخاوف غير مقتصرة على سكان المخيمات التي يقدّر عددها بنحو 1500 فقط، بل هناك مخاوف كبيرة على سكان إدلب الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين نسمة منهم حوالى مليون يقطنون مساكن غير مجهزة وهي عبارة عن خيام قماشية.

بدوره قال الطبيب محمد العمر العامل في مستشفى باب الهوى الحدودي، إن الشمال السوري ينتظر كارثة وشيكة، في ظل الازدحام السكاني الذي يعانيه وقلة المواد الطبية، والركود الذي تشهده المنطقة، وبخاصة تركيا، التي كانت المصدر الوحيد لتلك المواد.

وأوضح العمر لـ”درج” أن، الشمال السوري يعاني أيضاً من قلة الأماكن المجهزة للحجر الصحي، وكل أرياف إدلب وحماة وحلب الخارجة عن سيطرة النظام لا يتوفّر فيها أكثر من 200 سرير مجهز على أكثر تقدير.

يرى فايز محمد مدير أحد المخيمات أن ضعف الاستجابة تجاه المخيمات سيؤدي إلى نتائج كارثية يتحمل العالم كله مسؤوليتها، مشيراً إلى أن، بعض المنظمات المحلية قامت بحملات توعية وتعقيم للمرافق العامة، لكنها عاجزة عن الوصول للجميع بسبب كثرة المخيمات وكثافة الخيم فيها.

عملياً، يكاد يستحيل الزام النازحين بالبقاء داخل الخيام، بسبب الاشتراك في مناهل المياه والحمامات ومراكز توزيع المساعدات الشهرية، عدا عن صعوبة ضبط الأطفال وإلزامهم بالبقاء داخل الخيم، وهذه كلها ستؤدي إلى تفشي الفايروس إذا ما انتشرت الإصابات في المنطقة.

وفي هذا الصدد، أعلنت مديرية الصحة العاملة في إدلب (معارضة) عن إجراءات طارئة وجهّزت ثلاثة مراكز للحجر الصحي، فيما لم تستجب وزارة الصحة التابعة لـ”حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) للنداءات على رغم تحكمها بموارد المحافظة وبخاصة معبر “باب الهوا” الحدودي مع تركيا، الذي يدرّ عليها شهرياً ملايين الدولارات.

ربّما كان للحصار الذي تشهده إدلب نفع هذه المرة، إذ لم تسجّل فيها أي إصابة بحسب وزير الصحة في الحكومة السورية الموقتة المعارضة مرام الشيخ، الذي أعلن على حسابه الرسمي في موقع “تويتر” إجراء 154 اختباراً في الشمال السوري، كلها كانت نتائجها سلبية.

الخوف من التفشّي السريع للفايروس وظهور “عدوى القطيع”، غير مقتصر على إدلب فقط، فهناك مخيمات ونازحون على امتداد الأرض السورية وبخاصة في شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية التي لم تعلن تسجيل أي إصابة أيضاً، بينما سجّلت 29 إصابة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، شفيت منها خمس حالات وتوفي مصابان. وهناك لا تقل المخاوف من تفشي الوباء عن المناطق الأخرى، ويعيد محلّلون سبب قلة المصابين في هذه البقع إلى ضعف الإمكانات الطبية التي تأثرت بالحرب خلال 9 سنوات وإلى رغبة النظام بإخفاء الأرقام الحقيقية.

درج”

————————————————-

إمبريالية صينية… بخصائص كولونيالية/ وسام سعادة

يوم توفي واضع كتاب «رأس المال» نعته منظّمات العمّال النيويوركية ببيان شدّدت فيه على أن واجب «كل عشاق الحرية الحقيقيين في العالم تكريم اسم كارل ماركس». يصعب تخيّل «عشّاق حريّة حقيقيين» يهيمون بأنماط العيش والبوح في الصين اليوم.

يبرز التحدّي في المقابل، للتعامل مع التجربة الصينية بشكل متفلّت من الاختزالات. أوّلها، النظر إلى الصين كما لو أنّها إمبراطورية الإستبداد الشرقي الدواويني الأبديّ الذي لا يتبدّل، والذي إن تصدّع النسق فيه غرق في الفوضى وتاب مجدّداً إلى الاستقرار بين أحضان الاستبداد، وجدّد تعلّقه بأهداب الحكمة «الشرعوية» في الفكر الصيني القديم، على حساب غيرها من المدارس فيه، وهي الحكمة التي أعطت الأولوية لتنامي ثراء المُلك وزيادة قوّة العسكر، ورفعتهما إلى مصاف الغاية المزدوجة التي تسنّ في سبيلها الشرائع.

وثاني الاختزالات، النظر على العكس، إلى التراثات الحكمية ـ الروحية للصين القديمة المتمحورة حول الرؤية التناغمية للعالم، وفي طليعتها الطاوية والكونفوشية، على أنّها «روح الصين» الحقيقية، لا تكاد تهجرها حتى تنهل منها من جديد بلهفة من يحيي مصادره الثقافية ـ الأخلاقية من جديد.

وتبرز في المقابل الاختزالات المتعلّقة بالاشتراكية والرأسمالية «بالخصائص الصينية». بين من يعتبر أنّ صين اليوم هي الحالة الأكثر تطرّفاً للرأسمالية والنيوليبرالية في العالم، وبين من يستجمع الدلائل والتخمينات والرغبات للخروج بأنّ رأسماليتها هي من جوهر مختلف عن الرأسمالية الغربية، بل من جوهر غير رأسمالي بالمرّة، كما لو أنّ الحزب الشيوعي الصيني هو الذي يوقع الرأسمالية بشركه حين يجعلها تتوسّع في البلاد، إنّما تحت سيطرته.

والحال أن الصين أدركت منذ نهاية السبعينيات أنّه ليس لنظامها مصلحة في محاربة المجتمع الاستهلاكي، بل على العكس، مسابقة العالم إليه، سواء بانتاج السلع الاستهلاكية على أوسع نطاق، أو بتوسعة دائرة استهلاكها من قبل الصينيين، أو بالترويج للثقافة الاستهلاكية نفسها طالما بالمستطاع فصلها عن تنمية الوعي الفردي الإعتراضي، أو المطالب بالمشاركة السياسية. في نفس الوقت، استمرّ النظام يجد «سرّه» في طرفة منسوبة لدينغ شياو بينغ بأنه لا ضير، في دولة يحكمها حزب شيوعي، من المساكنة مع السوق وظهور كبار أغنياء، طالما بالمستطاع مصادرة ما لهم في أي وقت. وليس السرّ هنا أنّه «يضمر» الإشتراكية للمستقبل، بل أنّه قادر على تأمين مطواعية كبار رجال الأعمال للحزب الشيوعي، والتركيز في المقابل على المتاعب الإنتقادية التي تحملها معها شرائح «الطبقة الوسطى» المدينية، التي يعتبر الحزب الحاكم أنّ خير سبيل لمواجهتها هي مزيج من قيادته لعملية مكافحة الفساد، ومن التضحية بالقيادات المحلية حين تتصاعد بوجهها حملات تذمر، كما حدث في محافظة خوباي في اعقاب الأسابيع الأولى من سوء تدبير السلطات المحلية فيها حيال تفشي فيروس كورونا المستجد.

منذ مراجعة الصين للحقبة الماوية، والحزب الحاكم فيها يلوم رسميا فترة ماو ابان الثورة الثقافية بأنها غالت في القول بتصاعد الصراع الطبقي داخل مجتمع يسوده حزب شيوعي. هي لا تنفي استمرار هذا الصراع في الصين اليوم، لكنها تعتبر بأن على الحزب السيطرة عليه، والتحكم به: حزب تأميم الصراع الطبقي، بتذكير رجال الاعمال مثلا، اذا ما دعت الحاجة، ان هناك طبقات كادحة يمكن ان تنقض عليهم. وبتذكير الطبقات الشعبية بأن احوالها الغذائية والمعاشية تحسنت بشكل نوعي منذ الثمانينيات والى اليوم، رغم تمادي الفوارق الاجتماعية في نفس الوقت، ورغم انبعاث اشكال من العمل اقرب الى نمط الانتاج العبودي في كثير من القطاعات.

لكل اختزال حيثياته شرط أن يكفّ عن اختزال كل الواقع عليه.

كذلك الحديث عن «إمبريالية صينية» آخذة في التبلور شرق آسيا، لهذه حيثياتها أيضاً شرط الإلتفات إلى فارق أساسي بينها وبين «الإمبريالية اليابانية» سابقاً. نهضت الأخيرة على مفارقة: إيمان روّاد حركة التحديث في اليابان أواخر القرن التاسع عشر بأنّ عليهم نهل كل ما يمكن نهله من تقدّم العلوم والصناعات وكذلك المؤسسات في الغرب، انما بالإعتماد بشكل أكثر محورية على دور الدولة وجهازها في قيادة عملية التحديث، وإيلاء مقام أساسي للنموذج الذي قاد فيه جهاز الدولة التحديث اللحاقي ثم التسابقي مع الأمم الأخرى في أوروبا، أي نموذج بيسمارك في المانيا. وكما كانت الحركة القومية تنادي بالوحدة الألمانية والتحديث الصناعي، أيضاً كي لا تقع البلاد الناطقة بنفس اللغة، فريسة أطماع الفرنسيين والإنكليز وآل هابسبورغ في النمسا وروسيا، فقد وضع روّاد النهضة اليابانية أنفسهم أمام خيارين لا مجال للتردّد بينهما، إمّا أن تتحوّل اليابان إلى شبه مستعمرة، قرينة بحال الصين بعد حربي الأفيون، وإما أن تقوى اليابان بالتحديث المعتمد على آلة الدولة والتراث الثقافي المعاد تنبيته كتراث مطواعية لها، وانضباطية بها، فتنال مكانها بين الإمبرياليات، وتكون لها مستعمرات.

كي لا نتحوّل إلى مستعمرة علينا أن نكون مستعمِرين: هذا ما سيطر على جزء كبير من عقول روّاد التحدي ابان نهضة ميجي وبعدها في اليابان، أي مشروع «إمبريالية معادية للإمبريالية»، إمبريالية معادية للرجل الأبيض، وطليعية في دعم فكرة «الجامعة الآسيوية»، وملهمة لكل النخب الثقافية في الصين والهند وفارس والإمبراطورية العثمانية، بخاصة حين انتصار اليابان على «الرجل الأبيض» ممثلاً بروسيا القيصرية عام 1905. في نفس الوقت، ستمارس الإمبريالية اليابانية دور «الرجل الأبيض الآسيوي» في مواجهة الشعوب الآسيوية الأخرى، وتذهب بعيداً نحو نظريات تفوّق اليابانيين عرقياً على سواهم من الشعوب المجاورة. وبما أن التاريخ لم يعرف يوماً وجهاً واحداً، فإنّ اضطهاد اليابانيين للكوريين مثلا لا يلغي أن اليابانيين أسسوا للتحديث التصنيعي في كوريا كما في تايوان كما في مناطق البرّ الصيني الذي احتلوها. مثلما لا تلغي إمبرياليتهم في سني الحرب العالمية الثانية، أنّهم ساعدوا عملياً حركة التحرّر الأندونيسية.

كانت اليابان «إمبريالية أنتي إمبريالية»، وكان لهذه المفارقة دور أساسي في هزيمتها، وفي إحباط فكرة «الجامعة الآسيوية» إلى اليوم.

أما الصين، فهي تتطور كـ»إمبريالية بخصائص كولونيالية»، وهذا مختلف كثيراً، وتنبثق عنه توتّرات عديدة. لا تبنى هذه النظرة فقط على تحوّل الصين طيلة ما يسميه الصينيون أنفسهم بـ»قرن الإذلال» بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، إلى شبه مستعمرة، بل خضوع مناطق واسعة منها للإستعمار المباشر، الأوروبي أو الياباني. ترتكز أيضاً إلى التحدّي الذي تواجهه الثورة الصناعية الصينية المعاصرة. فالرأسمالية الغربية يناسبها جدّاً أن تنتقل مصانع شركاتها إلى الصين حيث كلفة الإنتاج أقلّ، وحيث يتكفّل نظام «شيوعي» بانضباط القوى العاملة في المصانع، لكنه لا يناسبها بالمقدار نفسه انتقال الصين من موقع المستورد للمعرفة التكنولوجية ذات المنبت الغربي، إلى موقع المبتكر الريادي المستقلّ في هذا المجال.

قد لا يكون بالمستطاع الحفاظ على وضعية الصين كدولة مصدّرة للسلع الاستهلاكية، بما فيها أحدث السلع الإلكترونية، مع بقائها دولة مستوردة للمعرفة التكنولوجية الغربية، لكن هذه الوضعية ما زالت شبحاً مخيّماً، ولم يجر تجاوزها بشكل نهائي بعد. كذلك، فإنّ الخوف من أن يؤدّي أي تقهقر للعودة إلى نموذج «شبه المستعمرة» لا يزال له صداه.

خسرت روسيا إمبراطوريتها الأوسع مع سقوط الإتحاد السوفياتي، لكنها أظهرت مجدّداً، رغم كونها دولة الريوع النفطية والغازية في المقام الأوّل، بأنّها أبعد ما يكون عن نموذج «شبه المستعمرة» الذي دغدغ شعور الإمبرياليتين الأمريكية والألمانية بعد انتهاء الحرب الباردة، في نظرتهما إليها. ليست هذه حال الصين، وهذا جزء من مصادر استمرار قيادة «الحزب الشيوعي» لها. قيادته تكثّف هذا التناقض بين كونها إمبريالية جديدة آخذة في النموّ، شرق آسيا، وبين كونها لم تنته تماماً من سماتها الكولونيالية. تماماً مثلما أنّ الإنتقال الضخم الذي شهدته من بلد ذات أكثرية ريفية أواخر السبعينيات إلى أكثرية مدينية اليوم، تقابله هوّة أكثر استفحالاً بين المدن الكبرى وبين الأرياف، غير موجودة على هذا النحو في أي بلد آخر، وهذه أيضاً سمة «كولونيالية» بامتياز.

كاتب لبناني

القدس العربي

—————————————-

أبناء نوح وطوفان الوباء/ نوري الجراح

هل أفلس الفكر، ولم يعد مفكّرو العصر وفلاسفته بقادرين على تجديد أطروحاتهم للإجابة عن أسئلة العصر، وتوليد أسئلة جديدة تجيب عن السؤال الكبير، وتوابعه من الأسئلة الناجمة عن وباء دهم الأرض وبات جائحة الجوائح واللغز الذي حارت به عقول العلماء، ووضع الطب في حالة من العجز لا سابق لها إلا في محطات مظلمة من تاريخ البشرية كتلك التي شهدها العالم مع الطاعون والجذام والجدري والملاريا التي فتكت بالأرواح وجعلت العالم مقبرة للجنس البشري في عصور لم يكن فيها التطور العلمي بلغ ما بلغه اليوم.

حقا، هل أفلس الفكر، أم أننا نطلب منه أكثر مما يجدر بنا أن نطالب به أهل الفكر؟ وأن العالم بلغ من التطور التقني على كل صعيد درجات يعجز الفكر (في صيغه التي عرفناها حتى ظهور العصر الافتراضي) عن اللحاق بها، ولن يكون للفكر من دور في حياة البشر اليوم ما كان له في أزمنة سابقة من أدوار ريادية ما لم يتمكن من تجديد شيفرته الوراثية في ضوء علاقات المجتمع الرقمي.

***

ها نحن مرة أخرى، على سطح هذا الكوكب القلق المعذب في منعطف وجودي كبير، وأمام حادث هائل يكاد يتهدد وجود الإنسان في الأرض، لا مجازا كما دأبت مخيلات الأدباء والفنانين على تصوير مواعيد الفناء الإنساني، جراء ظهور مفاجئ لعدو غامض، بل بفعل ظهور هذا العدو حقاً.

وها هو جسد الإنسان وقد كان حراً في الحركة والحضور تحت سماء العالم يسلب منه، ويدفن في جسد جماعي أسير الحركة ومحجورا عليه في كهف كبير بآلاف الجدران.

حيرة الفكر

لا أريد في هذه المقالة أن أضيف جملة أخرى إلى خطاب ديستوبي يريد أن يتكهن بمستقبل البشر، ولا أن أسهم بسطر في تلك المرثية الجماعية التي بدأت تطيرها عبر الأثير أقلام المفجوعين، سلفا، بالمصير الأسود لبني البشر. فليس لدي من الأسباب ما يجعلني أتشكك بمدى قدرة البشر على الدفاع عن وجودهم في هذه اللحظة الفارقة والعصيبة، بواسطة علوم الطب، وأسلحته التي ابتكرها العلماء عبر تاريخ طويل من الأبحاث والدراسات المختبرية التي مكنت الأطباء من مواجهة أعتى الأوبئة ووقف انتشارها، بل وتخليص البشرية من شرورها إلى الأبد، كما هو الحال مع الطاعون، والجدري، والكوليرا، والإيدز، وغيرها.

ما راعني حقا، مؤخراً، بينما أنا أطالع خطابات عدد من المفكرين، خصوصاً المشهورين منهم في العالم، كنعوم تشومسكي، وسلافوي جيجك، وميشيل أونفري، وحتى كيسنجر (فهو طراز من المفكرين أيضاً) وصولا إلى يورغن هابرماس، أن هؤلاء، على الأقل من بين من تفاعلوا في خطابات مباشرة مع الحادث، ووجه بعضهم نقداً لاذعاً لطريقة تعامل الدول وأنظمتها الصحية مع الوباء. عبرت خطاباتهم عن شيء كثير من الحيرة المضمرة بإزاء المشهد الكارثي الذي تسبب به الوباء، وتمثل في عجز شامل للأنظمة الصحية لدول عظمى عن استيعاب الصدمة، ورد الضربة الأولى التي سرعان ما تحولت إلى ضربات متلاحقة من قبل الفايروس تقهقرت معها تلك القوى العظمى ودخلت في قلاعها المهددة وأدخلت الناس في الجحور وجعلتهم أشبه بسكان الكهوف، أو بأبناء نوح الهاربين من الطوفان إلى أعالي الجبال وقد لاحت لهم مصائرهم، فهي لن تكون بأفضل من تلك التي كتبتها قصة الخلق.

العنصرية الاقتصادية

إنسان الكوكب يمر اليوم في منعطف وجودي كبير مفتوح على المجهولإنسان الكوكب يمر اليوم في منعطف وجودي كبير مفتوح على المجهول

ففي حين بدا بعض هؤلاء المفكرين وكأنهم يستعيدون أنفاس الفكر الاشتراكي، بفعل انبهارهم بالتجربة الصينية (الدولة الشمولية المتماسكة) في مواجهة الوباء، إلى درجة التبشير بإمكان استنهاض نوع ما من “الشيوعية” (جيجك) ولا يخفى على حصيف كم من الخفة في هذا التفكير، وهذه القراءة الرغبوية، ذهب بعض آخر (هابرماس)، إلى التحذير من “خطر يتهدد الديمقراطية” يتسبب به طول (الإقفال  أو الحجر)، ومشيراً أولاً إلى ظهور نوع جديد من الأمراض الفكرية المواكبة للفايروس أطلق عليه بـ”العنصرية الاقتصادية”، وثانياً ظهور معضلة أخلاقية كبرى تتسبب بها فكرة المفاضلة بين روح إنسانية وروح أخرى، والتي تعود بالوبال على الكبار في السن. هنا يطرح هابرماس السؤال الأكثر جوهرية: من هو الشخص الذي يحق له أن يعطي الحياة لشخص ويحجبها عن شخص آخر، متخذا موقع الإله ومتمتعا بسلطاته؟

على أننا نجد عذرا لنكتة جيجك الذي لم يكتف بما أشرت إليه، ولكنه دعا إلى تطوير الأنظمة الصحية، ونبه من مخاطر العزل، وطرح العديد من الأسئلة الشاغلة المتمخضة عن صراع المجتمعات الأوروبية مع الوباء. ليخلص كتشومسكي إلى نقد الخطاب الرأسمالي في صورته الموحشة محملا إياه وزر التسبب بالوهن البشري في مواجهة هذا الوباء.

***

بدوره يتخذ تشومسكي من أزمة كورونا مناسبة ليواصل طرح أفكاره المضادة للرأسمالية والسياسات النيوليبرالية ويقرن تهديد فايروس كورونا بعنصرين آخرين يهددان البشرية “شبح الحرب النووية” و”أزمة الاحتباس الحراري”.

ولا يأتي هذا المفكر الراديكالي بجديد، على عادياته، سوى براعته في الصياغة، حتى عندما يقرر بأن العالم بعد كورونا سيعرف، بطريقة أو أخرى، نوعا من الانتعاش. وهو كلام عام سمعناه بصوت كل من تكلم من المحللين في الإعلام العالمي.

النقطة الجوهرية التي يطرحها تشومسكي من دون أن يذهب بعيدا في معالجتها، جاءت في صيغة تساؤل “عمّا إذا كان العالم سيعيد تنظيم نفسه لخلق عالم يعتمد على الاحتياجات البشرية أكثر من اعتماده الربح”، معتبراً أن حل هذه الإشكالية من شأنه أن يحل الإشكاليات الأخرى الكبرى.

ولا يبدو، عالم الألسنيات، مضطراً لتجاوز منظوره الأيديولوجي الذي يملي عليه قراءة من نوع مضاد لسياسات الولايات المتحدة بإزاء شتى القضايا والموضوعات أكانت تتعلق بالاقتصاد وقضايا الصحة والعمل والبطالة والفقر والتمييز في المجتمع الأميركي أو بإزاء سياساتها الخارجية، وخصوصا حصارها المفروض على إيران.

تشغل مسألة الصراع الأميركي الصيني حيزا مهما من تفكيره، وهو في النهاية يعتبر أن جائحة كورونا إنما جاءت لتكشف عيوب النظام العالمي الذي يصفه بالنيوليبرالي، وما يتسبب به من عناصر خلل اجتماعية وسياسية واقتصادية في العالم. ولكن هل يختلف أحد مع هذا الاستنتاج؟

كلام تشومسكي على براعته في التوصيف، وقدرته على رسم الصورة الكئيبة للوضع البشري في ظل هيمنة إمبريالية ساحقة ماحقة، بات من البديهيات. كل شيء يقوله بدا معروفا. قيمته في كونه شهادة مضادة. ولكن كيف يمكن لها أن تكون ملهمة لأجيال المجتمعات العالمية الجديدة، وما هو دورها في برنامج جديد لطراز جديد وفاعل من معارضي سياسات الهيمنة على العالم، بإزاء ما يسميه تشومسكي “الأزمة المدمرة للحضارة الغربية“؟

المعادلة الإنسانية

وهل يمكن امتلاك هذه القوة من دون خلق جبهة فكرية عالمية تعوض فشل الأحزاب في استقطاب الفئات المجتمعية الفاعلةهل يمكن امتلاك هذه القوة من دون خلق جبهة فكرية عالمية تعوض فشل الأحزاب في استقطاب الفئات المجتمعية الفاعلة

النقطة الجوهرية في رؤية تشومسكي ومفكرين آخرين للمسألة الطارئة، أن خروج الفايروس عن السيطرة سببه غياب الاستعداد وانصراف الانتباه، بصورة أساسية، نحو امتلاك القوة الحربية، وتلك الكلبية والجشع في الهيمنة على الأسواق في العالم وقد حولا البشر إلى قطيع استهلاكي.

معه ومع غيره من المفكرين نتساءل عن وزن الفكر في المعادلة الإنسانية الراهنة، وعن مدى قدرته على خلق جبهة مضادة للسياسات النيوليبرالية المغامرة بالمصير الإنساني على كامل الكوكب؟

فلو نحن شكلنا اليوم لوحة فسيفسائية من أطروحات هؤلاء وآخرين غيرهم من المفكرين والمتكلمين الفاعلين في الإعلام، ممّن يملكون شيئا من الحضور المؤثر، لا بد أن نفوز بمادة تعكس الواقع، بل وتطرح من زوايا متعددة أسئلة أساسية، تحاول أن تجيب عن تلك الأسئلة، ولكن كيف يمكن لهذه اللوحة أن تكون فاعلة، ما لم تكن ذات رصيد من القوة؟

وهل يمكن امتلاك هذه القوة من دون خلق جبهة فكرية عالمية تعوض فشل الأحزاب في استقطاب الفئات المجتمعية الفاعلة، وتتمتع بالنفوذ لتكون بمثابة مرجعية أخلاقية يمكنها أن تراقب صانعي السياسات وتلهم في الوقت نفسه النخب والقوى المؤثرة في المجتمعات. لتشكل بالتالي نوعاً من القوة الأخلاقية الرادعة والموجهة للسياسات؟

ما دام ما يجري في العالم اليوم يمس مصير البشر في الكوكب كله، فإن مثل هذه الجبهة الأخلاقية والضميرية تبدو لنا ضرورة ملحة في ظل إفلاس الأحزاب النمطية وأيديولوجياتها يمينا ويساراً في العالم كله.

صيغ جديدة

ليس المطلوب اليوم من المفكر المعارض مماحكة الإمبريالية، لإثبات وحشيتها، أو تعداد أخطائها وجرائمها، هناك شيء من مضيعة الوقت في هذا السلوك أو أقله التمترس الأخلاقي في القلعة إياها في وقت هي نفسها (الإمبريالية) تخرج لنا من لدنها يومياً من ينتقد خطاياها بوصفها أخطاء، ويدعو إلى تصويبها. المطلوب في نظرنا هو خلق صيغ جديدة لتواصل فكري أممي لربما تحول لاحقاً، على نحو أو غيره، إلى مرجعية فكرية وأخلاقية موازية للقوة الغاشمة اقتصادياً وعسكريا. آصرة تضم نخبا من العالم كله، تتنادى لتقرأ زمنها، وتقرأ معضلاته، وتظهر مواطن الضعف والقوة، ومصادر الخلل في حاضره، وتجعل من الفكر عجلة لتجديد الأسئلة والبحث عن أجوبة لا تغضّ النظر عن أمراض العصر، ولا عن الآلام التي يتسبب بها التفاوت في الأحوال والأوضاع بين جغرافيات الغنى وجغرافيات الاستفقار الرأسمالي، بينما هي تسعى للعثور على ضالتها من الأجوبة عن الأسئلة المشتركة بين أطراف فكرية متعددة المشارب والمرجعيات.

مشروع مارشال إنساني

اليوم، وبينما الوحش الوبائي الغامض يفتك بالبشر، لا بد أن ثمة من يتفكراليوم، وبينما الوحش الوبائي الغامض يفتك بالبشر، لا بد أن ثمة من يتفكر

لا يمكن ترك العالم، وترك الإنسان على سطح هذا الكوكب يستفرد به صناع الحرب وأهل الشره الاقتصادي. بينما أهل الفكر يتماحكون في ما بينهم على شاكلة ما كان يفعل المتبارون في السؤال عن جنس الملائكة.

على أن الأمر لا يتم بخطابات شعرية، ولا باستيهامات فلسفية، وإنما ببحث فكري وأخلاقي عميقين وباتفاق بين النخب المثقفة في العالم (من خلال أولويات فكرية) على الثوابت الكبرى التي صنعتها خطابات عصور الأنوار والأفكار المضيئة التي تحدرت من صلبها وتبلورت في دساتير مضيئة في العصور الحديثة، وتجلت في مشاريع قادت إلى ظهور نوع من التوازن بين القوة والأخلاق، وبين مصالح الدول والمصلحة الإنسانية في الدساتير والممارسات.

***

بعد الحرب العالمية الثانية ظهر مشروع مارشال، ومن دونه ما كان لأوروبا أن تنهض من الحطام، ولا كان للعالم أن يتجاوز كوارث الحرب، على رغم استمرار الصراعات والحروب في مناطق أخرى من العالم بعيدا عن المسرح المركزي للحربين العالميتين.

اليوم، وبينما الوحش الوبائي الغامض يفتك بالبشر، من دون بوادر حتى لظهور الدواء يكسر ظهر الداء، لا بد أن ثمة من يتفكر، هنا وهناك في العالم، بضرورة أن يتغير شيء في المسار البشري. سمعنا هذا على لسان متكلمين في أوروبا وآخرين في أميركا، وغيرهم هنا وهناك في ثقافات وجغرافيات أحالها المركز الغربي إلى هوامش. لا بد من مشروع مارشال إنساني يعيد العالم من خلاله بناء أنظمته الصحية. ولكن هل يبدو واقعيا أن نطالب بشيء من هذا القبيل دولاً قادت سياساتها البشرية إلى لحظة العجز الراهنة أمام كورونا؟ هل يمكن مطالبة دول سنت سياساتها على أساس من علاقات القوة القاهرة بتخفيض ميزانيات الحرب، لصالح ميزانيات السلام للحفاظ بالتالي على صحة الإنسان؟

 الأزمة الراهنة تطالب الفكر بطرح هذا النوع من الأسئلة المباشرة للوصول إلى التفكير بوضوح، بهذه الطريقة أو تلك. صناع الحرب والأزمات في العالم يقفون اليوم في حالة من العجز. بل إن بعضهم يرقد في سرير المرض. ولكن هل يمكن لهذه الجائحة أن تغير عميقا وجذريا في سياسات الدول وبرامجها ومشروعاتها الكبرى؟

لم يتعمق المفكرون في طرح هذا السؤال. أشاروا إلى الضرورة، غالبا، وأهملوا الإمكانية. مرة أخرى، لم يعد للكلام على الأنظمة في تعداد قائمة خطاياها بحق البشر قيمة. خطابات كهذه لن تجعلها تلتفت وتصغي. القوة لا تعبأ بسلامة المنطق عندما يكون المتكلمون فيه ضعفاء. الموازين لا تصلح مطففة، ولا يمكن للموازين أن تستوي من دون أن تتعادل. القوة بالقوة. الجموع نفسها التي يحولها الطغاة إلى حطب يمكن أن تتحول إلى ذوات عندما تعي حقوقها ومواطن قوتها، وطرائق استعمال تلك القوة. إذ ذاك تكف عن أن تكون أضحيات. إذ ذاك يكون لها صوت.

مهما كانت نبيلة في أطروحاتها، ومبصرة في رؤاها، لم ولن تكون فاعلة أصوات الفكر، وهي منفردة وعزلاء في قوقعاتها الجغرافية، ولا الأصوات المفردة للنشطاء المنتشرين في العالم والمطالبين بالعدالة والسلام لسائر أهل الكوكب، وبالتالي، وفي ظل ممكنات العالم الرقمي، والشبكة العنكبوتية، وآلاف التطبيقات والبرامج الإلكترونية هناك فرصة، بل فرص ذهبية لابتكار طرائق جديدة للتعبير والتواصل بين دعاة التغيير الإنسانيين في العالم.

أممية فكرية

ليس المقصود بما نتصوره على صيغة “جبهة فكرية عالمية” مجموعة من الحكماء والشيوخ، بل شخصيات من شتى الأعمار والمرجعيات والاختصاصات والتطلعات والجغرافيات واللغات، على قوس يضم المفكر والعالم والطبيب والروائي والصناعي والمهندس، والحقوقي، نساء ورجالا، ومن مختلف الأعراق والثقافات، ممن يرفضون السير اليوم تحت أعلام العنصرية أو وراء أقنعتها الاقتصادية والأيديولوجية، شريطة أن تقوم مثل هذه الحركة على أساس من قدرات ذاتية وبعيداً عن الاستقطابات بين القوى الدولية الكبرى المتصارعة.

ولا شك عندي في أن الفاعلين المؤمنين بأفكار كهذه هم اليوم كثر، وقد اختبر جلهم قدراته في حركات سابقة أميركية وأوروبية ولاتينية وأفريقية وآسيوية، (لسنا بصدد التحديد في التسمية هنا) على قوس يبدأ بالحركات المعادية للتمييز العنصري ولا ينتهي بحركات الدفاع عن البيئة المنتشرة في كل مكان من العالم المعاصر وقد امتلكت الوعي المرهف بفساد الفكر الأيديولوجي، وبأولوية حماية الحياة على الأرض.

جيجك وتشومسكي وحتى كيسنجر يشتركون بنبوءة تقول إن البشرية لن تعود كما كانت. أشك في ذلك، ففي هذه الجملة تهويل لا يصدر إلا عن المصدومين. ولكن هل تكون لحظة الوباء، وقد انتشر وعم ووضع الانسان في زاوية ضيقة، فرصة حقيقية للبشر ليس لغسل الأيدي مما يمكن أن يلحقه بهم الفايروس من أذى، ولكن للاغتسال من آثام العنصرية والكراهية والاستعلائية والاستهتار بالآخر، هل تكون هذه الجائحة فرصة لإعادة اكتشاف الذات في الآخر؟

العرب

——————————————-

وجوهنا في زمن الكورونا/ روجيه عوطة

ما أن ننصرف حالياً من منازلنا للتبضع أو التريض المضبوطَين، حتى يصير لمسنا لوجوهنا ممنوعاً علينا. وهذا، كي لا يتسلل الكورونا من أصابعنا إلى أجسادنا عبر أنوفنا وعيوننا. فوجوهنا غدت بوابات أجسادنا، التي لا يجب أن تتخطاها أصابعنا، فتخترق حدودنا الصحية.

ربما، أول ما يحمل إليه الحديث عن وضع وجوهنا هذا، هو الظرف، الذي نشعر خلاله أن وجوهنا تريد منا أن نمد أيدينا إليها: ظرف الحك. فحين تُصاب وجوهنا بالحكة، تحضنا على الإلتفات إليها بأصابعنا، وتسكينها. بعبارة أخرى، تحضنا على طرد تلك الحكة منها، مهدئين اياها. وفي هذه الجهة، تبرز كرجاء عضوي، مؤلف من إنبساطات وثقوب. لكن، وبما أن الرد عليها ممنوع، فلا تستقر على كونها هذا الرجاء، بل على غيره، بحيث أنها تصير شيئاً ما، نحمله، وفي الوقت نفسه، لا يسعنا الاتصال به بأصابعنا، أي أنه ينفصل عن أجسادنا: تتحول من أرجاء عضوية إلى أرجاء مجردة. التحول هذا له علامة، علامة سريعة، وهو أن حكاك وجوهنا، ولأننا، في حينه، لا نستجيب إليها، يلح علينا، فيغدو، وبشكل ما، بمثابة ألم، يلم بنا كوخز. بعد ذلك، تختفي هذه العلامة بفعل اكتمالها، وعندها، تنقلب وجوهنا إلى أرجاء مجردة.

بهذه الطريقة، عندما تحكنا وجوهنا، خارج المنزل، تغدو من تلك الأرجاء. أما، وعندما نرجع إلى منازلنا، فيعود الإتصال بها، لمسها من جديد، ممكناً، إلا أنه، وفي الوقت نفسه، يكون مشروطاً، بفعل معين، وهو غسل الأيدي. هذا الفعل، ومع مزاولته، يغير وجوهنا: نغسل أيدينا كي نمدها إلى وجوهنا، وبالتالي، تصير هذه الوجوه بمثابة أرجاء مقدسة، لا نستطيع مسها من دون التنظيف كي لا ندنسها. على هذا النحو، تنتقل الوجوه من أرجاء مجردة إلى أرجاء مقدسة، بحيث أن بلوغها يجبرنا على التطهر. وبالتالي، تصير على مكانة عالية ومنزهة، وهذا، حيال أجسادنا. أي أنه يصير لها حظوة عليها، تماماً، كما لو أنها على صفات ربوبية، ولا بد لنا، وبالباقي من أجسادنا، بكل أجسادنا، أن نلتزم بقانونها، بإرادتها. وما قانون الوجوه، ماذا تريد؟ أن تظهر، أن تنعرض.

من هنا، إجراءات الوقاية من الكورونا ترفع من شأن وجوهنا، وبهذا، هي، في الواقع، لا تبدل مكانتها، إنما تركزها عليها. فلطالما كانت تلك الوجوه تحظى بالمكانة نفسها، بحيث أنها بمثابة الأرجاء المقدسة للرأسمالية، التي تواظب على صناعتها، على تقويتها، لتختزل حامليها، وبفعل ذلك، يوجدون بها. فالوجوه هي، وبمعنى ما، أيقونات، ننتجها لكي تنتجنا: أفراد، إيغوات، هويات. وبهذا، لها وطأة كبيرة علينا، إذ إننا، وعلى أساسها، نندمج في الرأسمالية النرجسية، كما، وعلى أساسها أيضاً، تحكم هذه الرأسمالية بواسطتنا، أي تمر عبرنا.

على هذا المنوال، وبفعل عدم لمسها في حين تصيبها الحكة، تتغير الوجوه من أرجاء عضوية إلى أرجاء مجردة، ومن بعدها، إلى أرجاء مقدسة. وهذا التغير لا يؤدي سوى إلى تكريسها مثلما أنتجها نظامها.

في هذه الجهة بالذات، تصير إشاعة نهاية الرأسمالية مضحكة للغاية، إذ تبدو أنها، وفي صعيد الوجوه، تزداد ترسخاً، أو تحافظ على رسوخها أقله.

وفي الجهة عينها، ينطرح استفهام، وهو فكاهي نوعاً ما، ولهذا، لا مناص منه: هل لمسُنا لوجوهنا، حكها، يعني أنها لا تنقلب من أرجاء عضوية إلى أرجاء مجردة، ثم مقدسة، وفي النتيجة، لا تتركز، فتفقد الرأسمالية سلطة من سلطاتها؟ وباستفهام ثان: هل جعل الوجوه عضوية هو- وبمبالغة طبعاً- تغلُّب على الرأسمالية؟

فعلياً، الجواب ينقسم إلى نواح ثلاث: من ناحية، الإبقاء على عضوية الوجوه يعني إرجاعها رؤوساً، أي الرجوع إلى ما قبلها، نظامها. لكن لمسنا لها، وباعتباره مجرد تسكين لحكها، لا يريد منها، وهنا الناحية الثانية، أن تصير عضوية، لا يبغي أن تعود رؤوساً، بل أن تبقى مجردة، أن تبقى، وببساطة، وجوهاً. كما أنها، ومن ناحية ثالثة، وعندما تبقى مجردة، فهذا، بحد ذاته، يجعلها بالضرورة بمثابة مقدسة، لا سيما أنها، وبتجريدها، هي منزهة عن باقي الجسد، ولها حظوتها عليه.

وهكذا، ردنا على الحكاك بأصابعنا قد يتيح للكورونا أن يدخل إلى أجسادنا، وقد يودي بنا لاحقاً إلى الفناء. وكل هذا، فقط، لكي نحمي وجوهنا، لكي نحمي سلطتها، أي لترسيخ رأسماليتها.

إلا أن إفقاد الرأسمالية النرجسية لسلطتها، لسلطة الوجوه، لا يستلزم فناءنا بالطبع، إنما، وعلى العكس، يرادف تمسكنا بحيواتنا: أن نحيا.

المدن

————————————-

العمل من المنزل..فرصة لقراصنة الانترنت

تزايدت عمليات القرصنة ضدّ الشركات في الولايات المتحدة والعديد من البلدان إلى أكثر من النصف، بحسب ما كشفت تقارير أميركية، مشيرة إلى أنّ السبب مرتبط باستغلال اللصوص الرقميين لعمل الموظفين من منازلهم، في إطار إجراءات التباعد الاجتماعي المرتبطة بتفشّي “كورونا”.

وقال موقع Gadgets Now، المتخصص بالأخبار التقنية، إنّ فرق الأمن الالكتروني في العديد من الشركات تواجه أوقاتاً عصيبة في حماية البيانات، بسبب عمل الموظفين عن بعد، وضعف إجراءات الأمان. وأكّد مسؤولون وباحثون أنه حتى أولئك العاملين عن بعد الذين يستخدمون الشبكات الخاصة الافتراضية، أو ما يُعرَف اختصاراً بالـVPNs، التي تُنشئ قنواتٍ آمنة لتناقل البيانات الرقمية، فإنهم يفاقمون المشكلة.

وأشار الموقع إلى أنّ شركة  VMware Carbon Black، صرحت هذا الأسبوع، أن هجمات برمجيات الفدية المعروفة، قفزت بنسبة 148% في آذار/مارس مقارنةً بالشهر السابق. وقال تون كيليرمان، الخبير الاستراتيجي في الأمن السيبراني في الشركة، إن “هناك حدثاً رقمياً تاريخياً يجري في خلفية هذه الجائحة، وهناك جائحة متفشية من الجرائم السيبرانية”.

واعتبر أنه “من الأسهل ممارسة القرصنة على مستخدم عن بعد مقارنةً بوجوده في بيئة الشركة، ليست الشبكات الخاصة الافتراضية مقاومةً للرصاص، فهي ليست مثالية على أيَّةِ حال”.

من جانبه، قال المحلل في شركة “آرتيك”، لاري هاتونين، إنّ تطبيق قواعد الاتصال الآمن، مثل منع الدخول على عناوين الويب سيئة السمعة، يكون أقل عندما يأخذ المستخدمون حواسيبهم إلى المنزل. وكذلك أكدت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، أنه “في حين تستخدم المؤسسات الشبكات الخاصة الافتراضية للعمل عن بعد، يعثر القراصنة السيبرانيون على مزيدٍ من نقاط الضعف ويستهدفونها”. وأشارت إلى أنه من الصعب متابعة تزويد الشبكات الخاصة الافتراضية بتحديثات الأمان لأنها تُستخدم طوال الوقت.

وتخطط مجموعة من الباحثين في مجال التقنية إلى نشر نتائج كل دولة على حدة الأسبوع المقبل.

————————————–

هل يكون “ريمديسيفير” العقار المعجزة لكورونا؟/ سامي خليفة

بعد تقريرٍ نشره موقع “ستات” الإخباري الطبي على الإنترنت، أورد بيانات جزئية مشجعة من تجارب لعقار “ريمديسيفير” التجريبي لشركة “جلعاد ساينسيز”، في مستشفى تابع لجامعة شيكاغو، أظهرت تعافٍ سريع للمرضى من أعراض الحمى والجهاز التنفسي، ومغادرتهم المستشفى خلال أقل من أسبوع من العلاج. انتعشت آمال المستثمرين في العالم بقرب انتهاء القيود التي كلفتهم خسائر فادحة. لكن هل هذا يعني أننا اقتربنا حقاً من هزيمة الجائحة

المستثمرون يترقبون

استناداً إلى مقطع فيديو تم تسريبه قبل يومين، أثار تقرير جامعة شيكاغو الآمال في أن تمتلك الصناعة الطبية سلاحاً جديداً وسريعاً لمكافحة فيروس كورونا المستجد، ما يقلل من الحاجة إلى البقاء في المنزل. وبعد تداول التقرير كالنار في الهشيم في العالم، ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 3.5 في المئة، وأسهم شركة جلعاد بنسبة 12 في المئة.

يؤكد الارتفاع المفاجئ في الأسواق المالية مدى تلهف وول ستريت، والأسواق المالية الأخرى، للتوصل إلى علاج للوباء. ومع ذلك، حذر محللون وخبراء في الصحة، في حديثٍ مع شبكة “سي. إن. إن” الأميركية، حول عقار “ريمديسيفير”، قائلين أنه من السابق لأوانه أن نعلن أن هذا العقار سيصنع التغيير الذي يأمله المستثمرون.

وعن هذا الموضوع، قال نيكولاس كولاس، المؤسس المشارك لشركة “داتاتريك للبحوث”، المعنية بتتبع بيانات الأسواق المالية: “المستثمرون في حاجة ماسة إلى أي أخبار جيدة عن علاج الفيروس. إذا كان لديك علاج قابل للتطبيق، فسيقلل من الحاجة إلى اتخاذ الإجراءات القصوى لإغلاق الاقتصاد”.

بيانات جزئية

رسم تقرير موقع “ستات” الطبي، استناداً إلى مقطع فيديو يُظهر محادثة بين أعضاء هيئة التدريس في جامعة شيكاغو حول التجربة، صورة متفائلة عن عقار “ريمديسيفير”. حتى أن أحد المرضى وصف عقار شركة جلعاد بأنه “معجزة”.

وهنا، تشير الشبكة الأميركية لضرورة الانتباه أن هذه نتيجة أولية، وليست بيانات حاسمة. إذ أن النتائج الرسمية للتجربة غير متوقعة قبل أخر هذا الشهر (نيسان)، مع توقع صدور المزيد من البيانات في شهر أيار المقبل. كما تنوه الشبكة بتركيز تقرير موقع “ستات” على مستشفى واحد وحسب، بينما تُقام التجربة في عشرات المراكز السريرية الأخرى.

أما المشكلة الأخرى الواضحة فتكمن بأن تجربة العقار لا تتضمن مجموعة تحكم، حيث لا يخضع بعض المرضى الذين لم يتلقوا العقار للفحص. وهذا يعني أنه سيكون من الصعب القول ما إذا كان العلاج يساعد المرضى حقاً على التعافي.

وقد علقت شركة جلعاد الأميركية، في بيان أُرسل بالبريد الإلكتروني، على التجربة بالقول “شمول البيانات بحاجة إلى تحليل من أجل استخلاص أي نتائج من التجربة”. وبدورها، أشارت مستشفى جامعة شيكاغو، إلى أن “البيانات الجزئية من تجربة سريرية مستمرة هي بالأساس غير مكتملة، ولا ينبغي استخدامها لاستخلاص نتائج”.

شكوك حول الحالات الحرجة

من المحتمل أن يكون المستثمرون، حسب الشبكة الأميركية، متحمسين لأن معظم مرضى الفيروس التاجي في مستشفى شيكاغو كانوا ” بحالة حرجة” قبل أن يتعافوا. لكن التدقيق في التجربة يعطي بعض الانطباعات العلمية المغايرة.

استبعدت تجارب جلعاد على وجه التحديد المرضى الذين كانوا على تهوية ميكانيكية عند الفحص. وعلاوةً على ذلك، تم استبعاد المرضى الذين يعانون من مشاكل أساسية خطيرة ، بما في ذلك الفشل متعدد الأعضاء، أو ضعف الكلى أو الكبد، من التجربة.

وتعليقاً على التجربة، قال المحلل الاقتصادي بريان سكورني، للشبكة الأميركية: “إن ما حدث ليس مؤشراً حقيقياً على نجاعة العقار. هؤلاء ليسوا المرضى الذين تفكر أنهم يتجهون نحو الموت المحتوم، فمعظمهم قد يتماثل للشفاء من دون علاج”.

من جهتها، قالت ليلى حوجات، طبيبة الأمراض المعدية في مشافي جامعة كليفلاند الطبية، التي تشارك في التجربة، في مقابلة مع “سي. إن. إن”، أن الكثير من المرضى تحسنوا وعادوا إلى منازلهم. وأضافت “نحن سعداء حقًا برؤية ذلك. لكن من الصعب أن نعرف في هذه المرحلة ما إذا كان ذلك متعلقاً بالعقار التجريبي أم لا”.

تفاؤل حذر

رغم الترقب الحذر ودعوة الشبكة الأميركية لعدم الإفراط في التفاؤل، توقع روبين كارناوسكاس، المحلل الاقتصادي لمصرف “سانترست” الأميركي، إعطاء إدارة الغذاء والدواء الأميركية الضوء الأخضر لعقار “ريمديسيفير” بحلول نهاية أيار المقبل إذا وجدت أنه يعمل ولا يسبب ضرراً للإنسان.

واستطرد كارناوسكاس قائلاً  “يمكنك أن تكون حذراً كما تريد، لكن الحقيقة تبقى أن ما أظهرته البيانات الأولية يمنحنا نتائج واعدة”.

والجدير بالذكر أنه حتى لو أثبت العقار فعاليته وحصل على الموافقة، فإنه لن يدر أرباحاً مالية كبيرة لشركة جلعاد. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المرضى يتلقون العلاج من خلال الحقن في المستشفى أو العيادة، وليس عبر حبوب يمكن للمرضى تناولها في المنزل.

———————————–

سويسرا تصنع لقاحاً ينقذ العالم

لقاح سويسري

في ظل السباق العالمي لإيجاد لقاح لهذا الوباء، أعلن خبراء سويسريون عن التوصل إلى لقاح. وتبعاً لخطة العمل التي وضعت، سيطرح اللقاح في سويسرا في شهر تشرين الأول المقبل. وسيكون متوفراً عالمياً في مهلة عام، وستنتجه شركات أدوية سويسرية. وقد أكد البروفسور د. مارتن باخمان، رئيس قسم علم المناعة في المستشفى الجامعي في برن، وأستاذ علم المناعة في جامعة برن وجامعة أكسفورد، للصحافيين المعتمدين في الأمم المتحدة في جنيف أن خطة العمل ستؤدي إلى انتاج اللقاح محلياً بعد ستة أشهر. 

——————————–

جميلة درويش صانعة الكمامات مجاناً: إمرأة واحدة لإنقاذ الفقراء/ جنى الدهيبي

داخل واحدٍ من أزقة شارع الراهبات – ضهر المغر، تجلس جميلة أحمد درويش في محلّها أمام ماكينة الخياطة، تعمل بهدوءٍ وصمتٍ في صناعة الكمامات البيضاء، وتساعدها فتاة عشرينية في الترتيب والتوضيب. هذا الشارع الشعبي الواقع في منطقة القبّة – وقد أُطلق عليه اسم “الراهبات” نظرًا لضمّه عددًا من الكنائس القديمة – يبدو منفصلًا عن حالة التعبئة العامة وحظر التجول ليلًا، كما الحال في مختلف أحياء طرابلس الشعبية، التي تجد في الفقر خطرًا أشدّ من فيروس “كورونا”.

لكنّ جميلة المعروفة بـ “أم جهاد”، وهي البالغة 65 عامًا، لم تستسلم لعدم مبالاة أبناء حارتها بالفيروس، فبادرت إلى صناعة الكمامات من موادٍ خامٍ في معملها الصغير، ووزّعت في أوّل دفعةٍ نحو 300 كمامة على جيرانها مجانًا. تعرف جميلة صاحبة الوجه السموح الذي تلفّه بمنديلٍ أبيض، أنّ عدم إلتزام أبناء منطقتها بالتدابير الوقائية من الفيروس، لا ينبع من جهلٍ أو استهتار أو انعدامٍ للمسؤولية المجتمعية، وإنّما هو نتيجة عجزهم عن تسديد فاتورة هذا الإلتزام. فمن منهم يملك ترف شراء الكمامات له ولأفراد عائلته يوميًا بـ 2000 أو 3000 ليرة للواحدة، فيما هم بالكاد يدبّرون ثمن ربطة الخبز؟

عند أم جهاد

نتجه نزولًا إلى معمل أم جهاد، نجدها منهمكةً بعملها وراء ماكينة الخياطة، تجلس ملتصقةً أمامها كما لو أنّها مكتبها الخاص، تحني رأسها لتدقق بأصغر تفصيلٍ في كلّ كمامةٍ وهي تمررها تحت أمشاط التطريز. جميلة الشغوفة بعملها، وهو ما يبدو جليًا بالقمصان والفساتين والعباءات المعلقة حولها، والتي تقوم بتصليحها وتخييطها، تروي لـ”المدن” عن مبادرتها في صناعة الكمامات. قالت: “كان أهالي الحارة يشتكون من عدم قدرتهم على شراء الكمامات التي يصل سعر بعضها لـ 5000 ليرة لبنانية، بينما كنت أعرف أنها في الحقيقة لا تكلّف شيئًا”.

كان لدى جميلة أقمشة متبقية من نوع الفازلين الصحية، صنعت نحو 300 قطعة ووزعتها على جيرانها، وهي حاليًا في صدد إنجاز طلبية جرى توصيتها عليها. قررت جميلة أن تبيع سعر الكمامة الواحدة لدى طلبيات الجملة، بـ 750 ليرة فقط، حتى تعطي هامشًا لصاحب الطلبية أن لا يبيعها بما يتجاوز 1500 ليرة. تابعت: “هذا ما يخصّ طلبات الجملة، أمّا الجيران، ومن يأتي إليّ طالبًا كمامة، فأعطيه مجانًا له ولعائلته، وبدل الواحدة 5 كمامات”.

تمقت أم جهاد استغلال التجار لهلع الناس وحاجاتهم، فيضعون تسعيرات جنونية عند ارتفاع الطلب على أيّ سلعة، بقيمة لا تعكس واقع كلفتها. لذا، تشعر بغبطةٍ كبيرة وهي ترى إقبال جيرانها على طلب الكمامات منها. تسمع أخبارًا حول العالم عن “حرب الكمامات” فتستغرب، لأنّها تعرف أنّ صناعتها بطرق بدائية متاحة أمام الجميع. وعن زمن الاعتماد على النفس تأمينًا للاكتفاء الذاتي، قالت: “في هذه الأزمة الصحية والاقتصادية، كلّ أمّ بامكانها أن تصنع الكمامات لعائلاتها من أيّ قماشة لديها، وأن توفر سعر الكمامات لتأمين الخبز والقوت اليومي”. لأنه، وفق تعبيرها، “مش كلّ الناس خلقت بتمها ملعقة من ذهب”.

حياة جميلة

جميلة وهي أمّ لثمانية أولاد، أنجبت بكرها البالغ 50 عامًا عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها. توفي زوجها قبل 14 عامًا، وتعيش في بيتٍ استأجرته في حيّ الراهبات مع ولدٍ لها من ذوي الاحتياجات الخاصة. اختبرت هذه المرأة الصلبة كلّ الأزمات، وعاشت معارك جبل محسن وباب التبانة، ورغم ذلك لم تيأس لشدّة تفاؤلها وسعة أملها. العام الماضي، فازت في برنامج “تطوير المؤسسات”، وهو واحد من البرامج والخدمات التي تقدمها جمعية SHIFT في مناطق القبة وجبل محسن وباب التبانة بشكل خاص، بهدف دعم المؤسسات الصغيرة من خلال التدريبات والإرشادات والتوجيه وتقديم المنح العينية، بدعم وتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولة (USAID). وعلى إثر ذلك، حصلت أم جهاد على 5 ماكينات للخياطة، فاستطاعت أن تعيد تشغيل معملها الصغير، الذي ورثت إيجاره القديم عن زوجها بكلفة مليون ليرة سنويًا. تشعر بإمتنانٍ كبيرٍ في حياتها، وتشكر على الدوام كلّ من ساعدها، وتعتبر أنّها كلّما وهبت ألفًا تعود إليها 10 آلاف.

تتحمس جميلة لصناعة الكمامات، ولا تمانع أن توسّع نطاق عملها لتوزع منها حتى على الصيدليات، من أجل بيعها بكلفةٍ بسيطة تشجيعًا للمواطنين، لا سيما في المناطق الشعبية، بدل الاستمرار في لومهم وتحميلهم مسؤولية عدم الإلتزام بالتدابير الوقائية. وأمّ جهاد الذي سبق أن دربت نحو 10 فتيات من جبل محسن على عمل الخياطة، تتوجه للسيدات أقرانها قائلةً: “لا يوجد سنّ يأس للمرأة، وكلّ واحدةٍ منّا عليها أن تبقى متفائلةً وتجدد حياتها وتعتمد على نفسها ما دامت على قيد الحياة”.

أمّا عن “كورونا” الذي لا تخشاه جميلة، فتقول عفويًا بتسامحٍ قد تُحسد عليه: “ما رح يصير شي، ورح يقطع، لأنّ الله لن يتركنا”.

المدن

————————————

كورونا يختبئ في “خصية الرجل”.. ومناعة النساء أقوى

كشفت دراسة أن فيروس كورونا المستجد يؤثر على الرجال أكثر من النساء، وهذا يعود لأسباب بيولوجية وليس بسبب العادات اليومية المتبعة واختلافها ما بين الجنسين وفق الفرضيات السابقة.

وتظهر الأرقام أن أعداد الرجال المصابين أكثر من أعداد النساء، وهو ما عزته دراسات سابقة إلى العادات المتبعة بشكل يومي وإختلافها من كلا الطرفين، خاصة وأن أعداد المدخنين عند الذكور  أكبر مما هي عند الإناث.

الدراسة الجديدة التي أعدها باحثون في نيويورك بالولايات المتحدة ومومباي بالهند أظهرت أن فيروس كورونا المستجد يتحصَن أحيانا في الخصيتين خاصة عندما يهاجمه الجهاز المناعي، حيث يتعلق ببروتين (ACE2) وإنزيم الأنجيوتنسين الذي يتواجد بكثرة هناك، ولكنه يوجد بشكل محدود في المبيض عند المرأة.

وأظهرت الدراسة أن المتعافين من الفيروس من الرجال يحتاجون لفترة أطول من النساء للتخلص من كورونا، حيث تحتاج أجسام النساء إلى ما معدله أربعة أيام للتخلص من العدوى بينما يحتاج جسم الرجل ما معدله ستة أيام على الأقل، وفق تقرير نشره موقع “ديلي ميل”.

وأعدت الدراسة طبيبة متخصصة في الأورام في مركز مونتيفيور في برونكس أديتي شاستري، وعالمة الأحياء الدقيقة في مستشفى كاستوربا للأمراض المعدية في مومباي جايانثي شاستري.

ولكن أستاذ علم الفيروسات إيان جونز في جامعة ريدينغ شكك بنتائج الدراسة وقال “أن “كوفيد-19″ سيحتاج إلى السفر عبر مجرى الدم للوصول إلى الخصيتين وهو ما لا تفعله الفيروسات بشكل عام، خاصة وأن هذا الفيروس يتكاثر في الجهاز التنفسي”.

وأشار إلى أن الرجال عموماً أسوأ من النساء في نتائج اختبارات الجهاز المناعي، وهو ربما يعود إلى أسباب أخرى.

وكانت جانين كلايتون، مديرة مكتب البحوث حول صحة المرأة قد أكدت أن هناك شيئاً ما في الجهاز المناعي للإناث يجعلهن أفضل، إذ تكون الاستجابة المناعية لديهن أقوى من الرجال، وهي ربما ترتبط بهرمون الأستروجين.

وكانت دراسة أعدها المركز الصيني لمكافحة الأمراض قد قالت إن الرجال يتأثرون بفيروس كورونا أكثر من النساء، إذ وجد الباحثون أن معدل الوفيات كان 2.8 في المئة بين الرجال مقارنة بـ 1.7 في المئة بين النساء.

في غضون ذلك تعمل ما لا يقل عن 15 شركة في الدول الناطقة بالألمانية على إعداد دواء لفيروس كورونا الجديد، فيما تعمل سبع شركات أخرى على إعداد لقاح مضاد. جاء ذلك وفقاً لبيان صادر الاحد عن الاتحادات الدوائية الثلاثة “في إف ايه” و”بيو ألمانيا” و”فارمينغ”، لكن الإتحادات الثلاثة لم تدّعِ إتمام العمل بعد.

وأوضحت الإتحادات عن طريق خريطة تفاعلية على الإنترنت، الأماكن التي يجري البحث فيها في ألمانيا والنمسا وسويسرا، وما تعمله الشركات بالضبط، وذكرت الإتحادات أن الخريطة سيتم تحديثها بشكل مستمر، وأشارت إلى أن الشركات ستواصل التعاون بشكل مكثف مع بعضها البعض وكذلك مع شركات أخرى.

بدوره أعرب مؤسس شركة مايكروسوفت والملياردير بيل غيتس عن تفاؤله بأنه سيكون هناك لقاح ضد فيروس كورونا المستجد بنهاية العام المقبل.

جاء ذلك في كلمة له خلال حفل “عالم واحد: معا في المنزل” العالمي عبر الواقع الافتراضي ليلة السبت.

وقال غيتس “هناك الكثير من اللقاحات المرشحة التي ندعمها الآن، وأنا متفائل أنه بحلول أواخر العام المقبل سيخرج أحدها، ونحن بحاجة للتأكد من أنه سيصل إلى كل شخص في العالم”.

وأضاف “تأتي النتيجة في نهاية المطاف عندما نحصل على لقاح يحمينا جميعًا، ليس فقط في الولايات المتحدة- بل في جميع أنحاء العالم”.

————————————————-

لواء فاطميون..بؤرة كورونا بين الميليشيات الإيرانية

ضاعفت المليشيات الإيرانية في سوريا من إجراءات الوقاية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في مقارها وثكناتها العسكرية المنتشرة في مختلف مناطق سيطرة النظام السوري بعد أن ارتفعت أعداد المصابين في صفوف المليشيات مؤخراً.

وسجل وباء كورونا انتشاراً كثيفاً في صفوف “لواء فاطميون” المليشيا الأفغانية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وتركزت الأعداد الأكبر من الإصابات في صفوف فاطميون في مناطق سيطرة النظام بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، وتأتي حلب في المرتبة الثانية من حيث أعداد المصابين بالفيروس في صفوف المليشيا.

فاطميون في دير الزور

مصادر محلية في دير الزور قالت ل”المدن”، إنه “تم خلال اليومين الماضيين الحجر على 6 عناصر على الأقل من “لواء فاطميون” في منطقة البوكمال القريبة من الحدود السورية-العراقية شرقي دير الزور، وتم نقل الحالات المصابة تباعاً إلى مشفى الأسد في مدينة دير الزور”.

وأوضحت المصادر أن “قوات النظام والمليشيات الإيرانية تفرض طوقاً أمنياً حول مراكز الحجر والنقاط الطبية العسكرية في دير الزور وريفها، وتم نقل عشرات الحالات المصابة إلى العراق منذ منتصف شهر نيسان/أبريل الحالي”.

وبحسب المصادر، يستقبل “مستوصف سارية أحمد حسون في حي فيلات البلدية بمدينة دير الزور عدداً كبيراً من الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، وجرت العادة أن يقدم المستوصف خدماته لعناصر المليشيات الإيرانية وعائلاتهم منذ افتتاحه بدعم إيراني قبل عامين تقريباً”.

وأضافت المصادر أن “الكثير من الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس في صفوف فاطميون تم تحويلها من المستوصفات الفرعية المنتشرة في المدينة والريف وصولاً إلى منطقة البوكمال حيث تتركز الأعداد الأكبر لفاطميون وعموم المليشيات المدعومة من إيران، بما فيها حزب الله العراقي، وزينبيون والنجباء وحيدريون وغيرها”.

وتناقلت مواقع إعلامية محلية في دير الزور معلومات حول إعلان المليشيات الإيرانية رغبتها بتوظيف كوادر نسائية برواتب تتراوح ما بين 50 إلى 75 ألف ليرة سورية، وفي الغالب سيتم تشغيلهم في المرافق الصحية والقطاعات الخدمية الأخرى.

النظام لا يعترف

ويخشى السوريين في مناطق سيطرة النظام في دير الزور من تفشي الوباء بشكل أكبر خلال الفترة القادمة بسبب الانتشار الواسع لمليشيا “فاطميون” وعدد كبير من المليشيات الإيرانية في المدينة والريف، كذلك بسبب الحدود المفتوحة على العرق واستمرار توافد قوافل المليشيات والزوار الإيرانيين والعراقيين إلى المنطقة.

ورغم المعلومات المتداولة حول وجود أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس إلا أن مؤسسات النظام الرسمية تتجاهلها.

وتعتبر مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة النظام وقوات سوريا الديموقراطية سوقاً مفتوحة على المنتجات العراقية والإيرانية، وتصل بين مناطق النظام و “قسد” ممرات تهريب على نهر الفرات، الأمر الذي يزيد من احتمالات انتشار الوباء بشكل أكبر وتوسعه في مناطق سيطرة الطرفين.

وكُشف، الأحد، عن إصابة امرأة مسنة في مناطق سيطرة “قسد” بريف دير الزور الشرقي، وكانت قد وصلت إلى المنطقة عبر معبر الشحيل النهري قادمة من مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية، وتم وضعها في مركز الحجر الصحي ببلدة أبو خشب.

فاطميون في حلب

يتركز انتشار لواء “فاطميون” بحلب في منطقتي تجمع رئيسيتين، الأولى في عدد من المعسكرات والمواقع المنتشرة في محيط منطقة جبل عزان مقر القاعدة العسكرية التابعة ل”الحرس الثوري” في ريف حلب الجنوبي، ومنطقة الانتشار الثانية في محيط المدينة الصناعية والمنطقة الحرة وأطراف معسكر فيصل قاسم شمالي حلب.

مشغل صناعة كمامات يتبتع للواء فاطميون

تفشي الوباء في صفوفها أجبر “فاطميون” مؤخراً على اتباع إجراءات وقائية أكثر جدية، من حيث عمليات التعقيم والتقليل من التجمعات في الاحتفالات الدينية، وافتتحت منتصف نيسان/أبريل، مشغلاً لتصنيع الكمامات الطبية في ريف حلب، ومن المفترض أن يتم توزيعها على باقي التشكيلات المدعومة من إيران في الشمال والشرق السوري.

وقال الناشط الإعلامي محمد رشيد ل”المدن”، إن “السبب في وقوع العدد الأكبر من الإصابات بالفيروس كورونا في صفوف مليشيا فاطميون يرجع إلى عدم التزام عناصرها في إجراءات الوقاية خلال الفترة الماضية، واستمرار فاطميون رسمياً في إقامة الاحتفالات الدينية في مختلف مواقعها وثكناتها العسكرية في ريف حلب ودير الزور وغيرها من المناطق التي تنتشر فيها بسوريا”.

وأضاف رشيد أن المليشيات الإيرانية باتت تخشى من انتقال العدوى إلى باقي تشكيلاتها لذا عملت خلال الأسبوعين الماضيين على تغيير مواقعها في ريف دير الزور، ومن بينها حزب الله اللبناني، وحزب الله العراقي، ولواء الباقر، وحركة النجباء العراقية، والفوج 47.

ومن خلال تحركاتها الأخيرة من المفترض أن تحقق الميليشيات هدفين، الأول عزل المجموعات غير المصابة عن المناطق الموبوءة، والثاني يتمثل في التمويه وتغيير المواقع تفادياً للضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية التي كانت مكثفة في الآونة الأخيرة شرقي سوريا في المنطقة القريبة من الحدود العراقية.

———————————–

 كيف تعمل اختبارات الكشف عن «كوفيد ـ19»؟/ د. وفا جاسم الرجب

مئات الأنواع الجديدة قيد التطوير

من العوامل الرئيسية في معالجة انتشار «كوفيد-19» في جميع أنحاء العالم، استخدام الاختبار الشامل لمحاولة التعرف على المصابين بالمرض وعزلهم بسرعة. ويعد الاختبار أمراً حيوياً أيضاً لحساب معدلات العدوى ومعدل الباقين على قيد الحياة، وهي بيانات بالغة الأهمية لتوفير تدابير السلامة العامة بشكل صحيح مع تزايد انتشار الفيروس التاجي في جميع دول العالم تقريباً.

اختبارات متوفرة

ما الاختبارات المتاحة؟ هناك طريقتان رئيسيتان لاختبار الإصابة بفيروس «كورونا المستجد» أي الفيروس التاجي الذي يسبب مرض «كوفيد-19».

> الاختبار الأول حساس للغاية يبحث عن الحامض النووي الريبي للفيروس باستخدام تقنية تسمى «تفاعل سلسلة البلمرة للنسخ العكسي» reverse transcription polymerase chain reaction (RT – PCR). ويمكن أن يكشف هذا الاختبار عن جزيء فيروس واحد في المسحات المأخوذة من البلعوم أو من الأنف.

> أما النوع الثاني من الاختبارات فيقيس استجابات الأجسام المضادة للفيروس في مصل الدم، إذ إن هناك العديد من مكونات الفيروس التي تحفز أجسامنا على توليد الأجسام المضادة المختلفة ضدها. وبعض هذه الأجسام المضادة مفيد للغاية ويقتل الفيروس أو يوقف العدوى، وبعضها الآخر أقل فائدة ويرتبط بأجزاء محددة من الفيروس ولكن دون مساعدة دفاعاتنا.

في بداية تفشي المرض اعتمد معظم البلدان على اختبارات (RT – PCR) لأنها كانت الأسرع في التطور. إلا أن الاختلافات الكبيرة في المجموعات قيد الاختبار لا تزال تجعل من الصعب مقارنة الأرقام الإجمالية بين البلدان. وكانت المملكة المتحدة سريعة جداً في تطوير اختبار (RT – PCR) ولا يزال هذا هو الأسلوب الأساسي باستخدام شبكة من المختبرات التي تقوم بنفس الاختبار الموحد، وهو ما يسمح بالحصول على بيانات ثابتة.

جودة الاختبار

ما مدى جودة اختبارات «كوفيد-19» الحالية؟

> اختبارات (RT – PCR) تعد من الاختبارات المحددة والحساسة للغاية. ومع ذلك وبمجرد أن يتعافى المصاب ويتخلص من الفيروس فإن هذه الاختبارات لن تتمكن من معرفة ما إذا كان الشخص قد تعافى أم لا. وهذا يخلق حالة من عدم اليقين بشكل كبير خصوصاً إذا كان الشخص يعاني من العزلة الذاتية بسبب أعراض خفيفة وغير واضحة.

من جهة أخرى تحتاج اختبارات (RT – PCR) غالباً إلى مختبر متخصص، لذلك يستغرق الأمر فترة من الزمن حتى إذا كان الاختبار نفسه لا يستغرق سوى عدة ساعات لكن الوقت الذي يتطلبه جمع العينات ونقلها ومعالجتها قد يستغرق أياماً قبل معرفة النتيجة.

> أما بالنسبة إلى اختبارات الأجسام المضادة فعادةً ما يحتاج الجسم المضاد إلى بضعة أسابيع للتطور ضد عدوى جديدة ويستمر لفترة أطول في مجرى الدم ويبقى حتى بعد زوال الفيروس نفسه، مما يوفر صورة تاريخية للعدوى السابقة. ويعد هذا النوع من اختبارات «الأمصال» أداة قوية تُستخدم للتحقق من نجاح اللقاحات أو لمعرفة ما إذا كان الأشخاص قد واجهوا عدوى من قبل.

ومع ذلك لم يتم اختبار اختبارات الأجسام المضادة الحالية للفيروس التاجي الجديد بشكل كامل حتى الآن للتأكد من أنها موثوقة، ولهذا السبب توصي إرشادات منظمة الصحة العالمية بالاعتماد على اختبار (RT – PCR).

تقييم دقيق للاختبارات

هل هناك من يقيّم الاختبارات؟ هناك منظمة واحدة هي مؤسسة التشخيصات المبتكرة الجديدة The Foundation for Innovative New Diagnostic أو (FIND) التي يقع مقرها في جنيف بسويسرا، تقوم بتقييم الاختبارات من خلال قائمة تضم أكثر من 300 اختبار لـ«كوفيد-19» تم تصنيعها على مستوى العالم. وحسبما صرحت به كاساندرا كيلي سيرينو، مديرة التهديدات الناشئة في «FIND» وكبيرة الباحثين في البرنامج، فإن المؤسسة توحّد جهودها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO) حيث تم فحص آلاف عينات الفيروسات التاجية بأطقم الاختبارات المختلفة، ومقارنة أدائها بمعيار مرجعي. كما ستقوم المنظمة بترتيب الاختبارات على أساس الحساسية. وقد أذنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية من خلال مسار ترخيص استخدام الطوارئ بأكثر من 30 اختبار «كوفيد-19» في الأسابيع الأربعة الماضية.

وكانت «FIND» قد أعلنت في فبراير (شباط) الماضي عن دعوة الشركات المصنّعة لتقديم اختباراتها للتقييم. وفي المقابل يحصل المصنّعون على طابع عالمي للتقييم المستقلّ من «FIND».

وقدم المصنعون أكثر من 300 اختبار، ونشرت «FIND» نتائج أول خمسة تقييمات في 16 أبريل (نيسان) الجاري جميعها حققت حساسية سريرية بنسبة 100% على العينات الإيجابية و96% على العينات السلبية. وتم تقديم الاختبارات بواسطة الشركات الخمس: KH Medical وSD Biosensor وBGI Health وDAAN Gene وTib Molbiol. وقدمت كل شركة اختباراً جزيئياً يكتشف وجود أي مادة جينية فيروسيةـ، حيث تندرج معظم اختبارات الفيروس التاجي الجديد في فئتين عريضتين: الاختبارات الجزيئية والاختبارات المناعية. وتقوم شركة «FIND» وشركاؤها بتقييم أداء الاختبارات في كلتا الفئتين.

تكشف الاختبارات الجزيئية عن الشفرة الوراثية للفيروس بتقنية (RT – PCR) ويمكن أن تسفر هذه الاختبارات عن نتائج دقيقة في الأيام الأولى لعدوى «كوفيد-19» ولتقييم الأداء يتحقق باحثو «FIND» أولاً من ادعاءات الشركات المصنعة بشأن الحساسية. ثم يتم تشغيل 50 عينة إيجابية و100 عينة سلبية عبر كل اختبار جزيئي. بعدها تقارن النتائج مع اختبار مرجعي وهو اختبار آخر قائم على «PCR».

وتقول كاساندرا كيلي سيرينو: «لقد وجدنا بالفعل أن العديد من الاختبارات الجديدة المتاحة تجارياً من المحتمل أن تكون أكثر حساسية من الاختبار المرجعي». وتُجري «FIND» تقييماتها للاختبارات الجزيئية في مستشفيات جامعة جنيف في سويسرا Hôpitaux Universitaires de Genève.

الفحوص المختبرية مقابل المنزلية

> تعمل الاختبارات السريعة مثل اختبارات الحمل، ولكنها تكشف الأجسام المضادة للفيروسات بدلاً من هرمونات الحمل. وهي أسرع وربما أرخص ولكنها أقل دقة من الطرق المختبرية.

ومثل هذه الاختبارات سريعة التصنيع وسهلة الاستخدام ولكن يجب أن يتم تصميمها والتحقق من صحتها بعناية ولهذا السبب لم تتم الموافقة عليها للاستخدام ولم نشهد استخداماً رسمياً واسع النطاق حتى الآن. كما أن التحكم في الجودة والتحقق من الصحة يضيف تكلفة كبيرة لهذه الاختبارات. وكما هو الحال مع اللقاحات فمن الضروري للغاية أن يكون أي اختبار دقيقاً وآمناً ويستغرق وقتاً ومالاً. وقد تتحول هذه الاختبارات غير الدقيقة في حالة التفشي الحالي إلى أدوات مدمرة إذا ما كانت نتائج الاختبار سلبية لشخص مصاب بالعدوى وخرج وأصاب المزيد من الأشخاص. وتصل دقة بعض هذه الاختبارات إلى نحو 80% وقد تمت دراستها بشكل مكثف للعديد من الالتهابات الفيروسية المهمة مثل حمى الضنك.

———————————

هل فيروس كورونا على ملابسي وحذائي وشعري وصحيفتي.. وهل تنقله الحيوانات؟

يخشى العديد من الناس انتقال فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “كوفيد-19” إلى منازلهم من خلال ملابسهم وأحذيتهم والرسائل البريدية وحتى الصحف، وأيضا من الحيوانات، فما المعلومات المتوفرة حتى الآن؟

في تقريرها الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، طلبت الكاتبة تارا بارك بوب من الخبراء الإجابة عن أسئلة حول الأسطح التي يمكن أن تنقل إليك فيروس كورونا.. إليكم الأجوبة:

هل يجب أن أغيّر ملابسي وأستحم فور عودتي إلى المنزل من محل البقالة؟

بالنسبة لمعظم الأشخاص الملتزمين بقواعد التباعد الاجتماعي الذين لا يتجهون إلى متجر البقالة أو الصيدلية سوى عند الحاجة، يتفق الخبراء على أنه ليس من الضروري تغيير الملابس أو الاستحمام عند العودة إلى المنزل. ومع ذلك، يجب عليك أن تغسل يديك دائما.

صحيح أن عطس أو سعال شخص مصاب يمكن أن ينشر القطيرات الفيروسية والجسيمات الدقيقة عبر الهواء، إلا أن معظمها ستسقط على الأرض.

من جهة أخرى، تشير الدراسات إلى أن بعض الجسيمات الفيروسية الصغيرة يمكن أن تطفو في الهواء لمدة نصف ساعة تقريبًا، لكن من غير المحتمل أن تلتصق بملابسك.

لماذا لا تتشبث القطيرات الصغيرة والجسيمات الفيروسية بملابسنا؟

إذا كنت في الخارج للتسوق وعطس أحدهم بجانبك، فمن الأنسب أن تعود للمنزل وتغير ملابسك وتستحم. ولكن لا داعي للقلق، ذلك أن حركة جسمك البطيئة تدفع الهواء والجزيئات الفيروسية بعيدًا عن ملابسك، وهي ظاهرة بسيطة من ظواهر الفيزياء.

هل يمكن أن يتشبث الفيروس بشعري أو لحيتي؟

كما ذُكر آنفا، يجب ألا تقلق بشأن تلوث شعرك أو لحيتك بالفيروس إذا كنت تطبق قواعد التباعد الاجتماعي حتى إذا عطس شخص على رأسك من الخلف، فمن غير المحتمل أن تمثل أي قطيرات سقطت على شعرك مصدرًا للعدوى.

وحسب الدكتور أندرو جانوفسكي، وهو أستاذ مختص في الأمراض المعدية عند الأطفال في مدرسة طب جامعة واشنطن، تساهم سلسلة الأحداث التي تقع بعد أن يعطس شخص ما بجانبك، مثل لمس شعرك أو ملابسك ثم وجهك في تخفيض خطر الإصابة بالفيروس.

هل يجب أن أقلق بشأن غسيل الملابس وفرزها، وهل يمكنني التخلص من الجزيئات الفيروسية من ملابسي ونشرها في الهواء؟

إذا كنت تغسل الملابس بشكل روتيني، لا يجب أن تقلق. وفي حين يصعب التخلص من بعض أنواع الفيروسات مثل نوروفيروس بعد غسل الملابس، فإن فيروس كورونا، تماما مثل فيروس الإنفلونزا، محاط بغشاء دهني لا يقاوم الصابون. نتيجة لذلك، يعد غسل ملابسك بمنظف الغسيل العادي واتباع تعليمات تنظيف القماش فضلا عن تجفيفها كافيا لإزالة الفيروس.

وفي حال كنت على اتصال وثيق بشخص مصاب، توصي مراكز الوقاية ومكافحة الأمراض بارتداء قفازات عند تنظيف مكانه مع الانتباه لعدم نفض ملابس الغسيل والفراش واستعمال الماء الساخن والحرص على تجفيف الملابس بشكل تام. ويمكنك دمج ملابس شخص مريض مع ملابس الآخرين. كما أن ترك الملابس لمدة معينة قبل غسلها من شأنه أن يقلل من خطر انتشار الفيروس.

إلى متى يمكن أن يبقى الفيروس على قيد الحياة في الأقمشة وعلى الأسطح الأخرى؟

توصلت دراسة نشرتها “مجلة نيو إنغلاند للطب” في مارس/آذار الماضي، إلى أن الفيروس في الظروف المثالية يمكن أن يبقى على قيد الحياة لمدة ثلاثة أيام على الأسطح المعدنية الصلبة والبلاستيك، ولمدة 24 ساعة تقريبا على الورق المقوى.

وعلى الرغم من أن الدراسة لم تتطرق لمدة صموده على القماش، فإن معظم خبراء الفيروسات يعتقدون أن الألياف الطبيعية في الورق المقوى تتسبب في تجفيف الفيروس بسرعة أكبر من الأسطح الصلبة. لذلك، من المحتمل أن يكون لألياف القماش تأثير مماثل.

وخلص الباحثون في دراسة نشرت عام 2005 حول الفيروس الذي يسبب السارس (وهو ينتمي إلى عائلة فيروس “كوفيد-19” نفسها، عائلة الفيروسات التاجية) إلى أن الفيروس يتلاشى في مدة تتراوح بين خمس دقائق أو ثلاث ساعات إلى 24 ساعة من فوق الأقمشة القطنية والأوراق. وحتى مع وجود كمية مرتفعة نسبيا للفيروس في القطرات، فقد لاحظ الباحثون أنه يختفي بشكل سريع عندما يكون على سطح الورق والأقمشة القطنية.

هل يجب أن أقلق بشأن البريد أو الطرود أو الصحيفة؟

خطر الإصابة بالمرض من خلال تسلم البريد أو الطرود منخفض للغاية. وحتى الآن، لا توجد حالات أصيبت بالعدوى عن طريق فتح طرد ما أو قراءة الصحيفة. لكن هذا لا يعني التوقف عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة، فعليك أن تتخلص من الغلاف وتقوم بغسل يديك جيدا.

هل يجب أن أقلق بشأن التقاط العدوى عند ممارسة الرياضة في الخارج؟

احتمالات إصابتك بالفيروس عند الخروج في الهواء الطلق منخفضة للغاية، شريطة أن تحافظ على مسافة الأمان مع الآخرين. وأوضحت ليديا موراوسكا، الأستاذة والمديرة في المختبر الدولي لجودة الهواء والصحة بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في بريسبان بأستراليا، أن “الهواء الطلق آمن، وبالتأكيد ليس هناك سحابة من القطرات المحملة بالفيروس تتجول في الشارع”.

وأضافت موراوسكا أن “تركيز القطرات المعدية يخف بسرعة في الهواء الطلق. كما أن مدة صمود الفيروس في الخارج أقصر بكثير من الداخل. لهذا السبب، لا يشكل المجال الخارجي خطرا بالفعل، إلا إذا كنا في مكان مزدحم للغاية. من الآمن الخروج للمشي والركض وعدم القلق بشأن الفيروس وانتشاره في الهواء، وليس هناك حاجة لغسل الملابس على الفور”.

لقد قرأت أنه عندما أعود إلى المنزل من جولة بالخارج، يجب أن أخلع حذائي وأن أمسحه، هل هذا صحيح؟

أوضحت الكاتبة أن الأحذية يمكن أن تأوي البكتيريا والفيروسات، لكن لا يعني ذلك أنها مصدر شائع للعدوى، حيث وجدت دراسة نشرت عام 2008 بتكليف من شركة “روكبورت للأحذية” الكثير من الأشياء المقرفة، بما في ذلك البكتيريا البرازية على باطن الأحذية. كما أشارت دراسة حديثة من الصين إلى أنه من بين العاملين في مجال الرعاية الصحية، اكتشف نصفهم وجود فيروس كورونا على أحذيتهم، وهو أمر متوقع لأنهم عملوا في مستشفيات تأوي مرضى مصابين.

إذن ما الذي يجب أن نفعله بشأن أحذيتنا؟ إذا كان حذاؤك قابلا للغسل، يمكنك أن تغسله. ولكن لا يُنصح بتنظيف نعال الأحذية بمنديل، لأن المنديل سينقل الجراثيم التي كانت عالقة بحذائك أو على الأرض مباشرة إلى يديك. يمكنك أيضا أن تحاول عدم التفكير في الأشياء التي يُمكن أن يحملها حذاؤك، أو أن تجري محادثة مع عائلتك حول إمكانية أن تتجنب الأسرة ارتداء الأحذية في المنزل.

إن هذه الفكرة مناسبة خاصة إذا كان لديك طفل تعود اللعب على الأرض، أو فرد من العائلة يعاني من الحساسية، أو شخص يعاني من ضعف في جهاز المناعة.

ماذا عن الحيوانات؟

وفقا لموقع دويتشه فيلله، فقد وجد باحثون بمعھد أبحاث الطب البیطري في مدینة ھاربین الصینیة أن فیروس كورونا المستجد یتكاثر بنجاح في القطط التي تنقله بدورھا إلى قطط أخرى. لكن الفریق الذي یترأسه الطبیب البیطري “ھوالان تشین” خلص إلى أن العدوى بین القطط لا تنتقل بسھولة، وھو ما نشروه في دراستھم التي ظھرت في مجلة بیو رفیكس العلمیة أخيرا.

لكن لا ینبغي على أصحاب القطط القلق الآن، حيث تطور القطط أجساما مضادة للفیروس بشكل سریع، مما لا یجعلھا معدیة لفترة طویلة. أما من لدیھم أمراض مسبقة أو المسنون فمن الأفضل أن یتفادوا القطط في ھذه الفترة. وعلى الأصحاء ممن لدیھم قطط غسل یدیھم جیدا بعد ملامستھم لھا.

اعلان

وعلى عكس القطط أظھرت الدراسة أن الفیروس لم ینجح في التكاثر في الكلاب، لذلك لا ضرورة للخوف عند مداعبة الكلب أو التنزه معه.

 وبالنسبة للطيور فقد خلص فریق العلماء إلى أن الدجاج والبط بالإضافة إلى طیور أخرى لدیھا مناعة ضد فیروس كورونا المستجد.

ویعتبر الجمیع الخفافیش المتھم الرئیسي في جائحة كورونا، فأغلب العلماء یرجحون أن الفیروس بدأ من عندھا. لكن علماء یعتقدون أن ھناك حیوانا آخر كان وسیطا في نقل الفیروس بین الخفاش والإنسان، وهو حیوان “آكل النمل الحرشفي”.

اعلان

فقد وجد باحثون من الصین وھونغ كونغ وأسترالیا في حیوان آكل النمل الحرشفي المالیزي فیروسا یشبه تماما فیروس كورونا المستجد.

یذكر أن آكل النمل الحرشفي یُباع بطریقة غیر مشروعة بأسواق الحیوانات البریة في الصین.

المصدر : نيويورك تايمز,دويتشه فيلله

——————————

بعض الخطاب العالمي الذي أوجده فيروس كورونا/ طلال المصطفى

من يتابع حركة الخطاب العالمي، في فترة انتشار ظاهرة مرض كورونا، يجد أن مساحة جديدة برزت لاستكشاف أدواره الجديدة ووظائفه في حياة المجتمعات الإنسانية كافة، تجاه القضايا والأزمات التي تواجهها، وقد عُبّر عن الخطاب العالمي الجديد، في الكتابات الأولية التي تصدر عن المؤسسات المجتمعية كافة، أو عن العلماء والباحثين في تخصصاتهم المتعددة، أو التي تصدر عن خلفية أيديولوجية أو سياسية محددة، وتكشف عن وجهة نظر محددة إزاء قضايا سياسية اقتصادية، اجتماعية، دينية…. إلخ. وتشابك ذلك الخطاب، سلبًا وإيجابًا، مع المجتمع وقضاياه.

بالرغم من الإشكاليات التي نشأت داخل الخطاب العالمي الجديد، بفعل أزمة كورونا، ولا سيما مع تعليق النشاطات والتجمعات البشرية على الصعد كافة؛ فقد كشف الاتجاه العام لتوجهات الخطاب عن درجة عالية من الفاعلية في التعاطي مع الأزمة، عبر البحث عن قصور الإجراءات الحكومية (الصحية، الاقتصادية، التعليمية، السياسية، الاجتماعية وغيرها)، ونقدها في مواجهة تفشي الفيروس، والتفكير الجدي في ملامح الدولة سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا، بعد انتهاء أزمة كورونا.

فرضت أزمة مرض كورونا على البشرية خطابًا إنسانيًا جديدًا على الصعد كافة، الشخصية والعامة، من خلال إزاحته للموضوعات السائدة ما قبل كورونا، على المستوى الفردي والأسري من جانب، حيث لم يعد هناك وقت للحديث عن ظروف العمل، الهوايات، كيفية قضاء العطل، الحب، الزواج…. إلخ. وعلى المستوى المجتمعي العام من جانب آخر، حيث ارتبطت جميع الموضوعات الجديدة في الخطاب العالمي بمرض كورونا (الأنشطة السياسية، الاقتصادية، الفكرية والثقافية، الأنشطة الترفيهية، التعليمية والبحثية، الثورات والحروب.. إلخ).

من خلال نظرة أولية وسريعة على النصوص المنتجة من قبل العلماء والباحثين من كل الاختصاصات، في المجلات والصحف الورقية والالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، نلاحظ أن هناك هيمنة مطلقة للخطاب الجديد المرتبط مباشرة بمرض كورونا، على معظم نصوص الخطابات الاقتصادية، السياسية، السوسيولوجية، الدينية، التربوية، التعليمية، الصحية، الفنية، الرياضية، الإعلامية، حتى الفكاهية الشعبية (النكت).

 الحديث عن خطاب إنساني جديد يرتبط بمرض كورونا، على الصعيد العالمي، هو حالة طبيعية، وإذا ما عدنا إلى التاريخ الحديث القريب؛ وجدنا في كل فترة تاريخية محددة هيمنةً لخطاب مرتبط بالأحداث السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، العسكرية (الحروب)، بداية من خطاب الحرب الباردة وقضايا التحرر الوطني بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في التسعينيات، إلى خطاب النظام العالمي الجديد والعولمة، على إثر انهيار المعسكر الاشتراكي، وانفراد الولايات المتحدة الأميركية في الهيمنة على العالم، وفيما بعد خطاب العالم ما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وبعد 2010 في خطاب ثورات الربيع العربي ومآلتاها…إلخ.

 وبالعودة إلى هذا الخطاب الجديد المرتبط بأزمة مرض كورونا، الذي يمكن القول إن ملامحه الأولية بدأت؛ يظهر الآتي:

1- على الصعيد الاقتصادي، لوحظ البحث والحديث عن حرب بيولوجية تقودها واشنطن، لإضعاف الصعود الاقتصادي الصيني ومحاولة الهيمنة على العالم اقتصاديًا. وفي الوقت نفسه، هناك حديث مضاد عن اتهام الصين بنشر الفيروس، في محاولة منها للهيمنة الاقتصادية على العالم، حتى إن الرئيس الأميركي (ترامب) وصف فيروس كورونا بـ “الفيروس الصيني”، من خلال عدّه إرهابًا طبيًا صينيًا/ روسيًا متعمدًا، كما جاء في استقصاء جريدة الليموند الفرنسية على عينة من الفرنسيين، في 10 نيسان/ أبريل 2020. وكذلك ما كُتب عن المحاولة الأوروبية التضحية بكبار السن، لتخفيض عدد السكان وردم الفجوة بين السكان والموارد الاقتصادية.

بدأت تتبلور توجهات نظرية اقتصادية جديدة تدعو إلى إيجاد بدائل اقتصادية متوازنة، من خلال رفضها للسياسات الاقتصادية الاحتكارية، بل تحدّث وزير المالية الفرنسية (برونو لومير) بأن الحكومة مستعدة إلى اللجوء إلى كل السبل، التي من بينها “التأميم -إذا لزم الأمر- من أجل حماية الشركات الفرنسية المهددة من جراء تفشي فيروس كورونا، وخاصة الشركات الاستراتيجية”. أي الدعوة إلى ضرورة تدخل الدولة اقتصاديًا؛ بهدف إعادة التوازن وضمان عدم حدوث انهيار على المستوى المجتمعي.

2- على الصعيد السياسي، حديث العاملين في الحقل السياسي عن صعود أزمة الأنظمة الرأسمالية اقتصاديًا، وخاصة على صعيد توفير الخدمات الرئيسية للمواطنين، من صحة وطبابة وتعليم وغذاء، وإذا ما تصاعدت هذه الأزمة أكثر في المستقبل؛ فهناك إمكانية للعودة إلى بروز التيارات اليسارية الاشتراكية، بعد أن خمدت على إثر انهيار الأنظمة الاشتراكية في العالم. بل وجد البعض في ظاهرة أزمة كورونا أنها وضعت حدًا لنظام العولمة، ورأى أن هناك إمكانية للعودة إلى الدولة القومية/ الوطنية.

أما أنصار الحرية والديمقراطية، فقد عبّروا عن هواجسهم وتخوفهم من إمكانية تعزيز هيمنة الأنظمة الاستبدادية على شعوبها، وعودة التيارات الشعبوية اليمينية في أوروبا، وإمكانية مصادرة حقوق المواطنين، لوجود أوجه تشابه كبيرة بين الإجراءات (القمعية) المطبقة على المواطنين التي فرضتها معظم دول العالم للوقاية من فيروس كورونا، والإجراءات التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية.

3- على الصعيد العلمي والبحثي، برزت الدعوة إلى إعادة الاعتبار للبحث العلمي عمومًا، والطبي خصوصًا، بل مورست هذه الدعوات من خلال العمل الحثيث في المختبرات، حيث تقدم البحث الطبي المختبري، في الأشهر الأخيرة، تقدّمًا لم يتقدمه في العشر سنوات الأخيرة، من أجل الوصول إلى لقاح لهذا الفيروس في أقرب وقت ممكن، بهدف تقليل الخسائر الاقتصادية والبشرية، وما زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى المختبر المتخصص بالبحث عن اللقاح المناسب، إلا مؤشر على إعادة الاعتبار للقطاع الطبي والصحي، بعد أن أُهمل لصالح قطاعات صناعة الأسلحة والحروب، والمجالات الترفيهية (الرياضة، الغناء والرقص.. إلخ).

وليست العلوم التجريبية وحدها التي ركزت على هذه الظاهرة لمرض كورونا، حيث إن العلوم الإنسانية والاجتماعية أيضًا بدأت بالاهتمام، وقد تصدى معظم علماء الاجتماع للبحث السوسيولوجي، في ما يتعلق بالآثار الاجتماعية المستقبلية، وعبّر عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين، عن حالة ما يسمى بالحجر الصحي “البقاء في البيوت”، بأن الناس تعيش حالة “اللامعنى” في الوقت الحالي، وكذلك كان رأي الباحثين في الحقول الإنسانية، وقريبًا سنقرأ نصوصًا أدبية تتعلق بزمن كورونا وما بعده.

4- على الصعيد الديني، برز الموضوع القديم الجديد للبحث والمناقشة، حول العلاقة بين الدين والعلم، وهي واحدة من القضايا الإشكالية الأزلية في الخطاب الإنساني، وربما تكون أزمة كورونا قد أعادت هذا الموضوع إلى الواجهة مجددًا. ففي الوقت الذي كانت الأكاديميات الطبية والصحية تؤكد أن فيروس كورونا ينتشر بوتيرة متسارعة عبر التجمعات البشرية، كان الخطاب الديني يشهد تباينات داخلية حول طريقة التعامل مع الشعائر الدينية الجماعية.

صحيح أن الخطاب الديني الرسمي عبّر عن درجة من التوافق مع العلم، باتباع الإجراءات والسياسات الصحية اللازمة لمواجهة الفيروس، وبمطالبة الأفراد بالالتزام بها؛ بيد أن ثمة اتجاهًا دينيًّا آخر لم يلتفت كثيرًا إلى هذه السياسات، وقدّم خطابًا منعزلًا عن العلم. وكان لهذا الاتجاه الديني المنعزل عن العلم تأثيرات عكسية.

برز من يتحدث عن الانتقام الإلهي، ضد غير المؤمنين الذين اقترفوا انحرافات أخلاقية وقيمية (المثلية الجنسية نموذجًا) باعتبار أن مرض كورونا عقابٌ. وفي الوقت نفسه هناك اتجاه مضاد تحدث عن إمكانية انحسار الخطاب الديني المتطرف الحاضن للإرهاب، والعودة إلى الدين الشعبي الأخلاقي المتسامح، أي حدوث انحسار لدور المؤسسات الدينية الرسمية، في الحقل السياسي والاجتماعي وغيرهما.

أخيرًا، أعتقد أننا أمام خطاب إنساني عالمي جديد، في أثناء كورونا وما بعده، وفي كل التخصصات العلمية والإنسانية، سوف يتبلور أكثر في المستقبل لدرجة أنه سيحتاج إلى دراسات علمية متعددة الاختصاصات (الطب والصحة، علم السياسة، الاقتصاد، الاجتماع، النفس..)، لرصد موضوعاته وغاياته واستراتيجياته.

مركز حرمون

—————————-

====================================

=====================================

تحديث 21 نيسان 2020

————————————

هل كذبت حكومات العالم في عدد إصابات كورونا؟

الأرقام تتجمل بعجز الدول عن الرصد الكامل وسباق لا يخلو من التخمين للوصول إلى علاج أو لقاح

أمينة خيري، سعاد اليعلا، أحمد السهيل، سوسن مهنا، رولا اليوسف و علي ياحي

يقال إن لغة الأرقام لا تكذب، ولكن ما يعيشه العالم اليوم من ارتباك وتخبط واضح حول احتواء الفيروس منذ الإعلان الأول عن بدء انتشاره بمدينة ووهان الصينية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يُدخل الشك لدى الكثيرين ويطرح تساؤلات عدة، أبرزها “هل كذبت الحكومات في إحصاءات مصابي كورونا؟”، وهل هناك تعمد من قِبل بعض الأنظمة في إخفاء حقيقة ما تعلنه عن “كورونا”؟، لا سيما أنه لم يتوصل أحد إلى الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الوباء بعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على تفشيه وتسارع الدول في سن قوانين وإجراءات احترازية للحد من ذلك، ومع ذلك تسجل الأرقام زيادة سريعة في أعداد الإصابات. فلا أحد يعلم بعد إلى ماذا ستؤول الأمور في الشهور المقبلة؟، ولا تزال دول متقدمة ومتطورة على الصعيد الطبي، تتعامل بطريقة التخمين مع الأدوية أو اللقاحات الواجب استعمالها، كما مع طريقة انتشار الوباء، إذ تطالعنا وسائل الإعلام يومياً بأخبار ومعلومات ثم تعود وتنفي صحتها.

وباتت دول عظمى كالولايات المتحدة والصين وبريطانيا تتقاذف التهم والإشاعات حول صحة أرقام المصابين وأعداد الوفيات، وهي لا تزال تعيش فوضى وعشوائية بطريقة التعامل مع الفيروس، علماً أنها لم تقصّر في تشكيل خلايا وأجهزة رقابة متخصصة مؤلفة من أطباء وعلماء، لكن بدا وكأن الفيروس يتحايل بطريقة تفشيه وسرعته في ذلك، ولم يسلم منه حتى الآن، لا الصغير ولا الكبير ولا السياسي أو الفنان، وكأنه يريد القول “لن أعفي أحداً طالما أنكم لم تتوقعوا قدومي”.

في مصر  الجميع  بخير رغم التشكيك

عقود طويلة من “جميع المصريين بخير”، نجم عنها شكوك البعض ومخاوف الآخر، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي. وتغذيها مؤسسات إعلامية يصفها مصريون بأنها محترفة الصيد في مياه السياسة العكرة.

وهذه الأيام لا يعكر صفو إشادات غالبية المواطنين وتزكيات المنظمات الأممية على ما تتبعه مصر من إجراءات في ظل أزمة كورونا، والتعامل مع أعداد الوفيات إلا تشكيكات تظهر بين الحين والآخر حول صحة الأرقام.

تضليل الأرقام

كذب الأرقام فيما يختص بما تعلنه الحكومة المصرية عن أعداد المصابين والمتعافين لم يعد ممكناً. وتشير شهادة مدير إدارة الأمراض السارية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط “إمرؤ”، إيفان هوتين، إلى نقاط قوة عدة في استجابة وزارة الصحة والسكان المصرية للوباء، مع توصيات للاستمرار في البحث عن الحالات بكل مكان. حيث يقول، “إن الوزارة خاطبت المنظمة مع بدء ظهور الفيروس في مصر، وكان ذلك بمدينتي الأقصر وأسوان في الفترة من 23 إلى 25 مارس (آذار) الماضي، وطلبت من المنظمة استعراض الوضع في مصر، وتقديم مقترحات لتحسين الاستجابة”.

يضيف هوتين، إنه ترأس فريقاً من خبراء المنظمة بمدينتي القاهرة والإسكندرية، وفي ضوء عمل الفريق، وجد أن استجابة الحكومة المصرية جاءت قوية ومُكيَّفة حسب الوضع الراهن، واصفاً العديد من إجراءات الاستجابة بأنها قوية، وتستحق تهنئة الوزارة عليها. وشملت الإجراءات الجيدة حسن التنظيم للإدارة الطبية، والتنسيق الجيد حيث يستجيب مركز عمليات الطوارئ بناءً على أحدث المعلومات الوبائية. كما يعمل مركز الاتصالات على اطلاع المصريين على المستجدات ومعرفة أين ومتى يجب التماس المساعدة؟

وأشار كذلك إلى أن فرق الاستجابة السريعة في وزارة الصحة المصرية تجري استقصاءات دقيقة لحالات الإصابة ومُخالطيها، وهو أمر بالغ الأهمية بقدرته على قطع سلاسل انتقال المرض. كما لفت إلى أن الحكومة المصرية أثبتت قدرتها على اختبار المرضى بطريقة موثوقة في ما يزيد على  20 مكاناً بالبلاد، بالإضافة لوجود خطة واضحة ومفعلة لتقديم الرعاية للمرضى. وأشاد هوتين باستعانة الحكومة المصرية بالمنصات الإعلامية المختلفة لاطلاع المواطنين على المستجدات والمعلومات وتوعيتهم.

التوعية في زمن العنكبوت

إلا أن التوعية المنشودة من قبل الحكومات، التي يؤمل أن يَنتج عنها تصديقٌ كاملٌ وثقة بالغة في كل ما يصدر عن الحكومة أمر فيه استحالة في زمن منصات التواصل العنكبوتي، حيث الخبر وضده والمعلومة وعكسها، وكل من لديه شاشة ولوحة أرقام قادر على تحريك الرأي العام، ناهيك بميراث طويل ثقيل من عدم الثقة الشعبي. و”زمن كورونا” ليس استثناء، لكنه ثِقل مضاعف.

يقول الطبيب المتخصص في أمراض المناعة خالد فوزي، إن “الأرقام التي يتم إعلانها في مصر لا يمكن التلاعب فيها، مع العلم أن عملية الحصر بالغة الصعوبة في أي بلد، ولا توجد دولة يمكنها أن تدعي سهولة حصر الأرقام الحقيقية. هناك حالات إصابة بفيروس كورونا تكون أعراضها خفيفة جداً، وأخرى لا يبلغ أصحابها عن أنفسهم أو يطلبون الخضوع لاختبار كورونا”.

ويشير إلى أن العدوى بهذا الفيروس تختلف من شخص إلى آخر، بحسب عمل جهاز المناعة والسن والأمراض المصاب بها وغيرها من العوامل، وبالتالي “تحديد أعداد المصابين بدقة أمر مستحيل”.

يضيف، أن الأرقام المعلنة تعتمد على الأشخاص الذين يتوجهون إلى المستشفيات، أو نتيجة عمليات المسح التي تجري في أماكن مختلفة، منها العائدون إلى مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية. موضحاً أن عمليات المسح تلك لا تُجرى على كل المواطنين، لا في مصر ولا أي دولة أخرى.

إشادة منظمة الصحة

يشار إلى أن مدير إدارة الأمراض السارية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إيفان هوتين، قال بشهادته عن أداء الحكومة المصرية في شأن كورونا، إن اللجنة التي رأسها أوصت بالاستمرار في البحث عن الحالات بكل مكان، مع ضرورة إخضاع الأشخاص الذين يعانون السعال والحمى لاختبار “كورونا”، مع تتبع المخالطين.

يتفهم خالد فوزي تشكك البعض في الأرقام المعلنة، لا سيما أن تعداد مصر تجاوز المئة مليون نسمة، بالإضافة إلى ازدحام الشوارع، وهو ما يعرض أعداداً أكبر من تلك التي يتم رصدها لالتقاط العدوى. يقول، اللافت أن أعداد الوفيات لدينا تعتبر مرتفعة بالنسبة إلى الحالات المصابة، وربما يعود ذلك إلى أن نسبة كبيرة من الحالات التي تتوجه إلى المستشفيات تكون في حالة سيئة بالأساس، أو مصابة بأمراض تضاعف من خطورة إصابتها بالفيروس، أو يتم إدخالها مستشفيات غير تلك المحددة من قبل وزارة الصحة.

قدرات محدودة

مسؤول برامج الترصد والاستعداد والاستجابة في “إمرو”، عمر أبو العطا، يقول إن “معدل الوفاة يحدده عدد من المعايير منها قدرة نظام الترصد على الوصول إلى كل المرضى، لأنه قادر على تحديد الإصابة ولو كانت الأعراض بسيطة، وهذا من شأنه أن يقلل من حجم العدوى وبالتالي تدهور الحالات”.

يُذكر أن صحفاً غربية، منها “غارديان” البريطانية و”نيويورك تايمز” الأميركية، كانت قد نشرت تقارير مستوحاة من دراسة لباحث كندي أجراها في الأصل على إصابات كورونا في إيران، وسلطت الصحف الضوء على بضعة أسطر في الدراسة مفادها أن في دول عديدة ومن ضمنها مصر، ربما تكون التقديرات المعلنة غير صحيحة لأسباب تتعلق بعدم توجه المواطنين للإبلاغ أو الخضوع للاختبارات. الغريب أن منظمات حقوقية وقنوات تلفزيونية ومواقع إخبارية معروفة بمواقف سياسية معارضة لمصر اعتبرت المقالات برهاناً دامغاً على كذب الحكومة.

تحذيرات بارتفاع الإصابات لـ200 ألف في السعودية

وعلى الرغم من إعلان السعودية علاج مخالفي أنظمة الإقامة والعمل، فإن تقريراً أممياً صدر، جاء فيه، أن السعودية ترحل المخالفين رغم إصابتهم بالمرض، وهو الأمر المخالف للواقع الذي جاء بأمر من الملك سلمان بن عبد العزيز بعلاج مخالفي الأنظمة والمتسللين إلى البلاد بشكل غير شرعي ورعايتهم طبياً.

كما اتخذت الحكومة السعودية عدداً من الإجراءات لاحتواء المرض، التي تكلفها اقتصادياً الكثير في إيقاف التعليم أولا، والقطاع الحكومي والخاص، وإعلان حظر تجول جزئي ثم كلي في كثير من مناطق البلاد.

وعلى الرغم أن العدد محدود، فإن وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة خرج محذراً من توقع وصول الإصابات في الأيام المقبلة ما بين 10 و200 ألف إصابة في حدها الأعلى. إذ قال، “اسمحوا لي أن أتحدث معكم بكل شفافية وإن كانت مؤلمة، فللأسف إن بعض أفراد المجتمع لم يطبق شعار (كلنا مسؤول)، ولم يأخذوا التعامل مع خطورة الوباء بالجدية الكافية”.

وأشار الربيعة إلى تخصيص ميزانية تقدر بـ32 مليار ريال (8.52 مليار دولار) لمواجهة الوباء قابلة للزيادة، مستدركا، “هناك مشكلتان تواجهنا؛ الأولى، عدم توافر معروض كافٍ في الأسواق العالمية من الأجهزة والمستلزمات الطبية يلبي جميع احتياجاتنا المستقبلية، في حال ارتفاع الإصابات بشكل كبير. والثانية، تهاون البعض من أفراد المجتمع بالالتزام بالإجراءات الاحترازية، الأمر الذي قد يؤدي إلى وصول أعداد المصابين، كما أكدت الدراسات، إلى مستوى لا يستطيع القطاع الصحي مواجهتها”.

استبعاد بناء مستشفيات

وفي الوقت الذي أعلنت السعودية بشفافية عدم توافر معروض كافٍ من الأجهزة والمستلزمات الطبية حال عدم السيطرة على انتشار الوباء، استبعدت وزارة الصحة أن تكون المنظومة الصحية في البلاد بحاجة لبناء مستشفيات جديدة في الوقت الراهن.

وقال مساعد وزير الصحة والمتحدث الرسمي باسمها محمد العبد العالي، رداً على سؤال لـ”اندبندنت عربية” عن إمكانية بناء مستشفيات أو تخصيص مستشفيات أخرى  لمواجهة فيروس كورونا كما حدث في الصين وفرنسا، قال، “إن الأعداد الحالية للفيروس تحت السيطرة، وبأي عدد حتى وان كان واحداً فهو مهم لدينا، لذلك تقوم المنظومة الصحية بخطط مستمرة ومراحل للتفاعل حسب المرحلة”، مشيراً إلى أن الاستيعابية الموجودة اليوم كافية، ولها تقييم مستمر، وإذا احتاجت أي تدخلات إضافية بالإمكان تفعيلها عند اللزوم.

السوريون فريسة غموض تعامل الحكومة مع كورونا

يتساءل السوريون عما إذا كان النظام يتعامل بشفافية في ما يخص عدّاد الإصابات بفيروس كورونا. وتبدو الحكومة وكورونا نِدَّين على الأرض، أو خصمين يتنازعان للبقاء. ولطالما كانت أرقام وزارة الصحة وبياناتها منذ 14 مارس (آذار) حتى اللحظة مثاراً للجدل.

في المقابل، لم تتوان وزارة الصحة السورية عن اتخاذ قرارات رادعة ووقائية أعلنتها منتصف مارس، تمثلت في إغلاق المؤسسات التجارية والجامعات والمدارس حتى إشعار آخر.

ووفق بياناتها، سُجلت في 11 أبريل (نيسان) ست إصابات ليرتفع معها العدد الإجمالي إلى 25 مصاباً، توفي منهم اثنان وشفي خمسة أشخاص.

كورونا السوري

وفيما يتداول السوريون أخباراً عن إخفاء عدد الإصابات، وغالباً ما يتوقعون تكشف أعداد إضافية من المصابين، يستغرب أحد الأطباء، فضّل عدم الكشف عن هويته، تعامل السلطات الطبية مع المسألة. ويقول “من غير المستبعد أن تكون أعداد الإصابات أكبر بكثير، فالواقع أن 25 مصاباً من المرجح أنهم نقلوا العدوى إلى أضعاف مضاعفة من المحيطين بهم”.

ويكشف طبيب آخر يعمل في مستشفى حكومي عن أنه “بالتوازي مع ظهور كورونا، لفت انتباهنا ارتفاع عدد الوفيات بمرض الالتهاب الرئوي، الذي يتقارب مع الأعراض المرضية للفيروس”. ويدعو “المراكز البحثية الطبية إلى تقصي مشكلة الالتهاب الرئوي”.

قرارات إسعافية

في المقابل، يبرر فريق من السوريين للسلطات إجراءاتها الصارمة، معلّلين ذلك بأن “السرية والتكتم على عدد الإصابات وأماكنهم أمرٌ إيجابي، وإن كان عدد المصابين أكثر من المعلن عنه، إلا أن الفرق الطبية لن تترك المرضى وشأنهم”، وفقاً لأحدهم.

وأخبرنا مصدر طبي مسؤول عن “مساعٍ كبيرة تبذلها الدولة لانتشال البلاد من الجائحة. المستشفيات والمراكز الصحية على استعداد تام، ونعمل على زيادة تصنيع أجهزة التنفس، هذا كل ما ينقصنا، وسنسد الثغرة بالتصنيع المحلي”.

في هذه الأثناء، يبدو أن الثغرة لا تقتصر على أجهزة التنفس. ففي حال اشتداد الأزمة، هناك نقص في الدواء. وهذا ما يفسر الارتفاع المتزايد للأسعار بالصيدليات، وسط تخوف المواطنين من فقدانه.

وأصدر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في 8 أبريل (نيسان) الحالي، قراراً بوقف تصدير خمسة أصناف من المواد الدوائية من البنود الجمركية، وهي أزيثرومايسين، وكلوروكين سيتامول، وباراسيتامول وخافضات الحرارة.

خليك بالبيت

وتحتشد وسائل التواصل الاجتماعي بوسمَيْ “خليك_بالبيت” و”صحتك_مسؤولية”. ولا تتوقف الإعلانات التي تضخ على مدار الساعة عبر وسائل الإعلام المحلية الداعية إلى الحيطة والحذر، إضافةً إلى التقارير التي تؤكد خلو الشارع من المارة كدليل على التزام المواطنين بالقرارات الحكومية.

ولكن تغيب عن الشاشات التلفزيونية البرامج العلمية والطبية المتخصصة، ووزارة الصحة التي لا تقدم المعلومات المطلوبة للسوريين، الذين يشعرون بالقلق من الأيام المقبلة وما تخبئه لهم.

يقول أحد المواطنين، “لا يعنينا كمتابعين إلا الجديد، كل يوم الديباجة ذاتها، أي التعليمات من الوقاية بغسل اليدين والنظافة. هذا حفظناه. ما نريده ماذا يفعل الأشخاص في الحجر الصحي؟ وكم أعدادهم الحقيقية؟ نريد مسؤولاً صحياً يخرج عن صمته ويصارحنا”.

جغرافية الفيروس

في غضون ذلك، “لا يريد السوريون إلا بارقة أمل في معركتهم مع الفيروس، بعدما ضرب كورونا ما تبقى من اقتصادهم وعطل حركتهم، ويأملون في أن يصلوا إلى الحقائق”، وفق الناشط الحقوقي رضوان العلي.

يضيف العلي، “من حق الناس مكاشفتها بالوقائع وعدم إخفاء الحقيقة عنها. وهنا لا بد من أن نسأل لماذا تُخفي الحكومة أماكن انتشار الوباء؟، ولا تذكر حتى المدن التي سجلت إصابات. من حق المواطنين معرفة أكثر عن مواقع الإصابات التي ارتفعت إلى 25”.

الحجر الصحيح

في بداية الأزمة، شكلت الحكومة لجنة عليا تضم وزراء معنيين بالشأن، على رأسهم الصحة، مهمتها وضع الخطط الاستراتيجية للجم انتشار الفيروس. آنذاك، أغلقت الحدود وراقبت المعابر الحدودية وضربت طوقاً وحظراً للتجول وافتتحت مراكز الحجر الصحي.

وبعدما أُثير، في وقت سابق، من مشكلات الرعاية في مركز الدوير، الذي استقبل السوريين الوافدين إلى البلاد وقد سُرِّبت صور تظهر قلة الاهتمام وتراجع مستوى النظافة والرعاية الصحية، ردّت وزارة الصحة على ذلك بافتتاح مركز للوافدين في فندق مطار دمشق الدولي.

وأعرب وزير الصحة نزار يازجي، عن قلقه حيال المعابر غير الشرعية، قائلاً في مؤتمر صحافي، “لا يمكن إعطاء تطمينات لمجرد أن عدد الإصابات المسجلة في سوريا بالفيروس حتى اليوم قليل، نظراً إلى وجود أشخاص دخلوا من معابر غير شرعية، قد يكونوا مصابين ومخالطين لمرضى، وتواصل فرق الرصد المتابعة معهم”.

وسط ذلك، كشفت وزارة الصحة عن بروتوكول علاجي وفق ثلاث آليات دوائية (الكلورولين وأزيثرومايسين والإنترفيرون)، إضافةً إلى دواء الإيدز المتوافر في سوريا، وكلها قدمت للحالات المصابة داخل سوريا وشُفيت حالتان حتى الآن.

حقيقة الأرقام المعلنة عن المصابين في العراق

في العراق يستمر طرح الأسئلة المتعلقة بأعداد المصابين بفيروس كورونا، فضلاً عن مخاوف عدة حول قدرة مؤسسات البلاد الصحية على مواجهة خطر الوباء، وفي ظل التزايد المستمر بمعدلات الإصابة عالمياً، تعلن وزارة الصحة العراقية أعداداً منخفضة نسبياً، فيما تعزو ذلك إلى اتخاذها إجراءات استباقية أسهمت بالتقليل من انتشار المرض.

وعلى الرغم من كل ذلك، تشكو السلطات الصحية نقصاً في معدات الفحص الخاصة بالفيروس، فضلاً عن محاولتها الحصول على عدد أكبر من أجهزة الإنعاش الرئوي.

إحصاءات بإشراف منظمة الصحة العالمية

وفي ما يتعلق بالأعداد، فحتى ساعة إعداد هذا التحقيق، بلغ عدد المصابين في البلاد 1352 إصابة و76 حالة وفاة، فضلاً عن تسجيل 640 حالة تعافٍ تام، بحسب الإحصاءات الرسمية، ما يعد رقماً منخفضاً مقارنة بمحيط العراق الإقليمي.

وعلى الرغم من تأكيد السلطات الصحية في البلاد أن الأرقام التي تعلنها دقيقة وخاضعة لإشراف منظمة الصحة العالمية، وأنها لا تخفي أي أعداد في ما يتعلق بالمصابين أو المتوفين، فإن التشكيك لا يزال مستمراً حول المعلن من الأعداد، فضلاً عن عدم قناعة  المشككين بكفاءة أداء المؤسسات الصحية التي شهدت انتقادات واسعة في السنوات الماضية واتهامات بالفساد.

مخاوف وآمال

في غضون ذلك، عبّر وزير الصحة العراقي جعفر علاوي، الأحد 12 أبريل (نيسان)، عن مخاوفه من عودة الفيروس إلى المتعافين بعد حدوث حالات من هذا النوع في كوريا الجنوبية، فيما أكد أن العراق يُبلي بلاءً حسناً في مواجهة الوباء.

وقال في مقابلة تلفزيونية، إن “عدد الإصابات بالعراق أفضل من دول الجوار والدول المتطورة”، فيما أكد أن “بلاده ستخرج منتصرةً إذا استمرت الأوضاع كما هي عليه”.

وأشار إلى أن “أعداد الإصابات تخضع لمراقبة دولية، والطب العدلي وشهادات الوفيات مراقَبة ولا يمكن التلاعب بالإحصاءات بأي طريقة”، فيما جدد مطالبته المواطنين “بالالتزام بقرارات وزارة الصحة على الرغم من المتاعب التي تتسبب بها”.

وأوضح، أن “الحدود الكبيرة مع إيران كانت الأخطر بالنسبة إلينا، إذ إن إغلاقها وفر لنا مساحة للتحرك”.

وعن استمرار حظر التجول، قال علاوي، “قد نعلن نهاية مايو (أيار) أو بداية يونيو (حزيران) الانتهاء من كورونا”، فيما كشف عن احتمالية “فتح القليل من الساعات للتجول لتخفيف معاناة المواطنين، وقد يتم تقليل ساعات الحظر مع قرب شهر رمضان”.

نسب شفاء عالية

في السياق ذاته، أوضح  وكيل وزير الصحة جاسم الفلاحي، أنه “على الرغم من عدم وصولنا إلى حدود التطور في بلدان مثل أميركا وبريطانيا وإيطاليا، لكن نسبة الوفيات لدينا هي 5.2 في المئة، وهي أقل من النسبة العالمية التي تقترب من حدود 7 في المئة”.

ولفت إلى أن “نسب الوفاة العالية التي سجلها العراق في بداية الأزمة تعود إلى ضعف الوعي والوصمة الاجتماعية، ما جعل المواطنين يبتعدون عن مراجعة المؤسسات الصحية، فضلاً عن وصول عدد من الحالات إلى مراحل متقدمة قبل مراجعتهم مراكز الصحة”، مردفاً “بعض حالات الوفاة كانت لمرضى السرطان وكبار السن، الذين يعانون مشكلات في الجهاز المناعي”.

 40  ألف فحص

وعن أجهزة الفحص الطبي، أوضح أن “السعة المختبرية في البلاد ازدادت بشكل كبير تحديداً في الشهر الأخير، بعد افتتاح 8 مختبرات متطورة للفحص”، مستدركاً، “فُحص نحو 40 ألف شخص، عدا الفحوصات التي تجرى ميدانياً، لكننا بحاجة ماسة إلى زيادة السعة المختبرية”.

وأكد وكيل وزارة الصحة العراقي، أن “معدل الانتشار الوبائي في العراق هو الذي نعلنه، متيقنين من كفاءة الإجراءات التي نتخذها، التي تتم تحت إشراف منظمة الصحة العالمية”، مشدداً على أن “كل البيانات والأرقام المعلنة نتعامل معها بمنتهى الشفافية”.

وعن إجراءات الحجر الصحي، لفت إلى أن “العائدين من الخارج قُسّموا إلى فئتين بحسب البلدان التي أتوا منها، إذ يتوجه الوافدون من البلدان ذات الإصابات العالية إلى الحجر الصحي، أما الذين يأتون من دول سُجلت فيها أعداد قليلة من الإصابات، فيخضعون لفحص سريع في المطارات وتتم مراقبتهم يومياً بالتنسيق مع أجهزة الأمن”.

انطباع غير حقيقي

في المقابل، رأت الأكاديمية رغد السهيل، المتخصصة في الفيروسات بجامعة بغداد، أن “حظر الحدود وإغلاقها كانت خطوة جيدة لكنها متأخرة”، مشيرةً إلى أن “الإخفاق الكبير الذي واجهته البلاد يكمن في عدد العينات التي تختبرها”.

وأضافت، “عدد العينات التي تُفحص لا يمكن أن يعطي انطباعاً حقيقياً عن الوضع الحالي”، مشددةً على ضرورة “مضاعفة هذا العدد بعشر مرات على أقل تقدير لمعرفة وضع الوباء داخل العراق وتقييمه”.

وأشارت إلى أن “التحجج بعدم وجود معدات كافية لفحص عدد أكبر من الأشخاص ليس منطقياً، وعلى المسؤولين في خلية الأزمة طلب المساعدة الدولية العاجلة”.

وأكدت السهيل، أنه “لا بديل سوى حجر كل الوافدين من خارج البلاد”، موضحةً أن “إجراء الفحص السريع غير مجدٍ وغير دقيق وغير معترف به عالمياً، إذ إن فحص الـPCR ، هو الوحيد الفعال في التشخيص”.

ولفتت إلى أنه، “من الضروري البحث عن كل المصابين من خلال توسيع الفحص للعينات وتتبّع الحالات ومحيطها، فضلاً عن انتشار الكوادر الصحية في الأسواق والمناطق المكتظة بالسكان”، مضيفةً أن “ارتفاع نسب الوفيات عن المعدلات الطبيعية يدل على أن هناك حالات إصابة لم تُكتشف وهذا إثبات علمي، إذ إن الدول الأوروبية التي تختبر عدداً كبيراً من العينات، لا تزال تعلن أن لديها مصابين لم يتم الكشف عنهم”.

وأعربت السهيل عن اعتقادها بأن “المؤسسة الصحية العراقية في حالة إرباك تام وضعف في التنسيق”، قائلةً إن “جهود خلية الأزمة جيدة نسبياً، لكنها تبدو سياسية، ومن الضروري أن تضم متخصصين في الفيروسات والأوبئة وغيرها من المجالات الطبية المهمة”.

صعوبة الحصول على الفحص

من جهة ثانية، قال مدير عام دائرة صحة بغداد رياض عبد الأمير، إن “البلاد تعتمد على منظمة الصحة العالمية في توفير معدات الفحص، وعلى الرغم من توفر الأموال الكافية لذلك، فإن هناك صعوبة في الحصول عليها”.

ولفت إلى أن “الأولوية في الفحوصات هي للمناطق ذات الخطورة العالية، ويتم إجراء فحوصات ميدانية في الأماكن التي تشهد إصابات، وكوادر الوزارة تصل إلى جميع المناطق حتى النائية منها”.

وأشار إلى أن “الاختبارات مستمرة في المناطق التي تسجل مصابين، فتؤخذ عينات من أشخاص قريبين من مناطق الإصابة”، مردفاً “لو توفر لدينا عدد أكبر من المعدات، لزادت نسبة الفحوصات”.

وكشف عن أن “الوزارة تعمل على توفير الاختبارات وهناك نية لتأمين مليون عدة فحص سريع لإجراء أكبر مسح ممكن على مستوى البلاد”.

وعن احتمالية رفع حظر التجول، أشار إلى أن “رفع الحظر يتعلق بالموقف الوبائي، لسنا مطمئنين واحتمالية تمديد الحظر لا تزال قائمة”.

 شكوك في نشرات الحكومة حول كورونا بالجزائر

لم تسلم الأرقام المقدمة من قبل وزارة الصحة الجزائرية من انتقادات الخبراء والمواطنين الذين شككوا في حقيقة المعطيات، واعتبروها مغالطة لتجنب التهويل ولإخفاء العجز وضعف المنظومة الصحية في البلاد.

ودفعت التصريحات والمنشورات المشككة في حقيقة الوضع الصحي في البلاد، السلطات العمومية إلى التحذير من الإشاعات التي تستهدف خلق جو من اللااستقرار والفوضى، ونبّه مدير الوقاية جمال فورار، من الانسياق وراء الإشاعات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي التي اتخذ روادها من الفيروس مادة دسمة للتهويل منذ أول إصابة مسجلة، مشيراً إلى أن بعض الجهات تقدم أخباراً مغلوطة حول الإصابات المزعومة في بعض المناطق، ما أدى إلى خلق حالة استنفار قصوى في بعض المؤسسات الاستشفائية.

ورأى الطبيب كمال واعلي، أن المطالبة بأرقام دقيقة غير ممكنة في ظل فجائية الوباء وضعف المنظومة الصحية الجزائرية، موضحاً أن ما قُدّم من أرقام يومية هو ما تستقبله المراكز والمستشفيات القليلة التي تنتشر بالمدن الكبرى، في حين يبقى الوضع غامضاً بالأرياف والمناطق الداخلية.

ضعف المنظومة الصحية

وتحصر الجهات المعنية في الجزائر عدد حالات الإصابات المؤكدة والوفيات والمصابين الذين يخضعون للعناية المركزة، ويتلقون العلاج بـ”الكلوروكين”، غير أن الانتقادات متواصلة بشأن الحصيلة المعلنة يومياً، بسبب غياب وسائل الكشف السريع وقلة مراكز الكشف وانحصارها بالمدن الكبرى، حيث مركز باستور في الجزائر العاصمة ووهران في الغرب وقسنطينة في الشرق وورقلة في الجنوب، إضافةً إلى ضعف الإمكانات داخل المستشفيات من حيث قدرة الاستيعاب.

كما يُعتبر غياب مستلزمات الوقاية من الوباء بالنسبة إلى الأطباء والممرضين من بين أهم الأسباب التي جعلت متابعة الوباء صعباً، وشهدت مراكز استشفائية عدة وعيادات صحية وقفات احتجاجية للطواقم الطبية بسبب العدد القليل من أدوات الوقاية، ما جعل الشكوك تحوم حول حقيقة الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة.

وأعلن جمال فورار الناطق باسم لجنة متابعة فيروس كورونا في الجزائر، ارتفاع عدد المصابين بالفيروس إلى ما يقارب الألفين.

ووسعت السلطات الحجر الصحي إلى كامل محافظات البلاد، وورد في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، أنه تقرر “توسيع إجراء الحجر الجزئي إلى ولايات البلاد كافة، باستثناء ولاية البليدة التي ستظل خاضعة لإجراء الحجر الكلي”.

وزير الصحة يعترف

في المقابل، لم يتمكن وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد من مقاومة التشكيك في الأرقام المعلنة من طرف مصالح وزارته.

وقال، “إن الجزائر اختارت الشفافية في تقديم المعطيات المرتبطة بعدد المصابين والوفيات بفيروس كورونا”، مبرراً أن “بعض البلدان الأوروبية لا تصرح بعدد الضحايا خارج المؤسسات الاستشفائية، في حين لا تقوم أخرى بتحاليل خاصة بهذا الفيروس، وفي جميع الأنحاء هناك نوع من الخلط، فيما فضلنا نحن في الجزائر اعتماد الشفافية”. وأضاف بن بوزيد، أن “عدد الوفيات يبدو مرتفعاً لأننا أخذنا في الحسبان منذ البداية الوفيات الطبيعية التي لم تكن بالضرورة مرتبطة بفيروس كورونا”، مشيراً إلى أن “اختبارات أُجريت بعد الوفاة أكدت إصابة البعض منهم بهذا الفيروس، فيما كانت سلبية لدى البعض الآخر ممن توفوا”.

واعترف الوزير بصعوبة تحديد إن كانت الوفاة نتيجة الإصابة بالفيروس أو لا في بعض الأحيان، إذ يمكن أن يتوفي مصاب من دون أعراض، متأثراً بمضاعفات الفيروس.

تعليق تمويل أميركا لمنظمة الصحة العالمية

من جهة أخرى، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء 7 أبريل (نيسان) الحالي، عزمه تعليق المساهمة الأميركية في تمويل منظمة الصحة العالمية، بعدما هاجمها في تغريدة سابقة، اتهمها خلالها بالتحيز إلى الصين. وقال إن “منظمة الصحة العالمية تلقت منا أموالاً طائلة، وفي الوقت ذاته تحيزت إلى الصين، وانتقدت قراري بمنع دخول الصينيين إلى الولايات المتحدة”.

في المقابل، فنّدت مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية، في مقال نشرته 9 أبريل، بعنوان “كل الأكاذيب الرئاسية حول فيروس كورونا”، عدداً من التصريحات التي أدلى بها ترمب منذ إعلان حالة الطوارئ بسبب كورونا، واتهمته بـ”الكذب مراراً وتكراراً بشأن هذه الأزمة التي تحدث مرة واحدة في كل جيل”.

وكان ترمب توقع أن الفيروس سيضعف “عندما نصل إلى أبريل، الطقس الحار يكون له تأثير سلبي للغاية في هذا النوع من الفيروسات”. والحقيقة، أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الطقس الدافئ سيحد من انتشار الفيروس، إذ يمكن أن تكون فيروسات الجهاز التنفسي موسمية، لكن منظمة الصحة العالمية تقول إن فيروس كورونا يمكنه أن ينتقل في جميع المناطق، بما في ذلك المناطق ذات الطقس الحار والرطب”.

اتهام الصين

 وفي تقرير سري أعدته الاستخبارات الأميركية وسلمته إلى البيت الأبيض، ونشرته وكالة “بلومبيرغ” الأميركية في 1 أبريل، اُتهمت الصين ودولٌ أخرى بالتغطية على الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات الناجمة عن إصابة مواطنيها والمقيمين لديها بفيروس كورونا.

ووجه التقرير أيضاً أصابع الاتهام إلى دول عربية شرق أوسطية. ونقلت “بلومبيرغ” عن ثلاثة مسؤولين أميركيين قولهم إن أرقام الإصابات في الصين مزيفة، فيما أعداد الوفيات الحقيقية غير معلنة عمداً.

وذكرت الوكالة في التقرير بأن الفيروس بدأ بالتفشي في مقاطعة هوبي الصينية في أواخر عام 2019، لكن بكين أبلغت علناً عن 82 ألف حالة إصابة فقط و3300 حالة وفاة، وهي أرقام أقل من تلك التي سُجلت في الولايات المتحدة حتى الآن (أكثر من 20 ألف حالة وفاة وأكثر من 530 ألف إصابة) بحسب تعداد جامعة جونز هوبكينز المرجعي.

وتُظهر تلك الأرقام أن الولايات المتحدة تعاني أكبر تفشٍ أُعلن في العالم. كما نقلت الوكالة عن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الأربعاء الماضي، قوله لشبكة “سي إن إن”، “كان بإمكاننا أن نكون أفضل حالاً، لو كانت الصين أكثر استعداداً”. وقال السيناتور الجمهوري بن ساس، إن “الادعاء بأن الولايات المتحدة لديها وفيات بسبب الفيروسات التاجية أكثر من الصين هو ادعاء كاذب، لقد كذب الحزب الشيوعي الصيني، وسيستمر في الكذب حول كورونا لحماية النظام”. كما شكك وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في البيانات الواردة من الصين منذ البداية.

في المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية الصينية أن المسؤولين الأميركيين يدلون بتعليقات وقحة تلقي بظلال من الشك على تقارير بكين عن حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد.

اختفاء طبيبة

وكشفت صحيفة “ديلي ميل” الإنجليزية، عن اختفاء طبيبة صينية كانت من أوائل الأطباء الذين اكتشفوا فيروس كورونا في مستشفى مدينة ووهان. ورجحت الصحيفة تعرض الطبيبة للاعتقال من قبل السلطات الصينية، بعد حوار أجرته معها صحيفة محلية، انتقدت فيه الحكومة واتهمتها بـ”الكذب وإخفاء المعلومات الحقيقية” عن كل مرحلة تقريباً من مراحل تفشي الفيروس، ليُحذف الحوار بعد ذلك بساعات. وأعربت الطبيبة في الحوار عن أسفها لعدم التحدث مبكراً، خاصة بعد إصابة 4 من زملائها في المستشفى، بمَن فيهم الطبيب لي وينليانغ، أول المحذرين من الفيروس، الذي توفي بسببه لاحقاً. لكن عدداً كبيراً من الخبراء يرون أن الأرقام الصينية أقل بكثير من العدد الحقيقي، استناداً إلى العدد الكبير للأسر التي تتقدم لتسلم رماد جثث أقاربها، مستفيدةً من رفع إجراءات العزل في ووهان.

تمايز ألماني

أما في أوروبا، فانتقد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، رد الفعل الأميركي إزاء تفشي الفيروس، واصفاً إياه بـ “البطيء للغاية”. وقال في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” نُشرت الجمعة 10 أبريل، إن الصين اتخذت “إجراءات استبدادية شديدة، بينما جرى التهوين من شأن الفيروس في الولايات المتحدة لفترة طويلة”. وأضاف، “هذان نموذجان مختلفان، ولا يمكن أن يكون أي منهما نموذجاً يُحتذى بالنسبة إلى أوروبا”.

وكانت ألمانيا من بين الدول التي اتهمت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي باتباع أساليب “الغرب المتوحش” في المزايدة على شحنات من الإمدادات الطبية الحيوية أو منع وصولها إلى المشترين الذين كانوا وقّعوا بالفعل اتفاقيات للحصول عليها. ولا تزال إيطاليا أكثر الدول تضرراً بالفيروس مع أكثر من 18 ألف وفاة، تليها إسبانيا بأكثر من 15 ألف وفاة وفرنسا حيث تخطى عدد الوفيات الـ12 ألفاً.

ورأى العالم الروسي ألكسندر سيميونوف، الذي شارك في تقديم المساعدة للمصابين الإيطاليين، أن “إيطاليا لم تتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب لمواجهة انتشار فيروس كورونا، لذلك بدأت العدوى بالتفشي بشكل كارثي”.

وواجهت بريطانيا انتقادات لاذعة بسبب إعلان رئيس وزرائها بوريس جونسون أن عائلات كثيرة ستفقد أحباءها بسبب كورونا، وذلك بعدما تحدث المستشار العلمي للحكومة عن مبدأ “مناعة القطيع”، الذي يقتضي بأن يُصاب بالمرض 60 في المئة من الشعب البريطاني.

تضارب في إيران

وفي إيران، ترافقت تصريحات المسؤولين المتضاربة وتأخرهم في الكشف عن الإصابة الأولى بالوباء، مع عدم التزام المواطنين بالتعليمات الخاصة بحمايتهم، فكان ذلك من أبرز الأسباب التي أدت إلى الارتفاع الكبير في أعداد الوفيات والإصابات يوماً بعد يوم. ورأى المرشد الأعلى علي خامنئي أن المسؤولين عن كل هذه الأزمات هم “أعداء إيران، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية ومَن والاهم”.

أما عضو البرلمان الإيراني بهرام بارساي، والحقوقية الحاصلة على جائزة “نوبل” للسلام شيرين آبادي، فاتهما خطوط “ماهان” التابعة للحرس الثوري الإيراني بالتسبب في ظهور الفيروس بالبلاد.

بدوره، قال محمد حسين بحريني، رئيس جامعة مشهد للعلوم الصحية، إن “السبب في حدوث هذا القدر من الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا، 700 طفل صيني كانوا يدرسون في مدينة قُم”.

كما انتقد النائب الإيراني غلام علي جعفر زاده، تكتم سلطات طهران على العدد الحقيقي لضحايا كورونا في البلاد، معتبراً أن إحصاء وفيات كورونا الرسمي “مجرد مزحة”. وتخطى عدد المصابين بالفيروس في إيران الـ50 ألف حالة، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 3160 شخصاً. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني حذر من أن الفيروس قد يظل موجوداً لعام أو عامين.

مخاطر التسرع

وكان مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، أشار إلى أن المنظمة تعمل مع الدول على وضع استراتيجيات للتخفيف “التدريجي والآمن” للقيود التي فُرضت في ما يتعلق بالبقاء في المنزل، التي تهدف إلى احتواء انتشار الفيروس. لكنه حذّر في الوقت ذاته من أي إجراء فجائي، قائلاً إن “رفع القيود بسرعة كبيرة يمكن أن يؤدي إلى عودة قاتلة”.

ولكن هل استطاعت الدول أن تنجح في فرض الحجر المنزلي على مواطنيها وتكرار التجربة الصينية؟ لا توجد إحصاءات موثقة عن أعداد المحجورين، لكن مع زيادة عدد المصابين حول العالم، انضمت مدن وعواصم جديدة في كل القارات إلى الحجر الصحي المنزلي، بفرض قيود صارمة من قبل السلطات، تدرجت من قيود جزئية على التنقل وحظر تجول ليلي، إلى العزل الكامل لأحياء ومدن.

———————————-

عالمة بريطانية تجيب على سؤال.. لماذا ينتشر كورونا بشكل مخيف؟

كشفت عالمة بريطانية، أن هناك العديد من الأسباب التي تساعد على انتشار فيروس “كورونا” المستجد بشكل مخيف، أهمها أنه من الفيروسات التي تطور نفسها بشكل مستمر، ما يصعب على الباحثين اختراع لقاح سريع وفعال، بالإضافة إلى أن الجهاز المناعي يحتاج إلى مدة طويلة حتى يستطيع تكوين خلايا مضادة لـ”كورونا”.

جاء ذلك في مقال نشر بصحيفة “الجارديان” للباحثة في علم المناعة الفيروسية بجامعة برمنجهام “زانيا ستاماتاكي”، والذي حمل عنوان: “لماذا ينجح فيروس كورونا بشكل مخيف؟”.

وطرحت الباحثة في مقالها مجموعة من الأسئلة حاولت الإجابة عليها في مقالها، مثل:

ما الذي يجعل الفيروس مميتًا أو مجرد مسبب للإزعاج؟

ما الذي يحدد ما إذا كان الفيروس ينتشر بسرعة ليصبح جائحة مثل سارس؟

ماذا يعني “النجاح” من حيث درجة الفيروسية؟

هل يمكن أن يكون الوباء القادم أسوأ من ذلك الذي نعيشه؟

وفي الإجابة على تلك التساؤلات، قالت إن الفيروسات بشكل عام تتطور للتغلب على الجهاز المناعي للإنسان، وهناك قواعد عامة يتبعها الفيروس حتى يمضي قدما ويستطيع العيش واختراق أجهزة الإنسان، وعلى رأس تلك القواعد هي التخفي حتى يستطيع الولوج إلى خلايا الإنسان أو ما يسمى علميا “الخلايا المضيفة”.

وبعد الوصول إلى تلك الخلايا يسعى الفيروس إلى فك شفرة معلوماتها الجينية لإنتاج مكونات لجزيئات فيروسية جديدة، ثم تجميع تلك الجزيئات وإطلاق فيروسات جديدة لإصابة المزيد من الخلايا، ما يتسبب في تلف الأنسجة وفشل العمليات التي يقوم بها عضو الإنسان المصاب بالفيروس، وفق الباحثة.

وأشارت إلى أننا نستخلص من ذلك أن الفيروسات التاجية تعمل بطريقة الجاسوس الذي يتسلل متخفيا إلى أراضي العدو، وهذه النوعية من الفيروسات ماهرة في تمرير مادتها الجينية من خلية إلى أخرى دون تنبيه الاستجابة المناعية للمضيف، وغالبًا ما تقع الفيروسات المسؤولة عن التهابات الجهاز التنفسي الخفيفة إلى المتوسطة في هذه الفئة، وهي تشمل الفيروس التنفسي، والفيروسات الغددية، وفيروسات الإنفلونزا البشرية، وفيروسات الأنف، والفيروسات التاجية البشرية.

وبحسب الباحثة، تقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة أن البالغين يتعرضون إلى 2 أو 3 نزلات برد في السنة، وهو معدل يزيد لدى الأطفال، لكن نزلات البرد لا تشكل تهديدًا يذكر للأشخاص الذين لديهم أجهزة مناعة صحية، فكما نعلم الآن جيدًا أن “كوفيد” هو أكثر خطورة من “سارس”، لأنه يمكن أن يسبب متلازمة تنفسية حادة في بعض المرضى، ما قد يؤدي إلى معدل وفيات يصل إلى 7%.

وتابعت الباحث البريطانية أنه كما يجب أن يكون الجاسوس الناجح ماهرا في التنكر، فنفس الأمر ينطبق على الفيروسات، فإذا أرادوا التهرب من التعرف عليهم بواسطة الخلايا المناعية، فيجب عليهم تغيير طبقة البروتين الخاصة بهم بشكل متكرر، ويتم ذلك عن طريق تعديلات طفيفة في مادتهم الجينية تسمى الطفرات، وللأسف فإن فيروسات الإنفلونزا التي تستخدم حمض الريبونويليك سريع التطور (RNA) كمادة جينية، خبراء في هذه اللعبة.

وأشارت إلى أن الفيروسات التاجية تمتلك RNA كبيرة جدًا ومن السهل رصدها، وهذا يعني أن هناك المزيد من الفرص لحدوث طفرات خاطئة، كما أنها تتغير بسرعة أقل بكثير من تغير الإنفلونزا، وهذه أخبار جيدة لنا ولتطوير اللقاحات، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من المعلومات لتحديد المدة التي قد يكون فيها اللقاح فعالًا.

————————————-

الصين في سوريا.. دبلوماسية الصندوقين!/ علي حسين باكير

في إطار الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا في سوريا، قامت الصين الأسبوع الماضي بتقديم مساعدات إلى ممثلي نظام الأسد. حوالي عشرة أشخاص من بينهم مسؤولون صينيون وسوريون يتقدّمهم سفير الصين في سوريا ونائب وزير خارجة نظام الأسد فيصل المقداد بالإضافة إلى مساعد وزير الصحّة اصطفّوا جميعاً أمام صندوقين صغيرين تمّ إنزالهما من الطائرة وقيل أنّهما يُمثلان المساعدات المخصّصة من الصين إلى سوريا قبل أن يتم رشّهما بمواد التعقيم والتقاط صورة تذكارية للحدث!

أثار الموضوع سخرية كثيرين، فالصين العظيمة التي تُعبّر دوماً عن حرصها على دعم النظام أكبر من أن ترسل صندوقين بحجم كيسي أرز كبيرين. لكن من الواضح أنّ الغرض الأساسي لبكّين لم يكن تقديم مساعدات بقدر ما كان إقامة حفلة علاقات عامّة، فأجرة الطائرة التي أقلّت هذه المساعدات أكبر بكثير من كلفة الصندوقين اللذين تمّ إنزالهما من على متنها.

بكّين استدركت الوضع وقالت إنّه سيتم إرسال دفعات إضافية فيما بعد، لكن هل سيغيّر ذلك من صورة الصين؟

بالنسبة إلى شريحة واسعة من السوريين، الصين لا تختلف كثيراً عن إيران وروسيا. صحيح أنّها لم تشترك بشكل مباشر عسكرياً على الأرض، لكنّ كثيرا من قراراتها السياسيّة سواءً في مجلس الأمن أو على المستوى الثنائي حمت نظام الأسد وأدّت إلى قتل السوريين. في أحدث المفارقات المتعلّقة بالحديث عن المساعدات الإنسانية، قامت الصين في ديسمبر ٢٠١٩ ويناير ٢٠٢٠ باستخدام الفيتو مرّتين لمنع دخول المساعدات الإنسانية الأمميّة من معابر الدول المجاورة لسوريا إلى النازحين والمحتاجين داخلياً!

عندما يتعلق الأمر بالدور الصيني في سوريا، هناك نزعة غير مفهومة عند البعض لتضخيم هذا الدور. وإن كان مفهوماً أن يقوم نظام الأسد بهذا الأمر نظراً لحساباته السياسية التي تستند إلى تعظيم دور إيران وروسيا والصين، ومحاولة الاستفادة من ذلك في استجلاب دور موازن من قبل لاعبين آخرين، إلاّ أنّه من غير المفهوم أن تقوم جهات أخرى بنفس الأمر.

قيل كثير وكتب أكثر عن أهمّية متخيّلة لسوريا في استراتيجية الصين الاقتصادية وفي السياسة الخارجية للبلاد. لكن باعتقادي، تختزل “دبلوماسية الصندوقين” هذه قيمة سوريا الحقيقية في الحسابات الصينية وحجم التضخيم المفتعل من قبل أطراف عديدة لقيمة سوريا بالنسبة إلى الصين أو دور بكّين في سوريا. على سبيل المثال، كل ما تمّ الترويج له سابقا عن دور عسكري مفترض للصين في محاربة الإيغور في سوريا تبيّن أنّه للاستهلاك الدعائي وللاستفادة من الترويج لدعاية محاربة الإرهاب.

الموضوع الأكثر تداولاً في الآونة الأخيرة هو دور الصين في عملية إعادة الإعمار، لكن لا شيء يوحي حقيقة بإمكانية أن تدخل الصين معركة إعادة الإعمار في ظل استمرار الأزمة السورية. هذا أمر غير وارد باعتقادي لأنّ بكّين لن تضحي بمليارات الدولارات دون أن تعلم مصيرها، كما أنّها لن تخاطر بمعدّاتها ومستخدميها ومواطنيها في ظل استمرار القتال في مناطق مختلفة من البلاد. علاوةً على ذلك، فانّ هناك تنافساً إيرانياً – روسياً لناحية أكل الكعكة السورية والسيطرة على مقدّرات البلاد الاقتصاديّة وهذا لا يخفى على أحد.

أي دور صيني متعاظم في هذا الجانب، سيجعل بكّين خصماً تنافسياً لكل من إيران وروسيا في سوريا ويحوّلها بالتالي إلى هدف مشروع للطرفين على اعتبار أنّها ستستقطع من حصّتيهما وليس من حصّة أي طرف آخر، وهو ما لن تغامر الصين به لا سيما في هذه الظروف التي تضعها في خصومة مع عدد كبير من دول العالم على خلفية جائحة كوفيد-١٩.

أمّا فيما يتعلق بدور سوريا في مشروع الطريق والحزام، فعدا عن كون المشروع تلقى ضربة قاسية مع تحوّل الفيروس إلى جائحة والمشاكل التي أثارها بين الصين وعدد من الدول، خاصّة الأوروبيّة منها، على خلفيّة استغلال بكين للأزمة لزيادة نفوذها لا سيما في إيطاليا، فإنّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تلوح بالأفق من شأنها أن تبطئ أي تحرّك مرتقب على المستوى الإقليمي.

أهمّية سوريا من الناحية البحرية بالنسبة للصين شبه مصادرة تقريبا من قبل كل من إيران وروسيا مرّة أخرى حيث يسيطر الطرفان على المرافئ البحرية للبلاد، وهذا لا يترك مجالاً للصين للاستفادة من إطلالة سوريا البحرية ولذلك، فإنّ استثمار بكّين الأكبر هو في ميناء طرابلس في لبنان وليس في سوريا. هذه المعطيات جميعها، تُفسّر حجم ما يسمى بالمساعدة الصينية التي تمثّلت في صندوقين صغيرين، حيث تركّز الاستثمارات الصينية الآن ومعها بروبغندا البلاد في أماكن أخرى مختلفة تماماً يعتقد الصينيون أنّهم قادرين على تسجيل نقاط فيها.

تلفزيون سوريا

——————————————

ثمن الإقامة في الإعصار/ غسان شربل

للوهلة الأولى ظنَّ كثيرون أنَّ الغمامة السوداء ستغادر سريعاً. وخالجهم اعتقاد بأنَّ الأمر يشبه دخول طائرة على نحو مفاجئ إلى منطقة دهمتها عاصفة رعدية. وأنْ لا شيء يفعله المسافر غير الاستماع إلى تعليمات القبطان وهي واضحة: الرجاء ربط حزام الأمان. وأنَّ الخروج من منطقة العاصفة يتوقف على جودة الطائرة وحسن القيادة فيها. والترجمة العملية لربط حزام المقاعد هي ملازمة المنزل وغسل اليدين بصورة متكررة والتزام التباعد وتعقيم كل ما يدخل المكان.

ولم يكن لدى كثيرين شعور بأنَّ عملية «الاعتقال» هذه ستطول. إنجازات الثورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة في العقدين الأخيرين قلَّصت مساحات الخوف من المفاجآت التي اعتادت تحدي الذكاء الإنساني وعادت مهزومة في غالب الأحيان. والحقيقة أنَّ الإنسان أنجز ما يستحق وصفه بوسادة صلبة في مواجهة المجهول الذي كان يرعب أجداده. أسقط العلم تباعاً هالات الغموض والأسرار المتعلقة بالطبيعة والأمراض والمفاجآت المخيفة. لم تعدِ الزلازل تثير الرعب نفسه الذي كانت تضخه في عروق الناس حين تندلع. تحدَّى الإنسان غضب الطبيعة وتمكَّن من إيواء الناس في أبنية مجهزة لمواجهة هذا النوع من المفاجآت. ولم تعد كلمة الطاعون تثير الرعب على غرار ما كانت تفعل في حقبات ماضية. السرطان يكاد يفقد هو الآخر قدرته على بث الرعب وإصدار الأحكام المبرمة. لقد تمرَّد الإنسان على عالم الخوف والمغاور والفرار. تراكمت الأبحاث في المعاهد والمختبرات وأنتجت عدداً غير قليل من الدروع التي تحمي الناس من الأمراض الفتاكة والأوبئة.

ارتباك العلم والمختبرات أمام جائحة «كورونا» يجب ألَّا يهز ثقة الإنسان بما أنجزه الإنسان. لا أريد أبداً التقليل من قسوة ما نعيشه لجهة الخسائر البشرية أو لجهة الخسائر الاقتصادية التي ستتكشف أكثر لدى انحسار الهجوم «الكوروني». لكن قسوة هذه الخسائر يجب ألَّا تزعزع ثقتنا بالعلم والعلماء. قسوة المشاهد والروايات يجب ألا توقعنا مجدداً في كهف الأوهام والخرافات والمنجمين. لا بدَّ من الشعور وبثقة عالية بأنَّ ربط أحزمة الأمان يرافقه أيضاً شعور قاطع بأنَّ مصير المعركة معروف ومحسوم، وأنَّ جنود معركة السلامة والتقدم لن يسمحوا لفيروس غامض بإلحاق الهزيمة بالبشرية. لو قلبنا سريعاً صفحات التاريخ لوجدنا أن قتلى «كورونا» لم يتجاوزوا حتى الآن عدد من قتلهم مستبد ارتكبته هذه الدولة أو تلك. وأنَّ عدد الوفيات شديد التواضع إذا ما قيس بإنجازات الكوليرا والإنفلونزا الإسبانية وغيرهما من كبار القتلة. ولعلَّ الفارق يكمن في أنَّ العالم الحالي يعطي قيمة أكبر للحياة البشرية والمحافظة عليها، فضلاً على أنَّ هذا الزائر القاتل جاءنا في عصر العولمة وبحيث صار باستطاعة كل سكان الكوكب أن يتابعوا مباشرة مسلسل ارتكاباته وجنازاته.

أعرف أنَّ القصة ليست بسيطة. فجأة وجد الإنسان نفسه معتقلاً. ارتضى أنْ يتحول معتقلاً لأنَّ الخيار الآخر ربما يكون قاتلاً له ولمن يخالطهم أو يقترب منهم. عدم الرضوخ لأمر الاعتقال المنزلي يعني احتمال تحول الفرد قنبلة جوالة تحمل الشؤم والضرر إلى أي مكان تعاقبه بوجودها فيه. في الأيام الأولى بدت القصة شبهَ عادية كمرور الطائرة في مطبات هوائية محتملة.

ثم اكتشف الأسير أنَّ القصة أبعد من ذلك. خسر أسلوب عيش بلوره على مدار سنوات وخسر روتيناً كان يتكئ عليه ويعتبره العمود الفقري لتوازنه. فقد متعة الاقتراب من الآخر. خسر المصافحة أو العناق والنقاش المباشر والتبادل والاشتباك أحياناً. اكتشف المعتقل أن الآخرين ليسوا زائراً ثقيلاً في يومياته، بل إنهم من صلب هذه اليوميات التي ستتكشف فقيرة وموحشة في غيابهم.

ويمكن للمرء توهم أنَّه يستطيع الاستقالة من الآخرين وتأسيس عالم يدور حوله وحده. يستيقظ فيركض في أزقة هاتفه وما يحمله من أخبار وصور وتقارير وشائعات. حتى في زمن «كورونا» لا يتوقف عشاق الإثارة عن مبالغاتهم على رغم غابات النعوش وحقول الدموع. وأخطر ما يمكن أنْ يحدث هو أنْ يصدق المعتقل كل ما يقرأ أو معظمه. وأنْ تغشه الألقاب. وتخدعه الصياغات والمبالغات. ما ذنب مواطن عادي ليتورط في متابعة أبحاث اللقاحات والأدوية وحديث «المريض صفر» الذي أصيب في المختبر ونقل العدوى إلى سوق ووهان التي تبيع الحيوانات البرية واللحوم؟ وما ذنب الإنسان العادي ليغرق في الاستفسارات عما إذا كان المرتكب الأصلي خفاشاً أم غيره، وإن كان المرتكب الثاني حزبياً مهجوساً بالصورة تسبب في «التستر الحكومي الأكثر تكلفة على الإطلاق»؟

في الأيام الأولى توهَّم صديقي أنَّ الحل موجود. بضع ساعات في العمل عن بعد مع الشركة كي لا تتسرع في ترشيق راتبه أو أكثر. وبعد ذلك متابعة أخبار الفيروس والأطباء والمحللين الذين يجزمون بأن ما بعد «كورونا» ليس كما قبله. واضح أن ترمب سيصعد اتهاماته للسلطات الصينية بالتستر وإخفاء معلومات وأن «الفيروس الصيني» سيكون حاضراً بقوة في الانتخابات الأميركية المقبلة. لكن لا يزال من المبكر توزيع الأوسمة وإحصاء الخسائر. سيمر وقت طويل قبل أن تتضح ملامح ما بعد «كورونا». ظهور «كورونا» أيقظ الميول إلى العزلة، لكن الانتصار الكامل عليه مرهون بأوسع تعاون دولي. هذا يصدق على أوروبا ويصدق على العالم بأسره.

أعرف السؤال الذي يلحُّ عليك والذي لا جواب له حتى الآن. تريد معرفة متى يسترجع العالم وتيرة العيش الطبيعية أو شبه الطبيعية. لا الحكومات قادرة على التكهن بدقة ولا العلماء. وفي انتظار ذلك يستمر الإعصار في توزيع الجثث منذراً بتوجيه ضربة إلى القارة الأفريقية. لم يتعب الإعصار بعد، لكن ذلك لا يعني أنه لن ينحسر. أما أنت فعليك التسلح بالأمل، وأن تتذكر دائماً وصية القبطان بربط حزام الأمان. إن مساهمة المواطن العادي تبدأ بربط حزام الأمان وتعميق التضامن الإنساني ورفض الانزلاق إلى بؤس الخرافات والأوهام ليتسنى له احتمال ثمن الإقامة في الإعصار. سيدفع الفرد ثمن هذه الإقامة وستدفع «القرية الكونية» الثمن أيضاً من أرواح سكانها واقتصاداتها واستقرار دولها.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

———————————

في أي عالم نريد أن نعيش؟/ سمير سعيفان

تكثر التنبؤات والتوقعات حول الآثار التي سيتركها انتشار وباء كورونا، على مختلف مناحي الحياة، وتذهب الخيالات بعيدًا أو قريبًا، خاصة أن الإجراءات الواسعة والشاملة وغير المسبوقة في التاريخ، حديثًا أو قديمًا، قد شلّت الحياة في جميع دول العالم تقريبًا، أو على الأقل في الدول الكبرى الأكثر أهمية والأكثر فاعلية، في كل جانب من جوانب الحياة، سواء كان بسبب حصتها من الاقتصاد العالمي، أو حصتها من الصادرات، أو تحكمها في أسواق المال والأعمال والسلع والاستثمارات، أو موقعها السياسي الحاكم، إضافة إلى امتلاكها التكنولوجيا والأسلحة الفتاكة والجيوش، حيث تستطيع أن تفرض، عبر قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إراداتها على بقية دول العالم، التي تنصاع لها، أو تقلّدها وتتبع نهجها في ما تفعل، ومثالنا الأخير هو اتباع إجراءات كورونا الشاملة والحجر الشامل غير المسبوق على الناس، وتعطيل الحياة الذي يتبعه العالم أجمع، فلو أنّ دولة صغيرة في العالم هي من واجه كورونا بمثل هذه الإجراءات في البداية؛ لكانت الآن موضع سخرية الدول الكبرى ووسائل إعلامها، ولكن لأنها الصين الكبرى التي تنافس على الموقع العالمي الأول في كل شيء، فقد هرعت دول العالم المتقدمة لتتبع النهج الصيني، بعد تردد دام قرابة ثلاثة أشهر، ولكنها أخذت به في النهاية، فتبعتها جميع دول العالم الثالث والرابع والخامس، دون أن تدرس تلك الإجراءات: أهي إجراءات فعالة ومناسبة أم لا!

تأثيرات مؤكدة على الاقتصاد:

من الآثار المباشرة والواضحة لانتشار كورونا، تأثيره على المعدلات السنوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو المؤشر الرئيس للأوضاع الاقتصادية، فإيقاف جزء كبير من نشاط الأفراد، والمؤسسات الخاصة والحكومية، يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وإلى تراجع الاستهلاك عمومًا، وتقلص الطلب، كما يؤدي إلى تعطيل كبير في الطاقات الاقتصادية، الصناعة والتجارة والنقل والسياحة وغيرها من قطاعات الاقتصاد. ويُعدّ مؤشر أسعار النفط من أهمّ المؤشرات وأكثرها دلالة؛ لأن الطاقة ملازمة لكل إنتاج وكل نشاط بشري، وقد تدهورت الأسعار اليوم إلى 18.5 دولار أميركي للبرميل، وهو أدنى سعر يبلغه البرميل خلال 18 عامًا الأخيرة. وإذا استمرت الأسعار في الانخفاض؛ فسيكون لذلك آثار مدمرة على البلدان المصدرة للنفط، مثل بلدان الخليج والعراق والجزائر وليبيا وإيران وروسيا أيضًا.

يتوقع أن يترك انتشار فيروس كورونا آثارًا سلبية على نمو اقتصاديات مجموعة العشرين، وهي أكبر اقتصادات العالم. وبحسب وحدة التحليل The intelligence Unit في مجلة الإيكونوميست The Economist  البريطانية، فإن جميع دول مجموعة العشرين (وهي صاحبة أكبر 20 اقتصادًا في العالم) سوف تسجل ركودًا هذا العام 2020، عدا ثلاثة بلدان منها، وسوف ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة – 2.5 %، بدلًا من توقع سابق لنمو إيجابي + 2.3 %. إذ سيخفض نمو الصين عام 2020 إلى + 1 %، بينما كان + 6.1 % في عام 2019، بينما تواجه الولايات المتحدة انكماشًا بمعدل – 2.9 %، وستواجه مجموعة دول في أميركا الجنوبية انكماشًا بمعدل مرتفع، مثل الأرجنتين -6.7 % والبرازيل -5.5 % والمكسيك -6.5 %، وكذلك كل من جنوب أفريقيا والسعودية -5 %. ومثلها ستواجه أكبر اقتصاديات أوروبا انكماشًا بمعدل مرتفع أيضًا يبلغ في ألمانيا -6 % وفرنسا -5 % وإيطاليا – 7 % وبريطانيا -4.7 %. بينما سيبلغ الانكماش في روسيا – 2.6 %، وفي تركيا -3.5 %، وفي كندا – 3.2 %. وستكون بلدان جنوب شرق آسيا هي الأقل تضررًا: أستراليا -0.5 %، واليابان -1.5 %، وكوريا الجنوبية -1.8 %. أما الهند فستحقق نموًا إيجابيًا بمعدل + 2.1 %، وإندونيسيا +1%.

ستكون معدلات الانكماش أكبر، إن استمر الإغلاق بمعدلاته الحالية، ولكن سيستمر التأثير بنسب أقلّ في حال عودة القطاعات إلى الإنتاج وعودة الحياة تدريجًيا، مع استمرار بعض الإغلاقات والقيود، أي إن الآثار قد تكون أكبر مما ورد أعلاه، في حال ظهور موجات ثانية أو ثالثة من الوباء، أو مع اقتراب فصل الشتاء في بلدان الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، واحتمال انتشار الوباء بشكل أوسع في بلدانه، فهذا من شأنه أن يزيد من تباطؤ النمو.

لقد أنتج الإغلاق في دول العالم معدلات بطالة مرتفعة، قدّرت خلال الفترة الأولى بنحو 25 مليون عاطل جديد، وستكون أعلى من ذلك، في حال تمديد مدة الإغلاق، وستتركز معدلات البطالة في دول العالم الفقيرة التي قلدت الدول المتقدمة في خطوات الإغلاق، دون أن تخصص برامج لتعويض المؤسسات الصغيرة والكبيرة، كي لا تقوم بتسريح عمالها، أو لتعويض الذين يعملون لحسابهم، وهذا ما فعلته البلدان الغنية، بينما تعجز البلدان الفقيرة عن فعل ذلك. وهذا يعني أن آثار الإغلاق على الناس في البلدان الفقيرة أكثر كارثية، وهي غالبية بلدان الأرض وشعوبه، وستدفعهم في النهاية إلى كسر الإغلاق والخروج في مواجهة إجراءات حكوماتهم، رافعين شعار “الموت بكورونا ولا الموت جوعًا”.

الأثر المحتمل على العولمة:

ليس أدلّ على عمق العولمة اليوم من أن دول الكرة الأرضية كلها تواجه مشكلة واحدة، وتتخذ الإجراءات ذاتها تقريبًا في الوقت ذاته، ويرتبط مصير جميع الدول بنجاح إحداها في تطوير لقاح وإنتاج دواء. وقد أصبح من الصعب فكّ عرا هذا الترابط. طبعًا لا مجال لاستعراض تشابك العالم مع بعض، واعتماد كل مجتمع على أسواق المجتمعات الأخرى في تصريف منتجاته، أو الحصول على مواده الأولية أو آلاته وعلومه واختراعاته، وحتى منتجاته الثقافية والفنية، فكلها تصبح معولمة. وفي الوقت ذاته، نرى مواقف لاعبين كبار تنقلب، فأميركا كانت عرّاب العولمة، وبخاصة منذ الثمانينيات، بينما كانت الصين تعادي العولمة، وصارت المواقف تنقلب اليوم، حيث يعود ترامب ليدعو إلى سياسات تتعارض مع سياسات الانفتاح العولمي، وإلى عودة الاستثمارات والصناعات، ومن ثم عودة فرص العمل إلى الولايات المتحدة، وثمة توجهات مماثلة في أوروبا، ولكنها ليست بوضوح توجهات الولايات المتحدة، بينما نرى الصين تجدّ السير في طريق العولمة، فتوطد علاقاتها التجارية والاستثمارية والاقتصادية مع دول العالم المتقدمة والنامية، ولها غايات متباينة من هذه العلاقات، وهي تطرح منذ 2013 مشروعها الإستراتيجي العولمي “الحزام والطريق”.

يتوقع أن تخرج الدول النامية من أزمة كورونا مثقلة بديون أكثر؛ فالإيرادات العامة تتراجع مع إجراءات الإغلاق، وهي ضعيفة في الأساس، بسبب فساد الأنظمة وسوء الأداء الاقتصادي، بينما تستمر الحاجة إلى الإنفاق، وهذا سيضع العديد من البلدان النامية على حافة أزمة ديون حادة، ويؤثر سلبًا في الاستثمار والنمو. وقد تواجه المصير ذاته دولٌ متقدمة مثل إسبانيا أو حتى إيطاليا.

الصراع الأميركي الصيني على المكان الأول:

أدت إجراءات انتشار وباء كورونا إلى أن يخرج الصراع الصيني الأميركي إلى العلن أكثر. وكانت نُذره قد بدأت قبل سنوات، وخاصة منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ويستغل ترامب المناسبة ليسمي كورونا “الفيروس الصيني”، وبدأت بعض الأوساط الأميركية برفع صوتها، مطالبة الصين بدفع التعويضات، مقابل الأضرار التي سببها انتشار الفيروس، بينما بدأت دعوات من الصين تقول إن الفيروس إنتاج أميركي موجّه ضد الصين، ومن المحتمل أن نشهد مقدمات حرب باردة جديدة، بين الولايات المتحدة والصين، تخرج إلى العلن، كما كان مع المعسكر السوفيتي السابق، فقد باتت الولايات المتحدة أكثر خشية من تزايد دور الصين، على حساب دورها العالمي، وستكون جبهة الاقتصاد وسياسات التجارة الدولية والاستثمار هي ميدانها الرئيس، بينما كان ميدان السياسة وسباق التسلح هو ميدان المواجهة، بين الحلف الغربي والحلف السوفيتي السابق، أما الصين فقد اختارت أن تستعمل سلّم الاقتصاد كي تصعد عليه، لتلعب دورًا سياسيًا بعد حين. ويتوقع أن تعمل الولايات المتحدة مستقبلًا على حرمان الصين من كثير من منجزات التقدم التكنولوجي الذي كانت الصين تستفيد منه، وعلى حرمانها من الاستثمارات، مثلًا شهدنا قبل شهور معركة ترامب ضد شركة “هواوي” الصينية، ولا يُعرف كيف سيكون موقف أوروبا من الحرب الصينية الأميركية، ولكن لن يكون ذلك مهمة سهلة.

أي نظام نريد أن نعيش فيه؟

يفضح انتشار الوباء فسادَ النظام السياسي والاجتماعي الذي يسود العالم، ويبرز الخلل في وضع العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروة وشبكة الضمان الاجتماعي ودور الدولة ودور المؤسسات المالية (البنوك) وأسواق المال والعملات الرقمية والطابع الريعي للنظام القائم على تقديس الربح، خاصة أن العقود الأربعة السابقة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، شهدت اندفاع السياسة الليبرالية الجديدة “النيوليبرالية” التي تقدس الربح وتضعه فوق كل قيمة، وتراجعت شبكة الضمان الاجتماعي في جميع دول العالم، وخاصة في دول العالم الثالث والدول المفتقدة للديمقراطية، وتحولت السياسات الاقتصادية والتجارية والمالية وسياسات أسواق العمل، لتصب في مصلحة رأس المال على حساب قوة المشتغلين؛ فتزايد تفاوت توزيع الثروة، سواء على مستوى كل مجتمع، أو على المستوى العالمي، حتى وصلت ثروات البعض إلى حدود خيالية، وأصبح العالم منقسمًا بين نسبة الـ 1 % التي تكاد تملك كل شيء، والـ  99 % التي تعمل لخدمة الـ 1 %. وبينما نسبة الـ 1 % المنتشرة عبر العالم تنسّق وتخطط وتعمل معًا، للسيطرة على الـ 99 %؛ تبقى هذه الأخيرة مبعثرة الجهود ومشتتة، وتلهو بصراعات ثانوية، أو تركض خلف أوهام ومعتقدات زائفة تبدد طاقتها، بدًلا من التوحد للبحث عن عالم جديد ونظام اجتماعي جديد.

وكما يقول المفكر الأميركي تشومسكي: “الطاعون الجديد المتمثل في النيولبرالية يقودنا إلى الهلاك. لقد تمت خيانتنا من النظم السياسية التي تتحكم فيها النيولبرالية ويديرها الأغنياء، ولا خِيار لنا سوى الخروج من الطاعون النيولبرالي، للتعامل مع الأخطار المقبلة التي تلوح في الأفق في العالم، واستبداله بنظام عالمي إنساني، كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء”.

مركز حرمون

————————————

============================

تحديث 22 نيسان 2020

——————————

مخاوف من انتشار كورونا في مخيمات عائلات داعش شمال شرق سورية

هذا المرض مصدر قلق يومي في الهول، وهو معسكر اعتقال في شمال شرق سورية لعائلات مقاتلي داعش، وإن كل حالة وفاة تثير القلق حاليًا بشأن كورونا. مع تعليق عمليات الإعادة إلى الوطن، يجب على الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى زيادة المساعدة الطبية والإنسانية.

عندما يموت شخص في الهول، وهو معسكر اعتقال في شمال شرق سورية يضمّ معظم النساء والأطفال المرتبطين بمقاتلي داعش؛ يتحول اللوم بسرعة إلى كورونا. تتزايد المخاوف بشأن المرض، على الرغم من عدم وجود حالات مؤكدة، وعلى الرغم من أن الوفاة المفاجئة شائعة بالفعل، بسبب الظروف المعيشية القاسية والأمراض المعدية الأخرى التي تقتل العشرات من الأشخاص، وسطيًا، كل شهر.

بدأت شائعات مخيفة تنتشر في الهول، في أوائل آذار/ مارس، عندما توفي طفل في الثالثة من عمره، وامرأة تبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا، وكلاهما مواطنان روسيان. وأكدت بعض النساء أن الوفاة كانت بسبب كورونا، بينما قال آخرون إن الطفل توفي بمرض السلّ، والمرأة أُصيبت بأزمة قلبية. عندما أمرت سلطات المخيم السكان بالبقاء في خيامهم، وأغلقت المحال التجارية في سوق المخيم؛ بدأت النساء بتخزين الطعام والمياه. عندما حفر الحراس خندقًا بجوار السور، صرخت امرأة خائفة من أنهم كانوا يجهزون مقابر جماعية. نشأ قلق عميق كذلك في روج Roj، وهو معسكر اعتقال أصغر، بالقرب من الحدود العراقية. بدأت النساء في كلا المعسكرين الاتصال بالأقارب، وإرسال الرسائل النصية إليهم في الخارج، بشأن احتمال إصابتهم بالمرض، وهم يسردون أعراضهم بشكل محموم. وكتبت إحداهن: “نجري محادثات حول كيف نتوقع الموت هنا”.

لم تتمكن مجموعة الأزمات Crisis Group من زيارة المخيمات، في ظل الظروف الحالية. ولكن من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل (واتسآب) و(تيليغرام) WhatsApp وTelegram مع سكان المخيم وأقاربهم، وكذلك مع مسؤولي الأمم المتحدة وموظفي المنظمات الإنسانية، يظهر شعور قوي بالذعر.

كما هي الحال في جميع مخيمات المهجرين في العراق وسورية، يعيش الناس من دون مياه نظيفة أو غذاء كاف أو خدمات طبية موثوقة، حيث لا يوجد هناك سوى القليل من الصابون أو مطهرات اليد أو معدات الحماية. ويوجد في مخيمي الهول وروج 66,000 و4,000 امرأة وطفل، على التوالي، ومعظمهم من أقارب مقاتلي داعش، مع بعض المنتسبين السابقين إلى الجماعة. معظمهم سوريون أو عراقيون، وحوالي 13,500 من دول أخرى. إن وضعهم القانوني الضبابي، من حيث إنهم ليسوا مقاتلين ولا مدنيين، والوسم المرتبط بهم، يثني بعض هيئات المساعدة التابعة للأمم المتحدة عن تقديم أي خدمة على الإطلاق. فضلًا على أنه يُلزم الأطباء والحرّاس بمهام العناية بالنساء اللواتي يُعتبرن مقاتلات داعشيات غير تائبات.

حتى الآن، لا توجد حالات مؤكدة من كورونا، في أي من المخيمين، على الرغم من عدم وجود مجموعات اختبار. ولكن مع إغلاق فيش خابور، المعبر الحدودي الرئيس مع العراق، بسبب كورونا، وقطع إمدادات المساعدات، ومحدودية القدرات الطبية في المنطقة، فإن التوقعات قاتمة. وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأدنى والأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمجموعة الأزمات Crisis Group: “إنهم يواجهون بالفعل صعوبة في عزل حالات السلّ، لذا انسوا التباعد الاجتماعي. إذا أصاب هذا الفيروس أماكن مثل الهول، أو الكثير من شمال شرق سورية، فإننا نخاطر بأن نكون في وضع حيث نراقب فيه الناس، الأكثر ضعفًا، وهم يموتون”.

منذ أن سقطت آخر معاقل داعش في سورية، في أوائل عام 2019، تُرك أمرُ التعامل مع عشرات الآلاف من معتقلي داعش، والعائلات التابعة لهم، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي ميليشيا بقيادة كردية دخلت في شراكة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وترفض العديد من البلدان الأصلية للمحتجزين إعادتهم. بالإضافة إلى الهول وروج، اللذين يأويان في الغالب النساء والأطفال، تكافح قوات سوريا الديمقراطية من أجل حراسة ورعاية وإطعام الآلاف من الرجال والفتيان المحاصرين في السجون المؤقتة. تتلقى بعض التمويل الأميركي، لكن مواردها تتناقص بشدة. كان التحالف المناهض لداعش بطيئًا في تقديم دعم إضافي (المزيد من التدريب للحراس والمعدات الجديدة) وُعد به للإشراف على المعتقلين. ويصف العاملون في المجال الإنساني هذه المواقع بأنها مليئة بالسل ومزدحمة بشكل خطير، حيث يتحدث أحدهم عن “معدلات وفيات دراماتيكية”.

في 30 آذار/ مارس، قام محتجزو داعش بأعمال شغب، واجتاحوا سجنًا في مدينة الحسكة، وقاموا بتكسير الأبواب والسيطرة على طابق واحد من المنشأة. استغرق الأمر ما يقرب من يوم، حتى قامت قوات سوريا الديمقراطية بقمع الانتفاضة، من دون أن يهرب أحد. وقالت سلطات قوات سوريا الديمقراطية في وقت لاحق، إن المقاتلين اضطروا إلى الهروب، جزئيًا، بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس في مثل هذه الأماكن الضيقة. إن احتمال حدوث شيء مشابه في الهول، حيث تشتعل التوترات بانتظام بين النساء المتشددات وحراس المعسكرات حتى في أوقات ما قبل الوباء، تقلق المسؤولين الغربيين، فضلًا على الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، الكيان السياسي الذي يحكم المنطقة المحمية من قوات سوريا الديمقراطية.

إن إرهاق حراسة هذا العدد الكبير من المعتقلين يفوق الإدارة الذاتية. قال بدران تشيا كرد، أحد كبار مسؤولي الإدارة هذه، لمجموعة الأزمات: “علينا أن نعتني ليس فقط بالمخيمات مثل الهول، ولكن أيضًا بالسكان الأصليين الذين يزيد عددهم عن خمسة ملايين (تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة تشير إلى ثلاثة ملايين)، بالإضافة إلى مليون من المهجرين السوريين. بعد هزيمة داعش”، على حد قوله، ورثت السلطات نظامًا صحيًا هشًا وبنية تحتية مدمرة، يتطلب إصلاحها دعمًا دوليًا ضخمًا لمجرد تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، فضلًا على درء أي وباء. وتابع أن المخيمات ستكون الأكثر تضررًا بسبب الاكتظاظ ونقص المرافق والجهوزية: “أي انتشار للفيروس سيؤدي إلى كارثة غير مسبوقة”. يعتمد كثير من سكان شمال شرق البلاد على الوظائف اليومية للمعيشة، ويُجبر العمال على الاختيار بين تدابير العزل الذاتي والبقاء. كما عانت المنطقة من قطع تركيا لإمدادات المياه التي تسيطر عليها من محطة العلوك، وهي خطوة ناتجة من الخلافات بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، بشأن تبادل المياه والكهرباء بين المنطقتين اللتين تسيطران عليهما. تتدفق المياه الآن مرة أخرى، لكنها لم تصل بعد إلى المدنيين في عدد من المناطق. وقال تشيا كرد: إن فقدان معبر اليعربية الحدودي مع العراق في وقت سابق من العام (فشل قرار الأمم المتحدة الصادر في كانون الثاني/ يناير في إعادة السماح باستخدامه)، يسبب الآن صعوبات شديدة، ويحد من حركة المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، بطريقة تضاعف من تأثيره الآن، مع إغلاق فيش الخابور نتيجة كورونا. 

بينما كافح مديرو المخيم، في أواخر آذار/ مارس، لإحضار طبيب إلى روج، منوهين بالطلب المتزايد على الأطباء في المنطقة، بدأت النساء تبيع البضائع فيما بينهن بأسعار متضخمة، مع تزايد القلق في كلا المعسكرين. امرأة فرنسية تبلغ من العمر 31 عامًا، ملقاة على التراب في خيمتها التي تبلغ مساحتها ستة أمتار مربعة، مع أطفالها الأربعة، وهي ترسل رسالة نصية من الهول إلى والدتها في وطنها، تخشى من أن يحصلوا على آخر وجبة كاملة لفترة من الوقت. كما كتبت امرأة سورية أنها شعرت بالمرض، ولم يكن لديها خيمة للمأوى، وكانت قلقة بشأن من سيعتني بابنها إذا ماتت. وقالت امرأة سورية أخرى إن منظمة غير حكومية محلية جاءت لتعليم النساء كيفية غسل أيديهن بشكل صحيح. لكنها أضافت أنه عادة لا توجد مياه كافية في الهول لغسل اليدين بانتظام. وقالت: “نحن لا نفهم ما يحدث، لذلك الناس خائفون”. وقالت امرأة أخرى في روج، عبر رسالة نصية إلى ألكسندرا باين، مديرة منظمة (أسر ضد التطرف العنيف) التي تتخذ من كندا مقرًا لها: “لدينا صعوبة في التنفس”. في الرسائل المتبادلة التي عرضتها باين لمجموعة الأزمات، وأشارت النساء في المخيمات، باستخدام الهواتف المشتركة، إلى “السعال الذي لا ينتهي”، والحمى وأيام متتالية من دون الوصول إلى طبيب أو مسكنات الألم الأساسية.

ترسم الرسائل صورة لمنطقة تفتقر بالفعل إلى العاملين الطبيين والإمدادات، حيث تكون الحاجة أكبر في المشافي والمخيمات تتراجع من حيث الأولوية، وحيث يوبخ الأطباء العصبيون النساء لسؤالهن عن الفيروس. في بعض الأحيان، تتخلل الرسائل كلمات جانبية: “آه، ابنتي تقيأت للتو”، وفي بعض الأحيان من اليأس: “بعض الناس هنا يريدون أن يقتلوا أنفسهم”، وأحيانًا عن طريق الاستسلام: “إذا ضربت كورونا هنا، فسنهلك”.

على الرغم من أن غالبية سكان هذه المخيمات هم من الأطفال والنساء دون سن الخمسين، فإن كثيرًا منهم قد يعانون بالفعل من الالتهاب الرئوي والتهابات الصدر والسلّ. يقول ويل تيرنر، مدير عمليات الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود: إن هذه “الأمراض المتصاحبة” تضع سكان المخيم في خطر مرتفع، بسبب فيروس كورونا. الخطر هو الأعلى في مناطق مثل “ملحق الأجانب”، حيث يقيم غير السوريين وغير العراقيين. نظرًا لصعوبة المفاوضات بين مجموعات الإغاثة وسلطات المخيم، لم يتلق الملحق أي خدمات طبية مباشرة منذ شهور. حتى محاولة تمرير المشورة الصحية بخصوص كورونا إلى الملحق يمثل تحديًا، إذ لا يسمح المخيم رسميًا للنساء المحتجزات بالحصول على هواتف محمولة، ولن يسمح بتوزيع المنشورات في الداخل.

حتى منتصف آذار/ مارس، كان لدى دولتين على الأقل خطط جارية نشطة لإعادة الأجانب في المخيمات، إحداهما لعدد صغير من المعتقلين، والأخرى لعدد كبير شملت -في حالات نادرة- الرجال. يلازم الوصول إلى هذه المرحلة عادة مشاحنات سياسية متواصلة ومتعددة الطبقات، داخل الحكومات المحلية، وبين تلك الحكومات والسلطات الحاكمة في شمال شرق سورية. ولكن انتشار فيروس كورونا عطّل، في الوقت الحالي، هذه الخطط. وقال مسؤول غربي لمجموعة الأزمات: “هذا يعني بالتأكيد وقف عمليات الترحيل. [لا أحد] يمكنه تخصيص موارد للعودة إلى الوطن الآن، أو في المستقبل المنظور”.

من المحتمل أن يصيب فيروس كورونا كامل شمال شرق البلاد، وفي الواقع كل سورية، حتى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة. لا يمكن توقع أن تتحمل السلطات في الشمال الشرقي العبء الكامل عن هذه الأزمة الإنسانية المتصاعدة والمرهقة بشكل هائل. غالبية سكان الهول وروج هم من الأطفال، وسواء كانوا عراقيين أو سوريين أو من جنسيات أخرى، فإن حياتهم وحياة من يعتني بهم بحاجة إلى الحماية.

يجب على الولايات المتحدة تشجيع كل من السلطات العراقية والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي للموافقة على إعفاء إنساني منتظم ثنائي الاتجاه، للإغلاق المؤقت للحدود في فيش خابور، حتى تتمكن مجموعات الإغاثة العاملة عبر الحدود العراقية من الحفاظ على أنشطتها وعلى خطوط الإمداد في كلا الاتجاهين. من أجل إقناع السلطات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، على حد سواء، يجب أن يرافق هذا الطلب تسليم المساعدات الإنسانية ومجموعات متعلقة بمعدات كورونا للسكان في شمال شرق سورية والعراق، ومخيمات النازحين الأخرى. يجب على الهيئات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، أن تقوم بخطوة كبيرة لتوفير التثقيف الصحي ومعدات الاختبار. كما يجب على قوات سوريا الديمقراطية، من جانبها، أن تواصل إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من السوريين من الهول، لخفض الازدحام في المخيم. لكن معبرًا حدوديًا واحدًا لا يكفي: يجب على مجلس الأمن أن ينظر على الفور في إعادة السماح باستخدام اليعربية، كنقطة وصول إنسانية إلى الشمال الشرقي. إن انتظار القرار التالي بشأن لوجستيات إيصال المساعدات إلى سورية، على الأرجح هذا الصيف، سيؤدي إلى تأخير مدمر. يجب على موسكو التخلي عن موقفها السابق والامتناع عن معارضة إعادة فتح معبر اليعربية، لأن دمشق لم تسمح بإيصال الإمدادات الصحية عبر أراضيها بطريقة تعوّض إغلاقه.

في الأشهر الأخيرة، بدا مستقبل الرجال والنساء والأطفال المحتجزين في هذه المخيمات أكثر غموضًا. بينما تسعى الإدارة الذاتية إلى تكثيف عملية الإفراج عن المعتقلين السوريين في الهول، فإن فرص المغادرة للعراقيين وغير السوريين لا تبدو جيدة. لقد تجمدت الآن عملية العودة البطيئة المؤلمة من قبل الحكومات المحلية، المشحونة بالفعل بالسياسات الداخلية للدول، وسيستغرق الأمر جهودًا هائلة لجعله أولوية من جديد، في أي وقت في المستقبل القريب. وهذا هو السبب في أن قلق النساء من الفيروس، إلى جانب الأعراض التي يعانين منها حاليًا، يندمج مع ذعر أكثر عمومية حول المستقبل.

اسم المقالة الأصلي                Virus Fears Spread at Camps for ISIS Families in Syria’s North East

الكاتب             مجموعة الأزمات الدولية

مكان النشر وتاريخه                  مجموعة الأزمات/Crisis Group، 7 نيسان/ أبريل 2020

مركز حرمون

—————————-

هل يمكن احتواء الوباء في سوريا/ رضوان زيادة

حتى اليوم وصل عدد الإصابات المعلنة من قبل نظام الأسد إلى 29 إصابة و 5 وفيات، لكن كثيرين يشككون في صحة هذه البيانات بسبب غياب الشفافية وليس لضعف الإمكانات وحسب بل لانهيار النظام الصحي السوري مع طول سنوات الحرب، حيث مثلت المستشفيات هدفا رئيسيا للنظام السوري كما كشفت كثير من التقارير الدولية ذلك، وآخرها تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيمائية وهو أول تقرير رسمي من فريق يذكر بالتحديد هوية الفاعل

والتحقيق التابع لمنظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية OPCW Investigation and Identification Team (IIT (والذي صدر في يوم ٢٤ آذار ٢٠١٧، ذكر أنه “في حوالي الساعة الثالثة ( بعد الظهر) من يوم ٢٥ آذار ٢٠١٧، قامت طائرة مروحية من مرتبات السلاح الجوي للجيش العربي السوريّ، منطلقة من مطار حماه العسكري، برمي إسطوانة على مشفى اللطامنة. الإسطوانة اخترقت سقف المشفى، وخرج منها غاز الكلورين، مؤثرة على ٣٠ شخصاً على الأقل”.

فالتقرير كشف أن النظام تعمد استخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا وفقا لاتفاقية لاهاي وإنما تعمد استهداف المشافي في تجاهل تام للقانون الإنساني الدولي الذي يحرم استهداف المشافي والمنشآت الطبية.

أصبح النظام الصحي في سوريا منهاراً تماما بسبب استنزاف موارده البشرية مع اللجوء ومن ثم استهدافه عسكريا في بعض المناطق من قبل النظام وخاصة المناطق خارج سيطرة النظام والتي تقسم الآن إلى منطقة ما يسمى الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها قوات حماية الشعب بدعم من الولايات المتحدة ومناطق الشمال السوري التي تشمل إدلب وريف حلب والتي تخضع للمعارضة السورية المسلحة، وتعتمد على الدعم التركي بشكل رئيسي، كلا المنطقتين لم تعلنا عن تسجيل أي إصابات أو وفيات في مناطق سيطرة كل منهما، ويرجع ذلك غالباً إلى ضعف كبير في القدرة على إجراء الاختبار بشكل واسع في مناطق التأثير المتوقع وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية في بياناتاها الدورية بشكل دائم.

لقد بات من الواضح الآن وفي ظل غياب دواء أو لقاح للوقاية من الإصابة بالفيروس أن سلسة من إجراءات التباعد الاجتماعي والعزل الصحي والوقاية الشخصية هي الوحيدة الفعالة في الحد من تاثير انتشار الوباء في أي بلد في العالم، ولأن المصاب قد يكون حاملا الفيروس لأسبوعين دون أن تظهر عليه الأعراض فهو ما يحتم القيام باختبار الكشف على قطاعات واسعة مصابة أو يتوقع إصابتها من المجتمع فبدون ذلك لا يمكن تحديد الوصول إلى الذروة بدون تحديد اتساع رقعة انتشار المرض عبر إجراء الكشف بنسب عالية، فاختبار الكشف وحده من يظهر اتساع رقعة الوباء وعدد المصابين ومن ثم تحديد نقطة الوصول إلى الذروة الذي يعتمد على معادلات رياضية في علم الأوبئة تقوم على عاملين رئيسيين وهما عدد الإصابات  وسرعة انتشار الإصابة خلال فترة زمنية محددة. طبعا كل ذلك يعتمد على قيام المجتمع بما يسمى إجراءات العزل الصحي والتباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية الشخصية التامة بدون ذلك لا معنى للبحث عن الذروة لأن عدد الإصابات لا يمكن السيطرة عليه وإنما هناك مصابين جددا دوما. وفي النهاية يجب أن ندرك أن الوصول إلى الذروة لا يعني أبدا انتهاء الوباء أو القضاء على الفيروس تعني ببساطة تخفيف الضغط عن القطاع الصحي بحيث تستطيع المشافي استقبال من هو بحاجة للدخول إلى  المشفى.

يدرك النظام أن القيام بكل هذه الإجراءات تكلفتها الاقتصادية عالية للغاية في ظل غياب التمويل الكافي أصلا لإعادة الإعمار وهو ما يعنيه أن سوريا ستدخل في سلسلة جديدة من الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مسبقا من انهيار العملة وتصاعد العقوبات الاقتصادية بعد إقرار قانون سيزر.

تلفزيون سوريا

——————————

دمشق:سوق سوداء للذهب..وللخبز/ نور عويتي

وسط تذمر شعبي من الإجراءات الاحترازية غير المجدية التي قام بها النظام السوري لمكافحة فيروس كورونا، من إغلاق المحلات التجارية وإيقاف المواصلات العامة مع فرض حظر تجول ضمن ساعات الليل فقط؛ بدأ النظام السوري بإعادة الحياة إلى طبيعتها في مناطق سيطرته تدريجياً.

القرار أتى على خلفية غضب شعبي ناتج عن تدهور الأحوال المادية للغالبية العظمى من المواطنين بسبب تعطّل أشغالهم، إضافةً إلى استهجان الإجراءات الصارمة مقارنة بقلّة عدد المصابين بفيروس كورونا المصرح بهم من قبل وزارة الصحة في حكومة النظام السوري؛ فإلى اليوم لم تصرح وزارة الصحة سوى عن 42 إصابة.

ومن الإجراءات الجديدة التي قام بها النظام السوري، تقليص ساعات حظر التجول بالتزامن مع حلول شهر رمضان، ليصبح حظر التجول من الساعة السابعة والنصف مساءً حتى السادسة صباحاً، وعودة وسائل المواصلات العامة إلى العمل، والسماح لأصحاب بعض المهن بإعادة ممارسة عملهم بعد أن أصدر النظام قرارات بإيقافهم.

وسمحت الحكومة من خلال قرارين متتاليين بفتح كافة المحلات التجارية عدا المقاهي والمطاعم، وذلك بنظام المناوبة طيلة أيام الأسبوع، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثالثة ظهراً، تحت مسمى الفعاليات الخدمية الخاصة.

وكان من اللافت بقرارات مجلس الوزراء التي تسعى لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي أنها

بدأت بالسماح لصاغة الذهب بإعادة افتتاح محلاتهم بشكل استثنائي يومين في الأسبوع، بعد الضغط الكبير من قبل جمعية الصاغة في دمشق.

ويبدو أنه في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطنين بسبب تعطيل أعمالهم وبسبب عجز الحكومة عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، اتجه بعض المواطنين إلى بيع ممتلكاتهم من الذهب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأسعار تختلف بشكل كبير عن سعر غرام الذهب الحقيقي مقابل الليرة السورية، وهو الأمر الذي تخوف منه الصاغة في دمشق.

ويقول مصدر من جمعية الصاغة في دمشق ل”المدن”: “بدأ بعض الصاغة على وسائل التواصل الاجتماعي باستغلال حاجة البعض للمال، وقام بعرض شراء الذهب من الناس بأسعار بخسة، تصل إلى نصف سعر الذهب الحقيقي اليوم. وبعدها بدأت تنشأ  مجموعات وصفحات لبيع الذهب بالاتفاق بين البائع والشاري دون الاهتمام بوزن الذهب أو الرجوع إلى سعره؛ الأمر الذي قد يؤثر سلباً في ما بعد على سعر الذهب في محالات الصاغة ويفتح باب لوجود سوق سوداء لبيع وشراء الذهب. ومن هذا المنطلق طالب عدد كبير من الصاغة من جمعية الصاغة بفتح محلات الصاغة”.

ومع اقتراب حلول شهر رمضان ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني، وسط تجاهل حكومي واضح، حيث تراوح سعر ربطة الخبز السياحي بين 900 و1200 ليرة سورية، ليصبح تأمين الخبز اليومي أمراً تعجز شريحة كبيرة من المواطنين في سوريا، خاصةً بعد أن قامت الدولة بإدراج توزيع الخبز الحكومي المدعوم من قبلها على البطاقة الذكية؛ لتتعقد مسألة الحصول على الخبز الحكومي المدعوم والذي تم تسعيره ب50 ليرة سورية.

إدراج الخبز على البطاقة الذكية، تسبب بأزمة غذائية هي الأسوأ للسوريين منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية، حيث حددت الدولة حصة الفرد والأسرة من الخبز بحسب تقديرها لاحتياجاتهم، مما جعل عدداً كبيراً من الأفران تقوم بإنقاص عدد أرغفة الخبز في الربطة، باعتبارها تكفي حاجة بعض المواطنين ليوم واحد.

وروى مصدر من دمشق ل”المدن تجربته الشخصية قائلاً: “وقفت ساعات أمام سيارة المندوب الحكومي لأتمكن من شراء ربطة خبز، قبل أن أتفاجأ بأنني لن أتمكن من الحصول سوى على ثلاثة أرغفة فقط بموجب البطاقة الذكية باعتباري رجلاً عازباً، مع العلم بأننا لم نسمع عن قرارات تلزم المخابز بعدم بيع العازبين ربطة خبز كاملة”.

إدراج الخبر على نظام البطاقة الذكية، وتحديد حصة الفرد بما تناسب احتياجاته اليومية، أدى إلى تفاقم أزمة الازدحام عند الأفران وسيارات مندوبي بيع الخبز، ما جعل العديد من العائلات تقصد المخبز بشكل يومي لتأمين احتياجاتها.. هذه التجمعات جعلت السوريين يتساءلون عن جدوى فرض حظر صحي فيما تشهد الأفران طوابير طويلة من الانتظار.

فتح إدراج الخبز ضمن البطاقة الذكية شرّع أبواباً جديدة للاحتيال، حيث يحق لكل معتمد توزيع عدد معين من أربطة الخبز في منطقة مسجلة بالبطاقة الذكية لمنع التحايل، ولكن من الواضح أن أجهزة رقابة الدولة تفتح الباب للمعتمدين للتحايل بغرض المكاسب المشتركة، حيث بدأ بعض المعتمدين بالتلاعب بعدد الأرغفة التي تستحقها كل عائلة، وطلب أموال إضافية غير محددة من قبل الدولة، بحجة أنها مصاريف توزيع الخبز.

المدن

————————————–

الدنمارك “على بعد شهر من تقديم علاج” لفيروس كورونا/ ناصر السهلي

قال بروفيسور الأمراض المعدية في المستشفى الوطني بكوبنهاغن، ينس لوندغرين، “إننا على بعد أقل من شهر من تقديم علاج لفيروس كورونا”، ويجري الحديث عن 28 يوما. وتأتي تصريحات لوندغرين، وفقا لوكالة الأنباء الدنماركية، ريتزاو، فجر اليوم الأربعاء، على خلفية أن فريقا من الباحثين، من بين 9 فرق تعمل على مشروع لقاح للفيروس، توصل إلى نتائج واعدة لمكافحة كورونا.

وبحسب لوندغرين، فإن “السلطات الصحية ووكالة الأدوية الدنماركية وافقتا على مشاريع تسع مجموعات بحثية لاختبار أنواع محددة من الأدوية”.

وتأتي هذه التصريحات على خلفية استمرار الفرق البحثية الدنماركية التسع بحوثها على نحو ألف مريض في الدنمارك، بينهم 43 شخصا نزلاء المستشفيات، ويجري إعطاء 500 مريض حقنا من 20 إلى 30 ملليلتر في الوريد من دواء ريمديسيفير Remdesivir المخصص لمكافحة وباء إيبولا، فيما يحصل آخرون على دواء وهمي. ويشير لوندغرين إلى أن “الدواء أظهر تأثيرا على فيروس كورونا”.

ويؤكد أيضا أن “العلاج جُرب على القرود المصابة بفيروس كورونا وأعطى نتائج جيدة، وهذا يعني أن البشر يستفيدون أيضا من هذا العلاج، فهذا ما أظهره تجريبه على البشر بشكل إيجابي مقارنة بمن يحصلون على علاج وهمي”. وتستمر عملية علاج المرضى المختارين في البلد للأيام الـ28 المقبلة، ويعتبرها لوندغرين أياما حاسمة “وسنرى حينها ما إذا كانت الأمور سارت بشكل أفضل، رغم أن التجارب تؤشر إلى نتائج إيجابية حتى الآن”.

ورغم ذلك التفاؤل يبقى لوندغرين حذرا بقوله” نحن لسنا أمام معجزة، بحيث نحقن المريض ليقوم بعدها ليجري ماراثونا، بل يكافح الدواء الأعراض ويوقف التدهور”.

وبالإضافة إلى هذا البحث السريري على المصابين بالفيروس يجري فريقان آخران في مدينة آرهوس (غرب وسط) بحوثا أخرى على مرضى كورونا، الأول بدواء مستحضر من أدوية التهاب المفاصل الروماتودي، والثاني باختبارات على علاج ياباني قديم لحرقة المعدة.

وجدير بالذكر أن الدنمارك تشهد حركة محمومة لنصب خيم بيضاء ضخمة في مناطق قرب كبريات التجمعات السكانية بهدف الوصول إلى فحص يومي لنحو 20 ألف مواطن. ولا يعرف بعد متى ستنطلق عملية الفحص التي تشمل حتى هؤلاء الذين لم تظهر عليهم أعراض كورونا.

وشهدت الدنمارك وفاة 370 شخصا بسبب الفيروس، وأغلبية هؤلاء فوق عمر الثمانين، وعدد منهم توفي في مراكز دور رعاية كبار السن، وما يزال نحو 72 شخصا يتلقون علاجا بأجهزة تنفس صناعي فيما 81 مواطنا في أقسام العناية المركزة، في حين تعافى 4700 مريض، وفقا للأرقام الرسمية. يذكر أن أكثر من 500 فريق بحثي يعملون حول العالم في سباق مع الزمن للوصول إلى نتائج لقاح فعال وتجربته على مئات المرضى حول العالم.

————————————

لماذا يصدق الأذكياء الأخبار الكاذبة؟

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تدفقاً كبيراً للأخبار المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، بينها نصيب وافر من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة التي تتسلل إلى “فيسبوك” وتويتر” و”يوتيوب” و”واتساب”، وتُعاد مشاركتها بكثافة ويصدقها كثيرون، حتى الأكثر ذكاءً، فكيف تقع هذه الفئة في الفخ؟

أظهر استطلاع أجرته مؤسستا “يوغوف” و”ذا إيكونوميست” في مارس/آذار 2020 أن 13 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن أزمة “كوفيد-19” خدعة، بينما يعتقد 49 في المائة أن الوباء قد يكون من صنع الإنسان.

وبحسب ورقة تحليلية من “بي بي سي”، لا تساعد القدرة العقلية والتعليم الأعلى في التمييز بين الحقيقة والخيال، ومن السهل العثور على أمثلة للعديد من المتعلمين الذين يقعون في فخ هذه المعلومات الكاذبة. من الأمثلة البارزة على سقوط الأذكياء والمتعلمين في فخ الأخبار الزائفة الكاتبة، كيلي بروغان، وهي مؤسسة نظرية مؤامرة كورونا، حصلت على شهادة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ودرست الطب النفسي في جامعة كورنيل. ومع ذلك، فقد تجنبت وجود أدلة واضحة على خطر الفيروس في دول مثل الصين وإيطاليا، حتى إنها ذهبت إلى حد التشكيك في المبادئ الأساسية لنظرية الجراثيم نفسها أثناء تأييد الأفكار العلمية الزائفة.

وحتى بعض قادة العالم، الذين يؤمل أن يكون لديهم تمييز أكبر عندما يتعلق الأمر بشائعات لا أساس لها، تمت إدانتهم بنشر معلومات غير دقيقة حول خطر تفشي المرض، والترويج للعلاجات غير المثبتة التي قد تضر أكثر مما تنفع. ووجد علماء النفس الذين يدرسون هذه الظاهرة أن أهم أسباب تصديق الأذكياء للأخبار الكاذبة تتلخص في الأسباب التالية:

أولاً: سرد ذكي للمعلومات الكاذبة

ينشأ جزء من المشكلة من طبيعة الرسائل نفسها. يتم قصفنا بالمعلومات طوال اليوم، وكل يوم، وبالتالي نعتمد غالباً على حدسنا لتحديد ما إذا كان هناك شيء دقيق. يمكن لمقدمي الأخبار المزيفة أن يجعلوا رسالتهم “صادقة” من خلال بعض الحيل البسيطة، التي تثبطنا عن تطبيق مهارات التفكير النقدي لدينا. مثل التحقق من صحة مصدرها. وستتضمن المعلومات الخاطئة لغة وصفية أو قصصاً شخصية حية. كما ستحتوي على حقائق أو أرقام مألوفة كافية. مثل ذكر اسم هيئة طبية معترف بها، لجعل الكذبة في داخلها مقنعة، مما يسمح لها بربط نفسها بمعرفتنا السابقة.

حتى التكرار البسيط، سواء كان النص نفسه، أو عبر رسائل متعددة، يمكن أن يزيد من “الصدق” عن طريق زيادة مشاعر الألفة، التي تحدث خلطاً مع الدقة الواقعية. لذا كلما رأينا شيئاً في خلاصة الأخبار، كلما اعتقدنا أنه صحيح، حتى لو كنا متشككين منه في البداية.

ثانياً: أولويات أهم من التحقق

تظهر الأدلة الحديثة أن العديد من الأشخاص يشاركون المحتوى من دون التفكير حتى في دقته. ربما كانت أدمغتهم منخرطة في التساؤل عما إذا كان المنشور سيحصل على الإعجابات والتغريدات بدلاً من النظر في دقته. وسائل التواصل الاجتماعي لا تحفز الحقيقة، بل تحفّز المشاركة.

وربما يظن الناشر أن الآخرين من يتحملون مسؤولية الحكم، كثير من الناس يشاركون معلومات كاذبة مع نوع من إخلاء المسؤولية في الأعلى، قائلين شيئاً مثل “لا أعرف ما إذا كان هذا صحيحاً، ولكن …”. وقد يعتقدون أنه إذا كانت هذه المعلومات تتضمن بعض الحقائق، فقد تكون مفيدة للأصدقاء والمتابعين، وإذا لم تكن صحيحة، فهي غير ضارة، لذا فإن الدافع هو مشاركتها، وعدم إدراك أن المشاركة تسبب ضرراً أيضاً.

ثالثاً: البخل المعرفي

والد إميلي لديه ثلاث بنات. إسما بنتين هما إبريل ومايو. ما اسم الابنة الثالثة؟ هل أجبتم “يونيو”؟ هذه هي الإجابة السهلة التي يعطيها الكثير من الناس، لكن الإجابة الصحيحة هي بالطبع “إميلي”.

من أجل الوصول إلى هذا الحل، تحتاجون إلى التوقف مؤقتاً وتجاوز الاستجابة السريعة الأولية. لهذا لا يكفي الذكاء الخام، بل طريقة استخدامه من خلال التفكير في الأمور بطريقة تحليلية، بدلاً من الذهاب إلى الحدس الأولي.

وغالباً ما يطلق علماء النفس على عدم فعل ذلك بـ”البخل المعرفي”، نظراً لأنهم قد يمتلكون احتياطيات عقلية كبيرة، لكنهم لا “ينفقونها”. والبخل المعرفي يجعلنا عرضة للعديد من التحيزات المعرفية، ويبدو أيضاً أنه يغير الطريقة التي نستهلك بها المعلومات، والمعلومات الخاطئة.

———————————-

بريطاني يتزوّج حبيبته وهو على الفراش يصارع كورونا

في الجناح الخاص بمصابي فيروس كورونا، بمستشفى برادفورد الملكيّ في بريطانيا، قرّر مريض أن يعقد قرانه على خطيبته، كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانيّة “بي بي سي”.

وتشير الممرضة صوفي براينت مايلز إلى أنّ الشاب كان يعاني من مرض “كوفيد 19” في قسم العناية المشدّدة بالمستشفى، إذْ لم توجد آمالٌ كبيرة بأن يبقى على قيد الحياة.

وكانت برفقة هذا الشاب خطيبته التي تحبه منذ أكثر من 15 عامًا، والتي أشارت للعاملين في المستشفى إلى أنَّهما لم يقيما حفل زفاف لهما، بسبب الظروف المادية الصعبة.

وكمحاولة من أجل إيجاد شيء جميل وسط الموت اليومي، قرّرت الممرضة مايلز الاتصال بقس من أجل عقد قران الزوجين في المستشفى بشكل عاجل.

وحضر القس إلى المستشفى وقام بصناعة خاتمين من رقائق القصدير، وتمّ عقد قران الزوجين مباشرة مع حضور ابنة المريض في اتصال عبر الفيديو.

ورغم إدراك الخطيبة أنّ هذه هي ربما الأيام الأخيرة لحبيبها، إلا أنّها شعرت بأنهما قادران على ترك ذكرى سعيدة لهما.

ووصف القس طقوس عقد القران قائلاً: “أظنّ أننا جميعًا كنا نبكي”.

وتحت شروط التعقيم الشديدة، وبارتداء كلّ معدات الوقاية الشخصية، بذل المريض قصارى جهده لترديد الكلمات، لكنه كان يعاني من صعوبة في التنفس. كما حاولت شريكته ترديد الكلمات لكنها فعلت ذلك والدموع تنهمر على خديها، بينما اختلطت مشاعر العائلة بين الفرح والبكاء في الوقت نفسه.

———————————-

جبر الخواطر في زمن المخاطر: الناس والوباء/ عزمي بشارة

 1) – حياتنا كما نعرفها

بعد أن أيقن الإنسان، في عزلته المنزلية، أنه لا محالة خاسرٌ ربيع هذا العام، علَّل نفسه بأنّ ذلك أرحم من خسارة ما تبقى من فصولٍ في خريف هذا العمر، والأهم من ذلك أنّ فقدان ربيع النسيم العليل لربيع واحد أهونُ من استجداء الهواء الممتنع عن الرئتين، أو ربما توسّل الموت لينجيه من الاختناق البطيء وحيدًا على سريرٍ في مستشفى ميداني بلا اسم. وتساءل: متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ ثم مرّت خاطرةٌ بباله: وهل كانت حياتنا التي نتمنّى العودة إليها طبيعية؟ ما الطبيعي في “حياتنا الطبيعية”؟

هل نعود إلى “حياتنا الطبيعية” مع عودة الحروب الأهلية في سورية واليمن وليبيا لتصدّر الأخبار بدلا من فيروس كورونا، ومعها تصريحات ملوك الطوائف، وأفاعيل أمراء الحرب، وإسفاف نجوم التفاهة، كلما انقطعت أخبار الانتخابات الأميركية، أو إذا صمت الخليط الترامبي من النرجسية المفاخِرة بذاتها (أي النرجسية المركّبة) والجهل المتشدّق بذمّ العارفين والسخرية منهم (أي الجهل المركّب) الذي أصبح يُعدّ سمة القادة في غير بلد؛ من البرازيل حتى الفلبين، أو حين تنقطع أخبار تحالف البوتينية واليمين الشعبوي في الغرب والشرق، وتحالفه مع الأسد من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى، وآخر الممارسات العنصرية في أطراف الأرض، وأخبار العنف السياسي العدمي ضد المدنيين المُكنَّى (وغير المكنّى) إرهابًا؟

ليس هذا هو المقصود، بل يقصد الناس التفاصيل الصغيرة في حياتهم التي يعرفونها، ويريدون العودة إليها مرغمين، وبعضهم يتوق إليها، كلٌّ بحسب وضعه: تدبّر أمر العيش، والسعي إلى الرزق، وعناق الأحبة، والتذمّر والشكوى مما يلاقونه في العمل، وفي الطريق منه وإليه، وتحقيق الأهداف على المسار المهني، والفرح بانتصاراتٍ صغيرةٍ في بيئة العمل، ولقاءات الأصدقاء مع الشكوى والتندّر الجماعيين، والأحاديث في السياسة والحياة الاجتماعية والغضب على السياسيين فعلا، أو عادةً لتمرير الوقت، وتدبّر أمر العلاج وأسعار الدواء، والتحرّر من هاجس الخطر المحتمل في الناس والأشياء من حولنا، أو التفكير في إمكانية أننا نشكّل تهديدًا على مَن حولنا من دون أن ندري. حسنًا إذًا؛ ربما يفضّل أن نقول العودة إلى حياتنا التي عرفناها.

لا عودة إلى حياة “طبيعية”. والذاكرة الإنسانية تعجز عن استرجاع لحظتها “الطبيعية”. ولكن لا بأس بتركيب ما نعتبره طبيعيًّا، في مقابل “غير الطبيعي” الذي نعيشه، والنضال من أجله بوصفه كذلك، مع أنه مصنوعٌ مثل أي شيء آخر. وقد يكون فعل شيءٍ من أجل ما نعتقد أنه أفضل مجديًا، لأن الصراع في عالم البشر، لحسن الحظ، ليس بين مصالح فحسب، بل أيضًا بين تصوّراتٍ أخلاقية مختلفة لكيفية الحياة سويةً، تقوم عليها تصوّرات مختلفة للمصالح، هكذا نشعر أن فعل شيءٍ هو أمرٌ واجبٌ قبل التفكير بالجدوى.

التوق الجماعي الحالي إلى العودة إلى الحياة العادية، الحياة كما عرفناها، هو في الحقيقة توقٌ صحيٌّ إلى تجاوز حالة الاستثناء التي تعيشها البشرية جمعاء. وهي باختصار حالة خوفٍ مشتركة. حتى السياسيون لم تعُدْ لديهم رفاهة استخدام عبارتهم الأثيرة في “التعبير عن القلق” من حدثٍ ما كالمعتاد، فهم خائفون مثل غيرهم. وإذا أصرّوا، بحكم الإدمان على التعبير، فيمكنهم التعبير عن قلقهم من الخوف.

لقد التقى الوباء مع العولمة، تعولم ببساطة. ولم تعُدْ حالة الطوارئ محلية، مع أن الدول هي التي تعلنها، إذ يسود استنفار عالمي، ويتلازم معه شعورٌ فرديٌّ بالخطر ذاته. الناس جميعًا موضوع هذا الخوف وذاته، ولا يستطيعون أن يتعاملوا معه تعاملهم مع أحداثٍ سياسيةٍ خطيرة، مثل الحروب والأعاصير والمجاعات في مناطق أخرى من العالم، يتناولونها حينما يرغبون ويغضّون الطرف عنها بإرادتهم. إنهم مُعرَّضون لخطر العدوى، وما يجري من إجراءاتٍ في مواجهة الوباء ينعكس عليهم. يشعرون بأن “الفيروس” يستهدفهم شخصيًّا، فهم ليسوا متلقين، بل يسهمون مباشرة في  تشكيل حالة الخوف والهلع من جهة، والترقب والأمل من جهة أخرى، ويسهمون في الحيرة بشأن كيفية التعامل معها جميعا. وربما كانت هذه أول مرة تتحّد فيها الموضوعات التي تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العالم بأجمعه.

لا ينفصل التفكير في مصير الإنسانية في زمن الوباء عن القلق على الناس الذين تحبهم والتفكير في مصائر من انقطعت الصلة المباشرة بهم.  لم تعُدْ مفاهيم، مثل “الإنسانية” و”العالم” و”البشرية” مفاهيم مجردة. أنت مهتم فعلًا، وعينيًّا، بأحوال كل بلد، القريب والبعيد، أصبحت أرقامه التي تهمّك هي عدد المصابين فيه، وعدد الوفيات، والإجراءات التي يتخذها، وسلوك المجتمعات المختلفة حيال الوباء. وتنهمك في الأرقام وتتابع منحنياتها وتشغل أحاديثك اليومية..

العدوى غير انتقائية، قد تصيب أي إنسان. وإصابة أي إنسان بها تهمّ عموم الناس. لقد طمست العدوى وإجراءات مواجهتها الفصل بين المجال الخاص والعام، وأدى ذلك إلى تهميش مواضيع أخرى مهمة، كما هُمِّشت ميتاتٌ أخرى أمام حضور هذا الموت الذي يبدو مقبلا عليك بين لحظة وأخرى، كأنك فريسةٌ ضعيفةٌ أمام زائرك الأخير.

الخوف واللايقين يقيّدان حرية الفعل تمامًا؛ مثل الحتميات والضرورات. ثمّة وباء نجهل كيفية التعامل معه، يتحكّم فينا وفي سلوكنا. وربما يحرّرنا البحث في البيولوجيا وعلوم الأوبئة والفيروسات لتسخيرها في اكتشاف علاج أو لقاح ضد الوباء. معرفة الحتميات الطبيعية قاعدة مهمّة للحرية الإنسانية، فلا حرية في الطبيعة. ولكن قد يستعبدنا الاعتقاد أننا سيطرنا على الطبيعة من خارجها، فنرتكب، بناء على هذا الاعتقاد، حماقاتٍ أخرى.

في هذه الأثناء، فإن إجراءً علميًّا، مثل فحص التعرّض للإصابة لا يفيد من يجري الفحص شخصيًّا، ولكنه يفيد العموم، وتحديدًا مَن حولك، فأنت لا تُجري الفحص من أجلك، بل لكي تعرف؛ فتقي الآخرين من الفيروس الذي تحمله.

على كل حال، أنت تجري الفحص. إذا كانت نتيجته سالبة، فالأمر لا يعني إلا أنه من الممكن أن تُصاب بالعدوى لاحقًا، وإذا كانت النتيجة موجبةً تؤكد إصابتك بالفيروس ولكن بلا أعراض مرضية، فعليك أن تجلس في بيتك، وتنتظر الشفاء أو ظهور الأعراض، فتتابع منحنياتها في كل ثانية، بل ربما في كل جزء من الثانية؛ في اللحظات والهنيهات، وإذا شفيت فليس يقينًا أنك لن تمرض مرة أخرى، وإذا لم تُشْفَ ونُقلت إلى المستشفى، فليس واضحًا أن بوسعهم علاجك. اللايقين يحاصر الإنسان من كل جانب، ولا يمكن أن يعني سوى القلق والإجهاد، سواء أكان هذا الأمر واعيًا أم لم يكُن كذلك. ومع ذلك، فإنّ الفحص مهم؛ يرغب كل إنسانٍ في القيام به، لكي يسهم في التحكّم في انتشار العدوى، وحتى لا يتجوّل المصاب بين الناس وكأنه يحمل حزامًا ناسفًا.

اعتبر بعض المتفلسفين القلقَ المتواصل من أن تؤذي الآخرين تعبًا أخلاقيًّا (Moral fatigue). والحقيقة، ثمّة قلق يلازمه؛ أن تتضرر أنت أيضًا من الآخرين، إنه قلق واحد على الذات والآخر، لا يصنع فيه أحدٌ معروفًا لأحد، ولا شكّ في أنه مُتعِب، ولكنْ من الخطأ تسميته تعبًا أخلاقيًّا فهذا مصطلح مُفصَّل لغير هذه الحالة، وفرْضه مجرّد تمرين سيكولوجي لا طائل من ورائه. ربما يصحّ أن نسمّي هذا الشعور القسري تعبا من القلق فقط (anxiousness fatigue).

ومن ناحية أخرى، أيقظ هذا التلازم بين العالمي والفردي العلاقة المباشرة بين الإنسان وإنسانيته. وربما كان هذا الأمر الأكثر طبيعيةً من بين الأمور التي حصلت لنا منذ زمن بعيد. إنه شعور الفرد بإنسانيته في حدّ ذاتها ولذاتها، وعجزه أمام الطبيعة في الوقت ذاته، وحالة اللايقين، بما فيها من استبصارات وتهيُّؤَات ورجاءات ومخاوف، وأولها الخوف من المجهول، والقلق على الأحبة، والاستبشار بسلامة بَشَرٍ آخرين، وانتظار نتائج جهود بَشَرٍ غيرهم، والرغبة في فعل شيءٍ للمساعدة. هل يوجد ما هو أكثر طبيعيةً من هذا كله؟

ومن باب التداعيات، تخطر بالبال “الحالة الطبيعية” الفلسفية التي يتصوّرها بعضهم “جنةً مفقودةً”، وبعض آخر يصوّرها جحيمًا من الفوضى و”حرب الكل ضد الكل”. ويبني كلٌّ رؤيته لما يجب أن يكون عليه المجتمع بناءً على هذا التصور أو ذاك. بيد أن الحالة الطبيعية محض خيالٍ؛ فمنذ أنْ وُجدت البشرية وُجدت في حالة اجتماعية من أجل توفير الغذاء والأمن والمأوى. ومن المجدي النظر في طبيعتنا الإنسانية أكثر من النظر في “الحالة الطبيعية”، فهذه الحالة ليست أكثر من فرضية ذهنية تسمح لنا بالنظر في معنى المجتمع المنظَّم ووظيفة الدولة.

وتتضمن طبيعتنا الإنسانية الخوف من المجهول، والتعلق برجاءات وبشارات، مثلما تتضمن العقل والتفكير والقدرة على الكلام، وتجمع  الأثرة وحبّ البقاء مع  الإيثار والبحث عن تقدير الآخرين. ويقود الصراع من أجل البقاء إلى محاولة التغلب على العجز أمام الطبيعة واللايقين، بالعقل والمعرفة، وبالخيال وبالغيبيات. ومثلما يعتمل في الطبيعة البشرية التباغض والحسد والشكّ واشتهاء ما للآخر والرغبة في تملّكه، فإنها أيضًا تولّد الحب والتضامن والتعلق بالآخرين، والرغبة في تلقي الاعتراف منهم، ورغبة الإنسان في أن يكون محبوبًا.

في العزل، ننفرد بإنسانيتنا ومخاوفنا وتضامننا مع الآخرين. وننصت إلى أنفسنا التي نكتشف أنها نفوس وأصوات متعدّدة في نفس واحدة. وقد نكتشف في عزلتنا، وربما وحشتنا، عالمًا مزدحمًا فينا؛ من أمكنةٍ، وبشرٍ، وحكاياتٍ، وأزمنة إهليلجية، تتدفق وتتناثر كما في الأحلام، ولحظات المماثلة في بناء علاقات جديدة مع العالم، ولحظات المحايثة بين الذات والموت، لكنْ عند كل تفاعل مع المؤثرات الخارجية نكتشف أيضًا أن العصبيات والآراء المسبقة وسموم الغيرة والحسد والغرور والأنانية ومشاعر الانتقام تطلّ برأسها وتتصارع مع المحبة والتعاطف، وتفهم الآخر القائم على ملكة تقمّصه؛ أي القدرة على تخيل أنفسنا في مكانه في مواجهة مشكلاته ومعضلاته وخياراته ودواماته الأخلاقية.

لا يرتبط الخوف من الموت بغريزة حب الحياة فحسب، بل بمحبّة الناس من حولنا والخوف من فقدانهم ومن الفقد عمومًا أيضًا. الحب هو أرقى المشاعر الإنسانية، وهو أساس الحياة التي تستحق أن تُعاش.

2)- عن التنظير لذاته

قلبي ليس مع الفلاسفة الذين سنحت لهم فرصة للاستفراد بجمهور قلقٍ متنبهٍ أصبح أقل انشغالًا وأكثر عرضةً لسماع تأملاتهم في معنى الموت، فليس للموت بسبب الفيروس معنى، وليس للموت، عمومًا، أي معنى. وأكثر من ذلك، ليس ثمّة معنى للحياة عمومًا. والأجدى أن يفكّر الفرد في معنى لحياته، وليس في معنى الحياة، وأن يفكر أيضًا: ماذا تعني له حياة الآخرين؟ ما هي قيمة حياة الآخرين عنده؟ هنا يجد الإنسان أجوبةً تحدّد شخصيته، أو شخصية تحدّد أجوبته، وذلك في أي وقت، في العسر واليسر، وفي أيام الرخاء والشدّة، والمحن والرجاء بما في ذلك في زمن الأوبئة.

لا أتعاطف مع الغاضبين الذين يقومون بمقارنات تاريخية بين فعل الأوبئة في العصور المختلفة خارج السياق التاريخي (أي مقارنات غير تاريخية)، وليس عندي سوى الضجر والسأم لناشري الشائعات على أنواعهم (مع الفارق الكبير بينهم وبين من سبق ذكرهم)، كما لا يخاطبني ازدهار موسم الفكر اليومي ووجباته السريعة شاملةً خدمة التوصيل بمناسبة “كورونا”. قلبي مع الأطباء والممرّضات والعاملين في المستشفيات، والعاملين في الزراعة وقطاعات الإنتاج ومحطات توليد الكهرباء، وشركات المياه والاتصالات، ونعم؛ مع العاملين في الشرطة والأمن الوطني (اسمحوا لي هذه المرّة!)، والإعلاميين الذين يؤدّون أدوارهم منهم، والمتطوعين الذين يظهرون الخير ويظهّرونه، سواء ذلك الذي وجدوه في إغاثة محتاج، أو الذي عبروا عنه في خدمة المجتمع عمومًا في المؤسسات الحيوية، وغيرهم كثيرون. ولا أتمكّن من التوقف عن التفكير في المرضى المصابين بأمراض خطيرة أخرى، الذين – في “زمن كورونا” الذي لا شريك له – سوف يخجلون بعد قليل من التصريح بمعاناتهم، أو حتى طلب الطبيب حين يتألمون، وسوف يتردّدون كثيرًا قبل التوجه إلى مستشفى حين يصابون بنوبةٍ ما، إما خوفا من  العدوى أو خشية من عدم الاكتراث بمعاناتهم.

سيتعلم بعضنا تقدير العاملين في الخدمات والإنتاج، الذين  يحظون عادة بتقدير مجتمع المراتب الاجتماعية واللامساواة الاقتصادية، فهل سيدوم هذا التقدير بعد الوباء؟ يحتاج من أقصدهم هؤلاء العاملين دائمًا، ولكنهم يلتفتون إليهم ويفكّرون بهم في زمن كورونا، لأنهم يعملون خارج المنزل، فيما يلزم الآخرون بيوتهم.

الطبيعة مركّبة، وعالم البشر أكثر تركيبًا. إنه زاخرٌ بالمتناقضات التي يعيش البشر فيها ومعها ومن خلالها، ويتغيرون. “الفلاسفة الموسميون” فقط هم الذين يستنبطون في زمن الكوارث من كل تفصيلٍ نبوءة، ويستسهلون التعميم من وقائع منتقاة إلى نظريةٍ شاملة، ممثلين نوعًا من كهنة الأزمنة الحديثة، مالكين للسر والرؤى والأفكار والمصائر، وكان يمكن استنتاج غيرها لو انتقوا وقائع أخرى. ولهذا السبب، يمكن اعتبار هذا النوع من التفلسف أو الفكر اليومي المتفلسف “ظاهرة نافلة”. تارّة يتهمون الحداثة، وطورًا النيوليبرالية، والتديّن والكفر، والديمقراطية والشمولية. كأن الوباء مناسبة لتأكيد مواقفهم، ومناسبة للتعبير عن الغضب. إنه وباءٌ. وقد وقعت الأوبئة في جميع العصور وفي ظل جميع الأنظمة. وثمّة أوبئةٌ ما زالت تحصد البشر في أفريقيا، ومنها الإيدز. يكمن الفرق في التعامل معها. ولا بأس بمناقشة سياسات الدول في مكافحته، ولكن الدول ليست سببه، ولا النظام العالمي مسؤولٌ عن تفشّيه.

في زمن الكوارث، يحاول مفكّرون احتلال مكان في فضاء الكارثة بعناوين جاذبة مثل “حرب الخليج لم تقع” أو “اختراع وباء”، وعندما تقرأ لا تجد جديدًا سوى العنوان.

كثر “أنبياء الغضب” الذين يُحمِّلون التطور و”التقدّم” ونمط الحياة المعاصر المسؤوليةَ حتى عن الوباء. يمكن تحميل التقدّم والتطور المسؤولية عن قضايا البيئة والاحترار المناخي، وكذلك الحروب الحديثة المدمرة، والاستهلاك الجشع، وأنماطه البَطِرة، وصولًا حتى إلى الأمراض النفسية واغتراب الفرد في المجتمع وأمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري والكوليسترول، وإهمال الأوبئة في أفريقيا. والقائمة طويلة، فاختر ما شئت! لكن الأوبئة ليست ضمن القائمة.

عرفت الحضارات السابقة الأوبئة المميتة المدمّرة بمقاييس لا يمكن تخيّلها (الطاعون، والتيفوس، والحصبة، وشلل الأطفال، والكوليرا، والحمّى الصفراء، والقائمة طويلة)، ولم يكن ثمّة طبٌّ أو علمٌ أو مجتمعاتٌ منظّمة في دول. اجتاحت الأوبئة المؤرَّخ لها بالتفصيل قارّاتٍ بأكملها منذ الطاعون في القرن الرابع عشر عدة مرّات في أوروبا ووصلت إلى شواطئ البحر الأسود كما يبدو (أو العكس)، ووصلت إلى بلاد الشام المملوكية من دون طائرات وقطارات، فحتى الذباب أسهم في نقله، فضلًا عن البعوض والجرذان، ولا سيما جرذان الموانئ. حصدت الأوبئة حياة الناس المرعوبين من هذا المجهول الذي بدا عقابًا إلهيًّا. المشعوذون والكهنة أيضًا فَرُّوا من دون طقوس، وفرغت مدنٌ من سكانها حتى أصبح يصفر فيها الهواء، وخلَت مناطق كاملة من الحياة، وفي حالاتٍ كثيرة لم يبقَ من يدفن الأموات. أما في عصرنا، فأصبحت الأوبئة أكثر ندرةً وأقلّ فتكًا، وذلك بفضل العلوم النظرية والمخبرية والطب وما أنتجته من لقاحات وعلاجات، وأيضًا بفضل المجتمع المنظّم في دول قادرة على اتخاذ خطوات وقايةٍ ملزمةٍ وغير ملزمة، وعوامل كثيرة متداخلة، تتعلق بتطور الإنتاج والنظافة والسكن، وتغير عادات البشر الصحية. فازداد عدد سكان الأرض، وطالت أعمارهم بتناسبٍ طردي مع التطور الاجتماعي الاقتصادي، وقلَّت وفيات الأطفال، وتحسّن الغذاء والدواء، ولكن إذا عدّ بعض الناس هذه الأمور لعنةً أيضًا، فذلك موضوع آخر.

المقولات المذكورة آنفًا مشروطة بجواب العلم على قدرة الفيروسات على التكيّف مع أجهزة البشر المناعية، والعكس صحيح أيضًا. ولنفكّر فقط كم تعدّلت فيروسات  الإنفلونزا، ومعها التطوير المتواصل للقاحات ضدها في كل مرّة من جديد، وقد تصبح الإنفلونزا (مثلًا)، وعائلة كورونا من الفيروسات عمومًا، عدو البشرية الأول، فهذه الفيروسات لا تتوقف عن تبديل الوجوه والأدوار.

لا نحتاج إلى الوباء وضحاياه لندرك أنه لا بديل من التفكير العقلاني والأخلاق الإنسانية في التعامل بين البشر، قبل الوباء وبعده، والتواضع في العلاقة مع الطبيعة بما فيها جسم الإنسان، على الرغم من أن أساس منطق العلم هو السيطرة على بيئة الإنسان، واكتشاف قوانين الطبيعة لتسخيرها لصالحه، كما في حالة الأبحاث الجارية على الفيروس في مختبرات الدول المتطوّرة. ولكن يجب أن ندرك أننا لا نسيطر على قوانين الطبيعة مثل محتل خارجي، بل نبقى جزءًا منها خاضعين لها، ولا توجد طريقةٌ لأن نسيطر عليها من خارجها؛ فهذا وهمٌ. قد تؤدّي هذه الفكرة،

كثر “أنبياء الغضب” الذين يُحمِّلون التطور و”التقدّم” ونمط الحياة المعاصر المسؤوليةَ حتى عن الوباء

أي فكرة استحالة السيطرة على الطبيعة من خارجها، دورًا في وضع السياسات الصحية العامة، وربما تسهم في سياسات التخطيط للبنى التحتية والإنتاج أيضًا، والتي تَمسُّ نمط الحياة بأكمله، ولكن لا أعتقد أنها تفيد أي عالم بيولوجيا أو أبديمولوجيا أو بكتريولوجيا في أبحاثه الجارية حاليًّا المتعلقة بالحمض النووي الريبوزي لـ DNA للفيروس، أو بروتيناته. ثم أيُفضَّل اللقاح بناءً على الحمض النووي أو باستخدام الفيروسات الميتة؟ لن يجد المتفلسفون المتسرّعون والمستعجلون إلى إجراء المقابلات (وتجميعها في كتب “بيّاعة” بناءً على طلب دور النشر) أسئلةً فلسفية هنا. لكنهم يتكلمون. إنه حب الظهور، ربما، والأرجح أنه قلقٌ من الغياب عن هذه المناسبة الكبرى، وخوفٌ من الصمت.

أنت تتابع أبحاث العلماء في مختبرات دول أخرى وقارّات أخرى وتجاربهم بشأن اللقاح والعلاجات، وتنتظر نتائجها. وينتظر نتائجها معك من يكفّر الباحثين والعلماء أيضًا، مثلما يستخدم منتجات العلم والابتكار والصناعة في الدول الغربية ودول شرق آسيا في حياته، ويستخدم كذلك أجهزة الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي المطوّرة في الغرب والمملوكة من شركات غربية، لذمّ تلك الحضارات، ولنشر أفكاره بشأن تفوقه  عليها جميعًا. ستتواصل القطيعة والتنافر الإدراكي بين التفكير والممارسة، فهذه أمور لا يحلّها التعامل مع الوباء.

لماذا غضب بعض الفلاسفة على الحداثة، حتى قبل أن تتبين ردود فعل المؤسسات الصحية والدول، هل أنّ كل ما يجري في عصرنا سببه الحداثة؟ ما وجه الحداثة في وباء كورونا؟ لا خارطته الجينية، ولا بروتيناته وحمضه النووي، ولا فاعليته. الفيروس جديد، أو مستجد، وليس حديثًا. الحديث هو التعامل معه وإعادة إنتاجه بوصفه ظاهرة إعلامية، واجتماعية، وحتى سياسية في كل ما يتعلق بدور الدولة الذي لم يكن حاضرًا في أوبئة العصور السابقة.

الإعلام، والبث المباشر، والإنترنت، كلّها عوامل أنتجت تجانسَ أزمنةٍ حول الكرة الأرضية. يعيش الناس الأحداث ذاتها في الوقت ذاته، وإن كانوا لا يستوعبونها بالطريقة نفسها؛ فظهور الخبراء والمحللين والأطباء والعلماء، وبيانات منظمة الصحة العالمية، وغيرها، يُسهم في توحيد استيعاب الظاهرة بالمصطلحات ذاتها التي تترجم، في طَرفة عينٍ، إلى جميع اللغات.

تكمن “حداثة” الوباء في إنتاج التزامن ليسهم تقارب الهموم والاهتمامات في تخيّل الانتماء إلى جماعة ضخمة هي “الإنسانية”. لا يعني ذلك بالضرورة تولُّد قيمٍ أخلاقيةٍ جديدة، وأن هذه القيم تُقدِّم الانتماء إلى الإنسانية على بقية الانتماءات، فمع أن القاعدة المصطلحية لمثل هذا الأمر لم تعُد محض تجريدات، بل صارت تجربةً حياتيةً عينيةً نعيشها في ظروف الوباء، فإن عوامل عديدة سوف تستمر في تحويل الاختلاف الثقافي والإثني والديني من مجرّد تنوّعٍ واختلاف إلى صراعات وعداوات.

خطر “فجأة” ببال كثيرين (من محبّي الاندهاش في العلن) مدى تفاهة الإنسان وتهاوي عظمته وجبروته أمام فيروسٍ لا يُرى بالعين المجرّدة، وكأن الفيروسات والميكروبات والجراثيم قبل كورونا كانت تُرى بها. هذا النوع من الأحاديث ليس جديدًا، فهو يتدفق بعد كل وفاة مفاجئة بمرض أو حادث طريق أو غيره: “الحياة نكتة”، “الإنسان لا شيء”، “يصغر الإنسان أمام جبروت الطبيعة” و”يتضاءل أمام عظمة الخالق” … إلخ. والحقيقة أنّ عظمة الإنسان وقيمة حياته ومقاربته للدنيا لا تقاس بهزيمة جسده في مقاومة فيروس، وليس هذا هو الدليل على عظمة الخالق، ثمّة أدلة أفضل لمن يبحث عن أدلة كهذه؛ أهمها الإنسان ذاتُه بوصفه مخلوقًا من الله على صورته ومثاله. لا تتجلّى عظمة الخالق في تفاهة الإنسان، بل في عظمة الإنسان، ولا تتجلى في هزيمته أمام الفيروس، بل في تغلّبه عليه. ألا نسترجع آي الذكر الحكيم؟ إنّ السماوات والأرض ناءت بحمل “الأمانة”، وحملها الإنسان[1].

موت الإنسان من الفيروس مسألة بيولوجية، أما قيمة الإنسان ومعنى حياته وتقييم عظمته من عدمها فتنتمي إلى مجالٍ آخر، لا تطاوله الأوبئة، ولا تتفاعل معه الفيروسات، لأنه ليس مصنوعًا من مواد عضوية. الإنسان الواعي الأخلاقي القلق يطرح السؤال عن قيمة حياته ومعناها في أي وقت. أما المسألة الأهم في زمن الأوبئة فهي الوقاية والشفاء والنجاة، البقاء الفردي والبشري، وهي ليست مسألة فلسفية.

يتلخص الفرق بين تعامل الناس مع الوباء وتعاملهم مع كوارث سابقة في الخوف الجماعي العابر للدول والقارّات الناجم عن اللايقين، وتوقع خطر داهمٍ في آنٍ معًا؛ فالخوف والترقب جماعي ومتزامن. .. الموت المفاجئ لا يخيف لأنه مفاجئ، فالإنسان لا يواجهه أصلًا، لا يقابله وجهًا لوجه، ينتهي الأمر من دون هذا التعارف. أما حياة الإنسان في ظل خطر داهمٍ يدرك وجوده (سواء أكان يُرى أم لا يُرى بالعين المجردة) فتعني بالضرورة التوتر والتوجس والخوف، حتى لو لم يُؤدِّ هذا الخطر الوشيك إلى الموت في نهاية المطاف. ولذلك لا يعتمد التسبب في الخوف في أفلام الرعب على المفاجأة، بل على إحداث التوقع لدى المشاهد بالإيحاءات والموسيقى والسينوغرافيات وغيرها؛ أن شيئًا فظيعًا سوف يحدث. هذا معنى التوتّر إبان مشاهدة فيلم رُعب. إن ما تعيشه البشرية حاليًّا ليس مسألة فيروس صغير أو فيروس كبير، بل توقع الإنسان أنه يمكن أن يحصل له مكروه، لأن الخطر نفسه يحدق به مثلما يحدق بأي شخص آخر في الوقت ذاته؛ فهو يختار ضحاياه عشوائيًا.

ثم هناك التوجس من أي شخص آخر، ومن مجموع الأشياء المحيطة، ومن كل شيء. لقد دخلت كلمة جديدة إلى الاستخدام اليومي “الأسطُح”. والمقصود أسطح الأجسام مِن حولك. مَن كان يخطر بباله استخدام هذا المصطلح خارج دروس الفيزياء؟ أصبح على الإنسان أن يفكر عندما يلمس “أسطح الأشياء”، لأن الفيروسات تعيش عليها ساعاتٍ (ولمن يريد التعمّق أكثر يمكنه العثور على أرقامٍ – أشكّ في دقتها – تبين مدّة حياة الفيروس على كل مادّة)، وأن يفكّر في حركة لاإرادية؛ هي لمس وجهه. وهذا يستنفر الحواسّ جميعها طوال اليوم. الحواس مستنفرة، ولكنها معطلة في الوقت ذاته، فالخطر لا يُشم ولا يُرى ولا يُسمع، وأيٌّ منها لا يجيب عن حيرته المزمنة التي تسكن في لاوعيه وتطفو على “سطح” وعيه مرّات عديدة: هل أُصِبْتُ الآن بالفيروس؟ هل أقوم بنشره من دون أن أدري؟ هذا الخوف المبرَّر هو “الفيروس النفسي” الحالي. يمكن أن يخفّفه بعضُهم بالتفكير العقلاني في الاحتمالات وأخذ الاحتياطات كافة، ويتخلص منه آخرون بالانشغال بأمورٍ ذات معنىً بالنسبة إليهم، وثمّة صنفٌ ثالث يتسلى بالخوف والتوتر، وربما تخويف الآخرين أو المشادّات داخل العائلة.

وفي النهاية، المشكلة قائمة ويجب أن نعيش معها؛ مع الخوف منها بأكبر قدرٍ ممكن من العقلانية والأخلاقية والتعاطف والألفة والتفهم المتبادل إلى أن تُفرَج. وثمّة من يروي النوادر ويضحك

“المشكلة قائمة ويجب أن نعيش معها؛ مع الخوف منها بأكبر قدرٍ ممكن من العقلانية والأخلاقية والتعاطف والألفة والتفهم المتبادل إلى أن تُفرَج”

لتبديد التوتر، ولا أتفق هنا مع المقولة المتجهمة المنتشرة والمنسوبة لابن خلدون (لا أدري لماذا) مع أنه لم يكتبها في مقدمته، ولا في غيرها: “إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم، وهم قومٌ بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور”، ولو قالها لما اتفقت معه أيضًا. والحقيقة أنه إذا وجدت الناس يكثرون من النكات والتندّر في زمن الكوارث فاعلم أنهم يبتكرون من لاوعيهم آليةً دفاعية للتخلص من التوتر بالضحك، فحيث تفشل المناعة الجسدية في مواجهة فيروس كورونا، قد تنجح المناعة النفسية في مواجهة فيروس الخوف.

ثمّة من يُجرون مقارناتٍ للتقليل من خطر الوباء، والحث على اتباع منهج مناعة القطيع كما فعل طبيب فرنسي، مبينًا أن الوفيات من حوادث الطرق أكبر من وفيات “كوفيد – 19″، ربما يكون هذا صحيحًا، فحوادث الطرق آفة عالمية فعليًّا. ولكنّ الإجراءات ضد هذه الحوادث قائمةٌ، وكذلك القائمة اللانهائية من التعليمات التي تطوّرت عبر الزمن، ويمكن أن يفعل الإنسان كل المطلوب، ومع ذلك  قد لا يتجنب حماقات الآخرين أو حتى المصادفة المحضة. وفي النهاية، حوادث الطرق من صنع البشر، أما الفيروس فليس من صنعهم. وحتى يوجد علاج ما له، فإن فعله لا يتوقف على ما يقوم به البشر، بل انتشاره فقط.

3)- التباعد الجسدي، المسافة، والتهذيب

كانت ثمة أسباب كثيرة غير الوباء للتفكير في طريقة حياتنا. ليست طريقة حياة الناس هي سبب الطفرة الجينية في نشوء الفيروس. وقد حصدت الأوبئة مجتمعاتٍ وتنقلت بين القارات في الماضي أيضًا. لدينا أسبابٌ كثيرةٌ مُقنِعة لإبطاء إيقاع حياتنا وتقليل الضغط والإجهاد وتخفيف السرعة، والتفكير أكثر في النوعية والكيف قبل الكم. يقول الفلاسفة الموسميون إن الجلوس في البيت سيعلّمنا ذلك. فلينتظروا إذًا قليلًا حتى يبدأ الجلوس في البيت بالتسبب في الضغط وعوارض أخرى نفسية وعائلية غير حميدة لن أفصّلها، وقد سبق أن ذكرتُ منها تزايد العنف المنزلي، ولينتظروا أثره في عمال المياومة الذين إنْ لم يعملوا لن يقوموا بأود عائلاتهم. الجلوس في البيت ضروري جدًّا للحدّ من انتشار العدوى، وسوف يحاول البعض أن يستخلص فوائد وعبرًا منه. ولكن لا يمكن استنتاج نظرياتٍ حول كل شيء من التفاصيل الغريبة التي نعيشها حاليًّا، والتي تبدو مثل مشهدٍ سينمائي. قد نتعلم مرة أخرى بعض الأشياء المفيدة حول تصرّف الناس عند شعورهم بالضغط، ودور غريزة البقاء في مقابل دور الأخلاق بوصفها هويةً إنسانية. قد يستنتج الناس أمورًا حول تشابه البشر في أثناء مواجهتهم الخطر نفسه، ولكن هل يعني ذلك تبنّي قيمة المساواة؟ ليس بالضرورة. نأمل ذلك. ولكن ليس هذا استنتاجًا علميًّا، ولا نبوءةً.

ثمّة سلوكيات موحدة فرضها الوباء تتعلق بما صار معروفًا بـ “التباعد الاجتماعي” الذي أصبح مصطلحًا عالميًّا؛ مثلما أصبح الجميع يتناول فوائد غسيل اليدين، ومسؤولية الفرد تجاه المجتمع، ومسؤولية الدولة، بوصفها مواضيع عائلية خالصة، وصارت أوساطٌ واسعةٌ تخوض في الشؤون العلمية المبسّطة في مقابل فئاتٍ اجتماعية ما زالت تبحث عن تفسيرات غيبية، وأصبحت الكمّامة زيًّا موحدًا للبشرية. وبات الذين يخشون عادة توحيد الزيّ يجهدون أنفسهم في تنويع الكمّامات.

التباعد الاجتماعي مصطلح جديد، المقصود منه الحفاظ على مسافةٍ بين أجسام البشر لتجنب نقل العدوى، ولا أدري لماذا لا يقال التباعد الجسدي أو الشخصي. لماذا الاجتماعي؟ أول درسٍ في الاجتماع هو ما يعبر عنه المثل الشعبي السائر “الجنّة بلا ناس ما تنداس”. على كل حال، راج المصطلح وانقضى الأمر. والمسافة بين الأفراد أمرٌ محمودٌ حتى في غير زمن الأوبئة؛ فاللمس الزائد والاحتكاك الفائض يطبقان نوعًا غير مستحبٍّ من فرض الذات على الآخر واختراق خصوصيته. وحتى في المدن المزدحمة، لا يعتاد البعض على إكراهات الملامسة الجسدية في ازدحام الحافلات، أو حين يعلقون وسط حشود، ويعانون هذه الإكراهات، ويستغربون اعتياد من حولهم عليها، حتى إذا يئسوا من الدفاع عن مجال خصوصية جسدهم الحيوي حاولوا التجرّد ذهنيًّا من أجسادهم، والانفصال عنها شعوريًّا، فيما تتعرّض للانتهاك من كل اتجاه.

تنفر المجتمعات التي تحترم خصوصية الفرد من الملامسة الجسدية، حتى لو كانت تعبيرًا عن التقدير أو الود. وقد أصبح الإفراط في التقرّب الجسدي عند بعض الشباب في تلك المجتمعات من عناصر التمرّد على برود الأهل، حيث يكاد “الحفاظ على المسافة” يتحكّم في مجمل السلوك، إلى أن أصبح رديفًا للتهذيب والتحضر، وكأن الأدب والتهذيب يعني أخذ مسافة من الشخص الآخر. ولم يعد واضحًا ما الذي سبق الآخر؟ المسافة الجسدية أم المسافة الشعورية؛ أي البرود الاجتماعي الذي قد يكون ثمن الخصوصية الفردية. يصعب، كما يبدو، الحصول على الرزمة كاملةً، الدفء والألفة والمحبة والخصوصية الفردية. ولكنه أمرٌ ليس مستحيلًا.

ولكن يستحيل الحفاظ على المسافة اللازمة للحفاظ على خصوصية الجسد، والحفاظ في الوقت ذاته على التعبير عن مشاعر الود والصداقة، وعدم كبت تعبيراتها الجسدية، إذا كان المرء مضطرًّا إلى الانشغال، طوال اليوم، بحرب استنزاف، دفاعًا عن كل سنتمتر من خصوصيته، وذلك على جبهاتٍ مختلفة، قد لا يكون اختراقها باللمس فقط، بل أيضًا بفرض الأذواق الموسيقية علينا، أو بهجوم الضجيج وأبواق السيارات على جبهة الأذن، أو بالتدخل الاجتماعي في حياة العائلات، والتدخل العائلي في خيارات الأفراد البالغين، وغيرها. هنا يصحّ استخدام مصطلح التباعد الاجتماعي فعلًا ضد الحشرية الاجتماعية والفضول المفرط وفرض الأذواق وغيرها. ولا أعتقد أن التباعد الجسدي والكمّامة قمينان بحل هذه المشكلة، ولا حتى العمل من المنزل عبر “الفيديو كونفرنس”.

ويبقى العناق حاجة إنسانية. وهو ليس متعلق بالتعبير عن العاطفة فقط، بل إنه يتعلق بالحاجة إلى تلقيها أيضًا؛ فالاحتضان ليس مجرّد سيمياء رمزية، بل هو منذ الطفولة إحدى تطابقات النفس مع الجسد المعدودة في حياة الإنسان، والتي لا يستغني عنها إلا بالاستغناء عن جزء من إنسانيته. أما المصافحة فمجرّد تحية، وكانت يومًا ما تعبيرًا عن اتفاقٍ أو مصادقةٍ على عقد، وثمّة إيماءاتٌ جسديةٌ أخرى كثيرة للتحية، ولذلك قد تتراجع المصافحة بعد الأزمة، أما العناق فلا شك في عودته. لا أعتقد أن أحدًا يشتاق إلى مصافحة أحد، ولكن ينتاب كثيرين حنينٌ إلى عناق الأهل والأصدقاء والأحبة، والعشاق يفتقدون العناق بشدة ويشعرون بالحرمان منه. ولا ننسى افتقاد العناق عند تشييع قريب أو صديق، فكثيرون لم يشاركوا في تشييع أقارب وأصدقاء لهم في هذه الأيام، وتلقوا التعازي عن بعد.

ربما يدوم بعضٌ من أسلوب الحياة في ظل الوباء بعد زوال الغمّة. وبالنسبة إلى اكتشاف نجاعة العمل عن بعد وفوائده، فلا شك في أن شركاتٍ سوف تقوم بتطوير تقنياته أكثر مما نتخيل حاليًّا. ويبدو واضحا منذ الآن أن الاجتماعات عن بعد أقصر وأنجع من الاجتماعات العادية حول طاولة. ولن يبقى التعليم عن بعد  من دون أثرٍ في المدارس والجامعات في غير زمن الأزمات. كما لن يبقى من دون أثر في الدول والمجتمعات غير الجاهزة لذلك، لناحية البنية التحتية، والأفراد الذين لا يمتلكون المهارات المطلوبة لمثل هذا التطور الذي سوف يتسارع. وقد بدأ تحول التعلّم عن بعد من حالاتٍ قطاعيةٍ تهتم بها هذه الجامعة الافتراضية أو المؤسسة أو تلك إلى حالةٍ اجتماعيةٍ أشمل.

4) – هل يساوي الوباء بين الناس حقاً؟

حلَّت الدعوة إلى البقاء في المنزل (“خليك في البيت”، أو “احكم دارك”، أو “خليك بالدار”) محلّ السؤال عن الحال والصحة المتكرّر مثل “لازمة” في التحية العربية التقليدية، وبما أنها لازمة وليست سؤالًا حقيقيًّا، فإنها لم تكن تنتظر جوابًا في العادة. لكن “ما تطلع من البيت!”؛ أي لا تخرج منه، أو “خليك في البيت!” من العبارات التي تلحّ على السامع بقلق حقيقي، وتبعث فيه قلقًا نفسيًّا حقيقيًّا، وترتب عليه سلوكات جزئية في التعقيم والهوس بالتعقيم لو صُوِّرت مشاهده لضحك من نفسه كثيرًا، وكأنه في “مونودراما” صامتة أو “بنتوميميا” لا يظهر فيها سوى التوجس والحركات اللاإرادية التي سرعان ما تتحوّل إلى حركاتٍ نمطيةٍ في نفوسٍ واجفة.

تفكّر باستمرار في عقم التفكير المتواصل بشأن التعقيم. ماذا عقّمت؟ وماذا نسيت؟ وقبل ماذا؟ وبعد ماذا؟ وما فائدة كل التعقيم الذي قمت به إذا لم تفطن إلى تعقيم نظّاراتك طوال الأسبوعين الأخيرين؟ وشيء واحد يعوق تركيزك، فَشَلُك في تحويل حركة اليد إلى الوجه إلى حركة إرادية، فَشَلُك أن تعيها وتدركها قبل أن تقوم بها. أنت عاجزٌ عن التحكّم فيها مهما حاولت. وعندما تفكّر فيها يبدأ موضع في وجهك (مختلف في كل مرّة) بالإلحاح عليك حتى تحكّه بيدك، وكلما صمدت في امتناعك عن لمس وجهك تمادى في الإلحاح، وأخيرًا يصبح كُلِّيَّ الحضورِ لا يحرّرك منه إلا قيامك من مكانك، لكي تعقم يديك وتحكّه أو تفركه بعصبية المنتقم، هذا إذا لم تقم بعشر حركاتٍ لاإرادية إلى وجهك في طريقك إلى المعقم.

لأول مرة في تاريخ البشرية، يصبح البقاء في المنزل مسؤولية مجتمعية، وإسهامًا قائمًا بذاته في المصلحة العامة. كانت ملازمة المنزل دليلَ عطالة من كسلٍ أو انطواءٍ، أو دليلَ بطالة، فأصبحت فعلَ خيرٍ، وقمّة العمل والإبداع البشري. وما ذلك إلا بعضٌ من وقائع هذا الزمن الغريبة. وقد شهد العالم أوبئة وكوارث، ولكن لم نشهد ملازمة الناس منازلهم، وإخلاء شوارع مدنهم وساحاتها العامة في جميع أنحاء العالم على نحو متزامن. هذه ظاهرة جديدة وحديثة تمامًا.

وتذكّرك الدعوة إلى البقاء في البيت بكثيرين يتمنّون تلبيتها لو كانت لديهم بيوت يأوون إليها. ثمّة ملايين من البشر بلا بيوت. ويُفترض أن تذكّرك الدعوة إلى البقاء في البيت بأن البيوت تتفاوت ما بين القصور، والأكواخ، والشقق ذات الشرفات، والشقق المحرومة من الشرفات، وبين حجم عائلةٍ وأخرى، فثمّة فرقٌ بين حشر عائلة كبيرة في شقةٍ من غرفتين والتجول في بيتٍ مترامي الأطراف، يحافظ أفراده على خصوصياتهم على الرغم من إقامتهم سويةً فيه. هل قال أحدهم إن الوباء يساوي بين الناس؟ ربما بيولوجيًا فقط. وحتى في هذا الجانب تتميز مستويات العلاج المقدّمة في غرف الإنعاش، وربما تصنع فرقًا في فاعلية الفيروس، ما عدا في الحالات المتطرّفة، فنسب الوفيات لا تتعلق بسنّ المصابين وأمراضهم المزمنة فحسب، بل بمقدار الاهتمام بهم وعدد الأطباء والأسرّة والمستشفيات وأقسام الطوارئ وتجهيزاتها أيضًا. ولا يساوي الوباء بين عامل أو صاحب متجر أو ورشة صغيرة انصاع للتعليمات وبقي في البيت، ويساوره قلق وجودي بشأن قدرته على إعالة أسرته في الشهر المقبل، ومن يتمتع بأمان وظيفي لا يعرف حتى متى سيدوم، ومن يتابع أخبار البورصة والأسهم من بيته.

ليس التعليم عن بعد حلًّا مؤقتًا؛ إذ سوف يصبح جزءًا من العملية التعليمية. ولكنه لا يساوي بين المتلقّين حتى الآن، فهو يعتمد على شبكة الإنترنت غير المتوفرة لدى عائلاتٍ كثيرة، أو المكلفة بالنسبة إليها، كما أن قوة الشبكة تتفاوت بين البلدان، وبين الفئات الاجتماعية. ليس التعليم عن بعد مساواتيًّا (حتى الآن على الأقل). إنه يعيد إنتاج عدم التكافؤ داخل المجتمعات وبين المجتمعات، فالتعليم عن بعد لا يجسّر الفجوة في الاستثمار في التعليم، ولا الفوارق في مستوى المعلمين وأعدادهم، وفي مناهج التعليم وأساليبه.

خلافًا لأزمنة الحروب ومجالات العنف عمومًا، حيث ما زال الرجل يتفوّق على المرأة (عمومًا وليس دائمًا)، فإن الأوبئة، مثل بقية النوازل العائلية والملمّات المنزلية، غالبًا ما تفضح ضعف الرجال، وعجزهم عن الاحتمال والمثابرة في مقابل قدرة النساء على التحمّل ومثابرتهن: الناس يوجدون حاليًّا في البيت، عرين المرأة، في غالبية المجتمعات. وفضلًا عن ذلك، فإنّ مِن النساء مَن يعملن خارج البيت ويدبّرن شؤون المنزل، على الرغم من عملهن داخله أيضًا. وغالبًا ما يكون الخروج من البيت للتسوق لتلبية حاجات الأُسرة في الظروف الحالية من نصيب المرأة أيضًا (الجملة الأخيرة انطباعية، ولا تقوم على بيانات)، فهل أنّ الأزمة ستسفر عن ترقية المرأة على السلم الاجتماعي؟ لا جوابَ قطعيًّا على ذلك، ففي بعض الحالات زاد الضغط الاقتصادي والقلق المعيشي والازدحام المنزلي من العنف الأسري، ولكن ربما يخرج كثيرون من الأزمة بتقديرٍ أكبر للمرأة، وتخرج نساءٌ كثيراتٌ بثقة أكبر بالنفس. وعملية تقدّم المرأة وجسر الهوة مع الرجل جاريةٌ على أي حال، وبتسارعٍ غير مسبوق في العقود الأخيرة.

كبار السن ليسوا عالةً أو عبئًا على أحد؛ فقد عملوا طوال حياتهم في بناء الدول والمجتمعات والأجيال الشابة وغير الشابة، ومن ضمنها حتى تلك القلة التي يوحي سلوكها بالتذمّر والتعامل مع الكبار بوصفهم عبئًا. من لا تكفيهم المحبة الإنسانية دافعًا للعناية بكبار السن، أي بالأهل، يفترض أن يتذكّروا أو يُذَّكروا بلغتهم الفاقدة للمشاعر؛ أن الاعتناء بالكبار ليس تفضلًا أو إحسانًا، بل هو واجبٌ يترتب على العدالة والإنصاف مقابل ما قدّموه طوال أعمارهم، ومهما فعلت الأجيال الحالية لن يكون في وسعها رد الجميل. إن تعامل البعض مع كبار السن باعتبارهم عبئًا هو سلوك لا يغتفر، ولا يعوِّض عنه سوى عمل مئات آلاف الشباب المتطوعين في جميع أنحاء العالم لمساعدتهم. ثمّة جيل شبابٍ أكثر أخلاقيةً وأقل أيديولوجيةً يَعِدُ بعالم أفضل.

سوف تعيد أحوال مراكز العناية بكبار السن في زمن الوباء طرح القضية. هل يعقل أن تخضع شيخوخة الإنسان إلى قوانين السوق؟ إن غالبية هذه المراكز في الولايات المتحدة مثلا هي استثمارات بهدف الربح. ومن الواضح أنها تفتقر إلى المسؤولية الأخلاقية اللازمة والقدرة على العناية بالمسنين في ظل الوباء القاتل لهذا الجيل.

وفي مقابل أخلاقيات العدالة التي تقوم على مبادئ مجرّدة وفق مفكرات نسويات من نهاية القرن الماضي، طرحت بعضهن فكرة “أخلاقيات العناية” Care Ethics. وكان رأيي دائمًا أن هذه الأخيرة ليست بديلة من الأولى، بل مكملة لها. وفي مثل هذه الأوقات، يسهل إدراك أهمية أخلاقيات العناية التي لا تقوم على مبادئ عامة مشتقة من قيم المساواة والحرية، بل تقوم على التعاطف وإيجاد الحلول للمشكلات العينية من منطلق الإحساس بمعاناة الآخر والتعاطف معه. الأولى ضرورية، فلا عدالة من دونها، ولكن في مثل هذه الظروف تتضح أهمية أخلاقيات العناية أيضًا؛ فمبادئ العدالة التي تقوم على الموازنة بين الحرية والمساواة لا تكفي في أزمنة الكوارث غير المتوقعة، وعمومًا لا يمكنها أن تغطي حالات كثيرة من عجز البشر العينيين في مواجهة حالات الشدة.

وبمناسبة موضوع الأوبئة والمساواة، طفا على سطح الذاكرة بالتداعي موضوع وباء نقص المناعة، الإيدز: لقد شغل وباء الإيدز الذي ينتقل بالدم فقط، والذي حصد الملايين، على الرغم من ذلك، الناس في الغرب والشرق في العقد التاسع من القرن العشرين، وأصبح موضوعًا للأدب والفن والسينما، وراجت عنه من الأساطير والشائعات ما يقزّم الأساطير والشائعات عن كورونا. كما مرت فترة قصيرة حُمِّل فيها ما حسبه الناس شبهاتٍ أخلاقية، حتى خجل البعض  من الإقرار بالمرض، واعتبر من جاهر به شجاعًا، لأنه ارتبط بما اعتُبر في حينه “عارَ” المثلية الجنسية. وتم تجاوز ذلك في الغرب، ولم يُتجاوَز في الشرق بعد، على الرغم من أنه تبيّن أنه قد ينتقل بنقل الدم في مستشفى ما، وبوسائل أخرى. وتبين أيضًا أنه قد يحمل الفيروس من لا يمرض به، ولكنه يُعدي غيره. وقائمة التعقيد طويلة. لقد عانى المصابون بمرض نقص المناعة الكثير وما زالوا يعانون، بيد أنّ الحصول على العلاج المتوفر الذي يمكّن أجسادهم من التعايش مع الفيروس هو معاناتهم الأساسية حاليًّا، ولا يسمع بهم الإعلام كثيرًا، لأنّ ثلثيهم في أفريقيا وثلثهم في آسيا.

منذ بدء انتشار وباء الإيدز حتى عام 2018، بلغ عدد الحالات التي أُصيبت بفيروس الإيدز في العالم نحو 74.9 مليون شخص، وبلغ عدد الوفيات من مرض الإيدز أو أمراض عادية أصبحت قاتلة، بسبب نقص المناعة التي يسببها الإيدز، وإضعافه جهاز المناعة وقدرة الجسم على مقاومة الأمراض، نحو 32 مليون شخص في العالم. وانخفض عدد الوفيات المرتبطة بالإيدز بنسبة أكثر من 55% منذ الذروة التي سُجّلت في عام 2004. ففي عام 2018، بلغ إجمالي الوفيات نحو 770 ألف شخص في العالم بسبب أمراض مرتبطة بالإيدز، كما ذكرنا، مقارنةً بـ 1.7 مليون في عام 2004. وبحسب منظمة الصحة العالمية، ما زالت أفريقيا المنطقة الأكثر تضررًا في العالم؛ حيث إنّ واحدًا من كل 25 شخصًا بالغًا (أي ما نسبته 3.9% من الأفارقة) مصاب بالفيروس، وهو ما يقرّب نحو ثُلثَي المصابين بالفيروس في جميع أنحاء العالم[2]. ومن الواضح أن الاهتمام العالمي بالوباء تراجع؛ ليس فقط بسبب إنتاج الأدوية التي تمكِّن المصاب من التعايش مع المرض، بل أيضًا لأنه تراجع في أميركا الشمالية حيث كان هاجسًا عامًّا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وانحصر في جنوب الكرة الأرضية، وخصوصًا أفريقيا. وأصبح جنوب الكرة الأرضية مستهلكًا أدوية الإيدز الثمينة التي تنتج في شمالها. ويُبيّن الجدول (1) عدد الحالات المتعايشة مع المرض، وعدد الإصابات الجديدة بالإيدز والوفيات بسببه في آخر إحصائيات نُشرت بحسب الأقاليم.

عدد الحالات المتعايشة مع الإيدز، وعدد الإصابات الجديدة والوفيات بسببه (بحسب الأقاليم)*

عدد الحالات المتعايشة مع مرض الإيدز حتى عام 2018

(مليون شخص)

النسبة المئوية من إجمالي الحالات في العالم

عدد الإصابات الجديدة بمرض الإيدز في عام 2018

(ألف شخص)

النسبة المئوية من إجمالي الحالات في العالم

عدد الوفيات من مرض الإيدز أو أمراض مرتبطة به في عام 2018

(ألف شخص)

النسبة المئوية من إجمالي الحالات في العالم

شرق أفريقيا وجنوبها

20.6

54.4

800

47.1

310

40.3

منطقة آسيا والمحيط الهادئ

5.9

15.6

310

18.2

200

26.0

غرب أفريقيا ووسطها

5.0

13.2

280

16.5

160

20.8

منطقة الكاريبي

0.34

0.9

16

0.9

67

8.7

أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى

1.7

4.5

150

8.8

38

4.9

أميركا اللاتينية

1.9

5.0

100

5.9

35

4.5

أميركا الشمالية وأوروبا الغربية والوسطى

2.2

5.8

68

4.0

13

1.7

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

0.24

0.6

20

1.2

8.4

1.1

عدد الحالات في العالم

 37.9 مليون

 1.7 مليون

770 ألفًا

* الأرقام هي معدّل تقريبي لمجمل الحالات؛ فمثلًا، عدد الحالات التي أُصيبت بفيروس الإيدز منذ بداية الوباء حتى عام 2018، في العالم، هي ما بين 58.3 و98.1 مليون شخص.

المصدر: “Fact Sheet – World Aids Day 2019,” UNAIDS, accessed on 17/4/2020, at: https://bit.ly/3bg8H2M

5)- بشأن ما يسمّى “خط المواجهة الأول”

المستشفيات في حالة طوارئ. والعاملون في المهن الطبية يخاطرون بحياتهم في مواجهة الوباء. وانتشرت تسمية المستشفيات بـ “خط المواجهة الأول” للوباء؛ ذلك أنها المكان الأكثر خطورة، والعمل فيها هو الفعل الأكثر مجازفةً. وهي مناسبةٌ مهمة لطقوس تكريم شعبية للطواقم العاملة في المستشفيات. أصحاب هذه المهن يتمنّون أن يترجم هذا التكريم إلى سياسات عامة في المجال الصحي. وقد ظهر الفرق بين مشافي القطاع العام والمشافي الخاصة، فالأولى هي التي كانت في المواجهة، وسجلت نجاحات كبيرة في دولٍ لا تعرف تحول الطب إلى وسيلة للإثراء.

يواجه “الجنود” الوباء على خط المواجهة الأول بوسائل متعدّدة، ويجرّبون أدوية متاحة، ليس أحدها الدواء الشافي للمرض ذاته. ومع ذلك، ثمّة فوارق في النتائج، فالعناية والاهتمام يصنعان فَرْقًا، وقد يفصلان في بعض الحالات بين الحياة والموت، حتى في حالة وباء ليس له علاج محدد بعدُ. وقد نشأت ثقافةٌ فرعيةٌ عالميةٌ مؤلفة من العاملين في المهن الطبية الذين يخوضون المجازفات ذاتها بالتعرّض للعدوى، ويرفعون الشكاوى ذاتها حول نقص الأجهزة ومعدّات التنفس الاصطناعي في محاولة إنقاذ مرضاهم، ويتذمّرون من نقص مستلزمات الوقاية لهم، وينقطعون جميعًا عن رؤية عائلاتهم أسابيع طويلة. إذا تنظمت هذه الثقافة الفرعية عالميًّا من العاملين على شفاء البشر من الأمراض والعدوى، قد يصبح لها أثرٌ في السياسات العامة.

طبيب فلسطيني في الخليل  يعرض مكملا غذائيا لرفع مناعة الجسم ضد كورونا (15/4/2020/فرانس برس)

أفكر عادة في المستشفى بوصفه مكانًا يُقايِض فيه أعندُ المتمسّكين بالكرامة الذاتية خصوصيتَه، مجالَه الخاص العزيز عليه، ويتنازل حتى عن حميميّة جسده في مقابل التخلص من الألم أولًا، والمرض ثانيًا، فإذا قرّر دخول المستشفى، وهذا قراره، تصبح هذه المقايضة أمرًا مفروغًا منه، ولا تنفع المعاندة بعد تسليم الجسد “طوعًا” لتحكّم الآخرين. ليست المستشفيات فضاءاتٍ لممارسة الخصوصية، فعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي حصل في هذا المجال لناحية احترام إرادة المريض وغيرها، تظل القاعدة العامة أنه إذا قرّر شخصٌ دخول المستشفى والبقاء فيه، فإنه بذلك يعترف ضمنيًّا بسلطة المهن الطبية. وثمّة حالات طوارئ وأقسام طوارئ في المستشفيات (وليس فقط في الدول، لاحظ أنّ التسمية هي ذاتها) تصبح فيها عملية إنقاذ حياة المريض، إذا كان ممكنًا، أهم من احترام إرادته. وقد ناقشت تشريعات كثيرة هذه السياقات وحدّدت استثناءات.

قيل وكُتب الكثير عن المستشفى بوصفه مؤسّسة، بما فيها من قوانين تصبح أحيانا هدفا قائما بذاته، وسياسات وصراعات؛ ولا أرغب في مراجعة ما كتب عنه تاريخيًّا بوصفه مكانًا لتصنيف المرضى من الأصحّاء، والتصنيف بوصفه عملية سيطرة، والتعامل مع جسد المريض باعتباره موضوعًا وليس ذاتًا، وغير ذلك كثير مما يسلط الضوء على زوايا مظلمة في تاريخ العلوم الطبية وممارسة المهنة، فلم تعُد هذه سياقاتٍ رائجة. لقد حصل تقدّم كبير؛ ليس فقط في العلوم الطبية، بل أيضًا في إنسانيتها وأخلاقياتها الكونية، واعترافها بأخطائها وجاهزيتها للمساءلة، وكذلك في التشريعات المتعلقة بها، ولا سيما في الدول الديمقراطية. وأصبح عدد أسرّة المستشفيات والأطباء بالنسبة إلى كل ألف نسمة من مقاييس تقدّم البلدان ومستوى التنمية البشرية فيها.

من أين تأتي الثقة بالطبيب؟ من أن معالجة المريض بغرض شفائه، وتخفيف معاناته إذا لم يكن الشفاء ممكنًا، ليس من أخلاقيات الطبيب، بل هو تعريف المهنة ذاتها. أما الطبيب ومشكلاته العائلية وأخلاقه الشخصية ومواقفه السياسية فليست ذات علاقة، ويُفترَض أنه يخلعها، حتى لو لم يتحرّر منها، حين يرتدي العباءة البيضاء ويدخل إلى غرفة المريض. والمريض في هذه الحالة هو الجسد الإنساني/ الإنسان، وليس الشخص بفرديّته، وشخصيته – دينه، وقوميته، ولونه، وأصله، وفصله، وطبقته الاجتماعية. وتصبح نظرة المريض إلى الطبيب غير مرتهنةٍ بما هو سائد اجتماعيًّا أو سياسيًّا، فالمهم بالنسبة إلى المريض ليس إثنية الطبيب أو لونه أو دينه أو أيدولوجيته، بل سنوات خبرته، والجامعة التي تخرّج فيها، ورصيده العلمي. وإذا لم يعمل الطبيب كل ما في وسعه لمعالجة المريض بهدف شفائه من المرض، فإنه يغادر المهنة. وسبق أن غادرها أطباء (بعضهم وليس كلهم) حين رضوا بأن يتحولوا من أطباء إلى مجرّد خبراء في الجسد الإنساني بوصفه موضوعًا للسيطرة؛ إذ قبلوا العمل في المعتقلات والسجون لتنفيذ أجندة سلطةٍ غاشمة، أو في إجراء التجارب على المعتقلين.

قد تزعجكَ عاديَّةُ، أو روتينيةُ، تعاملِ الطبيب مع المعاناة والمرض، وذلك بعد التجربة الطويلة من التعرّض لها وتعوّدها إلى حدٍّ ما. ولكنك تعرف في داخلك أن هذا ما يريحك في الوقت الذي يزعجك، وأن مهنيّته وبراعته لا تقاس بذلك، بل بعملية تشخيص المرض ومعالجته. قد يكون الطبيب لطيفًا جدًّا وقليل الحيلة طبيًّا، وقد يكون فظًّا وبارعًا في الوقت ذاته؛ إذ يركّز على شفائك، لا على إرضائك. تلحّ عليك معاناة الجسد كَيْ تتقبل ذلك، وإن كنت في سريرة نفسك تُفضّل طبيبًا بارعًا ومهذبًا في الوقت ذاته، فالتحضُّر يتضمّن التهذيب. وفي بعض الحالات، “تنقلب الآية” ويتمنّى الطبيب أن يكون المريض خلوقًا مهذّبًا.

يؤثر إخضاع مهنة الطب لاعتبارات الربح المادي؛ بتحويل المستشفى إلى شركةٍ بهدف الربح، أو تحويل العيادة إلى محلٍّ تجاري يبيع خدمات طبية، سلبيًّا في المهنة ذاتها إذا لم يتمسّك الطبيب بها وبأصولها، وإذا لم تفرض التشريعات شروطًا وقيودًا على هذه العملية، وإذا لم يوفر المجتمع المنظّم في دولة الرعاية الطبية اللائقة (أي العلاج الصحيح بهدف الشفاء في ظروف لائقة) للمرضى عمومًا ممَّن لا يمكنهم دفع المال مقابل العلاج في ظروف من التنافس والعرض والطلب.

تجمع المستشفيات في هذا العصر أطباء وطبيبات وممرّضين وممرّضات من الجنسيات والأجناس كافة، وهي من أكثر المرافق استيعابًا للمهاجرين المهنيين. إن الخليط الإثني والديني القائم في المستشفيات، والتنوع تحت سقف المهنة، هو من أرقى مظاهر الحضارة الإنسانية المعاصرة في مقابل ظواهر سلبية عديدة. ويُلاحظ في الغرب أنه يجري التشديد أحيانًا، على نحو إيجابي، على هوية الأطباء من المهاجرين، ولا سيما الذين فقدوا حياتهم وهم يعملون على إنقاذ المرضى، تقديرًا لهم. وهذا حسنٌ ومفيدٌ على مستوى الرأي العام، ولا سيما في إحراج المعادين للهجرة والمحرضين على المهاجرين والعنصريين على أنواعهم، ولكن يُطرح السؤال: هل يجب أن يكون المهاجر طبيبًا لكي يقدّر إسهامه في الاقتصاد والمجتمع؟ ولماذا يجب أن يكون مبرّزًا أو متميزًا ليُقبل بوصفه إنسانًا مساويًا في القيمة؟

ثمّة دول (حتى من بين الدول المتقدمة) لا يمكن أن توفر خدماتٍ صحيةٍ لسكانها من دون الوافدين (من ممرّضات وممرّضين وطبيبات وأطبّاء، وعمال نظافة). وثمّة مجتمعاتٌ ليس لديها ما يكفي من الأطباء، ويقبل أفرادها أن يمارس أبناؤهم وبناتهم مهنة الطب، ولكنهم لا يقبلون إطلاقًا أن يعمل أبناؤهم وبناتهم في التمريض،  فضلا عن مجالات النظافة التي لا يقوم من دونها مرفقٌ عام، وخصوصًا إذا كان المرفقُ مستشفى. يُحيّرك أنّ في بعض هذه الدول التي تعتمد على الأيدي العاملة والمهنية الوافدة، تمتلك قلةٌ قليلة منها صوتًا عاليًا للتذمر من تقديم العلاج في مستشفيات بلادهم.

في البرتغال، قرّرت الحكومة ما يُفترض أن يكون أمرًا مفروغًا منه، وهو أنه في كل ما يتعلق بمعالجة كورونا يعامَل المهاجر (حتى غير الشرعي) معاملة المواطن. هذا قرارٌ حكومي صائب. أما مهنة الطبيب البشري فهي معالجة البشر إذا أتيح لهم الوصول إليه، بغض النظر عن قرار الحكومات.

نُقِل رئيس الحكومة البريطاني، بوريس جونسون، إلى المستشفى يوم 6 نيسان/ إبريل الجاري، وكان قد أعلن عن إصابته بالفيروس قبل عشرة أيام من ذلك. ليس تساهله في التعامل مع الوباء في البداية هو سبب مرضه؛ فالفيروس لا ينتقم ولا يستهدف من استخفّ به. ولكنّ تساهله، بوصفة رئيس حكومة يقرّر السياسات العامة، يتحمّل المسؤولية السالبة عن مرض كثيرين ممن كان في الإمكان أن لا يصابوا به لو اتخذت بريطانيا إجراءات مشدّدة منذ الإعلان عن تحوّل كورونا إلى وباء عالمي.

منذ عهد مارغريت تاتشر، يعاني القطاع الصحي العمومي الإهمالَ. وكانت حكومات متعدّدة منذ

“غالبًا ما يكون إهمال القطاع العمومي في الصحة والتعليم، بحرمانه من الميزانيات والإدارة السليمة والرقابة على الفساد، أمرًا مقصودًا لإفشاله وتبرير خصخصته”

ذلك الحين، ومنها حكومة جونسون، تتجه إلى خصخصته، أو خصخصة بعض مرافقه. وغالبًا ما يكون إهمال القطاع العمومي في الصحة والتعليم، بحرمانه من الميزانيات والإدارة السليمة والرقابة على الفساد، والشكوى من قيمة ما يُرصد له من موازنات الحكومة في صيغة “أموال دافعي الضرائب”، أمرًا مقصودًا لإفشاله وتبرير خصخصته. الجميع يشيد الآن بالقطاع الطبي العام، بما في ذلك جونسون عند مغادرته المستشفى (وهو الذي اتُّهم بأنه يحاول بيعه للولايات المتحدة في تشرين الأول/ نوفمبر 2019). هذا درسٌ لدول أخرى، منها دول عربية.

التنافس الحرّ الذي يتيحه المجتمع الحرّ واقتصاد السوق أساس الكثير من الإبداع في الفكر والعلم والإنتاج. ولكنْ من سيئاته (إذا لم يخضع لقيم أخرى) إخضاع صحّة البشر له، وتسليعها بما في ذلك عند الاستثمار في إنتاج الأدوية واللقاحات. الاستثمار بهدف الربح في صناعة الأدوية واللقاحات هو من معوقات تطوير لقاحات لـ “سارس” وغيره (يقال إنه لو استمر العمل على لقاح “سارس 1” لكان تطوير لقاح “سارس 2″، أي وباء كورونا الحالي، أسهل بكثير)؛ مثلما كان، وما زال، من معوّقات اكتشاف علاجٍ أو علاجاتٍ للسرطان. فالاستثمار الرأسمالي يركز على الأدوية واللقاحات الأكثر استخدامًا، وذات العائد المالي السريع. والتنافس حاليًّا هو على اكتشاف لقاح كورونا، لأنه جاذبٌ للاستثمار من طرف الدول المعنية به، لأسباب اجتماعية صحية غير ربحية، ورأس المال الذي يستثمر بهدف الربح، لأنه لا أحد في العالم كله سوف يستغني عن هذا اللقاح، وربما سنويًّا؛ فلا شك في ربحيته.

تطوّرت العلوم الطبيعية على نحو أسرع وأكثر إبداعًا، وظهر المستوى الطبي الأفضل في الدول الرأسمالية المتطورة. وهذا لا يعني تقديم أفضل الخدمات الطبية لعموم الناس، فتقديمها لهم يتطلب عدة شروط؛ من بينها وجود قطاع صحي عمومي، وعلاج مجاني، وسياسات عمومية لا تُخضِع صحة الناس لقوانين السوق والتسليع. ويتوفر ذلك فقط في بعض الدول المتطورة التي أصرَّت على العلاج المجاني، واستثمرت في قطاع الصحة العمومي. يوجد قطاع كهذا في دولٍ غير متطورة، ومع أن وجوده أفضل من غيابه، فإنه يشكو من نقصٍ في المستوى الطبي، وفي مستوى الخدمات، وسوء الإدارة، والمحسوبية، وغيرها. التحدي الكبير هو الجمع بين الأمرين.

درجة الجاهزية للأوبئة تكون عادة محدودة مثل الجاهزية للكوارث، ولكن يمكن أن تكون أفضل لو كانت مؤسسات الدول أبعد نظرًا، ولو استمعت للعلماء والمتخصصين. وتحتاج مواجهة الأوبئة، إلى جانب المبادرة والإبداع في الوسائل والأجوبة التي يوفرها القطاع الخاص، إلى استثماراتٍ كبرى في الأبحاث، وقدرةٍ تنظيميةٍ هائلةٍ لا يمكن أن يوفرها القطاع الخاص، مهما كان متطورًا.

6) – النظام الدولي

بتاريخ 8 نيسان/ أبريل 2020؛ فيما عاشت الإنسانية جمعاء على وقع أخبار انتشار الفيروس وإحصائياتها، صدر تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي حمّل النظام السوري مباشرةً المسؤولية عن قصف بلدة اللطامنة في ريف حماة بغازَي السارين والكلور. الجديد هو الإشارة المباشرة إلى الطرف المسؤول. نُشر التقرير في أجواء الوباء العالمي، فبدا مثل جنازات زمن كورونا من دون مشيّعين. اجتمع مجلس الأمن، ولم يتخذ أي قرارٍ، ولم يسمع به أحد. ولكنه تقريرٌ موثقٌ باسم منظمة دولية. لا يقلل نشره في هذا الوقت من فظاعة الجريمة مثقالَ ذَرَّةٍ، ولا يقلل من اهتمام ما يُسمّى “المجتمع الدولي”، لأنه أدار ظهره لمعاناة الشعب السوري أصلًا قبل الوباء. فلا يَتَّهِمَنَّ أحدٌ الوباءَ بالتستر على الجرائم ضد الإنسانية!

كانت الأوبئة عبر التاريخ من أسباب وقف الحروب، منذ التقارير الأولى عن حرب البلوبونيز التي كانت فيها أثينا على شفا الانتصار قبل أن يضربها الوباء (يقال الطاعون، ولكن لا نعرف حقيقة الأمر). وربما كانت الحمّى المسمّاة خطأً “الحمّى الإسبانية” (فربما كان مصدرها أصلًا المعسكرات الإنكليزية المكتظة في فرنسا، أو حتى الولايات المتحدة) من أسباب وقف الحرب العالمية الأولى. لكن خليفة حفتر (هل لدى أحد أي طاقة للتفكير في مثل هذا الشخص حاليًّا؟) لا يكترث بالوباء، ولا يعدّه سببًا كافيًا لوقف قصف طرابلس عاصمة ليبيا. ولا يبدو أن أطراف الصراع في اليمن تأبه به، وتنظيم الدولة المكنّى بـ “داعش” يهاجم أهدافًا هنا وهناك. والطائرات المصرية تقصف مواقع في سيناء. أما النظام في سورية فيواصل حربه على شعبه، وسوف ينتصر على الفيروس كما انتصر على “جراثيم الإرهاب”، وقد يحتفظ بحق الرد، أو يختار الرد على الفيروس “في الزمان والمكان المناسبين”، كما يفعل بشأن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أراضيه. كل شيء واردٌ في هذه المنطقة المنكوبة المصابة في روحها وجسدها.

إذًا، في الجانب الآخر يسير العالم الذي نعرفه بموجب قواعده وإيقاعه، لا شيء تغير. إنه فقط في الظل، في الجزء الأخير من نشرة الأخبار، لأن الناس لا يطيقون أن يسمعوا عن غير الوباء. مثلما أنّ الفوز في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام ما زال يحرّك سلوك دونالد ترامب وتصريحاته، وهي تصريحاتٌ تغير موضوعها، وليس دوافعها وغاياتها. وينطبق الأمر على الصين وأهدافها الاقتصادية الهيمنية عالميًّا، وطريق حريرها الجديد. كورونا حلبة جديدة؛ فقط على مستوى الدعاية والتصدير.

لا يجلس الناس ويستنتجون نظامًا عالميًّا جديدًا لأنهم يصبحون أكثر حكمة بعد الكوارث. لا تجري الأمور على هذا النحو. ومع ذلك، يتحدث ويكتب كثيرون عن تغير النظام العالمي بعد كورونا. وحين يتناولون النظام العالمي، فإنما يقصدون عادةً النظام الدولي، وليس العالمي فعلًا؛ إذ لا يشمل تصوّرهم التوازن البيئي بين الإنسان والطبيعة مثلًا. لنفكّر قليلًا! هل أنّ الوباء سيغيّر النظام الدولي، بمعنى المنطق الذي تقوم عليه علاقات الدول، ألا وهو توازن المصالح وتوازنات القوى؟ هل أنّ الدول ستصبح أكثر عقلانيةً أو أكثر أخلاقية، أو كليهما، بسبب الوباء؟ لا أعتقد ذلك. لم يحصل هذا في الماضي، ولا سببَ لحصوله بعد هذا الوباء.

تقود الأزمات التاريخية الكبرى إلى إجراءاتٍ ومنظوماتٍ تُبنى وتدوم ردحًا من الزمن قبل أن تصبح ذاكرة بعيدة على مذبح المصالح والأولويات و”التفكير خارج الصندوق”، ماذا استفادت البشرية من الحرب العالمية الأولى؟ نشبت حرب عالمية أكثر ضراوةً بعد عشرين عامًا، وحلَّ السلاح النووي (في نهايتها) محلَّ الكيماوي الذي حُرّم بعد الحرب الأولى. انتصرت دولة الرفاه بعد الحرب، ولا شكّ في أنه كان للكساد الاقتصادي الذي أسهم في صعود الفاشية والنازية وأزمة النظام الرأسمالي في العقد الثالث من القرن الماضي، وكذلك صعود “خطر الشيوعية” بعد الحرب أثرٌ في التفكير في دولة الرفاه. ولكن ما لبثت النيوليبرالية الاقتصادية أن هيمنت منذ نهاية السبعينيات، فارضةً مبدأً اقتصاديًّا غريبًا عن الليبرالية في الحقيقة، مع أنه ينسب إليها؛ إذ تتناقض بموجبه قيمتَا الحرية والمساواة، ويعتبر تدخل الدولة لإصلاح الغبن الاجتماعي مسًّا بالحرية، وكأنّ الكساد العظيم لم يحصل على الإطلاق، وكأن تدخل الدولة في الاقتصاد كان ترفًا، وليس لضرورات؛ منها كبح لاعقلانية السوق، وتجنّب عواقبها.

وهكذا يتسامح  “النظام الدولي” مع جرائم ضد الإنسانية، بعد أن كانت في حالةٍ أخرى حجّة لشن الحرب. كل شيء بموجب المصالح وموازين القوى. هكذا عاد التطهير العرقي في ميانمار كأنه لم يقع في البلقان، والقصف العشوائي والجرائم ضد الإنسانية، واستخدام السلاح الكيماوي في سورية، كما لو أن مذابح رواندا وغروزني لم تقع. وظلت المسألة الاستعمارية مفتوحةً في فلسطين مع انقضاء عهد الاستعمار. وعادت الممارسة الاستعمارية ونظام الأبارتهايد ليُبنى فيها، وكأن جنوب أفريقيا لم تغادره منذ مدة.

نأمل أن يصبح الناس عمومًا أكثر عقلانية أخلاقية، وسوف يؤثر ذلك في السياسة، وربما في طبيعة الأنظمة، ولكن ليس بالضرورة في علاقاتها. غير أننا نأمل، ولا نتنبأ، فها هو ترامب يجمّد تمويل منظمة الصحة العالمية.

يمضي كثيرون هذه الأيام الوقت بالتسلي بمسألة “قيادة العالم” والنظام الدولي بعد كورونا. وغالبًا ما يقومون بذلك انطباعيًّا على خلفية تعامل الدول مع الوباء. ولهذا خطر لي طرحُ أفكارٍ تخفّف من الانطباعية، بحيث يمكنهم أن يتسلَّوا بالموضوع ذاته في عزلتهم، إذا أصرّوا، لكن بحيث يكون الانشغال أقرب من الواقع.

حتى إذا نَحَّينا طبيعة النظام وجاذبية نمط الحياة جانبًا، لا يقاس الدور القيادي لدولة كبرى بحجم اقتصادها، بمعنى مجمل الناتج القومي فقط، وإنما أيضًا بالقدرة العسكرية (ولا سيما إذا أمكن تمويلها من دون إرهاق الميزانية خلافا لما حصل في الاتحاد السوفييتي؛ إذا كان الاقتصاد ضخمًا، وإذا تحوّلت الصناعات العسكرية إلى محفِّز للاختراع والنمو والإنتاج في القطاعات الصناعية المدنية في الوقت ذاته، وهو ما حصل في أميركا) والاستعداد لتمويل الدور السياسي القيادي عبر المعونات للدول وتمويل المنظمات الدولية وغيرها، إضافةً إلى القدرة على الابتكار في تطوير قوى الإنتاج، ودور العلم في عملية الإنتاج، ومعدّلات التنمية البشرية، وما تمتلكه من ثقافةٍ ومعرفةٍ وحيوية مبادرة وابتكار. السؤال لا يتعلق بحجم الاقتصاد فقط، بل بمكوناته أيضًا، فثمة فرق بين الدول التي تعتمد على الصناعات التقليدية المستفيدة في التصدير من توفر الأيدي العاملة الرخيصة، والمعتمدة على تكنولوجيات مستوردة من جهة، وبين الدول التي تقود عملية تطوير قوى الإنتاج، ولا سيما في مجالات التكنولوجيات المتطورة والعلم عمومًا، من جهة أخرى.

سوف يشهد العالم، كما يبدو، تغيرات اجتماعية واقتصادية بنيوية، وسوف تتغير بعض عاداتنا اليومية، ولن يغادرنا التعقيم كما يبدو، وسوف تصبح دول العالم أكثر إدراكًا لخطر الأوبئة. وربما يتجه الأمر إلى نقاش في تطوير التشريعات الدولية لتتضمن قواعد يجب على الدول اتباعها في مواجهة مخاطر على الصحة العامة عالميًّا، إضافةً إلى كيفية تصرفها بشأن ضمانات التزود بمنتجات ذات طبيعة استراتيجية في فترات الأزمات. ولكن منطق العلاقات بين الدول لن يتغير، وكذلك الاتجاه الحالي إلى عالم متعدد الأقطاب لن يتغير.

7) – المفاضلة السياسية بين البلدان في مكافحة الوباء

تسييس الأوبئة الفيروسية واستغلالها في ترجيح موقف سياسي هو مركّب من الجهل وقلة الضمير. ومن مظاهر هذا المركّب الانقسام حولها بموجب محاور سياسية، مثل امتداح الصين الشعبية “الاشتراكية” (هي في الحقيقة رأسمالية ذات نظام حكم دكتاتوري شمولي، أي إنها تجمع بين “المجدَيْن”؛ الرأسمالية، والدكتاتورية)، وذمّ الدول الرأسمالية الديمقراطية؛ مثل إيطاليا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة.

يُحسب للحكومة الصينية سرعة ضبط الأوضاع ومحاربة انتشار الوباء في بلدها. ولا يُنسى أن قدراتها الهائلة غير المتوفرة للكثير من الدول أسهمت في الأمر، يضاف إلى ذلك سهولة تنفيذ الأوامر والتحكّم في السكان. في هذه الحالة، يصبح الانضباط شبه العسكري، والتنفيذ بصمت وخضوع، اللذان يميزان النظام الشمولي “فضيلةً”، مع أنها تأخرت في الإبلاغ عن المرض المعدي وخطره. وثمة فرضية تروج، من دون إثبات ويدافع عنها باحث فرنسي حائز على جائزة نوبل، مفادها أنه قد يكون أصل الفيروس في مختبر  في مركز أبحاث  في الفيروسات في مدينة ووهان نفسها، وربما تسرب من هناك. ووجود مختبر يعمل في أبحاث الفيروسات ليس هو المفارقة الوحيدة التي استدعت الفرضية التي لم تُثبت بعدُ.

منذ تسعينيات القرن الماضي، تثير القفزة الاقتصادية الهائلة والنمو المتسارع في الصين، بما في ذلك إنقاذ الملايين من ذوي الفاقة الذين يراوحون بين الإملاق والجوع ويسيرون على  حافات المجاعات الموسمية، إعجاب الكثيرين، ولا سيما في الدول النامية. لقد انتقلت الصين من دول عالم ثالث إلى مصافّ الدول العظمى، ذات الاقتصاد الأكبر في العالم. ولكن يُحيِّرك استمرار بعضهم في الحديث عن نظام عالمي جديد بقيادة الصين، خصوصًا حين يُضفون مسحة إنسانية على مثل هذا النظام الدولي الجديد المتخيّل! من أي بياناتٍ ومعطياتٍ استنبط هؤلاء إنسانية الصين في العلاقات الدولية؟ والحديث عن دولة، تسود فيها رأسمالية متوحشة لا تأخذ في الاعتبار حقوقَ إنسان ولا بيئة، هي أقرب إلى رأسمالية القرن التاسع عشر. ولا تدّعي هي ذاتها أنها تمثل قيمًا إنسانية، ولا حتى أيديولوجيًّا. كما أنها مهتمة بالهيمنة الاقتصادية وغير معنية بدفع تكاليف القيادة السياسية العالمية.

إنها تجمع بين نظام شمولي ونزعة قومية مغلقة. وتتعاون مع روسيا – بوتين في تصنيع فكرة وتصديرها مفادها أنّ الديمقراطية مثل حقوق الإنسان فكرة غربيّة (مستوردة) لا تناسب الحضارات الأخرى. وفوق هذا وذاك، فإن أي نظام دولي مقبل سيكون متعدد الأقطاب، وموضوع إنسانيته سيكون كما هو الحال دائمًا موضوع خلاف وحوار وصراع ونضال وتضحيات.

ثمة نزعتان متداخلتان في الحوارات السائدة؛ نقد الصين (والإعجاب بها) التي تستّرت على الوباء بدايةً وقمعت من تحدث عنه (وفي الوقت ذاته لم تتفوّق في مكافحته على دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة)، ونقد النيوليبرالية القائم ضمنيًّا في حديث الناس في كل مكان لأن الأمر متعلق بصحتهم. فمخاطر الأوبئة لا تواجه إلا بسياسات صحيةٍ عموميةٍ واستثماراتٍ تضع صحة الإنسان فوق قوانين السوق والعرض والطلب (ويفترض أن ترفع تعليمه وشيخوخته فوقها كذلك). وهذا على كل حالٍ يتطلب درجةً عالية من النمو الاقتصادي، وناتجًا قوميًا يسمح بالصرف على قطاعات التنمية البشرية. ثمّة نمو من دون عدالة اجتماعية، بل قد يؤدّي النمو في ظل سياسات نيولبرالية إلى زيادة الفجوة الطبقية، ولكن لا يمكن تحقيق عدالة اجتماعية توزيعية ترافقها في الوقت ذاته مقدرةٌ على الاستثمار في التعليم والصحة من دون نمو إلى مستوى مرتفع لمعدل دخل الفرد؛ أي الناتج القومي مقسومًا على عدد السكان.

لقد فضح الوباء سياسات النيوليبرالية المعادية لدولة الرفاه الاجتماعي في الدول المتطورة، هذه السياسات التي أنجبت الشعبوية اليمينية أيضًا؛ كما فضحها خسارة الملايين لوظائفهم ومصادر عيشهم حالما انصاعوا لأمر الحفاظ على صحتهم ولازموا بيوتهم.

تأخّرت الدول الديمقراطية في أخذ الوباء بالجدّية اللازمة، وهذا يُحسب عليها. ولكن ترددها في فرض منع التجوال والتحكم في حياة المواطنين، واستخدام المناشدة في البداية بدلًا من الأوامر وغيرها من المعوقات، هي من مزايا “نوعية الحياة” الأفضل في المجتمعات في غير ظروف الطوارئ. ولا تُقيَّم الأنظمة السياسية بموجب نجاعتها التنظيمية في حالات الطوارئ، خلافًا للبشر؛ ومن بينهم القادة الذين غالبًا ما يظهر جوهرهم في حالات الطوارئ. ولكنه، على كل حال، درسٌ كبير لها أن تكون مستعدّة لمثل هذه الحالات. ولا شكّ في أن السياسات النيوليبرالية التي تعارض أي دور للدولة في مجالات الرفاه قد أثَّرت في صرف الدولة إلى قطاعات مثل الصحة والأبحاث في المجالات الصحية.

وقدّمت  دول أوروبا الشمالية بما في ذلك ألمانيا نماذج مختلفة، وكذلك فرنسا، ففي هذه الدول ما زال القطاع الصحي العمومي قويًا. وينسى كثيرون، في خضم المقارنات، أن ارتفاع نسب الوفيات في شمالي إيطاليا لا يعود إلى التأخر في اتخاذ الإجراءات وعدم الاستعداد الكافي فقط، بل إلى ارتفاع معدّل الأعمار فيها وإلى ارتفاع نسبة المسنّين الأكثر تعرّضًا لمضاعفات الوباء أيضًا، فنسبتهم مرتفعة في المناطق المتطوّرة اقتصاديًّا وصحيًّا.

النظام الرأسمالي قائم في روسيا والصين، مثلما هو قائم في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن الحرية السياسية والفكرية التي تتيح حرية التعبير والإبداع قائمة في الدول الديمقراطية، وكذلك الشفافية في إعلان المعطيات عن انتشار المرض، والمساءلة عن مصداقيتها، وفحص هذه المصداقية. ولا شكّ في أنّ دافعي الضرائب في الدول الديمقراطية لن يكونوا متسامحين مع حكوماتٍ افتقرت بياناتها إلى المصداقية. يتاح التعبير عن ذلك في الدول الديمقراطية، وليس في دولٍ مثل الصين وروسيا وإيران وسورية.

تشجّع خطوات أي دولة وإجراءاتها في مواجهة الوباء خطوات دولٍ أخرى، فلن يخترع أحد العجلة في الوقاية في غياب لقاح وعلاج. أصبحت هناك مدارس دولية في التعامل مع انتشار العدوى. يحيّرك أن وسائل الإعلام تميل إلى المقابلة بين تطرّفين: الصين وإيطاليا، مثلما تقسم الدنيا عادة في السياسة والرياضة. ويحيرك إعجاب بعضهم بالصين التي تستّرت على المرض فترة طويلة، وأسهمت بتسترها في انتشاره، وأن نموذج كوريا الجنوبية الأنجح لا يثير اهتمام أحد سوى منظمة الصحة العالمية. ويتناسى الجميع أن التكلفة الاقتصادية التي دفعتها الصين مقابل إغلاق إقليمٍ عدد سكانه 60 مليون نسمة، واستمرار بقية البلاد في العمل والإنتاج (وهو النموذج الذي اتبعته إيطاليا في البداية، حين أغلقت الشمال قبل إغلاق البلد بأكمله) لا تقارن بثمن إغلاق جميع المرافق في دول أخرى.

ليس أمام الدول التي لا تتوفر لديها قدرات الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ولا قدرات الصين وكوريا وسنغافورة، سوى أن تعمل ما في وسعها في الوقاية بالحجْر وغيره، وأن تعتمد على توعية المواطنين وتضامنهم، في انتظار أن يكتشف غيرُها اللقاح. فهل تفعل ما في وسعها فعلًا؟

8) – ترامب

تظهر طيبة بعض الناس وطبيعتهم الخيّرة في زمن المخاطر والأزمات، ويقمع الخوف طيبة البعض الآخر، للأسف، مثلما يظهره عند غيرهم. ولكن ثمّة أفراد لا يُظهرون أي جانب خير في الأزمات، لأنه ليس لديهم مثل هذا الجانب أصلًا. ومنهم الرئيس الأميركي في زمن كورونا، فقد تجاهل الوباء بدايةً واستخفّ به، وسخر منه في مسلك رجولاني (ماتشوي)، ثم أصيب بالرعب من فقدان الأصوات، فقام بخطواتٍ؛ مثل استغلال الخوف من الوباء لتحويله إلى كراهيةٍ ضد الأجانب (الصين)، والدخول في منافسة صبيانية مع الأوروبيين: “من أسرع؟” و”من أفضل؟”. حالته لا علاج لها حتى بعد إيجاد علاجٍ لكورونا.

الصين مصدر الوباء، وهذا لا يبرّر التسمية العنصرية الترامبية المتمثلة بـ “الفيروس الصيني”،فهو بيولوجي وليس صينيًّا؛ مثلما يكون من الخطأ الاستمرار في تسمية إنفلونزا بداية القرن الماضي بالإنفلونزا الإسبانية التي لم يكن مصدرها إسبانيا أصلًا. ولكن تَستُّر الصين على الوباء مدة طويلة أسهم في انتشاره خارج الصين أيضًا. كما أنها لم تكتفِ بذلك، بل عاقبت الطبيب الذي حذَّر مِنه ومِن تفشّيه.

أنت تجلس في بيتك في أميركا، أو في منطقة أخرى من العالم، يشغلك الوباء وألف قضية أثارها بشأن مسار حياتك. ولكنك تجد متسعًا لتكون حانقًا على شخصٍ مثل ترامب، أصبح بقدرة قادر رئيس دولة، وجاء الوباء وهو يشغل هذا المنصب، ولكن  كل كلمةٍ يقولها، أو فعلٍ يقوم به، يبينان أنه يعتبر شخصَه الموضوع الوحيد، وبعده بمسافة طويلة جدًّا تأتي أرقام البورصة موضوعه المحبب الذي لا يفقه فيه شيئًا أيضًا.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز، في 4 نيسان/ أبريل 2020، أنه منذ توقفت الصين عن التستر وإبلاغها منظمة الصحة العالمية عن وجود الوباء/ العدوى فيها، في بداية كانون الثاني/ يناير حتى شروع الولايات المتحدة في إجراءاتٍ (منها وقف الرحلات من الصين)، دخل مطاراتها 430 ألف مسافر من ذلك البلد (منهم 40 ألفًا بعد التقييدات)[14]. هذه مسؤولية ترامب، وليست مسؤولية الصين. وسبق أن نُشِر أنّ ترامب أوقف مشروعًا بحثيًّا مشتركًا مع الصين في مجال الفيروسات والأوبئة، مقرّه ووهان نفسها، وهو المختبر الذي تشكّ إدارته حاليًّا في أنه مصدر الفيروس. مفارقات عجيبة تلاحق الرئيس العجيب.

ترامب يتحدث في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض عن كورونا (19/4/2020/Getty)

نجمت حالة الإنكار التي عاشها ترامب عن خشيته من معرفة الجمهور الحقيقة عن الوباء، وأثر الإجراءات الواجب اتخاذها في الاقتصاد والأجواء العامة “المتفائلة” في عام انتخابات. وفي أثناء كتابة هذه السطور، كان ترامب قد عاد إلى فزعه من توقف الاقتصاد ودعوته إلى العودة إلى “فتحه” من جديد، بصيغه تحريض ودعوة إلى العصيان ضد حكام الولايات الديمقراطيين الذين يخالفونه الرأي، واصفا من تظاهروا بأسلحتهم في هذه الولايات بأنهم أناس “عقلانيون” . 

أكثرت هوليوود من إنتاج أفلام الكوارث. ويظهر في بعضها حكّام ولايات ورؤساء بلديات أخفوا وجود خطر محدق أو مؤشّرات عن وقوع كارثة، على الرغم من تحذيرات خبراء. ولكيلا يتسببوا في الهلع أو يعرقلوا مشاريع اقتصادية، تسببوا في مضاعفة الكارثة. ربما شاهدها ترامب، ولكنه لا يذكر منها إلا أنّ خبراء وسيمين وقعوا في حب خبيراتٍ فاتنات، وأنهم أنقذوا البشرية معًا في الدقيقة الأخيرة.

ويوم 15 نيسان/ أبريل نشرت صحيفة واشنطن بوست أن اسم ترامب سوف يظهر على شيكات الخزانة الأميركية التي سوف ترسل إلى 70 مليون مواطن، تعويضًا عن الأضرار التي سببها لهم الوباء كأنها مكرماتٍ ملكية، وكأنه يدفعها من جيبه. يحدث هذا لأول مرة في التاريخ الأميركي.

سيئات ترامب لا عدَّ لها ولا حصرَ، ولكنه لم يخترع استخدام علاج الملاريا في معالجة المصابين بفيروس كورونا. والعلاج حقق بعض النتائج في بلدانٍ كثيرة (علاجا مساعدا، لا وقاية) قبل أن يسمع عنه. وأن ترامب يروّجه لا يعني أنّ على المعارضين للرئيس الأميركي مناهضة العلاج التجريبي المساعد بهذه الحدّة. ثمّة نبرة وصائية عند بعض الليبراليين، وهذه النبرة هي التي أمضت أسلحة الشعبوية ضدهم.

أذكر هنا أنّ أطباء سودانيين كانوا أول من قالوا إن العلاج ضد الملاريا يمكن أن يسهم في مواجهة كورونا إلى أن يتم صنع لقاح. سخر بعضُ من سمعهم، ولم يهتم آخرون. ولكن حين صرّح بذلك أطباء فرنسيون وتبعهم ترامب غدَا الموضوع جدّيًا، أما السودانيون فقد أُهملوا، ربما لأنهم سودانيون وأفارقة. ولا يرى طبيبان فرنسيان في أفريقيا سوى قارّة تصلح لاختبارات اللقاح المضاد على سكانها.

9) – عن “عودة الدولة”

يُحيِّرك من اكتشف فجأة أهمية الدولة وأنها عادت، أو صعدت. وهل اختفت الدولة، أو غادرت، أو نزلت قبل الوباء؟ من زعم إنّ العولمة انتصرت على الدولة، باعتبارها في مصطلحاته ومفاهيمه نقيضها أو خصمها، صدّق نفسه، فتفاجأ الآن، مع أنه كان في وسعه أن يلاحظ ما بيّنته التطورات خلال العقدين الماضيين: فحين كانت العولمة في مجال تصدير رؤوس الأموال والعولمة الاستهلاكية والثقافية والرقمية، وفي مجال الاتصالات والتنقل، في تصاعد، كان كذلك نفوذ الدولة ومكانتها. وفي ظل العولمة ذاتها، قامت عشرات الدول الحديثة في وسط آسيا وأوروبا الشرقية والبلقان. وأخيرًا، انفصلت بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. كما ثبت أن العولمة، التي أنتجت ثقافة عالمية جديدة، أيقظت أيضًا الثقافات والهويات المحلية والقومية في الوقت ذاته. والحقيقة أن العولمة لم تُنْهِ الدول ولا القوميات، بل تخلقت في ظلها دولٌ جديدة، وتقوْمنت إثنيات.

الدولة التي تحتكر العنف الشرعي، وتشرّع القوانين، وتنفذّها، وتحكم في النزاعات بين الناس، وتصدر وثائق الهوية والأحوال الشخصية، وتقرّ الميزانيات وتجبي الضرائب … إلخ، هي نفسها الدولة التي خاضت الحروب، وأصبحت أكثر قوةً ونفوذًا بعد ذلك، وهي التي استفادت من التكنولوجيا المعولمة في تطوير قدرتها على الضبط والسيطرة على المستوى المحلي. وهي الدولة التي تتصارع القوى السياسية للسيطرة عليها وحكمها. وهي التي تشغل الناس طوال اليوم بأخبار السياسة والاقتصاد، وتحتل الحيز الرئيس، ليس فقط في وسائل الإعلام، بل أيضًا في مجالس الناس، هل أصبحت فجأة مهمةً في زمن كورونا، لأنها أغلقت الحدود وفرضت العزل المنزلي؟ عجيبٌ أمر الرومانسيين الذين يرون في هذا تغيرًا عظيمًا. لقد عرّف كارل شميت، أحد المفكرين القانونيين الألمان قبل الحرب العالمية الثانية، الدولةَ تحديدًا بقدرتها على فرض نظام الطوارئ. وقد اعتبرتُ (في كتابي الأخير حول الشعبوية) تعريفه مجرّدًا، لأنه يقوم على الاستثناء لا على القاعدة، وكان هذا هو سبب إعجاب النازيين به. وفي رأيي، يجب أن يكون تعريف الدولة قائمًا على القاعدة؛ أي على وظائفها في الأزمنة العادية، ومنها إلى حالة الاستثناء، وليس العكس. وربما سوف نشهد خطابًا ونقاشاتٍ سياسيةً في المراحل التالية لانقشاع الأزمة، حول إعادة ترتيب وظائف الدولة، مستوحاة من الظروف التي خلقتها أزمة الوباء وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.

يتطلع الناس إلى الدولة في زمن الكوارث؛ لأنها المجتمع المنظّم ذاته في صيغته السيادية، ولأنها المؤسسة الشرعية التي يمكن أن تعلن منع التجول وتوزع المؤن، وتخصص الميزانيات وتستنفر الجيش، وتستدعي الاحتياط، وتُصدر الأوامر، وتعلن حالة الطوارئ. ولهذا السبب، ولأسبابٍ أخرى كثيرة أيضًا، يرغب الناس في تحديد سلطات الدولة في غير حالات الطوارئ، ومنع تعسّفها حتى في هذه الحالات. وليس هذا الأمر بجديد.

لا يدلّ إغلاق الحدود في حد ذاته على شوفينيةٍ جديدة، أو على صعود قوة الدولة، فالدول غير الجاهزة لمواجهة الوباء لا تستطيع سوى القيام بهذه الخطوات؛ إذ إن الوقاية السالبة بالمنع والإغلاق هي سلاحها الأول. لقد أُغلقت أحياء ومدن، وأُغلقت بنايات ومنازل أيضًا. وتمثل الحدود السياسية المجال الأوسع الذي يمكن أن تغلقه الدولة لمنع انتشار العدوى. لا علاقة لهذا بقلة الإنسانية، ولا بالعنصرية. وذلك خلافًا لرفض معالجة مرضى داخل نطاق الدولة، لأسباب عنصرية أو غيرها.

حتى الذين سارعوا إلى نعي الدولة، وكل منظّري الـ “ما بعد”، على أنواعهم، باتوا يتحدّثون عن عودة الدولة في ظل الوباء. في الأزمات، يتطلّع الناس إلى الدولة. إنها المرجع في زمن الكوارث، حتى الطبيعية منها، والإطار الوحيد المنظم القادر على اتخاذ خطواتٍ شاملةٍ وملزمة. وتصبح حدود الدولة هي مرجع التصنيف إلى “نحن” و”الآخرين”. أول ما يهمك هو أرقام المصابين والمحجورين والمعالجين في الدولة، وعدد الفحوص التي أُجريت، وعدد المتعافين، وعدد الأسرّة وأجهزة التنفس في مستشفيات الدولة التي تعيش فيها. وهي كذلك عنوان اللوم والنقد.

الجميع يتوقع الفعل من الدولة. وهي التي تُلام على الفعل، وعلى عدم الفعل، إلى حدِّ أنه يصبح من الصعب أن تعرف كيف تُميِّز الخطوات المتخذة ضد المرض؛ أهي مدروسة فعلًا؟ أم ناجمة عن عجزٍ؟ أم استجابة لضغوط الرأي العام؟ كما أن الوباء العالمي يُبيِّن نسبية الحدود، وتواضع إمكانات الدولة. ولذلك، أنت لا تتوقف هنا، أنت تتابع ما يجري في العالم بأجمعه. ولأول مرة تهتم بمتابعة يومية لتقارير منظمة دولية ومؤتمراتها الصحفية.

سوف تضطر الدول إلى التفكير بجدّية في طول مدة الإغلاقات على أنواعها؛ إذ ستظهر تداعيات تعطيل مرافق، تبدو لأول وهلة غير حيوية، على العمل والإنتاج في المرافق الحيوية التي ما زالت عاملة، ومن المرجّح أن يحصل تشويش في إسناد المرافق الحيوية، ومنها الصحية، وتزويدها بما تحتاج إليه من غذاء ومعدّات ودواء وغيرها. ولا أتحدّث عن الآثار على الاقتصاد الكلّي، فهذه قصة أخرى، بل عن الأثر الفوري المباشر في حياة الناس التي تهدف الإجراءات إلى حمايتها.

10) – المؤامرة، الشائعة، العنصرية

تبدأ مشكلة “نظرية المؤامرة” في التسمية، فهي ليست نظريةً، بل تفكير خرافي يفسّر كل ظاهرة بقصة أو حكاية؛ مثل الأساطير تمامًا. ثمّة مؤامراتٌ في السياسة وغير السياسة، في الحرب كما في السلم. وسوف تظل توجد مؤامرات طالما يقوم فاعلون في السياسة والاقتصاد بالتخطيط سرًّا لفعلٍ لا يتوقعه الطرف الآخر من أجل التفوق عليه، أو تسجيل نقاط ضده، وتحصيل نتيجة يستفيدون منها ويتضرّر منها ذلك الطرف. أما ما تسمى “نظرية المؤامرة” فهي تفسير كل ظاهرة يعجز صاحب “النظرية” عن تفسيرها (أو ينتابه كسلٌ مزمن يمنعه من بذل الجهد اللازم)، حتى لو كانت ظاهرةً اجتماعيةً أو طبيعية (في حالة كورونا مثلًا)، بمؤامرة يقف خلفها دائمًا الطرف الذي يجسّد الشر في نظره. ولذلك غالبًا ما تروي حكاية المؤامرة أنّ أطرافًا متعارضة يتهم أحدها الآخر بالمسؤولية عن أمرٍ يعتبره كلاهما قبيحًا ويفيد إلصاقه بالطرف الآخر الذي يفترض أنه لا يتورّع عن هذا الفعل، فإذا ناقشت وجود المؤامرة المزعومة، يسهل اتهامك بأنك تبرّئ الطرف الشرير، وكأنك تدّعي أنه يرتدع عن فعل الشر.

المؤامرة في هذه الحالة خفيَّة، ويُكشف عنها بـ “سيناريوهات” مرجّحة، وقصص متماسكة سرديًّا فقط وليس منطقيًا، ولكن من دون إثباتات. هكذا أصبحت الثورات العربية مؤامرةً في نظر الأنظمة العربية ومثقفيها، والمتهم بالطبع هو دولٌ معادية تتغير هويتها بحسب الدولة المعرّضة للمؤامرة المزعومة. وهكذا أصبح “داعش” نتاج مؤامرة إيرانية أو سعودية أو أميركية، بحسب هوية المدّعي.

ولا تنفع الحجج في تفنيد المؤامرة، لأن كل دليلٍ تجلبه ضدها يصلح أن يكون دليلًا على وجود محاولاتٍ للتغطية على المؤامرة. عند بداية انتشار الوباء، نُسجت قصص عن مؤامرة أميركية ضد الصين، وبعد ذلك أصبحت المؤامرة أميركية ضد الصين وإيران (على لسان المرشد خامنئي نفسه، وعلى لسان مقتدى الصدر في العراق، وليس على ألسنة مجرّد إعلاميين وكُتَّاب غريبي الأطوار)، ثم بدأ الحديث عن مؤامرةٍ صينية ضد الغرب. حتى لو ثبت أن الفيروس انتقل من مختبر في الصين، وأنه مركّب أو مصنوع، فهذا لا يعني أنه نتاج مؤامرة. هناك أيضًا صحفٌ هندوسيةٌ تتهم المسلمين بنشر الفيروس، ويتعرّض مسلمون إلى هجمات في الشوارع. والغريب أن المهاجم الغاضب غالبًا ما لا يخشى أن ينقل إليه المُعتدَى عليه العدوى. وهناك مصدر رسمي بحريني يتهم إيران بشنّها هجومًا بيولوجيًّا على البحرين، وبأنّ الفيروس من صنعها وتصنيعها. ولا نهاية للمؤامرات. وأخيرا، أصرَّ كاتب أميركي في صحيفة وول ستريت جورنال[15] أن يجمع كل تفاهةٍ وسخافةٍ مكرورة قِيلت، مفادها اتهام اليهود بأنهم خَلْف “مؤامرة كورونا” للتغلب على الصين وإيران، بعد أن فشلوا في ذلك في السياسة والحرب، في مقال واحد. ليختم مقاله حامدًا الله على وجود إسرائيل لحماية اليهود من هؤلاء المعادين للسامية.

انتشرت الأكاذيب والشائعات والأفكار العجيبة حول أصول الوباء، وأخيرًا تنمّطت، فأصبحتَ تعرفُ ما يُفضَّل أن تقرأه، وما عليك أن تتجنّب حتى إلقاء نظرة عليه. ثمّة مرضى بهوس لَفْت النظر وطلب الإعجاب والاعتراف بواسطة نشر الصور المزيفة والشائعات، لا يوقفهم وباءٌ ولا حرب عالمية، وعلى نحو متناقضٍ حتى الوباء لا “يعالج” المرض الذي ابتلوا به.

اختارت قناة سي إن إن مضمونًا مناهضًا للشائعات والخرافات لفاصلٍ تبثه في هذه الأيام بين البرامج، مؤلَّف من جمل مختصرة وقاطعة، وإليكم النص مترجمًا (الأفعال بالعربية متعدّية في بعض الجمل ولكن تركناها من دون مفعول به):

في زمن اللايقين الحقائق توفر الوضوح

في زمن الهلع الحقائق توفر الراحة

في زمن التضليل الحقائق تصحّح

في زمن الانقسام الحقائق توحّد

في زمن الأزمة الحقائق هي الأهم

يلخص هذا النص القصير الموجّه ضد الشائعات والخرافات، والداعي إلى الاعتماد على الحقائق، تفاؤلَ فلسفة التنوير، منذ القرن الثامن عشر، الذي يذهب إلى أن الحقائق كفيلةٌ بتحرير الإنسان، فهي توفر الوضوح والراحة، وتصحّح السياسات الخاطئة، وتوحّد البشر. مَرَّ وقت طويل جدًّا منذ القرن الثامن عشر. وفي هذه الأثناء، أصبحنا نعرف أن هذا ليس صحيحًا بالضرورة، وأن الحقائق قد لا تكون مصدر راحة، وأنها لا توحّد الناس. ولا يكفي إدراكها لتحرير البشر. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد بديلٌ من التمسّك بالحقائق أساسًا للتفكير العقلاني، وصولًا إلى الاستنتاجات الصحيحة، أما استخدامها فمسألة أخرى لا تتعلق بالحقائق وحدها، ولا حتى بنهج التفكير العقلاني وحده. موضوعٌ طويل لن أخوض فيه. لكنّ تفاؤل سي إن إن، الذي لا أساس علميًّا له، مشروعٌ ومبرّر لأنه مقصود ومُوجَّه لمكافحة الشائعات والخرافات والشعوذة؛ أي إن المقصود به هو التأثير في الاتجاه الصحيح.

لا يقع الإعلام الرصين في منزلق البروباغندا الرخيصة، ولكن حتى الإعلام الرصين ينجرُّ خلف نِسَب المشاهدة. فمثلًا، لا أساس لوجود مقابر جماعية لدفن ضحايا وباء كورونا في جزيرة هارت قرب نيويورك. صورة صفّ التوابيت في خندق طويل، ليست جديدة. فهناك درجت سلطات المدينة على دفن مشرّدين “مجهولي الهوية” أو “بلا أهل وأقارب” معروفين. الظاهرة فظيعة في حد ذاتها. ولكن الإعلام مُصِرٌّ على أن ينشر الصور على أنها مقابر جماعية لضحايا كورونا يليها التكذيب؛ لكيلا يفوّت الإثارةَ في الصورة في زمن الوباء.

حتى الإعلام الجِدِّي يسقط في فضيحة التظاهر المُسِفّ بالموضوعية، حين ينشر خبرًا يعرف ناشره حق المعرفة أنه كاذبٌ، ويتيح التكذيب لصاحب الشأن. وأحيانًا يتضمن الأمر تحريضًا حقيقيًّا على شخصٍ ما، فيلصق بالذاكرة أكثر مما يعلق بها التكذيب. إذا كان الخبر كاذبًا من أساسه أو مُختَلقًا والمحرّر يعرف ذلك، فإنه ليس خبرًا أصلًا، ولا يجوز نشرُه حتى لو تلاه تكذيب. ونشره فعلٌ مغرضٌ. الخبر المرجّح الذي يصعب التأكّد من صحته، على الرغم من بذل الجهد، هو الذي ينشر مع تكذيب أو تشكيك غيره؛ أما الادّعاء الكاذب والمختلق فليس خبرًا، بل افتراءٌ؛ حتى لو أُتيح لصاحب الشأن التعليق للتغطية على فِرية النشر.

من الطبيعي أن يوقظ وباء فيروسيٌّ ظاهرة إنسانية أخرى تجعل منها وسائل الاتصال وباءً شديد العدوى، ألا وهو “وباء الجهل غير الصامت”، إنه الجهل الناطق، المدّعي. فلا يساوي الوباء بين من يعتمدون على تفسيراتٍ عقلانية للوباء ومواجهته ومن لم يتحرّروا من براثن الجهل والتفسيرات الغيبية للكوارث والتحدّيات التي تواجه المجتمعات عمومًا.

وتواجه دول ومجتمعات عواقب تشجيعها التفسيرات الجاهلة غير العقلانية، وإهمالها التنمية البشرية (بما في ذلك التعليم) في خططها التنموية، وذلك حين تحثّ المواطن على أن يثق بما تصدره من بيانات وأخبار، وأن يلتزم بالتعليمات، أو عند مواجهة الهلع العام، وصولًا إلى عدم التدافع والالتزام بالدور للحصول على مستلزمات التعقيم أو الحصص الغذائية، بل في حثه أيضًا على أن يثق بما تقوله من أخبار ومعطيات وإجراءات.

يجعل إهمال الأوبئة، بسبب الفقر والجهل والغيبية، التصدّي لوباء الفيروس في لحظة الأزمة أكثر تعقيدًا وذا تكلفة إنسانية أعلى. أليس غريبًا أن يتكرّر في تلك البلدان استنجاد الدولة برجال الدين وعلماء التربية والعلماء لإقناع الناس بأن الوباء قاتلٌ، وأن ما يروج من خرافات حوله غير علمي وغير ديني. حكومات هذه الدول تخوض المعركة على أكثر من جبهة، منها جبهة ما جنته من عدم الالتفات إلى الجهل واللاعقلانية.

دعا رئيس حكومة الهند ناريندرا مودي (صديق ترامب ونتنياهو) إلى إضاءة الهنود الشموع معًا في جميع أنحاء البلد في الوقت ذاته، في الساعة التاسعة من مساء يوم الأحد 5 نيسان/ أبريل، لتبديد ظلام وباء كورونا كما قال. ولا أدري، ربما تجاوبت معه طبقةٌ معيّنة. ولكن من الهند نفسها، وردت مشاهد مصوّرة لقاطني أحياء فقر يطردون بالعصي والحجارة طواقم طبية جاءت لإجراء فحوصٍ أو للإرشاد. قيل إنهم يعتقدون أن الطواقم الطبية هي التي تتسبب في الوباء. ربما يفضلون ألَّا يعرفوا، أو ربما يعرفون أنهم لن يعالجوا على أي حال، بل قد يحاصرون ويمنعون من العمل فيجوعون؛ فقط لمنع خطرهم عن الأحياء الغنية، وربما يعتقدون فعلًا أن الطواقم الطبية تريد أن تُلحق بهم ضررًا. خطر ببالي ألفُ سببٍ لهذا السلوك الغاضب. ولكن، على أي حال، أوبئة الفقر والجهل والعنصرية الطبقية المنتشرة في مثل ذلك البلد تقزّم كورونا بالتأكيد.

المشاهد من الهند التي تُعد أكبر ديمقراطية في العالم لأن عدد سكانها يتجاوز 1.3 مليار نسمة تذكّرك بأنها في الحقيقة ديمقراطية لـ “نخبة” طبقيةٍ وثقافيةٍ مؤلفة، على مختلف شرائحها، ربما من 50 مليون مواطن، وأنه في هذه الديمقراطية العجيبة ما زال بوسع الشرطي أن يركّع المواطنين جماعاتٍ في الشارع ويؤدّبهم بالعصا (استخدام إبداعي لعصا لعبة الكريكيت) مثل التعامل مع القاصرين في أزمنةٍ سابقة، أو كما كان المعلمون يؤدّبون التلامذة في مدارس حدَّثك عنها شيوخ القرية. إنها الهند التي يتطوّر فيها قطاع “الهاي تيك” على نحو مطرد، وتصدّر الأدمغة إلى الولايات المتحدة، وتطلق الأقمار الصناعية، وتتميز بصناعة الفولاذ وصناعاتٍ ثقيلة أخرى، ولديها برامج نووية مشتركة مع إسرائيل، وتطوّرت فيها الخدمات الاستعلامية للصناعات الغربية على أنواعها.

إذا اجتمع الخوف من المجهول، ولا سيما المتعلق بالموت ونسج الأساطير حوله، مع التعصّب الأهلي المحلّويّ للجماعة الصغيرة، فإنه يصل أحيانًا إلى حد العبث؛ ذلك أنّ الجماعة المحلية المهمشّة عرضة دائمًا لأن تكون الضحية التي تتقمّص دور الفاعل. الجهل والتضامن ضد المجهول يُحوّلان الخوف إلى غضبٍ ضد أي عنوانٍ عيني متاح و”معروف”. قرأت خبرًا[16] غريبًا وغير مفاجئ (وهو بذاته تزامنٌ معتاد في هذه الأصقاع) عن اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن في قرية شبرا البهو في محافظة الدقهلية في مصر؛ إذ حاول أهالي القرية منع دفن جثمان طبيبةٍ توفيت في مستشفى العزل في الإسماعيلية، بعد إصابتها بالفيروس، في قريتهم.

تذكّرك مجتمعاتٌ محليةٌ تتطيّر حتى من دفن الميت الذي توفي بالمرض، ومذيعون في وسائل إعلام غير محليةٍ يشنّون حرب شراشيح وفزّاعات عليه، بقائمةٍ من المأكولات والمشروبات الشعبية، إلى المكان والزمان والسياق الذي يمكن فيه أن يهمّش العلم والعقل إلى هذه الدرجة.

لا تتوقف بعض وسائل الإعلام المصرية عن الدجل والتدجيل والهرج والتهريج بشأن الوباء وفعله، وأصله، وعلاجه بـ “المرجلة والمراجل” الفولكلورية؛ مثل شعبوية الوصفات من المأكولات الشعبية. ثمّة ابتسامة مميزة ترتسم على وجوه المذيعين الذين يعتقدون أنّ بلادهم وحدها تمتلك مأكولات شعبية. ولكنني أشتم رائحة خبث وتواطؤ مع تقصير السياسات الصحية العامة، فالتهوين من الأمر وحلُّه بالوصفات الفولكلورية قد يريح الدولة وجهازها الصحي من جماهير غفيرة ربما تقتنع به.

في الماضي، استُحضر الشر لتحميله المسؤولية عن الوباء بصورة ساحراتٍ أو ممارسين سرًا للسحر، وجرت ملاحقة “الساحرات” المزعومات وحرقهن لتهدئة الخواطر، والزعم باجتثاث الشر. وراجت أيضا مقولات العقاب الإلهي على ممارسات المجتمعات التي حادت عن تعليمات الخالق. ومنذ العصور السحيقة، اتهم “الآخر” الغريب المختلف بحمل المرض ونشره، وفي ذلك أمثلةٌ لا تحصى.

من الهند، وردت أنباء اتهام المسلمين بنشر الوباء عمدًا، ونُشر كاريكاتير لإنسان ذي رأس على شكل فيروس كورونا (كما يتداول حاليًّا) على جسم رجل مسلم؛ كما يبدو من زيّه في المخيلة الهندية. وفي بيروت اتخذ اجتماع التخلف والعنصرية صيغة أخرى؛ إذ نشرت صحيفة الجمهورية، المعروفة بمواقفها اليمينية العنصرية ضد الفلسطينيين والسوريين (وضد الآخرين عمومًا إذا لزم الأمر) كاريكاتيرًا بمناسبة 13 نيسان/ أبريل الذي يعدّه الرسام بداية الحرب الأهلية اللبنانية، يظهر فيه شكل فيروس كورونا وفي أسفله تاريخ “13 نيسان 2020″، وصورة للفيروس نفسه تلفّه كوفية فلسطينية، وفي أسفله كتب تاريخ “13 نيسان 1975”. لقد صُوِّر الفلسطيني كفيروس. لا علاقة للعنصرية بالوباء والخوف منه بالنسبة إلى العنصري، بل هو مجرّد مناسبة للتعبير عنها؛ فنزوع العنصرية إلى تشبيه الآخر بوباء وسرطان وغيرها من الأمراض التي تسبب رعبًا جماعيًّا أمرٌ مجترّ ومكرور، ويفتقر إلى الخيال.

في الأسبوع الثاني من نيسان/ أبريل، تناقلت صحف عديدة أخبارا مفصّلة عن معاملة تمييزيه ضد الأفارقة في بعض المدن الصينية، وطردهم من شققهم وبيوتهم، وملاحقة وحجْر بناء على لون البشرة. واضطرّت السلطات الصينية إلى التعامل بجدّية مع الشكاوى، بعد أن احتجت دول أفريقية صديقة للصين رسميا على ما يجري.

11) – مشاهير

في زمن الأزمات الكبرى التي تعيشها المجتمعات، وتمسّ مباشرة حياة الأفراد ومعاشهم اليومي، يتقلص الحيز النفسي الذي ينفذ إليه من يسمّون مشاهير Celebrities. وترجمتها الرائجة بلفظ “نجوم” غير معبّرة تمامًا، لأن لفظ “نجوم” يشمل مشاهير حقّقوا شهرتهم لأسباب معروفة، وإن استخدم  تعبير النجوم غالبًا في وصف مشاهير الفنانين والرياضيين وغيرهم، وقلَّما يصبح العلماء (بمن فيهم مَن اكتشفوا المضاد الحيوي، أو من سوف يكتشفون لقاح كورونا) نجومًا أو حتى مشاهير. وإذا شمل مصطلح الـ Celebrities النجوم “لسببٍ ما” فإن هذا ليس عائدًا إلى ذلك “السبب الما”، بل لأنهم مشاهير فقط، بسببٍ أو من دون سبب. إنها الشهرة الخفيفة المتطايرة المتبخّرة عند ملامسة العقل. والترجمة الدقيقة هي “المحتفى بهم لأنهم مشاهير”، أو المحتفى بهم عن معرفةٍ أو عن خفّة وجهل. إنه الاحتفاء بالشهرة في حد ذاتها.

لكل إنسان الحق في أن يعبر عن رأيه. ولكنه حقّ مجرّدٌ لا معنى له إذا كان الممارس لهذا الحق لا يعرف عما يتكلم، أو يتكلم بلا هدف، أو أنّ دافع كلامه ليس سوى قراره استغلال هذا الحق، لأنه لا يستطيع أن يجلس بصمت. على كل حال، فإن وقوع واقعة التعبير أمرٌ لا بد منه، وغالبًا ما لا يلاحظ ضررها لأنه محدود، فالإنسان غير المشهور، “غير المحتفى به”، لا يُولَى اهتمامًا خاصا، وفي أفضل الحالات يجد من حوله من يناقشه أو يساجله أو يقرّعه. المصيبة أن بعض “المشاهير” “لأنهم مشاهير”؛ أي من دون تقديم شيءٍ ذي معنى في هذه الحياة غير الشهرة بلا معنًى (إلا بالنسبة إلى مَن يجدون في الشهرة ذاتها معنًى) يكسبون مالًا ومكانة (عابرةً غالبًا) بسبب الشهرة، ويكتسبون مع المال والشهرة ثقةً بالنفس يُحسَدون عليها، فيقولون كلامًا في السياسة والفن والطب واللقاحات، وأحيانًا ينتقلون حتى إلى الوعظ. ومع أن الكلام يكون غالبًا مفصلًا لإثارة الإعجاب بحسب ذوق المتلقين؛ أي إنه أيضًا لغرض الشهرة، فإنه، حين يكون عفويًّا، يفشل في إخفاء الضحالة والسطحية والفجاجة، وأحيانًا يكشف حتى فظاظةً سوقيةً شوارعيةً فيبدّد في نزوة كلامية جهودًا مُضنيةً بذلتها مساحيق الشهرة في إخفائها، وقد يحتمل الناس الأمر في الأيام العادية كـأنه من أقدار العيش في هذا العصر، وإنْ ضاق بعضنا ذرعا به. ولكن أيّ بنت شفة ينبسون بها في زمن الحروب والأوبئة، حين تَكفي الناسَ مصائبُها، وأيّ إيماءةٍ يأتون بها، تقابل بسأْم شديد وتسقط فورًا خارج السياق في سلة المهملات التي ألقيت فيها الكمّامات والقفازات المستعملة، فليس لدى أحدٍ أعصاب لسماع سخافاتهم. أفضل ما يفعلونه هو استغلال الإغلاق لتبرير صمتهم. إنهم موجودون. نعم، نعرف ذلك، ولا حاجة إلى إثبات وجودهم. المشكلة أنهم يعتقدون أنه إذا خرجوا من التداول في وسائل الاتصال سوف يزولون من الوجود. وربما يصعب إقناعهم بغير ذلك لأنهم محقون فيه. بعضهم خرج ليتطوع ويُصوَّر وهو يتطوع. حسنًا. هذا أفضل من الكلام على الأقل. وربما يكون  خروجه للتطوّع فعلًا تثقيفيًّا فعلًا إذا التزم الصمت.

من اللطيف أن يتمتع الفنانون، على أنواعهم، بحد أدنى من الثقافة، إضافةً إلى رخامة الصوت في الغناء وحسن الأداء في التمثيل والمهارة الفائقة في العزف، وحينئذٍ قد يفيد أن يستغل الفنان شهرته في قول شيء ذي فائدة لمجتمعه أو للمراهقين المعجبين أو غيرهم. هذا حسنٌ. لكن، للأسف، غالبًا ما لا تأتي هذه الأمور سويةً. ولا يقلل ذلك من تمتعنا بالصوت الجميل وحُسن الأداء في التمثيل أو الإخراج أو العزف.  الفنان المثقف فعلا يكون سَكوتًا متواضعًا يدرك أن ما يقدمه للناس والمجتمع هو ما يُتقنه، كما أن ثقافته تظهر في رقي فنّه. وغالبًا ما يكثر أسخفهم من الكلام واللعب خارج دوره لأنه أجهلهم، فالجاهل يتمتع بثقة بالنفس، وإذا أصبح مشهورًا، تتحوّل الثقة بالنفس إلى غرور، فلا يعود في الإمكان إيقافه، أو ثنيُه، عن الخروج علينا  شاهرًا جهله وعنصريته وآراءه المسبقة، أو مواقف تكشف عن خليط من الغباء والفظاظة الرعاعية. ومن ذلك أن ممثلة، لم أعرف اسمها من قبلُ، ولا أريد أن أذكره من بعدُ، اقترحت، أخيرا، إجراء تجارب للقاحات كورونا في بلدها (وكأن اكتشاف اللقاحات أمرٌ جارٍ في بلدها على قدمٍ وساقٍ) على السجناء في السجون السعودية، خصوصًا “الأمنيين” منهم، بدلًا من الجرذان والقرود (أين تجري التجارب على القرود؟). هل من طريقة لِلَجم وسائل الإعلام عن الاهتمام بما “يفكّر” فيه هؤلاء وما “يعتقدون” والكفّ عن التنافس مع وسائل التواصل بدلًا من ترشيد الأخيرة وعقلنتها، ولا سيما أن من يحتفي بهم الناس في مراحل الأزمات هم الذين يوصلون إليهم المواد الغذائية، والذين ما زالوا يصلحون خطوط الإنترنت إذا انقطعت، ومَن سبق أن ذكرنا ممَّن يؤدون فعلًا مباشرًا في التخفيف من الأزمة؛ كالطواقم الصحية، أو فرق التعقيم، أو المتطوّعين الذين يقومون بخدمات اجتماعية أو إنسانية أساسية.

12) – اقتصاد معلّق، اقتصاد متوقف

يدور نقاش عالمي متعدّد الآراء حول الاقتصاد وصحة الناس. إنه حوار عابر للحدود. وثمّة تداول مدني وتبادل غير مسبوق للأفكار بين السياسيين والخبراء والصحفيين ورجال الأعمال والمتضرّرين من الموظفين وأصحاب الأعمال الصغيرة، الجميع يدلي برأيه من بيته. حدث غريب وجديد. وأعتقد أن فيه عناصر إيجابية.

ثمّة عودة في الخطاب الشعبي غير مصاغة برنامجيا بعد إلى تأييد دولة الرفاه. مشكلتها أن حملتها التقليديين من قوى الاشتراكية الديمقراطية قد ضعفوا، وسبق أن تساوقوا مع النيوليبرالية. ولذلك إذا لم تعد هذه الأحزاب إلى أداء دورها التاريخي فقد تتخذ هذه العودة صيغا أخرى.

قد يطرأ أمرٌ آخر لا يتنافى إطلاقا مع دولة الرفاه، ولكنه، في هذه المرحلة، وبسبب أثر الديماغوجيا، وكأنه في صالح خطاب ترامب، واليمين الشعبوي وبعض اليسار المعادي للعولمة عمومًا، فلا شك في أن أزمة الوباء الحالي ذكّرت دولًا كثيرةً بمضارّ نقل جميع الصناعات التقليدية إلى دولٍ تتوفر فيها أيادٍ عاملة رخيصة، وتفضيل استيراد هذه السلع على صناعتها لأن الاستيراد أقل تكلفة، فاضطرارها إلى استيراد كمّامات وأجهزة تنفُّس وغيرها بيّن لها ضرورة الاحتفاظ بصناعاتٍ تقليدية استراتيجية في الوطن ضمن حدودها، ولو بثمن وضع الحواجز الجمركية، ما قد يصبُّ الماء مؤقتًا على طواحين من أمثال ترامب معادين للتجارة العالمية.

والحقيقة أن ثمّة سببٌ آخر لمثل هذه الخطوة، يتمثل في إحداث توازنٍ اقتصادي بين الصناعات التقليدية والـ “هاي تيك” في الدول الرأسمالية المتطوّرة، وهو أن اقتصاد الـ “هاي تيك”، كما تثبت الأرقام، يزيد من تركيز الثروة ومن توسيع الفجوة الطبقية. أما السبب الثالث فيُبيِّن فائدة ذلك على المدى البعيد. الأمر يتعلق بانتشار الشعبوية القومية في أوساط العمال، ولا سيما أن تصدير الصناعات يضغط على الأجور في الصناعات القائمة، إضافةً إلى المسِّ بالكبرياء القومي بالإجهاز على صناعات وطنية. هذه أمورٌ قد تتغير بعد الأزمة. وتدرك دول شرق آسيا ذلك، وتظهر تعاونًا فائقًا في تصدير السلع الخفيفة، مثل الأقنعة والمعدّات والأجهزة الطبية في زمن الأزمة؛ لكيلا يبدو الاضطرار إلى الاستيراد عبئًا على المستهلك، ولتعزيز العولمة التي يقوم اقتصادها عليها.

يؤكّد الجميع على أولوية الحفاظ على صحة الناس، بعد أن أصبح منهج “مناعة القطيع” في التعاطي مع الوباء يُعَد داروينية اجتماعية، مع أنه مجرّد تعامل سالب مع الأوبئة متوارث من الماضي السحيق. لقد فضَّل ترامب وجونسون وأمثالهما عدم المسّ بالنمو الاقتصادي منذ البداية، ولكنهم صمتوا بضغط من الرأي العام والخبراء والمعارضة السياسية. ومع ذلك، لم يعُدْ ممكنًا تجاهل مسألة الاقتصاد. ماذا يمكن أن يحصل إذا استمرت الإغلاقات أكثر مما ينبغي؟ ما لدينا الآن ليس أزمة اقتصادية، بل هو “اقتصاد معلَّق”، أو “اقتصاد متوقف”، يصحّ أن نسميه مع بعض الإبداع Economy on hold (لا أعتقد أن التسمية مستخدمة). ولكن هذه تصح حالة مؤقتة فقط، وإذا لم تعالج هذه الحالة بسرعة من خلال مشاوراتٍ عالمية، وليس بخطواتٍ منفردة، فمن الممكن أن تتحوّل إلى كساد اقتصادي Depression ذي تداعيات اجتماعية وسياسية مدمرة لن أطيل في شرحها.

ولا يمكن العودة حتى إلى فتح تدريجي لقطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة من دون التمهيد لذلك من خلال: 1. توفير جميع أدوات الوقاية للجميع، وقوننة مسألة الوقاية والتشديد في مراقبة تنفيذها. 2. تكثيف الفحوص على نحو منهجي، لاكتشاف أكبر عدد ممكن من المصابين وتقصّي شبكة علاقاتهم، وتقصي حالات الأمراض الخطيرة الأخرى، لتحديد من لا يجوز أن يعود إلى الحياة العادية. لا أفهم كيف تريد بعض الدول العودة إلى حياة عادية من دون هاتين الخطوتين.

المشكلة في الدول الفقيرة، أو المسمّاة النامية، أنها لا تستطيع القيام بأي من الخطوتين من دون دعم دولي، كما أنها لا تستطيع توفير المال واستثماره في تمويل القطاع الخاص ودعم العاطلين عن العمل والفاقدين وظائفهم لجَسر المرحلة. وفي الوقت ذاته، لا يمكنها تحمُّل تدفق أعداد كبيرة من المرضى إلى المستشفيات، في حالة السماح بالعودة إلى حياة عادية.

سوف يصبح الحجْر والعزل المنزلي أكثر انتقائيةً في بعض الدول بالتدريج، فيقتصران على فئاتٍ تشمل الأكثر عرضةً لمضاعفات الوباء، وأولئك الذين ثبتت مخالطتهم مصابين، وذلك لأسبابٍ اقتصادية ومعيشية. ولكن، مرة أخرى، يتطلب هذ الأمر تكثيف الفحوص والالتزام بالحجر المنزلي.

يحلّ التوصل إلى لقاح وعلاج الجزء الأكبر من المشكلة (مع أن أثر أي منهما لن يكون مطلقًا)، ولكن إنتاج اللقاح والعلاج وتوزيعهما على نحو عادل، وبأسعار منخفضة، أمرٌ يحتاج إلى تعاون دولي منذ الآن. وفي رأيي، لا تحمي أي لقاحاتٍ لفيروسات كورونا سيتم التوصل إليها من المرض على نحو  مطلق، ويجب أن يستمر البحث عن علاج؛ إن لم يكن للقضاء على الفيروس في الجسم، فعلى الأقل لمنع إضراره بأعضاء الجسم الحيوية.

يلاحظ تقدُّمٌ في تجربة الأدوية العلاجية لأمراضٍ أخرى على المصابين بفيروس كورونا، وذلك باستخدام العلم في دراسة جهاز المناعة وفي مقارنة الفيروسات، وبالتجربة والخطأ، ولا نعرف الكثير عن نتائج استخدام بلازما المتعافين. وهذا كله مهمٌّ إلى حين إيجاد اللقاح. لكن ما زال المركّب الأول في مكافحة المرض هو الوقاية والحجْر، والتقدّم في إجراء الفحوص لأعداد أكبر من الناس.

عسى أن تعبُر البشرية هذه المحنة بسلام وبأقل خسائر ممكنة، وأن نتعلم منها بعض الأمور. وقد أتيحت لبعضنا فرصة العمل من البيت والاهتمام بالعائلة، والقراءة أكثر والتأمّل وغيره. وتعلّم بعضنا تقدير مَن يعملون على تخفيف معاناة الآخرين. وتعلّم كثيرون مواجهة التحدّي بالتعاطف والتآلف والمحبة. ونأمل أن يتعلم آخرون أمورًا مثل ضرورة الاستثمار في أمور غير آنية وغير ربحية وبعيدة المدى؛ مثل تجهيز البنى التحتية لتطوير لقاحات لأوبئة قادمة سوف تظهر بالتأكيد (السؤال هو فقط متى؟)، وتجهيز المستشفيات والطواقم الطبية عددًا وعدّة لطارئ كهذا، وأيضًا لمخاطر غير مرئيّة أخرى مثل تلوث البيئة. ونأمل أن يتعلم كثيرون من هذه المحنة أنّ البشر متشابهون أكثر مما هم مختلفون، وأننا بمعانٍ كثيرة على السفينة نفسها. ولكن مَن ينتظر أن يتغير العالم والدول والبشر جذريًّا بعد كورونا، يُفضَّل أن يخفّض سقف توقعاته.

________________________________________________

* نشر المؤلف سلسلة نصوص من 14 حلقة بعنوان “خواطر في زمن كورونا ولأزمنة أخرى” على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعاد موقع عرب 48 ومواقع أخرى نشرها. وقد طلب الزملاء في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من المؤلف أن يحولها إلى مقالة طويلة Essay، أو يبني عليها مقالة كهذه، لتنشر ضمن ما ينشره المركز حول أزمة وباء كورونا، فغيّر المؤلف النصوص، وأضاف إليها، كما حوّل العنوان إلى “جبر الخواطر في زمن المخاطر”، مُلمّحًا إلى إعادة الصياغة (جبر وتجبير للخواطر السابقة، وفي الوقت ذاته مُحلًّا معنى تهدئة المخاوف)، ومحلًّا في لفظ “الخواطر” دلالة مختلفة عن دلالتها في النصوص المتقطعة.

[1] ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: 72). اختلف المفسرون والمُؤوّلون في تفسير الأمانة، ولن نخوض في ذلك، ولكنها على كل حال أمانة إلهية خشيت من حملها السماء والجبال، وقَبِلها الإنسان على نفسه، على الرغم من ظلمه وجهله.

[2] “The Global HIV/AIDS Epidemic,” HIV.gov, accessed on 17/4/2020, at: https://bit.ly/2ynH0q2; “Global Health Observatory (GHO) data,” World Health Organization, accessed on 17/4/2020, at: https://bit.ly/34Lnksv; “Fact Sheet – World Aids Day 2019,” UNAIDS, accessed on 17/4/2020, at: https://bit.ly/3bg8H2M

[3] The World Bank, GNI per capita, PPP (current international $), accessed on 4/9/2020, at: http://bit.ly/2LXKLn6 

[4] The World Bank, GNI, PPP (current international $),  accessed on 4/9/2020, at: https://bit.ly/2Xk1QkE

[5] “Trends in World Military Expenditure, 2018,” Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) (April 2019), p. 2, accessed on 4/9/2020, at: https://bit.ly/2xWuKwx

[6] Ibid.

[7] The World Bank, High-technology exports (% of manufactured exports), accessed on 4/9/2020, at: https://bit.ly/3aTUwAg

[8] “Current health expenditure (% of GDP),” Human Development Reports (HDR), United Nations Development Programme (UNDP), accessed on 4/9/2020, at: https://bit.ly/2XqlXO3

[9] يقيس هذا المؤشر مدى ملائمة وقوة القطاع الصحي لمعالجة المرضى وحماية العاملين في القطاع الصحي، ويشمل ذلك: الطاقة الاستيعابية في العيادات والمستشفيات والمراكز الصحية، والإجراءات الطبية والتدابير اللازمة لمواجهة المخاطر والقدرة في تشغيل الموارد البشرية اللازمة لذلك، ومدى القدرة للوصول إلى الرعاية الصحية، والقدرة على التواصل مع العاملين في المجال الصحي أثناء حالة الطوارئ، والإجراءات المتبعة للسيطرة على مكافحة العدوى وتوافر المعدات اللازمة لذلك، والقدرة على اختبار الإجراءات الطبية الجديدة والموافقة عليها لمواجهة المخاطر الجديدة، يُنظر:

“2019 Global Health Security Index,” Global Health Security Index, accessed on 4/9/2020, at: https://www.ghsindex.org/

[10] United Nations Development Programme (UNDP), Human Development Reports (HDR), Education Index, accessed on 4/9/2020, at: http://bit.ly/2Q72WtM

[11] United Nations Development Programme (UNDP), Human Development Index (HDI), accessed on 4/9/2020, at: http://bit.ly/2phJxdz

[12] “Defence Data 2017-2018: Key Findings and Analysis,” European Defence Agency, p. 2, accessed on 4/9/2020, at: https://bit.ly/2UUJPHZ

[13] Ibid.

[14] Steve Eder et al., “430,000 People Have Traveled from China to U.S. Since Coronavirus Surfaced,” The New York Times, 4/4/2020, accessed on 18/4/2020, at: https://nyti.ms/2xILnMv

[15] Walter Russell Mead, “Amid the Pandemic, Anti-Semitism Flares Up,” The Wall Street Journal, 15/4/2020, accessed on 18/4/2020, at: https://on.wsj.com/2KdyAnJ

[16] “أهالي قريتين مصريتين يرفضون دفن جثمان طبيبة توفيت بفيروس كورونا والإفتاء تردّ”، العربي الجديد، 11/4/2020، شوهد في 18/4/2020: https://bit.ly/2RQ6KCj

العربي الجديد

——————————–

كورونا والاستثناء الألماني/ مروان قبلان

مهما حاول المرء أن يتجنّب الحديث في موضوع الاستثناءات، إلا أنه لن يستطع ان ينفي وجودها مهما فعل، خصوصا إذا صادفك النموذج الألماني، الذي قدّم، في مواجهة تفشّي وباء كورونا، مثالا آخر على قدراته الاستثنائية في إدارة الأزمات بكفاءة، غبطته عليها أكثر الدول تقدّما. ومع أنها جاءت متأخرة بين المحطات الأوروبية التي حل بها الوباء، كانت ألمانيا من أوائل الدول التي تعلن السيطرة عليه، وبأقل عدد وفيات مقارنة بغيرها. إذ لم تتجاوز نسبة الوفيات 3% بين المصابين، مقارنة بـ 13% في كل من بريطانيا وإيطاليا، و12% في فرنسا و10% في إسبانيا، ونحو 6% في الولايات المتحدة.

هناك أسباب عديدة مكّنت ألمانيا من التفوق في التعامل مع الجائحة، أهمها الاستعداد المبكّر لمواجهتها، فيما كان الآخرون يضعون رؤوسهم في الرمال أملا في تجنّبها، واهتمامها كذلك ببناء نظام صحي متطور مقارنة بجاراتها الأوروبيات. وفي الوقت الذي تقلصت فيه ميزانيات القطاع الصحي في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا خلال العقدين الماضيين، ظلت ألمانيا تخصص أكثر من 10% من ناتجها الإجمالي القومي للقطاع الصحي (نحو 400 مليار يورو) في مقابل 1,4% فقط على الدفاع والتسليح. وبمقارنة بسيطة في عدد وحدات العناية المركّزة (السلاح الأهم في محاربة كورونا) يتضح حجم الفجوة التي تفصل ألمانيا عن نظيراتها الأوروبيات، إذ تملك ألمانيا 29,2 وحدة لكل مائة ألف من السكان مقارنة ببريطانيا (6,6) وفرنسا (9,7) وإيطاليا (12,5). وعلى مستوى أسرّة المستشفيات تملك ألمانيا ثمانية أسرّة لكل ألف من السكان، في حين تملك بريطانيا 2,3 وإيطاليا وإسبانيا 2,9 وفرنسا ستة أسرّة لكل ألف من السكان.

ليس أن ألمانيا تملك أفضل قطاع صحي في أوروبا فحسب، بل كانت إدارتها الأزمة ملفتة أيضا، فالتناغم بين الحكومة الاتحادية التي تقودها المستشارة أنجيلا ميركل وحكام الولايات بدا في أفضل حالاته. ومقارنةً بالصراع والانقسام والاستقطاب وغلبة المصالح الحزبية في الولايات المتحدة مثلا، لم نسمع في ألمانيا تجاذباتٍ أو خلافات كالتي ميّزت علاقة الرئيس ترامب والحكومة الفيدرالية بحكام الولايات، بل ارتصف الجميع وراء ميركل لمواجهة الأزمة. وانعكس الانضباط الحكومي على المستوى الشعبي أيضا، حيث التزم الناس طواعية بإجراءات السلامة من التباعد الاجتماعي إلى الإغلاق إلى الالتزام بالمنازل، ما يعكس ثقة مطلقة بقدرة الحكومة على إدارة الأزمة وتحقيق الصالح العام. وقد أدى ذلك إلى انخفاض معدّلات العدوى إلى نحو 0.7 لكل شخص في مقابل 3-4 أشخاص في بقية الدول الأوروبية.

فوق ذلك، كانت ألمانيا من الدول القلائل في العالم الرأسمالي التي حققت توازنا بين الحاجة إلى المنافسة وتوطين الصناعة. قلة هي الشركات الألمانية التي هاجرت إلى الصين وغيرها من دول العالم الثالث في العقود الثلاثة الماضية، بحثا عن اليد العاملة الرخيصة لتقليص التكاليف والاستمرار في المنافسة. عندما حلّت الأزمة، كانت ألمانيا وحدها من بين دول الغرب الصناعي القادرة على تصنيع كل المستلزمات الضرورية لمواجهة الوباء من أجهزة التنفس الصناعي إلى الكمّامات وغيرها، وبالتالي لم تجد نفسها رهينة للخارج كما الآخرين.

لهذه الأسباب، تمكّنت ألمانيا من السيطرة على تفشّي الوباء، وتتجه الآن إلى استعادة نشاطها الاقتصادي، قبل أيٍّ من نظيراتها الأوروبيات. هذا لا ينفي طبعا أن ألمانيا سوف تواجه مثل غيرها تحدّياتٍ اقتصاديةً كبيرة مثل ارتفاع مستوى البطالة، وانكماش الناتج المحلي، وانخفاض الناتج الصناعي، فألمانيا دولة صناعية كبيرة تعتمد بشدة على التصدير، وهي تأتي فقط بعد الصين في حجم الصادرات التي بلغت عام 2019 نحو 1,6 تريليون، أي 37% من الناتج الإجمالي القومي. ولكن ألمانيا سوف تتمكّن، على الأرجح، من التغلب على هذه المعضلة أيضا، بسبب السياسات الاقتصادية – الاجتماعية لدولة الرفاه التي تملكها. في ذكرى مرور 70 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية عام 2015، عبّر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بمرارة عن حقيقة الاستثناء الألماني بقوله: “بعد سبعة عقود من هزيمتهم أمام الحلفاء وفشلهم في الهيمنة على أوروبا، ها هم المنتصرون يستجدون المهزوم لقيادتهم نحو المستقبل”.

العربي الجديد

————————————

دراسة أميركية: فشل “هيدروكسي كلوروكين” في علاج كورونا

أظهرت أكبر دراسة من نوعها، نُشرت الثلاثاء، أنّ دواء الملاريا، “هيدروكسي كلوروكين”، الذي وُصف كعلاج محتمل لفيروس كورونا، لم يُظهر أيّ فائدة توصي بتفضيله على طرق الرعاية القياسية، بل ارتبط في الواقع بتسجيل مزيد من الوفيات، إذ موّلت الحكومة الأميركية دراسة، نُشرت نتائجها على موقع طبّي قبل مراجعتها من قبل باحثين، لتحليل استجابة قُدامى العسكريين الأميركيين لدواء “هيدروكسي كلوروكين”.

التجارب التي تمّ إجراؤها محدودة، لكنها عزّزت الشكوك حول فعالية الدواء الذي يُعدّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقناة “فوكس نيوز” الإخبارية اليمينية، من بين أكبر مؤيّديه. ونظر الباحثون في السجّلات الطبّية لـ368 من العسكريين السابقين في المستشفيات، في جميع أنحاء البلاد، والذين إمّا توفّوا أو خرجوا من المستشفى بحلول 11 إبريل/نيسان.

وظهرت معدّلات الوفيات للمرضى الذين تناولوا “هيدروكسي كلوروكين” 28 في المائة، مقارنة مع 22% لمن تناولوه مع المضاد الحيوي أزيثروميسين، وهو مزيج يحبّذه العالم الفرنسي ديدييه راولت. وبلغ معدّل الوفيات لدى من تلقوا الرعاية القياسية، فقط 11%.

وتمّ وصف “هيدروكسي كلوروكين”، مع أو بدون أزيثروميسين، للمرضى الذين يعانون من أعراض كورونا شديدة، لكنّ الباحثين وجدوا أنّ زيادة الوفيات استمرّت، حتى بعد أن عدّلوا النموذج إحصائياً مع معدّلات استخدام أعلى.

من العيوب الأخرى لهذه الدراسة، أنّها لم تقم باختيار المرضى عشوائياً في مجموعات البحث، بل قامت بتحليل استعادي لما حدث بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، فإنه من الصعب تعميم نتائجها، لأنّ الأشخاص الذين تمّ إخضاعهم للبحث، كانت صفاتهم محدّدة: معظمهم من الذكور، مع متوسط عمر فوق 65 عاماً، وهي مجموعة تتأثّر بشكل غير متناسب بالأمراض المزمنة، مثل مرض السكري وأمراض القلب.

ولم يشكّل وجود جهاز التنفس الإصطناعي خطراً إضافياً على المجموعة التي تناولت الـ”هيدروكسي كلوروكين”، ما دفع الباحثين إلى اقتراح أنّ زيادة معدّل الوفيات بين هذه المجموعة، تُعزى ربما إلى آثار جانبية للعلاج، غير مرتبطة بالجهاز التنّفسي. وقد خلصت أبحاث سابقة، إلى أنّ الدواء قد يكون خطراً على المرضى الذين يعانون من مشاكل في انتظام دقّات القلب، ويمكن أن يتسبّب لهم بغيبوبة أو بنوبات أو حتى سكتة قلبيّة في بعض الأحيان.

يُستخدم “هيدروكسي كلوروكين” ومركّب الكلوروكين منذ عقود لعلاج الملاريا، وكذلك اضطرابات المناعة الذاتية والتهاب المفاصل الروماتويدي. ولقي العلاجان اهتماماً كبيراً خلال جائحة كورونا، إذ بيّنت الأبحاث المخبريّة أنّهما قادران على منع الفيروس من دخول الخلايا ومنع تكاثره. لكن في عالم الأدوية، يمكن أن يفشل الباحثون في تكرار ما لاحظوه في المختبر، في الجسم الحيّ. ولا يمكن تحديد الإجابة الصحيحة إلاّ من خلال التجارب السريريّة العشوائية، وهناك الآن العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا والمملكة المتحدة.

(فرانس برس)

————————————

زمن كورونا.. تدخّل الإنسان بالتنوع الحيوي مسؤول عن الجوائح!

علماء: تدخّل الإنسان في التنوع الحيوي مسؤول عن الجوائح

تأكد المصدر الحيواني لفيروس كورونا المستجد الذي قلب حياة العالم رأسا على عقب وحصد حتى الآن أكثر من 167 ألف ضحية، إلا أن نشاط الإنسان هو الذي سهل انتقال العدوى إلى البشر فيما يحذر خبراء من أن فيروسات أخرى ستتبع المسار نفسه في حال عدم اعتماد تغييرات.

والأمراض الحيوانية المنشأ التي تنتقل إلى الإنسان ليست بجديدة ومنها السل والكلب والملاريا وداء المقوسات. ويفيد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 60% من الأمراض البشرية المعدية مصدرها الحيوانات.

وترتفع هذه النسبة إلى 75% في حالة الأمراض المعدية “الناشئة” مثل إيبولا وفيروس “إتش أي في” المسبب لمرض الإيدز وإنفلونزا الطيور وزيكا والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). ويفيد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2016 أن “بروز الأمراض الحيوانية المنشأ مرتبط في غالب الأحيان بالتغيرات البيئية الناجمة عادة من النشاط البشري من تعديل في استخدام الأراضي إلى التغير المناخي”. وتؤكد غيانيل فورتش، المديرة المساعدة لقسم علم الأوبئة البيطرية في المركز الوطني للبحث الزراعي والبيئي، وهو هيئة رسمية فرنسية، أنه “نظرا إلى نمو عدد السكان واستخدامهم المكثف لموارد الأرض، يؤدي تدمير الأنظمة البيئية بأعداد متزايدة إلى ارتفاع كبير في التماس” بين الأجناس.

ومن العوامل المسؤولة عن ذلك، قطع أشجار الغابات لأغراض الزراعة وتربية الحيوانات بشكل مكثف، التي قد تشكل بدورها “جسرا” مع الإنسان (ولا سيما من خلال تطوير مقاومة على المضادات الحيوية المستخدمة كثيرا في الزراعة الصناعية) وتوسع المدن وتشرذم المواطن الطبيعية ما يؤثر على التوازن بين الأنواع.

يضاف إلى ذلك الاحترار المناخي الذي قد يدفع بعض الحيوانات الناقلة للمرض إلى الانتشار في أماكن لم تكن تقيم فيها.

لا سابق لها

وتوضح آن لاريغودري، الأمينة العامة التنفيذية للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، وهو هيئة تابعة للامم المتحدة تعنى بالتنوّع الحيوي، أنّ “المسار الذي يدفع جرثومة مثل فيروس من الانتقال من مجموعة من الفقريات، كالوطاويط على سبيل المثال، إلى البشر معقد لكنه من فعل البشر (..) النشاطات البشرية توفر الفرصة للجراثيم للاقتراب من الإنسان”.

وتضيف “إن سرعة التغيرات الحاصلة في المواطن الطبيعية في السنوات الخمسين الأخيرة لا سابق لها في تاريخ البشر.

ويشكل التبدل في استخدامات الأراضي العامل المباشر الأهم في هذا التغيير”.

ويفيد المنبر أن الأمراض الحيوانية المنشأ تحصد نحو 700 ألف ضحية سنويا، بغض النظر عن الجائحة الحالية. وتحدد دراسة أجراها باحثون أميركيون قبل ظهور الوباء الحالي، القوارض والرئيسات والوطاويط على أنها “حاملة” لغالبية الفيروسات المنقولة إلى الإنسان (75,8%). إلا أن الحيوانات المنزلية تحمل أيضا 50% من الأمراض الحيوانية المنشأ. ومع التركيز على الحيوانات البرية المهددة، تظهر الدراسة أن تلك التي تنقل أكبر عدد من الفيروسات إلى البشر هي تحديدا “تلك التي تراجعت أعدادها بسبب الاستغلال وفقدانها لمواطنها”.

وتقول كريستين جونسون، من كلية الطب البيطري في جامعة كاليفورنيا التي أشرفت على الدراسة: “نحن نعدل استخدام الأراضي (..) الأمر الذي يزيد من الاتصالات بين البشر والحيوانات البرية ما يوفر الظروف المثالية لانتقال لفيروسات”.

 مأساة عالمية

وتحذر آن لاريغودري من أن هذا الميل لن يتراجع لأن التعديلات في استخدام الأراضي “فضلا عن الزيادة في المبادلات التجارية والسفر” ستزيد من عدد الجوائح في المستقبل.

لذا ينبغي أن يكون الرد على مستوى النٌظم المعتمدة على ما تؤكد غينايل فورتش موضحة “إلى جانب الاستجابة الضرورية لكل وباء يجب أن نفكر بالنموذج الذي نعتمده” و”لا سيما إعادة النظر في علاقتنا بالانظمة البيئية الطبيعية والخدمات التي توفرها لنا”.

وتذهب آن لاريغودري في الاتجاه نفسه وتدعو إلى “تحول كامل لحل هذه المأساة العالمية مع العمل على “تثبيت البيئة” في مجالات اقتصادية مختلفة من المال إلى الصيد مرورا بالنقل أو الطاقة.

وجاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة العائد للعام 2016 أيضا أن “الاستراتيجيات الفعالة متوافرة للسيطرة على غالبية الأمراض الحيوانية المنشأ المهملة لكن يبدو أن العائق الرئيسي هو نقص في الاستثمارات” مشددا على أن “سلامة الأنظمة البيئية تشمل الصحة والتطور البشري”.

وتحذر الخبيرة البريطانية جاين عودال (86 عاما) التي أمضت الجزء الأكبر من حياتها في دراسة الحيوانات والدفاع عنها لا سيما الشمبانزي في أفريقيا وتحديدا في تنزانيا، من أنه “كان متوقعا حصول ذلك وسيتكرر الأمر إلى حين نستخلص العبر منها”. وترى أن أسباب الجائحة واضحة وهي “انتهاكنا للطبيعة وللحيوانات التي ينبغي أن نتشارك معها كوكب الأرض”.

 طالب هندسة مصري يستخدم فن البانتومايم لتوعية الأطفال بطرق مكافحة كورونا

يخفي ممثل البانتومايم أحمد ناصر وجهه تحت طبقة من الطلاء الأبيض ونظارة ذات إطار باللون الأحمر الفاقع، ويقف بأحد شوارع القاهرة يوزع الكمامات ويوجه النصائح للأطفال العابرين أمامه. وظل طالب الهندسة المصري البالغ من العمر 22 عاما يمتع الشبان بفن البانتومايم لسنوات، لكن القيود التي أعقبت تفشي فيروس كورونا المستجد أدت إلى إيقاف عروضه الفنية. لذلك يتوجه ناصر إلى نواصي الطرق، حيث يتجمع الأطفال منذ أن تسبب الوباء في غلق مدارسهم.

قال ناصر وهو يقف في حي القلعة بالعاصمة المصرية، إن هدفه هو توعية الأطفال بخطورة فيروس كورونا. يرتدي الفنان الشاب زيه المميز حتى يلتف الناس حوله، لكن الأداء الفني يتوقف عند هذا الحد. وبدلا من الفكاهة والتهريج، يتحدث بنبرات واضحة، أمام جمهوره من الأطفال عن أهمية غسل أيديهم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، خرج ليتحدث للأطفال الذين يلعبون كرة القدم في الشوارع المحيطة بباب الفتوح، قرب أسوار القاهرة القديمة.

وقال ناصر إن هدفه يتمثل في الوصول للصغار الذين ليس لهم حسابات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ولا يتسنى لهم الحصول على المعلومات الصحيحة.

المكتبة الوطنية المغربية تضع قائمة ناشرين ومكتبات عالمية تحت تصرف الطلبة والباحثين

وضعت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية تحت تصرف عموم الطلبة والباحثين، على بوابتها الإلكترونية، قائمة “معتبرة ومميزة” من ناشرين ومكتبات وموردين في مجال البحث والمعرفة يتيحون محتوياتهم الإلكترونية، جلها أو بعضها، مجانا، وقابلة للتحميل، وذلك تحت شعار “#غي_بكليك_مكتبات_العالم_بين_يديك”.

وأوضحت المكتبة الوطنية، في بلاغ لها، أن هذه المبادرة التي أطلقتها بسبب الظروف الاستثنائية التي تفرضها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تأتي وعيا منها بأدوارها التأطيرية والتوجيهية في مجال البحث العلمي والأكاديمي.

وأضافت المكتبة الوطنية أنها تبقى رهن إشارة المستفيدين، في حال تعذر عليهم الولوج إلى محتويات القائمة، للجواب على جميع استفساراتهم على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وخدمة سؤال/جواب على البوابة الإلكترونية.

(أ.ف.ب ـ د.ب.أ )

—————————————

منظمة الصحة العالمية:مصدر كورونا خفافيش الصين وليس مختبراتها

قالت منظمة الصحة العالمية إن “جميع الأدلة المتوافرة تشير إلى أن فيروس كورونا

المستجد نشأ في خفافيش في الصين في أواخر العام الماضي ولم يتم تخليقه أو إنشاؤه في معمل”.

وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية فضيلة الشايب في إفادة صحافية في جنيف: “جميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن للفيروس أصلاًً حيوانيا وأنه ليس فيروس تم تخليقه أو إنشاؤه في معمل أو مكان آخر”.

وأوضحت أنه “من المرجح أن الفيروس من أصل حيواني”، مضيفة أنه “من غير الواضح كيف انتقل الفيروس عبر السلالات إلى البشر لكن من المؤكد أنه كان هناك مستضيف حيواني وسيط انتقل منه”.

في المقابل لم تستبعد دراسة علمية أوصى بها المستشار الطبي للبيت الأبيض أنتوني فاوتشي، أن فيروس كورونا تسرَب من مختبر، مع أنها أشارت إلى أن الفيروس المسبب للجائحة العالمية قفز من الحيوان إلى الإنسان، وفق ما أورده موقع صحيفة “واشنطن تايمز”.

وتناقش دراسة ثانية أوصى بها فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أوجه التشابه بين نوع من فيروس كورونا مصدره الخفافيش والمعروف ب”سارس-كوف-2″، ونوع من كورونا يحمله حيوان البنغول، وهو نوع من آكل النمل، وتقول إن ذلك مؤشر على أن المرض انتشر في بادئ الأمر عبر حيوان يباع في أسواق صينية.

لكن الدراسة الثانية وفق الموقع، موَلتها الحكومة الصينية بشكل جزئي وشارك في إعدادها عالمان مرتبطان بالمركز الصيني للسيطرة على الأمراض، ما يثير تساؤلات حول احتمال تأثير سلطات بكين على فحواها.

وتنفي الحكومة الصينية أن الفيروس تسرب من أحد المختبرين الواقعين في ووهان واللذين يجريان دراسات موسعة على فيروسات كورونا الناجمة عن الخفافيش. وقال مدير معهد علم الفيروسات في ووهان، يوان زيمينغ إن “من المستحيل أن يكون هذا الفيروس صادراً عنا”.

ويعتقد معظم العلماء أن فيروس كورونا الجديد انتقل على الأرجح إلى الإنسان من حيوان، وأشير بالإتهام في هذا الصدد إلى سوق في ووهان لبيع الحيوانات البرية الحية بهدف استهلاكها. لكن وجود معهد علم الفيروسات على مسافة كيلومترات قليلة من السوق يثير منذ بضعة أشهر تكهنات حول تسرب الفيروس من تلك المنشآت الحساسة.

وقالت “واشنطن تايمز” إنها تلقَت من فاوتشي رابطاً لدراستين علميتين نشرت إحداهما في دورية طب الطبيعة في 17 اذار/مارس، تشير إلى أنه “من غير المحتمل” أن يكون الفيروس تم إنتاجه أو التلاعب به في مختبر وذلك بناء على المادة الوراثية لخليته. لكن الدراسة لم تستبعد مع ذلك، احتمال تسرب الفيروس من مختبر.

وقالت إن “الأبحاث الأساسية المتعلقة بفيروسات تاجية شبيهة بسارس، في عينات تزرع في المختبرات أو في حيوانات، مستمرة منذ سنوات عديدة في مختبرات السلامة البيولوجية من المستوى الثاني حول العالم”.

وعلاوة على ذلك، تم توثيق تسربات الفيروس “سارس-كوف” الذي سبب وباء سارس في 2003، من مختبر في الصين.

وقال التقرير: “لذلك يجب إن ندرس إمكانية الإفلات المختبري غير المقصود” لسلالة الفيروس التاجي الحالية.

ويحظى المختبر التابع للمعهد الصيني بحماية مشددة وفيه سلالات أخطر الفيروسات المعروفة مثل إيبولا. وهو مختبر “بي-4” للسلامة البيولوجية من المستوى الرابع.

————————————-

تركيا:من سينجو من كورونا؟/ عائشة كربات

يشعر معظم المواطنين الأتراك الذين يعدون أنفسهم لحظر التجوال لمدة أربعة أيام هذا الأسبوع، بأن العالم والبلد لن يكونا كما كانا قبل وباء كورونا باستثناء الاستقطاب السياسي الذي تستمر الحكومة والمعارضة بتحفيزه حتى في هذه الأيام الصعبة.

تحتل تركيا المرتبة السابعة عالمياً في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا. المواطنون الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً وأقل من 20 عاماً مُنعوا من الخروج إلى الشوارع منذ أكثر من شهر. الاقتصاد الوطني، الذي كان حاله ضعيفاً بالفعل قبل الوباء، يزداد سوءاً الآن، مما يخيف المواطنين أكثر من الفيروس. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك نهاية في الأفق للمعارك الكلامية بين السياسيين بهدف كبح جهود بعضهم البعض.

تعليق البرلمان، الذي ظل مفتوحاً حتى خلال حرب الاستقلال، إلى 2 حزيران/يونيو كجزء من الجهود المبذولة لإبطاء انتشار فيروس كورونا، أدّى إلى تصاعد الاستقطاب حيث جاء الإغلاق بعد التصديق على قانون العفو المثير للجدل الذي يهدف إلى إطلاق سراح ملوك المافيا وجميع المجرمين الصغار الآخرين مع إبقاء نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين والكتاب والسياسيين خلف القضبان.

ولكن على أي حال، فإن المناقشات التي جرت في مجلس النواب من قبل نواب يرتدون أقنعة واقية لم تؤتِ ثمارها على الرغم من الحاجة الواضحة لمزيد من التدقيق والقوانين لتخفيف الأوبئة. ومع ذلك، قدم النواب مثالاً جيداً أمام المواطنين من خلال ارتداء الأقنعة لأنه لا يُسمح لهم بالتواجد في الأماكن العامة من دون قناع، على الرغم من أن الرئيس رجب طيب أردوغان حظر بيع التجزئة للأقنعة.

كجزء من جهود الاستجابة للوباء، أعلنت الحكومة مؤخراً أنه سيتم منح كل مواطن، لا يسري عليه حظر التجوال، 5 أقنعة مجاناً. كان من المفترض أولاً تسليم هذه الأقنعة المجانية إلى المنازل عن طريق خدمة البريد الوطنية. ولكن عندما فُهم أنه لن يكون من العملي القيام بذلك، قررت الحكومة توزيع الأقنعة من خلال الصيدليات. عارض الصيادلة هذا القرار على أساس أنه سيعرّض الصحة العامة للخطر عبر الأشخاص الذين يحتمل أن يتدفقوا على الصيدليات التي عادة ما تكون صغيرة جداً.

كانت المعارضة شديدة الانتقاد بشأن قضية الأقنعة، لكنها فشلت في تقدير نظام الرعاية الصحية الجيد نسبياً الذي لا يزال يحتوي على 40 في المئة من المساحة في وحدات العناية المركزة. بموجب مرسوم رئاسي، يتعين على جميع المستشفيات الخاصة والعامة تقديم خدمات علاج مجانية، بما في ذلك العناية المركزة، لأي شخص تم تشخيصه ب”COVID-19″، بغض النظر عما إذا كانوا مواطنين أو لاجئين أو مقيمين. يبدو أن المعارضة غير قادرة على فهم أن أحد الأسباب، التي أبقت حزب “العدالة والتنمية” في السلطة لسنوات، هو النظام الصحي الذي أنشأه. ربما لا يكون الكثير من الناخبين في تركيا سعداء بالحكومة لأسباب عديدة، لكنهم ما زالوا يصوتون لها فقط لخدماتها الصحية.

لكن الحكومة تبذل قصارى جهدها للحد من جهود بلديات المعارضة، وخاصة في إسطنبول، مركز تفشي الوباء في تركيا. منعت الحكومة البلديات من جمع تبرعات للمحتاجين وبدأت تحقيقات بحقهم. كما تم حظر حسابات التبرعات للبلديات، بما في ذلك تلك المستخدمة لجمع الأموال لمطبخ الحساء. اتهم أردوغان البلديات المعارضة بإقامة دولة موازية بعد أن أطلق حملته الوطنية لجمع التبرعات لمساعدة الناس الذين تضرروا بشدة من تفشي فيروس كورونا المتسجد.

وتقول الحكومة إن تركيا كانت تطبق بروتوكول علاج فريد ل”COVID-19″ على أساس استخدام عقار “هيدروكسي كلوروكين” الذي يوجد منه مخزون وافر من البلاد، من المراحل الأولى للمرض في حين أن معظم الدول الأخرى تستخدم نفس الدواء في المرحلة الثانية أو الثالثة. تدّعي الحكومة أن تركيا تستخدم “هيدروكسي كلوروكوين” ليس فقط للمرضى الذين تم تشخيصهم، ولكن في الحالات المشتبه فيها أيضاً. تقول وزارة الصحة إنه بسبب بروتوكول العلاج الفريد هذا ونظام الخدمة الصحية القوي في البلاد، فإن معدل الشفاء مرتفع ومعدل الوفيات منخفض. كما تؤكد الإحصاءات وبعض الأطباء في الميدان ذلك. يريد المواطنون تصديق ذلك أيضاً، ولكن وفقاً للمعارضة، تخفي الحكومة الأرقام الحقيقية. لا توجد وسائل إعلامية مستقلة موثوقة للبحث في الحقائق في هذا الصدد.

اقترحت الحكومة أنه إذا سار كل شيء على ما يرام وحافظ المواطنون على المسافة الاجتماعية، فمن المحتمل أن تبدأ البلاد في العودة إلى طبيعتها بعد رمضان. مع ذلك، تدّعي المعارضة أنه مع هذا النوع من الاستراتيجية، هذا غير ممكن. لذلك ليس من الواضح متى ستتدفق الحياة مجدداً، ولكن إذا كان هناك شيء واحد مؤكد، فإن معظم السياسيين -من الحكومة والمعارضة- لن يتمكنوا من النجاة من هذه الفترة على المدى الطويل.

المدن

———————-

هل يشعل لقاح كورونا سباق الاستحواذ داخل أوروبا؟

احتدام السباق بين دول أوروبا لإيجاد حل ينهي تفشي وباء كورونا حيث تعمل كل دولة على حماية مختبراتها من الاستحواذ من قبل شركات مقيمة في الاتحاد الأوروبي.

فرانكفورت- تعزز أوروبا، التي تضررت بشدة من وباء كوفيد-19، تدابيرها لمواجهة مشاريع الاستحواذ على المؤسسات الاستراتيجية التي تنوي شركات أجنبية القيام بها بحثًا عن أرباح عالية.

ويدور اختبار القوة بين الولايات المتحدة وألمانيا حول مختبر “كيور فاك” وهو من أبرز المختبرات التي تعمل في العالم على تطوير لقاح ضد كوفيد-19 والواقع في توبينغن جنوب غرب البلاد.

وكاد المختبر ينتقل الى ملكية أميركية لولا تدخل الحكومة الألمانية التي اتهمت واشنطن بالسعي لوضع اليد على مشروع لقاح ضد فايروس كورونا المستجدّ طوّره المختبر الألماني، محذرة بأنها ستبذل كل ما بوسعها حتى ينجح المشروع في أوروبا.

أنانية ترامب

وتبدي الحكومة الألمانية، التي بذلت قصارى جهدها في مارس للحد من المطامع التي تحوم حول شراء المختبر وبخاصة من قبل الولايات المتحدة، يقظة كبيرة لمراقبة الوضع.

وأكدت الشركة أن “بضعة أشهر” فقط تفصلها عن عرض مشروع لقاح للحصول على المصادقة السريرية عليه في وقت تفاقمت فيه أزمة كورونا وبلغت ذروتها في أوروبا التي أصبحت موبوءة وامتدت إلى الولايات المتحدة وغالبية دول العالم.

وتتهم بعض الأحزاب وحتى المسؤولين الألمان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأنانية في هذا الصدد ومحاولة استغلال الأزمة العالمية لتحقيق نجاحاته السياسية، حيث يصبو إلى أن يجدد الأميركيون ثقتهم فيه.

وحثت المفوضية الأوروبية مؤخراً دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على “حماية نفسها” من هذا التهديد.

كما دعا المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بروتون الثلاثاء هذه السوق الى “حماية نفسها، وبخاصة من مشاريع الاستثمار من دول غير أوروبية قد ترى في الأزمة الحالية فرصة للحصول على الجوهرة الأوروبية بسعر بخس”.

وإذ أدرجت الآلية الأوروبية، التي تم تبنيها في أبريل 2019، مراقبة أفضل لهذا النوع من الاستثمار، فإن صوغها وفقا للقانون الوطني أصبح له طابع عاجل الآن.

وصرح المحامي في شركة لينكلاترز في فرانكفورت أولريخ وولف ان اوروبا “تريد منع الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بالتقنيات الرئيسية أو بأهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني والتي يكون تقييمها منخفضا في الوقت الحالي، من أن تنهض”.

برلين في المقدمة

استبقت ألمانيا هذه الخطوة وتريد في المستقبل التحقق مما إذا كان مشروع الاستحواذ من قبل جهة أجنبية في قطاع حساس له وزن على أراضيها، ولكن هذا الأمر سيتم أيضًا في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وفقًا لمشروع تم اعتماده في مطلع أبريل.

وطرح الإقتصاد الرائد في أوروبا كذك قاعدة “شارة البداية” التي، على غرار معاقبة المتسابق الذي ينطلق قبل إطلاق الاشارة، تمنع المشترين والبائعين من بدء أي تحويل للأصول “قبل ان يسمح الوزراء المعنيون بذلك”.

وخفضت فرنسا عتبة الاستحواذ من 33 بالمئة إلى 25 بالمئة، مع وجوب تقديم ملف الاستحواذ إلى الدولة للحصول على إذن، وكانت ألمانيا قد خفضته إلى 10 بالمئة في عام 2018. وتمت اضافة قطاعين جديدين صنفا استراتيجيين، هما الأمن الغذائي والصحافة.

كما تريد باريس حماية شركاتها من الاستحواذ من قبل شركات مقيمة في الاتحاد الأوروبي وذلك عبر رفع قيمة هذا الاستحواذ، وليست برلين بعيدة عن ذلك.

واقرت إسبانيا تشريعات مرتين في مارس لتحسين مراقبة الحوالات القادمة من الخارج، وأعلنت إيطاليا في أوائل أبريل تمديد آلية “غولدن باور” السارية منذ عام 2012.

ويسمح ذلك للسلطات التنفيذية بمراقبة قطاعات جديدة تعد استراتيجية إلى جانب التقليدية كالدفاع أو الاتصالات.

وقال رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي أن القطاعات التي باتت مشمولة بالاجراء هي “المالية والتأمين والطاقة والنقل والمياه والصحة والأمن الغذائي والذكاء الاصطناعي والروبوتات”.

الصين والشرق الأوسط

ويرى ميكو هووتاري، الذي يرأس برنامج العلاقات الصينية في معهد ميريكس في برلين أن الإتحاد الأوروبي عليه توخى الحذر من “الدول، وبينها الصين، التي تعمل بشكل مختلف من الناحية الإقتصادية وليست شريكة في السياسة الأمنية”.

وأضاف “استمر الاهتمام بالوصول الاستراتيجي للتقنية” وإن انخفضت الاستثمارات الصينية في الاتحاد الأوروبي بشكل عام على مدى السنوات الثلاث الماضية.

ورفع التكتل الصيني سيتيك حصته من 30 بالمئة إلى 57 بالمئة في ميديا، إحدى أبرز المجموعات الإعلامية في جمهورية تشيكيا.

وليست الصين وحدها من لديه مطامع في أوروبا. فقد قفز سعر سهم شركة نوكيا مؤخرًا إثر شائعات تفيد عن مساع سعودية.

وذكرت صحيفة فايننشل تايمز أن الصناديق السيادية الخليجية، بينها صندوق الاستثمار العام السعودي وصندوق مبادلة من أبوظبي، تسعى للتمدد في القطاعات الصحية والتقنيات والخدمات اللوجستية.

——————————

من هي الدولة النموذج في إدارة أزمة كورونا؟/ محمود سمير الرنتيسي

رأينا فشلا ذريعا في إدارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أعلن في بداية الأمر اتباع سياسة “مناعة القطيع” في مواجهة انتشار فيروس كورونا ثم لم يلبث أن أصيب هو وتم نقله إلى المشفى لمتابعة العلاج بدلا من متابعة إدارة الأزمة.

كما أن الرئيس الأميركي تلقى انتقادات كبيرة بسبب تأخره في اتخاذ تدابير مبكرة لمواجهة الفيروس حيث أصبحت الولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول الأكثر من حيث الوفيات والإصابات بالفيروس وقد وصل عدد الإصابات إلى أكثر من 760 ألفاً، حتى 20 إبريل/نيسان 2020، في حين وصل عدد الوفيات إلى أكثر من 40 ألفاً.

وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى كوريا الجنوبية كحالة نموذجية للاستجابة لتفشي وباء “كورونا-19”. حيث قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم” إن كوريا الجنوبية كانت تعاني من تسارع الإصابات المجتمعية قبل شهر واحد فقط. ولكنها طورت استراتيجيات اختبار مبتكرة، ووسعت من قدرة مختبراتها ووزعت الكمامات، وقامت أيضًا بتتبع واختبار الأشخاص الذين اتصلوا بالحالات المؤكدة والمشتبه فيها، مما أدى إلى تراجع حالات الإصابة الجديدة. وقال إن الدول الأخرى التي تحارب الفيروس تطبق الدروس المستفادة من كوريا الجنوبية والمناطق الأخرى.

وقد نظرت كل من ألمانيا وفرنسا إلى كوريا الجنوبية كنموذج حيث عقدت كوريا الجنوبية وفرنسا ندوة افتراضية لمناقشة سبل الاستجابة لفيروس كورونا المستجد بناء على طلب غرفة التجارة الكورية – الفرنسية وبمشاركة حوالي 400 من المسؤولين والسياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال من فرنسا. وقال الجانب الفرنسي خلال الندوة إن نموذج كوريا الجنوبية في التعامل مع فيروس كورونا المستجد أصبح مثالا جيدا للعالم.

وفي الحقيقة تميزت تجربة كوريا الجنوبية، حيث تقوم استراتيجيتها على نظام يسمى “3T+P” و”3T+P” يعني الاختبار (Testing) والتحقيق الوبائي (Tracing) والعلاج (Treating) ومشاركة الشعب (Participation).

بالنسبة للاختبارات فقد وضعت كوريا الجنوبية حوالي 100 ألف مركز اختبار في البلاد مما أدى إلى حصر الفيروس ولذلك فإن الأرقام حتى تاريخ 14 إبريل 2020 هي عند 10 آلاف و537 حالة، في حين توفي نحو 217، وتعافى نحو 7 آلاف و447 شخصا.

أما بالنسبة لنظام كوريا الجنوبية في التحقيق الوبائي فهي تعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل تطبيق الهاتف المحمول للتشخيص والعزل الذاتي، ومركز المسح داخل السيارة (درايف ثرو) وتحليل معلومات موقع الهاتف المحمول.

وفيما يتعلق بالعلاج ترى كوريا الجنوبية أن “التوصل إلى عقار ولقاح هو السبيل الوحيد للتعامل مع الوباء”، وقد حصلت شركة الدواء الكورية بوكوانغ على موافقة لإجراء تجارب سريرية على دواء لعلاج فيروس كورونا الجديد. حيث بدأت المرحلة الثانية من التجارب السريرية على دواء “ليفوفير”، المُستخدم في علاج التهاب الكبد الوبائي من نوع B.

ويعد دواء “ليفوفير” دواء مضاداً للفيروسات حصل على موافقة لبيعه في 2006، وهو رابع دواء عالمي لعلاج التهاب الكبد الوبائي من النوع B، ويمنع تكاثر المواد الجينية الفيروسية. وقد قال مسؤول كبير إن “كوريا الجنوبية تسعى إلى اختبارات سريرية على العلاج القائم على الأجسام المضادة لفيروس كورونا المستجد خلال عام، لطرح دواء في 2021”.

وتعتمد ألمانيا استراتيجية كوريا الجنوبية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد مع زيادة أعداد الفحوصات ووضع المرضى في الحجر الصحي وذلك لمنع استنفاد طاقات مستشفياتها التي تنقصها طواقم طبية. وتجري ألمانيا 300-500 ألف فحص أسبوعيا وتتطلع ميركل إلى اتباع كوريا الجنوبية من خلال الوصول إلى 200 ألف فحص يوميا. وهنا نذكر أن فرنسا مع أنها حريصة على الاستفادة من تجربة كوريا الجنوبية إلا أنها متأخرة في عدد الفحوص كما أنها تأخذ ثمن الفحص 50 يورو من الراغبين في الفحص.

وتبدو ألمانيا الدولة الأكثر اقتداء بنهج كوريا الجنوبية وليس في عدد الفحوص فحسب ولكن في استراتيجية “التتبع”، من خلال الاستخدام المكثف للتكنولوجيا لمراقبة المرضى التي يبدو أنها ساعدت كوريا الجنوبية على السيطرة على تفشي الفيروس.

ويمكن لعملية التتبع أن توجه عملية الفحص أيضا، وفي هذا السياق قال رئيس معهد “روبرت كوخ” الألماني لمكافحة الأمراض: “على الرغم من أن ألمانيا وكوريا الجنوبية دولتان مختلفتان للغاية، فإن استراتيجية الفيروس في الدولة الآسيوية يمكن أن تكون مثالاً”. وأن “النقطة الأساسية هي تتبع بيانات الهاتف الخليوي، لمعرفة جميع تحركات الشخص المصاب ومع من التقى”.

وتعتبر تركيا نفسها من الدول الناجحة في التعامل مع أزمة كورونا سواء من التدابير المبكرة أو التعامل مع المصابين كما أشارت منظمة الصحة العالمية أن تركيا من الدول النموذجية في إدارة ملف كورونا خاصة مسألة الشفافية في التعامل مع الأزمة.

 قد استطاعت تركيا البدء في تخفيف سرعة انتشار الفيروس منذ الأسبوع الرابع وقد أكد على هذا الأمر وزير الصحة التركي باعتباره إنجازا مهما لتركيا، حيث قال إن الصين وصلت لأعلى رقم في عدد الحالات اليومية في الأسبوع رقم 7 والولايات المتحدة في الأسبوع رقم 11 فيما وصلت له تركيا في الأسبوع الرابع، حيث بدأ الرقم في النزول بعد الأسبوع الرابع، ومن الناحية الأخرى بالنظر إلى عدد الحالات وعدد الوفيات منها وبالمقارنة مع بقية البلدان فإن تركيا تتخطى الأزمة بأقل عدد من الوفيات والذي يصل إلى حوالي 2% بينما كانت نسبة الحالات التي لديها أمراض مزمنة من الوفيات فوق 75%. وقد تجاوزت تركيا حاجز ال 40 ألف فحص يوميا. كما بدأت تركيا إجراءات التتبع للمصابين ولكن لم تبرز هذه  النقطة بشكل واضح.

وعلى كل الأحوال ما زالت الأمور تحت السيطرة في تركيا، وتعتبر تركيا نفسها مثالا في موضوع مجانية الفحوص والعلاج للمواطنين، وفي منع بيع الكمامات وتوزيعها مجانا على المواطنين. وعلى صعيد آخر تتابع تركيا ملف اللاجئين وخاصة في إدلب حيث أعلن رئيس إدارة الكوارث والطوارئ” التركية (آفاد)، محمد غوللو أوغلو، أن مؤسسته تتابع عن كثب احتمال تفشي وباء كورونا في منطقة إدلب شمال غربي سوريا. كما أظهرت تركيا إنسانية عالية عندما قامت بتقديم مساعدات طبية لحوالي 40 دولة في الوقت الذي استولت فيه دول أوروبية على مواد طبية قادمة لدول أخرى من جاراتها.

ويقول الباحث التركي نبي ميش أن معايير المقارنة في التميز بين البلدان ليست واحدة فنقطة تميز اليابان وكوريا الجنوبية هي من حيث العدد الكبير للفحوص التي تم إجراؤها، ولكنه يضيف أن دول آسيا تعتبر من الدول التي تعرضت سابقا لأوبئة مختلفة مما يجعلها أكثر تميزا من بقية الدول من حيث الاستعدادات سواء من الدولة أو من المجتمع. حتى إن استخدام الكمامة في بعض هذه المجتمعات يعتبر ثقافة حتى في الأوقات العادية عند دخول الأسواق أو أماكن التجمعات قبل كورونا. وبالتالي من الصعوبة المقارنة بين الدول وفق معيار واحد فهذا يؤدي إلى نتائجة خاطئة.

نحتاج إلى تقييم شامل بنهاية الأزمة تماما لمن هي الدولة النموذج بعد انتهاء الأزمة وبدون الاعتبار على معيار واحد سواء في مجال العلاج المباشر أوغيره لأن الإطار الاقتصادي والاجتماعي لأي دولة لا يقل أهمية عن الطبي حيث تنظر الدول الواعية لهذه الملفات أنها مكملة لبعضها بعضا.

وفي الختام لا ننسى أن نشير إلى أن الصين حاولت أن تبدو كنموذج في مكافحة الفيروس إلا أن تكذيب واشنطن ولندن لها قلل من درجة نجاح الصين في عرض نفسها كنموذج ولا تزال تلتصق فيها سمعة الموطن الأول للفيروس. ولكن حتى الآن تبدو كوريا الجنوبية هي الدولة الأكثر نجاحا عالميا في مواجهة أزمة كورونا، مع أن البعض يرى أن كوريا الجنوبية استلهمت استراتيجيتها من الصين.

تلفزيون سوريا

———————–

في مواجهة الكورونا والأسئلة الكبرى/ هوازن خداج

الوتيرة المتسارعة لانتشار فيروس كورونا بما يشكّله من تهديد مباشر للحياة البشرية، ومن تداعيات على كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدخل العالم ككل في مرحلة اضطراب وجودي لا مثيل له من قبل، وسيترك ندوباً أعمق بكثير من الأوبئة الأخرى التي كانت تظهر بعد الحروب الكبرى، فهذه الكارثة دقّت ناقوس الخطر مع شحنات مضاعفة من اللايقين.

استشراف التطوّرات المحتملة لانتشار الفيروس والتداعيات المترتّبة عليها، رافقه انكشاف ضحالة الاستعداد المسبق من جانب الدول والحكومات لتحمّل هزّة وبائيّة طبيعية وغير مُتحكّم بها، استدعت استنفار البحث لحصر الآثار والنتائج المرافقة لها ضمن المحددات والأولويات الرئيسة اقتصادياً وسياسياً، فكانت معالجة الصدمة الحاليّة، ومراجعة السياسات النقدية اللاحقة هي الهم الأكبر اقتصادياً. واتّجه الهمّ السياسي نحو إدارة الأزمة بين “الاحتواء الناعم على المدى الطويل”، من خلال العزل الصحي وتعطيل حركة الحياة، و”التفجير السريع” أو مايسمّى “مناعة القطيع” وترك الأمور تأخذ مجراها في حدود الإصابات كي تتكوّن المناعة الجماعيّة، وكلاهما استندتا إلى الخبرات التاريخية التي اعتمدتها الدول في بعض الأمراض كالأنفلونزا الإسبانية في عام 1918، واحتوائها بولاية سانت لويس، والحصبة الإسبانية وآلية مقاومتها في ألمانيا.

ورغم توجّه بعض الدراسات والأبحاث نحو الفجوات المتعلّقة ببعض أمور التنسيق والتضامن بين الدول في حالة الكوارث ووضع الخطط “لما بعد الأزمة”، لكنّها في الواقع ماتزال تتخبّط داخل دوامة الإجراء الاحترازيّ. فإعلان حالة الطوارئ ورفع مستوى الخطورة للمستوى الأعلى، أو تفوّق بعض الدول واتّخاذها لإجراءات غير تقليدية وذكية في استخدامها التكنولوجيا العلمية، كاستخدام “تايوان” البيانات الضخمة في الكشف المبكّر عن الحالات، واستخدام “الصين” الذكاء الاصطناعي في التشخيص والمراقبة الشاملة، واستخدام “إسرائيل” لبرامج التجسّس والاختراق للتأكّد من التزام الجميع بالحجر الصحي، فهذا كلّه لم يلغِ تفشّي الإصابة أو وجودها، وهو مجرد تأخير لعملية انتشار الفيروس أكبر وقت ممكن وليس بداية العّد التنازلي للإصابات، فمعدل انتشاره في تصاعد عالمياً، والأوضاع الصحية تزداد خطورة.

أمام هذا التخبّط واللايقين حول مواجهة فيروس يُعدّ الأكثر قسوة من حيث تداعياته على الشعوب والحكومات، ستبقى البشرية بمواجهة وضع مغلق تزداد إرباكاته مع بطء إيجاد الحلول قياساً بسرعة انتشار الفيروس. وكلّما ازدادت أعداد المصابين بالفيروس حول العالم، يتسلّل الشعور بالخيبة، خصوصاً أنّ هناك دولاً لا تتمتّع بالشفافية في بياناتها وإحصائيّاتها في أعداد المرضى، ودول يزداد الخوف باعتبارها بؤر موت قادمة كأفريقيا ودول العالم العربي، ومنها دول لم تخرج فعلياً عن وضع شعوبها داخل حلبة الموت في عبثيّة الحرب، مثل ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول التي لا تمتلك تجهيزات طبيّة أو إمكانيّات عزل أو تأمين الحدود الدنيا لشعوبها كي تبقى داخل أقفاص البيوت.

ويترقّب العالم دخول الفيروس في مرحلة جديدة وخطيرة من الانتشار، وارتفاع محصّلة الضحايا بعد أن رصدت حكوماتها “حالات قليلة”، وما تزال شعوبها على أهبة الانتظار والخوف أمام احتمالين للموت (الموت من الفيروس، أو الموت جوعاً)، ما يدفع لسؤال مشروع، هل ينتظر العالم منها هي المحرومة من كل حقوقها أن تشكّل مناعة القطيع كإحدى نظريات الحلّ؟ أم إنّها مادامت خارج الحدود، فعدّاد الموتى والمصابين فيها لا يزلزل سكون بقيّة الدول القويّة والمسيطرة التي تستطيع مداراة الوباء ومداواة جراحها بعده.

وسط هذه الأزمة الوبائيّة العالميّة، وما أنتجته من سيناريوهات مختلفة للرؤيا يدخل العالم دوامة اللايقين، لتتعزّز التناقضات والتوترات وتطال كل شيء وأي شيء من الأفكار إلى التصوّرات الغيبية وصولاً إلى القدرات ومسألة التفوّق التكنولوجي العالمي ومنحى العلم ذاته. فهذا التطوّر العلمي الحربي التكنولوجي، ومشروعيّة العنف تحت شعار (الغاية تبرّر الوسيلة)، غابت غايته وبدأ يحاكم من داخل “القيم” ومن داخل المعنى نفسه، فما معنى أن يصرف على التسلّح هذه المبالغ الطائلة ويتمّ حرمان البشرية من التداوي والاستشفاء؟، وما معنى أن يبلغ التطوّر حدّ غزو الفضاء ويقف عاجزاً أما الحلّ لمشكلة وبائيّة؟، وقد يكون نجاحه باهراً في قيادة البشر “الانفرادية” من خلف الشاشات، لكن إلى متى يستطيع الكائن البشري أن يخالف طبيعته كإنسان اجتماعي؟.

كثيرة هي الأسئلة التي يمكن طرحها عن تأثير الانفجار المعرفي والانتصارات العلمية الكبيرة التي بدأت ترفض حقائق التعبير العادي في اللغة والفكر رغم أنّها تقبل البرهنة الرياضيّة وحجج التكنولوجيا. فعلى هامش الأزمة يزداد العالم تخبّطاً في البحث عن المعنى، وتستعاد الأسئلة التي طرحتها “حنة أرندت” في كتابها “الوضع البشري”: (إن كان ممكناً مُساءلة العلماء باللغة البسيطة إذا كانت أبحاثهم ناتجة عن سيطرة الحكم السياسي باعتبارهم لم يرفضوا صنع الأسلحة النووية، أو بأنّهم آخر من يسأل عن كيفية استخدام هذه الأسلحة في صورة اختراعها، وهل يمكن توظيف معارفنا العلمية والتقنية الجديدة في سياق صحيح؟. هذا سؤال سياسي لا يمكن أن نتركه للمختصّين بالعلم ولا للمختصّين بالسياسة).

ولأن مهمة العقل أن يفهم ما حدث وهذا الفهم على حدّ قول “هيغل” هو أسلوب الإنسان في مجاراة الواقع والرضا به، فالعقل إذا عجز عن التوصّل  إلى الوئام أو المجاراة فإنه لا يلبث أن يشتبك في حرب من حروبه الخاصة. وهذه إحدى الحروب التي يصطدم فيها المعنى بالواقع الذي عاشه الإنسان منذ بدء الصناعة واكتساح العلم للعالم وتعزيز قدرته التي نقلت الإنسان من “إنسان ناطق” ليدخل فيها عصر “الإنسان الصانع”، مع سلسلة متواصلة من ترويض المخاوف، كالخوف من الموت والمرض والضعف البشري ووضعها تحت السيطرة، ومحاولة تحسين الجينات لإنتاج كائنات رفيعة المستوى وتنقيح ما يشوبها من هشاشة الجسد البشري، إنّه اصطدام تطرحه أفكار معلنة أو خفيّة، يتردّد صداها مع حالة تأميم الخوف لتكون أسئلة ضائعة داخل جدران غرف العزل، تقودها فرضية اللايقين على أوسع مداراته الإنسانية.

حالة اللايقين التي أنتجها العجز الحالي، والتي تعيد البعض لأولى تعابير الحيرة الديكارتية، والشك بمعنى “القدرة الإنسانية” أمام تكاثر أُسي فرضه فيروس الكورونا الذي أعلن من داخل البيولوجيا والطبيعة ذاتها، أنّ على البشرية أن تدخل مرحلة البحث عن المعنى. قابلها انتشار يقينيات يطلقها أتباع الأديان لتقتات على لحظة ضعف يعانيها العلم، لتنشر رعباً موازياً للكورونا، بعد أن أطلق “أصحاب القيامة” النفير في بعض أجزاء العالم، وبدؤوا  يؤدلجون الوباء ليصبح رمزاً للحظة النهاية الحتميّة، فهناك الكثير من العقول ما زالت خاضعة للسحر، وتعزيز الوهم بأنّ هذا الوباء جندي الله، وإشارة لعودة المسيح أو المهدي، هي مجرد حالة من عبثيّة الصراع القديم الحديث بين الدين والعلم، والكوارثوبعمومها تنشر بيئة مناسبة للاستثمار السيء، وقد يكون هذا أكثر الاستثمارات للأديان سوءاً، إذ إنّه يضعها داخل التجربة خلال فترة قريبة، ولكنها لن تصل نحو سقوط الدين كما يروّج البعض الذين وضعوا يقينهم بالعلم وكأنّه دين آخر. فالأديان مهما استثمرت أو جُرّبت لن تنتهي. والبشرية لن تعود إلى لحظة اللايقين الأولى في السؤال عن استطاعة الله أو استطاعة العلم، ولن تندمج المسارات كلها في حالة من اللاتوازن والعجز الذي يمرّ به العالم ككل وبكل أديانه وتاريخه وعلمه ونظرياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. 

رغم أنّ العجز ليس دائماً، والعلاج سيتمّ إيجاده من خلال العلم ومن قبل أصحاب الاختصاص، فهم مالكي الحقيقة التي لا يمكن جدالها، إلا أنّه في ظلّ الأزمة الكارثيّة الراهنة، ولايقينية الحلول المتّبعة حتى الآن، تعود الأسئلة حول المعنى لتشقّ طريقها، فما المعنى من ترويض جموح الطبيعة أو الحدّ من هشاشة الجسد البشري، ومن كل هذا التطوّر، والعجز أمام الحلّ لمشكلة وبائيّة؟!.

ليفانت

————————————

“اللمس ممنوع في زمن كورونا”… لماذا من الصعب التوقف عن لمس وجهنا؟/ ايليج نون

لا شك أنكم اشتريتم الكثير من معقمات اليدين في الآونة الأخيرة، لحماية أنفسكم من فيروس كورونا، إلا أن خبراء الرعاية الصحية يطلبون منكم أن تفعلوا شيئاً إضافياً: التوقف عن لمس الوجه.

فبالإضافة إلى تنظيف اليدين بشكل صحيح ومتكرر، يقول الخبراء إن إبقاء أيديكم بعيداً عن عيونكم وأنفكم وفمكم، سيساعدكم على حماية أنفسكم من فيروس كورونا، الإنفلونزا وغيرها من الأوبئة، ولكن يبدو أن قول هذا الأمر أسهل بكثير من فعله.

“الإتيكيت” والوجود الإنساني

طوال حياتنا، يُقال لنا ألا نلمس وجوهنا، بخاصة في الأماكن العامة، وذلك من باب الإتيكيت والآداب العامة، إذ إن فرك العينين وأنتم جالسون على طاولة حفل عشاء هو سلوك سيء، وليس من الحكمة مثلاً أن تعبثوا ببثرة في وجهكم خلال مقابلة عمل، بالإضافة إلى أن هناك محرمات لمسألة استكشاف فتحات الوجه تحديداً، مثل وضع الإصبع في الأنف أو في الأذن، واستخدام أظافركم لإزالة بقايا الطعام الملتصقة بأسنانكم…

وعلى الرغم من احتمال النبذ الاجتماعي، ومعرفة أننا عرضة لنقل البكتيريا لأجسامنا أو منها للآخرين، يبدو أن لا شيء من كل هذا كاف لمنعنا عن وخز وسحب وفرك وجوهنا، وفق ما أوضحه موقع The New Yorker.

في الواقع، ثمة عادة غريبة درج عليها البشر تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، خاصة عند تفشي الأوبئة، وهي عادة لمس الوجه، إذ إننا كثيراً ما نلمس وجوهنا دون أن نلاحظ ذلك، وأوضح الباحثون أنه من الشائع أن يلمس الناس ذقونهم والمناطق المحيطة بالفم، الأنف والعينين.

وفي العام 2015، أجريت دراسة من أجل مراقبة سلوكيات طلاب كلية الطب في أستراليا، واتضح أن الطلاب لمسوا وجوههم بمعدل 23 مرة في الساعة، رغم أنهم من المفترض أن يكونوا أكثر وعياً بمخاطر لمس الوجه.

واليوم، مع تفشي فيروس كورونا الذي أثار ارتباكاً وشكوكاً على نطاق واسع، هناك إجماع بين مسؤولي الصحة العامة، على أن الخطوة الأساسية التي يمكننا اتخاذها لحماية أنفسنا وحماية الآخرين، هي إبقاء أيدينا بعيدة عن وجهنا، إذ يجعلنا لمس الوجه أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، لأنه يساعد في نشر الفيروسات والبكتيريا التي تلتصق بأيدينا بعد لمس الأسطح أو حتى الأشخاص…

ولكن يبدو أنه من الصعب مقاومة الرغبة في لمس الوجه، بخاصة وأن هذا السلوك مرتبط بالوجود الإنساني.

ففي متحف التاريخ الطبيعي في جامعة ميشيغان، هناك إعادة بناء منحوتة بالحجم الطبيعي لأحد أسلافنا، أسترالوبيثكس سيديبا، الذي جاب الأرض منذ مليوني سنة، بحيث يظهر هذا الأخير وهو يضغط على شحمة أذنه.

وفي الواقع، يمكن ملاحظة أن الحاجة إلى ملامسة الوجه تلازمنا عبر التاريخ، فهي مخلدة في الفن والأدب، بحيث أنها تظهر مثلاً في تصورات الرسامين لآدم، وهو يطرد من الجنة ويداه تغطي عينيه من الخجل.

وتتردد أصداء صور ملامسة اليد للوجه في أغاني شعراء البطولة والأدب الخالد، ففي روائع شيكسبير مثلاً، جاء على لسان روميو، وهو ينظر إلى جولييت الواقفة على شرفتها وهي تميل خدها على يدها: “يا الله، لقد أسندت خدها إلى راحة يدها، فيا ليتني كنت قفازاً في تلك اليد، لكي ألمس ذلك الخد”.

واللافت أن الكُتّاب بشكل خاص، تتأصل فيهم عادة لمس الوجه، افتحوا كتاباً ما وانظروا إلى صورة المؤلف، ستجدونه في الغالب يسند رأسه بيديه. هذه الوضعية تمثل مزيجاً من التفكير المدروس، اللامبالاة والإعجاب بالذات، وهي بمثابة إشارة عالمية واضحة تقول “أنا أديب”.

هذا وتبرز جلياً عادة لمس الوجه في لغتنا الرقمية الجديدة المتمثلة في الصور الساخرة والرسائل القصيرة، من إيموجي facepalm وصولاً إلى إيموجي القرد الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.

التوازن الداخلي

في ظل أزمة كورونا التي تضرب العالم أجمع، كشفت مقالة وردت في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن بعض الأمثلة لسياسيين قاموا بنزع الشعر من حواجبهم ولعقوا أطراف أصابعهم لتقليب الأوراق، بعد ثوان فقط من التحذير بالامتناع عن لمس الوجه بهدف الحدّ من انتشار هذا الفيروس الخطير.

فكيف فسر علماء النفس ظاهرة العجز عن التوقف عن لمس الوجه رغم جميع التحذيرات والمخاطر؟

في حديثه مع موقع رصيف22، أوضح الأخصائي في علم النفس، هاني رستم، أنه “عبر التاريخ، تعتبر اليدين من أهم الـTools (الأدوات) التي استخدمها البشر لتسيير شؤون حياتهم، بدءاً من تعلم المشي وصولاً إلى الزراعة والصيد والصناعة”، مشيراً إلى أن “الأيادي كانت أساسية في تكوين الحضارة البشرية”.

من هنا أكد رستم أن لمس الوجه عبر اليدين هو سلوك ميكانيكي متواصل ويحصل بطريقة عفوية، ولكن أزمة كورونا جاءت لتسلط الضوء على وتيرة هذا الفعل الذي نقوم به بصورة أوتوماتيكية: “وقت بينقلنا إنو في خطر كبير من إنو نحط إيدنا على وجهنا، هيدا بيعطينا درجة معيّنة من الوعي على حركاتنا، فمنصير ننتبه أكتر قديه عم نحط إيدنا على وجنا”.

بمعنى آخر، اعتبر رستم أن مقدار الوعي هو الذي اختلف بعد انتشار أزمة كورونا، كاشفاً أن هذا الأمر نابعاً من حالة الخوف والقلق الذي نعيشها بسبب الانتشار السريع لهذا الفيروس: “أصبحنا متأهبين وحذرين على micovements (الحركات الصغرى) حتى لا تنتقل العدوى، وهكذا أصبحنا نلاحظ أدق التفاصيل والحركات التي نقوم بها”.

واللافت أن الأشخاص يلمسون وجوههم لأسباب مختلفة، إلا أن الإقدام على لمس الوجه يرتبط أحياناً بالتوتر.

فقد افترض مؤلفو دراسة نشرت في العام 2014، أن “اللمس الذاتي العفوي للوجه” يساعد على تنشيط الذاكرة، معالجة المعلومات وتنظيم المشاعر.

فنحن، بمعظمنا، نحني ظهرنا أمام الشاشة لساعات متواصلة ونعيش ضغوطات يومية، وبدون هذه اللمسة الذاتية المطمئنة، القليل من التدليك لتهدئة الأعصاب وإطلاق الوصلات العصبية العضلية، ربما تتوقف المنظومة كلها عن العمل.

في هذا الصدد، كشف عالم النفس كيفن تشابمان، أن “الميل إلى لمس الوجه هو عادة إنسانية للغاية وأمر لا شعوري، لإدراك النفس وتمييزها عن البيئة المحيطة والأفراد الآخرين”.

وأوضح تشابمان لموقع بيزنيس إنسايدر، أنه “من الناحية النفسية، فإن الأفراد لا يفسرون أي نوع من التهديد والعدوى فيما يتعلق بوجوههم، وبالتالي فإنهم يفشلون في ربط المرض بلمس الوجه”.

وأشار كيفن إلى أن محاولة التشدد مع النفس لن يساعد الناس عادة على كبح سلوكياتهم المعتادة: “إخباركم بأنكم لا تستطيعون لمس وجهكم على الأرجح، يجعلكم تلمسون وجهكم أكثر”، مقترحاً اتباع نهج أكثر مرونة، مثل القول: “لن ألمس وجهي على الإطلاق في الأماكن العامة، أو يجب أن أكون أكثر وعياً بلمس وجهي اليوم”.

ومع هذا، فقد رأى كيفن تشابمان أنّ “الانشغال بالهاتف أو أي شيء تستخدم فيه يديكم، يمكن أن يساعدكم على كبح لمس وجهكم”.

وفي السياق نفسه، وجد بعض خبراء الصحة العامة أن الكمامات قد تحمينا من البكتيريا والفيروسات التي تنقلها أيدينا عبر لمس الأنف والفم.

وتعليقاً على هذه النقطة، أشار ستيفن غريفين، عالم فيروسات في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، إلى أن ارتداء الكمامات قد يذكرنا بعدم لمس وجوهنا الذي يعد مصدراً رئيسياً لانتقال العدوى، في حال عدم مراعاة قواعد غسل اليدين.

التحدي الأصعب في زمن كورونا

في الواقع، إن تحذير الناس من القيام بسلوكيات لا إرادية لا يزال يمثل أحد التحديات الكبرى التي يواجهها العلماء في زمن كورونا، فقد قال الأخصائي في علم النفس السلوكي في جامعة كولومبيا، مايكل هولزويرث، لموقع بي بي سي، إنه “قد يكون من الأسهل أن تنصحهم بالإكثار من غسل أيديهم بين الحين والآخر، بدلاً من تقليل لمس الوجه”.

وشدد هولزويرث في المقابل بأن نحاول أن ننتبه لعدد المرات التي نلمس فيها وجوهنا، أو بأن نتبع سلوكيات بديلة للمس الوجه: “فإذا كنتون تحتاجون مثلاً لحكّ وجهكم، استخدموا ظهر ذراعكم بدلاً من أصابعكم وراحة يديكم”.

هذا ونصح مايكل هولزويرث الأشخاص الذين يلمسون أعينهم بصورة متكررة بأن يرتدوا نظارات، أو بأن يجلسوا على أيديهم، كلما انتابتهم رغبة ملحة في حك أعينهم أو لمسها.

من سخرية القدر أن نصائح إيقاف لمس الوجه، وهي العادة التي تخفف التوتر والتي تلبي حاجة نفسية روحية، جاءت في الوقت الذي أصبحت فيه الحياة “سوريالية”، وامتلأت عناوين الأخبار بأنباء الحجر الصحي وزيادة معدلات العدوى والآفاق المخيفة التي تلوح في في الأفق، وفي الوقت الذي أصبحنا فيه أكثر توتراً وأكثر عرضة من ذي قبل، لردة الفعل التي تجعلنا نمد أصابعنا نحو وجهنا، في محاولة لاستعادة حالة التوازن الداخلي، ولكن فيروس كورونا جعلنا نغيّر الكثير من عاداتنا، ويبدو أنه سيجعلنا نفتقد لمس وجهنا لفترة زمنية قد تطول، وفق “همّة” العلماء ونجاحهم في تطوير لقاح جديد لهذا الوباء العالمي.

رصيف 22

——————————–

====================================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى