فيروس كورونامنوعات

فيروس كورونا الذي يعيد رسم ملامح العالم -معلومات، احصائيات، تحليلات ومقالات

===========================

تحديث 23 نيسان 2020

—————————

الجزء الأول من هذه المتابعة على الرابط التالي

فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، ماذا عن سورية؟ -مقالات مختارة- ملف محدث يوميا

الجزء الثاني من هذه المتابعة على الرابط التالي

الفيروس الذي يفتك بالعالم، فيروس العزلة والخوف -متابعة متواصلة ومقالات مختارة-

الجزء الثالث من هذه المتابعة على الرابط التالي

وباء كوررنا التطورات، الخوف والعزلة -مقالات مختارة- متجدد يوميا

——————————-

لمتابعة الملف المتجدد عن هذا الفيروس اتبع الرابط التالي

فيروس كورونا

—————————————–

معلومات أولية

اسم الفيروس:

SARS-COV2

اسم المرض الدي يسببه:

COVID-19

كورونا تعني التاج وجاءت التسمية بسبب شكل الفيروس المشابه للتاج

لماذا تمت تسمية المرض بهذا الاسم، الواقع أن المرض اسمه هو التالي:

CORONAVIRUS DISEASE 2019

وتم اختصار الكلمات السابقة وأخذ الأحرف التالية منها يستكون اسم المرض

CO

VI

D

19

COVID-19

—————————–

متطوعون سوريون يبتكرون أسلحة بديلة في معركة التصدي لكورونا

فريق من المتطوعين يسخر إمكانياته لتصنيع أجهزة تنفس بديلة وجهاز للاختبارات لمكافحة انتشار الفايروس في إدلب.

إدلب (سوريا) – تواجه سوريا التي تعاني من اقتصاد منهار وخدمات شحيحة وانهيار كبير في القطاع الصحي جراء حرب دامية على مدار تسع سنوات مخاوف جدية من احتمال انتشار الوباء القاتل وسط سكان عانوا أهوال الحرب التي استنزفت جميع القطاعات وعلى رأسها القطاع الصحي حيث يجمع المتابعون بأن انهيار البنية التحتية وخراب المستشفيات وتكدس المخيمات سيساعد على سرعة انتشار العدوى.

وينبئ الوضع السوري، بكارثة إنسانية إذا ما تفشى المرض خاصة إدلب التي تفتقد إلى المرافق الطبية وإلى الكوادر الطبية والأقنعة الواقية من الفايروس ما يضع مناطق النزوح ومخيمات اللاجئين في مواجهة مع وباء يهدد حياة مئات الآلاف.

واستطاع فريق من المتطوعين في سوريا تجميع نماذج أولية من جهاز للتنفس الصناعي وجهاز للاختبارات يمثلان أسلحة بديلة في المعركة مع فايروس كورونا المستجد إذا ما تفشى في آخر معاقل المعارضة السورية حيث المستشفيات مدمرة بعد سنوات الحرب التسع.

وتأمل المجموعة المكونة من 12 فردا من الفنيين والمهندسين في الأساس أن تصنع مئات الأجهزة البديلة لمكافحة الجائحة في شمال غرب سوريا حيث أدى زحف الجيش السوري إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص عن بيوتهم هذا العام.

شباب يسعى بكل خبراته المتواضعة لصنع مئات الأجهزة البديلة لمكافحة الجائحة شباب يسعى بكل خبراته المتواضعة لصنع مئات الأجهزة البديلة لمكافحة الجائحة

وقال أيوب عبد الكريم الخريج البالغ من العمر 20 عاما المتخصص في المعدات الطبية إنه إذا بدأ فايروس كورونا يظهر هنا فسينتشر على نطاق واسع وقال إن الفريق يبذل الجهد اليوم لأن الأجهزة غير كافية ولأن المستشفيات تعاني من نقص كبير في أجهزة التنفس.

وتم تجميع جهاز التنفس البديل داخل صندوق خشبي بني اللون تخرج منه خراطيم بلاستيكية بيضاء لمساعدة المريض على التنفس.

ويخشى الأطباء أن يكون من المستحيل حماية المخيمات المزدحمة إذا ما تفشى الفايروس في المنطقة.

ويعيش في المنطقة ثلاثة ملايين شخص كثيرون منهم فروا من مناطق أخرى في سوريا ولم يظهر فيها حتى الآن أي حالات إصابة مؤكدة بالفايروس غير أن ما تم من اختبارات محدود للغاية. ويوجد جهاز واحد لإجراء اختبارات الكشف عن الفايروس.

وقد جرب المتطوعون حتى الآن جهاز التنفس الذي صنعوه في مستشفى وحصلوا على الضوء الأخضر من الأطباء. وهم يأملون الحصول على تمويل أو معدات من وكالات الإغاثة العاملة في شمال غرب سوريا وعلى الجانب الآخر من الحدود في تركيا لإنتاج مئات الأجهزة الضرورية لمرضى كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بالفايروس.

وفي حين أن الفايروس تسبب في إغلاق المدن الكبرى في العالم يواجه السوريون المكدسون في مخيمات اللاجئين ومستوطنات مؤقتة مخاطر جسيمة. وفي كثير من الأحوال يندر وجود المياه النقية وتنتشر الأمراض كما أن التباعد الاجتماعي مستحيل تقريبا.

وأدت هدنة توسطت فيها روسيا وتركيا في مارس إلى بعض الهدوء وتوقف هجوم الجيش السوري.

وقال يامن أبو الوليد (37 عاما) الذي ساعد في تشكيل الفريق لتجميع الخبرات اللازمة والسعي لتلبية الاحتياجات المحلية إن أجهزة التنفس قليلة للغاية مقارنة بالاحتياجات إذا ما انتشر الفايروس وإن ذلك هو ما أثار قلق أعضاء الفريق.

وأضاف أن البنية التحتية مدمرة وأنه إذا انتشر المرض دون استعداد فستحدث وفيات كثيرة.

————————————–

كورونا ليس خبراً رئيسياً في درعا

تتباين مظاهر الحياة اليومية من منطقة إلى أخرى في محافظة درعا، وذلك نتيجة بقاء قرى وبلدات وأحياء سكنية عديدة فيها خارج سيطرة النظام المباشرة، بسبب بقاء مسلحين محليين معارضين وتشكيلات عسكرية متنوعة فيها بعد سيطرة النظام عليها صيف العام 2018. ولعلّ أبرز وجوه التباين الظاهرة اليوم، هو عدم التزام سكان مناطق عديدة فيها بحظر التجوال الجزئي الذي فرضه النظام في مناطق سيطرته المطلقة، التي تنتشر فيها قواته بعد الساعة السادسة مساءً لتطبيق الحظر في أيام العمل الأسبوعية، بينما لا يُسمح بالتحرك في يومي الجمعة والسبت إلا لمدة ست ساعات فقط، من السادسة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً.

غير أن ما يجمع سكّان درعا على تنوع مناطق السيطرة فيها هو ضعف الخدمات العامة، بما فيها الخدمات الطبية، وتردي الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى قلّة فرص العمل ومحدودية موارد الدخل. وتعيش المحافظة الجنوبية وضعاً خاصاً معقداً منذ سيطرة النظام وحلفائه عليها، بعد معارك عنيفة انتهت بإبرام اتفاق للتسوية مع فصائل المعارضة فيها، قضى بتهجير رافضي التسوية إلى الشمال السوري، وسحب السلاح الثقيل من الفصائل، مع بقاء السلاح الفردي الخفيف مع أعداد كبيرة من مقاتليها، الذين انضوى بعضهم في تشكيلات تابعة لروسيا أبرزها الفيلق الخامس في بصرى الشام ومحيطها، فيما بقي آخرون متواجدين في أحيائهم وقراهم دون الانضواء في أي تشكيلات مرتبطة بالنظام وحلفائه، وهو ما يعني أن ثمة مناطق واسعة من المحافظة ليست تحت سيطرة النظام المباشرة، مع تواجد النظام وحواجزه على الطرقات الواصلة بينها ما يجعلها أشبه بالجزر المعزولة، في حين أن هناك بلدات وأحياء وقرى عديدة تحت سيطرة النظام الأمنية والعسكرية والإدارية المباشرة.

وقد أدى هذا إلى تباين الاستعدادات والإجراءات الوقائية من الفيروس، دون أن يعني ذلك أن هناك فصلاً حقيقياً بين مناطق درعا عموماً، ذلك أن مناطق السيطرة فيها متداخلة، وتستمر حركة الأهالي بينها لأسباب عائلية وتجارية. وقد تحدثنا إلى عدد من سكّان محافظة درعا، رفضوا التصريح عن أسمائهم لضمان سلامتهم، وأكدوا جميعاً أنه ليس هناك تفشٍ للوباء في المنطقة، لأن التفشي واسعَ النطاق أمرٌ لا يمكن أخفاؤه، لكنهم في الوقت نفسه عبروا عن عدم ثقتهم بالأرقام الرسمية، التي لم تُشر حتى الآن إلى تسجيل أي إصابات في المحافظة.

يقول واحدٌ منهم إنه قضى ليلتين مؤخراً في المشفى الوطني في درعا، وذلك بسبب عارض صحي أصابه، ويشرح أنه أثناء وجوده تم الاشتباه بإصابة عدد من المرضى الذين راجعوا المشفى: «لقد تم وضعهم تحت حجر صحي، وتم إرسال العينات لفحصها في دمشق، وعَرفتُ أنهم سيبقون محتجزين حتى ظهور نتائج التحليل بعد ثلاثة أيام. لا يوجد سوى غرفة واحدة في المشفى للحجر الصحي، وكان عدد المحجور عليهم فيها حسب ما قيل لي وقتها خمسة عشر شخصاً».

يقول مصدرنا إنه خرج من المشفى دون أن يعرف ما إذا كان أحد الأشخاص المشتبه بإصابتهم مصاباً فعلاً، وعند سؤاله عن الإجراءات الأخرى المتبعة لمواجهة الفيروس، قال إن «إجراءات الوقاية في مناطق سيطرة النظام تشمل، بالإضافة إلى حظر التجول الجزئي، رشّ الشوارع بالماء المخلوط باللودالين والكلور، فيما كانت هناك مبادرات مشابهة هادفة للتعقيم في مناطق سيطرة المقاتلين المعارضين، يقوم بها أفراد ليس لديهم أي صفة رسمية».

وقد تم إغلاق معبر نصيب على الحدود الأردنية جنوبي درعا ضمن إجراءات الوقاية من انتشار الفيروس، ويقول أحد الأشخاص الذين تحدثنا إليهم إن هذا «أثَّرَ بشكل عام على المحافظة، حيث أدى إلى ارتفاع الأسعار، عدا عن تأثيره المباشر على مئات الأشخاص الذين يعتمدون على عمل المعبر في تأمين رزقهم. المحافظة تعاني حتى قبل الفيروس من وضع اقتصادي متردٍ بسبب غلاء الأسعار وقلّة مصادر الدخل، وقد جاءت هذه الظروف لتزيد الطين بلة. من يستطيع الحصول على خبزه هذه الأيام يُعتبر محظوظاً».

ونوّه المصدر إلى أن حظر التجوال «لم يصبح صارماً إلا في الأيام الأخيرة، لكنه أصبح أيضاً، كالعادة، بوابة رزق جديدة لعناصر النظام، الذين يحاولون ابتزاز الناس المخالفين للحصول منهم على الأموال». مضيفاً أن «الحركة غير مقيدة في مناطق سيطرة المقاتلين المعارضين والتشكيلات غير التابعة للنظام بشكل مباشر، إذ يستطيع الأهالي الخروج والعمل والتنقل في كل الأوقات، خلافاً لمناطق سيطرة النظام المباشرة. الناس قلقون على أرزاقهم أكثر مما هم قلقون من الفيروس».

ومن بين الأشخاص الذين تحدثنا إليهم بهذا الخصوص، شخصٌ يقيم في منطقة يسيطر عليها الفيلق لخامس المدعوم روسياً قرب بصرى الشام، والذي يتشكل قوامه الرئيسي من مقاتلين معارضين أجروا تسويات مع النظام برعاية روسية؛ يقول إنه «تم الإعلان قبل نحو أسبوعين عن فرض حظر للتجوال في مناطقنا كما هو الحال في مناطق سيطرة النظام المباشرة، لكن الالتزام به لم يستمر أكثر من ثلاثة أيام، وعاد الناس إلى أعمالهم وحركتهم نظراً لعدم حصولهم على أي دعم يُعنيهم على التزام بيوتهم وعدم الخروج للعمل. لكن التغير الرئيسي الذي فرضه كورونا على حياتنا هو الارتفاع الهائل في الأسعار، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة السوء».

يشير في هذا السياق إلى مشكلة كبيرة تعترض سكان منطقته، وهي أن كثيرين منهم لا يستطيعون الانخراط في أي عمل أو نشاط اقتصادي يتطلب منهم الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام أو المرور عبرها، خشية التعرض للاعتقال على الحواجز ونقاط التفتيش: «لا يجرؤ هؤلاء على الذهاب للبحث عن عمل خارج مناطق سيطرة الفيلق الخامس، وهي مناطق محدودة الإمكانات الاقتصادية، وتكاد تنعدم فيها فرص العمل. وقد باتت أوضاعهم شديدة السوء بعد انتشار فيروس كورونا في العالم، لأنهم كانوا يعتمدون على حوالات مالية تأتيهم من أقربائهم أو أصدقائهم في الخارج، لكن أغلب هذه الحوالات لم تعد تأتي بسبب إغلاق كثير من مكاتب التحويل، وبسبب خسارة أقاربهم وأصدقائهم لفرص عملهم في البلدان التي يعيشون فيها».

يختم حديثه بالقول: «خبر كورونا ليس خبراً رئيسياً بالنسبة لسكان المنطقة التي أعيش فيها، بل هو خبر عابر لا يشغل حيزاً مهماً من تفكيرهم، ولا يأخذونه على محمل الجد، بما في ذلك أنا نفسي، لأننا بالكاد نتدبر ما يبقينا على قيد الحياة أصلاً»

موقع الجمهورية

————————————-

 التسلسل الزمني لأكاذيب الصين حول فيروس كورونا/ وائل قرصيفي

التسلسل الزمني لقنبلة فيروسية موقوتة

لا زالت قصة وباء فيروس كورونا تُكتب حتى هذه اللحظة، لكننا نستطيع منذ بدايتها التعرف على اللحظات التي كان من الممكن أن تلعب فيها القرارات المختلفة دورًا في تخفيف وطأة الانتشار الذي نُعاني منه جميعًا اليوم. لا شك أنك قد سمعت أخبارًا مثل: “السلطات الصينية استمرت في إنكار قدرة الفيروس على الانتقال بين البشر حتى فوات الأوان”، لكن ما لم تسمع عنه في الغالب هو الإصرار والتكرار الذي تمسكت به الحكومة الصينية في زعمها باستحالة انتقال الفيروس بين البشر في الوقت الذي كان الأطباء في ووهان قد توصلوا إلى حقيقة العدوى البشرية قبلها بوقت طويل، وكيف استكانت منظمة الصحة العالمية للرواية الصينية رغم تشكيك الكثير من خبراء الصحة خارج الصين.

من الواضح أيضًا إن استجابة حكومة الولايات المتحدة لهذا التهديد لم تكن صارمة كما يتطلب الأمر، وأبعد ما يكون عن السرعة المطلوبة، والعديد من حكومات الدول الأوروبية لم تكن جاهزة بدورها، وقليلة هي حكومات الدول التي كانت مستعدة للانتشار الكبير للخطر. لا يسعنا سوى التساؤل ما إذا كان خروج معلومات صحيحة وبوقت مناسب من الصين قادرًا على تغيير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، والعالم كله للاستعداد لمواجهة خطر المرض.

في وقت ما وفي نهاية عام 2019: استطاع فيروس كورونا الانتقال من أحد أنواع الحيوانات إلى كائن بشري، وأحد أقرب الفرضيات الحالية تشير إلى أنه حدث في أحد أسواق بيع الحيوانات البرية في الصين.

في 1 ديسمبر: بحسب دراسة لمجلة The Lancet العلمية فإن أول ظهور للأعراض على أول مريض تم تشخيصه كان “في 1 ديسمبر 2019. ولم تظهر على أي من أقاربه أو عائلته أعراض المرض ولم تسجل إصابتهم بالفيروس. بعدها بأيام تم تسجيل حالة الوفاة الأولى بالمرض وبعد خمسة أيام بدأ ظهور أعراض الالتهاب الرئوي على زوجة المريض المتوفى والتي لم تذهب إلى سوق الحيوانات البرية مطلقًا وتم إسعافها إلى جناح العزل”. بمعنى آخر فإن الأطباء في ووهان رصدوا مؤشراتهم على انتقال الفيروس بين البشر منذ الأسبوع الثاني في شهر ديسمبر.

في 21 ديسمبر: بدأ الأطباء في ووهان بملاحظة وجود “بؤرة من حالات الالتهاب الرئوي غير معروفة السبب“.

في 25 ديسمبر: الاشتباه بإصابة الطاقم الطبي في مشفيين بمدينة ووهان بالتهاب رئوي فيروسي ووضعهم في الحجر الصحي. مؤشر آخر قوي على انتقال الفيروس بين البشر.

في أواخر شهر ديسمبر: مستشفيات مدينة ووهان تلاحظ “زيادة أُسيّة” في أعداد الحالات التي لا يمكن ربطها بسوق المأكولات البحرية في هوانان، بحسب مجلة New England الطبية.

في 30 ديسمبر: الدكتور لي وينليانج يوجه رسالة إلى مجموعة من الأطباء يحذرهم فيها من احتمالية انتشار مرض شبيه بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، ويدعوهم لاتخاذ الإجراءات الاحتياطية ضد المرض.

في 31 ديسمبر: مفوضية الصحة في مدينة ووهان تُعلن أن “التحقيقات أظهرت عدم وجود أي دليل واضح على انتقال الفيروس بين البشر ولم يتعرض أي من الطواقم الطبية للإصابة“. على العكس تمامًا من اعتقاد الأطباء الذين كانوا يتعاملون مع المرضى في ووهان، والاشتباه بإصابة طبيبين بالفيروس.

بعد ثلاثة أسابيع من ملاحظة الأطباء للحالات تواصلت الصين مع منظمة الصحة العالمية.

وصرحت “تاو لينا” (خبيرة الصحة العامة والمسؤولة السابقة في مركز شنغهاي للتحكم والوقاية من الأمراض) لصحيفة South China Morning Post بقولها: “أعتقد أننا قادرون على قتل الوباء في بدايته، بفضل قدرة الصين على التحكم بالأمراض وحجم التعامل مع الطوارئ ودعم الطب السريري.”

في 1 يناير: قام مكتب الأمن العام في ووهان باستدعاء الدكتور لي وينليانج ووجه له تهمة “نشر الشائعات”، وبعدها بيومين في محطة الشرطة يقوم الدكتور وينليانج بتوقيع تعهد يعترف فيه بـ “جريمته” ويتعهد بعدم تكرار أي أعمال “غير قانونية”. تم اعتقال 7 أشخاص بنفس التهم ولا يزال مصيرهم مجهولًا.

وفي اليوم نفسه وبعدإعادة عينات من نتائج التسلسل الچيني للفيروس إلى المستشفيات وإرسالها للسلطات الصحية، تلقى موظف في أحد شركات علم الچينات اتصالًا هاتفيًا من مفوضية الصحة في مقاطعة هوبي، وأمرت بإيقاف اختبارات العينات المرتبطة بالمرض والتي يتم إرسالها من ووهان، وتدمير كل العينات الموجودة.

بحسب دراسة لبيانات الهاتف من الصين نشرتها صحيفة نيويورك تايمز فإن 175,000 شخصًا غادروا ووهان ذلك اليوم. وبحسب بيانات شركة OAG لبحوث السفر الدولي فإن 21 بلدًا لديها رحلات طيران مباشرة إلى ووهان. في الربع الأول من عام 2019 مثلًا، سافر 13,267 شخصًا من ووهان في الصين إلى عدة وجهات في الولايات المتحدة، أي حوالي 4,422 شخصًا في الشهر، ولم تمنع الحكومة الأمريكية دخول الأجانب القادمين من الصين إلا بعدها بشهر.

في 2 يناير: دراسة على المرضى في ووهان استطاعت ربط 27 حالة فقط من 41 مريض بالتعرض لسوق المأكولات البحرية في هوانان، مؤشر جديد على انتقال الفيروس بين البشر بعيدًا عن السوق المذكور. تقرير تم كتابته في وقت لاحق ذلك الشهر يذكر أن “الأدلة حتى هذه اللحظة تشير لانتقال فيروس 2019-nCoV بين البشر. نحن قلقون من أن الفيروس قد امتلك القدرة على الانتقال بفعالية بين البشر”.

وفي اليوم نفسه استطاعت مؤسسة علم الفيروسات في ووهان تحديد الخريطة الجينية للفيروس، لكن الصين لم تعلن عن هذا الكشف إلا بعد ذلك بأسبوع.

في 3 يناير: الحكومة الصينية تستمر بجهودها لكتم أي معلومات حول الفيروس. حيث أصدرت مفوضية الصحة الوطنية الصينية -أكبر سلطة صحية في البلاد- أمرًا لجميع المؤسسات الطبية بعدم نشر أي معلومات متعلقة بالمرض المجهول، وأمرت المختبرات بنقل جميع عينات الفيروس إلى مؤسسات محددة أو تدمير تلك العينات.

تقريباً بعد شهر من تسجيل الحالات الأولى في ووهان، تبلغت الولايات المتحدة بما يحدث. حيث تلقى روبرت ريدفيلد مدير مراكز التحكم والوقاية من الأمراض تقاريرًا من زملائه الصينيين عن ظهور فيروس جديد من عائلة كورونا، بحسب سكرتير وزارة الصحة الأمريكية أليكس آزار، والذي سبق له الإشراف على عمل وزارة الصحة مع وباء (سارس) والجمرة الخبيثة. وطلب آزار من كبير الموظفين لديه أن يتأكد من إعلام مجلس الأمن الوطني بالمستجدات.

في نفس اليوم أصدرت مفوضية الصحة في بلدية ووهان بيانًا جديدًا كررت فيه القول: “حتى اللحظة لم تظهر التحقيقات الأولية أي دليل واضح على انتقال الفيروس بين البشر أو أي إصابات بين الطواقم الطبية“.

في 4 يناير: في حين كانت السلطات الصينية مصرة على عدم قدرة الفيروس على الانتقال بين البشر، كان الأطباء خارج الصين غير مقتنعين بالتصريحات الصينية. وقال رئيس مركز الأمراض في جامعة هونج كونج هو باك ليونج إنه: “يتوجب على المدينة تطبيق نظام مراقبة صارم تجاه التهاب رئوي فيروسي غريب أصاب العشرات في الصين، ومن المحتمل بشكل كبير أن هذا المرض قادر على الانتقال بين البشر”.

في 5 يناير: مفوضية الصحة في مدينة ووهان تنشر بيانًا حول أعداد الحالات في المدينة، وتكرر فيه: “لم تظهر التحقيقات الأولية أي دليل واضح على انتقال الفيروس بين البشر أو أي إصابات بين الطواقم الطبية“.

في 6 يناير: نشرت صحيفة نيويورك تايمز أول تقرير لها عن الفيروس، والذي جاء فيه “إصابة 59 شخصًا في مدينة ووهان وسط الصين بمرض شبيه بالالتهاب الرئوي“. وتضمن التقرير التعليق التالي:

بطبيعة الحال فإن افتراضات لينفا كانت قائمة على المعلومات المغلوطة التي كانت الحكومة الصينية تُقدمها للعالم.

في نفس اليوم أصدر مركز التحكم والوقاية من الأمراض في أمريكا CDC تحذيرًا من المستوى الأول بخصوص الصين، وهو الأقل من بين ثلاث درجات. وقال: إن مسبب المرض وطريقة انتقاله لا زالت غير معروفة، ونصح المسافرين إلى ووهان بتجنب الحيوانات الحية والميتة وأسواق الحيوانات والبشر المرضى.

وفي اليوم نفسه عرض مركز التحكم والوقاية من الأمراض CDC على الصين إرسال فريق للمساعدة في التحقيقات، لكن الحكومة الصينية رفضت ذلك، وتمكن فريق تابع لمنظمة الصحة العالمية يضم مواطنين أمريكيين من زيارة ووهان في 16 فبراير.

وفي 8 يناير: قالت السلطات الصينية: إنها تعرفت على نوع الفيروس، وكررت كما هو الحال بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية التي تنقل عنها: “لا توجد أدلة على قدرة الفيروس على الانتقال بين البشر، وهو ما قد يجعله خطيرًا، ولم يتم تسجيل أي حالة وفاة مرتبطة به”.

في9 يناير: أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانًا رسميًا قالت فيه: “التشخيص الأولي للفيروس خلال هذه الفترة القصيرة هو إنجاز مهم ويظهر التطور في قدرة الصين على إدارة حالات التفشي… منظمة الصحة العالمية لا تنصح بأي إجراءات خاصة للمسافرين وتقف ضد أي إجراءات لمنع السفر أو التجارة مع الصين بناءً على المعلومات المتوفرة حاليًا”.

في 10 يناير: بعد علاجه لمريض مصاب بـ فيروس كورونا دون علمه بحالة المريض، بدأ الدكتور لي وينليانج بالسعال وأصابته الحمى ليتم نقله إلى المستشفى في 12 يناير، وخلال الأيام التالية تراجعت حالته الصحية بشكل كبير، وتم نقله لوحدة العناية المشددة لحاجته للدعم التنفسي بالأوكسجين.

كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مفوضية الصحة في مدينة ووهان إعلانها أنه “لا يوجد دليل على انتقال الفيروس بين البشر“. فيما يستمر الأطباء الصينيون في رصد حالات الإصابة بين عائلات المرضى وهو ما يعاكس البيانات الرسمية الصادرة عن مفوضية الصحة في المدينة.

في 11 يناير: مفوضية الصحة في مدينة ووهان تصدر بيانًا تقول فيه: “تم إجراء مراقبة طبية لـ 739 شخصًا مقربًا من المرضى و419 عاملًا في الطاقم الطبي، ولم يتم العثور على أي حالة إصابة… لم يتم تشخيص أي حالات جديدة منذ 3 يناير 2020. في الوقت الحاضر لا توجد أي إصابات بين الطواقم الطبية ولا توجد أدلة واضحة على انتقال الفيروس بين البشر.” في نفس اليوم تنشر المفوضية ورقة أسئلة وأجوبة حول الفيروس تشدد فيها على أن “معظم حالات الالتهاب الرئوي مجهولة السبب في ووهان كانت متواجدة في سوق المأكولات البحرية. ولا يوجد أدلة على انتقال الفيروس بين البشر”.

في ذلك اليوم عقد القادة السياسيين في مقاطعة هوبي التي تضم مدينة ووهان اجتماعهم الإقليمي، ولم يتم ذكر فيروس كورونا خلال أيام الاجتماعات التي استمرت لمدة أربعة أيام.

 وائل قرصيفي

صحافي ومدون سوري

ترجمة: وائل قرصيفي

تدقيق لغوي: مُنى عبد الوهاب

المحطة

——————————-

الطمأنينة تحت العاصفة: كيف نحافظ على هدوئنا في الأزمات/ عبد الله عرفة

العواصف          

تستمع إلى المذياع يتحدث عن العواصف المرتقبة التي لم تمر البلاد بمثلها منذ عقود، بعدها تتحدث الأخبار عن جائحة لم تحدث منذ قرن أو يزيد. تتلاحق أمام عينيك في وسائل التواصل وفي كل مكان كلمة “عاجل” يتبعها خبر سيء، يتصاعد الأدرينالين بدمك، يزداد الضغط عليك وترتفع مستويات القلق والخوف لديك. كل الأخبار سيئة وكل خبر أسوأ من سابقه، يصبح التوتر في هذه الظروف أمرًا بديهيًا ! ولكن لابدّ من أفكار أو خواطر تساعدنا في أوقات الكوارث ونحن تحت عاصفة من الأزمات، حتى تمر علينا بسلام.

تقبّل: نحن كائنات رائعة، ولكننا كذلك كائنات هشّة تعيش في ركنٍ ضئيلٍ من الكون، غني بالأكسجين بصورة غامضة. لم نكن ولن نكون أبدًا سادة لظروفنا تمامًا. سنبقى دائمًا تحت رحمة قوى رائعة لا يمكن التحكم بها، والتي علينا أن نستسلم لها بدرجة من الإعجاب.

استسلم: لضعفنا أمام الأحداث، ولعجز عقولنا العظيمة، للشعور بالتواضع أمام قوى الطبيعة، ولضعفنا أمام عبث الكائنات الدقيقة.

تخلّى: عن صور الكمال، عن الحياة الخالية من العيوب والمسارات التي لا تشوبها شائبة. علينا أن نتوقع، باستمرار، أننا قد نُباغت أو نؤخذ على حين غرة.

لا اضطهاد هنا: نحن لسنا المقصودين من أي شيء مما حدث، لم يصيبنا ما أصابنا عن عمد وقصد. قد نكون ضحايا للأمر، لكننا بالتأكيد لم نكن أهدافًا له.

قدّم الحب: قدّم الحب لرفاقنا البشر المصابين، قدم يد العون لجيرانك الحائرين والخائفين مثلك تمامًا. ابنِ صداقات في رحلتنا الرائعة من الضعف المشترك والمليئة بالمفاجئات.

اخدم: يمكن أن تتحصل على الراحة من الغنى الناتج عن تقديمك الحب بدلًا من استقبال الحب، وكم إنّ الأمر بهيج أن تخدم أكثر من أن تُخدم. خذ عطلة من البحث القاسي عن الإنجاز الفردي لصالح الهدف الأسهل دائمًا: طمأنة وراحة الآخرين.

التشاؤم: تحصّل على راحة البال بأن لا تتوقع الأفضل، بل بتوقع الأسوأ وجعل نفسك على وفاق تام مع الاحتمالات الأكثر بغضًا. استنزف من الهلع والخوف نقطة قوته المتمثلة في الصدمة والمفاجأة.

كن ممتنًا: لزقزقات الطيور، لرسومات الأطفال، لفروع الأشجار المهتزة أمام نافذتك، لطعم الشراب البارد في حلقك، ولذكرياتك على الشاطئ مع عائلتك أو أصدقائك من سنين.

اضحك: على عبثية العرض، واستمر في السخرية بتحدٍ حتى في أحلك الأوقات.

سامح نفسك: على عجزك أن تكن كما تريد تمامًا، وأن تكن هادئًا وذكيًا كما ترغب. من الطبيعي تمامًا ومن المطلوب أحيانا أن تكون مخبولًا معظم الوقت.

الملذّات الصغيرة: يومًا بيوم، مع الحفاظ على مكان خاص للملذات الصغيرة: النظر للزهور وأكل الشوكولاته والاستحمام بماء ساخن والدعابات مع الأصدقاء.

نحن جزء من كائنات استطاعت في مائة ألف عام فقط من الوصول إلى فهم مذهل للوجود، وبناء آلات عملاقة، وتعلمت أن تعتبر أنفسها مسؤولة عن الأمور. علينا أن نتقبل حاجتنا للشعور بالخوف قليلًا ومن وقت لآخر، بأننا ضئيلون للغاية.

المحطة

———————————-

ألمانيا تصدق على بدء تجارب سريرية للقاح ضد كورونا

برلين: صدقت السلطات الألمانية على إجراء تجارب سريرية للقاح جديد ضد فيروس كورونا.

وأفاد بيان صادر عن معهد بول إرليخ المتخصص في منح التصاريح للقاحات والأدوية في ألمانيا، الأربعاء، بأنه تم التصديق على إجراء تجارب سريرية للقاح طورته شركة “بيونتيتش” (BioNTech) التي يعد العالم التركي البروفيسور أوغور شاهين مؤسساً مشاركاً لها في مدينة ماينتس جنوب غربي ألمانيا.

وأضاف البيان أن اختبار اللقاح المحتمل على البشر هو خطوة هامة في مضمار تطوير لقاح فعال ضد كورونا، وأن شركة بيونتيتش تم منحها الإذن لإجراء هذه التجارب بعد دراسات تقييمية دقيقة. من جهتها ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن الشركة المذكورة ستجرب اللقاح المحتمل على نحو 200 متطوع سليم.

وحتى ظهر الأربعاء، أصاب كورونا أكثر من مليونين و573 ألفا بالعالم، توفي منهم ما يزيد على 178 ألفا، وتعافى أكثر من 701 ألف، وفق موقع “وورلد ميتر” المختص برصد ضحايا الفيروس.

(الأناضول)

————————-

خبير فيروسات ألماني: كورونا لا ينتقل عبر اللّمس

نفى الخبير الألماني في علم الفيروسات، هندريك ستريك، فرضية إمكانية انتقال فيروس كورونا عن طريق الأسطح المعدنية والخشبيّة، وشكّك في الدراسات التي أشارت إلى إمكانية انتشار الفيروس عن طريق المعادن أو المصافحة واللّمس.

وأشار ستريك، وهو مدير معهد علم الفيروسات وأبحاث فيروس نقص المناعة البشرية في جامعة بون، إلى أنّ الفيروس لا ينتشر بسهولة كما أشارت العديد من الدراسات السابقة، وأنّ الأبحاث التي أجراها أخيراً، أثبتت أنّ الفيروس لا ينتقل عبر الأسطح، ولا ينتقل عن طريق اللّمس.

وجاءت نتائج دراسة ستريك بعد قيام مجموعة من الخبراء الألمان بدراسة، هي الأولى من نوعها، بحسب وصفهم، حيث استخدموا المنطقة الأكثر تضرّراً في البلاد كمختبر واقعي لمعرفة كيفية انتشار الفيروس، والآليات الممكنة لاحتوائه.

وكان الفيروس قد انتشر على نطاق واسع بين سكّان هاينزبرغ، وهي منطقة تقع في شمال الراين – وستفاليا، على حدود هولندا، ويُطلق عليها اليوم اسم “ووهان الألمانية”، حيث تشير التقديرات إلى أنّ عدد المصابين تخطّى 1281 إصابة مؤكّدة، فيما تعافى أكثر من 550 شخصاً من المرض.

ووفق صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فإن فريقاً طبياً برئاسة ستريك، توجّه إلى قرية هاينزبرغ، معقل انتشار الفيروس، لدراسة أسباب انتشاره. وأظهر البحث الذي أجراه ستريك على منزل عائلة مصابة بالعدوى، أنّ البيت لم يكن يحتوي على أيّ فيروس حيّ على أيّ سطح، ولا على مقابض الأبواب أو فرو الحيوانات.

وقال ستريك في مقابلة له على التلفزيون الألماني إنّه “لم تكن هناك إصابات مؤكّدة في المدينة، أثناء التسوّق أو حتى عند زيارة مصفّفي الشعر، ما ينفي الدراسات التي تناولت انتشار الفيروس في الأماكن العامة لفترة زمنية”.

وأضاف أن نتائج الدراسة ستستخدم لوضع مخطّط لكيفية تعامل ألمانيا مع الفيروس خلال السنوات القليلة المقبلة. وأشار إلى أنّ النتائج التي توصّل إليها مع فريقه، ستساعد في تقديم توصيات إلى السياسيين لكيفية اتخاذ القرارات المناسبة.

وقال ستريك في اجتماع للبرلمانيين تمّ بثه على شاشة التلفزيون الألماني، “إنّها فرصة كبيرة لكلّ ألمانيا للنجاة من الفيروس، إذ سنقوم بجمع المعلومات والنصائح العمليّة حول كيفية التعامل مع كوفيد – 19، دون أن نضطر إلى إيقاف حياتنا إلى الأبد”. وأكّد أنّ الفيروس لا ينتقل إلّا في حالة واحدة فقط، وهي عن طريق رذاذ السعال أو العطس.

وكانت صحيفة الـ”تايمز” البريطانية، قد أشارت إلى أنّ الفريق البحثي المؤلّف من 40 باحثاً يعمل على إجراء فحوصات لنحو 1000 شخص في المدينة الألمانية، لمعرفة كيفية انتشار الفيروس وانتقاله إلى الناس.

ووفق الصحيفة، سيقوم الباحثون بتوزيع عملهم على رياض الأطفال، والمستشفيات والمتاجر، إضافة إلى زيارة 500 عائلة، للتعرّف إلى جوانب الحياة اليوميّة لسكّان هذه المدينة. وستساعدهم الدراسة في التعرّف إلى أسباب انتشار الفيروس، وإمكانية انتقاله من الأطفال إلى البالغين أو العكس. وسيدرس الباحثون أيضاً مدى إمكانية انتشار الفيروس أو انتقاله من الأسطح إلى الأفراد.

عندما تمّ اكتشاف تفشّي المرض لأول مرة في المنطقة، بدأ المواطنون بتجنُّب الكثير الأماكن، وعمد الناس إلى اتّباع إجراءات التباعد الاجتماعي، إلّا أنّ العدوى انتشرت بسرعة بين السكّان، وتبيّن بأنّ معظم الإصابات لم تُظهر أيّ أعراض تُذكر.

وكان علماء من “مستشفى غرايفسفالد الجامعي” وجامعة Ruhr-Universitat Bochum، وكلاهما في ألمانيا، قاموا بجمع المعلومات حول الفيروسات التاجية، في خطوة لفهم مدّة بقاء الفيروسات التاجيّة على الأسطح.

وبحسب دراستهم، التي نشرت الشهر الماضي في موقع Medical news today، وهو موقع متخصّص بالأخبار الطبيّة، فإنّ مدة حياة الفيروسات التاجية على الأسطح الجامدة، مثل الطاولات ومقابض الأبواب، تصل إلى ما يقارب يوماً في حال كانت درجة الحرارة منخفضة، بينما هي تعيش لفترة أقصر، في حال كانت درجة الحرارة تتراوح بين 30 و40 درجة مئوية.

كما استنتج الباحثون أنّه يمكن للفيروسات التاجيّة أن تبقى على الأسطح الجامدة، لمدة تصل إلى 9 أيام، كما أشاروا إلى أنّ الفيروس يمكن أن يعيش على البلاستيك لفترة ما بين 3 إلى 5 أيام.

——————————-

الاتحاد الأوروبي منقسم قبل قمة حول ما بعد كورونا

يبدو القادة الأوروبيون منقسمين أكثر من أي وقت مضى فيما يبحثون، اليوم الخميس، الحلول الهادفة لإخراج الاتحاد الأوروبي من الركود الناجم عن وباء فيروس كورونا الجديد، ما سيرغمهم على إرجاء أي قرار هام بهذا الصدد.

وتعجز الدول الـ27، في الوقت الحاضر، عن التفاهم حول سبل إعادة تحريك العجلة الاقتصادية. وفي مؤشر إلى مدى خلافاتهم، من غير المقرر أن يصدروا كالعادة بياناً مشتركاً في ختام القمة التي يعقدونها عبر دائرة الفيديو.

وكتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، المكلف بالإشراف على اجتماعات القمة، في الدعوة التي وجهها لرؤساء الدول والحكومات: “أقترح الاتفاق على العمل على إنشاء صندوق إنعاش في أسرع وقت ممكن”.

ومن المتوقع أن توكل هذه المهمة إلى المفوضية الأوروبية التي سيطلب منها العمل سريعاً على هذه المسألة، ما سيشكل، برأي مصدر أوروبي، “النتيجة الرئيسية للمجلس”.

إلا أن فيروس كورونا الجديد ضرب الاقتصاد مباشرة. ومن المتوقع، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، أن يسجل الاتحاد الأوروبي الذي يخضع معظم سكانه للحجر الصحي، تراجعاً بنسبة 7.1% في إجمالي ناتجه الداخلي هذا العام.

وقد تكون الأزمة التي تهدد دول منطقة اليورو الـ19 الأسوأ منذ اعتماد العملة الموحدة عام 1999.

في هذا السياق، عادت الانقسامات القديمة بين الشمال والجنوب التي ظهرت في أعقاب الأزمة المالية عام 2009. فمن جهة، تطالب دول الجنوب المتضررة بشدة من الوباء، مثل إيطاليا وإسبانيا، بمزيد من التضامن المالي من جيرانها في الشمال؛ وفي المقابل، تتمنع دول الشمال الأقل تأثراً بالوباء، وفي طليعتها ألمانيا وهولندا، عن دفع فاتورة دول تأخذ عليها عدم إظهار انضباط مالي خلال سنوات النمو.

ولخص مسؤول أوروبي كبير الأمر بالقول إنّ “بلدان الجنوب لديها انطباع بأن بعض الدول، وهي أقوى اقتصاديا في الوقت الحاضر، ستستغل هذه الأزمة لتعزز قوتها أكثر. أما دول الشمال فتعتقد أن جيرانها في الجنوب يريدون اغتنام الوباء لينقلوا إليها أعباء الديون التي اقترضوها في الماضي”.

ويتوقع قصر الإليزيه “المزيد من المناقشات في ختام” اجتماع المجلس، مستبعداً التوصل إلى اتفاق قبل الصيف. وقال مصدر فرنسي “يتطلب الأمر اجتماعاً مباشراً وجهاً لوجه بين رؤساء الدول والحكومات، ولسنا في الوقت الحالي قادرين على عقده”.

(فرانس برس)

———————————-

ملف موقع درج عن الفيروس كورونا

https://daraj.com/43981/

———————————–

رمضان في ظل “كورونا” كما لم يألفه المسلمون من قبل …/ نور يوسف

العالم العربي بفئاته كافة محجور، خوفاً من الفايروس المستجد. لا صلاة في المساجد، وبخاصة صلاة التراويح. لن يشهد رمضان تجمعات عائلية كبيرة على مائدة الإفطار، فأزمة “كورونا” فرضت التباعد فرضاً، ولم تترك خياراً آخر.

“المحلات كانت تسترزق في هذا الشهر، الأفران، المقاهي، محلات الثياب… لكن للأسف وكأن الدورة الاقتصادية كلها توقفت”، يقول أبو صالح الرجل الستيني صاحب متجر عطارة (بهارات، وأعشاب، ومونة، وغيرها…) في سوق صور التجاري، في جنوب لبنان.

وفيما كان أبو صالح يروي معاناته، دخلت زوجته، سمعت حديثنا، ثم قالت: “المال مقدور عليه بيروح وبيجي… ابني الصغير كان واعدني يجي من ألمانيا عأول رمضان، نصوم ونعيّد سوا، بس يا حسرة ما زبطت معو بسبب كورونا… صرلو 3 سنين غايب ومحروم من الجمعة معنا”. قالت ذلك قبل أن تمتلئ عيناها بالدموع. وتضيف: “يختلف الوضع من بيت إلى آخر، إلا أن الأيام القاسية تمر على الجميع بلا استثناء”.

مع حلول رمضان، يقف العالم أمام مفارقة جديدة صنعتها جائحة “كورونا”، لتكون بداية شهر هادئة على غير العادة.

لا مظاهر للحياة الاجتماعية، فالعالم العربي بفئاته كافة محجور، خوفاً من الفايروس المستجد. لا صلاة في المساجد، وبخاصة صلاة التراويح. لن يشهد رمضان تجمعات عائلية كبيرة على مائدة الإفطار، فأزمة “كورونا” فرضت التباعد فرضاً، ولم تترك خياراً آخر. حتى أن خيم الإفطارات الخيرية ستغيب عن المناطق والأحياء…

سهرات السحور المتأخرة في المقاهي والمطاعم ستتحول إلى وجبات محدودة داخل المنزل. الإقبال على محلات الحلويات قد يتلاشى تماماً هذا العام مع حظر التجول المفروض، من دون أن ننسى الزينة الرمضانية التي غابت تماماً عن الطرق.

أسواق ضواحي بيروت التي تشهد محلاتها عادةً إقبالاً كثيفاً مع اقتراب شهر رمضان عادة، أتى “كورونا” هذا العام بتداعيات كارثية عليها بسبب القيود والإغلاقات، فالشهر الذي كان يعتبر مصدراً لازدهار تجارة صغار الباعة وأصحاب بسطات التمر والعصائر والفواكه المجففة، كذلك الحلويات من قطايف وكلاج… حلّ كما لا تشتهيه السفن.

يقول أحمد (26 سنة) صاحب إحدى البسطات الرمضانية: “كل سنة قبل شهر رمضان بأسبوع ببلش حضّر للموسم… ببيع عصير ليمون، وليموناضة، وجلاب. بطلع مصروفي هالشهر، بس هالسنة انضرب الموسم”، إذ منعت هذه البسطات، لتخسر الشوارع أيضاً مظهراً آخر من مظاهر شهر رمضان وأجوائه.

الحال هذه تنطبق أيضاً على أصحاب المطاعم والمقاهي ومحال الألبسة والمواد الغذائية من حلويات وغيرها التي كانت تنتظر الموسم بفارغ الصبر لتعويض خسائر السنة في ظل وضع اقتصادي سيئ يمر على العالم.

لا تراويح في ظل “كورونا”

“هيئة كبار العلماء في السعودية”، حثت المسلمين في أنحاء العالم على أداء صلوات الفريضة والتراويح في منازلهم خلال شهر رمضان، كذلك الأمر في الأردن والبحرين والكويت وفلسطين ولبنان وتونس والمغرب.

في العراق، قررت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية العراقية رفع حظر التجول خلال شهر رمضان، من السادسة صباحاً حتى السابعة مساءً، باستثناء مناطق لم تفصح عنها، يأتي ذلك فيما بدأت العاصمة العراقية تشهد حركة ملحوظة للمارة والمتسوقين والسيارات.

أما في إيران، فسمحت السلطات باستئناف الأنشطة “منخفضة المخاطر” على غرار المتاجر والشركات الصغيرة. كما دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الشعب إلى الصلاة في المنازل خلال شهر رمضان للحد من تفشي فايروس “كورونا” في إيران.

“منظمة الصحة العالمية” أصدرت عدداً من الإرشادات المتعلقة بصيام شهر رمضان والمناسك المتعلقة به، منها إلغاء المحافل الاجتماعية والدينية. وقدمت المنظمة نصائح للوقاية من “كورونا” خلال رمضان، من بينها، التدريب على التباعد الجسدي من طريق الالتزام الصارم بترك مسافة لا تقل عن متر واحد بين الأشخاص فى جميع الأوقات، واستخدام التحية المقبولة ثقافياً ودينياً التي تستبعد الملامسة، ومنع تجمع أعداد كبیرة من الأشخاص فى الأماكن المرتبطة بالأنشطة الرمضانية، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحلات التجارية.

وتطرقت المنظمة إلى ضرورة تطبيق عدد من التدابير على أي تجمع للناس خلال شهر رمضان، كالصلاة وزيارة الأماكن المقدسة والإفطارات الجماعية أو الولائم.

وفي السياق ذاته، أكدت “منظمة الصحة العالمية”، أنه لم تجرَ أي دراسات بشأن الصيام ومخاطر الإصابة بعدوى كوفید-19، ومن المفترض أن یكون الأشخاص الأصحاء قادرين على الصيام خلال شهر رمضان، كما في السنوات السابقة، فى حین يجدر بالمرضى المصابين التفكير في الحصول على رخصة شرعية لإفطار شهر رمضان بالتشاور مع أطبائهم، كما هو الحال مع أي مرض.

أيام أشبه بزمن الاحتلال الإسرائيلي

تقول نسرين (58 سنة) التي عايشت فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان إن الوضع اليوم أعادها بالذاكرة إلى تلك الأيام. “كنا عالساعة 6 نفوت عالبيت وما نضهر منو قبل تاني يوم الصبح… رمضان مرق علينا متل ما رح يمرق هالسنة بالضبط… لا إفطارات عائلية ولا حتى جمعات”، مستثنيةً بذلك صلاة العيد التي كانت تقام ضمن وقت محدد أيام الاحتلال.

“هيدي السنة رح نستقبل رمضان بطقوس جديدة… الجمعات اللي معودين عليها من الإفطار للسحور رح ننحرم منها، وولادي وأحفادي ما رح يشاركونا السفرة هالسنة… حتى عالعيد يمكن ما نلتقي… القصة مش سهلة خاصة على أم معودة إنه ما يمرق يوم وولد من ولادها مش عم يفطر عندها”.

“المائدة التي كنا نحضّرها، ستكون ناقصة بسبب الغلاء الفاحش، ومحلات الحلويات ستكون مقفلة، وربما سيكون علينا أن نتولّى مهمة تحضير الحلوى”، تقول نسرين.

باحثون في التاريخ وفق روايات متداولة أكدوا أنه مرت على المسلمين جائحتان في شهر رمضان، الطاعون في العصر الأموي في مدينة البصرة في العراق عام 747، وما سمي “الوباء العظيم”، الذي وقع في بلاد الشام عام 1348، وانتقل إلى مصر.

إلا أنه وعلى رغم ذلك لم تغلق المساجد بقرارات من الحاكم، بل إن الناس كانوا يبادرون إلى الابتعاد من المساجد، ويلجأون إلى الجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء.

مسلسلات رمضان والفعاليات الرياضية

لن يشهد شهر رمضان أعمالاً فنية بالحجم المعتاد، بسبب توقف تصوير الكثير من المسلسلات بسبب “كورونا”، ما دفع منتجي تلك الأعمال إلى تأجيل تصويرها.

الممثلة اللبنانية نادين نسيب نجيم، أعلنت خروج مسلسلها “2020” من سباق دراما رمضان 2020. وغردت عبر حسابها على موقع “تويتر”: “مع الأسف العمل تأجل إلى بعد رمضان، ولكن الحماس والطاقة الإيجابية موجودين، والتفاؤل بالنجاح والأمل، أن كل شيء راجع متل الأول إن شاء الله، هل أزمة على الكل ورح تعدّي أهم شيء سلامة الناس وصحتنا ونرجع نشتغل، رح اشتقلكم كتير كتير”.

وكانت الفنانة التونسية هند صبري، أعلنت توقف تصوير مسلسلها التلفزيوني، “هجمة مرتدة”، بسبب تفشي فايروس “كورونا”. وتابعت خلال مداخلة عبر “فيديو كونفرانس”، على فضائية “فرانس 24”: “لن نستطيع أن نكون جاهزين لشهر رمضان، وهناك خسارة كبيرة للمنتجين وللعمال”.

وكان شهر رمضان يشهد عدداً من البطولات الرياضية، التي تقام عادة بعد الإفطار ويطلق عليها اسم “البطولات الرمضانية”، بين فرق كرة قدم شعبية في المناطق والقرى، إلا أن فايروس “كورونا” سيحول دون ذلك.

العالم العربي يستقبل موسماً رمضانياً شبه “كئيب” مع غياب طقوس كثيرة تميز بها هذا الشهر على مر عقود خلت، قبل أن يجتاحنا “كورونا”.

درج

————————————

مدير هيئة طبية أميركية يقول إنه أُقيل من منصبه بسبب الكلوروكين

أ. ف. ب.

أكد مدير الهيئة الحكومية الأميركية المكلّفة تطوير علاجات ولقاحات ضد فيروس كورونا المستجدّ ريك برايت الأربعاء أنه أُقيل من منصبه لأسباب سياسية، بسبب معارضته لاستخدام زاسع للكلوروكين، الدواء الذي يتفاخر به الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمعالجة المصابين بكوفيد-19.

وكان برايت يدير حتى وقت قريب هيئة البحث والتطوير الطبية المتقدمة، شريكة مؤسستين تطوّران لقاحات ضد كوفيد-19، المرض الناجم عن فيروس كورونا المستجدّ. وتمّ نقله إلى المعاهد الوطنية للصحة، وفق ما جاء على موقع “ستات”.

وقال ريك برايت في بيان نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأربعاء “أعتقد أن نقلي سببه إصراري على أن تستثمر الحكومة مليارات الدولارات التي خصّصها الكونغرس لوباء كوفيد-19 في أدوية مؤكدة ومثبتة علمياً وليس في أدوية ولقاحات وتكنولوجيات أخرى بدون قيمة علمية”.

وتابع “أتحدّث عن ذلك لأنه من أجل مكافحة هذا الفيروس القاتل، ينبغي أن يقودنا العلم وليس السياسية والمحسوبية”.

وروى أنه عارض المسؤولين في وزارة الصحة المعيّنين من جانب الرئيس، بشأن الكلوروكين والهيدروكسيكلوروكين، وهما عقاران قديمان ضد الملاريا يستخدمهما أطباء ضد كوفيد-19 لكن من دون أن يكون هناك حتى الآن دراسات سريرية تثبت فعاليتهما، ورغم مخاطر حصول مضاعفات في القلب.

وأكد ريك برايت “قمت، بالتحديد وخلافا للتوجيهات غير المرحب بها، بالحد من استخدام واسع للكلوروكين والهيدروكسيكلوروكين اللذين تروج لهما الإدارة (الأميركية) على أنهما العلاج السحري، لكنهما يفتقران إلى معايير الجدارة العلمية”.

وقال إنه حارب من أجل حصر استخدام هذين الدوائين بالمرضى القابعين في المستشفيات فقط، بدلاً من السماح لعامة الناس بالحصول عليهما.

وقد أعطت الحكومة الأميركية أخيراً إذناً طارئاً لاستخدام الدوائين في المستشفيات.

وندد بإقالته في خضمّ تفشي الوباء العالمي وحذّر من أنه سيطلب من المفتّش العام للصحة التحقيق بشأن “الطريقة التي سيّست فيها الإدارة عمل” الهيئة التي كان يرأسها و”مارست ضغوطاً عليّ وعلى علماء آخرين ضمائرهم حيّة من أجل تمويل شركات لديها علاقات سياسية”.

وأوصت لجنة خبراء أميركيين تشرف عليها المعاهد الوطنية للصحة، الثلاثاء الأطباء بعدم معالجة المصابين بمرض كوفيد-19 بالعلاج المزدوج الذي يجمع بين عقاري هيدروكسيكلوروكين وأزيتروميسين، والذي روّج له الطبيب الفرنسي المعروف ديدييه راوول.

وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بادئ الأمر بهذا العلاج المزدوج واصفا إياه بأنه “هبة من الله”، لكنه لم يعد يأتي على ذكره مؤخراً بعد الجدل الدائر بشأنه والنتائج المقلقة التي تحدث عنها أطباء، خصوصاً الدكتور أنتوني فاوتشي مدير معهد الأمراض المعدية والمسؤول في خلية الأزمة المكلفة مكافحة كورونا المستجد في البيت الأبيض.

——————————————

جائحة العصر… العيش في زمان الخوف: كأن الناس مهيأون للهلع منذ وقت طويل وكانوا فقط بانتظار اللحظة المواتية/ ندى حطيط

عندما كان العالم (الغربيّ) يقترب من الألفيّة الأولى، تقول المصادر التاريخيّة، شاعت في الناس نبوءة بأنها القيامة الموعودة، فساد مزاجٌ من الهلع والقنوط، هُجرت الأراضي، وتفرقت الأسر، وتوقّف كثيرون عن ممارسة أعمالهم المُعتادة، فيما تعددت الطرائق الدينية المنعزلة وتناثر المُهرطقون.

وإذا أردنا أن نحكم على تلك الفترة اليوم، حصراً من خلال مصادرنا التاريخيّة، فإنّه يسهل القول عندها بأن البشر إذا ألمّت بهم الجوائح مالوا إلى هجران التعقل، ولاذوا من خوفهم بالأفكار الغيبيّة والشّعوذة والأساطير. والحقيقة أن معظم الرّوايات التي وصلتنا إنما كُتبت بعد حركة الإصلاح الديني في أوروبا على أيدي رهبان بروتستانت كان ديدنهم وصم رفاقهم الكاثوليك من قبلهم بالجمود والانغلاق وانعدام الحكمة، فيما شرع مؤرخون علمانيون لاحقون في عصر النهضة بافتعال أشياء عن انعطاف الألفيّة ليس عليها من دليل -وعلى الأعمّ الأرجح أنّها لم تحدث قط- سعياً منهم لإبراز زحف «العقل»، وانتصاره على ظلاميّات العصور السابقة.

ويبدو أن بعض كتّاب الصحف المعاصرة يريدون لعب أدوار مماثلة بدعواتهم الناس للاعتصام بالعقل، وعدم السّقوط في لجة الهلع، بعد تفشي القاتل الخفي الجديد الذي يقف على باب الكون كله، فلا هو يعترف بحدود ولا إمبراطوريّات، ولا يفرّق بين زعماء وصعاليك.

لكن التدقيق فيما وراء النّصوص الكلاسيكيّة عن انعطاف الألفيّة الأولى يشير إلى تجذّر القابليّة للهلع لدى ناس المرحلة، إذ وهم في أغلبهم فقراء تعساء أقنان كثرت عليهم موجات الأوبئة، وتكررت غزوات البرابرة على الحواضر والنجوع، وسادت المجاعات، مع الشّروخ التي بدأت تمسّ نظام الإقطاع، وتراجع قدرته على الإنتاج. لقد كانوا يعيشون مناخاً من الخوف الحقيقي المستند إلى الوقائع، متعبين من الحياة، لكنّهم يخشون الموت. ولذا كان أمر هلعهم العريض بنبوءة نهاية العالم أشبه بتحصيل الحاصل.

وقياساً على ذلك، فإن تفكيك الحالة المعاصرة من الهلع الكوروني ينبغي أن يُستهل في مناخ الخوف الذي كنّا فيه أصلاً عبر أدوات الإعلام والميديا والمنتجات الثقافيّة على تعدد أشكالها. وفي ذلك يقول باري غلاسنر، بروفسور السيسيولوجيا الأميركي مؤلّف كتاب «ثقافة الخوف» (Culture of Fear)، إننا «نعيش في أسوأ مناخ رهاب عاشه البشر خلال تاريخهم الطويل، ولعل السبب الأساسي لذلك كامن في حقيقة أن هنالك تراكماً من الرأسمال والنفوذ لدى جهات وأفراد تتوافق مصالحها في الهيمنة على تعظيم الخوف، ونشر عملته على أوسع نطاق في المجتمعات الحديثة». «التخويف»، يقول نيل ستراوش، الصحافي الأميركي «صناعة تعني مزيداً من نقل الثروة بالمليارات إلى جيوب النافذين السّمان». وبالفعل، فإن صناعة الإعلام، وشركات التأمين، وجماعات الضغط المستأجرة، وكبريات صناعة الأدوية، وتجار الأسلحة، والمحامون والسياسيون، إنما تزدهر أعمالهم كلّما اشتدت الخُطوب على الناس، وظنّوا أن الحظ الحسن هجرهم.

وتبدو مهمّة تجار الخوف هؤلاء يسيرة بحكم التكوين البيولوجي والسيكولوجي للبشر، إذ تبدو أدمغتنا، على حد وصف البروفسور أندرو هوبرمان، أستاذ البيولوجيا العصبيّة بستانفورد، أقرب إلى «ماكينة استجابة للأخطار، مهمتها العمليّة أن تُبقينا أحياء فور تقييمها لأي مؤثر بصفته خطراً بشكل ما، وإشعارنا بالخوف». ومن المعروف بالطبع أن الشّعور بالخطر يدفع إلى وقف أنشطة الدّماغ الخلاّقة جميعها، ويمنح نوعاً من السّيطرة لأدمغتنا البدائيّة القائمة على إدارة الرّهاب بأساليب دفاعيّة. وهي المقاربة الأساسيّة التي يقوم عليها منهج منتجي الخوف الجمعي المعاصرين، إذ هم «يحوّلون الخوف من شيء مرتبط فعلياً بتهديد ملموس إلى ضباب هلع كثيف معمم معقّد من تزايد احتمالات التعرّض إلى تهديد جدي في المستقبل يتسبب بالفناء. قلقٌ مقيم من شيء لم يحدث بعد، ولربّما لن يحدث قطعاً. خبرة يوميّة من عدم تيقّن أبديّ». فبدلاً من شعور المواطن بالخوف -الطبيعي- إذا ما وقع حادث إطلاق نار في مكان عام، يتولاه شعور هلع مستدام من تصاعد إمكانيّة حدوث إطلاق نار في أي وقت.

وتقول دراسة مهمّة حول خوف الأميركيين العاديين، أجرتها جامعة تشابمان (2017)، إن أعداداً متزايدة من المواطنين تعيش في ظلّ خليط من قلق مركّب: خوف من هيمنة حكومات فاسدة تخدم أجندات مشبوهة، وحروب سيبيريّة تستهدف أساسيات الحياة المعاصرة من كهرباء وماء وأنترنت وأجهزة إلكترونيّة، كما مراقبة الشركات الكبرى للمعلومات الشخصيّة، وحوادث الإرهاب العُنفيّ.

ويتمّ بناء هذا القلق المركّب عبر مزيج رّسائل متتابعة ومحفزات متتاليّة يتلقاها أفراد المجتمع من خلال وسائل الإعلام ومنتجي الثقافة الّذين تتضافر جهودهم -وإن ظهرت لغير العين المراقبة متباعدة غير منسّقة- في خدمة ذوي الأجندات السياسيّة والاقتصادية لبناء تراكم كمي تدريجي في عقول الأفراد، قبل أن يؤدي ذلك -بحكم الوقت- إلى ما يشبه تماماً مفعول غسل الأدمغة.

ولعلّ مما يفاقم من تأثير هذه الرّسائل في العقدين الأخيرين تشظّي استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وما ينتج عنها من استقطاب متصاعد، وفق ما يسميه علماء السيسيولوجيا بقانون «الاستقطاب الجمعيّ»، ويسجّل -مخبريّاً- نزوعاً لدى البشر الذين يقضون أوقاتاً مطوّلة في غرف صدى افتراضية تجمع المتشابهين بالأفكار والخبرات إلى تبني وجهات نظر أكثر تطرفاً ورجعيّة وقناعة بشأن المخاوف المشتركة الخاضعة للنقاش. وهو الأمر الذي قد يفسّر بصيغة ما صعود الفاشيات في أوقات التزعزع الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار نظريّات المؤامرة بشكل ملحوظ، مقارنة بأوقات الرّخاء.

ويبدو أنّ التقدّم غير المسبوق في العلوم الاجتماعية خلال الثلاثين سنة الأخيرة قد وفّر لتجار الخوف أدوات بسيطة شديدة الفعاليّة لتعظيم ثقافة الخوف وتوسيعها، إذ إن حادثة إرهابيّة معزولة -مصطنعة كانت أو حقيقيّة- تؤدي إلى مقتل عدد قليل من الأبرياء يمكن توظيفها في وضع شعوب بأكملها في مزاج الرّعب والهلع من خلال وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين. هذا في الوقت الذي يموت فيه يومياً مئات الأشخاص في كل مدينة بسبب السرطان أو الكحول أو جرعات مخدرات زائدة أو بسبب السمنة أو حوادث الطرق أو سوء التغذية أو غياب الخدمات الصحيّة الكافية، وهذه كلّها وفيّات يمكن التقليل منها دراماتيكيّاً لو أن جهد السلطات كان أساساً موجهاً لخدمة الأكثريّة، لا مصالح القلّة. ومن المثبت علميّاً الآن أن الخائفين أكثر من غيرهم تقبلاً للخضوع إلى سلطات استثنائيّة، وللتنازل عن حقوقهم الأساسيّة، مقابل استعادة نوع من أمان مؤقّت. ويُطلق البروفسور هوبرمان على هذه الممارسة اسم «الحرب العصبيّة البيولوجيّة»، وصنّفها ضمن الأسلحة الاستراتيجيّة المتوفرّة للحكومات.

وتلحظ مارغي كيرّ، في كتابها «الصّرخة: مغامرات مرعبة في علم الخوف»، أن أفراد المجتمعات المعاصرة هم في مزاج أسوأ من الخوف، مقارنة بأسلافهم قبل مائتي سنة مثلاً. وهي تربط ذلك بكثرة الأحداث التي يتم وضعها إعلامياً في سياق التخويف، فتتابَع التحديثات عنها لحظيّاً عبر الهواتف النقالة وقنوات الإعلام التقليديّة والميديا الحديثة، مما يخلق شعوراً زائفاً بالانخراط بالحدث. وحتى عندما يهرب المرء في نهاية يومه إلى فضاء الترفيه، فإن بانتظاره سيل لا يتوقف من أفلام الحروب، ومطاردات الشرطة، والتحليل الجنائي والجرائم الحقيقيّة والمتخيّلة، والزومبيّات، ونظريّات المؤامرة، والديستوبيّات. وتقول كيرّ إن هذا التعرّض المكثّف لجرعة العنف اليومي ليس له من نتيجة سوى تسربه إلى اللاوعي وكأنه حقيقة موضوعيّة قد تحدث للمرء في أي لحظة.

وهكذا، عندما تسقط شعوب الغرب المتقدّم بالهلع بعد انتشار أنباء وباء كورونا، ويتقاتل الناس لشراء مستلزمات أساسيّة لم يحتاجوها بالفعل، فإن لا شيء يثير الاستغراب. فكأن الناس مهيأون للهلع منذ وقت، وكانوا فقط بانتظار اللحظة المواتيّة.

——————————-

ماذا سنفعل لو لم يظهر علاج أو لقاح؟/ عبد الرحمن الراشد

هناك كثير من الأسئلة التي لا نرتاح لطرحها، ولا التفكير فيها، مع هذا ستفرض نفسها علينا مهما حاولنا التهرب والنسيان. نحن نتمنى أن نستيقظ في صباح قريب، ونسمع أنه تم تطوير علاج لـ«كورونا» لينتهي الكابوس ونخرج من منازلنا ونعود إلى حياتنا الطبيعية. حتى الآن، لا شيء من هذا حدث، حتى أكثر المتفائلين لا يعدنا أن نسمع به قبل العام المقبل.

لذلك سنعود ونعيد التفكير من الصفر. فغسل اليدين، والجلوس في البيت مناسب لشهر وشهرين وثلاثة، لكنه يبقى اعتقالاً منزلياً يساوي بين المصابين والأصحاء. الجيد أن الحجْر المنزلي يؤسس بين الناس عادات صحية جديدة، لو استمروا في الالتزام بها، مثل النظافة والتباعد، قد تنقذ حياتهم من دون الحاجة إلى حبس الناس في بيوتهم وقطع أرزاقهم.

الحلول غير العلاجية ساعدت في تقليل الخطر، لكنها فشلت في إنهاء الوباء. أولها الحجْر المنزلي. نظرياً، لو التزم به الجميع ولم يخرجوا من منازلهم، لانتهى الوباء. ساهم في تقليص عدد المصابين ولم يوقف الجائحة. والثاني الفحص الطبي. نظرياً، لو تم فحص كل السكان، وعزل المصابين منهم، لتوقف انتشار الفيروس. يبدو الأمر سهلاً لولا أنه لا توجد أجهزة فحص كافية. فالولايات المتحدة، أكبر بلد يجري الاختبارات، حتى الآن فحص 4 ملايين شخص، وبقي 300 مليون نسمة من سكانه!

العالم محبط وعاجز أمام هذا الوباء، والفيروس مستمر يجتاح البيوت والحدود ويعبر المحيطات، وآخر أرض غزاها هي «سان بيير وميكلون»، تابعة لفرنسا، جزر تقع شرق كندا سجلت أول إصابة بـ«كورونا» هذا الشهر.

من أين للناس مداخيل لتأمين معيشتهم حتى نهاية العام، وربما أبعد من ذلك؟ وكيف ستستطيع الحكومات والشركات تأمين مرتبات لعامليها، وهي نفسها بلا مداخيل؟ كيف ستعمل المخابز؟ ومن سيجلب لها الدقيق؟ ومن سيزرعه؟ إلى آخر سلاسل الإمداد الطويلة، التي لو انقطعت فيها حلقة لانقطع الخبز.

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استمرار الحجْر لأشهر مقبلة، في ظل عجز العلماء والمختبرات عن توفير الحل الطبي. ستعود الحكومات لتتخذ القرار الصعب في الأسابيع القليلة المقبلة. ستضطر أن تختار بين السماح بالعودة إلى الحياة الطبيعية، والمخاطرة، أو الإبقاء على الحجْر إلى نهاية العام، بما قد يعنيه من انهيارات اقتصادية. إنهاء الحجْر، والسماح بخروج الناس يعني نقل المسؤولية من الدولة إلى الفرد، الذي عليه أن يحمي نفسه. حالياً، بقوة القانون وأجهزة الأمن تتم حماية الناس، أو بالأصح حمايتهم من أنفسهم. ستصبح المسؤولية عليهم للتصرف بأقصى قدر من الحذر لتجنب الوباء، وفي الوقت نفسه تمكينهم من مصدر رزقهم، وإعادة دوران العجلة الاقتصادية. هل هذا الطرح آمن بما فيه الكفاية؟ الدراسات المتاحة تعطي إجابات متناقضة، ما بين التحذير من وفيات بعشرات الملايين، وقيل مئات الملايين، وانهيار النظام الصحي. والرأي الآخر، يعتقد بقدرة المجتمعات على الخروج والتعايش بحذر مع الخطر إلى اليوم الذي يكون الوباء قد زال، أو يكون العلماء قد توصلوا إلى الحل الطبي.

أول ما ظهرت أخبار الفيروس كان كل شيء بشأنه غامضاً، واليوم توجد معلومات علمية تسهم في اتخاذ قرارات صحيحة لمواجهته وتقليل الخطر. في البداية ومع الغموض سادت معلومات خاطئة أدت إلى الاستهانة به في البداية، ولهذا انتشر. كان يعتقد، خطأ، أن 3 أيام كافية للتعرف على المصاب بين الأصحاء، وعزله. وكان الخطأ الأعظم فتح الصين حدودها ومطاراتها مع العالم عندما ظهرت الإصابات في البيوت والشوارع وتحول المرض إلى وباء. أكثر من 7 ملايين شخص غادروا إلى أنحاء العالم، وبينهم آلاف حملوا الفيروس.

وقد أخذ «كورونا» العالم على حين غرة؛ حيث لم تكن هناك معدات طبية كافية، فاضطرت الهيئات الصحية لإبقاء غالبية المصابين في منازلهم بالحجْر الطوعي الذي زاد من انتشاره. ومعظم الحكومات تأخرت في التعامل مع الخطر جزئياً، لأنها اعتقدت أنها في مأمن، والأسوأ من ذلك انتشار المزاعم القائلة إن الفيروس لا يستحق كل هذه المخاوف والاستعدادات، وإنه ليس بأخطر من أمراض الإنفلونزا السنوية، والدفع إلى التهاون به. لكن اتضح لاحقاً أن فيروس «كورونا» مثل الحريق، في بدايته يمكن أن يطفئه كوب ماء، وعندما ينتشر قد لا تستطيع أن تطفئ نيرانه سيارات الإطفاء.

الشرق الأوسط

————————————-

تركيا في مواجهة فيروس كورونا: الفرص الضائعة/ بيرم بلجي

ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي.

في عطلة نهاية الأسبوع ليومي 18 و19 أبريل/ نيسان، تم الإعلان عن حظر تجول جديد مشدد في العديد من المدن الكبرى، من بينها اسطنبول وأنقرة. تصرفت السلطات التركية بصفة متأخرة في مواجهة جائحة كوفيد-19 خشية تعطيل الاقتصاد. وإن واجه المجتمع المدني الأمر بمدنية وغالبا بحس الفكاهة، فإن الانقسامات بقيت تتفاقم في البلاد بسبب الحضور المهيمن لرجب طيب أردوغان. ويبقى النقاش في تركيا، كما في أماكن أخرى، حول ما بعد الأزمة مفتوحا.

كان للتجربة التاريخية غير المسبوقة التي تواجهها الإنسانية أثر جانبي وهي أنها غطت كليا على جميع الأخبار الأخرى، وتركيا ليست استثناء. مرت أربعة أسابيع عن الإعلان الرسمي عن أول حالة تم اكتشافها في 11 مارس / آذار، وعن أول وفاة في 17 مارس / آذار وانتشار كوفيد-19 في جميع أنحاء البلاد في 23 مارس. وإلى غاية 17 أبريل/ نيسان 2020، أصيب 74193 تركيا بالفيروس، خرج منهم 1326 معافين من المستشفيات ولكن 1643 لقوا حتفهم هناك

1

كما هو الحال في أماكن أخرى، فرض الحجر نفسه كحل يهدف إلى التأخير والحد من العدوى. ويتقبل المواطنون ذلك قدر الإمكان بانضباط وحس مدني ولكن أيضا بقلق. فمدينة اسطنبول الضخمة فقدت حركتها النملية البشرية الصاخبة وران عليها الصمت. وخَلَفَ حركة المرور في المدينة المتوقفة، تكثف النشاط على الشبكات الاجتماعية حتى التشبع. ونجد هنا -كما هو الحال في كل الأماكن الأخرى في شكل من التناغم الكوني- مزيجا من الأفكار والنقاشات وذكريات أمسنا وطموحات غدنا، والتنفيس على ما في أنفسنا من خلال الفنون والفكاهة.

كان يفترض على الطبقة السياسية -وقد تحولت هذه الأزمة إلى كارثة بأتم معنى الكلمة- أن تترك الخلافات جانبا وأن تتجاوز الانقسامات وأن تُولد وثبة تضامنية بلا حدود للتكفل بجميع الأحياء. ولكن الظرف الراهن ولسوء الحظ عزز وعمق الانقسامات التقليدية في تركيا.

أولا، الإنكار

للأسف لم يكن رد فعل الدولة والمجتمع التركي أفضل أو أسوأ من الآخرين أمام انفجار وباء كوفيد-19. ليست المقارنة دوما أمرا معقولا، غير أن أعمال جان دي لومو حول الخوف في الغرب

2

والطريقة التي واجهت بها في الماضي السلطات والمجتمعات الأوبئة الكبرى كالطاعون والكوليرا لها صدى مقلق اليوم. فأمام تقدمنا، صرنا نشعر بأننا لا نقهر. لقد كان التاريخ رحيما حيث جنبنا تلك الويلات خلال الأجيال الأربعة الأخيرة وفقدنا بذلك الذاكرة الجماعية والعاطفية بخصوص هذه الأوبئة.

سبق للمؤرخين أن سجلوا بابتعادهم الموضوعي ردود أفعالنا الحالية أمام هذا الوباء. ويتمثل الأمر في الأول في إنكار السلطات للمشكلة وحجمها، والاستخفاف الأولي لدى السكان تجاهها. ثم يأتي الذعر غير المنطقي والهجرة والحجر كأحسن حل، والابتعاد الاجتماعي ونبذ المرضى والتخلي عن طقوس الدفن والرغبة في التمييز بين الأبطال والآخرين. وفي الأخير، هناك الرغبة الحتمية في تعيين مذنب ما وإدانته، ومن المستحسن أن يكون هذا المذنب من الخارج حتى يرفع عنا كل مسؤولية وكل ذنب.

في تركيا، كما في أماكن أخرى، تمت معاينة جزء كبير من هذه السلوكات فعلا. قللت السلطات العمومية في تقدير الخطر وآثاره المحتملة دون أن تنكر تماما وجوده. ولكن سرعان ما تطلب واقع الخطر أخذ إجراءات ملموسة: غلق الحدود مع إيران المتضررة بشدة، وفي منتصف مارس / آذار توقيف كل الرحلات الدولية.

في 25 مارس/ آذار اتخذ الرئيس سلسلة جديدة من الإجراءات، منها غلق المقاهي والمطاعم وقاعات العروض والملاعب والحدائق. ومن المؤكد أن تأييد منع صلوات الجماعة في المساجد بما في ذلك صلاة الجمعة لم يكن بالهيّن. وفي 4 أبريل/ نيسان، تم تشديد هذه الإجراءات حيث أصبح الحجر الذي كان يُنصح به فقط إجباريا. لكن بعد ذلك بأسبوع في 10 أبريل / نيسان، تم اتخاذ إجراء أخرق تمثل في إعلان حظر التجول لمدة 48 ساعة ساعتين فقط قبل دخوله حيز التنفيذ، ما خلق حركة ذعر وجعل الناس يهرعون للتسوق دفعة واحدة. وكان أثر ذلك دون شك هو إتلاف أسابيع من مجهودات الحجر التي كانت ناجحة إلى حد ما. أدى هذا الخلل الذي كان محل انتقاد شديد من طرف المعارضة بوزير الداخلية سليمان صويلو إلى تقديم استقالته، وقد رفضها على الفور الرئيس أردوغان.

تم إعلان حظر تجوال جديد لمدة 24 ساعة يوم الجمعة 17 أبريل/ نيسان عند منتصف الليل دون أن يحدث ذلك ذعرا جديدا. وتقرر منع بصفة مطلقة من تقل أعمارهم عن العشرين وتكبر عن 65 سنة مغادرة منازلهم. أما الآخرون فتم حثهم بقوة على تقليص تحركاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية إلى الحد الأدنى الحيوي. وأصبح استعمال القناع إجباريا، كما وضعت حوالي 30 مدينة تحت الحصار ولا يمكن لأي سيارة أن تدخل إليها أو تخرج منها إلى أجل غير مسمى. يحترم المجتمع عموما هذه القواعد بانضباط وتعقل وفكاهة أو بحتمية. ولكننا نجد في السجالات والنقاشات الخلافات المعهودة بين التيارات السياسية.

انضباط، فكاهة وانقسامات سياسية

يواصل الأتراك، حتى ولو كانوا منقسمين ومستقطبين، تغذية روح الدعابة لديهم. فبغض النظر عن الخصائص الثقافية، نجد لديهم جميع المواضيع الكونية: العلاقات الزوجية في حالة الحجر، العمل عن بعد، الملل، الإدمان القهري على الشاشات وانشغالات الأولياء على الأبناء، التعويض المستحيل لدور المعلمين، والمراجعة القصرية لنظرية فيثاغورس والأصل المربك لكلمة صابر حتى لا تتحول إلى مصاب. الاختلاف الوحيد مع البلدان الغربية هو أن حرب ورق الحمام لم تحدث هنا: فالأتراك مازالوا يفضلون إلى حد كبير المراحيض على الطريقة “التركية”.

في تركيا الدعابة سياسية أيضا، ومنذ زمن طويل. وهي تستهدف على الخصوص العالم الديني وعلاقة الديني بالمجتمع وتنظيم المجتمع. سبق وأن كان الجانب الديني عند نهاية الامبراطورية العثمانية -كما هو الحال عند مسلمين آخرين في العالم إن كان ذلك في الامبراطورية الروسية أو إيران أو العالم العربي- موضوعا للتهكم والسخرية بالنسبة لرسامي الكاريكاتور العصريين والعلمانيين، إذ لم يكن هؤلاء ليترددوا في السخرية لإبراز الطابع الرجعي والخرافي والمتخلف لبعض الملالي والأئمة وغيرهم من رجال الدين. وهكذا في الكاريكاتور أدناه، هناك طالب في الشريعة يسأل إماما كبيرا: “يا شيخنا، ماذا تقولون في هذا الوباء الجديد؟” ويرد المعلم بقوله: “الآن نحن ننتظر يا عزيزي أن يجد الكفار علاجا لهذا الوباء، وبعدها نقول في أي جزء من القرآن جاء ذكر ذلك”.

تخفي هذه الانتقادات وخزة موجهة لحكومة حزب العدالة والتنمية وذراعه الديني “ديانات” المسؤول عن إدارة الشؤون الدينية، الهيئة المخولة لتسيير المجال الديني، وهي مستهدفة في طريقة نظرتها للأزمة الصحية. ففي بلد حيث الصحافة الحرة مكممة نسبيا، يتعين استعمال الحيل لتجاوز الرقابة وطرح الأسئلة الملائمة وإبراز التناقضات والثغرات.

الإسلاميون المحافظون في قفص الاتهام

لا يميز فيروس كورونا بين الأشخاص. لا يساري ولا يميني، ولا كردي ولا تركي، ولا محافظ ولا تقدمي، ولا علماني ولا إسلامي، ولا سني ولا علوي. الوباء عدو الجميع ويفترض مبدئيا أن تكون هناك وحدة مقدسة ضده، وإذا كان يجب الاعتراف بميزة واحدة على الأقل لهذا الوباء فهي تلك. لكن هذا لم يكن. فبعد الذهول الصامت الذي أسكت السياسيين من كل الأطياف لمدة أسابيع، برز خوف دفين يتغذى من اللاعقلانية والجهل، مما أحيا من جديد الانقسامات والمشاحنات. أصبح الغياب الأولي للشفافية من طرف السلطة بخصوص تسيير الأزمة وعدد المصابين والأماكن الأكثر تأثرا بالوباء ومدة رد الفعل ومدى تطابق الاجراءات والتطابق الهيكلي للنظام لمواجهة طارئ صحي من هذا الحجم، مركز كل الاهتمامات بحثا عن مذنب سهل.

وهكذا بدأ العلمانيون المتطرفون في اتهام السلطة الاسلامية والفئات المحافظة بالتهاون في تحديد نواقل الفيروس، ولا سيما الحجاج العائدين من مكة والذين لم يتم وضعهم في الحجر على الرغم من أن فحوص بعضهم كانت إيجابية. ويدافع المعسكر المقابل عن نفسه ويوجه أصابع الاتهام إلى ناقلي العدوى من بين الاسطنبوليين المستغرَبين الذين يعيشون في الأحياء الراقية والذين عادوا من أوروبا والولايات المتحدة.

وتعلقت نقطة خلافية أخرى بخصوص القواعد الصارمة للحد من التجمعات وبالتالي من التحركات. والمفارقة أنه في العادة كان رجب طيب أردوغان متهما بانتهاك هذه الحقوق والحريات، لكنه صار اليوم محل نقد لكونه لم يكن متسلطا بما فيه الكفاية. وقد اختارت السلطة عزل بعض المدن وبؤر التلوث وتأمين الفئات العمرية الأكثر ضعفا من الصغار والكبار، خشية منها أن يكون لفرض حظر تجوال عام أثر سلبي كبير على الاقتصاد.

جدل حول جمع الأموال

تعلق أكبر جدل بمسألة المساعدة الاقتصادية التي يجب تقديمها للنشاطات والشركات والأفراد ضحايا الأزمة. لجأت العديد من البلديات التي هي تحت سيطرة المعارضة من حزب الشعب الجمهوري ولا سيما في اسطنبول، إلى كرم الأكثر ثراء وأطلقت حملة لجمع التبرعات التضامنية لإعادة توزيعها. ولم يكن لهذا التماسك الظاهري والتناغم الأخلاقي أن يرضي الحسابات السياسية لرئيس غيور، كون هذه المبادرة الجيدة جاءت من خصومه. وعوض اغتنام هذه الفرصة لتجسيد وضمان وحدة الأمة، فضل التضحية بهذه اللحظة بمنع البلديات من جمع الأموال مشبها إياها برفع الرسوم وبشكل من أشكال انفصال دولة داخل الدولة ومنافسة المصالح المركزية للدولة.

أخذ الرئيس هذه المبادرة لحسابه ودعا الأتراك إلى تمويل صندوق تضامني على المستوى الوطني وأعطى المثال بتبرعه بسبعة أشهر من راتبه. وأخيرا كان هناك قرار أكثر جدلا اتخذته السلطة في مواجهة انتشار فيروس كوفيد-19 وهو يتعلق بالمخاطر الصحية التي يمثلها اكتظاظ السجون. فقد صوت النواب لقانون خاص بالعفو والإفراج المبكر يسمح لـ90 ألف سجين -أي ثلث سجناء البلاد- بالخروج. لكن المشروع انتقد بشدة من طرف المعارضة لأنه يسمح بالإفراج المشروط عن سجناء القانون العام الذين وصلوا إلى نهاية عقوباتهم ولكنه يستثني المعارضين السياسيين منه. من المرجح أن يتفاقم هذا الاستقطاب لأن الأزمة الصحية في بدايتها فقط في تركيا، حيث ماتزال أضرارها البشرية والاقتصادية محدودة.

نتفق جميعا في التفكير والإيمان بأنه سيكون هناك ما قبل وما بعد كوفيد-19. في تركيا كما هو الحال في أماكن أخرى، تؤدي الأزمات الخطيرة إلى تعزيز الحكم الاستبدادي، في حين تهتز السلطة بسهولة في الأنظمة الديمقراطية. هل ستبقى هذه الفكرة الرائجة قائمة في مواجهة هذا الواقع؟ إلى حد الآن ما يزال الوقت مبكرا للحسم.

تعاني تركيا منذ حوالي عشر سنوات من تصلب السلطة بسبب الآثار المجتمعة للعديد من الأزمات الظرفية والهيكلية المرتبطة بقضايا سوريا والأكراد والغولانية، وهي ليست في حاجة للأسف إلى فيروس كوفيد- 19 ليزيد الأمر من حدته. وعلى العكس من ذلك، لا يبدو أن الوباء يؤثر على المجتمع والسياسة كعامل محفز للإجماع. بل يمكن حتى أن يضعفه ويزعزع استقراره بما يتجاوز العبء الاقتصادي الثقيل الآتي بالنسبة لاقتصاد كان يعاني أصلا من الضعف قبل الأزمة خاصة وأنه اقتصاد مرتبط بالدائرة الاقتصادية الدولية.

السلطة قلقة بشكل خاص لهذا الأمر، كونها تعرف بأن الحكم الشعبي سيعتمد أولا على الأداء الاقتصادي وعلى قدرتها في مقاومة الأزمة والتفاعل معها. فترة ما بعد الأزمة قد بدأت فعلا في تركيا، كما هو الحال في أماكن أخرى. وهذا يفرض على الكل أن يكون يقظا وملتزما، فرديا وجماعيا، في التعريف الذي سيُعطى -أو الذي نريد اختراعه- للمجتمع المسالم لما بعد الأزمة.

——————————–

هل ينتشر كورونا في العالم إلى أجل غير مسمى؟

“أعتقد أن هذا الفيروس سيستمر بالانتشار في المجتمعات البشرية لسنوات مقبلة طويلة جداً إن لم يكن للأبد”

شون لينترن صحافي @ShaunLintern

يمكن لفيروس كورونا الانتشار في العالم على نحو دائم، وثمة حاجة لتمويل إضافي بقيمة 8 مليارات دولار أميركي (6.5 مليار جنيه إسترليني) بهدف تطوير لقاحات فعالة لوقف انتشار الوباء، بحسب ما قال مُحذراً أحد العلماء البارزين الذين يقدمون الاستشارات للحكومة البريطانية.

وأضاف السير جيريمي فرار، عضو “الهيئة العلمية الاستشارية لحالات الطوارئ” (Sage) التابعة للحكومة البريطانية، ومدير الجمعية الخيرية الدولية “ولكوم تراست” (Welcome Trust)، أن المال مطلوب للتأكد من إمكانية تطوير اللقاحات الفعالة ضد فيروس كورونا. لكنه حذر أيضاً من أن يكون ثمة حاجة لمزيد من المليارات بهدف تصنيع لقاحات وعقاقير كافية للعالم بأسره.

وقال فرار: “علينا، من دون شك وفي أقل الواجب، وحتى إن لم يسعنا التأكد من حصول هذا، أن لا ننظر إلى الحاصل باعتباره حلقة منفصلة تحدث مرة واحدة، وأن نكون حاضرين لمواجهة الأمر. إننا اليوم برأيي أمام وباء بشري مُعدٍ ومتوطن. فهو فعلاً أصاب الملايين من البشر، والمرجح بقاؤه مع الجنس البشري في المستقبل.

“أعتقد أن هذا الفيروس سيستمر بالانتشار في المجتمعات البشرية لسنوات مقبلة طويلة جداً إن لم يكن للأبد”.

وأضاف فرار أن المجتمعات البشرية ستحتاج إلى إيجاد السبل لمكافحة الإصابة بالعدوى، وذلك عبر تدابير الصحة العامة مثل المباعدة الاجتماعية وارتداء الكمامات، لكنه رأى أن “إحراز التقدم” الحقيقي سيتحقق مع أساليب الفحص والعلاجات الجديدة.

“ينبغي أن تكون لدينا أدوية لمعالجة هذه العدوى لأنها ستعاود الظهور، وسيكون هناك أناس تحت وطأة المرض. من المهم القيام بتطوير اللقاحات لنتمكن من تفادي ما أرى وجوب اعتباره موجات مستقبلية حتمية”.

وحتى اللحظة هناك أكثر من 100 لقاح محتمل يجري اختباره حول العالم، وقد بدأت على ثلاثة من تلك اللقاحات تجارب سريرية على البشر. وتنطلق من يوم الخميس في (جامعة) أوكسفورد تجارب بشرية على لقاحٍ رابع.

وحذّر فرار من أن تأثيرات الإغلاق ومفاعيله ستنعكس وتنتشر على حد سواء في الدول المتطورة وفي الدول النامية. كما رأى أنه ربما جرى الاستخفاف بالفيروس من ناحية تأثيره في صحة البشر بالمعنى الأوسع.

وشدد فرار على ضرورة تأمين اللقاح على مستوى عالمي وليس “فقط في قواريرٍ تُعطى لبعض الناس”، أو إلى من له القدرة على شرائها.

وقال المستشار الحكومي البريطاني أنه سيكون من الضروري “حماية كل شخص في العالم”.

وتابع قائلاً: “هذه دعوة للقيام بالعمل. تكاليف ذلك ستكون باهظة ولن تكون سهلة. وسنحتاج لمليارات ومليارات الدولارات لتحقيق الأمر. وأرى أن هناك فجوة في التمويل تقدر بـ 8 مليارات دولار (6.5 مليار جنيه إسترليني) تفصلنا عن تحقيق الهدف. وستكون الحاجة إلى أكثر من هذا لتصنيع لقاحات بحجم ما يناهز 7 مليارات إنسان تُوزع حول العالم”.

وقدمت بريطانيا 250 مليون جنيه إسترليني لصندوق عالمي يدعم إجراء الأبحاث على اللقاحات، كما تم التعهد بإجمالي 1.9 مليار جنيه إسترليني اعتباراً من تاريخ 13 أبريل (نيسان) المنصرم، بحسب ما أفاد “معهد ولكوم”.

وقال فرار إن “ولكوم تراست” يدعم مؤتمر التعهد الذي ستقيمه المفوضية الأوروبية في الرابع من أيار (مايو) المقبل لتأمين التمويل.

“سيكون التحرك المنتظر غير مسبوقٍ أمام وباء لم يسبق له مثيل. لم يسبق لنا مواجهة أمر كهذا في المئة عام الماضية، لكن العلم سيكون سبيلنا في المواجهة”.              

© The Independent

———————————–

الكمامة فرضها كورونا وربما يستمر استعمالها طويلاً

يرى رؤساء المستشفيات وجوب صون الإمدادات في ظل تصاعد الطلب عليها عالمياً

كايت نغ

حذّر رؤساء المستشفيات الوزراء من أنّ إمداد هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” بالكمّامات قد يصبح في خطر، إذا أُلزِم الأشخاص ارتداءها ضمن جملة الإجراءات المفروضة بهدف إنهاء حالة الإغلاق. وحاضراً، يُجري المستشارون العلميون الحكوميون مراجعة لاستخدام الكمّامات من أجل التوصّل إلى قرار بشأن حثّ الجميع على ارتدائها.

ويأتي تحذير رؤساء مستشفيات هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” في أعقاب تصريح عمدة لندن صادق خان بأنه يجب جعل ارتداء الكمامات إلزامياً داخل وسائل النقل العام. وقد ذكر في لقاء مع برنامج “توداي” على إذاعة “بي بي سي الرابعة” الأسبوع الماضي، إنّ هذا الإجراء سيُعدُّ “حماية إضافية” إلى جانب إجراءات التباعد الاجتماعي الأخرى المفروضة أثناء الإغلاق.

في المقابل، تحدث كريس هوبسون، الرئيس التنفيذي لمزوّدي “الخدمات الصحية الوطنية” الذين يمثلون مرافق تلك الهيئة، عن ضرورة توفير “إثبات واضح” لتبرير اقتراح ارتداء عامة الشعب الكمامات، خصوصاً أن ذلك الأمر قد يقلّص من الإمدادات الثمينة للقطاع الصحي. 

وفي بيان أصدره يوم الاثنين الماضي، قال “إنّ الكمامات المضادة للسوائل أساسية بالنسبة إلى سلامة العاملين في مجال الصحة والرعاية وضرورية لتجنّب انتشار فيروس كورونا. ومن المهم للغاية صون إمدادات الكمامات في ظلّ وجود طلب عالمي هائل عليها. يجب أن يشكّل هذا الموضوع موضع اهتمام رئيس من جانب الحكومة”.

وأضاف، “من الضروري توفير إثباتات واضحة على أنّ ارتداء الكمامات، إضافة إلى تدابير أخرى، يأتي بمنافع ضخمة تسهم في إخراجنا من حالة الإغلاق وتُبرّر ذلك التهديد المحتمل لإمدادات هيئة الخدمات الصحية الوطنية من الكمّامات”.

وفي وقت سابق، حذّر وزير الصحة مات هانكوك من الخطر الذي تواجهه إمدادات هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” في حال بدأ الأفراد بارتداء الكمّامات، وحثّ الرأي العام على الامتناع عن ارتدائها.

وأثناء مؤتمر صحافي في 10 أبريل (نيسان)، ردّد مات هانكوك نصيحة “منظمة الصحة العالمية” التي اعتبرت أنّه يجب “توفير الكمّامات للعاملين في مجال الصحة والرعاية ومن يحتاجون إليها بالفعل. ولا يخلو خيار تعميم ارتداء الكمامات من المخاطر، بسبب ما يترتّب عليه من صعوبة الحصول عليها كي يستخدمها الأشخاص الذين يحتاجون إليها بحسب الدلائل العلمية”.

وعلى نحو مشابه، نقل سايمون كلارك، النائب في حزب المحافظين عن ميدلزبرة ساوث وإيست كليفلاند، إلى برنامج “بريكفاست” على قناة “بي بي سي” الثلاثاء الماضي، أنه “لا يوجد توافق” على أن الإيعاز لعامة الشعب بارتداء الكمّامات “يشكّل التصرف الصائب”.

وأضاف، “نحن نولي كامل انتباهنا لضمان توفير إمدادات مناسبة من معدّات الوقاية الشخصية لهيئة الخدمات الصحية الوطنية وكل الأطراف العاملين على الخطوط الأمامية لمكافحة فيروس كورونا”.

وأوضح أنه “لا يوجد توجّه علمي واضح في هذه المرحلة، يشير إلى صواب توسيع نطاق هذا الموضوع ليشمل السكّان كلهم، كما أننا نضع في اعتبارنا طبعاً ما ذكرته منظمة مزوّدي هيئة الخدمات الصحية الوطنية عن ضرورة إعطاء الأولوية لتوجيه الإمدادات إلى المكان الذي يحتاج إليها أكثر”.

وفي سياق متصل، أصدرت “منظمة الصحة العالمية” مجموعة إرشادات في وقت سابق من الشهر الحالي، تحدثت فيها عن غياب الدليل على أنّ ارتداء الكمامة من قبل شخص يتمتّع بصحة جيدة، يقيه من الإصابة بالعدوى. وكذلك حذّرت من أنّ استخدام عامة الناس للكمامات قد يولّد “شعوراً زائفاً بالأمان”. 

وأضافت المنظمة أنّ الكمامات قد تصبح مصدراً للعدوى ما لم تُستخدم بالطريقة الصحيحة. وتشير الإرشادات الحالية إلى أنه خارج أوساط الرعاية الصحية، على الأشخاص الأصحاء أن لا يرتدوا الكمامات إلّا حين يعتنون بشخص يعاني عوارض فيروس كورونا.

في مسار مغاير، دعت حملة لناشطين تُسمّى “ماسك فور آول” Masks4All (= “الكمامات للجميع”) التي انطلقت من جمهورية التشيك، الجميع إلى صناعة كمّاماتهم الخاصة من القماش لمحاربة فيروس كورونا. وحصدت الحملة دعم أكثر من 100 شخص يعمل في السلك الطبي في المملكة المتحدة.

وفي رسالة مفتوحة وقّع عليها أطباء بريطانيون، كتبت الذراع البريطانية للحملة، “ثمة ارتباك كبير يحيط بموضوع الكمامات… والسياسة الرسمية التي تتّبعها المملكة المتحدة غير منطقية، إذ ترى وجوب ارتداء الكمامة لتقليص خطر انتشار العدوى إذا كان الشخص يعاني عوارض المرض، لكن ماذا عن انتشار العدوى مِمَّن لا تظهر عليهم علامات المرض؟”.

واستطردت، “تفيد الإرشادات الأخيرة بشأن معدات الوقاية الشخصية بأنه على الأفراد ارتداء الكمّامات في غرف الانتظار داخل المستشفيات “لتقليص خطر الانتقال المباشر وتلويث البيئة المحيطة”. ولمَ ليس في أماكن أخرى؟ لقد باتت الحاجة ملحّة إلى إطلاق حملة حكومية تركّز على التثقيف الصحي وتوضح أنّ ارتداء الكمامة ليس بديلاً عن ملازمة المنزل أو التباعد الاجتماعي، وأنه يجب الابتعاد عن الكمامات من نوع N95/FFP2/3 كي يستخدمها العاملون على الخطوط الأمامية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية”.

وفي ذلك الصدد، صرح البروفيسور باباك جافيد، استشاري الأمراض المعدية في مستشفيات “جامعة كامبريدج”، لوكالة الأسوشييتد برس أنّ “ارتداء الجميع للكمامة يجب أن يشكّل جزءًا مهماً من مكافحة فيروس كورونا”.

وأضاف، “حين تتراجع حالات الإصابة بـكوفيد- 19 بشكل كبير، يمكننا التوقف عن ارتداء الكمّامات، بما أنّ فائدتها التراكمية ستكون قليلة عندها. لكن في الوقت الحالي، على غالبيتنا ارتداء الكمّامات كي نستفيد منها فعلاً”.

© The Independent

———————————–

كيف تستغل روسيا وباء كورونا لتعزيز قوتها الناعمة حول العالم؟

    دبلوماسية كورونا

    صرف النظر عن المتاعب الداخلية

    قلق المؤسسات الأوروبية

    حملات التضليل

تمثل كل كارثة فرصة سانحة لبعض الدول لتحقيق أغراض استراتيجية على المدى البعيد، وعلى الرغم من فداحة وباء كورونا وتهديده للعالم، فإن روسيا بزعامة فلاديمير بوتين تتعامل مع الجائحة على أنها فرصة لاستعادة نفوذها الدولي كقوة عظمى، فما القصة؟

موقع صحيفة بوليتيكو الأمريكية نشر تقريراً بعنوان: “موسكو تستغل جائحة كورونا في شن حملاتها الدعائية وتعزيز قوتها الناعمة”، ألقى الضوء على التحركات الروسية وأهدافها واحتمالات نجاحها.

دبلوماسية كورونا

في وقت تنتشر فيه جائحة كورونا وتهيمن على الأجواء، يبدو أن روسيا قررت اتباع المقولة المأثورة بأنك يجب ألا تدع أزمةً جيدة تذهب سدى أبداً.

إذ عمِدَ الكرملين ضمن مساعيه للاستفادة من الفوضى الواقعة وتعزيز قوته الناعمة، إلى الاحتذاء بمثال بكين، والبدء في إمطار الدول المتعثرة بالحب بواسطة مساعداته الطبية، وتكثيف جهوده لبث الدعاية ونشر المعلومات المضللة عبر وسائل الإعلام الحكومية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وهكذا رأينا في شهر مارس/آذار الإمدادات الطبية المنقولة جواً إلى إيطاليا يزينها شعار “من روسيا مع الحب”. والأدهش من ذلك إرسال روسيا 122 خبيراً في مجال الحروب البيولوجية،  برفقة طواقم طبية بالطبع، إلى إيطاليا.

ثم شكلت مشاهد القافلة الروسية المكونة من 22 شاحنة عسكرية، وهي تقطع الأراضي الروسية كما لو كانت قوة احتلال، انقلاباً دعائياً لموسكو، التي استخدمت الصور للترويج لفكرة أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي قد تخلوا عن إيطاليا في ساعة الحاجة، حتى إن قناة Rossiya 1 TV التابعة للحكومة الروسية تبجحت بنقل لقطات المساعدات تحت عنوان “قافلةٌ روسية تسافر على طرق الناتو”.

كما أخذ التلفزيون الروسي يعرض مراراً وتكراراً مقطع فيديو لرجل إيطالي ينكس علم الاتحاد الأوروبي ويرفع مكانه علم روسيا بألوانه الثلاثة، مع لافتة تقول “شكراً لك بوتين”، وذلك بغض النظر عن أن وسائل الإعلام الإيطالية ذكرت لاحقاً أن أشخاصاً تلقوا مبالغ نقدية بقيمة 200 يورو مقابل تصوير رسائل الامتنان.

وعلى النحو ذاته، أرسلت روسيا مساعدات أيضاً إلى البلدان المتضررة بشدة في نطاق نفوذها، مثل صربيا وبيلاروسيا، وباعت إلى الولايات المتحدة معدات طبية كانت في أمس الحاجة إليها، مستدعيةً ترحيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

صرف النظر عن المتاعب الداخلية

التكتيك مألوف، ويتماشى مع الجهود الأوسع نطاقاً لتقويض الثقة في النظام الليبرالي الغربي، لكن تحركات العلاقات العامة تلك تخدم أيضاً هدفاً آخر، وربما أشد أهميةً: ففي الداخل الروسي، تصرف هذه التحركات الأنظار عن الارتفاع الهائل في عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا، ويعزز التصورات المحلية عن حنكة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهيمنته على الساحة الدولية.

وعن ذلك، يقول رافاييل ماركيتي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لويس في روما: “من جهة القوة الناعمة، فإن إرسال مساعدات إلى دولة ما يخلق ترتيباً هرمياً آخر، فالبلد الذي يقبل المساعدة يبدو أضعف وأعجز عن مواجهة الأزمة”.

وتتضارب الروايات حول ما قد تؤول إليه حملة موسكو الإنسانية لتقديم المساعدات؛ فعلى سبيل المثال، تحافظ “حركة النجوم الخمسة” MoVimento 5 Stelle، وهي أحد التنظيمات المشاركة في الائتلاف الحاكم في إيطاليا، على موقف ودي إزاء روسيا، وتعتبر ذلك تماشياً مع موقفها العام المناهض للمؤسسات القائمة ورفضها لمصالح الهيمنة التي يمثلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن ثم حاولت الحركة إرجاع الفضل في تدفق المساعدات الروسية إليها، مستشهدةً بالصداقة الطويلة بين روسيا والتنظيم.

ويأتي ذلك على الرغم من أن الصداقة مع الكرملين تعد قضيةً حساسةً في إيطاليا، لدرجة يخضع معها رئيس حزب “رابطة الشمال” اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، للتحقيق حالياً بسبب قبوله تمويلاً لحزبه من روسيا، كما حذر “الحزب الراديكالي” اليساري من أن إيطاليا باتت “عرضةً لخطر الاستغلال من أنظمة سلطوية”، وأن المساعدات قد تكون “معول هدمٍ داخلياَ أكثر منها مساعدات تقربٍ حقيقية”.

قلق المؤسسات الأوروبية

والدليل على ذلك ما قاله الجنرال الأمريكي تود ولترز، القائد العام لقوات الناتو في أوروبا، للصحفيين في أحد المؤتمرات الصحفية مؤخراً، حيث قال: “أنا معنيّ بشدة بنفوذ روسيا الضار والمتغلغل. إنه مصدر قلق… ونحن في حلف شمال الأطلسي متيقظون له للغاية، ومستمرون في مراقبته إلى أقصى درجة”.

على الجانب الآخر، فإن القيمة الفعلية للمساعدات الروسية مشكوك فيها. إذ يتمتع الجيش الإيطالي بقدراته العالية الخاصة فيما يتعلق باحتواء الأوبئة. وقد تبرعت روسيا بـ 300 ألف قناع فقط، مقارنة بـ 2 مليون قناع تبرعت بها كل من فرنسا وألمانيا، كما أن المستشفى الميداني في بيرغامو، حيث تعمل الفرق الطبية الروسية، فارغ بنسبة تصل إلى 80 %.

فيما ذهبت تقارير إعلامية إيطالية، نقلاً عن مصادر عسكرية، إلى أن الغرض الحقيقي من الوفود الروسية هو جمع معلومات استخباراتية، لكن ماركيتي، الأستاذ بجامعة لويس، يقول :”إنها فرصة جيدة لروسيا لتدريب أطبائها على مواجهة الوباء. فاحتمال حصول الروس على أي استخبارات عسكرية احتمالٌ بعيد، إذ لديهم قنوات أخرى لذلك”.

وأشار آخرون إلى أن بوتين استهدف إيطاليا، لأنه ينظر إليها على أنها الحلقة الأضعف التي قد تساعده في تخفيف وطأة العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014 بعد ضمه شبه جزيرة القرم. ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي شدد على أن هذا لم يكن على أي نحو جزءاً من اتفاق المساعدات.

وقد لخص دبلوماسي أوروبي متقاعد رأيه بالقول: “من المرجح أن تكسب روسيا القليل من بادرة حسن النية تلك على المدى الطويل، وقد يكون هناك بعض الإيطاليين الذين تأثروا بالفعل، لكن لفتة صغيرة كهذه لا تزن الكثير مقابل الثابت عن طبيعة روسيا تحت حكم بوتين، ومن ثم من السابق لأوانه القلق بشأن جنوح إيطالي نحو الشرق”.

حملات التضليل

وبعيداً عن القوافل العسكرية، لجأ الكرملين أيضاً إلى تكتيك لطالما أثبت فعاليته بنشر الارتباك والحملات المضللة عبر الإنترنت. إذ عمل الكرملين عبر مواقع الويب التي يمولها على نشر معلومات مغلوطة عن الفيروس وجهود مكافحته، هادفاً إلى إضعاف ثقة الجماهير الغربية بحكوماتها والانتقاص من فعالية جهودهم في مكافحة الفيروس.

وأشارت ليا غابرييل، وهي مبعوثة خاصة في “مركز الارتباط العالمي” بوزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن كلاً من الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية نددوا بتلك الحملات المنتشرة عبر الإنترنت، “لما تمثله من تهديد متهور للجهود الصحية العالمية”، لأنها تحفز الأفراد على تسيير أمورهم بطريقة تتعارض مع الإرشادات التي تقدمها الحكومات والوكالات الصحية.

وفي تقرير جديد أصدرته “هيئة العمل الخارجي” التابعة للاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء 21 أبريل/نيسان، قالت شعبة (ستراتكوم) التابعة للاتحاد إن “المصادر الرسمية الروسية ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة للدولة تشنُّ حملات منسقة لنشر معلومات صحية مغلوطة يمكن أن يكون لها ضرر مباشر على الصحة العامة والأمن”.

وتبث وسائل الإعلام الروسية، مثل Russia Today ووكالة Sputnik، معلومات من نوعية أن غسل اليدين ليس له أي فعالية في مواجهة فيروس كورونا، كما تنشر بعض المواقع التي تمولها الدولة علاجات وهمية مثل محلول الملح، وفيتامين ج والزنك. هذا وقد أفضت تلك المعلومات المضللة بالفعل إلى أعمال شغب في أوكرانيا، وهجمات الحرق المتعمد لأبراج شبكة “الجيل الخامس” للاتصالات في المملكة المتحدة، بدعوى أنها السبب في انتشار فيروس كورونا.

على الجانب الآخر، زعمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن روسيا “صدمتها” تلك الاتهامات بأنها تنشر معلومات مضللة للجمهور، وقالت إنه “من المثير للسخرية أن تستخدم الدول الغربية فيروس كورونا لمهاجمة روسيا”.

لكن، وعلى المدى الطويل، فإن تلك الحملات يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، لأن المعلومات المضللة ذاتها التي تستخدمها روسيا عادةً لتعزيز التصورات العامة بشأن فعالية سياساتها، يمكن أن تسبب ارتباكاً لمواطنيها في الداخل، وربما تسهم في تفاقم تفشي المرض في روسيا.

تقول ناتاليا كرافيفا، المستشارة القانونية لمنظمة Access Now، وهي منظمة معنية بمراقبة حقوق الإنسان عبر وسائل الإعلام الرقمية، إن الحكومة الروسية زعمت قبيل التصويت العام على التعديلات الروسية التي تسمح لبوتين بالبقاء في السلطة لمدتين أخريين، أن الفيروس مجرد خدعة كبيرة وليس له تأثير على روسيا.

وعلى الرغم من تأجيل التصويت بعد ذلك، نتيجة لارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في روسيا، فقد نجم عن الحملات الإعلامية أن بات الناس في حيرة من أمرهم بشأن الأزمة الصحية، “فهم لا يثقون بالحكومة. ويعتقدون أن ثمة مؤامرة ما”.

وهو ما دفع كرافيفا إلى القول إن روسيا بتضارب بياناتها حول الفيروس تخاطر بأن تصبح ضحية للمعلومات المضللة ذاتها التي سبق أن نشرتها، ومع ذلك “فإن الشعب الروسي هو الذي يعاني ويدفع الثمن الأكبر في كل ذلك”.

———————————————————–

خبير الأوبئة الأشهر بأمريكا يُكذِّب تصريحاً لترامب مجدداً.. قال إن الفيروس سيكون “أكثر دماراً” في الخريف

عاد الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، ليعارض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جديد، بخصوص فيروس كورونا، وذلك بعد أن صرّح الأخير، الأربعاء 22 أبريل/نيسان 2020، بأن “فيروس كورونا المستجد ربما يزول بحلول فصل الخريف”، قبل أن يفند فاوتشي ذلك بشكل تام.

وفقاً لمقال بصحيفة Business Insider الأمريكية، الخميس 23 أبريل/نيسان 2020، فإن ترامب قال الأربعاء: “لو أننا نشهد جمرة كورونا مصحوبة بالإنفلونزا، فلن يكون هذا شيئاً لطيفاً، لكنه لن يكون مماثلاً لما مررنا به بأي شكل من الأشكال”، مضيفاً: “من الممكن أيضاً ألا يعود أبداً”.

فاوتشي متأكد: بعد هذا التصريح مباشرة، وفي ردٍّ على سؤال مختلف، قال الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، على نحوٍ لا لبس فيه، إن فيروس كورونا قد يستمر أثناء الخريف.

كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة أضاف أيضاً: “سيظل فيروس كورونا موجوداً في الخريف، أنا واثق من هذا”.

تصريح فاوتشي جاء تأكيداً على ما قاله مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض واتقائها روبرت ريدفيلد، الذي قال إن “موجة ثانية” من فيروس كورونا قد تكون “أكثر دماراً”، لأنها قد تتزامن مع موسم الإنفلونزا.

غير أن فاوتشي أكد أيضاً على أن أثر فيروس كورونا في الخريف يعتمد على جهود الاحتواء والتخفيف، كما اتفق مع رأي ريدفيلد بأن الوضع قد يكون أكثر تعقيداً في الخريف.

هذا التصريح الذي ورد في صحيفة The washington Post لقي انتقادات واسعة من ترامب، بل ذهب إلى حدّ مهاجمته خلال ندوته الصحفية الأخيرة.

الأصعب لم يأتِ بعد: ريدفيلد قال لصحيفة The Washington Post: “هناك احتمال أن تكون الموجة الثانية من الفيروس في الشتاء المقبل أصعب على أُمتنا فعلياً، حتى عن تلك التي مررنا بها للتو”.

كما أضاف: “في الخريف والشتاء المقبلين سيكون لدينا فيروسان (في البلد)، ويجب علينا حينها التمييز بين الإنفلونزا وفيروس كورونا”.

مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض واتقائها عاد في وقت لاحق ليوضح تصريحاته لـ The Washington Post، وقال إن تصريحاته لم يُسأ استخدامها، ولكن الإطار الذي استخدمت فيه الصحيفة التصريحات بالغ فيما قصده بوصف “أصعب”.

إذ أوضح قائلاً: لم أقل إن الوضع سيكون أسوأ… قلت إنه سيكون أصعب”.

ردّ ترامب: ريدفيلد لم يَسلم هو الآخر من ردِّ الرئيس الأمريكي، الذي حاول مرة أخرى تفنيد تصريحاته، معتبراً أن العالِم الأمريكي “كان يتحدث عن تزامن الإنفلونزا وكورونا في الوقت نفسه، وقد يكون كورونا حينها مجرد بعض تفشيات محدودة، والتي سنتعامل معها”.

من جانبها، ذكرت شبكة CBS الأمريكية، أن كايلي ماكناني، المتحدة باسم البيت الأبيض قالت لقناة Fox News إن ريدفيلد كان يحاول ببساطة تشجيع الأمريكيين على الحصول على لقاح الإنفلونزا.

 كما أوضحت ماكناني أن وجهة نظر ريدفيلد الأساسية هي أن “الإنفلونزا موسمها في الخريف، لذا كونوا أذكياء أيها الأمريكيون”.

——————————-

كورونا يعزز عولمة الموت.. العالم عقل خائف/ سامر القطريب

لا يهدم فيروس كورونا الخلايا في جسم الإنسان فقط بل يتجاوز ذلك إلى المفاهيم التي اعتدنا العيش من خلالها وأيضا النظريات. لم يكن العالم صغيرا كما هو الآن رغم حدوده وأجوائه المغلقة، التي فرضها الوباء، والذي يمكن اعتباره أحد تجليات عولمة الموت. لا شيء مؤكد يمكن استشرافه من الأزمة الحالية، فمازال الإنسان كـ كائن سياسي تحكمه الغريزة مجهولا في بعض زواياه. كما هو واضح اليوم يمحو كورونا الحدود الحضارية من خلال طريقة التعامل ومواجهة الوباء المفاجئ، فلم يعد العقل من سمات الغرب والقلب والعواطف من خصائص الشرق بحسب المستشرقين، كما لم يعد الحديث عن عقل غربي وآخر عربي أو عقل مسلم فعالاً في ضجيج الأزمة الراهنة، فما يجمعنا في هذه المرحلة التاريخية عقل واحد؛ هو عقل خائف! يخاف من الموت ومن عقاب الدولة، يظهر ذلك جليا من خلال إجراءات العزل المتبعة والتسابق المحموم لاكتشاف لقاح يقضي على كورونا و”ينقذ البشرية”، في سياق ذلك يتطور العقل التجاري أو ما يمكن تسميته العقل الرأسمالي الذي أنتج أسباب ما نعانيه حالياً، وسينتج ما سنعاني منه لاحقاً.

الشرق كما روجه الغرب ليس الشرق نفسه، إنما هو شرق أنتجه الفكر الاستشراقي على صورته “ملائما للثقافة السائدة الطاغية” وهي “الثقافة البرجوازية المسيطرة” كما يوضح مهدي عامل في نقده لاستشراق إدوارد سعيد، إذ يبدو أن هذه المقولة الاستشراقية قد سقطت بفعل كورونا “العدو الخفي”.

الفيروس ليس حياديا لكنه انتقائي!

برأي المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، فإن الأزمة الراهنة هي أزمة حضارية، ووصف تشومسكي الغرب في هذه المرحلة بأنه مدمر في حديث يحذر فيه من “ما بعد كورونا” والتداعيات الاقتصادية الاجتماعية على البشرية، في مقابلة بثها DiEM25 TV.

يتعامل “العقل الغربي” مع الوباء كما يتعامل “العقل العربي” بخوف وهلع، دون أن ينسى التفكير بطريقة نفعية لاستثمار الوباء وهو ما سيظهر في المرحلة اللاحقة، هنا لم يعد تكوين العقل وبنيته أساسيا للخروج من المعضلة، في حين أصبحت أداة العقلين واحدة. التمايز بين العقلين كما طرح كثير من الباحثين والمفكرين تنمحي حدوده وربما تسقط مقولاته. ماذا تضيف الثقافة الغربية في موضوع الوباء عن الثقافة العربية؟ حين يضعف العلم -كما في الأزمات- يتوهج الدين في العالم.

الإجراءات العالمية لمكافحة كورونا التي ركزت على العزل الاجتماعي والإغلاق الاقتصادي، ستضع شريحة واسعة عمرية وطبقية أمام سؤال يقول كيف يمكن أن يبقى الفقراء والمرضى والكبار في السن أحياء؟ الأثرياء وأصحاب المدخرات المالية وبعض من لم تتوقف أعمالهم غادروا إلى مناطق ريفية أو جزر معزولة هربا من فيروس كورونا، أو التزموا منازلهم مستفيدين من الخدمات والإمكانات التي توفرها شبكة الإنترنت للعمل، في حين أن الهروب ليس خيارا متاحا أما طبقة واسعة وشريحة عمرية كبيرة في العالم وخاصة في أوروبا ودول تشهد صراعات عسكرية، وهو ما يجعل الفيروس انتقائيا في تحديد ضحاياه لإخراجهم من سياق الحياة. يعزز هذه الرؤية مناصرو نظرية مناعة القطيع التي لا تنفصل عن سياقها الاقتصادي والاجتماعي، فالعلم ليس حيادياً أو مستقلا وأعني بذلك المؤسسات التي تنتجه. فبدلا من تحصين المجتمع من الأمراض والفيروسات لنترك الناس تموت والأقوى سيبقى ليشهد المرحلة القادمة!. وكأن التاتشرية عادت إلى الحياة على يد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أصابه الفيروس بعد تصريحات أقل ما يمكن وصفها بالمرعبة، في حين لم تر دول أخرى مثل ألمانيا -التي لا يحكمها المحافظون- أن مناعة القطيع هي حل لوقف تفشي وباء كورونا.

القرية لم تكن صغيرة

يَجمع الناس في “القرية الصغيرة” -كما روج لها رواد العولمة- موت واحد في مرحلة كورونا، في حين فشلت العولمة في فرض نظام سياسي واقتصادي واجتماعي ومعرفي متماثل في هذه القرية، فما يوجد في “الحارة” السورية على سبيل المثال لا وجود له في “الحارة” الفرنسية أو في الشارع الألماني.. العولمة في جانبها الاقتصادي اختارت بلدانا دون غيرها للاستثمار، لذلك لم تكن تستهدف العالم أجمع، كما لم تبلور ثقافة عالمية تتجاوز التراثات الثقافية المحلية والوطنية وتعبر القارات مثلما فعل رأس المال. فرغم كون فيروس كورنا منتجا طبيعيا إلا في حال أثبتت التحقيقات العكس، ربما نحتاج لدراسته وفهمه كـ”ظاهرة اجتماعية” ترتبط بشكل مباشر بالنظام العالمي، في وقت يسرع فيه الفلاسفة والمفكرون لمحاولة بناء هيكل متخيل للعالم ولطبيعة العلاقات الناظمة له بعد القضاء على فيروس كورونا أو انحساره، اعتمادا على الواقع، الذي يوضح أن العالم لم يكن يوما قرية صغيرة بل سجنا بلا حدود تحكمه أقلية.

تلفزيون سوريا

——————————-

الكوفيد 19 وسباق المهن المحموم للبروز/ شوقي برنوصي

خلال الحروب والمجاعات والأوبئة، تبرزُ مهنٌ وتخبو أخرى. في الفترة الأخيرة، أدّى الأطبّاء والممرّضون وخبراء الفيروسات دورًا مهمًّا لإنقاذ المرضى من الوباء المستجدّ، ولمع نجم الخيّاطين الذي أغرقوا الأسواق بالكمّامات والملابس الواقية وعلا شأن النجّارين صانعي التوابيت. طفتْ على السطح مهنٌ مهمّشةٌ، مثل حفّاري القبور وانطلقت دورات تدريبيّة في بلداننا تختصّ بهم لتطوير تعاملهم مع جثث ضحايا الكوفيد 19، وفق الضوابط العالميّة الجاري بها العمل.

المهنة كهويّة فرديّة وجماعيّة

صنّف ابن خلدون في كتابه المقدّمة الصنائع على أنّها وجه من وجوه المعاش “المعاش إمارة وتجارة وفلاحة”، وتصرف فيها الأفكار والأنظار ولهذا توجد غالبًا في أهل الحضر واعتبر حينها أن العرب أعرق في البداوة وأبعد عن الصنائع، لذلك تجدهم يتّجهون إلى مهن وحرف تتعلّق بالتجارة بسبب الثقافة الدينيّة المهيمنة على المجتمع.

في كتابه “إنسانيّ مفرط في إنسانيّته”، يؤكّد الفيلسوف الألماني نيتشه أنّ “المهنة هي العمود الفقريّ للحياة”. تؤسّس المهنة أو الصنعة خصوصيّة للفرد الذي يمارسها، قد تتوارث من جيل إلى جيل بالتعلّم أو بالقرابة العائليّة. تنتقل الصنعة من معلّم خبير إلى شابّ أو مراهق متدرّب. يسير نقل التعلّمات هذا بصفة تصاعديّة وعلى فترة طويلة، ويتضمّن استعمال الأدوات والتجهيزات والمهارات وطرق العمل. إنّها تشكيل للجسد والروح يهدف إلى خلق توافق بين ما يراه المتعلّم وما يحاكيه، أي فيما يتعلّق بالتقنيّ منه والتعبيريّ. تملك كلّ حرفة حركاتها ومفرداتها والأرغونوميا الخاصّة بها، وهذا ما يسمح للفرد بتأسيس هويّة خاصّة به تحدّد مركزه الاجتماعيّ والاقتصاديّ. كما يسعى أصحاب الصنائع إلى ترسيخ هويّات جماعيّة عبر تأسيس فيديراليّات أو نقابات أو جمعيّات خاصّة بمهنة ما، تسعى للدفاع عن حقوق منظوريها والتفاوض مع شركائها في المجتمع حول تحديد الضرائب أو تحرير وتقليص الأسعار أو الحصول على قروض ومنح حكوميّة أو غيرها.

العرب وركب المهن السريع

يذكرُ عالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون أيضًا أنّ “تقدّم الشعوب والأمم مرتبط بتقدّم الصنائع فيها”. كانت المهن تزدهر في أوج قوّة الحضارات، انطلاقًا من الحضارة الفرعونيّة إلى الفارسيّة والرومانيّة وغيرها. لم تشذّ الحضارة العربيّة الإسلامية عن القاعدة واستعانت بتلك الخبرات لبناء المدن وتصريف المياه والكيمياء والطبّ والكتابة والترجمة وفي كلّ مناحي الحياة، واستعان الأوروبيّون بالعرب الأندلسّيين خاصّة بمجال علوم الملاحة ما مكنّهم من استكشاف أراض وثروات جديدة. تواصل هذا الإرث بعد اكتشاف البترول في البلدان العربيّة في القرن الماضي، خاصّة في دول الخليج التي استوردتْ عمالة أجنبيّة من الهند والصين وأوروبا لتأمين حاجياتها. طوّرتْ بعض الدول العربيّة مثل تونس ومصر والمغرب قطاع المهن خاصّة في ميدان الصحّة، لكن بقيتْ هذه التجارب محتشمة.

خلقتْ الثورة الصناعيّة أواخر القرن التاسع عشر مهنًا جديدةً، وصارت تلك المهن تضمّ اختصاصات دقيقة مضبوطة بمعايير دوليّة وتكنلوجيّات عالية الدقّة. صرنا نتحدّث عن المهن الرقميّة الجديدة مثل مدير استراتيجيّات الاتصال الرقمي وتحليل البيانات الرقميّة ومواقع الإنترنت والتسويق عبرها. لكن ورغم ذلك بقي العالم العربيّ متخلّفًا عن الركب، والدليل على ذلك احتشام مشاركاتها في أولمبياد المهن التي تمثّل تجمّعًا دوليًّا يتنافس فيه شبّان من كافّة الدول في أكثر من خمسين صنعة معتمدة.

هُمِّشَ دور المهن طول التاريخ واعتبرت بعض المهن بدعة مثل تطويف الحجّاج في مكّة، وحرّم بعض الفقهاء مهنًا أخرى مثل تلك المتعلّقة بصناعة الخمور أو العمل في البنوك ذات الصيرفة غير الإسلامية وغيرها. من جهة أخرى، لا زالت الثقافة العربيّة تنفي اعتبار المهنة علمًا من العلوم التي يجب تثمينها.على سبيل المثال، لا يزال تلقين مهنة صيانة السيّارات يشبه تعليم الحلاقة، دون أخذ بعين الاعتبار لضخامة علم ميكانيكا وكهرباء العربات وعلاقته مع علوم أخرى متطوّرة. كما تحقّر العائلات التدريب المهنيّ وتجعل منه آخر حلّ لأبنائهم في صورة فشلهم في التحصيل الدراسيّ الذي يؤدّي إلى مهن أخرى “مرموقة” مثل الطبّ والهندسة والمحاماة والقضاء والخبراء المحاسبين، إلخ…

ساهمت المنظومة التربويّة والتعليميّة في هذا التهميش، لأنّها بنيتْ على الحفظ لا على الخلق والإبداع. وهذا ما يفسّرُ استماتة الكثيرين في الحفاظ على مهنهم وعدم تطويرها وتحيين مهاراتهم، كما يعجز أغلب من تكسد مهنته -أو من يعاني من حالة بطالة- على التأقلم مع صنعة جديدة واكتساب مهارات جديدة. كذلك تنعدم تقريبًا منظومات جديّة لإعادة تأهيل العاطلين وتدريبهم على مهن جديدة، وتوفير منح تشجّع المنتفعين بها على الانخراط فيها.

أولمبياد المهن وتثمين المهارات

تتسابق المهن كلّ زمان، هناك من صمدتْ ومن اندثرتْ تمامًا. تنتظمُ كلّ سنتين، ووفق ما يجري في الألعاب الأولمبيّة الدوليّة الرياضيّة، أولمبياد المهن. انعقدتْ آخر نسخة سنة 2019 بمدينة كازان الروسيّة بين 22 و27 آب/أغسطس 2019، وستنعقد الدورة القادمة في شنغهاي الصينيّة بين 22 و27 أيلول/سبتمبر 2021. نُظّمتْ أوّل دورة بالعاصمة الاسبانيّة مدريد سنة 1950.

احتضنتْ جولة عربيّة واحدة هذه التظاهرة، وهي الإمارات، في شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 2017. تتسابق الدول على الحصول على المراتب الأولى، لأنّ نتائج الأولمبياد تساعد في التعريف بأصحاب المهن في البلدان الفائزة وتثمّن القطاعات المشغّلة. يساهم ذلك في انعاش اقتصاديات البلدان الفائزة وتوفير شغل لمهنّييها برواتب قيّمة خارجها.

بطبيعة الحال، كانت المشاركات العربيّة محتشمة جدًّا عدا بعض الإنجازات المتفرّقة لبعض الدول مثل تونس والمغرب. جاءتْ فكرة أولمبياد المهن بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، بعد أن افتقدتْ أوروبا أصحاب المهن والصنائع -المقتولين أو المجروحين- ما أنبأ بركود اقتصاديّ طويل. أشرف الإسبانيّ فرانشيسكو ألبرت فيدال على تنظيم أوّل نسخة، وكان التنظيم متواضعًا إذا ما قارنّاه بضخامة ما نشهده اليوم.

يقول المثل اليهوديّ “من لا يمنح لابنه مهنة، يصنع منه سارقًا”. حرّكتْ الحربُ العالميّة الثانية سباقًا حول تطوير المهن والصنائع، فهل ستعاود أزمة الكوفيد 19 بلورة رؤيا أخرى خاصّة في بلداننا العربيّة؟

الترا صوت

————————————–

ويكيبيديا تزدهر والسبب كوفيد-19!/ علاء خالد

يقبعُ العالم أجمع اليوم تحت تأثير جائحة فيروس كورونا وآثارها السلبيّة على جوانب الحياة كافةً من التعليم والاقتصاد والسياحة وغيرها، وذلك نتيجةً للحجر الصحيّ المفروض على السكان في دول العالم أغلبها. ولكن، هناك أيضًا آثارٌ إيجابية لهذه الجائحة، وخاصةً على العديد من منصات العالم الرقميّ، فقد انتعش العالم الافتراضي انتعاشًا غيرَ مسبوقٍ، ابتداءً من المنصات الترفيهيَّة وصولًا إلى المنصات التعليميَّة. ونالت جزءًا من هذا الأثر موسوعة ويكيبيديا العربيَّة، لا سيَّما أنها باتت تشكل  مرجعًا لا غنى عنه لشريحةٍ واسعةٍ من الناطقين بالعربية.

شهدت مشاريع ويكيميديا  (وهي المُنظمة المُستضيفة لويكيبيديا) ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الزيارات مقارنةً مع نفس الفترة من العام الماضي. في 5 أبريل/نيسان سجلت المشاريع مجتمعةً أكثرَ من 673 مليون زيارةً في يومٍ واحدٍ، وهو أعلى مستوىً للزيارات خلال السنوات الحمس الأخيرة، وقدِّرت هذه الزيادة بحوالي 30.5% مقارنةً مع نفس اليوم من العام الماضي. أمَّا على مستوى ويكيبيديا العربية فقد سجَّلت الموسوعة أكثر من 12.46 مليون زيارةً في يومٍ واحد في 14 أبريل/نيسان، وهو أعلى مستوىً للزيارات خلال الأربع سنواتٍ الأخيرة، بزيادة مقدارها 40% عن الأرقام التي سجلت في العام الماضي.

لُوحظت أيضًا زيادة في أعداد مُستخدمي الموسوعة الذين يحررون في نسخها اللغويَّة المختلفة، ولعل ذلك مرتبطٌ بالحجر الصحي الذي فَرض على أكثر من نصف سكان العالم البقاء في منازلهم. في شهر مارس/آذار 2020، كان هناك 1,239 مستخدمًا نشطًا (أي أجرى خمسَ تعديلاتٍ على الأقل) في ويكيبيديا العربية، مع زيادةٍ بنسبة 3% مقارنةً مع الشهر نفسه من العام الماضي. وكانت المفاجأة السعيدة لمجتمع الموسوعة عودةَ عددٍ من المحررين القدامى الذين غابوا لسنواتٍ طوال، فإذ بهم ينشطون في تحرير مقالات الموسوعة، بالإضافة لذلك، فقد شهدت الموسوعة إنشاءَ 10,000 حسابٍ جديدٍ في شهر مارس/آذار 2020، بزيادةٍ قيمتها 20% مقارنة بأرقام السنة السابقة.

انعكس ازدياد أعداد المتطوعين إيجابًا على تعديل المقالات، فبلغ عدد التعديلات البشرية 133,529 تعديلًا في الشهر الماضي في ويكيبيديا العربية، أي أكثر بحوالي 23% مقارنةً مع الأرقام في العام الماضي. وبهذه التعديلات أضاف المتطوعون حوالي 60 مليون بايت إلى الموسوعة في شهر مارس/آذار وحده، أي أكثر بنسبة 29% عن نفس الفترة في العام السابق. ويظهر ذلك جليًّا في إجراءات مراجعة الزملاء، وهي عملية تهيئة وإعداد للمحتوى المميز في الموسوعة ويشارك فيها عددٌ قليل من المراجعين المخضرمين وبعض الاختصاصيين المتطوعين في الموسوعة بهدف تحسين جودة مقالاتٍ محددة، وقد قام هؤلاء المراجعون بتفعيل خاصية قلما تستُخدم في المراجعة، وهي خاصية التجميد، وفيها تظل المقالة مُجمدةً حتى شغور مكانٍ لها في المراجعة، ويعكس هذا حجم الضغط الذي تعرَّض له هذا القسم من الموسوعة.

لقد أثرت جائحة فيروس كورونا إيجابيًا على ويكيبيديا عمومًا وعلى النسخة العربية خصوصًا، ولكن ويكيبيديا العربية ما تزال بحاجة لجهود المجتمعات العربية لتطويرها ورفع جودة محتواها ليتناسب مع مكانة اللغة العربية، وقد يمنحك الحجر الصحي المفروض حاليًا وقتًا للدخول إلى الموسوعة والبدء بالنشاط فيها، عبر إجراء التعديلات على المحتوى، أو إنشاء مقالاتٍ جديدة وتذكر دائمًا أنَّ ما يُكتب اليوم يُحفظ لأجيال الغد.

 الترا صوت

 ————————————-

أربعة سيناريوهات… كيف سيكون شكل العالم والشرق الأوسط عام 2021؟

ما إن بدأت أزمة فيروس كورونا تتفاقم في منطقة الشرق الأوسط حتى عمد سياسيون وباحثون إسرائيليون إلى التعليق على شكل العالم بعد نهاية الوباء. فحذرت الكاتبة والسياسية الإسرائيلية كسينيا سفيتلوفا، في 18 آذار/مارس، من أن “شرق أوسط جديداً سينبثق من أزمة فيروس كورونا”.

وقالت سفيتلوفا، وهي عضوة سابقة في الكنيست الإسرائيلي، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت”: “من المؤكد أن الشرق الأوسط سوف يتغير عقب الفيروس، فتسقط أنظمة، وتنهار البنى التحتية، وتسود الفوضى”.

وفي يوم الانهيار التاريخي لأسعار النفط الأمريكية، 20 نيسان/أبريل، غرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “كورونا يغير العالم وقد يغير الشرق الأوسط، آمل بشكل إيجابي. سنعزز أكثر علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية المعتدلة”.

آخر التحليلات كانت للرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية الجنرال إيتاي برون الذي كتب تقريراً في “مركز بحوث الأمن القومي”، توقع فيه أربعة سيناريوهات محتملة للعالم والمنطقة بعد أزمة كورونا.

السيناريو الأول: استمرار الوضع السابق

وفقاً لهذا السيناريو، ستتمكن معظم الدول من السيطرة على انتشار الفيروس صيف 2020، وستعود بعض الاقتصادات الكبرى إلى العمل على نحو مماثل للوضع الذي سبق الأزمة.

سيعود الاقتصاد الصيني في الربع الثالث من العام الجاري والولايات المتحدة في الربع الرابع منه وأوروبا في الربع الأول من عام 2021.

ستتضرر قطاعات الطيران والسياحة والمطاعم بشكل كبير، لكن ستنمو صناعات أخرى، وسيكون هناك تركيز على خدمات التوصيل والعمل عن بعد.

وفي أواخر عام 2020، ستعود الحياة تدريجياً إلى وضعها الطبيعي، مع اتخاذ تدابير وقائية ضد تفشي الفيروس.

وفق هذا السيناريو، لن يتغير النظام العالمي وستسيطر الاتجاهات الدولية نفسها التي كانت بارزة قبل الأزمة.

البشرية في مواجهة كوفيد 19… العولمة أم القومية، الشمولية أم مناعة القطيع، الحرية أم الصحة

خمسة أسباب لانهيار أسعار النفط الأمريكي… التداعيات على المنطقة وسيناريوهات ما بعد كورونا

“ورطة” تعليق الآمال على لقاح… آثارٌ جانبية وتبعات أخلاقية قد تفوق الفيروس خطورة

ستركز الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ومن المرجح أن يستمر الرئيس دونالد ترامب في اتهام الصين بالمسؤولية عن الأزمة.

وقد يقرر ترامب أيضاً سحب القوات الأمريكية من العراق وسوريا وأفغانستان إثر ظهور العديد من حالات العدوى وتصاعد التهديدات العسكرية للقوات.

في الإطار نفسه, ستقدم الصين معلومات ومساعدات للدول الأوروبية وأفريقيا والشرق الأوسط لتخطي الأزمة، وستسعى أيضاً إلى تعزيز نفوذها من خلال الاستثمارات الإستراتيجية.

أما روسيا فستستغل الفرص في الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا، وفي مناطق أخرى من أجل تعزيز وجودها.

وستسعى الدول الأوروبية للتغلب على التداعيات القاسية للأزمة مع توجيه انتقادات شديدة إلى الاتحاد الأوروبي.

في الشرق الأوسط، سيؤدي فيروس كورونا إلى تفاقم المشاكل الأساسية، منها البطالة، والفساد، وعدم المساواة، والاعتماد على النفط والمساعدات الخارجية، وستبقى الأنظمة نفسها في السلطة.

وستعود الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها دول المنطقة عام 2019.

ومن المرجّج أن تصعيداً إسرائيلياً قد يحدث خلال العام المقبل في سوريا ولبنان وقطاع غزة، وستستأنف إيران سياستها السابقة لفرض هيمنتها الإقليمية وبرنامجها النووي.

السيناريو الثاني: صعود الصين

مع مرور الوقت واستمرار الأزمة، يزداد احتمال السيناريو الثاني الذي يتوقع قيادة الصين للعالم.

ستستمر التدابير الوقائية حتى نهاية عام 2020 وربما فترة أطول، سواء بسبب موجات جديدة لفيروس كورونا أو بسبب فشل معظم البلدان في إزالة القيود المفروضة على الحياة اليومية لاستمرار انتشار المرض وتزايد معدل الوفيات.

في ظل هذه الظروف، سيتغير الروتين اليومي لمعظم الناس في العالم بطريقة تعزز نمط الحياة الحالي القائم على التباعد الاجتماعي، والعمل عبر الإنترنت، وتجنب النقل العام والأماكن المزدحمة.

لن يتعافى الاقتصاد الأمريكي إلا في الربع الثاني من العام المقبل، وسيكون من الصعب إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وستظهر شكوك في نتائجها وطعون كثيرة في شرعيتها أمام المحكمة العليا.

ستكون إجراءات الصين في مواجهة تفشي الفيروس أكثر ملاءمة للتعامل مع هذا السيناريو.

وستشن الصين حملة علاقات عامة على نطاق واسع لتقديم نفسها قائدة عالمية في النضال ضد فيروس كورونا.

حسب هذا السيناريو، يمكن أن تستغل الصين الضعف الأمريكي لترسيخ سياسة جديدة تؤدي، على المدى الطويل، إلى نظام عالمي غير ليبرالي يقوم على دول قومية قوية ومستقلة، لكل منها هويتها الخاصة.

في مثل هذا النظام غير الليبرالي، لا بد من أن تحترم كل دولة هوية جيرانها وسيادتهم، كي تتمكن من العيش بسلام وتقيم علاقات اقتصادية مع الآخرين.

سينكر هذا النظام فكرة الحقوق الفردية والمدنية، وسياسات عبور الحدود، وتبادل الثقافات، ويتراجع دور المؤسسات الدولية.

سيدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل هذا النظام العالمي، وستتبنى بعض الدول فكرة “جزر الإنترنت” أي ستبني شبكات انترنت منفصلة عن الشبكة العالمية بالتنسيق مع الصين.

سترسخ الصين سياسة المساعدة والاستثمار في مختلف البلدان للحصول على المعلومات التجارية والأمنية.

في الشرق الأوسط، ستستخدم إيران ومصر والأردن والعراق ودول الخليج أنظمتها الأمنية القوية لبسط سيطرتها، وستكون أكثر نجاحاً بمساعدة الصين في التعامل مع الوباء.

في المناطق التي تشهد حروباً مثل اليمن وليبيا وسوريا، من المرجح أن تظهر أزمة إنسانية ضخمة.

في هذا السيناريو، سيكون من السهل على المجتمع الدولي التغاضي عن تحركات إيران لتطوير برنامجها النووي.

السيناريو الثالث: خروج الوباء عن السيطرة

في السيناريو الثالث، لن تتم السيطرة على تفشي فيروس كورونا حتى يتم تطوير لقاح خلال 18 شهراً أو عامين.

في هذه الحالة، ستكون الاقتصادات الكبيرة في العالم بعيدة عن مستوياتها قبل الأزمة، وقد لا تعود إلى الوضع الذي كانت عليه حتى عام 2025.

في هذه الظروف، سيخرج لاعبون جدد على المستوى الدولي، وستهيمن الفوضى على النظام العالمي.

ستفقد الولايات المتحدة مكانتها العالمية، وستُسمع أصوات تتساءل عن فعالية النظام الفيدرالي الأمريكي.

وستفشل الصين وروسيا أيضاً في التعافي من الأزمة، خاصة إذا اتضح أن انتشار الوباء فيهما كان أكبر بكثير من المعلن عنه رسمياً.

وستكون هناك أزمة غذاء عالمية، وموجات من العنف تعم العديد من دول العالم حتى في وسط أوروبا.

سيجري تجميد أو تفكيك آليات التعاون الدولي، منها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية.

يمكن أن يؤدي مثل هذا السيناريو إلى موجة جديدة من الاضطرابات الإقليمية في الشرق الأوسط وانهيار أنظمة حاكمة، مع أزمة إنسانية كبيرة، خاصة في المدن المكتظة بالسكان ومخيمات اللاجئين.

في هذه الظروف، يمكن أن تشتعل الحرب من جديد في سوريا بطرائق مختلفة، وأن يسيطر حزب الله على لبنان بعد انهيار آليات الدولة.

وقد تحصل اشتباكات عنيفة واسعة بين النظام الإيراني وشعبه كما حدث عام 2009، كما يُرجّح أن تحدث فوضى عارمة في قطاع غزة، وتتفكك السلطة الفلسطينية إلى كيانات محلية مستقلة.

في موازاة ذلك، قد تبرز التنظيمات الجهادية كداعش والقاعدة من جديد، وتسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والسعودية.

السيناريو الرابع: إعادة الإعمار

يتوقع السيناريو الرابع أن تستمر الإجراءات الوقائية ضد تفشي الفيروس في جميع أنحاء العالم، بدرجات مختلفة، على الأقل حتى نهاية عام 2020.

بين حزيران/يونيو وأيلول/يوليو 2020، ستُظهر التقارير أن الصين قد أخفت مدى خطورة العدوى وعدد الوفيات.

وستؤدي هذه التقارير إلى حدوث أزمة سياسية في بكين واستقالة الرئيس الصيني شي جين بينغ ورفاقه.

في الوقت نفسه، ستقرر بلدان عدة التحرر من الاعتماد على الصين كمركز للتصنيع العالمي.

ومع ذلك، فإن مركز الثقل لهذا السيناريو هو الولايات المتحدة، حيث سيفوز المرشح الديمقراطي فوزاً قوياً في الانتخابات الرئاسية. وبعد شهر من الانتخابات ستوافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على لقاح طوّره معهد أبحاث أمريكي فعال ضد كورونا.

في كانون الثاني/ يناير 2021، ستقود واشنطن جهداً مشتركاً مع الدول الديمقراطية الغربية لمساعدة العالم على التعامل مع تفشي الفيروس، والتغلب على الكساد الاقتصادي، والحفاظ على النظام الليبرالي، وحل الصراعات الإقليمية الملتهبة.

يسلط هذا السيناريو الضوء على الأهمية الهائلة لقيادة الولايات المتحدة للعالم، والتي تنازلت عنها فعلياً في عهد ترامب.

وعليه، فإن انتخابات 2020 قد تُعتبر فرصة لنمو قيادة أمريكية جديدة تقوم على المفهوم الديمقراطي الليبرالي.

وفق هذا السيناريو، يتم أيضاً تقديم المساعدة لدول الشرق الأوسط، وتُعقد محادثات بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران. ويمكن كذلك أن يُعقد مؤتمر دولي وتظهر ترتيبات جديدة على غرار العملية التي تولّتها القيادة الأمريكية في التسعينيات من القرن الماضي.

وقد تتم مطالبة أنظمة الشرق الأوسط ومناطق أخرى بتبني خطوات جديدة نحو الديمقراطية.

رصيف 22

——————————-

==================================

تحديث 27 نيسان 2020

—————————

مقالات، تحليلات، معلومات واحصائيات تخص فيروس كورونا

————————-

“كورونا” سوريا: مخيّم “الركبان” بعد 6 سنوات من حجرٍ “غير صحي”/ أحمد حاج حمدو

ماذا يعني تفشّي فايروس “كورونا” في منطقة لا لصاقات جروح طبّية فيها ولا معقّمات أو حتّى أدوية خافضة للحرارة؟ هذا السؤال ليس محض افتراض أو تخيّل، بل هو حقيقة يعيشها أكثر من 10 آلاف مدني في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش سواء البشري أو الحيواني أو النباتي.

يعيش أسعد، وهو نازح سوري من تدمر مع زوجته وثلاثة من أولاده داخل مخيّم الركبان منذ تأسيسه على الحدود الأردنية السورية عام 2014. اثنان من أبنائه وُلدا داخل المخيّم، وهما لا يعرفان شيئاً عن العالم الخارجي، المباني الشاهقة أو السيارات الحديثة أو الشوارع والمطاعم والفنادق والمدارس وغيرها، كونهما لم يخرجا من هذا المخيّم في قلب الصحراء.

عندما وضعت زوجة أسعد ابنها الأصغر، كان الحصار في أشدّه على مخيّم الركبان عام 2018، وهناك اختبرت كل أنواع الحصار والعذاب داخل، ولكنّها وزوجها اليوم لديهما تخوّف من نوعٍ آخر.

مخيم الركبان

خلال مكوثه في المخيم الصحراوي طيلة هذه السنوات، أصيب أسعد بالربو وتفاقمت حالته الصحّية لعدم وجود رعاية ومتابعة طبّية، وفي كل مرّة يسمع أسعد أن مرضى الربو هم الأكثر عرضة للموت في حال أصيبوا بفايروس “كورونا”، تنتابه موجة اكتئاب. يقول: “لا أخاف على نفسي بقدر خوفي على مصير زوجتي وأولادي وكيف يمكن أن يبقوا هنا وحدهم في هذه الصحراء القاحلة من دون أي مساعدة”.

مذ وصلت إلى المخيّم أخبار انتشار الجائحة من الصين إلى بقية أقطار العالم، استبق أسعد الأمر ببعض الإجراءات الوقائية، إذ منع استقبال الضيوف داخل منزله الطيني الذي شيّده في المخيّم، إضافةً إلى ضبط حركة أولاده داخل المخيّم إذ لا يخرجون إلا تحت نظره، مع محاولة عدم الاحتكاك مع الآخرين. ولكن في حال أراد أحدهم القيام بالتعقيم فإن هذا غير متاح داخل مخيّم الركبان بسبب عدم وجود أدوات لذلك.

على رغم محاولات أم أحمد المستمرّة لتعقيم الحوائج التي تدخل غرفتها، إلا أنها فشلت بذلك، فالصابون غير متوفر بما يكفي وسعره مرتفع جدّاً وهناك مشكلة أكبر وهي المياه.

تقول أم أحمد: “نضطر للمشي نحو نصف ساعة للحصول على مياه هي أصلاً غير نظيفة ولا يمكن استخدامها في التنظيف والتعقيم”.

وتتابع: “ما موقف أكثر من 10 آلاف مدني هنا في هذا المخيّم عندما يسمعون بتوصية الصحّة العالمية بضرورة غسل الأيدي بالماء والصابون؟ وهل تعلم منظمة الصحّة العالمية أن هناك أناساً لا يملكون مياهاً وصابوناً على رغم أن جيوش الدول الكبرى (أميركا وروسيا) تحيط بهم شرقاً وغرباً ولكن ما من أحدٍ يساعدهم؟”.

كورونا في الركبان؟

ماذا يعني تفشّي فايروس “كورونا” في منطقة لا لصاقات جروح طبّية فيها ولا معقّمات أو حتّى أدوية خافضة للحرارة؟ هذا السؤال ليس محض افتراض أو تخيّل، بل هو حقيقة يعيشها أكثر من 10 آلاف مدني في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش سواء البشري أو الحيواني أو النباتي.

في البادية السورية، جنوب شرقي البلاد بمحاذاة الحدود مع الأردن، يقع مخيّم الركبان. النازحون السوريون هناك معزولون تماماً عن العالم، يعيشون حجراً، إنما غير صحّي منذ 6 سنوات، وهو لا يشبه الحجر الذي نعيشه اليوم في منازلنا على أريكات مريحة وأمام شاشات ذكيّة تعرض أحدث أفلام “نتفلكس”.

خلال سنوات وجود المدنيين هناك، تعرّض المخيم الذي انشأ عام 2014لأكثر من 25 موجة حصار أدّت إلى مجاعات بسبب نقص الأغذية ووفيات بسبب نقص الأجهزة الطبّية، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض عدد النازحين هناك من 85 ألفاً إلى 11 ألفاً، معظمهم فرّوا إلى “المعابر الإنسانية” الروسية، من دون ضمانات واضحة على حياتهم. ويخضع المخيم لحصار مستمر بعد إغلاق المنفذ الذي يربط بالأردن بضغط روسي.

ينحدر غالبية سكان المخيم من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة، وتديره فصائل معارضة مدعومة من التحالف الدولي.

مخاوف “كورونا”

اليوم بالتزامن مع تفشّي “كورونا” عالمياً، فإن انعزال المخيّم عن العالم طيلة هذه السنوات لا يعني أن ذلك يقِيه خطر تفشّي الوباء هناك، وذلك بسبب استمرار دخول التجّار الذين يقومون بإيصال كميات محدودة من الأغذية بأسعارٍ تصل إلى عشرة أضعاف سعرها النظامي.

معظم من بقي حتّى اليوم في المخيّم، يعيشون خوفاً مضاعفاً من الفايروس، ذلك أن المخيّم يفتقر إلى المعدّات الطبّية أو الأدوية الضرورية لمواجهة الفايروس، وفي حال تسلّل “كورونا” إلى الركبان، فإنّ الحجر سيصير حجرين، وسيواصل العالم إدارة ظهره لما يحصل داخل المخيم.

بالتزامن مع ظهور الفايروس، نظمت مجموعة من الشباب المتطوّعين ندوات في شوارع المخيّم للشرح للقاطنين أعراض الفايروس وأساليب الوقاية المتاحة داخل المخيّم، والتي لا تشبه وسائل الوقاية في أماكن أخرى من العالم. وتركّزت النصائح على ضرورة عدم الدخول إلى المخيم والخروج منه، إضافةً إلى تخفيف الزيارات والتباعد الجسماني، لأنه في حال وقوع إصابات فإن المرضى قد لا يجدون حبوباً خافضة للحرارة أو حتّى “باراسيتامول”.

إغلاق النقطة الطبّية الوحيدة

أغلق الأردن النقطة الطبية الوحيدة التي كانت تقدم الإسعافات الأولية وتستقبل حالات الولادة الحرجة، كما أغلق الحدود ضمن إجراءات للحد من انتشار فايروس “كورونا”.

يقول محمد درباس رئيس المجلس المحلي في الركبان لـ”درج”: “النقطة كانت تقع على بعد 400 متر داخل الأراضي الأردنية وكانت تُنقل إليها الحالات الحرجة والولادات، ولكن تم إغلاقها خوفاً من تفشّي كورونا”.

ويُشير درباس إلى أن هناك نساء حوامل يحتجنَ إلى عمليات قيصرية اضطررنَ إلى تخطّي المعابر الروسية والانتقال لإجراء العمل الجراحي في دمشق، على رغم المخاوف على حيواتهنَّ.

كما يوضح درباس، أن سكّان المخيّم لا يعرفون شيئاً عن المعقّمات أو الأقنعة الطبية (الكمامات) أو حتّى أعراض الفايروس.

“هيئة العلاقات العامة والسياسية في البادية السورية” ناشدت الحكومة الأميركية، لتقديم المساعدة الفورية والإسعافية عن طريق قوات التحالف الدولي بمنطقة 55 وإنقاذ حياة الأمهات وأطفالهن.

ولكن رد الأردن كان حاسماً في هذا الصدد، إذ أعلن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي، أن بلاده لن تسمح بدخول أي مساعدات إلى مخيم الركبان من أراضيها، كما لن تسمح بدخول أي شخص من المخيم إلى الأراضي الأردنية.

وقال الصفدي في اتصالٍ مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون: “إن حماية المواطنين من جائحة كورونا تشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى الأردن”، موضحاً أن مسؤولية مخيم الركبان، أممية – سورية، كونه يضم مواطنين سوريين على أرض سورية”.

وأوضح أن أي مساعدات إنسانية أو طبية يحتاجها المخيم يجب أن تأتي من الداخل السوري، مؤكّداً ضرورة تكاتف الجهود الدولية لتحقيق الحل السياسي في سوريا.

أسوأ موجات الحصار

على رغم أن الحصار لم يعد جديداً على سكّان مخيم الركبان، ولكن يبدو أن هذه الموجة التي اشتدّت مع حلول رمضان هي الأقسى على الإطلاق.

يقول درباس لـ”درج”: “الآن حالة مخيّم الركبان سيئة جداً لأنه محاصر من كلّ الجهات بعد إغلاق الأردن حدوده في وجهه وإقفال النقطة الطبّية”.

وأشار إلى أن هناك تجّاراً يأتون إلى المخيّم ومعهم كميات محدودة من البضائع الأساسية والتي يتم بيعها إلى 10 في المئة فقط من السكّان الراغبين بالشراء بعشرة أضعاف سعرها، لأن التجّار يدفعون الكثير من الأموال للحواجز ليتمكّنوا من الوصول إلى المخيّم.

وفي كل يوم يصطف مئات المدنيين بانتظار أي سيارة أغذية ليشتروا شيئاً يسدّون به رمقهم، إنما تحول أسعار السلع المرتفعة دون ذلك في أحيان كثيرة.

أحمد محمد الهيال، رئيس مجلس عشائر تدمر والبادية السورية الذي يعيش في المخيّم: “لا توجد حبّة طحين في المخيّم منذ أكثر من أسبوع، وعليه لا يوجد خبز أيضاً”، موضحاً أن المدنيين في حيرة حول ماذا سيطعمون أولادهم.

يرى الهيال أن الحصار قاسٍ جدّاً وغير مسبوق حتّى أن معظم سكّان المخيّم يكادون ينسون شكل الخضار والفواكه، إضافةً إلى الشح الكبير في الأدوية والمسلتزمات الطبّية.

داخل المخيّم، هناك نقطتان طبّيتان، إلا أنهما عاجزتان عن تقديم العلاج أو الإسعافات الأوّلية، إذ تعانيان من نقصٍ حاد في الأدوات الطبّية الأساسية.

الأمم المتحدة: خطابات فارغة

لم يختلف تفاعل الأمم المتحدة إزاء ما يحدث في مخيّم الركبان حالياً، مع تعاطيها إزاء قضاياه في السنوات الماضية، إذ اكتفت على لسان ديفيد سوانسون من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بالإعراب عن قلقها البالغ إزاء الوضع في مخيم “الركبان” للاجئين في سوريا، بسبب نقص الغذاء والمساعدة الطبية.

وقال سوانسون: “لا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء الوضع الإنساني في مخيم الركبان، حيث تعيش العائلات في خيم وتتعرض لظروف جوية قاسية، والوقود محدود، وغالباً ما تلجأ العائلات إلى حرق المواد غير الآمنة مثل القمامة للحصول على التدفئة وهناك نقص حاد في الغذاء، والخدمات الطبية غير كافية”.

وأوضح المسؤول الأممي، أن نزلاء المخيم، لا يزالون يحصلون على إمدادات المياه المقدمة بمساعدة الأمم المتحدة.

وأضاف سوانسون، أنه لم يعد يمكن الوصول إلى العيادة الطبية التي تدعمها الأمم المتحدة على الجانب الأردني من الحدود، بعد إغلاق الحدود في آذار/ مارس، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية لمكافحة “كورونا”. وأكد أنه حتى الآن لم تسجل إصابات جديدة بالفايروس في المخيم.

وتابع: “طالما بقي مدنيون في المخيم، ستواصل الأمم المتحدة الدعوة إلى تقديم المساعدة الإنسانية المنتظمة لهم، وتقديم الضمانات الأمنية اللازمة للعاملين في المجال الإنساني هناك”.

درج

—————————–

إن لم يُعجبك الوضع، ارجع إلى بلدك”: جدل بين لاجئين سوريين حول “الحلم الأمريكي” في زمن الكورونا/ باسليوس زينو

“الخطاب النيوليبرالي السائد بين العديد من المهاجرين واللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى وميسوري الحال كما لاحظته خلال بحثي الميداني ومقابلاتي التي أجريتها لأطروحتي الدكتوراه، يتملّص من أي حس بالمسؤولية الجماعية والتضامن مع المُستغلين والمهمشين، ويلوم الفقراء على فقرهم وكأنهم عالات على المجتمع لا يبذلون جهدا ًكافياً للخروج من الثقب الأسود الذي ولدوا فيه أو انتهوا إليه لأنّ كل شيء ممكن في أمريكا وأوروبا” هذا ما يقوله الباحث باسليوس زينو في هذا المقال الموّسع الذي يناقش فيه خطابات اللاجئين والمهاجرين السوريين في الولايات المتحدة الأميركية.

قبل أيام، في إحدى المجموعات المهمة المعنية بموضوع اللجوء والهجرة، وجّه أحد الأعضاء في الصفحة “شكراً لأمريكا” بسبب تحويل مبلغ له ولعائلته ضمن حزمة المساعدات الحكومية للمؤهلين خلال أزمة فيروس كورونا حيث حصل وشريكته على مبلغ 2900$، تتضمن 2400$ للزوجين ($1200 للفرد)، و$500 لطفلتهما أمريكية المولد. وتابع قائلاً، رغم أنه ليس مواطناً أمريكياً إلا أنّ أمريكا استقبلته وعائلته ودعمتهم مادياً مثل أي مواطن أمريكي ودون تمييز وقت الأزمة.

عند هذا الحد، يبدو التعليق عادياً، وخاصة وأننا نعيش في أزمة اقتصادية وصحية كارثية وأي مساعدة قد تحل أزمة آنية. لكنّ التعليقات على بوست المشارك أغرقت في المديح والتطنيب وتضخيم الإيجابيات لتشطح إلى تجميل حتى أسوأ أشكال الظلم والاستغلال، بما فيه شكر المستشفيات والجامعات التي زعم بعض المعلقين أنها مفتوحة بكل إنسانية للجميع في الولايات المتحدة!

ولم تتوانى العديد من الردود، التي كانت تسخر من التجارب السيئة والمُذلة للسوريين في الخليج وسورية على سبيل المقارنة، عن تصدير أوهام ورسم صور وردية لا أساس لها من الصحة، ولم تخلو المشاركات من إبراز النزعة الطبقية الفوقية والأنانية التي تختزل أثر بنى الاستغلال والعنصرية بتجربة فردية معزولة تُسوّق على أنها ناجحة، حيث يُقارن فيها الفرد مدى سوء أحواله القانونية والاقتصادية في الخليج، وسابقاً في سوريا، ومدى تحسنها وتطورها بعد فترة قصيرة من وصوله.

هذا الشكل من الخطاب النيوليبرالي السائد بين العديد من المهاجرين واللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى وميسوري الحال كما لاحظته خلال بحثي الميداني ومقابلاتي التي أجريتها لأطروحتي الدكتوراه، يتملّص من أي حس بالمسؤولية الجماعية والتضامن مع المُستغلين والمهمشين، ويلوم الفقراء على فقرهم وكأنهم عالات على المجتمع لا يبذلون جهدا ًكافياً للخروج من الثقب الأسود الذي ولدوا فيه أو انتهوا إليه لأنّ كل شيء ممكن في أمريكا وأوروبا، كما لا تفوتهم فرصة دون شتم اليسار والاشتراكية في ردة فعل على خطاب النظام السوري “النيوليبرالي” والممانعة!

يعكس هذا الخطاب قوة الإيديولوجية النيوليبرالية وقدرتها على إعادة إنتاج للذوات الضامنة لاستمرارها من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى يُظهر مدى انعزال بعض المهاجرين واللاجئين السوريين، الذين غادروا مع عائلاتهم من سورية أو كانوا أصلاً مغتربين في بلدان أخرى (خاصة في دول الخليج) واختاروا اللجوء إلى بلدانٍ أفضل لغاية الحصول على الجنسية، عمن تبقى من السوريين ضمن البلد يصارعون البقاء؛ ويؤيد العديد من هؤلاء استمرار الحرب العبثية ولا يُخفون احتقارهم لمن لا يثورون ضد النظام في هذه الظروف، كما يدعمون فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية رغم عدم نجاعتها في إسقاط أي نظام وآثارها الكارثية على الناس العاديين.

 لهذا الخطاب أثران سلبيان على الأقل

الأثر الأول، إحباط المتابعين للصفحة، وهم بالآلاف، والعديد منهم سوريون يعتمدون على هذه الصفحات المتخصصة كمصدر للمعلومات ومشاركة التجارب وينتظرون فرصة لم الشمل بأحبتهم المقيمين في الولايات المتحدة أو غيرها، وهم في انتظار مؤلم لمرحلة انتهاء معالجة أوراق لمّ الشمل. كما يوجد العديد من الأعضاء الذين مازالوا محاصرين في سوريا ويحلمون بمغادرة جحيم الحياة هناك، ولم يستطيعوا ذلك لأسبابٍ تتعلق بالفقر أو الخدمة العسكرية أو الخوف من خسارة الممتلكات أو السن أو الإصابة، بالإضافة إلى الملايين ممن علقوا في دول الجوار يعيشون خوفاً وجودياً من الترحيل أو العنصرية، سيما في لبنان وتركيا، والتي أدت إلى تفشي ظاهرة العمالة الرخيصة المستغّلة ودفعت البعض إلى الانتحار أو التعرَض للقتل.

الأثر الثاني، يساهم هذا الخطاب، بتغذية الخطاب النيوليبرالي الرسمي هنا، والذي يقوم على تهميش دور البنية والقاعدة الاقتصادية ونمط الإنتاج وعلاقات الاستغلال غير المحدودة في إنتاج شروط حياة الناس وهيكلتها، كما يتغاضى عن الهيمنة التاريخية للبيض وتحكمهم حتى بالهندسة الديمغرافية لأصوات الناخبين عبر نسج شبكة من القوانين التي تضمن إعادة إنتاج النظام إلى جانب إيديولوجيته: “الحلم الأمريكي.”

يحلو لهؤلاء ترديد أنّ “أوباما أسود” كدليلهم على المساواة أمام القانون الأمريكي وأنّ كل شيء ممكن هنا للمجتهدين، وخلال أحاديثهم قد يشرحون لك بفخر أنهم لا يسكنون في “أماكن قذرة” أو “خطرة” كما سمعت مراراً، وكأنّ مجرد وجود سكان سود في المنطقة (X) هو سببٌ مباشر لانتشار الفقر وسوء الخدمات وتدني مستوى المدارس، والأسوأ أنّ بعضهم مازال يشير إليهم بوصفهم “زنوجاً” (Nigger) وقد يدعوك لأكل حلوى “رأس العبد”.

المؤسف أنّ العديد من الكتابات الأكاديمية التي تتناول اللاجئين تساهم بنزع أنسنتهم عبر الإفراط بأنسنتهم، فبالكاد تجد مثلاً كتابات تصور النزاعات بين اللاجئين أنفسهم، من حيث التمييز الطبقي أو الطائفي أو الجندري أو الديني أو العرقي. على العكس، نجد مثلاً في الحالة السورية، كتلة متماسكة لا ملامح لها من اللاجئين والنازحين السوريين، “جميعهم” هربوا من جرائم النظام وتجمعهم قضية عادلة ومأساة المنفى وخسارة الوطن والحلم المسروق.

لولا أني أعيش في أمريكا منذ 8 سنوات، أمضيتها في الجامعات بين أوهايو وماساتشوستس، وتنقلت في العديد من الولايات، لظننت من قراءة المديح بالنظام الأمريكي العادل أني أعيش في “حلم أمريكي”. مما لا شكّ فيه أنّ أمريكا تحتوي العديد من المزايا الإيجابية التي تتيح للفرد استثمار طاقته وخبرته وتدعم البحث والتطور العلمي، وتجربتي الشخصية إيجابية في هذا المجال، عدا عن فرص العمل الواسعة بالمقارنة مع غيرها من الدول والدعم والنقد البنّاء، بالإضافة إلى المبادرات المنظمة العديدة التي تقاوم الممارسات والقوانين العنصرية وتعمل دون كللٍ لتحسين حقوق الإنسان دون تمييز مستفيدة من هامش الحرية الكبير، ولكن للأسف يتم تصوير واقعٍ مثالي مختلفٍ يستند إلى مبالغاتٍ ومعطيات غير دقيقة.

قد تبدو بعض المعلومات التي سأطرحها في هذا المقال بديهية بالنسبة للأمريكيين وغير الأمريكيين المقيمين فيها، إلا أني ارتأيت توضيحها لقراء اللغة العربية من موقع المسؤولية وخاصة تجاه الباحثين بيأس عن خلاص من أوضاعهم في سوريا ومناطق اللجوء والنزوح المجاورة وهم يسمعون رواياتٍ وردية زائفة تشبه روايات المجرمين من المهربين الذين كانوا يعدون الهاربين على السواحل التركية بيختٍ سياحي وبضعة ركاب قبل زجهم في قارب تتوقف نجاة ركابه المحشورين كالسردين على الصدفة، وهو في طريقه إلى “الجنة الموعودة” عبر اليونان. لن أتناول في هذا الرد مسألة احتلال العراق وتحطيمه ولا القواعد العسكرية وانتهاكات القوانين الدولية ولا العقوبات الاقتصادية التي تدمر حياة الناس العاديين، ولا تؤثر بأية أنظمة، ولا مسألة دعم أنظمة عنصرية ومحافظة بمساعدات وأسلحة (كتلك التي تفتك باليمنيين)، ولن أناقش محاولة إزالة الفلسطينيين المحاصرين من الوجود وإرغامهم على الاستسلام في “صفقة العصر”، فقد باتت هذه المسائل للأسف مجرد قضايا ثانوية وخطاباً متخشباً، بل أصبحت هذه الإجراءات مرحباً بها علنا ًمن قبل البعض طالما أنها تؤذي “أعداء الثورة” أو “الأنظمة الدكتاتورية” أو “ميليشيات الطوائف الأخرى”.

معطيات من “الكابوس الأمريكي”

أولاً، بالنسبة للمبلغ فهو يُصرف لمرة واحدة للذين تنطبق عليهم الشروط وحسب، وقد يبدو للمقيمين خارج الولايات المتحدة الأمريكية أنه مبلغ كبير، لكن القدرة الشرائية لهذا المبلغ لا تكفيك كعائلة لأكثر من شهر ونصف، وحسب المنطقة التي تسكن فيها (أجرة شقتي مثلاً 1560$ في الشهر دون الفواتير)؛ كما أنه ليس “منحة كريمة” من حق الجميع كما تمّ الزعم، وإنما لدافعي الضرائب حصراً، وينبغي أن يكون الدخل السنوي للمؤهل تحت عتبة محدّدة، وكأنّ فيروس الكورونا يُميّز بين دافع ضرائب ومواطن ومهاجر “غير شرعي”. وبالمناسبة، لا يمكن للرأسماليين أن يُفوتوا فرصة تفوتهم دون العيش كعلقات تمتص الثروة على حساب الموت والكوارث، فقد صاغ الجمهوريون ثغرة قانونية مكنت نحو 43000 ألف مليونيراً مسكيناً ممن دخله يزيد عن مليون دولار سنوياً من الحصول على 1.7 مليون دولار مساعدة، أي أنّ ما يعادل 82٪ من الفوائد المالية لهذه المنحة ستكون لصالح الأغنياء.

ثانياً، قد لا يعلم معظم المقيمين خارج الولايات المتحدة، أو من ينعمون بحياة أسهل في ظل أنظمة الرفاه الاجتماعي، أنّ الجامعات والمشافي “غير مجانية” في أمريكا، وهناك سيطرة مافيوية من قبل “البيغ فارما” وشركات التأمين على القطاع الصحي وأسعار الأدوية الجنونية (مثلاً سعر جرعة الأنسولين في كندا $25، بينما نفسها في أمريكا حوالي$300  بعد أن كانت حوالي $100 قبل عشر سنوات)، بفعل سيطرة اللوبيات على العديد من أعضاء الكونغرس ودور الشركات الكبرى في صياغة بعض القوانين التي تعود بالأرباح على الشركات الخاصة،(من ضمنها أيضاً مؤسسات السلاح والشركات الأمنية الخاصة التي تكسب من خلال عقود لسجن الموقوفين في سجون خاصة)، عبر جهود جيوش من المحامين الذين يعملون بالتنسيق مع أعضاء في مجلس الكونغرس والشيوخ لضمان قوننة مصالحهم وحمايتها.

تكمن المفارقة أن ما يُطلق عليه في التقارير الحكومية ومنظمات الشفافية بأنه “رشوة” عند ممارساتها في دول العالم الجنوبي، يطلق عليه هنا اسم “لوبي” أو جماعات المصالح Interest Groups، وهي رشوة أيضاً لكنها ممأسسة. هذه الشركات الربحية التي انتعشت كالفطور، خاصة بعد سلسلة من القوانين النيوليبرالية في عهد رونالد ريغان، باتت جزءاً أساسياً من الأزمة التي نعيشها اليوم، والتي تفاقمت إثر أكثر من 40 عاماً من سياسات منهجية استهدفت تجفيف القطاعات العامة من مواردها، وإعفاء الشركات الكبرى من الضرائب، فأمازون مثلاً دفعت مبلغ صفر دولار كضرائب فيدرالية  في العام 2018، في حين حققت أرباحاً وصلت إلى  11.7 بليون دولار.

على صعيد الاستثمار في القطاع الصحي والطوارئ، كان ترامب على سبيل المثال، لا الحصر، قد أمر بسحب مبلغ 271 مليون دولار من قطاعات فدرالية، من ضمنها مبلغ 155 مليون دولار من صندوق الإغاثة من الكوارث التابع للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وذلك بهدف تمويل مراكز اعتقال تسمح باحتجاز 50 ألف مهاجر وطالب اللجوء.

أمريكا هي البلد الصناعي الديمقراطي المتقدم الوحيد الذي لايوفر لمواطنيه تأميناً شاملاً باعتباره حقا ًمن حقوق الإنسان (وكان هذا المحور الأساسي في نشاط المرشح الاشتراكي الديمقراطي بيرني ساندرز وحملته الانتخابية التي أوقفها بسبب نجاح تحالف الديمقراطيين الرأسماليين في مؤسسة الحزب الديمقراطي ودعمهم لترشيح جو بايدن للحفاظ على النظام القائم). كما لا توجد إجازة مرضية مدفوعة مكفولة من الدولة، حتى في أوج الأزمة، وإنما الموضوع متروك حسب رغبة صاحب الشركة وعقد العامل أو منصبه. مؤخراً تظاهر عشرات العمال في شركة أمازون العملاقة في نيويورك وديترويت وشيكاغو وخرجوا من أماكن العمل معترضين على إهمال توفير الشروط الصحية وعدم منح إجازة مرضية او اختبارات لفيروس الكورونا، وتسبب تسريب حول فضيحة فصل أحد العمال من نيويورك، بسبب اعتراضه على سلوك الشركة الرافض لتحسين الشروط الصحية في المراكز أو توفير اختبارات للعمال حينها، إلى إحراج الشركة، حيث أظهر التسريب اجتماع مجلس الإدارة بحضور جيف بيزوس ودرسوا كيفية تشويه سمعة العامل العاق لمحاربة حراك النقابات المطالبة بتحسين ظروف العمال.

أما على صعيد قطاعي التعليم والصحة “الإنسانيين”، بحسب وصف بعض المعلقّين السوريين، فإنّ معظم الأمريكيين غارقين في الديون للجامعات والمستشفيات، ولم تبقى غير مدارس الأطفال لم تتم خصخصتها بالكامل، مع وجود مشروع لذلك. تُقدّر الإحصاءات عدد الأمريكيين المديونين بسبب قروض الدراسة الجامعية بـ45  مليون أمريكي، كما يموت على الأقل 45000 ألف أمريكي سنوياً بسبب عدم قدرتهم على شراء تأمين صحي. ولطرح مثال حول كارثية النظام الصحي ووحشيته تجاه الفقراء، خاصة  في ظروف انتشار وباء الكورونا، تُقدّر فاتورة تكلفة العلاج في المستشفى  لمن ليس لديه تأمين بين $42,486 – $74,310  وقد تدفع نفس الفاتورة كذلك إذا اعتبرت شركة تأمينك المستشفى الذي عالجك خارج نطاق شبكتها، وستتدفع الآلاف من الدولارات كجزء من فاتورة محتملة تقدّر بين 21,936$ – 38,755$ حتى لو تمت معالجتك من قبل مزودي خدمة صحية ضمن نطاق الشبكة (موضوع التأمين معقد، ولكن لا يتاح للطبقة العاملة والوسطى تأمين لا يُدفعهم أي مبلغ من جيوبهم الخاصة).

ماذا عن القانون وقوة المؤسسات والعدالة؟ بالنسبة لموضوع أنّ الجميع متساوين أمام القانون، هذا صحيح نسبياً لكنه غير دقيق ولا يأخذ بعين الاعتبار تحيّز القانون ضد السود، ويتجاهل أن الولايات المتحدة تحوي أكبر عدد معتقلين بالنسبة لعدد السكان والمساحة في العالم متفوقة على الصين والهند وروسيا والفليبين، بحيث لو جمع الـ 2.2 مليون معتقل بالغ في مدينة لكانوا ضمن سكان أكبر عشر مدن في الولايات المتحدة. العديد من القوانين سُنّت أساساً لاستهداف السود واللاتينيين، بما فيها “تجريم” الماريغوانا لعقود طويلة، وإبقائهم في ظروف فقر من حيث الخدمات بحيث لا تتوافر لديهم فرص تؤهلهم لارتقاء السلم الاجتماعي وتحسين أوضاعهم الاقتصادية سوى التجارة “غير الشرعية” و “غير المرخصة”. كما تحمي العديد من القوانين رجال الشرطة من المحاسبة حتى عند ارتكابهم جرائم قتل، غير مبررة وموثقة، بحق مواطنين سود مما أدى تفجر حركات احتجاج من حين لآخر أثمرت عن تشكيل حراك قاعدي قوي عام 2013  بات يُعرف بـBlack Lives Matter أو (حياة السود مهمة). وربما أحد أسوأ أشكال نظام العدالة الأمريكية الذي يعكس تحيزا ًطبقياً وعنصرياً يتمثل بنظام الكفالة الربحي “Bail system”، حيث يُتيح هذا النظام للمتهمين الأغنياء (معظمهم بيض) إمضاء فترة ما قبل المحاكمة، التي قد تصل لسنوات، خارج السجن وفي منتجعاتهم، في حين لا يستطيع المتهم الأسود أو اللاتيني، حتى وإن كان متهماً ظلماً، أو عائلته في معظم الحالات من تحمل نفقات خروجه من السجن، ويُعامل معاملة السجين بما فيها العمل لإنتاج مواد لصالح الشركات الربحية التي تتعاقد مع السجون فيما يُعتبر من قبل العديد من الباحثين استمراراً لنظام العبودية وعمل السُخرة، والذي من المفترض أنه قد ألغي بالتعديل الدستوري 13 )كان وثائقي (13) من أفضل ما أنتج حول عنف هذا النظام وعنصريته المؤسساتية(.

على صعيد الحياة اليومية للعائلات، تتفاوت تكاليف المعيشة والرواتب من مكان لآخر، ولكن معظم الرواتب لا تكفيك سوى لدفع الفواتير، دون إمكانية لحفظ مبالغ للطوارئ، وبسهولة يمكن أن تنتهي إلى الشارع في حالة خسرت عملك، وكنتَ مثلاً غير مؤهلا لفتات المساعدات التي لن تسمح لك حتى بدفع أجار بيتك، وعلى عكس الأوضاع في سوريا قبل الحرب، حيث كان من الممكن أن تستدين من أهلك أو أصدقائك وقت الحاجة أو أن تشتري بالدين من السمّان، جارك الصبور في الحي، لا يمكن لأحد تقريباً أن يساعد حتى أخوته في أمريكا. وإذا كان لديك ابن أو ابنة مثلاً دون سنّ المدرسة، فالتحدي الكبير أن تجد “Day Care” أو حضانة تعتني بهم أثناء دوامك، وحتى عندما تجد قد تدفع معظم راتبك وإلا خسرت عملك. على سبيل المثال أرخص مكان قريب من جامعتي، يُكلف حوالي 60 دولار باليوم، حضانة الجامعة عادةً أرخص بقليل لكنك ستنتظر سنوات قبل أن يأتي دورك، والوضع أسوأ في المدن الكبرى كنيويورك وسان فرانسيسكو. وعلى عكس معظم دول العالم، حتى الشمولية منها، لا توجد إجازة أمومة مكفولة بالقانون في أمريكا، ومعظم الأمهات تُجبرن على العودة مبكراً بعد أسبوعين للعمل، والعديد منهن يخسرن وظائفهن ويُطردن أو يعملن وظيفتين أو ثلاث لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، ويتفاوت سوء الوضع إن كنتِ أماً من أقليات (سود، لاتينيين..) أو بيضاء.

أما جغرافياً، فجميع المناطق في الولايات المتحدة مقسمة بحسب أرقام (Zip Code) تعكس ضمنياً فوارق طبقية وعنصرية مترسخة تاريخياً في بنية النظام، مصير حياتك فعلياً متوقف عليه، من حيث جودة المدارس المتاحة لأطفالك إلى الأمان وحتى الفوائد على أقساط البيت أو السيارة. يجب أخذ هذه العوامل جميعاً بعين الاعتبار لتحليل أسباب ارتفاع أعداد ضحايا الكورونا فايروس بين الأمريكيين السود بالمقارنة مع البيض بسبب عدم المساواة العنصرية الأساس، حيث لا يمتلك معظمهم ترف العمل من المنزل ومضطرين للعمل في قطاع الخدمات التي تعتبر أساسية، وأغلبيتهم لا يمتلكون سيارات خاصة أو منازل مستقلة مما يجعل فرص “التباعد الاجتماعي” أمراً مستحيلاً ورفاهية غير ممكنة لأغلبهم وليس لأنهم “جهلة” أو لا يتمتعون “بحس المسؤولية” تجاه مجتمعاتهم وبلادهم، كما يُروّج البعض.

خاتمة

أقرأ من حينٍ إلى آخر مقالاتٍ أو تعليقات على الفيس بوك وتويتر يكتبها كُتاب عرب مقيمين في الدول الأوروبية يُصدرون فيها تعميمات، لا تستند إلا على معرفة وتجربة محلية، حول جميع الأنظمة الديمقراطية بوصفها نقيضاً جوهرانياً لكتلة أخرى هي الأنظمة الشمولية، وتستهجن الهوس والمبالغة في مسألة الهويات والثقافوية عند تحليل الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية مما يُنم عن مدى الانفصال عن واقع الحياة في الولايات المتحدة المنتظمة على أساس العلاقة العضوية بين الرأسمالية والعنصرية والمسيحية الإيفانجليكية. كما يتشارك مع هؤلاء ليبراليون يغضون النظر عن كافة أشكال التمييز والاستغلال والعنصرية البنيوية والمؤسساتية ويركزون وحسب على صندوق الانتخاب (وليس القوى القامعة “قانونياً” لأصوات الناخبين غير المرغوب بهم أو الناشطين الديمقراطيين) نكاية بأي نقد قد يبدو لهم “اشتراكياً” أو “يسارياً”، حتى ولو كانوا يُجملون أوضاعهم الاقتصادية المزرية. فلا يجد بعضهم مثلاً تناقضاً بين مزاعم المساواة المطلقة وعدم التمييز العنصري وقانون حظر السفر، ذي الدوافع العنصرية المعلنة، والذي تم تعديل لغة نسخه الثلاث، لتوافق عليه المحكمة الدستورية العليا، التي نعرف سلفاً حكمها لأنها تعكس الانقسامات الحزبية (الجمهوري- الديمقراطي)، فأصبح القانون مغلفاُ بقالب “حماية الأمن الوطني” وأنه من “صلاحيات” السلطة التنفيذية إقرار قوانين ترتأي أنها لصالح الأمة. كما يعيش العديد من المعلقّين، باعتبارهم طالبي لجوء أو مهاجرين، في حالة إنكار لمدى سوء نظام اللجوء في أمريكا الذي حرم آلاف العائلات من لمّ الشمل عبر مماطلات إدارية مقصودة لسنوات دون تفسير، وحرمان طالبي اللجوء من حق الحصول على قرارٍ نهائي على طلباتهم بعد المقابلات التي قد تصل إلى ثلاث مقابلات يفصل بينها سنوات، كما تصل مدة الانتظار في العديد من الحالات إلى ست سنوات، وقد تنتهي بالرفض أو التحويل للمحكمة في انتظار جديد لسنوات طويلة وإضافة تكاليف باهظة للمحاميين.

بعد ذكر بعض هذه المعلومات على نحوٍ مختصر في معرض ردي على أصحاب “الحلم الأمريكي” وأعداء “الاشتراكية” لتوضيح أنّ هذا التجميل لأفظع أشكال الاستغلال الرأسمالي تزوير علني لحقائق الحياة هنا ويُعطي صورة مغلوطة عن أوضاع السوريين وغيرهم في الولايات المتحدة، هُوجمت من قبل عدد كبير من المعلّقين. معظم التعليقات تجنبت طرح أي معلومة مفيدة، وإنما اقتصرت على فكرة أنّ “أمريكا عظيمة”، في خطابٍ يشبه خطاب ترامب، وأنّ وضع فلان كان في الخليج غير مستقر، وآخر أصبح صاحب شركة هنا، ووبخني أحدهم قائلاً “إذا لم يعجبك الوضع ارجع إلى بلدك” مختصراً الردود الناقدة بأنها مجرد “نق”، وأنه على الأقل أستطيع كتابة هذا الكلام من قلب “الإمبريالية” دون خوف. يُخيل لي أنه لا يوجد تمييز بين “النقد” و “النق” [التذمر] رغم وجود حرف الدال في آخر الكلمة في لغتنا العربية، ربما من قلة الاستخدام وكثرة القامعين.

في سوريا كان يُقال لنا إذا لم يُعجبكم وضع الفساد والمحسوبيات العلنية والذل اليومي “اطلعوا من البلد”، وبعد انتفاضة عام 2011 أصبح التضييق على المنتقدين تهجيراً، أو اعتقالاً، أو قتلاً سياسة منهجية للنظام، ولدى العديد من الثائرين عليه على حدّ سواء. وفي الولايات المتحدة، يكفي مجرد نقد نشر معلومات كاذبة أو غير دقيقة، مع افتراض حسن النية، والسعي مع المُستَغلّين لبناء عالمٍ أكثر عدلاً ومساواة للجميع، إلى أن يجعلك عرضة لتقريع من العنصريين البيض وبعض السوريين على حدّ سواء صارخين في وجهك “ارجع إلى بلدك،” التي لم أعد أعرفها.

خلال سبع سنوات من الدراسة في الولايات المتحدة، وحالياً لدي ٥١ طالب وطالبة رائعون في صف “مدخل إلى السياسات المقارنة”، حيث ننتقد ونقارن ونحلل بين طبيعة الأنظمة والاقتصاد السياسي والفجوة الطبقية والعنصرية المتزايدة، لم يقل لي أحدهم “عد إلى بلدك” فبلدي أًصبح صفي وطلابي وزملائي.

كاتب وباحث سوري في التاريخ والأثار والعلوم السياسية، مقيم في الولايات المتحدة الأميركية.

(ينشر هذا النص بالتعاون والشراكة بين موقع “حكاية ما انحكت” مع موقع “جدلية”)

حكاية ما انحكت

—————————

الشمال السوري وكورونا.. أربعة ملايين إنسان وجهًا لوجه أمام الكارثة/ مصطفى ديب

الكارثة مؤجّلة، ولكنّها حتمًا ليست ببعيدة. هذا بالضبط ما حذّرت منه منظّمة الدفاع المدنيّ السوريّ التي دقّت قبل أيام قليلة ناقوس الخطر إزاء وباء “كورونا” الجديد الذي أكّدت عدم قدرة الشمال السوريّ على مواجهته، مُعلنةً وبصريح العبارة، أنّ هناك أكثر من 4 ملايين مواطن سوريّ، يقفون وجهًا لوجه، أمام كارثة لا يملكون أمامها ما يُعزِّز من قدرتهم على الصمود والثبات، الأمر الذي يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الموت جوعًا، أو الموت بالفيروس الذي لم يظهر حتّى هذه اللحظة في المنطقة، دون أن يعني ذلك أنّه غير موجود.

وفي شريطٍ مصوّر نشره الدفاع المدنيّ على حسابه في “تويتر”، قال منير المصطفى نائب مدير المنظّمة، إنّ تسجيل حالة إصابة واحدة في الشمال، سيؤدّي إلى انفجار الفيروس وتفشّيه بسرعةٍ قياسية، لا سيما في المخيمات، حيث يعيش أكثر من مليون ونصف المليون نازح، ضمن تجمّعات سكّانية مكتظّة تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحّي.

وأكّد المصطفى في الشريط غياب القدرة على التعامل مع الحالات المُصابة في حال انتشار الفيروس، لا سيما في الوقت الذي تبدو فيه نصف الإجراءات المتّبعة للوقاية منه، كالبقاء في المنازل من خلال فرض حجرٍ منزليّ، شبه مستحيلة بسبب حرص الناس على تأمين قوت يومهم، ممّا يُصعّب من تطبيق التباعد الاجتماعي، ويٌسهّل من انتشار الفيروس الذي لن تكون القطاعات الطبية في الشمال قادرة على السيطرة عليه، في ظلّ قدراتها المحدودة نتيجة الاستهداف المتكرّر لها من قبل النظام وحلفائه الروس، الأمر الذي يضع المجتمع الدوليّ والأمم المتّحدة ومنظّمة الصحّة العالمية أمام مسؤولية إنسانية وأخلاقية كبيرة لإنقاذ أرواح المدنيين في الشمال.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة الفيروس من قبل وزارة الصحّة في الحكومة السورية المؤقّتة بالشراكة مع كلٍّ من وزارة الصحّة التركية، وعددٍ من المنظّمات الصحّية غير الحكومية؛ إلّا أنّ الاستجابة الحقيقية والفعّالة لا تزال غير كافية في منطقة ضيّقة ومكتظّة بأكثر من أربعة ملايين إنسان، وفِّرَ لهم ثلاث مراكز للحجر الصحيّ فقط، موزّعة على مدن وبلدات سلقين ودارة عزّة والباب، وبسعة 20 سريرٍ لكلّ مركز. بالإضافة إلى مخبرٍ وحيد لفحص واكتشاف الحالات المُشتبهة.

في السياق ذاته، كانت منظّمة الصحّة العالمية قد أعلنت عزمها العمل على منع تفشي الوباء في الشمال، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتجنيب المنطقة سيناريوهات قد تكون كارثية، وذلك من خلال وضعها خطّة استجابة اشتملت على إقامة تدريبات للكوادر الطبّية حول كيفية التعامل مع الجائحة، وتجهيز مختبرات في إدلب وأنقرة للتشخيص وإجراء الفحوصات، بالإضافة إلى تشكيل فريقٍ عمل يتّبع للمنظّمة مباشرةً للتعامل مع أي طارئ، وتخصيص 30 مليون دولار أمريكيّ لغرض مكافحة الفيروس، والعمل على إنشاء مراكز عزلٍ صحّيَ بقدرات استيعابية معقولة، ضمن خطّة الاستجابة التي وضعتها، والتي لا تزال محدودة للغاية.

الأخبار القادمة من الشمال السوريّ، تؤكّد عدم قدرة المنطقة على اتّخاذ التدابير الوقائية المُتّبعة في مختلف دول العالم، خاصّةً التباعد الاجتماعي الذي لا يبدو ممكنًا في المخيمات المكتظّة بالنازحين، حيث تأوي خيمة واحدة أكثر من 10 أشخاص في وقتٍ واحد، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي ستُجبر الناس على عدم الالتزام بأي حجرٍ يُفرض عليهم بحثًا عن لقمة العيش. 

وإلى جانب التباعد الاجتماعي، ثمّة تدابير وقائية أخرى بدت مثيرة للسخرية في الشمال، منها غسل اليدين والنظافة الجسدية غير المُمكنة إطلاقًا في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة، كالماء وشبكات الصرف الصحيّ وغيرها، لا سيما في المخيمات التي يتشارك فيها أكثر من أربعين شخص دورة مياه واحدة فقط. ناهيك عن النازحين الذين لا يزالون دون مأوى منذ شهور طويلة، حيث ينتشرون في الشوارع أو الأراضي الزراعية بالقرب من الحدود التركية، داخل خيم بدائية لا تقيهم حرّ الصيف وبرد الشتاء، ولن تكون عائقًا حقيقيًا أمام الفيروس إن تفشّى في المنطقة.

القطاع الطبيّ بدوره بدا متخوّفًا من احتمالية انتشار الفيروس في مدن وبلدات الشمال، نتيجة افتقاره إلى أبسط المعدّات التي قد تمكّنه لا من السيطرة على المأساة لو حصلت، وإنّما التخفيف من وطأتها وأضرارها، حيث يقدّر أطباء المنطقة أنّ عدد الذين سيلتقطون الوباء سيتجاوز المليون شخص، بينما ستتخطّى أعداد الوفيات 100 ألف مُقابل 10 آلاف شخص سيكونون بحاجةٍ إلى أجهزة تنفس صناعية، يوجد منها في محافظة إدلب 153 فقط. أضف إلى ذلك النقص الحاصل في أعداد القفازات والأقنعة الواقية والمعقّمات، ممّا يعني أنّ المنطقة بمختلف قطاعاتها، دون أي مساعدة دولية فعّالة وملموسة، ستكون عاجزةً عن السيطرة على الفيروس.

——————————–

كورونا سوريا:ارتفاع جنوني في الأسعار.. ومئات في الحجر

ارتفعت أسعار المواد الغذائية في مناطق سيطرة النظام السوري بمعدل 107 في المئة خلال عام واحد فقط، وفق ما أفادت متحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، في خضم أزمة اقتصادية ومالية حادة تشهدها البلاد.

ويأتي هذا الارتفاع الذي شهدته معظم المواد الغذائية والتموينية، في وقت ترزح الفئة الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

وقالت جيسيكا لوسون من برنامج الأغذية العالمي لوكالة “فرانس برس”، إنه “خلال العام الماضي، ارتفع سعر السلة الغذائية التي يعتمدها برنامج الأغذية العالمية مرجعاً له بنسبة 107 في المئة في كافة أنحاء سوريا”، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن الأسعار ارتفعت “14 مرة أكثر من معدل ما قبل النزاع وهذا أعلى ما يتم تسجيله على الإطلاق”.

وذكرت “فرانس برس” أنه في دمشق، ارتفع سعر كيلوغرام البندورة من 500 إلى 1000 ليرة سورية، أما كيلوغرام الليمون فارتفع من ألف ليرة إلى 2400 ليرة.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي أن ارتفاع الأسعار اختلف بين محافظة وأخرى، وقد سجلت محافظة السويداء ارتفاعاً بنسبة 152 في المئة يليها كل من محافظتي حماة وحمص بنسبة 133 في المئة. أما دمشق فقد سجلت ارتفاعاً بنسبة 124 في المئة.

وأمام ارتفاع الأسعار، بدأت حكومة النظام قبل نحو ثلاثة أشهر بيع بعض المواد الغذائية الأساسية التي تدعم اسعارها عبر نظام “البطاقة الذكية”.

ويتضمن السقف الشهري الذي حددته الوزارة بيع كيلوغرام من السكر للشخص على ألا تتجاوز حصة الأسرة أربعة كيلوغرامات، وكيلوغرام من الأرز للشخص على ألا تتجاوز حصة الأسرة ثلاثة كيلوغرامات. أما الشاي فهو بمعدل 200 غرام للفرد على ألا تتجاوز الكمية كيلوغراماً واحداً للأسرة.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن محللين إشارتهم الى أن تسارع الانهيار الاقتصادي يعود إلى الأزمة في لبنان المجاور، حيث يودع التجار السوريون ملايين الدولارات في المصارف التي فرضت قيوداً مشددة على عمليات السحب في ظل أزمة سيولة حادة.

في غضون ذلك فكّ النظام السوري العزل الذي كان قد فرضه على بلدة منين في ريف دمشق في الأول من شهر نيسان/إبريل الجاري إثر وفاة مصابة بفيروس كورونا تنحدر من البلدة.

وادعَت حكومة النظام أن الإجراء جاء بعد التأكد من عدم وجود أي حالة مصابة بكورونا أو مشتبه بإصابتها في البلدة وذلك بعد 25 يوماً من فرض العزل.

وأعلن محافظ ريف دمشق علاء منير إبراهيم أنه سوف يتم إنهاء الحجر الصحي لمنطقة السيدة زينب قريباً، موضحاً أن هناك بعض الحالات وصلت العدوى لهم من بعض أقربائهم وفي حال شفائهم لم يعد هناك حالات جديدة، وسيتم رفع الحجر وهذا سيكون قريباً باعتبار أن بعض تلك الحالات تم الحجر عليها في منازلها.

وفي تصريح لصحيفة الوطن السورية الموالية للنظام، قال إبراهيم إنه تم إنهاء الحجر الصحي عن مدينة عين منين بعد أن تم التأكد من عدم وجود حالات جديدة، كما أن جميع العينات التي تم أخذها كانت سالبة، موضحاً بأنه تم أمس فتح الطرقات مع إبقاء الإجراءات الوقائية كأي منطقة أخرى.

ولفت إبراهيم إلى أنه يوجد حاليا في مركز الدوير نحو 700 شخص محجوراً عليهم قادمين من لبنان يتم تقديم كامل الرعاية لهم.

وأقرَت حكومة النظام استمرار فرض حظر التجوال المفروض على المناطق الخاضعة لسيطرته، والحد من التجمعات خاصة عند تقديم الخدمات في القطاعين العام والخاص.

ونقلت وسائل اعلامية محلية أن حظر التجوال لا يعمل به إلاّ في بعض الحالات وحسب الدورية الشرطية التي تتواجد في المنطقة، كما أن التجمعات تكون كبيرة جداً، ولا يوجد تباعد بين المدنيين خاصة عند تقديم الخدمات الغذائية والإنسانية وتوزيع الرواتب.

وأكدت أن حظر التجوال الذي تم فرضه أدى إلى ارتفاع عمليات السرقة وحتى أن ناشطين يتهمون قوات الأمن السوري بهذه السرقات.

وفي السياق فقد طالب وزراء النظام السوري بالبدء بإعادة دوام العاملين بشكل تدريجي، على أن تستمر نسبة الدوام 40 في المئة هذا الأسبوع، وزيادة نسبة الدوام تدريجياً وحسب المديريات الأكثر احتياجاً لإنجاز العمل وخاصة ما يتعلق بمعاملات المواطنين.

———————————-

كورونا جيجيك: حين يتفلسف مسيحي ملحد!/ صبحي حديدي

منذ تاريخ 11 آذار (مارس) المنصرم، حين أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تصنيف فيروس كورونا «جائحة» على نطاق عالمي، قذفت مطابع العالم عشرات المؤلفات التي تشرح أعراض الوباء وطرائق الوقاية منه. وهذه اتخذت عناوين منتظَرة تماماً، خاصة في جوانبها التشويقية والتعليمية والإرشادية، على غرار «كرّاس الاستعداد لفيروس كورونا: كيف تحمي بيتك ومدرستك ومكان عملك وجماعتك من الجائحة المميتة»؛ أو «تفشي فيروس كورونا: كشف جميع الأسرار حول جائحة كوفيد ـ 19»، أو «الوجيز في الوقاية من فيروس كورونا»؛ وهذا غيض من فيض بالطبع، وفي نطاق اللغتين الفرنسية والإنكليزية فقط.

النادر، في المقابل، كان الدليل أو الكتيب أو الكرّاس أو الوجيز الذي يصدره مفكر أو فيلسوف، حتى قرّر الناقد الثقافي والفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك حيازة قصب السبق، فأصدر قبل أيام كتابه «جائحة كوفيد ـ 19 تهزّ العالم»، عن منشورات Or Books في نيويورك ولندن. العمل هذا يقع في 114 صفحة من القطع الصغير، ويتألف من مقدمة وخاتمة، وعشرة فصول (إذا صحّ، حقاً، إطلاق صفة الفصل على بعضها، كالخامس مثلاً الذي يقلّ عن 900 كلمة)؛ تسير عناوينها هكذا: «نحن الآن جميعنا في المركب ذاته»، لماذا نحن متعبون كلّ الوقت؟»، «نحو عاصفة تامّة في أوروبا»، «مرحباً بالصحراء الفيروسية»، «المراحل الخمس للجوائح»، «إيديولوجية الفيروس»، «إهدأ وافزعْ!»، «رقابة وعقاب؟ نعم رجاء!»، «هل قدرنا البربرية بوجه إنساني»، و«الشيوعية أم البربرية، هكذا ببساطة!».

ومنذ السطر الأول في المقدمة، يقتبس جيجيك عبارة يسوع في مخاطبة مريم المجدلية، حين تعرفت عليه بعد قيامته: «لا تلمسيني»؛ لكي يتساءل كيف له، وهو «مسيحي ملحد «، أن يفهم هذه الكلمات التي (تشترط المحبة قبل التلامس في يقينه)، على خلفية الدعوة الشائعة اليوم إلى عدم الملامسة خوفاً من انتقال فيروس كورونا. التفلسف هنا ينتقل إلى طور استبدال اليد المصافِحة عن قُرب، بالعين الناظِرة عن بُعد، حيث «النظرة العميقة في عينّيْ الآخر يمكن أن تكشف أكثر من الملامسة الحميمة». الاقتباس من إنجيل يوحنا يقود جيجيك إلى اقتباس من هيغل، هكذا دفعة واحدة وعلى طريقة انتقالات الفيلسوف السلوفيني المأثورة؛ لأنّ الفيلسوف الألماني هو القائل: «المحبوب ليس مضاداً لنا، إنه واحد من كياننا ذاته؛ لا نبصر إلا من خلاله، لكنه إلى هذا لم يعد نحن ــ لغز، أو معجزة ــ من طراز لا نستطيع إدراكه». وكذلك، من هيغل أيضاً: «الكائن البشري هو هذا الليل، هذا اللاشيء الفارغ الذي يحتوي على كلّ شيء ــ الثراء اللامتناهي لتمثيلات عديدة، وصور، لا ينتمي أيّ منه إليه ــ أو هي ليست حاضرة. ناظر المرء يقع على هذا الليل حينما يحدّق في أعين الكائنات البشرية».

فإذا أفلح القارئ، أو قارئ جيجيك المدرّب على أفانين تفلسفه تحديداً، في استيعاب هذه النقلة المباغتة بين يوحنا الرسول وهيغل الفيلسوف؛ فإنّ مهامّ القراءة اللاحقة سوف تتطلب الكثير من العسر والمشقة والصبر؛ ثم قد تقتضي (عند قارئ مثلي، بالتأكيد) الإصرار العنيد على ملاحقة جيجيك في البحث عن المعنى الملموس، أو إسقاط كلّ معنى ملموس، وراء ما يقيمه من روابط، خاصة تلك العشوائية والاعتباطية والتعسفية. ولعلّ نبوءة جيجيك الكبرى في كرّاسه هذا، بأنّ الشيوعية هي مآل الأزمنة ما بعد كوفيد ــ 19، جديرة بأن تستأثر بالمقدار الأكبر من التشكيك والمساءلة، فضلاً عن السخرية والتهكم كما يقرّ هو نفسه. بعض خيوط محاججته تسير هكذا: «لا يكفي العزل والنجاة ــ فلكي يمكن هذا لا بدّ من استمرار خدمات عامة أساسية في العمل، مثل الكهرباء والماء، والغذاء والطبّ (…) لسوف نكون سريعاً في حاجة إلى لائحة بالاشخاص الذين تعافوا وباتوا، حتى بعض الوقت على الأقل، يمتلكون مناعة يمكن تعبئتها للعمل العام العاجل. هذه ليست رؤية شيوعية طوباوية، بل هي شيوعية فرضتها ضرورات النجاة المحضة. إنها للأسف نسخة مما عُرف في الاتحاد السوفييتي سنة 1918 تحت اسم شيوعية الحرب».

وليس الأمر أنّ الأطروحة خفيفة واستخفافية، من وجهة نظر صاحبها في المقام الأول، بل هي بعد «شيوعية الحرب» تتكيء على «شيوعية رأسمالية» إذا جازت هذه الهرطقة اللفظية: واقعة لجوء رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى تأميم خطوط السكك الحديدية، أو تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضع اليد على القطاع الخاص. ثمة، في باطن الجوهر الفكري الذي عوّدنا عليه جيجيك، ذلك الولع بردّ النقائض إلى خلاصات متوافقة شكلاً، وليس مضموناً بالضرورة؛ كما في تذكيره القارئ بأنّ «بعض الأمور التقدمية لا يمكن أن يقوم بها إلا محافظ ذو أوراق اعتماد قوموية، كأن يكون الجنرال دوغول هو الوحيد الذي منح الاستقلال للجزائر، أو يكون نكسون هو القادر على إنشاء علاقات مع الصين!

لا تثريب على «مسيحي ملحد» أن يتفلسف حول كورونا، بعجالة واختزال واختصار وابتسار، إلى آخر هذه المترادفات؛ فهو يرحّب عادة بلقب «إلفيس برسلي الفلسفة»، لجهة اقتدائه بالمغنّي الأمريكي الراحل في الرقص القائم على الاهتزاز والنواس والتذبذب. إصداره الجديد هو، في نهاية المطاف، كرّاس وجيز عابر يعفي الفلسفة من شرّ الكرّ والفرّ، بين يوحنا وهيغل!

———————

زمن كورونا..انتعاش فنون الشارع بالإنترنت وسينما على جدار

تشكل جدران المدن الكبرى لوحا كبيرا لأعمالهم عادة، لكن في ظل إجراءات العزل بات فنانو الشارع يتواصلون مع جمهورهم عبر الشبكات الاجتماعية معربين عن قلقهم وهمومهم في خضم وباء كوفيد-19.

وكتب “إنفايدر”، أحد نجوم فنون الشارع، عبر “إنستغرام”: “لقد أنجزت هذه الفسيفساء عن دكتور هاوس قبل أربع سنوات على جدار مستشفى باريسي إلا أن موضوعها آني أكثر من أي وقت مضى. أهنئ الممرضين الذين ينقذون أرواحا”. وعلى غراره، يرى فنانون كثر عبر العالم أعمالهم تأخذ بعدا جديدا مع المستجدات الراهنة. ويقول إيدي كولا بشأن عمل له يظهر امرأة تضع قناعا مع رموز صينية حول وجهها، “يسألني الناس إن كان هذا العمل على علاقة بفيروس كورونا”.

ويوضح الفنان لوكالة فرانس برس وهو معزول في كاليفورنيا في الولايات المتحدة: “لقد أنجزته قبل ثماني سنوات. هو عمل يتناول الخوف والعزلة والخارج الذي يهدد بيئة الفرد المباشرة. وهي هموم تبدو آنية في المرحلة الحالية”.

ويتملك الشعور نفسه الفنان إندير، الذي ينشر رسومه في شرق باريس وتتمحور على الملائكة والأطفال. ويقول الفنان “العمل الذي أنجزته العام الماضي يتلاءم جدا مع ما نعيشه” وهو رسم على جدار لامرأة راكعة معصوبة العينين كأنها رهينة لوضع خارج عن سيطرتها. ويوضح “إنها تتطابق مع فكرة الحجر لأنها موجودة في مساحة ضيقة جدا. فهي مقموعة تماما كما الشعور الحالي”.

وقد وضع عند قدميها شريط لاصق صغير كتب عليه “هش” مثل مشروع إندير حول الضعف. وهو موضوع يجد صداه في القلق الحاصل راهنا والخوف من الوباء وعلى المستقبل وصعوبات العيش في الحجر. لكن هل هذا يجعله يأسف لعدم وجوده في الشارع لإنجاز أعماله؟ يقول الفنان إنه لا يأسف لذلك فعلا مشيرا إلى أنه يعاني من شح في الأفكار مع أنه يعمل على لوحات في المنزل.

ويؤكد “أحتاج إلى المشي لأكوّن أفكارا واستقلال وسائل النقل العام وأن يكون جسمي في حركة لكي يتحرك ذهني لكن الوضع معقد الآن”. لكن الوضع مختلف تماما بالنسبة إلى أنجيل كرو، الذي يستمر في الرسم حول مواضيع تتعلق بالأحداث الحالية حتى لو أنه “غير قادر على عرضها”.

ويقول “لدي الكثير من الأمور لأعلقها لأنني أنجزت الكثير من الأمور في هذه الفترة (منذ بدء الحجر)” تظهر أشخاصا وراء قضبان ورجالا استحالوا فيروسات. وقد اعتمد الفنان هذا الموضوع “عندما بدأ الفيروس ينتشر في العالم” من خلال شخصية تمثل طبيبا في زمن جائحة الطاعون وهي الأخيرة التي رسمها في شوارع باريس قبل أن تصبح مقفرة.

ونتيجة لذلك، بات بإمكان عشاق فنون الشارع الاستمتاع بهذه الأعمال عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول إندير “يتشارك الناس الصور التي التقطوها في الأشهر السابقة وهم يتفاعلون أكثر بكثير من الصور وهو أمر ممتاز لنظهر عملنا بطريقة مختلفة”.

وهو يستبعد كليا انتهاك اجراءات الحجر لإنجاز أعماله على الجدران ما قد يدفع الفضوليين إلى الخروج “بحثا عنها”.

ويؤكد إيدي كولا أن الثقافة تتم راهنا بالنسق الرقمي وهو أمر لا تفلت منه فنون الشارع. وهو سيشارك في مشاريع لمعارض رقمية موضحا “سيشكل ذلك سابقة”.

ويدرك فنانو الشارع أن بإمكانهم أن يلعبوا دورا فلا يترددون في الالتزام، فإنفايدر يقول للأشخاص الذين يستفيدون من الحجر للخروج بحثا عن أعماله وإيرادها عبر تطبيقه “فلاش إنفايدرز”: “احترموا اجراءات الحجر!”

سينما باريسية تعرض أفلامها على جدار مبنى سكني

أجبرت قيود احتواء فيروس كورونا القائمين على دار عرض سينمائي في باريس على إغلاق الأبواب لذا فكر الفريق في بديل وهو عرض الأفلام على جدار مبنى سكني مجاور.

وقبل عرض فيلم (مان ويذاوت إيه ستار) من بطولة كيرك دوغلاس وإنتاج عام 1955 على الجدار تحدث ديريك ولفندن، أحد أفراد الفريق الذي يدير دار عرض (لا كليف)، لرويترز قائلاً: “قلنا لأنفسنا: إذا لم نعد قادرين على عرض الأفلام للجمهور داخل دار عرض فلنحتل الجدران ونعرض الأفلام في الخارج”.

وبموجب قيود العزل العام، لا يمكن لسكان باريس الخروج إلا لفترات وجيزة لشراء طعام أو لأداء التمارين الرياضية. لكن لا يزال بإمكانهم مشاهدة الأفلام بالنظر من النوافذ أو الخروج إلى شرفات البيوت.

وقال ولفندن: “استشعرنا أن الحي بحاجة لشكل من أشكال الفعاليات لأنه لم يتبق شيء فالشوارع خاوية والوضع يبعث على الحزن”. ويسعى فريق سينما (لا كليف) سعيا حثيثا لإشراك سكان المنطقة في مبادرته حيث يقع الاختيار على الأفلام التي تُعرض في كل أسبوع بالتشاور مع الجيران. وقالت كريستين دافنييه، وهي رسامة شاهدت الفيلم من شرفة منزلها: “إنه أمر رائع… يأخذنا إلى الزمن الماضي عندما كان الناس يشاهدون الأفلام معا”.

وصدرت أوامر تلزم فريق دار العرض السينمائي بدفع غرامة قدرها أربعة آلاف يورو نظير احتلالهم المكان لكن الفريق تقدم بطعن على القرار وسيتم البت في الطعن في يونيو/حزيران.

أفلام في باحات المباني في برلين لمحاربة الملل

في برلين كما في مدن كثيرة أخرى بدأ الملل يتسلل إلى النفوس مع استمرار إغلاق المسارح والحانات والمطاعم، إلا أن السكان وجدوا طريقة جديدة للترفيه عن أنفسهم جماعيا من دون التعرض لاحتمال الإصابة بمرض كوفيد-19 من خلال عرض أفلام على جدران باحات المباني.

وأوضحت كارولا لوتر: “لدينا هذا الجدار الأبيض هنا ولطالما فكرنا بأن علينا ان نعرض أفلاما عليه”. وهي تواصلت مع مبادرة “ويندوفليكس” التي تنظم هذه العروض. وقد وافق المشروع المدعوم من قاعات السينما المحلية “يورك” على طلبها لعرض فيلم “لوفينغ فينسنت” للرسوم المتحركة حول سيرة الرسام الهولندي الشهير فينسنت فان غوخ.

وأوضحت كارولا لوتر: “نشعر ببعض الخمول والخوف وعدم اليقين بعد كل هذه الأسابيع ففكرت أنه من المفيد توفير شيء إيجابي”.

وقد تابع المقيمون في المبنى من على الشرفات المضاءة بمصابيح أو من النوافذ، الفيلم وهم يتناولون الطعام أو الفشار الذي قدمته شركة محلية.

وأوضحت أودينه زييغ، المقيمة في المبنى: “الفكرة ممتازة. بما أنه لا يمكننا الذهاب إلى السينما منذ أسابيع، أتت السينما إلينا”. وأضاف زوجها أوفه: “نأمل أن يقوم الكثير من الناس بتبرعات أيضا لأن ذلك سيفيد هذا القطاع”. وقد توقف قاعات السينما في برلين عن بيع البطاقات، ووجهت هذه الأخيرة نداء للتبرع تحت عنوان “يتبع” بهدف جمع أكثر من 700 ألف يورو. وقد بلغت وعود التبرعات حتى الجمعة مئة ألف يورو.

وأوضح أولف كارخوف، الذي يقف وراء مبادرة ويندوفليكس: “اعتبرنا أن الناس بحاجة إلى أن يختبروا شيئا فلم لا نجعلهم يتابعون أفلاما من على شرفاتهم أو نوافذهم”. وإلى جانب عرض الأفلام لديه مشاريع أخرى مثل تنظيم “حفلة موسيقية أو عدة حفلات متزامنة في مئات باحات المباني”.

سنترال بارك… ملاذ للتأمل

أصبح سكان نيويورك يرون الجمال الحقيقي لسنترال بارك ويقدرونه أكثر بعد تفشي وباء كوفيد 19 في الولايات المتحدة، إذ أتيح المجال أمام الباحثين عن الهدوء والعصافير المزقزقة للتنقل بحرية في هذا المتنزه الذي هجره السياح وعربات الجياد.

عادة ما يكون المنتزه النيويوركي الشهير مكتظا في هذا الوقت من العام. ويأتي الناس من أنحاء العالم للتمتع بأشعة الشمس وتفتح البراعم ووصول الطيور المهاجرة. لكن مع تفشي الوباء الذي أجبر هذه المدينة الأميركية على الإغلاق التام، بقيت هذه الرئة الخضراء التي تبلغ مساحتها 340 هكتارا، واحدة من الأماكن العامة القليلة التي ما زالت متاحة أمام سكان نيويورك. وقال تيموثي فوستر، وهو راقص باليه يبلغ من العمر 66 عاما فيما ينزّه كلبه قرب قصر بيلفيدير في سنترال بارك: “هناك طاقة صامتة، تسمع صوت الطيور والرياح بشكل مختلف”.

يزور أكثر من 40 مليون شخص سنترال بارك كل عام، مع ما يرافق ذلك من نشاطات تجارية مختلفة وبائعي الكعك المملح إلى عازفي الشوارع والدراجات التاكسي وممارسي الألعاب البهلوانية. عادة يأتي كثر لرؤية الجانب الغربي للمنتزه حيث يقع النصب التذكاري لجون لينون الذي قتل في عام 1980 في مكان قريب منه، أو لالتقاط صورة أمام النافورة المماثلة لتلك التي تظهر في المسلسل التلفزيوني الشهير “فرندز”.

لكن منذ اتخاذ تدابير الاحتواء في منتصف آذار/مارس في عاصمة الولايات المتحدة الاقتصادية والتي مددت حتى 15 أيار/مايو، أصبحت الحديقة مكانا للتفكير والتأمل والتنزه المنفرد. وقال الكاتب كارول هارتسيل (45 عاما): “أصبح أكثر هدوءاً، وهو أمر جميل. لكن من المزعج أيضا عدم رؤية الأشخاص في كل أنحاء مكان كالمعتاد”. في قسم في شمال شرقي الحديقة، نصبت 12 خيمة بيضاء لتشكل مستشفى ميدانيا يتسع لـ68 سريرا تم إنشاؤه لدعم المستشفيات القريبة. كذلك يمكن رؤية العصافير تتنقل بين الماغنوليا والقيقب الأحمر. وأوضح ديفيد باريت، مؤلف كتاب عن 200 نوع من الطيور تعيش في مانهاتن خلال هذه الفترة من العام: “يمكنك سماع المزيد من زقزقة العصافير. فثمة عدد أقل من الناس وكلاب أقل لتخويفها”.

والطيور ليست الوحيدة التي باتت تتحلى بشجاعة أكبر للمجيء بكثرة إلى هذه الحديقة التي أنشئت في خمسينيات القرن التاسع عشر كواحة لمدينة أصبحت أكثر اكتظاظا من أي وقت مضى، وقد صممها المهندسان المعماريان فريدريك لو أولمستيد وكالفرت فو. فقد شاهد صحافي من وكالة فرانس برس حيوان راكون يجتاز بهدوء مسارا يحتله عادة ممارسو رياضة الجري وراكبو الدراجات بأعداد كبيرة. وقالت إليزابيث سميث، رئيسة منظمة “سنترال بارك كونسيرفانسي” التي تساعد في إدارة المنتزه: “الحديقة تحقق هدفها الأساسي”. وأضافت “معظم الناس يقولون لي الحمد لله على وجود هذا المتنزه، ماذا كنا سنفعل بدونه، إنه شريان حياة لكثير من الناس” أيضا.

جندي بريطاني سابق يتصدر قوائم الأغاني الفردية في المملكة المتحدة بعمر المئة

أصبح جندي بريطاني سابق يبلغ 99 عاماً حقق شهرة بعدما جمع الملايين للعاملين الصحيين الذين يحاربون فيروس كورونا، أكبر فنان يتصدر تصنيفات الأغاني الفردية في المملكة المتحدة.

وبيعت 82 ألف نسخة من تأدية المحارب السابق في الحرب العالمية الثانية توم مور لأغنية “يول نيفر ووك ألون” الواردة في مسرحية غنائية عرضت في عام 1945 وأصبحت منتشرة على نطاق واسع لاحقا، متغلبة على أغنية “بلايدينغ لايتس” للكندي ذي ويكند، وفقا لوكالة “برس أسوسييشن”.

وقال مور، الذي خدم في الهند خلال الحرب العالمية الثانية، على حسابه في “تويتر”: “إنه أمر مدهش”. وهذه الأغنية التي يؤديها مور إلى جانب الممثل والمغني مايكل بال وجوقة من عاملين في الخدمات الصحية البريطانية، هي أيضا الأغنية الأسرع مبيعا للعام 2020 حتى الآن وفقا للوكالة.

وأضاف مور الذي سيبلغ عامه المئة في نهاية هذا الشهر لوكالة “برس أسوشييشن”: “لا يصدق أحفادي أنني في صدارة التنصيف!”. كذلك أعلنت موسوعة “غينيس” أن مور حطم الرقم القياسي في جمع أكبر مبلغ من المال في مسيرة خيرية فردية، بعدما تمكن من استقطاب أكثر من 27 مليون جنيه استرليني.

(رويترز ـــ أ.ف.ب)

————————–

فنّ العزلة.. أن تكون سعيداً وسط الحشود/ حسام أبو حامد

يقال إن الإنسان كائن اجتماعي. لكن، ألا يبدو الاجتماع نتيجة الشعور بالوحدة أكثر من كونه طبيعة متأصلة في الإنسان؟ أليست العزلة هي العمق النهائي للشرط الإنساني طالما كان الإنسان، بحسب أوكتافيو باز، هو الكائن الوحيد الذي يشعر بأنه وحيد والذي يبحث عن الآخر؟

لكن المضي في البحث عن الآخر إلى أقصى حد قد ينتهي إفراطا في الاجتماعية على حساب الذات المحتاجة دوما لمحطات من المواجهة معها؛ مساءلتها واستنطاقها، ولذلك يمتدح فيثاغورث العزلة التي تجعل من الفكرة التائهة الجادة فكرة قابلة للتحقق: «في الصباح، هناك العزلة..  تلك الطبيعة قد تتحدث إلى المخيلة، بطريقةٍ لا تفعلها مُطلقاً في وجود صحبة».

اليوم وفي خضم تدابير الحجر الصحي، وهزيمة الطب في جولة أولى أمام فيروس كورونا المستجد، وفي مواجهة ما استجد واستبد بنا، ذهب معلقون إلى مديح العزلة بوصفها فضيلة، وفي تقديم نصائح للجمهور حول الطرائق المثلى لقضاء الوقت في مواجهة ألم القلق ولحظات الملل. لكن، هل الفضيلة تكمن في قضاء الوقت أم في استخدامه؟ وهل ينجح الجميع في الاختبار؛ اختبار العزلة في مواجهة الذات في لحظة صمت وراء ضجيج العالم، التي فيها يُختَزَل كلٌّ منا في موارده الذاتية ولا شيء غيرها؟

في نصه “لو كنتُ غيري” (ديوان “أثر الفراشة”) يذهب محمود درويش إلى أن العزلة هي “كفاءة المؤتَمَن على نفسه”، مؤكدا أن قدرتك على أن تكون وحيداً «هو تربية ذاتيَّة. العزلة هي انتقاء نوع الأَلم، والتدرّب على تصريف أفعال القلب بحريّة العصاميّ … أَو ما يشبه خلوَّك من خارجك وهبوطك الاضطراري في نفسك بلا مظلَّة نجاة». فليست العزلة مجرد انعكاس الصورة في لعبة المرايا، بل هي المطياف (الموشور) الذي يحلل ضوء الذات ويكشف عن ممكناتها من ألوان، ثم تركيبها باختيار حر يستلزم جرأة ميتافيزيقية للنفاد إلى الجوهر: «تجلس وحدك، كفكرة خالية من حجة البرهان، دون أن تحدس بما يدور من حوار بين الظاهر والباطن. العزلة مصفاة لا مرآة (…) العزلة هي اختيار المُتْرَف بالممكنات… هي اختيار الحرّ. فحين تجفّ بك نفسُك، تقول: لو كنتُ غيري لانصرفتُ عن الورقة البيضاء إلى محاكاة رواية يابانية، يصعد كاتبها إلى قمة الجبل ليرى ما فعلت الكواسر والجوارح بأجداده الموتى. لعلّه ما زال يكتب، وما زال موتاه يموتون. لكن تنقصني الخبرة، والقسوة الميتافيزيقية تنقصني».

مع أوكتافيو باز تبدو العزلة امتحاناً لقدرة المرء على التماسك:

” جرعة صغيرة من الصمت تكفي،

وكل شيء ما زال، في مكانه الصحيح، تماماً كما جسدي في مكانه”.

هل جميعنا قادر على التماسك واجتياز الامتحان جاعلاً من العزلة فضيلة؟

كل منا محكوم عليه في نهاية المطاف بأن يترك وحيدا (يوهان غوته)، وفي نهاية الرحلة سيتركنا الجميع، فنبقى وحدنا، إما لنصنع سعادتنا، أو ننطلق للبحث عنها (غولد سميث). فشرط السعادة هو الاكتفاء بالذات (أرسطو)، ولما كانت الطبيعة سرمدية والأشياء عارضة، فإن شوبنهور، فيلسوف الإرادة، لا يعوّل على المصادر الخارجية والمتع العابرة (الحب، ركوب الخيل، الشغف بالسفر، روح المرح…) لتحقيق السعادة، لأنها مُصطنعة؛ عشوائية ومنفلتة، طالما أننا لا نحصل عليها وقتما وكيفما نشاء، وتتخلى عنا رويدا رويدا مع تقدمنا في السن. الموضوعي إذاً هو ميدان الحظ والصدفة والتغير الدائم، بينما الذاتي نتحكم فيه، فيظل جوهريا. لذا علينا أن نتمسك بكينونتنا أي ما نحن عليه؛ ذواتنا ولا شيء غيرها، المصدر الوحيد الدائم للسعادة، فالأقدار فظة وشرسة، ونحن في مخالبها مثيرون للشفقة، وحتى لو تخلصنا من الألم تربّص بنا الملل.

الأساس في سعادة الفرد هو المدار الجواني، والخارجي مشروط به. وهذا الجواني؛ عالم الفرد الخاص، محكوم بطريقة إدراكه للأشياء التي تختلف تبعا للذكاء، والوعي الذي يتوقف عليه كل ما عداه، بما في ذلك الصور التي نتمثلها من خلاله، فكل ما هو مبهج وممتع قد يبدو فقيرا وأجوف عندما ينعكس في الوعي الموتور للأبله. النعم الذاتية، من طبع نبيل وعقل راجح ومزاج رائق والنفس المرحة والجسم السليم تبدو مع شوبنهور أدوات مواجهة الذات لبلوغ السعادة.

السعادة من نصيب أولئك الذين أوتوا من القدرات العقلية ما يفوق حاجة إرادتهم منها لتنمو حياتهم من كل أثر للألم والملل. بالنسبة للعوام، نقطة جاذبيتهم تقع خارج ذواتهم فلا تستقر نزواتهم وأمانيهم على حال لتبقى عرضة لسوء الحظ وحسنه، أما صاحب العقل فمركز جاذبيته يقع داخله، فيستقبل العزلة بالأحضان، ويعتبر وقت الفراغ خيرا أسمى.

بين حدين: الفراغ الخارجي والثراء الداخلي

يذهب شوبنهور إلى أن العدوين اللدودين للسعادة البشرية هما الألم والملل، وبقدر ما يبتعد الإنسان عن الأول يقترب من الثاني، ولا تعدو الحياة البشرية أن تكون تأرجحا متواصلا بين الحدين بدرجات متفاوتة في الحدة والشدة. الحاجة تولّد الألم ويتمخض الملل عن إحساس الإنسان بالأمان وعيشه في رفاه. لا غرابة في أن المعوزين من الطبقات الدنيا يكافحون ضد الألم، والميسورين يكافحون ضد الملل.

العقل البليد والحساسية المتبلّدة يسيران جنبا إلى جنب صاحبهما، يتركانه عاجزا عن التأثير بالمحيط، إلا أنه يئن تحت وطأة فراغ داخلي يقضيه في حشر نفسه في كل حدث خارجي على تفاهته وسخفه. هذا الفراغ مصدر للملل الذي يدفع صاحبه إلى الاهتمام الشره بشؤون الآخرين ويتفاعل بسرعة مع الهيجانات الخارجية كي يشغل قلبه وعقله بأي شيء. ها هي أفواج المتسكعين يجوبون العالم طولا وعرضا، يدفعهم الخواء الداخلي إلى البحث عن كل أنواع التجمعات البشرية والتسلية لتمضية الوقت، ركضا وراء المتع ومظاهر البذخ، ما يقودهم في النهاية إلى تبذير ممتلكاتهم والسقوط في هاوية البؤس والإفلاس. لا علاج لهذا البؤس إلا الثراء الداخلي؛ ثراء العقل والروح، الذي بقدر ما يرفع صاحبه ويسمو به بقدر ما يبعده عن الملل وأسبابه. النشاط الذهني ورجاحة العقل يجعلان صاحبهما بمنأى عن الملل وخارج قبضته، إلا في حالات التعب العابرة؛ فهذا الألمعي تلازمه حساسية متقدة ومفرطة متأتية من إرادته المندفعة التي يتولد عنها الشغف الشديد، مما يولّد لديه كثافة انفعالية، وحساسية زائدة للآلام الأخلاقية والبدنية، وعدم التحلّي بالصبر الكافي في مواجهة العراقيل والمثبطات، حتى الإزعاجات البسيطة.

الألمعي اللبيب يسعى لتجنب مصادر الألم، ومسببات الإزعاج، ويتلمس سبل الراحة، ويستغل أوقات الفراغ والتفرغ، فيبحث بلا كلل أو ملل عن حياة هادئة بسيطة، وبعيدة أشد البعد عن كل مصادر الإزعاج، ويجد في العزلة عزاءه الأخير بعد معاشرته الطويلة للناس، عامة الناس. يؤكد شوبنهور، أنه بقدر ما يمتلك الإنسان أشياء كثيرة بدواخله بقدر ما يشتد استغناؤه عن الناس والعالم الخارجي، أما صغير العقل، فما أن يفرغ من إشباع حاجته الأساسية، وينعم بقليل من الراحة، حتى يندفع بحثا عن تمضية الوقت كيفما اتفق، ويخالط الناس دون تمييز، فهو ينسجم مع الجميع ولا يفرّ إلا من نفسه.

العامي مشغول بقضاء الوقت، أما الألمعي فمشغول باستعماله الحسن، وتدبيره الأمثل، فذوو العقول الصغيرة فريسة للسأم، لأن طاقتهم العقلية أداة طيّعة بين يدي البواعث المحركة للإرادة، فإن اختفت البواعث خلدت الإرادة للراحة، وتعطلت الطاقة العقلية، اذ يستحيل على الإرادة أن تتحرك. كل الحماقة يراها شوبنهور في أن تخسر داخلك لتربح الخارج، فشرط السعادة هو الاستعمال الحر للملكات المتّقدة، والخارجة عن المألوف، أما تلك القدرات البدائية فلا تصلح إلا للكفاح ضد الحاجة، وما أن يحصل عليها ويخلد كفاحه هذا إلى فترة من الهدنة، حتى تنقلب هذه القدرات عالة على صاحبها، يستعملها استعمالا عشوائيا، فإن لم يفعل، وجد نفسه فريسة الملل؛ المصدر الآخر للألم.

العزلة بين الأنا والآخر

لكن ماذا لو أصبحنا وحيدين في عزلتنا؟ كيف نوفق بين العيش مع النفس في مجالنا الخاص، والعيش مع الناس في الفضاء العام؟ ألا يقال إن العزلة أمرٌ جيد، ولكنك تحتاج شخصاً ما لتخبره بأن العزلة جيدة؟

من تغطيتها لمحاكمة أدولف آيخمان، ضابط وحدات النخبة النازية “إس إس” وأحد منسقي “الهولوكوست”، لم تجد حنا أرندت في أيخمان رجلا شريرا، بل شخصا عاديا، يفتقر إلى الخيال، وتقليديا بشكل تام، وأرجعت رغبته القوية في ارتكاب الجريمة إلى عدم الاكتراث الناتج عن عدم امتلاكه القدرة على التوقف والتفكير من خلال ذلك التواصل الصامت الذي يتيح لنا تفحّص ما نقول ونفعل، ولذلك لم يبال آيخمان بالتناقض مع نفسه، ولم يحاسبها ويمنعها من ارتكاب الجريمة حين افتقر إلى العزلة كعملية ضرورية لطرح التساؤلات والإجابة عنها، وبالتالي تفحّص معنى الأشياء، والتمييز بين الحقيقة والوهم، وبين الخير والشر. فلكي يكون لدينا عالم يخلو من الشر، تشترط أرندت، أن يكون لدينا أشخاص منخرطون في التفكير بوصفه نشاطا يتطلب العزلة، فالعيش مع الآخرين، برأيها، يبدأ من العيش سويا مع أنفسنا.

في عزلتها، لم تكن أرندت وحيدة حقا، كما تقول، اذ كانت ذاتها الداخلية صديقتها التي يمكن أن تجري معها محادثة، فذاتك هي الشخص الوحيد الذي لا يمكنك الابتعاد عنه إلا حين تتوقف عن التفكير. يمكن للعزلة أن تكون الحالة الطبيعية لأي عمل أركّز فيه لدرجة أن حضور الآخرين، بمن فيهم ذاتي، لا يمكنه أن يربكني، العزلة هنا فعل إنتاجي لصنع شيء. حتى مجرد قراءة كتاب يحتاج إلى درجة ما من العزلة أي الحماية من حضور الآخرين. وقد تحصل العزلة كحالة سلبية أيضا، فقد يهجرني آخرون أشاركهم قلقا يخصّ العالم، يتكرر ذلك في الحياة السياسية، هنا العزلة فراغ مفروض على المواطن نفسه الذي فقد صلته بشركائه في المواطنة.

وبرأيها العزلة ليست بالضرورة هي الشعور بالوحدة، إلا أنَّ الوحدة قد تمهد للعزلة التي تفرضها الأنظمة الاستبدادية، ونتيجتها الخطيرة في آن واحد. وبينما تتعلق العزلة بالجانب السياسي فقط من الحياة، فإنَّ الوحدة تتعلق بالحياة الإنسانية ككل. الحكومات الشمولية، لا يمكنها البقاء دون تدمير المجال العام من الحياة، أي دون تدمير القدرات السياسية للناس عن طريق عزلهم. لكنَّ الجديد في الهيمنة الشمولية باعتبارها نمطاً للحكم، أنها لا تكتفي بهذا العزل، وإنما تدمر الحياة الخاصة أيضاً. تبني هذه الشمولية نفسها على الشعور بالوحدة، وعلى تجربة عدم الانتماء إلى العالم مطلقاً، وتلك واحدة من أكثر التجارب الإنسانية راديكالية وقنوطاً. وحين يفقد المرء القدرة على الإضافة لمحيطه المألوف تصبح العزلة وحدة.

الاختلاء: العزلة الفاضلة

يمكن للعزلة بهذا المعنى السلبي أن تُحتَمَل إذا تحولت إلى “اختلاء” (Solitude). في حالة الاختلاء، وبالرغم من انفرادي، لا أكون لوحدي بل برفقة آخر (الذات)، أي نصبح اثنين في واحد.أما الوحدة (loneliness) والعزلة (Isolation) فلا تحتويان على هذه الثنائية التي يمكنني خلالها طرح الأسئلة على ذاتي وتلقي الإجابات، وإذا ما توقّف التفكير لسبب ما فإنك تصير واحدا مجددا، تملك إدراكا أو وعيا ذاتيا، لكنك لم تعد تملك ذاتك بشكل تعبيري كامل، هنا أنت بلا صحبة، لذا تطلب صحبة الآخرين: أشخاص، كتب، موسيقى… وإذا خذلوك أو لم تستطع التواصل معهم، ستشعر بالضجر وبالوحدة. ليس عليك أن تكون بمفردك، فيمكنك أن تكون وحيدا وضجرا في وسط الزحام، لكنك لست كذلك في اختلاء فعلي، أي بصحبة الذات أو مع صديق بمعنى النفس الأخرى، فتحمّل الوحدة وسط الزحام أصعب بكثير من تحمّل الانفراد في الاختلاء.

البقاء وحيدا: فن العودة إلى الذات

قد تكون الروابط الاجتماعية هي المحور الذي تدور حوله حياة الإنسان، في جميع مراحله العمرية، منها يستمد قوته ومتعته يشبع شغفه بالحياة، في علاقة تبادلية مع الآخرين، لكنه أيضا يشعر بحريته ويسعى إلى التميز والاختلاف والاستقلالية، فحالة الانصياع التام والعيش وفق توقعات الآخرين يحول دون توافق الفرد مع ذاته ففي سعيه لإرضاء الآخرين سيبقى منفصلا عن مشاعره ورغباته الحقيقية وسيصل الى تلك اللحظة القاسية فيعلن: “ليس لحياتي من معنى”. الاجتماع يوفر فرصة لاكتشاف ذواتنا، لكن حقيقة ذواتنا نصنعها وفق بوصلتنا الداخلية بالقدر الذي تحررنا فيه من قيود الانصياع.

لا يتيح العصر الحديث عزلة الكهان أو الأنبياء أو القديسين، فمهما كنت وحيدا حتى بجسدك ستخترق عزلتك التكنولوجيا ووسائلها، الفضاء الافتراضي بيئة خصبة لـ”رجل الحشود” (أستعير التعبير من إدجار آلان بو) لا تزال تتسع تاركة هامشا أضيق للتفرد. من جهة أخرى، العزلة ليست طارئا تفرضه تدابير الحجر الصحي، بل هي أسلوب حياة يتقنه قلّة من البشر المحظوظين بطاقاتهم العقلية، حيث العزلة فضيلة تليق بعنفوانهم الداخلي، والذين يرفضون نمط الحياة السطحية التي تنمو طوليا فيغيب عنها العمق، والتي ما أن تتوقف الأهواء التي تحركها حتى يتسرب إليها الضجر، فتغدو بلا طعم.

وعلى خلاف “رجل الحشود” الذي يعيش تلك الحياة ببعدها الواحد يحيا الألمعي المتفرد حياتين: حياته الخاصة التي يشترك فيها مع عامة الناس، والحياة العقلية التي تنمو على نحو تصاعدي إلى أن تغدو، وفق تعبير شوبنهور: «غاية غاياته كلها، وما عداها يغدو وسيلة». إنها العزلة السعيدة التي تتمثل في “الاختلاء”.

ضفة ثالثة

———————–

المجتمع في المنزل: صناعة إنسان العزلة/ محمد سامي الكيال

يفترض كثيرون أن ظروف العزل والإغلاق التي يعيشها عدد كبير من الناس حول العالم ستؤدي إلى انتعاش الخصوصية والحميمية، وبصرف النظر عن جدل الفردانية أو الجماعاتية، اللتين يمكن أن يؤدي إليهما انتشار فيروس كورونا، فإن انسحاب البشر إلى بيوتهم، حسب هذا المنظور، قد يساهم في إعادة اكتشافهم لذواتهم وشركائهم، ويدفعهم إلى ترتيب شؤون عالمهم الخاص، والنظر لعلاقاتهم الاجتماعية والمهنية بصورة مغايرة. هذه «الوقفة مع الذات» قد تبدو مفيدة لاكتساب وعي أو تطوير مهارات ما، وفرصة لانطلاقة جديدة.

إلا أن مفهومي «البيت» و«الذات» لا يبدوان بهذه البساطة، خاصة في الشرط السياسي والثقافي المعاصر. داخل المنزل، حيث يُفترض أن يعيش الإنسان خصوصيته، يتقاطع عدد كبير من التدخلات الاجتماعية والسياسية: إرشادات صحية وتربوية، نصائح لتزجية الوقت وتطوير الخبرات، خدمات تدّعي كونها مجانية. التصميم العمراني للمنازل، في حد ذاته، يعكس سياسات اجتماعية معينة، تلعب دوراً كبيراً في تحديد نمط حياة الأفراد وفضاءات تفاعلهم، فضلاً عن خضوع المنزل الفردي للإجراءات القانونية والضرورات الاقتصادية.

باختصار أصبحت هنالك تعيينات اجتماعية كثيرة للسلوك الاعتيادي والسليم في الحيز الخاص، ولم يعد «تدبير المنزل» منفصلاً، ولو بشكل نظري، عن الشؤون السياسية والاقتصادية العامة، كما نجد في فلسفة أرسطو السياسية مثلاً، بل أصبح المجتمع بأكمله حاضراً في منازلنا، ولذلك انعكاساته الأيديولوجية على تكوين الذات الفردية نفسها. عزلة كورونا تُظهر هذا بشكل شديد الوضوح، من الصعب اكتشاف مجال «الخصوصية» في بقاء الفرد في مكان معين، لفترات تحددها السلطة السياسية، ملتزماً بإرشادات وتعليمات تعممها مؤسسات عامة مختصة، ويتلقى يومياً سيلاً من الأفكار والصور، عن طريق وسائل الإعلام ومواقع التواصل. حالة كورونا معاكسة تماماً للخصوصية، بل هي تكثيف للسياسي والأيديولوجي في أصغر وحدة اجتماعية ممكنة وهي المنزل.

السؤال الأنسب قد لا يكون عن كيفية استعادة الخصوصية، في مثل هذا الظرف، فحضور ما هو عام في كل تفاصيلنا الفردية جانب من سياقنا التاريخي، الذي لا يمكن تجاوزه، ولا معنى للحكم عليه سلباً بشكل مسبق، الأجدى التساؤل عن نوعية السياسي والأيديولوجي والاجتماعي، الذي يخترق منازلنا، هل يساهم في تمكيننا من السيطرة على مفرادت العالم الذي ننتجه؟ أم يخصعنا لنوع من التحكّم لا قبل لنا بمواجهته؟ وما انعكاسات صناعة إنسان العزلة، التي نشهدها حالياً، على السياسة في الحيز العام؟

بروز المجتمع

بالنسبة لحنة أرندت، فإن التقابل بين الحيزين العام والخاص، كما عُرفا في العصر الإغريقي والروماني، اختلف بشدة مع بروز الاجتماعي، خاصة في العصر الحديث. في ما مضى اعتبر الإغريق والرومان تدبير شؤون المنزل والعائلة منفصلاً عن إدارة المدينة وسياستها، واحتقروا الفئات المحرومة من المشاركة في الحياة العامة، مثل العبيد والنساء، وكذلك البرابرة، الذين لم يتوصلوا إلى إنتاج حيز سياسي. الحيز العام كان مجالاً للتنافس والصراع بين أنداد يتمتعون بحقوق سياسية ومدنية، وميداناً لإظهار الفرادة والتفوق واكتساب المجد، في حين ظل المجال الخاص والحميمي أقرب للطبيعة، يهدف إلى تلبية الحاجات الأساسية للعائلة ضمن هرمية معينة، على رأسها الأب رب العائلة، بمعزل عما هو عام.

المجتمع، بمعناه الحديث، أخرج الحميمية والخصوصية من المجال العائلي، وعممها بشكل واسع، فصار المجتمع بأكمله عائلة بلا رأس، تفرض على أفرادها معايير معينة للسلوك الحسن والتصرفات المقبولة اجتماعياً. ليس المهم في المجال الاجتماعي، حسب أرندت، أن يكون الأفراد متساوين أو غير متساوين، بل أن يمتثلوا لما هو سائد من آراء وسلوكيات قويمة. انعكس هذا على الحيز العام أيضاً، فبعد أن كان مجالاً لـ«الفعل» عبر الصراع السياسي، صار بدوره خاضعاً لضرورات السلوك الاجتماعي.

المنزل إذن لم يعد موطناً للخصوصية، بل هو خاضع لعمومية اجتماعية معينة، وبقاء الناس في منازلها لا يعني بالضرورة استراحة من القضايا العامة، بل هو، كما في حالة «التباعد الاجتماعي» الحالية، خضوع لضرورات السلوك الاجتماعي، المبرر بالوعي الصحي هذه المرة. وإذا كان كثير من البنى البطرياركية التقليدية، قد تفككت في عصرنا، فإن الإنسان المعزول قد لا يكون متمسكاً بخصوصيته وفردانيته، بقدر امتثاله لبطرياركية بلا رأس. إلا أن تفكك الهرمية القديمة، تجعل البشر قادرين على تحدي وتغيير وإعادة إنتاج معايير السلوك، وهذا ما يجعل الاجتماعي، ليس فقط مجالاً للطاعة والامتثال، بل للتمرد ومواجهة السلطة. ما يتطلب الحد الأدنى من القدرة على التواصل في حيز عام حر.

إلغاء الفعل السياسي

إذا كان الحيز العام قد خضع بدوره لمقتضيات السلوك الاجتماعي، فإنه ظلّ محافظاً على جانب من قابليته لـ«الفعل». الصراع الطبقي المحتدم، والواعي لذاته، طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين، أنتج على المستويين السياسي والأيديولوجي وقائع لا تقلّ ملحمية عمّا ساد في ديمقراطيات العصر القديم، التي كان التمثّل بها واستلهامها حاضراً في أذهان كثير من الفاعلين السياسيين. ساهم هذا في إحداث تغييرات جذرية في نمط حياة البشر ووعيهم لذاتهم وعالمهم، بما في ذلك تثوير أنماط السلوك المقبولة اجتماعياً. محاولة إلغاء الصراع السياسي، والحديث عن مجتمع أو أمة واحدة، بدون طبقات ومصالح ومواقف سياسية متناقضة، يسودها نوع من التناغم أو الوحدة، ارتبط غالباً بالدعوات الفاشية، التي حاولت تركيب رأس للسيطرة الاجتماعية، تجسّد غالباً بالدولة أو الزعامة الكارزمية.

ليست الفاشية وحدها من حاولت إلغاء الفعل السياسي بمعناه التصارعي، نشهد منذ عقود، سعياً لنزع السياسة من المجتمع، وخصخصة الحيز العام، لحساب مفاهيم مشتقة من عالم الإدارة: سيطرة الخبراء، الكفاءة المالية، التقشف، إلخ. وقد يكون هذا جوهر الأيديولوجيا النيوليبرالية. يتم إقصاء الخلاف السياسي والأيديولوجي بوصفه شذوذاً أو تطرفاً، ويعتبر دليلاً على غياب الوعي، أو الجهل، أو حتى العنصرية. على المستوى الثقافي وصل الأمر لمحاولة التحكّم الفوقي باللغة العادية، وهي الوسيلة الأساسية للتواصل في الحيز العام، عن طريق فرض أحكام «الصوابية السياسية»، وربما كانت هذه المحاولة الأكثر شمولية لجعل السلوك بديلاً عن الفعل، فتغيير اللغة وتقييدها سيفرض، حسب هذا المنظور، اللباقة السلوكية الصحيحة، حتى على خيال البشر وتصورهم لعالمهم.

عزلة كورونا لم تبدأ هذا المسار التصاعدي في إلغاء الفعل، ولكن ربما كانت فصله الأكبر. أصبحت السياسة زائدة عن الحاجة، والتحكّم التكنوقراطي صار بديلاً عنها في حالة الاستثناء التي نعيشها، والتي يبدو أنها ستلازمنا لفترة طويلة. ورغم بعض التفاصيل المبشّرة، مثل اعتبار المحكمة العليا الألمانية حق التظاهر من الحقوق الأساسية للمواطنين، حتى في ظروف العزل والتباعد الاجتماعي، إلا أن كل ممارسة ممكنة للسياسة في الحيز العام، ومنها الانتخابات والتجمعات السياسية والمسيرات الاحتجاجية، لا ينظر إليها الآن إلا بوصفها احتمالاً لالتقاط العدوى، والإصرار عليها لا يعدو كونه تعبيراً عن الجهل والعناد. ليس من التشاؤم المبالغ فيه، أن نتوقع أن يمتدّ ذلك في المستقبل إلى كل حالات الطوارئ الممكنة: البيئة والاقتصادية والسياسية.

سوء سلوك

رغم تعطيل الفعل السياسي في الظرف الحالي فإن أشكالاً أخرى من الفعالية مازالت مستمرة، ربما لأن إلغاءها غير ممكن. مازال إنتاج السلع الأساسية قائماً، رغم الانكماش الاقتصادي الذي بدأ العالم يعاني منه، ومئات آلاف العمال يزاولون أعمالهم في ظروف يصعب فيها مراعاة «التباعد الاجتماعي» بشكل مرضٍ. ومع أن الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الوباء، وسياسات التصدي له، عابرة للطبقات، وتصيب بشكل كبير أفراداً من الفئة الوسطى، إلا أن الطبقة الأساسية، التي تتمتع بكل الحماية التي يوفرها التباعد، هي البورجوازية الأكثر استقراراً، والحائزة قدرا آمنا من الملكية، ما يجعلها أقدر على تحمّل الخسائر. وقد تكون إعادة اكتشاف الذات، وإمكانية انتهاج السلوك الصحي السليم في زمن العزلة، حكراً عليها.

المعايير السلوكية الاجتماعية السليمة، والصوابية بكل أشكالها، تحددها ضمن الهيمنة الطبقية الحالية فئات محدودة، السلوك المقبول في العالم البورجوازي يصبح أكثر أحادية، بعد فقدان الطبقات الدنيا قدرتها على تمثيل نفسها. هذا الاختلال يبدو اليوم في أوضح صوره في ظل عزلة كورونا: نموذج المنزل الصالح لحياة إنسان العزلة، الأقرب لمراعاة القواعد الصحية، الذي يتجنّب سكّانه طوعاً الفعل السياسي، هو نموذج أيديولوجي طبقي بامتياز. تغيب عن الصورة بشكل كبير المنازل الأخرى، الأكثر ضيقاً وتكدساً، والتي يعتبر الانعزال الجبري فيها كارثة لقاطنيها.

لا يمكن التنبؤ بالمآلات السياسية لوضعنا الحالي، إلا أنه من الصعب جداً العثور على أي إيجابيات في الانكماش الكبير للحيز العام، وعدم وجود أي بدائل سياسية يمكن الاختيار بينها. ولهذا قد يكون نقد المعايير السلوكية الحالية، وأي طرح تكنوقراطي أحادي، أمراً شديد الأهمية.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

————————-

 من يُدير؟، ما الدولة؟ هي رسمياً ادارة الحياة العامة. فأين هي الادارة، ومن يدير؟/ نهلة الشهال

يسأل دونالد ترامب، مباشرة على الهواء، مرفقاً الكلام بحركة دائرية من يده، إن كان بالامكان إيجاد طريقة لحقن الناس بالمعقمات “كنوع من التنظيف” طالما أنه لاحظ أن فعاليتها عالية في القضاء على فيروس كورونا. قبل يوم، “أمر” الصين، القارة التي تضم مليار ونصف آدمي، وصاحبة أقوى اقتصاد في العالم، باغلاق جميع أسواق التعامل مع الحيوانات البرية. وقبلها بيوم قال أنه سيطالبها بدفع كلفة خسائر كورونا لبلاده (50 الف ضحية وما يقارب 26 مليون مسجل بلوائح البطالة خلال شهر واحد، بينما وصل عدد المسجلين على تلك اللوائح الى 8.5 مليوناً خلال أزمة 2008)، لو ثبت أن الفيروس تسرّب من مختبراتها. وقبلها بيوم اعلن انه جمّد المخصصات التي تسددها الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية لأنها “اساءت توضيح تبعات المرض”، وفي الحقيقة رفضت الموافقة على نعته بال”صيني”.. هكذا يمضي رئيس القوة العسكرية الأولى في العالم أيامه أمام عدسات الكاميرات، بعدما لم يعد يكتفي بالتغريدات.

وأما في أوروبا “العريقة” صاحبة المنظومات القيمية المتعددة، والمتصارعة، فقد فضح كورونا كل السلطات “الحاكمة”: بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا.. وتمكنت ألمانيا من التقدم الى مواجهة الجائحة ببعض العقلانية والضبط والنجاعة، حتى قيل أن السلطات التي تمسك بها نساء اثبتت انها أفضل بكثير من تلك التي بين يدي الذكور، قادة العالم التاريخيين منذ هيمنة النظام الأبوي، أي منذ الزمن السحيق: المانيا ولكن كذلك فنلندا والدانمارك ونيوزيلندا وايسلندا وتايوان! ويبدو أن صراعات الديكة من جهة، وحسابات البقاء في السلطة بأي ثمن من جهة ثانية، وعلى ذلك ضغوط من يأملون بالأرباح، هي من يتحكم بقراراتهم. هكذا يتراجع الرئيس الفرنسي عن قرار فتح المدارس في 11 ايار/مايو تحت ضغط تهديد المعلمين “باكبر اضراب شاهده في حياته”، ويقول “كانت فكرة، لم نقرر ولم نخطط بعد”، ثم يقول نخفف القيود بحسب المناطق، ويتراجع ويقول “كانت فكرة” ويبدو انه يختبر الافكار بناء على ردة فعل الناس، ولا يدري ماذا يفعل على الرغم من الاناقة الشكلية لمداخلاته. وتعرفون بقية القصة في سائر الانحاء.

اناس خائبون، لا قادة ولا من يحزنون، ولولا شجاعة الاطباء وسائر المسعفين، وتفانيهم، وفي مقدمتهم النساء منهم، لمات ثلاثة اضعاف العدد الحالي للضحايا او أكثر. هذا عالم عفنٌ ولا يمكن له صون البشر! فهل نستمر بالرضاء به؟

وقد تحدث سوسيولوجيون وفلاسفة عن “تسرع الزمن” في عصر العولمة النيوليبرالية، بفضل الاختراعات التكنولوجية والتغييرات الاجتماعية واختلاف ايقاع الحياة. وقد اعتبرت نتائج ذلك كله نوعاً من “الحتمية”، وإن تكن مظلمة، لأنها تؤدي الى مزيد من الألم والاحباطات النفسية – مرض العصر – والكوارث الكبرى، ككوفيد هذا وسواه مما سيليه حين سنتخلص منه. ولكن المنظّر الاساسي لهذا الرأي يعتبر ان تسريع الزمن وثيق الارتباط بالحداثة، ولا يرى كيفية الفكاك منه! وهو يلاحظ ان الفاعلين يعانون من “نقص فادح في الوقت، بينما تتعاظم كمية الوقت الحر”،هذا بينما اثبت كوفيد الذي علّق عملياً الزمن، أو يكاد، ان الاستحالة وهمية.

يتطلب الامر إعادة تنظيم كاملة للعالم، لا يتوفر لها نموذج جاهز بعدما انكشف بؤس النموذج المتسلط، سواء كان شيوعياً أو اسلامياً، واشمئزاز الناس منه حتى في حالة فعاليته العملية، كما في الصين. يتطلب الامر تبني قيم تخص نوعية الحياة المأمولة، وإلا فسيكون على العالم تقبّل الزوال.. البطيء ربما، ولكن المؤلم بالتأكيد.

وفي هذا، وتيسيراً، يحضر مثال لبنان، وهو واحد من أصغر بلدان العالم واقلها أهمية في تقرير المصائر، ولو أنه “معجوق” بنفسه، ويعتقد الكثير من ابنائه أنه موئل عبقرية خاصة، وأنه “سرّة” الكون.

أبنائه هؤلاء ما زالوا لم يروا أين “المشكل” في انهيار عملتهم بشكل فادح، وفي تبخر ودائعهم ومدخراتهم بشكل أفدح. يريدون تفسيراُ بسيطاً لهذا الحال، ويعجبهم ان يعتبروه نتيجة “سرقة” البنوك والحكام لميزانياته، وهو تفسير صحيح ولكنه جزئي للغاية. وإنما والأهم، فهم يريدون استعادة ودائعهم ومدخراتهم “فوراً”ومعها نمط حياتهم الاستهلاكي السهل (سواء أكان باذخاً او مجرد محاكاة للبذخ). يميلون لالقاء اللائمة على زعماء الطوائف الاخرى، وإن صاروا يقبلون – على مضض – بفكرة انه “كلهم يعني كلهم”. ولكن الزعيم المفدّى ما زال قابعاً تحت قشرة الجلد الاولى ومعه ما يلزم من تعصب مذهبي ومن تحميل الاغراب مسئولية المصيبة التي يعيشون.. فلسطينيون وسوريون ومن تشاؤون.

وسيتم التلاعب بهم، وستطبق عليهم اجراءات ما أنزل الله بها من سلطان، متقلبة ومتناقضة ومجحفة. وسيتكيفون. وهم يعرفون انه لا قيادة في البلد ولا نخبة. وانها مسخرة تامة، ولكنهم سيتكيفون ويرتضون بانصاف الحلول، أوبأعشارها، ويعودون الى غيّهم، أو يغضبون أحياناً ويشتمون ويتظاهرون.. بلا طائل. وأما الجوع الذي يتهدد أغلبهم فليس حجة ثورية. وأما الخفة اللامتناهية لحكامهم فعليها أن تثير الاشمئزاز. فهل هي تفعل حقاً، وأين وكيف؟

مقالات ذات صلة

الاحتمالات…

لقد وصل العالم كله الى درَك، وهو أمام مفترق طرق. قالها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا طوال عام، وسط عدم تفهم الناس أو جزء كبير منهم، ووسط قمع غير مسبوق لسلطة فاقدة للشرعية كما اثبتت جائحة كورونا. وقالها العراقيون المنتفضون بما يشبه نية الانتحار في بلد يدفع تاريخه لليأس كما لاقصى الاعتزاز…

ما الدولة؟ هي رسمياً ادارة الحياة العامة. فأين هي الادارة، ومن يدير؟

السفير الربي

————————————

الضبط الاجتماعي لتغطية الفشل/ سمير الزبن

في كل أزمة كبرى، تجد السلطات المدخل لتأكيد وجودها وسطوتها وإنتاج ذاتها من جديد، حتى عندما تتحمّل هي مسؤولية الأزمة، فهي تجد في الأزمات الفرصة المناسبة لإنتاج مزيد من الإخضاع للجمهور، عبر الضبط الاجتماعي وفق تعليماتها. ولا يخرج تعامل السلطات مع أزمة تفشي فيروس كورونا عن هذه الآلية، سواء وفق سياسة التضحية بالمسنين لاستمرار دورة عجلة الاقتصاد، لأن من سيموتون من الركود أكثر ممن سيموتون من الفيروس، حسب منطق الإدارة الأميركية في ظل رئاسة ترامب. أو حسب السياسة المعتمدة في السويد، والتي تدّعي أن إدارة البلد في ظل الأزمة باتت بأيدي خبراء الأوبئة والصحة، ما يعني التنصل من أي مسؤولية، وضبط المجتمع بتعليمات السلطة المستندة إلى الخبراء، لأن السويديين أكثر شعوب العالم التزاماً بتعليمات السلطات ونصائحها. والسؤال في هذه الحالة: هل انتخب الناس الخبراء ليديروا البلد، أم انتخبوا السياسيين الذين يتحمّلون مسؤولية إدارة الأزمة بفعل عملية التكليف الانتخابي؟ والخبير، سواء فشل في مهمته أو نجح، هو لا يخضع لاختبار الانتخابات في الجولة المقبلة. هو موظف وليس قائداً سياسياً، لذلك لا يجوز للسياسي الاختباء وراء الخبير. وما بين النموذجين، الأميركي والسويدي، لا يختلف سلوك الدول الأخرى في فرض الضبط الاجتماعي، بدءاً من آلية الضبط عبر ضرب المخالفين بالعصي، كما في بعض دول الجنوب، أو الضبط عبر القوى الناعمة، في دول الغرب الأكثر رفاهاً.

حتى يكون الضبط الاجتماعي أكثر فعاليةً، يمكن اعتماد سياسة التخويف، أو إنتاج الهلع. وهذه الآلية التي تم اعتمادها من السلطات باستخدام وسائل الإعلام، وزادت وسائل الاتصال الاجتماعي الوضع السيئ سوءاً. وبناء على هذا الخوف والهلع، تمت صياغة سياسات الضبط الجديدة للجماعة البشرية، على اعتبار أن هذه السياسات ردّ على تعرّض البشرية لوباء فيروس كورونا، فنحن نرى كيف يضعف الهلع المواطن ويقوّي السلطات.

في ظل الأزمة، يتجنب كثيرون التعرّض لسؤال، لماذا وصلنا إلى هنا؟ لأنهم يعتقدون أن المطلوب اليوم فعل شيء في مواجهة الفيروس. ماذا نفعل؟ وفي هذا الإطار، نجد الدول تعود إلى سياسات البلطجة والرشوة. البلطجة بسرقة دول معدّات طبية لمواجهة الفيروس تعود لدول أخرى، أو برشوة شركات تصنيع المعدّات الصحية، بشراء طلبات لدول أخرى بأسعار أعلى، أو بشراء دول غنية معدّات دول فقيرة. أو بتوظيف أجهزة المخابرات للاستيلاء على معدّات لدول أخرى. أو بسرقة أطباء الدول الأخرى، كما فعلت الولايات المتحدة بفتح الباب لاستقدام أطباء وعاملين في القطاع الطبي من الدول الأخرى، بتسهيلات وإغراءات مالية، بعد سياسة هجرة مخزيةٍ أقدمت عليها إدارة ترامب منذ استلامها السلطة… إلى غير ذلك كله من سلوكيات دول تذكّر بالعصابات، لا بالدول. أكثر من ذلك، عبّرت دول في الاتحاد الأوروبي، في هذه الأزمة، عن أنانية ووحشية ليس تجاه دول الجنوب فحسب، بل وتجاه دول شريكة لها في الاتحاد الأوروبي، إذ رفضت دولٌ مثل ألمانيا وهولندا مساعدة الدول الأكثر تضرّراً في أوروبا، إيطاليا وإسبانيا، وتركتها لمصيرها، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي، إلى التشكيك في جدوى الاتحاد الأوروبي وبقائه بعد أزمة كورونا. كان إعلان التخلي عن الدول الأكثر تضرّراً في أوروبا واحداً من السلوكيات التي كشفتها أزمة كورونا، من عدم التضامن مع مواطني الاتحاد، في وقتٍ كان المواطنون يموتون في إيطاليا وقفت الدول الغنية في الشمال تتفرّج على المأساة الإيطالية، من دون أن تقدّم أي بادرة تضامن معها. قبل أن تعود المفوضية الأوروبية عن السياسة الأنانية باعتذار علني من إيطاليا.

السؤال الصحيح الذي يجب أن يُطرح هو استعداد النظم السياسية القائمة المسبق لمثل أزمةٍ كهذه؟ أدارت السلطات الأزمة على قاعدة تخفيف الضغط على النظام الطبي في البلد المعنى. ولكن أحداً لم يسأل: لماذا لم تكن هذه الأنظمة مستعدة لخطرٍ مثل هذا؟… قبل أيام، كتب جورج مونبيوت مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية تحت عنوان “ماذا يعني الدفاع الوطني في أثناء وباء؟ هذا ليس وقت شراء طائرات مقاتلة”، يقول “نحن ندافع عن أنفسنا ضد التهديدات الخطأ. لعقود، كانت حكومات المملكة المتحدة تخوض ليس فقط آخر الحروب، ولكن فكرة حربٍ لا ضرورة لخوضها تُنفق فيها مئات المليارات لمواجهة مخاطر متخيلة. في الوقت نفسه، وكما أصبحنا على وعيٍ بشكل مروّع خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإنهم تجاهلوا الأخطار الحقيقية والملحة”. ويضيف “قبل شهر، وبالضبط بينما بدأ فيروس كورونا الانتشار عبر المملكة المتحدة، فاخرت الحكومة بأنها رفعت الإنفاق العسكري بمقدار ملياري جنيه إسترليني إلى 41.5 مليار جنيه إسترليني. وزعمت أن قوتها العسكرية على “رأس رمح بريطانيا العالمية الصاعدة””. وتساءل الكاتب عن معنى سعي بريطانيا إلى الحصول على طائرات مقاتلة متطوّرة، قائلاً “هل تستطيع قصف فيروس كورونا؟”.

نستطيع أن نفهم أي معركة خاسرة تخوضها الدول ضد فيروس كورونا، عندما نعرف، على الصعيد العالمي، أن منظمة الصحة العالمية (WHO) تقول بوجود نقص في الأطباء والممرّضات وغيرهم من العاملين في قطاع الصحة يقدر بـ 4.3 ملايين على مستوى العالم. ولا يقتصر هذا النقص على دول الجنوب التي تُعاني نقصاً حادّاً في هذا القطاع، بل يشمل هذا النقص حتى دولاً مثل السويد، طبعاً ليس بالحدّة ذاتها، عداك عن نقص المعدات. ففي وقتٍ تملك هذه الدول قدراتٍ عسكرية ضخمة لا لزوم لها، لا تملك المعدّات والكادر الطبي اللازم لمواجهة فيروس.

في ظل هذا النقص الحاد، ليس غريباً أن تقدم السلطات في العالم على إنتاج الهلع للسيطرة على الجموع والتغطية على تقصيرها، فحماية البلاد وأمنها لا تكون على المستوى العسكري فحسب، فحمايتها وأمنها بفعالية نظامها الصحي في حماية المواطن أيضاً. وفي هذا الاختبار، فشلت جميع الدول، ما يشكّك في أولوياتها وقيمها ومكانة الإنسان فيها.

كان من غير الأخلاقي في هذه الأزمة أن يُناقش من سيستفيد من جهاز التنفس، ومن سيترك لموته من دون رعاية طبية، عندما يكون عدد المرضى أكبر من عدد المنافس، بأولوية الشباب على المسنين. ما جعل كبار السن الذي بنوا العالم الذي نعيش فيه يشعرون بأن العالم يتخلّى عنهم، ويدفعهم إلى موتهم، بدل أن يفعل كل شيء من أجل الحفاظ عليهم. النقاش المستقيم هو بتحديد المسؤول عن عدم حصول الجميع على الرعاية الصحية، حتى في لحظات الذروة. حكمت السلطات على المواطنين بالحبس بجريمةٍ ارتكبتها هي، وحتى لا يظهر عجزها وتقصيرها، في الأزمة، حوّلتها إلى حالة رعب للسيطرة على المواطنين، لمعالجة خللٍ من صنعها.

العربي الجديد

————————————

الثورة والتمرد في زمن الوباء.. طاعون موسكو 1771 مثالاً/ ياكوب كروتوف

في عام 1770، أي قبل 250 عاماً، اكتسح الطاعون موسكو، لكنّه لم ينتشر على نطاقٍ واسع إلا في أيلول/ سبتمبر 1771، ليحصد آلاف الأرواح يومياً. حينها، اندلعت أعمال شغب واسعة بعد أن أفتى رئيس الأساقفة بتعليق مراسم الصلوات لأيقونة الأمّ – محبّة الربّ القائمة عند بوابة بربارة.

لماذا على الله أن يصنع معجزةً حيث يمكن إصلاح الضرر بالطرق الطبيعية؟

عند بوابة بربارة القديمة، كانت هنالك صورةٌ كبيرة تمثّل الأمّ – محبة الله…. يبدو أنّ عامل مصنعٍ قد أخبر البابا أنّه رأى في الحلم السيدة العذراء، التي أخبرته بانقطاع الناس عن العبادة، وأنّ أحداً لم يصلِّ منذ ثلاثين عاماً، ولم يُقمْ قدّاسٌ أمام صورة القديسة عند بوابة بربارة، ولهذا سيرسل المسيح مطراً أسود على مدينة موسكو، وأخبرت العامل أنّها توسلت المسيح أن يقتصر الوباء على ثلاثة أشهر. كان الناس يستمعون إلى رواية عامل المصنع، القابع عند بوابة بربارة بخشوع. لم يقتصر الحضور على عامة الشعب، فقد انضم إليهم الباعة أيضاً. وكانت الإناث يشكلن غالبية الجمهور المستمع. كان العامل يجمع النقود منادياً: “ابتهجوا أيها الأرثوذكس، العذراء شمعةٌ في العالم كلّه!”. حاول العامل إظهار تقواه بكلّ ما أوتي من قوّة، فخاطب الحشد: “أيها القطيع الحقير، خطيئةٌ كبرى أنْ نقول عنكم قساوسة، وأنتم تحتشدون هنا لممارسة التجارة، وليس للتعبّد والصلاة، غافلين تماماً عن متطلبات الكنيسة!”.

أثناء أعمال الشغب، قتل الأسقف، وأثناء دفنه، قال أحد المؤبنين: “عند الكوارث، وفي حالات الخطر، يلهج الناس بالدعاء، متضرعين إلى الله بطلب النجاة، ويتوقع غالبيتهم أن يروا إحدى عجائبه تشفيهم وتزيل عنهم البأس: وحتى أنّ البعض من الفقراء لا يتصور أنّ الله سيغضبمن توسلّاتهم للشفاء مما يمكن التخلص منه، أو من وقاية أنفسهم بالعلاجات التي يصفها العقل الذي وهبه الله للبشر. فلم، إذاً، سيرسل الله معجزةً إن كان في الإمكان معالجة الأمور بصورة طبيعية؟”.

لا تخبرنا الظروف التي يموت فيها الإنسان شيئاً عن قيمة الحياة نفسها، فكثير من الناس يقضي عمره ينتهك كلّ شيءٍ، ومع ذلك يحظى بمي تةٍ هادئة، في حين يغادر الأتقياء، الذين يكرسون حياتهم للخير، أو التعبّد، هذا العالم، بصورةٍ غريبة مؤلمة. وإذا كانت الحال كذلك، فإنّ الأمر لن يبدو مختلفاً عندما نقول بضرورة أن يُنزل القصاص بالشهداء والقديسين والرسل في نهاية حياتهم: لأنّ أحداً منهم لم تنته حياته بشكلٍ لائق. وماذا نقول بشأن الرسل والشهداء؟ وماذا نقول بشأن المسيح نفسه؟

يمكن القول، بشكلٍ عام، إنّ هذه الخرافات كانت (وربما لا تزال) شائعة جداً، كالتشفّي الساخر من موت البطريرك ألكسي الثاني (Ridiger) في المرحاض. بالمناسبة، وقع الحادث نفسه في القرن الرابع، وأورد كدليلٍ على هرطقة (آري). فما الغريب في الأمر؟ ألم يُتوفَّ كلٌّ من (غليو غابال)، و(إلفيس بريسلي)، في المرحاض، أيضاً، فهل يعني هذا أنّ غليو غابال كان مغنياً رائعاً، أو أنّ إلفيس بريسلي كان مغنياً سيئاً؟

شخصٌ فريد

صوّر مؤرخو الحزب اللينيني ثورة الطاعون على أنّها اندفاعة صوب الحرية، وقالوا إنّها شكلٍ بدائي من أشكال البلشفية. الأكثر إثارة للاهتمام أنّ واحداً على الأقلّ من المتحمسين للحرية الروسية كان شاهداً من قلب الأحداث، حتى أنّه كتب عنها ووصفها. إنّه شخصٌ فريد: فيودر كارجافين، ابن شخصٍ فريدٍ أيضاً: فاسيلي كارجافين. فالحوذي الموسكوفي، والمؤمن على الطراز القديم، أصبح تاجراً في بطرسبرغ، وأحد الأوليغارشيا، بثروةٍ تقدر بـ300 ألف روبل. تمتع كارجافين بعلاقاتٍ قوية، وكانت له مصالح ليست بالقليلة. قام فاسيلي كارجافين بتعليم ابنه اللاتينية، واصطحبه بنفسه إلى أوروبا في السابعة من عمره. وصلا إلى لندن، حيث كان يعيش أخوه (يروفيي كارجافين)، خرّيج جامعة السوربون في باريس، وأول من قام بترجمة قصص “رحلات جيلفر” إلى اللغة الروسية. أمّا عن علاقات كارجافين الأب القوية، فيكفي الإشارة إلى أنّه تمكّن من النجاة من المستشارية السريّة التي وصلها تقريرٍ عنه: بزعم أنّه سافر إلى لندن، وأنّ أخاه قد انضمّ إلى جماعة ملحدة معلناً “بالفعل ليس هناك من إله”.

في عمر سبع سنوات، التحق فيودر كارجافين بمدرسة ليزيه، لينهي دراسته فيها وهو في عمر 10 سنوات، والتحق بالسوربون. بعد التخرج، التحق بخدمة السفير الروسي في فرنسا، ديمتري غولتسين. في العشرين من عمره، عاد إلى روسيا مع صديقه الدائم، فاسيلي باجينوف. في 1 كانون الأول/ ديسمبر 1765، كتب كارجافين لوالده رسالةً بالفرنسية قال فيها: “إذا كنت لا تحبّذ أن أصبح جندياً، فأنا على استعداد لأكون ما تريد – عامل تنظيف أحذية، إن أردت، فقط أعفني من الخدمة في الشؤون الخارجية، أو في المستشارية. إنّه قراري، وهو قرارُ نهائيّ لا رجعة فيه، فقد تعذبت كثيراً، وعانيت ما يكفي من الأشخاص الذين يعملون لدى الوزراء والنبلاء. لن أقبل ارتشاف الكأس نفسه من جديد”.

في ما بعد، كتب الأمير (غولتسين) للإمبراطورة كاترين الثانية أنّه لا يمكن استخدام كارجافين للخدمة في روسيا “بسبب عدم إتقانه اللغة الروسيّة”. ربما كان الأمر ينطوي على مكرٍ، فالفتى كان قد درّس اللغة الروسية في باريس. على ما يبدو كان الأمير يريد مساعدة كارجافين في تجنّب الخدمة المدنية، التي لم يكن متكيفاً معها كما ستظهر الأحداث لاحقاً.

قبل التطرق إلى أحداث 1777، سنتطرّق إلى سيرة وشخصية كارجافين.

في روسيا، أظهر كارجافين إصراراً عجيباً برفضه القيام بأيّ نشاطٍ تجاري استعداداً لاستلام الراية من أبيه. وعندما طُرِد من منزله، عمل معلّماً للّغة الفرنسية في إحدى المدارس، الأمر الذي لم يرتق بالطبع إلى مستوى طموحاته. بعد عامين، انتقل إلى موسكو. وفي عام 1773، استلم جواز سفرٍ خارجيّ، وسافر إلى باريس، حيث تلقّى محاضراتٍ في الفيزياء والطبّ، بعيداً عن رقابة الكبار. كانت النقود متوفرةً لديه، مما ساهم في توفير الوقت له لكتابة الشعر والترجمة إلى اللغة الفرنسية. وأخيراً، وفي تحدٍ للعرف السائد وقتها، تزوّج زواجاً مدنياً. في عام 1776، رحل إلى جزر المارتينيك، ومن هناك إلى أميركا. شارك كارجافين في حرب الاستقلال الأميركية، ليقع ثلاث مراتٍ في الأسر لدى الإنكليز. أراد جورج واشنطن إرسال كارجافين سفيراً لدى روسيا، على غرار ما فعله فرانكلين عندما أرسل سفيراً لدى فرنسا. ولكنّ كارجافين استطاع إقناع واشنطن أنّ روسيا ليست فرنسا، فأُعفي من المهمّة. في عام 1782، وصل كارجافين إلى كوبا، حيث عاش سنتين من الزمن، وعالج المرضى، وأعدّ أدوية للصيادلة… ودرّس الفرنسية. في عام 1784، يعود كارجافين إلى أميركا ليعمل أستاذاً في مدرسة، ومترجماً لدى السفير الفرنسي. وفي عام 1788، ظهر في فرنسا أثناء الثورة الفرنسية. بعدئذٍ يعود إلى روسيا ليقيم فيها مدة 25 عاماً، استمرت حتى وفاته، ويصدر خلالها 78 كتاباً في التاريخ، والعمارة، والمعاجم.

كانت ثقافة كارجافين فرنسية أكثر منها روسيّة، ولكنّه مع ذلك، وعلى عكس كثير من أبناء النبلاء المغتربين لم يكن يحبّ الغرب الاستهلاكي (وبالمناسبة رفض استلام الميراث الذي تركه والده)، بل أحبّ الغرب الذي تسوده الحريّة. في مقالاتٍ عن الحرب الأميركية، كتب كارجافين “التغيرات الأميركية”، مشيداً بدور الطبقة الوسطى، معتقداً أنّ الطبقات الأكثر غنىً، والأكثر فقراً، لن تستطيع القيام بانتفاضةٍ بالشكل المناسب. ولكنّه يرى “التمرد” و”التغيير” أمراً إيجابياً: “إنّ السلطة التي تخولنا سنَّ القوانين بأنفسنا هي جوهر المنافع التي يتمتّع بها مواطنو المناطق الديمقراطية”. كما أثارت ثورة الدومينيكان إعجابه بصلابة الروح التي تمتع بها “السود”، مما ساعدهم على التغلب على المعاناة والخطر والموت.

من المساواة بين السماء والجحيم تتدفق حرية الإنسان

بالعودة إلى وباء الطاعون في موسكو عام 1771، فقد عايش كارجافين أحداث الشغب مع باجينوف في الكرملين، وبعد أن استسلما لتاجرٍ لقاء نبيذٍ فاخر، لم يعانيا من اللصوص الذين نهبوا دير المعجزات وأقبيته. لم يكن كارجافين يتعاطف مع المتمردين، بغضّ النظر عن الكيفية التي تحدث فيها المؤرخون الموالون للكرملين في الستينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ولكن كان لديه إعجابٌ بالجرأة والشجاعة: “سارع الغوغاء للاستيلاء على الأسلحة صارخين: أيها العامّة دافعوا عن العقيدة، اضربوا الجنود حتى الموت”، وما إليه. في تلك الليلة، هاجم أحد المقاتلين بقبضايه العاريتين أحد التجار وهو على مدفعٍ، ولكنّه سقط فجأةً بالرصاص. وسقط آخر على حراب ثلاثة بنادق، ليتخلّص منهم ويضرب بما بقي لديه من قوةٍ أحد ضباط الصفّ، لكنّ الحربة الرابعة اخترقت جسده ليسقط عند أقدام المنتصر.

في الوقت نفسه، كان كارجافين أيضاً مفتوناً بقوة جنود الحكومة: داخل دير العجائب، رميت قرابة 70 جثةٍ، كما كان مثلها ملقىً على أرض ساحة الكرملين، وحوالي 400 جثةٍ كانت خارج الكرملين، عند جسر سباسكي باتجاه القديس فاسيلي في الساحة الحمراء.

كان هذا في 16 أيلول/ سبتمبر. أمّا في اليوم التالي، فقد احتشد الجمهور من جديد في مواجهة الجنود المتحصنين عند برج سباسكي. وبينما كان المتمردون يضغطون على الجنود، هاجمتهم الخيالة من ناحية المتحف التاريخي: عندها قام الضباط بإمساك كلّ واحدٍ من المتمردين قبالتهم، وهكذا جروا المنشقين، عمال المصانع، الكتبة، التجار والخدم، وألقوا بهم في أقبية الكرملين. لم يشعر كارجافين بالتعاطف مع أيٍّ من الجانبين. وبدلاً من ذلك، يتذكّر المرء الحواشي التي سطّرها على هوامش كتاب سفيدينبرغ عن الجحيم والفردوس: “تتدفق حريّة الإنسان من المساواة بين السماء والجحيم”.

المناعة ضدّ العبودية

كان كارجافين سيّد التناقض. فمن حيث المبدأ، هو يكره العبودية أكثر مما كان يحبّ الحرية، ولكنّه عاش في عالمٍ قاعدته العبودية، لذلك فإنّ إطلاق سراح العبيد الأميركيين لم يحدّ من سلطة الملك البريطاني، ولم يخفّف من العبودية ذاتها، بل ربما كان العكس صحيحاً. أمّا الحرية، التي يحبٍّها كالهواء الذي يتنفسه: إذا قام الطاغية بإبادة رعاياه، عندها يتوقف وجود

أساس الطاعة، ولا يتبقّى شيءٌ يربطهم به، فيدخلون رحاب حريتهم الطبيعية.

خلال الثورة الأميركية، كان كارجافين يأمل أن تكون ملاذاً للحرية، وموطناً للفخامة والفجور المطرودة من أوروبا. ولكن عندما تبين أنّ الثورة كانت انتصاراً للعبودية، كتب نيابةٍ عن العبيد: “بعد أن خلقني العليّ رجلاً، جعلني حرّاً، وأعطاني الإرادة لأتبعها. كان الاستقلال هنته الأولى والأغلى. فكيف خسرتُها؟ أيها البيض! أنا أسألكم عن هذا”.

سؤالٌ وجيه بالطبع. العبودية – طاعون. والشفاء لا يكون بالتمرد والإعدام بالرصاص، ولا بالسطو والعربدة. فبماذا؟ يكون الشفاء بأن يختبر كلّ شخصٍ، بنفسه وبمحض اختياره، العبودية، ويطوّر ضدّها مناعته في ذاته. يمكن أن ينتقل الفيروس إلى الشخص من الخارج، أمّا الحريّة فتنبع من داخله وفيها.

***

عنوان المقالة الأصلي: (1770 – 2020) Чума и свобода

موقع سفوبودا/ الحرية. رابط المقال: https://www.svoboda.org/a/30520501.htm

ترجمه عن الروسية: سمير رمان.

ضفة ثالثة

————————————

في السجال التركي بشأن كورونا/ عمر كوش

شهدت الأوساط السياسية التركية جدلاً واسعاً مع بدء انتشار فيروس كورونا في البلاد، حيث شكلت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مادة للسجال والتجاذب السياسيين بين أحزاب المعارضة وحزب العدالة والتنمية (الحاكم) وحليفه حزب الحركة القومية، منذ الإعلان عن أول إصابة بالفيروس في التاسع من الشهر الماضي (مارس/ آذار). وبدلاً من التكاتف والوحدة في مواجهة الجائحة، لجأت القوى الحزبية إلى الاستقطاب وتسجيل النقاط على الآخرين، ووصل الأمر إلى حدّ التشكيك بالمعطيات وجدوى إجراءات تطويق انتشار الفيروس، واتهامات للحكومة بعدم الشفافية والتستر على عدد الإصابات والوفيات بسبب الفيروس وسوى ذلك.

وطاول التوظيف السياسي لانتشار كورونا في تركيا خصوصا التدابير الاقتصادية والإجراءات الاحترازية، ونشأ جدال بشأن ما إذا كانت السلطات تخفي عدد من قضوا جراء إصاباتهم بالفيروس، ولكن أحدا لم يستطع الزعم أن الأعداد الحقيقية أُخفيت، إذ يرى المشككون أنه ربما لم يتم تسجيل في خانة كورونا من تُوفي قبل تشخيص حالته، أو قبل الحصول على نتيجة فحصه. بينما قال أعضاء المجلس العلمي الاستشاري إنهم يطبقون الخطوات التي تُطبق في العالم، وإنهم اتخذوا تدابير استثنائية، شملت حظر التجوال لمن أعمارهم فوق 65 عاماً والمصابين بأمراض مزمنة، ثم فرضت الحكومة حظراً جزئياً للتجول على الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً، مع استثناءات. كما شملت الإجراءات تقديم الكمّامات مجاناً للمواطنين عبر الصيدليات ومؤسسة البريد وفي محطات المواصلات والمحال التجارية، وبات ارتداء الكمّامة إلزامياً في الأماكن العامة، وفي وسائل النقل العام، والأسواق والمحال التجارية.

وتأخذ المعارضة التركية على حزب العدالة والتنمية (الحاكم) ممارسة سياسات حزبية ضيقة، تقوم على استبعاد المعارضة، خصوصا في ما يتعلق بعدم دعم الحكومة البلديات التي يرأسها أعضاء من أحزاب المعارضة، مثل بلدية إسطنبول التي يرأسها أكرم إمام أوغلو، ومنعهم من تنظيم حملات تبرّع لمساعدة العائلات الفقيرة المتضرّرة بسبب الإجراءات الاحترازية، بينما أطلق الرئيس أردوغان حملة وطنية لجمع التبرّعات، تعرّضت لانتقادات من المعارضة التي اعتبرت حصيلتها هزيلة، كونها لم تتجاوز المليار ونصف ليرة تركية.

وبرزت أزمة سياسية حادّة على خلفية قرار وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، فرض حظر تجول مفاجئ يومي 11 و12 إبريل/ نيسان الجاري، جرى الإعلان عنه قبل ساعتين فقط من دخوله حيز التنفيذ، وأثار موجة من الهلع لشراء السلع في البلاد، وأدّى إلى حالة من الفوضى والارتباك في الشارع التركي، ما دفع الوزير إلى تقديم استقالته التي رفضها الرئيس أردوغان، فاختلفت التفسيرات بشأن أسباب تقديمه استقالته، حيث اعتبرتها أوساط من المعارضة التركية مسرحية ذات غايات سياسية، فيما اعتبرها بعضهم جزءاً من الصراع بين الوزير وصهر الرئيس ووزير المالية التركية بيرات البيرق، ورآها آخرون محاولة لإنقاذ الرئيس من الانتقادات التي وجهت له بسبب أزمة انتشار وباء فيروس كورونا في البلاد.

وبعد أزمة استقالة الوزير، جاءت موافقة البرلمان التركي على قانونٍ للعفو، يسمح بإطلاق سراح عشرات آلاف من السجناء، إجراء للسلامة لمواجهة انتشار كورونا، لتثير موجةً من الانتقادات للقانون، على الرغم من الإعلان الرسمي أن 17 سجيناً أصيبوا بالفيروس، وتوفي ثلاثة منهم، إلا أن منظمات حقوق الإنسان انتقدت القانون الجديد، لأنه لا يشمل السياسيين المحتجزين الذين اتهموا بناء على قوانين مكافحة الإرهاب المثيرة للجدل، فيما أوضحت الحكومة أن القانون يشمل الحوامل، وكبار السن المرضى، ويستبعد القتلة، ومرتكبي الجرائم الجنسية، وجرائم المخدّرات، ويتضمن خفض شرط العفو المبكر للذين قضوا 65% من مدة عقوبتهم، بدلاً من 75% المعمول بها، وتخفيف عقوبة السجن على جرائم القتل العمد وقضايا “الإرهاب” التي طاولت المعارضين، بمن فيهم المعتقلون بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، والتي تعتبرها الحكومة مسؤولة عن تدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز عام 2016. في المقابل، اعتبرت شخصيات في المعارضة التركية أن معظم المشمولين بقانون العفو هم من القتلة واللصوص والمرتشين وأعضاء المافيات، وأنه يشمل مرتكبي جرائم الاغتصاب والتحرّش الجنسي، بل إن رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، اعتبره قانوناً ظالماً.

ويجادل المسؤولون الأتراك بأنهم يواجهون أزمة كورونا بخطوات مدروسة، ومستعدون لمواجهة كل الاحتمالات، بفضل الجهاز الطبي القوي في البلاد، بل إن وزير الصحة، فخر الدين خوجة، أكد نجاح إجراءات التصدّي لانتشار كورونا، وفي إيقاف الزيادة في عدد الاصابات بالفيروس في زمن قياسي لم يتعدَّ أربعة أسابيع.

وعلى الرغم من مواصلة الإجراءات ضد فيروس كورونا داخل تركيا، وإرسال الحكومة أجهزة ومعدّات طبية إلى دول أخرى، إلا أن السجال السياسي ما بين المعارضة والحكومة لن يتوقف، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر، حيث المعارضة وأنصارها لا يثقون بما تقوم به الحكومة، ويجدون صعوبة في تصديق ما تقوله، وكل شيء يخضع للاستقطاب والتوظيف السياسي.

العربي الجديد

———————————-

يوميات العزلة: كارما الأوبئة/ وجدي الأهدل

قانون الكارما ينصّ على أن نوايا وأفعال الإنسان – خيرها وشرها – سترتد عليه في المستقبل، وأن الثمار التي يحصدها الآن إنما أتت من البذور التي زرعها في الماضي. هذه ملاحظة ثاقبة آمنتْ بها الديانات الشرقية، كالبوذية والهندوسية والطاوية، وهي موجودة بصور مختلفة في الأديان السماوية.

ولكن العقل الذي يؤمن بالمادة يرفضها، إذ ليس لها أساس علمي، ولا هي قابلة للقياس وإخضاعها للتجربة في المعامل، وخصوصاً فكرة أن نية الإنسان ولو لم يفعل شيئاً سوف تؤثر على مستقبله الشخصي حتماً! كل هذه القوانين الروحية تبدو مجرّد خزعبلات بالنسبة لرجل عقلاني، إذ كيف يمكن لنوايا وأعمال الإنسان أن تتطابق مع دورة حياة النبات، التي تبدأ بذرة مدفونة تحت الأرض وتتوازى مع النوايا المكنونة في صدر الإنسان، ثم سويقة تشقّ الأرض بحثاً عن أشعة الشمس وتتوازى مع شروع الإنسان في التنفيذ، ثم تنمو فتصير إما شجرة مثمرة وإما أعشاباً ضارة.

وعلى افتراض صحة قانون الكارما، ستكون الأوبئة التي تضرب الجنس البشري هي كارما منبعثة من الأرض. ثمة خلل خطير في علاقة الإنسان بالطبيعة، والأذية التي يرتكبها هذا الكائن المزعج بحق النبات والحيوان والماء والهواء قد تؤدي إلى هلاك الجميع، وانقراض الحياة على كوكب الأرض.

لاحظ أنصار البيئة أن هواء المدن قد صار أنظف؛ بعد أن أجبر فيروس كورونا البشر على البقاء في جحورهم، ومياه الأنهار صفتْ بعد أن كفّت المصانع عن تلويث البيئة. ومئات الظواهر الحسنة التي رصدتها الكاميرات هنا وهناك، وتحدثتْ عنها الصحافة. والأغرب أن البيئة عندما تتعافى، يتفاعل معها فيروس كورونا فيخفف من قبضته، فيتراجع معدل الوفيات، ثم ينسحب، وكأنه يقول للناس تعلموا هذا الدرس!

إذاً، الحل للخلاص من كارما الأوبئة هو تدبير إيقاع الحياة، وهو شيء يشبه في بعض وجوهه “التدبير المنزلي”، وهذا يعني إجراء تغيير جذري في أدمغتنا، وأن نُخفف من وتيرة حركتنا، فننتقل من عصر السرعة إلى عصر التمهل والتبصر.

وهذه وصفة العصر الجديد (الإنساني):

1- المصانع لا تعمل بطاقتها القصوى، بل بمعدل متوسط.

2- الأرض لا تُزرع بكثافة، بل تُعطى راحة من حين لآخر.

3- البحر يُحظر الصيد فيه مدة اثنين وخمسين يوماً متصلة في السنة.

4- تتفق حكومات العالم على يوم في الأسبوع – ليكن يوم الثلاثاء تجنباً للخلافات – تتوقف فيه حركة المواصلات في سائر أنحاء الأرض، فتتوقف حركة الطائرات والقطارات والسيارات والحافلات وقطارات مترو الأنفاق، وحتى السفن في أعالي البحار تربض في مكانها، على أن يُسمح في هذا اليوم بركوب الخيل والحمير والجمال، واستخدام الدراجات الهوائية والعربات التي تجرّها الأحصنة، وهذه ليست مزحة، ولكنها اتفاقية دولية تضمن اعتذارنا دون مراوغة عن الإزعاج الذي تسبّبنا به لأمنا الأرض خلال أيام الأسبوع الستة الماضية.

وتتكرر في القرآن الكريم الإشارات إلى أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام: “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ”، وهذا يعني ضمنياً أن اليوم السابع، وهو آخر أيام الأسبوع، يلزم فيه التوقف، أيّ أن كل شيء يُنجز في الأيام الستة، ويترك اليوم السابع كفاصل يوازي في أهميته تلك الأيام الستة مجتمعة.

وفي الكتاب المقدس: “وبارك الله اليوم السابع وقدّسه”، بعد إتمام خلق السماوات والأرض وكل الأحياء في ستة أيام.

هذا الإيقاع الحياتي الرباني موصى به في الأديان السماوية كلها، وهو يوم راحة، ليس للإنسان فقط، ولكن للأرض ولكل كائن حي.

5- أن يُخفِّض الأغنياء أرباحهم إلى حد متوسط، فلا تستوفي الشركات الأرباح إلى الحد الأقصى، لأن هذا الهامش الذي تستغني عنه الشركات والمليارديرات يعود إلى جيوب الفقراء وعائلاتهم.

6- وقف الحروب في كل الأرض وإخمادها نهائياً، وهذا سيؤدي تلقائياً إلى إفلاس مصانع السلاح وإغلاقها.

يحسب الإنسان أن القنبلة النووية تُلحق الضرر بالبشر فقط، ولا يخطر بباله أن الأرض تشعر بالأذى وتتوجع، ولو امتلكتْ حنجرة لبلغ صراخها أقاصي الكون!

7 – الكف عن إراقة الدماء.. الدم البشري الذي يسيل على تراب الأرض يغضبها. ولأن الإنسان الذي خُلق منها هو ابنها، أفلا يحق لها أن تنتقم وتأخذ بالثأر؟ وهذه ليست صورة مجازية، بل حقيقة، لأن الأرض لها أحاسيس ومشاعر، فاحذروا غضبتها على أولادها!

هذه الوصفة مفتوحة لمزيد من البنود، وأُحيي كل من يقترح جديداً مُضيفاً إليها بما يُساهم في انتقال الجنس البشري من عصر السرعة – الذي يقودنا إلى الهاوية – إلى عصر الانسجام مع الطبيعة.

* كاتب من اليمن

العربي الجديد

——————————-

ساعات أبوكاليبسية/ محمد جديدي

في ظل مشهدٍ يوميٍّ مُرعِب، مسرَّب من يوميات أبوكاليبسية، لا نستفيق فيه إلّا على أخبار الموت وتزايُد أرقام الموتى وأعداد المصابين، لا يدور بخلد المرء غيرُ سؤالٍ واحد: كم سيعيش؟ كم بقي من عمره؟ يسأل نفسه إذا افترض أنَّ نهاية العالم ليست مع هذه الجائحة وأنّه سيكون من الناجين. يُخيّم السؤال على الأذهان ويقلق النفوس ونحن نعيش أخبار الموت ورائحته وأرقامه التي تحصد الأرواح بالآلاف.

أنت رقمٌ محتمل من بين الأرقام المقدَّمة أو التي ستُقدَّم لاحقاً. تزيد من حدّة السؤال والانهماك به ما تبثّه الأخبار في كل مكان (مكانك إن لم يكن من بين الأمكنة المصابة فلا يعني هذا أنه سيظل كذلك بما أن الوباء مستمرٌّ في الانتشار) وتُضاعِف من توتره التحذيرات التي تُسمَع في كل حين (وكأنك إن لم تمتثل لتلك التعليمات وتلتزم بها فأنت في عين الإعصار).

إن ما يزيد من شدّة تخوّفنا وعينا بالتناهي الذي نسير إليه بخطى ثابتة. فكلنا ندرك تناهينا في الزمن وحتمية موتنا. فهل فكّرت يوما (أقصد في هذه الأيام بالذات ونحن نعيش وباء عالمياً، ألا يلّح عليك هذا السؤال إلى حد القلق) كم ستعيش؟

مثل هذا السؤال لا يراد بعد الجواب عنه سوى التنبؤ كما هو رائج عالمياً. والتنبؤ هنا ليس علماً بالغيب أو تدخلاً ومزاحمة للشأن الإلهي (صراع الطب مع القدر) إنما هو على شاكلة التنبؤ بالأرصاد الجوية، فالتوقعات تُبنى على أساس معطيات تتحدد وفقاً لها حالة الجو المقبلة تصل إلى درجة دقيقة في التنبؤ كلما كانت البيانات والمعطيات صحيحة (درجة الحرارة، الرطوبة، شدة الرياح واتجاهها، الضغط الجوي، إلى غير ذلك من المعطيات التي تراجع عدة مرات في اليوم).

قد ينطبق هذا على حالة عمر الإنسان الذي لا يعني سوى صحته في الزمن. ألا يفعل الطب الشيء نفسه كي يخبر المرء عند الفحص عن وضعيته الصحية؛ وما ستؤول إليه بعد تحليل مختلف البيانات وتقييمها ضمن حوصلة نهائية، يتمكّن معها الطبيب من التنبؤ بكم سيعيش المريض، خاصة في حالة الإصابة بأمراض خبيثة وخطيرة كالسرطان، وهو يعلم أنه في مرحلته النهائية.

ثم إننا نعتقد جازمين بأن الطب المعاصر يمدّد حياة الإنسان ويطيل عمره بفضل منجزاته وتقنياته في الإبقاء عليه حيا، ولا سيما أن الأجهزة المخترعة باتت تعوض أعضاءه الحيوية وتبقيه على قيد الحياة (وإن كانت حياة نباتية مثلما يقال بلغة طبية) إن توقفت هذه الأخيرة (التنفس، القلب، الكلى، الكبد).

بناء أيضاً على متوسط العمر الذي بات معروفاً في زماننا وقد تحدّد طبياً للنساء والرجال (بين 75 للرجال و85 للنساء) وبناء كذلك على مستوى المعيشة الذي يكون للفرد وقدرته على تغطية صحية شاملة وجيدة وشعوره بمدى مقاومته لضغوطات الحياة المادية والنفسية التي يتعرّض لها.

هذه المعطيات وأخرى بالتأكيد ـ خفية أو بادية ـ لا سيما ونحن نعيش على وقع الموت وألفته بحيث لا صوت يعلو على الإخبار بالموت المكثف مع وباء فيروس كورونا. الشيء الذي يجدّد فينا السؤال حول موتنا:

ألا تكفي الواحد منا كي يتنبّأ بكم سنة سيعيشها وكم بقي له من عمره؟ إذا انقضى من عمرك ربع قرن أو أقله أو ضعفه فكم بقي لك؟ هل سنقف يوماً ما على معرفة بأعمارنا تكون ملصقة ببطاقاتنا منذ يوم الولادة إلى الوفاة كما يكون ذلك في أجهزة نقتنيها ونعرف مدة بقائها واستعمالها، أم أن هذا مجرّد محض خيال؟ آمل أن نعيش لحد هذه اللحظة التي تُصدّق فيها هذه الفكرة أو تُكذّب، فإن صدقت نكون قد ولجنا عصر ما بعد الإنسانية ومنجزاتها، وإن كذبت سوف لن نعتبرها إخفاقاً آخر من إخفاقات الطب.

* باحث وأكاديمي من الجزائر، من مؤلّفاته: “فلسفة الخبرة عند جون ديوي” (2003)، و”ما بعد الفلسفة: مطارحات رورتية” (2009)، و”هابرماس والسوسيولوجيا” (2012).

العربي الجديد

————————

بريطانيا تحبس أنفاسها بانتظار خطة جونسون للخروج من العزل

لندن: يستأنف بوريس جونسون الذي أنهى فترة نقاهة من إصابته بفيروس كورونا المستجد، نشاطه مع معادلة عليه تسويتها، ألا وهي كيفية إنعاش الاقتصاد البريطاني دون المجازفة بموجة ثانية من الإصابات قد تقضي على التضحيات التي قدمت حتى الآن.

وبعد عودته من مقر إقامته في شيكرز حيث أمضى فترة نقاهة لأسبوعين، يخضع الزعيم المحافظ (55 عاما) لضغوط متزايدة لكشف استراتيجيته حول مستجدات العزل المطبق في بريطانيا منذ شهر.

وتحدثت صحيفة “ديلي تلغراف” القريبة من الزعيم المحافظ عن تخفيف تدابير العزل، في حين عنونت “ذي غارديان” اليسارية على الانتقادات التي سيضطر جونسون إلى مواجهتها.

ومع 20732 وفاة في المستشفيات وحدها، تعتبر بريطانيا من الدول الأكثر تضررا بوباء كوفيد-19 في أوروبا.

والحصيلة أعلى مع الوفيات في دور رعاية المسنين التي تقدر بالآلاف بحسب مسؤولين في القطاع.

وخلال المؤتمر الصحافي اليومي في داونينغ ستريت الأحد سجل وزير البيئة جورج وستيس “علامات مشجعة”.

والحصيلة الأخيرة التي نشرت الأحد لعدد الوفيات بـ413 وفاة إضافية في المستشفيات، هي الأدنى منذ حوالي شهر.

وأشار أحد المسؤولين في أجهزة الصحة البريطانية ستيفن بويس إلى انخفاض عدد المرضى في المستشفيات خصوصا في لندن وكذلك عدد المرضى في العناية الفائقة. وتحدث عن “خشيته” من ارتفاع الحصيلة مجددا داعيا البريطانيين إلى مواصلة جهودهم.

وفي غياب علاج أو حتى تطوير لقاح قبل نهاية العام على الأقل، ستكون الطريق طويلة.

– “نقاش بين راشدين”

ويقول الأستاذ جايمس نيسميث عالم الأحياء المشرف على معهد في جامعة أوكسفورد إن “الفيروس يقودنا في مصعد سريع نحو الذروة. لكن علينا نحن إيجاد طريقنا للنزول عبر السلالم”.

ويتوقع أن يستمر العزل المفروض منذ 23 آذار/ مارس حتى السابع من أيار/ مايو. وتستبعد الحكومة أي تخفيف مبكر لتدابير العزل التي قد تفضي إلى ظهور موجة ثانية من الإصابات.

والأحد أعلن وزير الخارجية دومينيك راب الذي تولى شؤون رئاسة الوزراء في غياب جونسون، أن بريطانيا “في مرحلة حساسة وخطيرة”.

وأوضح أن “رئيس الوزراء الذي هو في حالة جيدة جدا ينتظر بفارغ الصبر العودة إلى العمل”.

لكن في الكواليس هناك انقسامات داخل الفريق الحاكم بحسب الصحافة، إذ يقلق مسؤولون من العواقب الاجتماعية والصحية لعزل صارم على فترة طويلة. وسيضطر جونسون إلى اتخاذ قرار بهذا الصدد.

وبعدما بقي في المستشفى في لندن لأسبوع لتلقي العلاج، بدأ جونسون فترة نقاهة في 12 نيسان/ أبريل. وخلال هذه الفترة واجهت البلاد ما يسميه العلماء بذروة تفشي الوباء وحكومته انتقادات عديدة.

وبقي جونسون ثلاثة أيام في العناية المركزة.

وكان رئيس الوزراء البريطاني أعلن أن معركته مع وباء كوفيد- 19 “كانت لتأخذ أي منحى” وأن العاملين في نظام الرعاية الصحية البريطاني (أن أتش أس) انقذوه “من الموت بلا شك”، وهو “مدين لهم بحياته”.

ووجه زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر في نهاية الأسبوع الماضي رسالة إلى جونسون كرر فيها انتقاداته مؤكدا أنه ينتظر “بفارغ الصبر” لقاء رئيس الوزراء.

وأضاف أن “أخطاء” ارتكبت والحكومة “لم تتحرك بسرعة” إن لناحية تطبيق العزل وإجراء فحوص كشف الإصابة، أو لناحية النقص الكبير في معدات الحماية للطاقم الطبي ودور رعاية المسنين على حد سواء.

وغرد: “قدم البريطانيون تضحيات كبيرة لتأتي تدابير العزل بنتائج إيجابية. يستحقون المشاركة في نقاش بين راشدين بشأن الخطوات المقبلة”.

——————————-

دول تخفف إجراءات الإغلاق وسط تراجع الوفيات اليومية بكوفيد-19

مدريد:  خرج الأطفال في إسبانيا من منازلهم الأحد، للمرّة الأولى منذ ستّة أسابيع، تزامنًا مع تخفيف عدد من الدول إجراءات الإغلاق، في وقت رجّحت ولاية نيويورك استئناف الأنشطة الاقتصادية بعد 15 أيّار/مايو في ضوء تراجع الوفيّات اليوميّة بكوفيد-19.

وعلى الرغم من أنّ حصيلة المصابين بكوفيد-19 باتت تناهز ثلاثة ملايين شخص حول العالم، تستعدّ حكومات دول عدّة، بينها فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، إلى تخفيف جزئي للقيود المشددة التي أجبرت نصف البشر على التزام منازلهم لأسابيع.

وفي مؤشّر لافت، عاد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى مقرّ رئاسة الحكومة في لندن، بعد شهر من إصابته بكوفيد-19 ودخوله المستشفى ولاحقا العناية المركزة.

وأفادت العائلات الإسبانيّة من قواعد جديدة تُتيح للأطفال الخروج للمرّة الأولى منذ 14 آذار/مارس، وشوهد أطفال يلهون على درّاجات هوائية في شوارع مدريد وارتدى بعضهم أقنعة وقفازات.

وقالت إنماكولادا باريديس لوكالة فرانس برس بينما كانت تستعدّ لاصطحاب طفليها البالغين أربع وسبع سنوات “إنهما متحمّسان للغاية ولا يمكنهما الصبر. استيقظا منذ الساعة 06,30 صباحا مرددين +سنخرج سنخرج!+”.

وقال ريكاردو (ست سنوات) إن الخروج من المنزل “أمر جيّد جدا”، متحدثا عن مغامرته مع شقيقته الأصغر في المدينة.

بموجب القواعد الجديدة، يُسمح للأطفال بالخروج مرّةً في اليوم بين الساعة 09,00 و21,00، لكن لا يمكنهم الابتعاد أكثر من كيلومتر واحد عن منازلهم.

بدأ تطبيق القواعد الجديدة بينما تراجع عدد الوفيات في البلد الذي كان بين الأكثر تأثرا بالفيروس، إلى 288 الأحد، وهي الحصيلة الأقل منذ 30 آذار/مارس.

وسجّلت اسبانيا أكثر من 23 ألف وفاة بالفيروس لتحل في المرتبة الثالثة عالميا بعد إيطاليا (26 ألفا و600) والولايات المتحدة (53 ألفا). ويُذكر أنّ الترتيب مبنيّ على الأعداد المطلقة للوفيّات، بدون احتساب نسبتهم مقارنة بعدد السكان.

في نيويورك، قال حاكم الولاية أندرو كومو الأحد إنّه يُحتمل استئناف بعض الأنشطة الصناعية وورش البناء عقب 15 أيار/مايو.

وأشار إلى أنّ هذا الأمر سيتمّ في مرحلة أولى بشمال الولاية وليس في مدينة نيويورك.

وبلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ حول العالم أكثر من مليونين و900 ألف الأحد بينما تخطّى عدد الوفيّات 204 آلاف، أكثر من نصفهم في أوروبا، وفق تعداد فرانس برس.

ويبدو أنّ الحصيلة اليوميّة للوفيات في الدول الغربية بدأت تستقر بل وتتراجع في الدول الأكثر تأثّرا بالوباء إذ بدأت الأعداد الصادرة من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا تستقرّ في الأيام الأخيرة.

من جهتها، تخطط الحكومات لتخفيف تدريجي لتدابير الإغلاق من أجل منع العودة المفاجئة لمظاهر الحياة الطبيعية وبالتالي تفشي الفيروس مجددا وسط تحذيرات من منظمة الصحة العالمية بأن أجسام المتعافين قد لا تكون طورّت مناعة تمنع إصابتهم مجددا.

وبدأت دول أخرى في أوروبا تضررت بشدة من الفيروس النظر في إمكان عودة حذرة لمظاهر الحياة الطبيعية.

وذكرت السلطات الإيطالية — حيث تم تسجيل 260 وفاة جديدة الأحد في أدنى حصيلة منذ 14 آذار/مارس — أن المدارس ستعاود فتح أبوابها في أيلول/سبتمبر المقبل، بينما بإمكان العديد من الأعمال التجارية استئناف نشاطاتها الأسبوع المقبل. وينتظر أن تكشف السلطات الفرنسية الثلاثاء خططا في هذا الشأن.

في بريطانيا، حيث توفي أكثر من عشرين ألف شخص بالوباء، تقاوم الحكومة الدعوات لتخفيف القيود المفروضة في أنحاء البلاد رغم تسجيلها الأحد أقل حصيلة يومية للوفيات منذ 31 آذار/مارس بـ413 وفاة جديدة.

توازيا، أعلنت السعودية الأحد أنها سترفع حظر التجول لمدة 24 ساعة جزئيا وستسمح للمراكز التجارية والمحال بفتح أبوابها لساعات محددة.

لكن سلطات المملكة أعلنت استمرار اغلاق مدينة مكة المكرمة على مدار الساعة.

وانضم المسلمون في السعودية بذلك إلى مئات الملايين من أقرانهم حول العالم الذين أحيوا اليوم الثاني من شهر رمضان في بيوتهم متجنبين التجمعات العائلية التقليدية على مائدة الإفطار، تطبيقا لإجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة.

سمحت سلطات ولاية جورجيا الأميركية لآلاف الأعمال التجارية باستئناف نشاطاتها، بدءا بمصففي الشعر وليس انتهاء بصالات لعب البولينغ، رافضة بذلك نصائح كبار خبراء الأوبئة.

وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا رغبته في استئناف النشاطات التجارية في أكبر اقتصاد في العالم، حتّى مع تحذير المستشارين الصحيين من خطورة تخفيف إجراءات الإغلاق بشكل مبكر أو متسرع أكثر مما ينبغي.

وواجه الرئيس الأميركي موجة جديدة من الانتقادات بعد أن أشار إلى أنه يمكن علاج الفيروس عبر تسليط الضوء فوق البنفسجي داخل أجسام المرضى، أو من طريق حقنهم بمطهر منزلي.

كما انتقد ترامب وسائل الإعلام واتهم صحافيين بطرح أسئلة معادية، ملمّحًا إلى أن إحاطاته اليومية بشأن الوباء لا تستحق وقته.

– تحذير المناعة –

في حين يبدو أنّ حالات الإصابة الجديدة المُبلَّغ عنها استقرت عند نحو 80 ألفا في اليوم، لا يزال العالم في حالة ترقّب، بينما تتسابق الشركات والحكومات لتطوير العلاجات ولاحقا لقاحا ضد الفيروس.

وتدرس بعض الحكومات تدابير مثل “جوازات المناعة” كطريقة لإعادة السكان إلى العمل بعد أسابيع من الإغلاق الذي ضرب الاقتصاد العالمي.

وقال لوثار كوب، أحد سكان برلين “إذا كنت أصبت بالفعل بكورونا، فأنا لست معديا”، مبديًا أمله في أن تكون نتيجة اختبار الأجسام المضادّة إيجابية لأنها قد تسمح له بزيارة والدته المسنّة.

لكنّ منظمة الصحة العالمية حذرت من أن المتعافين من الفيروس لا يمكن لهم أن يكونوا متأكدين من أنهم لن يصابوا به مجددا.

وذكرت المنظمة في بيان “لا يوجد حاليا أي دليل على أن من تعافوا من كوفيد-19 ولديهم أجسام مضادة محميون من إصابة ثانية”.

وتخطط دول عدة بينها فرنسا وألمانيا لاستخدام تطبيقات تعقّب مرتبطة بالفيروس تبلّغ المستخدمين في حال كانوا قرب شخص تأكدت إصابته بكورونا المستجد.

وبدأ استخدام التكنولوجيا في أستراليا، حيث أثارت القلق بشأن الخصوصية في أوساط البعض، كما استخدمتها سنغافورة على نطاق واسع.

في غضون ذلك، أقرت في بكين مجموعة جديدة من التدابير لمكافحة الوباء تحظر السلوك “غير المتحضر” مثل عدم تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس.

————————————————-

بيل غيتس يشيد بجهود ميركل في مواجهة أزمة كورونا

سياتل: أشاد الملياردير الأمريكي بيل غيتس بجهود المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مواجهة أزمة جائحة كورونا.

وقال مؤسس شركة “مايكروسوفت” العملاقة للبرمجيات في تصريحات لصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” الألمانية الصادرة الاثنين إن ميركل تحاول أن تكون “شخصية قيادية وصوتا واضحا” في ألمانيا، مضيفا أنها تبذل في الوقت نفسه جهودا دولية مع دول مثل فرنسا.

وفي المقابل، انتقد جيتس الحكومة الأمريكية، متهما إياها بالتقصير في التعامل مع أزمة كورونا، وقال: “في الولايات المتحدة لم يكن لاختبار (الكشف عن كورونا) الأولوية المطلوبة”، منتقدا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعدم تقديمها إرشادات واضحة في مسألة تخفيف القيود على الحياة العامة.

تجدر الإشارة إلى أن غيتس يهتم منذ سنوات بتحسين الإمدادات الصحية في العالم، وحذر عقب وباء إيبولا من أن العالم غير مستعد لمواجهة وباء مقبل.

وتدعم المؤسسة الخيرية لغيتس وزوجته مليندا مكافحة جائحة كورونا بمليارات الدولارات. وتُضخ هذه الأموال في تطوير أنظمة تشخيص وطرق علاجية ولقاحات. ويتوقع غيتس أن يكون هناك لقاح متاح ضد فيروس كورونا المستجد خلال 18 شهرا.

(د ب أ)

—————————

العلاج بـ”ديتول” يقصي ترامب عن المؤتمرات الصحافية

إتخذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراراً بالابتعاد عن التصريحات الخاصة بمواكبة أزمة “كورونا” بعد تعرضه لوابل من الانتقادات إثر اقتراحه حقن الجسم بمواد معقمة لمكافحة “كوفيد-19″، وهجومه المتكرر على وسائل الاعلام.

وسأل ترامب في “تويتر”: “ما النفع من عقد مؤتمرات صحافية في البيت الأبيض حين يكون كل ما تقوم به وسائل الإعلام الموجهة هو طرح أسئلة عدائية، وترفض لاحقا نقل الوقائع بدقة؟”

وتابع ترامب: “يسجلون متابعة قياسية من الجمهور، ولا يحصل الشعب الأمريكي سوى على أخبار كاذبة. الأمر لا يستحق العناء ولا إضاعة الوقت!”.

وكان رئيس الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضررا من وباء “كوفيد-19” مع أكثر من 54 ألف وفاة، أثار الخميس استغرابا خلال أحد مؤتمراته الصحافية، بعد أن قال “أرى أن المعقمات تقضي على فيروس كورونا في دقيقة. دقيقة واحدة. هل من طريقة للقيام بشيء مماثل مع حقنة في الجسم؟”

إلا أنه حاول التقليل من شأن تصريحاته، وأكد الجمعة أنه كان يتحدث “بسخرية” عن هذه المسألة.

وبعد تصريحات ترامب، حذر مسؤولو مصانع مستلزمات التنظيف، من استخدام موادهم المطهرة في العلاج من فيروس كورونا وقال المسؤول في الشركة المصنعة لمنظفات “ديتول” و”لايسول” ريكيت بنكيسر، إنه لا يجب “تحت أي ظرف إدخال منتجاتنا المطهرة إلى جسم الإنسان سواء عن طريق الحقن أو البلع أو أي طريقة أخرى”.

——————————–

كورونا بدون فيزا : الرعب يُباغت آمال اليمنيين

وزعت الحربُ، المستمرة على مدى خمس سنوات، مسؤولية صحة اليمنيين على أطرافٍ متصارعةٍ لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات المسؤولة، واكتفت بفرض السيطرة على مجتمعاتها المحلية.

ظلوا يتابعون الانتشارَ المرعبَ للفيروس في العالم من خلال وسائل الإعلام طيلة خمسة أشهر، ويستمعون بقلقٍ إلى تطمينات سُلُطاتهم بخلوّ اليمن من الفيروس. يوم الجمعة 10 أبريل/نسيان الجاري، وقبل أن يتجمع مئاتُ الآلاف من المُصلّين إلى مساجد اليمن، فُجِعَ الناسُ بخبر الإعلان عن أول حالةٍ مصابةٍ في حضرموت.

مَنح فيروسُ كورونا السلطات اليمنية فرصةً تجاوزت أربعة أشهر، لاتخاذ إجراءاتٍ احترازيةٍ وقائيةٍ مشددةٍ، لتفادي كارثةِ دخول الوباء إلى البلاد التي دَمرتْ سنواتُ الحرب نظامَها الصحي، قبل أن يصل إليها.

صباح الجمعة 10 أبريل/نيسان، أيْ بعد يومٍ من إعلان “التحالف العربي”، الذي تقوده السعودية والإمارات، وقف إطلاق النار، في إطار مكافحة فيروس كورونا، ودعم جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، أعلنت “اللجنةُ الوطنية العليا لمواجهة كورونا” اكتشافَ أولِ حالة إصابةٍ بالفيروس في منطقة الشحر بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن.

تباهتْ حكومةُ الرئيس هادي، المعترف بها دولياً، بشفافيّتها في “إعلان الحالة”، وفقاً لتصريحات الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة كورونا، الدكتور علي الوليدي؛ إلا أنها لم تسرد تفاصيل طريقة دخول الفيروس إلى البلاد، في ظل تطبيق الإجراءات الوقائية المشددة التي أعلنها محافظ حضرموت على صفحته في “تويتر”، إضافة إلى الإجراءات التي أعلنتْها حكومته.

في 31 مارس/آذار الماضي، انفرد البُحْسني، دون بقية المحافظين، وخلافاً للإجراءات التي أقرّتها الحكومة، بإعلان حالة الطوارئ في محافظته، خلال الأول والثاني من أبريل/ نيسان الجاري، منذراً بأن الأيام المقبلة “ستكون خطيرةً جداً”. أثارت “التغريدة” الذعرَ لدى المتابعين؛ كون المحافظ لم يحدد مصدرَ الخطر، فاستدرك بتوضيحٍ أن التحقُّق من خلوّ حضرموت من الإصابة (بفيروس كورونا) يتطلب بضعةَ أسابيعَ “لتعود الحياة لطبيعتها تدريجياً”.

وفي اليوم نفسه، أطلق “تغريدة” جديدةً بأنه أعطى توجيهاتٍ بمنع دخول أي مسافرٍ من المنافذ الجوية أو البرية أو البحرية، مهما كانت الظروف. تُستثنى من ذلك الشاحناتُ الكبيرة عبر المنافذ البرية، وفُرض على سائقيها تفريغ الشحنة والعودة إلى الدول التي قدموا منها. لكن المنافذ في حضرموت، ومنها ميناء الشحر البحري، استمرتْ في استقبال المسافرين القادمين حتى يوم إعلان إصابة أول حالة، وفقاً لأحد المسافرين، فضّل عدم ذكر اسمه.

“كورونا” دون “فيزا”

وثّقت اللجنةُ الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة كورونا، التي شكّلتْها الحكومةُ المعترف بها دولياً، في 18 مارس/آذار الماضي، اكتشافَ أول حالة، وشكلتْ جسارةُ الإعلان عنها تفوقاً ونجاحاً في إجراءاتهم الاحترازية. لكنه، قبل ذلك، تقصيرٌ؛ وهذا ما لم تتنبّه له اللجنة والمحافظ والحكومة ذاتها.

أعلنت وزارة الصحة في حكومة عدن، مساء الأربعاء 15 أبريل/نيسان، نتائج فحوصات الأشخاص المخالِطين للحالة المصابة في حضرموت، بأنها “سلبية”. مع ذلك، ما يزال الغموضُ يلفّ تفاصيل أول حالة كورونا في اليمن، وكيف عرف الفيروسُ طريقه إلى داخل اليمن دون “فيزا”؛ ذلك أن الإجابة على هذا السؤال من شأنها أن تطرح جملةَ تساؤلاتٍ تختبر جدّيّة الحكومة في تنفيذ الإجراءات الاحترازية التي أعلنت عنها. تساؤلات من قبيل: كيف تسلل الفيروس من بين أيدي “11 فريقاً طبياً مجهزا” أعلنت الحكومة عن تجهيزها في المنافذ؟! ولماذا أخلّت إدارة ميناء الشحر بتنفيذ قرارات الحكومة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لتفادي دخول كورونا، بدءاً بإجراء تحصين العاملين من الإصابة بالفيروس من خلال منْحهم كل وسائل الحماية، مثل “القفازات والكمامات وكل أدوات التنظيف والتعقيم”، وإلزامهم باستعمالها، وإعطائهم تعليماتٍ عن طريقة تعاملهم مع القادمين، وحدود مخالطتهم؟! وما الخطوة التي على الموظف اتخاذُها لو شكَّ بمخالطته حالةً يبدو عليها أعراض الوباء، أو شعر بها على نفسه؟!

إلى ذلك، أغفلت اللجنةُ التصريحَ بمعلوماتٍ أساسيةٍ حول عمل المُصاب في الميناء، أو أنه لا يعمل في الميناء. يمكن، من خلال معلوماتٍ كهذه، الاطمئنانُ هذه المرة، على مدى انتشار الفيروس من عدمه، لمعرفة كيف التقطه؛ هل التقطه في الميناء أم خارجه؟ فالمكان هنا يحدد؛ حيث التقاط الفيروس في الميناء يكشف عن قصورٍ في تطبيق إجراءات الحماية الشخصية للعاملين فيه مع من يخالطونهم، والتقاطُه خارج الميناء يكشف قصورا في تطبيق الإجراءات الاحترازية لتفادي دخول الوباء إلى البلاد. في الأولى، تقع المسؤولية على إدارة الميناء، وفي الثانية، على المحافظة والحكومة، التي شددت في اجتماعها الطارئ، في 14 مارس/آذار الماضي، على “ضرورة تعزيز إجراءات الرقابة في الموانئ البحرية، واتخاذ كل ما من شأنه خضوع العاملين في سفن النقل للإجراءات والفحوصات اللازمة”.

إجراءاتٌ جديدةٌ لمواجهة الانتشار

في مؤتمرٍ صحفيٍّ عقده في حضرموت، بعد يوم من إعلانه عن اكتشاف الحالة الأولى، قال المتحدث باسم “اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة كورونا”، الدكتور علي الوليدي، إن “الحكومة اتخذت مجموعةَ تدابيرَ لمنع انتشار الفيروس، منها وضع المصاب تحت الملاحظة وفرض تتبّع وحجر المخالطين للحالة وأسرة المصاب وإلزامهم بالبقاء في منازلهم، وإغلاق ميناء الشحر، وتشديد الترصد الوبائي وتعقيم ورش الميناء”.

إخضاع المشتبه بإصابتهم لاختبار الكشف لا يعني مجردَ التشخيص للفرد؛ بل تقديرَ مدى انتشار الفيروس، وفقا لتصريحات الدكتورة يُسْر نعمان لـ”خيوط”. وترى أن إجراء حجْرٍ للمريض هو “حفاظٌ عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه”.

وأضافت أن نتائج الاختبارات الجينية تساعد السلطات الصحية على اتخاذ إجراءاتٍ احترازيةٍ ملائمةٍ، مثل توفير الإمكانيات اللازمة، والحجر الصحي، والتشديد على التباعد الاجتماعي.

“كورونا” الحرب والانقسام

صُدم العالمُ بقدرة الفيروس الهائلة على الانتشار؛ ففي ظرف ثلاثة أشهرٍ منذ ظهوره في مدينة ووهان الصينية، وصل إلى 193 دولةً أعضاءً في الأمم المتحدة. تجاوز عدد المصابين به حول العالم، حتى 21 أبريل/ نيسان الجاري، أكثر من 2.5 مليون شخص، وتوفي منهم قرابة 175 ألف، وتعافى 600 ألف. فيما ظل اليمن واحداً من 18 بلداً لم تسجل ظهور حالات فيروس كورونا حتى 9 أبريل/ نيسان الجاري، بحسب جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.

هذا الإعلان وضَع الإجراءات الاحترازية المعلنة للسلطات على المحكّ، وفي اختبارٍ حقيقيّ. 

وفي مؤتمرٍ صحفيٍّ عقده مؤخراً، شدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على ضرورة توحُّد العالم لمواجهة الوباء إذا أرادوا القضاء عليه.

لكن الأطراف المتصارعة في اليمن واصلت الانقسام في مواجهة الوباء، ولم تُجرِ تنسيقاً فيما بينها. هكذا وزعت الحربُ، المستمرة على مدى خمس سنوات، مسؤولية صحة اليمنيين على أطرافٍ متصارعةٍ لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات المسؤولة، واكتفت بفرض السيطرة على مجتمعاتها المحلية.

وبعد اجتياح كورونا للعالم، أعلنت حكومتا صنعاء وعدن، كُلّاً على حِدَة، إجراءاتٍ وقائيةً في حدود سيطرتها؛ إلا أن تفاصيل تطبيق هذه الإجراءات تجعل منها حملةً تسويقيةً أكثر منها “احترازية”. كما أنها ضاعفتْ رُعبَ المجتمع من الانفجار المفاجئ، بدلاً عن تطمينه.

مع ذلك، يعيش اليمنيون على أعصابهم وهم يراقبون، على وسائل الإعلام، كيف يفتك كورونا بالعالم، حتى باتوا يتابعون الرعب مباشرة.

مأساةٌ اسمها “حَجْر”

في الـ14 من مارس/آذار المنصرم، اعتمدتْ الحكومةُ التابعة للرئيس المعترف به دولياً، عبد ربه منصور هادي، “اختبارَ قياس الحرارة عن بُعد”، كإجراءٍ وحيدٍ للتأكد من سلامة المسافرين عبر المنافذ البرية والبحرية الواقعة ضمن سيطرتها، والتي ظلت مُشْرَعةً حتى ظهور أول حالة، وتنفيذ إجراء الحجر الصحي لمن تظهر عليهم الأعراض فقط، كأن يعانون من ارتفاع درجة الحرارة، وفقاً لبيان الحكومة.

ومنذ منتصف مارس/آذار، بدأت سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين) إخضاع المسافرين القادمين من المناطق خارج سيطرتهم لإجراءات الحجر الصحي داخل كُلّيات ومدارس في “رداع وإب وتعز وفي صعدة، من التهريب”، وفقاً لتصريحات الناطق باسم وزارة الصحة في حكومة صنعاء، يوسف الحاضري.

في 15 مارس/آذار نفسه، خضعت “بُنْيان جمال” لاختبار قياس الحرارة عن بعد، عند وصولها إلى مطار عدن قادمةً من فرنسا، مروراً بمطار القاهرة. لكنها صُدمتْ عندما تأكدت أن هذا “هو الإجراء الوحيد لمسافرٍ قادمٍ من فرنسا؛ واحدةٍ من أكثر بؤر الوباء تفشياً”، بحسب بُنيان.

حاولتْ بنيان سؤالَ مسؤولين في المطار للتأكد من وجود حجْرٍ صحيٍّ في عدن، فأخبروها أنه غيرُ متوفر. بالمقابل، استحدثتْ سلطاتُ أنصار الله (الحوثيين) محجراً صحياً في كلية التربية برداع، كـ”إجراءٍ شكليٍّ يفتقر للشروط الأساسية أو الرعاية الصحية، مثل افتقاره لدورات مياهٍ كافيةٍ وقابلةٍ للاستخدام”، وفقا لـ”كمال” الذي أنهى فترة الحجر في 25 مارس/آذار الماضي.    

وقالت بنيان إنها فضّلت الحجرَ المنزليَّ في مدينة عدن، على المحجر الذي استحدثتْه سلطاتُ أنصار الله (الحوثيين) في مناطق سيطرتها على طريق عدن-صنعاء، فيظل لامبالاةً من قبل حكومة عدن وتركها للعائدين من الخارج بلا حجرٍ صحيّ. وقد تكبدتْ بنيان تكاليف البقاء والمعيشة الباهظة في عدن مدة 15 يوماً، حتى أقرّتْ سلطاتُ صنعاء السماحَ للمسافرين، الذين مضى على دخولهم البلاد 14 يوماً، بالدخول بدون الخضوع للحجر في الطريق.

يقول كمال لـ”خيوط”: “كان عددٌ من المحتجزين يفترشون الأرض بلا أغطية، ويصطفون في طابورٍ على دورة مياهٍ واحدةٍ جاهزةٍ في المكان خُصّصت لنحو ألفيْ محتجزٍ، لأكثر من نصف شهرٍ، ويرمون لهم بطعامٍ قليلٍ من على سيارة”. وضعوا حراسةً على الحجر لمنع المحجورين من المغادرة قبل إنهاء فتراتهم، باستثناء الخروج إلى الجامع المجاور لاستخدام دورات المياه أو أداء الصلاة، مقابل ترك الجواز كضمانة لدى الحراسة، حسب كمال. 

دخول الحجر ليس حصراً على المسافرين المحجورين، بل متاحٌ أمام الباعة المتجولين الذين تمنحهم الحراسةُ ميزةَ الدخول والخروج بسلاسةٍ، من الصباح حتى المساء. يخالط الباعةُ هؤلاء المحجورين ويغادرونهم لمخالطة عشرات الناس الآخرين، مثل أُسَرهم ومن يتعامل معهم خارج الحجر، وفقاً لعددٍ من الشهادات التي رصدتها “خيوط”.

والتقتْ “خيوط” مسافراً آخرَ خضع للحجر في رداع، طلب عدم كشف هويته. يقول إنه شاهَدَ محتجزاً غادر معه، في 26 مارس/آذار، يصافح محتجزاً آخر انضمّ إلى الحجر في 24 مارس، أي قبل يومين من مغادرته، “أي إجراء احترازي هذا؟!”.

تُرى ما جدوى فرْض الحجْر دون التزام بالشروط، وفي ظل خروقاتٍ أساسيةٍ، مثل مخالطة المشتبه بإصابتهم من خارج الحجر؟! برّر الحاضري: “لا ننكر وجودَ تقصير، والمحاجر لا ترتقي إلى المستوى المطلوب بسبب عدم وجود قدرةٍ لدينا؛ ولكنّا نقوم بالواجب. هذا الوباء لم تستطع الدول الكبرى مواجهته”. ولفت إلى أن “المحجر الصحي في رداع يستقبل قرابة 400 إلى 600 حالة يومياً”.

وأضاف أن المحاجر التي فتحوها في المحافظات الحدودية استقبلت حتى أبريل “في حدود 8 آلاف (مسافر)، ومازال التدفّقُ يومياً، خصوصاً من منفذ الوديعة”.

استمرارُ تدفّق الوافدين إلى البلاد، دون تشديد الإجراءات الاحترازية وتفعيل إجراء الحجر الصحي في المنافذ، يجعل الخطر مستمراً؛ حيث يستقبل اليمن غالبية الوافدين قادمين من السعودية، التي تزايدت حالات الإصابات فيها بشكلٍ لافتٍ، مؤخراً.

انتظارٌ مرعبٌ للفيروس القادم

تتبعت “خيوط” إعلاناتِ السلطات عن الإجراءات الوقائية التي اتخذتْها لمواجهة كورونا؛ في محاولة للتحقق من سلامة وصرامة تطبيق تلك الإجراءات، من خلال الزيارات الميدانية والمقابلات والتواصل مع شهودٍ أو جهاتٍ معنيةٍ أو مختصين.

خلال زيارة ميدانية إلى 5 مختبرات و5 مستشفيات كبرى عامةٍ وخاصةٍ، ومكانِ حجْرٍ صحيٍّ في صنعاء، رصدتْ “خيوط” افتقارَ هذه المنشآت الصحية الكبرى إلى المحاليل الخاصة بفيروس كورونا، وإهمالها لاتخاذ الإجراءات الوقائية. كما حصلتْ على شهاداتٍ حول عجز المنشآت الصحية في وضعها الحالي، بقطاعيها العام والخاص، عن مواجهة أي كارثةٍ قد تحصل في حال انتشر وباء كورونا. وقد أُخذتْ صنعاء كعيّنةٍ، كونها تحتضن أكبرَ بُنيةٍ صحيةٍ على مستوى البلاد، سواء بالكادر المتبقي داخلها حالياً أو بعدد المنشآت الصحية العامة والخاصة.

تستقبل صنعاءُ كافةَ الحالات التي تظهر عليها أعراضٌ مشابهةٌ لأعراض كورونا في كل المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، من أجل إجراء تحليلٍ مخبريٍّ للفيروس، بحسب الحاضري. 

اختارت السلطاتُ الصحية في صنعاء ثلاثة مستشفياتٍ، وخصّصتْها كأماكنَ للعزل الصحي. مستشفى الكويت الجامعي، الواقع في أحد الأحياء السكنية وسط صنعاء، أحدُ هذه الأماكن.

في 25 مارس/ آذار، نزل مُعدُّ التحقيق إلى مستشفى الكويت، للتحقق من مدى استعداد السلطات لتوفير أماكنَ لتنفيذ الحجر الصحي في حال ظهرتْ إصابات، وكذلك مدى التزام المنشأة بوسائل الحماية المتبعة، والاطلاع على الإمكانيات الموجودة.

بقميصٍ قصيرٍ يكشف ذراعيه، وفمٍ فاغرٍ ومبتسمٍ، يستقبل موظفُ الطوارئ بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء المصابين المحتملين بفيروس كورونا. أخْلَت الحكومة، غيرُ المعترَف بها دولياً، هذا المستشفى الرابضَ في قلب المدينة، في 20 مارس/آذار، وأعلنتْه محجراً صحياً كإجراءٍ احترازيٍّ لاستقبال المشتبه بإصابتهم.

ظُهْر الاثنين 30 مارس/ أذار، اجتزتُ، مع أحد الزملاء، البوابةَ الرئيسية للمستشفى بسلامٍ، في اللحظة التي كان فيها طقمان مُحمّلان بمسلحين يغادران المستشفى. بدا جميعُ الواقفين في حديقةِ وممراتِ المستشفى مجرّدين من أي وسائلَ وقائيةٍ؛ وكأنهم في نزهة! حتى إن زميلي شكّكَ في حقيقةِ أن المستشفى قد صار محجراً صحياً لوباءٍ فتّاكٍ وقاتل.

في الحديقة، بحثْنا عن يافطةٍ تدلُّنا على مكان المحجر، دون جدوى. سألْنا أحدَهم، فأجابنا أن البلاد ما تزال خاليةً من الإصابات، ليستدرك أن المستشفى كله مجهزٌ لاستقبال الحالات.

في منتصف الحديقة، بدا المبنى الرئيسيُّ للمستشفى خالياً على غير العادة، باستثناء أصوات بِضْعة موظفين. وبعد مكتب الاستقبال، يجلس حارسٌ على مدخل صالة العيادات المُوصَد بـ”لاصق”؛ حيث وجّهَنا صوب قسم الطوارئ. جميعُ من شاهدناهم في المستشفى بدون وسائل حماية.

عندما لمَحَنا موظفُ الطوارئ نقترب من مكتبه، الكائن في منتصف مدخل القسم، فَتَح السجلَّ الورقيَّ وأمسك بالقلم. “أين الأطباء؟”، سألناه. لا يوجد أحدٌ غيرُه في القسم؛ لكنه يقول إن قوام الكادر المخصص لاستقبال المرضى “4 أطباء و12 ممرضاً”. 

 لم نشاهد أيَّ جهازِ قياسِ حرارةٍ عن بُعد في هذا “المحجر”، منذ دخولنا. كما تكشف تجهيزاتُه عن عُرْي الحصانة من أي وسائلَ للوقاية. غرفةُ الطوارئ على اليسار من المدخل، وهي عبارة عن 10 أسرةٍ مرصوصةٍ بجوار بعضها، وأسطوانة من الأكسجين في المنتصف. حتى ذلك الوقت، لم يكن هذا الموظف يعرف ما إذا كانت قد مُنحتْ للمستشفى أجهزةُ تنفسٍ وجهازُ قياس حرارةٍ عن بعد، أم لا.

وبالنظر إلى طبيعة الوباء وسرعة انتشاره، وخيباتنا الكبيرة، فإن أيَّ متشككٍ مُطّلعٍ على بعض المعاناة وشكلية الإجراءات المتبعة في المحجر، سيرى أننا محظوظون بعدم وصول أية إصابة إلى اليمن أو إلى المحاجر الصحية. بذلك، تبقى الإجراءات الاحترازية، التي أعلنها الطرَفان، مجرد تسويق.

في زيارةٍ أخرى لذات المكان بعد أسبوعٍ، وصلتْ حالةٌ لديها أعراضٌ مشابهةٌ لكورونا، فيما كنتُ أتحدث مع موظف الطوارئ. جاءت شابةٌ منقبةٌ رفقةَ رجُلٍ أربعينيٍّ، وهي تسعل. كنا ثلاثة، واقفين في باب الطوارئ مع الموظف. سأل الرجل: “أين الطبيب؟”. فرد الموظف: “ماذا لديك؟”، أجاب الرجل: “هذه البنت فيها حُمّى وسعال وضيق تنفس وزكام من يومين”. “أدخلها”، قال الموظف، ووقف ليرشدهما إلى السرير في غرفة الطوارئ، وتمتم بأنه سيتصل بالأطباء للحضور لفحص الحالة.

قدّمتْ منظمة الصحة العالمية للسلطات اليمنية محاليلَ لفحص آلاف الحالات. وقال يوسف الحاضري إن وزارته تلقت محاليلَ لفحص 3 آلاف حالة، تسلّمتْها على دفعاتٍ، وإن المختبر المركزي في صنعاء، المُكلّف بإجراء الفحوصات في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، أجرى 124 فحصاً لمشتبهٍ بإصابتهم، حتى مطلع أبريل/نيسان. جميع النتائج كانت سلبيةً، بحسب الناطق باسم وزارة الصحة في صنعاء.

وفيما أعلنتْ وزارةُ الصحة، التابعة لحكومة عدن، تلقّيها مساعداتٍ صحيةً بقيمة 3.5 مليون دولار، لمواجهة وباء كورونا المُستجدّ، قال المتحدث باسم “اللجنة الوطنية”، علي الوليدي، إن السلطات الصحية، التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، “فحصت 25 حالة اشتباهٍ، منها 24 حالةً في العاصمة المؤقتة عدن، 7 منهم أجانب، وحالةٌ في حضرموت، جميعها سلبية”، باستثناء حالةٍ واحدةٍ على الأقل نتائجها إيجابية، والتي أعلن عنها.

 وبعد الإعلان عن تسجيل الحالة المصابة بـ”كورونا” في حضرموت، حاولت “خيوط” التواصل هاتفياً، أربع مرات في أوقات مختلفة خلال ثلاثة أيام، بالدكتور علي الوليدي، لكن هاتفه كان مغلقاً.

 الناطق باسم منظمة الصحة العالمية في اليمن قال لـ”خيوط”، إن المنظمة اتفقت مع السلطات اليمنية على توزيع المحاليل، التي وفرتها المنظمة، على 4 مختبراتٍ مركزيةٍ في صنعاء وعدن وتعز والمكلا، بهدف “ترشيد استخدامها وفحص المرضى الأشد حرجاً، الذين يعانون من سعالٍ وصعوبة تنفسٍ وارتفاعٍ في درجة الحرارة، وهي أعراضٌ تشير إلى احتمال إصابة حاملها بفيروس كورونا”.

مستوى الجاهزية

الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة، التابعة لحكومة صنعاء، يوسف الحاضري، قال لـ”خيوط” إن الحكومة “أصدرت أكثر من 60 قراراً لمواجهة وباء كورونا”؛ إلا أن هذه القرارات لن تضمن “احتواء أكثر من خمسمائة حالةٍ مصابةٍ، وإذا استخدمنا القطاع الخاص يمكن أن نصل إلى 1200 حالةٍ في الجمهورية كلها، شمالها وجنوبها”.

تسيطر الحكومةُ، التي يتبعها الحاضري، على غالبية المحافظات الشمالية وجزءٍ بسيطٍ من أراضي المحافظات الجنوبية. لكن الحكومة المعترف بها دولياً أعلنت، عبر”اللجنة الوطنية العليا” التابعة لها، أنها استعدت، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بعددٍ من الدورات التدريبية لمجابهة الفيروس، وإجراءاتٍ أخرى، من بينها إغلاق المنافذ البرية والجوية والبحرية لليمن، وتوفير 30 ألف جهاز فحصٍ سريعٍ سيتم توزيعُها على المستشفيات ومراكز الحجز والمنافذ البرية والبحرية. ويتلقى الطرفان الدعم والمساندة من منظمة الصحة العالمية لتنفيذ الإجراءات الوقائية، وفقا للناطق الرسمي باسمها، سفيان المطحني.

لا يَعتبر الحاضري ما قدمته منظمة الصحة العالمية حتى الآن دعماً حقيقياً. ووصَفَ ما قدّمتْه بأنه “لا يرتقي لكونها جائحةً”، وأنها “تنتظر حتى نموت لتدعمنا”. ويقول الحاضري إن وزارته طلبتْ ألف جهاز تنفسٍ، كون البلد لا يمتلك “سوى 200 جهاز”؛ “لكن المنظمة لم تقدم إلا 60 جهازاً فقط”.

في 2 أبريل/نيسان الجاري، زار مُعد التحقيقِ الناطقَ باسم الصحة العالمية، المطحني، في مكتبه، والذي قال إن “للمنظمة أولوياتٍ، ويجب ترشيد كل الإمكانيات، فلو دخل الوباء وقد استنفدنا كل المحاليل فستحدث كارثة”.

واعتبر المطحني أن وصول فيروس كورونا إلى اليمن في وضعها الحالي “قد يكون كارثياً”، مسبباً توقعه بأن”عدد غرف العناية المركزة لا يتجاوز المئات، وهي غالباً مشغولةٌ وقليلةٌ جداً”. وأضاف: “اليمن ستكون بحاجةٍ إلى الآلاف من غرف العناية المركزة المستشفيات”.

وأفاد بأن الوضع الصحي في اليمن منهارٌ، وأن المنشآت الصحية تعمل بـ50% من كفاءتها. العديد من سكان اليمن يعيشون في ظروفٍ صحيةٍ صعبةٍ، والعديد منهم يعاني من السُّكّري وأمراض القلب والصدر، وهي الحالات الأكثر تأثراً بفيروس كورونا.

الدكتورة يُسْر، والتي تدير مختبراً كبيراً في صنعاء، يختصّ بالجينات، قالت لـ”خيوط”: “نحن، كمختبر، لا نستطيع أن نستقبل هذه الحالات المشتبه فيها، في حال اجتاحتنا هذه الكارثة، نحن لا نحتمل ذلك في الوضع الطبيعي”.

وأضافت: “للأمانة، بعد الذي سمعناه عن الفيروس، لا نمتلك إجراءاتٍ احترازيةً في المختبر لأنه يجب على قسم الاستقبال لبسُ كفوفٍ وكماماتٍ معينة، ولهذا قررت ألّا أطلب المحاليل، لأنها وبغياب الإجراءات تُحمّلني مسؤوليةً أكبرَ تجاه المجتمع الذي أنا فيه”.

وبحسب تقرير أعدّتْه منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، مقرها في نيويورك، ومنظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان اليمنية، فإن استهداف الأطراف المتنازعة للمنشآت الطبية، خلال فترة الحرب، أضرَّ بالمستشفيات.

وتظل النتائج التي ستحققها السلطاتُ من هذه الإجراءات والاستعدادات، بافتراض سلامتها، غيرَ مطَمْئِنة. غير أن اكتشاف الحالة الأولى قد يمثل فرصةً جديدةً لمراجعة الإجراءات الاحترازية، التي تواصل السلطاتُ المنقسمةُ ترويجها، لتفادي ما لا تقوى عليه كلُّ الإجراءات والدعم، في حال تفشى فيروسُ كورونا، لا سمح الله.

هلال الجمرة

نشر هذا الموضوع في موقع خيوط اليمني

https://khuyut.com/6920/

درج

——————————

إننا مسؤولون عن هندسة اختفائنا”: كيف أفنينا البشرية؟/ علاء رشيدي

العنصرية، العبودية، التعذيب، والحروب هي المصدر الأول لخسارة النوع الإنساني. هل هناك خلاص من هذه الممارسات الإنسانية المؤدية إلى إفناء النوع؟

منذ انتشار فايروس “كوفيد-19″، يتردد سؤال على المستوى العالمي عن احتمال اختفاء الكائن البشري. ولا شك في أن انتشار الوباء، وإن لم يكن يبدو مؤشراً على انتهاء الحضارة الإنسانية، إلا أن الأحداث المترتبة عن انتشار الوباء دفعت المخيلة الإنسانية إلى التفكير بفنائها: هل النوع البشري مشرف على الاندثار؟ وإن بدت الإجابة على هذا التساؤل نوعاً من التنبؤ أو المعرفة بالغيب، إلا أن النظر إلى التاريخ يتيح لنا التعرف إلى بعض التأملات المتعلقة بهذا السؤال.

في كتاب “اختفاء الكائن البشري أرواح غافلة”، يعتبر المؤلف “بيري ساندرز” أن اختفاء الكائن البشري مرتبط بالأخلاقيات التي تطبقها الثقافة الإنسانية وتمارسها. ويعرض الكتاب للثمن المخيف الذي ندفعه عندما لا نهتم بحياة  الآخرين وموتهم، من الأقليات والفقراء والمشردين والملونين والهامشيين ومن يعدون من الأعداء ومن يعدون من الغرباء. وعلى صفحات الكتاب الـ400، يوضح المؤلف أن اختفاء الكائن البشري متعلق أولاً وأخيراً بممارساته، وبطبيعة القيم الأخلاقية التي تدافع عنها الحضارة أو تهملها لتتجاوزها.

في القرن التاسع عشر، سقطت الرؤية الدينية للإنسان باعتباره مركز الخليقة، فتداعت السقالات التي تحمل الإيمان الديني والتي كانت ترفع البشر إلى موقعها المتسامي. تغيرت على مسار القرن فكرة الإنسان جذرياً وأخذت معها الحساسيات الإنسانية التقليدية. ومع نشر داروين كتاب “أصل الأنواع بطريقة الإنتخاب الطبيعي”، فقدت الرؤية الدينية زمام المبادرة. وتبنى الإنسان تعريفاً جذرياً وجديداً، فلم يعد مخلوقاً على صورة الرب كما نقرأ في سفر التكوين، بل بالأحرى، الإنسان تطور من خلال القوى المنافسة والتصادفية. حاول العلم والفلسفة أن ينعشا الإنسان، ولكن بلا جدوى، ثم تحملت الشركات الجديدة للنفط والسكك الحديد مسؤولية الحياة اليومية.

وبينما بلغ عدد الوفيات بفايروس “كوفيد-19” ما يقارب 200 ألف ضحية، فإن نيال فيرغسيون يخصص كتابه “حرب العالم” للتذكير بأن المئة سنة بعد 1900 كانت من دون جدال هي القرن الأشد دموية في التاريخ الحديث. وتبين الأرقام أن الضحايا الأكبر لم يكونوا حصيلة أمراض أو أوبئة بمقدار ما كانوا نتيجة أفعال البشر وجرائمهم، فارتفعت أعداد الضحايا على رغم تطور القطاع الطبي ووسائل استمرارية الحياة.

الحروب والصراعات الإنسانية

لم يعتبر النازيون أن اليهود بشراً، بل حشرات متطفلة. إن النظر إلى اليهود يماثل بالنسبة إليهم رؤية عدد من الحشرات الضارة التي هي بحاجة ماسة إلى فناء جماعي. وتكرر هذا المنظور المخيف نفسه، في الماضي الأكثر قرباً، فنقرأ عن قرى فيتنامية مسالمة وقرى ومدن فلسطينية يهجر سكانها بالترغيب أو بالترهيب أو يقتلون وتحتل أراضيهم، لتتحول ضحية الأمس القريب إلى جلاد ويتم تطهير قبائل التوتسي والصرب كلها عرقياً، وقد فقد رجال ونساء وأطفال في دارفور وتشاد في النزاعات الدينية. وعلى إثر هجوم 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالميين في نيويورك، انتشرت القوات العسكرية الأميركية في أفغانستان وأبيدت أحياء كاملة في العراق، تمت تصفيتها بسرعة. وأتت بعدها الحرب السورية و”داعش” وما تلى ذلك من عنف وحروب. بالنتيجة، إننا ندفع الثمن باهظاً بسبب تآكل الجوهر الإنساني، بأكثر مما ندفعه للكوارث والأوبئة.

سيدة سورية تزور قبر احد افراد عائلتها الذي قتل في الحرب

التعذيب

النظرة الدونية التي تكونها مجموعة بشرية عن مجموعة إنسانية أخرى، أو التي تكرسها ثقافة عن أتباع ثقافة أخرى، كلفت الكائن البشري استمرارية الضحايا على مر التاريخ. في كتابه “تاريخ التعذيب” يثبت المؤلف بيرنهارت هيروود أنه تمكن قراءة التاريخ البشري على اعتباره تبادلاً في موقع التعذيب بين الجلاد والضحية. فالانتقام غالباً ما يدفع من كان ضحية في السابق إلى التحول إلى الجلاد الجديد. فيعيد المنتصر التنكيل بالخاسر عبر التعذيب.

يقوم الجوهر الأساسي لفكر التعذيب على إلغاء إنسانية الضحية، على إخراجها من نطاق التعاطف الإنساني، إلى نطاق الازدراء، الاحتقار، استلاب الهوية والحقوق، كل ذلك يسبق التنكيل الجسدي بالإنسان عبر وسائل التعذيب. هذه النظرة بين الإنسان والآخر تكلف البشرية باستمرار عبر التاريخ أكبر عدد من الضحايا.

وعلى رغم أن الإنسانية طورت التكنولوجيا واستخدمت الإنترنت لصنع التلاحم العاطفي بين الأمم. بيد أن التوجه نحو تدمير العدو لا يزال مستمراً، وما زال عدد الأعداء يتزايد، والتكنولوجيا لن تصلح وضعنا الإنساني، لأن التعذيب والقتل تحت التعذيب لا يزالان يمارسان على طول حدود الحضارة البشرية من سجن أبو غريب في العراق، إلى سجن غوانتامو، إلى السجون السورية والسجون في المنطقة العربية عموماً، التي تصدر منظمات حقوق الإنسان والمراقبة الدولية عشرات التقارير سنوياً تبين مقدار ممارسات التعذيب في السجون العربية. والحقيقة تقول مثلاًَ إن عدد المختفين قسراً في الحرب السورية واللبنانية يتجاوز حتى الآن واقع ضحايا لعنة “كورونا”.

إذاً، تستند فعالية التعذيب إلى مقدمتين على الأقل. تقتضي المقدمة الأولى أن واجب المعذِب النظر إلى ضحيته على أنها أقل من البشر، وتكون المهمة أسهل إن كان الضحايا من الملونين، وقد جرب الإنسان في القرن التاسع عشر إلغاء الناس الملونين من سلسلة الوجود البشري مستأصلاً إياهم من الحضارة كلها. قال الجنرال روبروت هيوز في شهادته أمام لجنة التحقيق التي شكلها الكونغرس عن التعذيب الذي مارسه الجيش الاميركي ضد الفليبينيين اواخر القرن الـ19: “إن هؤلاء الناس ليسوا متحضرين. ولو أنهم كانوا أكثر تحضراً لما توجب على أميركا اللجوء إلى مثل هذا التعذيب”. وبرر الطبيب العسكري هنري رولاند التعذيب بحجة القرف الذي يشعره الأميركيون عند النظر إلى وجوه الشعب الفليبيني: “إن شهوة الجنود الأميركيين للقتل كانت انعكاساً للوجوه التي كانت تحيط بهم في الفلبين”.

العنصرية

عام 1869، نشر “فرانسيس غالتون” كتابه الأول بعنوان “العبقرية الوراثية: بحث في قوانينها ونتائجها”. يجعل الكتاب من العرق الأبيض ذروة التطور البشري، ويحدد حصول هذه الذروة العرقية عند الأثينيين القدماء، ويؤكد أن الأرستقراطيين الإنكليز هم الأقرب لها. لقد عبر المؤلف في الكتاب عن تخوفه من نهاية العرق الأبيض، العالي التطور، وحدد العدو الذي هدد النظام المتوطد بأنهم “الأعراق الداكنة والمتدنية والفاقدة للمثل الأخلاقية”. فكيف لنا أن نتحدث عن اختفاء الكائن البشري من دون أن نتحدث عن هلاك القسم الأعظم من الهنود الأميركيين، وعن الممارسات المتعلقة بالعبودية التي عانى منها سكان القارة الأفريقية على مدى عقود من الحضارة الإنسانية؟

احتاج البيض إلى السود ليعلنوا عن رفاهيتهم. لقد حول الغزاة الأوروبيون الأفريقي إلى نوع أو عرق إنساني أدنى، وأخضعوا النساء الأفريقيات إلى الفحوص الطبية والاختبارات القاسية ليصلوا إلى أن الأرداف الضخمة والشفاه العريضة تؤكد الانحطاط الجنسي للأنثى ذات البشرة السوداء. أما مع الهنود الأميركيين فقد أجبروا على تقديم العروض على المسارح، كما في مسرحيات “بافالو بيل” الذي قدم عروضاً عن ترويض الهنود على المسرح، بمقدار عرضين كل يوم. عام 1835، جلب أحد أشهر مقدمي العروض ب.ت. بارنام، عجوزاً مسنة وعاجزة من الأميركيين الأفارقة اسمها جويس هيث، عرضها قرب برودوي وشارع برنس، معززاً حضورها بإعلانات وصور ومقالات في الصحف، كان كتبها بنفسه، وعندما توفيت في السنة التالية، استغل ولع الناس بأجساد الغرباء، وباع التذاكر لتشريحها علناً.

أما الطفلة الجنوب أفريقية سارة برتمان، فتم عرضها أيضاً على الزوار في المعارض في القرن الـ19، بذريعة أن تكوينها الجسماني غرائبي، وماتت سارة أثناء العروض، بعدما شرح الطبيب كوفير وزملاؤه جهازها التناسلي واستنتجوا أن الجهاز التناسلي الكبير و”البدائي” لبارتمان يقدم برهاناً فيزياوياً عن الرغبة الجنسية البدائية للمرأة الأفريقية. وحفظ كوفير الجهاز التناسلي والدماغ لبارتمان في حوض الكحول ووضعهما للعرض في متحف الإنسان في باريس.

هكذا، أسس علماء اجتماع مثل مورتون إلى الاعتقاد بدونية السود في فترة هيمنة النظريات العرقية. وكتب جوزيف لي كونت: “الزنوج مخلوقات بشرية لا تزال في مرحلة الطفولة ولم تتعلم حتى الآن السير وحدها في ممرات الحضارة. ولهذا قدر لها إما الإبعاد أو يعاد وضعها لتكون في مكانة ثانوية في اقتصاد الطبيعة”. نظرية الطرد ترى أنك كلما استطعت إبعاد الآخر على أنه شاذ وغير عادي، أصبحت عادياً. كذلك آمنت السلطات الإسرائيلية لفترة طويلة بنظرية تقول إن الفلسطيني الجيد، هو الفلسطيني الميت.

صورة المهاجر الأشبه بالوباء

تبرز أيضاً ممارسات الحضارة الإنسانية المؤدية إلى فناء النوع في ما يتعلق بمسألة الهجرة. صحيح، أن الكثير من التشريعات الدولية تكفل حقوق المهاجرين بسبب الحروب أو الظروف القاهرة الأخرى، إلا أن سلوكيات الكثير من المجتمعات تجاه المهاجرين، يمكن عدها في إطار الممارسات التي تؤثر في استمرارية النوع البشري. لقد غرق مئات آلاف المهاجرين في البحر، ونفق منهم كثيرون وهم يجتازون الحدود الطبيعية أو الحواجز الاصطناعية التي صنعها البشر أنفسهم. وجرمت بعض الدول الأوروبية المنظمات الإنسانية العاملة في البحر لإنقاذ المهاجرين من الموت غرقاً، ووضعت القوانين التي تعتبر هذه الأفعال الإنسانية بمثابة جرائم يحاكم عليها القانون بالعقوبات.

إنقاذ إنسان آخر يفرض العقوبة على المتعاطف. ومن ثم كرست الكثير من المجتمعات المستقبلة صورة نمطية عن اللاجئين والمهاجرين تجعلهم غزاة، مجرمين، أكثر جهلاً وأكثر عرضةً للأوبئة والأمراض، باختصار سعت إلى اعتبارهم كنموذج إنساني أدنى. 

النقد الذاتي أمل الإنسانية الأساسي

هكذا نرى أن بعض المعتقدات الإنسانية تسبب أضراراً في فناء النوع البشري أكثر مما تسببه الأمراض والأوبئة والكوارث. لذلك فإن سؤال اختفاء الكائن البشري هو سؤال أخلاقي بالدرجة الأولى، وإن النظر إلى التاريخ يبرهن أن مقدار الخسارة نتيجة النظريات العرقية، الاستعلائية، والشوفينية والتي تمظهرت بممارسات مثل العنصرية، العبودية، التعذيب، والحروب العرقية والدينية الساعية إلى إلغاء الآخر وإفناءه، هي المصدر الأول لخسارة النوع الإنساني. لكن السؤال الأساسي هنا: هل هناك خلاص من هذه الممارسات الإنسانية المؤدية إلى إفناء النوع؟

ليس لأحد القدرة على الإجابة عن هذا التساؤل، لكن لا شك في أن على الإنسانية إيجاد حلولها لهذه الممارسات. علينا أولاً التفكير في أن المشكلة موجودة، وهي إفناء النوع البشري من ممارسات الإنسان نفسه، وهكذا تصبح صياغة السؤال بأسلوب صحيح عامل مساعد للوصول إلى حلول. ربما يجيب البعض بأن الحل هو بالحب، بالصداقة، بالقيم الأخلاقية. وكما أن تاريخ الإنسانية يعج بممارسات إفناء النوع، إلا أن سعي الإنسانية لم يتوقف أيضاً للحيلولة دون بقاء هذه الممارسات، وفي السعي إلى إيقاف هذه الجرائم. إن المراهنة هي على أخلاق الناس الأحياء، يكتب ساندرز: “إن أي استجابة ستستند إلى إيمان عميق بالناس الحقيقيين الأحياء. لا يمكننا إيجاد الحلول لمشكلاتنا الكبيرة المعاصرة كالحرب، والإرهاب، وارتفاع حرارة الأرض، من دون المشاركة أولاً في المشروع الأساس، وهو استعادة الإنسان”.

إن الأمل الأساسي المتعلق بالخلاص من هذه الممارسات الإنسانية التي تفني النوع البشري هو قابلية الحضارة الإنسانية للنقد الذاتي، والرغبة في الاندفاع نحو التجديد. إن النقد الذاتي هو الميزة الأساسية التي تعطينا أمل باستمرار الحضارة الإنسانية. وهكذا، يبدأ فناء النوع البشري أو بقاؤه انطلاقاً من مجموعة آرائنا السياسية، وقيمنا الاجتماعية، وممارساتنا الثقافية والإبداعية، يكتب بيري ساندرز: “علينا توسيع الوحدة التي تجمعنا مع الآخرين”.

درج

———————

بانتظار إيجاد لقاح وعلاج دائم لكورونا: أوروبا تبدأ الخروج من العزل اليوم

جنيف: يستعد الأوروبيون الاثنين لبدء تنفيذ أولى خطوات الخروج من العزل، إذ إلى جانب فتح سويسرا لأبواب متاجرها، يعود رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى ممارسة عمله، لكن المعركة مع فيروس كورونا المستجد لم تنتهِ بانتظار إيجاد لقاح أو علاج ملائم.

حتى الآن، تخطت الوفيات الناجمة من الفيروس 200 ألف، وعدد المصابين به ثلاثة ملايين حول العالم، لكن تفشي الوباء ووفياته بدآ بالاستقرار في الدول الأوروبية الأربع الأكثر تضرراً منه. وسجلت تلك الدول الأحد انخفاضاً ملحوظاً بعدد الوفيات اليومية، فقد سجلت إسبانيا 288 وفاة، وإيطاليا 260 وفاةً، وفرنسا 242 وفاة، بينما توفي 413 شخصاً في مستشفيات المملكة المتحدة وهي الحصيلة الأدنى منذ أواخر مارس.

أما الولايات المتحدة، وهي البلد الأكثر تضرراً في العالم من الوباء على مستوى الإصابات والوفيات، فقد سجلت مساء الأحد 1330 وفاة إضافية خلال 24 ساعة.

الحلاقون في سويسرا

باتت بإمكان السويسريين زيارة مصففي الشعر مع فتح بعض المتاجر الاثنين.

وبشرط احترام التدابير الصحية، سمح للحلاقين والمعالجين الفيزيائيين والأطباء وصالات التدليك ومحال الزهور ومعدات الحدائق، وكذلك دور الحضانة، باستئناف أنشطتها في سويسرا.

وفي إسبانيا، سمح للأطفال اعتباراً من الأحد الخروج من بيوتهم بعد ستة أسابيع من الحجر واللعب في الخارج، لكن وسط قيود تفرض عدم التقارب. في لندن، يعود بوريس جونسون الذي أصيب بالفيروس، إلى العمل الاثنين، في خطوة ينتظرها البريطانيون بشدة، لمعرفة مشاريع رئيس وزرائهم بشأن دعم الاقتصاد والخروج من العزل.

تقدم الحكومة الإسبانية بدروها الثلاثاء خطتها لتخفيف تدابير العزل الذي مدد حتى 9 مايو، يتوقع أن يبدأ تنفيذها في منتصف مايو.

ويفترض أن تعلن إيطاليا أيضاً في مطلع الأسبوع عن الإجراءات التي تخطط لاتخاذها اعتباراً من 4 مايو. لكن المدارس في هذا البلد تبقى مغلقة حتى سبتمبر.

تنوي الحكومة الإيطالية أيضاً اعتباراً من 4 مايو البدء بحملة فحوصات مصل الدم، تشمل 150 ألف شخص على الصعيد الوطني، رغم أن منظمة الصحة العالمية بددت آمال من يعتمدون على تمتع المصابين السابقين بفيروس كورونا المستجد بمناعة تقيهم الإصابة مجدداً، ما قد يسهل عمليات الخروج من العزل عبر إصدار “شهادات مناعية”.

لا مؤتمر صحافيا لترمب

لم يعقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأحد مؤتمره الصحافي اليومي بشأن الفيروس، بعدما أثار السخرية بتوصياته حقن المعقمات في أجساد المرضى، التي قال لاحقاً إنها جاءت في إطار المزاح.

اكتفى ترمب بانتقاد وسائل الإعلام عبر تويتر، مؤكداً أن الشائعات حول إقالة وزير الصحة أليكس أزار ليست سوى “أخبار كاذبة”. وأضاف “تجهد وسائل الإعلام على خلق انطباع بالفوضى”.

وتستعد الولايات المتحدة أيضاً لاستئناف بعض الأنشطة الاقتصادية، كما في ولاية نيويورك، حيث يمكن لبعض الأنشطة التصنيعية وأعمال البناء أن تبدأ بعد 15 مايو. ويحاول العاملون في “شاحنات الطعام” في البلاد البحث عن الزبائن المحجورين ليتمكنوا من الاستمرار.

تقول إليز بلايك أستاذة الموسيقى البالغة من العمر 37 عاماً “نحب أن نطبخ، لكننا نشتاق إلى تعددية المطاعم في المدينة، لذا نخاطر قليلاً”، وذلك فيما كانت تستعد لاستلام طلبيتها من “ديرتي ساوث ديلي”، شاحنة طعام حطت في بروكلاند في شمال شرق العاصمة الأميركية.

ورأى شريكها ديفيد موراي الموسيقي بدوره، أن شراء الطعام من الشاحنات وسيلة لدعم “الشركات الصغيرة” ومساعدتها على تخطي الأزمة.

في أنحاء أخرى من العالم، تبدو العودة إلى الحياة الطبيعية بعيدة. ففي البيرو، أعرب الرئيس مارتن فيزكارا عن استيائه من تشكل الطوابير الطويلة دون احترام تدابير التباعد الاجتماعي فقط من أجل شراء الجعة.

وقال في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي “بدا كأننا في يوم سبت احتفالي”، مضيفاً “لم ندرك بعد فعلاً حجم المشكلة”. ويفترض أن يستمر الحجر الصحي في البيرو، التي تسجل 728 وفاة، حتى العاشر من مايو، مع حظر تجول ليلي وإغلاق للحدود.

في البرازيل، أطلق الزعيم القبلي راؤوني، الذي يعد رمزاً في مكافحة إزالة الغابات في الأمازون، نداء لطلب مساعدات بهدف دعم السكان الأصليين العرضة للتضرر بشكل خاص من الفيروسات والأوبئة مثل كوفيد-19.

رمضان في الحجر

يدخل العالم الإسلامي يومه الرابع من الصوم الاثنين، من دون السماح بالصلوات الجماعية، أو مشاركة الإفطار، فالمساجد أغلقت أبوابها، والتجمعات العائلية محظورة.

لكن يخشى أن يؤدي خرق تلك التدابير إلى قفزة في تفشي الفيروس من جديد، لا سيما في باكستان، حيث تجمع المصلون في المساجد متجاهلين التوصيات الصحية.

خففت السعودية من جهتها جزئياً من حظر التجوال العام، باستثناء مكة المكرمة. في لبنان، تجاهل متظاهرون حظر التجول، وجالوا الطرقات مساء الأحد تنديداً بتدهور الوضع الاقتصادي.

—————————-

 منظمة الصحة العالمية تحذر من التعجل بإصدار “جوازات مناعية

منظمة الصحة العالمية الحكومات من إصدار ما يُعرف بـ”جوازات السفر المناعية” أو “شهادات خلوّ من الخطر”، وذلك في سياق تخفيف إجراءات الإغلاق المتخذة لحصر انتشار فيروس كورونا المستجد.

وقالت المنظّمة إنّه “لا دليل” حتى الآن على أنّ الأشخاص الذين طوّروا أجساما مضادة، بعد التعافي من الفيروس، لن يصابوا بالعدوى مرة أخرى.

وحذّرت المنظمة من أنّ إجراءات من قبيل إصدار تلك الجوازات أو الشهادات قد تزيد من احتمال انتقال الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19.

فمن المرجّح أن يتوّقف بعض المتعافين، الذين يفترضون أنّ مناعتهم قادرة على مواجهة المرض، عن اتباع إجراءات الوقاية، بحسب المنظّمة.

وتبحث بعض الحكومات إمكانية السماح للمتعافين من المرض بالسفر أو العودة إلى العمل.

ولقد أدت القيود المفروضة على الحركة، لكبح تفشّي الوباء، إلى حالات من الشلل الاقتصادي في شتى أنحاء العالم.

وحتى الآن، هناك 2.8 مليون حالة إصابة مؤكّدة بفيروس كورونا الذي أودى بحياة نحو 200 ألف شخص حول العالم.

———————————

الوحش والخوف والقرارات الصعبة/ غسان شربل

في زمن «كورونا» الخوف هو المواطن الأول. الخوف على سلامتك وعلى سلامة القريبين منك والبعيدين أيضاً. الخوف من قاتل متسلسل لا يزال متكئاً على غموضه لتوسيع دائرة ضحاياه. خوف الدول على أمنها وموقعها بعدما اقتحم الزائر الوقح ثكنات الجيوش وسطوح الأساطيل وغرف المدمرات. الجيوش التي تخيف عادة وقعت هذه المرة في الخوف. ألغت مناورات وأوقفت تدريبات وأغلقت معاهد.

الخوف هو المواطن الأول. خافت الحكومات من انتشار الوباء كالنار في الهشيم فأمرت بالإغلاق والتباعد مقدمة سلامة الناس على كل ما عداها. ومع مرور الوقت راح الخبراء يحصون حجم الخسائر وتصدع الاقتصادات والشركات المهددة بالإفلاس والملايين المدفوعة إلى البطالة. راحت الحكومات تقلب الخيارات خائفة: في استمرار الإغلاق مغامرة بمصير الاقتصاد وفي فتح الاقتصاد مغامرة خصوصاً إذا هبَّت موجة ثانية من الوباء. إنه عالم الخوف والقرارات الصعبة.

الخوف حاضر أيضاً في التصورات المتداولة لعالم ما بعد «كورونا». ماذا عن التنافس الأميركي – الصيني؟ وماذا عن توزيع المقاعد في نادي الأقوياء في ضوء الأضرار التي ألحقها الوباء باقتصاد الدول المتنافسة؟ وماذا عن سلاسل التوريد وشرايين العولمة ودعوات الانغلاق والأصوات الشعبوية؟ الخوف الحاضر في الملفات الكبرى حاضر أيضاً في اليوميات.

إنها الثامنة مساء. الموعد الأسبوعي لتوجيه مشاعر التحية والتضامن إلى العاملين في القطاع الصحي. خرجت إلى مدخل المنزل فرأيت الجيران الذين تواروا منذ أسابيع يطلون تباعاً. حرص بعضهم على إشراك الأولاد لغرس روح التضامن في سلوكهم. وفي اللحظة المحددة ارتفع صوت التصفيق في الحي الهادئ، وارتأى البعض إشراك الطناجر لعلها تعطي زخماً لا توفره الأيدي.

وكانت الإطلالة فرصة لتبادل التحيات خصوصاً أن التجاور في مدينة مثل لندن لا يلزم المتجاورين عادة بالتعارف وتبادل الزيارات وبناء الحد الأدنى من العلاقات. وخالجني شعور أن الرغبة في تبادل التحيات وتكرارها إنما يرمي إلى الإيحاء بأننا نبحر معاً في القارب نفسه. والحقيقة هي أن الحي قبل الجائحة مجموعة جزر يتبادل أهلها تحيات المجاملة إذا التقت نظراتهم صدفة ومن دون بذل أي جهد للذهاب أبعد من ذلك. هذه المرة عبرت بعض النظرات عن الرغبة في التقدم خطوة إضافية في اتجاه الآخر رغم تعليمات التباعد.

ربما هي من ثمار أسابيع الحجر وما حملته من مشاعر الخوف بعدما تحول كل ساكن في كوكب الأرض خبيراً في شؤون «كورونا»، ومن دون وجود معلومات صلبة يمكن الركون إليها باستثناء التصاعد الوحشي لعدد ضحاياه. اختار جاري فتح حوار مختصر. قال إن العالم بأسره مدين للأطباء والممرضات والممرضين الذين ألقوا بأنفسهم في معركة بالغة الصعوبة. شدَّد على وجوب إعادة النظر في لائحة الأبطال التي تضم أساساً جنوداً استشهدوا على أرض الوطن أو خارجها. لاحظ أن الأطباء والممرضين الذين سقطوا في المعركة الحالية يجب أن يتقدموا على كل أنواع الأبطال، لأنهم لم يغامروا بأرواحهم من أجل إمبراطورية أو دولة أو آيديولوجية أو عرق، بل من أجل إنقاذ روح بشرية من دون التوقف أمام جنسية صاحبها أو دينه أو لون بشرته.

تذكرت قول بريطاني مُسن إن الجائحة الحالية هي حرب عالمية وأقسى من هذه التسمية. حرب عالمية لأن مسرحها متعدد القارات وأصاب من الدول أكثر مما استهدفت الحروب العالمية السابقة. وهي أقسى لأنه كان في استطاعة البريطاني مثلا الاختباء من القصف الألماني للندن بالاحتماء في مكان محصن أو طبقة أرضية. أما في هذه الحرب فلا الملاجئ تفيد ولا الهروب إلى الريف أو الجزر. والقاسم المشترك بين التصفيق وتعديل لائحة الأبطال وتسمية الحرب العالمية هو هذا الشعور العميق بالخوف أمام تجربة جديدة كلياً ومخيفة على نحو غير مسبوق.

دفعني الفضول إلى سؤال طبيب يشارك الآن في معركة «كورونا» رغم أن اختصاصه أصلاً ليس في هذا الميدان بالتحديد. سألته عن مناخات المستشفيات فقال: «لم نشاهد مثل هذا المناخ من قبل. طلبت المستشفى أن نشارك، وراودتني لوهلة رغبة في الاعتذار والابتعاد. خفت أن يلازمني شعور بالخيانة تجاه قسمي ومهنتي فانخرطت». وأضاف: «شيء رهيب وأكثر من رهيب. لقد طُلب من الأطباء وعناصر الجسم الطبي محاربة وحش مجهول لا يعرفون نقاط ضعفه، ولا يمتلكون الأسلحة الضرورية لمواجهة نقاط قوته. للوهلة الأولى بدت الحرب قاسية ويائسة لكن كان لا بد من خوضها. لا أبالغ إن قلت إن المستشفيات كانت في عهدة الذعر الكامل. خوف الأطباء على مرضاهم وخوفهم على سلامتهم الشخصية. أي إهمال يمكن أن يتحول قاتلاً. ثم انك تخوض معركة كبرى بلا دواء أو عقار، وعليك الاستمرار في محاربة القاتل الغامض بانتظار أن يطل خبر مفرح. وفي انتظاره سيموت كثيرون وسينجو كثيرون».

لاحظ أن معظم المستشفيات الأوروبية لم تكن مهيأة للانخراط سريعاً في مواجهة بهذه الحدة والاتساع، خصوصاً أن سياسات التقشف أو خفض الإنفاق في عدد من الدول قلّصت الإمكانات أو عدد الأسرة. دعا إلى عدم الوقوع في استنتاجات متسرعة من نوع أن الأنظمة الشمولية هي الأفضل لمواجهة الكوارث لأنها تستطيع اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة من دون استشارة أحد. ولفت إلى أن أفضل أنواع المواجهة حصلت في ظل ديمقراطيات مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان.

خيط الخوف حاضر بقوة في يوميات المواطن وكذلك على طاولات الحكومات. حاضر في الحي وحاضر على الشاشات وفي المقالات. لن يتراجع الخوف قبل أن تعلن المختبرات أنها فضحت أسرار الوباء وأعدت سلاح تفاديه والقضاء عليه. ودائماً يحتاج العالم لتبديد مخاوفه إلى حكومات رشيدة قادرة على اتخاذ قرارات صعبة. حكومات تستخلص العبر وتعد مؤسساتها لمواجهة الكوارث المقبلة سواء كانت أوبئة أو تغيرات مناخية تتعلق بالاحتباس الحراري أو انخفاض المحاصيل وانتشار الجوع.

الشرق الأوسط

————————

«كورونا» يعيد رسم ملامح العالم/ سايمون تيسدال

طرح تأثير وباء فيروس «كورونا»، سؤالاً جوهرياً، مفاده «هل نعيش واحدةً من تلك اللحظات التاريخية التي تشهد على التغير الدائم للعالم، حيث ميزان القوى السياسي والاقتصادي، يتبدّل بشكل حاسم، وحيث الحياة في بعض الدول، وبالنسبة للعديد من الناس، لن تعود على ما كانت عليه مطلقاً؟».

بأسلوب أبسط، يمكن التساؤل عما إذا كانت هذه نهاية العالم على النحو الذي نعرفه؟ وفي سياق موازٍ، هل تسطّر الأزمة الحالية بدايةً جديدة؟.

إن اللحظات العالمية المحورية الحقيقية، والأحداث المفصلية والتحولات الكبرى نادرة الحدوث في الواقع. لكن إذا كانت فرضية استحالة العودة إلى زمن ما قبل «كوفيد 19» صحيحةً، فإنها تطرح العديد من الأسئلة المثيرة للقلق حيال طبيعة التغيير، وما إذا كانت ستؤول للأفضل أو للأسوأ.

رأساً على عقب، وبطرق ما كان يمكن تصورها، انقلبت الحياة بمفهومها العادي، لعدد لا يحصى من الأفراد والعائلات. لكن كيف يمكن للوباء أن يترك تأثيراً في مستقبل سلوكيات الدول والحكومات والقادة، وعلاقاتها غير المتزنة غالباً؟ فهل ستعمل بشكل وثيق أكثر معاً، أم أن الصدمة الحالية ستزيد من تعميق الانقسامات؟.

يرى بعض المحللين مجالاً للتفاؤل هنا، لا سيما في التأثيرات البيئية المفيدة للصين في شمالي إيطاليا، على سبيل المثال. أما في الفلبين، فقد حفّزت الأزمة على وقف القتال مع المتمرّدين الشيوعيين، وسُطرت العديد من حالات الاتكال المتبادل، وأهمية الإجراءات الجماعية متعددة الأطراف.

وبرزت بالمقابل، وجهة نظر أكثر تشاؤماً، متمثلةً برأي ستيفن والت، البروفسور في مجال العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، الذي كتب في مجلة «فورين بوليسي»: «ستعمل هذه الأزمة على تقوية عود الدولة، وتعزيز القومية. ستتبنى الحكومات من كافة الأشكال، إجراءات الطوارئ لإدارة الأزمة، وستكره التخلي عن القوة التي باتت تتحلى بها بعد انتهاء الأزمة.

وسيعمل (كوفيد 19)، على تسريع وتيرة انتقال كفة القوة من الغرب إلى الشرق، حيث إن الاستجابة في كل من أوروبا وأمريكا، جاءت متأخرة وعشوائية، بالمقارنة مع الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وأتت لتشوه أكثر هالة الغرب.

سوف نشهد تراجعاً في العولمة الكبرى، فيما يسعى المواطنون إلى حكوماتهم الوطنية لحمايتهم، وتجهد الدول والشركات لتقليص الثغرات المستقبلية. باختصار، سيخلق الفيروس عالماً أقل انفتاحاً وازدهاراً وحريةً».

وفي ما يتعلق بميزان القوى، تشير ميرا راب هوبر من المجلس الأعلى الأمريكي للعلاقات الخارجية، إلى أن أزمة الحوكمة المحلية والعالمية تلك، يمكن أن تغير طبيعة النظام العالمي بطرق متعددة. وإذا ظلت أمريكا غائبة عن المشهد، دون أي عذر شرعي، فقد تستغل الصين الأزمة، كفرصة لإرساء قواعد جديدة، بما يتناسب مع رؤيتها الخاصة للحوكمة العالمية.

وبكل الأحوال، يشكل هذا الوباء تذكيراً قوياً بأمرين، يقول ديفيد ميلليباند رئيس لجنة الإنقاذ الدولية: «التحديات المشتركة لهذه القرية العالمية، وانعدام المساواة الكبير، يفرض علينا المحاربة بشراسة لمواجهته. ففيروس «كورونا» ليس مشكلة الدول الغنية وحسب».

في حين يسود القلق من أن يعمق الوباء الانقسامات بين الدول، كأن يعزز المشاعر المناهضة للمهاجرين، على سبيل المثال، توجد فرصة جوهرية بأن يعزز التعاون الدولي، ودعم الأمم المتحدة، والاستعداد لمتابعة الحوار، بدلاً من اللجوء إلى المواجهات العسكرية والاقتصادية. ليس بالضرورة أن يكون المستقبل عبارة عن حرب موهنة بين الصين وأمريكا على مبدأ التفوق.

وتحذر إليزابيث برو من مؤسسة الخدمات المتحدة الأمريكية، من لحظة الثغرة الجيوسياسية القصوى، وتقول: «يشكل فيروس «كورونا»، الفرصة الأمثل لخصوم الغرب، لمراقبة كيفية تأقلم الدول أو عدم تأقلمها مع الأزمات الرئيسة».

وأشار جون إيكنبيري بروفسور العلاقات الدولية في جامعة برينستون، بالمقابل، إلى مخاوف أقل، بتحدثه عن فترة التعافي بقيادة الولايات المتحدة، عقب الكساد الكبير… وربما تمادي خصومة القوى العظمى في عالمٍ منكسر مخرّب، أكثر فقراً، هو ما ينتظرنا في المستقبل، كما يقول إيكنبيري.

لكنه يشير بالمقابل، إلى أنه يمكن، وعلى نحوٍ موازٍ، أن «تخرج الديمقراطيات على المدى البعيد من تقوقعها، لتجد نوعاً آخر من النزعة الدولية الحمائية البرغماتية».

أي بكلام آخر، قد تولد البدايات الجديدة من رحم الكابوس.

———————————-

هل رجحت كفة بكين في المواجهة الإعلامية مع واشنطن؟

قرار أميركا طرد صحافيين أدى إلى تعتيم «مبرَّر» في الصين

واشنطن: إيلي يوسف

يجادل الكثيرون اليوم فيما إذا كان قرار الولايات المتحدة في 2 مارس (آذار) الماضي، طرد نحو 60 موظفاً من خمس وسائل إعلام صينية رسمية من البلاد، قد أسهم في تمكين الصين من فرض تعتيم أكبر على دورها في تفشي وباء «كورونا المستجد»، عبر طردها ممثلي 3 وسائل إعلامية أميركية كبرى والتضييق على شبكات تلفزة في 17 من الشهر نفسه، للرد بالمثل.

غير أن الأمر يطرح أسئلة قد تكون أوسع مدى من مجرد البحث عن أسباب «المواجهة الإعلامية»، ومحاولة كل من الولايات المتحدة والصين إلقاء اللوم على الأخرى، في ظل المواجهة التي يخوضها البلدان على أكثر من صعيد.

كما يطرح أسئلة أكبر عن أهمية دور وسائل الإعلام المستقلة وحرية الوصول إلى المعلومات في ظل الأزمات الكبرى التي يمكن أن يشهدها العالم من الآن فصاعداً، ومواجهة تبعات «الرواية الأخرى» عما جرى، إذا كان الأمر يتعلق فقط بمحاولة الدفاع عن عدم وجود «خطأ بشري».

انضمام دول كبرى إلى مطالبة السلطات الصينية بتقديم «تفسيرات مقنعة» أكثر عمّا جرى في ووهان، يُظهر مدى جسامة الخسارة التي يمكن أن تصيب الصين بسبب إبعادها مصادر المعلومات المستقلة عن العمل، في ظل ظروفها الأكثر تشدداً في التعامل مع حرية الرأي والصحافة.

هل إبعاد الصين مراسلي صحف «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، ساعدها في ضمان عدم تحملها مسؤولية انتشار الفيروس المميت، أم أن إبعادهم سيسهم في تعزيز الحملة التي تقودها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لسرد «قصتها الخاصة» المعقولة، لكن غير المؤكدة حتى الآن من أن الوباء انتشر بعد حادث في مختبر في مدينة ووهان؟

البعض يتحدث عن أجواء تشبه ما جرى ويجري عادةً قبيل أحداث كبرى تستعد لها واشنطن، عبر حشد أكبر حملة دعم سياسية وإعلامية، كما جرى قبل التدخل في أفغانستان وغزو العراق.

تؤكد واشنطن أن خطوة إبعاد الصحافيين الصينيين المخطط لها منذ مدة طويلة، أتت في سياق معلومات استخبارية لمكافحة التجسس، كما صرح بذلك وزير الخارجية مايك بومبيو. والرئيس ترمب يريد إعادة التوازن للعلاقة بين البلدين، عبر تصحيح أحد أوجه الاختلالات فيها، حيث إن الصحافيين الصينيين يعملون بحرية ويحصلون على تأشيرات بسهولة أكبر من نظرائهم الأميركيين في الصين. وعلى هذا الأساس قررت واشنطن عام 2019 إجبار موظفي وسائل الإعلام الحكومية الأجنبية على التسجيل كوكلاء أجانب، وهو تدبير شمل العديد من المؤسسات التابعة لقطر وروسيا وحتى بعض البلدان الأوروبية.

لكنّ هناك من يقول إن إدارة ترمب لديها هدف أوسع يتمثل في تعزيز موقف الولايات المتحدة ضد الصين على مختلف الجبهات، والتخلي عن النظرية المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، التي كانت تقوم على أن اعتماد الصين نموذج السوق المفتوحة والانخراط مع الغرب، سيؤدي في النهاية إلى تبنيها القيم الديمقراطية.

وعندما اقترح بومبيو تطبيق الأمر على الصين وطرد موظفي الإعلام الصينيين في بداية مارس الماضي، لم يكن فيروس «كورونا» قد أخذ بعداً وبائياً، على الأقل ليس بعد في الولايات المتحدة.

لكنّ تقارير إعلامية كثيرة كانت قد بدأت تتحدث عما يجري في مدينة ووهان الصينية وتنقل معاناة سكانها مع تفشي الوباء، وتُجري مقابلات «غير مراقبة» مع أطباء وناشطين صينيين، مات بعضهم واختفى العديد منهم في وقت لاحق، في ظروف لم تقدم السلطات الصينية تفسيرات واضحة عنها حتى اللحظة، ناهيك بـ«تبخر» التصريحات والصور التي كانت تنقل ما يجري في الصين.

كما فرضت الصين في الآونة الأخيرة قيوداً على نشر البحوث الأكاديمية حول أصول فيروس «كورونا المستجد»، حسب توجيهات الحكومة، في خطوة أثارت بدورها تساؤلات عدة.

أعطت الخطوة الأميركية الصين عذراً مثالياً لطرد مراسلي «وول ستريت» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، قائلة إنه أتى رداً مماثلاً ومتناسباً على طرد صحافييها. واشنطن عبّرت عن نفسها، لكن الأميركيين والعالم خسروا إمكانية الوصول إلى معلومات نادرة في دولة يزداد انغلاقها شيئاً فشيئاً.

تاريخياً كان تعامل الصين مع الصحافة الأجنبية محكوماً بقيود حديدية. وسياسة طرد المراسلين الأجانب لم يتم تخفيفها إلّا في أواخر السبعينات، مع تبني الصين نموذج الأسواق المفتوحة في محاولة منها لإطلاق أكبر ثورة لتجديد البلاد صناعياً.

تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن ذروة انفتاح الصين بلغ أوجه خلال الاستعداد لأولمبياد 2008، قبلها كانت بكين تطمح للحصول على شرف تنظيم تلك التظاهرة الرياضية، ما كان يضطرها لتقديم صورة منفتحة على العالم، مع كل الضوابط المطلوبة.

لكن ومنذ تسلم الزعيم الصيني الحالي شي جينبينغ للسلطة، تصاعد تشدد الصين في محاولة لإعادة تجديد سيطرة الحزب الشيوعي على البلاد، في مرحلة، ترى القيادة الصينية أنها الأكثر ملاءمة لفرض نفسها لاعباً دولياً كبيراً تستعد معها لتحل مكان الولايات المتحدة التي يتراجع دورها القيادي الدولي.

في عام 2013 وفي أعقاب نشر مجلة «تايمز» تقريراً عن وكالة «بلومبرغ» يتحدث عن الفساد بين نخبة من رجال الحزب الشيوعي وبعص رجال الأعمال الصينيين، قامت بكين بعدم تجديد تأشيرات العمل لصحافيي الوكالة.

تضيف الصحيفة أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ناقشت طرد مسؤولين إعلاميين صينيين، لكنها ألغت ذلك بعدما تمكن نائبه جو بايدن من إقناع الصينيين بتجديد تأشيرات الصحافيين الأميركيين.

اليوم ومع طرد الصحافيين الأميركيين لا تبدو خيارات إدارة ترمب كبيرة للرد على الصين. فبكين لا تستفيد فقط من حرية العمل والتعبير في الولايات المتحدة، بل تستخدم منصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، للترويج لحملاتها الإعلامية وتسويق إنجازاتها العلمية وخطة سيطرتها العالمية الناعمة، فيما تلك المنصات محظورة فيها.

يقول ماركوس براوتشلي، وهو محرر ومراسل سابق لـ«وول ستريت جورنال» في الصين، إن إدارة ترمب لم تحقق الكثير بالفعل جراء طرد المراسلين الصينيين في توقيت خاطئ، لا بل يشكك في أن يكون لديها مصادر على الأرض أفضل من الصحافيين المطرودين.

ورغم أن البعض لا يرى إدارة ترمب مثالية في تعاملها مع الإعلام قياساً للإدارات السابقة فإنها بلا أدنى شك أفضل بما لا يقاس من تعامل الصين أو روسيا أو تركيا أو إيران مع الإعلام.

فالصحافة كانت ولا تزال صوتاً ضرورياً في كشف الأزمات الكبرى (خصوصاً مع دورها في حض الناس على البقاء في منازلهم لوقف انتشار وباء «كورونا») التي تلعب الكلمة فيها أحياناً كثيرة دوراً قد يسهم في التخفيف من وطأتها ونتائجها الكارثية.

———————————–

فورين أفيرز: حانت لحظة المساءلة حول فيروس كورونا

تتعرض الاستجابة العالمية لجائحة “كورونا” للعرقلة الآن بسبب أزمة في الأولويات، فالولايات المتحدة وأستراليا تريدان المساءلة والحساب الآن، فيما يخص نشأة الفيروس ومحاولات الصين الأولية للتستر على تفشي المرض، والتعامل المثير للجدل لمنظمة الصحة العالمية إزاء الوباء.

قرر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” حجب التمويل عن منظمة الصحة العالمية التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد، بانتظار مراجعة سلوك المنظمة التابعة للأمم المتحدة خلال الأزمة.

وهذا الأسبوع، عرقلت إدارة “ترامب” التزامًا مشتركًا من قبل مجموعة العشرين لتعزيز تفويض منظمة الصحة العالمية ودعمها بموارد إضافية لتنسيق المعركة الدولية ضد المرض.

خلاف حول وقت المساءلة

أما الصين والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية فيفضلون المساءلة لاحقًا.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” في بيان يوم 14 أبريل/نيسان: “بمجرد أن نقلب صفحة هذا الوباء، سيكون هناك وقت للنظر إلى الوراء لفهم كيف ظهر هذا المرض ونشر دماره بسرعة كبيرة في جميع أنحاء العالم، وكيف كان رد فعل جميع المعنيين بالأزمة”.

رددت وزارة الخارجية الصينية هذا الكلام بعد بضعة أيام، حيث غردت بأن “الدول التي تواجه جائحة يجب أن تساعد بعضها البعض في التضامن والتنسيق بدلاً من توجيه أصابع الاتهام أو محاسبة أي طرف”

رحب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم غيبريسوس” بمراجعة أداء المنظمة “في الوقت المناسب” لكنه شدد على أن التركيز الآن يجب أن يكون على البقاء متوحدين وإنقاذ الأرواح ووقف “كوفيد-19”.

تأخير التحقيق خاطئ

يجب أن يكون وقف الجائحة التي تجتاح معظم العالم على رأس أولويات الجميع، ولكن تأخير مراجعة مستقلة للاستجابات الوطنية والدولية لن يبطئ انتشار المرض.

إن تأخير بدء مثل هذا التحقيق سيحرم فقط منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء فيها من ردود الفعل القيمة التي يمكن أن تساعدهم على تحسين استجاباتهم وإنقاذ الأرواح.

سيؤدي التأخير أيضًا إلى إعاقة التعاون الدولي في مجموعة الدول السبع ومجموعة الدول العشرين والمؤسسات العالمية الأخرى التي يحتاج العالم لجهودها في تصنيع أدوية ولقاحات لـ”كورونا”، كما سيعيق رفع حظر التصدير، كما سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية للكمامات ومعدات الحماية الشخصية، وفي نهاية المطاف، سيعرقل نمو الاقتصاد العالمي مرة أخرى.

من دون مراجعة مستقلة ذات مصداقية، من المرجح أن تنظم الدول تحقيقاتها الخاصة بشكل منفرد، الأمر الذي قد يزيد من تسييس الجائحة ويزيد من التوترات الدولية.

قد يكون الهدف من هجوم “ترامب” على منظمة الصحة العالمية والصين هو صرف الانتباه عن استجابة إدارته الكارثية تجاه الجائحة، لكن الجمهوريين المعتدلين وحتى بعض الديمقراطيين رددوا بعض أوجه انتقاده.

كما وجد بعض قادة الدول أخطاء في الاستجابة الدولية لفيروس” كورونا” واستجابة منظمة الصحة العالمية على وجه الخصوص.

فقد استشهد نائب رئيس الوزراء الياباني “تارو أسو” بما وصفه بالعلاقة الحميمة المفرطة لمنظمة الصحة العالمية مع بكين، وأطلق عليها اسم “منظمة الصحة الصينية”.

يزعم منتقدون آخرون أن منظمة الصحة العالمية كانت شديدة الاحترام للصين في الأيام الأولى من تفشي المرض وفشلت في تنبيه العالم بالسرعة المطلوبة، وهذه المزاعم محل جدل، لكنها مستمرة.

انضمت أستراليا، على سبيل المثال، إلى الولايات المتحدة في الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل في أصل الفيروس وانتشاره، بما في ذلك ما فعلته منظمة الصحة العالمية لوقفه.

ومع ذلك، فقد كشف الوباء عن مشاكل تمتد إلى ما هو أبعد من الصين ومنظمة الصحة العالمية. أظهرت العديد من الدول، بما في ذلك البلدان ذات الدخل المرتفع، مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، افتقارًا مذهلاً في الاستعداد لانتشار مرض على نطاق “كوفيد-19”.

لا يمكن إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية في هذه الإخفاقات.

ساهم مستوى الاستعداد المتدني في القرارات السياسية والصحية العامة الضارة، بما في ذلك فرض حظر سفر مثير للجدل وقيود على الصادرات بسبب الإمدادات الطبية النادرة.

لقد تحول تركيز الدول الغنية إلى الداخل وقاتلت بعضها البعض من أجل الموارد، تاركة الدول الأكثر فقراً لتدبر أمرها. وبينما سيتسبب الوباء في خسائر فادحة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الأسابيع المقبلة، فإن أوجه القصور في أنظمة الصحة ستتضح بشكل كامل ومؤلم لاحقا.

التقييم أثبت فعاليته سابقًا

بدلاً من أن تسمح الدول والمنظمات الدولية للجائحة بتقسيمها، يتعين عليها أن تتحد لمواجهة الفيروس التاجي وإحياء الاقتصاد العالمي.

سيتطلب القيام بذلك استراتيجية سياسية تفي بالمتطلبات الملحة للصحة العامة لمكافحة الجائحة وتبدأ بالتقييم المطلوب للأزمة الحالية.

ينبغي أن تؤدي الاستراتيجية المتضافرة إلى إنهاء هذه الجائحة وإعداد العالم بشكل أفضل لمواجهة الوباء التالي، على مستوى الدول والمنظمات الدولية.

وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي للأمين العام للأمم المتحدة أن ينشئ -بدعم من المنظمات الإقليمية الرئيسية مثل الاتحاد الأفريقي ورابطة أمم جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي- مراجعة مؤقتة ومستقلة لاستجابة “كورونا”، ويجب أن يكون الهدف هو ترسيخ الحقائق للمساعدة في مكافحة هذا المرض والأمراض المستقبلية.

أثبتت التقييمات المرحلية فائدتها خلال الفاشيات السابقة.

فقد كان أداء منظمة الصحة العالمية في الأيام الأولى لتفشي فيروس إيبولا عام 2014 في غرب أفريقيا كارثياً، لكن الدول الأعضاء لم تتخلى عن المنظمة أو تلغي تمويلها؛ وخلصوا بشكل صائب إلى أن وظائف الطوارئ للمنظمة بحاجة إلى تقييم وإصلاح وتعزيز وليس إلى تقويض.

حتى مع استمرار تفشي فيروس إيبولا، تبنت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية قرارًا بإنشاء لجنة تقييم من الخبراء الخارجيين المستقلين.

حققت اللجنة في جميع جوانب استجابة منظمة الصحة العالمية للفاشية، بما في ذلك امتثال الدول الأعضاء للوائح الصحية الدولية، والمعاهدة التي تحكم الوقاية من الجائحة، والكشف عنها، والاستجابة لها.

أدى التقييم المؤقت الذي أجرته اللجنة لاستجابة فيروس إيبولا لإجراء إصلاح تنظيمي كبير في منظمة الصحة العالمية؛ فقد أنشأت المنظمة “برنامج الطوارئ الصحية”، مما عزز قدراتها العلمية والطبية والصحية العامة تحسبا لتفشي الأمراض المعدية الخطيرة.

وبسبب هذه الإصلاحات، أصبحت استجابة منظمة الصحة العالمية لـ”كورونا” أفضل مما كان يمكن أن تكون؛ وتقدم المنظمة حاليًا المشورة لوزارات الصحة من خلال مكاتبها في كل دولة كما تقوم بتزويد الدول ذات الدخل المنخفض بأدوات اختبار وأقنعة ومعدات الحماية الشخصية.

كما تقوم المنظمة، عند الحاجة، بإرسال أطباء وعلماء إلى الدول ذات النظم الصحية الضعيفة لمساعدتهم على السيطرة على الفيروس.

يمكن أن يساعد التقييم المؤقت لاستجابة جائحة “كوفيد-19” منظمة الصحة العالمية والحكومات الوطنية على إجراء تعديلات مهمة مباشرة.

أهمية استقلال التحقيق

ولكن لا ينبغي لمنظمة الصحة العالمية تنظيم المراجعة تعيق المخاوف بشأن استقلالية المنظمة وقدرتها على تقييم استجابات الدول، بما أنها منظمة تقودها الدول الأعضاء.

لهذا السبب، ينبغي أن يأذن الأمين العام للأمم المتحدة بإجراء مراجعة من قبل لجنة مستقلة رفيعة المستوى من الخبراء الخارجيين.

يجب أن تبدأ هذه اللجنة العمل في أقرب وقت ممكن حتى تؤدي الدروس وأفضل الممارسات التي تحددها إلى إرشاد العالم للاستجابة المثلى تجاه الفيروس التاجي.

وينبغي أن يعين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثًا خاصًا لـ”كوفيد-19″ لدعم عمل اللجنة مع المؤسسات والدول، كما يجب على المبعوث أن يقدم تقريراً إلى الأمين العام، وليس منظمة الصحة العالمية، خلال عمله مع الحكومات، وحله للمشاكل، وتقديمه للمعلومات والنصائح إلى اللجنة.

وأخيرًا، يجب على لجنة استشارية علمية رفيعة دعم الفريق بأوراق علمية منشورة حول المسائل الفنية.

وقد لا تكون عملية المراجعة المستقلة الموثوقة والمستندة إلى العلم كافية لإقناع جميع الحكومات وقادتها بإعطاء الأولوية لهزيمة الفيروس التاجي بسبب ميلهم لتسجيل نقاط سياسية.

لكن مثل هذه المراجعة يمكن أن تحسن الاستجابة للوباء الآن وفي المستقبل، كما يمكنها أن تجبر الدول التي تهاجم منظمة الصحة العالمية حاليًا على دعم خطابها بمقترحات إصلاحية ذات مصداقية.

وفي نهاية المطاف؛ لا يوجد وقت أنسب من الآن لبدء عمل عالمي منسق.

——————————-

مع تجاوز إصابات كورونا 3 ملايين.. تحذيرات من تخفيف الإغلاق المبكر والصين تنفي اتهامات أوروبية

نفت الصين اتهامها بالتضليل بشأن جائحة فيروس كورونا، وسط تحذيرات من التخفيف المبكر لإجراءات العزل والإغلاق، لا سيما في أوروبا التي تشهد استقرارا نسبيا في نسب الضحايا.

وتجاوز إجمالي الإصابات بفيروس كورونا في أرجاء العالم 3 ملايين إصابة، في حين بلغ عدد المتوفـين 207 آلاف، وتجاوزت حالات الشفاء عالميا 880 ألفا.

ووفق موقع “وورلد ميتر”، فإن عدد الإصابات بالفيروس حول العالم بلغ 3 ملايين و17 ألفا و776 إصابة.

وحلت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عالميا من حيث الإصابات بـ987 ألفا و322 حالة.

تلتها إسبانيا بـ236 ألفا و199، وإيطاليا بـ197 ألفا و675، وفرنسا بـ162 ألفا و100، وألمانيا بـ157 ألفا و770، وبريطانيا بـ152 آلاف و840، وتركيا بـ110 آلاف و130 إصابة.

أما بالنسبة للصين -التي انتشر منها الفيروس إلى العالم- فقد بلغ عدد الإصابات في برها الرئيسي 82 ألفا و830 حالة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية -على لسان المتحدث باسمها- إن الصين ضحية للمعلومات المغلوطة بشأن كورونا، وليست مصدرا لها.

وجاء ذلك ردا على تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي أفاد بوجود “أدلة كثيرة” على أن الصين تنشر معلومات مغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكانت رويترز قالت في تقرير -في وقت سابق- إن مسؤولين صينيين بارزين ضغطوا على الاتحاد الأوروبي لحذف الانتقادات الواردة في التقرير الأسبوع الماضي، قائلين إنها ستجعل بكين “غاضبة بشدة”.

وضمن آخر التطورات في الصين، أعلنت لجنة الصحة الوطنية في الصين أن مستشفيات مدينة ووهان -التي شهدت بداية تفشي فيروس كورونا- أصبحت خالية من أي إصابة بالفيروس.

وقال المتحدث باسم اللجنة إنه بحلول 26 من الشهر الحالي لم تسجل أي إصابات جديدة بالفيروس. وكانت ووهان سجلت 56% من حالات الإصابة بفيروس كورونا في عموم الصين.

وفي كبرى مدن الصين مثل شنغهاي وبكين، عاد عشرات آلاف الطلاب إلى المدارس، بعد أشهر من الإغلاق لوقف انتشار كورونا، كما تعود الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في أكبر مدن الصين.

 تحذيرات

ومع استعداد دول أوروبية -خاصة المتضررة، مثل إيطاليا وإسبانيا- لتخفيف القيود على الإغلاق، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تخفيف العزل العام الآن مخاطرة كبيرة.

وشبّه جونسون -في أول ظهور له بعد شفائه من كورونا- المرض بمجرم يصارعه البريطانيون للسيطرة عليه، مؤكدا أن هناك مؤشرات على تجاوز بلاده ذروة تفشي الفيروس، وإن بريطانيا بدأت تحويل المسار في معركة التصدي للفيروس.

من جانبه، حذر البروفيسور نيل فرغيسون (أحد المستشارين العلميين للحكومة البريطانية) من أن التخفيف المبكر لإجراءات الإغلاق من شأنه أن يتسبب في وفاة مئة ألف شخص بوباء كورونا.

وقال فيرغسون في تصريح صحفي لإحدى وسائل الإعلام البريطانية إن إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي أثمرت نتائج إيجابية حتى الآن، لكنه حذر من أن التخفيف منها مبكرا قد يؤدي إلى تضاعف عدد الوفيات خمس مرات مع نهاية العام الجاري.

وأضاف فيرغيسون أن حتى تخفيف الإجراءات على الفئات العمرية الصغيرة من المجتمع من شأنه أن يشكل مخاطر كبيرة، ويزيد تعاظم تفشي الوباء.

تخفيف القيود

وفي إطار تخفيف القيود، كشف رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي عن خطة لتخفيف إجراءات الإغلاق والحظر المفروضة منذ سبعة أسابيع في البلاد، مع الإبقاء على سياسة التباعد.

وتتضمن الخطة إعادة فتح المصانع وورش البناء والحدائق العامة بدءا من الرابع من الشهر المقبل، مع إبقاء المدارس مغلقة حتى سبتمبر/أيلول القادم، وسيُسمح للناس بالتنقل داخل مناطقهم فقط.

وفي النرويج، أعادت السلطات اليوم فتح المدارس الابتدائية، في خطوة جديدة ضمن رفع تدريجي للقيود في البلاد، كما تفعل العديد من الدول الأوروبية.

إحصاءات دول المنطقة

وضمن آخر الإحصاءات في دول المنطقة، أعلنت وزارة الصحة الكويتية تسجيل 213 إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع الإجمالي إلى 3288.

وفي البحرين، سجلت 61 إصابة بفيروس كورونا خلال 24 ساعة الماضية. في حين سجلت 50 إصابة جديدة بفيروس كورونا في المغرب، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 4115.

وفي سوريا، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا إن انعدام الأمن الغذائي في المجتمعات الفقيرة يشكل أحد أكبر المخاطر التي يمثلها انتشار فيروس كورونا في سوريا.

ودعا المكتب -في بيان لمنسقه المقيم في دمشق- كافة الدول لتلبية النداء الأممي بتوفير نحو ملياري دولار لدعم الدول الأكثر ضعفا في العالم، ومن بينها سوريا.

وفي إيران، أعلنت وزارة الصحة تسجيل 96 وفاة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع الإجمالي إلى 5806، مع 91 ألفا و472 إصابة، بعد تسجيل 991 إصابة جديدة.

في تركيا، انتهت عند منتصف ليلة أمس فترة حظر التجول، التي فرضتها وزارة الداخلية لأربعة أيام، في المحافظات 31 الكبرى، بما فيها إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصا.

وعادت حركة الناس إلى الشوارع بشكل تدريجي صباح اليوم، مع استمرار التدابير الحكومية الأخرى، مثل حفظ المسافة الآمنة بين الناس في الشوارع، وفرض ارتداء الكمامات في الأماكن والأسواق العامة، بالإضافة إلى استمرار حظر التجول على المواطنين المسنين والأطفال.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————————

دليلنا  للاستمتاع بشهر رمضان في ظل الحجر المنزلي

اتفق مع جيرانك على أن يجهز كل بيتٍ وجبة، وخصصوا مكانًا أمام البناية لوضع الطعام لعابري السبيل

إعداد آية عبد الرحمن

نستقبل شهر رمضان 2020 في ظروف استثنائية لم نتخيلها من قبل، وسط أزمة فيروس كورونا التي ألزمت العالم كله المنازل، وفرضت علينا مسافة اجتماعية واسعة تمنعنا من الخروج، ولقاء العائلة والأصدقاء، والتسكع في المطاعم والكافيهات والحدائق. نحن في وضعٍ صعب، البشرية كلها تواجه خطرًا عظيمًا لفيروس وصف بأنه “كابوس” لمرونته في الانتقال من شخصٍ لآخر، دون ظهور الأعراض على حامل العدوى، ما يسمح بانتشاره بشكل مخيف، بالتالي قد تتعامل ببراءة دون أن تتوقع من أين سيأتيك الخطر، ولمن ستنقله. من هنا تأتي أهمية العزل الصحي، الزحام شديد الخطورة في ظل تفشي وباء الكورونا، سواء كان زحام المسجد أو السوق أو عزومة عائلية.

لهذا دعونا ننبذ نظريات المؤامرة، ودعوات المتهورين الذي سيعرضون أنفسهم وأحبائهم للخطر، ولنتذكر أننا لسنا ممنوعين من إقامة الشعائر الرمضانية، والاستمتاع بطقوسه. بوسعنا فعل كل شيء ولكن بشكلٍ مختلف، والأهم: في مساحة أضيق. دعونا نخبركم بدليل VICE عربية للاستمتاع بشهر رمضان دون خرق الإجراءات الوقائية التي تحمي مجتمعنا كله.

غيّر الجو المحيط بك

سنستمتع برمضان بشكل مختلف هذا العام، لهذا قد يفيدك أن تصنع بعض الزينات المنزلية مع أفراد أسرتك، أو تعلق فانوسًا قديمًا في الصالة، وتضفي تغييرًا ما على شكل البيت وديكوراته الصغيرة، أو -أضعف الإيمان- تغير لمبة الأباجورة من أبيض إلى أصفر أو العكس، أو تشعل الشموع لفترةٍ من الليل. تغيير بسيط في مكانك المألوف قد ينعشك ويبهجك، ويجلب الجو الرمضاني مئة بالمئة حتى في عزلتنا بالمنزل.

ركّز على الروحانيات لا الطقوس الشكلية

في كل عام يتذمر البعض لأن الناس تخرج وتسهر وتتزاور وتشاهد المسلسلات، بدلًا من الصلاة والعبادة والتركيز على التقرب من الله. إذا كنت منهم فهذه فرصتك المثالية للاستمتاع بالروحانيات دون شكليات اجتماعية. بإمكانك إعداد قائمة بالأهداف التي تود تحقيقها في رمضان، مثل قراءة أو ختم القرآن والصلوات والأذكار. بالنسبة لصلاة التراويح، بإمكانك مشاركة أفراد أسرتك هذه اللحظات في المنزل، ويمكنك أيضًا أن تعتكف في أواخر رمضان، وهو طقس ديني ربما لا يمكنك تنفيذه في الظروف العادية. سيكون رمضان هذا العام مختلفًا لأننا سنركز على إحساسنا بروحانياته أكثر من “شكلياته.” نحن لسنا ممنوعين من الصلاة، بل سنصلي في البيت فقط.

انقل العزومات العائلية إلى “الأونلاين”

رغم مساوئ فيروس كورونا التي انعكست على كل تفاصيل حياتنا، فقد كانت له فائدة إيجابية مهمة هي أنه قرّبنا من بعضنا بشكلٍ غير عادي. رغم العزل الاجتماعي أصبحنا نتواصل مع أقاربنا وأحبابنا أكثر من ذي قبل، ويمكننا استغلال التكنولوجيا لتقريب المسافات بدلًا من المخاطرة بعزومات حقيقية، وفتح بيوتنا للعدوى. إذا اعترض أقاربك ذكرهم بعائلة فوسكو الأمريكية، التي تجاهلت تحذيرات انتشار فيروس كورونا وأقامت حفلًا بحضور أحد الأصدقاء، وكانت النتيجة أنه نقل المرض للعائلة كلها، ليتوفى أربعة ويعاني ثلاثة آخرون من حالة حرجة، ويُفرض الحجر الصحي على العشرين الباقين، وانتهت العزومة البسيطة بمأساة.

نقترح عليك هذه الوسائل للاجتماع بعائلتك دون كسر العزل الصحي:

    مكالمة فيديو جماعية: عن طريق تطبيق ماسنجر أو واتساب أو سكايب وغيرها، يمكنك عقد مكالمة فيديو مع أقاربك، ومشاركتهم لحظات تجهيز الإفطار، أو السحور، والتواصل معهم وجهًا لوجه. اجعل الموبايل مركز بث مباشر ينقل لهم فعالياتكم الأسرية في جو مرح، وتواصلوا جميعًا معًا. يمكنكم وضع اللابتوب على مائدة الطعام والإفطار معًا.

    مكالمات لأكثر من جهة في نفس الوقت: يوفر تطبيق Zoom فرصة عقد مكالمة فيديو مع أكثر من شخص، وهكذا يمكنك التواصل مع بيت جدتك وعمك وخالتك جميعًا في نفس الوقت، ليكون الاجتماع العائلي أكبر، دون مخاطرة. تطبيق ماسنجر فيسبوك يضيف حتى 8 أشخاص للشات، ما يعني أنك قادر على التواصل مع 8 بيوت بكل من فيها.

    غروب فيسبوك: عانينا لسنوات من استخدام العائلة لغروبات واتساب بشكل مريب، وصور الورد المكتوب عليها “صباح الخير” في بداية كل يوم، و”لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله”. عظيم، حان الوقت لنستخدم التكنولوجيا على طريقتنا.. دشّن Group سريًّا على فيسبوك وأضف إليه أفراد العائلة، شاركوا صوركم أولًا بأول، صور لمائدة الإفطار، وطقوس استمتاعكم برمضان، وسهراتكم الأسرية.

    لايف فيسبوك: في نفس غروب العائلة السري يمكنكم عقد لايف فيسبوك، وفتح بيوتكم للعائلة وأنتم تتمازحون وتتسامرون وتتواصلون مع الآخرين مباشرة.. هذه فرصة لنستمتع بتجمع عائلي كل يوم.

    سجل فيديوهات كثيرة: الفترة التي نعيشها الآن استثنائية، علينا تسجيلها للأجيال القادمة، فسجّل لعائلتك كل شيء.

إذا اضطررت لإقامة عزومة عائلية فاتبع توصيات منظمة الصحة العالمية خلال شهر رمضان، وهي الحفاظ على مسافة متر على الأقل بين كل شخصٍ وآخر، وتجنب المصافحات والعناق والاكتفاء بالتحية الشفهية والتلويح باليد، وغسل اليدين باستمرار، وإقامة التجمع في الهواء الطلق قدر الإمكان، ولأقصر فترة ممكنة.

لا داعي لكثيرٍ من “الشوبينج” واحترس من الدليفري

مع دخول رمضان تزدحم الأسواق بشكلٍ عجيبٍ، وخصوصًا محلات السوبر ماركت الكبيرة، والمطاعم ومحلات الحلوى الرمضانية، وهي بيئة خصبة لالتقاط العدوى والتعرض للخطر، لهذا حاول الخروج في وقتٍ هادئ، وانته من مهمتك بأسرع ما يمكن مع الالتزام بإجراءات الأمان وتعقيم مشرياتك بعد العودة، ومن الأفضل أن تشتري من محلات البقالة الصغيرة ما تحتاجه لأسبوعٍ أو اثنين ولا داعي لتحمل جبالًا من الطعام إلى بيتك. انتبه أيضًا عند جلب الطعام “دليفري” من الخارج. أخرجه من أطباقه وسخنه في حرارة مرتفعة، وألق الأطباق في كيسٍ محكم، واغسل يديك.. بهذا تحمي نفسك من التقاط أي عدوى عالقة بالعلب. من الضروري أيضاً، الانتباه لعدم الإسراف وهدر الطعام خلال هذا الشهر.

فكّر في الأعمال الخيرية بشكلٍ مختلف

الأعمال الخيرية أيضًا يمكن أن تؤدى بشكلٍ مختلف في رمضان 2020. لقد ألغيت موائد الرحمن والافطارات الجماعية في كثير من البلدان العربية، مع قيود منع التجمع، لهذا لن يمكنك الخروج والمشاركة في تنظيمها، أو توزيع الطعام بنفسك على المحتاجين. ولكن هناك طرق أخرى لعمل الخير:

    اتفق مع جيرانك على أن يجهز كل بيتٍ وجبة، وخصصوا مكانًا أمام البناية لوضع الطعام لعابري السبيل. طُبقت هذه الفكرة في مدينة الغردقة في مصر، ونالت إعجاب الجميع. تذكر أن تجهز الطعام وتغلفه ملتزمًا بإجراءات الوقاية، ولا تخرج لفترة أطول مما تقتضيها المهمة.

    تبرع للجمعيات الخيرية: توفر كثير من الجمعيات الخيرية فرصة التبرع بمبلغ رمزي لإفطار وسحور صائم من غير القادرين. بنك الطعام المصري يمارس هذا النشاط أيضًا على مدار العام، لكن في 2020 يوفر خدمة دعم العمالة اليومية غير المنتظمة، التي توقف عملها بسبب تفشي الوباء. كما أطلقت إمارة دبي حملة “حملة 10 ملايين وجبة” لتوفير 10 ملايين وجبة أو ما يعادلها من طرود غذائية وتموينية لدعم الأفراد المحتاجين خلال شهر رمضان. وفي السعودية، تم زيادة المخصص المالي لمشروع تفطير الصائمين إلى خمسة ملايين ريال، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في 18 دولة حول العالم، ويستهدف تفطير مليون صائم.

    هناك الكثير من المبادرات التي يمكنك التبرع لها، بحث صغير على غوغل سيدلك على الجمعيات الخيرية العاملة في منطقتك أو مدينتك، كما تستطيع إخراج الزكاة مبكرًا لتساعد المحتاجين. ولحسن الحظ أن كثيرًا من التبرعات يمكن إنجازها أونلاين دون قلق من الخروج.

سهرات رمضانية مختلفة

رغم العزل المنزلي، يتواصل كثير من الفنانين حول العالم يتواصلون مع معجبيهم عبر السوشيال ميديا بشكلٍ رائع. في الوطن العربي يقدم بعض الموسيقيين والفرق الشبابية #حفلة_بالبيجاما، كما تحول لايف فيسبوك ويوتيوب وانستغرام إلى منصة رائعة للحفلات في بثٍ مباشر ممتع. لن نر خيمًا رمضانية هذا العام، ولن يمكننا الخروج إلى المطاعم والكافيهات، لكن لا يزال بوسعنا الاستمتاع بهذا الشهر:

    تابع الفنانين الذين تحبهم، فكثير منهم يقومون بعروض بثٍ مباشر مع الجمهور. كما ستقوم بعض الفرق العربية بتقديم مجموعة متنوعة من الابتهالات والأناشيد الدينية خلال هذا الشهر.

    مسلسلات رمضان القديمة: بإمكانك الغوص في يوتيوب ومتابعة مسلسلات قديمة ارتبطت معك بذكريات الطفولة، لتشعرك بمزيد من الهدوء وألفة الجو.

    نتفليكس: توفر لك الشبكة الشهيرة العديد من المسلسلات والأفلام، وترجمت مؤخرًا بعض الأفلام المصرية إلى اللغة العربية الفصحى، ما تسبب في موجة واسعة من الضحك والمرح. نرشح لك فيلم (اللي بالي بالك) على نتفليكس، لتضحك مع هذه الترجمة الفصيحة المدهشة.

خطط لإنجازات جديدة

إذا كنت من الطلبة المجتهدين أو عشيرة الـNerds العظيمة، فلديك فرصة لوضع جدول عملي لإنجاز بعض المهام الدراسية، أو اجتياز كورس في مجال تحبه بنجاح. لحسن الحظ، فهناك كثير من فرص الدراسة أونلاين، والمنح المقدمة في جميع المجالات. ستجد كورسات لتعليم آلة موسيقية، أو لغة جديدة. إليك بعض الاقتراحات التي أعجبتنا بشكلٍ خاص:

    كورس مكثف في آلة الكمان: تقدمه وزارة الشباب والرياضة المصرية مع الفنان محمود بيومي، عميد معهد الكونسرفتوار الأسبق

    ورشة كتابة السيناريو التفاعلية: ضمن برنامج استوديو الفيلم العربي في أبوظبي

    تطبيق Duolingo يوفر لك فرصة تعلم لغة جديدة بشكل متدرج وبسيط

    تطبيق Piano Academy يقدم منهجًا لطيفًا جدًّا لتعليم البيانو، كما تتوفر قنوات على يوتيوب باللغة العربية

    في ظل تعرض البشرية لوباء عالمي، هناك بعض الدورات في طرق التغذية السليمة إذا كنت من محبي الطعام الصحي.

اللا شيء ممتع أيضًا

للإيطاليين قول مأثور La dolce far niente أي حلاوة اللا شيء. جرب ألا تفعل شيئًا على الإطلاق خلال انتظار وقت الإفطار. استمتع بالنوم لفترات طويلة، اعقد مسابقة للتحديق في السقف، لست ملزمًا بإجبار نفسك على أن تكون “منتجاً.” استرخ فقط.. لكل منا طريقته في النجاة، وربما هذه هي الطريقة التي تناسبك.

VICE عربية

——————————————-

الصراع الرمزي والحرب النفسية في أزمة انتشار وباء كورونا/ محمد الراجي

تُبرز الورقة أبعاد الصراع الرمزي بين الولايات المتحدة والصين في سياق الأزمة التي أثارها انتشار وباء كورونا في أرجاء العالم بعد ظهوره في ووهان. وتحدد خلفيات هذا الصراع وأهدافه، وترصد الوسائل والمجالات والفضاءات التي كانت مسرحًا لعمليات “القتال النفسي” بين الطرفين.

في خضمِّ حالة الطوارئ و”الحرب الصحية” التي أعلنتها دول العالم لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) -بعدما صنَّفته منظمة الصحة العالمية “جائحة” أو وباء عالميًّا- كانت هناك حرب أخرى غير تقليدية تَسْتَعِر على مستوى الأفكار والتصورات؛ يمكن تسميتها بالصراع الرمزي أو الحرب الرمزية التي تتجاوز في أهدافها وأبعادها الاستراتيجية ما يصفه البعض بـ”الحرب الكلامية” أو “حرب الاتهامات” بين أطراف هذا الصراع الذي يجري في ساحات وفضاءات ومجالات متعددة وبأدوات مختلفة. وقد استهدفت هذه الحرب غير التقليدية، التي يُسمِّيها الباحث في الشؤون الأمنية الدولية، مايكل والر (J. Michael Waller)، بـ”حرب الأفكار”(1)، إنشاء تمثُّلات وسرديات تُحدِّد التركيب الجيني لفيروس كورونا وأصله ومَنْشَأه والجهة التي صنَّعته في سياق استراتيجية حربها البيولوجية التي تخوضها ضد خصومها، ثم محاولة التحكُّم في الخطاب العام على مستوى الرؤية السياسية والتأثير في الرأي العام المحلي والعالمي عبر الترويج لهذه التَّمثُّلات في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية المختلفة، ثم تعيين مسؤولية الجهة المُصَنِّعة للفيروس (أخلاقيًّا) والخسائر والأضرار التي ألحقتها بالاجتماع الإنساني والعمران البشري وانعكاسات ذلك على السلم والأمن الدوليين. 

لقد تعدَّدت الأطراف والجهات التي اندفعت إلى شنِّ هذه الحرب الرمزية أو خوض حرب الأفكار عبر بناء روايات تُحَدِّد مَوْطِن الفيروس، وتُفَسِّر ظروف انتقاله من مَنْشَئِه الأصلي وانتشاره خارج حدود الجهة المُصنِّعة له. وهنا، برز الصراع بين سردية أميركية صنَّعتها وروَّجتها المؤسسات السيادية (إدارة البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع…)، فضلًا عن وسائل الإعلام المختلفة؛ إذ اعتبرت كورونا فيروسًا صينيًّا بعدما وَسَمَتْه بـ”الفيروس الصيني” أو “فيروس ووهان”، في مقابل سردية أخرى أنشأتها السلطة الصينية، وهي تدحض الرواية الأميركية عن أصل “الفيروس الصيني”، وتُحمِّل الجيش الأميركي مسؤولية نقله وانتشاره في الصين لما تصدت وزارة الخارجية للقصف المعلوماتي في بداية الصراع. كما برزت رواية أخرى روَّجها بعض نواب مجلس الدوما الروسي، وانخرطت فيها أيضًا وسائل الإعلام الرسمية، لاسيما القناة الحكومية الأولى، فضلًا عن حملة إعلامية عبر منصات رقمية (تويتر، فيسبوك، إنستغرام..) تُقِرُّ بمسؤولية أميركا في إنتاج فيروس كورونا في مختبراتها البيولوجية العسكرية ونشره في أرجاء العالم. وخاضت إيران أيضًا غمار هذه الحرب (حرب الأفكار)، بمشاركة مؤسسات سياسية وسيادية (مؤسسة المرشد الأعلى، الحرس الثوري، المجلس الأعلى للأمن القومي، وزارة الخارجية…) ومنصات إعلامية مختلفة، باعتماد “العمليات المعلوماتية” النفسية التي تمثِّل بعدًا أساسيًّا في حرب الأفكار للتأثير في الرأي العام المحلي والدولي من خلال الترويج لنظرية إنتاج فيروس كورونا في المختبرات البيولوجية الأميركية.

في سياق الصراع بين هذه السرديات التي أُنْتِج بعضها عبر العمليات المعلوماتية (وغيرها من العمليات التي سنبيِّنها لاحقًا)، لعبت الحوامل الإعلامية التقليدية والجديدة دورًا بارزًا في حرب الأفكار، بل لا يمكن تصور هذه العمليات دون وسائل الإعلام (المرئية والسمعية والمكتوبة والرقمية) الحاملة لمحتوى هذا الصراع، وهو ما يجعلها تقوم بوظيفة القوة الصلبة في مسرح العمليات -قياسًا إلى قوتها التأثيرية- لكن لـ”تدمير” البنية النفسية للخصم (القتال النفسي) عبر قهره فكريًّا وسياسيًّا و”تدمير” سرديته، ثم تطويقه وخلق حالة سياسية لمحاصرته.

وفي هذا الإطار، تهتم هذه الورقة بالبحث في المجالات أو الميادين (الدبلوماسية العامة، الشؤون العامة، العمليات المعلوماتية..) التي شكَّلت مسرحًا لحرب الأفكار، كما تبحث في منطلقات الحرب النفسية بين أطراف الصراع لإنشاء سرديتها حول أصل فيروس كورونا ومَنْشَئِه وصناعته في المختبرات البيولوجية، والجهة التي تتحمَّل مسؤولية انتشاره في العالم، ثم الحوامل والوسائل التي استُخْدِمت كقنوات في معركة الأفكار لحقن أو تلقيح الروايات والسرديات بالرؤية السياسية والأيديولوجية من قبل أطراف الصراع. كما تبحث الورقة أهداف هذا الصراع وخلفياته وتستعين بالمدخل النظري لحرب الأفكار كما أسَّس أُطُرَها الباحث مايكل والر في كتابه عن “خوض حرب الأفكار مثل الحرب الحقيقية”، وتستند أيضًا إلى بعض الأفكار التي أوردتها الأكاديمية، حميدة سميسم، في كتابها “الحرب النفسية”.

صراع السرديات في الأزمنة الوبائية

يحفل التاريخ البشري بالوقائع السياسية والأحداث التاريخية الكبرى والصغرى، وحتى وقائع الأمراض الوبائية المعدية، التي شكَّلت مادة لصناعة السرديات والروايات لخدمة الأهداف الاستراتيجية للكيانات السياسية وفقًا لـرؤيتها ومصالحها التي تُكرِّس هيمنتها الرمزية وشرعية وجودها وسلطتها إزاء سرديات أخرى، وهي جزء لا يتجزأ من الصراعات السياسية والأيديولوجية التي تَسْتَعِر سياسيًّا سواء في المرحلة التاريخية التي تم فيها الحدث أو في أعقابها(2). وهذا ما يلاحظه المؤرخون والباحثون في تاريخ الأمراض الوبائية والمتابعون لصراع السرديات حولها، فعندما انتشر الطاعون أو “الموت الأسود” في جميع أنحاء أوروبا، منتصف القرن الرابع عشر، وأدى إلى وفاة أكثر من نصف السكان، استهدف بعض الأوروبيين مجموعات، مثل: اليهود والرهبان والأجانب والمتسوِّلين، وحمَّلوا هذه الفئات مسؤولية الأزمة التي أثارها الوباء. وسادت رواية تتهم اليهود بتَخْلِيق المرض والوقوف وراء انتشاره عبر تسميم الآبار بشكل مُتَعَمَّد. وربط البعض ذلك جزئيًّا بالنظافة التي كانت تميز المجتمعات اليهودية والعزلة في الأحياء اليهودية ما يعني أن اليهود أقل تأثيرًا(3). كما ربط آخرون انتشار الوباء بـ”مخطط شيطاني لليهود للسيطرة على العالم”، وقد أدى ذلك الشَّحْن السياسي والديني إلى تَفَجُّر الوضع ونشوء حالة من الاضطهاد والتهجير(4)؛ حيث “هاجم الغوغاء الأوروبيون المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء أوروبا، وبحلول عام 1351 تمَّ تدمير 60 مجتمعًا كبيرًا و50 مجتمعًا يهوديًّا صغيرًا، وحدثت أكثر من 350 مجزرة منفصلة”(5).

وبعد عقد من انتشار وباء “الإنفلونزا الإسبانية”، الذي ظهر في نهاية الحرب العالمية الأولى، عام 1918، وأودى بحياة ما يتراوح بين 40 و50 مليون شخص، حيث كانت الخنادق مرتعًا للبكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض بين الجنود(6)، برزت روايات مختلفة، حيث اعتقد بعض الحلفاء (كانت قوات الحلفاء تضم المملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا) أن الإنفلونزا سلاح بيولوجي طوَّره الجيش الألماني(7) في مختبراته العسكرية ضد دول الوفاق الثلاثي. ورأى بعض هذه الروايات أن الألمان اكتشفوا عام 1916 مُتَغَيِّرًا للإنفلونزا كان يستهدف بشكل مثالي الجنود والرجال الأكثر صحة بعد تدمير الجهاز المناعي بسبب نشاطه المفرط(8).

وعندما بدأ انتشار مرض الإيدز، أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة (VIH)، في أوائل الثمانينات من القرن العشرين، وخلق حالة من الرعب في معظم أنحاء العالم، برزت أيضًا سرديات كثيرة تعزو أصل فيروس الإيدز ومسؤولية تصنيعه إلى الولايات المتحدة الأميركية في مختبراتها البيولوجية نهاية السبعينات في إطار برنامج سُمِّي “فيزيبيليتي” تم الانتهاء منه عام 1975، وهو نفس التاريخ الذي بدأ الحديث فيه عن فيروس السيدا. في ذلك الوقت، قامت أميركا بدمج الفيروس في ملايين اللقاحات التي استخدمت لعلاج داء الجدري، وقد حُقِن -بحسب هذه الرواية- أكثر من مئة مليون إفريقي بهذه اللقاحات الفاسدة سنة 1977. وفي عملية سُمِّيَت بـ”تروجان هورس”، سنة 1978، حُقِن قرابة ألفي مِثْلِي الجنس من العرق الأبيض بلقاح ضد مرض التهاب الكبد (ب) يحتوي هو الآخر على فيروس السيدا. وكان الهدف من هذا البرنامج -بحسب هذه الرواية- هو رغبة الولايات المتحدة في التحكُّم والهيمنة على العالم(9).

وقد روَّج لهذه السردية انطلاقًا من العام 1983، جهاز المخابرات السوفيتي السابق “كي جي بي”، الذي يُعرف بلجنة أمن الدولة السوفيتية، معتبرًا أن الولايات المتحدة الأميركية طوَّرت الإيدز كسلاح بيولوجي وجرَّبته على سجناء وأبناء أقليات ومِثْلِيين جنسيًّا وألقت بالمسؤولية في ذلك على إفريقيا كأصل للمرض(10). كما اتهم الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا، ثابو مبيكي، الحكومة الأميركية بتصنيع الفيروس في مختبراتها العسكرية، بل إن عالم البيئة الكيني، وانغاري ماثاي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، استخدم منصة الجائزة لدعم تلك السردية، ويشير كثيرون بأصابع الاتهام إلى الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، الذي قام بدمج قسم الأسلحة البيولوجية للجيش مع المؤسسة القومية للسرطان عام 1971(11).

تكرَّر إنتاج أبعاد هذه الرواية عندما تفشى أيضًا مرض الإيبولا في دول غرب إفريقيا وكانت الولايات المتحدة المتهم الرئيسي في تخليق “فيروس الإيبولا” بالقرب من نهر “إيبولا” فيما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو كائن معدَّل وراثيًّا انتشر في المناطق المستهدفة من القارة الإفريقية، حيث تم إنشاء مواقع في جميع أنحاء القارة لاختبار الأمراض الناشئة وخاصة الإيبولا. ويهدف هذا السلاح البيولوجي وفقًا لهذه الرواية إلى تدمير النظام الصحي للدول الإفريقية وتوفير فرص لإنتاج لقاح لصالح شركات الأدوية الأميركية(12).

وتبنَّى هذه الرواية أيضًا مساعد وزير الخزانة الأميركي، بول كريج روبرتس (Paul Craig Roberts)، في عهد إدارة رونالد ريغان (1981-1989)، حيث اعتبر الإيبولا كائنًا معدَّلًا وراثيًّا تم تصنيعه وتطويره في مختبرات الحرب البيولوجية الأميركية في إفريقيا، وهي القناعة التي تشكَّلت لديه عندما اطلع على مذكرة لمركز الأبحاث الإكلينيكية، التابع لوزارة الصحة، حيث كانت الحكومة الأميركية وهيئة الدواء تقومان باختبارات وتجارب الإيبولا على البشر، مستندًا أيضًا إلى تقارير أعدها الدكتور فرانسيس بويل (Francis Boyle)، في جامعة إلينوي، والدكتور سيريل بروديريك (Cyril Broderick)، في جامعة ليبريا وديلاوير، حيث أكد بويل أن هذه التجارب تمثِّل عملًا حربيًّا بيولوجيًّا أُجْرِي في مختبرات الحرب البيولوجية التي أنشأتها الولايات المتحدة على الساحل الغربي لإفريقيا، والتي تُعَدُّ موطن وأصل الوباء. فقد كان مركز السيطرة على الأمراض يقوم لمصلحة البنتاغون بحرب بيولوجية في سيراليون، التي تُشكِّل بؤرة انتشار الفيروس، في وقت مبكر من العام 1988. كما أكد بروديريك، استنادًا إلى مراجع مختلفة، وجود صناعة عسكرية طبية تقوم بإجراء اختبارات الأسلحة البيولوجية تحت غطاء إدارة التطعيمات للسيطرة على الأمراض وتحسين صحة الأفارقة السود في الخارج(13).

إذن، تكشف ظروف انتشار الأوبئة والأمراض المعدية خلال المراحل التاريخية السابقة أحد أبعاد الصراع (صراع السرديات) بين بعض القوى الكبرى، والذي يستهدف تشكيل الرؤى والتصورات حول مسؤولية الجهة التي تقف وراء تخليق الفيروسات الفتاكة في مختبراتها البيولوجية العسكرية، وانتشار الأوبئة التي تحصد أرواح الملايين من البشر. وكانت هذه الروايات تنتجها في معظم الأحيان دوائر المخابرات لصناعة صورة نمطية ذات أبعاد معرفية ونفسية وسلوكية عن الكيانات السياسية والمجموعات البشرية وحتى الأفراد؛ تُشَوِّه رمزيتها في وجدان الرأي العام المحلي والعالمي. وهنا، نتساءل كيف يبدو مسرح “العمليات المعلوماتية” أو الحرب النفسية بين القوى الكبرى في سياق أزمة انتشار وباء كورونا؟ وسنركز هنا أساسًا على السرديتين الأميركية والصينية.

وباء كورونا وحرب الأفكار

من خلال مشاهد الصراع الرمزي الذي أثاره مَنْشَأ وأصل فيروس كورونا وظروف انتشاره في أرجاء العالم، وأداء الفاعلين المنخرطين في هذا الصراع -سواء المؤسسات السيادية أو وسائل الإعلام- كانت الأطراف المعنية (خصوصًا الولايات المتحدة والصين) تتبنى استراتيجية اتصالية -في سياق الاتصال الاستراتيجي للدولة- تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية تشكِّل ما يُسَمَّى بـ”حرب الأفكار”، كما حدَّدها مايكل والر، وتشمل مجال الدبلوماسية العامة، والشؤون العامة، والعمليات المعلوماتية(14).

ويُقْصَد بـ”الدبلوماسية العامة” التواصل أو التفاعل الحكومي مع شعوب الدول الأخرى للتأثير في تصورات الرأي العام الأجنبي واتجاهاته لدعم الأهداف الوطنية(15)، ويعمد هذا النوع من الدبلوماسية إلى التعامل مع الآثار المترتبة من المواقف العامة حول السياسة الخارجية وتنفيذها، كما يسعى إلى خلق رأي عام في الدول الأخرى حول أبعاد العلاقات الدولية وآثارها خارج نطاق عمل الدبلوماسية التقليدية، والتفاعل مع الجماعات غير الرسمية خارج إطار الدولة، والتفاعل مع تقارير السياسة الخارجية وتأثيرها، والاتصالات التجارية والاقتصادية خارج الأطر الرسمية(16). وإجمالًا، تهدف الدبلوماسية العامة إلى إقناع الناس في البلدان المستهدفة بتغيير سياسات حكومتهم الداخلية والخارجية من أجل خلق بيئة إبداعية لإنشاء جمهور يدافع عن أهداف السياسة الخارجية والمصالح الوطنية. والهدف من ذلك هو التأثير في الرأي العام فيما يتعلق بأهداف الحكومة المتصلة بالدبلوماسية العامة التقليدية من أجل إدراجها ضمن أهداف السياسة الوطنية والخارجية للدولة المعنية(17).

أما “الشؤون العامة” (وتُسْتَعْمَل في بعض الأوقات مرادفًا لوظيفة العلاقات العامة) فَيُراد بها عملية إخبار الجمهور المحلي ووسائل الإعلام عمومًا حول القضايا والسياسات الحكومية، ويكون إطارها الزمني محدودًا أكثر من الدبلوماسية العامة؛ لأنها موجهة لدورات الأخبار السريعة(18)، كما تعني الشؤون العامة الجهود الخاصة والمصممة من أجل بناء العلاقات مع المجتمع والحكومة والحفاظ عليها. وتتضمن أنشطة الشؤون العامة عددًا من الوظائف تعدُّ من صميم العلاقات العامة، ومنها بناء وتعزيز العلاقات مع الحكومة، والتعليم والتثقيف السياسي وحشد التأييد(19).

وفيما يخص المرتكز الثالث ويمثِّل الرافعة الأساسية لحرب الأفكار فيُسمَّى “العمليات المعلوماتية” (Information Operations, IO)، وهو –أولًا- مصطلح عسكري ويتعلق باستخدام المعلومات، سواء كانت الأنظمة المعلوماتية أو المحتوى، لتعزيز الأهداف العسكرية التكتيكية أو العملياتية. وثمة مصطلح آخر يقترب منه هو “العمليات النفسية” (Psychological Operations, PSYOP)، وهو أداة عسكرية تكتيكية وعملياتية للتأثير في أفكار وعواطف وأفعال الخصوم العسكريين والمدنيين في مناطق القتال(20)، أو ما يسمى بالحرب النفسية.

وتستخدم الورقة مصطلح “العمليات المعلوماتية” بمعنى الحرب النفسية (القتال النفسي) التي يتم فيها تعبئة جميع المؤسسات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية لصناعة سردية تستهدف التأثير في الأفكار والاتجاهات النفسية والعاطفية والسلوكية للأفراد والجماعات لإضعاف الجبهة الداخلية للخصم السياسي وإثارة الفوضى والاستياء في النسيج الاجتماعي مقابل خلق حالة شعورية لتعزيز الروح الوطنية للقائم بالحرب النفسية.

هذه المجالات الثلاث شكَّلت محور الاتصال الاستراتيجي لأطراف الصراع الرمزي في حرب الأفكار التي خاضتها وتخوضها أميركا والصين (فضلًا عن إيران وروسيا) بشأن أصل فيروس كورونا ومنشئه وظروف انتشار الوباء، حيث وضعت هذه الأطراف أهدافًا واضحة في مواجهة خصومها، وحددت الوسائل والكيفية التي تجعل اتجاه وسلوكيات وتصورات الجمهور يدعم تلك الأهداف. لكن الملاحظ هنا أن الحدود بين هذه المجالات الثلاث كانت متداخلة بشكل كبير في أداء المؤسسات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية؛ إذ تقوم بالوظائف الثلاثة في أنشطتها التقليدية، فلا تفصل بين مهام عملها الدبلوماسي والعمليات المعلوماتية والعلاقات العامة.

السردية الأميركية: قتال نفسي لنزع الشرعية ومحاصرة الصين

قبل أن تتشكَّل السردية الأميركية الرسمية لإدارة ترامب، في أواخر شهر مارس/آذار 2020، والتي اعتبرت كورونا “فيروسًا أجنبيًّا” ثم “فيروسًا صينيًّا” نشأ وظهر في الصين، كما جاء في التصريحات والإيجازات الصحفية للرئيس، دونالد ترامب، عن حالة انتشار الوباء في أميركا، كانت وسائل الإعلام الأميركية قد اهتمت مبكرًا بأصل الفيروس ومنشئه.

وفي هذا السياق، كان لافتًا عنوان التقرير الذي نشرته صحيفة “الواشنطن تايمز” اليمينية، يوم 26 يناير/كانون الثاني 2020، حول “أصل فيروس كورونا الذي نشأ في مختبر صيني مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية”(21). ويستند التقرير في روايته إلى رأي داني شوهام (Dany Shoham)، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، الذي تُقدِّمه الصحيفة بصفته محللًا ودارسًا للحرب البيولوجية الصينية. وقد اعتبر أن الفيروس التاجي القاتل أُنْتِج في مختبر يُعْرَف بـ”معهد ووهان لعلم الفيروسات”، في مدينة ووهان، وهو المختبر الوحيد المعلن عنه في الصين الذي بإمكانه التعامل مع الفيروسات القاتلة. وذكر شوهام أن العمل على الأسلحة البيولوجية يتم كجزء من بحث مدني-عسكري مزدوج، وهو “سري بالتأكيد”. وتبنَّت هذه الرواية بعض الصحف البريطانية أيضًا مثل “ديلي ستار” والديلي ميل” وربطت ظهور فيروس كورنا في الصين بمختبر ووهان الوطني للسلامة الإحيائية.

وبدأ الاهتمام يتزايد بأصل الفيروس وعلاقته بالصين عندما دشَّنت الإعلامية المحافظة المشهورة، لورا إنغرام (Laura Ingraham)، تَسْيِيس أزمة فيروس الكورونا بإبداء عدم ثقتها في الحكومة الصينية وكل ما تقوله عن الفيروس، وذلك عبر برنامج الرأي التليفزيوني “زاوية إنغرام” (The Ingraham Angle) (22).

وتصاعد الجدل بشأن هذه الرواية بعد مقالة والتر راسل ميد (Walter Russell Mead)، وهو باحث أميركي في معهد هدسون وأكاديمي درَّس سابقًا السياسة الخارجية الأميركية في جامعة ييل، عندما أشار إلى أن “الصين رجل آسيا المريض الحقيقي”(23)، مُنبِّهًا إلى وجود دلائل على محاولات السلطات الصينية إخفاء الحجم الحقيقي للمشكلة التي أثارها انتشار فيروس كورونا كما أن جهود بيجين غير فعَّالة في مكافحة الوباء، وهو ما يَهُزُّ الثقة في الحزب الشيوعي داخل الصين وخارجها، معتبرًا أن الفيروس كشف حقيقة قوة الصين التي لا تزال هشة، ويمكن لفيروس مثل كورونا أن يغيِّر التطلعات الاقتصادية والسياسية للصين في أي وقت. كما أن التعافي من الأزمة سيكون بطيئًا في الصين وأماكن أخرى وقد تكون الآثار الاجتماعية والسياسية دراماتيكية. وردَّت الصين على نشر “وول ستريت جورنال” للمقال بطرد ثلاثة من مراسليها بسبب ما اعتبرته عنوانًا عنصريًّا.

وانخرط في ترويج هذه الرواية عدد غير قليل من قادة الرأي، وبعض المسؤولين السابقين في الإدارة الأميركية، مثل: إيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العامة وسفير الولايات المتحدة لدى حلف الشمال الأطلسي، الذي انتقد الصين “لسريتها وتقاعسها عن التعاون”؛ الأمر الذي سهَّل إمكانية تحوُّل الوباء إلى حقيقة. ورصد كيف أن الأطباء في ووهان، المدينة الصناعية التي بلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، تذكَّروا زيادة عدد المرضى الذين يعانون أعراضًا مشابهة لمرض السارس الذي أودى بحياة ما يقارب 800 شخص في عامي 2002 و2003. فتمَّ حجر المرضى، وأصدرت لجنة الصحة في ووهان إشعارًا عامًّا يؤكد عدم وجود سبب للقلق، وتمَّ تعقب العدوى إلى سوق الحيوانات الحية، والذي تم إغلاقه في 1 يناير/كانون الثاني 2020، وتحديد التسلسل الجيني لفيروس جديد بعد يومين(24).

وهنا، نلاحظ أن النشاط الإعلامي لهذه الوسائل يخلط بين “العمليات المعلوماتية”، باعتبارها حربًا نفسية، و”الوظيفة الإخبارية” التي تفي باحتياجات المواطن الأميركي إلى الأخبار والمعلومات والمعرفة التي تستند إلى الحقائق في وصف ما يجري بشأن انتشار فيروس كورونا من المصادر الأولية والأساسية التي تعمل في القطاع الصحي والطبي والمختبرات الإكلينيكية، وبدل ذلك تنخرط هذه الوسائل وقادة الرأي المحلي في الترويج لأطروحة السلاح البيولوجي (كورونا) الذي صنَّعته الصين في مختبراتها البيولوجية استنادًا إلى رواية ضابط إسرائيلي، ويُحمِّلونها مسؤولية انتشار الوباء ليس في الصين وحدها وإنما في باقي دول العالم كما يُحمِّلونها مسؤولية الأضرار الناجمة عن الجائحة. وهو ما يجعل وسائل الإعلام تُروِّج مُتَعَمِّدة لفكرة بعينها (كورونا الصيني أو الفيروس الصيني، كما وصفه دونالد ترامب) في مسعى لإقناع الرأي العام المحلي الأميركي بمنشأ فيروس كورونا وأصله (المختبرات البيولوجية الصينية) والسيطرة على الخطاب العام على مستوى الرؤية السياسية واتجاهات الجمهور التي تحدد جزئيًّا ردَّ الفعل في ظروف محددة أو تكوين اتجاهات مؤيدة لقضيتها. وبالموازاة مع ذلك، تخوض هذه الوسائل حملة منظمة تلتقي في أهدافها مع الحرب النفسية التي تستهدف التأثير في آراء وعواطف واتجاهات وسلوك الرأي العام الصيني بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الجهة التي ترتبط بها من أجل احتواء الجمهور وإكراهه على الاستسلام للرواية التي أنتجتها. 

وتبرز السردية الرسمية التي تشكَّلت في سياق هذه الحرب ضمن تصريحات المشرعين الأميركيين الموالين للرئيس دونالد ترامب، مثل السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس، توم كوتون (Tom Cotton)، وهو الدور الذي أريد للمؤسسة التشريعية أن تلعبه في تواصلها مع الرأي العام الأميركي المحلي (الشؤون/العلاقات العامة)؛ إذ لم يستبعد كوتون في حديثه لقناة فوكس نيوز وتغريداته على تويتر، إمكانية تطوير الصين لفيروس كورونا داخل مختبر بيولوجي(25)، ونفى أن يكون الفيروس نشأ في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان؛ إذ يوجد بالقرب من هذا السوق مختبر للأبحاث في الأوبئة والأمراض المعدية، معتبرًا الضرر الناتج عن الفيروس أسوأ من حادثة تشيرنوبل، ثم لم يلبث السيناتور، توم، أن تراجع عن أطروحته بعدما تعرض لانتقادات حادة من قبل سياسيين وإعلاميين اعتبرته أكثر الأشخاص غير المسؤولين وخطورة في الإدارة الفيدرالية(26)؛ حيث اعتبر أن هناك أربع نظريات أخرى تفسر ظهور الفيروس.

كما تبنَّى النائب الجمهوري السابق عن ولاية فيرجينا، وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة ليبرتي، ديفيد برات (David Brat)، الرواية نفسها؛ إذ اعتبر أن منشأ الفيروس هو المختبرات الصينية في مدينة ووهان؛ حيث لم تبذل الصين الجهود المطلوبة لاحتواء الوباء وتسترت على انتشاره. وحمَّل الأكاديمي، برات، الصين مسؤولية انتشار الوباء في أميركا والدول الأوروبية؛ معللًا ذلك بوصول المواطنين الصينين إلى هذه الدول بعدما لقي آلاف المصابين في ووهان وغيرها حتفهم بسبب الفيروس(27).

أما نشاط الدبلوماسية العامة الذي تمثِّله وزارة الخارجية الأميركية، فكان جزءًا بارزًا من حرب الأفكار أو الحرب النفسية التي تشنها الإدارة الأميركية ضد الصين، وقد تصدَّر هذا النشاط وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي أكد في مناسبات مختلفة، أن مصدر الفيروس هو مدينة ووهان، مستخدمًا عبارة “فيروس ووهان” (Wuhan Virus)(28)، في الوقت الذي استخدم فيه الرئيس، دونالد ترامب، عبارة “الفيروس الصيني” (China Virus)، سواء في المؤتمرات الصحفية اليومية أو عبر تغريداته، بينما كان يعتبره في البداية “فيروسًا أجنبيًّا” في تلميح إلى الصين. وكما يبدو، فقد تحولت العبارتان (الفيروس الصيني وفيروس ووهان) إلى مصطلحين مسكوكين لعملة واحدة؛ يُراد لهما أن يَدْمَغا الصين بعلامة مميزة لها عن غيرها من الدول التي تفشى فيها الوباء، باعتبار الفيروس إنتاجًا محليًّا صينيًّا، أي صُنِع في الصين؛ حيث كلما ذُكرت، سواء في المحافل الدولية أو في وسائل الإعلام، يقترن اسمها بشكل لا واع بهذا الوباء، مما يجعل تخلصها من هذا التصنيف (الفيروس الصيني) صعبًا، خاصة أن المسؤولين الأميركيين يربطان ذلك بمسؤولية الصين عن تهديد النظام الصحي وأسلوب العيش في الغرب. وقد ظهر ذلك بوضوح في تصريحات بومبيو، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع في نهاية شهر مارس/آذار الماضي (2020)، لِوَسْم الصين بالتضليل والتعتيم على الحقائق التي تتعلق بفيروس كورونا وانتشاره في المدن الصينية. وهنا، تبرز دلالة وَسْم كورونا بـ”فيروس ووهان” أو “الفيروس الصيني” لربط السلوك السياسي للصين بعدم المسؤولية واللاشرعية، وهو ما يقتضي المحاسبة والمعاقبة كما يطالب بذلك المسؤولون الأميركيون، بينما تبدو أميركا مسؤولة ويتميز سلوكها بالشرعية والأمان.

إذن، تتضح محددات نشاط الدبلوماسية الأميركية في الاتصال الاستراتيجي الواسع عبر الحملة الشاملة التي تستخدم فيها كل الأجهزة (وسائل الإعلام المختلفة) والأدوات المتاحة (المؤتمرات الصحفية والملتقيات الدولية) للتأثير في عقول ومشاعر الرأي العام الصيني وآرائه واتجاهاته وإحلال الرواية الأميركية محلَّ الرواية الصينية بما يؤدي إلى سلوك يتفق مع مصالحها وسياسة وأهداف الإدارة الأميركية، وهو ما يجعل هذه الحرب “قتالًا نفسيًّا”(29) لا يهدف إلى الإقناع وإنما التشكيك في سلوك الخصم وسياساته وإدارته لأزمة انتشار الوباء التي تسببت في خسائر بشرية واقتصادية عالمية، والعمل على تحطيم الإرادة الفردية، وأيضًا تحطيم الثقة في الذات القومية واحتوائها كليًّا بما يعنيه ذلك من فرض التبعية أو السيطرة على رؤيتها وخلخلة أطرها الفكرية والسياسية ودفعها للاعتقاد بمسؤولية الصين عن تخليق الفيروس وتصنيعه في مختبراتها العسكرية ومحاولة الإضرار بالعالم وتقويض السلم والأمن الدوليين.

ويبدو من خلال هذا النشاط الدبلوماسي المحكوم بقواعد الحرب النفسية الاستراتيجية، التي تستهدف التأثير في الآراء ووجهات النظر والاتجاهات والسلوك، أنه يتعامل مع موقف صيني يتميز بالصلابة في الترويج لرواية ظهور الفيروس في سوق للأسماك والمأكولات البحرية في مقاطعة ووهان قبل اتهام الجيش الأميركي بنقله إلى الصين. وهنا، تسعى هذه الحرب النفسية الاستراتيجية إلى خرق هذه الصلابة “وإحالة الجسد بهذا المعنى إلى الرخاوة” والنيل منه(30) وإضعافه وتقويض روحه المعنوية لمساعدة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها عبر ترسيخ دعائم تعامل معين مع الصين يجعلها مشتبهًا بسلوكها بشكل دائم من حيث نتائجه وتثبيت هذه النتائج التي تؤدي إلى نزع الشرعية عن نظامها ومحاصرته استراتيجيًّا.

السردية الصينية: الدفاع عن النفس والخروج للعالم

أمام القصف المعلوماتي والحرب النفسية التي تعرضت لها الصين عبر قنوات مختلفة (البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وسائل الإعلام) لِوَسْمِها بعدم المسؤولية في التعامل مع الوباء وانتشاره في العالم، وتجريدها من الشرعية التي تجعلها نظامًا ملائمًا داخليًّا ويحظى بالقبول دوليًّا، جنَّدت الحكومة الصينية طاقاتها للرد على الرواية الأميركية والتشكيك في صدقيتها، وهو ما ظهر في تغريدات المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، عندما لفت إلى احتمال أن يكون الجيش الأميركي هو الذي نقل فيروس كورونا إلى مدينة ووهان، متسائلًا: “متى ظهر المريض الأول في أميركا؟ كم عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالفيروس؟ ما أسماء المستشفيات؟ يمكن أن يكون الجيش الأميركي هو مَنْ جاء بالوباء إلى ووهان. كونوا شفافين! أعلنوا بياناتكم للعموم! الولايات المتحدة تدين لنا بتفسير”. وتوالت سلسلة تغريدات ليجيان وآرائه التي أشار فيها إلى اختراع الفيروس وتطويره من قبل علماء أميركيين تمكنوا من الحصول على نوع جديد من فيروس كورونا، عام 2015، له تأثير خطير على الإنسان(31)، ثم ما لبث أن استقرت السردية الصينية وتشكَّلت أبعادها بإقرار المَنْشَأ الطبيعي للفيروس الذي تسبب في الوباء، وهو ما أكدته أيضًا منظمة الصحة العالمية بعد ذلك؛ إذ اعتبرت أن “مصدر الفيروس طبيعي وليس مصنوعًا أو مفتعلًا”.

وقد شكَّلت تصريحات المسؤول الصيني بوزارة الخارجية نواة السردية الصينية التي أُرِيد لها مجابهة وصدَّ الحرب النفسية التي تنال من شرعية الدولة ومؤسساتها في إدارة الأزمة التي أثارها انتشار وباء كورونا في البلاد وباقي دول العالم باعتبار ما يراه خصومها تهاونًا في التعامل مع الجائحة وتسترًا على المعلومات والمعطيات المرتبطة بتفشي الفيروس. وقد حاولت الصين من خلال تعبئة طاقات وموارد جهازها الدبلوماسي عبر العالم أن تكثف عملياتها المعلوماتية في ثلاثة اتجاهات:

أولًا: بناء صورة ذهنية (معرفية ونفسية) للولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي باعتبارها مصدرًا للأخطار والكوارث التي تحدق بالعالم، وتهدد السلم والأمن العالميين بنشرها للأمراض والأوبئة عبر مختبراتها البيولوجية العسكرية المنتشرة في أرجاء العالم، ويظهر ذلك من خلال تطوير الفيروسات كما هو الشأن مع كوفيد-19.

ثانيًا: إبراز مسؤولية الصين في التعامل بشفافية مع المعطيات والبيانات الخاصة بطبيعة الفيروس وحالات الإصابة بالمرض وحجم انتشاره ومشاركة تلك المعلومات مع الجهات المعنية (منظمة الصحة العالمية وغيرها)، وذلك في محاولة لنفي الاتهامات التي وُجِّهت للصين بشأن تضليل العالم والتعتيم على ما يجري داخل البلاد بشأن الفيروس.

ثالثًا: الترويج للنموذج الصيني في احتواء الوباء وتطويق انتشاره بالمدن الصينية؛ الأمر الذي تعتبره بيجين نجاحًا باهرًا في التعامل مع فيروس كورونا، وصورة لنجاعة نظامها السياسي وصلابته وفاعليته في مواجهة الأزمات، كما اهتم هذا الاتجاه عبر ما يمكن تسميته باستراتيجية “الخروج للعالم” بإبراز صورة الصين التي تقدم المساعدات والاحتياجات الطبية للدول التي تفشى فيها المرض.

وتبدو العمليات المعلوماتية لجهاز الدبلوماسية الصينية في موقف رد الفعل الذي يحاول صد القصف الأميركي في سياق الحرب النفسية بينهما، وهو ما يبدو واضحًا أيضًا في بعض وسائل الإعلام المحلية التي سعت إلى الترويج للرواية الصينية في سياق المجالات الثلاث التي ذُكِرت آنفًا، مثل المقالات التي نشرتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية، وصحيفة الشعب. فقد ذكرت إحدى مقالات الرأي التي نشرتها (شينخوا) أن الصين تبنَّت “الإجراءات الوقائية الأكثر شمولًا والأكثر صرامة ووقائية” لمكافحة الوباء. وبنبرة البهجة الوطنية، لوَّحت صحيفة الشعب اليومية بأن بإمكان الصين أن “تجمع بين الخيال والشجاعة اللازميْن للتعامل مع الفيروس، بينما تتعثر الولايات المتحدة في ذلك”. كما استغل المسؤولون الصينيون الضغوط التي خلَّفها انتشار الوباء على الأوروبيين والأميركيين لتذكير الجمهور العالمي بشكل مطرد بتفوق الجهود الصينية وانتقاد “عدم المسؤولية وعدم الكفاءة” لـدى من تسمى “النخبة السياسية في واشنطن”، كما جاء في افتتاحية نشرتها وكالة أنباء شينخوا الرسمية(32).

وهنا، يبدو هدف العمليات المعلوماتية، التي تندرج في سياق الاتصال الاستراتيجي للدولة، هو تبديد ضغط الحرب النفسية التي تشنها أميركا عبر مؤسساتها المختلفة ضد الصين والتقليل من خسائرها التي تستهدف بناء رأي عام دولي ومحلي يشكك في قيادته السياسية ويحملها المسؤولية عن الأزمة التي أثارها كورونا من خلال تبني الرواية الأميركية. لذلك، اتخذت هذه العمليات طابع “الحرب النفسية المضادة”(33) التي هدفت أيضًا إلى إيقاف “فيضان” العمليات المعلوماتية التي ركزت على منشأ الفيروس في الصين (الفيروس الصيني/فيروس ووهان)، وتعتيم السلطات على الوضع الوبائي في البلاد وعدم تعاونها مع المنظمات المعنية…إلخ؛ إذ اعتبرت الاتهامات التي توجه للصين غير مسؤولة وأن وضع انتشار الوباء يتطلب تكاتف الجهود الدولية لاحتوائه، ثم انتقلت الحرب النفسية المضادة من الدفاع عن الذات وتبرئتها مما توسم به إلى الهجوم من خلال إبراز مسؤولية أميركا عن تفشي الفيروس في الصين نفسها…إلخ.

روايات أخرى: التوظيف السياسي لأزمة كورونا 

في إطار الحرب النفسية الاستراتيجية والمضادة بين أميركا والصين وتصاعد الصراع الرمزي بينهما، برزت أيضًا روايات أخرى لأطراف دولية وإقليمية لكنها لم تأخذ مداها في هذا الصراع ضمن سياق الاتصال الاستراتيجي لتلك الدول، بل سرعان ما انكفأ صدى هذه السرديات وانحسر تأثيرها مثل الرواية الإيرانية والروسية. فقد وجدت إيران الفرصة مناسبة لإنشاء رواية خاصة بها حول حقيقة فيروس كورونا وإِنْ ظهرت متأخرة قياسًا إلى السردية الصينية؛ إذ بدأ تتشكَّل أبعاد الرواية الإيرانية بعد استفحال الوضع الصحي العام وانتشار الوباء بسرعة في معظم المدن والمحافظات؛ حيث أصبحت البلاد بؤرة للفيروس في المنطقة. 

وكانت معظم المؤسسات الرسمية (مؤسسة المرشد الأعلى، هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، وزارة الخارجية)، فضلًا عن وسائل الإعلام، تردد الرواية التي تعتبر الفيروس مُنْتَجًا أميركيًّا في مختبراتها البيولوجية، وتربط تفشي الفيروس في البلاد باحتمال أن يكون هجومًا بيولوجيًّا على إيران، وهو ما يفسر دعوة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله خامنئي، للقوات المسلحة بضرورة تعزيز الحرب ضد المرض في البلاد. وفي مرسوم بعث به إلى رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، قال خامنئي: “نظرًا لوجود أدلة تشير إلى احتمال أن يكون هذا الحدث هجومًا بيولوجيًّا، فإن هذا الأمر يمكن أن يشكِّل أيضًا تمرينًا لقواتنا في مجال الدفاع البيولوجي”(34). وهو الكلام الذي جاء على لسان قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، عندما اعتبر أن كورونا قد يكون هجومًا بيولوجيًّا أميركيًّا.

وحاولت وزارة الخارجية أن تعطي للصراع الرمزي -بشأن مَنْشَأ الفيروس وأصله- بعدًا دوليًّا من خلال إظهار مسؤولية الولايات المتحدة في نشر فيروس كورونا بمدينة ووهان الصينية لتوجيه أنظار العالم نحو دور أميركا في خلق الأزمات والمشاكل التي تتسبب في الإضرار باستقرار الدول وتهديد السلم والأمن الدوليين. لكن يبدو أن هذه الرواية كانت تفتقد لعنصر الاتصال الاستراتيجي الذي يجعلها محور السياسة الإيرانية وتُعَبَّأ من أجلها موارد وطاقات الدولة للتأثير في الرأي العام الدولي والأميركي بشكل خاص. كما لم تستطع بناء عمليات معلوماتية تقهر خصمها السياسي، وإنما كانت تردد ما تتداوله وسائل الإعلام وبعض المجلات التي تشكك في إنتاج أميركا للفيروس ونشره في الصين، وهو ما أفقدها قوة الدفع الاستراتيجية أو حتى الدفاع عن الذات وصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية التي أثارها انتشار الوباء. لذلك، كانت الرواية الإيرانية، في نظر البعض، استجابة لحاجة داخلية؛ إذ بعد أن أخفى النظام الإيراني حقيقة انتشار الفيروس في البداية وأصر على تنظيم الانتخابات التشريعية ولم يوقف التجمعات ويغلق المزارات ولم يعزل المدن حينها بدأ فقط يتحدث عن حرب بيولوجية أميركية وعن استهداف أميركي لإيران بهدف إبعاد المسؤولية عنه(35).

من السرديات التي ظهرت في سياق هذا الصراع وافتقدت للبعد الاتصالي الاستراتيجي للدولة، نجد الرواية الروسية التي بلورتها بعض المؤسسات والجهات السياسية الروسية، وروَّجت لها أساسًا بعض وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتركز على نقطة واحدة بشكل متكرر، وهي أن النخب السياسية الغربية، لاسيما الأميركية، تقف وراء انتشار هذا الوباء في أرجاء العالم. وهنا، يبرز موقف زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي حمَّل الولايات المتحدة مسؤولية تفشي الفيروس، متسائلًا -في لقاء مع طلاب وأساتذة معهد الحضارات العالمية بموسكو-: “هل هو بالفعل نوع جديد من مرض الإنفلونزا؟ كلا، فالحديث يدور عن أزمة مصطنعة تقف وراءها الولايات المتحدة التي تتصرف بدوافع اقتصادية؛ إذ يخشى الأميركيون من الفشل في مسابقة الصينيين أو اللحاق بهم على الأقل”(36). واعتبر أن فيروس كورونا ليس الحالة الأولى التي تثير أزمة عالمية؛ إذ سبقه انتشار أمراض أخرى مثل إنفلونزا الطيور.

وتحاول الرواية الروسية أن تأخذ طابعًا علميًّا بمشاركة بعض الخبراء والمختصين في الأسلحة البيولوجية في تشكيل أبعادها؛ ويظهر ذلك في آراء بعض من تحملوا مسؤوليات وشاركوا في لجان دولية، مثل الدكتور إيغور نيكولين، الخبير في البيولوجيا والعضو السابق في اللجنة الدولية الخاصة بالسلاح البيولوجي والكيمياوي، الذي اعتبر أن تفشي جائحة كورونا في الصين ليس صدفة، فهو رابع وباء ينتشر في البلاد، مشيرًا إلى وجود 25 مختبرًا بيولوجيًّا أميركيًّا حول حدود الصين في كازاخستان وقرغيزستان وأفغانستان وباكستان وجمهورية لاوس وفيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية والفليبين… “في كل هذه البلدان هناك مختبرات أميركية بيولوجية، أي في كل البلدان المحيطة بالصين”(37). ويعتقد نيكولين أن الفيروس تم اختياره بعناية ليصل إلى البلدان التي تعتبر خصومًا للولايات المتحدة الأميركية، لاسيما الصين وإيران وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي بما في ذلك إيطاليا.

وتحاول بعض وسائل الإعلام المحلية أن ترسخ أبعاد هذه الرواية، مثل القناة الحكومية الأولى التي خصصت فقرة ثابتة لتناول “المؤامرة الغربية” بشأن فيروس كورونا، في برنامج الأخبار المسائي “الوقت”(38)، وتسعى هذه الجهود إلى تأكيد مسؤولية أميركا في تخليق الفيروس في مختبراتها البيولوجية العسكرية لإعاقة التنمية الاقتصادية المتسارعة في الصين.

وقد حاولت السلطة الروسية النأي بنفسها عن هذه الرواية في مناسبات كثيرة خاصة لما وجَّهت إليها واشنطن انتقادات بشأن وقوفها وراء حسابات تروِّج لمسؤولية أميركا عن إنتاج فيروس كورونا، ويبدو أن روسيا أوكلت هذه المهمة في إنتاج روايتها لأطراف مختلفة دون أن تكون محورًا للاتصال الاستراتيجي للدولة ومن ثم الاشتباك الرمزي واسع النطاق كما رأينا مع الرواية الأميركية نفسها أو الصينية.

خلاصة

أظهر الصراع الرمزي وحرب الأفكار التي أثارها انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، لاسيما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، طبيعة المواجهة وحقيقة الاشتباك بين الطرفين الذي يتجاوز ما سُمِّي بـ”الحرب الكلامية” أو “تبادل الاتهامات”؛ باعتبار أن الصراع يندرج في إطار الاتصال الاستراتيجي للدولة مُتَسَلِّحًا بالعمليات المعلوماتية أو الحرب النفسية التي يُراد لها عبر “القصف” الفكري/المعلوماتي استهداف الخصم السياسي و”مقاتلته نفسيًّا” بضخ الأفكار والمعلومات التي تنزع عنه الشرعية. وتعتمد حرب الأفكار/الحرب النفسية -كما لاحظنا- على إنشاء سردية تتوخى إحداث تغيير في الأفكار (التأثير المعرفي) والعواطف (التأثير النفسي) والسلوك العام (التأثير السلوكي) للأفراد والمجموعات والمنظمات والدول بطريقة تتناسب وأهداف مستخدمها.

ويكشف سياق الصراع الرمزي أثناء أزمة وباء كورونا، والمؤطَّر بالحرب النفسية الاستراتيجية والدفاعية، عن أهداف الأطراف المتصارعة التي تحاول كسب حرب الأفكار باعتبارها حربًا حقيقية لتحطيم الخصم معنويًّا وقهره سياسيًّا؛ لأن القتال النفسي الذي تخوضه الولايات المتحدة الأميركية ضد الصين يستهدف -كما ذكرنا- التأثير في الفكر والعواطف والسلوك وتترتب عليه نتائج سياسية في مراحل أخرى خاصة بعدما يتشكل رأي عام دولي ومحلي؛ حيث يتم بناء صورة عن الصين بأبعاد وقيم مختلفة تجعل سلوكها السياسي محل النقد والرفض باعتبارها دولة غير مسؤولة نشرت مُتَعَمِّدَة وباء كورونا في أرجاء العالم بعدما أنتجته في مختبر بيولوجي بمدينة ووهان (الفيروس الصيني كما يسميه ترامب أو فيروس ووهان كما ينعته بومبيو)، وتستهتر بالشرعية الدولية لعدم تعاونها مع الجهات المعنية وتعتيمها على ما يجري في المدن الصينية بشأن الحالات المرضية وطبيعة الفيروس…إلخ؛ وهو ما ينزع عنها الشرعية كنظام سياسي غير ملائم داخليًّا ولا يحظى بالقبول دوليًّا، ويكون ذلك العلامة التي تجهد واشنطن في دَمْغ ووَسْم الصين بها لمحاصرة نفوذها المتزايد وتحجيم دورها في مناطق النفوذ التقليدية لأميركا.

بينما تسعى الصين من خلال استراتيجيتها الدفاعية لصد الحرب النفسية الأميركية إلى حماية نفسها من الضربات والقصف الذي نال أولًا من سمعتها، وتخشى ثانيًا من تأثيراته على الجمهور المحلي. لذلك، كانت الرواية الصينية معنية بنفي أطروحات السردية الأميركية بدءًا بمنشأ فيروس كورونا الذي تعتبره إنتاجًا أميركيًّا نقله الجنود الأميركيون إلى ووهان، وهو ما يعطي للصراع بُعده الاستراتيجي (وليس تبادلًا للاتهامات أو حربًا كلامية) كما تنفي هذه الرواية المزاعم بشأن تهاون الصين في مكافحة الوباء والتعتيم على الحالات المرضية وطبيعة الفيروس وعدم التعاون مع المجتمع الدولي. وفي مرحلة لاحقة اهتمت الحرب النفسية الدفاعية بما يمكن تسميته باستراتيجية “الخروج للعالم” من أجل المساعدة في مكافحة انتشار الوباء وتقديم المساعدات والاستشارات الطبية للدول التي استفحل فيها الفيروس؛ وذلك أولًا: لفك “الحصار” الفكري الذي حاولت السردية الأميركية أن تضربه حول الصين، وثانيًا: لتقديم صورة نموذجية عن الذات الصينية في مكافحة الوباء؛ حيث أثبتت الإجراءات والسياسيات فاعليتها في الحد من انتشاره، وهو ما يمثل قصة النجاح الصينية في التعامل مع الأزمات، وثالثًا: تقديم صورة عن كفاءة النظام السياسي والحزب الشيوعي الحاكم و”صلاحيته” لإدارة الدولة، ردًّا على محاولة نزع الشرعية التي هدفت إليها السردية الأميركية. 

محمد الراجي

باحث بمركز الجزيرة للدراسات

مراجع

(1)    Michael Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War: Messages to Defeat the Terrorists (Washington: the Institute of World Politics Press, 2007).

(2)    نبيل عبد الفتاح، “ثورة 1919: الصراع على السرديات التاريخية التأسيسية”، تايمز أوف إيجيبت، 31 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2wfjFGl. 

(3)    مارثن بيكرز وآخرون، الحياة في العصور الوسطى، (كامبريدج ستانفورد، د.ت): https://bit.ly/2V7cIzL. 

(4)    “كورونا والإيدز والطاعون: أمراض نظريات المؤامرة!”، DW، 11 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/39LF4Vc. 

(5)    بيكرز وآخرون، الحياة في العصور الوسطى، مرجع سابق.

(6)    ديفيد روبسون، “لماذا تسببت الإنفلونزا الإسبانية في وفاة ملايين البشر؟”، بي بي سي، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bbc.in/2yvz5He. 

(7)    محمد عوض تاج الدين، “وباء الإنلفونزا الإسبانية تفوق على الطاعون: أصاب خمس العالم وقتل خمسين مليونًا”، الوطن، 25 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3aL0uDb. 

(8)    Dave Emory, “Biological Warfare: Did the Germans Cause the 1918 Flu Epidemic?,” spitfirelist, September 8, 2012, “accessed April 5, 2020”. https://bit.ly/39Ptmci. 

(9)    إسماعيل عزام، “السيدا..فيروس صنعته أميركا لتقليص عدد البشر”، هسبريس، 27 يوليو/تموز 2013، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Xdb0zw. 

(10)    “كورونا والإيدز والطاعون”، مرجع سابق.

(11)    “الإيبولا: حرب بيولوجية ضد إفريقيا؟”، القدس العربي، 16 سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2UIvyy2. 

(12)    “Why is Ebola Only in Africa?,” eyegambia, October 22, 2029, “accessed April 6, 2020”. https://bit.ly/2Rfysbp.

(13)    Paul Craig Roberts, “Is The US Government The Master Criminal Of Our Time?,” paulcraigroberts, October 14, 2014, “accessed 6, April 2020”. https://bit.ly/39NPZxV. 

(14)    Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 14-15.

(15)    Ibid, 14.

(16)    فارس محمد أحمد، “الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة الصينية”، (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الموصل، د.ت)، ص 5.

(17)    نقلًا عن إدموند غولين، في “الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة الصينية”، مرجع سابق، ص 6. 

(18)    Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 15.

(19)    ريا قحطان الحمداني، الإسلاموفوبيا: جماعات الضغط الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1 (القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 2011)، ص 111-112.

(20)    Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 15.

(21)    Bill Gertz, “Coronavirus may have originated in lab linked to China’s biowarfare program,” The Washington Times, January 26, 2020”. https://bit.ly/2yT9IiW. 

(22)    محمد الأمين موسى، “محددات تغطية الفضائيات الإخبارية لجائحة كورونا في عصر الرقمنة”، مركز الجزيرة للدراسات، 9 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 9 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2RwLAcf. 

(23)    Walter Russell Mead, “China Is the Real Sick Man of Asia,” The Wall Street Journal, February 3, 2020, “accessed April 1, 2020”. https://on.wsj.com/3c7NOqq. 

(24)    محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية-(جزء 1)”، مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3bcdZME. 

(25)    David Choi, “Republican senator: It’s time to hold China ‘accountable’ for the coronavirus,” businessinsider, “accessed April 1, 2020”. https://bit.ly/2z41PqY. 

(26)    Timothy P. Carney, “On coronavirus origins, a lot of people owe Tom Cotton an apology,” washingtonexaminer, April 3, 2020, “accessed April 15, 2020”. https://washex.am/3abIBfV. 

(27)    “الداعم الأكبر ينسحب من حرب كورونا: ماذا بعد تعليق ترامب تمويله لمنظمة الصحة العالمية؟”، برنامج سيناريوهات، قناة الجزيرة، 16 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 17 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Kgou5L. 

(28)    John Hudson, Souad Mekhennet, “G-7 failed to agree on statement after U.S. insisted on calling coronavirus outbreak ‘Wuhan virus’,” washingtonpost, March 25, 2020, “accessed April 17, 2020”. https://wapo.st/2xv9kHa. 

(29)    حميدة سميسم، الحرب النفسية، (بغداد، الدار الثقافية للنشر، 2004)، ص 14.

(30)    المرجع السابق، ص 16.

(31)    “متحدث خارجية الصين ينشر تفاصيل جديدة عن ضلوع أميركا في نشر كورونا بووهان”، أخبارك، 17 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3evk6xA. 

(32)  محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (ج 2)”، مركز الجزيرة للدراسات، 30 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 17 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2wQDUdM. 

33)    سميسم، الحرب النفسية، مرجع سابق، ص 27.

(34)    علي أكبر داريني، “فيروس كورونا يعمق الشرخ بين إيران وأميركا (منظور إيراني)”، مركز الجزيرة للدراسات، 29 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Kpu19X. 

(35)    “كورونا شاغل العالم…مؤامرة أم حقيقة واقعة؟”، الخليج أونلاين، 21 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2zbnWM1. 

(36)    “سياسي روسي: الولايات المتحدة وراء تفشي فيروس كورونا!”، RT، 25 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/34YkksQ. 

(37)    “كورونا تتسلط على العالم”، قناة RT، يوتيوب، 27 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): shorturl.at/FJKRV.

(38)    “فيروس كورونا: الإعلام الروسي يشير إلى المؤامرة الأميركية”، بي بي سي، 9 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): shorturl.at/fgrDI.

——————————————–

الرابحون من كارثة كورونا! كيف حقق رجال أعمال أمريكيون ثروة قيمتها 308 مليارات دولار بعد الوباء؟

    من هو الرابحون؟

    الأغنياء دوماً محظوظون!

“لا تدع أي أزمة مفيدة تضيع هباء” يبدو أن هذه المقولة قد تكون الأنسب لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية عقب تفشي جائحة كورونا في أرجاء العالم إذا استفاد نحو 1% من الأمريكيين من هذه المقولة.

كان بعض من أثرى أثرياء الولايات المتحدة من أوائل المستفيدين من تريليونات الدولارات التي قدمتها الحكومة لدعم الاقتصاد المتوقف بسبب الجائحة. وفي الوقت نفسه، أضافت فئة المليارديرات 308 مليارات دولار لثروتها في أربعة أسابيع، حتى مع فقدان 26 مليون شخص وظائفهم، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ووفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد دراسات السياسة، وهو مركز بحوث مستقل، في الفترة بين 18 مارس/آذار و22 أبريل/نيسان، نمت ثروة أصحاب النفوذ الأمريكيين بنسبة 10.5%. وبعد الركود الأخير، استغرق الأمر أكثر من عامين لكي يصل إجمالي الثروة المليارديرات إلى المستويات التي وصل إليها عام 2007.

من هو الرابحون؟

وشهد ثمانية من هؤلاء المليارديرات زيادة في صافي ثرواتهم بأكثر من مليار دولار لكل منهم، ومن هؤلاء صاحب شركة أمازون، جيف بيزوس، وزوجته السابقة ماكنزي بيزوس. وإريك يوان، مؤسس موقع Zoom. ورئيس مايكروسوفت السابق ستيف بالمر؛ وإيلون ماسك، المدير التنفيذي لتسلا وشركة SpaceX.

وتأتي هذه الأرباح الهائلة التي حققها المليارديرات في الوقت الذي تفيد فيه بعض الشركات الكبرى والمليونيرات والمليارديرات من خطة إنقاذ بقيمة 349 مليار دولار كانت تهدف إلى إنقاذ الشركات الصغيرة المتضررة بشدة. وتمكنت حوالي 150 شركة عامة من جمع أكثر من 600 مليون دولار من القروض التي يمكن الإعفاء من سدادها قبل نفاد الأموال.

وبحسب تحليل أجرته الإذاعة الوطنية العامة، كان أداء البنوك التي كانت من أكبر المستفيدين من أموال الإنقاذ في الركود الأخير جيداً أيضاً، حيث جمعت 10 مليارات دولار في صورة رسوم من القروض الحكومية.

يقول تشاك كولينز، مدير برنامج عدم المساواة والصالح العام في معهد دراسات السياسات والمشارك في إعداد التقرير الجديد: “كان شعارهم: سنربح في كل الأحوال”.

وقال كولينز إن الجائحة كشفت المزيد من التصدعات في الهيكل السياسي الأمريكي التي أدت إلى زيادة الهوة بين الأغنياء وبقية الطبقات على مدى عقود.

قال كولينز: “لقد انقلبت قواعد الاقتصاد لتصب في صالح أصحاب الأصول على حساب الآخرين”.

ويُشار إلى أنه بحلول عام 2016 -بعد سبع سنوات من نهاية الركود الأخير- لم تكن الشريحة الدنيا التي تبلغ نسبتها 90% في الولايات المتحدة قد تعافت بعد من الركود الأخير، بينما كانت ثروة الشريحة العليا التي تبلغ نسبتها 10% أكبر مما كانت عليه عام 2007.

الأغنياء دوماً محظوظون!

وطوال فترة الانتعاش، كانت مكاسب سوق الأسهم تصب في صالح الأغنياء. إذ كانت شريحة الـ 1% العليا تملك ما يقرب من 38% من إجمالي الأسهم، وفقاً لبحث أجراه الخبير الاقتصادي في جامعة نيويورك إدوارد وولف. وحتى قبل ظهور فيروس كورونا، كانت ملكية المنازل في الولايات المتحدة -وهي مصدر تقليدي لزيادة الثروة- أقل بكثير من ذروتها عام 2004.

ولم ترتفع أجور الأمريكيين. إذ ظل نمو الأجور بطيئاً خلال النمو القياسي الذي دام عقداً من الزمن في سوق الوظائف الذي أعقب الركود الأخير.

أما وضع الأمريكيين من أصل إفريقي والأمريكيين اللاتينيين فهو أسوأ. إذ إن الهوة في الأجور بين السود والبيض اليوم أكبر مما كانت عليه عام 1979.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت ثروة أصحاب المليارات بنسبة 1.130% بين عامي 1990 و2020، وفقاً لمعهد دراسات السياسة. وهذه الزيادة أكبر بأكثر من 200 مرة من نمو بنسبة 5.37% في متوسط الثروة في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها. وانخفضت الالتزامات الضريبية لأصحاب المليارات الأمريكيين، التي تُقدَّر بنسبة مئوية من ثرواتهم، بنسبة 79% بين عامي 1980 و2018.

لذا، عندما جاءت هذه الجائحة، كان هؤلاء في قمة هرم الثروة في وضع أفضل من أي وقت مضى للاستفادة من هذه الفوضى. أما الآخرون فلم يستفيدوا كثيراً.

ويُشار إلى أن كولينز يدرس عدم المساواة في الدخل منذ 25 عاماً وشهد تحقيق الأغنياء فوزاً بعد آخر. ولكن حتى هو فوجئ بسرعة تحويل أصحاب المليارات في أمريكا هذه الجائحة إلى أرباح. وقال: “أنا مصدوم”.

———————————

المواجهات بين أميركا والصين وإيران وروسيا على وقع الفيروس والأسعار النفطية/ د. راغده درغام

للنفط علاقة بالتصعيد الذي طرأ مؤخّراً على العلاقة الأميركية – الإيرانية، كذلك للانتخابات الرئاسية الأميركية وتوقيت شهر رمضان علاقة. فبعض القيادات الإيرانية يرى في الشهر المبارك فرصة لحشد المشاعر الإسلامية وراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حال نفّذ الرئيس دونالد ترامب أوامره “بتدمير أي زوارق إيرانية تتحرّش” بالسفن الأميركية. هذه القيادات ترى في التصعيد فُرصةً لرفع أسعار النفط المُنهارة ومناسبةً لجرّ ترامب إلى مواجهة عسكرية مُكلفة له انتخابياً، في رأيها.

“المواجهة في صدد الإعداد حالياً في طهران” يؤكد مصدر مطّلع على تفكير القيادات الراغبة باستفزاز ترامب الى اتخاذ عمل عسكري في هذا التوقيت بعيداً عن الضغوط الاجتماعية الداخلية. “انهم يتهيّؤون لمرحلة ما بعد رمضان الفائقة الصعوبة” بسبب آثار فيروس كورونا على الاقتصاد إضافة إلى آثار العقوبات الأميركية، قال المصدر، إنما ليس هناك أي مؤشر إلى استعدادهم للمرونة أو لإعادة النظر في سياساتهم بالرغم من الصعوبات.

زيارة وزير الخارجية الإيراني الى دمشق هذا الأسبوع أتت لتؤكد استمرار النهج وتوطيد العلاقات مع الرئيس بشار الأسد. فورة الصحف الروسية التي تناقلت خبر استياء روسيا من الأسد ومن الدور الإيراني في سوريا خمدت.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدّث مع نظيره الإيراني حسن روحاني وتم الاتفاق على استمرار التعاون الوثيق في سوريا، والمضي في دعم الأسد. وبحسب مصادر مقرّبة من صنع القرار في موسكو، ستقوم روسيا بمد المعونة مجدداً للأسد لبدء عملية هجومية جديدة في إدلب، كما ان سوريا تلقّت دبابات روسية جديدة من نوع “أرمادا” وهي موضع الاختبار هناك منذ نهاية الشهر الفائت وطوال الشهر الجاري. الحملة الإعلامية أدّت مهامها لناحية الإيحاء للرأي العام الروسي بما أوحت به علماً أن هذا الرأي العام لا يبالي بسوريا وهو خائف من انعكاسات كوفيد-19 والأزمة النفطية والتعبئة العامة على اقتصاده سيما وأن الرئيس بوتين لم يفرض حظر التجوّل الرسمي لأنه يعني ان على الدولة أن تمد العون المادي للمواطنين – وهذه كلفة كبيرة روسيا غير قادرة عليها حالياً. الشعب مستاء، والرئيس مستاء خصوصاً أنه اضطر الى تأجيل احتفاءات النصر التي كان يفترض أن يحضرها 40 رئيساً في 9 مايو وتأجيل التصويت على الدستور المعدّل والذي أراده بوتين تكليفاً ومباركةً شعبية له. إنما روسيا ليست وحدها بين الدول الكبرى التي تواجه المعاناة من فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط.

الصين تواجه حملة أميركية وأوروبية ضخمة تُحمِّلها المسؤولية في تفشي الوباء سيكون لها عواقب مالية. ثم ان هناك مؤشرات اما على موجة جديدة من فيروس كورونا أو على فيروس جديد، وهناك مخاوف كبيرة بعد إغلاق مدينة “هاربين” على طريقة إغلاق مدينة “ووهان”. الجميع يراقب ماذا سيحدث عند اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في الأسابيع المقبلة وسط توقعات بإلغاء الصين مبادرة “الحزام والطريق” الفائقة الأهمية لها اقتصادياً ومعنوياً وسياسياً.

أما الولايات المتحدة، فإنها بدورها في عقر دار الأزمة المترتّبة على فيروس كورونا وأسعار النفط وأبرزها مستوى البطالة الهائل الذي إذا لم ينخفض في نهاية شهر مايو، قد يؤثر سلبياً في حظوظ دونالد ترامب بولاية ثانية. ثم ان أسعار النفط قد تبدو للوهلة الأولى في مصلحة المواطن الأميركي، لكن هذه الأسعار قد تؤدّي إلى إفلاس كبار شركات النفط الأميركية وانهيار قطاع النفط الفائق الأهمية. انعكاسات كل ذلك على الانتخابات الرئاسية الأميركية قد تأتي على دونالد ترامب بما لا يشتهيه مع ان المؤشرات ما زالت تفيد بأن النتيجة الانتخابية ستكون الأرجح لصالحه.

هناك قلق عميق لدى الكثير من الحكومات بأن تؤدّي الأزمة الى اضطرابات اجتماعية والى ازدياد الثورات والمظاهرات “الافتراضية” Virtual التي بدأت وستكون مؤلمة للقيادات بآثار جديدة من نوعها. نمو الاحتجاجات الافتراضية يساهم في مغامرة بعض القيادات في فتح البلاد لأن بقاء الناس في بيوتهم يجمع بين البطالة والاضطرابات. لكن انهيار الاقتصاد وارتفاع البطالة هما العدو الأكبر لأية حكومة ولأي رئيس، ودونالد ترامب في الطليعة بسبب الانتخابات المقبلة.

المرشّح الجمهوري دونالد ترامب يقف في عين العاصفة في العلن فيما المرشّح الديموقراطي المفترض جو بايدن يعاني من الانعزال لكنه ليس في واجهة المسؤولية عمّا سيؤول اليه الاقتصاد نتيجة كورونا والنفط لأنه خارج السلطة والقرار. الناخب الأميركي قاسٍ على قيادته عندما يتعلّق الأمر بالاقتصاد والبطالة. دونالد ترامب يغامر بفتح البلاد وفي ذهنه معالجة آفّة البطالة بينما بايدن يتفرّج على احتمال فتك تلك الآفّة بمنافسه على البيت الأبيض. برنامج ترامب الانتخابي يمر عملياً بالامتحان فيما برنامج بايدن الانتخابي قادر أن يبقى في خانة الوعود حتى إشعار آخر. هذا سيف ذو حدين لكل من المرشّحينِ.

العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تشكّل عنصراً أساسياً في الانتخابات الرئاسية. الديموقراطيون، عامّة، يتّهمون الرئيس ترامب بالمغالاة في توجيه اللوم إلى الصين لأسباب انتخابية. لكن انضمام ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية إلى تحميل الصين جزءاً من المسؤولية عن تفشّي الوباء إنما وضع الديموقراطيين في خانة بعض الضعف والهشاشة.

الجمهوريون دعموا مواجهة الصين وهناك مَن وجّه إليها تُهمة انطلاق فيروس كورونا من مختبر– إما عن طريق الخطأ، أو عمداً لأسباب تنافسيّة- ومَن بدأ يتحرك بمشاريع قوانين لمعاقبة الصين. كل هذا الأرجح أن يؤدّي إلى تفاقم مشاكل الصين المالية وانحسار مكانتها المعنوية بالذات لأن التهم الموجّهة اليها ليست فقط أميركية وإنما أيضاً أوروبية.

روسيا، كما الولايات المتحدة والصين، في ورطة نتيجة الفيروس إنما نتيجة أسعار النفط بالدرجة الأولى. النائب السابق لوزير الخارجية الروسية ورئيس صندوق الأبحاث والاستشارة السياسية، أندريه فيدوروف، كان توقّع في مقال الأسبوع الماضي انهيار أسعار النفط الى دون الصفر– وهكذا حدث في غضون يومين. رأيه هو أن أزمة النفط الجديدة “في غاية السوء لروسيا لأنها لا تمتلك المرونة التي تتمتع بها السعودية”، ذلك ان روسيا “لم تتهيأ بالمخازن لتخزين النفط إذ لديها عدد قليل منها، ولذلك ليس لديها المخازن التي تحتاجها” كي لا يتوقف الإنتاج، “ومشكلتنا هي ان روسيا غير قادرة على بيع النفط”. وبحسب فيدوروف “في وسع سوق النفط أن يدمِّر الكثير سيما إذا استمر إغلاق البلاد، والاستياء الشعبي، والاضطرابات الاجتماعية كتلك في أوسيتيا Oscteia. فنحن على عتبة أزمة اقتصادية أقلّه لفترة سنتين”.

هذه الأزمة لم تمنع استمرار روسيا في استراتيجيتها نحو سوريا ولم تؤثّر في نوعية العلاقة الاستراتيجية الميدانية مع إيران في سوريا. لكن هذه الأزمة حالت دون تلبية روسيا طلب إيران منها ان تمدّ المعونة لها بقيمة 2 مليار دولار. هذا إضافة إلى عدم قدرة روسيا الاستمرار ببيع النفط الإيراني نيابة عن طهران لأنها غير قادرة على بيع النفط برمّته.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها مفهومها المميّز لكيفية التعاطي مع الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الفيروس والعقوبات وتدهور أسعار النفط. فبعد أن استنتجت ان كوفيد-19 لن يؤدّي إلى رفع العقوبات الأميركية أو إلى تفعيل الآلية الأوروبية للقفز على العقوبات، ارتأت ان استدعاء المواجهة العسكرية مع دونالد ترامب خلال شهر رمضان سيكون في صالحها. وراء هذا المنطق ان من شأن المواجهة العسكرية أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وان الضربة الأميركية العسكرية التي توعّد بها الرئيس ترامب إيران مفيدة لجهة حشد الدعم المعنوي والإسلامي لطهران سيما خلال شهر رمضان، وان هناك حاجة إلى إثبات النفس وشد العضلات خلال هذا الشهر بالذات.

هناك معلومات عن إمكانية استهداف إيران لناقلات في الخليج في غضون أسبوع ومعلومات أخرى تفيد أن الولايات المتحدة حصلت على تلك المعلومات، ولذلك قرر الرئيس ترامب أن يحذّر استباقياً ويصدر أوامر الضربة العسكرية في حال تعرّضت إيران بالذات لناقلات أميركية وربما أوروبية. إنما ليس واضحاً ان كانت الولايات المتحدة ستفعّل العمل العسكري إذا استهدفت إيران ناقلات خليجية.

لا توجد مؤشرات على انحسار المواجهات العسكرية أو الاقتصادية أو الاضطرابات الاجتماعية في فترة ما بعد احتواء فيروس كورونا. فالأعصاب تزداد توتّراً لدى القيادات والشعوب نتيجة أعاصير رهيبة أتى بها هذا الوباء المجهول المصدر والهوية.

—————————–

جائحة “كوفيد-19” ومستقبل الفضاء العام في المدينة/ ماجد دغلس

تعريف (1):

يوصف الفضاء العام في مجال التخطيط الحضري بأنه “فضاء مفتوح”، ويحال إلى هذا الوصف كل من الشوارع والحدائق ومناطق الترفيه والساحات وغيرها من الفضاءات الخارجية التي يديرها القطاع العام، بالاضافة إلى تزايد عدد الفضاءات شبه العامة التي تديرها الشراكات بين القطاع الخاص والعام، أو التي يتم إدارتها عن طريق القطاع الخاص فقط، ولذلك على ضوء تزايد سياسات الخصخصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، يتوجب فهم الفضاء العام باعتباره “فضاء مفتوح للعموم” وفقاً لمعايير علم الاجتماع يوسع مفهوم الفضاء العام إلى “أي حيز مكاني يمكن للأفراد الولوج إليه”، إضافة للفضاءات الكلاسيكية (الشوارع، الحدائق العامة، مرافق النقل، فضاءات الاستهلاك والتسوق).

بالاضافة لما ذكر أعلاه، وعلى ضوء المتغيرات السياسية والاجتماعية في المدينة يمكن اعتبار المقاهي كمكان مفتوح للقاء والنقاش والتواصل الاجتماعي، والساحات كمكان مفتوح للتجمع السياسي والتظاهر، ضمن تعريف مستحدث للفضاء العام.

محاولات السيطرة:

تساهم الفضاءات العامة في تشجيع الحياة الاجتماعية والثقافية، بالاضافة لتحقيقها مفاهيم “العدالة الاجتماعية والعمرانية والإنسانية، من خلال إتاحة الفرصة كي يجتمعوا في المكان نفسه على قدر المساواة”، واقتصادياً، يشكل وجود الفضاء العام في الحيز المديني، استقطاعاً من الأراضي الصالحة للبناء والمرتفعة السعر، وهذا يهدد وجوده باستمرار، نظراً لمحاولات استغلاله لتحقيق الربح، سواء من قبل الدولة نفسها، او من خلال تضمينه أو بيعه للقطاع الخاص (2).

يقدم المؤرخ خالد فهمي نقداً لحالة الميادين العامة في مصر في مقالته (الميدان لمين؟)، فمن خلالها يستنتج انه من خلال تصميم الميادين التي تخلو من الأشجار والمقاعد، تم منع الناس من التقابل والتفاعل والتحدث، وبالمعنى القانوني (التجمهر)، بما يشكل خطراً(3).

لقد قل ارتباط الناس بفضاءات مثل الميادين والشوارع العامة، بسبب تحولها إلى “عقد مرورية” وبالتالي التعامل معها من قبل المخططين على أنها مراكز مرورية أكثر من كونها “فضاءات إنسانية”(4).

إن محاولات السلطات السيطرة على الفضاء العام تشمل فرض سيطرتها على المنتزهات العامة والحدائق ومرافق النقل العمومي، من خلال فرض النظام داخلها عن طريق شرطة البلديات أو شركات الأمن الخاصة ومراقبتها بالكاميرات، منعاً لأي حدث أمني خطير ولفرض الرقابة. خاصة مع انتشار سياسات هوس تركيب كاميرات المراقبة في الشوارع والميادين و المنتزهات والمراكز التجارية تحت بند التدابير الأمنية الاحترازية، ولكشف الجرائم والسرقات.

ومن أهم مظاهر محاولات سيطرة الدولة ورأس المال على الفضاء العام، سياسات تضمين وخصخصة الفضاءات الترفيهية العامة بما يحقق أرباح للقطاع الخاص(5). والجدير بالملاحظة أن بعض البلديات تفرض رسوماً على الدخول إلى هذه الفضاءات، ورسوماً على استخدام المراحيض العامة التابعة لها أو المنتشرة في المدينة.

إغلاق وعسكرة المدن في مواجهة كورونا:

تم إعلان فيروس كوفيد 19 المعروف باسم كورونا كجائحة عالمية في الحادي عشر من آذار من العام الحالي، ومع ازدياد حالات الإصابة والوفاة، تم إغلاق عدد كبير من المدن، وفرض منع الحركة وحظر التجول(6).

تم إعلان حالة الطوارئ في بعض الدول، وإغلاق جميع المرافق الخاصة والعامة والأسواق التجارية، عدا محال البقالة، والمخابز والصيدليات، وبعض فروع البنوك، وتسيير الدوريات بشكل دائم في الشوارع. بالإضافة لتقسيم بعض المدن إلى مناطق جغرافية، مغلقة بواسطة حواجز اسمنتية أو حديدية بهدف تمكين القوى الامنية من السيطرة على المناطق بكفاءة(7) ، لسان حال المسؤولين الحكوميين والأمنين: اتبع تعليمات الحكومة ورجال الأمن لتبقى على قيد الحياة.

احتمالات أثناء/ما بعد الجائحة:

في الوقت الذي انهت فيه السلطات الصينية إغلاق مدينة ووهان، وسمحت بحرية التنقل داخلها، والخروج منها(8)، لا يزال باكراً توقع انتهاء تأثير الفيروس على الكوكب، يطرح الخبراء ثلاث طرق رئيسية لمواجهة الفيروس: أولها تطوير لقاح وعلاج لمواجهة الفيروس خلال عام ونصف، أو تطبيق سياسة (مناعة القطيع) وهي أن يترك الفيروس ليصيب الناس، على أن تبدأ الأجساد بتكوين مناعة ذاتية، وآخرها وأخطرها ما يرجحه البروفيسور وولهاوس، إذ يقول “الخيار الثالث هو التغيرات الدائمة في سلوكنا التي تسمح لنا بالحفاظ على معدلات انتقال منخفضة للعدوى”(9).

يكمن التخوّف من استغلال السلطات والأجهزة الأمنية في مختلف دول العالم للإجراءات الاحترازية المتخذة لمنع تفشي الجائحة، باستمرار حالة الطوارئ أو سن قوانين جديدة أو إجراءات تفرض بعض القيود على الحركة والتنقل، والإيقاف العشوائي للمارة وإقامة الحواجز وتسيير الدوريات لمنع أي احتجاجات مستقبلية متوقعة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تلوح بالأفق. وقد يصل الأمر إلى فرض قيود جديدة دائمة بحجة التخفيف التدريجي للإجراءات الاحترازية إن استمر تأثير الجائحة، وهنا مكمن الخطورة بأن يتم التعامل مع هذا التأثير على أنه تغيير في السلوك الفردي والجماعي متبوع بانخفاض منسوب الحريات ومن ضمنها حرية الحركة والتنقل و حرية التجمع والتجمهر، وبالتالي استغلال انتشار الفيروس لخدمة السلطات بإحكام السيطرة الأمنية على الفضاء العام وزيادة انتشارها، حفاظاً على مصالحها ووجودها وقمع أي محاولة لتهديد استقرارها.

وما قد يتبع ذلك من تخفيض الموازنات الخاصة بالفضاءات العامة من حدائق عامة، وموافق نقل، وساحات ومناطق ترفيه، وبالتالي إتاحة الفرصة لخصخصتها واحتكارها من قبل رأس المال تحت حجة عدم القدرة على إدارتها لتشكيلها عبئاً على الموازنات العامة، خاصة مع اشتراطات النظافة المتعلقة بالتعقيم الدائم للفضاءات لمنع انتشار الفيروس.

بالإضافة لما سبق، قد يتم اتخاذ قرارات تتعلق بالأسواق الشعبية (سلع تموينية، خضار، فاكهة، ملابس.. الخ) المنتشرة في مراكز المدن، بحجة منع الاكتظاظ وافتقارها لشروط النظافة العامة، وما قد يتبع ذلك من قرارات لتنظيم هذه الأسواق والتي تتضمن ازالة البسطات والحد من انتشارها، أو نقلها لأماكن جديدة بعيدة عن مركز المدينة الحيوي الذي يتطلع اليه الرأسمال العقاري كمشاريع استثمارية جديدة وفرصة لزيادة الثروات، ومما لا شك فيه أن للشائعات والأخبار الكاذبة والقضايا الملفقة دور كبير في عملية السيطرة هذه.

في خبر منشور على موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان(10)، حذر خبراء من الأمم المتحدة من استغلال الدول للتدابير الأمنية المتخذة للتصدي لتفشي فيروس كورونا المستجد، وبين الخبراء أن إعلان حالة الطوارئ يجب ان يتبع توجيهات واضحة من القانون الدولي. وقالوا: عند استخدام صلاحيات استثنائية يجب الإعلان عنها صراحة وإبلاغ هيئات المعاهدات ذات الصلة حين تؤدّي إلى تقويض الحقوق الأساسية بما في ذلك الحركة والحياة الأسرية والتجمع، فتمسي محدودة إلى أقصى الدرجات”.

وفي البلدان التي ينحسر فيها الفيروس، على السلطات أن تسعى إلى إعادة الحياة إلى طبيعتها وأن تتجنّب استخدام صلاحيات الطوارئ المفرطة عند إعادة تنظيم الحياة اليومية.

نحو زيادة الوعي بالحق في الفضاء العام

يشكل الفضاء العام أساس المدينة الديمقراطية المتسمة بالمساواة، وهو مكان يتعرف الناس فيه على بعضهم البعض، عبر انشطة الاستهلاك أو التواصل الاجتماعي أو الاحتجاج والتعبير عن الآراء، ولكي نعتبر المكان مكاناً عاماً، عليه أن يكون متاحاً للجميع بغض النظر عن الاختلافات والفروقات الجنسية أوالاجتماعية أوالطبقية(11).

في عام 1991 ذكرت كولومبيا الحق في الفضاء العام بشكل صريح في دستورها “من واجب الدولة حماية سلامة الفضاء العام وتخصيصه للاستخدام المشترك، ولهذا أولوية على مصلحة الفرد”، في الوقت الذي كانت تعبر فيه العاصمة بوغوتا من أخطر مدن العالم. بالإضافة لدستور الاكوادور الذي حدد في عام 2008 العلاقة بين الفضاء العام والتحسن في نوعية الحياة “للأفراد الحق في الوصول إلى الفضاء العام والمشاركة فيه كفضاء للمناقشات والتبادل الثقافي واللحمة الاجتماعية وتعزيز المساواة والتنوع. يجب على الحق في التواجد في الفضاء العام، كواحد من المظاهر الثقافية للفرد، أن يُمارس دون أي قيد آخر بخلاف تلك المنصوص عليها في القانون، وفقاً لمبادئ الدستور”(12).

إن مهمة حماية الفضاء العام باعتباره ملكاً للجميع هي جزء لا يتجزأ من أي نضال سياسي واجتماعي وطبقي، وتزداد أهمية هذا النضال مع التهديد المستمر للإنجازات السابقة في هذا المجال في عصر الخصخصة والبيع المجاني لأملاك الشعوب.

المصادر:

١- تونيلا، ستيفان. 2019. سوسيولوجيا الفضاءات الحضرية العامة. إضافات : المجلة العربية لعلم الاجتماع،مج. 2019، ع. 46، ص ص. 147-162.

https://search.emarefa.net/detail/BIM-903518

٢- عبد الرؤوف، علي. 2019. شعب وميدان ومدينة:  العمران والثورة والمجتمع القصة الإنسانية والمعمارية والعمرانية لميدان التحرير. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.

٣- المصدر السابق.

٤- المصدر السابق.

٥- على سبيل المثال، قامت بلدية نابلس بالتعاقد مع احدى شركات القطاع الخاص لإعادة تأهيل منتزه سما نابلس التابع في عام 2014، رابط الخبر: https://www.maannews.net/news/697918.html، تاريخ الدخول 12 نيسان 2020

٦- عبد الحافظ، شادي. 2020. هل كانت الصين قادرة على منع تفشي (كوفيد-19) منذ البداية؟، انفوغرافيك، رابط المقال: https://midan.aljazeera.net/miscellaneous/science/2020/4/1/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%aa%d9%81%d8%b4%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7، تاريخ الدخول 12 نيسان 2020

٧- على سبيل المثال، قامت لجنة السير في محافظة نابلس بتقسيم المدينة إلى خمس مناطق جغرافية، رابط الخبر:

http://www.alhayat-j.com/ar_page.php?id=4c4d1cey80007630Y4c4d1ce، تاريخ الدخول 12 نيسان 2020

٨- رابط الخبر:

https://www.bbc.com/arabic/world-52214447

٩- مقالة منشورة على موقع الجزيرة، رابط المقال:

https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/3/24/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%B5%D8%AD%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D8%B9 ، تاريخ الدخول 12 نيسان 2020

١٠- رابط الخبر:

https://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=25722&LangID=A

١١- عبد الرؤوف، علي، مصدر سابق.

١٢- (12)الحق في الفراغ العام في الدستور المصري، موقع مبادرة تضامن، رابط المقال:

http://www.tadamun.co/the-right-to-public-space-in-the-egyptian-constitution-a-2/#.XpNg2_0za1s، تاريخ الدخول 12 نيس

مجلة رمان

————————————

ماذا فعلنا وماذا سنفعل؟/ رائد وحش

تشابهت أحوالنا البشرية في زمن الكورونا تشابهًا مضى إلى التطابق في كثير من الحالات، أهمها في الحجر والاعتزال وإجراءات الوقاية. تشابهنا في الخوف من المرض، وفي الضجر من الحجر. تشابهنا في القلق والسأم والتأمل في الموت.

البعض منا قوّى علاقته مع الرياضة لأن جلسات المنزل الطويلة جعلت الأبدان توشك على التكلس، والبعض الآخر استعاد علاقته مع الطبيعة لكون الحدائق والبراري هي الأمكنة الوحيدة التي ظلّت في منأى عن الإغلاق.

ترغمنا هذه التشابهات الكثيرة على البحث عن التشابه في تفكيرنا بالمصير البشري في مرحلة ما بعد الجائحة، لكن المؤشرات البسيطة، التي تعتمد على ملاحظاتنا الشخصية، تقول إن شيئًا لن يتغيّر في هذا العالم، فالناس العاطلون عن الحياة في الوقت الحالي يترقبون فرصة عودتها لكي يستعيدوا كل ما كانوا فيه، الأمر ينطبق بالدرجة ذاتها من الترقب على المؤسسات الاقتصادية.

على الرغم من أن كل شيء أخذ عطلة إلا أننا لم نستعمل هذا الوقت كفسحة للتفكّر في أحوالنا، ما يعني أن تطلعاتنا ببحث البشر عن أساليب حياة جديدة أمر غير وارد في المدى المنظور.

في كل ما حدث من حولنا، ولنا، يبقى الخوف من الموت والنهاية الأكبر تأثيرًا، لكن سؤال الموت لا معنى له ما لم يرتبط بأسباب الموت ذاتها. صحيح أننا نموت من نفاد الزمن والتعب والشيخوخة، لكنّ في العالم أمثلة قوية عن موت آخر يأتي من سعار السلطة والفساد والجشع.

ما حلمت به النظريات الكبرى وفشلت في تحقيقه سياسيًّا نجحت الطبيعة في جعله واقعًا، فها هو المرض أممي أكثر من الشيوعية، وعابر للحدود والقوميات أكثر من أعتى أحلام الرأسمالية، وذلك كله بدون نظريات فلسفية أو أحزاب أو هيئات أو منظمات مجتمع مدني، إنما بسبب التشابه الذي ننكره ونتعالى عليه، ونعطيه ما يلزم من أوصاف تبعده عن حقيقته الكلية: الإنسان واحد. لأننا نريد عزل التجارب البشرية، وتقسيم العالم، وتشييد حدود وهمية.

جاء الكورونا بأخطار الألم والخوف. هذا صحيح. لكنه جاء أيضًا ليفتح العيون على أشياء كثيرة، ليس أقلها أكاذيب الأنظمة التي لم تكن مستعدة لشيء، وهنا نتحدث عن دول عربية لا تَعِد مواطنيها حتى بقبور، في الوقت الذي تتمتع نخبها الحاكمة، ومن يدور بفلكها، بما يجعل فكرة الجنة مجرد مزحة أمام ما يملكونه.

الدولة الفاشلة في بناء مستشفى لا تستحق أن تُعطى فرصًا في أي مجال. وإذا كان هناك ما لم تكشفه الثورات فها هو الوباء ينزع ما تبقى من أقنعة، ليقول إنه ما من حلّ إلا أن تستمر الثورات، خصوصًا في المراحل المتقدمة التي وصلت إليها في تجارب الجزائر والسودان قبل الإجهاز عليها، ويقول لنا إن عليها أن تتوسع إلى دول أخرى في هذا العالم، وثمة فعلًا من يرشحها للاندلاع بقوة في دول جنوب أوروبا، فالوباء لم يأت إلا ليقول إنه آن الأوان لكي يتوقف الكذب.

على صعيدنا الفردي، يجب أن تبقى العلاقة المستعادة مع الطبيعة أساسية، ويجب أن نحوّل العناية بالصحة إلى نمط عيش. ناهيك أن حياة التمدن، بطابعها الاستهلاكي تحديدًا، أعمتنا عن الحيوات المجاورة التي تبنيها عبقريات الكائنات في هندسات أقل ما فيها أنها تتحدى غرور الإنسان وتدعوه إلى التواضع.

من جهة العزلة التي سبّبها الحجر، ربما يتوجب علينا قبل التذمر من حظر التجوال أو منع التجمعات.. أن نستعيد الآخر كفكرة مفقودة في حياتنا، فعلاقتنا به، في الحب أو الصداقة، لم تكن لتتعرض للانكسار والتهشم لولا الأنانية المسعورة وحب التملك والنزوع إلى الاستهلاك الذي جعلت الإنسان يتوهم نفسه آلة تنتج اكتفاء عن الآخرين والعالم.

الترا صوت

———————-

تنبُّؤات وتوقُّعات/ فوّاز حداد

وجد مروّجو الشائعات في الكورونا خزّاناً لا ينضب من الأخبار الزائفة، ولا يُشترَط في من يعملون على ابتكارها وتسويقها التخصُّص في الدعاية. غير أنها اكتست بمناسبة الكورونا انتشاراً عالمياً بسبب عالمية الوباء، وضمّت علماء وأطبّاء وفلاسفة فاتهم القطار، ولا يريدون النزول عن وسائل الإعلام، ففي التواجد على شاشاتها غواية، وجذبُ الأنظار إليهم يستلزم تحليلات صادمة، والتنبّؤ بتوقُّعات كارثية، يدور أغلبها حول إثارة المخاوف.

وكذلك رجال دين يتشاركون مع من سبقهم في جذب الأنظار إليهم، فيبتدعون من جراب الحاوي ما يعنّ لهم من رؤىً، فيُبشّرون بقدوم المهدي، ويتعسّفون في الربط بين الماضي والحاضر، فيُصبح الوباء مقدَّراً علينا، ومكتوباً في صحائف الأقدمين، غضبا من الله على البشر، ومثلما تجرّأوا على الفتوى، تجرّأوا على الطب، ووصفوا علاجات ألصق منها بالدجل. وتشارَك رجال من الأديان الثلاثة، واتّفقوا على صياغة موحَّدة مضادّة للحظر الصحّي، فأصبح الفيروس لا يصيب المؤمنين طاهري السريرة، وإذا أصابهم فلأنّهم ليسوا مؤمنين، ولا طاهري السريرة.

وكان أيضاً للمهووسين بالنظافة نصيبٌ لا بأس به في مقارعة الفيروس، فتمتّعوا بممارسة وساوسهم، وتنشيط نوازعهم التشاؤمية، وحذّروا منه، فنشروه في كل مكان، وفي كلّ ما تمسّه الأنفاس وتقع عليه الأبصار. يؤازرهم مرضى نفسيون مصابون بالبارانويا والعصاب القهري، لا تفيد مخاوفهم إلّا في تعميم الكآبة. أمّا المتفائلون، فبشّروا بنهاية التاريخ وبداية العصر السعيد، لكن بعد إفناء البشرية، وظهور أجناس جديدة. بينما قادة دول يروّجون لفكرة المؤامرة الصينية.

فلنتصور أن هؤلاء وأمثالهم يظهرون في وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً، ليجدوا مرتعاً ثراً، يقدمون فيه نصائحهم على أنهم فاعلو خير… أي أنهم الأخيار في مواجهة الشرير “كورونا”. فلا غرابة في أن العلم يتراجع، والخرافة تتقدم، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى العلم.

لذلك نصح علماء نفس الجماهير البشرَ المحبوسين في بيوتهم بدواعي الحظر الصحي والتباعد الاجتماعي، أن يعزلوا أنفسهم أيضاً عن أخبار “الكورونا”، وعدم التسلية بإحصاء أعداد الموتى، وأن يقرأوا روايات خواتمها سعيدة، وألّا يقربوا رواية “الطاعون” لألبير كامو، أو كتب التاريخ التي تتحدّث عن الأوبئة مثل الكوليرا والتيفوس والإنفلونزا الإسبانية والفيروسات بأنواعها، كذلك كلُّ ما له علاقة بالموت الأسود.

المشكلة أنَّ ما يَنصح به علماء النفس لا يؤمن بقدرة الإنسان على التمييز، ولا يسمح له بأن يتعلّم، ما دام أنهم يخشون من “طاعون” كامو. وهي وقاية مصطنعة، بينما هي تجربة إنسانية، نحن بحاجة إلى التأمّل فيها، ينبغي ألّا يخاف منها العلماء قبل العوام.

أغلب الأخبار كانت كاذبة، روّجتها جهات حاولت الاستفادة منها، أو الكيد بها، أحياناً بنوايا دينية طيّبة، ولو كانت زوراً وبهتاناً، أو سياسية غير طيّبة، فعلى سبيل المثال، لم يُسقط من يدَي الرئيس الإيطالي، ويدع العلاج للسماء، بعدما أخفق الطب، ولم يخرج سكّان إيطاليا لوداع العالم، أو يعتنقوا الإسلام، أو ما قيل عن تبرّع المافيا الإيطالية بسبعة مليارات دولار لإنقاذ بلدهم من براثن كورونا، أو يصرّح مصمّم الأزياء آرماني بأنه سيتبرّع بثروته كلّها، ولن يترك إيطاليا تُدفَن… هذا من إيطاليا وحدها، وهكذا بوسعنا تصوُّر حجم ما يصدر عن بلاد العالم الأخرى، وكلّ دولة بحجم مصيبتها، وما يروّجه عشّاقها وخصومها عنها، فالشائعات تسير على خطوط متوازية، للترويح عن النفس، أو لبثّ الأمل، أو الدفع إلى اليأس، أو التعلّق بمعجزة إلهية.

أفضل ما نفعله هو الكفُّ عن سماع هذا اللغط، فالكورونا مهما انتشرت، ستنسحب، ومهما قتلت، سيبقى أحياء، ولنفكّر بما ستخلّفه وراءها، وما تمليه على البشر، فالمستقبل يطرح مسائل ملحّة باتت عالمية، على رأسها تعميم الرعاية الصحية للجميع، وأيضاً ما سوف تثيره من أزمات معيشية، هل تترك القرارات الاقتصادية المصيرية لحركة الأسواق الحرّة؟ أمّا البيئة، فالتفكير جدياً في ما سيؤول إليه العالم في ظل الاستغلال الجشع واللامسؤول للطبيعة، ألن يعجّل بتدمير كوكب الأرض وتحويله إلى أرض جرداء؟ أخيراً وليس آخراً، الرجاء بألّا تكون العودة إلى الأخلاق والقيم الدينية عن طريق الترّهات.

ولا يخلو “كورونا” من جانب إيجابي، قد يتجلّى في إدراك المسؤولية الأخلاقية تجاه أنفسنا والعائلة والآخرين، وأن العالم واحد، والعلاج واحد، وأيضاً إدراكُ أنَّ ما يجب التمتُّع به من حريات مسؤولة يُلغي مشروعية أيّ سلطة لا يكون هدفها صالح الإنسان، وليس السيطرة عليه.

قد يكون في هذا الطرح طموحٌ إلى تغيير يمكن أن نحلم به، ولا نتوقّع تحقيقه، لكن ومهما يكن، يصحّ التفكير فيه.

* روائي من سورية

العربي الجديد

————————————

كورونا وانتظار غودو/ مناف الحمد

بالقدر الذي كشفت فيه كورونا هشاشة المنظومة الرأسمالية التي ذهب الوهم بكثيرين إلى أنها قاربت قدرة مطلقة، بسبب التقدم الهائل في التكنولوجيا، نظن أنها كفيلة في الوقت عينه بقدح زناد نقاش جديد، حول علاقة التصورين العلماني والإيماني؛ فالتصوّر العلماني الذي يستمد مبرراته من الاختبار العقلي، والذي يتعالى حاملوه على غيرهم بسبب الاستناد إلى العقل كحاكم مطلق ونهائي، لم ينجح في مواجهة أنواع القلق الوجودية التي يقع الموت في مقدمتها، وبدا ضعفه أكثر من أي وقت سابق في مواجهة فيروس، استحال الموت بسببه من خطر في الأفق إلى خطر ماثل متربّص بالأفراد في كل مكان.

ولعل إعادة النظر في علاقة هذين التصورين تعيد قدرًا من التوازن المفقود في عالم الرأسمالية المتوحشة؛ هذا التوازن الذي ينشأ من محاولة مقاربة أبعاد الإنسان القصيّة بوسائل لا تصلح لهذه المقاربة؛ بمعنى أن الانفتاح والتجاوز واليقين والرجاء والثقة التي ينطوي عليها التصور الإيماني، لا يمكن أن تكون مواضيع لاختبارات تجريبية لا تلقي بالًا لبُعد الإنسان الروحي، وتضع في الهامش تشوفاته لفهم أكبر لأبعاد خارج نطاق المحسوس.

ولعل هيمنة التصور العقلي كانت من أسباب تفاقم ظاهرة القلق في الغرب، هذا القلق الذي يجد دوافعه في الخوف من المجهول الذي يتربّص بالإنسان، بعد أن تنتهي فترة حياته على هذه الأرض، فهذا التصور لم يتمكن من تسكين القلق؛ لأنه لا يقدم إجابات ناجزة عما يكمن خلف منعطف الحياة، ولهذا تجد ندرة نسبية في علم النفس الغربي للأبحاث التي تناقش الموت، إذا ما قورنت بالأبحاث التي تناقش مواضيع أخرى، كالعدوان والاكتئاب والشذوذ الجنسيّ؛ بسبب النفور من هذه الحدث القادم مهما استبطأه الإنسان، وبسبب العجز عن معرفة كنه ما يكمن خلفه بالأساليب التجريبية.

إن القلق من هذا الحدث الذي يمثل يقينًا مكروهًا أصبح يقتضي بحثًا جادًا، في استعادة التوازن بين الفضاءين العقلي والإيماني اللذين فصلا فصلًا قسريًا مجافيًا لطبيعة الإنسان؛ فلا التصور الإيماني يحق له إقصاء التصور العقلي الذي يقدم الإجابات المستندة إلى البحوث العلمية التجريبية، ولا التصور العقلي يحق له الادعاء بأنه كفيل بتقديم أجوبة عن كل ما يشغل الإنسان بأبعاده الروحية والوجدانية.

ولعل هذا الفيروس المجهري الذي تمكّن من حبس سكان الكوكب في بيوتهم قادرٌ على إحداث أثر أكبر من الأثر الذي سببه فقدان الإنسان الغربي الثقة بالمطلق عندما فصل علاقته بالسماء، وفقدانه الثقة بالعلم بعد أن شهد حربين عالميتين، فدأب على البحث عن بديل لله وللعلم.

وعلى الرغم من أن التصور الإيماني سيشرع -كما نزعم- في استعادة مكانته؛ فإن هذه الاستعادة ستترافق مع إعادة نظر في الأصول اللاهوتية، بما تعنيه من صياغة تبريرات لهذا التصور الإيماني؛ فقد أثبت الفاعلون الاجتماعيون، ممن يناط بهم التعبير عن هذه الصياغات، أن صياغاتهم لا تُفلح في تشكيل وعي مطابق، ولا تستطيع أن تواكب الحاجة إلى خطاب إنساني عابر للمنظومات اللاهوتية السائدة القائمة على الإغلاق العقيدي؛ ذلك أن سذاجة خطابات اللاهوتيين من كل الأديان، والتي كررت نفسها في خطاب إقصائي يدعي كلُّ طرف فيه احتكار الحقيقة، تمثّل حلولًا جزئية قاصرة عن مواجهة حدث كوني يهدد الإنسانية كلها، ويوحدها في القلق الذي أصبح قادرًا على إقصاء أسباب تشتتها وافتراقها.

وإذا كان التصور الإيماني يؤسس لعلم أصول إيمانية، والتصور اللاهوتي يؤسس لعلم أصول لاهوتية؛ فإن التصور الديني الذي يقوم على أساس اجتماعي وسيكولوجي يؤسس لعلم أصول دينية تبحث في أثر الدين في المجتمعات وفي الأفراد، وهو ما سيكون مشتقًا أكيدًا لاستعادة التوازن بين التصورين العقلي والإيماني، ولكنه يقتضي بدوره صياغة عصرية له تُلقي بقديمه وغير النافع منه، وتؤسس لجديد يستجيب للحاجات الجديدة الراهنة.

فهذه الأصول تقتضي مقاربة شجاعة لتجديد كثير من مفاهيمها، ويمكن القول -بشيء من التجوز- إنها لم يتح لها من يقاربها مقاربة تجديدية حقيقية، وظل أصحاب الفكر الديني يحومون حول سطوحها، بينما يطالب أهل الفكر المغاير بنسفها، وقد أصبحت بفعل القلق الوجودي الشامل الذي يجتاح سكان الكوكب كله قابلةً أكثر من أي وقت مضى للحفر فيها وصياغتها بطريقة معاصرة.

ويمكن القول من زاوية أخرى: إن الحاجة إلى الدين سببها ثلاثة أنواع من القصور البشري: الأول قصور معرفي يدفع إلى طرح أسئلة من قبيل: لماذا تكون الأشياء على ما هي عليه، وهو ما يمكن للحدث الهائل الذي تمر به البشرية اليوم أن يجعله قصورًا له موقع الصدارة؛ فسكان الكوكب اليوم يتساءلون: لماذا نُقتل وتُهدم كل أحلامنا ونفارق أحبابنا، بفعل فيروس تطور تطورًا طبيعيًا، كما يقال؟! والنوع الثاني قصور مادي ناتج عن الريبية في الفعالية الإنسانية، لما تنطوي عليه من قابلية للإخفاق، وقد جعل كورونا من هذه الريبية أكثر تجليًا في ذهن الإنسان، بعد أن فشل كل التقدم العلمي في مواجهة فيروس مجهري! والنوع الثالث قصور وجداني، سببه استشعار الإنسان الشر والتعاسة الوجوديين، وهو قصور يجعله بحاجة إلى الشعور الديني لكي يقاوم هذا الشر وهذه التعاسة، وقد بلغا اليوم بفعل كورونا ذروة قصوى.

إن استعادة التصور الإيماني مع تجديد الأصول الإيمانية، واشتقاق أصول لاهوتية مواكبة تعبّر عن هذا التصور الإيماني بما يناسب الواقع الجديد، وصياغة أصول دينية معاصرة تنطوي على مقاربة جادة لأثر الدين، ثلاث نتائج نظن أن القلق المهيمن اليوم سيعمل على تحقيقها.

والاعتراف بأن الدين لا يختزل في مجرد شعور ديني يواجه قصورًا وجدانيًا، وإنما هو نتيجة قصور معرفي وقصور مادي يضاف إلى القصور الوجداني، هو نتيجة نظن أنها حتمية لما يعانيه إنسان اللحظة الحاضرة من قلق يجتاح كيانه بكل أبعاده.

كان البحث عن مركز يعوّض الإنسان الغربي فقدانه الله وفقدانه الثقة بالعلم قد جسده غودو في انتظاره لمجهول لا يأتي، ولعل البشرية كلها اليوم قد أصبحت معادلًا موضوعيًا لمنتظر غودو، ولكنه هذه المرة لا بد أن يأتي بإبداع الإنسان وفعاليته واستثماره لكل أبعاده المعرفية والمادية والوجدانية.

——————————–

“أخطرها مراحيض المستشفى”… دراسة تُحدّد نقاط ساخنة في الهواء تحتضن كورونا

حذّرت دراسة صدرت أخيراً في الصين عن فيروس كورونا المستجد من أن الحمض النووي الريبوزي (الجزيء الحيوي) للفيروس يسهل انتقاله بالهواء عبر جزيئات ينفثها المصابون خلال الحديث أو التنفس أو العطس، محددةً بقعاً ساخنةً لتركزها.

توصلت إلى هذه النتيجة دراسةٌ أجراها الباحث في جامعة ووهان الصينية، كي لان، وزملاؤه لاختبار تركيز الحمض الريبوزي لفيروس كورونا في الهباء الجوي (أي الجسيمات الدقيقة المحمولة جواً) في مستشفيين يعالجان المصابين بالفيروس التاجي في إطار محاولة فهم “الطبيعة الديناميكية الهوائية” للفيروس.

بقع ساخنة لتركزه هوائياً

اكتشف فريق الدراسة أن أعلى مستويات الحمض النووي الريبوزي لكورونا وُجد في المراحيض الملحقة بغرف المرضى وفي غرف تغيير ملابس العاملين في الكادر الطبي. ولم يعثر عليه في غرف الكوادر الصحية التي يراعى فيها تدابير التعقيم الصارمة.

وأشارت الدراسة إلى مستويات منه في أجنحة العزل وغرف المرضى ذات التهوئة الرديئة، وفي مكانين عامين مزدحمين قريبين من المستشفيين.

ورأى الباحثون أن العثور على المادة الوراثية للفيروس المحمولة جواً قد يشير إلى أن فيروس كورونا المستجد قادر على الانتشار عن طريق الهباء الجوي أو الأيروسول.

ورجحوا، تبعاً لذلك، أن تكون الإجراءات المرعية مثل التطهير الروتيني والتهوئة مهمة جداً للسيطرة على انتشار الفيروس.

وكانت دراسة حديثة أجرتها المعاهد الأمريكية الوطنية للصحة قد وجدت أن جزيئات الفيروس التاجي تتمثل في شكل هباء جوي يستمر ثلاث ساعات.

وأشارت الخبيرة في انتقال الهباء الجوي لينسي مار، في تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الشهر الماضي، إلى أن الهباء الذي يطلق على ارتفاع يصل إلى ست أقدام يسقط أرضاً في غضون 34 دقيقة. لكنها رأت في الوقت نفسه أن كمية الفيروس التي تبقى في الهواء بشكل هباء جوي قادرة على إصابة أي شخص.

كورونا وإمكان الانتقال الجوي

فيما لم تسعَ الدراسة الصينية إلى محاولة إثبات إمكان حدوث العدوى بالفيروس عبر الهواء من عدمه، عادلت نتائجها نتائج دراسة حديثة لجامعة نبراسكا الأمريكية قالت إن فيروس كورونا ربما ينتقل عبر الهواء.

وفي الدراسة التي نشرت نهاية آذار/مارس الماضي، وجد الباحثون آثاراً وراثية من الفيروس المسبب لـ”كوفيد-19″ في عينات الهواء المأخوذة من غرف مرضى الفيروس التاجي، مشيرين إلى أن هذا يمثل “دليلاً محدوداً على احتمال انتقاله جواً”.

كذلك بيّنت الدراسة التي اعتمدت عينات هواء من مراحيض يستخدمها المرضى أن “فيروس كورونا منتشر في البيئة المحيطة بالمرضى على نطاق واسع، وليس داخل غرفهم فحسب. وهو منتشر أيضاً في الممرات التي يجتازها أفراد الأطقم الطبية”.

ومما ورد في الدراسة: “هذه النتائج تشير إلى أن المرض قد ينتشر عن طريق الاتصال المباشر (عبر القطرات ومن شخص إلى آخر) وكذلك من خلال الاتصال غير المباشر (عبر الأجسام الملوثة والجسيمات المحمولة جواً)”.

ونبّه الباحثون إلى أن المرضى الذين يعانون أعراضاً خفيفة “قد يطلقون هباء من الفيروسات ويلوثون الأسطح على نحو قد يتسبب بانتقال العدوى”.

في المقابل، تصر منظمة الصحة العالمية على أن العدوى تتم عن طريق “القُطيرات الصغيرة التي تتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بالفيروس أو يعطس، وعند ملامسة أسطح ملوثة بها”، مشددةً على أن “الدراسات بيّنت أن الفيروس ينتقل في المقام الأول عن طريق ملامسة القُطيرات التنفسية لا عن طريق الهواء”.

المسافة الآمنة للتباعد الاجتماعي

من باب الوقاية، ينصح الأطباء والباحثون بالتزام تدابير التباعد الاجتماعي وحماية التنفس بارتداء أقنعة الوجه بغية درء الفيروس التاجي أياً كانت سبل انتقاله.

علماً أن احتمال انتقال الفيروس بالهواء يثير مزيداً من التساؤلات بشأن المسافة الآمنة للتباعد الاجتماعي. فعلى الرغم من اقتراح مركز السيطرة على الأمراض في أمريكا ستة أقدام (نحو مترين) مساحة آمنة للوقاية من العدوى، فثمة أبحاث قالت إن الفيروس التاجي قد يسافر أبعد من ذلك.

ورأى باحثون أن “سعال المريض أو عطسه، الذي ينجم عنه زفير أكثر قوة، قد يرسل جزيئات الفيروس الدقيقة إلى نحو ست أقدام”.

وفي تعليقها على هذا الطرح، أوضحت دراسة لمركز السيطرة على الأمراض أن “أقصى مسافة انتقال للهباء الجوي لفيروس كورونا 13 قدماً (أي نحو أربعة أمتار)”.


=================================

===========================

تحديث 29 نيسان 2020

——————————–

إعادة الإعمار وتحديات جائحة كورونا/ حسان الأسود

يبدو العنوان غريبًا بعض الشيء الآن، في عزّ إجراءات الحظر والتقييد السارية في أغلب بلدان العالم، لكن بسبب مضاعفات كورونا الكبرى المتوقّعة، كان لا بدّ من البحث في احتمال امتدادها لتشمل قضايا مصيرية لشعوبٍ أنهكتها الحروب، مثل الشعب السوري.

بعد تسعة أعوام من حرب هوجاء بدأها نظام الأسد على الناس المدنيين المطالبين ببعض حقوقهم البشرية، وبعد أن حملت بعض فئات السوريين السلاح في مواجهته، وبعد أن دخلت الميليشيات الإرهابية والطائفية في أتون الصراع، وبعد أن تدخّل الروس والأميركان ومن معهم ضمن ما سميّ بـ “قوات التحالف الغربي”، وبعد أن تدخل الأتراك بشكل مباشر أيضًا؛ باتت سورية مسرحًا كبيرًا للعمليات العسكرية والأمنية، وكان من النتائج المباشرة لهذا الصراع المتشعب دمار غير مسبوق في بنية الدولة والمجتمع والاقتصاد السوري.

تقول تقديرات متواضعة صادرة عن الأمم المتحدة، في آب/ أغسطس 2018، “إنّ تكلفة إعادة الإعمار في سورية ستتجاوز 400 مليار دولار أميركي”. وهو ما أعلنه بشار الأسد ذاته، لكنّ مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية وشؤون الأمن فيدريكا مورغيني أبلغت الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنّ “إعادة إعمار سورية تحتاج إلى 900 مليار دولار”، بحسب ما أعلن هو ذاته في تصريح تلفزيوني له في آذار/ مارس 2017.

فإذا قسّمنا هذه التكلفة على السنوات الست المنقضية من تصاعد أعمال العنف والتدمير منذ نهاية عام 2011؛ وجدناها بمعدّل مئة وخمسين مليار دولار للسنة الواحدة، مع تفاوت في نصيب الأعوام بين سنة وأخرى، بحسب اشتداد عمليات التهديم المنهجي، مثل تلك التي شملت أحياء حلب الشرقة أو مدينة الرقة مثلًا. وإذا أخذنا في الحسبان أنّ أشد عمليات التدمير قد وقعت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، من بداية 2017 حتى بداية 2020، وأضفنا عليها -بحسابات تقريبية ساذجة نوعًا ما- أربعمئة وخمسين مليار دولار؛ وجدنا أن تكلفة إعادة الإعمار المبدئيّة قد تصل إلى ألف وأربعمئة مليار دولار أميركي، في حدّها الأقصى المتوقّع، وفي حال توقفت الحرب نهاية عام 2020. أمّا إذا أخذنا حسابات البنك الدولي والأمم المتحدة، التي قدّرت هذه التكلفة -كما أسلفنا- بمبلغ 400 مليار حتى نهاية عام 2016؛ فإنّ الرقم قد يصل إلى مبلغ 700 مليار دولار، وهذه الأرقام مرعبة في كلتا الحالتين.

في دراسة بعنوان “القانون الدولي وإعادة إعمار سورية”، نُشرت في 18 نيسان/ أبريل 2019، في موقع (الجمهورية)، يذكر المحامي والباحث بالقانون الدولي مهند شراباتي، في مقدمة بحثه، ما يلي: “يتم الترويج لإعادة الإعمار كعملية تقنية، تشمل فقط إعادة إعمار الأبنية التي دمرتها الحرب، مع تجاهل جوانبها المتعددة التي تشمل أيضًا الإصلاح السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي، ووجوب أن تبنى على أسس الديمقراطية والشفافية، بحيث تمنع استمرار الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب انتهاكات جديدة، وبحيث تؤدي بالنتيجة إلى خلق الظروف المواتية لعودة اللاجئين واستعادة أملاكهم وإعادة دمجهم في المجتمع”.

إنّ حساب تكاليف إعادة الإعمار يجب ألّا تقتصر على ما يحتاج إليه تأهيل البنى التحتية، من شوارع ومدارس ومشافٍ ووسائل اتصال ونقل ومنشئات ومرافق عامة أخرى، بل يجب أن يدخل فيها -بلا أدنى شك- مجمل العمليات الأساسية اللازمة لذلك، والتي تحدّث عنها الأستاذ مهند، فلا يمكن أن يُتصور نجاح عملية بهذا الحجم الهائل دون وجود بنى تشريعية وقانونية ومصرفية ورقابية ومحاسبية وتكنولوجية مناسبة. هذا يستتبع إعادة تأهيل القطاع المصرفي بأكمله والسلطة القضائية وأجهزتها المختلفة، وأجهزة الرقابة المالية والإدارية، ومؤسسات التحكيم، ونقابات المحامين، إضافة إلى تأهيل جيش كامل من الموظفين الإداريين والفنيين والعمال الذين ستتم هذه العملية من خلالهم وبأيديهم.

يضاف إلى ذلك كله مسألة العقوبات المفروضة على سورية من قبل الاتحاد الأوروبي كمنظمة دولية، ومن قبل الأمم المتحدة، على بعض الكيانات والأفراد الموجودين في سورية، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم “هيئة تحرير الشام”، كذلك العقوبات المفروضة من جامعة الدول العربية، ومن بعض الدول مثل تركيا وكندا وأستراليا. ولعلّ أهمّ العقوبات هي تلك المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وقد تعززت بصدور قانون سيزر.

تعرّف دراسة صادرة عن وحدة حقوق الإنسان والأعمال التجارية في البرنامج السوري للتطوير القانوني، العقوبات الدولية بالقول: “العقوبات الدولية هي تدابير تقييدية تفرضها المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو الدول ضد دول أخرى أو جهات غير حكومية أو أفراد يشكل سلوكهم أو سياساتهم انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، أو تهديدًا للسلم والأمن العالمي أو الإقليمي، وذلك بهدف التأثير على سلوك أو سياسات هذه الدول أو الجهات أو الأفراد وإقناعهم بوقف الانتهاكات التي تهدد السلم أو الأمن”.

ستكون مسألة إعادة الإعمار في العديد من الدول، مثل سورية، مرهونة بالعديد من القضايا، ولعلّ العقوبات الدولية واحدة منها، حيث إن الجهات التي فرضت هذه العقوبات تشترط حصول انتقال سياسي أو تقدّم في قضايا الحل السياسي لرفعها. وإذا عرفنا أنّ الشركات التي تعمل أو ستعمل في إعادة الإعمار، في الدول التي شهدت أو ما زالت تشهد صراعات وحروبًا، ستكون عرضة لاتهامها بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية، إن لم تكن أعمالها التجارية متوافقة مع قواعد القانون الدولي؛ فإننا سنعرف مدى صعوبة المساهمة في هذه العملية في المستقبل، دون وجود ضمانات سياسية وقانونية تحمي المساهمين بها.

لكن تبقى أهمّ التحديات التي تعترض طريق إعادة الإعمار في البلدان التي دمرتها الحروب، تلك المتعلقة بالأوضاع الجديدة بعد أزمة أو جائحة فيروس كوفيد 19 المعروف باسم فيروس كورونا.

إنّ إلقاء نظرة سريعة على الإجراءات التي اتخذتها الدول التي من  المحتمل أن تشارك مستقبلًا في برامج إعادة الإعمار، وعلى الخسائر الكبرى التي تكبدتها قطاعات كثيرة فيها، مثل قطاعات التصنيع والسياحة، وعلى الأعباء الهائلة المفروضة على حكومات هذه الدول لمعالجة آثار إغلاق كثير من قطاعات الإنتاج، وعلى النتائج المترتبة على إفلاس كثير من الشركات، وعلى ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل ممن فقدوا وظائفهم أو أغلقوا متاجرهم أو مكاتبهم أو ورشاتهم، ستعطينا صورة عن التأخر الكبير في عودة قضية إعادة الإعمار في البلاد التي أنهكتها الحروب إلى قائمة الأولويات في الدول المانحة.

فلو أخذنا ألمانيا، كإحدى الدول الصناعية الغنية، فسنرى حجم التحديات الكبرى التي ستمنع مشاركة فاعلة منها في هذا الملف. فعلى سبيل المثال، يتوقع معهد (إيفو) الألماني للبحوث الاقتصادية أن تتكبد ألمانيا خسائر تزيد على نصف ترليون يورو، وفقدان أكثر من مليون ونصف المليون وظيفة، من جراء وباء كورونا المستجد. وفي دراسة نشرها بنك التنمية الآسيوي، في الثالث من نيسان/ أبريل الماضي، توقّع أن تراوح كلفة تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي بين ألفي مليار و4100 مليار دولار، أي ما يعادل 2,3 إلى 4,8 % من الناتج الإجمالي المحلي العالم، وأشار التقرير إلى أنّ التقديرات يمكن أن تكون أقلّ من الواقع، باعتبارها لم تأخذ بالحسبان الأزمات الاجتماعية والمالية المحتملة وكذلك تأثير الوباء في الأنظمة الصحية والتربوية على المدى الطويل. من هنا يمكننا توقّع تعثر عمليات إعادة الإعمار في سورية، وفي غيرها من البلدان مثل اليمن وليبيا، لأسباب جوهرية أنتجتها ظروف انتشار وباء كورونا. وهذا يفرض على القوى الوطنية في هذه الدول أن تفكّر جديًّا، منذ هذه اللحظة، بالبدائل المحتملة لتمويل هذه القضايا الملحّة، وليس الانتظار إلى أن تنتهي أزماتها السياسية أو أن تتوقف الحروب فيها.

موقع حرمون

مقتل علي العساني.. رصاصة تركية في الصدر للوقاية من “كورونا”/ أحمد الأحمد

“إما أن تعطيني بطاقتك الشخصية أو أطلق عليك النار، فرد ابني لا يوجد معي بطاقة، وما كان من الشرطي إلا وأن قام بإطلاق النار على صدر ابني ليرديه قتيلاً”.

في منتصف يوم الإثنين الماضي، بدأت تتردّد معلومات من جنوب تركيا، مفادها أن عنصرًا في الشرطة التركية (بوليس) أطلق النار على يافع سوري في ولاية أضنة بسبب مخالفته لإجراءات “حظر التجوّل” في البلاد، والمفروضة منذ أكثر من شهر على من هم دون العشرين وفوق 65 عامًا، وذلك بموجب الإجراءات الاحترازية للتصدّي لفيروس “كورونا”.

استقرّت الرصاصة في صدر اليافع الذي يُدعى علي العساني وعمره 19 عامًا، بعد دقائق قليلة وصلت سيارة إسعاف ونقلته إلى المستشفى ولكن لم يفلح الأطباء بفعل أي شي لأن الرصاصة كانت قد استقرّت في صدره وقضت عليه.

بعد دقائق قليلة، نُشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر محاولة إسعاف علي وقد فقد وعيه تمامًا.

    مقتل #علي_العساني بدم بارد

    @AJArabic@AJABreaking@BBCArabic@AJbelahodood@ghadaoueiss pic.twitter.com/TaWN3uxJyt

    — NASSER (@ALTAMIMI_NANS) April 29, 2020

روايتان مختلفتان

منذ انتشار خبر مقتل الشاب السوري، خرجت وسائل إعلام تركية ومسؤولون أتراك وحاولوا تهدئة غضب عائلة الشاب، وعموم اللاجئين السوريين في تركيا متوعّدين بأن الشرطي ستتم محاسبته.

الرواية التركية الصادرة عن وزارة الداخلية التركية، أفادت أن “الحادثة تمت وفق اتباع إجراءات التفتيش ودون علم مسبق بهوية أو جنسية الشاب، حيث طلبت الشرطة من الشاب التوقف والامتثال لأوامر التفتيش، لكنه لم يمتثل بعد الطلب منه عدة مرات، فقامت بإطلاق رصاصة تحذيرية، لكن الشاب لم يتوقف، فتم إطلاق النار عليه بشكل مباشر”، وذلك حسبما أشارت “اللجنة السورية التركية المشتركة” في بيانٍ لها قبل بعد ساعات من وقوع الحادثة.

ولكن بالمقابل ثمّة رواية أخرى، صدرت عن أحد المقرّبين من الشاب الضحية، حيث يوضّح أحد أصدقائه الذين كانوا معه قبل اندلاع الحادثة، بأن علي كسر بالفعل حظر التجوال وخرج مع مجموعة من أصدقائه، ولكن خلال سيرهم أوقفتهم دورية تابعة للشرطة التركية وطلبت منهم هوياتهم الشخصية.

وأضاف الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الشرطي رفع السلاح في وجه علي مطالبًا إياه بإبراز بطاقته الشخصية فأخبره علي أنّه لا يملك وثائق، لكن الشرطي عاد لطلب البطاقة الشخصية مهدّدًا بإطلاق النار في حال لم يبرز علي بطاقته.

وأكّد أيَصا صديق علي، أن الأخير لم يهرب ولم يحاول الهرب أصلًا بل دار حديث بينه وبين الشرطي قبل أن يتم إطلاق النار عليه.

هذا الرواية تتدعّم مع ما قال والد الشاب المقتول عدنان العساني خلال حديثه مع “وكالة أنباء تركيا”، حيث أوضح أن ولده كان ذاهبًا برفقة أصدقائه عندما قبض عليه أفراد الشرطة طالبين منه إظهار بطاقته الشخصية”.

وأشار إلى أن ابنه حاول الرجوع للوراء خطوتين، وكان ينوي الفرار منهم خوفًا من تغريمه بمخالفة بسبب عدم التقيد بحظر التجول.

وأكد العساني، أن ابنه علي عندما شاهد أحد عناصر الأمن يرفع السلاح في وجهه توقف وقال للشرطي:” إنني لا أملك بطاقة شخصية، فرد الشرطي عليه قائلاً: إما أن تعطيني بطاقتك الشخصية أو أطلق عليك النار، فرد ابني لا يوجد معي بطاقة، وما كان من الشرطي إلا وأن قام بإطلاق النار على صدر ابني ليرديه قتيلاً”.

ولكنه في المقابل، دعا إلى “عدم استثمار هذه الحادثة لتحويلها إلى فتنة” وقال: “إننا يد واحدة والدماء لن تتحول إلى مياه فيما بيننا، وما حصل هو خطأ ومرتكبه تم فصله من وظيفته وتوقيفه، والمسؤولون هم من يتابعون الأمر، ولا نريد أن تكون تلك الحادثة مدخلا لإثارة الفتن”.

إفادة غير مقنعة من الشرطي

في صباح اليوم الثلاثاء، ،أعلنت السلطات التركية أنها احتجزت الشرطي الذي أطلق النار على الشاب السوري علي العساني في أضنة وأحالته للمحاكمة الجنائية بتهمة “القتل العمد” وذلك بعد فصله “مؤقّتًا” من سلك الشرطة ريما تتضح نتيجة التحقيقات والمحاكمة.

وفي أول إفادة له أمام القضاء، اعترف الضابط في الشرطة التركية الذي أطلق النار على الشاب علي العساني بعملية القتل لكنه أرجع السبب إلى “الإرهاق”.

وقال الضابط في شهادته: “إن يده لمست الزناد عن طريق الخطأ عندما كان يطارد الشاب العساني بسبب التعب والصيام”.

وأضاف: “لقد أنشأنا نقطة تفتيش عند تقاطع شارع أوبالر، ورأيتُ الشاب المتوفي عند الساعة 12:00 قادمًا نحونا مع شخص آخر، وكانوا متوترين قليلاً، ذهبنا إليهم، انصاع أحدهم إلينا، فيما فر الشاب المتوفي من المكان، وبدأت بالركض خلفه وحذرته عدة مرات عندما دخل إلى الأزقة”.

وأكمل الضابط التركي إفادته: “أخرجت مسدسي من خصري، ووضعت الرصاصة في بيت النار لأن المنطقة غير أمنة، وبدأت بالركض خلفه وكنت متعبًا جدًا، وسقطت على الأرض، وخلال سقوطي انطلقت الرصاصة من المسدس”.

وادعى أنه لم يكون ينوي إطلاق النار عليه، قائلًا: “لقد حاولت القبض عليه، حيث كانت المسافة بيننا 30 متراً، كنت سأطلق النار في الهواء، فهذه المرة الأولى التي يحدث معي ذلك خلال 26 عاماً من مسيرتي المهنية”.

غير أن إفادة الضابط تركت خلفها مجموعة كبيرة من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها، والتي من المفترض أن يجيب عنها الطب الشرعي، والذي قد يحدد ما إذا كان مسار الرصاصة كان موجّهًا أو تم إطلاق النار خلال سقوط الشرطي، فضلًا عن الكثير من التفاصيل غير العلمية وغير الواضحة التي وردت في شهادة الضابط.

جدل واسع

يعتبر مقتل الشاب علي من أكثر الحوادث التي شهدت جدًلا على مواقع التواصل الاجتماعي بين السوريين والأتراك أنفسهم، حيث أدّت في البداية إلى إعادة تصاعد الأصوات القومية العنصرية بين الأتراك والتي كانت خفتت منذ تفشّي فيروس “كورونا”، حيث استخدمت هذه المناسبة لتركّز على جزئية أن القتيل هرب من الشرطة ومن حق الأخيرة التعامل معه، دون التحقّق من صحّة هذه الرواية.

وبالمقابل، أطلق ناشطون أتراك على موقع تويتر وسمًا تحت اسم “أين قاتل علي؟” #AliyiÖldürenlerNerede ليحتل المرتبة الأولى على موقع تويتر في تركيا استنكروا خلالها حادثة القتل ودعوا إلى محاكمة الشرطي.

وتجاوز عدد التغريدات التي عاين معظمها “درج” 15 ألف تغريدة وصلت إلى 14 مليون مستخدم داخل تركيا، وتنوّع محتوى التغريدات، بين دعوات واسعة إلى الكشف عن هوية الضابط القاتل وتسليمه للقضاء أمام الرأي العام، وبين من حثّت على ضرورة محاكمة القاتل ولكن دون استخدام هذه الحادثة كذريعة للتصعيد والعنف بين الأتراك واللاجئين السوريين.

سورياً، شهدت حادثة مقتل الشاب جدلاً حاداً داخل أوساط السوريين الذين يحمل كثر منهم موقفاً ايجابياً من تركيا وقيادتها ورئيسها رجب طيب إردوغان على نحو جعل اصحاب هذا الموقف يبررون ما حصل بصفته “خطأ” محدود أو بأن هذه اجراءات دولة وعلى المقيمين احترامها معطين بُعدًا قانونيًا بالاستناد إلى الرواية التركية ومزاعم هروب الشاب من الشرطة بين الأزقة.

المنتقدون لهذا الموقف اتهموا غالبية الأصوات المبررة للـ”خطأ” التركي بأنها خرجت من أشخاص حاصلين على الجنسية التركية، أو أنّهم في إحدى مراحل الحصول عليها.

الصوت الأكثر مرارة كان الصوت الذي يشعر بأن حياة السوريين باتت رخيصة، وأن من هرب من الموت في بلده يطارده الموت في أي مكان وتحت أي ذريعة.

درج”

——————————–

سوريا : “كورونا” والسارين وضرب منظومة التفكير/ مالك ونوس

استسهل من أوصل السوريين إلى هذا الوضع، ضربَ الحس النقدي لديهم من أجل تمرير ما يريد من آراء وأفكار من دون أي نقاش فتصبح، على الرغم من المغالطات العلمية واللامعقولية، من المسلمات.

ها قد مرَّت أيام عدة على تاريخ 20 نيسان، وهو الموعد المضروب لبعض السوريين المقيمين داخل البلاد ممن آمنوا بنظرية المؤامرة التي تحدَّثت عن أن فايروس كورونا ليس سوى غازٍ سيصل إلى ذروته في هذا التاريخ ثم يأخذ في التراجع بعد أن ينتهي مفعوله، لتعود الحياة إلى طبيعتها بعد انقشاعه، وهو ما لم يلاحظه أحد. ولا يزيد العجب لديك سوى عندما يخبروك أن مصدر المعلومة هو القضاء الأميركي “المستقل”، بحسب ما نقلت صفحات بعض السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يبيِّنوا ما علاقة القضاء بموضوعٍ لم يستطع العلم حتى الآن البتَّ فيه. وليس هذا سوى عيِّنةٍ مما سِيقَ من أخبارٍ ومعلوماتٍ مغلوطةٍ عن الفايروس وطريقة انتشاره وطبيعته ومطلقيه، ونظرية آمن بها بعض السوريين، على الرغم من خطورة الأخذ بها في جعلهم مستهترين، ما يتيح للفايروس القدرة على الانتشار.

وعلى الرغم من أن نشر هذه المعلومات ربما كان دافعه التعمية على عدم قدرة المؤسسات المختصّة على مواجهة انتشار الفايروس بسبب الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي بفعل الحرب، إلا أنه يندرج ضمن باب مصادرة الرأي النقدي لدى المتلقين، هذا العمل الذي لا يفعل في النهاية سوى المساهمة في ضرب منظومة التفكير لدى السوريين، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى تحصين ملكاتهم الذهنية التي تضررت بفعل الحرب وتبعاتها. لكن ومع حجم الضخ الإعلامي في القنوات التلفزيونية، والمقالات المدبَّجة التي تتحدث عن مؤامرة، والتي انتشرت وتكاثرت على المواقع الإخبارية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فأحاطت بالسوريين من كل اتجاه، تكمن الخطورة الفعلية المهددة للحياة، والتي ربما لم يلتفت إليها المسؤولون عن هذا الضخ، أو لم يولونها اهتماماً.

ومع أولى الأنباء التي تحدّثت عن ظهور حالاتٍ في سورية، توسَّل الشعب من حكومته شفافيةً في التعامل مع كورونا، لا لكي يطلب منها الاضطلاع بمسؤوليتها لمواجهته، بل لكي يقوم كل فردٍ في البلاد بدوره في منع تفشي المرض عبر اتباع إجراءات السلامة، وعبر تخزين المؤن، إن فُرِضَ الإغلاق وحظر التجوال الشامل. إذ يعرف الشعب الحال التي وصلت إليها المؤسسات بسبب الحرب، فلا يتوقع الكثير. ومع ذلك، لم تنتظر فئات كثيرة الضوء الأخضر من الحكومة لكي تتبع تلك الإجراءات، وبكَّروا بالتباعد الاجتماعي طوعيّاً، كما خزَّن المقتدرون المؤن تحسُّباً لعملية إغلاقٍ شامل، إن سُجِّلت إصابات في البلاد.

ومن بين السِّيَر التي تحدثت عن انتشار كورونا؛ يُعاد تكرار تلك التي تقول بأنه صُنع في أحد المختبرات الأميركية في أفغانستان على شكل غاز السارين، ثم تسرَّب إلى الجنود الأميركيين هناك، والذين نقلوه معهم إلى الصين خلال مشاركتهم في إحدى الفعاليات الرياضية في ووهان، أواخر العام الماضي. أما لدى مناقشة معتنقي هذه النظرية، فلا يمكنك مجادلتهم في صحتها، على الرغم من قولك إن الغاز يبقى على الأرض وفي الجو يومين على الأكثر، لا أشهر، علاوة على استحالة تولُّد كائنٍ حي، مثل الفايروس، من غاز. وعندما تقول إنه قد اتُّهِم بالإلحاد كل من اعتقد بفرضية تشكُّل الأحماض الأمينية التي بذرت الحياة على الأرض، حين ساهمت ظروف جوية محددة، وتفاعلات معقدة وطويلة في تشكُّل تلك الأحماض من الغازات التي عبق فيها جو الأرض، تجد لديهم الصمت الذي يعكس التناقض الداخلي، وربما الورطة.

إنها ورطة التصديق أو عدمه، مقترنةً بواقع خطورة المرض الذي بدأت السلطات الصحية في سورية بالكلام عنه وباتخاذ الإجراءات التي تحدُّ من انتشاره، فعلى أي جنب سينام هذا المواطن الخاضع للضخ الإعلامي، إن صدق ما يقال؟ وهل من السهل على من تماهى مع سرديات المؤامرة والإنكار أن يعود إلى تصديق جدية حكومته بالتوجيه لاتباع إجراءات السلامة، أو تنفيذ ما تطالبه به لتوخِّي الحيطة؟ لا بد إن هذه من اللحظات التي تتعدى لحظة الفايروس، وهي من الخطورة التي تتعدى خطورة كورونا، إنه فايروس التحجر الذي يمكن أن يتحكَّم بعقلية الناس ويجعل كل تغييرٍ بالنسبة لهم مهدداً للقناعات بسبب استمراء السائد ورفض الجديد. كما تتعدى هذا الملف لتزيد القناعة بأن الأمل بغدٍ مختلف أصبح مجرد حلمٍ، حلمٌ يصعب إيجاد من يتشاطرونه في وقتٍ يسهل فيه إيجاد كثرة رافضيه. ومع توقف العقل عن العمل والمحاكمة يصبح نقاش أي فكرة لمجرد إقناع شخص بضرورة اتباع ما يضمن سلامته شيء من العبث، فكيف بالعمل من أجل غدٍ مختلف.

لقد استسهل من أوصل السوريين إلى هذا الوضع، ضربَ الحس النقدي لديهم من أجل تمرير ما يريد من آراء وأفكار من دون أي نقاش فتصبح، على الرغم من المغالطات العلمية واللامعقولية، من المسلمات. وهنا يكمن تهديد منظومة التفكير العقلاني التي اكتسبها الفرد، والتي تبقت له من تعليمه بمراحله كافة، والتي تتعزز وتتطور من خلال تنمية ثقافته ومعارفه. فكل ما حصَّله الفرد من تعليمه وثقافته يمكن لمسه في منهج تفكيره الذي يتسلح به لملاقاة حياته العملية. ويكون ضربُ التفكير عبر ضرب العلاقة بين المعطيات والنتائج. وفي ظرف السوريين، لم يعد الفرد ينطلق مما بين يديه من معطياتٍ وجزئياتٍ لتكوين مفاهيم عامة. كما تنازل عن أبسط العمليات العقلية، عن الفرز والتحليل والتركيب التي يستخدمها العقل الغض من فوره لدى استقباله أي معلومة، للوصول إلى الفهم المراد. وبذلك يكون قد استسلم لما يتلقاه من تحليلات نجوم التحليل السياسي في قنوات تلفزيونه الوطني، أو القنوات الرديفة.

الصدمة الأولى التي تلقتها منظومة التفكير لدى السوريين، وخصوصاً بداية سنة 2011، مع أولى شرارات الحرب، كانت الخوف الذي أدى إلى فقدان الثقة بالنفس. ما حجَّم الطاقات الفكرية وأفقد الفرد القدرة على ممارسة التفكير النقدي للإفلات من حالة الاستقطاب التي سادت المجتمع السوري طيلة السنوات التسع الماضية. من حينها حُرِم كثيرون من التفكير الحر غير المُتحيِّز. وأُخلِيَت الساحة للمحللين يتحدثون عن المؤامرة التي اكتشفوها حتى قبل بدء الحرب، لكنهم لم يتحدثوا عما فعلوه لمواجهتها على أرضها قبل أن تصلهم. وتكرر هذا الأمر، مع كشفهم مؤامرة كورونا التي بدا أنهم آثروا الصمت عنها إلى أن ابتلى بها من ابتلى.

عادة، في موضوع التحليل السياسي، لا يلتزم بعض المحللين بالصوابية السياسية (Political correctness) في تحليلهم بغية حصد المؤيدين والسيطرة على تفكيرهم، لكن هذا الالتزام مطلوبٌ عندما يتعلق الأمر بحياة البشر، بفعل المسؤولية الأخلاقية. والفايروس عندما ينتشر لن يهتم لمن يوصِّفه أو بمن اكتشف أنه ظهر بفعل مؤامرة دولية، أو نتج عن عادات الأكل لدى بعض الأقوام، كل ما همه هو أن يعيش وينتشر ليحصد أرواح من لا يتَّقيه.

————————————–

سوريا مهددة بكارثة إذا تجددت الحرب بوجود كورونا

حذّر نقيب الأطباء في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، الدكتور محمد وليد تامر، من خطورة أي تراخٍ في إجراءات الوقاية من كورونا، في شمال غرب سوريا.

وفي حديث خاص ل”المدن”، انتقد تامر ما وصفه بالتساهل في الإجراءات الوقائية من كورونا، وقال: “في الوقت الذي لم يسجل فيه شمال سوريا للآن أي إصابة بفيروس كورونا، نرى أن هناك إهمالاً من قبل الأهالي، وذلك بسبب طول فترة جائحة كورونا”، مرجعاً عدم الالتزام بتطبيق التباعد الاجتماعي، إلى الواقع الاقتصادي المتردي.

وعلى صعيد التدابير التي يتم العمل عليها لمنع انتشار فيروس كورونا في إدلب وأرياف حلب، قال إن “العمل جار على تأمين الكمامات لكل أهالي الشمال السوري المحرر، بمعدل كمامة مجانية لكل شخص شهرياً، إلى جانب دعم المخيمات بمواد تنظيف ومعقمات”.

وأضاف تامر أن “الوضع الصحي في الشمال السوري لا زال خطراً بما يكفي، مبيناً في هذا الصدد أن “منظمة الصحة العالمية” لم تقدم للشمال السوري حتى الآن، إلا الوعود”.

وكانت منظمة “اللاجئون الدولية/Refugees International”، ومقرها الولايات المتحدة، قد حذرت من مخاطر تردّي الأوضاع الإنسانية في محافظة إدلب السورية، في ظل انتشار وباء كورونا الذي يخشى وصوله إلى المنطقة التي تضم قرابة ثلاثة ملايين نسمة، أغلبهم من اللاجئين.

من جهته، حذر المستشار السابق للمبعوث الأممي إلى سوريا والأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي جان إيغلاند من وقوع كارثة بكل معنى الكلمة في سوريا، في حال اندلعت الاشتباكات مجدداً، مشيرا إلى أن إدلب شهدت إصابات بفيروس كورونا.

وقال في لقاء عبر تقنية الفيديو مع الصحافيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة، إن “جائحة كورونا أصبحت عدواً مشتركاً للبشرية”، محذراً من أنه إذا اندلعت الاشتباكات من جديد، مع انتشار كورونا، فستكون هذه كارثة بكل معنى الكلمة على عموم سوريا “لأن الفيروس موجود بالفعل في إدلب. لذلك لا يمكنهم بدء الحرب مرة أخرى، ولا ينبغي لهم ذلك”.

وأكد المستشار السابق للمبعوث الأممي أن إدلب تحولت إلى مخيم كبير حيث تضم مدنيين مهجرين من أنحاء سوريا.

من جهتها دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إيصال المساعدات الطبية إلى منطقة شمال شرق سوريا التي تشهد معارك وتعاني من نفاد السلع وسط تفشي فيروس كورونا المستجد.

وقال المدير المشارك لقسم النزاعات والأزمات بالمنظمة جيري سيمبسون: “مليونا شخص عالقون في شمال شرق سوريا من دون الأدوات اللازمة لمواجهة تفشّي فيروس كورونا”. وأضاف أنه “مع ارتفاع عدد الإصابات، على القادة العالميين والإقليميين التحرّك فورا للسماح بوصول الإمدادات والطواقم الطبية المنقذة للحياة إلى الأشخاص الأشدّ حاجة إلى الدعم”.

كما دعت هيومن رايتس ووتش أيضاً سلطات النظام السوري إلى “رفع قيودها الطويلة الأمد على وصول المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد، والسماح للإمدادات والطواقم الطبية بالدخول إليها”.

يُشار إلى أنه تحت ضغط من روسيا خفض مجلس الأمن الدولي في يناير/كانون الثاني عدد المعابر الحدودية المسموح استعمالها لإيصال مساعدات إنسانية إلى شمال سوريا من أربعة إلى اثنين يقعان على الحدود التركية.

وكان وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة مرام الشيخ، كشف عن إجراء عشرات الاختبارات للكشف عن مشتبه بهم بإصابتهم بالفيروس، ولكن جميع الحالات أتت سالبة، ما يعني أن الفيروس لم يصل إلى ادلب بعد، خلافاً لما قاله إيغلاند.

وبحسب الأمم المتحدة، لم تمر خلال عام 2019 أي قافلة طبية عبر دمشق إلى منطقة شمال شرق سوريا آخر معقل للمعارضة.

—————————————–

هل سافرت القضية السورية مع العاصفة الراهنة؟/ موفق نيربية

ما زالت آفاق تطور الجائحة وآثارها الصحية على العالم، وعلى كلّ طرف أو بلدٍ فيه مجهولة، ولكن التوقعات غامرت وتوقفت قليلاً عند احتمال تراجع الاقتصاد العالمي بمقدار 15% مقارنة مع نسبة 4.5%، التي كانت نتيجة أزمة عام 2008 المالية. لنتخيل آثارها على القوى والمحاور والميزانيات والطبقات والسياسات في الدول «العادية»، أو انعكاسات ذلك على الدول والمجتمعات الأكثر فقراً وحرماناً وتوتراً، والأقل استقرار اًو توازناً، وهذه مجرد نظرة قصيرة، عاجزة عن الرؤية إلى الأمام كثيراً.

في ما يلي مغامرة بتلمّس آثار هذه العاصفة، التي تلفّ الكوكب على القضية السورية، ابتداءً من الوضع الراهن، وما نحن مقبلون عليه، فربّما تتغلب الحكمة وروح الوحدة والتضامن على دول العالم وقواه الكبرى، بعد هذه «الحرب العالمية»، وقد تنتفض شعوب العالم، لتطالب بالتغيير في السياسات، تجاه البيئة والنزاعات والكوارث الطبيعية والصناعية، وعلى ميول الشعبويين واليمينيين والقوميين، التي تصلبت في العقدين الأخيرين، فلا تعطيهم فرصة للتمدّد وبذر الفرقة والتنافس القاتل وتغيير العالم نحو الأسوأ فالأسوأ.

ولكن الاستنتاج الأوليّ المتاح حالياً هو، أن القوى القادرة على الدفع باتجاه حلحلة أمور أزمات المنطقة، ستنشغل بقوة عنّا، غالباً. لا يمكن استثناء أحد، لا الولايات المتحدة ولا روسيا ولا أوروبا ولا تركيا، ولا إسرائيل ولا إيران أيضاً.. كلها تندفع نحو المأزق، صحيا» ( بشرياً واجتماعياً) واقتصادياً، وسياسياً بالنتيجة والضرورة.

هذا من جهة الخارج، أما من الداخل فالحالة أشدُّ سوءاً. فرغم التفاؤل السطحي بين الموالين للنظام السوري مثلاً بأن يستثني الفيروس البلاد من مروره العادي، والإسلاميين شبه المعارضين بأن يكون الأمر عقاباً لغيرهم من المارقين، إلا أن هنالك جزعاً من انفجار في انتشار المرض بشكل واسع، والسوريون ضعفاء تحت جناح النظام الفاقد لأي شرعية أو ضوابط لعنفه العاري وقمعه وفساد عناصره، التي لا ترى في الكارثة المحدقة إلا مصدراً محتملاً للمزيد من النهب والسلب.. في حين يرزح السوريون «العاديون» تحت حالة حرمانٍ وعوزٍ لم يعرفوا مثيلاً لها إلا أيام «سفر برلك» في الحرب العالمية الأولى.

مع ذلك، ربما هنالك جوانب أخرى قد تساعد قليلاً على حلحلة الأزمة السورية (ومعها بتبادل التأثير تلك العراقية واللبنانية أيضاً)، وإن كانت هذه الجوانب ذاتها قابلة للضياع في موجة كورونا العالمية الراهنة، خصوصاً عند وصول الموجة الثانية المحتملة، وربما الثالثة من خلفها.

أتاحت – مثلاً- الديناميات الداخلية المتماسكة للنظام الديمقراطي مؤخراً للمؤسسة القضائية في ألمانيا، أن تبدأ محاكمات لبعض ضباط الأمن المنشقين في دعاوى ضدهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ليترك هذا هامشاً مضيئاً في عتمة السرد أعلاه، يمكن أن يساعد على تكريس المساءلة ومنع إفلات «نجوم» نظام الأسد القاتل من العقاب، ومن ثم وخصوصاً على فتح الأبواب باتجاه عملية سياسية فعلية لاحقاً. جاء ذلك في أجواء من الغضب المكتوم أحياناً، والمعلن في أحيان أخرى من عناد الأسد، وتمسكه بسياساته وسلطته، واستمراره بالسخرية من المطالبة الدولية بالتغيير والتخلي عن استراتيجية الحرب المستمرة. وربما وصل هذا التيّار الساخن، في ما يبدو إلى الروس أهم حلفاء النظام. فبعد الهجوم الكاسح من وكالة الأنباء الفيدرالية على الأسد (وهي وكالة تابعة لجناح من» شبيحة» بوتين الدوليين، الأكثر انفضاحاً وانفلاتاً)، أعلنت أن موقعها الإلكتروني تعرض للقرصنة لعدة أيام، وسحبت تلك المقالات التي هاجمت الأسد. ثم قامت شركة «أوروبوليس» بتعويض النظام بهدية من التجهيزات اللازمة لمواجهة الجائحة، وهي شركة يرى البعض فيها غطاءً مكشوفاً للجهة ذاتها التي تملك الوكالة، حصلت سابقاً باسمها على عقود «تشبيحية» تتعلق بالنفط والغاز، مقابل خدمات المرتزقة الذين ينتمون إلى المؤسسة الأم، المرتبطة بالرمز الكاريكاتيري «طباخ بوتين». هذا التراجع عن الهجمات، لم يكن ممكناً إخفاء ارتباطه بأجواء ناقدة فعلية في موسكو، ظهرت – على سبيل المثال- في دراسات لمعهد فالداي السياسات المعروف، وفي مقالات في موقع «البرافدا» الإلكتروني. وهذا كله في إطار موجة لافتة في الإعلام الروسي، توحي بإمكانية التخلي عن ديكتاتورها المدلل في دمشق، أو تلوّح بذلك على الأقل.

ومن جهة الحليف الثاني، تهرب السلطة الإيرانية المحاصرة بشراسة إلى أمام، كما كانت تفعل دائماً، ويُستبعد أن يكون احتمال النجاح في ذلك هذه المرة كبيراً كما كان في السابق. هنالك حصار من الداخل بالأزمة السياسية الاجتماعية، تضاعف من آثاره هجمة فيروس كورونا المجهولة الآفاق، مع انقطاعٍ نسبي أيضاً في التنفس عن طريق العراق، كما في السابق، ومن ثَمّ احتمال الانقطاع في طريق دمشق. وفي النتيجة سوف تكون إيران غالباً غارقة في مشاكلها الداخلية، محاصرة بأزماتها الخارجية، التي طالما حمّلت أزماتها الداخلية عليها. وإذا كانت مغامراتها المتواترة في الخليج متنفّساً لهذا المأزق، إلا أنها خطيرة العواقب في الوقت ذاته، على نظام الولي الفقيه وعلى الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.

وبالطريقة وعوامل التأزم نفسها، يقف حزب الله متوتراً ومحاصراً بخسائره في سوريا، وفي تسببه المكشوف بكل ما يحيط بالدولة اللبنانية واللبنانيين عموماً من أزمات اقتصادية ومعيشية وسياسية خانقة، بسبب العقوبات الدولية التي تُطبق عليه فتعمّ بعقابيلها البلاد، وكذلك فيما يبدو سبباً لوجستياً بحركة عناصره بحرية بين إيران وسوريا ولبنان، لتسريع العدوى وتصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا.

لن تكفي هذه المؤثّرات لتغيير ميل عالم ما بعد الجائحة إلى إشاحة الوجه عن مشاكل الآخرين، بعد أن تفعل فعلها الدافع نحو الانعزال، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، من ثَمّ، على متغيرات الانتخابات المقبلة في كلّ بلدٍ بعينه. فربّما تهتز الولايات المتحدة وقيادتها للعالم؛ خصوصاً من حيث تأتيها الكارثة في عهد أكثر الإدارات غرابة وانحرافاً؛ وتهتز روسيا والصين، وأوروبا بالطبع. ولن يستطيع أحد حالياً التنبؤ بما يمكن أن يحدث في ما بعد في جنوب العالم، ببشره وبناه السياسية الأكثر هشاشةً، لذلك كله، لا يمكن تماماً معرفة مستقبل قضايا المنطقة، والأزمة السورية بعينها.

ولن يكون هذا كله تعقيداً لمساهمات العالم في فكفكة القضية السورية وحسب، بل يبدو أن بعض مستلزمات تلك المساعدة تتآكل مع الوباء، لتتبلور في ما بعد حالة مجهولة التأثير في تلك القضية، أو لعلها مجهولة في حجم سلبيتها على الأصح، ما دام الحال على ما هو عليه ذاتياً أيضاً. فكما يرتبط اندفاع القوى الخارجية للقيام بدور في حلّ المشكلة بقدراتها وأولوياتها ومدى تفرغها، يرتبط أيضاً بحصيلة كلفة الوباء من جميع النواحي، وما تفرزه من مشاكل تتعلق باللاجئين والإرهاب. ولكن اندفاعها للمساهمة يعتمد على إمكانيات وقف إطلاق النار، والتوصل إلى أجندة للعملية السياسية، خصوصاً على خطط إعادة الإعمار التي هي النتيجة اللاحقة للتسوية وأساسها المسبق الصنع. فإعادة الإعمار هذه وميزانيتها سوف تتأثر أيضاً بحجم الإنفاق الحالي والمستقبلي، على امتصاص نتائج الجائحة اقتصادياً هنا وهناك، وبحجم ونوع برامج الخروج منها في ما بعد، أو ربما منذ الآن. برامج إعادة الإعمار هي دينامو العملية السياسية، ولن تكون على ما كانت عليه، أو ما كان يمكن أن تكون.

وعلى الرغم من تنشيط دعوة ثلاثي أستانة إلى جولة من جولات اللجنة الدستورية، لأسباب يغلب أن تتعلق بأحوال أطرافه الخاصة، إلا أنه لن يكون ممكناً في المدى المنظور إلا تثبيت حدود المناطق الثلاث القائمة حالياً في سوريا، وتنظيم الخلافات المحتملة وتحديد المصالح المتداخلة أو المتعارضة، إذا تحقق وقف إطلاق النار بطريقة مستدامة إلى هذا الحدّ أو ذاك… في انتظار «غودو»، أو انبعاث حراك السوريين واستعادة قرارهم وقوة تمثيلهم، بعد أن تهلهل الائتلاف في أيدي رعاته، وتمزقت هيئة التفاوض بين شمالها التركي وجنوبها السعودي، وحلقتها الروسية التي ما انفكت تبحث عن سياسة محددة وواضحة منتجة.

*كاتب سوري

القدس العربي

—————————————-

تركيا:السوريون خارج نسيج الأمة/ عائشة كربات

لن يكون هناك أحد آمناً حتى يصبح الجميع بأمان. هذا هو واحد من أهم الدروس التي يحاول فيروس كورونا تعليمنا إياها.

جميع التدابير التي نتخذها، مثل الحجر الصحي، في محاولة للبقاء في المنزل، والامتناع عن الاتصال الجسدي، وغسل اليدين، كلها مفيدة لحماية أنفسنا، ولكنها ليست كافية على المدى الطويل؛ إذا أردنا حياة خالية من فيروس كورونا، فيجب أن يتمكن الجميع من اتباع هذه القواعد.

السؤال هو: هل لدى الجميع هذه الفرصة؟ خاصة أربعة ملايين لاجئ يعيشون في تركيا.

قبيل تفشي فيروس كورونا كان السوريون خاصة، الموضوع الرئيسي في جدول الأعمال التركي. لكن الآن، لا يتم ذكرهم على الإطلاق، ليس من قبل السياسيين الذين يحاولون استخدامهم كبطاقة أساسية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ولا من قبل المجموعة الأخرى من السياسيين الذين يحاولون استغلال المواقف السلبية من المواطنين تجاه اللاجئين من أجل الإضرار بالحكومة. الصحافة كذلك ليست مهتمة بهم، سوى ببعض القصص مثل: تم إرسال لاجئ ليس لديه مكان للإقامة خلال حظر التجول إلى مخيم للاجئين؛ صدر إعلان حظر التجول باللغة العربية في غازي عنتاب وهاتاي؛ اللاجئون ينتجون الأقنعة.

ولكن هناك حقيقة أخرى نضيء عليها بسبب الوباء، وهي أن فيروس كورونا قد يصيب الجميع، ولكنه يصيب الفقراء والضعفاء والمهمشين بشدة. أولئك الذين ليس لديهم ما يكفي من الوسائل لرعاية أنفسهم. في تركيا هذا يعني الفقراء، ولكن حتى أكثر منهم، اللاجئين.

قد يستفيد المواطنون الأتراك المحتاجون من المساعدات الحكومية أو البلدية، لكن اللاجئين لا يحظون بهذه الفرصة في معظم الأوقات.

صحيح أنهم إذا أصيبوا ب”covid-19″، فسيتم علاجهم مجاناً ولكن هذا بالطبع لا يكفي لحمايتهم أو لحماية الصحة العامة.

بعد تسع سنوات من وصول اللاجئين السوريين، تم إرساء الاستقرار بشكل أو بآخر. تمت تلبية الاحتياجات الأساسية من طعام ومأوى، وتم تأمين تعليم الأطفال ولم تكن مشكلة البطالة ضخمة للغاية بل كانت كبيرة. وأطلقت مبادرات لدعم اللاجئين في شكل مساعدات نفسية وأنشطة ثقافية وظروف معيشية أفضل واندماج. ولكن الآن كل ذلك يتراجع بسرعة.

فقد الآلاف من الأشخاص وظائفهم بسبب الوباء في المقام الأول، ثم أصدرت الحكومة قانوناً جديداً وحظرت تسريح العمال ووعدت بدفع مبلغ صغير من المال لمن توقفت أماكن عملهم عن الانتاج. وقد أدّى ذلك إلى إنشاء شبكة أمان للفقراء إلى حد ما ولكن معظم اللاجئين الذين يتشاركون الظروف نفسها لم يتمكنوا من الاستفادة من هذه الإجراءات لأنهم كانوا يعملون بشكل غير رسمي. إلى جانب ذلك، كانوا أول من فقدوا وظائفهم.

نظراً لأنه لا يُسمح لهم بالخروج أو حتى إذا استطاعوا، فمن شبه المستحيل العثور على وظيفة جديدة. يستطيع نصف اللاجئين الأربعة ملايين فقط الحصول على كمية صغيرة من المساعدة المالية التي يدفعها الاتحاد الأوروبي. حاجتهم إلى الغذاء والموارد الصحية في ازدياد.

منظمات المجتمع المدني التي تحاول مساعدة اللاجئين على حل جميع أنواع المشاكل غير قادرة على العمل كما كانت تفعل، بسبب قيود الفيروس. كما توقفت المشاريع المصممة لصالح اللاجئين.

عندما يتعلق الأمر بالتعليم، كانت هناك تطورات تبعث على الأمل مرة أخرى في هذا الصدد، حيث تمكن معظم الأطفال اللاجئين من الالتحاق بالمدرسة، وكانت هناك دروس داعمة خاصة لهم لضمان اندماجهم في نظام التعليم التركي. الآن، مثل جميع المرافق التعليمية الأخرى التي يستخدمونها هم أيضاً ضمن برامج التعليم عبر الإنترنت، ولكن ليس من السهل على الأطفال اللاجئين متابعتها لأن وصولهم إلى الإنترنت محدود.

منذ وصولهم لأول مرة، تعرض اللاجئون السوريون للتمييز من قبل الثقافة العامة السائدة، لكن إحصاءات كورونا في تركيا لا تميزهم، يتم تضمينهم في عدد الحالات والوفيات والشفاء، وهم يعانون أيضاً مما يعاني منه بقية المجتمع.

قضية أخرى قد يجلبها كورونا هي مفهوم جديد للأمة. بدلاً من الجنسية القائمة على الدم والمواطنة، يمكن أن يعلمنا تعريفاً جديداً للأمة على أساس “الجنسية الإقليمية”؛ كل الناس الذين يعيشون داخل حدود محددة ويتشاركون الظروف نفسها. إذا كان هذا هو التعريف الجديد للأمة، فلا شك في أن اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا هم الآن جزء من الأمة.

في الواقع ، هم كانوا حتى قبل فيروس كورونا.

المدن

——————————————

النظام يكشف توزع إصابات كورونا في مناطق سيطرته

تحدثت وسائل إعلام سورية موالية للنظام عن مقتل عنصر بجيش النظام يبلغ من العمر 31 عاماً، وهو الحالة الحالة السابعة التي كان مشتبهاً في إصابتها بفيروس كورونا، في مستشفى سلمية الوطني بريف محافظة حماة وسط البلاد.

ونقلت صحيفة “الوطن”، الموالية عن رئيس المنطقة الصحية في سلمية رامي رزوق، بأن العنصر في جيش النظام توفي متأثراً ب”آفة قلبية”، وكان يخضع للحجر عقب الاشتباه في إصابته بكورونا.

وبحسب المصدر ذاته فإنّ العنصر أجريت له عملية “استسقاء وبزلط ولكنه توفي نتيجة “آفته القلبية”، قائلاً إنّ نتيجة عينة التحليل التي أخذت له بالمشفى وأرسلت لمخابر صحة النظام إلى جانب عدد من الحالات كانت سلبية، حسب وصفه.

وسبق أنّ كشفت مصادر إعلامية معارضة، عن إصابة عناصر بصفوف جيش النظام ممن خضعوا لما يُسمى ب “التسوية” مع نظام اﻷسد، وتم بموجبها زجّهم في جبهات القتال، مشيرةً إلى أن الفيروس نقل إليهم من قبل الميليشيات الإيرانية المتواجدة إلى جانبهم على جبهات ريف إدلب الجنوبي.

يشار إلى أنّ إعلام النظام يتكتم حتى اللحظة عن عدد الإصابات بالفيروس ضمن صفوف عناصره.

من جهة ثانية، نشرت وزارة صحة النظام السوري ما قالت إنها خريطة تظهر توزيع الإصابات بفيروس كورونا التي أعلنت عنها في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام للمرة الأولى ليتبين أنها توزعت على دمشق وريفها، ومحافظة درعا جنوب البلاد.

وتشير المعلومات الواردة في توزيع الوزارة إلى أنّ 30 إصابة مسجلة في محافظة ريف دمشق و 12 في العاصمة دمشق وإصابة واحدة في مدينة درعا، مع زعمها بأن باقي المحافظات لم تسجل أي إصابات بالفيروس حتى اليوم.

وجاء ذلك ضمن ما أسمته الوزارة بأنه خدمة خاصة من شأنها أن ترصد انتشار الفيروس في مناطق سيطرة النظام وتضم حالات الإصابة المكتشفة وتوزعها حسب المحافظات والفئة العمرية والجنس وسبب الإصابة، كما تضم معلومات حول المخابر المعتمدة ومراكز العزل والحجر، بحسب البيان الصادر عنها.

وأظهرت الخدمة أن الحالات المصابة بفيروس كورونا التي سُجلت بلغت 43 إصابة شفي منها 19 حالة لتبقى 18 إصابة قيد العلاج.

وتوزعت الإصابات حسب الجنس بين 21 من الإناث و22 ذكور وحسب الفئة العمرية من عمر حديث الولادة وحتى التسع سنوات سجلت إصابة من الإناث واثنتان من الذكور أما من عمر العشر سنوات وحتى التاسعة عشرة فسجلت إصابتان من الاناث دون أي إصابة لدى الذكور بينما من عمر العشرين وحتى التاسعة والعشرين هناك إصابة واحدة من الإناث واثنتان من الذكور، فيما باقي الإصابات سُجلت بين من هم فوق الثلاثين.

وتوزعت الحالات حسب سبب الإصابة إلى إصابة واحدة من مكان العمل وإصابة واحدة عبر المسح العشوائي وإصابة عن طريق التماس مع زائر أجنبي وست إصابات لقادمين من خارج البلاد وست عشرة إصابة غير معروف سببها وثماني عشرة إصابة مخالطة لحالة مؤكدة.

وبلغ عدد الأشخاص في مراكز الحجر الصحي وفق ما أظهرت الخدمة 2817 شخصا تخرج منهم 2163 وبقي قيد المتابعة 654.

——————————–

النظام لن يطبع ال5000 ليرة خوفاً على نفسية السوريين!

لم يعد بإمكان الفئات النقدية السورية المتداولة استيعاب التعاملات التجارية اليومية في الأسواق (الكاش)، نظراً لانهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، الأمر الذي دفع بمراقبين اقتصاديين إلى المطالبة بإصدار فئات نقدية جديدة بقيمة أكبر.

ورصدت “المدن” دعوات للنظام بإصدار فئة 5000 آلاف ليرة سورية، للتقليل من أعباء حمل النقود التي تراجعت قيمتها الشرائية، في وقت تشهد فيه الأسواق ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع.

تلك المطالبات دفعت بالنظام السوري إلى الرد بشكل غير مباشر، إذ استبعدت صحيفة “الوطن” الموالية، إمكانية إصدار مثل هذه الفئة في الوقت الحالي، محذرة على لسان اقتصاديين من الأثر النفسي لدى المواطنين عند طرح مثل هذه الفئة، وخاصة مع حالة التراجع الكبير الذي سجلته القوة الشرائية في الأشهر الأخيرة.

موقع “اقتصاد مال وأعمال السوريين” المعارض، أوضح أن المواطن السوري بات بحاجة لحمل كمية كبيرة من الأوراق النقدية، من أجل شراء بعض الحاجيات البسيطة، بالإضافة إلى فقدان الفئات الأدنى من العملة إلى قيمتها ، وخروجها من التداول والتسعير، مثل فئة ال50 ليرة وما دونها.

الصحافي الاقتصادي السوري، فؤاد عبد العزيز، قلّل من احتمال إقدام النظام السوري على إصدار فئات نقدية جديدة، لأسباب متعلقة بعدم استقرار الأسواق المحلية والدولية، نتيجة جائحة كورونا.

وقال ل”المدن”: “لا نستطيع تخمين ما إذا كان النظام السوري سيقدم فعلاً على إصدار فئات نقدية كبيرة، و أزمة كورونا لا زالت قائمة”، مضيفاً أنه “في سوريا يمكن إصدار مثل هذه الورقة، غير أن الإقدام على هذا الخطوة رهن استقرار الاقتصاد العالمي، ومن غير المستبعد انهيار عملات دولية، ولذلك بتقديري من المستبعد أن يقوم النظام راهناً بطرح أي فئة جديدة، أو تغيير بوضع العملة”.

الخبير الاقتصادي، سمير طويل، رأى إن القول بجدوى هذا الطرح في سبيل كبح التضخم السائد في الأسواق السورية، يعبر عن قصور كبير، مضيفاً ل”المدن”، أن “طرح مثل هذه الفئة قد يزيد من تدهور العملة السورية، نظراً للأثر النفسي الذي ستخلفه هذه الخطوة بين الأوساط الشعبية”.

أمام مخاطرة

وأكد طويل أن حاجة النظام للسيولة النقدية ازدادت، نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد السوري مؤخراً، نتيجة جائحة كورونا، وكذلك نتيجة تعطل الشريان الاقتصادي الذي كان يؤمنه “حزب الله” لتمويل المستوردات السورية، بسبب أزمة البنوك والمصارف اللبنانية، وانشغال إيران بأزماتها الاقتصادية التي استفحلت نتيجة انهيار أسعار النفط.

وقال إن “النظام السوري اليوم أمام مخاطرة، إما أن يقوم بطبع فئة ال5000 الجديدة، أو أن يقوم بزيادة طباعة الفئات النقدية المتداولة أصلاً (1000-2000)، مع تحمل كلفة طباعتها الكبيرة، مقارنة بطباعة فئة ال5000”.

واستدرك طويل قائلاً: “غير أن تداعيات طباعة هذه الفئة وأثرها النفسي، واحتمال تسجيل الدولار قفزات كبيرة مع طرحها، حيث من المتوقع أن يتجاوز سعر الدولار الواحد حاجز ال1500 مع الإعلان عن طرح هذه الورقة الجديدة ، تجعل النظام يراجع حساباته كثيراً قبل أن يقدم على هذه الخطوة”.

إقدام النظام السوري على طبع هذه الفئة واعتماد الفئات المالية الكبيرة، يؤشر إلى وصول الليرة السورية إلى حافة الهاوية، وهو ما يحاول النظام تفاديه، أو تأجيله على الأقل في المدى المنظور.

—————————

لوموند: الأمم المتحدة رمز للفوضى العالمية والعجز في مواجهة كورونا/ آدم جابر

تعرض صحيفة لوموند الفرنسية ضمن سلسلة تحقيقات الثغرات أو العيوب التي تسببت بها أزمة كورونا داخل الهياكل متعددة الأطراف لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، وباتت اليوم تقوض لعبة القوى العظمى الكبرى.

الصحيفة أوضحت أن الأمر استغرق أكثر من عشرة أيام بالنسبة للأمم المتحدة قبل أن تبدأ العمل بنظام فيديو بعد تعميم العمل عن بعد في مقرها بنيويورك في 13 مارس/آذار المنصرم. ولم يتم التخطيط لأي شيء في ظل عجز ممثلي الدول الأعضاء بمجلس الأمن، الهيئة التي تضمن السلم والأمن العالميين، عن الاجتماع جسديًا. فقد استغرق الأمر أسبوعين إضافيين بالنسبة للقوى الخمس الكبرى التي تتولى القيادة في الأمم المتحدة (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) قبل أن تفهم موضوع فيروس كورونا، الذي كان يهز العالم منذ أسابيع، والذي اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيرس أنه “التحدي الأكثر خطورة” الذي واجهته المنظمة منذ إنشائها في عام 1945.

“لوموند” أشارت إلى أن أول مؤتمر عن بعد حول فيروس كورونا عُقد أخيراً يوم الخميس 9 من إبريل/نيسان، ولا توجد أي صور له باستثناء تلك التي نشرها المندوب الألماني لدى الأمم المتحدة في تغريدة على تويتر والذي كان وراء انعقاد هذا المؤتمر.

وبينما كان الكوكب ينقلب رأسًا على عقب منذ عدة أسابيع بعد حصد فيروس كورونا عشرات الآلاف من الأرواح وتوقف الاقتصادات وخضوع أكثر من نصف البشرية للحجر الصحي، خرج مجلس الأمن الدولي، يومها، ببيان صحافي متواضع نشر عبر فيديو غريب، جاء أعلى صورة غامضة ومقطعة، في صورة تعكس التخبط الحاصل على مستوى “الحوكمة العالمية” خلال فترة فيروس كورونا. في الفيديو نرى خوسيه سينجر وايزنغر يقرأ لمدة 70 ثانية بضع جمل لا طعم لها من منزله في سانتو دومينغو.

يعبر النص الذي وصفته “لوموند” بالكاريكاتيري عن دعم قادة العالم “لجميع جهود الأمين العام للأمم المتحدة فيما يتعلق بالأثر المحتمل لوباء كوفيد 19 على البلدان المتضررة”، ويشير إلى “ضرورة الوحدة والتضامن مع جميع المتضررين”.

المفارقة الكبرى –تقول لوموند- هو أنه في الوقت الذي أضحت فيه البشرية كلها مدركة لخطر مشترك وواجهته باختيار عشرات الدول في آن واحد تقريبًا فرض قيود الحجر والإغلاق… غاب المجلس المسؤول عن الأمن العالمي وترك المجال مفتوحا لردود الفعل الوطنية التي تفاقمت بسبب عنف الأزمة.

لكن الصحيفة الفرنسية اعتبرت أن عجز الدول ”الخمس الكبرى” دائمة العضوية في مجلس الأمن، الواضح والمثير للدهشة في أوج جائحة كورونا، ما هو إلا أحدث مظهر ضمن عملية طويلة لإضعاف فكرة التعددية التي يلخصها دبلوماسي فرنسي على النحو التالي: “حقيقة أن تتحرك دول معاً على أساس قواعد محددة بشكل مشترك”.

ولا يقتصر هذا الشلل -حسب لوموند- على المجموعة التي تهيمن على الأمم المتحدة فحسب، ولكن على منظومة الأمم المتحدة بأكملها، حيث ترك الانسحاب الأمريكي المجال مفتوحًا للصين. “فالغربيون، والفرنسيون خاصة، يقعون في تناقض قوي للغاية، حيث إنهم واصلوا الترويج للأمم المتحدة، بينما قاموا بسحب أنفسهم مالياً، لتستولي الصين على المنظمة.. والمثال الأكثر وضوحا هو منظمة الصحة العالمية، ولكن الشيء نفسه ينطبق أيضا على منظمة الأغذية والزراعة”.

واعتبرت لوموند أن طريقة التعددية، التي تعد المبدأ النظري للعلاقات الدولية منذ عام 1945 وجوهر العالم الغربي، باتت اليوم موضع تساؤل من قبل القوى العالمية الثلاث الكبرى، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا. يميل الصراع بين واشنطن وبكين إلى تهميش الأوروبيين.

———————————-

علماء صينيون: استحالة القضاء على كورونا تستدعي التعايش معه

أعرب علماء صينيون عن ثقتهم بأنه لا يمكن استئصال الفيروس التاجي الجديد كليا من الوجود، كما حدث مع فيروس سارس، ورجحوا أن يصبح COVID-19 مرضا موسميا كالإنفلونزا.

وذكرت وكالة بلومبرغ، أن العلماء الصينيين يعتقدون أن الفيروس التاجي الجديد، الذي قضى على أكثر من 211000 شخص في العالم، لن يتم القضاء عليه تماما، كما حدث مع فيروس سارس.

وقال جين تشي مدير معهد علم الأحياء في الأكاديمية الصينية للعلوم في مؤتمر صحافي في بكين: “على الأرجح، سيكون هذا وباء يتعايش معه الناس لفترة طويلة، ويصبح موسميا ويستمر في جسم الإنسان”.

وفي حالة سارس، أشار الباحثون الصينيون إلى أن أعراضه كانت تظهرعلى المصابين به وبمجرد عزلهم، توقف الفيروس عن الانتشار، لكن حاليا في الصين، حيث أصبح الوباء تحت السيطرة، لا يزال يتم اكتشاف العشرات من الحالات دون أعراض الإصابة بالفيروس التاجي يوميا.

وقال أنتوني فوسي مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، في وقت سابق، أن COVID-19 يمكن أن يصبح مرضا موسميا.

وكدليل على ذلك، أشار إلى حقيقة أن حالات المرض في بلدان نصف الكرة الجنوبي بدأت تكتشف بعد وصول الطقس البارد في الخريف.

وكتبت بلومبرغ أن هناك إجماعا بين العلماء البارزين والعديد من الحكومات على أنه من غير المحتمل أن يتم استئصال الفيروس بالكامل، على الرغم من إجراءات الحجر الصحي التي تسببت في تعطيل الاقتصاد العالمي.

ولذلك، فإن عددا من خبراء الصحة يدعون إلى ترك الفيروسات التاجية تتفشى بين الشباب بشكل يكون خاضعا للسيطرة، كما هو الحال في الهند، أو إلى التخلي عن فرض قيود صارمة كما فعلت السويد على سبيل المثال، على حد قول بلومبرغ.

———————-

من لماذا يكرهوننا إلى لماذا لا يصدقوننا؟/ أرنست خوري

يعمّم المسؤولون الصينيون هذه الأيام سؤالهم المتذاكي: لماذا لا يصدّق العالم روايتنا عن فيروس كورونا؟ لماذا لا يصدقون ما نخبرهم إياه عن النشأة الطبيعية لـ”كوفيد 19″ نتيجة وجود حيوانات برية لم يكن يجدر بها أن تتخالط في مكان واحد من سوق ووهان؟ لماذا يطرح علماء ورجال استخبارات وإعلام احتمال أن يكون الميكروب اللعين تسرّب بالخطأ من مختبر للأدوية كان يحاول تركيب لقاح أو علاج لمرض نقص المناعة المكتسبة؟ لمَ التشكيك بشفافيتنا في التعامل مع الوباء وبأعداد الوفيات والإصابات التي نقدمها؟

وهذه الـ”لماذا لا يصدقوننا؟” تذكّر فوراً بتساؤل وديع آخر سار العالم على هديه طوال سنوات ما بعد “11 سبتمبر” 2001، بحثاً عن جواب مستحيل: لماذا يكرهوننا؟ كان السؤال الأثير لجورج بوش الابن موجّهاً إلى “العالم الثالث” عموماً، والمسلمين وتيار عريض من جماعة “الأميركو – فوبيا” المتوجّسين أبداً من الشر الأميركي، وفي جعبتهم أجوبة جاهزة بغض النظر عن موضوع النقاش، تستحضر أوتوماتيكياً مقتلة السكان الأصليين للقارة وصولاً إلى تجسيد هذا البلد كل ما هو شر في هذا العالم. ظل الرؤساء الأميركيون ونخب ذاك البلد يطرحون السؤال ويفتكرون فيه بنقاشاتهم ومراكز دراساتهم ويبحثون عنه في جثث ضحايا حروبهم، إلى أن تطوّع دونالد ترامب لتوفير الجهد والوقت على الجميع، أميركيين ومعادين لأميركا، فأظهر للعالم، بالسلوك اليومي، من دون أدبيات وتنظير وبلورة أفكار، لماذا يكره هذه الـ”أميركا” كسلطة ونظام طيفٌ واسع من أبناء وبنات آدم. هكذا خبا السؤال الأميركي من دون أن يختفي، لتُعاد صياغته اليوم في قالب صيني على شاكلة “لماذا لا يصدقوننا”؟

يعتقد حكّام بكين أن تاريخاً من المكوث في قلب “العالم الثالث” المستغَل اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، يزوّدهم برصيد ما من المصداقية. اعتقاد غريب فعلاً، نابع من غيبيات ومن ثقافة ريفية تبسيطية، توحي مثلاً بأن الفقير لا بد أن يكون طيباً حتماً، تماماً مثلما أن إبقاء النظام السياسي الصيني محكوماً بجهاز هائل اسمه الحزب الشيوعي الصيني، يعني أن الصين فعلاً دولة شيوعية، هذا على أساس أن الشيوعية، كنظام وسلطة نعرف تكلفة تطبيقاتهما السياسية على حريات البشر وحقوقهم الشخصية والجماعية، مدعاة فخر يُسأل عنه الملايين من ضحايا الثورة الثقافية. أما أن النظام الصيني هو حكم متسلّط استعار أسوأ ما في الرأسمالية وأسوأ ما في الشيوعية وما بينهما، فذاك ما لا يرغب العقل الصيني الحاكم ولا المتحمسون لـ”النموذج الصيني” في مناقشته طويلاً.

الكذب ليس محصوراً طبعاً بأنظمة غير ديمقراطية أو قل غير ليبرالية سياسياً. لكن ما هو خاص بمثل هذه الأنظمة، والصين نموذجها، هو أن لا صحافة حرة فيه ولا معارضة سياسية ولا حرية تعبير ولا شفافية ولا قدرة وصول إلى المعلومات من مصدرها لكي تسائل وتفضح وتكشف وتقدم وجهاً آخر للحقيقة النسبية. وكيف تريد الصين ومريدوها أن يصدّق العالم رواية نظام لا يزال ينفي ما يرتكبه بحق الإيغور المسلمين من اضطهاد وقتل وتشغيل بالسخرة وجرائم ترانسفير من مناطقهم؟ كيف تريد الصين ومريدوها أن يصدّق العالم رواية نظام اعتقل طبيباً لأنه حذّر باكراً جداً من ظهور الفيروس الجديد؟ نظام لاحق كل الصحافيين الذين كتبوا عن كورونا لأنه كان المطلوب أن يموت الناس بصمت؟ نظام لم يخبر منظمة الصحة العالمية إلا في 20 يناير/ كانون الثاني بأن الفيروس ينتقل من إنسان إلى إنسان؟ نظام أخفى معلومات فسرّع بذلك انتشار الوباء بسرعة قياسية. نظام اخترع تطبيقات وتقنيات تستطيع حجب أي معلومة “سلبية” أو خبر “غير إيجابي” عن حواسيب الصينيين وهواتفهم ومواقعهم الإلكترونية.

كرّست السلطة الصينية بسلوكها تاريخياً قاعدة التشكيك في كل رواية وكل موقف وكل حدث. ذاك هو بالتحديد أب نظرية المؤامرة وأمها التي تولّد أبناء وبنات بالملايين من بطن واحد اسمه القمع وهندسة حياة البشر مثلما تهندس الآلات من دون نقد وتشكيك وحق تمرّد. هذا هو النموذج الذي يحلم به جماعة لماذا لا يصدقوننا؟

—————————

عاملون في خط الدفاع الثاني ضد فيروس كورونا

يعملون من أجل لقمة عيشهم وعيش عائلاتهم، أو بدافع الواجب… لكنهم هم الذين يؤمنون اليوم استمرارية العالم في زمن كورونا، بائعو مواد غذائية، عمال النظافة أو خدمات التوصيل، لطالما شعروا بأنهم مهمشون، غير مرئيين، لكنهم اليوم أساسيون.

ورغم أنهم لا يحصلون على التصفيق والتكريم الذي يقدّم للأطباء وللممرضين كل مساء في بلدان عدة من العالم من على شرفات المنازل، لكن اختلفت النظرة إليهم. اليوم، يتوقف الناس أكثر ليتحدثوا معهم، وبعضهم يكتب كلمة “شكرا” على مستوعبات النفايات أو على باب متجر للمواد الغذائية.

إنهم بالتأكيد يشكلون “خط الدفاع الثاني” في الحرب على وباء كورونا، لا يمكن الاستغناء عنهم من أجل تأمين الغذاء، والاتصالات، والتنقل، وعمليات التنظيف والتعقيم، ومعظم الوقت من دون حماية أخرى غير الكمامة والسائل المطهر.

بين 18 و25 إبريل/ نيسان، وافق خمسون من هؤلاء في بلدان مختلفة على أن يلتقط لهم مصورو وكالة فرانس برس صورا في أمكنة عملهم، بين جناح للخضار، أو رف للأدوية، أمام فرن أو ملحمة، قرب مستوعب نفايات، في مطبخ أو في مقبرة… وتحدثوا عن ضعفهم وغضبهم ورسالتهم…

من أجل لقمة العيش

كثيرون منهم لا خيار آخر لهم غير العمل كي يؤمنوا لقمة عيشهم، في وقت حولت إجراءات العزل والإغلاق والحجر في العالم الملايين إلى عاطلين من العمل وزادت من الفروقات الاجتماعية. وتقول الأفغانية زينب شريفي (45 عاما)، وهي أم لسبعة أولاد وتعمل في فرن في كابول، “الجوع سيقتل عائلتي قبل أن يفعل فيروس كورونا ذلك إذا توقفت عن العمل”.

ويقول العامل في توصيل الخضار على دراجته النارية المصري كريم خلف الله (21 عاما) “إنها الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة”. بعضهم يذهب إلى عمله وقد تملكه الخوف. وتقول فاتو تراوري (43 عاما) من ساحل العاج التي تعمل في التنظيف في مستشفى كريمون في إيطاليا، “الخطر موجود في كل مكان، ويطاول الجميع. نخشى أن نصاب بالعدوى، ونخشى أن ننقل العدوى”.

وفي لشبونة، تعبّر بائعة السمك البرتغالية إيميليا لومبا عن قلقها إزاء عدد الأشخاص الذين تلتقيهم كل يوم، والأوراق النقدية التي تمسك بها، لكن “علي أن أدفع فواتيري”.

وتسأل البرازيلية لاريسا سانتانا (26 عاما) التي تبيع الكعك في مدينة سلفادور باهيا في البرازيل “من يريد أن يعمل في مثل هذه الظروف؟”، مضيفة “لكن لا خيار لي، هناك بطالة (…)، هذا مصدر رزقي الوحيد. لدي طفل في الثالثة من عمره”. ويقول عامل النظافة الفرنسي تييري باولي (45 عاما) إنه يواصل جمع النفايات في مولوز في شرق فرنسا، لأنه كما يقول “لدي ضمير مهني”. وفي الوقت نفسه يعبر عن غضبه قائلا “إنها مهنة تعرض صاحبها لأخطار، ولا أحد يقدّره”.

واجب ورسالة

بالنسبة إلى آخرين، العمل واجب، تأمين الخدمات العامة والاستمرارية… خصوصا في أيام الاضطرابات. وبالتالي، لا يمكن لجاكي فيرني (54 عاما) إقفال متجرها الصغير للمواد الغذائية في قرية غلينام في أيرلندا الشمالية. وتقول “السكان هنا يعتمدون على المتجر، إنه أساسي للحصول على السلع الطازجة واللحم ومواد التنظيف، والصحف…”. وتضيف “بعضهم مسنون، ولعل هذا المكان هو الوحيد المتاح لهم للتواصل” مع آخرين، ولو عبر لوح زجاجي.

أما باتريك بلايك (65 عاما) الذي ينظم جنازات في ديريلين في أيرلندا الشمالية، فيقول “إنه واجب (…) ولا يكمن فقط في تحضير الأوراق الرسمية، بل تأمين اتصال وجها لوجه، ونصائح، ودعم للعائلات التي فقدت أحد أفرادها”.

والعمل أيضا هو وسيلة للمشاركة في الحرب ضد فيروس كورونا. ويقول السوري أنس (29 عاما)، إنه، يشعر، عندما يوصل المشتريات للزبائن في بلدة حالات شمال بيروت، أنه “يعمل مثل الأطباء على جبهة” محاربة الفيروس.

في ريو، يقول البرازيلي ثياغو فيرمينو (39 عاما) إنه أنشأ “قوة ضاربة” من أجل تعقيم الشوارع في مدن الصفيح في سانتا مارتا. ويضيف “لا أريد أن أجلس وأراقب ما يحصل. طريقتي في محاربة فيروس كورونا، هي الخروج وتعقيم الفافيلا”. ويشير إلى أنه يحتاج إلى المال لشراء المواد الكيميائية والأدوات للتعقيم والكمامات وملابس الحماية. ويضيف “أنا مستعد لمواجهة الخطر (…) أريد أن أحمي عائلتي والمكان الذي يقيم فيه أهلي”.

وبالنسبة إلى آخرين، المسألة إنسانية محضة. في جوهانسبورغ، تطوّعت المعلمة رايس جاكوبس (63 عاما) للعمل في مطعم صغير يقدم طعاما لأولاد الشوارع. وتقول “أن نعيش على الأرض ونساعد عندما يتاح لنا ذلك، بركة بحد ذاتها”. وفي غلاسكو، يضع الإسكتلندي روبن باركلي (30 عاما) خدمات شركته للتنظيفات في خدمة السكان، ويقوم بتنظيف الشوارع. ويقول “هذا أمر طبيعي (…). إنها مسألة إنسانية وواجب تجاه مجتمعنا”. ويضيف “إذا ساعد ذلك في أن يتجنب شخص واحد الإصابة بالفيروس، فإن الأمر يستحق العناء”.

(فرانس برس)

——————————–

“أكبر قفزة”أميركية نحو لقاح كورونا..والتجارب بعد شهر

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن معهد “جينر” في جامعة “أكسفورد” نجح في اختباراته السريرية المخبرية على لقاح ل”كورونا”، وستختبر فعاليته على جسم الإنسان على 6000 شخص مع نهاية أيار/مايو، ما يعد “قفزة كبيرة” في السباق إلى اللقاح المنتظر على حد وصف الصحيفة.

وأمل العلماء في معهد جينر أن تكشف النتائج ليس فقط أن اللقاح آمن، بل يسعون إلى معرفة مدى فعاليته في محاربة “كورونا”، وهو ما سيعطيهم الضوء الأخضر لبدء إنتاج وتوفير الجرعات الأولى منه مع بداية الربع الثالث من العام الحالي.

وبحسب الصحيفة فإن مليون جرعة من اللقاح المحتمل، يجري تصنيعها لتكون متاحة في أيلول/سبتمبر عبر 3 من شركاء التصنيع في بريطانيا واثنين في أوروبا وواحد في الهند والآخر في الصين.

واختبر علماء في مختبر روكي ماونتن في مونتانا، جرعات من اللقاح الذي طوره المعهد التابع لأكسفورد على ستة قرود من فصيلة “ريسوس المكاك”، التي عرضت بعد ذلك لفيروس كورونا، وخلال 28 يوماً كانوا جميعا بخير.

إلا أن الملياردير الأميركي بيل غيتس نبّه إلى أنه من الضروري للغاية العمل على العلاجات، لأنه يمكن تنفيذها بسهولة أكبر بكثير من اللقاحات، ولأنها لا تحتاج للاختبار على نطاق كبير، مشيراً إلى أن “بريطانيا تعمل على العلاجات التي حددناها على أنها واعدة بشكل خاص”.

وحذر في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، من أن الأمور لن تعود إلى طبيعتها بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس إلا بعد عام أو عامين، ما لم يتم إنتاج لقاح مضاد لهذا الوباء أو تثبت العلاجات فعاليتها، مؤكداً أن الوقت الآن للتعاون وليس لإدانة متسرعة للصين.

وقال: “يجب أن ننهي هذا المرض على مستوى العالم، ليس فقط لأننا نهتم بالأشخاص الآخرين ولكن لأننا نريد أن يتعافى الاقتصاد العالمي، ولأننا لا نريد أن تكون الواردات سبباً في إعادة العدوى بهذا الوباء”.

وفيما اللقاحات أو العلاجات قيد العمل عليها، ابتكر علماء بخاخاً جديداً مضاداً للفيروسات ومنخفض التكلفة يمكن أن “يحمي الأسطح من الفيروسات التاجية (بما فيها “كورونا” المستجد) لمدة 90 يوماً، حسبما كشف تقرير نشره موقع صحيفة “صن” الأسكتلندي.

وأفاد التقرير بأن البخاخ يتكون من ملايين الكبسولات “النانوية”، التي تحتوي على معقمات تظل فعالة في قتل البكتيريا والفيروسات والجراثيم حتى بعد أن تجف. ويمكن رش البخاخ المسمى” MAP-1″ على الأسطح التي يكثر استخدامها من قبل العامة مثل مقابض الأبواب وأزرار المصاعد للحماية من فيروسات التاجية.

ويستخدم ” MAP-1″ جزيئات حساسة للحرارة تنشط وتقتل الفيروسات حتى تلك العالقة بجسم الإنسان، على عكس المعقمات الشائعة مثل المبيضات والكحول.

وحسب الباحثين فإن البخاخ الجديد غير سام وآمن للبشرة والبيئة، وتمت الموافقة عليه للاستخدام الرسمي بعد اختبارات سريرية في مستشفى هونغ كونغ ودار للرعاية. وبشر التقرير بأن البخاخ الجديد ليس غالياً وتعقيم مدرسة بالكامل لا يكلف سوى بضعة دولارات.

———————————–

الصين تحظر لعبة إلكترونية عن كورونا.. “موجهة سياسياً“!

حظرت السلطات الصينية لعبة إلكترونية عن فيروس كورونا بحجة أن دافعها “سياسي”. وتتطلب اللعبة من اللاعبين أن يمنعوا من يسمون بـ”الأشباح الأنانيين” من مغادرة البلد الموبوء بالعدوى، للفوز في اللعبة.

وقدم اللاعبون شكوى ضد اللعبة بسبب استخدامها ألوان العلم الصيني، واستخدام أشكال الفيروس بدلاً من النجوم في العلم الصيني، كما كتب اللاعبون مراجعات وتقييمات سلبية للعبة، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وورد في التعريف باللعبة: “فيروس شبح أناني أصاب الناس بالعدوى في أنحاء البلاد. يحاول المصابون بالعدوى مغادرة البلاد، ومهمة اللاعب الحيلولة دون تمكن المصابين بالفيروس من المغادرة ونشر الوباء في العالم”. وفي إمكان اللاعبين أن يحملوا شارات مكتوب عليها “حرروا هونغ كونغ” و “تايوان ليست جزءاً من الصين”.

وقال مصمم اللعبة لموقع “أباغوس” أنه صممها بغرض الاحتجاج ضد الحكومة الصينية. وأضاف أنه ليس راضياً عن طريقة تعاملها مع الوباء. وطالب بعض اللاعبين بإزالة اللعبة، التي تتوافر حالياً خارج الصين، من منصات الألعاب في أنحاء العالم. وقال أحد اللاعبين الذي كتب مراجعة عن اللعبة على منصة خاصة بالألعاب الإكترونية: “تصوروا تصميم لعبة تستخدم النكات حول وباء انتشر حول العالم وتستخدم موت الناس كوسيلة للتسلية”.

ولم تكن هذه اللعبة التي تتحدث عن وباء كورونا هي الوحيدة التي حظرت في الصين، فقد وضعت لعبة “الطاعون” واسعة الانتشار في اللائحة السوداء في شهر آذار/مارس الماضي مع زيادة انتشار فيروس كورونا وتأزم الأحوال. وتضع اللعبة تحدياً أمام اللاعبين لخلق أمراض قادرة على إفناء البشرية. لكن اللاعبين قالوا في وقت لاحق، أنهم يستخدمون اللعبة لمساعدتهم على مواجهة المخاوف المتعلقة بانتشار فيروس كورونا.

————————

كورونا يحرم راقصي الأرجنتين من العناق- جوهر التانغو

في زمن العزل، تستمر ممارسة التانغو بالوسائل المتاحة في بوينس أيرس من خلال الانترنت إلا أن وباء كوفيد-19 يحرم الراقصين من العناق، وهو جوهر هذه الرقصة الأرجنتينية الشهيرة.

ويقول الأستاذ في أكاديمية “إيستيلو إي إيليغنسيا” للتانغو جوناتان فيانويفا الذي يقدم حاليا نصائحه التقنية عبر فيسبوك: “العناق يمثل 100% من التانغو. ما نقوم به هو تلبية حاجة الراغبين بالتعلم وتصحيح أخطائهم. غير أن الأساس يبقى الاتصال بالآخر”.

وقد أغلقت الصالات التقليدية لممارسي التانغو المعروفة باسم “ميلونغا” أبوابها إلى أجل غير مسمى منذ اعتماد تدابير الحجر المنزلي الإلزامي في 20 آذار/مارس في سائر أنحاء الأرجنتين.

ودفع ذلك بمدرّبي رقص كثر إلى الاستعانة بالإنترنت لتحدي الملل أو الإبقاء على بعض المداخيل. ويقر جوناتان فيانويفا بأن “التانغو في استراحة خلال فترة الحجر. عدم معرفة موعد استئناف العمل والحياة الطبيعية يشكل صدمة كبيرة للمدرّبين المستقلين”، لافتا إلى أنه يعاني “وضعا اقتصاديا شديد الصعوبة”.

“تقول نورا رونكال “من يبرع في الرقص، يكون مثل براد بيت بصرف النظر عن سنه أو شكله””

واضطر فيانويفا البالغ 35 عاما لإعطاء حصص تدريب عبر الإنترنت للمرة الأولى في مسيرته المكرّسة للرقص منذ عقدين. وهو يعرض لطلبته من منزله في بوينس أيرس الخطوات المطلوب تنفيذها ويدعوهم إلى الاستعانة بكرسي كشريك وهمي لهم في الرقصات، كما يستعين عموما بالحائط أو بمكنسة كعنصر للاستناد. ويصور خورخي فارغاس شريكه في الرقص وهو أيضا مدرّس تانغو، هذه الحصص ويبثها عبر الإنترنت. ويقول هذا الراقص البالغ 27 عاما: “لا تانغو من دون عناق، لكن في ظل تعذر ذلك ننتقل إلى المحطة التالية وهي التفاصيل التقنية بما يعني أننا عندما سنلتقي مجددا سنركز على العناق والرقص”.

وتقدم كارو بيتزو (43 عاما) مؤلفة كتاب “تقنيات التانغو للنساء” أيضا حصص تدريب من منزلها في بينيتو خواريس على بعد 400 كيلومتر من بوينس أيرس. ويتابعها متدرّبون من العالم أجمع ممن يرغبون في اتقان هذه الرقصة بتفاصيلها الفنية. وهي تقول لوكالة فرانس برس “في ختام الحصة، أشعر ببعض القلق. اشتقت للرقص”.

مثل براد بيت

كارولينا أندوانين موجودة في الجانب الآخر من الشاشة وهي تتتبع الحصص عبر الإنترنت مع ماريا بلاساولا وسوزانا ميلر، مدرّستيها في أكاديمية ميلونغيرو للتانغو في إل بيسو وسط بوينس أيرس حيث تنظم ملتقيات لراقصي التانغو يوميا في الأوضاع العادية. وتشير إلى أنها محظوظة بأنها تعيش مع شخص مولع بالتانغو ما يتيح لها الرقص حتى في زمن الحجر المنزلي، لكن “التوجه إلى ميلونغا أمر مختلف”.

“العناق يمثل 100% من التانغو. ما نقوم به هو تلبية حاجة الراغبين بالتعلم وتصحيح أخطائهم. غير أن الأساس يبقى الاتصال بالآخر”

وتضيف “السحر الخاص هو بالوصول وملاقاة الراقصين والاستماع إلى الموسيقى في الصالة ودخول حلبة الرقص وانتظار معرفة الشخص الذي سيشاركنا الرقصة. ومع كل راقص يختلف العناق، هذا كله مفقود في الرقصات المنزلية”. والأرجنتينيين كثيرين مولعين بالتانغو، يشكل الرقص النشاط الاجتماعي الوحيد أحيانا.

ويرتدي الراقصون أفضل الملابس لديهم للتوجه بها إلى ملتقيات “ميلونغا” حيث يُرصد أفضل الراقصين. وتقول نورا رونكال “من يبرع في الرقص، يكون مثل براد بيت بصرف النظر عن سنه أو شكله”. وتبدي أسفا لأن الحجر المنزلي أعاق عودتها إلى حلبات الرقص بعد سنوات من الغياب.

وتوضح “الأمل الوحيد يبقى بتطوير لقاح ضد فيروس كورونا. من دون ذلك لن يكون للتانغو مكان لأن هذه الرقصة تقوم على العناق”. ومن غير الوارد لدى نورا رونكال متابعة حصص تدريب عبر الإنترنت. لكن في مساء أحد الأيام، انتعلت حذاءها العالي الكعب في منزلها وارتدت ملابس السهرة وبدأت بالرقص على وقع الموسيقى.

ويقول خورخي دوالو (63 عاما) الذي يرقص منذ سن الأربعين “بعد الوباء أظن أن الناس سيتعانقون بطريقة مختلفة. سيعود الأمر إلى سابق عهده لكن ببطء شديد”.

(أ.ف.ب)

——————————————

أرونداتي روي.. كورونا ذريعة جديدة لإبادة مسلمي الهند/ نوال العلي

“ها قد جاء كورونا” هذا هو الاسم الجديد الذي يستخدمه تجّارّ هندوس في مدينة ميرات شمال الهند، للإشارة إلى أن أحد المسلمين دخل السوق، وقد يكون هذا تاجراً مثلهم أو زبوناً، سيّان، فكلاهما سيتعرّض إلى الضرب والسبّ والمهانة.

في حين يتهم المسلمون الإعلام الهندي المرئي والمسموع والمقروء بالتأليب ضدّهم والتحريض عليهم، قام صحافيون غربيون بإجراء استقصاءات وتحقيقات مؤخراً أشارت كلّها إلى تفاقم اضطهاد المسلمين في الهند منذ أن بدأت أزمة كورونا، وتضاعف ممارسات العنف اليومية، وهذه نتيجة عبّرت عنها الروائية الهندية أرونداتي روي بتصريحها قبل أيام من أن “المسلمين الهنود اليوم يتعرّضون إلى الإبادة الجماعية”.

كلمات روي هذه ليست بجديدة منها، فالمعنى الذي تحمله هو ما تحاول الكاتبة من خلال نشاطها السياسي والاحتجاجي إيصاله عن واقع المسلمين في الهند اليوم منذ أن استلمت حكومة ناريندرا مودي اليمينية عام 2014 والتي كان وما زال شعارها “الهند للهندوس”.

لم يكن كافياً أن يعاني المسلمون من إجراءات التمييز والممارسات العنفية التي تصاعدت منذ مطلع هذا العام؛ لتأتي جائحة كورونا وتضعهم في دائرة تشكّك، وتلفّق لهم جرائم لا يحاول أحد التثبت من صحتها، لا سيما بعد أن أُعلن أن طائفة “تبليغي جماعت” المسلمة هي نقطة ساخنة للوباء، فبدأت الصحافة تلمح تارة وتصرح تارة بأن المسلمين ينشرون الفيروس عمداً، وابتدعت بعض المحطّات مصطلح “جهاد كورونا”، بمعنى نشر المرض وتقويض الصحة العامة في البلاد ووصفتهم بأنهم “انتحاريون وقنبلتهم الفيروس”.

اكتفت الصحافة الهندية بتحريك كرة الثلج لتستمر هذه في التدحرج على ثقافة ازدهرت بعد أن جرت صناعتها وتعزيزها منذ سنوات؛ قوامها معاداة-المسلمين، لتتسبّب في ردود أفعال كارثية؛ لا تقتصر على الضرب والإهانة والإقصاء والحبس، بل على مقاطعة المسلمين اقتصادياً، وعلى مستوى شعبي، حتى الباعة الجوّالين بعربات الخضراوات في أحياء غالبيتها من الهندوس جرى طردهم ثم مُنعوا من التنقل بين الأحياء غير المسلمة.

خرجت روي عبر عدّة وسائل إعلامية لتقول “كورونا ليس أزمة فعلاً في الهند لغاية الآن، فالأرقام تقول ذلك، لكن الفيروس عُرض على الملأ كل ما كان يحاول كثيرون تجميله أو إنكاره أو التقليل من خطورته؛ ليس لدينا أزمة كورونا لدينا أزمة كراهية”.

قبل أسابيع ظهرت روي تهتف وتتحدّث بغضب إثر المجزرة التي وقعت في دلهي في شباط/ فبراير الماضي ضد المسلمين وراح ضحيتها 36 مسلماً و15 هندوسياً، وأحرقت وخربت مساجد وسرقت متاجر في أعمال شغب وعنف تُركت تحدث بلا تدخل حقيقي لوقفها بحسب صاحبة “وزارة السعادة القصوى”، والتي ظهرت في احتجاجات أخرى ضدّ قانون “المواطنة” الذي أجريت عليه تعديلات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي واستُثني من مكاسب هذه التعديلات المسلمون بينما شملت الهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجينز، والفرس والمسيحيين.

تقول روي في إحدى مقابلاتها التي أجريت مؤخراً “استغل النظام وجود فيروس كورونا، واعتقل كتّاباً حقوقيين ومحامين وطلاب مدافعين عن المسلمين”، وتذكر مؤلفة “أشياء يمكن ولا يمكن أن تُقال” بالتاريخ قائلة “إنهم يستخدمون كوفيد 19 ضد المسلمين، كما استخدم النازيون التيفوئيد ضدّ اليهود”، خاصة حين تتوجّه إلى الصحافة الغربية التي تعرف روي جيداً أن كثيراً منها لا يقدّم المسلمين بصورة أفضل.

عيون مَن مغلقة وترفض أن ترى؟ وعيون مَن يبنغي أن تفتح وترى؟ تقول روي، لقد وقعت المجزرة بينما كان ترامب يزور الهند، والجميع يستقبل مودي بترحاب في كلّ مكان، الكلّ مسؤول عما يحدث”، وتردف متهمة الصحافة الهندية اليوم بأنها “صحافة إبادة، ومقدّمي الأخبار ليسوا إلا غوغاء”.

الأزمة التي تعيشها البلاد اليوم، ليست فقط كورونا، بل المجاعة التي عرّضت الحكومة -بقرارها المفاجئ بحظر التجول- إليها ملايين الفقراء؛ تقول روي: “أُغلقت بلاد يبلغ تعداد سكانها 1.353 مليار في أربع ساعات، أعلن عن الإغلاق في الثامنة صباحاً وجرى تطبيقه في الثانية عشرة ظهراً، وتقطّعت السبل بالملايين في الشوارع بلا طعام ولا وسيلة مواصلات تعيدهم إلى منازلهم ومنهم من سار مئات الكيلومترات إلى قراهم، وحين وصلوا مُنعوا من الدخول”.

————————————–

 كيف تعمل اختبارات فيروس «كورونا» المستجد؟

تشخيص المرضى، ومعرفة نسبة السكان المصابين، وربما حتى قياس درجة الحصانة من الفيروس: تتوفر عدة أنواع من الاختبارات لمكافحة فيروس «كورونا» المستجد ولكل منها دور محدد للغاية.

ويتوفر هذا الاختبار الفيروسي منذ بداية تفشي الوباء، ويُستخدم لإجراء التشخيص وبالتالي تحديد إن كان المريض مصاباً في وقت إجرائه.

على هذه الاختبارات بنت كوريا الجنوبية استراتيجيتها التي تم الاستشهاد بها كنموذج للسيطرة على الوباء، وهي تستند إلى: اختبارات واسعة النطاق، وعزل الحالات الإيجابية، و«تتبع» الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم لإجراء اختبار لهم بدورهم، وهكذا.

ولهذا السبب، فإن قدرة البلدان على إجراء اختبارات تشخيصية كافية هي معيار حاسم للخروج بنجاح من تدابير الاحتواء.

تُسمى التقنية المستخدمة، RT-PCR، وهي طريقة للكشف عن جينوم الفيروس. لهذا، يجب العثور عليه في إفرازات المريض. تؤخذ العينة عن طريق إدخال مسحة (عود قطني طويل) في الأنف (أو الفم في بعض البلدان).

ويمكن أخذ العينة في مختبر أو في المستشفى ولكن أيضا في مواقع اختبار عبر نقاط أقيمت في مواقف السيارات حيث لا يضطر الشخص للخروج من سيارته.

ويمكن الحصول على النتيجة من المختبر بعد بضع ساعات.

تقنية RT-PCR موثوقة، ولكنها تعتمد على صحة أخذ العينة، وإلا فلن يتم الكشف عن المرض، إذ لا يكفي وضع المسحة في فتحة الأنف، ولكن دفعها داخل تجويف الأنف لتصل إلى الجزء العلوي من البلعوم.

عامل الخطأ الآخر هو الوقت الذي يتم فيه أخذ العينة. إذا أجري الاختبار مبكراً في مرحلة الحضانة أو في نهاية المرض، فقد لا تكون كمية الفيروس كافية للكشف عنه.

وتقدر نسبة هذه النتائج التي يصطلح على تسميتها «السلبيات الكاذبة» بحوالي 30 في المائة. وبعبارة أخرى، فإن الاختبار يغفل 3 من كل 10 مرضى.

هذه الاختبارات التي يجري فيها فحص الدم، ليس هدفها الكشف عن الفيروس وإنما تحديد ما إذا كان الفرد التقط الفيروس عن طريق الكشف عن الأجسام المضادة في جسمه (استجابة الجهاز المناعي).

قبل بضعة أسابيع، كانت السلطات الصحية في العالم تعول كثيراً عليها لتحديد من يتمتع بالحصانة وبالتالي يمكنه الخروج من العزل.

لكن هذه الآمال تلاشت، إذ لا يُعرف بعد ما إذا كان الأشخاص الذين أصيبوا بـ(كوفيد – 19) قد حُصنوا وحصلوا على الحماية من الإصابة مرة أخرى. وحتى وإن كانت هذه الحصانة موجودة، فمن المستحيل تحديد المدة التي يبقى فيها الشخص محصناً.

ولهذا حذرت منظمة الصحة العالمية السبت من إصدار ما سُمي «جوازات مناعة».

إن الجانب الآخر السلبي هو أنه لم تثبت بعد موثوقية هذه الاختبارات.

ومع ذلك، بمجرد القيام بها، ستساعد الاختبارات المصلية في فهم الوباء على نحو أفضل، من خلال المساعدة في تحديد نسبة السكان المصابين.

لهذا، شرع العديد من البلدان في إجراء مسوحات وبائية على أساس الاختبارات المصلية عبر اختبار عينات تمثيلية من السكان، كما هو الحال مع المسح.

إذ سيساعد تحديد نسبة السكان المصابين على معرفة معدل الوفيات الحقيقي من جراء المرض، الأمر الذي لا يمكن تقديره اليوم.

هناك فئتان من الاختبارات المصلية: الاختبارات المؤتمتة (التي تعتمد أساساً على تقنية تسمى إلَيْزا Elisa) والتي لا يمكن إجراؤها إلا في المختبرات الحيوية، وما يُعرف باسم اختبارات الوحدة أو اختبار أجزاء فردية.

ويمكن استخدام هذه الأخيرة كاختبار تشخيصي سريع في المختبر وخارج المختبر من قبل أخصائي صحي أو مع مجموعة اختبار ذاتي من قبل المريض نفسه بعد أخذ قطرة دم في طرف الإصبع (لكن موثوقيتها موضع طعن).

هذه الاختبارات هي أيضاً اختبارات مصلية (المصل هو الجزء السائل من بلازما الدم)، لكن ليس الغرض منها فقط اكتشاف وجود الأجسام المضادة، وإنما قياس فاعليتها ضد الفيروس.

في فرنسا، طور معهد باستور اختبارين منها.

ويشرح لوكالة الصحافة الفرنسية أوليفييه شوارتز مسؤول وحدة الفيروسات والمناعة في المعهد أن «أحدهما يستخدم فيروساً حقيقياً ومن ثم يجب التعامل معه بحذر وفي ظروف آمنة، والآخر يستخدم فيروساً زائفاً” غير معدٍ ويسهل استخدامه».

لا يزال هذا النوع من الاختبارات حالياً في مرحلة البحث، وبعيداً عن التسويق التجاري.

ويشرح معهد باستور أنه «ينبغي القيام بأبحاث إضافية لتحديد كمية الأجسام المضادة التي يمكنها شل قدرة الفيروس وتساهم في تأمين الحماية، وكذلك ثباتها بمرور الوقت».

—————————————–

الحكومة الدنماركية تعلن السيطرة على وباء «كورونا»

كوبنهاغن: «الشرق الأوسط أونلاين»

أعلنت الدنمارك التي رفعت تدريجيا القيود المفروضة في مواجهة فيروس كورونا المستجد، انها تمكنت من السيطرة على انتشار الوباء كما قالت رئيسة الحكومة اليوم الأربعاء.

وقالت ميتي فريدريكسن أمام البرلمان: «العدوى تحت السيطرة ولقد نجحت الاستراتيجية الدنماركية في المرحلة الأولى الصعبة»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

ولوقف انتشار الفيروس، أغلقت الدنمارك دور الحضانة والمدارس والثانويات وبعض الأماكن العامة مثل المطاعم والمقاهي وقاعات الرياضة وصالونات التزيين. كما حظرت التجمعات لاكثر من عشرة أشخاص.

وتم رفع بعض هذه القيود حاليا. كما أعادت بعض المدارس فتح أبوابها، وكذلك صالونات تزيين الشعر. ويفترض ان تبدأ المرحلة الثانية من إعادة الفتح بعد 10 مايو (أيار).

ومنذ 1 أبريل (نيسان)، وسعت الدنمارك استراتيجية فحص الاشخاص الذين تظهر عليهم أعاض طفيفة، بعدما كانت تفحص في السابق المرضى الذين تظهر عليهم أعراض معتدلة الى خطيرة.

وسجلت الدنمارك 9206 حالات منذ بدء انتشار الوباء و443 وفاة مرتبطة بفيروس كورونا.

———————————-

كورونا.. إصابات مليونية بأميركا والدانمارك وتونس تعلنان السيطرة ومعهد هندي ينتج ملايين الأمصال

قالت جونز هوبكنز الأميركية إن عدد المصابين بفيروس كورونا في البلاد تجاوز المليون، وهو ما يمثل ثلث عدد المصابين في العالم والذي تجاوز ثلاثة ملايين و162 ألفا.

ووصل عدد المصابين الأميركيين إلى مليون وأزيد من 36 ألفا، وسجلت الولايات المتحدة أعلى نسبة وفيات في العالم (59 ألفا و284 حالة) متقدمة على إيطاليا (27 ألفا و359 وفاة) وإسبانيا (24 ألفا و275 وفاة) وفرنسا (23 ألفا و660 وفاة) وبريطانيا (21 ألفا و678 وفاة).

ومع زيادة أعداد المصابين والوفيات في الولايات المتحدة، أشاد الرئيس دونالد ترامب بفحوص كشف فيروس كورونا وقال إنها أدت إلى رصد هذا العدد الكبير.

وواصل ترامب حث حكام الولايات على اتخاذ قرارات تعيد فتح المرافق الاقتصادية مرة ثانية، شريطة َ أن تكون مدروسة ومبنية على معطيات علمية.

وتعليقا على تخطي عدد الإصابات عتبة المليون شخص، غرد الرئيس على موقع تويتر قائلا إن السبب الوحيد وراء ارتفاع هذا الرقم هو نجاعة النظام الصحي الأميركي في إجراء عدد كبير من الفحوص.

وأضاف ترامب أن انخفاض عدد الإصابات بالدول الأخرى ناتج عن عدم قدرتها على مجاراة بلاده في هذا المجال، وبالتالي فإنها تعلن أعدادا أقل بكثير، على حد تعبيره.

 القارة الأكثر تأثرا

كشفت دول عدة، أوروبية على وجه الخصوص، خططاً بهدف إعادة تنشيط الاقتصاد ولكن بشكل تدريجي لعدم المخاطرة بموجة جديدة من وباء كوفيد-19 الذي لا يزال يضرب العالم صحياً واقتصاديا.

وأودى الوباء حتى الآن بحياة أكثر من 130 ألف شخص في أوروبا، نحو 75% منهم في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، حسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية بالاستناد إلى مصادر رسمية الأربعاء الساعة 13.00 بتوقيت غرينتش.

ومع وفاة 130 ألفا من أصل 1.433.753 مصابا، تبقى القارة الأوروبية الأكثر تأثرا بالوباء الذي أودى بحياة 219.287 في العالم.

وفي السويد، تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة بمرض كوفيد-19 حاجز 20 ألف حالة اليوم الأربعاء مع تسجيل 107 وفيات جديدة ليرتفع عدد الوفيات إلى 2462.

وفي هولندا، قالت سلطات الصحة اليوم إن الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في البلاد زادت بواقع 386 حالة ليصل الإجمالي إلى 38802 كما تم تسجيل 145 وفاة جديدة.

وفي ألمانيا، أصبح ارتداء الكمامات الواقية في وسائل النقل والمحلات التجارية إلزاميا اعتبارا من اليوم في كافة أنحاء البلاد، في ظل التخفيف من إجراءات العزل.

كما أعلن وزير الخارجية هايكو ماس اليوم أن بلاده مددت حتى منتصف يونيو/حزيران المقبل توصيتها بعدم السفر في رحلات إلى الخارج بسبب تفشي فيروس كورونا.

الدانمارك تعلن السيطرة

أعلنت الدانمارك -التي رفعت تدريجيا القيود المفروضة في مواجهة فيروس كورونا المستجد- أنها تمكنت من “السيطرة” على انتشار الوباء، كما قالت رئيسة الحكومة ميتي فريدركسن الأربعاء.

وقالت فريدركسن أمام البرلمان “العدوى تحت السيطرة ولقد نجحت الإستراتيجية الدانماركية في المرحلة الأولى الصعبة”.

ولوقف انتشار الفيروس، أغلقت الحكومة دور الحضانة والمدارس والثانويات وبعض الأماكن العامة مثل المطاعم والحانات وقاعات الرياضة وصالونات التزيين. كما حظرت التجمعات لأكثر من عشرة أشخاص.

وتم رفع بعض هذه القيود حاليا. كما أعادت بعض المدارس فتح أبوابها وكذلك صالونات التجميل، ويفترض أن تبدأ المرحلة الثانية من إعادة الفتح بعد 10 مايو/أيار.

روسيا.. زيادة كبيرة

سجلت روسيا زيادة كبيرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد بإعلانها عن 5841 حالة جديدة في يوم واحد، متجاوزة بإجمالي المصابين كلا من الصين وإيران، في وقت تستعد بكين لعقد الدورة السنوية لبرلمانها بعد أقل من شهر، في مؤشر لسيطرتها على تفشي الجائحة التي نشأت في مدينة ووهان وسط البلاد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقال مركز إدارة أزمة فيروس كورونا في روسيا إن العدد الإجمالي للإصابات ارتفع إلى 99399 حالة. كما ارتفع عدد الوفيات جراء المرض إلى 972 اليوم بعد تسجيل 108 وفيات في الساعات 24 الأخيرة.

وبهذه الأرقام، تتجاوز روسيا كلا من الصين وإيران -اللتين تراجعتا إلى المرتبتين التاسعة والعاشرة على التوالي بعدما كانت قبل أسابيع في المراتب الأولى- في عدد المصابين. ومن المرجح أن تسجل البلاد زيادة كبيرة الأيام المقبلة، فقد حذر الرئيس فلاديمير بوتين أمس من أن بلاده لم تصل بعد إلى ذروة المرض، طالبا من الحكومة اتخاذ تدابير لدعم المواطنين والاقتصاد جراء الأضرار التي لحقت بهما بسبب تدابير الإغلاق.

كورونا عربيا

قالت وزارة الصحة القطرية إنها سجلت 643 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليرتفع الإجمالي إلى 12564.

وفي عُمان، سُجلت 143 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليصل إجمالي الإصابات إلى أكثر من 2274.

وفي الكويت، تم تسجيل حالة وفاة واحدة ليرتفع عدد الوَفَيَات إلى 24، في حين تم تسجيل 300 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 3740.

 وفي المغرب، سُجلت حالتا وفاة، إضافة إلى 37 حالة إصابة جديدة، و112 حالة شفاء.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن تسجيل أربع إصابات جديدة ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 721 من ضمنها 24 حالة وفاة، و150 حالة تماثلت للشفاء.

وبعد شهر ونصف الشهر على منع استخدام المركبات في العاصمة الأردنية عمّان، خففت الحكومة من إجراءات حظر التجوال، وسمحت للناس باستخدامها وفق تعليمات مشددة.

السيطرة على الموجة الأولى بتونس

أعلن وزير الصحة عبد اللطيف المكي، الأربعاء، أن تونس سيطرت على الموجة الأولى من وباء كورونا، ولكنه لم يستبعد حدوث موجة ثانية.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي، عقد بمقر الحكومة بالعاصمة تونس، وخصص للإعلان عن إستراتيجية الحجر الصحي المخفف التي تعتزم الحكومة اعتمادها اعتبارا من الاثنين القادم.

وقال المكي: سيطرنا على الموجة الأولى من فيروس كورونا، والأعداد المنخفضة للإصابات دليل على ذلك (..) وهذا لا يعني أننا في منأى عن موجة ثانية.

وأعلنت السلطات أنها ستبدأ اعتبارا من 4 مايو/أيار المقبل تخفيفا تدريجيا للقيود التي فرضتها لاحتواء تفشي فيروس كورونا، وذلك بعدة قطاعات من بينها المهن الصغرى وأشغال البناء والصناعات الغذائية إضافة للخدمات الإدارية العامة.

ملايين الجرعات

من جهة أخرى؛ قرر معهد الأمصال الهندي -وهو الأكبر في العالم- البدء بإنتاج لقاح محتمل ضد فيروس كورونا يخضع لتجارب سريرية في بريطانيا، في حين بدأت دول أوروبا تنفيذ خطط لتخفيف إجراءات العزل والتعايش مع جائحة فيروس كورونا.

وصرح الرئيس التنفيذي لمعهد الأمصال الهندي أدار بونوالا أنه على الرغم من أنه لم تثبت حتى الآن فعالية لقاح أوكسفورد ضد “كوفيد-19” فإن معهده قرر البدء بتصنيعه بعد أن ثبت نجاحه في تجارب على الحيوانات وبدأت تجربته على البشر. ويعتزم المعهد إنتاج ما يصل إلى 60 مليون جرعة من اللقاح المحتمل.

وأضاف بونوالا أنه يأمل نجاح تجارب “لقاح أوكسفورد” التي من المقرر أن تنتهي في سبتمبر/أيلول المقبل. وكانت جامعة أوكسفورد البريطانية قد بدأت الأسبوع الماضي تجارب سريرية على لقاح محتمل لعلاج فيروس كورونا المستجد.

المصدر : الجزيرة + وكالات

——————————–

الحكومة الأميركية تكشف تفاصيل دراسة تأثير ضوء الشمس على فيروس كورونا

كشفت وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة أمس الثلاثاء تفاصيل جديدة تتعلق بدراستها المرتقبة لطريقة تدمير الأشعة فوق البنفسجية لفيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19، مؤكدة أن تجربتها تحاكي ضوء الشمس الطبيعي بدقة كبيرة.

وجرى تقديم ملخص هذا البحث الأسبوع الماضي في البيت الأبيض، مع مطالبة بعض العلماء بالتروي حتى نشر تقرير أكثر شمولا.

وبدأ تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان بالصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي في سوق للأطعمة كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير مشروعة، وأطلق على الفيروس اسم “سارس كوف 2” (SARS-CoV-2)، وذلك لتمييزه عن فيروس “سارس كوف” (SARS-CoV) المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) والذي انتشر في 2002-2003 وسبب 774 حالة وفاة، أغلبيتها في آسيا.

وينتمي الفيروسان “سارس كوف” و”سارس كوف 2″ إلى عائلة الفيروسات التاجية.

وقد أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي تساؤلات عندما طرح إمكانية أن يصبح الضوء علاجا طبيا خلال المؤتمر الصحفي اليومي الذي يعقده للبحث في آخر المستجدات المتعلقة بكورونا.

كمية الفيروس

وكان المسؤول في وزارة الأمن الداخلي وليام براين قال لوسائل الإعلام إن كمية الفيروس على سطح غير مسامي تقلصت بمقدار النصف في دقيقتين تحت ضوء الشمس، وكانت درجة الحرارة بين 21 و24 درجة مئوية، والرطوبة 80%.

وأضاف أن كمية الفيروس المعلقة في الهواء تقلصت إلى نصف كميتها في 1.5 دقيقة عندما كانت الرطوبة 20% وبدرجة حرارة الغرفة.

وشكلت هذه النتائج مفاجأة للخبراء، لأن الجزء الأكبر من ضوء الأشعة فوق البنفسجية الموجود في ضوء الشمس الطبيعي ينتمي إلى نوع فرعي يسمى “يو في إي” يتسبب في تسمير البشرة والتجاعيد المبكرة، لكنه لم يثبت أنه يقضي على الفيروسات، وفق ما قال مدير مركز البحوث الإشعاعية في كلية كولومبيا للطب  ديفد برينر لوكالة الأنباء الفرنسية.

من جهة أخرى، يبدو جزء من هذا الإشعاع يسمى “يو في سي” فعالا، خصوصا في تشويه المواد الوراثية لخلايا الحيوانات والفيروسات، ويستخدم على نطاق واسع في مصابيح التعقيم (الأشعة فوق البنفسجية المبيدة للجراثيم)، لكنه غير موجود في ضوء الشمس، لأن الغلاف الجوي للأرض يمنع وصوله.

وردا على سؤال عن تفاصيل إضافية بشأن نوع ضوء الأشعة فوق البنفسجية الذي تم استخدامه، قال لويد هاف -وهو عالم في الوزارة يشرف على الاختبار- “صمم طيف الضوء الذي تم استخدامه بشكل مشابه جدا لضوء الشمس الطبيعي الذي يمكن رؤيته عند الظهر على مستوى البحر في موقع خطوط العرض الوسطى (على سبيل المثال وسط المحيط الأطلسي 40 درجة شمالا) في اليوم الأول من الصيف”.

 اختبار

وأوضح ناطق باسم الوزارة أن الاختبار -الذي أجري في المركز الوطني لتحليل الدفاع البيولوجي والتدابير المضادة في ميريلاند- تناول قطرات من اللعاب المحاكي على سطح من الفولاذ المقاوم للصدأ.

وقال برينر -الذي يجري بحثا في مجال آخر من طيف الأشعة فوق البنفسجية يسمى الأشعة فوق البنفسجية البعيدة التي تقتل الميكروبات دون اختراق الجلد البشري- إن نتائج الوزارة لم تتوافق مع الأبحاث السابقة.

وأوضح أن “هناك ورقة بحثية تمت مراجعتها من قبل المطبوعات الصادرة عن إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية تظهر أن فيروس سارس-كوف لم يستجب لضوء الأشعة فوق البنفسجية (رغم أنه استجاب لضوء “يو في سي”)”.

وأضاف أنه “من المنطقي الافتراض أن كل الفيروسات التاجية تستجيب بالطريقة نفسها تقريبا للضوء”.

المصدر : الفرنسية

———————————

هل وُجدت السلطوية كي تَبقى؟

    ناثان براون

    إنتصار فقير

    ياسمين فاروق

أسفر تأثير فيروس كورونا في الشرق الأوسط عن تحوّلات في طبيعة النظام السلطوي.

ربما يتسبّب فيروس كورونا المستجد بتعميق الديكتاتورية في تلك الأجزاء من الشرق الأوسط التي تخضع أصلاً إلى سيطرة مُحكمة من جانب الأنظمة السلطوية. لكن يحدث أيضاً تغيير طفيف، لا في درجة السلطوية بل في طبيعتها.

يكشف التدقيق عن كثب في الطرائق التي تُصنَع وتطرح بها السياسات عن حدوث تحوّلات مهمة في الحوكمة في المنطقة في مايتعلق بالجهات التي تصنع السياسات، والطرق التي تُقدَّم بها، وكيفية تطبيقها. هذه التغييرات هي في معظم الأحيان تطوّرية لاثورية، بحيث تستند إلى أنماط كانت واضحة قبل تفشي الجائحة. ولهذا السبب من جملة أسباب أخرى، تتنوّع أساليب التعاطي. ولن يتضح قبل انقضاء هذه الأزمة ما إذا كانت التحوّلات الراهنة تمثّل مجرد ومضات عابرة أو أنها بوادر تحولات فعلية.

من هذه التحولات صعود جاذبية الخبرة التقنية. ففي بلدان كثيرة، يؤدّي أفرقاء جدد في أجهزة الدولة، على مايبدو، دوراً أكبر في تطبيق السياسات وحتى تحفيزها. كما يبدو أن المؤسسات الدينية والنقابات الطبية والحكومات المحلية تأخذ مبادرات بنفسها في بعض البلدان، إنما ليس في كل البلدان، بدلاً من أن تكتفي بالاستجابة للتوجيهات الصادرة عن السلطات الأعلى.

هذا ليس خبراً مستجداً في بعض البلدان لكنه يُبرَز أحياناً تحت ضوء جديد. ففي شمال أفريقيا، معاملة التكنوقراط باحترام وتقدير هي ممارسة راسخة في بعض المناطق. ونتيجة التغييرات السياسية الأخيرة في السعودية، باتت السلطات مسكونة بهاجس الصعود في التصنيفات الدولية الكمّية بطريقةٍ أدّت إلى حدوث تحسينات في أداء الحكومة.

لكن التكنوقراط تقدّموا إلى مجالات كانوا أقل بروزاً فيها سابقاً. يُشار في هذا الصدد إلى أن رئيس الوزراء المصري، وهو مهندسٌ بارع في الكلام، ووزير الصحة، هما الوجهان الأكثر بروزاً في عرض المعلومات والسياسات الحكومية. لايزال الرئيس يرأس البلاد، لكنه يترك التفاصيل للآخرين. وفي السعودية، يعقد المتحدث باسم وزارة الصحة مؤتمرات صحافية يومية بشأن فيروس كورونا، ويتحوّل إلى شخصية عامة، شأنه في ذلك شأن وزير الصحة. وفي بلدان عدة، ظهرت فرق خاصة جديدة من التكنوقراط، مايدفع إلى طرح السؤال حول ما إذا كنا أمام طريقة جديدة للقيام بالأمور، أم أنها مجرد وسيلة لتحويل الانتباه.

حدثَ تحولٌ ثانٍ في مايتعلق بالأشخاص الذين يبدو في العلن أنهم هم مَن يتولون زمام الأمور. عموماً، وبصرف النظر عما يحصل خلف الكواليس، ينكفئ الحكّام السلطويون في معظم الأحيان ويفسحون في المجال أمام الخبراء التقنيين والمسؤولين الذين لم يكونوا يطلّون على الجمهور من قبل كي يتقدّموا إلى الواجهة في شرح السياسات والإدلاء بالمعلومات. ربما يندرج ذلك في إطار نزعة عالمية حيث يسعى القادة المنتخَبون ديمقراطياً إلى إظهار أنهم ممسكون بزمام الأمور، حتى لو كانوا يفعلون ذلك بالارتكاز على الخبرات التقنية. ويبدو السلطويون بدورهم أكثر ميلاً إلى ترك الآخرين يعلنون الأنباء السيئة والتعليمات غير المرحّب بها.

لكنها ليست نزعة معمَّمة. فاثنان من ملوك المنطقة، هما العاهل المغربي الملك محمد السادس والعاهل السعودي الملك سلمان، يبرزان في العلن، مع الإشارة إلى أن الأول يحكم البلاد على نحوٍ واضح ولايكتفي فقط بالجلوس إلى سدة العرش. ربما يندرج ذلك في إطار مجهود يرمي إلى تسليط الضوء على الرموز الوطنية الموحِّدة (على سبيل المثال، تقدّمَ الأزهر في مصر إلى الواجهة). في بلدان كثيرة، عندما يطلّ الرئيس أو الملك، يكون الهدف من الإطلالة إعلان أخبار سارّة أو طمأنة الناس أو حضّ المسؤولين على العمل.

الوقوف في واجهة عمليات الاستجابة، يضع القادة أمام فرص ومخاطر على السواء. فتسلُّم زمام الأمور علناً في المدى القصير قد يساهم في تدعيم الشرعية، بما يؤدّي إلى تعزيز صورة المنقذ. ولكنه يثير في المدى الطويل خطر المساءلة. إذا تسببت الأزمة بتداعيات وخيمة جداً في أيٍّ من هذه البلدان، فقد يجد الحكّام الذين يضعون أنفسهم في صلب مواجهة الأزمة صعوبة في إبعاد اللوم عنهم أكبر من تلك التي كانوا ليواجهوها لو ظلّوا في الخلفية.

التحوّل الثالث هو انحسار الانقسام والممارسات القائمة على البحث عن أكباش محرقة وتراجع نظريات المؤامرة. ربما يحمل ذلك أنباء سارّة في منطقة حيث عملت الأنظمة أحياناً على زرع الانقسام في صفوف شعوبها، أو ألقت باللائمة على الآخرين، أو بحثت عن أكباش محرقة. لم تختفِ تلك العادات، لكنها تبدو أقل بروزاً في المرحلة الراهنة، ولعل السبب هو أن إجراءات الصحة العامة تتوقف على الامتثال الذي لاتعيقه اختلافات إثنية أو نزاعات مذهبية أو حدود.

ربما يبرز اتفاق جماعي أساسي في بعض الأماكن من أجل التركيز على الإجراءات الفورية والصارمة بدلاً من الانجرار وراء نظريات المؤامرة واستخدامها للتسبب بمزيد من الفرقة لدى السكان. لقد لجأت القيادة السعودية إلى الأشكال التقليدية من الإدارة الشاملة لشؤون الدولة ومن مصادر الشرعية لتوليد امتثال عابر للقطاعات، في حين أجازت انتقاد النزعات الأخيرة للقومية. وفي مصر، أصرّت المؤسسات الدينية على امتلاك بعض الاستقلالية الذاتية، ولكنها نجحت في تنسيق جهود مكافحة الوباء على مستوى التجمعات العامة في دور العبادة.

يتعلق التحوّل الرابع بتعزيز آلية ضبط المعلومات. بسبب انتشار فيروس كورونا، باتت مركزية الدول في جمع المعلومات وتقديمها أكثر بروزاً من العادة. ربما تساهم التكنولوجيا في تسهيل الحياة اليومية خلال الحجر، ولكنها تساعد أيضاً الجهات الرسمية في السيطرة على المعلومات.

وهذا ليس منحى جديدا. إذ أن اللافت في دول الشرق الأوسط مقارنةً بعدد كبير من المناطق الأخرى هو درجة سيطرة الأفرقاء الرسميين على مختلف النقاشات العامة. فهذه الدول لاتضم سوى حفنة ضئيلة من وسائل الإعلام التي تتمتع باستقلالية تامة، ومن الخبراء الموثوقين غير الرسميين، ومن تجمّعات الاختصاصيين الذين يعبّرون عن آرائهم في العلن. ثمة استثناءات محدودة ظهرت إلى الواجهة، مثل النقابة العامة لأطباء مصر المرخَّصة قانوناً. ولاتزال المؤسسات الدينية، التي هي في العموم جزء من الدولة، تتمتع بالمصداقية في بعض الأوساط نظراً إلى أن بعض تعليماتها (خارج إطار إغلاق المساجد) تُقدّم إرشادات أخلاقية ولاتفرض الامتثال القسري.

لكن يجب التشديد على أن المعلومات العامة تخضع إلى الاحتكار. ففي هذه المنطقة حيث الثقة بمؤسسات الدولة متدنّية في معظم الأحيان، وحيث الشبكات الاجتماعية – المستندة إلى التفاعل وجهاً لوجه وإلى مواقع التواصل الاجتماعي – هي شبكات غنيّة في الغالب، لطالما تبادل السكان المعلومات من خلال القنوات غير العامة. ولن تُضيّع الأنظمة في معظمها الفرصة التي تقدّمها هذه الأزمة لقطع الطريق على “المعلومات المغلوطة” – وجزء كبير منها هو فعلاً معلومات مغلوطة، لكنها أحياناً محرِجة أو غير ملائمة وحسب.

التحوّل الخامس هو أن فيروس كورونا ساهم في تحريك مشاركين جدد من المجتمع المحلي والمنظمات الأهلية. في بعض البلدان، ولّدت الأزمة فرصاً أمام أفرقاء مهمَّشين أو غير ممكَّنين، مثل البلديات ومجالس المحافظات والمنظمات الشعبية والهيئات التطوعية الخاصة، للتقدم وملء الفراغ، من خلال تأمين الخدمات وتوزيع الإعانات وتقديم المعلومات وترجمة الإرشادات الوطنية العامة إلى إجراءات محلية محددة.

في السعودية مثلاً، تعمل القيادة على تشجيع العمل التطوّعي لدى المواطنين والقطاع الخاص على السواء. وفي مصر، تبدو الحكومات المحلية أكثر نشاطاً. لكن ذلك يقتصر كما يبدو على بعض المناطق فقط. وفي المغرب وتونس والجزائر، ومع استتباب الأوضاع، تقتطع المنظمات الأهلية حيّزاً لها لنشر التوعية وتشارُك أعباء تأمين الخدمات، ودعم الفئات الهشّة. وفي بلدان أخرى، مثل السعودية، تتجدّد المساحة المتاحة أمام النشاط الخيري إنما تحت إشراف رسمي. لاتزال هذه الجهود في بدايتها، ولكنها تتيح فرصاً أمام المجتمع المدني الذي أُضعِف عمداً في بعض البلدان. وفي بلدان أخرى، ثمة خلطٌ واضح بين المسؤولية الاجتماعية والتدابير البوليسية، إذ يواجه الأفراد أو المنظمات الخيرية والأهلية خطر التورط في جهود الرقابة الرسمية.

التحوّل السادس هو أنه في الوقت الذي تتعامل فيه معظم الدول مع تأثيرات فيروس كورونا على نحوٍ مستقل عن الدول الأخرى على المستوى الدبلوماسي، دفعت طبيعة الأزمة بالدول إلى محاكاة سلوكيات الدول الأخرى أو تصوير نفسها بأنها تتجنّب الأخطاء التي وقعت فيها دول أخرى. يعي السكان تماماً الإجراءات المتخذة في بلدان أخرى، مايولّد ضغوطاً شديدة على الحكومات لاختيار البنود المناسبة في القائمة القصيرة لأساليب التصدّي للوباء. يقود ذلك إلى تلاقٍ لافت، حتى في المفردات المستخدَمة لوصف السياسات.

هذه النزعات المتفاوتة لاتؤدّي إلى نهاية السلطوية، ومن المؤكّد أن نتيجتها ليست ديمقراطية. فهي تُضفي، في بلدان كثيرة إنما ليس في جميع البلدان، طابعاً أكثر تكنوقراطية على الحوكمة. وقد تولّد فرصاً أمام المجتمع المدني أو تؤدّي إلى توسّع الأنظمة في بعض الأماكن إذا أظهر الأفرقاء الجدد منفعتهم أو تمكّنوا من تطوير قواعد ناخبة راسخة. ربما يشبه ذلك بعض الشيء ماشهدته مجتمعات أميركا اللاتينية خلال الستينيات والسبعينيات ووصفته بـ”السلطوية البيروقراطية”. فقد عرفت تلك البلدان حكماً ديكتاتورياً بأشكال متنوّعة وبقيادة الجيش (أو الرؤساء أو الملوك في العالم العربي في الزمن الحالي)، ويتعامل هذا الحكم بازدراء مع التعبئة الشعبية، ولايبالي بالحقوق المدنية والسياسية، ولكنه يعتبر أنه يفرض النظام ويسمح لأصحاب الاختصاص والخبرة باتخاذ القرارات.

السؤال المطروح في المدى القصير هو إذا كان باستطاعة هذه التعديلات التكتيكية مساعدة المجتمعات على مواجهة أزمة فيروس كورونا. والسؤال في المدى الطويل هو إذا كانت هذه التعديلات التكتيكية سوف تتطوّر إلى تعديلات استراتيجية. لكن المدى الطويل قد يكون قصيراً على نحوٍ غير معتاد. وغالب الظن أننا سنشهد صعود التوقعات بأن الدولة سوف تحمي مواطنيها من الأذى وتعمل على تلبية احتياجاتهم الأساسية. ومع تخفيف القيود على الحركة والحياة العامة، قد يخرج الناس من عزلتهم الجسدية مع أنماط من الثقة أُعيد تصوّرها إلى حد كبير، وقد باتوا واعين للمؤسسات التي ساعدتهم وتلك التي لم تفعل.

———————-

سوريون في تركيا… أعمال بديلة في ظل كورونا/ نور عبد الله المراد

مع انتشار فيروس كورونا الجديد في تركيا، خصوصاً في مدينة إسطنبول شمال البلاد، فرضت الحكومة التركية حجراً صحياً على فئة من المواطنين والمقيمين بشكل كامل، وحجراً جزئياً على المواطنين والمقيمين في أوقات محددة.

وجاء قرار إغلاق بعض المحال والمطاعم وتوقيف معظم الحركة التجارية، ليزيد من معاناة اللاجئين السوريين في تركيا، والذين ليس لديهم سوى أعمالهم للعيش، إذ لا يملك كثيرون منهم أي مدخرات. إلا أن بعضهم حاول التكيف مع ظروف الحجر للاستمرار في العمل، من خلال

التفكير في وسائل بديلة.

خولة طه مهندسة معمارية سورية مقيمة في مدينة إسطنبول، تتحدث لـ “العربي الجديد” عن التغيير الذي طرأ على عملها في ظل ظروف الحجر الصحي، مشيرة إلى أنها كانت تذهب إلى مكان المشروع للاطلاع على الموقع والمساحة وبقية التفاصيل، لتتمكن من إجراء التصميم ثم تنفيذه. أما الآن، وفي ظل الحجر الصحي المنزلي، فأصبح التعامل مع مالك الشقة أو المشروع عن بعد، من خلال استخدام الصور ومقاطع الفيديو للمكان، مبينة أن الأمر ليس سهلاً. وتشير إلى أنها تضطر إلى زيادة التواصل مع الزبون لتعليمه كيفية أخذ القياسات لتسهيل عملها قدر الإمكان.

تضيف طه أنه “في حال كان الزبون مستعجلاً على انتهاء العمل ويحتاج إلى تأمين الأثاث لمنزله أو مشروعه، فأجد نفسي مضطرة للتواصل مع محال المفروشات والأقمشة، ويختار الزبون ما يريده من خلال كاتالوغ عبر الإنترنت. ولا شك أن الخيارات تكون محدودة في هذه الحالة، لكنها تفي بالغرض”.

وتقول إن “العمل عن بعد يشمل المشاريع الصغيرة من تصاميم وشراء أثاث المنزل. أما بالنسبة للمشاريع الكبيرة، فقد توقفت في الوقت الحالي، والسبب أن تلك المشاريع تتطلب عدداً كبيراً من الأشخاص في المكان نفسه لتنفيذها، ولا يستطيع القائم على المشروع المخاطرة بنفسه أو بالموظفين لديه”. كما توضح أن جزءاً من عملها خارج تركيا يعتمد على الإنترنت، وحتى قبل أزمة كورونا وما زال مستمراً. ولكن العمل “أونلاين” داخل تركيا بدأ مع بداية الحجر الصحي لأسباب عدة، أحدها أنها لم ترغب بإيقاف عملها، عدا عن تخوفها من توقف عمل أحد أفراد العائلة فجأة بسبب تبعات انتشار الفيروس. وتشير إلى “ضرورة أن نكون مرنين في فترة الحجر الصحي، خصوصاً في حال طالت الأزمة، إذ إنه لا يمكن أن تتوقف الحياة عند الحجر الصحي. أعتقد أن أزمة فيروس كورونا أكدت لنا أنه من الضروري أن يكون صاحب العمل لديه الخيار في العمل عن بعد”، مشيرة إلى “خسارة الأشخاص الذين لم يستطيعوا السير مع التيار بشكل مرن”.

لعلي. ش. قصة أخرى. رفض الكشف عن اسمه كاملاً لأنه يقوم بعمل منعته الحكومة التركية، ويتخوف من كشفه وبالتالي اضطراره إلى دفع غرامة مالية. ووصل علي (31 عاماً) إلى تركيا قبل أعوام عدة، ووجد أنه من الصعب عليه فتح صالون للحلاقة، وهي المهنة التي كان يعتاش منها في سورية، بسبب كثرة التراخيص المطلوبة وارتفاع كلفتها، فلجأ إلى العمل في مجال تصميم الأحذية.

يقول علي لـ “العربي الجديد” إن عمله توقف مع بداية فرض الحجر الصحي، ما دفعه للتفكير في العمل بمهنته السابقة. أعلن عن الأمر من خلال مجموعات خاصة بالسوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرض رقم هاتفه، موضحاً أن مستعد للذهاب إلى بيوت زبائنه، متحمّلاً مخاطر هذه الخطوة التي تمنعها الحكومة وتفرض عليها غرامات مالية كبيرة.

ويشير إلى أنه “على الرغم من خطورة الأمر، عزمت على العمل من أجل تسديد بدل إيجار المنزل ومصاريف العائلة. لكنني ما زلت قلقاً من أن يتم اكتشاف أمري ويحدث ما لا تحمد عقباه”. يضيف أنه يقوم بكافة إجراءات الوقاية عند حلاقته للزبائن، من ارتداء القناع الواقي والقفازات واستخدام المعدات لمرة واحدة. لكن كل هذه الإجراءات التي يقوم بها لن تنقذه من غرامة مالية في حال تم اكتشاف عمله.

أمّا مروى الخطيب، التي تملك صالون حلاقة للنساء، فقررت مواصلة عملها، من دون أن

تكون لذلك تبعات قانونية سلبية. لم تعمد إلى مخالفة إجراءات الحجر وإغلاق الصالون، بل قررت العودة إلى فكرة سابقة كانت قد بدأتها قبل أزمة انتشار الفيروس، وهي إقامة دورات تدريبية للراغبات بتعلم بعض تفاصيل المهنة عبر الإنترنت. وتوضح أنه قبل انتشار الفيروس في مدينة إسطنبول، جرّبت إعطاء دورات تدريبية عن طريق الإنترنت تتعلّق بكيفية قصّ الشعر وصبغه وكيفية استعمال مساحيق التجميل، مبينة أن فكرتها نجحت ولاقت تفاعلاً كبيراً.

وبدأت العمل على مشروع التدريب هذا في ظل الحجر المنزلي، لتحاول تعويض خسارتها من جراء إغلاق الصالون. ما زالت ملتزمة بدفع بدل إيجاره مع الضرائب، وأجور العاملات لديها، إضافة إلى مصاريف منزلها ومعيشتها.

وكان لنور المعلم خيار مشابه لخيار مروى. يملك مطعماً للمأكولات في مدينة إسطنبول افتتحه قبل عامين. يقول إن المطعم حقق نجاحاً بين السوريين والأتراك وبات له زبائنه، واستطاع مواجهة العقبات الاقتصادية منذ تأسيسه وحتى اليوم، ومن ضمنها أزمة انتشار فيروس كورونا.

ويقول نور لـ “العربي الجديد”: “التقدّم الذي حققناه لا يمكن نسفه بقرار الإغلاق، والذي سيؤدي إلى تراجعنا، إضافة إلى أن العمال لدينا لا يملكون مورداً مالياً سوى عملهم في المطعم. لذلك، كان قرارنا بعد الاجتماع بجميع الموظفين تشديد إجراءات التعقيم أكثر داخل المطعم بدلاً من الإغلاق، وقمنا بحملة إعلانات قوية لخدمة التوصيل إلى المنازل امتدت إلى كافة أنحاء إسطنبول على الرغم من كبرها”. كما يبين أنه “لجأنا إلى ضبط المصاريف وتخفيض ساعات العمل وبالتالي تخفيض الرواتب والأجور، لإبقاء جميع العمال من دون استثناء، الذين استطاعوا الاستمرار في العمل وعدم إغلاق المطعم”.

ويعيش في تركيا نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري، معظمهم يعتمدون على مردود العمالة اليومية، سواء في مشاريع تابعة لسوريين أو أتراك، وشكّل قرار توقف معظم الأعمال في تركيا بسبب جائحة كورونا، كارثة اقتصادية كبيرة بالنسبة لهم.

——————————

تعديلات لمنظمة الصحة على مذكرة بشأن سورية تثير خلافات

أفادت مسودة مذكرة لمنظمة الصحة العالمية، اطلع عليها أعضاء مجلس الأمن الدولي، بأنّ منظمات الإغاثة العاملة مع الأمم المتحدة تريد من مجلس الأمن أن يسمح بشكل عاجل باستخدام معبر حدودي عراقي مع سورية مجدداً، لتسليم الإمدادات للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا.

غير أن نسخة محدثة من المذكرة، بتاريخ يوم الثلاثاء، حذفت المناشدة المباشرة بإعادة فتح معبر اليعربية بعد نحو أربعة أشهر من توقف استخدامه في عمليات الأمم المتحدة؛ بسبب معارضة روسيا والصين.

ولم ترد منظمة الصحة العالمية حتى الآن على طلب للتعليق.

وتثير هذه الخطوة احتمال تأجيج الانتقادات، التي تصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للمنظمة التابعة للأمم المتحدة بأنها تسمح لنفسها بأن تؤثر عليها بعض الدول.

وكان ترامب قد أوقف، في وقت سابق هذا الشهر، التمويل الأميركي لمنظمة الصحة العالمية التي مقرها جنيف، بينما تعكف واشنطن على مراجعة تعامل المنظمة مع فيروس كورونا، واتهم المنظمة بالتركيز أكثر من اللازم على الصين. وتنفي منظمة الصحة ذلك.

وقال مدير شؤون الأمم المتحدة بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” لويس شاربونو، بخصوص التغييرات التي أدخلت على المذكرة، لوكالة “رويترز”، إنه “يجب أن تقف منظمة الصحة العالمية ثابتة ولا ترضخ للضغوط من القوى الكبرى. الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح، وليس تجنب الانتقادات”.

وأضاف “ينبغي لمجلس الأمن على الفور أن يجدد التفويض باستخدام معبر اليعربية”.

وخلال اجتماع لمجلس الأمن بشأن الوضع الإنساني في سورية، أمس الأربعاء، دعا عدد من الأعضاء المجلس إلى المساعدة في تعزيز عمليات نقل المساعدات عبر الحدود إلى سورية.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، إنه ينبغي بحث كل الخيارات بما في ذلك استخدام معبر اليعربية.

لكن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، قال “نحث زملاءنا بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة إلى استخدام اليعربية”.

وأعلنت سورية عن تسجيل 43 حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد، إحداها في شمال شرق البلاد، وثلاث وفيات.

وقالت مذكرة منظمة الصحة العالمية المحدثة، إنّ التأثير الحقيقي لفيروس كورونا في سورية يمكن أن يكون “كارثياً حقاً”.

خيارات جديدة

وكان مجلس الأمن قد أجاز سنوياً تسليم المساعدات من خلال المعبر العراقي على مدى السنوات الست الماضية، لكنه توقف عن إصدار الموافقة، في يناير/ كانون الثاني، بسبب معارضة روسيا، حليفة سورية، بدعم من الصين.

وقالت مسودة مذكرة منظمة الصحة “شركاء الأمم المتحدة. يقترحون إعادة فتح معبر اليعربية على وجه الاستعجال. سيكون لهذا تأثير كبير على التعامل مع مرض كوفيد-19 في شمال شرق سورية”.

وقالت المسودة المحدثة بدلاً من ذلك إن “هناك حاجة إلى خيارات جديدة” لإحلال المساعدات التي كان يتم تسليمها عبر العراق، مضيفة أنه لا يمكن توسيع عمليات الشحن عبر خطوط الصراع في البلاد بما يكفي لتلبية الاحتياجات في شمال شرق سورية.

وقال دبلوماسيون غربيون إن إغلاق المعبر العراقي يمنع 40% من المساعدات الطبية إلى شمال شرق سورية.

وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة للمجلس مارك لوكوك، يوم الأربعاء “الفجوات في الإمدادات الطبية آخذة في الاتساع في شمال شرق سورية”.

وموافقة مجلس الأمن ضرورية لتسليم مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود نظراً لعدم موافقة الحكومة السورية.

(رويترز)

العربي الجديد،

——————————–

كورونا سوريا: ضغوط أميركية لفتح اليعربية لإدخال مساعدات طبية

طالبت واشنطن مجلس الأمن الدولي بضرورة “النظر الفوري في كيفية تسهيل إيصال المساعدات العابرة للحدود إلى كل أنحاء سوريا”.

وقال المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، خلال جلسة حول الأوضاع الإنسانية في سوريا ليل الأربعاء، إن “خنق تدفقات المساعدة بهذه اللحظة الخطيرة من شأنه أن يتحدى المنطق.. والولايات المتحدة تدعو المجلس للنظر الفوري بكيفية تسهيل المساعدة عبر الحدود لكل سوريا، بغض النظر عمن يسيطر على المنطقة”.

مطالبة كرافت جاءت عقب انتهاء وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون ألإنسانية، مارك لوكوك، من إبلاغ أعضاء المجلس بوجود عجز كبير في المعدات والأجهزة الطبية الأساسية لمواجهة تفشي فيروس كورونا في سوريا. وأشار إلى أن هذا العجز جاء بعد إغلاق معبري الرمثا (مع الأردن) واليعربية ( مع العراق) مطلع هذا العام.

وقدم لوكوك 3 مطالب أمام الجلسة وهي “التوصل لوقف شامل لإطلاق النار في جميع أرجاء سوريا، وتوريد المستلزمات الطبية المهمة التي كان يتم توفيرها سابقاً عبر معبر اليعربية، وتجديد الإذن بإيصال المساعدات العابرة للحدود لشمال غربي البلاد؛ لتلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة التي نواصل رؤيتها هناك”.

وفي إفادتها أمام أعضاء المجلس قالت السفيرة الأمريكية إن “إغلاق معبر اليعربية أدى لفقدان إيصال 40 في المئة من المعدات واللوازم الطبية”. وتابعت: “عندما عجز هذا المجلس عن إبقاء هذا المعبر مفتوحاً بموجب القرار 2504، فإن هذا مهد الطريق لانتشار الفيروس الذي سيؤدي الي خراب سوريا مالم نتحرك على الفور بتقديم مساعدات إضافية إلى السوريين”.

لكن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قال خلال الجلسة: “نحث زملاءنا بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة إلى استخدام معبر اليعربية”.

واعتمد مجلس الأمن الدولي، في 11 يناير/كانون ثان الماضي، القرار 2504 وقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا عبر معبرين فقط من تركيا ولمدة 6 أشهر واغلاق معبري اليعربية في العراق، والرمثا في الأردن نزولاً على رغبة روسيا والصين.

وقالت مسودة مذكرة لمنظمة الصحة العالمية اطلع عليها أعضاء مجلس الأمن، إن منظمات الإغاثة العاملة مع الأمم المتحدة تريد من مجلس الأمن أن يسمح بشكل عاجل باستخدام معبر حدودي اليعربية مجدداً لتسليم الإمدادات للمساعدة في مكافحة وباء فيروس كورونا.

غير أن نسخة محدثة من المذكرة، بتاريخ الثلاثاء، حذفت المناشدة المباشرة بإعادة فتح معبر اليعربية.

وتثير هذه الخطوة احتمال تأجيج الانتقادات التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنظمة التابعة للأمم المتحدة بأنها تسمح لنفسها بأن تؤثر عليها بعض الدول.

وكان ترامب قد أوقف في وقت سابق هذا الشهر التمويل الأميركي لمنظمة الصحة العالمية، بينما تعكف واشنطن على مراجعة تعامل المنظمة مع وباء فيروس كورونا، واتهم المنظمة بالتركيز أكثر من اللازم على الصين.

وقال مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش لويس شاربونو، بخصوص التغييرات التي أدخلت على المذكرة، إنه “يجب أن تقف منظمة الصحة العالمية ثابتة ولا ترضخ للضغوط من القوى الكبرى. الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح، وليس تجنب الانتقادات”. وأضاف “ينبغي لمجلس الأمن على الفور أن يجدد التفويض باستخدام معبر اليعربية”.

———————————————-

كيف استخدمت كوريا الجنوبية التكنولوجيا لتسطيح منحنى وباء كورونا؟

بدأ الشعور بالحياة الطبيعية يعود إلى البلاد، وذلك بفضل الاختبارات المكثفة والنظام الوطني لتتبع المصابين. في وقت تفكر فيه البلدان حول العالم في أفضل طريقة لإعادة فتح بلادها، يجدر النظر في الآلية التي تمكنت بها كوريا الجنوبية من “تسوية المنحنى”، ومن إجراء انتخابات برلمانية دون اللجوء إلى عمليات الإغلاق.

بعد ارتفاع أولي في انتشار عدوى COVID-19 في شباط/ فبراير، طبّقت كوريا الجنوبية العديد من الإجراءات للسيطرة على انتشار المرض، عبر التدرج الذي تابعتُه كباحث في السياسة العامة. كانت كوريا الجنوبية قادرة على خفض عدد الإصابات الجديدة من 851 إصابة، في 3 آذار/ مارس، إلى 22 إصابة بحلول 17 نيسان/ أبريل، ومعدل الوفيات الناتج عن COVID-19 كان حول 2 في المئة.

تساهم العديد من الإجراءات في نجاح كوريا، لكن هناك إجراءين حاسمين في قدرة الدولة على تسوية المنحنى: الاختبار المكثف للمرضى، ونظام وطني للتتبع الفوري والفعال للأشخاص المصابين بـ COVID-19.

منذ تفشي فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) لعام 2015، علمت كوريا أن الإصابة بالطاقم الطبي استنزفت القدرة على السيطرة على الفيروس؛ لأن المواطنين المصابين في المستشفيات جعلوا الكادر الطبي نقاطًا ساخنة للعدوى. ونتيجة لذلك، في بداية الإصابة بـ COVID-19، ضمنت الحكومة الكورية توفير معدات الحماية الشخصية المناسبة لتجنب إصابة الكادر الطبي. وأنشأت مواقع اختبار ومعالجة منفصلة جسديًا، للعاملين في مجال الرعاية الصحية.

بمجرد تأمين مرافق الفحص والعلاجات الآمنة؛ بدأت الحكومة في إنجاز اختبار COVID-19 على نطاق واسع (أكثر من 440،000 شخص) وقد غطى الاختبار جميع أولئك الذين يعانون الأعراض. حيث يُعزل الأشخاص الذين لديهم نتائج إيجابية في وحدات خاصة COVID-19 حيث يتلقون العلاج.

تركز كوريا الجنوبية الانتباه على علاج الأشخاص الذين يعانون الأعراض الحادة، لأن احتمالية التعافي التلقائية لديهم قليلة، بدلًا من التركيز على الأشخاص الذين يعانون الأعراض الخفيفة. وقد ساعد هذا العمل في خفض معدل وفيات COVID-19، حيث تعافى بعض السكان الأكثر ضعفًا الذين كانوا يعانون أعراضًا شديدة. ذلك بأن تركيز الجهود على علاج المرضى الذين تزيد احتمالية بقائهم على قيد الحياة، يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات بوفاة المرضى الأكثر ضعفًا.

يُعد الاختبار على نطاق واسع الخطوةَ الحاسمة في تحديد حالة الإصابة في البلد، حيث ينتقل الفيروس من المصاب إلى غير المصاب. تساعد هذه البيانات في تحديد نقطة الانطلاق، وتحديد النقاط الساخنة المصابة بالعدوى في البلد، كما تساعد في تعقب وتحديد السكان الذين كانوا على اتصال مع المصابين.

ما يميز النموذج الكوري في السيطرة على COVID-19 هو قدرته على تتبع الأفراد الذين أصيبوا بالمرض، والذين قد يكونون ممن لامسوا الأفراد المصابين. ويُعرف هذا النموذج باسم نظام الإدارة الذكية COVID-19 (SMS).

تدير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في كوريا الجنوبية (KCDC) نظام تتبع الاتصال الذي يستخدم بيانات من 28 منظمة، مثل وكالة الشرطة الوطنية، وجمعية تمويل الائتمان، وثلاث شركات للهواتف الذكية، و22 شركة لبطاقات الائتمان، لتتبع حركة الأفراد المصابين بـ COVID -19. يستغرق هذا النظام 10 دقائق لتحليل حركة الأفراد المصابين. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع شخص مصاب، تبلّغ KCDC مركز الصحة العامة المحلي القريب من مكان إقامة المواطن المصاب، فيرسل المركز الصحي إليه إخطارًا. إذا كانت نتائج الاختبار إيجابية، أُدخل المصاب إلى المستشفى في مرافق COVID-19 الخاصة. ويُطلب من الذين ليس لديهم أعراض البقاء في الحجر الصحي مدة 14 يومًا.

تم إعداد الأساس القانوني للوصول إلى هذه المعلومات الشخصية بعد تفشي فيروس كورونا، في عام 2015، عندما علمت الحكومة أن تعقب حركة الأفراد المصابين والأشخاص الذين اتصلوا بهم أمرٌ بالغ الأهمية. كإجراء أمان، يمكن فقط للباحثين عن الأوبئة في KCDC الوصول إلى معلومات الموقع، وبمجرد انتهاء تفشي وباء COVID-19، سيتم تطهير المعلومات الشخصية المستخدمة لتتبع الاتصال.

يساعد نموذج كوريا الجنوبية (بالاعتماد على توفر الاختبار السريع، والمنشآت الطبية COVID-19 الآمنة، ونظام تتبع الاتصال الذي تديره الحكومة) في تجنب النهج الاستبدادي لإغلاق مدينة بأكملها، كما رأينا في الصين. الإغلاق القسري له عواقب ديمقراطية وإنسانية لتقييد الحرية الفردية والتخزين. قد يكون لها عواقب دائمة على العالم ما بعد COVID-19، مثل إساءة استخدام السلطة السياسية وتهديد الحرية من خلال المراقبة التدخلية.

حاليًا، تفكر الولايات المتحدة في إعادة فتح البلاد أو بعض الولايات، بدافع القلق بشأن الاقتصاد. ولكن عدم اتخاذ تدابير فعالة لاحتواء الفيروس قد يؤدي إلى نمو أُسي في الإصابات مرة أخرى.

قال علماء الأوبئة إن مفتاح التغلب على جائحة COVID-19 يكمن في تحديد النقاط الساخنة للعدوى، وقطع الدورة المفرغة/ المُولدة للعدوى. يُعد نظام تتبع جهات الاتصال الفعال مكونًا مهمًا في هذا النهج، ويمكن محاكاته في الولايات المتحدة أو في بلدان العالم.

تمتلك الولايات المتحدة التكنولوجيا والبيانات اللازمة، ويمكن للحكومة أن تشكل شراكة مع الكيانات ذات الصلة، مثل شركات بطاقات الائتمان والاتصالات السلكية واللاسلكية، وإنفاذ القانون، والرعاية الصحية، وغيرها من المنظمات العامة والخاصة ذات الصلة، لإنشاء نظام تتبع COVID-19. وبمساعدة هذا النظام، يمكن للحكومة تحديد السكان المصابين والنقاط الساخنة، وتتبعهم وحجرهم الصحي للعلاج في المرافق الطبية التي يتم تزويدها، بمجهود مستمر من الحكومة، بمعدات الحماية الشخصية اللازمة. وعلى مستوى المواطنين، يجب تشجيع ممارسة ارتداء الأقنعة والحفاظ على التباعد الاجتماعي بقوة، لمنع العدوى، بينما تحاول الحكومة تسطيح المنحنى.

حاليًا، هناك شعور بالعودة الطبيعية إلى كوريا الجنوبية. لا توجد مدن تحت الإغلاق، ويُسمح للمطاعم ودور العبادة والحانات وصالات الألعاب الرياضية ومعاهد التعليم بالفتح، إذا التزمت بإرشادات الحجر الصحي الحكومية، كما تعمل القطارات والحافلات في مواعيد محددة، وتم تجهيز متاجر البقالة بالكامل، كما أجرت البلاد انتخابات برلمانية بنجاح، في منتصف نيسان/ أبريل. يرتدي المواطنون الأقنعة ويمارسون التباعد الاجتماعي في جميع الأوقات، ويساعد ذلك في منع المزيد من العدوى. يشير نهج كوريا الجنوبية تجاه COVID-19، مع تركيزها على التكنولوجيا، إلى مسار محتمل للولايات المتحدة [وبلدان العالم] في إعادة فتح البلاد، دون الاضطرار إلى إخضاع المواطنين للسلطة القسرية للدولة، وتهديد الديمقراطية.

العنوان الأصلي للمادة              How South Korea Used Technology to Flatten the Coronavirus Curve

الكاتب             مايكل آهن

المصدر             ديفنس ون، 22 نيسان/ أبريل 2020

الرابط               https://www.defenseone.com/ideas/2020/04/how-south-korea-used-technology-flatten-coronavirus-curve/164804/?oref=d-river

المترجم           قسم الترجمة- محمد شمدين

مايكل آهن أستاذ مشارك ومدير برنامج الدراسات العليا MPA في جامعة ماساتشوستس، بوسطن.

———————————-

=========================

============================

تحديث 01 أيار 2020

—————————-

سياسياً وعسكرياً.. قراءة في الآثار المحتملة لـ”كورونا” في سورية

وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على عدة مستويات؛ أعلن نظام الأسد في 23آذار/مارس عن وصول الفايروس إلى سورية رسمياً، بعد التصريح عن إصابات وأولى الوفيات، مقابل إجراءات احترازية في محاولة احتوائه؛ لتتحول بذلك التخوفات إلى واقع يفتح الباب واسعاً أمام تحليلات آثار هذا الفايروس وتداعياته المتوقعة على عدة قطاعات ومستويات في البلد المُنهك. وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في الانعكاسات المحتملة على الملف السوري، خاصة في المستوى العسكري والجبهات المتعددة ضمن مناطق النفوذ الثلاث (معارضة، نظام، قسد)، إضافة إلى الآثار المحتملة على طبيعة التواجد الأجنبي في البلاد، مقابل العملية السياسية وآفاقها المتوقعة وسط المناخ الذي يفرضه الفايروس من البوابة الإنسانية وقابلياته للاستثمار السياسي.

العمليات العسكريّة (تراجعٌ حذر ونشاطٌ أمنيّ)

تبدو فرضية تجميد الجبهات وتقويض العمليات العسكرية التقليدية نتيجة انتشار الفايروس منطقية حتى الآن، على الأقل في الفترة الحالية، والمتمثلة بالمواجهة الأولى مع الوباء والارتباك في احتوائه ومعالجة آثاره المتعددة، خاصة مع التخوف من تفشيه داخل القطع العسكرية والمليشيات ومجاميع الفصائل، إضافة إلى عدم القدرة على فتح معارك كبرى، تلك التي من الممكن أن تؤدي إلى عدد كبير من الجرحى يزيد الضغط على القطاع الطبي المشلول أساساً في مناطق المعارضة، والعاجز في مناطق النظام، إضافة إلى ما قد يترتب على تلك المعارك من نفقات وميزانيات سيضطر النظام إلى حرفها باتجاه قطاعات أخرى.

ناهيك عن محاولات موسكو والنظام تجنب أي قصف جوي تقليدي يُخرجُ المزيد من النقاط الطبية والمستوصفات والمشافي عن الخدمة أو يستهدف البنى التحتية الرئيسية، وذلك لا يبدو خوفاً على المدنيين أو حرصاً على القطاع الطبي في تلك المناطق، وإنما تجنباً لحرج حقيقي أمام المجتمع الدولي في ظل جائحة تهدد الإنسانية، خاصة في الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى استغلال هذا الظرف الإنساني لإحداث خرق في جدار العقوبات الاقتصادية (الأوروبية-الأمريكية)، إضافة إلى محاولات الإفادة منها كمدخل للتطبيع والمساعدات وإعادة العلاقات العلنية مع بعض الدول العربية-الخليجية، أو فتح قنوات تواصل جديدة عبرها باتجاه قوى مختلفة، قد تكون غربية.

وضمن إطار الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي المرض؛ أصدرت القيادة العامة لجيش الأسد أمرين إداريين ينهيان الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين المحتفظ بهم والملتحقين من الاحتياط المدني، اعتباراً من 7 نيسان المقبل، لكن بشروط تحددها مدة الخدمة، إضافة إلى تسريح بعض دورات الاحتفاظ، فيما بدا تخوفاً من تفشي الفايروس داخل القطع العسكرية للجيش. مقابل موسكو التي اتخذت إجراءات احترازية صارمة داخل قاعدتها العسكرية في حميميم، إضافة إلى ضبط احتكاك جنودها بالضباط السوريين والسكان. في حين لا تتوافر معلومات دقيقة حول المليشيات الإيرانية، والتي سجّلت بحسب تقارير أعلى نسب إصابات داخل سورية، سوى نقل بعضهم إلى نقاط طبية في العراق للعلاج، عبر المعبر الوحيد الذي لم يغلق (البوكمال)، إضافة إلى عزل بعض مناطق نفوذهم كحيّ “السيدة زينب” في جنوب العاصمة دمشق، بينما اكتفى حزب الله في التصريح على لسان أمينه العام أنه “يقوم بفحص مقاتليه قبل إرسالهم إلى سورية حرصاً على عدم نقل العدوى إليها، وفحصهم أثناء عودتهم لضمان عدم نقلها إلى لبنان”. بما يشير إلى عدم تأثر تواجد الحزب بالفايروس والاكتفاء بالإجراءات الاحترازية، حتى الآن.

كل تلك الإجراءات، وما قد يلحق بها من قرارات أخرى على وقع تفشي الجائحة في البلاد، تشير، حتى الآن، إلى قدرة الفايروس على فرض هدنته الخاصة والحدّ والتقويض من العمليات العسكرية التقليدية، ولكن وفي الوقت نفسه لا يعني أبداً نهايتها أو تجميدها، بل قد تتخذ مبدئياً أشكالاً مختلفة تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لصالح تزايد النشاط الأمني واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب وتحقيق مصالح كل طرف.

فعلى الرغم من انحسار قصف النظام وحلفائه لمناطق المعارضة، إلا أن الخروقات للاتفاق الروسي-التركي استمرت من طرف النظام، عبر قصف صاروخي استهدف أرياف مدينة إدلب بتاريخ 31 آذار/مارس و 1نيسان/أبريل، بالإضافة إلى فتح النظام معارك محدودة على جبهات أخرى كالسويداء، حيث يخوض الفيلق الخامس اشتباكات متقطعة مع فصائل محليّة “رجال الكرامة”، مقابل ملاحظة زيادة وتيرة الاغتيالات في درعا بين صفوف قياديين في المعارضة السورية، ممن وقعوا على اتفاقية التسوية، الاغتيالات التي يُرجّح أن النظام يقف ورائها بشكل مباشر، إذ تأتي بعد اقتحام قواته في 18 آذار/مارس بلدات في ريف درعا الغربي، والذي أدى إلى مقتل وجرح عدد من الطرفين وتهجير 21 مقاتل إلى الشمال السوري.

ويقابل اغتيالات الجنوب، ارتفاع معدلات التفجيرات عبر السيارات المفخخة والاغتيالات التي طالت قياديين في “الجيش الوطني” ضمن مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، إضافة إلى إدلب خلال الأسبوع الفائت، وعلى الرغم من تعدد الجهات التي قد تقف وراء اغتيالات الشمال، كغرفة عمليات “غضب الزيتون” التابعة لـ(PYD)، إضافة لخلايا “داعش” في المنطقة وبعض المجموعات المتشددة، إلا أن النظام وخلاياه يعتبرون أحد أبرز المتهمين بتلك العمليات، بينما تبنّت “قسد” اغتيال أحد القيادين في “الجيش الوطني”، ضمن محيط بلدة عين عيسى في ريف الرقة إثر استهدافه بصاروخ حراري بتاريخ 30 آذار/مارس، وادعائها أن ذلك جاء “رداً على محاولات تقدم للجيشين الوطني والتركي”، واللافت أن هذا التوتر في محيط البلدة سبقهُ بأسبوع وصول تعزيزات للنظام إلى محيطها.

“داعش” و”قسد” (تهديدٌ واستثمار)

بالمقابل، يُلحظ نشاط متزايد ولافت لتنظيم الدولة الإسلامية في ظل انتشار الفايروس، والذي وصفه التنظيم بـ “أسوأ كوابيس الصليبيين”، وذلك ضمن افتتاحية حول فايروس “كورونا” في طبعة 19 آذار/مارس من نشرة “النبأ” التابعة له، معتبراً أنهُ “سيُضعف من قدرات أعداء التنظيم وسيعيق إرسالهم للجنود لمحاربة المجاهدين، داعياً أنصاره إلى زيادة نشاطهم خاصة باتجاه تحرير الأسرى وتكثيف الهجمات التي تزيد من ضعف أعداء التنظيم”.

وقد كثّف التنظيم من عملياته باتجاه قوات “قسد” والنظام السوري على حد سواء، حيث أعلن عبر وكالة أعماق 29 آذار/مارس عن أسرّ عناصر من “وحدات الحماية” في ريف الحسكة وإعدامهم، كما تم تنفيذ سلسلة تفجيرات في مدينة الطبقة بريف الرقة، لم يتبناها التنظيم، ما دفع البعض لتوجيه الاتهام للنظام السوري في إطار محاولاته لتهيئة بيئة من الفلتان الأمني. وبالتزامن مع عمليات تنظيم الدولة في ريف الحسكة، أعلنت صفحات محليّة في دير الزور عن فقدان الاتصال مع مجموعة من المليشيات الإيرانية في بادية البوكمال إثر قيامها بجولة تفقدية، كما نشر التنظيم إصداراً جديداً حول عملياته العسكرية التي يقوم بها في البادية السورية، وتحديداً في قرى منطقة السخنة التابعة لريف حمص الشمالي، في محاولة منه لإيصال رسالة بأنه ما زال موجوداً، ويظهر التسجيل مهاجمة شاحنات وأرتال عسكرية لقوات النظام ، إلى جانب عمليات إعدام لمقاتلين قال التنظيم إنهم من عناصر النظام أو “لواء القدس” المدعوم إيرانياً.

وتزامن ذلك مع محاولات الاستعصاء والهروب التي نفذها عناصر التنظيم في سجن “الصناعة” ضمن حي غويران بمحافظة الحسكة، وهروب عدد منهم، وسط تصريحات متضاربة من قيادات “قسد” حول هذا الهروب، مقابل تصريحات المتحدث باسم التحالف، الكولونيل مايلز كاجينز، والتي خففت بشكل أو بآخر من وقع الحادثة، فيما يبدو أن قسد تسعى لتضخيمها، حيث اعتبر كاجينز أن “السجن لا يضم أي أعضاء بارزين في تنظيم داعش”، الأمر الذي قد يشير إلى مبالغة قوات سورية الديمقراطية في موضوع أسرى تنظيم الدولة وإثارة الموضوع بهذا التوقيت بالذات، وذلك ربما لتمرير المحاكم العلنيّة التي تدفع بها الإدارة الذاتية لمحاكمة عناصر تنظيم الدولة الذين ترفض دولهم استقبالهم، إضافة إلى استغلالها كورقة سياسية-أمنية لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في إطار مكافحة الإرهاب. والأهم من ذلك، أنها تعكس أيضاً تخوف “قسد” من الانكفاء الذي يقوم به التحالف في العراق واحتمالية امتداده إلى سورية عبر تخفيض عدد الجنود أو إعادة انتشار محتمل شرق الفرات، خاصة وأن “قسد” اتبعت سلوك الاستثمار والتلويح بعودة “داعش” عدة مرات، ليس آخرها مع بدء العملية العسكرية التركية “نبع السلام” وإعلان ترامب سحب القوات الأمريكية شرق الفرات، حين أعلنت عن هروب سجناء من تنظيم الدولة، نتيجة القصف التركي الذي استهدف مواقع السجون، ليأتي بعدها تصريح ترامب في تاريخ 14/10/2019 ويتهم فيه قوات سورية الديمقراطية “بتسهيل هروب السجناء، لابتزاز القوات الأمريكية والتحالف الدولي”.

كما رافق نشاط التنظيم المتزايد في أرياف محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، رصد عبور عدد كبير من عناصر التنظيم الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية، ما دفع الحشد الشعبي في الجانب العراقي إلى جانب وحدات من الجيش العراقي “اللواء 44″ و”51” وعدة قطع عسكرية، وبإسناد من طيران الجيش ومقاتلة الدروع في “الحشد الشعبي”، للاستنفار وإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد عناصر تنظيم الدولة تحت اسم “ربيع الانتصارات الكبرى”، بحسب بيان صادر عن الحشد الشعبي بتاريخ 30 آذار/مارس، وتزامنت العملية مع هروب عناصر التنظيم من سجن الحسكة، إضافة إلى عودة تحليق طيران التحالف في السماء السورية.

ويبدو أن تنظيم الدولة ينظر إلى آثار الفايروس كظروف ملائمة لإعادة تكثيف نشاطه العسكري وهجماته على عدة جبهات، الأمر الذي سيرتب ضغطاً مضاعفاً على قوات “قسد” في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، كما سيشكل بالنسبة لها مجال استثمار جديد لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في مواجهة “داعش”. وعلى الجانب الآخر قد يشكل نشاط “داعش” استنزافاً لقوت النظام والمليشيات الإيرانية المتواجدة في ريف دير الزور الشرقي وبادية حمص، كما أن نشاط خلايا التنظيم قد يطال مناطق نفوذ المعارضة السورية عبر الاغتيالات والتفجيرات، الأمر الذي قد يعطي فرصة جديدة لهيئة “تحرير الشام” لتصدير نفسها كقوة محلية قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، والتي ستمثل لها بوابة للتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، خاصة وأن مناطق المعارضة السورية قد لا تقتصر على نشاطات تنظيم الدولة، وإنما قد تفسح أيضاً المجال لبعض المجموعات المتشددة التي ستجد في الظروف الحالية والارتباك الأمني والعسكري فرصة ملائمة لتنفيذ عملياتها باتجاه عرقلة الاتفاق التركي-الروسي، أو باتجاه تصفية حسابات مع فصائل محددة في إطار الصراع على النفوذ، إضافة لاحتمالية زيادة نشاط خلايا النظام الأمنية، عبر التفجيرات والاغتيالات لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

التواجد الأجنبي (احتمالات الانكفاء والاستغلال)

على مستوى مختلف، يبدو أن فايروس “كورونا” فرض على بعض الدول سياسات عسكرية انكفائية، خاصة تلك المنتشرة قواعدها حول العالم، أو يمكن القول إنه سرّع من قرارات دول أخرى بالانسحاب من تلك القواعد وإعادة التموضع والانتشار، وفي إطار مناقشة آثاره على التواجد الأجنبي في سورية، يبدو من المفيد الدخول عبر بوابة العراق، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن انسحاب قواتها من العراق 25 آذار/مارس، وذلك ضمن اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية، في الوقت الذي قام فيه التحالف الدولي بتسليم 3 قواعد عسكرية (القائم، القيارة، كي1) من أصل 8 للقوات العراقية، والانكفاء باتجاه إقليم كردستان (قاعدة حرير) والأنبار(قاعدة عين الأسد)، وبدأ التحالف بسحب قواته التدريبية من العراق، في 20 من آذار الحالي، بعد تعليق برنامج التدريب، في إطار الإجراءات الوقائية لمنع تفشي “كورونا المستجد”، كما انسحب نحو 300 جندي من قوات التحالف منتصف آذار الحالي من قاعدة القائم.

وعلى الرغم من كون بعض تلك القرارات ليست جديدة، ولا يمكن فصلها عن سياق التوتر الأخير بين الولايات المتحدة وإيران وإعادة التحالف الدولي لتموضعه في العراق، خاصة على خلفية الاستهداف الأمريكي لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والذي ترتب عليه بدفع من إيران، قرار البرلمان العراقي 5 كانون الثاني 2020 بضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، لكن وفي ذات الوقت لا يمكن إنكار دور “كورونا” في التسريع من تلك العمليات، خاصة بالنسبة للأوروبيين الذين باتوا ينظرون إلى العراق كساحة صراع ثنائية بين طهران وواشنطن، لا مكان لهم فيها، فيبدو أن كورونا شكّل فرصة مناسبة لتسريع عمليات الانسحاب وتعليق برامج التدريب.

وبينما يساهم الفايروس بتشكيل بيئة طاردة للقوات الأجنبية المتواجدة في العراق، يبدو أن إيران لن تفوت الفرصة في تخصيب تلك البيئة، خاصة باتجاه التواجد الأكثر تأريقاً لها، والمتمثل بالقواعد الأمريكية، وذلك عبر رفع وتيرة التهديد الأمني تجاه تلك القواعد من خلال التفجيرات أو الاستهدافات عبر مليشيات محليّة، في محاولة لتحفيزها وتسريع عملية الانكفاء، وهذا ما يتقاطع مع ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤول أمريكي رفيع لم تسمه، حول توافر معلومات استخباراتية عن هجمات قد تستهدف قواعدها من قبل إيران، عبر مجموعات محليّة تعفي طهران من التورط المباشر، كمليشيا حزب الله العراقي، إذ يبدو أن تفشي الجائحة في إيران لا يمنعها من استثمار المناخ الذي فرضته في دول نشاطها. ولكن وفي الوقت الذي ينسحب فيه التحالف الدولي من بعض القواعد؛ تعمل القوات الأمريكية على تعزيز مواقعها الحالية في العراق، عبر استقدام بطاريتي باتريوت تم نشر أحدها في قاعدة عين الأسد، والأخرى في أربيل، ويتم الحديث عن استقدام بطاريتين إضافيتين من دولة الكويت إلى الأراضي العراقية، ويبدو أن الإجراءات الأمريكية في تعزيز تلك القواعد تتناسب طرداً وحجم التهديد المتوقع لها.

وبمقاربة أثر الفايروس على القواعد الأجنبية في الظرف العراقي، إلى الحالة السورية التي تضم عدداً من القواعد الأجنبية، يبدو أن الظرف أيضاً قابل للاستثمار لتهديد تلك القواعد، وتشجيعها على الانكفاء، فعلى الرغم من عزلة القاعدة الأمريكية في التنف، بحكم بعدها عن مراكز المدن والاحتكاك، إلا أن هذا لا يعني أنها محصنة بشكل كامل ضد الفايروس، وكذلك باقي القواعد المتواجدة في شرق الفرات، والتي قد تشهد عمليات أو هجمات محتملة من قبل مليشيات محليّة، عملت إيران على إعدادها من فترة طويلة تحت اسم المقاومة الشعبية والتي ترفع شعارات ضد الوجود الأمريكي في سورية. إضافة إلى احتمالية تأثر باقي التواجد الأجنبي (فرنسي، بريطاني) وبرامجه على وقع زيادة تفشي المرض في سورية أو داخل تلك الدول، وما سيترتب عليه من إجراءات.

أما في غرب الفرات، حيث التواجد التركي وانتشار نقاط المراقبة، والتي تعتبر أيضاً شبه معزولة وتم رفع الجاهزية الطبية فيها، فإن الأخطار الأمنية عليها لا تبدو معدومة، فعلى الرغم من قرب تلك القواعد والنقاط من الأراضي التركية وتوافر طرق الإمداد والنقل السريع، والذي قد يخفف من أخطار تفشي الفايروس، إلا أن الظرف الحالي أيضاً يبدو مناسباً للعديد من الأطراف لرفع مستوى التهديد الأمني المحتمل لتلك النقاط، سواء عبر قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، أو حتى بعض الفصائل الجهادية التي ترى في فتح الطريق الدولي m4 وتسيير الدوريات المشتركة تهديداً لنفوذها، خاصة وأن مختلف الجهات التي من الممكن أن تهدد نقاط المراقبة أو الدوريات التركية في هذه الظروف، تدرك وقع تفشي المرض في الداخل التركي، وانعكاس أي استهداف للجنود في هذه الفترة وما قد يسببه من حرج للحكومة التركية وتأزيم في الوضع الداخلي.

أما بالنسبة لإيران وميلشياتها أو القوات الروسية والمرتزقة المرافقة لها من الشركات الأمنية الخاصة، فمن المستبعد حتى الآن أن يؤثر الفايروس وتفشيه على تواجدها العسكري في سورية، إلا في حدوده الدنيا، المتمثلة بإعادة الانتشار والتموضع واتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، وذلك على اعتبار أن طهران تعتمد على مجموعات مرتزقة، أغلبهم من غير الإيرانيين، وبالتالي لن تكون سلامتهم أولوية بالنسبة لطهران، وهذا ما حدث حتى على المستوى المدني في إيران، حيث أفادت التقارير الواردة من المدن الإيرانية عن سياسية عنصرية عالية في المستشفيات الإيرانية، والتي رفضت استقبال الأفغان والباكستانيين وغيرهم من الجنسيات المقيمين على الأراضي الإيرانية، وجعلت الأولوية للإيرانيين، لذلك فمن المحتمل ألا يتأثر النشاط الإيراني في سورية حتى الآن، بل وعلى العكس فقد تلجأ إيران إلى محاولات استثمار المناخ السياسي والعسكري قدر الإمكان لزيادة نشاطاتها العسكرية، ولعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار الشعيرات في حمص تعد مؤشراً على استمرار تلك النشاطات.

ناهيك عن أن موسكو وطهران تشتركان بعدم تأثر السياسة الخارجية بالمعادلة الداخلية، بمعنى أن هذين النظامين ومعهما الصين والنظام السوري لا يعانون من التهديد الذي تشكله الحسابات الداخلية وارتفاع نسب تفشي المرض وزيادة عدد الوفيات على الحكومات والنظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية، وذلك بحكم طبيعة تلك الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، والتي وعلى الرغم من انتظامها بذات الإجراءات الموحدة التي يتخذها العالم في مواجهة الفايروس؛ إلا أنها وبالوقت نفسه تنظر إليه كمجال استثمار سياسي وعسكري واقتصادي، سواء عبر تسهيل المساعدات للنظام السوري من مدخل “كورونا” والسعي لمحاولات رفع العقوبات الأوروبية-الأمريكية، أو استثماره كبوابة للتطبيع مع دول المنطقة وفتح قنوات تواصل جديدة، إضافة إلى كونه فرصة لمضايقة التواجد الأجنبي بأدوات مختلفة ومحاولة الدفع في التسريع بقرارات الانسحاب.

أما عن مدى قدرتهم في تحقيق ذلك والنجاح به، فهذا مالا يمكن التنبؤ به، إذا يتعلق بعدة عوامل على رأسها توسع خريطة انتشار المرض وسرعة تفشيه وزيادة مستويات تهديداته، وما سيبنى من استراتيجيات مضادة للدول في مواجهته، خاصة تلك المتعلقة بقواعدها المتواجدة في سورية.

المسارُ السياسيّ (مناورةُ الوقت وتفعيلُ المُعطّل)

في الوقت الذي قد تتراجع فيه النشاطات العسكرية خطوة بشكلها التقليديّ، أو تتخذ تكتيكات وأشكال جديدة تتناسب والمناخ الذي فرضه “كورونا المستجد”؛ تبدو الظروف ملائمة لفتح المجال السياسي ومحاولة تجميد الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار من قبل الفاعلين الرئيسين في الملف السوري.

فقد عقد مجلس الأمن الدولي الاثنين 30 آذار/مارس، جلسة عن بعد عبر تقنية الفيديو، بحثت جوانب عدة أبرزها مكافحة انتشار فايروس “كورونا”، وسُبل تفعيل العملية السياسية وسير اتفاق إدلب، حيث توافق أعضاء المجلس على ضمان وقف العمليات القتالية في سورية، وتحقيق الهدوء اللازم لمكافحة الفايروس، ولم تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية، حق النقض (الفيتو)، ضد القرارات الصادرة عن المجلس، في موقف نادر الحدوث خاصة فيما يتعلق بالملف السوري.

كما شهد اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس اتصالات متبادلة بين زعماء الدول الفاعلة في الملف السوري بخصوص سورية، حيث جمع اتصال ثنائي الرئيسين أردوغان وبوتين للحديث حول إدلب وتنفيذ الاتفاقات الروسي-التركية المتفق عليها في قمة موسكو 5 آذار/ مارس 2020، بحسب بيان صادر عن الكرملين والرئاسة التركية، وجاء هذا الاتصال بعد يوم واحد من اتصال ثنائي جمع دونالد ترامب وأردوغان، تناولا فيه سبل التصدي لجائحة “كورونا المستجد”، وخاصة في الدول التي تشهد صراعات مثل سورية وليبيا.

بالمقابل، دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، بما يسهم في التصدي للجائحة، ونقلت وكالة “فرانس برس” عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الأحد29 آذار/مارس، أن “وقف إطلاق النار الذي أُقر حديثاً في إدلب لا يزال هشاً، وينبغي الحفاظ عليه وأن يشمل كامل سورية، “داعياً إلى القيام بمبادرة واسعة النطاق من أجل الإفراج عن المعتقلين في سجون النظام السوري، الدعوة التي سبقها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، ببيان مماثل، طالب فيه “بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري بشكل واسع، منعاً لتفشي الفايروس، وأكد ضرورة وصول المنظمات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع أماكن الاحتجاز، واتخاذ خطوات عاجلة لضمان الرعاية الطبية الكافية وتدابير الحماية في جميع السجون”.

وضمن هذا السياق يمكن فهم وتفسير دعوات المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، حول الدفع لتفعيل المسار السياسي، المتمثل باللجنة الدستورية المُعطلة، وإعلانه أن النظام والمعارضة توصلا إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة والجولة المقبلة، إذ يبدو أن بيدرسون يحاول تحقيق أي إنجاز وتقدم ملموس في ملف اللجنة الدستورية، مستغلاً المناخ الحالي الذي تفرضه الجائحة وما قد يؤمنه من غطاء دولي داعم، ولكن وبالوقت نفسه قد تعطي تلك الدعوات والاجتماعات مجالاً جديداً للنظام للمناورة وكسب الوقت، خاصة وأن أي اجتماعات محتملة للجنة لن تعقد فيزيائياً في الفترة الحالية نتيجة الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي الفايروس، لذلك فمن المتوقع ألا تسفر الجولة الجديدة، في حال عقدها، عن أي نتائج جديّة، قياساً بالجولات السابقة، خاصة مع تمسك النظام بشروطه حول “الثوابت الوطنية” وسعيه المستمر للتعطيل والتمييع.

أخيراً، وضمن ما يفرضه فايروس “كورونا” من ارتباك على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في الملف السوري، يبدو أن العمليات العسكرية ستتراجع خطوة حذرة إلى الخلف بمعاركها التقليدية، بالنسبة للاعبين الأصلاء ووكلائهم المحليين، مع احتماليات توسع الهوامش لتنظيم الدولة وبعض المجموعات المتشددة، مقابل منح المزيد من الوقت وإفساح المجال لمناورات سياسية جديدة بين الأطراف المختلفة، وتهيئة المناخ السياسي لإعادة تفعيل واستئناف المفاوضات التي من المحتمل أن تكون بثلاثة اتجاهات، الأول: والمتمثل بتفعيل المفاوضات بين النظام والمعارضة عبر الدفع في اللجنة الدستورية، والضغط على الطرفين في هذا الإطار. الثاني: والذي قد يتمثل بإعادة إحياء قنوات المفاوضات بين “قسد” والنظام، خاصة مع ارتباك وتوجس “قسد” من إعادة انتشار وتموضع محتمل لقوات التحالف في شرق الفرات، أما الثالث فقد يتجلى في محاولات النظام وحلفائه لاستثمار هذا المناخ، والسعي لفتح ثغرة في جدار العقوبات الأمريكية-الأوروبية، سواء عبر غض الطرف عن مساعدات خليجية قد تقدم للنظام، أو عدم فرملة التطبيع العربي تجاهه، بالمقابل فإن فتح وتفعيل تلك المسارات أو أحدها، لا يعني أبداً إحراز خطوات متقدمة فيها، بقدر ما يعني أنها استجابة لواقع فرضه “كورونا”، وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، والتي يبدو أنها ستبقى مرهونة بمدى انتشار الفايروس وما سيرافقه من آثار وتهديدات، ومدى تأثيره في الخطط الخاصة لكل دولة واستراتيجياتها الخارجية تجاه سورية.

السورية نت

————————————–

الوباء إلى انحسار… والشعبوية أيضاً!/ أكرم البني

مما لا شك فيه أن جائحة «كورونا» سوف تنحسر ولو بعد حين، وسوف تتمكن مختلف المجتمعات بالتتابع، من وقف انتشارها، لكن تداعياتها وتأثيراتها لن تتوقف، إنْ على المشهد العالمي الراهن وطابع علاقاته السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وإنْ على مستقبل التيارات الشعبوية المتطرفة التي صالت وجالت خلال الأعوام القليلة المنصرمة، وتمكن قادتها من الوصول إلى السلطة في عدد من البلدان.

لقد ذهب كثيرون مع بدء الانتشار السريع لهذا الوباء وما رافقه من اشتغال على الذات وقرارات حمائية منفردة اتخذتها غالبية البلدان تحدوها إجراءات عزل وانعزال، إلى التشكيك في العولمة ومستقبل البشرية كفضاء واحد، وتالياً إلى الانجرار وراء استنتاجات وشعارات شعبوية تطعن في قوة الترابط الإنساني الذي فرضته ثورة الاتصالات وحركة انتقال الرساميل وتدفق المعلومات، لكن مع مرور الوقت ظهر الأمر على العكس تماماً، وبدا أن هذا «الفيروس الأممي» قد أعاد للعالم وحدته وترابط مصائر مجتمعاته، وليس من باب التسرع القول، إن أكثر تأثيراته وضوحاً، ستكون في تعرية سطحية التيارات الشعبوية الحاكمة، بعد فشلها في مواجهة هذه الجائحة وعجزها عن التخفيف من أضرارها.

إذا كان أحد مرتكزات الفكر الشعبوي هو رفضه لمبادئ حقوق الإنسان وتسعير العنصرية وشيطنة الآخر المختلف عرقياً أو دينياً واستثارة غرائز الخوف والكراهية ضده، بما في ذلك ازدراء قيم المساواة والتسامح والاحترام، فإنه ليس مثل وباء «كورونا» ما جعل البشر متساوين أمام العدوى والموت، بغض النظر عن جنسهم أو دينهم أو قوميتهم، وإذا تذكرنا روح العداء ضد اللاجئين الهاربين من أتون العنف التي وسمت شعبويي أوروبا، وحملة الكراهية ضد المهاجرين المكسيكيين والمسلمين والأقليات العرقية والإثنية التي لا تزال تتحكم بسياسات الرئيس الأميركي، يصح القول إنه لم يعد ثمة دافع لحشد الناس وتعبئتهم على أساس الخوف من الآخر في ظل تفشي فيروس أعمى لا يميز بين البشر. وإذا أضفنا الدور الكبير الذي لعبته وتلعبه وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة التباعد والعزلة، حيث أتيح لمئات الملايين، الوقت والإمكانية لمتابعة ما يحدث من مآسٍ تجاه أي كان وفي كل مكان، يمكن أن نفسر التراجع اللافت في الخطاب الشعبوي التحريضي ضد الآخر، مقابل تقدم مشاعر التضامن بين الشعوب، وكيف بات البشر يشفقون على حالهم ووحدة معاناتهم ويتعاطفون مع مصابهم كما مع مصاب إخوتهم في الإنسانية.

من جهة أخرى، ساهم هذا الوباء في تعرية موقف الشعبويين السلبي من المنطق والمعرفة واستهتارهم بالتحذيرات العلمية حول خطورة فيروس «كورونا»، الأمر الذي تسبب في تأخر عدد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة، عن اتخاذ تدابير ناجعة لمكافحته، ما خلف مزيداً من الخسائر كان بالإمكان تلافيها، فكيف الحال وقد فرض انتشار هذا الوباء أولوية دفع البحث العلمي والمحاكمة العقلية إلى مركز الاهتمام، مساهماً في تراجع الخطاب الشعبوي الذي طالما اشتغل على غرائز الناس وتوسل ما طاب له من الخرافات والأساطير والأوهام، والقصد أن الحقائق والاستنتاجات العلمية فضحت بدورها التيارات الشعبوية التي اعتمدت على تصريحات متناقضة وسطحية مضللة أو على نظرية المؤامرة أو البعد الديني الغيبي في تفسير جائحة «كورونا»، ما اضطر بعض قادتها للتراجع عن سذاجة ما صرحوا به سابقاً، وهنا لا يمكن لأحد أن ينسى تصريح رئيس الوزراء البريطاني عن هذا الوباء وما قد يخلفه من ضحايا وذلك في حديثه عن مناعة القطيع وخيار البقاء للأقوى؟! أو نسيان اضطراب أداء الرئيس الأميركي وتناقض مواقفه في فهم وتفسير انتشار الفيروس، إنْ بمسارعته للتخفيف من خطورة آثاره، وإنْ بإطلاقه وعوداً خلبية عن وجود دواء ناجع لمعالجته أو لقاح يقي الناس منه، ثم دعوته أخيراً لاستخدام المطهرات المنزلية للنيل منه، وقبلها وبعدها، تكرار تحميل غريمته الصين، بصفتها موطن الوباء، مسؤولية ما يجري، لتبرير عجزه وتأخره عن اتخاذ خطوات جدية لوقف هذه الجائحة؟!

ربما كان من الصعب من دون هذا الوباء التمعن في آليات اتخاذ القرار والتعامل مع الأزمات، وكشف وجوه التشابه الكثيرة، وبخاصة العقلية الاستئثارية، بين النظم الشمولية كالصين وإيران وغيرها والنظم الديمقراطية المحكومة بقادة شعبويين مثل الولايات المتحدة، تلك العقلية التي تمنح الأولوية لمصالح السلطة الضيقة والأنانية وهمومها الاقتصادية، ولا تثق، كما ينبغي، بمواطنيها وقدراتهم على المساعدة في حماية حيواتهم وصحة مجتمعاتهم، بل لا يهمها سوى الاستعراض وإظهار فرادتها مهما تكن الآلام والتضحيات، ولا تغير هذه الحقيقة بل تؤكدها المبالغة في انتقاد التقصير والتباطؤ في التعاضد الأوروبي كحالتي إسبانيا وإيطاليا، أو حملة الترويج المغرضة للدولة المركزية والاستبدادية، عبر نموذج الصين، على أنها الخيار الناجح، في مواجهة هذا الوباء وغيره، ثم استثمار بعض الحكومات الشعبوية، كتركيا والمجر، المخاوف الناجمة عن تفشي الفيروس، لتشديد قبضتها القمعية ومحاصرة الهوامش الديمقراطية والتحرر من سلطة القانون والمؤسسات.

رغم تفاوت خسائر البلدان الغربية التي ضربها الوباء، واختلاف أداء حكوماتها لمواجهة انتشاره، فإن المشهد يشير إلى عيوب كبيرة في روابطها وبنيتها، وإلى تراجع مقومات التعاون والتعاضد فيما بينها لمواجهة هذه المحنة، وإلى تباينات في أنظمتها الصحية، وإلى نقص أو ضعف العدالة الاجتماعية ووضوح التفاوت الطبقي، ما يفسر شدة الأضرار في المجتمعات التي تراجعت فيها الخدمة العلاجية والصحية المجانية أو الميسرة لعموم الناس، وكذلك سرعة انتقال هذا الوباء بين المعوزين وفي المناطق الفقيرة.

إن الضربة الموجعة التي تلقتها التيارات الشعبوية بسبب جائحة «كورونا»، لن تكون مجدية ومفيدة، من دون معالجة المظالم وظواهر التمييز والحرمان التي شكلت وتشكل تربة خصبة لنمو الشعبوية والتطرف، ومن دون إعادة التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان، والمثابرة في الدفاع عنها، كقيم أخلاقية عالمية لا تنازل عنها، بما في ذلك عدم التردد في إظهار منافع وحسنات الحكومات الديمقراطية التي تنأى عن الاستئثار والفساد والتمييز وتخضع للمساءلة أمام شعوبها، وخاصة المساءلة عما قامت به لحماية أرواح الناس في جائحة «كورونا» أو عند كل محنة يتعرضون لها.

الشرق الأوسط

——————————-

أخطار أزمة كورونا على مستقبل العمل/ قاسم البصري

يترافق عيد العمال هذا العام مع ظروفٍ استثنائية خلّفها تفشّي وباء كورونا، وما أعقبه من سياسات الإغلاق وحظر التجوال التي عمّت معظم دول العالم، وهو ما قضى بمرور الأول من أيار (مايو)، بخلاف المعتاد، يوماً عادياً تغيب عنه الصيغ الاحتجاجية والنضالية العمالية التي اتّسم بها، إذ لم نشهد مظاهرات واعتصامات وشعارات دَرَجَ العمال والنقابات على رفعها في الشوارع، مطالبين بتحسين ظروف وشروط العمل. وتتمثّل هذه المطالب اليوم، بشكلها المُلحّ، في ضرورة توزيع الأجور بشكل أكثر عدالة، وتوفير أنظمة ضمان صحي في متناول جميع العمال، وذلك على خلفية انتشار كورونا.

الحال أنّ هذا يأتي في ظلّ مخاوف حقيقية على مصير مئات ملايين العمال حول العالم، وما ستخلّفه أزمةٌ اقتصادية عالمية محتملة في أعقاب الخروج من أزمة كورونا على مستقبل وفرص وظروف العمل وحقوق العمال حول العالم، تفوق بآثارها ما يعانيه العمال جرّاء أزمة كورونا. وكانت منظمة العمل الدولية قد رصدت، في أحدث تقاريرها عن القطاعات الأكثر تأثراً بأزمة كورونا، أنّ ما يعادل 305 مليون وظيفة بدوامٍ كامل سيكون مصيرها الإلغاء في النصف الثاني من عام 2020، وهو معدلٌ يفوق بكثير الأثر الذي أحدثته الأزمة المالية عامي 2008-2009.

أما في ظلّ الوضع المؤقت الذي نعيشه اليوم، فيتأثر بفعل أزمة كورونا أكثر من 81% من القوى العاملة عالمياً، والبالغ عددها 3.3 مليار شخص، جرّاء الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل. كما أنّ فئة العمال الأكثر تضرّراً هي العمالة غير المنظمة، والتي تشمل أكثر من نصف عدد العمال حول العالم. وتقدّر منظمة العمل الدولية أنّ أزمة كورونا قد حرمت 1.6 مليار من هذه العمالة غير المنظمة البالغ عددها 2 مليار عامل من مصدر رزقهم الوحيد، وقد باتت حياتهم مهددة نتيجة عدم وجود مصدر مالي بديل وحرمانهم من إعانات البطالة والرعاية الاجتماعية.

في الجانب الآخر، أدّت أزمة الإغلاق الحالية إلى اتخاذ عددٍ كبير من دول العالم إجراءاتٍ لمساعدة الفئات والقطاعات المتضررة من تعطّل النشاط الاقتصادي، لا سيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وذك في إعادة اعتبارٍ لمفهوم الدولة المُتدخلة في عددٍ من مراكز العالم الليبرالي. ولكن يبقى السؤال حول إمكانية استمرار هذا الدعم بعد الخروج من أزمة كورونا دون الخروج من تبعاتها الاقتصادية، لا سيما أنّ جميع الإجراءات المُتّخذة تركّز على الفترة الحالية، ومن دون تقديم خطط وتطمينات حقيقية للعمال تتعلّق بمرحلة ما بعد الخروج من حالة الإغلاق.

الخوف من أزمة اقتصادية وتغيّر في طبيعة العمل

إنّ أزمة كورونا اليوم، وبالرغم من آثارها القاسية، فإنّها بالنسبة لكثير من العمال مرحلة مؤقتة ستنقضي بعد فترةٍ وجيزة، ومن المأمول أن تعقبها إعادة تدوير العجلة الاقتصادية بما يقتضي إعادة العمال إلى وظائفهم، فضلاً عن توليد فرص عمل جديدة لتدارك آثار التعطّل الحالي. ولكنّ ذلك قد يصطدم بمرحلة ركود اقتصادي عالمي يؤدّي إلى تغيّر في طبيعة سوق العمل، والشروع بتسريح أعداد كبيرة من العمال، وقد بدأت إرهاصات ذلك فعلياً في عددٍ من دول الخليج النفطية ومؤسسات السياحة والطيران، التي شرعت في التخلي عن موظفيها.

وإذا تباطأت الدول في تنسيق جهودها لتجنّب هكذا سيناريو، فإنّ النتائج القاسية والكارثية المترتبة على ذلك خلال النصف الثاني من العام الحالي ستكون بمثابة أزمة فقرٍ عالمية، تُذكّر بالأيام السوداء التي تسبّب بها الكساد الكبير أو أزمة العام 2008 في الحدود الدنيا. وإذا كان بعض المختصين يقلّلون من هذا الاحتمال، فإنّ نظرةً سريعةً على ما حلّ بأسواق النفط الأميركية قبل أيام ستكون مؤشراً على أنّ الأمور ربّما تسير نحو سيناريوهاتٍ تبدو حالياً غير متوقعة وبعيدة عن المنطق.

كما أنّ مستقبل العمالة لا يواجه فقط تهديدات العقابيل الاقتصادية لأزمة كورونا، فهنالك الجزء المتعلّق بالعبر المستخلصة من أزمة وباء كورونا، والتي قد تكون في حدّ ذاتها ذات آثار قاسية على مستقبل العمل والعمال، حيث يتصدّر النقاش هذه الأيام ضرورة التركيز على إشاعة نمط العمل من المنزل واعتماده على نحوٍ واسع، وهو على الرغم من مساهمته في توفير الأموال وتخفيف التلوّث نتيجة تراجع حجم التنقلات، فلا يمكن تجاهل الآثار النفسية والصحية المترتبة عليه، كما أنّه يُعطي الحافز لكثير من المؤسسات لتخفيض الأجور بدعوى انخفاض نفقات العاملين فيها. يُضاف أيضاً أنّ أرباب العمل قد لا يتعاملون مع العمل المنزلي بالتقدير نفسه الذي يحظى به العمل ضمن المساحات المخصصة له.

وفي السياق ذاته، أبرزت الأزمة الحالية حاجةً لدى العديد من القطاعات الإنتاجية إلى ضرورة اعتماد أشكال متقدمة من الأتمتة وزيادة حضور العامل غير البشري فيها، بهدف تجنّب تعطّلٍ مماثلٍ لما تشهده هذه القطاعات حالياً، وهو ما سيعني مستقبلاً تسريحاً متزايداً للعمال، وتقليصاً متزايداً لحجم فرص العمل ومعدلاتٍ أعلى من البطالة.

سياسات المُقرِضين

تحتاج كثيرٌ من الاقتصادات خلال المرحلة المُقبلة إلى الحصول على أموال عبر الاقتراض من مؤسسات دولية لتجاوز آثار أزمة كورونا والتراجع الاقتصادي، ولذا ستلجأ عشرات الدول إلى صندوق النقد الدولي أملاً في الحصول على أموالٍ تساعدها في إعادة مزاولة النشاط الاقتصادي واستعادة حركة الإنتاج. وستكون هذه الدول مُضطرةً لتطبيق سياسات الصندوق، التي غالباً ما تترافق بشروطٍ متعلّقة بإعادة هيكلة قطاع العمل والاستغناء عن أجزاء من العمالة لترشيق القطاعات المستفيدة من القروض وتحسين إنتاجيتها، وبذلك ستنعكس المشاكل الحكومية المتمثلة في سوء إدارة وتوظيف القوى العاملة، وهو حال معظم الدول النامية، إلى تهديدٍ حقيقي سيكون ضحيته شريحة العمال في هذه الدول، وهو ما تُحذر منه منظمة العمل الدولية، معتبرةً أنّ التحدّي الأكبر بعد الخروج من أزمة كورونا هو اتّباع إجراءات دولية موحّدة تُفضي إلى محافظة العمال والموظفين على مصادر دخلهم، وهي المطالب التي اعتاد العمال رفعها في مثل هذا اليوم من كلّ عام، غير أن فيروس كورونا قد حرمهم من التعبير عنها في الفضاءات العامة.

موقع الجمهورية

———————————–

كيف يتغذّى الإرهاب على أزمة كورونا؟/ داليا زيادة

ينتعش الإرهاب في الفوضى، وليس من فوضى أكبر ولا أكثر ألماً من سلسلة الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حملها فيروس كورونا إلى عالمنا. ومع انشغال الحكومات، في كافة أنحاء العالم، بمحاربة الفيروس وآثاره المدمرة على الإنسان وجودة الحياة البشرية على الأرض. الإرهاب

استغلّ الجهاديون الفرصة في إعادة بناء تنظيماتهم الإرهابيّة ومواصلة أنشطتهم التخريبية عن طريق تعظيم معاناة البشر، خصوصاً في المناطق التي تعاني بالفعل من ويلات الفقر والحروب الأهلية والضعف الحكومي.

حذّرت الأمم المتحدة، في بيان صادر عنها، الشهر الماضي، من أنّ الإرهاب ما زال يشكّل تهديداً، وقد تجد الجماعات الإرهابية في الأزمة الحالية فرصة لضرب الأمن، بينما تنشغل معظم الحكومات بمحاربة الوباء العالمي.

وبنهاية الشهر الماضي أيضاً، أصدرت تنظيمات إرهابية، أشهرها القاعدة وداعش، نشرات إرشادية يحرّضون فيها اتباعهم على استغلال أزمة فيروس كورونا في إعادة إحياء أنشطتهم وتوسيع نطاق عملياتهم، بعد أن خفّ الضغط عليهم من قبل قوّات الأمن وقوّات مكافحة الإرهاب المحليّة والعالميّة، وقد جاءت هذه النشرات بعد أن قامت قوّات التحالف وقوّات الناتو بسحب كتائبها من الشرق الأوسط ومناطق أخرى، معلنين تجميد أنشطتهم لمدة شهرين على أمل انتهاء العالم من التعامل مع أزمة الوباء.

فقد زاد نشاط تنظيم داعش على الإنترنت، منذ بداية الأزمة، بحيث يستخدم عناصر التنظيم “الترند” و”الهاشتاج” المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي العربية في نشر مواد إعلامية جذّابة، يستهدفون بها الشباب العربي، من أجل الترويج لصورة وأفكار التنظيم واكتساب مؤيدين وتجنيد عناصر جهادية جديدة. أغلب هذه المواد في بداية الأزمة كانت تروّج للفكرة العدائية القائلة، بأنّ فيروس كورونا هو شكل من أشكال “غضب الله على الكفار” والمقصود هنا بالطبع هو غير المسلمين في الشرق والغرب، في رسالة تحريضيّة واضحة. الإرهاب

لكن الأمر المؤسف حقاً هو أنّ نسب مشاهدة هذه المواد الإعلاميّة المضلّلة وشديدة الخطورة قد زاد عن نسب مشاهدتها في أيام ما قبل أزمة كورونا، وهذا مؤشر خطير على أنّ التنظيمات الإرهابية، خصوصاً صاحبة التواجد الكبير على الإنترنت مثل تنظيم داعش، أصبحت احتمالات نجاحها في تجنيد عناصر إرهابية جديدة من بين الشباب العربي أكبر، لا سيما في ظلّ حالة الإحباط واليأس التي يمر بها أغلب سكان الكوكب الآن بسبب انتشار البطالة الناتجة عن حالة الشلل الاقتصادي التي تسببت فيها سياسية الإغلاق العام التي طبقتها أغلب دول العالم، عملاً بإرشادات “التباعد الاجتماعي” الصادرة عن منظّمة الصحة العالميّة.

وليس الأمر أقلّ خطورة في العالم الحقيقي، حيث أنّ مخاطر الوباء المهدّد للإنسانية لم تردع التنظيمات الإرهابية عن استئناف عملياتهم التخريبية، خصوصاً في أفريقيا والشرق الأوسط، جماعة بوكو حرام تعيث فساداً في غرب أفريقيا منذ فبراير دون أن تجد من يتصدّى لها، وتنظيم داعش استأنف عملياته الإرهابية في كل من العراق وسوريا، خصوصاً في المدن الشمالية، وفي مارس حاول بعض عناصر التنظيم المحتجزين في الحسكة، شمال شرق سوريا الهرب من السجن بالفعل ولم ينجحوا، وفي مصر نشرت وكالة “أسوشيتد برس” نقلاً عن مصادر بالجيش المصري، إنّه كان هناك ارتفاع واضح في وتيرة الهجمات الإرهابية في شمال سيناء أثناء شهر مارس، فضلاً على عدد آخر من الهجمات المحتملة التي أحبطتها قوات الأمن المصريّة في نفس المنطقة المشتعلة.

حتّى إنّ جماعة الإخوان المسلمين، التي يحلو لقياداتها تكرار أكذوبة أنّها جماعة سياسية وليست إرهابيّة، سعت، هي ومن ورائها من دول راعية للإرهاب، إلى استغلال أزمة كورونا في إحداث اضطرابات أمنية داخل العاصمة المصرية، القاهرة، أثناء احتفال المواطنين المسيحيين بأسبوع الآلام، في منتصف أبريل، وقد اكتشفت قوّات الأمن المصرية المخطّط، وحدّدت موقع الخليّة الإرهابيّة في حي الأميرية شرق القاهرة، ومخازن الأسلحة التابعة لهم في حي المطرية، والتي كانوا يخطّطون لاستخدامها في القيام بسلسلة من عمليات القتل وسرقة الممتلكات واختطاف المدنيين، أثناء احتفالات أسبوع الآلام، من أجل إثارة الذعر وإحداث حالة من الخلل الأمني في البلاد، وفي يوم ١٤ أبريل قامت قوّات الشرطة بمداهمة موقع اختباء الإرهابيين وتصفيتهم بعد تبادل إطلاق النار بين قوّات الأمن والإرهابيين لأكثر من خمس ساعات. وبالرغم من أنّ بيان وزارة الداخلية المصرية لم يذكر تفاصيل كثيرة عن هوية عناصر الخلية الإرهابية، إلّا أنّ ثلاث مؤشرات رئيسة ترجّح انتماء عناصر خليّة الأميرية لجماعة الإخوان المسلمين.

أوّل المؤشرات يتعلّق بأليّة التنفيذ ومواصفات العناصر المكلفة بالتنفيذ، حيث إنّ كل عناصر الخليّة الإرهابيّة بالأميرية هم متوسطي العمر، وكانوا يعيشون في هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها منذ أكثر من عشرة أعوام، ونفس هذه المواصفات تنطبق على القيادات الوسطى لجماعة الإخوان الذين قاموا بأنشطة تخريبية متعددة في الفترة ما بين ٢٠١٣ و٢٠١٥، وهذه المواصفات تخالف كثيراً مواصفات العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم داعش مثلاً، حيث إنّه من واقع كل العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم داعش في داخل مصر، في السنوات السابقة، كانت العناصر المنفذة للعملية من الشباب الصغار بالعمر وينفذون عمليات انتحارية أحادية بطريقة الذئاب المنفردة، وليس في صورة مجموعات لديها مخطط تخريبي متعدّد المراحل.

ثاني المؤشرات يتعلّق بموقع المخبأ الذي اختارته الخلية الإرهابية في حي الأميرية، ومخزن الأسلحة التابع لهم في منطقة المطرية القريبة، حيث إنّ حي المطرية كان هو نقطة التجمّع والانطلاق الأشهر لدى عناصر الإخوان المسلمين، وسبق وحدث فيه الكثير من الاشتباكات المسلّحة بين قوّات الأمن وعناصر الجماعة في فترة الفوضى الأمنية التي تبعت مرحلة الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، عام ٢٠١٣، وكان حي المطرية مخبأ أمن للقيادات الوسطى للجماعة نظراً لتزاحم عدد السكان الكبير به.

وثالث المؤشرات وأهمها، هو حالة الهلع التي أصابت قيادات الإخوان المسلمين الهاربين إلى قطر وتركيا، حيث أخذوا يروّجون عبر قناة الجزيرة القطرية وبعض القنوات التركية الموجهة للعالم العربي، وحتى من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ الخلية التي هاجمتها الشرطة كانت لمدنيين عزل من “المختفين قسرياً” وأن قوّات الشرطة قتلتهم رغم براءتهم، وهذا ما كذبته الفيديوهات المسجلة لعملية الاقتحام ومخازن الأسلحة والاشتباكات المسلحة بين القوّات والإرهابيين.

وهذه النقطة الأخيرة، تحديداً، تأخذنا للسؤال الأهم عن الدول الراعية للإرهاب مثل قطر وإيران وتركيا واستمرارها في تقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً بالعالم، رغم الأزمة المؤلمة التي تمر بها الإنسانية، فقد ذكر موقع قطريليكس، أنّ مصادر أمنيّة مصرية كشفت عن أنّ الخليّة الإرهابيّة بالأميرية كان قد وصلها السلاح والمبالغ المالية لتنفيذ مخططها، عبر أحد العناصر الإخوانية الذي تسلمها من الدوحة.

إنّ التنظيمات الإرهابيّة، على اختلاف أشكالها ومسمياتها ومشاربها، لن تتوقف عن ضرب الأمن والسلم العالميين، حتى في وقت يعاني منه سكان الأرض من الضعف واليأس الذي خلفته أزمة الوباء العالمي، بل إنّ هذا الضعف والانهزاميّة وفقدان الأمل والرؤية المستقبلية هو بالضبط ما خلق الفجوة التي استطاع الإرهاب النفاذ من خلالها لاستعادة قوته واستئناف نشاطه في تدمير النظام العالمي.

ولعلّ أفضل وسيلة للتعامل مع ضربات الإرهاب المتوقّع أن تتزايد مع الوقت، هو التعجيل في أقرب وقت ممكن بعودة الحياة لطبيعتها والسماح لآلة الاقتصاد أن تستعيد عافيتها ولروتين الحياة اليومية للأفراد أن يعود بشكل طبيعي. حتماً هناك طريقة ما يستطيع بها المجتمع الدولي النجاح في مكافحة الوباء دون الاستمرار في فرض قيود على حركة البشر وحظر الأنشطة العامة لفترات مطوّلة، لا سيما في ظلّ عدم وجود تاريخ محدّد يبشّر بنهاية واضحة لهذه الأزمة أو حتى انحصارها. إنّ سياسة الإغلاق العام، المطبقة في أغلب العالم، لم تنجح حتّى الآن في احتواء الوباء، بقدر ما وفرت المناخ المثالي للتنظيمات الإرهابيّة لتنمو وتزدهر في ظلّ حالة الانهزاميّة التي تصيب البشرية الآن على كل المستويات.

ليفانت – داليا زيادة

——————————

إيطاليا الحزينة المرعبة في “غموض وكآبة الشارع” لدي كيريكو/ إبراهيم العريس

مرة أخرى عن الحياة القاسية التي تقلّد الفن وتفسّره

تكون جالساً عند المساء أمام شاشتك الصغيرة، التي لم يعد لمعظمنا من نافذة غيرها مفتوحة على العالم في هذه الأيام، التي أُرغمنا فيها على البقاء معزولين، محجوراً علينا في بيوتنا مثلنا في هذا مثل مئات الملايين من البشر. فجأة تبدأ الشاشة بثّ صور من “العالم الخارجي” تحديداً إيطاليا، البلد الذي تعرف جيداً أنه كان يضج بالحياة كما لا يحدث في أي بلد أوروبي آخر.

فبالمقارنة مع غيرها من البلدان الأوروبية، تعتبر إيطاليا بلداً شديد المتوسطية، يعيش ناسُه في الشارع، ويقصده مئات ألوف الغرباء، آتين من كل مكان، منجذبين إلى تلك الحيوية بالتحديد، وإلى الصخب المتلألئ الذي لطالما عبّرت عنه السينما بأفضل ما يكون، ولطالما نقلت شاشات التلفزيون ذلك كله، ما يُشعر المرء أن الدنيا في خير.

استنهاض الذاكرة

لكن، عند العشيات التي نشير إليها هنا، ليس ثمة شيء من هذا. بل شوارع خاوية كئيبة لا يعبرها حتى القطط أو الكلاب، وبدلاً من أن تسأل نفسك السؤال الذي تعرف جوابه تماماً: ما الذي يحصل؟ تجدك تسأل نفسك سؤالاً آخر تماماً: أين رأيت هذا المشهد الإيطالي نفسه، أو ما هو شبيه به من قبل؟ أفي إيطاليا نفسها؟ أبداً بالتأكيد.

ولمّا كان المشهد إيطالياً ولا شيء سوى إيطاليّ، تستبعد أن يكون ما سبق لك مشاهدته مرتبطاً بأيّ بلدٍ آخر. من هنا لا بدّ من أن يتجه فكرك ناحية السينما، وتروح مقلّباً ذكرياتك وأفكارك. أبداً هذه المشاهد لم تُشاهَد في أي فيلم. وتبرق الذاكرة فجأة لتحيلك إلى صور أخرى: صور لوحات تشكيلية. ويبرز أمام عينيك الاسم الذي يصبح منذ تلك الثانية بديهياً: جورجيو دي كيريكو، وتتداعى أمام ناظريك مشاهد من لوحات هذا الفنان الذي يبدو اليوم وكأنّ مهمته أن يؤكد من جديد كم أن الحياة تقلّد الفن بمقدار ما يقلّد الفن الحياة.

ولئن كان في إمكاننا أن نتذكّر في السياق نفسه وفي المناسبة ذاتها لوحات عديدة، ستبدو لنا بالمقارنة مع لوحات دي كيريكو متخمة بالواقعية إلى حد وصفها من قِبل بعض المؤرخين بكونها “مفرطة في واقعيتها”، تنتمي إلى نتاجات الفنان الأميركي إدوارد هوبر، الذي عمّ الحديث عنه في هذه الأيام تحديداً لتصويره عزلة الأفراد واللاتواصل في ما بينهم بما في ذلك حين يكونون في مكان واحد معاً، راجع لوحته “صقور الليل” (1942)، فإننا سنتوقّف هنا عند واحدة من أكثر لوحات دي كيريكو شهرة من ضمن لوحاته التي نقلها وباء كورونا الذي “تميّزت” به إيطاليا خلال الأشهر الأخيرة، ومع الأسف، من خانة الفن السوريالي إلى خانة الفن الواقعي مرة واحدة وربما في غفلة عن الزمن والتصنيفات الأكاديمية. ولوحة دي كيريكو التي تعنينا هنا هي تلك التي تحمل أكثر العناوين إيحاءً: “غموض وكآبة الشارع”.

من معجزات الفن الصغيرة

هذه اللوحة التي كانت لأشهر خلت، ومنذ رُسمت قبل أكثر من قرن، تحديداً في عام 1914، تعتبر غامضة يتوه مشاهدها بين ما تمثل من منظر وما تحمل من عنوان وتتنافى في مناخها مع المشهد الإيطالي العام، باتت اليوم واضحة تماماً، منطقية تماماً، وكأنها جزءٌ من نشرة أنباء الثامنة مساءً. أولسنا من جديد أمام ما يمكننا أن نسميه “معجزات الفن الصغيرة”؟

مَنْ يعرف أعمال دي كيريكو يدرك أن هذه اللوحة ليست متفرّدة في أعماله. فعديدة هي أعماله التي صوّرت مشاهد مشابهة لساحات كئيبة خاوية وظلال مرعبة، وتماثيل لا ينقصها إلا الكمامات التي باتت جزءاً من زيّنا الكوزموبوليتي المعمّم في هذه الأيام. وحسبنا أن نتذكّر لوحات له مثل “عزلة” (1912)، و”ملذات الشاعر” (1912)، و”آريان” (1913)، و”حنين اللانهاية” و”البرج الكبير” و”لغز يوم” (1914)، واللائحة تطول.

ومع هذا، تبقى اللوحة التي نتحدّث عنها هنا من أقوى أعماله وأكثرها إثارة للرعب وتواكباً مع الصمت الذي غالباً ما هيمن على لوحات الفنان. فما الذي لدينا في هذه اللوحة التي يبلغ ارتفاعها 87 سم، ويزيد عرضها قليلاً على 71 سم؟ واحد من المشاهد المدينية المعتادة لدى دي كيريكو، تتوزّع بين الظل العتم والضوء الساطع، شبح وعمود غامضان قادمان مهددان من خلف اللوحة، وحافلة متوقفة مفتوحة لا ندري لماذا. ثم فتاة صغيرة تسيّر عجلتها غير عابئة بشيء، أو لنقل غير متنبهة إلى شيء. هذا كل ما في الأمر تقريباً. إذ هناك أيضاً ذلك التهديد الخفيّ الذي قد يبدو لنا هنا وباءً منتشراً أبعد الناس عن المكان تاركاً ربما الموت أو التهديد به مخيّماً، أو الاختيار بينه وبين اللجوء إلى الحافلة.

نحو الوضوح المباغت

لأشهر خلت لم يكن من المنطقي تفسير اللوحة وما فيها إلى هذه الدرجة من الوضوح المنطقي، لكن اليوم تبدو الأمور متبدّلة. أفلم نقل لكم كم أن الحياة باتت تقلد الفن مستجيبة إلى شروطه إن لم نقل لنزواته؟ مهما يكن من أمر كان يمكننا لأشهر قليلة خلت أن نقول أيضاً بصدد الحديث عن جورجيو دي كيريكو إنه يعتبر الأكثر جرمانية والأقل إيطالية بين كبار الرسامين الإيطاليين في القرن العشرين. فهذا الرسام الذي ولد عام 1888 بمدينة نولو في منطقة تيساليا لوالد كان يعمل مهندساً في شركة إيطالية تتولى بناء خط السكة الحديد هناك، قضى طفولته وصباه في ميونيخ بعد موت أبيه، إذ إن أمه بدلاً من أن تعود إلى إيطاليا بعد موت الأب اصطحبت ولديها جيورجيو وألبيرتو (الذي أصبح لاحقاً واحداً من كبار الروائيين الإيطاليين، سيشتهر كذلك ناقداً وباحثاً في الموسيقى) إلى العاصمة البافارية حيث استكملا تعليمهما.

وهناك في ميونيخ، حيث التحق جورجيو بأكاديمية الفنون الجميلة كُتِب له وسط صخب الحياة الفنية الألمانية في ذلك الحين، أن يتشبّع بكل الأساليب الرمزية والتعبيرية، ما يعني أن دي كيريكو امتزج لديه الفن بالتعبيرات الأسطورية والسيكولوجية التي كانت تسود الفن الألماني في تلك المرحلة، التي كانت تتواكب مع اكتشافات فرويد في ميادين التحليل النفسي.

وإضافة إلى ذلك لا بدّ من أن نشير إلى أن دي كيريكو، وقبل أن يواصل المسيرة الطبيعية لأي فنان أوروبي في ذلك الحين ويتوجّه إلى فرنسا، أحسّ بهزة عنيفة في كيانه منذ اكتشف للمرة الأولى كتابات نيتشه، فكان أن استشعر، وعبّر لاحقاً في لوحاته عن انفعالات استثنائية، وجدت أشكالها في البيئة المدينية لمدينة تورينو التي عاش فيها ردحاً من شبابه، وحقق فيها أولى لوحاته المعروفة.

إيطاليا رغم كل شيء

إذن، في تورينو وفي 1910 كانت بداية دي كيريكو الحقيقية المازجة بين كوابيس التعبيرية والألوان الإيطالية والدلالات الفلسفية المستقاة من نيتشه. لكن في العام التالي 1911 توجّه دي كيريكو إلى باريس حيث تعرّف، أول ما تعرّف، إلى ماكس جاكوب وبيكاسو وأبولينير، وبدأت أصالة لوحاته وغرابتها تلفت إليه الأنظار.

وهناك في باريس راح دي كيريكو يحقق تلك اللوحات الغامضة التي كانت، إلى حد ما، جزءاً من مكونات الحركة السوريالية في باريس. ونظر النقاد إلى أعماله باعتبارها أعمالاً منطبعة بطابع ميتافيزيقي غير خفيّ، خصوصاً أنّ الرسام عبّر فيها عن كآبة تطغى على أعماق روحه وعن هواجسه الذهنية وعن إشراقاته الداخلية في آن. وحتى 1914 كانت لوحات دي كيريكو على أي حال تعبِّر عن تلك الإشراقات باللجوء إلى رسم الساحات الإيطالية والأصنام البشرية والأبراج المنتصبة تحت لهيب شمس ساخنة.

وفي جميع الأحوال، فإنّ بداية الحديث الجدي عن تيار الرسم الميتافيزيقي لم تبدأ إلا بعد أن عاد دي كيريكو إلى إيطاليا، فالتقى هناك شقيقه ألبيرتو سافينيو، وقد أضحى كاتباً كبيراً، وبدأت لديه مرحلة اللوحات الداخلية الميتافيزيقية، ذات الفن الروحاني الملفت، التي كان من الواضح أن مسعى دي كيريكو الأساسي فيها، إنما يتوخّى نوعاً من الوصول إلى سلام داخلي وصلح مع الذات. بالتالي فإنّ رحلته مع السورياليين لن تطول. في 1926 كانت القطيعة معهم، لكنهم ظلوا مع ذلك يكنون له احتراماً كبيراً، وبخاصة في ما يتعلق بأعماله الكبيرة التي سبقت انضمامه إليهم!

وفي 1929 نشر دي كيريكو رواية وحيدة عنوانها Hebdomeros كانت نوعاً من التعليق على تجربته التصويرية والعقلية. صحيح أنّ دي كيريكو لن يرحل عن عالمنا إلا في عام 1978، لكنه لم يعش طوال أكثر من نصف قرن من حياته إلا على مجد سنواته السابقة، ولم ينتج طوال عقود عدة ما يجعل له مكانة غير المكانة التي حققها في بداية حياته الفنية.

————————————

هذه حقيقة تسرب فيروس “كورونا” من معهد ووهان.. وما علاقة “الخفافيش” وترامب؟/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لفريق من المراسلين أكدوا فيه عدم وجود أدلة على انتشار فيروس كورونا من مختبر في ووهان.

وقالوا إن السلطات الصينية قامت بأبحاث مكثفة على وطواط قاتل، لكن لا توجد إشارات على أن الفيروس تسرب من المختبر.

وتقول الصحيفة إن فريقا من الباحثين الصينيين قاموا ومنذ عقد من الزمان بإجراء أبحاث معمقة على الخفافيش أو الوطاويط والأمراض التي تحملها وتجولوا لهذا الغرض في كل أنحاء الصين. ودخلوا المغاور وألقوا القبض على الحيوان المسلح بأسنان حادة وأخذوا ما تبرز به. وقاموا بصيد الذباب والفئران التي تعيش قريبا من الوطاويط، وأخذوا عينات دم من القرويين الذين يصطادون الوطاويط للأكل أو لاستخدامها في تصنيع الأدوية. وعادوا إلى مختبرهم المتقدم جدا وسط الصين بعينات من الدم وقوارير.

واحتوت عيناتهم في بعض الاحيان على فيروس كورونا الذي لم يكن معروفا للعلم بعد. واستطاع مراسلو الصحيفة التوصل إلى أبحاث علماء ووهان من خلال 40 دراسة علمية أكاديمية تصف بشكل موسع وتوثق الجهود التي حاولت البحث عن علاقة الوطاويط بالأمراض التي انتشرت في الفترة الأخيرة داخل الصين. وتكشف الدراسات عن المخاطر الناجمة عن انتقال مسببات الأمراض من داخل الحيوانات إلى الإنسان. ولكن البحث كان محفوفا بالمخاطر، حيث يقوم الباحثون العلميون بتسهيل انتقال الفيروسات التي يحاولون منعها للإنسان.

ونشرت المخابرات الأمريكية يوم الخميس تقييمها النهائي حول انتشار الفيروس الجديد، وقالت إن فيروس كورونا نشأ من الصين.

وفي الوقت الذي استبعد التقييم نشوء الفيروس بسبب أبحاث قام بها الإنسان أو نتيجة للتلاعب بالجينات، إلا أنه تردد في القول إن الفيروس لم يتسرب من مختبرات في ووهان التي كانت في مقدمة البحث العلمي العالمي حول الفيروسات ومسببات الأوبئة منذ عقد.

وجاء في تقييم مكتب الأمن القومي إن “المجتمع الأمني سيواصل النظر والفحص الدقيق لأي معلومات تحدد منشأ الوباء وإن كان نتيجة للتفاعل بين الإنسان والحيوان المصاب أم تسرب بشكل عرضي من مختبر بووهان”.

وتعلق الصحيفة أن منشأ فيروس كورونا الجديد مغلف بالغموض خاصة منذ ظهوره في الصين قبل خمسة أشهر. وفي الوقت الذي لا يستبعد فيها المحللون الاستخباراتيون والخبراء العلميون نظرية هروبه من مختبر بحثي، إلا أنه لا أدلة تؤكد هروبه من مجمع مختبرات ووهان. ويقول الباحثون أن المصدر الحقيقي له جاء نتيجة للتواصل الطبيعي: تفاعل غير معروف تم في الخريف الماضي سمح للفيروس أن يقفز من الحيوان إلى الإنسان.

ويقول جيسون راو، المستشار السابق لباراك أوباما في شؤون السياسات “على أكثر احتمال كون أمنا الأرض متقدمة علينا خطوة للأمام وقامت بخلق مسبب للمرض جديد يستطيع الانتقال من إنسان إلى إنسان”.

ونفى الباحثون والمسؤولون في الصين وبشدة أن يكون مجمع الأبحاث في ووهان والذي يضم وحدة مؤمنة ويعرف بمعهد ووهان للفيروسات مصدر انتشار الفيروس. وتقول مديرة المعهد الخبيرة المعروفة شي جينغلي إن المعهد لم يكن لديه “سارز- كوف- 2” الذي أدى إلى وباء عالمي أصاب 3 ملايين شخص، وقالت إنها “تراهن على حياتها” وتؤكد أن الوباء “لا علاقة له بمختبر”.

وتظهر الأبحاث العلمية التي قامت “واشنطن بوست” بمراجعتها حدوث عدد من المواجهات بين الإنسان والحيوان الذي يحمل فيروسات قاتلة، بما في ذلك مسببات لفيروس كورونا. ففي الوقت الذي ارتدى فيه الباحثون القفازات والأقنعة الواقية واتخذوا الإجراءات الوقائية الأخرى، إلا أن الباحثين الأمريكيين الذين راجعوا الأوراق، يقولون إن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لمنع التواصل في المغارة أو المختبر.

كما أن المخاطر ليست محصورة بالتفاعل مع الحيوانات، بل وأثناء القيام بدراسات روتينية تتطلب استخراج الفيروسات من براز الوطواط وتربيتها على أعداد لاستخدامها في عدد من التجارب.

وفي بعض الأحيان يقوم الباحث بنزع مادة من عدد من فيروسات كورونا لخلق وهم يمكن من خلاله إصابة خلايا الإنسان في التجربة المخبرية. وسدّت أبحاث العلماء الصينيين ثغرات في المعرفة العلمية حول الفيروسات ودفعتهم للتحذير مرارا من إمكانية ظهور موجات أمراض تشبه سارز ينتقل من الحيوان إلى الإنسان.

ومع كل تجربة هناك مخاطر التواصل العرضي لفيروس قاتل، وهذا يحدث في كل مكان بما في ذلك الولايات المتحدة. وخصص المعهد الوطني للصحة وكذا وزارة الدفاع وعدد من المؤسسات الطبية في السنوات الماضية ملايين الدولارات من أجل البحث في فيروس كورونا داخل الوطاويط. وتعاون بعض الباحثين الأمريكيين مع زملائهم في معهد ووهان.

ويقول لين كلوتز الزميل البارز في مجموعة التحكم بالسلاح ومنع انتشارها، المنظمة غير الربحية في واشنطن: “حتى لو كان المختبر مؤمنا من الناحية الفنية فلا يمكنك استبعاد خطأ بشري”.

وأضاف: “الأخطاء تحدث، وفي 70% يكون للإنسان دور فيها”. وتظهر السجلات حوادث متعددة في المختبرات الأمريكية، بعضها في أبحاث الميكروبات ومسببات أمراض مرتبطة بالأنثراكس وإيبولا والطاعون.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه سجلات صينية مثل الأمريكية، إلا أن الأوراق تكشف عن قصور متعدد في التدريب وأمور الرقابة الأمنية في معهد ووهان. ويقول يوان جيمنغ، الباحث الكبير في المعهد: “عادة ما يتم إهمال كلفة الصيانة، كما أن معظم سلامة المختبرات البيولوجية لا تملك تمويلا للقيام بهذه العمليات الروتينية” وأضاف أن معظم المختبرات “ليس فيها مدراء أو مهندسون للأمن البيولوجي”.

ويقول ريتشارد إيبرايت، استاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية بجامعة رتغر، إن زعم عدم تورط المختبر بنشر الفيروس “لا يملك مصداقية”.

ويقول ديفيد ريلمان، أستاذ علم الميكروبات بجامعة ستانفورد، إن انتشار الوباء يدعو إلى إجراءات لمعايير شاملة ومراقبة للأبحاث التي تتعلق بالفيروسات المسببة للأمراض، وأضاف أن هناك عددا من الأمثلة عن حوادث المختبرات بما فيها مركز السيطرة على الأمراض وأماكن أخرى، ولا يمكن تجنبها؛ لأن الإنسان غير متناسق ويمكن حرف نظره، ورغم إمكانية تسرب من هذا النوع، لكننا لا نملك دليلا على خروج الفيروس من معهد ووهان.

ولا يزال منشأ الفيروس في ووهان أمرا نسبيا، وفي آذار/ مارس نشرت دراسة مهمة بمجلة “طب الطبيعة” وقللت من إمكانية وقوع حادث: “لا نعتقد بإمكانية سيناريو يتعلق بمختبر”. ووصف الباحثون الذين عملوا مع شي وغيرها من الباحثين بالحذر والدقة في عملهم.

وقالت مورين ميلر، الباحثة في الأوبئة المعدية وعملت مع شي كجزء من برنامج مولته الولايات المتحدة لأبحاث الفيروس، إن نظرية نشوء الفيروس في مختبر ما هي إلا “نظرية مؤامرة بالكامل”، ووصفت شي بـ “الرائعة” وهي “باحثة دقيقة” و”هي مكرسة جدا لمنع أي سيناريو يحدث الآن”.

وزادت المخاوف من جعل شي والعلماء الصينيين كبش فداء عندما ضغط ترامب على المخابرات الأمريكية للبحث عن دليل يربط الفيروس بووهان.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم الخميس، أن بعض المحللين يخشون من تشويه الإدارة الأمريكية التقييمات حول الفيروس كوسيلة لحرف اللوم عنها وتحميل الصين المسؤولية، خاصة أن الوباء أصاب أكثر من مليون أمريكي وقتل أكثر من 60 ألف شخص.

وقال ترامب في مؤتمره الصحافي يوم الخميس، إن لديه دليلا يربط مختبر ووهان بالفيروس دون تقديم تفاصيل.

وفي جلسة مغلقة بين المشرعين والمسؤولين الأمنيين، تحدث هؤلاء عن محاولات صينية في البداية للتستر على خطورة الفيروس، ولكنهم أكدوا أنهم لم يطّلعوا على دليل عن محاولة السلطات الصينية التغطية على حادث في ووهان.

وقال مسؤول أمني: “ما نعرفه أنه نشأ بشكل طبيعي” و”نعرف أنه جاء من ووهان ولكن هناك تكهنات، هل جاء من السوق؟ هل جاء من المختبر؟ لا نعرف”.

وبدأ اهتمام مختبر ووهان بالوطاويط قبل 25 عاما، عندما بدأ الباحثون يركزون على منشأ حالات ضيق تنفس أصيب بها الآلاف بداية القرن الحالي. وتوصل الباحثون إلى أن منشأ الفيروس جاء من وطاويط تعيش في منطقة يونان.

وتم تأكيد أن الوطواط هو مخزن لعدد من الأمراض الحيوانية. وعلى مدى السنوات الماضية قام الباحثون الصينيون بدراستها وأحيانا بالتعاون مع زملاء من أمريكا، أستراليا أو غيرها.

وكان الباحثون يرتدون في الميدان مناظير وقفازات مانعة وأقنعة “إن 95” التي يرتديها العمال الصحيون في المستشفيات. ولكنها إجراءات غير كافية، فلا يمنع من خدش الوطواط الواقيات، علاوة على أن كمامة “إن 95” لا تستطيع منع كل الفيروسات.

القدس العربي

—————————-

الصحة العالمية تطلب من بكين “دعوتها” للتحقيق بمصدر كورونا

أعلنت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، أنها تأمل بتلقي دعوة من بكين للمشاركة في تحقيقاتها بشأن المصدر الحيواني لفيروس كورونا الجديد، في وقت نفت الصين الادعاءات التي تفيد بأن الفيروس تسرب من مختبر مدينة ووهان.

وقال المتحدث باسم الهيئة الدولية طارق ياساريفيتش، في رسالة لوكالة “فرانس برس” عبر البريد الإلكتروني، إن “منظمة الصحة العالمية ستكون متحمسة للعمل مع الشركاء الدوليين، وبدعوة من الحكومة الصينية، للمشاركة في التحقيق بشأن المصادر الحيوانية” للفيروس.

ويأتي هذا بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس، أنّه يُفكّر في فرض رسوم عقابيّة على الصين، بعدما قال إنّه اطّلع على أدلّة تشير إلى أنّ فيروس كورونا مصدره مختبر في ووهان الصينية كان قد اتُهم في الآونة الأخيرة بالافتقار إلى الشفافيّة.

ونفى المتحدث باسم الخارجية الصينية قنغ شوانغ، الادعاءات التي تفيد بأن فيروس كورونا تسرب من مختبر مدينة ووهان.

وقال شوانغ، في تصريح صحافي اليوم الجمعة، إن مختبر ووهان “غير قادر على تصميم وخلق فيروسات كورونا، وأنه لم يفعل ذلك مطلقاً”، مضيفاً أن المختبر يحقق جميع التدابير الوقائية والسلامة البيولوجية لمنع تسرب أي مسببات للأمراض، مضيفا أن “الادعاءات لا أساس لها من الصحة ومزيفة تماماً”.

وذكر شوانغ أن مصدر الفيروس مشكلة علمية معقدة، وأنه يجب فحصها من قبل العلماء والأخصائيين، منتقداً تصريحات السياسيين الأميركيين حول تحميل الصين مسؤولية الوباء العالمي، داعياً الولايات المتحدة لقضاء وقت أكثر من أجل السيطرة على الوباء.

وفي تطور لافت يتصل بالجدال بين واشنطن وبكين، أعلنت الاستخبارات الأميركية، الخميس، أنّها توصلت إلى خلاصة مفادها أنّ فيروس كورونا “ليس من صنع الإنسان ولم يُعدّل جينيّاً”. وتُواصل الأجهزة الاستخباراتية بحثها لـ”تحديد ما إذا كان الوباء بدأ باحتكاك مع حيوانات مصابة أو أنّه نتيجة حادث مخبري في ووهان” الصينية.

وردّاً على مراسل في البيت الأبيض سأله عمّا إذا كان قد اطّلع على أدلّة تجعله يعتقد جدّياً أنّ معهد ووهان للفيروسات هو مصدر جائحة كورونا، قال ترامب “نعم”، بحسب “فرانس برس”.

وأضاف ترامب “إنّه شيء كان يمكن احتواؤه في مكان المنشأ. وأعتقد أنّه كان من الممكن احتواؤه بسهولة كبيرة”.

ولم يحدّد الرئيس الأميركي ماهيّة الأدلّة التي اطّلع عليها في هذا السياق، لكنّه أشار إلى أنّه قد يفرض على الصين “رسوماً جمركيّة” عقابيّة.

تفاقم الخلاف الصيني – الأسترالي

والسبت الماضي، أعلنت المتحدثة باسم السفارة الصينية لدى لندن، شين وان، أن بلادها ترفض بشكل كامل أي تحقيق دولي حول مصدر فيروس كورونا الجديد وظروف نشأته، بعد تصاعد الاتهامات الموجهة إليها في الغرب حول تقصيرها في منع تحوّل الفيروس إلى جائحة.

ووصفت وان الهدف من مطالبة بعض الجهات بإجراء تحقيق في الأمر، بأنّه “سياسي”، رافضة الادعاء بأن معرفة مصدر الفيروس ونشأته ستساعد في التعامل معه ومواجهته.

وتمسك رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، اليوم الجمعة، بمطلبه بإجراء تحقيق لتحديد أصل فيروس كورونا، نافياً أي دوافع غير منع مثل هذه الجائحة من الحدوث مرة أخرى.

وقال موريسون، لإذاعة “سيدني 2 غي بي”: “لا أعتقد أن أي شخص في أي أرض خيالية (لديه شكوك) حول من أين بدأ. لقد بدأ في الصين وما يحتاج العالم إلى معرفته – وهناك الكثير من الدعم لهذا – هو كيف بدأ وما هي الدروس التي يمكن تعلمها”. وأضاف: “يجب القيام بذلك بشكل مستقل، ولماذا نريد أن نعرف ذلك؟ لأنه يمكن أن يحدث مرة أخرى”.

واتهمت الصين أستراليا بالسير وراء الولايات المتحدة في دعوتها لإجراء تحقيق مستقل عن منظمة الصحة العالمية، لتحديد أصل مرض “كوفيد-19”.

واستخدم السفير الصيني تشينغ جينجي مقابلة صحافية أسترالية، هذا الأسبوع، للتحذير من أن إجراء تحقيق قد يؤدي إلى مقاطعة المستهلكين الصينيين من الطلاب والسياح الذين يزورون أستراليا، بالإضافة إلى مبيعات الصادرات الرئيسة، بما في ذلك لحوم البقر والنبيذ.

وكانت الحكومة الأسترالية قد أعلنت أن رئيس الوزراء طلب الدعم لفتح تحقيق دولي بشأن الجائحة، في اتصالات هاتفية مع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وأمس، الخميس، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين، سابقين وحاليين، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تضغط على وكالات الاستخبارات للبحث عن أي دليل قد يثبت أن للحكومة الصينية يداً في تخليق فيروس كورونا الجديد ونشره.

وأوضحت الصحيفة أن الضغوطات التي تمارسها إدارة ترامب تذهب باتجاه إثبات فرضية أن الفيروس نشأ في مختبر مدينة ووهان، حيث سجّلت أولى حالات الإصابة واكتشف الفيروس.

وتبعاً لذلك، يبدي محللون في وكالات استخبارات، تحدّثوا للصحيفة، خشيتهم من أن ضغوطات الإدارة قد تحرف الاستنتاجات عن مسارها، ومن ثمّ تستخدم كسلاح سياسي في النزاع المتصاعد مع الصين.

وتسرد الصحيفة أن معظم وكالات الاستخبارات ظلّت متشكّكة حيال إمكانية إيجاد دليل قاطع يثبت فرضية مختبر ووهان، وذلك لأن العلماء، الذين درسوا جينات الفيروس، خلصوا إلى أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن الفيروس انتقل من أحد الحيوانات إلى الإنسان في ظرف غير مختبري، كما كان الحال مع فيروسات مثل “إيبولا” و”سارس”.

جميع حقوق النشر محفوظة 2020

—————————–

أضحى التنائي/ ممدوح عزام

هذا هو مطلع قصيدة ابن زيدون المعروفة حين اشتكى من فراق حبيبته ولّادة بنت المستكفي. يمكن لهذا الشطر وحده أن يكون عنواناً لما نحن فيه منذ أن عمّ وباء كورونا العالم بأسره، وأجبر معظم البشر على اختيار التنائي (أو التباعد) في معظم نواحي الحياة.

لم تعد طرائق التواصل المعتادة محبَّذة: لا المصافحة، ولا العناق، ولا تبويس اللحى والشوارب، صدقاً ومحبّة، أو نفاقاً ومداهنة. وقد يكون المداهنون أكبر الخاسرين، إذ لم يعد بوسعهم خلط الحابل بالنابل، وقد شهدتُ (وسمعت عن) مواقف يُرغَم فيه أولئك الذين اعتادوا أن يقولوا للآخرين بعد أن يخطئوا بحقّهم، أو بحقّ الحق نفسه: “هات لبوس شواربك” على التراجع، أو يُرفَض طلبهم علانيةً ودون مواربة. “كورونا” يقول له الآخر رافضاً أن يتعرّض للعدوى المحتمَلة من المرض، وقد يكون في رفضه جانب مضمر يرفض العدوى من وباء النفاق أيضاً.

كما أن أشكال اجتماعاتنا القديمة لم تعد صالحة، حيث كنّا نلتقي كل يوم، في جلسات حميمة نتبادل فيها الأفكار والمعلومات والأخبار الشخصية عن الأحداث اليومية التي تجري من حولنا بلا توقّف. واستُبدلت الحوارات المباشرة بخطاب أي وسيلة من الوسائل التي يستخدمها البشر.

هكذا في حين تهيمن نصيحة التباعد الاجتماعي على أجواء العلاقات الشخصية في العالم كلّه، تخطو وسائل التواصل الاجتماعي خطوتها الكبرى والأهمّ في تاريخها.

لا أحد يشتم تلك الوسائل اليوم، فقد حقّقت، في شهر ونصف، من المصداقية ومن الخدمات أكثر مما حقّقته طوال السنوات التي مضت منذ إنشاء أول وسيلة من بينها، ولا يهم التاريخ هنا البتّة، فكلمة “التواصل” التي كانت توصَف بأنها اسم لغير مسمّى، أضحت تفخر بأنها الكلمة الأكثر تطابقاً مع المسمّى. إذ ليس لنا في هذه الأيام غير وسائل التواصل في العالم الافتراضي، كي تعوّض لنا ما ينقصنا من التواصل الاجتماعي في العالم الواقعي. ففي وسعك وأنت في البيت أن ترى أصدقاءك، وأقرباءك، وأولادك وأحفادك، وأنت سعيد، أنهم مثلك محبوسون داخل مستطيل الهاتف النقّال الذي يجمعكم.

وباتت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تتدخّل في النزاعات الشخصية، ولم يعد أحد يعبأ بخصوصيته، وهي العبارة التي كانت تُشعرنا بالتهديد اليومي من سطو التكنولوجيا على حياتنا الخاصة. إذ يستطيع كل تطبيق أن ينتهك خصوصيتنا برضانا. كما باتت تتدخّل بالقدر نفسه في النزاعات الأهلية والطائفية والسياسية، ولا تستطيع أن ترفض هذا التدخّل، فالوباء الخطر، جعل منها الطريقة شبه الوحيدة في إيصال الرسائل، والردود، والأجوبة، وبها، أو بواسطتها يمكنك أن تقرأ، كما قرأت أنا، وسعدت، أنّ أحد المخطوفين قد أُعيد إلى أهله سالماً.

يحدث هذا كلّه دون أن تلمس بيديك أحداً من أحبابك أو أصحابك. هل سيصبح هذا تقليداً في حياتنا؟ كان ابن زيدون قد أكد في الشطر الثاني من بيته الشعري أنّ التجافي صار بديلاً لطيب اللقيا مع حبيبته. لنأمل إذا ألّا تؤدّي التقاليد الجديدة إلى جفاء مزمن يصعب علاجه.

* روائي من سورية

العربي الجديد

———————————

قضايا عالم أول: عقائد كورونا الصحيحة/ محمد سامي الكيال

توجد مقدمة منطقية شائعة في العديد من الكتابات الفكرية – السياسية، التي تتناول انتشار فيروس كورونا: عالمنا توقف! وهذا ما كنا نحسبه مستحيلاً من قبل. كثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وأنماط الاستهلاك والتوزيع، وأشكال العمل السياسي، تمّ تعليقها، وبالتالي ثبت أن ما كان يعتبر أساليب لا غنى عنها في تسيير الحياة قابلٌ للتغيير، أو يمكن الاستغناء عنه. من هذه المقدمة يصل عدد لا بأس به من الكتّاب والمفكرين إلى النتيجة التالية: ما دام يمكننا، في مواجهة الأحداث الكبرى، تغيير تفاصيل مهمة في أنماط حياتنا، فلماذا لا نستغل هذه الإمكانية، لإحداث تعديلات جذرية في النظام القائم، سواء في قضايا إعادة توزيع الثروة، أو البيئة، أو الديمقراطية الاجتماعية؟

يمكن تتبع ربط التغيير بالوعي الفردي، وتبديل أسلوب الحياة منذ بداية الأزمة التي عانى منها المنظرون اليساريون الغربيون، في النصف الثاني من القرن الماضي: الحامل الاجتماعي الأساسي للثورة الاجتماعية، وهو الطبقة العاملة الصناعية، لم يعد يلبي التوقعات الثورية التقليدية. النقابات العمالية اندمجت كلياً بالنظام القائم، وغرقت في المفاوضات الجماعية مع الدول وأرباب العمل. وحققت الطبقة العاملة الغربية تحسناً نسبياً في مستوى حياتها، لدرجة اتهمها البعض بالذوبان في العالم البورجوازي.

«خيانة البروليتاريا الغربية» هذه دفعت كثيرين للبحث عن قاطرة أخرى لحركة التاريخ: المهاجرون، النساء، المثليون والمهمشون عموماً. وبما أن المهمشين أنفسهم صاروا مؤخراً في قلب الخطاب السائد، لهم منظماتهم «غير الحكومية»، الممولة حكومياً في كثير من الأحيان، ويتم العمل على إدماجهم، ولو ثقافياً، في المنظومة السائدة، فلم تبق إلا مخاطبة أفراد العالم البورجوازي نفسه، الذي بدا وكأنه صار المتن الاجتماعي الأوحد، الناجح بإدماج كل الفئات داخله، ربما باستثناء بعض الشعبويين والعنصريين. أصبحت المشكلة إذن في أنماط الحياة وأساليب التفكير. وإذا اكتسبنا وعياً صحيحاً، وقبلنا التنازل عن أساليبنا في الحياة والاستهلاك واستغلال الموارد الطبيعية، فسنصل إلى عالم جديد. أما سؤال «الحامل الاجتماعي للتغيير» فلم يعد مطروحاً على ما يبدو.

قد يكون من الظلم بعض الشيء، اعتبار هذا النمط من الثقافة السياسية «قضايا عالم أول»، ففي العالم الأول نفسه توجد فئات لا تتمكن من تمثيل نفسها وطرح قضاياها، ومتضررة بشدة من الوعي الصحيح، ولذلك يبقى سؤال الحامل الاجتماعي للتغيير أساسياً، سواء في العالم الأول أو الثالث، فما هي الأضرار النظرية والسياسية الممكنة لتجاهل هذا السؤال؟

عمل أقل رفاه أكثر

يقدم المفكر الأمريكي البريطاني ديفيد هارفي، في مقال نُشر مؤخراً، مرافعة نظرية طويلة، مستمدة من كتابات ماركس، لإثبات إمكانيات التغيير التي يوفرها توقف كثير من القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة: خسر ما يزيد عن ستة وعشرين مليون عامل وظائفهم، ولكن هل من المنطقي والعادل أن تقتصر مطالبنا على عودة هؤلاء إلى أعمالهم، بعد انتهاء إجراءات العزل؟ الإجابة هي «لا» بالنسبة لهارفي. إلى أي عمل نريدهم أن يعودوا؟ لا يمكن أن تكون استعادة تلك الأعمال الشاقة، الخاضعة لاستغلال شديد، والتي لا تتيح أي فرصة للتطور الفردي، هدفاً للنضال المعادي للرأسمالية.

الأمم المتقدمة تعمل أقل وتعيش رفاهاً أكثر، حسب مقولة ماركس الشهيرة، لأن التطور التقني الكبير، الناتج عن آليات النمو والتراكم الرأسمالي نفسها، يتيح تحرير البشر من أعباء العمل الشاق، وإعطاءهم وقت الفراغ الكافي للتطور الفردي. المشكلة أن الربح الرأسمالي لا يتحقق إلا من خلال تحصيل فائض القيمة من العمال، ولذلك فإن الرأسمالية تعيق إمكانيات التحرر والتقدم، التي تحملها في ذاتها، وتجبر عشرات الآلاف على الخضوع للعمل المُستغَل. ما يجب المطالبة به، حسب هارفي، إطلاق القدرات الكامنة للتطور التقني الذي نعيشه، واستغلال إمكانيات الأتمتة والمكننة، وفي الوقت نفسه توفير كامل الخدمات الأساسية للبشر، إضافةً لدخل أساسي لا مشروط. حتى الولايات المتحدة، التي لا تتمتع بنظام تأمينات اجتماعي عمومي متين، اضطرت حالياً لتوفير ما يشبه ذلك، من خلال توزيع معونات نقدية على المتضررين من قرارات الإغلاق، ويجب تطوير هذا وجعله الوضع الطبيعي، بغض النظر عن طموحات الرأسماليين بتحقيق الربح. وهكذا قد تصبح الأزمة الحالية فرصة تاريخية للنضال المعادي للرأسمالية.

لا يهمل هارفي تماماً سؤال الحامل الاجتماعي للتغيير، فهو يؤكد على أن معظم الطبقة العاملة، المتضررة نتيجة إجراءات الإغلاق، من النساء والأفرو أمريكيين والمهاجرين اللاتينيين، وقد يكون نضال هذه الطبقة، ضد الفقر والبطالة والتمييز، المقدمة الأساسية لأي نضال ضد رأسمالي. إلا أن ما لا يبدو واضحاً في منظور هارفي هو الإمكانيات التنظيمية والسياسية والثقافية لهذه «الطبقة»، كيف يمكن أن تصبح طبقة لذاتها، وقادرة بالفعل على مواجهة الإعاقة الرأسمالية للتطور؟ هنا قد يكون اللجوء لماركس وحده قاصراً بعض الشيء، وربما خسرنا الكثير فكرياً لأن هارفي، المنتمي لتقليد ماركسي أنكلوساكوني، لا يولي اهتماماً مماثلاً لكتابات ماركسيي القرن الماضي، مثل لينين وروزا لوكسمبورغ وكاوتسكي وغرامشي.

ثورات الرفاهية

من الصحيح القول إن كثيراً من الثورات الاجتماعية حصلت عقب أزمات سياسية واجتماعية خانقة، ولكن الثورة بالتأكيد لا يمكن أن تكون نتيجة الأوضاع السيئة. يمكن تاريخياً ملاحظة أن معظم المجتمعات الثائرة شهدت، قبيل انتفاضها، تحسناً ملحوظاً على المستويات الإنتاجية والثقافية والسياسية. حتى روسيا القيصرية، التي كان العمال الجياع فيها يهربون من جبهات الحرب، ويطالبون بـ»الخبز والسلام»، عرفت تطوراً صناعياً في المدن الكبرى، وتقدماً سياسياً وثقافياً. الأحزاب السياسية الناشطة والحركة الثقافية المزدهرة، رغم القمع القيصري، أنتجت بيئة مناسبة للجدل الفكري والسياسي، ما جعل الحراك الاجتماعي مؤهلاً للتطور بسرعة، والطبقات الاجتماعية قادرةً على تنظيم ذاتها.

البلدان العربية التي عرفت ثورات ناجحة مرحلياً، مثل مصر وتونس، شهدت تطوراً اجتماعياً وسياسياً لا بأس به، واتساعاً في هامش الحريات، ونمواً نسبياً للطبقة الوسطى، في حين غرقت البلدان الأكثر تخلفاً سياسياً وثقافياً، مثل سوريا واليمن، في حروب أهلية متوحشة وعبثية.

يحتاج التغيير إذن إلى حيز عام يتوفر على حد أدنى من الحرية، وبعض الازدهار والتطور على المستوى الإنتاجي والاجتماعي، لا يمكننا ملاحظة هذا بسهولة في الشرط الحالي، حتى في البلدان المتقدمة. تفشي فيروس كورونا ألغى الحيز العام عملياً، الذي كان يعاني بالأصل من التفتت والخصخصة، بسبب الأيديولوجيا النيوليبرالية وسياسات الهوية، في حين تضاءلت إمكانيات الجدل السياسي والثقافي، نظراً للخطاب الإحادي السائد، والقيود المشددة على اللغة والخيال لدواعٍ صوابية، في حين انخفضت القدرة على الإنتاج الحقيقي، ومعها القدرة الشرائية لعشرات الآلاف، مع نزع التصنيع وسياسات التقشف. بدا الحراك الاجتماعي، حتى في العالم الأول، فاقداً للهدف والخطاب والقدرة على التنظيم، وكثيراً ما تمّ اتهامه بالشعبوية والعنصرية، ونفيه خارج صوابية العالم البورجوازي. وقد يكون حراك «السترات الصفراء» في فرنسا أفضل مثال عن ذلك.

العاطلون عن العمل، الذين يعوّل هارفي على تحركهم المناهض للرأسمالية، لا يملكون فعلياً الإمكانات التنظيمية، أو التراكم الثقافي والسياسي، الذي يمكّنهم من إحداث تغيير بالعمق الذي يتوقعه.

خطر «الأفكار الصحيحة»

وإذا كان هارفي متنبّهاً نسبياً لسؤال الحامل الاجتماعي، فإن مفكرين آخرين، يُحسبون على اليسار، يتجاهلونه بشكل شبه كامل. الحديث الدائم عن «ضرورة تغيير حياتنا» يدفع للتساؤل عن المُخاطَب بهذه العبارة: حياة مَنْ التي يجب تغييرها بسبب تماديها بالاستهلاك، وانعدام وعيها؟ سكان الريف الفرنسي أو الإيطالي، الذين يعانون من تراجع الخدمات الأساسية وانهيار أوضاعهم الاجتماعية؟ أم أبناء الدول النامية، الذين أصبحوا مؤخراً «طبقة وسطى» بمعايير عالمثالثية؟

الأكثر خطورة هو التعويل على الإمكانيات التغييرية لتوقف حياتنا الاعتيادية، إذا كان الناس وافقوا على الانسحاب إلى منازلهم بعد انتشار كورونا، فهم فعلوا ذلك خضوعاً لإجراءات قاسية من السلطة التنفيذية، قد يمكن تحمّلها مؤقتاً، ولكن اعتبارها محركاً للتغيير، سيعني اللجوء لهذه السلطة دوماً لتنفيذ الأفكار الصحيحة، عبر إجراءات تحدّ من خيارات البشر وحرياتهم، ومعظم الحكام الاستبداديين في التاريخ كانت لديهم أفكار صحيحة، حاولوا تطبيقها قسراً، وإيقاف حياة البشر الاعتيادية لأجلها.

بهذا المعنى قد يكون سؤال التغيير مطابقاً لسؤال الحامل الاجتماعي، ولذلك الأجدى التفكير بطرق بناء وتهيئة هذا الحامل، بدلاً من الاقتصار على البحث عن أفكار صحيحة، تصدم وعينا الفردي، وتشعرنا بمدى خطيئتنا في هذا العالم، بأسلوب شبيه بالوعظ الديني. قد يكون التركيز على استعادة الحيز العام، وتخفيف القيود، سواء قيود «التباعد الاجتماعي» أو قيود العقائد الصوابية، ودعم الاحتجاجات الاجتماعية ثقافياً وسياسياً، حتى لو بدت متعارضة مع الأفكار الصحيحة، هي الطريق لتحقيق تراكم تدريجي، يتيح مستقبلاً نشوء حركات اجتماعية قادرة على التغيير.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

——————————–

علاقة حساسة بين صناعة الموضة وفوضى فيروس كورونا

باريس: باتت الموضة في فرنسا تعتنق بخجل القناع في محاولة لنزع البعد المقلق الملازم له فيما يشكل تعميم وضع الكمامة عند الخروج في ظل انتشار وباء كوفيد-19، بوادر ثورة ثقافية.

بدأت إيزابيل ماتيو وهي مصممة ملابس للسينما وصاحبة متجر في مرسيليا في جنوب فرنسا صنع أقنعة قبل شهر مستخدمة مخزونها من الأقمشة أو من خلال ملابس قديمة. أقنعتها ملونة مع نقوش زهور أو كريات صغيرة.

وتوضح لوكالة فرانس برس: “ثمة طلب فعلي، لم نكن نتوقع ذلك بتاتا. فمطلوب منا أن نضع هذه الأقنعة لمدة سنة ونصف السنة على الأقل، طالما لم يتوافر أي لقاح لذا ينبغي أن نضفي بعض البهجة عليها”.

أما لدى بيار تالامون الخياط في حي ماريه الرائج في باريس فيسجل القناع الكحلي اللون أفضل المبيعات لديه، إلا أن الزبون له أن يختار بين 15 تصميما بلون واحد او بزخرفات لتنسيقه مع سترات كلاسيكية.

– تفاصيل الملابس الراقية –

ويرى الخياط أن “من المنطقي تماما إدراج القناع ضمن الملابس الرجالية فهو قد يستحيل أكسسوار موضة بامتياز”.

ويبلغ سعر القناع لديه 15 يورو ويتضمن تفاصيل نجدها في الملابس الراقية مثل الحواشي.

ويرى الخياط أن القناع قد يرافق بزة رسمية ويكون “باللونين الأسود والأبيض ليتماشى مع بزة سموكينغ”.

ويسأل: “في حال استؤنفت العروض هل تتصورون أنفسكم جميعا في دار الأوبرا مع أقنعة طبية زرقاء؟”.

وقد زادت عمليات البحث عبر الانترنت عن الأقنعة بنسبة 496 % خلال الربع الأول من العام 2020 على ما يفيد محرك البحث المكرس للموضة “ليست”.

وبات القناع مع شعار سهم من تصميم الأميركي فيرجيل ابلو نجم جيل الألفية، المنتج الأكثر شعبية للرجال في العالم.

ويباع القناع بسعر 95 دولارا حتى انتهاء المخزون لكن سعره أعلى بثلاث مرات على منصات بيع القطع المستعملة.

ويعج تطبيق “إنستغرام” بألف طريقة لإضفاء تفاصيل شخصية على القناع إلا أن الموضوع يبقى “حساسا” في شركات السلع الفاخرة حيث “ثمة رغبة في أن يصبح هذا الأكسسوار من مخلفات الماضي بأسرع وقت ممكن” على ما يشدد مؤرخ الموضة أوليفييه سايار.

– “رجعي وقمعي” –

ويضيف: “من غير المناسب  وضع شعار على قناع والاستفادة منه. فهذه سلعة قطعة طبية”.

وقد حولت دور أزياء راقية مثل “ديور” و”سان لوران” و”بالنسياغا” بعضا من مشاغلها لصناعة أقنعة موجهة للطواقم الطبية حصرا.

وكانت دار كوبرني التي تشارك في أسبوع الموضة من بين أول من نشر تصاميم وحصصا تدريبية لحث الفرنسيين على صنع أقنعتهم بأنفسهم.

وقال أحد مؤسسي الدار أرنو فايان: “أدركنا سريعا أن هذا الأمر سيطرح مشكلة” في إشارة إلى نقص في الأقنعة.

وأضاف: “رؤية أشخاص يضعون أقنعة يثير بعض القلق ونشعر بأننا نعيش في عالم خاص”.

لكن هل ستتضمن مجموعتهم المقبلة أقنعة؟ قال فايان: “نفضل عدم التعليق الآن”.

كذلك لم تعلق دار “ديور” على سؤال في الاتجاه نفسه طرحته وكالة فرانس برس.

ورأى عالم الانتروبولوجيا فرديرديك كيك أن وضع القناع الذي يعتبر في الثقافة الفرنسية “رجعيا وقمعيا”، سيحدث “ثورة”.

وأشار في مقال في صحيفة “لوموند” مطلع نيسان/أبريل، إلى أن القناع كان غير مناسب في فرنسا “حيث أن مُثل الأنوار التي حققتها الثورة الفرنسية بُنيت ضد الأقنعة التي كانت تزين وجوه الأرستقراطيين في صالوناتهم”.

وأضاف: “وضع القناع يعني أن أزمة كوفيد-19 طبعت أجسادنا ونفوسنا (..) وترغمنا على فقدان للبراءة شبيه لما فرضه مرض الإيدز على العلاقات الحميمية”.

ويقول أولفييه سايار: “إننا نختفي بطبيعة الحال” وراء القناع “وهذا قد لا يكون سيئا في زمن يتمحور على +الأنا+”.

(أ ف ب)

القدس العربي

———————————

تاريخ الأقنعة الطبية.. كيف سيبدو العالم مع كورونا؟/ سارة عابدين

مع بداية الإعلان عن فيروس كورونا، كوباء عالمي من قبل منظمة الصحة العالمية، أعلن عن وجوب ارتداء القناع الطبي للحد من انتشار الفيروس، ومع وجود نقص عالمي في الأقنعة الطبية الجراحية، استخدم الناس بدائل غريبة تتراوح بين قطعة قماش، أو أكياس بلاستيكية، أو علب كرتونية لمنتجات مختلفة، فأصبح شكل البشر غريباً في ظل تفشي وباء كورونا.

على مر التاريخ، عملت الأقنعة الطبية على حماية الأطقم الطبية، واختلفت أشكالها منذ بداية استعمالها حتى الآن.

أوروبا في القرن السابع عشر

عند ظهور الطاعون وانتشاره في أوروبا، بدأ الأطباء الذين يعالجون مرضى الطاعون فقط في

“أول قناع كان عباءة مصنوعة من جلد الماعز، أو من القماش المغطى بطبقة شمعية. وتغطي العباءة الطبيب من رأسه حتى أخمص قدميه، مع نظارات كبيرة، ومنقار كبير يغطي الأنف”

ارتداء أزياء معينة لحمايتهم من المرض ومن الهواء المحمل بالوباء. ويتكون هذا الزي من عباءة مصنوعة من جلد الماعز، أو من القماش المغطى بطبقة شمعية. وتغطي العباءة الطبيب من رأسه حتى أخمص قدميه، مع نظارات كبيرة، ومنقار كبير يغطي الأنف.

صنع المنقار لتوضع في داخله النباتات العطرية، مثل الكافور، والنعناع، أو الزهور المجففة، كالورد والقرنفل واللافندر، التي كان يعتقد أنها تجنب الطبيب التعرض للهواء الملوث، وتعمل على تعقيم المناطق الموبوءة بالطاعون.

الأقنعة الطبية في القرن السابع عشر

كان الزي المخصص لأطباء الطاعون يتضمن عصا طويلة يحملها الطبيب، ويستخدمها لإزاحة العناكب والضفادع من الأماكن الموبوءة، أو تستخدم لقياس نبض المريض، وإزالة ملابسه، وكذلك لدرء المصابين عندما يقتربون من الطبيب أكثر من اللازم. كما أنها كانت أداة فعالة للتشتيت الاجتماعي، أو ما يطلق عليه حالياً التباعد الاجتماعي والمسافات الآمنة.

يعود الفضل في اختراع زي أطباء الطاعون إلى الطبيب الفرنسي شارل دي لورم (1584- 1678)، الذي طوره عام 1616. وبحلول عام 1636، أثبت فعاليته، واستخدم أثناء اجتياح الطاعون عام 1656، عندما قتل ما يقرب من نصف مليون شخص في روما ونابولي.

كان مطلوباً من الأطباء في ذلك الوقت ارتداء ذلك الزي العجيب بموجب العقود التي وقعوا عليها مع المجالس البلدية لكل مدينة، وكان ظهور الطبيب الذي يرتدي هذا الزي مع القناع على عتبات الأبواب يعني أن الموت بات قريباً.

سواء تم تصميم هذه الأقنعة لتشبه وجه طائر عن عمد، أم أن ذلك التشابه مجرد صدفة، فقد كان مظهرها ثانوياً بالنسبة للوظيفة المقصودة، لكن مع النظر عن قرب نجدها تشبه شكل طائر الغراب نذير الموت، ما كان يدفع المرضى إلى الفرار من الأطباء، واعتبارهم نذير شؤم وموت.

منذ القرن التاسع عشر

مع انتشار النظريات الطبية عن الجراثيم، واكتشاف الكثير عنها، وجد الباحثون بعد استخدام المجهر أن الكثير من الجراثيم تسكن في جزيئات الغبار، فظهرت موضة تغطية الوجه بقطعة من التل بين نساء الطبقة البرجوازية، خوفاً من الجراثيم. ومع بدء انتشار الكوليرا، أوصى

لأطباء باستخدام مرشح قطني من القماش المبروم ليغطي الفم والأنف بشكل كامل.

وفي أوائل القرن العشرين، ظهرت دراسة طبية تؤكد وجوب استخدام الأقنعة أثناء العمليات الجراحية، لكن لم تؤخذ على محمل الجد. في عام 1905، نشرت الطبيبة الأميركية، أليس هاملتون، مقالاً في مجلة الجمعية الطبية الأميركية، مرفقة به تقريراً عن قياس كمية بكتيريا المكورات العقدية التي تخرج من مريض الحمى القرمزية عند سعاله، أو بكائه. كما أوردت في التقرير نسبة البكتيريا التي يتبادلها الأطباء الأصحاء عندما يتحدثون، أو يسعلون، ما دفع الأطباء إلى أخذ الأمر بجدية، والبدء في استعمال الأقنعة أثناء العمليات الجراحية.

في عام 1910، ضرب وباء الطاعون الرئوي الصين، وعينت المحكمة الصينية الطبيب الماليزي الصيني، وو لياند، لرئاسة جهود مكافحة الطاعون، فكشف أن المرض ينتشر عن طريق الاتصال الجوي، وطور أقنعة يرتديها الطاقم الطبي وعامة الناس.

ومع ظهور وباء الإنفلونزا الإسبانية، في العالم عام 1918، ارتدى الأطباء والعاملون في المجال الطبي الأقنعة بشكل روتيني لحماية أنفسهم. وفي مدينة سياتل الأميركية، ألزم الترام الركاب بارتداء الأقنعة، واستعانت المدينة بالصليب الأحمر المحلي لإنتاج 260000 قناع في ثلاثة أيام، بمساعدة 120 عاملاً.

ما بعد الحرب العالمية الثانية

بسبب تلوث الهواء من أجواء الحرب العالمية الثانية، خاصة في لندن، اعتمد البريطانيون “أقنعة الضباب الدخاني”، ثم انتقلت الأقنعة إلى الهند والصين، والعديد من الدول النامية، وأصبحت شائعة بين الناس.

في يناير/ كانون الثاني 2010 عرض مصمم الأزياء، ألكسندر ماكوين، مجموعة تصميمات لملابس رجالية بعنوان “جامع العظام”. تميزت تلك المجموعة بوجود أقنعة للوجه بأشكال مختلفة لتعطي انطباعات مفاهيمية عن عرض الأزياء بالكامل.

بعكس التأثير الفني لأقنعة ماكوين، بدأ مصممون آخرون، خاصة الذين يستهدفون السوق الصينية، العمل على مجموعات من الأقنعة بأشكال مختلفة، لتباع كإكسسوارات ثانوية مع الحقائب والمجوهرات.

تظهر الصور المعتادة للصينيين وهم يرتدون أقنعة الوجه، حتى أن القناع أصبح جزءاً من الصورة الذهنية العالمية لهم. في البداية، واجه الصينيون صعوبات في إقناع الآباء والأقارب الأكبر سناً، لكن مع استمرار التوعية على مدى قرن من الزمان، أصبحت الأقنعة الطبية تشكل جزءاً من ثقافة الشعب الصيني.

في بداية الأمر، قام الصينيون ببساطة بتغطية أفواههم بأكمامهم أو أياديهم، لكنها كانت طريقة غير فعالة، وغير صحية. وبدأ أثرياء الصين في استخدام القماش الحريري لتغطية أفواههم. وفي القرن الثالث عشر، روى المستكشف الإيطالي، ماركو بولو، أن الخدم ورجال البلاط كانوا يغطون أنوفهم وأفواههم بقماش من خيوط الحرير والذهب عند تقديم الطعام للإمبراطور الصيني.

الأقنعة الطبية في الصين

في ما يتعلق بالسلطات الصحية في الصين، فإن أحد أسهل وأرخص وسائل منع تفشي الأمراض والأوبئة هو حمل الناس على ارتداء الأقنعة. في عام 1929، بدأ تفشي التهاب

السحايا في شنغهاي، وسرعان ما اجتاح البلاد بالكامل، فبدأت السلطات الصحية تعميم ارتداء الأقنعة الطبية، وقامت الحكومة بتوزيع الأقنعة مجاناً.

في شنغهاي، تم الترويج لأقنعة الوجه كإكسسوارات مع الأزياء لتشجيع استخدامها، وأوصت الحكومة المشاهير فنياً واجتماعياً بارتداء الأقنعة في عروض أزياء الربيع والأعياد المختلفة، كوسيلة لتعزيز القبول الشعبي لها، كما صورت مجلات النساء والموضة المعاصرة النساء وهن يرتدين الأقنعة كنماذج مثالية للنظافة والوعي في الطبقات العليا.

أقنعة فيروس كورونا

يعتبر القناع الطبي الشهير N95، هو التسلسل التدريجي للأقنعة التي استخدمت لتنظيف الهواء في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث استوحي القناع في أواخر الخمسينيات من كأس حمالة الصدر النسائية، وكان من الصعب معرفة إمكاناته في البداية، لكن بالفعل تم تطويره لاستعماله مع الأمراض التي تنتشر في الهواء، مثل السل، ويبقى أحد عيوبه هو عدم إمكانية التنفس بشكل مريح مع ارتدائه، كما أنه لا يناسب الأطفال، أو أصحاب اللحى، لكن يبقى هو الأمثل في منع انتقال فيروس كورونا المستجد.

حالياً، مع استمرار الجائحة، واتجاه العالم بالكامل لارتداء الأقنعة، تزايد الطلب عليها، وبالرغم من نصائح الأطباء بارتداء الأقنعة الجراحية الطبية، إلا أن هناك الكثير من الأفكار التي ظهرت بشكل تجاري للترويج للأقنعة غير الطبية، مثل الأقنعة النسائية المطرزة، أو المشغولة يدوياً، أو الأقنعة المصممة للأطفال بشخصيات كرتونية، ليظهر أن عام 2020 ربما سيكون بداية عصر جديد للحياة مع الأقنعة الطبية.

ضفة ثالثة

—————————–

حوار في البيت الأبيض يشعل جدلاً: لقاح سرّي للكورونا؟

أثار حوار بين صحافيين، التقطه الميكروفون في غرفة المؤتمرات في البيت الأبيض، تفاعلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، مشعلاً نظرية المؤامرة عن وجود لقاح سري ضد فيروس كورونا المستجد.

الحديث جرى بين كبير مراسلي قناة “فوكس” في البيت الأبيض، جون روبيرتس، ومصور صحيفة “نيويورك تايمز” دوغ ميلز، قبل بدء الملخص الإعلامي اليومي، حيث قال الأخير في مقطع الفيديو المتداول: “إننا جميعاً تلقينا اللقاح” في رد على روبيرتس الذي طلب منه خلع القناع الصحي، حسبما نقلت شبكة “سي إن إن”.

ويعود الحوار إلى تاريخ 21 نيسان/أبريل الجاري، وأثار جدلاً واسعاً منذ ذلك الوقت، رغم أن روبيرتس علق على مقطع الفيديو في حديث مع وكالة “أسوشيتد برس”، واصفاً إياه بالمزحة التي قدمت على سبيل الدعابة والمرح.

وبحسب “أسوشييتد برس” فإن روبيرتس، قبل بدء المؤتمر الصحافي لفريق عمل البيت الأبيض لمواجهة فيروس كورونا، الاثنين، أطلع ميلز على دراسة جديدة من جامعة جنوب كاليفورنيا، ووفقاً للدراسة فإن عدد إصابات فيروس كورونا في لوس أنجليس أكبر بكثير مما هو معلن”، قبل أن يكمل ميلز ويسأل روبيرتس: “ماذا تعلم يا صاحبي؟” ليجيبه قائلاً: “يمكنك نزع الكمامة فمعدل الوفيات هو 0.1 إلى 0.3 وفقاً لجامعة جنوب كاليفورنيا”، قبل أن يرد ميلز مجدداً ويقول ممازحاً: “حقاً؟ هذا مطمئن، الكل هنا أخذ اللقاح على أي حال”.

وأوضحت “أسوشييتد برس” أن المقطع اجتزئ وتم تحويره إلى سياق يروج لنظرية المؤامرة، وأن الفيروس خدعة تتستر عليها وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة، ودفعت النظرية بأسئلة مثل: “ما سبب الانتشار العسكري الواسع حول العالم” وتعقيبات مثل: “وسائل الإعلام نفسها التي تخبركم بأن العالم بحاجة إلى الحجر الصحي، يتصرفون عكس ذلك في الكواليس. إنهم لا يصدقون حتى ما يقولونه لكم”.

وحصلت إحدى المشاركات الخاصة بنظرية المؤامرة، على أكثر من مليون مشاهدة، وكان لافتاً أنها وصفت ميلز بالخبير التقني. وقال ميلز لـ”أسوشييتد برس” لاحقاً أن الموقف كان مزحة وأنه يرتدي القناع الطبي كل يوم. وشدد على أن وروبرتس يتعاملان مع الفيروس بجدية كبيرة ولا يؤمنان بنظرية المؤامرة بشأنه.

    مقطع انتشر لمحادثة قبل انطلاق مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بين مراسل قناة فوكس ومصور نيويورك تايمز يتحدثون انهم كلهم قد تلقوا تطعيمات ضد كوفيد 19، ويبدو من المقطع ان الكاميرا التقطت المحادثة دون علمهما.

    لاحقًا نشرت الصحف انها كانت مجرد مزحه وانهم كان “يطقطقون” على المصوّر وصاحبه. pic.twitter.com/lNdNAej4vK

    — ‎نايفكو NAIF (@naifco) April 28, 2020

    🔴🔴

    قبل بداية المؤتمر الصحفي أمس،تم التقاط محادثة قصيرة بين مراسل قناة فوكس ومصور نيويورك تايمز(دون علمهما)

    المراسل: انزع الكمامة فنسبة الوفاة ضئيلة جدا

    المصور: نحن قد أخذنا اللقاح ضد الفيروس على أي حال🙄

    هناك من يؤكد المؤامرة

    وهناك من يقول إنهما يمزحان

    وأنا محتار مثلكم.. pic.twitter.com/B3RZMvRnQl

    — Dr. Ahmad Alfarraj (@amhfarraj) April 28, 2020

    تسجيل لمؤتمر صحفي في البيت الأبيض

    وحوار بين صحفيين لا يعلمان بان اجهزة الصوت والتسجيل تعمل !

    الصحفي الأول : إنزع القناع,صدرت دراسة تقول ان احتمال الوفاة اقل من 1٪

    الصحفي الثاني : خبر مطمئن ,وعلى كل حال كلنا هنا أخذنا التلقيح وانتهينا ! pic.twitter.com/5rsK4qMi3X

    — بنت المرجعية(اسالكم الدعاء)HST (@moneraabdalsmad) April 29, 2020

—————————————-

الإرهاب سيكون له وجه آخر بعد “كورونا

شهد العالم بالفعل فشلاً في سبل التعاون الدولي في ما يتعلق بالتصدي لـ”كورونا”، والشعور السائد بالغضب والإقصاء والتهميش الذي سوف يتبع ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ظهور أشكال جديدة من العنف

لا تزال ردود فعل الجماعات الإرهابية التقليدية مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة والمنظمات الكثيرة التابعة لهما حول كوفيد-19، مضطربة في معظمها. إذ ينصب اهتمام البعض على الفوضى التي تمكنهم الاستفادة منها (في مناطق مثل غرب أفريقيا)، بينما يعتقد آخرون أن هذا المرض عقاب إلهي على غير المؤمنين (مثلما يرى تنظيم الدولة الإسلامية والحزب الإسلامي التركستاني، وهو منظمة مسلحة أيغورية انفصالية)، في حين يرى البعض فيه فرصةً لإظهار قدراتهم على الحكم وفرض النفوذ (مثل طالبان وحزب الله). في الوقت الذي أعادت فيه الحكومات تهيئة بعض أدوات مكافحة الإرهاب لدعم استجابتها لـ”كورونا” مع تحريف التعريفات القانونية للإرهاب وذلك لمحاكمة الأشخاص الذين يقومون بسلوكيات مناوئة للمجتمع، مثل تعمد السعال على الآخرين.

إلى الآن، لا تزال التصرفات التي يمكن فعلياً أن توصف بالإرهابية محدودة للغاية. وهي نابعة في معظمها من حالة عامة معادية للمؤسسات، تغذيها نظريات المؤامرة. أدى الخوف من أن شبكات الجيل الخامس قد تكون لها علاقة بانتشار الوباء إلى حرق أبراج الهواتف المحمولة في مختلف أنحاء أوروبا.

ففي الولايات المتحدة، أدى الخوف من الحكومة الضخمة إلى التخطيط لتفجير مستشفى في مدينة كانساس سيتي، مجهز لاستقبال الحالات المصابة بفايروس “كورونا”، وأيضاً محاولة إخراج قطار عن مساره لاستهداف مستشفى عائم في حوض بناء السفن في ميناء لوس أنجلوس. وفيما سعى بعض الجهاديين الأكثر جرأة إلى التسلح بفايروس كورونا، تحدثت الجماعات اليمينية المتطرفة كثيراً عن إمكان القيام بذلك ليس إلا.

تتمحور هذه التصرفات حول موضوعٍ واحد. فهي، كأغلب الأعمال الإرهابية، أعمال تمرد على النظام القائم بصورة جوهرية. يوجد في الولايات المتحدة ماضٍ عريق من الأنشطة المناهضة للحكومة، التي تستند إلى سرد ليبرتاري أوسع نطاقاً أكثر من عملها عبر الكتلة السياسية الأميركية.

أحيت مدينة أوكلاهوما سيتي الذكرى الخامسة والعشرين لتفجير تيموثي مكفاي مبنى ألفريد مورا الفدرالي عام 1995 الذي أودى بحياة 168 شخصاً. خرج مكفاي من رحم حركة أميركية أشمل أطلق عليها المحققون الفيدراليون اسم حركة “الوطنيين”، لطالما قلق المحققون من احتمال قيام هؤلاء الليبرتاريين المتطرفين بأعمال عنف وميلهم إلى جمع الكثير من الأسلحة. في الآونة الأخيرة، عبرت هذه الحركة عن آرائها من خلال جماعات وحركات لمواطنين مستقلين، تعارض اللوائح الفيدرالية وتستهدف الشرطة.

بالنسبة إلى الذين شكَّل هذا التاريخ من الأنشطة المعادية للحكومة عقلياتهم، فإن التوسع الهائل للدولة الذي يأتي في أعقاب أزمة وطنية مثل تفشي وباء سوف يكون مصدراً للقلق. وبالنسبة إلى مثل أولئك الأفراد، فإن خوفهم مصدره القلق من توسع الدولة وأيضاً انعدام الثقة في أنشطة الحكومة عموماً. وبات بعض مظاهر هذا الغضب واضحاً بالفعل في ولايات مثل ميشيغن وكنتاكي وكارولاينا الشمالية.

يتفاقم هذا الإحساس بالحرمان من الحقوق بسبب حالة انعدام الثقة المتزايدة في الحكومات على مستوى العالم، التي أصبحت ظاهرة للعيان. وبالنظر إلى ميل القادة إلى التصريح علناً بالأكاذيب أو أنصاف الحقائق، بدأ إيمان المواطنين الجمعي في الحكومة يتزعزع. وقد لاحظت منظمات إجرامية عديدة ذلك وسعت إلى تقديم نفسها بديلاً للحكومات.

فقد استغلت مجموعات مثل حزب الله وطالبان وهيئة تحرير الشام، التي تفرض سيطرتها على بعض المناطق، تلك الفوضى لاستعراض قدراتها الخاصة في مجال الصحة العامة، الواهية مثلهم. وتسعى العصابات الإجرامية في البرازيل والسلفادور والمكسيك إلى إظهار قوتها ومواردها. مع ذلك فإن هذه التحركات ليست بالضبط بدافع الإيثار، إذ تتولى معظم العصابات تلك المهمات اعترافاً منها بأهمية معركة الاستحواذ على القلوب والعقول التي يمكنهم الفوز فيها بتلك الطريقة.

إضافة إلى ذلك، يستغل آخرون هذه الحالة من انعدام الثقة ويمارسون أقصى درجات العنف، ومن المرجح أن تزيد أعدادهم بمرور الوقت. إذ ستزيد الاستجابة الحالية لمرض كوفيد-19 من هيمنة الدولة، مبرزةً الفوارق وأوجه عدم المساواة التي سوف تتفاقم في اقتصاد ما بعد “كورونا”، مع تسليط الضوء في نهاية المطاف على سياسات تقليص الميزانية التي سوف يتم اتباعها حتماً. قد يساور البعض الخوف من الحكومة الضخمة، لكن بدلاً من ذلك، سيزداد غضب آخرين إذا لم تُعالج مشاكلاتهم ومشاغلهم. تفتح هذه التصدعات الباب أمام الروايات الجاهزة لاستغلالها من قبل الفصائل المناهضة للحكومة والجماعات العنصرية والمتطرفين السياسيين من جميع الاتجاهات والمتشددين من الحركة اللاضية أو غيرهم من الجماعات المهمشة.

سوف يخلق الجيش المتنامي من المحرومين مجتمعاً من أشخاص مستعدين لإلقاء اللوم على أي شخص آخر. ففي الغرب كان هناك اتجاه قوي نحو إلقاء اللوم على الصين، وهو أمر رائج بين كبار المسؤولين (مثل ماتيو بوتينغر نائب مستشار الأمن القومي وتيد كروز في الولايات المتحدة، أو رؤساء لجان الدفاع والشؤون الخارجية المختارة في البرلمان بالمملكة المتحدة) ورائج أيضاً بصورة متزايدة بين السكان عامةً في بلدان تتزايد فيها مشاعر العداء تجاه الصين. ويزيد هذا الغضب أيضاً من حدة التوترات الاجتماعية القائمة أصلاً حول المهاجرين، وهو أمر ملاحظ في الكثير من النقاشات العنصرية البغيضة التي تدور حول مرض كوفيد-19.

مما يؤسف له أنه بمجرد أن تنتشر المشاعر المعادية للصينيين بين الناس، فإن تلك المشاعر ستفقد عادةً قدرتها على التمييز، وهو ما سيؤدي إلى إساءة المعاملة والعنف ضد كل من يبدو أنهم ينتمون إلى أصول شرق آسيوية. وعلى رغم أن جرائم الكراهية لا تتساوى دوماً مع الإرهاب، فإنها كثيراً ما تكون بمثابة مقدمة للأعمال الإرهابية. كما تُفضي التوترات بين الطوائف والتي تحض على جرائم الكراهية إلى إثارة أولئك الذين يميلون إإلى العنف، من أجل التصرف وفقاً لدوافعهم البغيضة، فضلاً عن توفير بيئة خصبة للجماعات التي تسعى إلى تعزيز الإيديولوجيات الداعية للانقسامات.

لا تقتصر هذه المشكلة على الغرب فحسب. ففي إندونيسيا حذر الباحثون من تصاعد التوتر تجاه المواطنين الصينيين داخل البلاد. وقد استند ذلك إلى مجموعة كبيرة من مظاهر الغضب إزاء الصين عموماً في البلاد، يعزو ذلك جزئياً إلى التوترات العرقية التاريخية بين البلدين، إلا أن التوترات تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب معاملة بكين لأقلية الإيغور المسلمة. بل صدرت تحذيرات من أن تلك المشاعر قد تؤدي إلى حدوث أعمال إرهابية ضد المقيمين الصينين في إندونيسيا، إذ ذكرت إحدى الخلايا الإرهابية أنها ناقشت استهداف العمال الصينيين. وقد يرسي هذا الأساس للتعبير بأشكال عنيفة عن الإرهاب الموجه ضد الصينيين في جنوب شرقي آسيا.

لطالما اتسمت العلاقات الصينية مع جنوب شرقي آسيا بالتوتر، وثمة أيضاً بعض مظاهر الغضب الأخرى ضد الصين في الوقت الراهن. فقد تورطت تايلاند في شجار على شبكة الإنترنت مع الصين عندما شعر الشباب التايلانديين بالغضب من المحاربين المقاتلين عبر الإنترنت الذين هاجموا ممثلين تايلانديين بارزين للتعبير عن وجهات نظرهم تضامناً مع تايوان وهونغ كونغ. وقد أثارت حركة “تحالف الشاي بالحليب” التي تشكلت نتيجة لذلك -والتي يُطلق عليها ذلك الوصف لأن الناس في هذه البلدان عموماً من محبي تناول الشاي بالحليب ذات المذاق الحلو- غضب بكين بل امتد الأمر إلى إعراب السفارة المحلية عن الغضب الصيني المعتاد إزاء اعتراف الآخرين وتأييدهم استقلال المناطق التي تعتبرها بكين جزءاً من الصين.

في كازاخستان، أثار منشور على شبكة الإنترنت الصينية يشير إلى أن كازاخستان رغبت في أن تصبح جزءاً من الصين، قدراً كافياً من الغضب لدفع وزارة الخارجية الكازاخستانية إلى استدعاء السفير الصيني في البلاد والمطالبة باعتذار. وفي قرغيزستان المجاورة، توحدت المشاعر المناهضة للصين حول فكرة أن المواطنين الصينيين هم من ينشرون المرض، فضلاً عن إدلاء أحد أعضاء البرلمان بتصريحات حول ضرورة تجنب المواطنين الصينيين.

حتماً لا يُمكن اعتبار أي من هذه الممارسات درباً من دروب الإرهاب، غير أن الغضب الشعبي إزاء الصين أصبح أكثر تركيزاً ووضوحاً. ومع تحول الصين إلى طرف فاعل مُهيمن ومؤثر في الشئون العالمية، فإنها ستصبح على نحو متزايد هدفاً، يزكي ذلك إلى حد ما معاملة بكين للأقليات في الداخل. وقد يتجسد ذلك في صورة هجمات على المواطنين أو الشركات الصينية.

على الصعيد الأشد قتامة، فإن حتى ظاهرة إحراق أبراج بث شبكات اتصالات الجيل الخامس 5G قد تُشكل مقدمة لشيء آخر. فقد تألفت “الحركة اللاضية” مع مجموعة من عمال النسيج في المملكة المتحدة الذين ظهروا في القرن التاسع عشر. وقد اشتهروا بالاحتجاجات العنيفة على التطورات التكنولوجية التي حلت ببطء محل وظائفهم. وفي العصر الحديث، حمل تيد كازينسكي، المعروف باسم “مفجر الجامعات والطائرات”، لواء “الحركة اللاضية” من خلال قيادة حملة قصف دامت عقدين من الزمان تقريباً بلغت ذروتها بنشر بيانه، “المجتمع الصناعي ومستقبله”، وهو البيان الذي تحدث فيه عن كيفية عمل التكنولوجيا الحديثة على تقويض الحريات الشخصية.

واليوم، ستزداد وتيرة التحول السريع إلى العمل على شبكة الإنترنت من قِبَل نسبة متزايدة من العاملين في أعقاب “كورونا”، إذ تعمل الشركات على تقليص حجم الموظفين وتحاول العمل بشكل أكبر عبر الإنترنت أو من بعد. فضلاً عن أن الأعمال التي جرت العادة على القيام بها وجهاً إلى وجه، باتت تتم الآن عبر الإنترنت.

على رغم أن كثيرين سيعودون إلى العمل على النحو الذي كانوا يعملون به قبل الأزمة، فقد يجد عدد كبير للغاية أن نمط العمل تغير بشكل دائم أو قد يعانون من حدوث فائض في العمال نتيجة تصور الشركات الآن أنها قادرة على الحد من التكاليف بينما يمكنها تحقيق الأرباح ذاتها. وقد يؤدي هذا إلى إثارة حركة غاضبة تضم العمال السابقين الساخطين مستخدمين الأدوات ذاتها التي يشعرون بالغضب تجاهها لأنها استبدلتهم. فبعدما أصبحوا غير ضروريين بفضل الأدوات المتاحة على شبكة الإنترنت، تمكنهم إعادة توظيف هذه الأدوات لإثارة ردود أفعال عكسية عنيفة.

كثيراً ما يظهر الإرهاب في المناطق التي يسود فيها الاعتقاد أن الحكومة باءت بالفشل أو حيث يشعر الناس بأنهم مستبعدون من النظام. ومن المحتمل أن يؤدي الوباء إلى تقليل شعور الناس بالثقة في السلطة أكثر. وستكون النتيجة زيادة المشكلات التي يواجهها أولئك الذين يشعرون بالغضب لدرجة أنهم سيلجأون إلى استخدام العنف للتعبير عن مظالمهم.

لقد شهد العالم بالفعل فشلاً في سبل التعاون الدولي في ما يتعلق بالتصدي لـ”كورونا”، وعلى رغم أعمال الخير التي لا تعد ولا تحصى بين المواطنين، فإن الشعور السائد بالغضب والإقصاء والتهميش الذي سوف يتبع ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ظهور أشكال جديدة من العنف السياسي. وفي حين سينجذب البعض إلى الأيديولوجيات والجماعات القائمة منذ أمد بعيد، قد تنشأ جماعات وأفكار جديدة على نحو مدهش. لن ينتهي الإرهاب في أعقاب فايروس “كورونا”، بل من المرجح أن يتطور بطرائق أكثر تطرفاً.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com  ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

درج

——————————–

 أميركية تروي معاناتها وعائلتها مع «كورونا»: هذا ما تمنيت لو أنني فعلته

مثل العديد من الأميركيين، لم تكن هيلاري سليدج – سارنور، البالغة من العمر 38 سنة، تعرف الكثير عن فيروس كورونا المستجد، في أوائل مارس (آذار). واصلت المقيمة في مدينة لوس أنجليس جدول أعمالها المزدحم كمحامية، حيث دخلت المكتب واجتمعت مع الأصدقاء. ولكن عندما بدأت عائلتها في إظهار علامات المرض، رأت بسرعة الآثار التي يمكن أن يتسبب بها الفيروس.

ورغم أن زوجها لطيف سارنور (49 عاماً)، واثنين من أطفالها ظهرت عليهم العديد من أعراض الفيروس التاجي، فإن الاختبارات لم تكن متاحة بسهولة في أوائل شهر مارس، وفقاً لتقرير لشبكة «إيه بي سي نيوز».

وسرعان ما بدأت هيلاري بإظهار أعراض مشابهة. وهرعت إلى المستشفى بعد معاناتها من حمى شديدة وصعوبة في التنفس، وقالت إنها أُعيدت إلى المنزل عندما أُبلغت أن مستويات الأكسجين لديها تبدو جيدة وأن رئتيها تعملان بشكل طبيعي.

وبعد عشرة أيام من زيارتها الأولى للمستشفى، تلقت تشخيصاً إيجابياً. وقالت: «كانت الأسابيع تبدو ضبابية تماماً».

وكافحت هيلاري وزوجها لرعاية أطفالهما أثناء مرضهما.

وقال لطيف لـ«صباح الخير يا أميركا»: «لقد كنا محظوظين لأن لدينا أصدقاء وجيراناً رائعين حقاً أتوا لمساعدتنا يومياً».

ومع بدء الحكومات المحلية في تقييم ما إذا كانت ولاياتها جاهزة لإعادة فتحها، فإن المتضررين من المرض، مثل عائلة سارنور، لا يزالون يشعرون بأن ذلك مبكر جداً.

وقال لطيف: «أفهم أن الناس يريدون العمل، ولديهم فواتير والتزامات، وكلنا مثلهم. لكنني لن أقدم حياتي العملية والمادية على صحتي أو حياة عائلتي».

والآن، بعد سبعة أسابيع من ظهور الأعراض لأول مرة، قالت هيلاري إنها لا تزال تعاني من التعب وضيق في التنفس. وفي مدونة على الإنترنت، وثقت تجربة عائلتها على أمل تشجيع الآخرين على التعامل مع المرض بجدية.

وقالت: «نحن شخصان بالغان وسليمان، وتمكن هذا المرض من التأثير فينا بشكل كبير… لم أُصَب بهذا الفيروس من أجل لا شيء. عليّ مساعدة شخص ما إن استطعت».

وكتبت هيلاري في المدونة: «كنت مريضة وضعيفة جداً ولا أستطيع التنفس للكتابة. (كوفيد – 19) منتشر الآن في الولايات المتحدة وقصتي ليست فريدة من نوعها بالتأكيد. ولكن عندما أنظر إلى تجربتنا في الإدراك المتأخر… أتمنى لو أنني فعلت أشياء كثيرة بطرق مختلفة وأريد مشاركة ما تعلمته على أمل أن يساعد الآخرين خاصة بعدما نجت عائلتي بأكملها من الفيروس».

وأضافت: «بمجرد أن أظهر أحد أفراد عائلتي أي أعراض، كان يجب أن نخضع للحجر الصحي في المنزل كعائلة. لم يكن علينا السماح لأي شخص بدخول منزلنا، بما في ذلك جليسة الأطفال بالطبع… رغم أنه كان لدي الكثير من الأعمال، كان يجب أن اتخذ قرار العمل في المنزل».

وتابعت هيلاري: «كنت سأتوقف عن الذهاب لأي مطعم أو مكان عام. من المحتمل أنني قد عرضت الكثير من الأشخاص الآخرين لـ(كورونا) وهذا شيء علي التعامل معه كل يوم. الأمر يجعلني أبكي خاصة عند التفكير في الآخرين الذين يعانون من هذا الفيروس الرهيب».

واشتكت هيلاري من أن الكثير من الناس لا يأخذون هذا الفيروس على محمل الجد حتى الآن. وقالت: «يرجى غسل يديك، وارتداء قناع، والبقاء في المنزل، كي تبقى في صحة جيدة».

الشرق الأوسط

————————————-

 سلوكيات وأطعمة ومضادات أكسدة لمواجهة «كورونا» تهدف إلى تعزيز مناعة الجسم الطبيعية

جدة: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة

تحدثنا في موضوع: «جهاز المناعة… أقوى الدفاعات ضد كورونا» عن المناعة عند الإنسان وتعرفنا على أقسامها (الطبيعية والمكتسبة) وعن دور المناعة في مقاومة الأمراض. وفي هذا الموضوع سوف نستعرض أهم طرق تعزيز ورفع المناعة «غذائيا» في موسم تفشي كورونا ودور مضادات الأكسدة.

– دفاعات المناعة

تحدثت إلى «صحتك» البروفسورة جميلة محمد هاشمي أستاذة علم التغذية العلاجية قسم تغذية إنسان كلية علوم الإنسان والتصاميم بجامعة الملك عبد العزيز – موضحة أن المناعة، بشكل عام، عبارة عن تقنية متطورة جدا لمواجهة أي خطر أو مرض يتعرض له جسم الإنسان مثل السرطانات، الفيروسات، البكتيريا، الميكروبات.

> مواقع جهاز المناعة. يتركز 60 – 70 في المائة من جهازنا المناعي في الجهاز الهضمي وبشكل خاص في البكتيريا النافعة (الفلورا البروبيوتك) في الأمعاء، و40 في المائة تتوزع بين الخلايا اللمفاوية والنخاع الشوكي والجلد وخلايا مفرزة مثل كريات الدم البيضاء. ويعتبر الجلد أول خط مناعي لنا.

وللتذكير، فإن الفيروس هو عبارة عن شيء غير حي لا يتكاثر ولا ينقسم خارج الخلية الحية لذلك فإن هدفه الأوحد الدخول إلى خلية حية ليتكاثر وينمو فيها على عكس البكتيريا. وكل فيروس مختص بإحداث مرض معين كفيروس الكورونا المختص بالرئتين الذي يدخل الجسم عن طريق الفم أو الأنف فتقابله الغدد الموجودة في الحلق وتحاول دفعه إلى المعدة التي تحتوي على حامض الهيدروكلوريك في محاولة منها للقضاء عليه. لذا يشعر المريض بجفاف في الحلق، وترتفع درجة حرارته، ويصاب بسعال جاف بدون بلغم، مع إحساس بالتعب الشديد والإنهاك وصعوبة في التنفس مع الشعور بثقل على الصدر.

> كيف تعمل المناعة طبيعيا؟ تجيب الأستاذة هاشمي أنه عندما يصل الفيروس للرئتين يبدأ بالتكاثر السريع وتدمير الخلايا السليمة، وهنا تتأهب الجنود الموجودة في الدم للدفاع عنه من خلال الدورة الدموية النشيطة مع أخذ عينة من الفيروس لإنتاج أجسام مضادة للقضاء عليه،. وتحتاج هذه العملية إلى 4 – 5 أيام، تظهر بعدها الأعراض الآتية:

– ارتفاع درجة الحرارة: وهو أول خطوط الدفاع للجهاز المناعي، حيث إن معظم الميكروبات يتم القضاء عليها بارتفاع درجة الحرارة. ومن الخطأ الإسراع والعمل بخفض درجة الحرارة خاصة باستخدام الأدوية الخافضة للحرارة لأن ذلك يعاكس عمل الجهاز المناعي.

– إفرازات المخاط: وهو وسيلة أخرى من الجهاز المناعي يحاول بواسطته الإمساك بالميكروبات وتجميعها والتخلص منها. لذلك علينا تحمل القليل من الإفرازات المخاطية والبلغم وقت المرض لأنها تعمل لصالحنا في محاولة للإمساك بالميكروبات وطردها خارج الجسم. ومن الخطأ أيضا الإسراع لوقفها وعدم تحملها بأخذ أدوية تعمل على وقفها وهذا أيضا يعمل عكس عمل الجهاز المناعي للجسم.

– الكحة والعطاس: أيضا هما من وسائل الجسم المناعية للتخلص من الميكروبات التي يتعرض لها. إن الإسراع في وقفهما أيضا يعمل عكس جهازنا المناعي الطبيعي.

– الإسهال والقيء: هما من الخطوط الدفاعية الطبيعية لجهاز المناعة والتي تعمل على تخليص الجسم من الكثير من الميكروبات التي تهاجم الجسم. إن الإسراع بأخذ أدوية لوقفهما يعمل أيضا على عكس محاولة جهازنا المناعي للتخلص من الميكروبات بطريقته الطبيعية.

– الإحساس بالفتور وقلة النشاط وقلة الشهية: هي أيضا من خطوط دفاع الجسم التي يحاول الجسم استخدامها كاملا للتخلص من الميكروب، فيجب علينا هنا الراحة التامة وعدم العمل على عكس ذلك.

وتحذر هنا الأستاذة هاشمي من أخذ المضادات الحيوية فهي مشكلة المشاكل حيث تعمل في كثير من الأحيان على إضعاف الميكروب وليس القضاء عليه نهائيا خاصة في حالة سوء استخدامها. ويحصل هنا لبس للجهاز المناعي هل يحارب الميكروب الضعيف أم الميكروب الأساسي.

> متى نبدأ بأخذ العلاج المضاد للميكروبات؟ تجيب البروفسورة هاشمي بأنه يمكن أخذ العلاج بعد ثلاثة إلى أربعة أيام بهدف إتاحة الفرصة للجسم، أولا، على رفع مناعته الذاتية والتغلب على الميكروبات بدون تدخل دوائي. وفي بريطانيا وأميركا، من الصعب جدا وصف واقتناء المضادات الحيوية إلا في الضرورة القصوى حفاظا على سلامة الجهاز المناعي الطبيعي وقوته في أجسامنا.

– تعزيز المناعة الطبيعية

يتم تعزيز ورفع مناعة الجسم الطبيعية لاتخاذ خطوات لتأمين سلوكيات وتغذية صحية

> تحسين السلوكيات، باتباع ما يلي:

– النوم الكافي ليلا لمدة تتراوح بين 6 – 8 ساعات.

– منع استهلاك السكريات تماما من النظام الغذائي (كل ملعقة طعام من السكر أي 15 غراما تضعف المناعة بنسبة 50 في المائة).

– الرياضة البدنية ضرورية جدا وأن نجعلها أسلوب حياة وليست رفاهية، المشي 30 دقيقة- 5 أيام في الأسبوع.

– الابتعاد قدر الإمكان عن الضغوط العصبية والنفسية، لأنها تعمل على إفراز هرمون الكورتيزول وهو من الهرمونات الضارة والتي تعمل على زيادة الوزن وتزيد من مقاومة الإنسولين وتضعف المناعة.

– غسل الأيدي مهم جدا لمدة كافية تتراوح من 30 إلى 40 ثانية بالماء والصابون وهي تقلل من 70 إلى 80 في المائة من الميكروبات العالقة بهما.

– الامتناع عن التدخين، فالتدخين يعمل على نقص المناعة بسبب تدميره لفيتامين سي خاصة حيث يحتاج المدخن إلى كميات وفيرة منه تفوق الشخص غير المدخن.

– أغذية ترفع مناعة الجسم

وحيث إن 60 – 70 في المائة من الجهاز المناعي يتركز في الجهاز الهضمي وبشكل خاص في الأمعاء، فمن المهم جدا رفع جهازنا المناعي برفع مستويات البكتريا النافعة في الجهاز الهضمي، ويتم ذلك باستهلاك أطعمة محددة، نذكر منها ما يلي:

– الماء، الإكثار من شرب الماء الدافئ.

– المغنيسيوم، مهم جدا لرفع المناعة والنوم العميق، نتناول منه 40 مليغراما ليلا بشكل خاص. ومن أهم مصادره في الغذاء الشوكولاته الداكنة، الأفوكادو، الخضراوات الخضراء الداكنة، الأسماك الدهنية (سالمون، سردين، ماكريل، تونة)، المكسرات، البقوليات والحبوب الكاملة.

– فيتامين سي، (وليس حامض الأسكوربيك)، إن 1 غرام من فيتامين سي له دور هام في رفع المناعة ومحاربة الميكروبات، و10 غرامات منه استخدمت عن طريق الوريد في معالجة بعض أنواع من السرطانات، و12 غراما تم بها معالجة الحصبة وقت تفشيها. من المهم تناوله من مصادره الغذائية مثل الكرز وهو غني جدا بـفيتامين سي، التوتيات بأنواعها، البابايا، الكيوي، الجوافة والفلفل بأنواعه كلها، والحمضيات.

– فيتامين دي، مهم جدا في رفع المناعة والتغلب على كثير من الأمراض، وهو يتكون عند التعرض لأشعة الشمس طبيعيا في أوقات الذروة من الساعة 10 صباحا – 4 عصرا. تناول الأسماك الدهنية، صفار البيض، كل المنتجات ذات المصدر الحيواني لأنه من الفيتامينات الذائبة في الدهون.

– الحبة السوداء.

– الأوريغانو، من الأعشاب.

– مشروب الزنجبيل والكركم، (ملعقة زنجبيل + ملعقة كركم في ماء ساخن + عصير ليمونة كاملة يضاف عندما يبرد المزيج).

> تناول مضادات الأكسدة، وهي تعمل على التخلص من الشوارد الحرة (مركبات تدخل إلى خلايا الجسم وتعمل على تشويهها)، وهنا تحد مضادات الأكسدة من أثرها المخرب. ولهذا نحرص على تناول مضادات الأكسدة وهي مجموعة من الفيتامينات إيه، إي، سي (A، E، C) وأيضا مجوعة من العناصر مثل السيلينيوم والكروم والنحاس. إن فيتامين إيه وفيتامين إي من الفيتامينات الذائبة في الدهون يوجدان في الكثير من الأطعمة الحيوانية والنباتية مثل الزيوت النباتية خاصة زيت الزيتون، وفيتامين سي متوفر في الخضراوات خاصة الخضراء والفواكه.

– أملاح معدنية

> أهم الأملاح المعدنية المضادة للأكسدة ما يلي:

– السيلينيوم. أحد العناصر المهمة، التي تنتمي لفئة الأملاح المعدنية. ويعتبر السيلينيوم من مضادات الأكسدة القوية، التي تساند الكثير من العمليات الحيوية في الجسم، خصوصاً أنْ ترافق تناول السيلينيوم مع فيتامين إي. وللسيلينيوم فوائد كثيرة أخرى. ويحتاجه الجسم بنسبة ضئيلة على العكس من باقي الأملاح المعدنية.

يُسبب نقص عنصر السيلينيوم العديد من المشاكل التي ترتبط بالالتهابات التي تصيب الجسم، وحدوث مشاكل في أعضاء الجسم الحيوية مثل الكبد، والقلب، والكليتين، والبنكرياس، والشعور بالإجهاد، وعدم القدرة على الإنجاب، وحدوث التهاب في المفاصل، واضطرابات متعدّدة في الأمعاء، والمعدة، وتساقط الشعر، وحدوث التشنجات، والشعور بطعمٍ غريب في الفم يشبه طعم المعادن.

يوجد السيلينيوم في جميع اللحوم الحمراء والبيضاء، الحبوب الكاملة، البقوليات، الأجبان، البيض، القرنبيط الأخضر والأبيض والمكسرات.

– الكروم. هو عنصر أساسي بمقدار قليل لأن الجسم يحتاجه بكمية قليلة جداً للصحة، ويستخدم الكروم لتعزيز الصحة وفي التحكم في نسبة السكر في الدم للأشخاص المصابين بما قبل السكري والسكري النوع الأول والنوع الثاني. كما أنه يستخدم في علاج الاكتئاب ومتلازمة تيرنر ومتلازمة تكيس المبايض وتقليل الكوليسترول الضار وزيادة الكوليسترول الجيد.

يوجد في جميع اللحوم الحمراء والبيضاء، الحبوب الكاملة، البقوليات، الأجبان، البيض، القرنبيط الأخضر والأبيض والبطاطس.

– النحاس. يساعد على تكوين خلايا الدم الحمراء، والإنزيمات، والأنسجة الضامة، والعظام، إضافة إلى المحافظة على صحة الأوعية الدموية، والأعصاب، والجهاز المناعي.

يوجد في الأعضاء الداخلية للحيوان مثل الكبد وغيره، ويتوفر أيضا في البذور مثل بذور دوار الشمس واليقطين، وفي المأكولات البحرية والخضراوات الورقية.

– الكمامة لا تزال ضرورة

> مع استمرار انتشار خطر فيروس «كورونا» المستجد كوفيد – 19. أوصت وزارة الصحة السعودية بضرورة ارتداء الكمامة المصنوعة من الأقمشة القطنية كإجراء احترازي للوقاية من العدوى بهذا الفيروس وذلك في حال الخروج من المنزل وعند الذهاب للأماكن العامة بعد قرار رفع منع التجول جزئياً مؤكدة على أن الخطر «لا يزال قائماً».

والطريقة الصحيحة لارتداء الكمامة تكمن في شدها قدر الإمكان على الوجه حتى تُبقي الفم والأنف محفوظين مع الحرص على عدم لمس العين والأنف والفم، كما يجب عند إزالة الكمامة أن يتم غسل اليدين بشكل مباشر للوقاية من الإصابة بأي من الأمراض. ويمكن إعادة استخدام هذه الكمامة مرة ثانية بعد غسلها جيدا.

وأكد وزير الصحة السعودي الدكتور توفيق الربيعة أن رفع منع التجول جزئياً تم بناءً على ما رفعته الجهات المختصة من مؤشرات أوضحت التزام المواطنين والمقيمين بالتباعد الاجتماعي، وتطبيق الاحترازات الصحية. وأن الفيروس خطر على الجميع وخصوصاً من هم أكبر من 65 سنة والذين لديهم أمراض مزمنة أو الذين يعانون من مشاكل تنفسية كتلك الناتجة عن التدخين أو السمنة المفرطة.

– استشاري طب المجتمع

الشرق الأوسط

——————————–

ليس لدى “المحجور منزلياً” من يحادثه… كيف نتأقلم مع التباعد الاجتماعي؟

ايليج نون /”فريق تحرير قسم حياة”

يعتبر التباعد الاجتماعي خلال فترة انتشار الوباء خطوة عاطفية صعبة، حتى وإن كان المرء يعيش مع شخص يحبه تماماً، ولكن الأمر يزداد صعوبة في حال كان الفرد يمارس الحجر المنزلي بمفرده، من دون أن يكون إلى جانبه أي شخص قادر على سماعه وتبديد مخاوفه، أو على الأقل أن يشاطره أحزانه وقلقه.

وفي العام 2017 وجدت مراجعة منهجية لـ40 دراسة، أجريت من العام 1950 إلى 2016، ونشرت في مجلة Public Health1، أن هناك ارتباطاً كبيراً بين العزلة والوحدة، مع ما يترتب على العزل الاجتماعي من نتائج وتداعيات خطيرة على الصحة النفسية.

فكيف تتأقلمون مع الحجر المنزلي إذا كنتم تشعرون بالوحدة “القاتلة”؟

الإنسان… حقبة من العواطف

إذا عدنا إلى تاريخ البشرية، لوجدنا أن الأفراد لطالما كانوا يعيشون ضمن مجموعات: يزرعون ويصطادون معاً، يأكلون مع بعضهم البعض، يتقاسمون أوقات النوم ويتناوبون الحراسة….

بمعنى آخر، يمكن القول إن البشر بطبيعتهم لم يخلقوا للتباعد الاجتماعي المفروض عليهم حالياً بسبب كورونا، كما أنهم لا يحبون العيش في عدم اليقين، إلا أن هذه المرحلة التي نمر بها اليوم تتسم بالشك والغموض، فنحن لا نعلم متى وكيف سنطوي هذه الصفحة الموجعة من حياتنا.

وفي ظل هذا الوضع الاستثنائي، أصبح الجميع مدركاً أن الصحة النفسية ليست أمراً ثانوياً، كما أن الاضطرابات النفسية ليست “وصمة عار”، بل يجب الاهتمام بالشق النفسي للفرد تماماً كما يتم الاهتمام بصحته الجسدية.

“أنا لست سوى حقبة كبيرة وقديمة من العواطف”، هكذا وصفت لوسي ماكينيرني وضعها النفسي أثناء الحجر المنزلي.

     البشر بطبيعتهم لم يخلقوا للتباعد الاجتماعي

ففي مقالها الذي ورد في صحيفة الإندبندنت البريطانية، تحدثت الكاتبة عن الشعور بالوحدة الذي تعيشه مؤخراً بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي، وكيف نجح التضامن الاجتماعي في كسر جدار وحدتها القاتلة: “لقد أدركت فقط التأثير العاطفي لهذه الطريقة الجديدة والمتباعدة في الحياة ليلة الخميس، بعد أن فقدت الإحساس بالوقت، وقفت في غرفة المعيشة مرتبكة بأصوات التصفيق والهتاف والصراخ ورنين الملاعق الخشبية على الأواني، كانت الأمة تصفق لمقدمي الرعاية الصحية. بمجرد أن هرعت إلى الخارج وبدأت أصدر ضجيجاً، غرقت في البكاء. كل هذا الضجيج في جميع أنحاء البلاد كان أول إشارة ملموسة لحقيقة أننا جميعاً في هذا الوضع معاً”.

وكشفت الكاتبة أن هذه “الهجمة المفاجئة” لمشاعرها لم تكن فقط نتيجة الإحساس المفقود بالمجتمع منذ فترة طويلة، بل لأنها سرعان ما أدركت أنها تمر بمرحلة الحداد النفسي، مشيرة إلى أن الشعور بالوحدة هو أمر خبيث ويمكن أن يمر بسهولة من دون أن يلاحظه أحد، إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر أنه يحمل تداعيات خطيرة: “بالطبع، الكثير منا يستمتع بقليل من الوقت بمفرده بعد أسبوع محموم. آخرون يفضلون العزلة. لكن إزالة خيار أن تكون وحيداً، وحقيقة أنه في الوقت الحالي لا يمكننا اتخاذ قرار الخروج والقيام بأشياء، رؤية الأصدقاء أو العائلة، هو ما يجعل هذه التجربة صعبة للغاية”.

وباء الوحدة

في الواقع، لا يمكن تحميل كورونا أوزار كل شيء، فقبل هذه الجائحة كان البعض يتحدث عن أننا نعيش في زمن “وباء الوحدة”، بخاصة بعد ظهور وانتشار الإنترنت الذي أثّر كثيراً على الاتصال البشري الملموس.

وبالتالي، قبل أن يفرض علينا فيروس كورونا العيش قسراً في عزلة ذاتية، كان البعض منا يشعر بالوحدة، وهي عاطفة بشرية طبيعية لا يمكن تجنبها تماماً، كما أنها ليست بالضرورة أمراً سيئاً ما لم تصبح مزمنة.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت الأخصائية في علم النفس، وردة بو ضاهر، إنه يجب علينا أن نميّز بين الوحدة الفعلية، أي العيش في المنزل لوحدنا وبين الشعور بالوحدة الذي قد ينتابنا رغم وجود أشخاص من حولنا: “الشخص يمكن يحسّ بالوحدة وهو لوحدو، ويمكن يحس بالوحدة وهو موجود بمجموعة، لأنو هيدا الشعور داخلي بيتعلق بالفرد نفسو”.

وفي حديثها مع موقع رصيف22، أكدت بو ضاهر أنه في حال كان المرء يشعر بالوحدة لفترة قصيرة، فهذا لا يرتب بالضرورة اضطرابات نفسية، رغم أنه قد يؤثر على ذاكرته وتصرفاته، أما في حال استمرّ الشعور بالوحدة لفترة طويلة، فإن الشخص المعني قد يكون عرضة لاضطرابات نفسية معيّنة، مثل الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى إمكانية الإدمان على الكحول والمخدرات.

أما بالنسبة لكيفية التعامل مع الشعور بالوحدة في ظل إجراءات التباعد الاجتماعي، فقد شددت وردة على ضرورة أن يدرك المرء أنه ليس لوحده في هذه المعركة ضد كورونا: “نعيش جميعاً في وضع استثنائي صعب، ومن المهم أن نتذكر دائماً بأننا لسنا لوحدنا”، مشيرة إلى أنه من المهم أن نذكر أنفسنا دوماً بالسبب الذي من أجله نطبق الحجر المنزلي: “المهم أنو أتذكر ليه أنا هون بالحجر المنزلي، لأنو بدي أحمي حالي وعيلتي، وهيدا الشي بيساعد الشخص لحتى يتقبل الوضع يلّي هوي فيه، ولحتى يعرف أنو الحجر مش قصاص”.

هذا وكشفت وردة بو ضاهر عن بعض الأمور التي يمكن للمرء القيام بها من أجل التغلب على الشعور بالوحدة في زمن كورونا، كالبقاء على تواصل مع أشخاص مقربين، الحفاظ على أسلوب حياة صحي عن طريق الاهتمام بالنظام الغذائي وممارسة الرياضة، تنظيم مواعيد النوم، وضع قائمة بالأعمال اليومية والتي تتضمن نشاطات ومهام منطقية وبسيطة، والأهم من كل شيء، وفق رأيها، أن يلجأ الشخص الذي يشعر بأنه عاجز عن الخروج من دوامة الوحدة، إلى طلب المساعدة من الأخصائيين الذين يقدمون اليوم خدمات مجانية لجميع الذين يتخبطون في أفكارهم السوداوية، خلال هذه المرحلة الصعبة والاستثنائية.

التمييز بين الوحدة والعزلة والخلوة

لا شك أن العيش في وحدة وتجرّع كأس الراحة في مثل هذه الظروف الحياتية الصعبة التي نعيشها الآن هو أمر صعب للغاية، ولكنها مهارة يمكن تعلمها.

فإذا كنتم من الأشخاص الذين اختاروا العيش خارج وطنهم والابتعاد عن أهلهم وأحبائهم لكسب قوتهم اليومي أو لتحصيل علمهم، أو من أولئك الذين فرضت عليهم ظروف الحياة أن يبقوا وحيدين في منزلهم من دون شريك أو عائلة، وتمارسون اليوم التباعد الاجتماعي بسبب جائحة كورونا، فتمضون وقتكم مع أنفسكم بين أربعة جدران، إليكم بعض الطرق للتغلب على التحديات الكبرى، وبعض الأمور والنصائح التي يجب وضعها في الاعتبار خلال الأيام والأسابيع المقبلة، وذلك بهدف الصمود في وجه هذا “القاتل المتسلسل” الذي يعرف ب”كورونا”.

تعتبر راشيل ميلر، صاحبة كتاب The Art of Showing Up: How to Be There for Yourself and Your People أن هناك تداخلاً بين المفاهيم الثلاث التالية: الوحدة (being alone) والعزلة (loneliness) والخلوة (Solitude)، إذ إن لكل واحدة منها حلولاً مختلفة، وبالتالي من المفيد أن يكون المرء قادراً على معرفة ما الذي يتعامل معه.

أن تكون/ي وحيداً/ةً بشكل عام، يعني أن تكون/ي جسدياً بمفردك/ي، أما الشعور بالعزلة فهو الشعور الذي يمكن أن يولد في داخلكم بغض النظر عن مدى وحدتكم، مثلاً عدم وجود أي شخص للتحدث معه في مدينتكم أوفي وظيفتكم الجديدة، وعدم وجود شخص تتجاذبون أطراف الحديث معه، يمكنكم أن تكونوا على طبيعتكم معه والتحدث إليه عن كل التفاصيل الصغيرة في حياتكم اليومية.

وأوضحت ميلر في مقالها الذي ورد في موقع فايس، أن البشر يحتاجون في نهاية المطاف إلى بعض التواصل الاجتماعي ليشعروا بالراحة، وبأنهم على ما يرام، لذا من المهم أن تكونوا استباقيين لمعالجة أي شعور بالعزلة يمكن أن ينتابكم خلال هذه الفترة.

أما الخلوة فهي، وفق ما يصنفه مؤلفا كتاب Lead Yourself First مايكل إروين وريموند كيثليدج، “حالة ذهنية ذاتية يعمل فيها العقل، بمعزل عن الإسهامات من العقول الأخرى، على حل مشكلة بمفرده”، أي أن يكون المرء بمفرده مع أفكاره.

إذا كنتم تشعرون بالوحدة، أخبروا من حولكم بذلك

بشكل عام، قد يكون من الصعب أن تظهروا ضعفكم أمام الآخرين، ولكن في هذه الأوقات الصعبة التي نمر بها بسبب أزمة كورونا، يمكن القول إننا جميعاً ضعفاء.

بالتأكيد لستم الوحيدين الذين يكتشفون كيفية الابتعاد عن الآخرين في الوقت الحالي، وإخبار الأشخاص بذلك يمكن أن يكون مصدر ارتياح كبير لكم.

ومن المهم أن تسمحوا للطرف الآخر بالتدخل وتقديم المساعدة، ومن جهتكم، اظهروا للآخرين أنكم تهتمون بهم وأنه بإمكانهم أيضاً التحدث عن الأمور التي يشعرون بها.

عندما يتعلق الأمر بالتواصل، من المهم إعطاء الأولوية للجودة على الكمية

قد يميل الأشخاص خلال فترة الحجر المنزلي إلى قضاء الكثير من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نظرياً يوجد دائماً أشخاص “للتحدث معهم”، لكن تلقي التحديثات بشكل سلبي والتفاعل بكلمات صغيرة مع بعض المعارف على نحو فضفاض يستغرق وقتاً وطاقة، والتي يمكن بذلها بشكل أفضل في تعميق العلاقات المستقرة.

وعليه، تعتبر راشيل ميلر أن جزءاً من بناء مهارة الخلوة هو تعلم التعامل بشكل أكثر مباشرة مع الشعور بالعزلة، بحيث يمكنكم إنشاء مساحة لأنفسكم لتكونوا بمفردكم بشكل مريح في خلوة فعلية.

وبالتالي، بدلاً من الدخول إلى فيسبوك، أو إرسال رسالة جماعية في كل مرة تشعرون فيها بالوحدة، فكروا في اثنين أو خمسة أو عشرة أشخاص مهمين بالنسبة لكم، واجعلوا من أولوياتكم التواصل معهم عبر مكالمة هاتفية أو FaceTime أو Zoom.

واللافت أن هذه المحادثات يمكن أن تكون قصيرة، وليس من الضروري أن تكون عميقة أو جادة لتكون “ذات مغزى”.

الابتعاد عن النقد الذاتي

غالباً ما يكون عدم الراحة مع العزلة متجذراً في عدم الإعجاب بنفسكم كثيراً، وفي الخوف من أن وحدتكم تفضح شيئاً عن قيمتكم. ولكن عدم وجود شريك، شبكة اجتماعية قوية أو عائلة يمكن الاعتماد عليها، لا يعني أنكم محطمون، فاشلون أو غير محبوبين، فالآن وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن تذكّروا أنفسكم بذلك.

واللافت أن طريقة التعامل مع هذه الأفكار المظلمة لا يعني محاولة ضبطها بالكامل، بدلاً من ذلك، اعملوا على معرفة من أنتم وآمنوا بأنكم جيدون وتستحقون التقدير.

صحيح أنكم لن تتعلموا الاستمتاع برفقتكم الشخصية بين عشية وضحاها، إلا أنه بإمكانكم اتخاذ خطوات صغيرة، ففي البداية، حاولوا أن تكونوا لطفاء مع أنفسكم قدر الإمكان، وعندما تنبثق الأفكار السلبية أو النقدية، اعترفوا بوجودها. خصصوا بعض الوقت للقيام بشيء فعّال، مثل وضع قائمة بقيمكم، اهتماماتكم، أولوياتكم، أفضل صفاتكم ونجاحاتكم، حتى لو كانت صغيرة.

الالتزام ببعض العادات أو هوايات التأمل

التأمل هو طريقة رائعة للحصول على مزيد من الراحة مع الخلوة، مع العلم أن التأمل ليس شيئاً محبباً لكل شخص، لذلك يمكن أن يكون النشاط التأملي بمثابة موقف مفيد، وهو ليس شيئاً مرعباً مثل مجرد الجلوس وعدم فعل أي شيء.

ابحثوا عن شيء متكرر نوعاً ما، ولكنه لا يزال ممتعاً وحيوياً، مثل حل الألغاز، التطريز، النقش اليدوي… أي حاولوا إبقاء أيديكم مشغولة وعقلكم حراً.

إذا كنتم تبحثون عن ضوضاء في الخلفية، قوموا بتشغيل بعض الموسيقى، ولكن حاولوا تجنب وسائل الترفيه الأخرى، مثل نتفليكس والبودكاست، ولا تقوموا بتوثيق/ مشاركة مدى تقدمكم كلما فعلتم شيئاً، بل كونوا فقط مع أنفسكم.

وضع قائمة بالأشياء الهادفة التي يمكنكم القيام بها عندما تشعرون بالملل

من السهل أن تحاولوا التفكير بشيء للقيام به، ومن ثم تحملون هاتفكم كالعادة وتمضون 90 دقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولعلّ أسهل طريقة لتجنب ذلك، هي إنشاء قائمة بالأشياء التي تحفظونها لوقت لاحق والعودة إليها إذا كنتم تشعرون بالخمول، هذا وفكروا في الأفلام والبرامج التلفزيونية والألعاب والكتب، ولا تنسوا التدريبات ومشاريع تحسين المنزل، وحتى أساليب المرح التافهة، مثل تعلم رقصة تيك توك المنتشرة على نطاق واسع.

وضع خطة في حالة المرض

يتغير الوضع فيما يتعلق باختبار وعلاج كوفيد 19 بشكل يومي، لذا فإن تخطيط أي شيء الآن يمثل تحدياً، وما يمكنكم القيام به هو وضع بعض الخطط التقريبية التي يمكنكم تحديثها حسب الحاجة، والتي قد تشمل التالي:

-تحديد موقع أقرب مستشفى وكتابة رقم هاتف غرفة الطوارئ.

-التفكير في كيفية الوصول إلى هناك إذا لزم الأمر، هل يستطيع أحد أن يقودكم إلى المستشفى؟

-إذا كان لديكم رعاية صحية، هل بطاقة التأمين الخاصة بكم في محفظتكم؟

-ما هي جهات الاتصال الخاصة بكم في حالات الطوارئ؟

إن الهدف من هذه الخطة هو أن تشعروا بأنكم أقل توتراً، لذا، إذا وجدتم أن فعل ذلك هو أمر مربك للغاية، فلا بأس من العمل عليه رويداً رويداً، أو التوقف مؤقتاً والعودة إليه عندما تكونون في وضع أفضل عاطفياً.

في نهاية المطاف، إن أزمة كورونا قد تحرك في داخلكم أحاسيس مضطربة وتجعلكم تشعرون بالوحدة القاتلة، سواء أكنتم تختبرون الحجر المنزلي بمفردكم أو مع المقربين منكم، وعليه، امنحوا نفسكم الفرصة لتمارسوا طقوس حزنكم وغضبكم، ولا تقسوا على أنفسكم، بل حاولوا أن تتذكروا دائماً أن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد، وأنه حتى لو كنتم وحدكم، فأنتم لستم الوحيدين الذي يعيشون هذا الظرف الاستثنائي الصعب.

—————————–

============================

==========================

———————————

بيل غيتس.. الرجل الذي لم يستمع العالم لتحذيراته من الوباء/ حسين مجدوبي

في خضم التطورات الهائلة سياسيا واجتماعيا الناتجة عن وباء “كورونا” الذي يعصف بالعالم حاليا، ظهرت شخصيات على المسرح الدولي من سياسيين وعلماء بأطروحات وتصريحات مختلفة. ومن أبرز هذه الأسماء بيل غيتس أحد أغنى أغنياء العالم الذي ومنذ سنوات وهو ينبه المسؤولين والرأي العام العالمي إلى المخاطر التي تشكلها الأوبئة على الإنسانية. وبقيت تحذيراته بدون صدى حقيقي حتى انفجر الوباء، وها هو يحذر من وباء آخر قد يكون فتاكا في ظرف أقل من عشرين سنة.

بين بهلوانيات ترامب وجرأة راؤول

وعمليا، سيحتفظ تاريخ هذا الوباء بشخصيات تركت بصمات ملموسة في المشهد العام في هذه المرحلة الشائكة والصعبة من تاريخ الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، وهي ليست بالضرورة كلها إيجابية ومنطقية. وعلى رأس هذه الشخصيات، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي استهزأ بالفيروس في البدء، واضطر لاحقا للخضوع مرغما لنصائح العلماء. لقد كان ترامب يعقد ندوة صحافية يوميا تحولت إلى ما يشبه المسلسلات التلفزيونية الطويلة، لكن التاريخ سيحتفظ أساسا بتصريحه الذي يصل إلى مستوى البهلوانيات التي تجري فقط في أفلام الرسوم المتحركة مثل تساؤله لماذا لا يتم حقن الناس بمواد التعقيم الخاصة بالنظافة. مقترح جعل الرأي العام الدولي يرد بتساؤل آخر وهو: هل يمكن لرئيس أقوى دولة، وهي الدولة التي تضم أعلى نسبة من الفائزين بجوائز نوبل في الطب والكيمياء وتخصصات علمية أخرى، أن يصدر تصريحا غبيا مثل هذا؟

والشخصية الثانية التي برزت هي العالم الفرنسي ديدييه راؤول مدير المعهد الاستشفائي “ميدتيرياني” في مارسيليا الذي حمل أفكارا ومقترحات واضحة لمعالجة فيروس كورونا من خلال دواء الكلوروكين. وشكل ظاهرة حقيقية بحكم النزاع الذي انفجر بينه وبين الهيئة الطبية الرسمية الفرنسية التي تعمل وفق منهاج كلاسيكي أورثوذكسي تجاوزه نسبيا الزمن علاوة على ارتباط الكثير من أعضاء الهيئة بشركات صنع الأدوية. هذا الباحث رفض الانضمام إلى المجلس العلمي الذي يقدم نصائح للرئيس إيمانويل ماكرون، فما كان من الرئيس سوى زيارته في معقله في مارسيليا للاستماع إلى آرائه. راؤول يمثل الباحث المتمرد على شركات الأدوية الدولية التي تتاجر بصحة الناس.

بيل غيتس النذير

ووسط بانوراما التصريحات والتصريحات المضادة والاتهامات بين الصين والولايات المتحدة بشأن مسؤولية التسبب في هذا الفيروس، وما يخلفه هذا من اصطفاف ينبئ بحرب باردة جديدة سببها كورونا فيروس أكثر من صراع التموقع في الخريطة الجيوسياسية العالمية، يبرز بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت بأطروحات منطقية.

ويعد بيل غيتس من الشخصيات التي تركت بصماتها واضحة في مسار الإنسانية، فهو مخترع نظام الويندوز الذي يتم استعماله في قرابة 90% من حواسيب العالم، وأعطى قفزة لكل المجالات في العالم ولا سيما المرتبطة بالإنترنت. وبهذا يحتل مرتبة في التاريخ شبيهة بمرتبة مخترع آلة الطباعة غوتنبرغ في القرن الخامس عشر الذي أعطى دفعة للنهضة الأوروبية.

ويعد بيل غيتس ضمن أغنى ثلاثة في العالم، لكنه يبقى حالة فريدة في تاريخ الأغنياء، فقد بنى ثروته من المعرفة المحضة من خلال بيع أنظمة ميكروسوفت التي عادة لا تلمس، عكس باقي الأغنياء الذين يبيعون مواد ملموسة مثل صاحب أمازون جيف بيزوس أو صاحب شركة إندتكس أمانسيو أورتيغا. ويسير الآن في دربه أغنياء المعرفة الرقمية أصحاب شركات فايسبوك وتويتر ضمن أخرى. ووسط كل هؤلاء، يبرز بيل غيتس بطابعه الإنساني برفقة زوجته ميليندا بتأسيسهما للمؤسسة التي تحمل اسميهما وتخصيص عشرات الملايين من الدولارات لشتى الأهداف الإنسانية من محاربة السيدا في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى تطوير الأعمال الخيرية مثل تطوير عمل المزارعين في القارة الإفريقية.

لكن اسمه برز بقوة خلال كورونا فيروس، فمباشرة بعد اندلاع الوباء العالمي، بدأ العالم يستعيد التحذيرات التي كان يطلقها غيتس منذ خمس سنوات وأساسا سنة 2015 عندما قال خلال انتشار فيروس إيبولا في إفريقيا: “ربما هناك فيروس لا يحس المرء المصاب بتأثيراته وهو يأخذ طائرة أو يتوجه إلى متجر كبير، وهذا سيجعل هذا الفيروس ينتشر في العالم بطريقة سريعة”. وأضاف: “لمواجه وباء عالمي نحتاج إلى ملايين الناس تعمل في البحث، ودور منظمة الصحة العالمية هو تنسيق الجهود لمواجهة الأوبئة. ضعف الاستعداد قد يجعل الوباء المقبل فتاكا أكثر من إيبولا”.

لم يأخذ الكثيرون تصريحات صاحب مايكروسوفت على محمل الجد لأن الدول الغربية اعتقدت أن فيروس إيبولا يقتصر فقط على منطقة معينة من القارة الإفريقية دون سواها. وها هو فيروس كورونا يقتل منذ ظهوره أواسط ديسمبر الماضي إلى بداية مايو الجاري 240 ألفا، وهو الرقم المعلن عنه رسميا، بينما يسود الاعتقاد في رقم أكبر يتجاوز 400 ألف، بينما إيبولا قتل فقط الأفارقة. ومن باب المقارنة، قتل فيروس كورونا أكثر من 25 ألفا في إسبانيا حتى السبت 2 مايو الجاري، بينما أصيبت مواطنة واحدة بإيبولا في هذا البلد الأوروبي سنة 2013.

عندما حذّر بيل غيتس من خطورة الوباء المقبل، كان يستحضر تجربة وباء إيبولا ويفكر مثل باحث إفريقي يصرخ منبها العالم لخطورة الوباء أكثر من باحث ينتمي إلى الغرب أو دول كبرى أخرى مثل الصين وروسيا ذات أجندة مختلفة في مواجهة الأوبئة.

كانت تحذيرات بيل غيتس من وباء قاتل لا تلقى الاستجابة. لم تهتم بها وسائل الإعلام لأنها تصريحات غير مثيرة للقارئ أو المتلقي عموما، ولم تلفت نظر حكومات العالم وخاصة الغربية. وأصبح العالم الآن على ضوء كورونا فيروس يدرك قيمة تصريحاته السابقة بأن بذل مجهود بسيط للتكهن بالأوبئة والاستعداد المسبق لها سيجنب العالم خسائر بشرية واقتصادية ضخمة.

ولا تشكل هذه الرؤية جديدا بل هي منتشرة وسط العلماء الذين يدرسون الفيروسات والبكتيريا ولهم إلمام بتاريخ الأوبئة وما تسببت به من فتك بالإنسانية. وإذا كان العالم لم ينتبه إلى تصريحاته وهو الوجه البارز في العالم، فكيف سيتم الانتباه لتصريحات عالم ولو كان حائزا على نوبل في الطب. ويردد أكثر من باحث: “المرة المقبلة يجب أن نتعاقد مع نجم كروي مثل ميسي أو رونالدو ليكون ناطقا باسم المواضيع التي تشغل بال العلماء، فقد تنتبه نصف الكرة الأرضية لتصريحاته وتأخذها على محمل الجد”.

وفي مقال له في مجلة ذي إيكونوميست الأسبوع الماضي كتب بيل غيتس: “ينتظر الكثيرون أنه في ظرف أسابيع ستعود الحياة إلى ما كانت عليه خلال ديسمبر، مع الأسف لا، البشرية ستنتصر فقط عندما يتم توفير الحقن للجميع بدون استثناء”.

في غضون ذلك، لا يكف بيل غيتس عن التحذير، ويقول: “الآن بدأ الناس يدركون خطورة الوضع، لا ننسى أن هناك احتمالا قويا بأنه كل عشرين سنة أو أقل، وبسبب الأسفار الكثيرة، يظهر نوع من هذا الفيروس، ولهذا الناس تنتظر من حكوماتها جعل الصحة أولوية”.

بدون شك، بعد تجربة كورونا فيروس سيكون العالم أكثر استعدادا لمواجهة الفيروس المقبل. ما حذّر منه غيتس سنة 2015 تحول إلى معتقد لن ينساه الجيل الحالي، لأن العالم لم يعش وباء منذ 1918 “الإنفلونزا الإسبانية”، والمثير أن معظم البشرية حاليا لم تكن تعرف وجود هذا الوباء حتى انفجر كورونا فيروس رغم أنه خلف ما بين خمسين مليونا ومائة مليون من الوفيات. لتستعد الإنسانية للوباء المقبل، وهذه المرة لن يقع ما كان سيقع.

القدس العربي”

—————————–

مناعة القطيع..الأنظار تتجه نجو التجربة السويدية

قالت صحيفة “تايمز” البريطانية إن أنظار معظم بلدان العالم مصوبة نحو الشرق الأقصى لاستخلاص الدروس من تجربة في القضاء على فيروس كورونا المستجد، بينما على تلك الدول أن تنظر أيضاً إلى الشمال حيث السويد ذات التجربة الرائدة في التعاطي مع الوباء الفتاك.

وأضافت أن السويد، خلافاً لبقية دول أوروبا التي فرضت تدابير إغلاق صارمة، لم تتخذ إجراءات مشددة، إذ ظلت المدارس والمطاعم وغيرها من المرافق مفتوحة. واكتفت بمنع التجمعات التي تضم أكثر من خمسين شخصاً، ومنع زيارات دور الرعاية إضافة لقيود قانونية أخرى قليلة.

وتساءلت “تايمز” عن الدروس التي يمكن لبقية دول العالم أن تستقيها من تجربة السويد الجريئة، في وقت تبحث فيه جميع الحكومات عن سبل لتخفيف تدابير الإغلاق بعد أن باتت التكلفة التي ألحقت بالاقتصاد فادحة.

وأشارت إلى أن تجربة السويد قد لا تكون بذلك القدر من الجرأة كما يتم تصويرها في بعض الأحيان، فالحكومة لم تفرض قيوداً صارمة لأنها لم تحتج إلى ذلك نظراً لالتزام المواطنين بتوجيهات السلطات الرسمية بشأن التباعد الاجتماعي.

ووفقاً للمعلومات فإن الغالبية العظمى من السويديين تمتثل لتعليمات السلطات الرسمية بشأن التباعد الاجتماعي من دون الحاجة إلى مطاردة في المتنزهات من قبل طائرات مسيرة تابعة للشرطة، كما انخفض استخدام وسائل النقل العام بشكل كبير وتحول العديد من المواطنين إلى نظام العمل من المنزل.

وقد أشادت منظمة الصحة العالمية الجمعة بنجاح السويد في تطبيق التباعد الاجتماعي، وأرجعت قدرتها على تجنب تدابير الإغلاق الصارم إلى ثقة الجمهور العالية في الحكومة.

وأشارت الصحيفة إلى أن معدَل الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا بالسويد أعلى من معدل الوفيات بدول الجوار القريبة منها مثل فنلندا والدنمارك، التي فرضت إجراءات صارمة للحد من تفشي الوباء.

وختمت بالقول إن تقديرات بعض العلماء السويديين تشير إلى أن أكثر من ربع سكان ستوكهولم قد كونوا بالفعل أجساما مضادة للفيروس، وإذا اتضح أن السويد في طريقها نحو تحقيق “مناعة القطيع”، فستكون تجربتها قد تكللت بالنجاح.

في غضون ذلك، قال خبراء إن توّفر لقاح للفيروس سيأخذ وقتاً أطول، بل منهم من أكد “أننا لن نرى لقاحاً ضد “كوفيد- 19” قبل سنة 2036″، وفق ما أوردته الطبعة الإيرلندية لصحيفة “ذا صن” البريطانية.

وتقليدياً، يستغرق إنتاج اللقاحات الفعَالة أكثر من عقد من الزمن، بداية بالبحث، إلى التجارب السريرية والتصنيع ثم التوزيع.

وتظهر الجداول الزمنية التي أنشأتها صحيفة “نيويورك تايمز” أنه من خلال جميع الأبحاث والموافقات النموذجية، سيستغرق الأمر حوالي 16 عاماً قبل أن يتوفر اللقاح الناجح على نطاق واسع.

ومع استمرار الفيروس في ضرب العالم، يحاول الباحثون تسريع العملية واختزال الوقت من 12 إلى 18 شهرًا.

وقال عميد المدرسة الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور (تكساس) الدكتور بيتر هوتز “إذا كنت تريد أن تجعل هذا الإطار الزمني لمدة 18 شهراً ، فإن إحدى الطرق للقيام بذلك هي وضع أكبر عدد ممكن من الخيول في السباق”.

ورأى خبير مكافحة الفيروسات التاجية في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، البروفسور أنتوني فاوتشي إنه مع فكرة تحرك إدارة الغذاء والدواء “بسرعة البرق” لتكون مئات الملايين من جرعات لقاح كوفيد- 19 جاهزة بحلول العام المقبل.

وقال فاوتشي: “نريد أن نذهب بسرعة، لكننا نريد أن نتأكد من أن اللقاحات آمنة وفعالة”.

ومع ذلك، حذر الخبراء من أن جزءاً فقط من اللقاحات التي تخضع للتجارب ستكون ناجحة، حيث يعتبرون أنه من الصعب رؤية الآثار السلبية المحتملة على المدى القصير.

من جانبها لفتت منظمة الصحة العالمية إلى أن “التحكَم في هذا المرض الجديد بشكل مثالي قد يكون صعباً قبل عامين أو ثلاثة أعوام من إدخال اللقاح للحصول على بيانات أساسية متسقة حول حدوث المرض والوفيات والأنماط الوبائية”.

في المقابل أجاز المنظمون الأميركيون استخدام العقار التجريبي “رمديسفير” لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجدّ في الحالات الطارئة، وفق ما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويأتي هذا الإعلان، بعدما أظهرت التجارب السريريّة للعقار المضادّ للفيروسات الذي تُنتجه شركة “جلعاد ساينسيس” أنه يُسرّع تعافي المرضى المصابين بالفيروس في بعض الحالات، وهي المرّة الأولى التي يكون فيها لأيّ دواء فائدة مثبتة ضدّ المرض.

وأعلنت الشركة في السابق أنّها ستتبرّع بنحو 1.5 مليون جرعة مجّاناً، أي ما يصل إلى 140 ألف دورة علاجيّة بالاستناد إلى أنّ مدّة العلاج 10 أيّام.

و”رمديسفير” الذي يُعطى للمريض عن طريق الحقن، كان في الأصل متاحاً لبعض المرضى الذين تطوّعوا للتجارب السريريّة أو للذين سعوا للحصول إليه على أساس “الاستعمال الرحيم”.

وتسمح إجازة العقار بتوزيعه على نطاق أوسع بكثير واستخدامه مع البالغين والأطفال المصابين الذين يُعانون من شكلٍ حادّ من” كوفيد-19″ .

المدن

——————————-

سحر كورونا الأسود: بعض المصابين يقتلهم الرعب أو ينتحرون/ نبيلة غصين

نشر وباء كورونا الخوف في أنحاء المعمورة، فغيّر نمط حياة البشر وهواجسهم وأفكارهم، فزرع الهلع في نفوسهم، أصحّاء ومصابين.

وحال الهلع قد تدفع البعض إلى الانتحار. وهذا ما فعله قبل أيام رجل تركي ظهرت عليه أعراض كورونا، فذهب إلى مستشفى للفحص. وبعدما سُحبت عينة من دمه، سعى إلى الهرب من المستشفى بسبب الرعب الذي سيطر عليه، خوفاً من أبقائه قيد الحجر. لم يستطع الهرب، فقفز من على الشرفة في الطبقة الرابعة، وأصيب بجروح خطيرة. وبعد وضعه أياماً في غرفة العناية المركزة، فارق الحياة. وكان قد تبين أن نتائج فحصه جاءت سالبة.

رعب وتأنيب ضمير

تشير هذه الحالة إلى تأثير التعامل مع المصابين أو المشتبه بإصابتهم بكورونا. وذلك باعتبارهم كائنات وبائية مرعبة، موصومة ومنبوذة. لذا صار يساور الناس مركب معقد من الرعب: رعب من الإصابة بالفيروس، ورعب من الوصمة والنبذ الاجتماعيين، ورعب من الموت. 

وبيّنت بعض التجارب الراهنة أن الرعب من الموت الذي يتلبس المصابين، يؤثر تأثيراً سلبياً على مناعتهم ونفسياتهم ومعنوياتهم ومقاومتهم أثناء تلقيهم العلاج، وغالباً ما يستسلم بعضهم لمصيره الذي يعتبره محتوماً: الموت. وهذا ما أكده أطباء عاملون في قسم علاج مصابي كورونا في إيطاليا. وأكدت تقارير طبية أن سبب وفاة بعض المصابين نجمت عن “ذبحة قلبية”، وخصوصاً من فئة كبار السن. فشرايين المسنين الضعيفة لا تحتمل مادة الأدرنالين التي يفرزها الجسم نتيجة الرعب.

وهذا يحيل إلى طرح السؤال التالي: هل أدى عامل التهويل والرعب إلى إرتفاع عدد ضحايا كورونا في العالم؟ وهذا فيما لم يعر الأطباء والحكومات، ولا حتى منظمة الصحة العالمية، اهتماماً ملحوظاً لصحة المصابين النفسية. فالإجراءات والتصاريحات والحملات الإعلامية، بثت الهلع من الإصابة بالفيروس والموت به.

وقد صرّح عدد من المصابين المتعافين أن حالاً من الذعر والرعب والخوف من الموت أصابتهم لدى تبلغهم نتيجة فحوصهم، وأصابت عائلاتهم وأحبتهم، ليس عليهم فحسب، بل على أنفسهم أيضاً. وهذا ما جعلهم يصابون بحال من تأنيب الضمير جراء نقلهم العدوى لمساكنيهم ومخالطيهم.

السحر الأسود

هل تحمل هذه الظواهر المصاحبة لتفشي وباء كورونا على استعادة ظواهر مشابهة عاشتها المجتمعات في القرون السابقة؟ ومنها مثلاً ظاهرة ما سمي “السحر الأسود” الذي ذاع الاعتقاد به سالفاً، وتسبب بوفاة كثيرين لمجرد اعتقادهم بأن ذلك السحر قد مسّهم.

وفي هذا السياق اتصلت “المدن” بالطبيب اللبناني أيمن اسماعيل الذي يتعامل مع مرضى كورونا في إحدى مستشفيات إيطاليا. فأفاد اسماعيل بأن عدداً من المصابين توفوا، من دون أن تتعدى نسبة الخطر على حياتهم جراء الإصابة 30 في المئة. أي أن وضعهم الصحي من الناحية الطبية، لم يكن حرجاً. وتبين لاحقاً أنهم توفوا في سكتة قلبية أو دماغية، يُرجح أن يكون سببها الخوف والرعب.

وكان العالم في الطب النفسي والتر كانون قد تطرق إلى هذا الموضوع في مقالته “الموت بالسحر” أو “الموت بالتعاويذ”. وهذا مصطلح صاغة كانون في العام 1942. وهو يمثل ظاهرة موت مفاجئ، بسبب صدمة نفسية – عاطفية قوية، مثل الخوف والهلع. وقد استند على مشاهداته وملاحظات عدد من الباحثين، منهم سوردي سوزا في أميركا الجنوبية عام 1587. ويقول إنه كان “أول من لاحظ وفيات تحدث من الرعب بين هنود التوبينا مباس، عندما يحكم أو يعلن أحد المطببين أن بعض الأشخاص غير قابلين للشفاء”.

بين الأمس واليوم

وفي ملاحظات بعض دارسي الانثربولوجيا بين السكان البدائيين في شمال أستراليا، تظهر حركتان محددتان تصيبان الجماعات التي يصبح “السحر الأسود” فيها مؤثراً، ويؤدي إلى ضحايا: في حركة أولى تنكفئ الجماعة وتلفظ المصابين بذلك السحر، وكل من هم على صلة قرابة بهم، ثم تتوقف عن دعمهم ومساندتهم. فيصيرون بذلك منتمين إلى عالم المقدس والمحّرم، أكثر من انتمائهم إلى العالم العادي، عالم الجماعة. وشيئاً فشيئاً يروح يتهاوى وينهار عالم الجماعة نفسها ونظام حياتها الاجتماعة. وهذه هي الحركة الثانية.

أليست هاتان الحركتان هما تقريباً ما يعيشهما عالمنا اليوم الذي يجتاحه وباء كورونا؟ فالمصاب إنسان من الضروري عزله وحجره، ولا بد من أن ينتابه الهلع ممزوجاً بشعور بالنبذ والوصم، كأنما قد مسّه سحرغريب، أو حلت عليه اللعنة. فلا يقترب منه أحد، حتى أقرب الناس إليه. ولعنة الوباء ترافقه بعد موته، إلى القبر، كأنها “عقاب شيطاني”.

أما المجتمعات البشرية في زمن تفشي وباء كورونا، فها هي تعيش حالاً من الذعر والهلع اليومي. فلم يبق من أخبار العالم أي خبر خارج هذه الحال. ووسائل الإعلام والتواصل كلها لم تعد تتناول من حوادث هذا العالم، سوى إحصاءات المصابين بالعدوى وضحاياها، والنتائج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية المترتبة عليها والناجمة عنها. وكثيرة هي التحليلات والتكهنات التي تتحدث عن انهيار العالم وتحوله الكارثي.

حالات انتحار

يفيد الدكتور اسماعيل أنه مع تزايد أعداد المصابين في إيطاليا، وإمتلاء غرف العناية المركزة، استسلم بعض المرضى المسنين لقدرهم: اختاروا الموت بإرادتهم على انتظار دورٍ في تلك الغرف ربما لن يأتي. فقسم منهم كانوا يطلبون من الأطباء إزالة الأجهزة الطبية والإمساك بأيديهم، ريثما تنقضي لحظاتهم الأخيرة، لأنهم لا يريدون الموت وحيدين تحت رحمة الماكينات المعدنية. بل يريدون أن يشعروا بدفء البشر. أولادهم وأحباؤهم الذين خافوا من زيارتهم والوقوف إلى جانبهم في لحظاتهم الأخيرة. ولربما كان هذا سبباً إضافياً لاستسلامهم وعدم تمسكهم بالحياة.

وهذا أيضاً ما يصفه الباحث كانون في مقالة “الموت بالسحر”: “يصبح الرجل المصاب بالسحر في وضع لا يمكن الهروب منه إلا بالموت. والإيحاءات المضاعفة التي يتلقاها من الجماعة، ترغمه على الانسحاب، تماهياً منه مع الموقف الجماعي. وهكذا يستسلم لنوع من الإنتحار”.

المدن

—————————-

=======================

========================

تحديث 03 أيار 2020

—————————–

“منظمة الصحة العالمية” بين ضحايا كوفيد 19؟/ خالد منصور

“نحن ببساطة نكذب للحصول على المزيد من الأموال لبرامج لا أعتقد أنها تحقق ما نعد به…”الآن، بعد عشرين عاماً من هذا الحوار، لم أعد متأكداً من صواب رأيه.

بعد أشهر من العمل في الأمم المتحدة، جلست أشكو إلى صديق في نزل إقامة الموظفين الدوليين في كابول ونحن نحتسي مشروباتنا بعد العشاء في ليلة صيفية في الحديقة. انفلت لساني وأنا أصف تقاعس المنظمة عن الوقوف في وجه “حركة طالبان” من ناحية والمانحين الأميركيين والأوروبيين من ناحية أخرى، ومدى تجميل هذا الواقع المزري الذي نقوم به في مؤتمراتنا الصحافية وتقاريرنا السنوية.

“نحن ببساطة نكذب للحصول على المزيد من الأموال لبرامج لا أعتقد أنها تحقق ما نعد به. نحن لا ندلي بمعلومات خاطئة ولا نكذب بهذا المعنى، ولكننا نكذب لأننا لا نذكر الحقيقة كلها، ونخفي نصف الواقع”، قلت ذلك وأنا أشعر بالمرارة واتفق معي الرجل المحنك الذي سبقني إلى هذا المجال بعشرين عاماً. ثم ضحك وقال: “ليس لدينا بديل أفضل، ومعظم ما نقوله علناً أو ما نسعى إلى تحقيقه على الأرض هو تعبير عن أمل وحلم ويجب أن نواصل التمسك بهما وانهيار هذه المنظمات لن يصيبنا سوى بخيبة أمل مريرة ويأس عميق”.

والآن، بعد عشرين عاماً من هذا الحوار، لم أعد متأكداً من صواب رأيه.

وفي العادة لا تبرز هذه المسائل المتعلقة بكفاءة المنظمات الأممية إلى مقدمة الاهتمام العالمي المشتت عادة وبخاصة خلال أزمة كونية غير مسبوقة مثل الجائحة الراهنة. ولكن رئيس جوقة مهرجي السياسة الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الولايات المتحدة، قرر أن يهاجم “منظمة الصحة العالمية”، فتعرضنا مرة أخرى إلى الجدل حول ضعف المنظمات الأممية وفشلها وضرورة تغيير مسؤوليها ولوائحها أو حتى إراحة رؤوسنا من هذا الصداع الدوري وإغلاقها برمتها.

هل المنظمات مستقلة حقاً؟

تواجه المنظمات الأممية الآن تحديات عدة شاركت هي بنفسها في صنعها، من طريق المبالغة في دورها وأهميته وقدرتها على تغيير الواقع الإنساني. ومن ناحية أخرى يستمر الافتراض الواهي بأن تلك المنظمات مستقلة حقاً وليست، كما هي في حقيقة الأمر، ساحة صراع بين حكومات العالم ومحل نزاع بين كبار المانحين من دول وهيئات. وتتصاعد الانتقادات على هذا الأساس من ترامب وحتى “رجل الشارع” بسبب “فشل” هذه المنظمات في إيجاد حلول ناجعة للصراعات وللفقر وللمرض. وصار أهم عمل لها هو تقديم المساعدات والمسكنات وإصدار البيانات والإعراب عن القلق، العميق أحياناً. ثم يلطمنا السؤال المتكرر: أَليست منظمات الأمم المتحدة خارج زمانها؟ ألم تُؤسس من أجل عالم قام بعد الحرب العالمية الثانية وتقارب الآن 80 عاماً وتستحق التقاعد قبل وفاة وشيكة؟

هذا كله نقد محق ولكن إغلاق المنظمات ليس حلاً، ليس بعد! كما أن هذا الخيار في الحقيقة ليس مطروحاً بجدية من دول العالم التي تسيطر مجتمعة بدرجات متفاوتة على هذه المنظمات. ما زالت المقاربة الأفضل هي كيف يمكن التدخل حتى لا تستمر تلك المؤسسات الضخمة في التآكل ويمعن بعضها في الشيخوخة وينسى الناس أسماء عدد منها؟ لا طريق سوى الإصلاح إلا إذا كانت هناك ثورة أممية قائمة على قدم وساق لا يدري الواحد عنها شيئاً وستقوم بإعادة تنظيم العلاقات الدولية وضبط نصوص تطبيق القانون الدولي وإرغام الدول على احترامه عبر محاكم دولية وقوات مسلحة كونية!

“منظمة الصحة العالمية” وموقفها منذ نهاية العام الماضي في مواجهة فيروس كوفيد19 مثال واضح على هذا الواقع المركب. وتخضع المنظمة لمجلس الصحة العالمي المؤلف من مندوبي الحكومات الـ194 الموقعة على دستور إنشاء المنظمة. ويقوم المجلس بمهمات قليلة، أهمها اختيار المدير العام للمنظمة بالتصويت وإقرار الميزانية السنوية، ويساعد المجلس هيئة تنفيذية بها 34 عضواً يتم انتخابهم دوريا من الدول الأعضاء. قدرات المنظمة خاضعة لرغبة الدول الأعضاء، وليست لها صلاحية فرض إجراءات بعينها، فمثلاً يحق لها كما فعلت خمس مرات في آخر عشر سنوات كانت آخرها منذ مدة قصيرة، أن تعلن حالة طوارئ صحية في عموم العالم. ولكن هذا الإعلان لا يمنحها سلطة إغلاق الحدود أو فرض حظر تجول أو تخصيص مليارات الدولارات للأبحاث للتعامل مع الكارثة. هذه الخطوات كلها تخضع للحكومات والشركات الكبرى.

سلطة رمزية

ليس في مقدور “منظمة الصحة العالمية” سوى تقديم نصائح وإرشادات على صعيد سياسات الصحة العامة. وتأخذ الحكومات الرشيدة مواقف المنظمة بجدية وتستعين بإرشاداتها في وضع السياسات العامة وفي تنفيذ حملات من أجل القضاء على الجراثيم العابرة للحدود، مثل فايروس شلل الأطفال. وتلعب المنظمة عادة دوراً أكبر في الجنوب أي في أفريقيا وأسيا وأميركا اللاتينية مقارنة بأوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، لأسباب تاريخية متعددة.

وتلك السلطة الرمزية والعلمية النسبية التي تتمتع بها منظمة الصحة العالمية هي السلطة الرمزية ذاتها التي تمتلكها معظم المنظمات الأممية باستثناءات معينة، إذ لدى مجلس الأمن سلطات إخضاع أي دولة لقراراته، إذا قرر استخدام القوة. كما لصندوق النقد الدولي نفوذ هائل يمكن أن يضر اقتصاد دولة إذا شاء، بينما تفصل منظمة التجارة العالمية في النزاعات بين الدول ويمكنها فرض غرامات.

على رغم أن رؤساء هذه المنظمات الأممية ليسوا ملوكاً متوجين، فإن لهم سلطات واسعة ولذا تحرص الدول الكبرى على تقاسم هذه المناصب. فمن بين 15 منظمة أممية رئيسية متخصصة يرأس صينيون أربع منظمات في مجالات الطيران المدني، والاتصالات، والأغذية والزراعة، والتنمية الصناعية، وتصل ميزانية المنظمات الأربع مجتمعة إلى ملياري دولار سنوياً. ومنذ نشأة البنك الدولي، وهو منظمة أممية بدوره، يتولى أميركي رئاسته كما يتولى أميركيون منذ نحو 30 سنة، رئاسة أكبر منظمتين للتنمية والإغاثة، وهما اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي (وميزانيتهما سنوياً ١٣ مليار دولار)، وتليها أوروبا التي يرأس مواطنوها عادة عمليات حفظ السلام (فرنسيون عادة)، والبرنامج الإنمائي، ومفوضية اللاجئين (وموازنة هذه الكيانات مجتمعة 17 مليار دولار سنوياً)، إضافة إلى تولي فرنسي عادة إدارة صندوق النقد.

وهكذا تسيطر أميركا وفرنسا وبريطانيا وحلفاء غربيون على أهم المنظمات الأممية، ويسيطرون على ثلاثة من المقاعد الخمس الدائمة في مجلس الأمن مع روسيا والصين. وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في تقديم الدعم المادي الاجباري والتطوعي للأمم المتحدة ومنظماتها، وتعدى نصيبها عام 2018 عشرة مليارات دولار أي أكثر من ضعفي الدولة التالية لها، وهي ألمانيا التي قدمت نحو أربعة مليارات دولار. وصارت الصين لاعباً مهماً في مضمار تمويل العمليات السياسية وحفظ السلام في الأمم المتحدة، بينما لا تهتم كثيراً هي وروسيا بعمليات التنمية والإغاثة. وتحتل الصين المركز الثاني بعد الولايات المتحدة إذ قدمت أكثر من 12 في المئة من احتياجات المنظمات السياسية وقوات حفظ السلام بينما قدمت واشنطن نحو 22 في المئة.

لا شك في أن الصين تفرد عضلاتها أكثر على الصعيد العالمي، عن حق، وهذا التضخم يتجلّى بصورة ما في المنظمات الأممية ولكن الهيمنة الأكبر ما زالت في جانب دول غربية متعددة، تنازعها فيه تكتلات مثل مجموعة دول عدم الانحياز أو المجموعة الأوروبية أو المجموعة الأفريقية وتناوشها من على الأطراف شركات كبرى ومؤسسات ضخمة. مؤسسة بيل غيتس وزوجته ميليندا مثلاً هي ثاني أكبر مانح مالي لمنظمة الصحة العالمية (قدمت 10 في المئة تقريباً من ميزانية المنظمة أو قرابة ربع مليار دولار عام 2018) ومن كبار المؤثرين في النقاشات الدولية حول اللقاحات.

ورغم أن جائحة كوفيد 19 تسيطر على حياتنا جميعاً، إلا أن موازنة منظمة الصحة العالمية لعام 2020 مازالت تحتاج إلى حوالي نصف مليار دولار تأخرت الدول الأعضاء في سدادها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة المدينة بحوالي مئتي مليون دولار والصين المدينة بحوالي ستين مليون دولار.

أهمية “منظمة الصحة العالمية” وبخاصة في مجال اللقاحات ليست فقط في أن الجراثيم تنتقل عبر الحدود وتحتاج إلى اتفاقات وتنسيق دولي لملاحقتها والقضاء عليها أو التعايش معها، ولكن أيضاً في أن الجهد البشري في هذا الصدد من بحث وتطوير للأدوية وإنتاج ونقل وتوزيع لم يعد يحصل في بلد واحد أبداً، فالأنشطة باتت عابرة للحدود أو موزعة بين بلدان عدة، على رغم أن شركات متعددة الجنسيات تسيطر عليها في نهاية المطاف. مثلاً شركة “فايزر” (من أكبر شركات الأدوية في العالم) تحقق جزءاً ضخماً من دخلها من صناعة اللقاحات. وربحت “فايزر” ما يزيد عن 24 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة من بريفينار Prevenar وهو لقاح واقٍ من أنواع مختلفة من الالتهابات الرئوية. هذه الشركة تصنع أدويتها في الصين وبلجيكا وألمانيا والهند وإيطاليا وبورتوريكو والولايات المتحدة وأكثر من خمسين دولة أخرى في أنحاء العالم.

وهكذا ستظل هناك دائماً حاجة إلى منظمات مثل “الصحة العالمية” ومنظمة حقوق الملكية الفكرية واتفاقيات دولية تنظم حملات التطعيم الدولية وحقوق براءات الاختراعات الدوائية، لتنظيم عمل هذه الشركات التي يظل هدفها الرئيس صراحة هو تحقيق أرباح أكبر لحملة أسهم الشركة.

المنظمات في مواجهة الحكومات

التحدي في نهاية المطاف ليس تلاعب الصين (أو الولايات المتحدة) بمنظمات دولية ومنها “منظمة الصحة العالمية”، بل في أن النظام نفسه كله قائم على وجود هذا التلاعب من جانب الدول الأعضاء في حدود اللوائح والقواعد المطاطة نسبياً. لن يقلل من التلاعب سوى قواعد وممارسات أفضل تتمسك بالشفافية وبمساءلة ديموقراطية ولكن حتى هذا لن يجعل “منظمة الصحة العالمية” وزارة صحة كونية طالما اللاعب الأهم على الصعيد الكوني هو الدول والحكومات، لا المنظمات الدولية.

لقد نجحت المنظمات الأممية، مثلاً، في تنظيم تصفية الاستعمار في بلدان عدة وتوحيد المعايير الخاصة بالاتصالات والتجارة وتصميم والمساهمة في تنفيذ حملات تطعيم كونية قضت على أوبئة عدة منها الجدري والطاعون وتقترب حثيثاً من القضاء على شلل الأطفال. ولكنها فشلت في السيطرة على النزاعات وفي إحلال السلام أو تخفيف حدة الفقر واللامساواة وتكريس احترام حقوق الإنسان.

وقبل اندلاع الزوبعة الترامبية مع “منظمة الصحة العالمية”، كان رئيس تلك المنظمة ووزير الخارجية الاثيوبي الأسبق تيدروس ادهانوم جيبريسوس أعرب عن خيبة أمل قوية بالحكومات الكبرى إزاء سلوكها بشأن الجائحة. وبعد ضغط من الصحافيين عليه وعلى مدير فريق عمل كوفيد 19 في المنظمة، الطبيب الايرلندي مايك رايان من أجل تسمية هذه الدول (وربما كانت الصين واحدة منها)، لم يقل ريان سوى: “هذه الدول تعرف نفسها أما نحن فكما تعرفون فلا يمكننا انتقاد الدول الأعضاء”.

يعرف من قرأ قسطاً بسيطاً من التاريخ ظروف نشأة المنظمات الأممية سواء تلك السياسية مثل مجلس الأمن والأمانة العامة، أو تلك القائمة على تنظيم الاقتصاد والمال مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، ثم القطب الثالث من صناديق وبرامج ومنظمات تعنى بالصحة والغذاء والمسكن والكوارث الطبيعية والنزاعات البشرية. ويصدعنا كثيرون بالقول إن ظروف الميلاد تغيرت منذ أربعينات القرن المنصرم، بينما لم تتغير هذه المنظمات. ولكن هذا غير صحيح، فقد تبدلت هذه المنظمات أيضاً وتطورت لتعكس في المطاف الأخير توازناً ما بين توزيع القوى في العالم ومنظومات القيم المتصارعة والتفسيرات المتنازعة للقانون الدولي. هذا كله يفتح مجالاً للتأثير فيها وتغييرها. وسيظل هذا الإصلاح، كما ادعى صديقي المحنك في تلك الليلة اللطيفة في كابول قبل أن تنهمر عليها الصواريخ الأميركية بعدة أشهر عقب 11 أيلول/ سبتمبر، أفضل من الشعور باليأس والانهيال بمطرقة على رأس هذه المنظمات.

درج

————————————-

كورونا وإنضاج ظروف حل سياسي في سورية/ سمير سعيفان

تدفع الأحداث الكبرى القوى العالمية إلى أن تسعى إلى حل العقد السياسية الأقل أهمية، من أجل التفرغ للخطر الأكبر. وبهذا المعنى، هل يُحدِث انتشار وباء كورونا مثل هذا المناخ من حول الصراع الدائر في سورية وعليها، خصوصا مع تزامن مجموعة من العوامل ذات العلاقة بالشأن السوري والتأثير في مساره؟

احتوى تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول اللطامنة (بلدة شمال غربي حماه)، والذي صدر في 8 الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) اتهامًا صريحًا للنظام باستخدام الأسلحة الكيميائية في اللطامنة في مارس/ آذار 2017. وهذه جريمة ضد الإنسانية. ولهذا التحديد أهميته، لأنه يعني أن النظام في سورية قد خالف اتفاق تدمير أسلحته الكيميائية، موضوع قرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013، والذي نصّ على أنه “في حالة عدم الامتثال، فإنه ووفقًا للفقرة 21 من القرار…. تفـرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”. وتكمن خطورة هذا التقرير بالنسبة للنظام ولروسيا بأنه يفتح الباب أمام إمكانية اتخاذ المجتمع الدولي خطواتٍ من شأنها تمهيد الطريق أمام محاكمة أركان النظام.

قرار تقديم مجرمي الحرب السوريين للعدالة الدولية يجب أن يمرّ من بوابة مجلس الأمن، أي تحت مقصلة الفيتو الروسي والصيني، وبالتالي لا ينتظر صدور مثل هذا القرار الآن، ولكن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وسيبقى سيف التقديم للعدالة مسلطًا على رقاب الأسد وقادة نظامه للأيام المقبلة، حيث لن يبقى لروسيا مصلحة في حمايتهم بعد مغادرتهم السلطة التي ستأتي، وربما ليس بعد زمن بعيد، خصوصا أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ما زالت تحقق في ثماني قضايا أخرى مشابهة.

يأتي توقيت تقرير منظمة الأسلحة الكيميائية مع اقتراب موعد بدء تنفيذ قانون سيزر الذي سيكون في منتصف يونيو/ حزيران المقبل، والذي يتضمن عقوبات أشمل وأشد صرامة من كل ما سبقه من قرارات. سينتج هذا القانون مزيدًا من الضغوط على النظام، وستحدّ أكثر من قدرته المحدودة أصلاً على حل أي من المشكلات الكثيرة، وخصوصا الخدمية والمعيشية، ما سيسبّب صعوبات إضافية للسوريين في مناطق سيطرته، وسيجعل الحياة أصعب بما يؤدي إلى ربط أقوى بين بقاء النظام، وعلى رأسه بشار الأسد، وبقاء الوضع المزري في سورية. وتقطع أي آمال في تطبيع العلاقات مع النظام وفي المساعدة على إعادة الإعمار.

يشكل صمود اتفاق موسكو الذي عقد في 5 مارس/ آذار 2020 بين الرئيسين، التركي أردوغان والروسي بوتين، لوقف إطلاق النار في إدلب وريف حلب، على الرغم من مساعي تخريبه المستمرة من النظام وإيران، عاملًا آخر له دلالته، فهو، في حال صموده المتوقع، يشكل مؤشرًا على انتهاء فترة الصراع العسكري، ما يفسح في المجال أمام الحل السياسي للصراع.

يشكل بقاء جزء من الأرض السورية خارج سيطرة النظام ورقة ضاغطة بيد الأتراك، لاعبا رئيسا في الصراع الدائر في سورية وعليها. وعلى الرغم من أن روسيا لا تمانع، بل ترغب بعودة هذه المناطق إلى سيطرة النظام، وانتزاع هذه الورقة من اليد التركية، غير أن تشدد أردوغان في مقابل بوتين، وإبراز الجدّية المطلقة في منع عودة هذه المنطقة إلى سيطرة النظام، وإقامة اكثر من 50 نقطة مراقبة عسكرية تركية، وإرسال أكثر من عشرة آلاف جندي تركي ونحو مائة وحدة من المركبات المدرعة الثقيلة، بما في ذلك الدبابات والمدافع ذاتية الدفع، إلى المحافظة، قد أرغم بوتين على القبول بثبات هذا الاتفاق واستمرار وقف إطلاق النار، بدون تكرار سيناريو الاتفاقات السابقة. ويبدو أن ثمّة عوامل عديدة مركّبة تتعلق بالمصالح القومية التركية، وبالسياسة التركية، ومواقف حزب العدالة والتنمية، والحسابات الداخلية للحزب ولأردوغان ذاته، كلها تدفع أردوغان إلى التمسك بهذه الاتفاقية، وهي تبرز هذه الجدّية بتحشيد قوات عسكرية تركية أكثر في هذه المنطقة في مقابل تحشيد إيران مليشياتها على حدود هذه المنطقة، في مسعى إلى تفجير القتال مرة أخرى.

من طرف آخر، يستمر الموقف الأميركي والأوروبي بربط رفع العقوبات على النظام والفيتو على تمويل إعادة الإعمار، ربطهما بحدوث انتقال سياسي حقيقي في سورية. ويشكل هذا الربط عاملًا ضاغطًا على روسيا. وقد أفشلت الولايات المتحدة مع الأوروبيين مساعي روسيا الحثيثة إلى استغلال انتشار وباء كورونا لرفع العقوبات المفروضة على النظام، وتطبيع العلاقات معه، أو مساعي إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، فالعقوبات لا تشمل الأغذية والأدوية وأي احتياجات صحية، بما فيها مكافحة الفيروس الجديد.

استمرار هذا الموقف والتمسك به سيضع الروس أمام استعصاء وإجبارها على المفاضلة بين خيارين، إما بقاؤهم في “سورية الأسد” المدمرة والمقسمة والمحاصرة، مع نفوذ إيراني منافس على أرضها، مع استمرار العقوبات، وبدون إعادة إعمار، وهو خيار فيه خسارة لروسيا، أو قبولهم انتقال سياسي بدون الأسد وقيادات الصف الأول لنظامه، والانتقال إلى نظام سياسي جديد بقيادات أخرى منتخبة ديمقراطيًا في ظروف معقدة.

على الجانب الروسي، كان لافتا صدور عدة مقالات في وسائل إعلام ومراكز دراسات روسية موالية للكرملين، مثل برافدا رو الإلكترونية، والمجلس الروسي للشؤون الدولية (يقدّم استشارات لوزارة الخارجية الروسية) ومنتدى فالداي للحوار (تأسس بتوجيه من الرئيس بوتين) وغيرها، تنتقد الأسد بشدة غير مسبوقة، وتتهم الأسد ونظامه بأنهم ضد الحل السياسي، وإن أقل من معظم الشعب السوري لا يريده رئيسًا، وتتحدّث عن المشكلات الكبرى في الاقتصاد السوري، وعن نظام الفساد المهيمن في عائلة الأسد وحاشيتها، وعن اقتصاد الظل ونهب ثروات المواطنين البسطاء، بينما يظهر الأسد وأقرباؤه الترف والبذخ في وقت تبدأ فيه البلاد الخروج من كارثة الحرب الأهلية، وأن 45% من المنازل دمرت، ونصف المرافق الصحية، و40% من المدارس والجامعات، وقد وصل 80% من السوريين إلى ما تحت خط الفقر. وتسمّي المقالات شخصيات النظام بأسمائها، مثل ماهر الأسد ورامي مخلوف وحافظ مخلوف وعماد خميس، ورجال الأعمال حسام ومحمد قاطرجي ومحمد حمشو.

بغض النظر عما إذا كانت هذه المقالات أدوات ضغط على النظام، أم هي مقدّمات للتمهيد للتخلي عن الأسد ومغازلة المعارضة، فإنها تظهر ضيق بوتين بالكذب المستمر لبشار الأسد الذي يأخذ جانب إيران، على الرغم من أن روسيا هي من أنقذه، سواء بحمايته في مجلس الأمن منذ 2011 أو بتدخلها العسكري في سبتمبر/ أيلول 2015، بل هي أكثر من ذلك، فهي قد تعكس قناعة بوتين أن بشار الأسد ليس الحصان الذي يمكن الرهان عليه. هذا كله على الرغم من أن هذه المقالات حذفت من مواقعها الإلكترونية.

إضافة إلى تلك العوامل الخمسة، يأتي وباء كورونا، والمأساة التي يسببها للمجتمع البشري، لينتج مناخًا جديدًا يدفع القوى الكبرى إلى تخفيف أعبائها، وحسم الصراعات الصغيرة للتفرغ لمواجهة خطر أكبر، فالجهات التي تمول الصراع في سورية أصيبت قدراتها بأضرار كبيرة. ما يعني أن مناخًا سياسيًا مواتيًا ينضج لاستمرار جهود الحل السياسي، والتي من المحتمل أن تبدأ خلال الشهر المقبل (يونيو/ حزيران)، حيث يتوقع أن يكون وباء كورونا قد حط رحاله، والتي من الصعب توقع نتائجها.

ما زال الموقف في سورية معقدًا للغاية، وقد بات الفاعلون في الملف السوري أربعة أطراف، روسيا وإيران (وقد غدت إيران لاعبًا ثانويًا على الرغم من وجودها الملموس على الأرض السورية) مع الشرط الأميركي لإخراجها من سورية، ومن طرف آخر تركيا والولايات المتحدة. والطرفان المقرّران في هذه اللعبة التي أُخْرِجَ منها صاحب الشأن، الشعب السوري، هما الولايات المتحدة وروسيا، وفي حين تقبض روسيا على الداخل السوري، فإن الولايات المتحدة تقبض على المجتمع الدولي وعلى مصادر تمويل إعادة الإعمار وإعادة الاعتبار للسلطة القائمة أو التي ستقوم في دمشق، إضافة إلى وجودها الفيزيائي في منطقة شرق الفرات. بدون الدور الأميركي لن يكون هناك انتقال سياسي، وحتى لو كان الحماس الأميركي في سورية دون المستوى للوصول إلى حل قريب للكارثة السورية، فإنهم لن يسمحوا بأن تحل الأزمة السورية بدون دور رئيس لهم. وقد يجد ترامب أن من مصلحته الانتخابية أن يُحدث اختراقًا في سورية يصب في صالحه، على الرغم من الأهمية الثانوية للقضايا الخارجية في الانتخابات الأميركية، ولكنها تبقى نقطة في صالحه. وموقف تركيا في الشأن السوري أقرب إلى الموقف الأميركي، فمطلبها المحدّد هو تحقيق انتقال سياسي في سورية، وقد بات من الصعب على القيادة التركية أن تتراجع أكثر من ذلك، ولكن تركيا تختلف مع الموقف الأميركي في ما يخص الموقف من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الكردية. وقد تجد روسيا من مصلحتها التخلي عن الأسد الملوث دوليًا بجرائم ضد الإنسانية، مع ميله الواضح إلى إيران على حساب المصالح الروسية، ما يغضب بوتين، وأن العقوبات الشديدة على سورية ستبقى ما بقي نظام الأسد، والتحدّي أمام روسيا هو كيف تضمن مصالحها في سورية في حال ذهب الأسد، وجرى انتقال سياسي بقيادات جديدة يصعب التحكّم بها. أما إيران فهي تحضر المشهد بحيث ينهار كل شيء فيما لو ذهب الأسد، وذلك لدفع روسيا إلى التمسك به (زيارة وزير الخارجية جواد ظريف دمشق في 20 إبريل/ نيسان)، وستعمل إيران على عرقلة الوصول إلى أي حل سياسي إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، وهي تراهن على خسارة الرئيس ترامب وفوز رئيس ديمقراطي يتابع معها سياسة أوباما، ويحافظ على الاتفاق النووي المبرم سنة 2015، والذي يتيح لها استمرار التخصيب المقيد حتى 2025، والتخصيب غير المقيد بعد هذا التاريخ، وهو الرهان الذي تريد إيران أن تكسبه، لأنها تقيم رهاناتها على امتلاك سلاح نووي، يحولها إلى لاعب رئيس في الإقليم.

تكاد البوابة الوحيدة أمام الاستعصاء السوري قيام صفقة “روسية أميركية”، الطرف الأول فيها روسيا التي تقبل انتقالًا سياسيًا في سورية، بدون الأسد وقيادة صفه الأول، إلى نظام سياسي ديمقراطي ينتج في هذه الظروف المعقدة، ويقيد دور إيران في سورية، ويضمن، في الوقت نفسه، مصالح روسيا في سورية، والطرف الثاني أميركا التي تقبل الانسحاب من سورية، ما يقطع الطريق على مشروع الـ PYD الانفصالي، مع معالجة عادلة لمطالب السوريين الكرد، ورفع العقوبات المفروضة على سورية، وإلغاء معارضتها المساعدة في إعادة الإعمار وتمويله. وتكمن الصعوبة أمام هذه الصفقة في خشية الروس على مصالحهم، في حال تم مثل هذا الانتقال السياسي مما يدفعهم، في حال خشيتهم الكبيرة إلى التمسّك بالأسد ونظامه.

إخراج هذا الحل، في حال قناعة روسيا بالصفقة، هو إجبار الأسد على الدخول في عملية صياغة الدستور بفعالية، وقد تكون النتيجة دستورا متوافقا عليه دوليًا، ويحتوي على نص يمنع الأسد من الترشح، ويوضع على طاولة لجنة صياغة الدستور كي يوقع عليه الجميع، وأن تمنح اللجنة صلاحيات الإشراف على الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة أو شراكة معها، وليس مجرّد صياغة الدستور، وأن يترافق هذا مع مناقشة الملفات الأخرى العديدة، وخصوصا المعتقلين والمغيبين قسريًا، واللاجئين والمليشيات الأجنبية وغيرها، وهذا يتطلب تقديم دعم تقني كبير لعمل اللجنة.

على الرغم من أن هذه الصفقة ما زالت حلمًا، ولكن ليس أمام السوريين من فرصة أخرى لأن يتحرّكوا للعب دور أكبر في تقرير مصير بلدهم وشعبه، وتحقيق بعض ما انتفضوا لأجله في 2011 ودفعوا أثمانًا باهظة غير مسبوقة في التاريخ. ويمكن أن يكون شكل التحرّك من خلال تشكيل مجموعة تواصل من عدد قليل من الشخصيات السورية التي لها اعتبار دولي، تتعزّز بمجموعتين استشاريتين، سياسية وإعلامية، وتنظم مجموعات عمل في عدد من البلدان الفاعلة في الملف السوري، لإيجاد ضغط بأشكال مختلفة على السياسيين وصانعي القرارات. وتتحرّك المجموعة بفاعلية وفق خطة مرسومة باتجاه الإدارة الأميركية، والتواصل مع مجموعات الضغط في الكونغرس والإعلام والسياسيين لدفع الإدارة الأميركية إلى موقف ضاغط على روسيا، لعقد هذه الصفقة، ووضع حد للمأساة السورية في سنتها العاشرة التي ستعرف عبر التاريخ بسنة كورونا.

العربي الجديد

————————————

كورونا يقسم العالم مجدّداً/ فاطمة ياسين

يعيد فيروس كورونا تقسيم العالم إلى دول ينتشر فيها الفيروس بسرعة كبيرة وتسارع مرتفع، ويسجل عدد وفيات متزايداً، ودول تخفي المعلومات فلا تعلن الأعداد الحقيقية.. لا يمكن التأكيد إن كانت دول الانتشار السريع تُعطي بيانات صادقة! ولا التثبت من أن الدول الأخرى تتقصد التمويه لسببٍ ما، هي فقط تعطي معلومات ناقصة، وهذه سمة خاصة لدول كثيرة في آسيا وأفريقيا، ومع ذلك لا يزال التقسيم صالحاً.

على الرغم من التباين، الكل تقريباً يجتمع على وجوب تطبيق إجراءات عزل وتعقيم، وسياسة إعلامية بمضمون توعوي وتحذيري متشابه، ومنع الخروج إلا للضرورات، وتحديد حرية الحركة، وتتخصص بعض دول الفئة الثانية بتوقيف الحركة ليلاً، حيث يبدأ الحجز يومياً من ساعات المساء الأولى وحتى الصباح الباكر، وقد يبدو حجر دول الفئات الثانية أقرب إلى الحجر البوليسي منه إلى الحجْر الصحي. وفي حين تترافق إجراءات الحجْر في دول المجموعة الأولى مع حملات فحوص احترازية مكثفة، تكتفي دول المجموعة الثانية بإجراءات حجْر عشوائي أقرب إلى الاحتجاز.

على الرغم من أن الصين دولة اقتصاد ضخم ومتنوع وله حضور عالمي واسع، إلا أنها تعدّ من دول الصنف الثاني، فإخفاء المعلومات سنّة متبعة في عصر كورونا وما قبله، وهذه الأنظمة تَعتبر أن قلة المعلومات المعروفة عنها تعطيها مزيداً من القوة، وأنَّ تحكمها بسير المعلومات وكثافتها يمنحها مقدرة أكبر على السيطرة، ومع أنها وجدت نفسَها أخيراً مضطرّة للاعتراف بأن كورونا قد حصد ضعف الضحايا الذين أعلنت عنهم سابقاً، ومرة أخرى من دون أن يكون هذا التصريح نهائياً، أو أنه خرج خدمةً لوجه الحقيقة الخالص، ولكن هذا الاعتراف لا ينفي عن الصين صفة التكتّم المدروس، وهي، من مكانها الاقتصادي والسكاني المميز، وبانتمائها إلى الصنف الثاني، تستطيع أن تتقدّم في مساحة حضورها الدولي في ظل كورونا، فيمكن لها أن تأخذ موقع الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية، بتقديم التمويل الذي حجبته أميركا عن المنظمة، ويمكن لها أن تقدّم أقنعة واقية وقفازات لليدين بأعداد كبيرة إلى أوروبا المنكوبة بشكل كبير، الأمر الذي قد يؤمّن لها حضوراً شعبياً كبيراً بين الأوروبيين. وفي سياق هذا التصرّف الانتهازي، تعزّز الصين انتماءها إلى الصنف الثاني الذي ما زال يخفي الحقائق، ويستغلّ الفرص لحصد مزيد من السيطرة والتحكّم، حتى بعد انتهاء الخوف من الجائحة.

سورية دولة من الصنف الثاني أيضاً، ينطبق عليها توصيف إخفاء المعلومات، والتدليس والتزوير، وهي مثل الصين في هذا المجال تستطيع استغلال الفرص لمزيد من القبض على تلابيب المجتمع ومصادرته لصالح النخبة. يطبِّق النظام الآن أنظمة حظر التجول الليلي تحت شعارات حماية الشارع من المرض الفتاك، وينفذها بقوة الشرطة والأمن والتخويف من الغرامات الباهظة، وهي فرصةٌ ذهبيةٌ لا يفوّتها النظام للتفنن بطرق التضييق على الناس، وإبقاء المواطن هادئاً ومتعاوناً، فإجباره على الاختفاء نصف الوقت طريقة جيدة لتجنّب الصدام معه. ويمكن لهذه الإجراءات أن تطول أو تستمر إلى زمن غير محدّد بحسب حاجة النظام، وليس بما تقتضيه إجراءات محاصرة الفيروس. وهناك تجربة سابقة في سورية، حين طُبِّقَت إجراءات نتيجة ظرف محدّد، ثم جرى الإبقاء عليها فترات طويلة كقانون الطوارئ، وتضخُّم الأجهزة الأمنية والقمعية من حيث العدد والأساليب والانتشار بشكل كثيف ومرعب، فمنذ أن قمع النظام انتفاضةً إسلامية واسعة اجتاحت مدينة حماة وباقي المدن السورية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، لم يستغنِ عن قواته الإضافية، وأبقاها على حالها بعد انتهاء المواجهة لصالحه، بل وتحوّل بعدها إلى مزيد من القمع والتضييق، واستمرّت قبضته الحديدية على المجتمع بفضل تلك القوى المستحدثة.. إجراءات الحجر اليوم تتضمن مزيدا من التباعد والانكفاء نحو المحلية، وقد تعطي حكام دول الصنف الثاني فرصة للتموضع بقوة أكبر، والتحكّم بصورة أكثر ضراوة.

العربي الجديد

——————————–

عن الجوائح الآتية/ حسام كنفاني

يبدو أن جائحة كورونا ليست إلا بداية لمجموعة أخرى من الجوائح التي ستجتاح دول العالم كافة، غير أن تداعياتها الكبرى ستكون على تلك الفقيرة، والتي ستلجأ إلى المؤسسات الدولية للاقتراض، والرضوخ لشروطها التي سيكون لها كبير الأثر على الحياة اليومية للمواطنين.

لبنان، على سبيل المثال، إحدى هذه الدول التي سبقت الجميع إلى صندوق النقد الدولي، في ظل شبح الإفلاس الذي يخيم على البلاد. الحكومة اللبنانية صادقت الأسبوع الماضي على ما قالت إنها “خطة الإنقاذ الاقتصادية”، والتي حملت بين طياتها شروط الصندوق، ومنها تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، والذي لا يزال محل خلاف بين الأفرقاء السياسيين. وعلى الرغم من أن السعر حالياً باتت فعلياً محرّراً، أي أن لا التزام بعد اليوم بالسعر الرسمي، غير أن لبنانيين كثيرين كانوا يمنّون نفوسهم بتدخل صارم من الدولة يعيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى ما كان عليه قبل خروجه عن السيطرة في السوق السوداء. لكن يبدو أن هذه الآمال ستذهب أدراج الرياح في ظل التوجه الرسمي إلى تحرير سعر الصرف، ما يعني أن مصير العملة اللبنانية سيذهب إلى المجهول، على غرار ما حصل أخيراً في مصر، وبالتالي ستتآكل غالبية رواتب الموظفين، وخصوصاً في القطاع الحكومي، بعد أن تفقد الليرة قيمتها الشرائية. ومع الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، والذي دفع الدولة إلى التخلف عن سداد الديون، يكون من المستحيل على الحكومة إعادة النظر في الرواتب، وهو الأمر الذي عادة ما يحصل في الدول التي تلجأ إلى تحرير صرف عملتها، وخصوصاً أن أي إعادة نظر من المفترض أن تأخذ في الحسبان السعر المرتقب للدولار مقابل العملة اللبنانية، والذي سيكون على الأقل ثلاثة أضعاف سعره الرسمي اليوم، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الأجور، وهو غير ممكن على الإطلاق.

ستؤدي هذه الخطوة اللبنانية بالضرورة إلى ارتفاع كبير في عدد الفقراء، وزيادة الغضب الشعبي على الدولة، ما سيؤثر بالضرورة على الاستقرار الهش في البلاد، وخصوصاً إذا ما اقترن الأمر بفقدان كثيرين وظائفهم بفعل فيروس كورونا، والإغلاق الذي رافقه، إذ أدّى إلى إغلاق شركاتٍ كثيرة أبوابها، ولجوء آخرين إلى تخفيض الأجور نظراً إلى غياب الأعمال.

النموذج اللبناني هذا، وإن كان الأسرع في الظهور الآن، غير أنه سينسحب على دولٍ أخرى كثيرة، والتي كانت حتى الأمس القريب متردّدة في اللجوء إلى المؤسسات الدولية للاقتراض، لكن تداعيات الجائحة العالمية ستدفعها إلى حسم خيارها والتسريع في “إجراءات الإصلاح” التي تفرضها هذه المؤسسات قبل أن تقدم على تقديم القروض. والأمر هنا لا يتعلق فقط بالدول الفقيرة، فحتى الدول التي كانت تعد غنية سابقاً، باتت تطلب المساعدة الدولية، وخصوصاً في ظل الانهيار الكبير في أسعار النفط، والذي سيكون له أيضاً تداعيات على الاقتصادات الكبيرة تفوق ما خلفته جائحة كورونا.

الأمر نفسه يمكن قياسه على معدل فقدان الوظائف في العالم، والذي سيصل إلى الملايين، وهو ما أظهرته بعض الأرقام في الدول الغربية خصوصاً. إذ كشفت دراسة في بريطانيا قبل أسابيع عن أن 6.5 ملايين وظيفة تم إلغاؤها في البلاد بسبب تداعيات الإغلاق الناجم عن كورونا. هذه الأرقام ستنسحب على الكثير من الدول الأخرى، والتي قد ترى الملايين من مواطنيها في صفوف العاطلين من العمل، ما يعني بالضرورة زيادة معدلات المساعدات الاجتماعية، في الدول التي تقدم ذلك، أو زيادة كبيرة في معدلات الفقر.

واضحٌ أن جائحة كورونا، والتي تشغل العالم حالياً، ليست إلا بداية جوائح أخرى تتربص في الخفاء. والمعضلة أن مثل هذه الجوائح الآتية ليس لها لقاح.

العربي الجديد

——————————

الوباء بين التسلطية والديمقراطية/ سلام الكواكبي

قدّم رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، قبل أيام، أمام البرلمان، خطة الحكومة للخروج التدريجي من الحجْر الذي تم فرضه في البلاد منذ أكثر من ستة أسابيع. وعلى الرغم من أن الخطة تدخل في إطار المهام التنفيذية للحكومة، ولا تحتاج دستورياً إلى أن تُطرح أمام البرلمان، إلا أن الحكومة فضّلت أن تستعرض الخطوات المزمع اتخاذها، وأن تخضع الموافقة عليها للتصويت البرلماني.

في بداية انتشار الوباء فرنسياً، كان الإجماع الوطني ملفتاً، بحيث استنكفت أحزاب المعارضة عن انتقاد الأداء الحكومي، نتيجة الصدمة التي أصابت الجميع، وانتشرت عبارة “لا يجب إطلاق الرصاص على سيارة الإسعاف”، بما معناه أنه يمكن انتظار انتهاء عملية الإنقاذ لمحاسبة الحكومة على الخلل أو التقصير في التخطيط والأداء، إلا أن الحسّ النقدي المتطوّر فرنسياً، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد عامين، كانا عاملين ساهما في تأجيج مشاعر المعارضين من أحزاب يمينية ويسارية. وقد انتقلوا خطابياً من خندق الاصطفاف إلى جانب الحكومة إلى خندق مقابل، تنهمر منه مختلف أنواع ودرجات الانتقاد شديد اللهجة للأداء الحكومي. وقد تنوّعت الانتقادات من الموضوعي إلى المتطرف، حسب التوجه السياسي للأحزاب وللشخصيات السياسية. وقد تميز متطرفو اليسار، كما اليمين، في حدّة هجومهم، وبالغوا في تحليل الأسباب وتوقع النتائج، فالجبهة اليمينية المتطرّفة مثلاً، والتي تتزعمها مارين لوبين، سارعت إلى اعتبار أن الهجرة وفتح الحدود سببان رئيسيان لانتشار الوباء. أما حزب المتمرّدين لصاحبه جان لوك ميلانشون فاعتبر أن إدارة الأزمة تصل إلى حد الفضيحة الأخلاقية، مُديناً ما أسماه حرص الدولة على أصحاب المال أكثر من اهتمامها بحيوات العامة.

الانتقاد الرئيسي الذي يمكن أن يُبنى عليه، وبعيداً عن المماحكات السياسوية والمساعي الانتخابية، يبقى هو ما يسميها بعضهم الإجراءات “القمعية” والتي تحدّ من الحريات. وقد اعتبر مفكّرون فرنسيون أن الحجْر الصحي، أو فرض المسافة الاجتماعية، أو حتى فرض ارتداء الكمامات الواقية، تعدٍّ صارخ على الحريات العامة. كما اعتبر آخرون أن الدولة استغلت الوباء لفرض قانون طوارئ تسلطي، ولو أنها أسمته حالة طوارئ “صحية”. ومقابل هذا الانتقاد النخبوي، برزت أصوات تقليدية تعتبر التسلطية الأنجع في مواجهة حالات طارئة كهذه، وأن على الحكومات الديمقراطية أن تخفف من التزامها باحترام الحريات مقابل الحد من انتشار الوباء والقضاء عليه. وأخذ هذا التيار باستحضار ما يعتقد أنها تجارب ناجحة أولاها تجربة الصين. واستفاد هذا التيار الذي يميل إلى أقصى اليمين، من الخوف والترقب، لكي يتهم السلطة السياسية بانتهاج سياسة رخوة تجاه من لا يلتزم بالحجْر، وخصص منهم أبناء الضواحي الفقيرة التي أغلب سكانها هم من المهاجرين أو ذوي الأصول الأجنبية.

استحضار التجربة الصينية التي أوهمت بعضهم بأنها نجحت في احتواء الوباء، وجد له صدى عربياً قوياً، وبدا أن الإعجاب بها يتجاوز الأنظمة التسلطية التي تتحالف مع الصين، ليصل إلى من هم في صفوف الشعوب المقهورة، والتي يبدو أن ثوراتها ضد الاستبداد قد لا تمنع بعضهم أحياناً من الإعجاب باستبداد الآخرين. وعلى الرغم من أنه بدأت تظهر إلى العلن المعلومات التي تنقض أسطورة النجاح الصيني، والتي تترافق مع اكتشاف من اختفى من الأطباء الذين نبهوا وحذروا من انتشار الوباء باكراً، كما مع فضح الأرقام الضئيلة بعدد الضحايا المصرّح عنها واكتشاف المجزرة الكبرى التي سببها الوباء في مراكز تموضعه الصينية، إلا أن الإعجاب بالأسلوب القمعي/ الاستقصائي/ التعتيمي الصيني قد نال من وعي كثيرين.

اتهامات الرئيس الأميركي، ترامب، الصين أنها اخترعت الفيروس في مخابرها تدخل في إطار الاستفاضات التويترية التي صار متخصصاً فيها منذ يومه الأول في البيت الأبيض، والبعيدة كل البعد عن التفكير والعقلانية، إلا أن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى الدفاع عن سياسات هذا البلد التي تنتهك كل حقوق عماله من حيث ساعات العمل والأجور، كما تُشغّل الأطفال وتلوّث البيئة وتستخفّ بكل الاتفاقيات المناخية الدولية، مع أنه في موضوع البيئة توازيها أميركا استخفافاً.

ينسى المعجبون بالنموذج الصيني أن النجاح الحقيقي تم تسجيله في كوريا الجنوبية الديمقراطية، وبعيداً عن أية أساليب قمعية وزجرية. وقد اعتمد الكوريون في ذلك على تعزيز مفهوم المواطنة، وعلى إبراز ثقافة الالتزام. والنموذج الكوري المجاور للصين ليس النموذج الديمقراطي الوحيد الناجح “وبائياً”، بل يمكن التوقف أوروبياً عند تجارب بلدان متطورة عديدة من التي لجأت إلى سياسة الحجر أو التي اختارت الابتعاد عنها.

إن كان المستقبل سيحمل مراجعات سياسية واقتصادية كونية لسياساتٍ أثبتت المأساة الحالية مسؤوليتها أو عجزها، فمن المفيد أيضاً أن تُراجع الصين خصوصاً طبيعة نظامها السياسي التسلطي، ومنظومتها الاقتصادية الطموحة على حساب الإنسان.

وفي المحصلة، على من يعجبه أداء النظم التسلطية في الأزمة القائمة، ألا ينسى أنه في نظام تسلطي يكمم الأفواه ظهر الفيروس القاتل.

العربي الجديد

——————————

خزان الفيروسات.. العلماء يطاردون الخفافيش للتنبؤ بالوباء التالي/ طه الراوي

 – هل تؤوي الخفافيش فيروسات كثيرة غير مكتشفة؟

الخفافيش تؤوي ما يصل إلى 15 ألف فيروس تاجي، فقط بضع مئات منها معروفة حالياً.

– ما هو فيروس “نيباه”؟

فيروس انتشر إلى البشر دون أن يلاحظ أحد، ظهر في عام 1998 خلال وباء بماليزيا، وهو مرتبط بـ105 حالات وفاة، وكان ينتقل من الخفافيش إلى البشر .

 – هل هناك خطوات لمعرفة الفيروسات الوبائية قبل انتشارها بين البشر؟

 يستخدم علماء الفيروسات عينات تم جمعها في الميدان لتحديد الفيروسات التي من المرجح أن تنتشر إلى البشر، وتصنفها وفقاً لملف بيانات الخطر الخاص بها

كثرت الأقاويل عن مصدر فيروس كورونا المستجد، المعروف بـ”كوفيد-19″ والذي كان سوق اللحوم في مدينة ووهان الصينية مصدراً لانطلاقه.

فما بين مروِّج ومصدِّق لنظريات المؤامرة وتبادل الاتهامات بين الصين وأمريكا وإلقاء الأخيرة اللوم على بكين بأن الوباء كان مصدره مختبر للأبحاث في مدينة ووهان، كان هناك فريق من العلماء يبحثون عن مصدر أصل الفيروسات الحقيقي.

وكانت أصابع الاتهام تشير إلى الخفافيش، فكما يصفها علماء الفيروسات بأنها خزانات متنقلة للفيروسات، وبالفعل يبدو أن حدسهم جاء في محلّه-.

مصدر الأوبئة

يرأس “بيتر دزاك” مؤسسة بحثية يطلق عليها “EcoHealth Alliance”، وهي مؤسسة غير حكوميةٍ مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، مهامها تكمن بتتبُّع الخفافيش والحيوانات الأخرى التي يُحتمل أن تكون مصدراً لوباء جائح.

“دزاك” يُلقّب بـ”صائد الفيروسات”، وذلك خلال عمله على مدار السنوات الـ10 الماضية، ومطاردته للخفافيش في كهوف أكثر من 20 دولة، للعثور على الفيروسات التاجية الجديدة.

في هذا الإطار، يقول دزاك: “لقد جمعنا أكثر من 15 ألف عينة من الخفافيش؛ وهو ما أدى إلى التعرّف على نحو 500 فيروس تاجي جديد، وأحد هؤلاء الفيروسات تم العثور عليه في كهف بالصين في عام 2013”.

وأكمل قائلاً: “نظن أنه سلف محتمل للفيروس التاجي الجديد الحالي (كوفيد -19)”.

أبحاث الفيروسات التاجية

يقول وانغ لينفا، عالم الفيروسات من كلية الطب “Duke-NUS” في سنغافورة، والذي طوَّر الأدوات المستخدمة لتحليل العينات التي جمعتها منظمة “EcoHealth Alliance”: “قبل وباء السارس عام 2003، لم تجذب الأبحاث حول الفيروسات التاجية كثيراً من الاهتمام، لكن بعد السارس صارت الأبحاث لفهم تلك الفيروسات أمراً مُلحّاً”.

وللقبض على الخفافيش، يجب على علماء EcoHealth Alliance إنشاء شبكات عند مدخل الكهف.

ولتجنب أي تلامس مع الخفافيش، يرتدون بدلات خطرة وجهاز تنفس وقفازات.

تم تكليف الباحثين تحديد الأمراض الحيوانية الجديدة والاستجابة لها، وضمن ذلك الفيروسات التاجية قبل أن تنتقل إلى البشر.

وعلى مدار 10 سنوات من العمل، تم منح مراكز الأبحاث نحو 200 مليون دولار، بغية إكمال عملها.

ومنذ تأسيسها، تم تحديد خمسة فيروسات تاجية لها القدرة على الانتقال إلى البشر، وضمن ذلك “كوفيد-19”.

يقدر الباحثون أن الخفافيش تؤوي ما يصل إلى 15 ألف فيروس تاجي، فقط بضع مئات منها معروفة حالياً.

وتركز منظمة “دزاك” عملها على جنوب غربي الصين، وبشكل أكثر تحديداً على كهف “الحجر الجيري” المشهور في مقاطعة يونان، والمعروف باحتوائه على عدد كبير من الخفافيش.

وبحسب دزاك، فإن استهداف الصين في البداية؛ لكون المنظمة كانت تبحث عن أصول “السارس”، مستدركاً بقوله: “لكن بعد ذلك أدركنا أن هناك مئات من الفيروسات التاجية الخطيرة الأخرى، لذلك قررنا تحويل تركيزنا إلى العثور عليها”.

كذلك بدأ فريق آخر من الباحثين عن الفيروسات، ينتمون إلى مؤسسة “سميثسونيان”، التركيز على ميانمار وكينيا.

تقول سوزان موراي، التي تقود برنامج الصحة العالمية التابع لمعهد سميثسونيان: “حتى الآن، تمكنا من تحديد ستة فيروسات تاجية جديدة في ميانمار مصدرها الخفافيش”.

ووفقاً لـ”دزاك” فإن جنوب شرقي آسيا والصين يحظيان باهتمام خاص، لأن قطاعاً كبيراً من سكانهما يتواصل بانتظام مع الحيوانات البرية من خلال صيدها وبيعها وتناولها، وغالباً ما تعيش في الأسواق الرطبة.

وبعد تحليل عينات الدم لأشخاص يعيشون بالقرب من كهفين من الخفافيش في مقاطعة جينينغ بمقاطعة يونان في عام 2015، وجد فريق البحث أن 3% من السكان لديهم أجسام مضادة للفيروسات التي توجد في الخفافيش فقط، وهو ما يعني أن هؤلاء السكان قد تعرضوا للإصابة بالفعل.

ويقول الباحثون: “ربما يكون السكان قد أصيبوا بهذه الفيروسات من دون علم، وتعافوا أو أصيبوا بعدد قليل من خلايا الجسم”.

ويوضح هؤلاء أنه من أجل انتقال الفيروسات إلى البشر، يجب أن تكون الفيروسات التاجية قادرة على الارتباط بوسَط مضيف.

وقالوا: إن “هذا يمكن أن يكون في قط الزباد أو الجِمال أو حيوان ثديي آخَر وثيق الصلة بالبشر”.

مكتبة الفيروسات التاجية

تشكل الخفافيش ما يقرب من 20% من جميع أنواع الثدييات وتتجمع في مستعمرات ضخمة بالكهوف المزدحمة، وهو ما يجعل انتشار الفيروسات بينها أكثر احتمالاً.

تم تحديد نصف جميع الفيروسات التي تسبب الالتهاب الرئوي، وكان مصدرها الخفافيش، وفقاً لـ”باتريك وو”، خبير الأمراض الناشئة من جامعة هونغ كونغ، وإنه في كثير من الأحيان يتحسن المريض ولا يتم التحقيق في قضيته بشكل أكبر.

في عام 2005، وجد “وو” ورفاقه فيروساً تاجياً جديداً في مريضين تم إدخالهما إلى المستشفى في هونغ كونغ، والذي أطلق عليه “HKU1”.

لكنه اكتشف فيما بعد، أن الفيروس نفسه أصاب بالفعل مرضى في الولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا.

فيروس آخر قد يكون انتشر إلى البشر دون أن يلاحظ أحد هو “نيباه”، يعتقد دزاك أن هذا الفيروس، الذي ظهر في عام 1998 خلال وباء بماليزيا، مرتبط بـ105 حالات وفاة، وكان في الواقع يقفز من الخفافيش إلى البشر قبل ذلك بوقت طويل بالمناطق الريفية في بنغلادش.

تقرير خاص

عندما ظهر فيروس كورونا المستجد، قام شي زنغلي، عالم الفيروسات في معهد ووهان للفيروسات، بمقارنته فور اً بقاعدة البيانات مع 500 فيروس تاجي حددتها مؤسسة “EcoHealth”.

وكانت مطابقة الفيروس التاجي الجديد لعينة مأخوذة من كهف في يونان عام 2013 متطابقة بنسبة 96.2%.

وتعتبر معرفة مصدر الفيروس الجديد وكيفية انتقاله إلى البشر جزءاً مهماً من المعلومات؛ فمعرفة مكان نشأة الفيروسات ستساعد العلماء على فهم كيفية تحوّرها لتصبح معدية للبشر، وتساعد في منع تفشي المرض في المستقبل.

التحرك المقبل

بالإضافة إلى تقديم نظرة ثاقبة حول أصول “كوفيد-19” وفيروس إيبولا، يساعد الباحثون عن الفيروسات على التنبؤ بالمكان الذي سيظهر فيه الوباء الكبير التالي ويأملون منعه.

تقول سوزان موراي: “يستخدم فريقنا من علماء الفيروسات العينات التي تم جمعها في الميدان لتحديد الفيروسات التي من المرجح أن تنتشر إلى البشر، وتصنفها وفقاً لملف بيانات الخطر الخاص بها”.

وتعتبر الفيروسات التاجية المرتبطة بشكل وثيق بالسارس أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية خطرة بشكل خاص، لأنها قادرة على القفز إلى البشر.

يقول دزاك: “وجدنا 50 فيروساً جديداً مرتبطاً بمرض السارس وحده في أثناء بحثنا، سيكون من المنطقي تركيز جهودنا على الوقاية من هذه الفيروسات عالية المخاطر”.

بدوره يوضح وانغ أن “عينات الدم المأخوذة من الخفافيش تحتوي على أجسام مضادة أنتجتها الحيوانات لمكافحة الفيروس، يمكن أن تكون هذه أساساً لتطوير لقاح أو علاج البلازما ضد مسببات الأمراض الجديدة”.

—————————

كورونا.. بومبيو يتحدث عن “أدلة هائلة” لخروج الفيروس من مختبر بالصين وإيران تبدأ فتح مساجدها

أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اليوم الأحد وجود ما أسماه “أدلة هائلة” على أن مصدر وباء كوفيد-19 هو مختبر في مدينة ووهان الصينية، من جانبها قررت إيران فتح بعض المساجد بسبب تراجع عدد الإصابات.

وقال بومبيو لشبكة “إيه بي سي” إن هناك “أدلة هائلة تشير إلى أن هذا هو مصدره” أي مختبر في ووهان، لكنه رفض التعليق على مسألة إن كان يعتقد بأن نشره كان متعمدا.

وسبق أن طرح تقرير في مجلة نيوزويك الأميركية احتمالية ظهور فيروس كورونا المستجد نتيجة ممارسات مخبرية غير آمنة في مدينة ووهان.

كما ذكر أن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية قامت بتحديث تقييمها لأصل فيروس كورونا المستجد، ولمحت إلى إمكانية إطلاقه عن طريق الخطأ من مختبر أمراض معدية.

وبحسب التقرير، فقد راجعت المخابرات الأميركية تقييمها ليناير/كانون الثاني الماضي، والذي اعتبرت فيه أن التفشي ربما حدث بشكل طبيعي، ليشمل الآن إمكانية ظهور فيروس كورونا المستجد عن طريق الخطأ بسبب “الممارسات المخبرية غير الآمنة” في مدينة ووهان.

انتشار الوباء في روسيا

من جانبها، أحصت روسيا اليوم عددا قياسيا يوميا جديدا في الإصابات بفيروس كورونا المستجد، مما يرفع حصيلتها إلى أكثر من 130 ألفا، ويجعل الوباء في هذا البلد الأسرع انتشارا في أوروبا.

وفي وقت بدأت دول أوروبية عدة تخفيف إجراءات الإغلاق، دعت بلدية موسكو -التي تعتبر البؤرة الرئيسية للوباء وتضم نصف عدد المصابين في البلاد- السكان إلى ملازمة منازلهم رغم الطقس الجيد.

وأظهرت الأرقام الرسمية إصابة عشرة آلاف و633 شخصا إضافيا بفيروس كورونا الساعات 24 الأخيرة، مما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 134 ألفا و687 إصابة.

ورغم ذلك، تستعد البلاد اعتبارا من 12 مايو/أيار لرفع تدريجي لتدابير الإغلاق الذي أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الفائت، مع إقراره بأن الوضع لا يزال “صعبا”.

وفي بريطانيا، قال وزير النقل غرانت شابس اليوم -ردا على تساؤلات حول ارتفاع عدد وفيات كورونا في البلاد لتصبح حاليا ثاني أسوأ المعدلات بأوروبا بعد إيطاليا- إنه لا يجب القفز إلى استنتاجات معينة، وإن الصورة الكاملة لم تتضح بعد.

وبلغ عدد الوفيات 28131 حتى الأول من مايو/أيار، أي أقل بقليل من المحصلة الإجمالية في إيطاليا، مما زاد الضغط على حكومة المحافظين التي اتهمتها المعارضة بالبطء في التعامل مع المراحل الأولى من تفشي المرض.

ورفض الوزراء إجراء مقارنات مع محصلة الوفيات الرئيسية في دول أخرى، قائلين إن الوفيات الإضافية، وهي عدد الوفيات لأي سبب التي تتجاوز متوسط الوفيات ​​لهذا الوقت من العام، كانت مقياسا أكثر دلالة.

وأظهرت أحدث البيانات المتاحة أن هناك ما يقرب من 12 ألف حالة وفاة إضافية في إنجلترا وويلز الأسبوع المنتهي في 17 أبريل/نيسان. ومن بين هؤلاء تمت الإشارة في شهادات وفاة أقل قليلا من تسعة آلاف إلى كوفيد-19.   

فتح المساجد

وفي إيران، أعلن الرئيس حسن روحاني اليوم أن المساجد المغلقة منذ منتصف مارس/آذار لاحتواء وباء كورونا ستفتح اعتبارا من يوم غد الاثنين في 30% من المناطق، وقد سجلت البلاد تراجعا في عدد الوفيات جراء الفيروس.

وقال الرئيس في كلمة خلال اجتماع للجنة مكافحة الوباء بثها التلفزيون الرسمي “قررنا اليوم فتح المساجد في 132 منطقة منخفضة الخطورة (على صعيد انتشار فيروس كورونا المستجد) اعتبارا من الغد، واستئناف صلوات الجمعة، مع احترام المعايير الصحية”.

وقال روحاني “احترام التباعد الاجتماعي أهم من المشاركة في الصلاة الجماعية”. وأشار إلى أن الإسلام يعتبر الأمان أمرا إلزاميا، أما الصلاة في المساجد فأمر مستحب.

ولم يوضح الرئيس أي مقاطعات ستكون مشمولة بالقرار الجديد، ولا عدد المساجد التي ستكون مخوّلة بفتح أبوابها.

ومن المتوقع ألا يطبق القرار على العاصمة إيران ولا على مشهد وقم، إذ تعتبر الأكثر تضررا بالوباء.

وقد تم إغلاق المساجد وبعض الأضرحة الرئيسية في مارس/آذار وسط أكبر وأسوأ تفش لكوفيد-19 بالشرق الأوسط.

من جهته، قال كيانوش جهانبور المتحدث باسم وزارة الصحة إن 47 شخصا توفوا جراء الفيروس خلال الساعات 24 الماضية، وهو أقل عدد يومي للوفيات منذ 55 يوما. 

كما أعرب المتحدث عن أمله في مؤتمر صحافي أن “يستمر هذا المنحى الأيام المقبلة”.

المصدر : وكالات

————————-

مع دخول رمضان.. السوريون يغرقون بين كورونا وارتفاع الأسعار

عدنان الحسين–الحدود السورية التركية

لا يبدو شهر رمضان هذا العام كبقية الشهور السابقة منه في كل عام، فارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق مترافقا بانتشار جائحة كورونا وما تبعها من إغلاق للمعابر وارتفاع تصريف الدولار مقابل الليرة بـ 20% خلال الشهر الماضي، زاد بشكل واضح من معاناة السوريين في مناطق سيطرة المعارضة التي تعاني أصلا من بطالة وأوضاع معيشية قاهرة.

ومع دخول شهر رمضان شهدت المواد الغذائية والخضار ارتفاعا وصل لأضعاف سعرها الطبيعي قبل أزمة كورونا، نتيجة إغلاق المعابر الداخلية الرابطة بين مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

أسعار قياسية

ارتفع سعر كيلوغرام الطماطم على سبيل المثال بثمانية أضعاف ما كان عليه في رمضان السابق، ووصل إلى نحو 850 ليرة سورية، كذلك الخيار والحشائش والبطاطا والباذنجان، وإن كانت بنسب أقل إلا أنها تجاوزت الضعفين، ووحده الليمون زاد سعره عن باقي الأصناف ووصل إلى معدلات قياسية ليتجاوز سعره ألفي ليرة، وانتشرت صور لشراء ليمونة واحدة وهو ما لم يألفه السوريون في السابق.

وزادت بقية الأصناف كالفاكهة بنسبة 50% إلى 100 % بينما ارتفعت أسعار اللحوم والأسماك بشكل متفاوت وتخطت ما كان مألوفا، ما زاد من أعباء المعيشة لنحو خمسة ملايين سوري يقيمون في شمال وشمال غرب سوريا.

ويقول الدكتور ياسر الحسين استاذ بكلية الاقتصاد في جامعة الشام للجزيرة إن المستوى المعيشي للفرد الواحد تدهور، وذلك نتيجة لأمور عديدة أبرزها انهيار قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأخرى، إذ بلغ سعر الدولار بين 1250 و1300 ليرة للدولار الواحد، وكذلك إغلاق المعابر وما تلاه من ارتفاع أسعار الخضروات والمواد الغذائية.

ويضرب الحسين مثالا على ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث كانت سعر علبة حليب الأطفال القادمة من مناطق سيطرة النظام يبلغ 3500 ليرة (حوالي خمسة دولارات) لكن بات سعرها اليوم ستة آلاف ليرة، وقس على ذلك الأدوية بكل أصنافها حيث تأتي من المكان ذاته. 

ويشير الحسين إلى أن هناك نقطة مهمة وهي خسارة المعارضة لمساحات واسعة تقدر بثلاثة آلاف كيلومتر مربع خلال الأشهر الماضية، متمثلة بمدن سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون وأرياف حماة وإدلب، وكانت تلك بمثابة الخزان الإستراتيجي للخضروات والفواكه لشمال سوريا ووسطها.

الاحتكار

لا يبدو فقط سعر صرف الليرة المنهار هو السبب الأبرز في الغلاء، فاحتكار المواد الرئيسية كالنفط والسكر وغيرها عائد لسطوة وسيطرة تجار في معظم مناطق المعارضة على تجارتها في غياب واضح للمراقبة التموينية، مما أدى لارتفاع أسعارها بشكل كبير.

وتجلى ذلك بشكل واضح بعد إغلاق المعابر وظهور كميات من سلعة السكر التي تباع بثلاثة أو أربعة أضعاف سعرها وهي السلعة الأكثر طلبا هناك.

فقر قبل وبعد كورونا

يؤكد وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري أن وفقا لإحصائيات منظمات محلية وغير حكومية يعيش نحو 81% من السوريين تحت خط الفقر و40% منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع قبل انتشار كورونا، لكن البطالة ارتفعت بنسبة هائلة جدا بعد كورونا يضاف إليها التهجير القسري للمدنيين من شمال شرق سوريا.

ويوضح المصري أنه رغم تقديم المنظمات الإنسانية المساعدات فإن الوضع المعيشي كان مأساويا وأصبح مأساويا أكثر بعد انهيار الليرة مقابل الدولار، وتوقف تبادل المنتجات بسبب إغلاق المعابر.

وعن استمرار المعابر التركية مع مناطق المعارضة يشير المصري إلى أن الأتراك اتخذوا إجراءات مشددة لمنع انتقال المرض إلى الداخل السوري، على عكس مناطق النظام التي سربت معلومات قبل أسابيع عن نية مليشيات إيرانية إدخال الفيروس إلى مناطق المعارضة.

أهمية المعابر الداخلية

رغم المخاطر الكثيرة المحدقة بافتتاح المعابر الداخلية بين مناطق المعارضة ومناطق النظام وقوات سوريا الديمقراطية، فإن لها أهمية كونها تعتبر مصدرا لكثير من المواد الأساسية التي تأتي بأسعار أرخص من القادمة من تركيا، إضافة إلى مساهمتها في تصدير فائض مناطق المعارضة من المواد والخضروات خاصة الأشجار المثمرة وزيت الزيتون وغيرها.

ويقول سعيد الأحمد مسؤول في إدارة المعابر بمحافظة إدلب إن إغلاقها أثر بشكل كبير جدا، لأن هناك جزءا كبيرا من احتياجات المناطق المحررة كان تجلب من مناطق هي اليوم تحت سيطرة النظام، وليس كل شيء يأتي من تركيا، والبديل الذي يمكن جلبه من تركيا أغلى بكثير.

ويضيف أن الإنتاج المحلي لمناطقهم يصرف باتجاه مناطق النظام كونه لا يمكن تصريفه باتجاه تركيا، وفي حال لم تصرف تلك البضاعة سيخسر التجار والمزارعون خسارة كبيرة ولن يستمروا في الزراعة أو التجارة، وتوقفهم يعني توقف الكثير من الأيدي العاملة عن العمل.  

وعن منتجات مناطق المعارضة يشير الأحمد إلى أن العديد من أصنافها كالزيت والقمح والدواجن والخضروات والفاكهة توجد بكميات فائضة عن حاجة السوق المحلية، مضيفا أن الكميات التي تصدر لمناطق النظام 70% منها هي إنتاج محلي فائض.

المصدر : الجزيرة

————————

هل يقتلنا الخوف أم الفيروس؟/ محمد محمود

حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست، بالاشتراك مع إيه بي سي نيور، أواخر آذار/مارس الماضي، فإن 99 % من الأمريكيين أظهروا قلقهم من إصابتهم بالكورونا، أو إصابة أفراد أسرتهم، بينما اعتقد أغلبيتهم أن التأثير الاقتصادي الذي سيخلفه الفيروس ربما يفوق تأثير الأزمة المالية العالمية في 2008، ما يضعنا أمام حقيقة هامة للغاية وهي حقيقة الخوف.

يزيد الطين بلّةً استحالة الهروب من الحديث عن الفيروس، الحياة متوقفة في العالم كله تقريبًا -باستثناء دول محددة مثل السويد- حظر تجوال جزئي في بعض الدول وشامل في دول أخرى، المصالح معطلة والأشغال متوقفة، حتى الجلوس في المنزل لا يُجدي نفعًا مع هذا الخوف، شاشة التلفزيون ممتلئة بنشرات الأخبار لا حديث لها سوى الكورونا، وكذلك مواقع التواصل التي تنتشر عليها الشائعات أكثر من الحقائق، دقائق معدودات من تصفح مواقع التواصل كفيلة بأن توهمك بأن نصف سكان الأرض قد أصيبوا بالفيروس، بينما النصف الآخر على أعتاب الإصابة.

الخوف شعور إنساني، غير ملموس وغير ومرئي ولا يمكن السيطرة عليه، ربما نخاف من الفقد أو الفشل أو عدم الوصول، نسعى ونتخذ الأسباب لمنع حدوث ما نخاف منه، بينما ترتسم بداخلنا أسوأ السيناريوهات التي لا تخطر ببال أكثر كتاب السيناريو تشائمًا، ورغمًا عن كل وسائل الطمأنينة نبقى خائفين، ما يختلف فقط هو مقدار الخوف، لكنه لا يزول إلا بزوال سبب الخوف ذاته، الأمر يشبه كل الفزع الذي سيعتمل برأسك من اللحظة التي تنوى فيها التقدم لخطبة الفتاة التي تحب، إلى أن تستمتع إلى كلمة القبول من والدها.

الأبشع من الخوف، هو حدوث طفرة تجعل الخوف أكثر ضراوة وعدوانية، وهو تمامًا ما حدث لفيروس الكورونا ذاته، والذي عرفنا منه أجيال سابقة مثل السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، إلى أن حدثت له طفرة mutation أوصلته إلى صورته الجديدة الأكثر عدوانية المعروفة طبيًا بـcovid-19، وإعلاميًا باسم الكورونا.

في الدوائر المحيطة بين الأصدقاء والمعارف، انتقل الخوف من الإصابة بالفيروس إلى الخوف من نقل العدوى إلى الآباء والأمهات، خاصةً مع التحذيرات الطبية من خطر الكورونا على كبار السن، في ظل انخفاض مناعتهم نسبيًا وإصابة أغلبهم بأمراض مزمنة مثل الضغط والسكر وأمراض القلب وغيرها، الجميع اتخذ احتياطاته حتى لا يكون الأداة التي ستحمل الفيروس إلى منزله.

الخوف من كورونا دفع الجميع إلى استخدام المطهرات، والحرص على غسل الأيدي باستمرار، بالإضافة إلى ارتداء الكمامات والقفازات الطبية وتناول الفيتامينات، وهي أمور تساعد بالطبع على الوقاية من خطر الكورونا، لكنها لن تمنع الإصابة به، وهي حقيقة يصعب على البعض تصديقها، مما جعل إفراطهم في الخوف يدفعهم إلى الإفراط في استخدام هذه الوسائل حد الهوس، رغمًا عن الأضرار التي قد تنتج عن ذلك فالكلور ينتج غاز سام تسبب كثرة استشناقه أضرار طبية كارثية، وكذلك الإفراط في استخدام الكحول قد يؤدي إلى تهيج البشرة.

في أوقات الأزمات، يصعب إقناع الناس بحقيقة الأزمة، فقط الخوف هو المسيطر، ومن ثم آثاره لن تنتج إلا مزيدًا من الخوف، وإلى أن تنتهي أزمة الكورونا سيظل الخوف هو الحاكم الحقيقي للعالم، تكمن المشكلة في أن الخوف يحضر على حساب المنطق، بعض من يفرطون في وسائل الوقاية من الفيروس ربما لا يلتزمون بالبقاء في المنزل أصلًا، ولو بقوا لأغناهم ذلك عن كل وسائل الوقاية.

يضعنا ذلك الكيان غير المرئي المسمي بـ كورونا أمام حقيقة هامة جدًا، وهي ضعف الإنسان وتخبطه في مواجهة الصعائب، وفي طل هذه الأوقات المتأزمة ليس الخوف أمرًا سيئًا، فقط المبالغة فيه هي الأمر الأسوأ على الإطلاق، لكن يبقى الأمر قيد السيطرة حتى يواجه الذين لا يملكون رفاهية البقاء في المنزل ولا ثمن المطهرات، أمام هؤلاء تقف الدول مكتوفة الأيدي، وكأنهم ليسوا ضمن تعداد مواطنيها، بل وفي بعض الأحيان يشكلون أغلبية السكان!

بينما يُغني كل على ليلاه، تواجه الأرض خطرًا ليس كمثله من الأخطار، ليس أول وباء وليس آخر الأوبئة، لكنه أكبرها في عصر التكنولوجيا والتبادل التجاري، حركة الطيران متوقفة وكل الدول منغلقة على نفسها، كذلك البيوت لا تتزاور، فقط كل شيء مغلق وكأن العالم قد تحول إلى محل تجاري يعلق بمدخله لافتة Closed، لا أحد يعلم ميعاد انتهاء هذه الأزمة، لكن الحقيقة الثابتة أن العالم لن يعود إلى ما كان عليه، ستعيد الدول النظر في المنظومات الصحية وحجم العمالة بينما تلملم جراح اقتصادها، وسيعيد الأفراد تقييم علاقاتهم الاجتماعية، وسيعيد الجميع تعريف الخوف.

الترا صوت

——————————-


العالم متحداً: مكافحة أضاليل كورونا تعادل حرية الصحافيين
يساوي العالم هذا العام في “اليوم العالمي لحرية الصحافة” بين الحرية وجهود التصدي للتضليل الإعلامي الذي يعيق مكافحة انتشار فيروس “كورونا”، في وقت دفع 55 صحافياً حياتهم ثمن الاصابة بفيروس “كورونا” خلال الشهرين الماضيين في 23 دولة حول العالم.
وتعيق الأضاليل والمعلومات المزيّفة جهود احتوائه والقضاء عليه. فالأضاليل تُنسج حول طبيعته ومنشئه وكيفية انتشاره، وآثاره وطريقة مواجهته والشفاء منه وايجاد اللقاحات والعلاجات… فضلاً عن الكباش السياسي الدولي حول الفيروس،وتحوله الى ميدان عراك سياسي بين قوى عالمية.
لذلك، أظهرت تصريحات مسؤولي الامم المتحدة اهتماماً بالغاً بمحاربة الاخبار الزائفة، كنوع من الحرية التي يمارسها الاعلاميون للتكاتف في مواجهة الفيروس.

الصحافة الحرة والمستقلة ضرورية دائمًا.

في الأزمات مثل الوباء الحالي، المعلومات الموثوقة تنقذ الأرواح. #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة#سلامة_الصحفيين_هي_سلامتك pic.twitter.com/9Z5v70d9Rp
— UNDP Lebanon (@UNDP_Lebanon) May 3, 2020

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إلى توفير حماية أكبر للصحافيين الذين قال إنهم يقدمون “الترياق” لما وصفها بجائحة التضليل المحيطة بكوفيد-19. وفي رسالة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ناشد الأمين العام الحكومات – وغيرها – ضمان تمكين الصحافيين من أداء عملهم طوال فترة تفشي جائحة كـوفيد-19 وما بعدها.
وأشار الأمين العام إلى أن الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام يضطلعون بدور بالغ الأهمية في مساعدتنا على اتخاذ قرارات مستنيرة، مضيفاً: “في الوقت الذي يكافح فيه العالم جائحة كوفيد-19، فإن تلك القرارات يمكن أن تنقذ حياة الناس من الموت”.
وقال أمين عام الأمم المتحدة إن تفشي هذه الجائحة اقترن أيضاً “بجائحة ثانية تتمثل في تضليل الناس سواء عن طريق نشر نصائح صحية مضرة أو بالترويج لنظريات المؤامرة بطريقة لا تعرف حدا تقف عنده”.
وشدد الأمين العام على أن الصحافة تكافح هذه الجائحة بما تقدمه من أنباء وتحليلات علمية مؤكدة ومدعومة بالوقائع، لكنه أشار إلى أنه ومنذ بدء تفشي هذه الجائحة يتعرض العديد من الصحافيين للمزيد من القيود والعقوبات “لا لشيء سوى أنهم يؤدون عملهم”. وقال: “نناشد الحكومات أن تحمي العاملين في وسائل الإعلام، وتعزز حرية الصحافة وتحافظ عليها، فذلك أمر أساسي لمستقبل يسوده السلام وينعم فيه الجميع بالعدالة وحقوق الإنسان”.
https://www.youtube.com/watch?v=VXXc-dljX7c&feature=emb_logo
وتنظم اليونيسكو، ممثلةً بالمديرة العامة للمنظّمة، أودري أزولاي، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة حلقة نقاش عبر الإنترنت للوقوف على أهمية الإعلام الحر في تزويد الجمهور بمعلومات مستقلة وموثوقة، والدور الحاسم لهذه المعلومات في وقت الأزمات. سيتم بث هذا الحوار الذي سيتناول مسألة حرية الصحافة وكيفية التصدي للتضليل الإعلامي في ظلّ تفشي كوفيد-19 عبر الإنترنت يوم الاثنين 4 أيار في تمام الساعة الخامسة مساءً بتوقيت غرينتش.

بمناسبة #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة تشدد منظمة “برس أمبليم كامبين” على ضرورة توفير لوازم الحماية الضرورية للعاملين في المجال الصحفي لتغطية الأخبار في
ظل هذه الظروف الاستثنائية.
تعرفوا على عدد الصحفيين الذين قضوا في أنحاء العالم بسبب كورونا (كوفيد-19) خلال الشهرين الماضيين: pic.twitter.com/m5LKO7KcNj
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) May 3, 2020

سيتوقّف أطرافُ النقاش على خطورة “وباء المعلومات المضلّلة الخطير” الذي حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة. ومن هنا، يتمثّل الهدف من النقاش في الدفاع عن الحاجة إلى صحافة حرة لمواجهة التضليل الإعلامي الذي يعرض حياة الكثيرين للخطر ويقوّض الجهود المبذولة للاستجابة لجائحة كوفيد-19 من خلال ما يروّج له من علاجات كاذبة ومؤامرات وخرافات.
وتجمع اليونيسكو خلال هذا النقاش العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليه، ورئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، الصحافي يونس مجاهد، والصحافية الاستقصائية ماريا ريسا (الفلبين)، ومؤسِّس موقع Rappler الإخباري، والأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، كريستوف ديلوار. وسيتولّى الصحافي المكسيكي الأمريكي البارز، خورخي راموس، إدارة النقاش.
وسيتبع النقاش الإعلان عن استهلال حملة “حقائق” (FACTS) الإعلامية العالمية التابعة لليونسكو الاحد. وتهدف هذه الحملة إلى تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام الحرة والمستقلة في زمن الكورونا. وتجدر الإشارة إلى أنّ أبرز المنظمات الإعلامية حول العالم تبدي إقبالاً على الانضمام لهذه الحملة التي رُسمت ملامحها على يد شركة دي دي بي الحائزة على عدّة جوائز.

ما بين تحديهم لوباء #كورونا والاحتلال
لجنة دعم الصحفيين تطالب بتوفير الأمن والسلامة للصحفيين في #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة
فمنذ بداية عام 2020 ارتكب الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 158 انتهاكاً، كما بلغت الانتهاكات الداخلية منذ بداية العام نحو 36 انتهاكاً من قبل جهات فلسطينية pic.twitter.com/MqbS1LU59P
— Journalist Support Committee - JSC (@jsc_committee) May 3, 2020

#اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة

أن يُسلب الحرف، وتُمسح الكلمة خوفاً من سوط السلطة؛ أن تُبتر الأيادي وتُصلب الأجساد دون وجه غلطة هنا ندعوا ليس لحرية الصحافه فقط بل الكلمه يجب ان تكون لها حرية #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة pic.twitter.com/p5nmLFrfoT
— فهد المطيري (@fahad__alhamly) May 3, 2020


نعيد ونكرر الصحافة ليست جريمة ونطالب بالإفراج عن المعتقلين من الصحفيين.#اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة pic.twitter.com/aYt0cO8TFZ
— اسماعيل محمد (@jqzWRrfocOyUwjs) May 3, 2020


In April 2020: 5 #violations were documented, including the killing of a journalist in the prisons of the #Syrian_regime#رابطة_الصحفيين_السوريين #sja#المركز_السوري_للحريات_الصحفية#ارفعي_الصوت_سوريا #Speak_up_Syria#اليوم_العالمي_لحرية_الصحافةhttps://t.co/hANQoneG2U pic.twitter.com/hgFroMAUet
— SJA رابطة الصحفيين (@SYJAssociation) May 3, 2020

=====================





===========================

تحديث 06 أيار 2020

—————————–

سوريا: طوابير”كورونا” أمام الأفران/ حبيب شحادة

تخاف أم أحمد على أطفالها من “كورونا”، إلا أن وضعها المعيشي المتدني وعجزها عن الإنفاق على أسرتها، يخيفانها أكثر.

في طابور عشوائي حيث يقف مواطنون بانتظار الحصول على المواد المدعومة حكومياً من فرع “المؤسسة السورية للتجارة” في حي المزة غرب دمشق، تتكئ أم أحمد (40 سنة) مع طفليها منذ نحو الساعتين لتأخذ مخصصاتها الشهرية من سكر (4 كلغ) وأرز (3 كلغ) وزيت. حجزت دورها في طابور طويل، وتنتظر أن يحين، ليُنهي مسلسل انتظارها المرهق، وسط قلق واضح وتخوف من التجمعات التي تنشّط فايروس “كورونا”.

تحاول السيدة توفير ما تستطيعه في نفقاتها الشهرية، عبر شراء المواد التي تدعمها الدولة (أسعارها أقل من السوق) عبر ما يُعرف بالبطاقة الذكية، التي منحتها إياها الحكومة، فالمواد الغذائية نفسها تُباع خارج صالات البيع التابعة لمؤسسة “السورية للتجارة” بضعفي سعرها وأكثر. هذه البطاقة أصبحت ملاذ السوريين محدودي ومنخفضي الدخل، خصوصاً بعد موجة الارتفاع الأخير الذي شهدته معظم السلع الاستهلاكية في الأسواق، والتي تُشكل سلة الغذاء الرئيسية.

يحق لكل عائلة الحصول على “بطاقة ذكية”، وهي مشروع “أتمتة” توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على العائلات والآليات في سوريا، كانت تقوده “وزارة النفط والثروة المعدنية” وتنفّذه شركة “تكامل” المحلية.

سابقاً، المواد الغذائية كانت تُباع في مؤسسات السورية للتجارة (المؤسسة الاستهلاكية سابقاً) من دون بطاقة ذكية، وعلى مدار الشهر، عبر بطاقات ورقية (بونات) بسعر مدعوم، توقفت مع بداية عام 2011، وعادت المواد لتُباع عبر البطاقة الذكية بموجب قرار صدر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في 2 شباط/ فبراير 2020.

طوابير في زمن “كورونا”

الطوابير التي تتشكل بالتزامن مع انتشار الجائحة في سوريا، يبدو أنها ستصبح أطول مع قرار صدر في منتصف نيسان/ أبريل يقضي بحصول السوريين على الخبز من الأفران الحكومية عبر البطاقة أيضاً.

“الطوابير بيئة خصبة لانتشار كورونا”، يقول طبيب متخصص مقيم في دمشق.

وكانت الحكومة فرضت “الحجر الصحّي” الكامل مطلع نيسان على بلدة منين شمال دمشق، بعد وفاة امرأة بفايروس “كورونا”، كانت تعمل في بقالة داخل المدينة، ثم رُفع الحظر عن المدينة في 27 الشهر ذاته.

كما عزلت مدينة السيدة زينب في ريف دمشق، نتيجة الاشتباه بوجود شخص مصاب في أحد الأحياء، وما زالت المدينة التي تحتوي على مزارات دينية شيعية، تحت الحجر حتّى الآن.

يوثّق هذا التحقيق، أنّه بينما قامت الحكومة باتخاذ إجراءات احترازية للوقاية من “كورونا”، على الصعيد الطبي والإداري، إلا أنها بالمقابل اتخذت إجراءات اقتصادية وقرارات “غير صائبة” وفق خبراء، أدت إلى زيادة التجمعات والطوابير بين الناس سواء للحصول على الخبز أو المواد المقننة (المدعومة)، ما رفع احتمال العدوى وانتشار الفايروس في أوساط السكان مع تخوف من تفاقم الخطر.

وفق وزارة الصحة لغاية 27 نيسان، بلغ عدد المصابين بفايروس “كورونا” 43 حالة، منها 3 وفيات، و19 حالة شفاء. فيما لم يبلغ عن إصابات شمال سوريا أو في المنطقة الشرقية.

يقول الدكتور حسن حزوري، محاضر في كلية الاقتصاد في جامعة حلب: “إنّ معظم قرارات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فاشلة بامتياز، وتأتي بنتائج معاكسة للأهداف المعلنة أو المصرح بها”.

كما وضعت “وزارة الصحة” مجموعة توصيات للوقاية من الفايروس، منها، عدم تشارك أطباق الطعام وأكواب الشراب والمناشف والمناديل والأدوات الشخصية مع الآخرين، إضافةً إلى تجنب الاجتماعات المكتظة والأماكن العامة المزدحمة، وتجنب مخالطة من تبدو عليهم أعراض مرضية تنفسية.

ومن ضمن نصائح الوقاية، الاهتمام بالنظام الغذائي الصحي الغني بالخضروات والفيتامينات وشرب الماء بشكل كافٍ، وتقليل السكريات الزائدة والأطعمة غير الصحية قدر الإمكان والمشروبات التي تحتوي على كافيين مثل القهوة.

وفقاً لمعاينة معد التحقيق، فإنه في الطوابير لا تتم مراعاة أي من إجراءات السلامة الوقائية، كما أنّ هذه الطوابير تطيح بقاعدة “التباعد الجسماني” التي تدعو إليها “منظمة الصحة العالمية” وحكومات العالم كافة لوقف انتشار الفايروس التاجي.

يقترب المواطنون من بعضهم بعضاً من دون مسافة أمان وبلا كمّامات طبّية أو قفازات.

هاجس تأمين الغذاء

تتنوّع أسباب الوقوف في هذه الطوابير، إمّا للحصول على الخبز اليومي، أو عبوة الغاز أو بعض المواد الغذائية، كذلك الأمر فإن الحصول على المعاش الشهري بالنسبة إلى الموظفين يتطلّب الوقوف في طوابير، ولكن هذه المرّة داخل مؤسّسات مغلقة.

تخاف أم أحمد على أطفالها من “كورونا”، إلا أن وضعها المعيشي المتدني وعجزها عن الإنفاق على أسرتها، يخيفانها أكثر.

“لا أملك رفاهية الحجر المنزلي، كوني معيلة أسرتي المكونة من أربعة أشخاص، في ظل غياب زوجي المفقود خلال الحرب”.

كما تكفل أم أحمد، إخوتها من مصروف عائلتها، إضافة إلى خسارتها 100 دولار أميركي كانت تصلها شهرياً من شقيقتها في ألمانيا، إذ توقّفت شركات الصيرفة ضمن إجراءات الإغلاق لمواجهة “كورونا”.

“كورونا” ليس هاجس السوريين الأول، فهاجسهم الأكثر إلحاحاً هو الحصول على لقمة العيش التي تتطلب الانتظار لساعات في طوابير طويلة، من دون إجراءات وقائية لمواجهة الوباء.

مشهد اصطفاف الناس بالمئات أمام الأفران ومؤسسات السورية للتجارة لساعات للحصول على الخبز والمواد المقننة، لا يزال يتكرر يومياً، على رغم خطورة التجمعات التي تظهر عليها حالات من التعب والإرهاق، وهي تضمّ كبار سن ونساء وأطفالاً، من دون أن يدري أحد منهم إن كان مصاباً أم لا.

معد التحقيق، وخلال جولته في عدد من أحياء العاصمة دمشق، رصد طوابير الناس المتجمعة عشوائياً، للحصول على الخبز عبر الأفران والمعتمدين، وذلك في منطقة باب سريجة، وأمام مؤسسات “السورية للتجارة” في المزة، الشيخ سعد، باب سريجة في دمشق، فالطابور الواحد يتجمع فيه أكثر من 50 شخصاً بلا إجراءات وقائية.

خطر على المنظومة الصحية

يقول الطبيب لؤي موسى، وهو اختصاصي أمراض صدرية وتنفسية إنّ “السوريين تعاملوا مع الفايروس وكأنه يأتي في الليل فقط، فعلى رغم الإجراءات الاحترازية، إلا أن الناس كانوا يفترشون الطرق والشوارع في النهار للحصول على إعانة شهرية وكأن شيئاً لم يكن”.

ويتحدّث موسى، عن نوع من التراخي في الوقاية من الفايروس، خصوصاً في تلك التجمعات والطوابير أمام الأفران والسورية للتجارة وغيرها من الأسواق المكتظة في النهار والفارغة مساءً.

كما أنّ المنظومة الصحية عاجزة عن احتواء الوباء في حال انتشاره السريع كما حدث في بعض الدول، فالنظام الصحي في سوريا متهالك بعد 10 سنوات من الحرب، وقد خرجت بموجب ذلك مستشفيات كثيرة عن الخدمة، وفقاً لموسى.

بحسب وزارة الصحة، بلغت الخسائر في القطاع الصحي نحو 7 مليارات ليرة، إضافة إلى تضرر 43 مستشفى و21 منها خرجت من الخدمة، كما تضرر 197 مركزاً طبياً، وتعطل 75 في المئة من الصناعات الدوائية.

في 16 نيسان، وصلت إلى مطار دمشق الدولي، دفعة مساعدات طبية مقدمة من الصين، خاصة بالكشف عن الإصابة بفايروس “كورونا” متضمنة 2000 جهاز فحص (كيت).

قرارات فاشلة!

يقول الدكتور حسن حزوري، إن إصرار “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” على تطبيق بيع الخبز عبر البطاقة الذكية (الغبية) بالتزامن مع وباء كورونا، إضافة إلى بيع المواد المقننة، لن ينتج عنه سوى مزيد من معاناة المواطنين واحتمال انتشار كورونا في تلك التجمعات العشوائية”.

الدكتور جمال شاهين اختصاصي علم أمراض ومناعة، قال إن “الطوابير بيئة خصبة لانتشار الفايروس، ويجب تطبيق التباعد الفيزيائي عبر تخفيف الاكتظاظ، وأخذ مسافات آمنة في تلك الطوابير، خصوصاً التي تحتوي كباراً في السن”.

الفايروس أم الجوع؟

لا يختلف وضع عصام (45 سنة) القاطن في غرفة مستأجرة في حي باب سريجة وسط دمشق عن أم أحمد، ويقول: “إذا أردت أن أحمي نفسي وعائلتي من الفايروس، فلن أستطيع تحصيل مخصصاتي عبر البطاقة الذكية، لذلك أضطر للوقوف في الطابور من أجل الأغذية المدعومة والذهاب للتسوق أيضاً”.

عصام الموظف الحكومي يتكرر مشهد انتظاره في الطوابير شهرياً، وقد يتراوح ذاك الانتظار بين الساعة والثلاث ساعات ليصل دوره، هذا إن تمكن من الوصول قبل نفاد الكمية.

    “لا مسافة أمان في هذه الطوابير، والسبب هو الازدحام”.

ويضيف: “اضطر للوقوف في الطابور بسبب فرق الأسعار بين السورية للتجارة وغيرها من الأسواق، وعلي توفير ما لدي من مال لإطعام أولادي”.

وما زاد مشكلة عصام أن انتظاره الطويل ينحصر بالحصول على مخصصاته وزوجته من دون أولاده الخمسة، والبالغة 2 كلغ سكر و2 كلغ أرز، ذلك أن تسجيل أولاده على البطاقة يحتاج إلى أوراق رسمية أخرى لا يمكنه الحصول عليها بفعل الإجراءات الاحترازية، ما حرمه من مخصصات أولاده لهذا الشهر.

وبالمقابل، لا يتجاوز دخل عصام 50 ألف ليرة شهرياً (50 دولاراً)، وهو متوسط الرواتب في سوريا.

تحتل سوريا المرتبة الأخيرة عالمياً وفقاً لدخل/ حصة الفرد السنوية من الناتج المحلي الإجمالي بحسب تقرير منتدى الاقتصاد والمال والأعمال التابع للأمم المتحدة، والمقدر بـ479 دولاراً سنوياً.

ومع انخفاض الدخل وتدهور قيمة العملة المحلّية، (1 دولار يساوي 1300 ليرة سورية) شهدت الأسواق السورية ارتفاعاً حادّاً في الأسعار، خلال فترة “كورونا”.

تضمنت دراسة جديدة لموقع World By Map، صدرت في شباط الماضي، بيانات وإحصاءات للسكان الواقعين تحت خط الفقر في كل دولة من دول العالم، وتصدرت سوريا المرتبة الأولى عالمياً من حيث الفقر. وتتوافق أرقام الموقع مع أرقام الأمم المتحدة، إذ قدرت نسبة السوريين تحت خط الفقر بـ83 في المئة، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.

التباعد الجسماني غير ممكن

يُرجع الدكتور حزوري الازدحام أمام السورية للتجارة إلى البطء في عملية التوزيع عبر البطاقة الذكية، إذ تحتاج كل عملية تعبئة دقيقتين على الأقل، وفي حال انقطعت شبكة الإنترنت ستتوقف العملية، ما يسبب الطوابير الطويلة، ويرفع احتمال الإصابة بالفايروس.

نمر من محافظة السويداء (38 سنة) يتحدّث عن العجز في تحقيق التباعد الجسماني، على أفران الخبز، يقول: “لا نستطيع أخذ مسافة أمان، وإلا نحن بحاجة إلى شارعين أطول بمرات عدة من الشارع الذي نقف فيه حتى يكفي الطابور المكون من 70 شخصاً على الأقل”.

من جهة أخرى، يرى الدكتور أسامة محمد، خبير اجتماعي، أن فكرة التباعد الجسماني تتطلب البقاء على بعد متر أو اثنين على الأقل من الآخرين. وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الطوابير التي نراها يومياً سواء على الصرافات أو مؤسسات السورية للتجارة، أو الأفران، والتي لها الكثير من المخاطر في زمن تفشي “كورونا”، وأبرزها انتشار الفايروس بسرعة وبشكل متوالية هندسية بين الشعب.

وزارة الصحة السورية، وضعت مجموعة أرقام ساخنة، ليتصل بها الذين  يعانون من أعراض الفايروس كارتفاع الحرارة، والسعال الجاف، وضيق التنفس وطلبت منهم التوجه فوراً إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي.

الخبز… معاناة متجددة

ليست معاناة السوريين مع الخبز ونوعيته وتوفره جديدة، ومنذ بدء العمل بنظام البطاقة الذكية في سوريا، بدأت الشائعات تدور حول إدراج الخبز وبيعه عبرها ولحاملها فقط، إلى أن أصبح ذلك حقيقة مع إعلان “وزارة التجارة الداخلية” عن بيعه عبرها في نيسان 2020.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أوقفت بتاريخ 21 آذار/ مارس الماضي بيع الخبز عبر كوات الأفران منعاً للازدحام الحاصل ولجأت إلى البيع عبر السيارات الجوالة والمعتمدين من قبلها في إطار إجراءات التصدي للفايروس. لكن تلك الإجراءات لم تفِ بالغرض، إذ غصت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور التي تظهر تجمهر الناس أمام سيارات الخبز ومحلات المعتمدين، مشكلين طوابير وتجمعات.

صفوان في محافظة اللاذقية، يشرح لعبة الخبز والمعتمد قائلاً:

“يومياً نذهب إلى الفرن نجد المختار الذي يقول إن الخبز عند المعتمد وفي اليوم التالي نذهب إلى المعتمد ليقول إن الخبز من الفرن، وفي الأخير لا خبز بلا بطاقة ذكية”.

ويضيف: “نقف ساعة في الطابور، ثم نأخذ خبزاً قديماً وسيء الجودة، ثم تريدون منّا أن نكترث لكورونا”.

 تفاصيل الاشتراك غير معروفة

شهدت عملية بيع الخبز عبر البطاقة الذكية في مناطق في ريف دمشق، فشلاً تقنياً تمثل في توقف القارئ الإلكتروني عن معرفة تفاصيل البطاقة الذكية، إذ ظهر على شاشة القارئ “تفاصيل الاشتراك غير معروفة”، ما دفع المعتمدين إلى العودة للبيع بلا بطاقة ذكية، وخلق طوابير من الناس المنتظرين دورهم.

ويعكس هذا الأمر، إقحام طرائق تقنيّة للحصول على الخبز في ظل عدم دراسة جدوى الأجهزة وجاهزيتها لتقديم خدمة بيع الخبز.

وخلال جولته على الأفران، لاحظ معد التحقيق قيام أصحاب الأفران وبالتعاون مع المعتمدين ببيع الخبز المخصص عبر البطاقة الذكية في أكشاك المعتمدين، وليس في كوات الأفران، ما خلق طوابير تمتد لمسافات طويلة، وذلك من أجل اقتسام الأرباح بين صاحب الفرن والمعتمد على حساب زيادة الطوابير وزيادة خطر تفشّي الفايروس.

التلفزيون السوري الرسمي، بثَّ تقريراً يوضح فيه آلية استخدام البطاقة الذكية لتوزيع الخبز، وشرحها في عملية معقّدة يصعب تفكيكها وفهمها، ما دفع البعض إلى اعتبار أن العجن والخبز داخل المنزل أسهل من تفكيك الثغرات التقنية الخاصة بهذه البطاقة للوقوف على الطابور بشكلٍ يعرّض الناس لخطر الإصابة بالفايروس، من أجل الحصول على ربطة خبز.

كلام حكومي مخالف للواقع

معاون وزير التجارة الداخلية رفعت سليمان، كان كشف في تصريحات صحافية عن وصول نسبة الهدر في الخبز إلى 30 في المئة، لذلك جاء قرار استخدام البطاقة الذكية، بعد تحديد ألفي منفذ بيع في دمشق.

ولكن يبدو أن كلام مسؤولي ملف الخبز والتجارة الداخلية منفصل عن الواقع المعاش، والذي عبر عنه عدد من المواطنين.

ربيع (مواطن يقف في طابور طويل) في دمشق يقول: “إنّ توزيع الخبز على البطاقة الذكية لا يحترم كرامة المواطن، بل يذلّها”.

ورأت أم أحمد أن “البطاقة الذكية لن تسهل شيئاً، لا الخبز ولا غيره، خصوصاً في ظل انتشار الوباء الذي لم يكن ينقص السوريين غيره”.

تدرك أم أحمد، خطورة انتظارها مع طفليها للحصول على إعانة شهرية تؤمّن لقمة عيشها وأولادها في ظل جنون الأسعار وانتشار وباء “كورونا”. وتقول “هاد وضع البلد، وهيك عايشين”.

البطاقة الذكية

بدأ العمل بمشروع “البطاقة الذكية” الذي تنفذه شركة “تكامل الخاصة” بالتعاون مع وزارة النفط عام 2014، وكانت الخطوة الأولى مقتصرة على توزيع الوقود على السيارات الحكومية، والثانية عام 2016 للآليات في محافظة السويداء، والثالثة عام 2017 التي وصلت عبرها البطاقة الذكية إلى عامة الناس للحصول على مازوت التدفئة، ومن ثم اتسع دورها لتشمل مادة الغاز المنزلي مطلع عام 2019، والآن توزع عبرها مواد غذائية أساسية.

يحذر الدكتور سالم الرجوب، اختصاصي أمراض صدرية، من استمرار تشكّل الطوابير بالتزامن مع “كورونا”، ويقول: “إن تأثير هذه الطوابير يتجلى في نقل الفايروس من مصابين قد يقفون فيها، ما يؤدّي إلى استنزاف المستشفيات، إذا نقلت العدوى في هذه الطوابير”.

“يجب تحديد عدد الأشخاص في كل طابور، مع التشديد على مسافة أمان بين شخص وآخر لا تقل عن 6 أقدام”. وهو ما لا يراعى تنفيذه.

أنجز التقرير بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج

درج

———————————–

“أليس الجميع ميتاً في النهاية؟”: السوريون يتعاملون مع “كورونا” بلغةِ الحرب/ مناهل السهوي

لكثرة ما خاف السوريون بات الأمر روتينياً لذلك يخرجون من منازلهم ويتحدثون عن وباء يحدث خلف الجدران وعن حرب شاهدوها بأمّ أعينهم. وفي المواجهة بين فايروس وحرب تنتصر الحرب دوماً…

“لم نعد فُرجة، صار العالمُ كله فُرجة، الدول الكبيرة، إيطاليا، إسبانيا وأميركا، تخيلي يا عمو حتى أميركا!”، يرددُ سائق التكسي بزهو، الرجل الذي اعتاد أن يكون في مقدمة الأحداث العالمية، يشاهد اليوم دولاً يعوث فيها الموت من كلّ صوب من دون أن يتأكد تماماً إن كُنّا لا نزال حقاً بعيدين من دائرة الخطر. وهذا ليس من باب الشماتة لكن الشعب الأضعف والمسحوق تحت حربٍ وأزمة اقتصادية سيبهره أن تتداعى دول عظيمة بفعل “زكام” على حد قوله! وفي الحقيقة حتى لو دخلت سوريا دائرة الخطر في الوباء سيبقى ذلك السائق مبهوراً، هو الذي لا يصدق أن الدول الكبرى قد تحلّ عليها كوارث مثلنا تماماً!

هكذا يجد نفسه اليوم الشعب الذي اعتاد الموت بكلّ السبل، وصارت لديه وسائله للتحايل عليه أمام “كوفيد 19”. سيتحتم على الجميع تغيير أرقام الموت وتعديل كراسي الحاضرين ولكنهم سيغيرونها بطريقة تلائم حياتهم لا الوباء، فالموت واحدٌ بالنسبة إليهم لكن لطالما أبهرت طرائقه السوريين وكأننا درسٌ لا ينتهي عن أكثرِ طرائق الفناءِ غرابةً.

تغطيةُ الأفواهِ والنوافذ

في فترة ما، كان القناصون يستقرون في الكثير من الطرق الواصلة إلى العاصمة دمشق، يستهدفون أيّ مركبةٍ تمرّ، حتى بات المرور شبه مستحيل، أتذكر كيف كنّا نسحب ستارة النافذة في الحافلة، ونختبئ خلف تضليل القنّاص حتى نصل من دون أيّ ثقب مريب في الزجاج. ثم اعتاد الكثير من السوريين تغطية نوافذهم من عين قنّاصٍ ليمروا خلفها بطمأنينة في منازلهم، التي تقبع تحت تهديد قصفٍ مفاجئ. الحمايةُ قد تعني أقل مما يخيّل لنا، ففي طريقة الموت والحماية من هذا الموت الكبير أي “بستارة” شيء من الكوميديا السوداء، لكن الحقيقة هي أننا نحتاج حجاباً يصدُّ عين العدو عن ضحيته. وهكذا تحوّل شيء بسيط كالستارة إلى وسيلة دفاع قوية، ولأن الحياة تعني عيش تجارب متشابهة، يعيد السوريون تجربة الستارة لكن هذه المرة من خلال كمامة .لكنهم وعلى عكس الستارة يتعاملون معها باستخفاف مريب، فيضعونها على ذقونهم أثناء الحديث أو أثناء تدخين سيجارة طارئة، ثم يتخلصون منها في الشارع، تاركين عشرات الاحتمالات لنقل العدوى. في المقابل لم يتخيلوا ولو لمرة أنّهم قادرون على إزاحة الستارة إلى أن يتأكدوا تماماً أن القناص رحل! تكمن المشكلة في شكل العدو، فعدو يُرى بالعين المجردة ليس كآخرٍ يقتل الضحية من دون أن تراه. في النهايةِ كلّ إنسان يريد قاتلاً يحمل بندقية أو قناصة، أليس من الغريب أن يقتلنا عدو لا يرى؟

لذلك تبدو حكاية هذا الشعب مع الكمامة والكفوف معقدة، حيث يُبدي البعض اهتماماً بارتدائها ولكنه يزيلها متى شاء ويعيدها أيضاً متى شاء، وكأنّه يعرف اللحظة التي سيأتي بها الفايروس في ثقة عمياء بأنه غير مصاب، وهذا ما يسمح للبائع في محل الأجبان ببيع الجبن وهو يرتدي كفّين ثم يمسك ثمن ما باعه بالكفين ذاتيهما، لينظر إلي مردداً: “انظري ألزمونا بإجراءات السلامة”. آخذُ الجبن ولا أصاب بـ”كورونا”، وهكذا تتحقق نبوءة بائع الجبن بأن الفايروس مؤامرة عالمية، لكن مهارة السوريين تتخطى المتوقع مع بائع الفلافل صاحب كشك فلافل سمّاه كشك “أحلى زلمة”، تيمناً، فهو ينادي الرجال المشترين أو حتى المارقين من أمام كشكه بلقب “أحلى زلمة”، يستقر الكشك على أحد الأرصفة، مع طعامه المكشوف مباشرة على شارع عام، ولمواكبة الوباء خطّ صاحب الكشك على لافتة: “كورونا بتعدينا وفلافل أحلى زلمة بتحمينا”.

الخوف يختفي بعد أسابيع

في البداية يكون الأمر جديّاً والخوف حقيقياً، يلتزم الجميع قواعد السلامة الشخصيّة أثناء الوباء، لكنهم سرعان ما يعودون بطريقة ما إلى حياتهم السابقة، حدث الأمر ذاته خلال الحرب، في البداية كذّب الجميع ما يحدث ثم انخرطوا به مرغمين بأعداد الشهداء والمنازل المهدمة والرؤوس المقطوعة. الحقيقة تأتي في بعض الأحيان على طبق من دم، لكن الخوف هذه المرة مختلفٌ، السوريون يعرفون الخوف كما لم يعرفه سواهم، لكن أن تخاف من صاروخ يختلف عن خوفك مِنْ مَنْ حولك، وأن تخاف من طلقة رصاص يختلف عن خوفك من ملامسة الآخرين. لا تسير الأمور بهذه الطريقة في الحقيقة، يحتاج السوريون إلى التصديق كأن تتوقف الصغيرتان في الشارع عن الشجار حول تبادلهما الكمامة، فكلٌّ تلبسها عشر دقائق. تقول صديقتي إن الخوف هذه المرة أكبر وأكثر شمولاً، إنّه يهدد أيّاً كان، في كلّ مكان وتحت أيّ سقف، لا يكفي أن تبتعد من منطقة الصراع لتنجو، ولا أن تغادر مدينتك نازحاً لتنجو، لكن كيف سيصدق السوريون؟

لن نخاف أكثر، إنه شعار المرحلة الضروري لتجاوز الأزمة واستكمال الحياة، فكيف يعيش شعبٌ ما حظراً حقيقياً وهو جائع، يفكرُ كيف يجلب الطعام لأطفاله في الغد. الجوع أقوى من الأوبئة، بسطات الخضار على بساطتها هي طريقةُ حياةٍ، والعتّالون ينتظرون في الساحات فرصةً لحمل كيس اسمنت ليشتروا خبز يومهم، والناس يتجمهرون على أبواب المؤسسات الاستهلاكية بانتظار حصصهم من السكر والأرز المدعوم، تلفُّ بعض النساء شالاتهن على أفواههن، يتدافع الناس، يمدون أيديهم للحصول على السكر والأرز. يغدو المشهد شعبياً ومنافياً للصحة العامة فقط لأولئك الذين لا يحتاجون إلى الأرز المدعوم ويشترونه بضعف سعره مرتين! لكن المشهد في الحقيقة وللناس الذين يعلمون معنى الجوع هو لحظة خشوع، أمّا للكاميرات فهو لقطة إنسانية حزينة. والأشخاص الذين يفهمون حزن البلد يرون في هذا التدافع قدسية لن يفهمها كثيرون، لكنها تُرى بوضوح في صرخات النساء بانتظار حصتهن من السكر: “أنا ما أخدت ومش راجعة إذا ما أخدت سكراتي”. كلّ هذا لهو أقوى من أيّ وباء وفي الحقيقة ولكثرة ما خاف السوريون بات الأمر روتينياً لذلك يخرجون من منازلهم ويتحدثون عن وباء يحدث خلف الجدران وعن حرب شاهدوها بأمّ أعينهم. وفي المواجهة بين فايروس وحرب تنتصر الحرب دوماً، فقط لأن لديها ما تقدمه حقاً، ليس أعراض زكام وحسب، هكذا يردد السوريون.

الاختباء ليلاً

تبدو المدن السورية ليلاً وكأنّها مدنٌ هجرها سكانها، فيما ترتفع البيوت بالصخب والشجارات. فجأة، ندرك أن عائلات كثيرة ليست سعيدة وأصوات الصياح في البيوت المتلاصقة في دمشق تجعل النساء يرتجفن حتى لو لم يكن المعنيات ويجلسن في المنزل المجاور. “إن كان صوت صياح الزوج هكذا، فكيف ستكون صفعته؟”، تقول امرأة لأخرى في الشارع، متابعة: “صارت أسرار البيوت مفضوحة بسبب كورونا”. لم يكن ينقص العائلات السوريّة سوى “كورونا” لتظهر هشاشة تلك العلاقات وخفوت نورها، هكذا ستتحمل وجوه النساء وأجسادهن صفعات إضافية وكدماتٍ أكثر. أقصى ما تستطيع فعله النساء والفتيات هو إرسال شكواهن إلى حسابات النسويّة على “فايسبوك”، مذيّلاً بحرفين يرمزان إلى أسمائهن، في غياب قانون يحميهن من التعنيف الأسريّ، مجرد محاولات بائسة لتفريغ أحزانهن، من منزلي أسمع جارنا يصرخ ويشتم زوجته وابنه الصغير في حين يعمّ بعد الصراخ صمتٌ مهيب، لأتخيل الأجساد التي ترتعش تحت الغطاء محاولةً كبت صوت بكائها، يعلم الجميع أن ذلك الصمت ليس بآمنٍ.

على الجهة الأخرى، يحاول رجال الاندماج في الحياة الروتينية لزوجاتهن، مكتشفين عالماً آخر قد يكون خلاصاً لهم خلال النهارات الطويلة، ليمدوا يد العون، أحياناً بدافع الملل وأحياناً أخرى لرغبة حقيقية في المشاركة. ويمكن القول إن أحاديث الأصدقاء المشتركة في أمسيات مسروقة يلعبون خلالها “الورق” حتى طلوع الفجر، منتظرين انتهاء منع التجول مع قدوم الصباح، باتت أحاديث مختلفة تماماً يعرِضُ فيها كلّ رجل مهاراته الجديدة، والأكثر فخراً هو ذلك الذي قام “بتنظيف المطبخ”، مكتشفاً أن زوجته ليست في منتهى الترتيب والنظافة. لكن السؤال الملح، ماذا بعد “كورونا”؟ هل سيحتمل الرجال العودة إلى أعمالهم؟ أم أن بعضهم سيجد في المطبخ وأعمال المنزل عملاً يشبهه أكثر، هل ستتغير الأدوار بعد “كورونا”؟

المقابر الجماعية وأسرّة العناية المشدّدة

في دراسة نشرتها كلية لندن للاقتصاد اعتماداً على التقارير السوريّة وتقارير “منظمة الصحة العالمية”، فإن عدد الأسرّة المزودة بمنافس اصطناعية في سوريا هي نحو 650، نصفها قيد الاستخدام بالفعل وهذا يترك 325 سريراً فقط لـ”كورونا”، للحظة يشعر المرء بأن الأمر مجرد مزحة، لكن هذا حقيقي. وهناك مدنٌ وفق التقرير لا تحوي أيّ أسرّة، كمدينة دير الزور التي مزقها تنظيم الدولة “داعش”، لن يريد أحدٌ التفكير بشكل الكارثة المقبلة إن حدثت، فهي ستصنع مقابر جماعية من دون الحاجة إلى مجازر وإلى مناطق بعيدة تُخفى فيها تلك المقابر، لكن هنالك فرقاً بين مقابر جماعية أصحابها بلا هويات وأخرى لأشخاص لم تعد تتسع لهم القبور. لم تصل سوريا إلى هذه المرحلة من الوباء بعد، لكننا إزاء مقارنة حقيقية بين حياتين واحدة في الحرب وأخرى في الوباء والمقارنة تفترض أن نتخيل شكل ما سيحدث كيلا نظلم الحرب على الأقل.

تفرضُ الحياة شكل لغةٍ يلائم كلّ أزمة أو مرحلة يحياها الإنسان، فتختصّ بعض المفردات والعبارات بقضية ما وهكذا تتشكل هوية هذه القضية، عبر سلسلة من المفردات المشتركة، فمفردات الحرب معروفة “قتل، هجوم، طلقة، تفجير، صاروخ، قتلى، شهداء، اغتصاب”… أمّا مفردات الوباء فتختلف كليّاً، “جائحة، عدوى، فايروس، أعراض، إحصاءات، إصابات، لقاح”…

ما زال جارنا العجوز يقول عن وفيات كورونا “قتلى” وكأنّ الحرب لم تفارقه، هو الذي اعتاد أن يكون الموت على شكل القتل أو الشهادة، لن توائم ذاكرته الحربية كلمة “وفاة”، وحين قلت له: “تقصد وفيات وليس قتلى؟”، رفض مؤكداً أن لا فرق، أليس القتيل هو شخصٌ ميت! والمتوفى شخصٌ ميت! وحين شرحت له أن القتيل يستحضر بالضرورة قاتلاً وحرباً، أمّا المتوفى فسيحتضر سبباً جسدياً داخلياً للموت كالسرطان أو “كورونا”، هزّ رأسه غير مقتنعٍ مردداً: “أليس الجميع ميتاً في النهاية؟”.

في انتظار الخلاص

ينتظر السوريون اليوم مع العالم المعجزة والخلاص، مترقبين ذلك اليوم الذي يُعلن فيه عن لقاح لهذا الوباء. وفي الحقيقة إن انتظار السوريين حدثاً عظيماً كبقية العالم وكأنّهم جزء حقيقيّ من الكرة الأرضية، لهو شرف وانتصار يعادل الوصول إلى اللقاح، فليس بالضرورة أن يكون الخلاص لقاحاً بل أن يعود شعبٌ ما ليشكّل جزءاً من خوفٍ جمعيّ وترقبٍ عالميّ للخلاص، على عكس ما حدث في السنوات التسع الفائتة حين كان السوريون هم الأزمة وحياتهم فُرجة العالمِ، وورقة النقاش والتداول في كلّ المحافل، وكأنّهم مسلسلٌ يُتابع بشكل منتظم. نعم يشعر السوريون بأنهم مختلفون عن بقية العالم وأن حظهم العاثر جعلهم لاجئين وقتلى ومعتقلين وأيتاماً وهاربين دوماً من الخوف، ليعيشوا كفافهم من الأيام الحزينة، متابعين حياة غيرهم من الشعوب، غير مصدقين أن الحياة كريمة لهذا الحد مع غيرهم!

درج

———————-

حسابات كورونا بين واشنطن وطهران/ مروان قبلان

على الرغم من انهماكهما بمكافحة فيروس كورونا، لم ينشغل النظام الإيراني، ولا إدارة الرئيس ترامب، عن متابعة العداء المستحكم بينهما. على العكس، يجد البلدان في التصعيد مصلحة مشتركة في هذه المرحلة تحديدًا، من جهةٍ لصرف الانتباه عن فشلهما الذريع في التصدّي للوباء. ومن جهة ثانية، هي فرصة لزيادة الضغوط على الخصم، وتسجيل نقاط في الحرب الباردة الدائرة بينهما منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018.

تلمح إيران تحديدا فرصة للرد على بعض الضربات التي تلقتها من إدارة ترامب، كان أكثرها قسوة، أخيرا، واقعة تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد، مطلع العام الجاري. تقرأ إيران، وتتابع، جيدا تطورات الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، خصوصا أن رهانها الفعلي بات اليوم مرتبطا، أكثر من أي وقت مضى، بخسارة ترامب انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ولا بد أن يلحظ المرء أن الوباء، وعلى الرغم من فداحة الأضرار التي ألحقها بإيران، سواء على مستوى الأرواح (أكثر من ستة آلاف وفاة بحسب إحصاءات رسمية، و30 ألفا بحسب تقديرات إعلامية مستقلة) أو على مستوى الخسائر الاقتصادية (تقدرها مصادر بـ42 مليار دولار)، إلا أنه قد يكون حليفها الرئيس وأملها الوحيد في هزيمة ترامب في الانتخابات المقبلة.

في هذا السياق، يأتي التصعيد الإيراني المحسوب ضد إدارة ترامب، سواء على شكل احتكاك بين زوارق البحرية التابعة للحرس الثوري والسفن الحربية الأميركية في مياه الخليج، أو عبر إطلاق إيران قمرها الصناعي العسكري الأول، كاشفا عن مدى تطور برنامجها الصاروخي الذي تضغط إدارة ترامب، ومعها الأوروبيون، لوضعه على الطاولة في أي مفاوضات مستقبلية. تقوم حسابات طهران على أن إدارة ترامب تعيش حاليا أسوأ أوقاتها، بعد أن ذهب الوباء بإنجازاتها الاقتصادية التي كانت تعوّل عليها للفوز بانتخابات نوفمبر، فخلال خمسة أسابيع من تفشّي الوباء، خسر الرئيس ترامب البطاقات الاقتصادية الثلاث التي كانت تمضي به حتما نحو الفوز بولاية ثانية، بحسب وكالة موديز (Moody’s)، فقد ارتفع مستوى البطالة من 3,6% قبل انتشار الوباء، وهو أقل معدل في خمسين سنة، إلى 15% حاليا بعد أن خسر نحو 30 مليون أميركي وظائفهم في الأسابيع الأخيرة. أما أسواق الأسهم، فقد انخفضت هي الأخرى من مستوياتها التاريخية التي اقتربت في فبراير/ شباط الماضي من 30 ألف نقطة، إلى أقل من 20 ألف نقطة، قبل أن تسترد بعض خسائرها أخيرا. أما دخل الفرد الذي تحسّن كثيرا في سنوات ترامب الثلاث الأولى، فقد عاد وانتكس بشدة بسبب الوباء.

استطلاعات الرأي العام الأخيرة، والتي تعكس خيبة الأميركيين من الإدارة الكارثية لأزمة تفشّي وباء كورونا، تؤكد تراجع حظوظ ترامب الانتخابية، وترسل إشاراتٍ مشجعة لإيران للتصعيد، انطلاقا من أن ترامب لن يستطيع، في ظل الوضع الكارثي الذي يواجهه، أن يفتعل أزمةً كبيرةً في السياسة الخارجية.

تبدو تقديرات إيران للمصاعب التي يواجهها ترامب منطقية، بلا شك. ولكن حساباتها معه لم تكن دائما دقيقة، بدليل انسحابه من الاتفاق النووي، ثم إلغائه الإعفاءات المتصلة بتصدير النفط الإيراني، وأخيرا قراره تصفية سليماني. تغفل إيران أحيانا أن لدى الخصم حساباته أيضا. والواضح أنه كلما اشتد الضغط الداخلي ازداد ميل ترامب إلى الهروب إلى الخارج، بدليل تركيز إدارته، بحق أو بغير حق، على تحميل الصين مسؤولية انتشار الفيروس، سواء بترويج أطروحة أنه جرى تصنيعه في مختبر في ووهان، أو أن الصين تكتمت على انتشاره. بالمثل، قد تجد إدارة ترامب ما يغريها بالتصعيد مع إيران، وافتعال أزمةٍ تنقذها من ورطتها الداخلية، ويبدو أنها بصدد فتح معركةٍ لتمديد الحظر على مشتريات إيران من السلاح، والتي تنتهي في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بحسب الاتفاق النووي، مستفيدة من الاستفزاز الذي مثله إطلاق إيران قمرها الصناعي العسكري الأول.

في سبتمبر/ أيلول 1992 لاح للرئيس جورج بوش الأب احتمال الهزيمة في الانتخابات التي كانت تبعد نحو شهرين، فاتخذ قراره بالتدخل عسكريا في الصومال، على أمل أن يساعده ذلك في تغيير النتيجة. لم يفلح بوش في تغيير النتيجة، لكن الولايات المتحدة كانت قد غزت الصومال.

العربي الجديد

————————-

سؤال القيم المستجد والوباء/ سامي داوود

سارع الفلاسفة المعاصرون إلى استحضار صورة القيم الكونية الحبيسة، وإدراجها في وقت الفراغ المربك، الذي وفرته أزمة الحجر الكوني لفيروس كورونا. ورافقتها ـ كما هي عادة “الصرعات الثقافية”- استعادة لأسماء الكتب العلاجية المناسبة في هكذا أزمات.

ففي سنة 2008، مع الأزمة المالية المتعلقة بالرهون العقارية، زاد إقبال الناس على قراءة ماركس، وكأنه دواء إدراكي لإحدى علل النظام الرأسمالي. ومع كورونا زاد الطلب في فرنسا على رواية “الطاعون” لألبير كامو، والتي لن تضيف شيئا ذا معنى إلى قراءة الناس لأزمتهم الفيروسية الراهنة. فالمشكلة الفلسفية بالنسبة لكامو كانت هي الانتحار الذهني والامتثال لفكرة اللاجدوى. والأغرب من ذلك، هو ما قام به بعض الفلاسفة، باستلال كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” من أجل نقد سلطة الطوارئ ـ الضرورية في هكذا ظرف، من وجهة نظر آلان باديوـ التي ستجعل الدول الأوروبية تتغول على غرار اللويثان الصيني، وتتجرد من نظمها التاريخية التي أنتجت الهيكلية المؤسساتية للدول الأوروبية وتوافقاتها المجتمعية. ونظرا لزخم الأفكار التي تزيد الأزمة التباسا، سأكتفي بالقول إن “المراقبة والمعاقبة” لفوكو، ليس ترياقا مفاهيميا في هذا السياق. وما ينقب عنه فوكو، في بنية السلطة المشرفة على كل شيء، والضابطة لوجود الجسد حيويا، عبر التماثل الوظيفي الذي تنتجه السلطة، بين المؤسسات الصحية والدينية والسياسية، يشتغل ـ الآن/ هناـ ضمن أطر ضيقة جدا، ولا يتوافق مع النظام القانوني الحديث، ولا مع “أفول الدين” كوسيط علائقي، على أقل تقدير نظريا، وضمن الفضاء الأوروبي تحديدا؛ ناهيك عن الاختلاف القياسي بين الحجر المعاصر المتصل بالإنترنت، والذي لا يتضمن بنى هيكلية للتفاوت الاجتماعي، وبين الحجر الذي بدأته الكنيسة في القرن السادس عشر، وتخصيص المرضى بسفينة الحمقى.

هذا الجدل ليس جديدا. فبعد 11 سبتمبر، طرحت منظمة اليونسكو على شريحة واسعة من الفلاسفة والكتاب، من مختلف الثقافات، سؤالها المتعلق بمآل القيم في زمن العولمة. ولذلك سأقارب هذه النزعة المستجدة لتداول القيم، بما قيل سابقا في سياق الثنوية المتجاذبة لـ القيم/ المِحن.

ربما كان سلافوي جيجك، الذي تعلو سريره صورة ستالين، سباقا في الدعوة إلى اغتنام الفرصة للعودة، أو لاستعادة الريادة الشيوعية في إدارة النظام العالمي الأعرج. ولأنه نعت نفسه في مقاله بما يلزم، سأكتفي بإحالته إلى نموذج تحليلي، قدمه فالتر بنيامين عن ملاك التاريخ، تلك اللوحة التي رسمها بول كلي، والتي ينظر فيها الملاك إلى ما يتضمنه الماضي من فظائع تاريخية، تجعله لا يلتفت إلى رياح المستقبل وآماله. فكيف للممارسة الشيوعية أن تكون بديلا قيميا، وهي التي احتجزت الشعوب في أرخبيلات اعتقالية، وحولتهم إلى دارات آلية لتحريك نظام رأسمالية الدولة؟ ليس لدى جيجيك أي تحليل غير تذكيرنا بالمصير المأساوي الذي أوصلتنا إليه الحضارة الاستهلاكية. نعم يا عزيزي، نعرف كيف حول الاقتصاد المملوك من قبل الآلهة الجديدة ـ اللوبيات وشركاتها العابرة لكل حاجز- هذا العالم الإبراهيمي بتعبير دريدا، إلى مكب للنفايات وملهى للتسلية. غير أنها ليست اللحظة المناسبة للمساومة بين خيارين وفقا لقاعدة: أحلاهما مُر. فحتى التحليل البلاغي لمفهوم التسوية، وفقا للمعالجة الفذة التي قدمها حاييم بيرلمان في بيانه “عن البلاغة الجديدة”، تكون التسوية ممكنة، حينما نضع في بنية الحجة التي نعلل بها ترجيح خيار سيء على آخر سيء، في المنفعة الممكنة من عملية التسوية، وذلك بالرغم مما يتضمنه ذلك التفضيل من حرجٍ أخلاقي. غير أن جيجيك لا يجد حرجا في دعوتنا إلى التغافل عن معرفتنا التاريخية للقبول ببديله القيمي، والذي اختزله رفيقه ستالين في تعليق بسيط أرسله إلى كوريته الشمالية قائلا: “في حربكم الأهلية، لم تخسروا سوى البشر”.

لغة شبه دينية

طافت على سطح بعض الأفكار لغة شبه دينية، كتلك التي ظهرت في مقال إدغار موران المنشور في جريدة ليبراسيون في 27 آذار/مارس المنصرم، ودعوته المجتمعات إلى التكافل لأن البشرية أمام مصير مشترك. شخصيا، لا أعلم ما هي المظلة الكونية التي ستجعل البشرية تنضوي تحتها كعائلة واحدة. وبالرغم من إيماني الطوباوي برؤية موران إلا أنها غير ممكنة، ليس لأنها غير عقلانية ولا واقعية وفقا للمنطق الهيغلي في العلاقة بين الواقعة والعقل، بل لأن العولمة حطمت الكونية وأنتجت ما يسميه جان بودريار بـ “الخلاعية الثقافية”، وذلك في سياق مساهمته التي قدمها لمبادرة اليونسكو. إذ وفقا له، قامت هذه الخلاعية الثقافية بخلط كل القيم، لذلك لم تعد هناك قيم كونية. هنا مرتع العلة القيمية، والتي يقدم بودريار تشخيصا حاذقا لها في اعتبار المجتمعات موبوءة بالعنف الفيروسي القادم من الشبكات ومن المدى الافتراضي. علينا إذاً، قبل مواجهة كورونا، أن نتكلم عن استفحال الفيروس وعنفه الذي: “لا يتحرك بالمجابهة، وإنما بالتماس، والعدوى، والتفاعل المتوالد. هادفا إلى إفقادنا أي نوع من المناعة”.

لا يشير المفكر الفرنسي عبد النور بيدار، في مقاله المنشور في الهافتنغتون بوست 2/4/2020، إلى الفيروس الذي أصاب القيم الإنسانية وفقا للصيغة التي قدمها بودريار. لكنه يقول ابتداء من العنوان بأننا كنا محجورين في الأصل، لكن من دون أن نعلم. حجرٌ قيمي سبق هذا الحجر الكوني لأجسادنا، ويجد في هذه الحالة فرصة لإعادة التفكير في القيم الكونية. نعم هي فرصة، لكننا لا ننتبه إلى أن الذي يستحوذ على الوقت خلال الحجر، هي مرة أخرى الشبكات التي تنشر فيروس القيم المختلطة؛ هذا الكولاج المبتسر لتصورات قيمية مجتزأة، وغير القابلة للتجانس إلا افتراضا. لقد توقفت خدمة نتفليكس في بعض الدول، نظرا لزيادة الطلب على منتجاتها. وبدأ الناس يتبادلون فيما بينهم مواد التسلية من فيديوهات ورسائل جاهزة الصياغة. وازداد الطلب على العيادات النفسية بسبب مضاعفات السأم المزمن للمجتمعات المقيدة بالشاشات. إذاً، كيف سوف تستغل هذه الفرصة؟

ألا يعيدنا هذا النقاش إلى المناظرة التي جمعت بين هابرماس والبابا بندكتوس الثاني. حينما تقدم هابرماس بتصور غريب حول الحاجة إلى الدين من أجل تعميم الإيمان بمبادئ العقل، ردّ عليه البابا قائلا: “في البداية، يجب أن نضع العقل تحت إشراف القيم”.

إذاً، كيف يمكن للأوبئة أن تجعلنا نعيد النظر في نظامنا الأخلاقي؟ وهل في إمكاننا أن نتحدث إلى جمهور كوني، بعد أن تحطمت الكونية بفعل الخلاعية الثقافية كما سلف ذكرها؟

أفول القيم

سوف أنتقي من بين المساهمات التي أشرت اليها أعلاه، أي ما يتعلق بأفول القيم، مادة قدمها جاك دريدا وأخرى بيتر سلوتردايك، كونهما تتقاطعان مع النقاشات الراهنة حول أزمة القيم الإنسانية التي تتآكل، ليس بفعل فيروس كورونا، فهذه الجائحة مجرد منبه لتعرية التآكل القيمي، بل بسبب هيمنة الاستهلاك على المعنى في الوجود الإنساني المفكك إلى فردانيات مبرمجة.

كعادته، قدم دريدا إطلالة حول العولمة والعالم، قبل وصوله إلى السؤال الذي كان يجب أن يبدأ به، أي لماذا علينا إعادة النظر في العالم الذي أفرزته عملية العولمة، والتي يقاربها بـ العالم الإبراهيمي المتعلق بالديانات التوحيدية، التي تفترض نوعا من الأخوة الجامعة بين البشرية ككل. ويجد أن مهمة الفيلسوف ـ وفقا لوصفه ـ هي المجاهرة بإيمانه في جعل الكونية الفعلية ممكنة. ولذلك يدعو إلى “عولمة الغفران”. إنه اللاهوت الذي يتسرب في الوقت الذي عليه أن يغيب.

أما الفيلسوف الألماني سلوتردايك، فإنه يستقي من القديس أوغسطين فكرته حول خطيئة “التحول إلى الذات” والتي اعتبرها أوغسطين سببا في الانقطاع عن الآخر. ومن خلال فكرة الخطيئة، يدعو سلوتردايك إلى تحرير شيطاني للإنسان، ويطالب المثقف بأن يكون محامي الشيطان في هذه المهمة من أجل خلق مسافة للأنوية الإنسانية داخل المجانسة التي تفرضها العولمة.

 لا شك في أن بعض عناصر العولمة ـ شحن بضائع، وسياحة، وشركات عابرة ـ ساهمت في جعل كورونا معولمةً كجائحة. وكشفت معها خطيئة الانقطاع عن الآخر بفعل الجشع الذي كرسته الحداثة في المجتمعات الاستهلاكية. لكن لن تؤدي هذه الجائحة إلى عولمة الغفران للوصول إلى أخوة كونية كما زعم دريدا.

لن تتأخر المفارقة في التمفصل في كل شيء. ستطفو بعض الأفكار المتعلقة بالتضامن التي دعا إليها حتى شخص ما ورائي القيم مثل ترامب، وذلك بالتزامن مع الأخبار التي نشرتها الصحف الفرنسية، حول المضاربة التي قامت بها أميركا لشراء شحنة أقنعة ومعقمات صينية كانت متوجهة إلى فرنسا. وأعقبها بيان عن وزارة الخارجية الإسبانية حول قرصنة تركيا لشحنة أدوات طبية صينية، كانت متوجهة إلى إسبانيا.

إذاً ما هو الحل؟ ينبري زيغموند باومان في مؤلفه “الأخلاق في زمن الحداثة السائلة” لاقتراح حل أقرب إلى الأفكار السابقة، وذلك من خلال فكرة “حب الذات” التي لا تكون إلا عبر وجود الآخر. أي مرة أخرى، استلهام فكرة هيغل حول الخروج من الذات من أجل وجودها “ظاهراتية الروح”. لكن باومان يعتقد بأن وجود الآخر هو الذي يضفي المعنى على وجود الذات. وبذلك لا يكون الحب ممكنا إلا عبر الاكتراث العميق الذي يوليه الآخر لوجودي.

غير أنه في العصر الرقمي، يمكن باستمرار ايجاد بديل للآخر.

“ينبري زيغموند باومان في مؤلفه “الأخلاق في زمن الحداثة السائلة” لاقتراح فكرة “حب الذات” التي لا تكون إلا عبر وجود الآخر”

ولا توجد مسافة حقيقية. ثمة ألعاب تحبس الناس كالروبوتات المقيدة إلى الموبايلات. وقدرة النظام على تطعيم البشر بالميكانيزمات الآلية قد يعتقد البعض أنها تعود تحليليا إلى فوكو ومفهومه حول الضبط العضوي، إلا أن آريك فروم في مؤلفه “تشريح التدميرية البشرية” كان قد سبقه في ذلك، من خلال مقاربته حول الإنسان الآلي الذي أفرزته البيروقراطية الصلبة للنازية. هذه الحالة الروبوتية، القائمة في السلوك البشري المعاصر، والذي تهيمن عليه السلطة الكونية للاقتصاد الرقمي، والشركات العابرة، قامت بإنتاج أفراد بلا استجابة قيمية. إنهم بلا مناعة، لذلك هم ضحايا للتحديث المتعلق بنظام السخرة الجديد.

واللوغاريتم الذي يقوم بفرز المواد الأكثر تفضيلا على اليوتيوب يبشر بديانة كونية من التفاهة. وإلى جانب ما يفرزه الاقتصاد الرقمي من تلوث إشعاعي يجب أن نقوم بلفتة خاطفة على مصادر المواد الخام التي تزود المعامل في الدول الصناعية حيث تظهر المفارقة في الحب بكل فجاجتها، إذ تمشي السيارة الكهربائية في الشوارع الأوروبية، بعد أن تكون قد دمّرت النظام البيئي في الدول الفقيرة المنتجة لمادة الليثيوم، أو العبودية التي تقوم الشركات الصناعية الكبرى بتحديث نسخها المتوافقة مع منافعها في دول الملاجئ الضريبية واليد العاملة بالسُخرة.

الحَجر فرصة تأملية، أكثر من كونه مشروعا لمقاومة قيمية ضد العالم الجديد. وهول التداعيات الاقتصادية المتوقعة سيرمي بنا على الحواف الملساء لخسارتنا الإنسانية الحاصلة أساسا.

 ضفة ثالثة

 ——————-

بعد إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق.. البث الحي عبر الإنترنت للجنائز

برلين: في تطور قاس آخر لجائحة فيروس كورونا، نصح الخبراء أفراد أسر وأصدقاء الكثير ممن توفوا في الأسابيع الأخيرة بعدم التجمع لحضور الجنازات الكبيرة.

تسببت الإغلاقات في كثير من الدول والتعليمات بتقييد حجم الجنازات من مسؤولي الصحة مثل المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها في جعل الحداد على المتوفيين خلال الجائحة أمر صعب للغاية.

غير أن البث الحي المباشر عبر الإنترنت يستخدم بشكل متزايد ما يسمح للثكالى بالمشاركة في المراسم حتى إذا لم يحضروا بشخصهم.

تقول “ون رووم” وهي منصة بث مباشر للجنائز التي تبث القداسات في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا لعدة سنوات، إنها شهدت زيادة بنسبة 60 بالمئة في عدد المشاهدات في أقل من أسبوع في نيسان/ أبريل.

وقالت الشركة: “بعدما قيد فيروس كورونا حركة السفر والتجمعات العامة، شهد (ون رووم) زيادة هائلة في الحضور الافتراضي في قداسات الجنائز”.

ومن ناحية أخرى، تقول دور الجنازات في العاصمة الإسبانية مدريد إنها سوف تبدأ بثا مباشرا للجنائز عبر الإنترنت، ما يسمح لأقارب وأصدقاء المتوفى المشاركة بفاعلية في المراسم.

وتخضع إسبانيا وهي ثاني أكثر دولة تضررا في أوروبا بعد إيطاليا جراء فيروس كورونا (كوفيد-19) لإغلاق صارم منذ منتصف آذار/ مارس، ما يمنع الأقارب من حضور الجنازات لعدة أسابيع.

وفي دول أخرى، لجأ أفراد الأسر إلى البث المباشر للمراسم بأنفسهم عبر “فيسبوك لايف” أو “يوتيوب”.

غير أن المشاكل الفنية الحتمية جعلت عملية العزاء أصعب في كثير من الحالات بحسب تقرير صدر في موقع “ماذربورد” التقني التابع لمجلة “فايس”.

(د ب أ)

————————

كورونا.. جدل حول عالم ما بعد الفيروس.. وتسخير الكوميديا

رأى الكاتب الفرنسي المثير للجدل ميشال ويلبيك أن العالم سيكون على حاله بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا المستجد، لا بل قد يصبح “أسوأ بعض الشيء”.

وناقض الكاتب في رسالة تليت عبر إذاعة “فرانس إنتر” أمس الاثنين النظرية القائلة إن العالم سيشهد تحولا جراء الوباء.

وقال “لا أؤمن ولو للحظة بالتصريحات التي تقول: إن لا شيء سيكون على ما كان عليه في السابق. على العكس سيبقى كل شيء على حاله”.

وأضاف أكثر الكتاب الفرنسيين قراءة في الخارج “لن نستفيق بعد الحجر في عالم جديد. سيبقى العالم على حاله وأسوأ بقليل أيضا”.

وميشال ويلبيك هو أكثر الكتاب الفرنسيين الأحياء الذين ترجمت كتبهم إلى لغات أخرى. ورأى أن “الطريقة التي آل إليها الوباء طبيعية بشكل لافت” واصفا كوفيد-19 بأنه “فيروس عادي جدا لا يتمتع بخصائص مميزة.. حتى أنه غير منقول جنسيا”.

وقال الكاتب إن وباء كوفيد-19 “ستكون نتيجته الرئيسية تسريع بعض التحولات الحاصلة” ومن بينها خصوصا “تراجع في التواصل بين البشر”.

وسيسرع أيضا برأيه الهجمة التكنولوجية لعزل الناس وتفرقتهم.

وأكد ويلبيك “وباء كورونا يوفر علة وجود لهذا الميل الثقيل المتمثل بنوع من الإهمال الذي يطال العلاقات بين البشر”.

وأضاف “من الخطأ القول أيضا إننا أعدنا اكتشاف المأساة والموت والمحدودية وإلى ما ذلك” موجها سهامه إلى بعض الكتاب الفرنسيين المحجورين الذين يطلقون النظريات من داراتهم الصيفية.

وقال الكاتب “لم يكن الموت يوما مكتوما إلى هذا الحد كما كان في الأسابيع الأخيرة” مع وفاة نحو 25 ألف شخص في فرنسا جراء مرض كوفيد – 19.

وأضاف “الضحايا يشكلون فقرة في إحصاءات الوفيات اليومية والقلق الذي ينتشر في صفوف السكان مع ارتفاع إجمالي الوفيات له بعد مجرد غريب”.

ومضى يقول “أخذ رقم آخر أهمية أكبر بكثير في هذه الأسابيع.. وهو عمر المرضى. فإلى أي عمر ينبغي الاستمرار في إنعاشهم ومعالجتهم؟ 70 أو 75 أو 80 عاما؟”.

وقال صاحب كتاب “سوميسيون” (استسلام) “لم يسبق أن تم التعبير بهذه الوقاحة الهادئة أن حياة الجميع ليست بالقيمة نفسها”.

من جهة أخرى، اشتكى الكاتب (64 عاما) من عدم تمكنه من السير لأكثر من كيلومتر واحد بعيدا من منزله في العاصمة الفرنسية موضحا “الكاتب يحتاج إلى المشي. محاولة الكتابة مع عدم إمكانية المشي لبضع ساعات بوتيرة سريعة أمر لا أنصح به”.

وفي كتاب “استسلام” الذي صدر في اليوم الذي نفذ فيه الهجوم على أسبوعية “شارلي إيبدو” في السابع من كانون الثاني/يناير 2015 في باريس، توقع ويلبيك أن يكون الرئيس الفرنسي العام 2022 مسلما مع اعتماد الشريعة في هذا البلد قريبا.

فنانة تحريك في هوليوود ترفه عن الأطفال المحجورين الناطقين بالعربية

بعدما تبين لها وجود نقص في المضامين العربية المسلية للأطفال عبر الإنترنت، قررت فنانة التحريك السورية الأصل العاملة في هوليوود ريم علي أديب أن تعالج هذا الوضع لمساعدة الأهل على تجاوز محنة وباء كوفيد-19 مع أولادهم المحجورين.

ريم علي أديب ترسم للأطفال الناطقين بالعربية في أميركا

أتتها الفكرة خلال اتصال هاتفي أجرته مع شقيقتها المقيمة في قطر. فعلى غرار الكثير من مناطق العالم، يجد الأطفال في الشرق الأوسط أنفسهم محجورين في المنزل بسبب الوباء من دون أن تتوافر لهم الكثير من المضامين العربية الأصلية عبر الإنترنت للترفيه عن أنفسهم، كحصص تعليمية ممتعة ونشاطات أخرى. فقررت ريم علي ديب، التي تعمل كفنانة تحريك لدى “وارنر براذرز انترتاينمت” في لوس أنجليس، مع شقيقتها ساندي الأستاذة الجامعية في قطر، تأسيس قناة عبر يوتيوب تحت عنوان “ساسابريمو” لمساعدة الأطفال الناطقين بالعربية وأهاليهم الذين يعانون من ضغط كبير، على تجاوز صعوبات الحجر من خلال حصص بسطية تعلم على الرسم وفن طي الورق (أوريغامي) أو من خلال قراءة كتب للصغار بالعربية.

وقالت علي ديب التي شاركت في إنجاز أعمال موجهة للأطفال مثل مسلسل”غرين إيغز أند هام” يبث عبر “نتفليكس”: “تقوم الفكرة على إشراك الصغار”. وأوضحت الفنانة البالغة 34 عاما التي تعمل من منزلها الآن على الموسم الثاني من المسلسل: “ثمة كميات هائلة من المضامين بالإنكليزية الموجهة للأطفال عبر الإنترنت لكن ما من محتويات عربية أصلية كثيرة. لذا يتمثل الهدف في جعل الوقت الذي يمضونه أمام الشاشات تفاعليا ومحفزا من خلال الرسم معهم وقراءة قصة عليهم أو القيام بأعمال يدوية”. وأكدت علي ديب أن ابن شقيقتها عمر البالغ 7 سنوات انضم أيضا إلى المشروع مع مشاركته في حصة تعليم فن طي الورق الياباني.

وأشادت بمشاركته قائلة “إنه الأفضل ويبذل الجهد الأكبر بيننا جميعا، مع تسجيله ثلاثة فيديوهات حتى الآن”. وتستعين علي أديب ببعض شخصيات “غرين إيغز أند هام” لاستقطاب الأطفال. أما شقيقتها ساندي، فمهمتها المحافظة على تركيز المتابعين وإطلاق العنان لمخيلتهم من خلال قراءة كتب أطفال عليهم.

وقالت لوكالة فرانس برس في رسالة إلكترونية: “قررت أن أقرأ للأطفال في هذه الفترة التي يصعب فيها شراء كتاب أو استعارته ولا سيما لبعض الصغار المعوزين في دول عربية”. وأوضحت “قررت أن أبدأ بكتاب موجه لمن هم بين سن الثالثة والسادسة والآن أنا اختار كتبا أكثر تضمن مشاركة الأطفال لفترة أطول”.

وكانت الاستجابة حتى الآن إيجابية جدا مع تشارك الأطفال بحماسة رسومهم عبر البريد الإلكتروني فيما يشكر الأهل هذه الفرصة التي تتيح لهم اجراء اجتماعات عمل عبر الإنترنت من دون أن يقاطعهم أولادهم، أو الاختلاء بأنفسهم قليلا. وفي منطقة يشهد عدد من بلدانها حروبا ونزاعات ويواجه الأطفال واقعا صعبا حتى قبل انتشار الوباء، يرى خبراء أن هذه الحصص توفر للصغار متنفسا في منازلهم أو حتى في مخيمات لاجئين. وقالت آنا ماريا لوريني، مسؤولة منظمة يونيسيف سابقا في لبنان: “اليوم يجد الأطفال أنفسهم محجورين في منازلهم ومن بينهم أطفال الشرق الأوسط. فجأة اختفى عالمهم مع توقف المدرسة واللعب مع الأصدقاء وغياب التفاعل والتواصل البشري باستثناء أفراد العائلة. هو واقع عزلة يجعل من الصعب على الأطفال أن يسترسلوا في أحلامهم ويحجر خيالهم بين جدران غرفتهم.. هذا إذا كان لديهم غرفة”.

وقالت سهى بساط البستاني، مستشارة اليونيسيف ومقرها في بيروت، إن الحصص عبر يوتيوب هي ضرورة في منطقة تفتقر فيها المضامين بالعربية الموجهة للأطفال إلى الابتكار والحداثة. وأكدت “إن مبادرات مثل ساسابريمو إيجابية لأنها توفر للطفل طريقة سليمة للخروج من العزل وشعورا بأن الوضع طبيعي”.

وأنجزت علي ديب وشقيقتها وابن شقيقتها حتى الآن سبعة مقاطع مصورة ويأملون بالاستمرار في مشروعهم حتى بعد انتهاء الجائحة. وقالت “أفكر الآن بتعليم الأطفال كيفية رسم شخصيات رسوم متحركة شعبية.. وآمل أن أتمكن من فتح هذه الفسحة لفنانين آخرين. لدي صديقة راقصة وأتمنى أن تعلم الأطفال الرقص”. وختمت قائلة “يمكننا القيام بأكثر من ذلك بكثير”.

وفاة المغني المكسيكي أوسكار تشافيز بـ”كورونا”

توفي المغني والممثل والمؤلف الموسيقي المكسيكي أوسكار تشافيز المعروف بالتزامه الاجتماعي والسياسي في مكسيكو، بعدما ظهرت عليه أعراض الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وأكدت هيئة الصحة في مكسيكو وفاة الفنان البالغ 85 عاما في العاصمة المكسيكية بعدما ظهرت عليه أعراض الفيروس، بحسب بيان أصدرته الشركة المنتجة لأغنياته.

وقد واكب هذا المغني، المصنف أحد الممثلين الأساسيين لنمط موسيقي يسمى “كانتو نويفو” (الغناء الحديث) في مكسيكو، من خلال أغنياته، التحرك الطالبي المكسيكي سنة 1968 وحركة “زاباتيستا” في التسعينيات.

ولم يخف تشافيز طوال مسيرته التزامه السياسي اليساري. وقال في مقابلة مع وكالة فرانس برس العام الماضي “مع التغييرات في السياسات والشخصيات وسلطات الإعلام المتعاظمة، نبقى في مرحلة كفاح”.

وقد أعلنت هيئة الثقافة في العاصمة المكسيكية في 2019 أوسكار تشافيز من أعلام التراث الحي في المكسيك بفضل جمعه ونشره أغنيات مكسيكية قديمة من النصف الأول من القرن العشرين. ويزخر رصيد هذا الفنان المولود في 20 آذار/ مارس 1935 في مكسيكو بأكثر من 25 ألبوما.

إرجاء مسابقة شوبان لعزف البيانو إلى 2021

أعلن منظمو مسابقة شوبان الدولية لعزف البيانو العريقة إرجاءها إلى 2021 بعدما كانت مقررة الخريف المقبل في وارسو بسبب وباء كوفيد-19.

وأوضح المنظمون في بيان نشر على موقع المسابقة الإلكتروني “بسبب جائحة كوفيد-19 ترجأ النسخة الثامنة عشرة من مسابقة شوبان لمدة سنة. وستقام من الثاني من تشرين الأول/اكتوبر إلى الثالث والعشرين منه في 2021 في مقر أوركسترا وارسو الفلهرمونية”. وتنظم هذه المسابقة كل خمس سنوات.

وأكد المنظمون أن “قائمة العازفين الذين قبلوا لن تتغير والبطاقات التي بيعت تبقى صالحة”. وقد اختير لمسابقة هذه السنة 164 عازفا من أصل 500 طلب ورد إلى المنظمين. وتستقطب موسيقى المؤلف الموسيقي الفرنسي- البولندي شوبان (1810-1884) منذ عقود عددا كبيرا من العازفين من آسيا وخصوصا من اليابان والصين. وقد فاز بالنسخة السابقة من المسابقة الكوري الجنوبي سيونغ جيم – شو.

واستحدثت مسابقة شوبان عام 1927 وغالبا ما شكلت محطة مهمة في المسيرة الفنية لعازفين كبار توجوا في وارسو من بينهم الإيطالي ماوريتسيو بوليني (1960) والأرجنتينية مارتا أغيريتش (1965) والبولندي كريستيان زيمرمان (1975) والصيني يوندي لي (2000).

“وي آر ذي تشامبينز” لفرقة “كوين” بنسخة خيرية لمواجهة كورونا

تطرح فرقة “كوين” البريطانية الشهيرة نسخة جديدة من أغنيتها الأشهر “وي آر ذي تشامبينز” مع غناء آدم لامبرت، في عمل يعود ريعه لدعم الطواقم الطبية المشاركة في جهود مكافحة وباء كوفيد-19 في العالم. وسترفق هذه الأغنية التي أعيدت تسميتها “يو آر ذي تشامبينز” تحية إلى أفراد الطواقم الطبية، مع نسخة مصورة تظهر أطباء أعضاء في الجسم التمريضي يكافحون ضد فيروس كورونا المستجد حول العالم.

ويعود ريع هذه الأغنية إلى صندوق التضامن ضد كوفيد-19 التابع لمنظمة الصحة العالمية التي تقدم بزات طبية وعدة للكشف عن الإصابة بالفيروس وتدريبات للمعالجين المنخرطين في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء.

وقال عازف الغيتار براين ماي في بيان “كما الحال مع أهلنا وأجدادنا وأسلافنا الذين قاتلوا من أجلنا خلال حربين عالميتين، هؤلاء المقاتلون في الصفوف الأمامية هم أبطالنا الجدد”.

وأوضح عازف الدرامز روجر تايلور وهو والد طبيبة في لندن من جانبه “أنا كأب لابنة في الصفوف الأمامية أعي تماما العمل الحيوي الذي ينجزونه يوميا لإنقاذنا وتخليص مجتمعنا”. وقد سجلت الأغنية الأصلية سنة 1977 واستحالت نشيدا حقيقيا خصوصا في مباريات كرة القدم. أما في النسخة الجديدة فقد شارك براين ماي وروجر تايلور عزفا من لندن كل على حدة، فيما وضع آدم لامبرت الذي تعرف عليه العالم سنة 2009 بعد مشاركته في “أميريكن آيدل”، صوته من لوس أنجليس. وأرغم الوباء فرقة “كوين” وآدم لامبرت على إرجاء جولتهما المشتركة المؤلفة من 27 حفلة في بريطانيا وأوروبا إلى العام المقبل.

برج إيفل يضاء بأنوار بيضاء براقة

انضم برج إيفل إلى معالم عالمية أخرى لتكريم الأشخاص الذين يحاربون على جبهة وباء كوفيد-19 في مبادرة أطلقها برج “إمباير ستايت بيلدينغ” في نيويورك حيث أضيء برج إيفل “بأنوار بيضاء براقة” تكريما “لشجاعة العاملين في الرعاية الصحية التي لا تتزحزح في مواجهة الجائحة” الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، على ما أعلنت الشركة التي تدير البرج.

كما انضم برج مونبارس الشاهق في العاصمة الفرنسية إلى المبادرة متنقلا بين الأنوار الحمراء والبيضاء “لإبداء الدعم بقوة أكبر مثل قلب نابض”.

وكانت بدأت مبادرة “هيروز شاين برايت”  في نيويورك مع استخدام لون مختلف في كل مساء لتوجيه تحية إلى مجموعات مختلفة تشمل الطواقم الطبية والشرطة والعسكريين. واختتمت السبت مع المعالم الباريسية. ومن المعالم الأخرى التي شاركت في المبادرة، برج “سي أن” في تورنتو وبرج “ماكاو” في الصين.

الكوميديا سلاح العراقيين للوقاية من كوفيد-19

في مشهد تمثيلي قصير، يلعب الفنان محمد قاسم دور أبو عصام من المسلسل السوري الشهير “باب الحارة”، فيعود إلى منزله بعد غياب طويل. تحاول زوجته الاقتراب منه واحتضانه، لكن سرعان ما يبعدها متسائلًا “ألا تعرفين أن الاحتضان والتقبيل ممنوعان؟ أين كمامتك؟”.

ويندرج هذا المشهد الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن أنشطة لجأ اليها فنانون من محافظة البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق، لعلّها تقنع المواطنين بالالتزام بتدابير للوقاية من وباء كوفيد-19 العالمي، بعد أن تبين أن الدعوات والتحذيرات الرسمية لم تردع العراقيين.

ويقول قاسم “اليوم نمرّ بأزمة فيروس كورونا، وبالتالي وجهنا كل عملنا إلى الشق التوعوي، لناحية الالتزام بتوجيه وزارة الصحة من تعقيم وغسل اليدين وما شابه”.

في ساحة “حارة الضبع”، يدخل عصام، ابن أبو عصام، والذي يلعب دوره الممثل يوسف الحجاج، في مشادة كلامية مع أبناء حارته بسبب تجمعهم من دون أخذ الاحتياطات الصحية اللازمة.

ويقول الحجاج إن الهدف من التمثيلية القصيرة “رفع مستوى التوعية من خلال الكوميديا للبقاء في المنازل والوقاية”.

وعلى أنغام أغنية “بنت الجيران” المصرية التي لاقت رواجًا كبيرًا في العالم العربي، أنشد مغنون في مشهد تمثيلي آخر يشارك فيه شرطي على حاجز أمني “حظر التجول من ورا كورونا، والدنيا مذعورة ومجنونة”.

وفي مشهد آخر، يستقبل أب وابنه ضيفًا أخضر اللون يعرّف عن نفسه باسم “كورونا” ويدعوهما إلى توخي الحذر والتزام التعقيم.

ورغم الرفع الجزئي لحظر التجول، لا تزال قطاعات اقتصادية أساسية في حالة إغلاق، إذ لم تفتح المطارات، فيما التنقل بين المحافظات ممنوع، ولا تزال المدارس والجامعات مغلقة، وصلوات الجمعة متوقفة.

واعتبرت السلطات أن الرفع الجزئي قد يشكل متنفسًا للناس خلال شهر رمضان، ويساعد أصحاب الرواتب الصغيرة والمياومين على تأمين قوت يومهم، في أوضاع معقدة.

في بغداد أيضًا، يسعى فنانون إلى تقديم المساعدة في مجال التوعية، لأن “هذه مسؤوليتنا”، وفق ما يقول مصمم الديكور الداخلي عبد الله خالد (28 عامًا).

ويظهر فيديو تمثيلي تم بثه على قناة تلفزيونية محلية طبيبة أنهكها العمل تتلقى اتصال دعم من زوجها ليخبرها أن المرضى يحتاجونها، وليرفع من معنوياتها، فتعود مسرعة إلى غرفة العمليات بتصميم وعزيمة.

وكان لافتًا دور الطبيبات العراقيات في الأزمة الحالية، مع تطوع كثيرات من اختصاصات مختلفة للمساعدة في السيطرة على الجائحة في بلد يسجّل أدنى معدلات توظيف بين الإناث في العالم، لا تتخطى حوالي 15  بالمئة.

ويشير خالد إلى أن “حظر التجول مستمر، والوضع يتفاقم”، لذلك “عملنا على فيديو لشكر الطاقم الطبي في العراق والعالم كله، وحرصنا على أن يكون تعليميًا”.

ويرى مخرج العمل مصطفى الكرخي (29 عامًا) أن “التوعية بالفيديو من أهم العناصر والأدوات التي تجعل الناس يحمون أنفسهم بأنفسهم”.

ويضيف “مهما كان لدينا من كوادر طبية أو تطور طبي، لن نتمكن من استيعاب أعداد كبيرة” من المرضى في المستشفيات، معتبرًا أن “مقاطع الفيديو هي من العوامل الرئيسة لتقييد انتشار الفيروس”.

جدارية عملاقة في ميلانو تكريمًا للطواقم الطبية

اختارت مدينة ميلانو، مركز مقاطعة لومبارديا الإيطالية الأكثر تضررًا جراء فيروس كورونا حيث لقي 14 ألف شخص حتفهم، شكر العاملين الطبيين، الذين يقفون أمام مواجهة هذه الأزمة، من خلال رسم لوحة جدارية عملاقة على شرفهم.

وقال الفنان الذي أنجز هذه الجدارية، لابو فاتاي، إن “فكرة رسم جدارية (كي لا ننسى) ستبقى لسنوات وتكون بمثابة ذكرى للأشخاص الذين يمرون أمامها”.

وتُظهر اللوحة الجدارية ممرضة تضع قفازين وغطاء رأس فيما يكشف قناع خفضته إلى مستوى ذقنها عن ابتسامة كبيرة، وإلى جانب وجهها كتبت رسالة “شكرًا” بأحرف كبيرة.

وأوضح لابو فاتاي، الذي أنجز هذا المشروع بشكل مجاني، أن “الممرضة تبتسم رغمًا عن علامات الإجهاد التي تركها القناع على وجهها، إنها رمز للأمل وللروح الإيجابية رغم كل الصعاب”.

وتابع أنه “بعد التفكير مليًا، قررت أن أعمل على هذا المشروع مجانا لأقدم تحية لجميع العاملين الصحيين الذين عملوا بجد خلال هذه الأزمة”. واستغرق إنجاز هذه الجدارية ثمانية أيام.

واحتلت لوحته جدارًا علويًا لمستشفى سان لوكا أوكزولوجيكو، المطل على شارع مزدحم في ميلانو، وهو خال حاليًا لكن عادة ما يكون مزدحمًا بالسيارات.

وأودى فيروس كورونا حتى الآن بحياة 28 ألف شخص في إيطاليا، نصفهم في لومبارديا، القلب الاقتصادي النابض لإيطاليا.

(وكالات).

ضفة ثالثة

————————

كورونا.. “حجر ذكي” بهولندا.. وإطلاق جائزة للإلقاء التعبيري بالعربية

أعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ـ الإيسيسكو- إطلاق جائزتها “بيان” للإلقاء التعبيري باللغة العربية، ضمن مبادرات مركز الإيسيسكو للّغة العربية للناطقين بغيرها، داخل “بيت الإيسيسكو الرقمي”. ويتم منح جائزة “بيان” لثلاثة فائزين من كلّ فئةٍ من فئات الطلاب العمرية، أي الأطفال، والفتيان والفتيات، والشباب، حيث يحصل كل فائز من فئة الشباب على ألفي دولار أميركي، ومن فئة الفتيان والفتيات على ألف وخمسمئة، ومن فئة الأطفال على ألف دولار لكل فائز.

وأكدت الإيسيسكو أن الجائزة تهدف إلى تحفيز الإبداع والإنتاج باللغة العربية لدى الطلاب في فترة الحجر الصحي، وإبراز عالمية اللغة العربية، ودعم استمرارية عملية التعلم، وتحقيق التكامل بين البعدين التعليمي والثقافي، وتحفيز التنمية الذاتية للمهارات اللغوية من خلال الكتابة الإبداعية والإلقاء التعبيري.

ومجال المسابقة هو إلقاء تعبيري ينجزه الطالب عبر فيديو قصير، مستندا إلى نص حرره باللغة العربية الفصيحة (شعر، أو نثر/ مقالة، أو قصة قصيرة). ويجب أن تتناول الأعمال المترشحة أحد الموضوعات التالية: التعلم عن بعد؛ الأسرة تحت الحجر الصحي؛ النظافة والصحة؛ الحاجة أمّ الاختراع؛ التكافل في حالة الطوارئ؛ أي عالم بعد كورونا؛ استثمار الزمن في ظروف الإغلاق؛ التواصل زمن التباعد.

وتشمل شروط الترشح للجائزة:

ـ أن يكون المترشح طالبا من جنسية دولة غير عربية، ولا تكون العربية لغته الأولى؛

ـ يتم ترشيح العمل عبر المؤسّسة التربوية التي يدرس فيها الطالب؛

ـ لا ترشّح المؤسسة التربوية إلا عملا واحدا متميزا في كل فئة؛

ـ الترشيحات الواردة من الدول الأعضاء ينبغي أن تصل عبر اللجان الوطنية وجهات الاختصاص؛

ـ لا يتجاوز الفيديو الإلقائي 3 دقائق لفئة الأطفال و4 دقائق لفئة الفتيان والفتيات، و5 دقائق للشباب؛

ـ لا يكون الفيديو الإلقائي قد نُشر أو تمّ ترشيحه لمسابقة أخرى؛

ـ يكون الفيديو مصحوبا بالنص الذي حرّره الطالب، وباستمارة الترشح مملوءة بشكل كامل؛ ويتم تحميلها من الرابط:

http://www.icesco.org/…/Nomination-Form-ICESCO-Bayan-Award.…وترسل الترشيحات قبل يوم 15 حزيران/يونيو 2020 إلى الإيسيسكو عبر العنوان الإلكتروني:bayanaward@icesco.org

قصص هاري بوتر بنسخة صوتية على “سبوتيفاي”

بدأت “سبوتيفاي” بطرح نسخة صوتية إلكترونية مجانا لأول جزء من سلسلتها الأدبية الشهيرة هاري بوتر بأصوات مشاهير بينهم خصوصا دانيال رادكليف الذي أدى دور الساحر في النسخة السينمائية لهذا العمل.

وقد نشرت المنصة الموسيقية أمس الثلاثاء الفصل الأول من هذه النسخة بصوت الممثل البريطاني الذي شارك في الأجزاء الثمانية من سلسلة أفلام هاري بوتر بين 2001 و2011، على أن يليه فصل آخر يتلوه مشاهير آخرون بينهم نجم كرة القدم السابق ديفيد بيكهام والممثل إيدي ريدماين والممثلة داكوتا فانينغ.

وستكون النسخة الصوتية متاحة لمشتركي”سبوتيفاي” بالنسختين المجانية والمدفوعة. كذلك ستنشر فيديوهات عن التسجيلات عبر موقع “ويزاردينغ وورلد” الإلكتروني، الموقع الرسمي لهذه السلسلة.

وقد بيع أكثر من نصف مليار كتاب من قصص هاري بوتر حول العالم، كما أن الجزء الأول من السلسة الصادر في 1997 لا يزال الأكثر مبيعا على الإطلاق وفق “ويزاردينغ وورلد”.

ميشال لوسو : قوة فيروس كورونا المستجد الخارقة ناجمة عن العولمة

كيف يمكن لجسم بصغر فيروس أن يطيح بالاقتصاد العالمي ويشل مدنا مترامية الأطراف ويؤثر في تفاصيل حياة مليارات البشر؟

يؤكد عالم الجغرافيا ميشال لوسو أن قوة فيروس كورونا المستجد الخارقة، ناجمة عن العولمة.

س: لِمَ لم تؤد أوبئة قريبة منا زمنيا مثل إنفلونزا 1957 و1968 (أكثر من مليون وفاة لكل منهما) إلى الشلل نفسه في العالم؟

ج: ببساطة لأن العالم تغير في السنوات الستين الأخيرة. فنحن بتنا ندرك أن ما نسميه العالم هو فضاء واحد مترابط تعبره تواصلات وروابط كثيفة. فأمر صغير يصيب مريضا أول في الصين نهاية عام 2019 تسبب بأكبر شلل عالمي في تاريخ البشرية. ثمة تفاوت بين حجم الفيروس ونطاق تأثيره وبين الذعر والشلل اللذين سيطرا على العالم.

س: لِمَ هذا التفاوت؟

ج: التفسير الرئيسي عائد إلى أن العولمة غيرت كوكب الأرض في السنوات الستين الأخيرة. وسبب تطور هذه العدوى الصغيرة وتحولها إلى أزمة عالمية هو الروابط القائمة بين كل الأمور والأفراد.

فبواسطة الهاتف النقال، أنا قادر على أن أكون على تواصل مع أي شخص آخر يملك هاتفا نقالا، أي خمسة إلى ستة مليارات شخص. والسلعة على ترابط مع كل البضائع الأخرى عبر أنظمة تواصل.

اللافت هو سرعة الجائحة. ففي أقل من ثلاثة أشهر شلت العالم. وهذا عائد إلى تعميم الروابط والتواصل بين كل العوامل التي يتألف منها العالم: تنقل الصينيين والأوروبيين والأميركيين لأسباب اقتصادية وسياحية. ويعكس الفيروس خريطة التنقلات وخريطة الروابط الاقتصادية والسياحية. فحامل الفيروس اليوم يمكنه أن يقطع آلاف الكيلومترات وينقل عدوى المرض إلى عشرات الأشخاص. مع أنظمة توفير الأخبار على مدار الساعة وشبكات التواصل الاجتماعي، يلف أي خبر صغير العالم برمته بسرعة. مما لا شك فيه أن المتابعة في الوقت الحقيقي للجائحة تضخم كثيرا من تأثيرها. الأشخاص الذين يعانون من شكل خطر ناتج من فيروس كورونا المستجد يصابون باستجابة مناعية جامحة تسمى “عاصفة السيتكوين”.

وإن أردنا استخدام صورة مجازية، يمكننا القول إنه عبر الإطلاع المتواصل على الأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي، يعرف العالم ردة فعل مناعية جامحة. عاصفة السيتوكين على المستوى العالمي هي كثرة المعلومات.

تنهال علينا المعلومات والأخبار، ويبالغ العالم في ردة فعله مقارنة بما يصيبه فعلا.

س: كيف تفسرون أن الفيروس قادر على التأثير على نطاقات متفاوتة؟

ج: عندما يصاب الفرد بالمرض يكون محصورا بالبعد المحلي والمنزل. أما مدينته فمحجورة أيضا. وأوروبا كذلك. وثمة تغيير في العلاقات الدولية أيضا. فيجد أكثر من أربعة مليارات شخص أنفسهم محجورين وهذا الأمر يشمل العالم برمته.

ويشمل الوباء كل شيء من الفضاء الأوسع المتمثل بالأرض برمتها إلى الفضاء الضيق المتمثل بمواجهة جسم الفرد للفيروس. هذا التزامن لافت. وهنا أيضا تلعب الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي دورا. والحل الوحيد يمكن بالتوقف عن متابعة شبكات الأخبار والدخول في حجر مزدوج من خلال بقاء الشخص في دياره مع قطع أي علاقة مع الخارج.

راقصو مسرح بولشوي يحافظون على لياقتهم رغم إجراءات العزل

وضعت مارغريتا شرينر وإيغور تسفيركو، وهما راقصان في فرقة بولشوي للباليه العريقة، في غرفتهما سجادة وعارضة رقص ليواصلا الحد الأدنى من التدريبات للحفاظ على لياقتهما مع التوقف الناجم عن فيروس كورونا المستجد.

ويقول إيغور تسفيركو، وهو راقص منفرد أدى الأدوار الرئيسية في عروض مثل “إيفان الرهيب” أو “نورييف”: “لا أظن أن وزني زاد وهذا الأهم”. إلى جانبه، تدلك مارغريتا شرينر قدميها بواسطة طابة تنس قبل أن تباعد ساقيها إلى أقصى حد.

ويقيم الراقصان الشابان اللذان تربطهما علاقة عاطفية منذ سنة معا في شقة في وسط موسكو. ويسكن المبنى عدة راقصين آخرين من فرقة بولشوي وهو يقع قرب موقع الهجوم بالحمض الكاوي الذي تعرض له المدير الفني لمسرح بولشوي في عام 2013 في حدث هز هذه المؤسسة العريقة.

وقد استأنفا التمارين هذا الأسبوع فقط بعد أكثر من شهر على بدء إجراءات العزل في موسكو، بؤرة كوفيد-19 الرئيسية في روسيا. ويشرف على التمرين أستاذ رقص من غرفة نومه عبر تطبيق “زوم”. أمام الشاشة، يقوم الراقصان بوثبات وينهيان التدريب من خلال تمارين تمدد. وتوضح مارغريتا (26 عاما): “نقوم ببعض التمارين التي تنمي طاقة التحمل وتحسن النفس”. وتتابع الراقصة مبتسمة “نحن محظوظان بالتمكن من المحافظة على لياقتنا كثنائي”. وقد لفتت مارغريتا الأنظار في عروض مثل “كوبيليا” و”كارمن سويت”. وعلى مدى أسابيع، اضطرا إلى تدريب ذاتي وإلى إيجاد معدات التمرين الضرورية.

وقال المدير العام للمسرح فلاديمير أورين في مقابلة مع صحيفة “كومرسانت” مطلع نيسان/أبريل إنه يستحيل تنظيم حصص عبر الانترنت لفرقة راقصي البولشوي البالغ عددهم 250 راقصا.

ويرى إيغور تسفيركو أن إدارة المسرح لم تدرك فورا أهمية استخدام تقنيات الانترنت لتوفر الحصص التدريبية. ويوضح “أظن أن ذلك عائد خصوصا إلى أن بعض الأشخاص غير مطلعين على الابتكارات التنقية المتوافرة”. لكن المسرح اضطر إلى ذلك خصوصا وأن فلاديمير أورين لا يتوقع في “أكثر السيناريوهات إيجابية” أن يعيد المسرح فتح أبوابه قبل الموسم المقبل في أيلول/سبتمبر وهي توقعات أكدها إيغور تسفيركو.

وتتوقع مارغريتا “عودة صعبة للفنانين ليتمكنوا من استعادة قواهم كاملة” عند استئناف العروض.أما إيغور فيتوقع تغيرا على صعيد المتفرجين “فهم سيأخذون إجراءات وقائية وسيضعون على الأرجح أقنعة وقفازات”. إلا أن الراقصين يقلقان أيضا من الكلفة الاقتصادية المترتبة على الوباء في بلدهما وفي مجالهما “فروسيا ستعاني من أزمة اقتصادية بالتأكيد على غرار العالم بأسره وسينعكس ذلك على كلفة البطاقات”.

وقال فلاديمير أورين في المقابلة الصحافية إنه يخشى أن تحل كارثة مالية إن تأخرت إعادة فتح المسرح عن أيلول/سبتمبر. إلا أن الراقصين متفائلان ويعولان على عودة الفرقة مع حيوية متجددة. ويختم إيغور تسفيركو قائلا “آمل ألا يضعف الناس خلال هذه الفترة بل أن يتحلوا بمزيد من القوة”.

“حجر ذكي” في هولندا

يعيش الهولنديون أيام الربيع الجميلة بشكل شبه طبيعي مع فتح المتاجر أبوابها وتنقل السكان بحرية ضمن إجراءات حجر “ذكي” يختلف عن الدول المجاورة في إطار أزمة فيروس كورونا المستجد. ويعتمد الهولنديون قاعدة ذهبية تقوم على احترام التباعد الاجتماعي والبقاء على مسافة متر ونصف المتر عن بعضهم بعضا.

وستفتح المدارس أبوابها اعتبارا من 11 أيار/مايو. وقد دعي السكان إلى ملازمة منازلهم قدر الإمكان وعلى العمل منها، “لكن على الأقل يمكننا أن نخرج”، على ما يؤكد الهولنديون. وثمة تركيز في هذا البلد على المسؤولية الفردية. وتقول بيانكا كراغتن، وهي بائعة دراجات هوائية في شارع تجاري في لاهاي “صديقتي في بلجيكا عليها أن تبقى في المنزل ولا يسمح لها بتنزيه كلبها في الشارع. يجب التحلي ببعض الجدية”.

وتصف كراغتن بحماسة ومتجاهلة غياب السياح دراجاتها أمام متجرها الذي علقت فوقه أعلاما صغيرة تمثل دولا مختلفة من أجل “الترفيه عن الناس” على ما تقول. وتروي قائلة “عندما ظهر الفيروس شعرت بالذعر بشأن المتجر. لكنني أدركت أننا من المحظوظين الذين يسمح لهم بفتح متاجرهم” مشددة على أهمية المحافظة على التواصل بالنسبة إلى الناس. يوافقها جارها صاحب المكتبة الرأي وهو سعيد لتمكنهم من الخروج عندما يحلو لهم. ويقول ماريين دي كويير “يبدو لي من الصعب جدا ملازمة المنزل طوال الوقت. أنا سعيد جدا بالامكانات المتاحة لنا مهما كانت مقيدة”.

ومن خلال شكل العزل هذا “الذي يسهل تفسيره وتبريره للناس” كسبت الحكومة “دعم السكان” برأيه. وقد أدرك رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ذلك سريعا. وأعلن بنهاية آذار/مارس خلال مؤتمر صحافي بعدما حدد أطر سياسة “الحجر الذكي” القريبة من النهج السويدي: “في هولندا لا تسير الأمور عندما تقول الحكومة: عليكم أن تفعلوا هذا أو ذاك”.

وتقوم استراتيجية روته على المناعة الجماعية وهو مفهوم أثار جدلا ولم تتقبله جيدا الدول المجاورة في بداية الأزمة. ففي أوروبا قاطبة كان القاسم المشترك في إدارة الجائحة تجنب التجمعات وعزل الأشخاص الذي يعانون أعراض المرض على ما يفيد فريتس روزندال استاذ علم الأوبئة السريري في جامعة لايدن. ويحلل قائلا “بعد ذلك، ينبغي على الحكومات اقناع السكان” بأن القرارات المتخذة هي المناسبة.

وتماشيا مع تقليد التوافق السياسي، تخلى الهولنديون عن القرار الجذري القائم على العزل التام خلافا لفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، آملين بالمحافظة على الصحة العامة والاقتصاد في آن واحد. ويوضح روزندال “كنا قريبين جدا من التخمة في المستشفيات والعجز عن مساعدة الناس. لكن بعد هذه الاجراءات بقينا فوق العتبة بقليل”.

وتوفي أكثر من 4700 شخص في هولندا من أصل حوالي 39 ألف إصابة، فيما عدد السكان يزيد بقليل عن 17 مليون نسمة. وبدأ عدد مرضى كوفيد-19 الذين يدخلون المستشفى يتراجع الآن، الأمر الذي يظهر أن الاجراءات “كان لها أثرها فعلا” وأن خيار الحجر الأقل صرامة كان “خيارا مسؤولا طبيا واقتصاديا”. ويضيف “هذان الأمران لا يتناقضان. فلا يمكن أن يكون لنا اقتصاد سليم إذا كان نصف السكان في المستشفى”. أما بالنسبة إلى المناعة الجماعية، فهي لا تزال بعيدة المنال. ويؤكد روزندال “علينا أن ننتظر طويلا لذلك. إذ في هولندا فقط 3 إلى 4% من الأشخاص يعانون من أعراض مناعية تشير إلى إصابتهم. لكن للتوصل إلى مناعة جماعية نحتاج إلى نسبة 50 % على الأقل”.

في الأوضاع الطبيعية، يقارن دي كويير يوميا مبيعاته مع تلك المسجلة العام الماضي. لكنه اختار هذا الشهر ألا يفعل ذلك. لكن بما أن الحجر ليس تاما، لا يزال يستطيع تحقيق نصف إيراداته تقريبا. ويؤكد “كل حركة جيدة. حتى لو بعت كتابا واحدا”.

دي نيرو وجنيفر لوبيز يواجهان كورونا بماراثون تلفزيوني في نيويورك

يشارك الممثل روبرت دي نيرو والممثلة جنيفر لوبيز في ماراثون تلفزيوني الأسبوع المقبل من أجل جمع أموال مخصصة للمواطنين المتضررين من جائحة كورونا في نيويورك، المدينة الأكثر تضرراً من الفيروس في الولايات المتحدة.

وسيتم تقديم برنامج بعنوان “انهضي يا نيويورك!”  في 11 أيار/مايو من قبل المذيعة الكوميدية تينا في وسيضم شخصيات بارزة من عالم الاستعراض مثل بيت ميدلر ولين مانويل ميراندا وسبايك لي وباربرا سترايسند وبن بلات وكرس لوك وجاك جلينهال وجليان مور.

وسيحتوي الحدث أيضاً على فعاليات غنائية لبون جوفي وبيلي جويل وماريا كاري وستينج ونجوم آخرين لم يتم الإعلان عنهم بعد.

وستخصص كل الأموال التي سيتم تخقيقها خلال البرنامج التلفزيوني من أجل شراء أطعمة ومساكن وتوفير مساعدة مالية وصحية وعلاج نفسي وخدمات قانونية وتعليم لدعم مواطني نيويورك الأكثر تضرراً في حين تواصل المدينة المواجهة ضد كورونا.

وسيتم بث البرنامج الذي سيستمر لمدة ساعة في كل أنحاء البلاد على قناة (CNBC) وعلى المحطات المحلية في نيويورك، وكذلك الإذاعات الوطنية.

(وكالات)

—————————–

“كورونا” يختبر تفاني الألمان تجاه الخصوصية

“هنا، في ألمانيا! من خلال هاتفك! مرحباً بكم في دولة المراقبة”.

ظهر مُلصق مكتوب باليد على سياج في أحد أحياء العاصمة برلين، “محاربة الشمولية الرقمية”، وبدا أن مجموعة تطلق على نفسها لقب “الأنالوغس” أو التناظرية، هي التي وقّعته.

قبل ذلك بأيام قليلة، اقترحت الحكومة الألمانية جمع كميات هائلة من البيانات لتعقب انتشار فايروس “كورونا” المستجد. ودعت الأكاديمية الوطنية للعلوم ليوبولدينا، التي تقع في مدينة هاله الألمانية شرق وسط ألمانيا، إلى الجمع الطوعي لبيانات الهواتف المحمولة، لكي تتوفر لديها رؤية شاملة أفضل للوباء، بل اقترحت أن “إعادة تقييم تشريع حماية البيانات وتعديله إذا لزم الأمر في المستقبل القريب”. وطُرحت للنقاش عملية جمع البيانات الخاصة بالمواقع على نطاق واسع بصورة غير طوعية على مستوى الحكومة، قبل التراجع عن ذلك.

 أثارت هذه الأفكار، ولا سيما في مجتمع يراعي الخصوصية بشكل استثنائي مثل ألمانيا، النقاش حول إلى أي مدى قد يتقبل المواطنون تدخل الدولة، لوضع حد بشأن الإغلاق والقيود المفروضة على خلفية فايروس “كورونا” على مستوى البلاد.

قال الدكتور ماتياس كيتيمان من معهد ألكسندر فون هومبولت للإنترنت والمجتمع في برلين، مقارنةً بدول أوروبية أخرى، فإن الألمان “أكثر مراعاة للخصوصية”، مضيفاً أن “هذا الأمر يتميز به الألمان حقاً أكثر من غيرهم، وهو أهمية حماية البيانات”.

في حين أوضحت صحيفة Handelsblatt الألمانية، أن “القلق بشأن المراقبة المحتملة يضرب بجذوره في ماضي ألمانيا”. إذ يُعتَقَد أن الإرث المشترك بين البوليس السري الألماني “الغيستابو” ووزارة أمن الدولة “شتازي” في ألمانيا الشرقية، يُشكل جزءاً من السبب الذي جعل ألمانيا رائدة في مجال حماية البيانات، في ظل تشريعات يعود تاريخها إلى سبعينات القرن العشرين. بيد أن هذا الموقف إزاء البيانات الشخصية خضع للاختبار بفضل الناقشات الأخيرة التي دارت حول مدى التدابير التي تستطيع الحكومة أن تتخذها للسيطرة على كوفيد-19.

الخطط الأولية

في الدول الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية، كان جمع البيانات عنصراً أساسياً في السيطرة على تفشي المرض منذ البداية، وانطوى ذلك غالباً على ممارسات عدوانية، مثل نشر سجلات سفر المرضى المصابين في كوريا الجنوبية. في مستهل الأمر، بدا الأمر وكأن ألمانيا تتبع مساراً مشابهاً.

    اقترح هانزيورج ديرز، وهو مُشرِّع ألماني من الائتلاف الحاكم يركز على الموضوعات الرقمية، أنه إذا رفض الأشخاص التطوع ببيانات كافية، “فإن تقييد الحق في الخصوصية يجب ألا يكون محظوراً”.

في منتصف آذار/ مارس 2020، سُرِّب مشروع قانون مقترح إلى الصحافة من شأنه أن يمنح الحكومة الصلاحيات اللازمة لـ”تطبيق الوسائل التقنية لتعقب” الأشخاص الذين كانوا على اتصال جسدي بالأفراد المصابين. وقد أعقب ذلك رد فعل سياسي وردود فعل عنيفة من المجتمع المدني؛ فقد فُسر مشروع القانون على أنه تفويض بمصادرة بيانات الموقع من الهواتف المحمولة الخاصة بالمستخدمين من مزودي خدمات الاتصالات.

بعد ذلك بيومين، في 23 آذار، نأى وزير الصحة ينس شبان بنفسه عن الخطة، وبدا وكأنه مستاء من رد الفعل. وعلى رغم ذلك، فقد ترك المجال متاحاً أمام تطبيق مثل هذه السياسات في المستقبل، إذا تزايد تأييد مثل هذه التدابير “على الساحة السياسية والاجتماعية”.

مع أن الخطط الرامية إلى تعقب الأفراد وضعت جانباً، فإن أشكالاً أخرى من جمع البيانات لا تزال قائمة. ففي 18 آذار، أعلنت شركة الاتصالات الألمانية العملاقة دويتشه تيليكوم، أنها ستُسلم طواعية بيانات المواقع مجهولة الهوية لسلطات الصحة العامة. وسرعان ما حذت شركة أخرى، وهي تيليفونيكا، حذوها. تَمثَّل الهدف من تلك البيانات في قياس مدى اتباع كل السكان القواعد التنظيمية الخاصة بالتباعد الجسماني، وليس ما يفعله أي شخص بعينه. بيد أنه حتى هذا الشكل الأكثر اعتدالاً من المراقبة تسبب في إثارة بعض ردود الأفعال الحادة.

دفع ذلك أحد الصحافيين في محطة إذاعية عامة في ولاية بافاريا، إلى القول مُستغرباً في مقطع فيديو على “يوتيوب” نُشر في 21 آذار، “هنا، في ألمانيا! من خلال هاتفك! مرحباً بكم في دولة المراقبة”.

صُدم بعض المعلقين من جراء احتمالات لجوء الدولة فجأة إلى تطبيق برامج عدوانية للمراقبة العامة. فعندما سُئِل ماركوس غابرييل، المُفكر والفيلسوف الألماني المعروف، الذي يُدرس في جامعة بون، خلال مقابلة مع إذاعة ألمانيا، وهي واحدة من أكبر المحطات الإذاعية العامة، قال: “لماذا نُقدم على فعل شيئاً كنا نعتقد من قبل أنه يستحق الشجب من الناحية الأخلاقية- أو على وجه التحديد، تقديم تدابير دكتاتورية سيبيرانية ناعمة؟”.

التطبيق

المبادرة الألمانية الأحدث للحد من انتشار مرض كوفيد-19 هي أداة هواتف خليوية لم تصدر بعد، وتستخدم تقنية البلوتوث لجمع بيانات عن هوية الأشخاص الذين اقتربوا جسدياً من مستخدم ما. وإذا تأكدت إصابة المستخدم بالفايروس، سوف يتلقى الأشخاص الذين احتكوا به إشعاراً بذلك.

يطور هذه التكنولوجيا اتحادٌ كبيرٌ من المنظمات الأوروبية، بما فيها هيئة صحية ألمانية بارزة تدعى PEPP-PT، وتعمل وفقاً لإطار عمل تكنولوجي مشترك من أجل استحداث تكنولوجيا لتعقب الفايروس. تطور المجموعة مزيجاً من الأدوات والمعايير التي يستطيع المطورون استخدامها لبناء تطبيقاتهم الخاصة، وجميعها سوف تكون قابلة للعمل مع الخدمات الأخرى. طمأن الاتحادُ الجمهورَ في نشرته بأن البيانات سوف تكون مجهولة المصدر ولن تُخزن في قواعد بيانات مركزية، بل تقدم بدلاً من ذلك نوعاً من المراقبة الشعبية بين الأقران.

حذر عدد من الأكاديميين الحكوماتِ حول العالم من أن تفوّض استخدام تطبيقات تعقُّب الإصابة بالمرض، التي تجمع وتخزن بيانات شخصية. وفي وقت سابق، استحث خطاب مفتوح، وقعه أساتذة جامعيون من 26 بلداً، حكوماتِ العالم على ضمان حماية الخصوصية. وحذر الأكاديميون في هذا الخطاب من أن اتباع النهج المركزي يمكن أن “يعيق الثقة في مثل هذا التطبيق ويعيق قبوله من جانب المجتمع عموماً إعاقةً كارثيةً”.

وليس واضحاً تماماً ماهية النموذج التكنولوجي الذي سيُسمح به في ألمانيا. ثمة أحاديث حول دمج إطار العمل الأوروبي المشترك مع التطبيقات القائمة بالفعل، مثل تطبيق إشعارات الطوارئ الحكومي NINA. يستطيع المستخدمون حينئذ أن يقرروا ما إذا كانوا سيفعلون خاصية التعقب أم لا. قد يبدأ استخدام التكنولوجيا.

أشاد بعض المعلقين بهذه الفكرة، بوصفها تحسيناً هائلاً أُدخل على مقترحات سابقة أكثر تجاوزاً.

قال فيليكس ماشيفسكي، المحاضر في فلسفة التكنولوجيا بجامعة برلين الحرة، والمشارك في تأليف كتاب The Society of Wearables: “إذا التزم التطبيق بهذه المعايير، فقد يكون أداة منطقية ومفيدة”.

لكن الشواغل تبقى حول درجة “تأثيره الفعلية”، كما أوضح ماشيفسكي.

أبدى آخرون مخاوف مماثلة. إذ ورد في مقال منشور في المدونة الألمانية Netzpolitik: “من خلال فحص أعمق، يختفي… هذا “الأمل” من أجل الخلاص”. ويأتي المؤلفون على ذكر الأداء “غير العملي” لتقنية البلوتوث، إضافة إلى “الشكوك بشأن إخفاء هوية البيانات”. في حين أشادت انتقادات مماثلة بإعلان أخير، أشار إلى إن شركتي “أبل” و”غوغل” تعاونتا لتطوير تطبيق خاص بهما لتعقب الإصابة بالمرض.

مواقف الجمهور

تُظهر الاستطلاعات استجابات متفاوتة تجاه الخطط المتعلقة بالتطبيق بين الجمهور الألماني. ففي استجابة لاستقصاء أعده فريق دولي من الأكاديميين، قال أكثر من 70 في المئة إنهم سيكونون مستعدين لتنصيب التطبيق.

بيد أن استقصاءً آخر أجرته المؤسسة العامة للبث الإذاعي والتلفزيوني ARD، أظهر أن 47 في المئة من الألمان قالوا إنهم كانوا سيحملون تطبيق التعقب، بينما قال 45 في المئة إنهم لن يحملوه. ذكرت نحو 50 في المئة من الاستجابات السلبية شواغل متعلقة بالخصوصية.

على رغم انتشار الاحتجاج الشعبي في آذار، تبقى المخاوف بأن مبادرات جمع البيانات قد تتجاوز القبول الطوعي. ففي وقت سابق من هذا الشهر، اقترح هانزيورج ديرز، وهو مُشرِّع ألماني من الائتلاف الحاكم يركز على الموضوعات الرقمية، أنه إذا رفض الأشخاص التطوع ببيانات كافية، “فإن تقييد الحق في الخصوصية يجب ألا يكون محظوراً”.

وعبرت الدكتورة إلكه ستيفن، المديرة الإدارية لمنظمة الحقوق الرقمية المستقرة في برلين Digitale Gesellschaft، عن قلقها من أن الأشخاص قد يرضخون تدريجاً لمبادرات جمع البيانات الأكثر إشكالية وصرامة مع مرور الأزمة.

إذ قالت: “كلما طال هذا، سوف يكون الأشخاص أكثر استعداداً للموافقة على تدابير المراقبة، من أجل الحفاظ على حرياتهم الأخرى”.

هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

————————

كورونا.. ترامب يتراجع عن حل خلية الأزمة والصين ترفض التحقيق بالفيروس ودول تخفف الحجر شرقا وغربا

توالت قرارات تخفيف الحجر الشامل الذي فرض لمكافحة وباء كورونا شرقا وغربا، في الوقت الذي كثفت فيه الإدارة الأميركية انتقاداتها للصين ودعواتها لفتح تحقيق دولي في نشأة الفيروس.

وخلال الساعات الأخيرة أعلنت ألمانيا والدانمارك وتركيا والبحرين والأردن قرارات لتخفيف إجراءات الحجر المشددة وتنظيم العودة إلى الأنشطة التجارية والاجتماعية تدريجيا.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحفي إثر اجتماع مع مسؤولي الولايات الألمانية الـ16 اليوم الأربعاء إن “الأرقام الأخيرة بشأن تطور الوباء مرضية جدا”.

وأضافت أن “هذا يعني أننا وصلنا إلى نقطة يمكننا أن نقول فيها إننا حققنا هدف إبطاء تفشي الفيروس”.

وبناء على ذلك قررت الحكومة الألمانية رفع أغلبية القيود التي فرضتها منذ منتصف مارس/آذار الماضي للحد من انتشار الوباء، لكن ذلك لا يشمل فتح الحدود وتنظيم أنشطة رياضية وثقافية كبرى بمشاركة الجمهور.

وينص الاتفاق بين الحكومة الفدرالية والولايات على إعادة فتح أبواب جميع المتاجر اعتبارا من الأسبوع المقبل، بما في ذلك المتاجر الكبرى التي تفوق مساحتها 800 متر مربع، وكافة المدارس.

وبالنسبة للمطاعم والمقاهي والحانات والفنادق يترك الاتفاق المجال لحكومات الولايات لاتخاذ قرار بشأن استئناف العمل فيها، وقد سمحت عدة ولايات بذلك بالفعل مثل بافاريا.

وعلى الصعيد الرياضي، سمحت السلطات الألمانية باستئناف دوري كرة القدم منتصف مايو/أيار الجاري بعد أن توقف منتصف مارس/آذار الماضي.

وفي الدانمارك، قالت رئيسة الوزراء مته فريدريكسن إن الحكومة تأمل السماح لشركات التجزئة والمطاعم والمقاهي بفتح أبوابها في المرحلة الثانية من إستراتيجية عودة الحياة لطبيعتها في البلاد.

وتجري الحكومة محادثات في الوقت الراهن مع الأحزاب السياسية بشأن خطط البلاد لتخفيف القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وقالت إنها ستطرح خطة في هذا الصدد قبل 10 مايو/أيار الجاري.

مرحلة جديدة في تركيا

وفي تركيا، قال وزير الصحة فخر الدين قوجة اليوم إن بلاده دخلت مرحلة جديدة في معركتها مع الفيروس تهدف خلالها إلى القضاء على المرض واستئناف العمل ووضع خطوط إرشادية جديدة للسلوك الاجتماعي لمنع أي انتشار جديد.

وأضاف في مؤتمر صحفي أن الحكومة ستنشر توجيهات للشركات لضمان استمرار احتواء الفيروس عندما تستأنف العمل الأسبوع المقبل.

وأشار إلى أنه يتعين على المواطنين ارتداء الكمامات الواقية ومراعاة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة.

في غضون ذلك، يتزايد التوتر بين واشنطن وبكين على خلفية الاتهامات الأميركية المتجددة للصين بإخفاء معلومات عن الوباء وملابسات نشأته في مدينة ووهان الصينية أواخر العام الماضي.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي اليوم إن الصين كان بوسعها إنقاذ حياة مئات الآلاف من الناس في أرجاء العالم لو كانت أكثر شفافية بشأن فيروس كورونا المستجد.

وأضاف “كان بوسع الصين أن تجنب العالم الوقوع في مأزق اقتصادي عالمي، كان أمامها الخيار لكن بدلا من ذلك تسترت الصين على التفشي في ووهان”.

واتهم بومبيو السلطات الصينية بمواصلة إخفاء معلومات بشأن الفيروس بعد مرور 128 يوما على الجائحة.

وفي خطوة من شأنها أن تثير حفيظة الصين، دعا وزير الخارجية الأميركي كل الدول -بما فيها الدول الأوروبية- للموافقة على انضمام تايوان إلى منظمة الصحة العالمية كعضو مراقب.

وحث بومبيو المنظمة العالمية على فتح تحقيق بشأن تعامل الصين مع فيروس كورونا.

الصين ترفض تحقيقا دوليا

من جانبه، قال سفير الصين لدى الأمم المتحدة في جنيف اليوم إن بلاده ترفض فتح تحقيق دولي بشأن مصدر الفيروس، في الوقت الذي يواصل فيه الوباء تفشيه.

وصرح السفير شن جو خلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو بأن “الأولوية هي التركيز على مكافحة الوباء حتى الانتصار النهائي، لا وقت أمامنا نضيعه ونحن ننقذ الأرواح”.

 وفي السياق نفسه، قالت الخارجية الصينية إن الاتهامات الأميركية للصين بنشر الفيروس عمدا لا أساس لها.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية خوا شون ينغ إنه لا يجوز استخدام التعريفات الجمركية كسلاح، وذلك في ردها على سؤال بشأن إمكانية لجوء الولايات المتحدة لاستخدام ورقة التعريفات الجمركية لمعاقبة الصين بعد اتهامها بإخفاء معلومات بشأن الفيروس.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد هدد الأسبوع الماضي بفرض تعريفات جديدة كإجراء انتقامي من الصين، وقال إنه كان يتعين عليها إبلاغ العالم بالفيروس.

أميركا.. خلية الأزمة باقية

وعن تطورات الوباء داخل الولايات المتحدة، أوضح الرئيس ترامب أنه عدل عن حل خلية الأزمة التي تتولى إدارة أزمة وباء كورونا على المستوى الفدرالي.

وكان مايك بنس نائب الرئيس الأميركي أعلن أن هذه الخلية ستحل في الأسابيع المقبلة للعودة إلى العمل التقليدي الذي تتولاه الوزارات.

وفي سلسلة تغريدات نشرها اليوم على تويتر، أكد ترامب أن هذه الخلية -التي يرأسها بنس وتضم مسؤولي الوكالات الصحية وأطباء- كانت فعالة إلى درجة أنها ستستمر “بشكل دائم”، لكنه أوضح أنه قد يقرر إضافة أو سحب أعضاء من هذه الخلية.

وكان ترامب دعا أمس الثلاثاء من ولاية أريزونا إلى استئناف النشاط الاقتصادي بقوة رغم أن ذلك قد يزيد حصيلة وباء كورونا في الولايات المتحدة.

وقال “لا يمكننا إبقاء بلدنا مغلقا للسنوات الخمس المقبلة”، مقرا بأن بعض الناس “سيتأثرون بشدة”. وأضاف “لا أقول إن كل شيء مثالي، لكن علينا أن نفتح بلادنا وفي وقت قريب”.

وتجاوزت الولايات المتحدة عتبة 70 ألف وفاة ناجمة عن فيروس كورونا المستجد، وقد تبلغ مئة ألف قبل بداية يونيو/حزيران المقبل بحسب عدة نماذج لبيانات انتشار الوباء.

وعالميا، ارتفع مجموع حالات الإصابة المؤكدة بمرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا المستجد إلى 3.68 ملايين حالة، توفي منها أكثر من 258 ألفا، وتماثل للشفاء 1.2 مليون مصاب، وفقا للإحصاءات المجمعة التي تنشرها جامعة جونز هوبكنز الأميركية.

مخاطر في اليمن

وفي العالم العربي، حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الوباء في اليمن الذي يعاني أصلا من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وقالت المنظمة اليوم إنها تعتقد أن فيروس كورونا يتفشى على نطاق مجتمعي في اليمن.

 في غضون ذلك، قالت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة كورونا التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إن محافظة لحج جنوبي اليمن سجلت اليوم أول ثلاث إصابات بفيروس كورونا المستجد، وتوفيت منها حالة واحدة.

وتم أيضا تسجيل إصابة في مدينة عدن جنوبي البلاد، ووفاة مريض في محافظة تعز، وبذلك يرتفع العدد الإجمالي للمصابين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا إلى 25، والعدد الإجمالي للوفيات إلى خمس.

وعلى الجانب الآخر، أعلنت جماعة الحوثي -التي تسيطر على العاصمة صنعاء- عن إصابة واحدة وهي لشخص صومالي عثر عليه ميتا داخل فندق.

ملك الأردن يطلب حلولا خلاقة

وفي الأردن، دعا الملك عبد الله الثاني حكومة بلاده اليوم إلى البحث عن “حلول خلاقة” لاستئناف الرحلات الجوية تدريجيا، مؤكدا أن بلاده تقدم نموذجا في التعامل مع أزمة فيروس كورونا.

وقال بيان صادر عن الديوان الملكي إن الملك عبد الله أكد خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس السياسات الوطني اليوم “أهمية التفكير في حلول خلاقة للاستئناف التدريجي والمحدود للرحلات الجوية”.

وأكد الملك على “ضرورة الاستعداد لإجراءات التعامل مع عطلة عيد الفطر السعيد، للحفاظ على الصحة والسلامة العامة”، مشيرا إلى “أهمية وضع خطة بديلة لأي توجه، بما يسهم في طرح الخيارات المناسبة لأي قرار”.

وقد عادت جميع القطاعات الاقتصادية في الأردن للعمل بكامل طاقاتها الإنتاجية بموجب قرار حكومي بدأ سريانه اليوم، واستثنت الحكومة من القرار بعض القطاعات كالمدارس وصالات المطالعة والجامعات والمسابح والنوادي الرياضية، بالإضافة إلى دور العبادة.

يذكر أن الأردن لم يسجل أي إصابة بالفيروس لليوم الثامن على التوالي.

وفي البحرين، قالت وزارة الصحة إن المتاجر والمشروعات الصناعية يمكنها استئناف عملها اعتبارا من غد الخميس لكن المطاعم ستظل مغلقة.

وقال مسؤولو وزارة الصحة في مؤتمر صحفي اليوم الأربعاء إنه يتعين على العاملين والزبائن ارتداء الكمامات الواقية واتباع إرشادات التباعد الاجتماعي، وستظل دور السينما والمنشآت الرياضية وصالونات الحلاقة والتجميل مغلقة.

وسجلت البحرين 3720 حالة إصابة وثماني وفيات بالفيروس، وتجاوز عدد الإصابات في دول مجلس التعاون الخليجي الست 78 ألفا والوفيات 430 حالة.

وخففت دول خليجية أخرى حظر التجول وقيودا أخرى مع بدء شهر رمضان قبل نحو أسبوعين.

عقوبات في السعودية

وفي السعودية، حيث أعادت المراكز التجارية ومتاجر البيع بالجملة فتح أبوابها الأسبوع الماضي، أعلنت السلطات عقوبات صارمة جديدة على من يخالف الإجراءات السارية لكبح انتشار الفيروس سواء من المواطنين أو المقيمين.

وقال المتحدث باسم الحكومة نقلا عن مرسوم ملكي وقع أمس الثلاثاء إن مخالفي الحظر قد تفرض عليهم غرامة تصل إلى 100 ألف ريال أو السجن لمدة تصل إلى عام واحد.

كما يعاقب كل من يخالف تعليمات العزل أو الحجر الصحي بغرامة تصل إلى 200 ألف ريال أو السجن لمدة تصل إلى عامين فيما يعاقب كل من يتعمد نقل العدوى للآخرين بغرامة تصل إلى 500 ألف ريال أو السجن لمدة تصل إلى خمسة أعوام.

وتشمل العقوبات المفروضة ترحيل المخالفين من المقيمين ومنعهم من دخول السعودية.

ويبلغ عدد الإصابات الجديدة يوميا في المملكة نحو 1600 حالة، وسجلت السعودية إجمالا 31,938 إصابة بينما بلغت الوفيات 209 حالات.

وفي إطار سعيه لتهدئة المخاوف بشأن الأرقام المتزايدة قال وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة إن هذه الزيادة نتيجة للفحص الموسع الذي تقوم به الفرق الصحية في جميع مناطق المملكة.

وفي مصر، رصدت وكالة رويترز زحام المتسوقين في قلب العاصمة القاهرة لشراء حاجاتهم من أجل وجبة الإفطار في رمضان، غير عابئين بالمخاوف من انتشار فيروس كورونا.

وقالت الوكالة إنه بعد ما يزيد قليلا على شهر من فرض الحكومة إجراءات صارمة لاحتواء الفيروس تدفع العادات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية الناس للخروج إلى الشوارع حتى مع استمرار زيادة الإصابات الجديدة بمرض.

وذكرت رويترز أن وزارة الصحة المصرية لم ترد على أسئلتها في هذا الشأن.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية اليوم تسجيل 387 حالة إصابة جديدة بالفيروس و17 وفاة.

وبذلك يرتفع العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس في مصر إلى 7588 مصابا، والعدد الإجمالي للوفيات إلى 469 وفاة.

وقد خففت السلطات القيود المفروضة للحد من تفشي الفيروس خلال شهر رمضان وسمحت لبعض الأنشطة التجارية بإعادة فتح أبوابها وقلصت مدة حظر التجول، وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن البلاد ستبدأ العودة للحياة الطبيعية تدريجيا بعد رمضان.

المصدر : الجزيرة + وكالات

—————————

الحجم لا يهم في مكافحة كورونا.. دول أوروبية صغرى تتفوق على الكبرى

قالت صحيفة لاراثون الإسبانية إن الدول الأوروبية الصغيرة عرفت كيف تدير الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا في وقت مبكر، وبطريقة أفضل من الدول الكبيرة التي عجزت في مواجهة تفشى الوباء، باستثناء ألمانيا.

وحسب الصحيفة، فإن الدول الأوروبية التي بدأت ترى نهاية النفق في أزمة كورونا هي تلك التي تصرفت بسرعة أكبر، وقررت إغلاق الحدود، ووقف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية بعد أن بدأت الأخبار الأولى عن الوباء تتوارد من إيطاليا.

وأوضحت الصحيفة أن القاسم المشترك بين تلك البلدان أنها جميعها صغيرة، حيث لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، ومعدل الوفيات فيها منخفض مقارنة بالدول الأوروبية الكبيرة، وأجرت هيئاتها الصحية عددا قياسيا من الاختبارات التشخيصية للمرض.

وهكذا سجلت النمسا أقل من ستمئة وفاة في شهرين، وهو الرقم الذي سجلته بريطانيا في يوم واحد، أو إيطاليا أو إسبانيا في منتصف المنحنى الوبائي.

فمنذ اكتشاف الحالة الأولى للفيروس في فبراير/شباط الماضي، اتصلت السلطات النمساوية بالأطباء والعلماء في إقليمي لومباردي وإميليا رومانيا (شمالي إيطاليا) للتعرف على الوضع الميداني هناك، وبالتالي الحصول على معلومات لتكون قادرة على اعتماد إستراتيجية وطنية لمكافحة الوباء.

كما كانت النرويج والدانمارك في طليعة الحملة العالمية لمكافحة كورونا، ولعبت ثقة المواطنين في حكومتي بلديهما دورا مهما للغاية؛ مما سمح بالتطبيق السريع لإجراءات الطوارئ في أوقات الأزمات، مثل التي تعيشها جل بلدان العالم.

ثقة المواطنين

وحسب الصحيفة، فإن ثقة المواطنين في الحكومة تتباين بين البلدان الصغيرة والكبيرة؛ حيث تبلغ 63% في الدانمارك، و50% في النمسا، و68% في لوكسمبورغ، و59% في هولندا، أما في إيطاليا فإنها في حدود 25%، في حين تستقر عند 21% في كل من إسبانيا وبريطانيا.

وتعليقا على عامل الثقة في حكومات شمال أوروبا، يقول الخبير في مجال الاتصال أنديرس ديبدال “إنه أحد الأسباب الرئيسية، هناك ثقة كبيرة في الحكومات والسلطات ووسائل الإعلام؛ مما يجعل من السهل إدارة بعض المواقف. هذه الثقة هي ما يجعل الدانماركيين أكثر التزاما بالتوجيهات”.

ويبدو أن سكان تلك البلدان راضون عن الإجراءات المتخذة للتعامل مع أكبر أزمة تواجه بلدانهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لأن حكوماتهم حريصة على شعبيتها بين الناخبين.

وهكذا تشير الأرقام إلى أن شعبية حزب الشعب النمساوي يسجل ما يصل إلى 44% في استطلاعات الرأي، كما ارتفعت شعبية الحزب الحاكم في الدانمارك تحت قيادة رئيس الوزراء ميت فريدريكسن إلى 34%، وهي أفضل نتيجة له في عشرين عاما.

في مقابل ذلك، شكلت أزمة كورونا ضربة للشعبويين في تيار اليمين المتطرف الذين فقدوا الدعم الشعبي في النمسا (10%)، والدانمارك (7%)، وألمانيا (10%).

المصدر : الصحافة الإسبانية

——————————-

========================

=========================

تحديث 07 أيار 2020

————————-

احتمالات كورونا في الشمال السوري

نشرت وحدة المعلومات الصحية في شمال غرب سوريا، يوم أمس الأربعاء، تقريراً مفصلاً يتضمّن السيناريوهات المتوقعة في حال انتشار مرض كوفيد19، الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظتي حلب وإدلب. ويتناول التقرير، الذي تم إعداده بالتعاون مع باحثين أكاديميين حول العالم، مدى قدرة النظام الصحي في هذه المناطق على احتمال تفشّي الوباء، مع التركيز على نقاط الضعف الأساسية والفجوات التي يعاني منها، من أجل الاستعداد بشكل أفضل لمثل هذا الاحتمال.

وقد اعتمد الباحثون على بيانات منظمة الصحة العالمية، وعلى نماذج التزايد في أعداد الحالات التي أقرتها المنظمة. وبناءً على ذلك، تمّ وضع عدد من السيناريوهات التي تتوافق مع النماذج الأكثر انتشاراً في عدد من دول العالم، مع أخذ عوامل متعددة بعين الاعتبار، مثل البيئة والكثافة السكانية. وأظهرت التحليلات التي قدّمها التقرير نتائج مخيفة عن أعداد الأشخاص الذين قد يصابون بالمرض في المنطقة، ضمن الظروف شديدة الصعوبة في المحافظة، التي يعيش عشرات الآلاف من سكّانها حرفياً على أنقاض مدنهم وبلداتهم.

يقول التقرير إنّ أكثر من أربعة ملايين يعيشون في شمال غرب سوريا، في منطقة تمتد بين ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، ويواجهون مخاطر شديدة في حال انتشار المرض، خاصةً سكان المخيمات، في ظل تباطؤ، وربما تقاعس، المنظمات الدولية عن اتخاذ إجراءات فورية لدعم القطاع الصحي هناك.

يقول الدكتور محمود الحريري، مدير وحدة المعلومات الصحية، للجمهورية: «رأينا أن الطريقة الأفضل لمساعدة القطاع الطبي في المنطقة على تحديد احتياجاته الرئيسية، هي بناء نماذج تحاكي ما يمكن أن يحدث في حالة انتشار المرض لا سمح الله. وقد قام أطباء وباحثون سوريون، ومن بريطانيا وأستراليا، بإعداد البحث وتدقيقه، للوصول إلى النتائج الأكثر واقعية».

أصابت النتائج التي وصل إليها البحث الفريق بالمفاجئة، حتى بالنسبة للأطباء والباحثين السوريين الذين يعلمون تماماً وضع القطاع الصحي في المنطقة، خاصةً بعد التصعيد العسكري خلال العام الماضي وتعرضه للاستهداف الممنهج، ما أثَّرَ على قدرته الاستيعابية وعلى قدرة العاملين الصحيين على الوصول إلى السكان، فضلاً عن تهديد حياة العاملين فيه. يقول الدكتور الحريري: «يجب قرع جرس الإنذار بالنسبة للوضع في المنطقة، وهناك تحرك فوري واجب على منظمة الصحة العالمية والمانحين لتغطية الفجوات والضعف الذي يعاني منه القطاع الصحي، وإلا فإن حياة المئات، وربما الآلاف، ستكون في خطر محدق».

وقد توصل التقرير الذي نشره فريق وحدة المعلومات بعد مؤتمر صحفي عبر الإنترنت يوم أمس، إلى أن هناك عدة سيناريوهات أساسية ممكنة الحدوث؛ يحدد السيناريو الأول بأن عدد الحالات في الأسبوع السادس من الانتشار سيصل إلى 55098 حالة، وهو ما يعني أنّ المرض سيكون قد أصاب 1.3% من السكان، فيما ستكون 8265 حالة بحاجة إلى عناية طبية في المستشفيات. وسيكون عدد الحالات الحرجة، التي تحتاج إلى عناية مشددة وأجهزة تنفس اصطناعي في هذا السيناريو، 2755 في الأسبوع السادس، وهو رقم لا يستطيع النظام الصحي التعامل معه في تلك المناطق، نتيجة النقص في المعدات، وعلى رأسها أجهزة التنفس الاصطناعي، بالإضافة إلى عدم وجود عدد كافٍ من أسرة العناية المشددة في المستشفيات.

السيناريو الثاني يحاكي أسوأ النماذج الحتملة، وهو يتوقع بأن يكون عدد الحالات في الأسبوع السادس قد وصل إلى 835675 حالة، من بينها 41784 حالة بحاجة إلى عناية مشددة وأجهزة تنفس اصطناعي.

السيناريو الثالث لانتشار المرض يركز على أوضاع السكان الأكثر حاجة، وهم النازحون الجدد الذين يبلغ عددهم 1.2 مليون نسمة. ويتوقع هذا السيناريو أن يصل عدد الحالات في الأسبوع الثالث، إذا ما بدأ الانتشار ضمن المخيمات، إلى 239933 حالة في المخيمات لوحدها، ستحتاج 11997 حالة منها إلى عناية مشددة وأجهزة تنفس اصطناعي.

وكانت مديرية صحة إدلب، في وقت سابق خلال الشهر الماضي، قد نشرت تفاصيل حول الطاقة الاستيعابية للقطاع الصحي في إدلب، تُظهر أنّ أعداد أجهزة التنفس الإصطناعي غير كافية أبداً، إذ قالت إن مشافي إدلب تضم 201 سرير عناية مشددة فقط، و95 جهاز تنفس للبالغين، و30 للأطفال، و29 جهاز تنفس لحديثي الولادة.

وبمقارنة هذه الأرقام مع السيناريوهات المتوقعة، فإننا سنكون أمام كارثة حتمية في حال انتشار هذا المرض، خاصةً مع وجود مؤشرات خطيرة في عفرين، بعد أن تناقلت وسائل إعلام تقارير تفيد بإصابة جنود أتراك بفيروس كورونا فيها ونقلهم إلى تركيا، بالإضافة وبعد أن نشرت وكالة سمارت يوم أمس، نقلاً عن مصادر طبية داخل عفرين، تقريراً يتحدث عن أربع إصابات بين المدنيين السوريين، جرى تأكيدها بعد تحليل عينات من دمهم في تركيا، إلا أن السلطات التركية طلبت عدم إعلان الخبر لأسباب غير معروفة بحسب مصادر الوكالة. تعني هذه الأنباء في حال صحتها أن المرض قد بدأ في تلك المنطقة التي تخضع للسيطرة التركية، ويمكن أن يتفشى فيها وينتقل منها إلى بقية المناطق.

«نحن نواجه كارثة حقيقية»، يقول البيان الذي أعلنته وحدة المعلومات الصحية في مؤتمرها الصحفي. ولمواجهة هذه الكارثة، دعت الوحدة إلى التحرك سريعاً لتغطية النقص في دعم للقطاع الصحي، وإلى تقديم العون للمنظمات الطبية العاملة في سوريا، كما دعت منظمة الصحة العالمية إلى التسريع في عملها وإجراءاتها، لأن أي تأخير قد تترتب عليه خسائر في الأرواح، آملةً أن يكون هذا التقرير إنذاراً مبكراً لاتخاذ مزيد من الاستعدادات في مواجهة جائحة ضربت العالم كله.

موقع الجمهورية

https://hisunit.yolasite.com/?fbclid=IwAR0CbXqVfhQwNUofdh_TxiXqhDYuC4yRw4PNQANO-ZCVozcmF33BFeoImLk

——————–

لا استسلام أمام كورنا.. الصراع من أجل لقمة الخبز/ سوسن غنوم

حكاية تروي تفاصيل كفاح ونضال منيرة يوسف من مدينة القامشلي مع الحياة وصعوباتها في بلد الحرب منذ أعوام. هذه الحرب التي دمرت الكثير، ومنها إرادات الناس قبل أن تحطم حيواتهم. إلا أن هناك من لم يسمح للحرب، رغم كل شراستها أن تحطم إرادته، منهم منيرة التي واجهت الحرب بإرادة فولاذية قوامها الأمل والعمل.

(هذه المادة بتنشر بالتعاون والشراكة بين حكاية ما انحكت ومؤسسة شبكة الصحفيات السوريات)

(القامشلي)، “لا شك بأنني أخاف على نفسي وأطفالي من هذا الوباء، ولكن بسبب وضعي المعيشي الصعب، ولأنني مضطرة أن أؤمن قوت يوم أسرتي، فأنا مجبرة أن أعمل حتى في ظل هذه الظروف، ولأن عمل الأفران لم يشمله الحظر كانت فرصة لي أن أعمل في الفرن”.

هذا ما تقوله الأم، منيرة يوسف البالغة من العمر ٤١ عاما، من مدينة القامشلي السورية، حين سئلت عن سبب عملها رغم الحظر المفروض بسبب كورونا، والذي طال مكان عملها الأول، حيث أجبرتها الحياة على العمل في مطعم “فبعد وفاة زوجي رأيت نفسي مسؤولةً عن أربعة أطفال وأمي المسنة المريضة، وليس لي شهادة أعمل بها، ولم أجد من يساندني في محنتي. علمت حينها أن الحمل لن يكون خفيفاً، ولكنني لم أستسلم يوماً ولم أدع اليأس يعرف طريقه إلى قلبي، فأنا أبذل كل جهدي وأعتمد على ذاتي، كي لا أحتاج أنا وأطفالي وأمي لأحد”، كما تقول لحكاية ما انحكت التي اطلعت على تفاصيل كفاح ونضال منيرة مع الحياة وصعوباتها في بلد الحرب منذ أعوام. هذه الحرب التي دمرت الكثير، ومنها إرادات الناس قبل أن تحطم حيواتهم. إلا أن هناك من لم يسمح للحرب، رغم كل شراستها أن تحطم إرادته، منهم منيرة التي واجهت الحرب بإرادة فولاذية قوامها الأمل والعمل.

(منيرة يوسف: سأبقى أعمل بجد ولن أستسلم كما تعلمت بالرغم من كل الصعاب التي تواجهني، وأدعو كافة النساء مثيلاتي أن لا يستسلمن لظروفهن مهما كانت/ خاص حكاية ما انحكت)

تسكن منيرة في بيت للآجار مع أمها المسنة وأطفالها الأربعة في حي شعبي بالهلالية في مدينة القامشلي. توفي زوجها قبل 10 سنوات، تاركاً خلفه صبي وثلاث بنات، حيث يبلغ طفلها البكر 15 سنة، والذي اضطر لترك مقاعد الدراسة في سن صغيرة بسبب أوضاعهم المادية الصعبة، أما الفتيات الثلاث فهن أصغر منه.

بعد وفاة زوجها عملت في الأراضي الزراعية، بأجر يومي محدود، تعيل بها أسرتها. ولكن قبل حوالي سنة اختارت عملا آخر، وجدته أسهل بالنسبة لها، وهو العمل في مطعم “الأومري” بمدينة القامشلي بمبلغ قدره ثلاثة آلاف ليرة سورية، بدوام تصفه “بالطويل” من السابعة والنصف صباحاً للخامسة وأحياناً السادسة مساءً.

تقوم منيرة أثناء عملها في المطعم بأعمال عدة من تنظيف اللحوم والبقوليات وتتبيلها وكل ما يطلب منها خلال عملها. تقول لنا أنها ليست المرأة الوحيدة في المطعم، بل يعمل معها ثماني نساء أخريات، وتصف معاملة أصحاب المطعم لهن “بالجيدة”. ولكنها تعاني من الدوام الطويل وترك أطفالها بالمنزل، حيث تقول لحكاية ما انحكت: “معاملة أصحاب المطعم لنا جيدة، لكن العمل متعب والدوام طويل، خصوصاً وأنا أترك أطفالي في المنزل، فيبقى فكري مشغولٌ بهم وأخاف عليهم لحين عودتي للمنزل”.

وتردف منيرة بالقول: “أعمل بجد لأؤمن احتياجات أطفالي وأدوية أمي المريضة، وكثيراً ما يعاني أطفالي من قلة الطعام والثياب، وحالياً بالتزامن مع قدوم عيد الفطر لديهم متطلبات كسائر الأطفال، والتي أؤمنها لهم حسب إمكاناتي، ولكن معاناتي الكبيرة هي من أدوية أمي الكثيرة، والتي يجب توفيرها على الدوام، فتوفيري لأدويتها أهم بالنسبة لي من طعامنا ولباسنا”.

لا استسلام أمام كورنا

حظر التجول في شمال وشرق سوريا الذي بدأ منذ 23 من شهر آذار المنصرم أثر سلباً على معيشة منيرة كحال الكثيرين من الذين يعملون بأجور يومية. وبهذا الصدد أشارت منيرة: “حظر التجول أثر علي كثيراً، فأنا أعمل في المطعم بأجر يومي ولا دخل لي غيره، وحين توقف عمل المطعم احترت من أين أؤمن قوت يومي؟”.

لكنها تستدرك متابعةً بوجهها المبتسم وملامحها الهادئة: “لكنني لم أعرف الاستسلام”، لذا بدأت تعمل في فرن للخبز، وبالرغم من أجره القليل الذي يبلغ ألفي ليرة سورية فقط، وبعده عن بيتها، حيث تضطر للذهاب إلى العمل مشياً لأكثر من ساعة، ولكنها بإرادة قوية وعزيمة صلبة تردد: “من الجيد إني وجدت عملاً أعيل به أسرتي أثناء هذا الحظر”، وتتمنى أن ينتهي الحظر في شمال وشرق سوريا قريباً لتعود إلى عملها في المطعم الذي تجده بالرغم من تعبه أفضل من عملها بالفرن، مؤكدة بذات الوقت أنها تعمل ما بوسعها لتفادي إصابتها بهذا الوباء، وذلك بالالتزام بالنظافة الشخصية وترك مسافة بينها وبين الآخرين قدر الإمكان، وتضيف: “عم نعمل إلي علينا والأمان بالله.. فجل ما أريده وأسعى إليه هو عمل ثابت أتقاضى أجره بشكل شهري ليكون دخل ثابت لي ولأسرتي لكي لا نحتاج أحداً”.

أما أم منيرة يوسف، والمعروفة في الحي التي تسكن فيه بـ “أم ذكي” البالغة من العمر 65 سنة، والتي تسكن عند ابنتها منيرة، فهي تعاني العديد من الأمراض المزمنة، منها السكر وأمراض في القلب وغيرها.

نقول أم ذكي لحكاية ما انحكت بأن زوجها توفي منذ أكثر من 15عاماً، وكان لديها ابن وحيد يعيلها، و”لكنه اختفى منذ بداية الحرب السورية في ظروف غامضة” ولا يعلمون عنه شئياً حتى الآن.

وتشير أم ذكي: “ابنتي منيرة هي التي تعيلني، وتؤمن أدويتي وتعتني بي بالرغم من وضعها الصعب ووجود أربعة أطفال تعيلهم”. فهي بالرغم من كل مصابها إلا أنها تستمد قوتها من ابنتها وأطفالها وتعتبرهم أملها ومصدر طاقتها وسعادتها في الحياة، وفق ما تقول لنا.

بالرغم من سن العديد من القوانين الدولية التي تؤكد على ضرورة حماية النساء من خلال مساعدتهن لتحسين حياتهن نحو الأفضل، مثل القانون الذي صدر عن مجلس الأمن حول حماية المرأة في مناطق النزاع، في 31 تشرين الأول من عام 2000، والذي يعرف بقانون “1325”، ومن أهم البنود التي يرتكز عليه بند “الحماية”، حيث يدعو لتحسين أمن الفتيات والنساء وتحسين صحتهن الجسدية والعقلية وأمنهن الاقتصادي وحياتهن بشكلٍ عام.

إلا أنه، وحتى الآن، نجد الكثير من القصص التي تشابه قصة الأم منيرة التي تكد وتعمل بإرادة قوية، ولكن لا تجد هذه القوانين تطبيقاً في مناطقنا لتدعم النساء من خلال تأمين فرص مناسبة من حيث أوقات الدوام، وكذلك بأجر يتناسب مع دخلهن اليومي لتعيش حياة كريمة، حيث أن ألفين وثلاثة آلاف ليرة سورية يومياً قليلة جداً بالنسبة للغلاء المعيشي وارتفاع سعر كافة السلع في الوقت الراهن، لتبقى هذه القوانين مجرد سطور لا فائدة منها ما لم تطبق على أرض الواقع.

(منيرة يوسف مع والدتها في منزلهم في حي الهلالية في مدينة القامشلي/ خاص حكاية ما انحكت)

وحول مساندة الجهات المعنية في شمال وشرق سوريا لحالات مثل حالة المواطنة منيرة يوسف، وما إذا كن يحصلن على الدعم والرعاية من المعنيين. تحدثت حكاية ما انحكت إلى نائبة هيئة المرأة في إقليم الجزيرة، دريا رمضان، حول هذا الموضوع بالقول: “نحاول قدر الإمكان توفير فرص عمل للنساء الأرامل واللواتي لهن ظروف خاصة، من خلال تقديم العون لبعضهن، وبالأخص ممن يعانين من أمراض مزمنة، ومن لا يعملن، حيث قمنا بتأمين فرص عمل للكثير من النسوة في المؤسسات والهيئات التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية بحسب وجود شواغر. وفي الوقت الحالي نعمل على فتح مشروعين قريباً هما فرن خاص بالنساء، وآخر مشغل للخياطة لنستطيع من خلاهما تأمين فرص عمل لأكبر عدد من النساء اللواتي يعشن ظروف صعبة وخاصة”.

وفي السياق ذاته، أشار الرئيس المشترك لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في إقليم الجزيرة، حسين العلي، بالقول لحكاية ما انحكت: “نحن كهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل نسعى لتقديم دعم مجتمعي لكل حالة إنسانية بحاجة لمساعدة، من خلال تسجيل هذه الحالات لدينا، حيث نساعدهم قدر الإمكانات المتاحة، وكذلك نعمل على توفير فرص عمل لهم من خلال الشواغر الموجودة ضمن المؤسسات ومراكز الإدارة الذاتية، وفي الوقت الحالي نقوم بتوزيع مساعدات “سلل غذائية” وبالأخص للعوائل المحتاجة عن طريق كومينات الأحياء”.

وأكد العلي في ختام حديثه لنا، بأنه بالنسبة لمشاريع أو دعم خاص بحالات النساء اللواتي فقدن معيلهن، أو اللواتي يحتجن لمساعدة فهم ليس لديهم أي دعم أو ميزانية مخصصة لهن، بل يساعدونهن حسب الإمكانات المتوفرة لديهم.

وتختتم الأم منيرة يوسف حديثها قائلةً: “سأبقى أعمل بجد ولن أستسلم كما تعلمت بالرغم من كل الصعاب التي تواجهني، وأدعو كافة النساء مثيلاتي أن لا يستسلمن لظروفهن مهما كانت، وأدعوهن أن يوحدن صوتهن لنحصل على كافة حقوقنا في المجتمع، لعلنا نجد يوماً آذاناً صاغية”.

—————————-

===========================

=================

تحديث 10 أيار 2020

——————–

أمريكا والصين: حرب الفيروس بعد التجارة

بعد أن بدأ بامتداح شفافية الصين في مكافحة انتشار فيروس كورونا والتعبير عن الامتنان للرئيس الصيني شخصياً، انتقل الرئيس الأمريكي إلى مهاجمة بيجين وتحميلها مسؤولية ارتكاب “خطأ فظيع” تسبب في خروج الفيروس من مخابر ووهان وتفشيه على نطاق العالم، بل وذهب إلى درجة التلميح بأن الصين قد تكون عدّلت الخارطة الجينية للفيروس عن سابق عمد. ومع أن الصين ليست الدولة المثالية من حيث الشفافية وحرية الصحافة والمعلومات، فمن الواضح أن التناقضات في أقوال ترامب ناجمة عن التخبط في معالجة عواقب الفيروس على الساحة الأمريكية، والتي لا تصيب الاقتصاد الأمريكي بأضرار كبيرة فقط بل تهدد حظوظ ترامب في ولاية رئاسية جديدة.

———————

ترامب والصين: الكرات الشفافة والكتيمة/ صبحي حديدي

ليست مبالغة، أغلب الظنّ، أن يرجح المرء تناقص أعداد السذّج من أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ممّن يبصمون على أفعاله وأقواله من دون تمحيص أو تدقيق أو حتى استيعاب؛ فلقد تكفلت جائحة كورونا بتخفيض سقوف إيمانهم بأنّ الكون بأسره ينخرط في مؤامرات متعاقبة تستهدف إفساد إعادة انتخاب رئيسهم لولاية جديدة. وهذا التآمر كان يضمّ البشر أفراداً وجماعات، ودولاً ومنظمات، وصحافة أمريكية وعالمية، ومخابر ووهان الصينية مثل أروقة منظمة الصحة العالمية؛ فضلاً عن… الطبيعة، فيروسات وأوبئةَ وجوائح…

صحيح، إلى هذا، أنّ سلسلة الاتهامات التي يواصل توجيهها اليوم إلى الصين، سواء حول “الخطأ الفظيع” المعملي الذي تسبب في تسرّب الفيروس خارج المعمل، أو تعديل الخارطة الجينية للفيروس ثمّ تصديره إلى العالم عن سابق قصد وتصميم؛ تلقى آذاناً مصغية لدى شرائح واسعة من أنصاره، لأنها ببساطة تعزف على نغم نظريات المؤامرة إياها. صحيح أكثر، في المقابل، أنّ العلماء وخبراء الفيروسات وأخصائيي الأوبئة، إلى جانب جهاز المخابرات الوطنية الأمريكي ذاته، يجمعون على أنّ منشأ الفيروس حيواني، غير معدّل ولا مصنّع ولا ناجم عن أخطاء مخبرية، وأنّ ظروف قفزه نحو الإنسان ما تزال قيد الدراسة. كلّ هذا دون إغفال حقيقة موازية تحظى بمقدار مماثل من الإجماع: أنّ الصين ليست كرة شفافة، وليست ديمقراطية، والصحافة فيها ليست حرّة كي تنقل الملابسات كما وقعت، والتدابير الاحترازية في مخابر ووهان ليست مثالية.

لكن الصحافة الأمريكية، وبعد أن صعّد ترامب النبرة ضدّ الصين، أعادت تسليط الضوء على أصل الحكاية وجذورها الأولى التي تقول العكس تماماً: أنّ ترامب، منذ أواخر كانون الثاني (يناير) هذا العام حين بات الفيروس على كلّ شفة ولسان، رفض نصائح مستشاريه المقرّبين حول ضرورة توجيه الانتقاد إلى الصين على خلفية انعدام الشفافية؛ خاصة وأنّ خياراً كهذا سوف يحظى بتعاطف الجمهوريين والديمقراطيين، على حدّ سواء. لكنّ الرئيس الأمريكي لم يكتف برفض النصيحة، بل عمل على نقيضها فغرّد يمتدح إجراءات الصين في الحدّ من انتشار الفيروس، وحرص على إغداق مديح خاصّ للرئيس الصيني نفسه!

غياب الكرة الشفافة في الصين يقابله في الولايات المتحدة احتشاد للكرات التي تشفّ حول أيّ أمر وكلّ شيء، عن حقّ أو عن باطل، صادقة أم كاذبة، حسنة الطوية أم سيئة النيّة، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلوم، وفي مدونة السلوك على أيّ صعيد وكيفما اتفق. ولهذا فإنّ لعبة اتهام الصين بالافتقار إلى الشفافية انقلبت سريعاً ضدّ ترامب، فأخذت وسائل الإعلام الأمريكية تتسابق في نبش (أو الأحرى القول: نكش) تفاصيل التيه الإرادي الذي أسقط ترامب نفسه فيه: بين المضيّ في إبرام المزيد من الاتفاقيات التجارية مع الصين، والتوصل إلى حدّ أدنى من وقف إطلاق النار في الحروب التجارية؛ وبين إغضاب بيجين في ملفّ جائحة كورونا عن طريق إطلاق تسمية “الفيروس الصيني” العنصرية، والتهديد برفع دعاوى قضائية لتعويض الوفيات الأمريكية، وفرض عقوبات اقتصادية.

وثمة لعبة أخرى، غير تبادل الكرات الشفافة والكتيمة، انخرط فيها ترامب مؤخراً واعتمدت على مبدأ التجهيل المعلَن الذي لا يقول اسمه: لدينا “دليل هائل” على أنّ الفيروس خرج من مخبر ووهان، يقول ترامب ويلتحق به وزير خارجيته؛ وحين يُسأل عن مصادره، يجيب حرفياً: “لا أستطيع أن أخبركم. ليس مسموحاً لي أن أخبركم”! هذه مجرد تكهنات، يردّ العلماء والخبراء وجهاز استخبارات مركزي أمريكي؛ وهذه محاولة مستميتة لإحياء الجذوة الشعبوية التي يمكن أن تنقذ حملة ترامب لرئاسيات هذا العام، يفترض كثير من المراقبين السياسيين داخل أمريكا وخارجها في الواقع.

وهذا، في المحصلة، لا يلغي احتمال اشتراك اللاعبَيْن، الصيني والأمريكي، في تدوير كرة شفافة تارة وأخرى كتيمة طوراً، لأنّ توازنات الكون ليست نظرية مؤامرة مفتوحة، بالطبع؛ ولكنها، في الآن ذاته، لا تفتقر إلى تفاهم الجبابرة حول أنساق شتى من التواطؤ والتقاسم و… التآمر!

القدس العربي

————————–

كورونا بولسونارو: كي لا يبقى ترامب وحيداً/ صبحي حديدي

إذا صحّ أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينفرد بعجائب الأفعال وغرائب الأقوال في معالجة شؤون جائحة كورونا، فالأصحّ التذكير بأنه ليس الوحيد في الميدان؛ ما وراء المحيط على الأقلّ، وفي البلد الأضخم على مستوى أمريكا اللاتينية: البرازيل. ولم تكن مصادفة أنه التقى مع ترامب خلال استراحة الأخير في مارالارغو، وتبادلا السخرية من فيروس كورونا بوصفه إما «فانتازيا» أو «أكذوبة» أو في الحدود القصوى مجرّد «لفحة برد». كذلك لن يكون اتفاقهما، لاحقاً، حول تفاصيل أخرى كثيرة تخصّ الجائحة (السخرية من العلماء والأطباء والخبراء، التحمس الشديد لعقار هيدروكسيكلوروكين، مقاومة الحجر إلى درجة الظهور في الشارع ومصافحة الناس ثمّ عزل وزير الصحة لأنه طالب المواطنين بأن يلزموا البيوت…)؛ وكأنّ النزوع الشعبوي الذي يشدّ بولسونارو إلى ترامب تجسد على نحو غير مسبوق في هذا التسابق على تسخيف الجائحة، وتجريدها من الأخطار على الاقتصاد والسوق ومعدّلات التأييد الشعبي بصفة خاصة.

كذلك ليست مصادفة أنّ جائحة كورونا كانت الخلفية، الأحدث عهداً في الواقع، لتصدّع الفريق الصلد الذي كان وراء صعود بولسونارو وانتخابه، أواخر تشرين الأول 2018، بأكثر من 55٪ من أصوات الناخبين، أمام منافسه فرناندو حداد. وفي رأس هؤلاء كان القاضي سيرجيو مورو، الذي ترأس تحقيقاً ضدّ الفساد عُرف باسم «غسيل السيارات» وأسفر عن اعتقال وسجن الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا، فكان في طليعة قرارات بولسونارو الرئاسية تعيين مورو وزيراً للعدل. وهذا المساند الأكبر، سابقاً، قدّم استقالته مؤخراً ورفع إصبع الاتهام بالفساد في وجه بولسونارو؛ متفقاً في ذلك مع قرار المحكمة العليا ترخيص التحقيق في تهم موجهة إلى الرئيس البرازيلي، تفيد بأنه سعى إلى استغلال الشرطة الفدرالية لأغراض سياسية شخصية. وسرعان ما التحق بوزير العدل، في مغادرة مركب الرئاسة الآخذة في الترنح، اثنان من أبرز أعضاء الكونغرس كانا من أشدّ المدافعين عن بولسونارو: ألكسندر فروتا، نجم الأفلام الإباحية المتقاعد الذي يطالب اليوم بمحاكمة الرئيس وعزله؛ وجاناينا باسكوال، قائدة الحملة للإطاحة بالرئيسة السابقة ديلما روسوف.

الحجر الصحي منع بولسونارو من استعراض عضلات شعبوي كان مقدراً له أن يكون الأضخم ضدّ خصومه منذ أن تولى الرئاسة، إذْ كان يوم 15 آذار (مارس) هو الموعد الذي ضربه أنصاره لاجتياح الشوارع والمطالبة بإسقاط الكونغرس والمحكمة العليا لأنهما يتدخلان في سياساته النيو ــ ليبرالية والأوتوقراطية. وكان إدواردو (ابن الرئيس ومنظّر العائلة الإيديولوجي كما يجمع الكثير من المراقبين) قد مهّد للموعد بتصريح استفزازي تماماً: «لو أسقط أحدهم قنبلة هيدروجينية على الكونغرس، هل تعتقدون أنّ أحداً سيذرف دمعة؟». وكان، في واقع الأمر، يعيد صياعة تصريح آخر شهير صدر عنه خلال حملة والده الانتخابية، في سنة 2018: «لا يحتاج الأمر إلا إلى جندي واحد وآخر برتبة عريف لإغلاق المحكمة العليا»! كلّ هذا على خلفية مؤشر بالغ الخطورة، هو أنّ أنصار بولسونارو بدأوا في الآونة الأخيرة يرفعون خلال التظاهرات لافتات تطالب بعودة العسكر؛ أي تكرار النظام الانقلابي الذي حكم البرازيل خلال أعوام 1964 وحتى 1985.

ليس غريباً، والحال هذه، أن يمجّد بولسونارو قادة انقلاب 1964 وأن يعلّق صورهم على جدران مكتبه حين كان عضواً في الكونغرس، وأن يبدي إعجابه بشخصية الجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه الذي قاد الانقلاب ضد الرئيس الشرعي المنتخب سلفادور ألليندي في أيلول (سبتمبر) 1973. وبين الوقائع الفظيعة التي يسجّلها المؤرخ البرازيلي موريلو كليتو في سيرة بولسونارو أنه سُئل عن جريمة الانقلابيين في حشر الصحافية الحامل ميريام ليتاو مع أفعى في حفرة، فعلّق قائلاً: أنا أتعاطف مع الأفعى! وحين أقامت البرازيل تمثالاً على شرف روبنز باييفا، الذي اختطفه العسكر أيضاً ولم يُعثر على جسده، تقصد بولسوناروا الذهاب إلى التمثال بهدف واحد: أن يبصق عليه! وفي الأشهر الأولى التي أعقبت انتخابه رئيساً للبلاد، أصدر مرسوماً يقضي بإلغاء المنع الذي فُرض سابقاً على احتفال الجيش بذكرى الانقلاب، ولكنه تحت ضغط الجنرالات أنفسهم تراجع قليلاً وصرّح بأنه لم يأمر بالاحتفال وإنما بالاستذكار!

وفي بورتريه يرسم الخطوط الأعرض لشخصية بولسونارو السياسية والفكرية، نشرته دورية «نيويورك ريفيو أوف بوكس» أواخر آذار (مارس) الماضي، يرى فنسنت بيفنز أنّ «البولسوناريسمو« حركة عنيفة بجلاء تامّ، تحتقر الديمقراطية ولكنها تستخدم مؤسساتها؛ وإن كانت لا تمانع في إلقائها جانباً في أيّ وقت، إذا عرقلت الاهداف الحقيقية للحركة. وأمّا أبرز مكوّناتها العقائدية، فهي «تأكيد مبدأ العائلة التقليدية، والحفاظ على النظام الاجتماعي القائم حالياً في البرازيل وخاصة الحملة الصليبية الأزلية لاقتلاع اليسار». وقبل أن يفلح التحقيق ضد الفساد في تقويض المؤسسة السياسية والسماح له بالقفز إلى مركز الصدارة، كانت خلاصة حياة بولسونارو السياسية، على امتداد 27 سنة في عضوية الكونغرس، أن «يمتدح الدكتاتورية العسكرية ويساند أجهزة الشرطة الأكثر عنفاً في البلاد».

وما لا يصحّ نسيانه، هنا، هو أنّ بولسونارو، بصرف النظر عن شخصية منافسه في الرئاسيات الأخيرة ونقاط قوّته وضعفه، انتُخب بنسبة 55٪؛ الأمر الذي يعني أنه حصل على أصوات تلك الشرائح التي اصطفت ذات يوم خلف الرئيس الشعبي لولا، وبالتالي فإنّ بعض الشعارات التي رفعتها البولسوناريسمو لم تكن تستجيب للمطالب النيو ــ ليبرالية وتيارات اقتصاد السوق والعداء لليسار ومكافحة الفساد، فقط؛ بل كانت أيضاً تدغدغ أحلام بعض الفقراء، وتطلعاتهم إلى غد أفضل. هذه ليست مفارقة جديدة بالطبع، بل لعلها سمة متلازمة مع صعود التيارات الشعبوية القديم منها والحديث والمعاصر، ومن هنا حال التناغم بين بولسونارو وترامب، مع حفظ الفوارق الأخرى غنيّ عن القول.

المشهد اليوم، على الصعيد السياسي، يضع شعبوية بولسونارو أمام اثنتين من مؤسسات الديمقراطية البرازيلية، أي الكونغرس والمحكمة العليا؛ وتكفلت جائحة كورونا بتعميق العناصر أكثر حين أضافت خلافات الرئيس مع قادة سابقين كانوا مخلصين له كلّ الإخلاص، مثل وزير العدل ووزير الصحة. غير أنّ المشهد الاجتماعي لا يشير إلى ضيق الطبقة الوسطى بسياسات بولسونارو الاقتصادية والمعاشية، حيث لا يلوح أنّ الحياة تبدلت كثيراً بالنسبة إلى شرائحها؛ رغم السياسات القصوى التي اعتمدها وزير مالية منحاز تماماً لبيوتات المال والأعمال. كذلك فإنّ بولسونارو، على نقيض أسلافه من الرؤساء الذين حكموا بعد طيّ صفحة الحقبة العسكرية، مارس السلطة وكأنّ البرازيل لا مكان فيها للكونغرس؛ أو كأنها سلطة تنفيذية وحيدة لا تقابلها، ولا تعترض عليها أو تحاسبها، سلطة تشريعية.

وهذه الحال تعدّ واحدة من كبريات نقائض الإيديولوجيا الشعبوية، لجهة إرساء علاقة تعسفية بين مفهومَيْ «الرأسمالية» و«الديمقراطية»: إذا نُظر إلى الرأسمالية كعقيدة لاقتصاد تنافسي ينتج قوى السوق، فإن الديمقراطية الليبرالية هي بالضرورة عقيدة السياسة التنافسية التي تخلق التعددية السياسية؛ والميزان الحسابي النهائي هو التالي، ببساطة: ممارسة رأسمالية أكثر، وديمقراطية أقلّ. وضمن هذه المعادلة ذاتها، وعلى خلفية جائحة كورونا تحديداً، تتجه الأنظمة الشعبوية إلى تخوين الأخصائيين حين ينحو هؤلاء منحى تكوين أغلبية صلبة داخل الرأي العام حول حقائق علمية راسخة تخصّ الفيروس، مثلاً. لهذا لا يتردد ترامب في التنكيل باللجنة العلمية ذاتها التي تدير شؤون مكافحة الجائحة في الولايات المتحدة؛ ويقتدي به بولسونارو في السخرية من الفيروس، ومن العلم والطبّ الذي… يلغي مليونية مناصرة له!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————-

البناء الاجتماعي للوباء: هل سننجو بدون دولة؟/ محمد سامي الكيال

تتردد عبارة «دولة أكثر، حريات أقل» بشكل واسع هذه الأيام، ليس فقط في مواجهة إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي، التي يفرضها كثير من الدول في مواجهة انتشار فيروس كورونا، ولكن أيضا للاعتراض على الإجراءات الإدارية والاقتصادية الحازمة، التي من المتوقع أن تلجأ إليها الحكومات للتعامل مع الأزمة.

وعلى الرغم من أن تلك العبارة يمكن نسبها للتراث الليبرالي والليبرتاري الكلاسيكي، فإن التوجس من الدولة، وتعاظم سلطاتها، له كذلك تراث يساري طويل، ليس فقط لدى الحركات الأناركية، التي لم تعد تملك كثيرا من التأثير السياسي والفكري في عصرنا، بل أيضا في أوساط «اليسار الأكاديمي»، الذي يرتبط موقفه المتشكك من الدولة بنقده العام للحداثة.

النقد «اليميني» لا يضع نفسه عادة في مواجهة الدولة بشكل مطلق، فهي تبقى الضامن للملكية الخاصة والنظام العام، ولكنه يطالب ببقائها دولة «صغيرة» دوما، تترك للمجتمعات المحلية والأسواق والأفراد، دورا أساسيا في إدارة قضاياهم، ما يتيح ظهور مجال للحرية بعيدا عن الأوامر والفروض المملاة من الأعلى.

في حين يبدو النقد «اليساري» أكثر غموضا، فالسياسات الحيوية والحوكمة والأجهزة الأيديولوجية، والسلطة عموما، التي لا تتركز في جهاز الدولة وحده، ليست فقط هيمنة فوقية على حياة البشر، بل هي سلطة منتجة، مسؤولة عن صياغة الذوات وإعادة إنتاج الحياة ذاتها. يصبح النقد هنا هجاء للشرط المعاصر بأكمله، أو محاولة لتفكيكه، بدون الاهتمام بطرح بدائل ستؤدي حتما لسلطة جديدة، فليس هذا دور هذا النوع من النقد أصلا.

في الأزمة الحالية يبدو أن الجانبين متفقان بالحد الأدنى على أن «دولة كورونا» تمهيدٌ لنمط حكم أكثر تسلطا، يدير كافة شؤون الحياة باسم حالة طوارئ دائمة. ما يعني ضمنيا أن ما نشهده اليوم، ليس مجرد رد فعل طبيعي وحتمي على ظرف طارئ، بل إن وعينا للوباء وطريقة تعاملنا معه، مبنية سياسيا واجتماعيا بواسطة السلطات السياسية والطبية ووسائل الإعلام. مقولة «الوباء بناء اجتماعي» لا تعني أن الفيروس لا يوجد حقا في الطبيعة، أو أنه مجرد مؤامرة سلطوية، بل تعني أن مفاهيمنا، عن الموت والحياة والضرورة والصحة ونمط الحياة السليم، كلها مفاهيم تاريخية، وليست حقائق متعالية، وبالتالي من الممكن تتبع نشوئها ونقدها والمطالبة بتغييرها. فهل يمكن لهذا النمط من التفكير أن يثبت فعاليته، في ظل أزمة عالمية بحجم انتشار فيروس كورونا؟ وهل يمكننا النجاة من الوباء، بدون الاستسلام لسلطة الدولة المتعاظمة؟

الدولة الحيوية

على الرغم من كل الانتقادات التي يمكن توجيهها للمذهب البنائي عموما، يصعب إنكار مدى أهمية مفهوم «السياسات الحيوية» Biopolitics وراهنيته في أيامنا الحالية. الموت والصحة ومستوى الحياة، لم تعد أسئلة وجودية أو أخلاقية بقدر كونها قضايا سياسية مرتبطة بالدولة وأجهزتها. وعلى الرغم من كل الحديث عن الفردانية، وحق تقرير المصير الذاتي، فإن حياة مجموع السكان ومصائرهم تحددها سياسات عامة، قائمة على الإحصاءات والنماذج: متوسط الأعمار، مستوى الدخل، عدد الوفيات والولادات، أنماط الجنسانية، الأمراض الشائعة، إلخ. يُعتبر الموت والمرض، إذن قضية تقنية يتوجب معالجتها والحدّ من آثارها، لإطالة أعمار البشر والحفاظ على صحتهم ومستوى إنتاجيتهم.

وبما أن السلطة تتولى مسؤولية إعادة إنتاج الحياة عموما، فهي قادرة على تطويع كافة مناحي المجتمع، بما يتفق مع ضرورات مهمتها هذه، بما في ذلك رفع الضمانات السياسية والقانونية، إذا هددت سياساتها الحيوية، عندها تصبح حياة البشر «عارية»، تختزل بالضرورات البيولوجية للبقاء. إلا أن هذا التصور يُغفل ببساطة أن الحفاظ على البقاء بحد ذاته ليس بناء اجتماعيا وسياسيا، ولم يكن يوما مجرد قضية أخلاقية أو وجودية. أيا كان تعريف السلطة لـ«الحــــياة الجــــيدة»، فإن وفـــاة مئات الآلاف، نتيجة وباء ما، ليست أمرا يمكن التغاضي عنه.

وإذا كانت السلطات الحديثة قادرة على حرمان البشر من ضماناتهم السياسية والقانونية، بدعوى الحفاظ على البقاء، فإن سجل الأوبئة التاريخي شهد ما هو أسوأ في غياب السلطة الحيوية: المجاعات، زوال مدن ومجتمعات بأكملها، أكل لحوم البشر، إلخ. لا تمتلك المجتمعات الموبوءة ترف الأسئلة الأخلاقية والسياسية أصلا.

يبقى الخطر الأساسي، الذي يمكن لنقد السياسيات الحيوية التنبيه إليه، تأبيد حالة الاستثناء، فعندما تصبح كل القضايا السياسية مهددة لبقائنا ذاته، بما في ذلك قضايا الاقتصاد والبيئة والأمن القومي، فيمكن عندها أن نظل دوما «حياة عارية»، وتغدو الديمقراطية والحريات عبئا على السلطة، أثناء تأديتها لوظائفها المتعلقة بإعادة إنتاج حياتنا، وهذا ميل لا يمكن عدم ملاحظته في عمل السلطات المعاصرة، خاصة مع تزايد التحكّم التكنوقراطي. هنا يمكن العودة للنقد «اليميني» للدولة، فهو قادر على طرح بعض الأسئلة المهمة بهذا الخصوص.

ذكاء بأثر رجعي

لا يبدي النقّاد الليبراليون والليبرتاريون اهتماما كبيرا بنظريات ميشيل فوكو وجورجيو أغامبين عن السياسات الحيوية، وحالة الاستثناء، ولكنهم ينتقدون «دولة الطوارئ الدائمة» من زاوية أخرى، غير متعارضة مع تلك النظريات بالضرورة. نحن لا ندين ببقائنا، حسب هذا المنظور، لسياسات الدول، بل ربما كان العكس صحيحا إلى حد ما. فشل الحكومات وتخبطها في التعامل مع تهديد فيروس كورونا ساهم بانتشاره عالميا: تكتّم الحكومة الصينية عن الوباء في البدايات، إهمال الحكومات الأوروبية للخطر، فشل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلخ. وبعد أن حلّت الكارثة صار بإمكان جميع الأطراف الحكومية ادعاء الحكمة والذكاء بأثر رجعي، والتصرف وكأنها الطرف الوحيد المؤهل للتعامل مع الأزمة.

يدّل مشهد رفوف المتاجر المليئة بالسلع، رغم الوباء، وتنافس شركات الأدوية على إنتاج اللقاحات، على قدرة السوق الحرة على التعامل مع الأزمة، بكفاءة تفوق كفاءة الدول. كما أن دور قادة المجتمعات المحلية، في التوعية بخطورة المرض، أكثر أهمية ونجاعة بكثير من نشر الشرطة والجيش، لإجبار الناس على البقاء في بيوتهم. الأهم أن السلطة السياسية تدفعنا للتعامل بانتقائية مع حياة البشر: من هي الفئات الضعيفة حقا في المجتمع، التي يجب حمايتها من الوباء وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، كبار السن والمرضى؟ أم العمال والفقراء المتضررون من خسارة أعمالهم؟ هل من المنطقي والأخلاقي الالتزام بإجراءات قد تؤدي لمجاعات واضطرابات اجتماعية أشد وطأة من الوباء ذاته؟ هل يمكن للحكومة أن تدير الاقتصاد بشكل يحفظ النمو والازدهار الاقتصادي الذي يعتمد عليه ملايين البشر؟ كل هذه الأسئلة، يجب أن لا تُترك الإجابة عنها، حسب هذا المنظور، لتسلّط دولة كبيرة. البشر قادرون أثناء ممارستهم لحياتهم العادية على تقديم إجابات متنوعة وأكثر مرونة مما يحدده جهاز دولة متضخّم.

يهمل هذا المنظور العمومية التي يتيحها جهاز الدولة، فدون رعاية صحية منظمة وشاملة لجميع السكان قد ينهار النظام الاجتماعي نفسه، بسبب انتشار المرض، وحرمان الفئات الأفقر من تلقي العلاج، وعندها قد تصـــبح حماية الملكـــية الخاصة نفسها، وهو الدور الذي يسند أساسا لـ«الدولة الصغيرة»، أمرا غير مضمون. كما أن الأسواق والمجتمعات قد تغرق في الفوضى، بدون ضبط سياسي عام. رغم هذا فمن المثير للاهتمام في هذا الطرح أن الدول قد تقوم بتعظيم سلطاتها لحلّ مشاكل ساهمت هي نفسها في خلقها وتفاقمها.

استعادة الدولة

ربما كان نقد مفهوم الدولة نفسه ترفا في مواجهة أزمات كبرى مثل انتشار فيروس كورونا، وقد يكون من الصعب إيجاد بديل عن «السياسات الحيوية». الأجدى مناقشة طبيعة الدول القائمة نفسها، هنا يصبح السؤال ليس عن الثقة بالسلطة التنفيذية وإجراءاتها، حسب طرح فرانسيس فوكوياما مثلا، بل عن التكوين الطبقي لهذه الدولة، ومدى مراعاتها للحقوق الأساسية للمواطنين، أثناء تصديها للضرورات الكبرى. لا تستطيع الدولة بسهولة رد البشر إلى وضعية «الحياة العارية» بوجود حياة سياسية مزدهرة وحيّز عام يتمتع بقدر من الحرية، كما قد يمكن وضع حدود لتدخلات «الدولة الكبيرة»، إذا كان لدى القوى الاجتماعية الإمكانية لتنظيم نفسها، وفرض نوع من الرقابة على جهاز الدولة. يصبح السؤال بهذا المعنى عن طبيعة الأنظمة السياسية التي يمكن إقامتها في عصرنا: حكم الأولغارشيين والخبراء؟ أم الديمقراطية بمعناها الأكثر شعبية؟ أي قدرة الطبقات الأدنى على تمثيل وتنظيم نفسها، وفرض مصالحها على جهاز الدولة، ما يجعلها تستولي عليه بشكل أو بآخر. يمكن عندها أن تراعي الضرورات الطبية والاقتصادية والبيئة مصالح أغلبية السكان، وتحترم حرياتهم الأساسية، حتى لو تناقضت مع «حماية الملكية الخاصة» أو العقائد السائدة. رغم هذا يبقى هذا الطرح نظريا في غياب القوى الاجتماعية القادرة على تنظيم نفسها لاستعادة الديمقراطية. ولذلك فربما لا يبقى لنا، في الظرف الحالي، إلا الاستماع لنقّاد الدولة.

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي

———————–

في فيروس كورونا ترامب يقول اللوم ليس علي ولكن على الصين ومن حقي الفوز بولاية ثانية/ إبراهيم درويش

كشفت المقابلة التي أجرتها قناة “فوكس اند فريندز” الجمعة الماضية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توجهاته في التعامل مع أسوأ وباء يجتاح الولايات المتحدة، وكانت الرسالة “لا تحملوني المسؤولية” عن عدد الإصابات التي تجاوزت مليون إصابة وأكثر من 79.000 وفاة. ولا تحملوني مسؤولية انهيار الاقتصاد وثلاثين مليون عاطل عن العمل. عليكم أن تحملوا الصين. وهي الرسالة التي تتردد منذ وقت في أروقة البيت الأبيض والإعلام الذي يؤيده مثل فوكس والتي يملكها روبرت ميردوخ، وتم التركيز فيها على الصين كطرف مسؤول عن الوباء الذي اجتاح العالم وسط حرب كلامية دائرة بين البلدين.

فرص ضائعة

فمنذ اكتشافه عدد الوفيات ومن يموت في هذه الأزمة قرر ترامب أن يحرف النقاش في الولايات المتحدة عن قصور إدارته وتأخرها بالرد على كوفيد-19 الذي انتشر مثل الهشيم. وبات معلوما أن إدارة ترامب ضيعت فرصا وقللت من خطورة المرض، وفكر ترامب مثل بقية الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا أن الصين بعيدة وأن المرض الذي بدأ بالانتشار هناك سينحصر في البؤرة الأولى وهي مدينة ووهان. وكان ترامب يعتقد أن الوباء لن يؤثر على حظوظ انتخابه، فنحن في عام انتخابات وبعد ستة أشهر سيقرر الناخب الأمريكي رئيسه للسنوات الأربع المقبلة. وكانت حملة ترامب تعول على الاقتصاد، وتفاخر “صانع الصفقات” بأنه أقام أقوى اقتصاد في العالم. ولكن الحملة انهارت سريعا مع بداية تصاعد أعداد الإصابات والوفيات. ومن هنا قرر الرئيس ترامب أن يكون نجم الإيجازات اليومية ويواجه الإعلام في محاولة لتمرير رسائله الانتخابية التي باتت حملته تكافح من أجل تمريرها في ظل السخط العام على طريقة الإدارة المتخبطة في التعامل مع الأزمة. وما كشفت عنه عدة استطلاعات عن تراجع في شعبية الرئيس.

قائد حرب يهرب من المسؤولية

ومن هنا فرسالة “لا تحملوني المسؤولية” هي جزء من التحلل من الأخطاء ورمي التهمة أولا على منظمة الصحة العالمية التي اتهمها بأنها أخفت معلومات عن الرأي العام العالمي حول أصول الفيروس. ووجد ترامب وأنصاره في تغريدة للمنظمة في 14 كانون الثاني/يناير قللت فيها من إمكانية انتشار المرض من شخص لآخر. ورغم أن المنظمة غيرت الرسالة عندما بات واضحا أن الفيروس قد قفز من حيوان بري إلى شخص. ولم يغفر ترامب المتقلب المتخبط بالأزمة فعاقب المنظمة وشن حربا عليها وقطع المشاركة الأمريكية ودعا للتحقيق في دورها في انتشار الوباء. وهذه هي طريقته المعهودة في حرف المسؤولية عنه وتحميلها لطرف آخر. فمنذ انتخابه أظهر هوسا في إرث باراك أوباما الذي حمله كل آثام أمريكا، فكل مأساة هي من صناعة أوباما وإدارته السابقة، ولهذا ظل يفكك كل إنجاز حققه أول رئيس أمريكي أسود. ومع أن المنظمة دافعت عن نفسها وقالت إنها كانت واضحة في تمرير الرسائل إلى الحكومات وأن الممثلين الأمريكيين فيها كانوا يرسلون للإدارة تقارير يومية حذروها من خطورة الوباء إلا أن ترامب قرر تجاهلها. وكعادته أشغل الإعلام في محاولة اتهام المنظمة الدولية، في محاولة للتغطية على قصوره. ومن هنا تقول صحيفة “لوس أنجليس تايمز” (8/5/2020) أن رسالة لا تحملوني المسؤولية مخاطرة تقوم على افتراض أن الناخب الأمريكي سيكافئه ولن يحمله مسؤولية الكارثة التي حدثت أمام ناظريه. وفي تلك المقابلة الطويلة قال إن ما حدث كان متوقعا وأنه سيعيد عجلة الاقتصاد إلى ما كانت عليه. وأردف أن الديمقراطيين لم يلوموه على ما حدث، وهو ما رفضه القادة الديمقراطيون. وتعلق الصحيفة أن أي رئيس لا يحب تحمل المسؤولية عندما يحدث أمر سيء ولكن الغرابة تنبع من رئيس نصب نفسه “قائد حرب” ولكنه قرر أنه لا يتحمل المسؤولية ولا حتى التأثير. وهو وضع بزعيم الحرب البريطاني بوريس جونسون، عندما أشغلت إصابته بكوفيد-19 الرأي العام البريطاني وتم تناسي الضحايا الحقيقيين في الحرب ضد كوفيد-19 وهو ما دعا بولي توينبي لوصفه في صحيفة “الغارديان” (20/4/2020) بأنه الزعيم السيء في الوقت الخطأ والمنصب الخطأ.

المتنمر الآخر

لكن الأمر في حالة ترامب تجاوز التحلل من المسؤولية إلى نقلها إلى الصين.  وتكراره مع وزير خارجيته مايك بومبيو، الذي يعرف ما يفكر به سيده ويتصرف بناء عليه. وهي نظرية تسرب فيروس كورونا من مختبر ووهان للفيروسات. وهو أكبر معهد في العالم مكرس للفيروسات الخبيثة. وظل بومبيو يصف الفيروس بـ “فيروس ووهان” وخرب اجتماعا لمجموعة الدول السبع الكبار عندما أصر على تضمين الوصف في البيان الختامي، حيث خرج المجتمعون بدون بيان. ورأى معلق صحيفة “واشنطن بوست” (5/5/2020) أن أكبر دبلوماسي أمريكي، أي بومبيو انشغل وسط الحرب الدائرة على الفيروس بالموضوعات المحببة إلى نفسه خاصة إيران التي أضاف إليها الصين، حيث أصبح متنمرا ويتصرف ببلطجية عالية أدت لدهشة نظرائه من الدول الحليفة في أوروبا وآسيا. ففي هذه الظروف الطارئة يتطلع المجتمع الدولي لقيادة يثق بها وكانت غائبة في كوفيد-19. بل وبات الحلفاء لأمريكا يخشون من مغبة تصرفات ترامب وحلفائه الذين يدفعون للمواجهة مع الصين التي تتحمل جزءا من المسؤولية وعليها الإجابة على عدد من الأسئلة وفيما إن كانت قد تأخرت في إخبار العالم عن الفيروس وإن كان جاء نتيجة تجربة أو من الأسواق التي تنتشر في الصين ومنها واحد قريب من معهد ووهان للفيروسات. ورأت صحيفة “فايننشال تايمز” (7/5/2020) في افتتاحيتها أن العالم بات يخشى من إدارة ترامب التي تشن الحروب الكلامية من دون أن تعمل أي شيء. صحيح أن المسؤولين في البيت الأبيض يدرسون إمكانية تقديم الصين إلى المحاكم الأمريكية، لكن عملية كهذه ضمن القانون الدولي مشكوك فيها. والمشكلة هي أن غياب القيادة الأمريكية يعني أن التوصل إلى موقف موحد في قضايا الصحة العالمية يعد أمرا مستحيلا. وهو ما أثارته مجلة “بوليتكو” (3/5/2020) عندما تحدثت عن غياب الولايات المتحدة عن اجتماعين مهمين دعا إلى الأول مدير منظمة الصحة والثاني دعت إليه رئيس المفوضية الأوروبية أورسلا فاندير لين، الأسبوع الماضي، ورغم محاولاتها دفع أمريكا للمشاركة إلا أن المؤتمر عقد واستطاع جمع مليارات الدولارات لدعم البحث العلمي والتوصل إلى عقار جديد. وألمحت المجلة في تقريرها إلى أن ترامب وإدارته يحاولون تحويل عملية المنافسة على تطوير عقار لمكافحة الفيروس إلى معركة احتكار، متخليا في هذا عن سياسة أمريكا السابقة والتقليدية في مواجهة الأوبئة العالمية، وتقديم الدعم المالي والعلمي للجهود. فهو يتعامل مع المسألة وكأنها محاولة للسيطرة على العالم، وبحسه الخائف يخشى من تطوير الصين عقار أولا مما يعني أنها ستحكم العالم كما قال مسؤول.

بدون تعاطف

وهنا تجب الملاحظة أن تصريحات ترامب وتعامله مع الأزمة كشفت عن غياب حس التعاطف مع المرضى الأمريكيين أو الموتى، فلم يظهر إلا قليلا مع المرضى، ورفض مثل نائبه مايك بنس الذي زار أهم مركز طبي في أمريكا “مايو كلينك” ارتداء القناع. بل وتحولت الأزمة إلى فرصة لإرضاء الحلفاء وفتح فرص لهم للاستفادة كما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” (6/5/2020) التي تحدثت عن المعوقات التي وضعها جارد كوشنر وفريقه الموازي لمواجهة الأزمة عمل الأجهزة الفدرالية. وطلب من المتطوعين حسب الصحيفة تحديد قائمة “أسماء من الشخصيات الهامة” التي تعتبر موالية لمنحها فرصا تجارية. وكشفت كيف تم منح مهندس من سيلكون فالي عقدا لتوفير منافس بـ 69 مليون دولار ولكنه لم يستطع توفير أي منها.  ووسط هذا التخبط بدت منظمة الصحة العالمية كبش فداء، فالهجوم عليها كان رسالة إلى قاعدته الانتخابية ثم جاءت المواجهة مع الصين التي تتهم حسب تقرير في صحيفة “التايمز” (4/5/2020) البريطانية، وهي من مجموعة روبرت ميردوخ ونقلت فيه عن جنرال متقاعد ومستشار قالت إنه غير رسمي حذر فيه من تصاعد قوة الصين في منطقة جنوب شرق آسيا، وقال إن المحافظين في أمريكا باتوا يراقبون تحركات بيجين في بحر الصين الجنوبي وما قيل عن مواجهة بين بارجة أمريكية وزوارق صينية في منطقة متنازع عليها. وهي رسائل يقصد منها تخويف الرأي العام من الصين وتحويلها إلى بعبع.

إصرار بدون دليل

في كل هذه الحملة أصر ترامب وبومبيو أن لديهما “الدليل القاطع” على تورط الصين في تهريب الفيروس من المختبر، وعندما سئل الرئيس قال إنه سيقدم تقريرا، أما بومبيو فقد قال إنه متأكد لكنه لا يستطيع قول المزيد. والمشكلة هي أن مصادرهما هي من أبحاث متوفرة لأي باحث في علم الفيروسات الكثير منها وضعها علماء صينيون للمساهمة في مواجهة كوفيد-19 وتحدث بعضهم عن غياب معايير السلامة في التعامل مع الوطاويط والحيوانات البرية الأخرى التي يسكنها كورونا. ولكن هذا لا يعني أن الفيروس تسرب أو هرب عمدا من المختبر، وهي نتيجة ترددت المؤسسات الأمنية الانجرار إليها عندما قدمت تقريرا قالت فيه أن منشأ الفيروس جاء من خلال اتصال بين إنسان وحيوان في الخريف الماضي ولكن بدون معرفة الطريقة. والتقرير وإن لم يستبعد إمكانية هروبه إلا أنه أكد على أن مصدر الوباء كان الأسواق. وأشار موقع “بلومبيرغ” (6/5/2020) إلى انقسام مجتمع الاستخبارات في تفسير ما هو متوفر من معلومات حول انتشار الفيروس، وهي أدلة عرضية من مصادر مفتوحة، ذلك أن أمريكا ليست لديها مصادر من الميدان للتأكد من صحة النظرية. وقال الموقع إن ترامب الذي فوجئ بحجم الوفيات قرر التركيز على موضوع يحرف الأنظار، وجاء بناء على بيانات الاستطلاعات التي كان يقرأها فريق حملة الرئيس وهو يحاول. ففي استطلاع يوغوف/إيكونوميست كشف أن 45 في المئة بمن فيهم ثلثا الجمهوريين يؤمنون بنظرية هروب الفيروس من المختبر.  وحتى الدكتور أنطوني فوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وهو كبير الخبراء في هذا المجال على مستوى العالم استبعد في مقابلة مع مجلة “ناشونال جيوغرافيك” (4/5/2020) نظرية صناعة الفيروس في المختبر وقال: “لو نظرت إلى تطور الفيروس في الخفافيش وما هو موجود الآن في الطبيعة، فإن الأدلة العلمية تميل بقوة كبيرة جدا نحو الاستنتاج بأنه لا يمكن أن يتم تصنيع الفيروس أو التلاعب فيه، فكل ما يتعلق بالتطور من ناحية الخطوات على مدى الوقت تشير إلى أن هذا الفيروس تطور في الطبيعة ثم انتقل بين الأنواع”.

درس العراق من جديد

وما نراه في تركيز ترامب وبومبيو ومن يقف معهما من الصحافة الميردوخية هو بناء حالة كتلك التي خدعت الرأي العام بأن صدام حسين كان يطور أسلحة دمار شامل. ويعتقد رئيس وزراء أستراليا السابق كيفن راد أن ترامب وصحافة ميردوخ لم تع درس العراق وتقوم بحملة لإقناع الرأي العام بأن الصين هي المسؤولة عن الفيروس. وكانت صحيفة ميردوخ “أستراليان ديلي تلغراف” قد نشرت تقريرا قالت فيه إنها حصلت عليه من مصادر استخباراتية يؤكد ضلوع بيجين بالجريمة. وعلق راد في مقاله الذي نشرته “الغارديان” (8/5/2020) على أن الصحيفة الأسترالية المحت إلى أن التقرير هو من إعداد مجموعة “العيون الخمسة” التي تضم أجهزة استخبارات أمريكا وكندا وبريطانيا واستراليا ونيوزلندا، وتم تمرير التقرير الصحافي كوثيقة صادقة من إعلام ميردوخ الأسترالي إلى إعلامه في أمريكا. وحاول تقديم مصداقية على مزاعم الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، والهدف من هذه العملية هو دعم ترامب في عملية إعادة انتخابه. ويرى راد ألا أحد يعرف حتى الآن مصدر الوباء ونسبة انتقاله من مختبر في ووهان لا تتعدى 5 في المئة حسب تأكيد الحكومة الأسترالية. ويضيف أن دخول ميردوخ على العملية كلها مصممة لخدمات سياسات الانتخابات الرئاسية الأمريكية: فهناك ثلاثة موضوعات في الحملة وهي تعامل ترامب مع الفيروس وكيفية إخراج أمريكا من اقتصاد أثر عليه الفيروس ومن سيكون أكثر تشددا تجاه الصين-ترامب أو “بايدن بيجين” حسب وصف الجمهوريين للمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، ولا شيء غير هذا. وذكر كيف قادت حرب العراق والخداع الذي تم فيها لتدميره وقتل الآلاف وخلق أزمة مهاجرين وصعود تنظيم “الدولة” ما ورط أمريكا في الشرق الأوسط وأشغلها عن الصين وصعودها.

 اقتباس

العدو الذي تواجهه أمريكا هو الفيروس وليس الصين

القدس العربي

———————–

الحرب الأمريكية الصينية الباردة والموقف الأوروبي منها/ صادق الطائي

تتصاعد التهديدات بين الولايات المتحدة والصين على خلفية الحرب التجارية القائمة بين العملاقين، بالإضافة إلى الكوارث الاقتصادية التي سببها تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19) وتصاعد حدة اتهامات إدارة ترامب للحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني بالتسبب في تلك الكارثة، والمطالبة بتحميل الصين تبعات الخسائر التي أصابت الاقتصاد العالمي.

مسار التوتر بين واشنطن وبكين اتسم بالتصاعد وبقفزات متسارعة منذ أن دخل الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017 إذ سرعان ما كشف الرئيس الجديد، القادم من عالم المال والأعمال، عن سياسة عدائية تجاه الصين تمثلت في إلغاء معاهدة الشراكة عبر المحيط الهادئ التي سعى سلفه الرئيس أوباما لتوطيدها كنوع من احتواء المنافسة التجارية الصينية وتأطير العلاقات التجارية عبر اتفاقات تنسق جهود الولايات المتحدة مع حلفائها في الشرق الأقصى. لكن ترامب مزق هذه الاتفاقية في يومه الثالث من رئاسته للولايات المتحدة، معلنا حربا من السياسات الحمائية ضد البضائع الصينية، ما دفع الصين لاتخاذ إجراءات مماثلة بالمقابل لتنطلق شرارة الحرب التجارية التي توقع المراقبون حتمية وصولها في النهاية إلى صدام عسكري بين القوتين العالميتين.

تشتيت الحلفاء

يتذكر المراقبون الدور الأمريكي التاريخي الداعم لقيام اتحاد أوروبي قوي إبان الحرب الباردة حتى انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقد أنصب ذلك العمل في إطار جهود توليد مصالح اقتصادية وسياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على خلفية ايديولوجية تتبنى وجهات نظر الليبرالية والديمقراطية في مواجهة الشمولية الايديولوجية الشيوعية التي يتبناها الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية السائرة في فلكه.

وكان من أهم أدوات الصراع بين قطبي الحرب الباردة في تلك الحقبة، اللجنة التي عرفت باسم “لجنة تنسيق ضوابط الصادرات متعددة الأطراف” التي عملت على تنسيق السياسات الاقتصادية المنظمة للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين من جهة، في مواجهة الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية في الجهة المقابلة. وقد انتهى عمل هذه اللجنة وحلت عام 1994 إيذاناً بانتهاء الحرب الباردة، وهنا يسأل البعض؛ لماذا لم يصار إلى تفعيل هذه اللجنة في إطار الجهود الأمريكية في حربها التجارية على الصين؟ لكن يبدو إن سياسات ترامب التي أنتهجها تحت شعار “أمريكا أولا” قد تسببت في تفتيت شمل العلاقة القديمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

إذ أعلن ترامب الحرب على حلفائه بنفس الشراسة التي أعلنها على خصومه الصينيين وحلفائهم، وقد أقرت إدارة ترامب سياسات حمائية تمثلت في رفع التعريفة الجمركية على الواردات الأوروبية، ما أبعد أهم القوى الأوروبية كألمانيا وفرنسا عن التعاطي مع الأهداف الأمريكية، وأخذت تفكر بمرونة في أمر التعاطي مع شروط بكين الأكثر يسرا من تشدد واشنطن.

وربما كانت أبرز تجليات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي حرب شركات التقنيات والاتصالات التي باتت احتكارا رسميا للصينيين نتيجة التقدم الذي أحرزته شركاتهم في ما يعرف بتكنولوجيا الجيل الخامس في قطاع الاتصالات “5G”. فقد سعت إدارة ترامب إلى فرض العقوبات على شركة هواوي الصينية العملاقة بالإضافة إلى مجموعة “ZTA” الحكومية الصينية اللتان تحتكران تقنيات الجيل الخامس، وقد حذرت الولايات المتحدة شركائها الأوروبيين من السماح لهاتين الشركتين باحتكار سوق “5G” في أوروبا، نتيجة مخاوف واشنطن من أن هذا الإجراء قد يشكل خطراً على الأمن القومي للدول التي تسلم معلوماتها بيد الشركات الصينية.

من جانبها أكدت “الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول” المعنية بمصالح شركات تشغيل شبكات الاتصال في العالم أن العقوبات المفروضة على عملاق الاتصالات الصيني هواوي ومنعها مع توأمها الحكومي “ZTA” من الدخول والمشاركة في عملية إطلاق شبكات الجيل الخامس من الإنترنت “5G” سيؤدي إلى خسارة الشركات الأوروبية المزودة لخدمات الهاتف المحمول مبالغ طائلة قد تصل إلى 62 مليار دولار.

ولا يخفي الرئيس دونالد ترامب رغبته وسعيه لتفتيت الاتحاد الأوروبي والتعامل مع دول الاتحاد بشكل منفرد، وقد تجلت هذه السياسة في أوضح أشكالها في تشجيع ترامب حكومة بوريس جونسون للخروج العنيف من الاتحاد الأوروبي، ما دفع بدونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، إلى توجيه رسالة إلى رؤساء حكومات ودول الاتحاد قال فيها إن؛ “أمريكا ترامب باتت في مستوى دولتي روسيا والصين وحركات الإسلام الراديكالي بالنسبة للأوربيين”. وحسب ما كشفه موقع “وورلد كرانش” فقد كتب توسك أنه “للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي، هناك قوى خارجية متعددة تحمل نسقا معاديا لهذه المنظمة القارية”.

موازنة المواقف

كان المتوقع من حكومة بوريس جونسون أن تكون الأقرب أوروبيا لحكومة دونالد ترامب، نتيجة تقارب رؤى الرجلين، لكن الواقع على الأرض أفرز نتائج مختلفة جدا، ففي أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن رئيس الحكومة البريطانية، أن المملكة المتحدة ستسمح لشركة الاتصالات الصينية هواوي بتزويد بريطانيا بالتجهيزات الخاصة من الجيل الخامس لشبكة الهواتف المحمولة ” 5G” وكانت هذه الخطوة بمثابة صفعة وجهها البريطانيون لحلفائهم الأمريكيين، الذين أمضوا أشهراً عدة في الضغط على البريطانيين بهدف منع شركة هواوي من دخول السوق البريطاني، بسبب مخاطر أمنية مزعومة حول علاقات الشركة مع الحكومة الصينية. ولإقناع حكومة بوريس جونسون بخطر العلاقة مع الصينيين، أرسلت إدارة ترامب معلومات استخباراتية، وأدلة عسكرية إلى المملكة المتحدة مفادها أن شركة هواوي يمكن أن تتجسس على شبكات الدول الأجنبية، لكن رد الحكومة البريطانية جاء محاولا إمساك العصا من النصف، إذ أعلنت حكومة جونسون إنها ستبعد تقنية شركة هواوي عن الأجزاء الحساسة لشبكة “5G” الجديدة في الدولة، بيد أنها لن تسير على خطى الولايات المتحدة، وأستراليا، واليابان في منع دخول الشركة الصينية إلى السوق البريطاني، ويبدو أن شركاء أخرين مثل ألمانيا والهند وكوريا الجنوبية في طريقهم لاتخاذ الخطوة البريطانية نفسها. ما يعني انتكاسا لسياسات ترامب في حربه التجارية على الصين.

حلف الناتو

ربما انحدرت سياسة الرئيس دونالد ترامب الساعية لتفتيت الاتحاد الأوروبي إلى مسارات خطيرة فيما يخص رسم سياسات الاستراتيجية الأمريكية المتعلقة بالأمن القومي عندما فرض رؤيته القائمة على حسابات الربح والخسارة الفجة والتأكيد على تقليص الدور الأمريكي في حلف الناتو الاستراتيجي. فمن المعروف إن الولايات المتحدة لعبت دورا محوريا في إيجاد الحلف وتحملت العبء الأكبر ماليا عبر تاريخ الحلف الممتد منذ الخمسينات حتى الآن.

لكن سياسات ترامب انصبت على تقريع الشركاء في الحلف ومطالبتهم بزيادة الانفاق العسكري، ولطالما صرح ترامب بالقول إن “حلف الناتو لا يعاملنا بشكل عادل، لكنني أظن أننا سنتوصل لحل. نحن ندفع الكثير جدا وهم يدفعون القليل جدا” متداركا “لكن سنصل إلى حل، وكل الدول ستكون سعيدة”. كما كتب ترامب في تغريدة على حسابه في تويتر؛ إن “دولا عدة في حلف الناتو نحن من يدافع عنها، لا تكتفي بعدم الوفاء بتعهد تخصيص 2 في المئة من دخلها القومي للإنفاق العسكري، لكنها تقصر منذ أعوام في تحمل نفقات لا تسددها. هل ستسدد المتأخرات المستحقة بذمتها للولايات المتحدة؟” وذلك في سياق مطالبته المستمرة للأوروبيين بزيادة نفقاتهم العسكرية في إطار الحلف.

وفي آخر اجتماع لقيادات حلف الناتو الذي عقد في لندن في كانون الاول/ديسمبر 2019 بمناسبة الذكرى الـ 70 لتأسيسه، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واصفا حلف الناتو بأنه “ميت دماغيا” ما أثار استياء الرئيس ترامب الذي رد واصفا تصريحات ماكرون بأنها” مقرفة ومسيئة”. ويسعى ترامب ضمن سياسته المتمحورة حول شعار “أمريكا أولا” إلى خلق حلف يسير خلف قيادته من دون أي اعتراض أو نقاش، وهذا أمر تعارضه قوى مهمة في الحلف مثل ألمانيا وفرنسا.

وبالرغم من التفوق العسكري الأمريكي على الصين، إلا أن سياسات ترامب ستحاول جر حلف الناتو ليكون داعما للولايات المتحدة في حال دخولها صراعا عسكريا مع الصين، إلا إن حال الحلف والنزاعات التي تمزقه لا يبشر باتخاذ مواقف داعمة لسياسات ترامب، بل إن مواقف الشركاء الأوروبيين باتت أكثر ابتعادا عن سياسات ترامب الاستفزازية والاستعلائية على شركائه، في حين تسعى الصين لترسيخ اتفاقات عسكرية مع روسيا لمواجهة التهديدات الأمريكية.

القدس العربي

————————-

الولايات المتحدة تتحضر لـ “لوكربي جديدة” وشعار “قاطعوا الصين” يتمدد!/ رلى موفّق

وجهة أمريكا ستكون الهند كقوة صاعدة

سينشغل العالم لسنوات طويلة بتداعيات وباء كورونا على مختلف المستويات، ومنها المستوى القانوني الذي قد يكون الأكثر إثارة وتأثيراً. فإصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسمية الفيروس بـ”الفيروس الصيني” سيفعل فعله حين يتم احتواء هذه الجائحة. بدأت لافتات “قاطعوا الصين” تُرفع في ولايات أمريكية دعماً لمشاريع قوانين عدة تُطرح في الكونغرس لمحاسبة بكين على ما جنته أيديها.

هذا مسار طويل، لكنه أكيد. تتحضر الولايات المتحدة الأمريكية لمقاضاة الصين، ستكون هناك أقانيم متعددة رسمية وشعبية وتجارية وغيرها. ستُرْفع دعاوى قضائية جماعية للتعويض على الضحايا، وستستميت الشركات والمؤسسات التي أفلست وأصيبت بخسائر ضخمة بفعل الإغلاق التام نتيجة الوباء لمحاسبة المسؤول عن هذا “العدو” الذي قضى على الأخضر واليابس.

ستُفح أبواب جهنم على “المارد الجبار” الذي كان يمضي قُدما لتحقيق حلم التمدد والسيطرة اقتصادياً عبر مشروع “الحزام والطريق” الذي أطلقه عام 2013 لربط الصين بالعالم، وهو المشروع الذي يعيد إحياء أمجاد طريق الحرير القديم، ويقوم على استثمارات ضخمة لبناء شبكة مرافئ وطرق وسكك حديد ومناطق صناعية، بما يعزز من الهيمنة الاقتصادية والتجارية الصينية على العالم، الأمر الذي يقلق أمريكا ويقود رئيسها إلى حربه التجارية مع بكين.

النزعة الوطنية والقومية

ترتفع النزعة الوطنية والقومية في أمريكا، وتتمدد. تذهب مسودات المشاريع في الكونغرس إلى المطالبة بإصدار تشريعات لمنع الطلبة الصينين من الدراسة في الولايات المتحدة بحجة انهم يُرسَلون لأدوار استخباراتية، وإلى وقف صفقات شراء طائرات “الدرون” من الصين لاستخدامات أمنية لأنها قد تكون زرعتها بالرقائق الإلكترونية للتجسس على الأمريكيين وجمع المعلومات. بدأت النقاشات عن ضرورة تخفيض الضرائب لعودة الصناعة إلى داخل البلاد، ولاسيما الصناعات التي تتعلق بالأمن الاجتماعي والصحي وتحديداً الدواء. ستُطرح الكثير من الإجراءات التي تأتي للإفادة من “الغضب الشعبي” في اتجاه تعزيز الشعور القومي في الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين.

سيتحول الاتجاه نحو مقاضاة الصين من أمريكي إلى دولي. كثيرون سيسلكون غداً مسار الولايات المتحدة. دوامة قانونية وعقوبات وقيود وحواجز تجارية وما شابه سيتم وضعها كلها في سياق الصراع على منْ يتزعم العالم. بعد كورونا وما يصاغ من خطط لإغراق بكين وإرهاقها قانونياً بما سينعكس عليها انكماشاً اقتصادياً وتراجعاً في علاقاتها الخارجية، فإن 2025 لم يعد تاريخاً ضاغطاً على الأمريكيين القلقين من أن تتربع الصين وحيدة خلال السنوات الخمس على عرش القوة العظمى والأكبر. باتت التوقعات تجنح نحو الحاجة إلى عقدين من الزمن كي تعاود بكين النهوض من كبوتها المفترضة.

يقول مدير “التحالف الأمريكي شرق أوسطي” طوم حرب، إننا سنشهد “لوكربي جديدة” على مقياس أكبر، في إشارة إلى حادثة تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكربي الاسكتلندية عام 1988 والتي رسى الاتهام الأمريكي-البريطاني فيها على نظام معمر القذافي، ما أدى إلى دعاوى قضائية وعقوبات دولية وحظر جوي وحصار غربي سياسي واقتصادي خانق على ليبيا. ولم ينته هذا الكابوس عنها إلا بعد عشر سنوات مع تسليمها المُتَهَمَين، ولاحقاً بإعلان طرابلس الغرب مسؤوليتها عن الحادثة وقبولها التعويض للضحايا، وعقد صفقة التسوية بدفع حوالي عشرة ملايين دولار لكل من الضحايا. لكن الأهم الذي حصل من جراء “حادثة لوكربي” هو تطويع ليبيا بتخليها عن برنامجها النووي، ووقف تمويل التنظيمات الراديكالية. اشترى يومها القذافي ثمن رفع الحصار والعقوبات عن بلاده وبقاء نظامه وعدم استهداف رموزه.

قراءة حرب الذي ينتمي إلى “لوبي” الجمهوريين، تنطلق من أن الديمقراطيين، الذين شنوا حملة بخلفيات سياسية على قرار ترامب تعليق الرحلات مع الصين في بدايات أول ظهور كورونا، وساندهم فيها الإعلام، اهتزت صورتهم بعدما ظهر أن إجراءات الرئيس الأمريكي كانت صائبة، وأنه لو اعتمدت بكين الشفافية حول الفيروس وطبيعته لما كان انتشر الوباء. ولن يكون في مقدور الديمقراطيين مساندة دولة أضرت بالشعب الأمريكي ومصالحه ومعارضة الإجراءات التي تُتخذ ضدها. في رأيه أن وجهة أمريكا ستكون الهند كقوة صاعدة، وهناك فرص في باكستان وتايلند وتايوان.

ما يلفت إليه أن “أمام الدول العربية فرصة تاريخية قد لا تكرر ثانية، ولاسيما الدول ذات الكثافة السكانية العالية كمصر والجزائر لصوغ علاقة استراتيجية تجارية مع أمريكا وعقد اتفاقات مع الشركات الكبرى للتصنيع في دول الشرق الأوسط لعقود طويلة، ما يؤدي إلى نهضة هذه البلدان”. ويضيف إن “النخب الأمريكية من أصول شرق أوسطية ستدفع في هذا الاتجاه، ولا بد من ملاقاتنا في منتصف الطريق من قبل النخب في منطقتنا لتحويل الأزمة مع الصين إلى فرصة حقيقية لشعوبنا ودولنا”.

قد تكون الرهانات على محاصرة الصين تختزنها الكثير من التمنيات غير القابلة للتحقق. سيقف المحور السياسي الداعم لها الذي يشمل إيران وكوريا الشمالية وروسيا مبدئياً، لكن المراقبين يرون أنه ليس من مصلحة روسيا، على المدى البعيد، أن تقف في وجه الغرب إذا وقعت الحرب الاقتصادية.

لا شك أن جائحة “كورونا” تحوّلت لاعباً هو الأبرز سياسياً واقتصادياً في بقاع المعمورة. ستبنى في غماره تحالفات جديدة، واستراتيجيات لا ندرك بعد مدى التحولات التي ستحملها ومنْ ستطال، ومنْ سيكون الخاسر والرابح. ما هو أكيد أن “خطيئة الصين” ستكون في صلب الحملة الانتخابية لترامب ليقطع الطريق على الأصوات التي قد تحمله مسؤولية التقصير في التصدي للوباء، ولكن الأهم ليسدد ضربات مُحْكَمة لـ”مارد الشرق” قد لا يكون هناك من توقيت أفضل لها.

القدس العربي

———————

أوروبا لن تنخرط في حرب واشنطن ضد الصين/ حسين مجدوبي

لندن-“القدس العربي”: ترغب الولايات المتحدة في تحويل مرحلة ما بعد الحرب ضد فيروس كورونا إلى حرب باردة مع الصين لمنعها من تزعم العالم وخاصة اقتصاديا، وهي نقطة أساسية في أجندة واشنطن بكل مؤسساتها وإن اختلفت طريقة تطبيقها وتوقيتها. وترغب أيضا في جر عدد من دول العالم إلى محاصرة الصين، لكنها تجد معارضة كبيرة وعلى رأسها دول أوروبا باستثناء بريطانيا.

ويشن البيت الأبيض بزعامة الرئيس دونالد ترامب رفقة وزارة الخارجية بقيادة مايك بومبيو، حملة قوية ضد الصين بتوجيه اتهامات شتى، تتمحور أساسا حول تحميل الصين المسؤولية المعنوية والمادية في التسبب في هذا الوباء العالمي من خلال عدم مراقبة مختبر إجراء الأبحاث على الفيروسات في معهد مدينة ووهان في إقليم هوبي، مكان ظهور الفيروس. ويركز البيت الأبيض اتهاماته على الحزب الشيوعي الصيني في محاولة إعطاء طابع إيديولوجي للنزاع، بين العالم الليبرالي الحر والشيوعية.

والحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الصين ليست وليدة اليوم ولكنها تعود إلى سنوات وخاصة مع بداية ولاية دونالد ترامب الرئاسية سنة 2017. فقد بنى حملته الانتخابية على الحد من تأثير الصين في العالم وعدم تعويضها لواشنطن. ولهذا الهدف، فرض رسومات قوية على الصادرات الصينية نحو السوق الأمريكية، ومنع تواجد شركة هواوي في الأراضي الأمريكية.

لكن الحملة ضد الصين ارتفعت بشكل ملفت خلال الأسابيع الأخيرة على خلفية كورونا فيروس. وتؤكد الولايات المتحدة استغلال الصين للوباء العالمي في محاولة منها بالخروج في وضع قوي للتمهيد لزعامة العالم. وبدأت واشنطن تنبه الدول إلى ضرورة تقليص العلاقات الاقتصادية مع الصين. ومن ضمن الأمثلة الخاصة بالعالم العربي، صرح ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى خلال هذا الأسبوع إنه “على هذه الدول (الخليجية) أن تفكر في قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة”. وتتضاعف الضغوطات على الأوروبيين الشريك التاريخي لبناء استراتيجية مشتركة تحاصر ما تعتبره التمدد الصيني في الغرب ثم العالم.

عدم مسايرة البيت الأبيض

وتنخرط أوروبا في المخطط الأمريكي ضد الصين بنوع من الاحتشام ودون حماس يذكر. فقد طالب بعض الرؤساء ومنهم الفرنسي إيمانويل ماكرون بدوره الشهر الماضي بتوضيحات من بكين بشأن ظهور الفيروس الذي يهدد اقتصاديات أوروبا، ولاحقا تخلى عن هذا الخطاب. وتشير المعطيات إلى عدم مغامرة أوروبا كثيرا بالدخول في حرب اقتصادية كبيرة ضد الصين قد تؤدي إلى توترات غير مرتقبة. وتعد ألمانيا السد الحقيقي ضد استراتيجية الولايات المتحدة ضد الصين، فقد أخذت مسافة من تصريحات ترامب ضد بكين.

وعلى رأس الأسباب التي تدفع إلى الحرص من الانخراط الكبير في الحرب الباردة ضد الصين هو وعي الأوروبيين بغلبة دواعي انتخابية وراء رفع إيقاع ترامب الحرب الحالية ضد الصين. ولم يبقى سوى أشهر قليلة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وحظوظ ترامب ضعيفة بسبب تراجع الاقتصاد وارتفاع البطالة إلى مستويات لم تسجلها البلاد منذ سنة 1929 بسبب الفيروس الذي يعتبره “فيروسا صينيا”. وتعتقد الدول الأوروبية الكبرى أن انخراطها المباشر والقوي في حملة ترامب يعني مباشرة دعمه في الانتخابات ضد الحزب الديمقراطي، بينما هي تتمنى رحيله.

في الوقت ذاته، لم تعد أوروبا تعتقد في مخطط صيني بنشر الفيروس أو نتيجة إهمال من طرف مختبر ووهان، فقد بدأت هذه الرواية تتراجع لاسيما بعدما أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريرا مفصلا معتمدا على باحثين كبار ينفي التهمة عن الصين. وتثق أوروبا في الاستخبارات الأمريكية أكثر من ثقتها في البيت الأبيض، إذ لم يعتمد ترامب على المؤسسات الرسمية لإصدار الاتهامات ضد الصين. وتذهب الاستخبارات الأوروبية إلى النتيجة نفسها التي توصلت إليها نظيرتها الأمريكية.

ويلعب رجال الأعمال الأوروبيون دورا رئيسيا في دفع حكومات أوروبا عدم مسايرة البيت الأبيض في مخططاته ضد بكين. فقد أصيب الأوروبيون بخيبة أمل عندما قرر الرئيس ترامب تجميد مفاوضات التبادل التجاري الحر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي الاتفاقية التي كانت ستعني الكثير للاقتصاد الغربي. وتعتقد الشركات الأوروبية في أهمية طريق الحرير الصيني بعدما تحول إلى واقع يهيكل التجارة العالمية وسيكون أهم شريان للتجارة والاستثمارات الدولية خلال السنوات والعقود المقبلة، لاسيما بعدما نجحت الصين في بناء أكبر طبقة متوسطة في العالم بل وربما في التاريخ.

وترتاب أوروبا من سياسة ترامب والتيار الفكري الذي بدأ يرسيه في الإدارة الأمريكية وهو التخلي عن العمل المشترك والعودة إلى القرارات والسياسية الانفرادية. فقد تدهورت العلاقات بين أعضاء الحلف الغربي منذ مجيء ترامب إلى الرئاسة، ولكنه تيار بدأ منذ بداية القرن الماضي عندما قررت الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن مستقبل التجارة العالمية سيكون في المحيط الهادي وليس الأطلسي. ومن ضمن أسوأ ما ساهم فيه ترامب هو نفور الرأي العام الأوروبي من سياسة واشنطن وفي المقابل تعزيز رؤيتها الإيجابية للصين. وكشف استطلاع للرأي في إيطاليا في أعقاب أزمة كوفيد-19 بأن 36 في المئة من الإيطاليين لديهم رؤية إيجابية عن الصين وتتجاوز رؤيتهم حتى مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي حظيت بـ 28 في المئة بينما الغالبية العظمى ترى سلبا في واشنطن. ولعل المنعطف، هو بداية ظهور تيار قوي وسط المثقفين والسياسيين وحتى الاستخبارات والجيوش في أوروبا تميل نسبيا إلى الصين على حساب الولايات المتحدة.

وفي نقطة أخرى مرتبطة بالسابقة، ينزعج الأوروبيون من سياسة واشنطن بناء حلف رئيسي مع بريطانيا بعد بريكست بدرجة أكبر من بناءه مع الاتحاد الأوروبي. وترى باريس وبرلين على ضوء هذه التطورات عدم استعدادهما لاحتلال مرتبة مهمشة أو ثانوية في صنع القرار السياسي للغرب. ومما يثير غضب الفرنسيين والألمان هو عودة التحالف المقدس بين الأنكلوسكسونيين على حساب الغرب برمته. وإبان الحرب الباردة والسنوات التي تلتها، لم تتردد واشنطن في قيادة حلف أنكلوسكسوني مكون من بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا للتجسس على العالم بمن فيها الدول الأوروبية، وهو الملف المعروف باسم “إيشلون” الذي ألقى بظلاله على الثقة وسط مكونات الغرب.

ويتخوف الأوروبيون من خوض أي حرب باردة جديدة قد تقسم العالم إلى قسمين مثل الحرب التي هيمنت على العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حتى تفكك الاتحاد السوفييتي. وهذه المرة ستكون الحرب الغربية ضد الصين مختلفة، فهي ستؤدي إلى تقوية الثنائي موسكو-بكين، ودفع كل الدول الآسيوية تقريبا إلى الانضمام إلى هذا الثنائي. فهو ثنائي لا يهدد ديمقراطية أي بلد، حيث لن تكون للإيديولوجيات الاشتراكية الزعامة بل للمصالح التجارية والقومية في مواجهة الولايات المتحدة.

لا يمكن للولايات المتحدة خوض حرب باردة ضد الصين، في الوقت الذي تتخلى فيه طوعا عن قيادة العالم بل حتى قيادة العالم الغربي وتهميش المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو تصرفها غير المنطقي ضد منظمة الصحة العالمية. فهي، بهذا تمهد لزعامة الصين للعالم بشكل أسرع من المتوقع.

————————

الولايات المتحدة هي المتضرر الأول من “الحرب الباردة” ضد الصين/ رائد صالحة

استغلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخطر أزمة صحية واقتصادية في الولايات المتحدة والعالم منذ أجيال من أجل تنفيذ سياسات مثيرة للجدل، بما في ذلك القيود على الهجرة وكبح أجهزة الرقابة، ولكن الصين كانت بالتأكيد هدفاً مغرياً للبيت الأبيض في وقت يستعد فيه ترامب لحملة انتخابية.

إجراءات خطيرة

ويرى العديد من المحللين الأمريكيين أنه سيكون من الصعب اختيار لحظة أسوأ في تصعيد الخطاب العدائي ضد الصين بسبب دورها المزعوم في “عولمة” وباء كوفيد-19 وقالوا إن النظر في مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد بكين، ليس بالقرار الحكيم، بما في ذلك زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية ومنع المشتريات الصينية للشركات الأمريكية وحظر الطلاب الصينيين من دراسة العلوم في الولايات المتحدة وإلغاء الحيازات الصينية على السندات الأمريكية.

وللإنصاف، فإن الفكرة الأخيرة الخطيرة-رفض احترام السداد على السندات الأمريكية التي تحتفظ بها الحكومة الأمريكية-قد جاءت من السيناتور ليندسي غراهام، ولكن تم دحضها بهدوء من خلال شخصيات هامة في البيت الأبيض، بمن فيهم لاري كودلومو، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، مع اعتراف بالصدمة الكارثية الحقيقية لأي انتهاك لعهود الديون الأمريكية.

وتقترض الحكومة الأمريكية تريليونات الدولارات لتمويل إجراءات الانفاق الطارئة التي يستلزمها الوباء، وتحظى فكرة الضغط على الصين للدفع عقاباً لها لعدم الكشف عن شدة الوباء في أقرب وقت، بدعم واسع النطاق في واشنطن، ولكن الفكرة لم تكن جيدة بالنسبة إلى الآخرين.

ويعتقد الباحث زكاري كارابيل، مؤسس شبكة “التقدم” التي تعتبر من “مستودعات التفكير” المهمة في واشنطن، أن الانتقام من الصين الآن سيصنف كواحد من أكبر الأخطاء السياسية في الذاكرة الحديثة، مشيراً إلى أن الحرب التجارية التي شنها البيت الأبيض في نهاية عام 2017 كانت موضع تساؤل في أحسن الأحوال ولم تسفر عن نتائج ملموسة، بخلاف المطالبة بعشرات المليارات من الدولارات من عمليات الانقاذ للمزارعين الأمريكيين بعد أن أغلقت الصين أسواقها.

واتخذت الحملة الطويلة ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” أبعاداً عالمية، ولكنها ألحقت بعض الأضرار لمحاولات بكين لتصبح قوة مهيمنة في طرح تقنية الجيل الخامس، في حين لم تقدم حرب التعريفات الجمركية بين واشنطن وبكين سوى نتائج ضئيلة، وبالكاد أثرت على التجارة بين الدولتين.

واشنطن ستدفع الثمن

ويتفق خبراء على أن التكاليف الاقتصادية والسياسية والصحية لمحاولة معاقبة الصين ستكون باهظة، وقالوا إنه حتى مع افتراض مسؤولية الصين جزئياً بالفعل عن الدمار الذي سببه هذا الوباء فإن الانتقام لا معنى له.

وأضافوا أن الحرب التجارية في العامين الماضيين كانت “زائفة” بسبب استيعاب جميع الإجراءات في اقتصاد كبير يبلغ 20 تريليون ينمو بنسبة 2.5 في المئة سنوياً، والأهم من ذلك، أن أي جولة جديدة من التعريفات، أو قطع الاستثمار أو منع الطلاب، ستضرب الاقتصاد الأمريكي في أكثر اللحظات ضعفاً على الإطلاق، وحتى قضية الطلاب، هي أكبر من معظم الصادرات الزراعية إلى الصين، حيث ينفق طلبة الصين عشرات المليارات من الدولارات سنوياً على التعليم العالي في الولايات المتحدة، الأمر الذي يساعد فقط في الحفاظ على بقاء هذه الجامعات ويسمح لها بتقديم المساعدات المالية للطلاب الأمريكيين.

لا امكانيات للابتعاد عن الصين

وأشار الخبراء إلى مشكلة ستواجه واشنطن إذا اختارت الاستمرار في حربها “الباردة” ضد الصين، وهي أن هناك استحالة في إعادة انشاء أو إعادة بناء سلاسل التوريد بعيداً عن الصين عندما لا يكون هناك نقود للقيام بذلك، ولاحظ المحللون أن احتفال البيت الأبيض قبل انتشار الوباء بالخروج المفترض لبعض الشركات الأمريكية من الصين لم يكن صادقاً، فالشركات انتقلت إلى دول أخرى مثل تايوان والمكسيك ولكن المصانع لم تغلق في الصين ولم تتوقف سلاسل التوريد الحالية.

ولا أحد يعلم الحكمة من تهديد الصين الآن وسط جائحة كوفيد-19 إذ تعتمد الولايات المتحدة على سلسلة إمدادات طبية من الصين، بما في ذلك الأدوية ومعدات الحماية الصحية الشخصية والأدوات الطبية المتطورة، حيث يزداد الطلب على هذه الموارد بينما تحارب أمريكا الوباء، ولا يوجد وقت أو إمكانية للقيام بإجراءات انتقامية، وقد أثبتت التجارب أن الولايات المتحدة لديها قدرة قليلة على توفير سياسة صناعية مخططة بالكامل وجيدة التنفيذ للإنتاج المحلي بسرعة وفعالية.

وهناك، أيضاً، حاجة للتعاون حول فك تشفير فيروس كورونا والحصول على لقاح، فماذا لو تجاوزت الصين خط النهاية أولاً؟ هل تريد أمريكا المقامرة حقاً بالاحتكاك مع الصين في هذا الوقت؟

ترامب ولعبة اللوم

وبالنسبة لترامب، الذي يعاني من الانتقادات والمزيد من الفحص بسبب استجابته المتأخرة للفيروس محليا، فإن تصعيد الجهود لإلقاء اللوم على الصين في تفشي الفيروس هو جزء هام من سياسة مقصودة مع تزايد الضغط العالمي على بكين للتعاون مع التحقيق في أسباب تفشي المرض.

وقد اتهم ترامب الصين بالتستر على تفشّي المرض، واقترح أن الفيروس لن ينتشر على مستوى العالم لو كانت بكين أكثر شفافية في البداية، وقال إن بكين ارتكبت خطأً فظيعاً ولم تكن ترغب في الاعتراف به، وكان عليهم إخماده.

وهددت إدارة ترامب بأنها تدرس خطوات لمعاقبة بكين، بما في ذلك تسوية التعريفات الجمركية على الواردات معها، وزعم ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو أن هناك أدلة مهمة على أن الفيروس بدأ من مختبر في ووهان، على الرغم من أنه لم يقدم أي دليل على ذلك، وقالت منظمة الصحة إنها لم تتلق أي بيانات أو أدلة محددة من الحكومة الأمريكية تتعلق بالإصل المزعوم للفيروس.

وقد اعترف ترامب بأن قضية العقوبات مع الصين هي “لعبة معقدة للغاية مثل الشطرنج والبوكر” ولكن الخبراء والعديد من المشرعين، مثل النائب تشيب روي، يعتقدون أن الصين قد تخنق الإمدادات الأمريكية الرئيسية.

وأشار روي، على سبيل المثال، إلى أن الأمريكيين شاهدوا في الوقت الحقيقي مدى اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الأدوية واللوازم والمعدات الطبية، وأضاف “إذا أرادت بكين حقاً وضع أمريكا في مأزق خطير، يمكنها حجب هذه الأدوية المنقذة للحياة”.

واشنطن والحكمة والحماقة

في نهاية المطاف، الحكمة هي معرفة نقاط قوتك وتقبل حدودك، والحماقة هي الاعتقاد بأنك لا تقهر، وبالنسبة للولايات المتحدة وفقاً للخبراء، من الضروري الاعتراف بأنه ليس الوقت المناسب لتصعيد المواجهة مع الصين، مع الإشارة إلى أن أن هذه المواجهة لم تسفر عن أي شيء من الأصل، ولكنها من الممكن أن تحدث ضراراً كبيراً للولايات المتحدة في المناخ الحالي.

وهناك جاذبية عند أنصار ترامب للهجوم على الصين، خاصة في الموسم الانتخابي، ولكن إذا استمرت الخطابات العدوانية، فقد يصل الضغط لتحويل هذه الكلمات إلى أفعال، وقد حاولت واشنطن بالفعل اتخاذ إجراءات رمزية “لمحاسبة” الصين، وحسب الخبراء، فإن الاستمرار بهذه السياسة سيؤدي إلى تفاقم الوضع السيئ وتعقيده بدلاً من معالجة الضرر الذي حدث بالفعل، وقالوا إنه كان من الأفضل لو ركزت واشنطن على تهيئة البلاد لمواجهة التحديات المستقبلية من خلال الإنفاق بشكل أكثر ذكاء على الوارد المحلية بدلا من الهوس بشأن الصين.

—————————

جدلية القوة والتغيير في الصراع الأمريكي-الصيني/ إبراهيم نوار

حاول الرئيس الأمريكي أن يصطاد الصين بمصيدة فيروس كورونا فوقع هو فيها. ترامب وجه اتهامات للصين بأنها صنعت الفيروس في أحد مختبرات الأبحاث البيولوجية في ووهان. وأعلنت الصين قبولها إجراء استقصاء دولي بشأن وباء كورونا، لكنها رفضت تسييس الفيروس، وطلبت ان يتم الاستقصاء بواسطة جهة علمية مستقلة لا علاقة لها بالسياسة.

وبينما ما زال الجدل دائرا بين واشنطن وبكين، فإن جامعات ومراكز للبحوث الطبية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان، أعلنت خلال الأسبوع الأول من أيار/مايو نتائج عدد من الدراسات التي تؤكد ان فيروس كورونا كان موجودا في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى من العالم قبل أن يكتشفه العلماء والأطباء الصينيون في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. كما أعلن مكتب عمليات المخابرات الأمريكية عدم وجود دلائل تشير إلى ان الفيروس تم تصنيعه وإطلاقه، أو أنه تسرب بطريق الخطأ من معامل ووهان ليصيب الإنسان، وينتشر في كل أنحاء العالم.

منظمة الصحة العالمية أيضا استبعدت فرضية أن الفيروس تم تخليقه أو تحوير خصائصه الوراثية مختبريا، وقال مديرها إن الأمر يحتاج إلى استقصاء علمي وليس إطلاق اتهامات سياسية قد تؤدي إلى إعاقة المجهود العالمي لمكافحة الوباء. كما وجهت المنظمة نداء إلى كل الدول الأعضاء بمراجعة حالات الوفيات الغامضة بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي خلال الأسابيع القليلة السابقة على اكتشاف فيروس كوفيد-19 في ووهان.

الشعور القوى في الصين تجاه الاتهامات الأمريكية هو أن الإدارة بقيادة دونالد ترامب، بسبب فشلها صحيا واقتصاديا في مواجهة الوباء تسعى لابتزاز الصين واستخدامها لمساندة الاقتصاد الأمريكي المتهاوي، خصوصا بعد أن ارتفع رقم طالبي إعانات البطالة إلى 33 مليون شخص وتوقعات الكساد الاقتصادي. وقد أضاف ترامب إلى اتهاماته للصين تهديدات بفرض رسوم تجارية انتقامية على الواردات إذا ثبت أنها لم تنفذ اتفاق المرحلة الأولى من عملية تسوية الحرب التجارية بين الطرفين الذي تم التوصل إليه في كانون الثاني/يناير الماضي. وقالت الصين انها جادة في تنفيذ الاتفاق لكن الصعوبات الاقتصادية في الولايات المتحدة تحول دون توفر السلع التي تستوردها الصين من السوق الأمريكية. وضرب الصينيون مثالا بوارداتهم من اللحوم قائلين، إن إغلاق نسبة كبيرة من المجازر بسبب كورونا أدى إلى نقص الواردات منها. وقد سجلت التجارة المتبادلة بين الطرفين انخفاضا بنسبة 13 في المئة تقريبا في نيسان/أبريل، حيث تراجعت واردات الصين بنسبة 3 في المئة وهبطت صادراتها للولايات المتحدة بنسبة 14 في المئة تقريبا على أساس سنوي.

ولم تتوقف الحملة الأمريكية ضد الصين على التهديد بفرض رسوم جمركية انتقامية، وإنما تضغط واشنطن على حلفائها حول العالم من أجل تقليص علاقاتهم التجارية والتكنولوجية مع الصين، وترويج فكرة كونها مصدر فيروس كورونا ويجب أن تخضع لعقوبات دولية وأن تدفع تعويضات لضحايا الوباء والخسائر الاقتصادية التي ترتبت عليه.

أجهزة المخابرات الأمريكية حركت عملاء لها على مستوى العالم لرفع دعاوى قضائية تطالب الصين بدفع تعويضات تقدر بترليونات الدولارات بدعوى مسؤوليتها عن إصابة العالم بوباء كورونا. وبدأت حملة في هذا الخصوص بدعوى رفعها محام أمريكي في محكمة إحدى الولايات، ثم انتشرت في أنحاء مختلفة من العام منها الهند ودول أخرى!

تعافي الصين

في المقابل فإن الصين خرجت من الوباء وتتعافى الآن بجهودها الذاتية، بينما الولايات المتحدة أصبحت أكثر الدول إصابة بالفيروس، حيث تستحوذ على ما يقرب من ثلث الإصابات والوفيات. كذلك حققت الصين إنجازات مبهرة على صعيد تطوير أدوية ولقاحات لعلاج الإصابة بالفيروس أو الوقاية منه. على سبيل المثال فإن المختبرات الصينية أنتجت وحدها أربعة لقاحات دخلت حيز التجارب الإكلينيكية، وهو ما يزيد عما انتجته كل دول العالم المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة التي أنتجت ثلاثة لقاحات فقط دخلت إلى حيز التجارب الاكلينيكية، منها لقاح واحد في بريطانيا، وواحد في الولايات المتحدة، وثالث يتم تطويره مشاركة بين ألمانيا والولايات المتحدة.

انتقال محور القوة شرقا

الحرب الأمريكية على الصين تحمل في طياتها مصلحة مباشرة للرئيس الأمريكي الذي يسعى لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وذلك بتأجيج المشاعر القومية ضد عدو خارجي، وتعبئة الصوت القومي للأمريكيين البيض لمصلحته كما فعل في انتخابات 2016. لكن هذه المصلحة المباشرة تخفي وراءها تحولات عميقة على المستوى العالمي تتجاوز كثيرا حدود الغبار الذي يثيره الجدل حول كورونا أو فوز الرئيس في الانتخابات.

ويعتبر صعود الصين في القرن الواحد والعشرين علامة فارقة في تاريخ البشرية، وتحولا جيوستراتيجيا جوهريا في العلاقات الدولية، سيمتد تأثيره لعقود طويلة مقبلة. ويأتي هذا الصعود في ظل تحولات عالمية واسعة النطاق في هيكل القوة، وتنظيم الإنتاج، وأدوات ممارسة العلاقات الدولية، حيث ينتقل محور القوة عموما من الغرب إلى الشرق، وتنتقل أساليب تنظيم الإنتاج من تقسيم العمل التقليدي إلى سيادة شبكات المعلومات وسلاسل صنع القيمة، ويتراجع دور الحكومات في صنع العلاقات العالمية لصالح زيادة دور التنظيمات غير الحكومية من الشركات المتعددة الجنسية العملاقة إلى منظمات العمل الأهلي ذات الدور العالمي، ويتحول العالم كله بسرعة إلى التكنولوجيا الرقمية في كل مجالات الحياة.

ومن ثم فإن ما نشهده حاليا من صراع بين الولايات المتحدة والصين لا يجوز اختصاره في تناقض المصالح بين دولتين، لكل منهما نظامها الاقتصادي والسياسي ومنظومة القيم ذات الأسس والأهداف الإنسانية المختلفة.

وقد كتبت في هذه الصحيفة في حزيران/يونيو الماضي أن الصراع بين القوتين الأعظم في العالم حاليا هو أكبر بكثير من مجرد حرب تجارية تشنها أمريكا على الصين، وقلت إنها حرب باردة جديدة، تخوضها الولايات المتحدة بأسلحة الحرب الباردة التقليدية، التي خاضتها ضد روسيا السوفييتية، وهي في حربها ضد الصين تستدعي خبرتها السابقة وتستعين بالأدوات نفسها التي استعانت بها في الانتصار على الروس، ولا تقدم جديدا.

وتتضمن حقيبة أدوات الصراع استخدام جماعات منشقة من أجل إثارة الاضطرابات في الصين، كما هو الحال في دعمها للاحتجاجات السياسية في هونغ كونغ، وممارسة استفزازات عسكرية ضد الصين كما يحدث في بحر الصين الجنوبي، ليس بغرض استدراجها لمواجهة عسكرية، ولكن لتغذية سباق التسلح بما يساعد على استنزاف موارد الصين، وإقامة قواعد الصواريخ بالقرب من الحدود الصينية، وكذلك استخدام قوى إقليمية أو دول مجاورة للصين في ممارسة سياسات عدائية داخل الإقليم، منها فيتنام والهند وتايوان. كما توجه الولايات المتحدة سهامها إلى نظام الحكم والحزب الشيوعي وتتهمه بمصادرة الحريات المدنية وممارسة الاستبداد. ويعتبر الهجوم على الحزب الشيوعي الصيني، وعلى منظومة القيم السائدة هناك هدفا رئيسيا من أهداف الحرب الباردة، تماما كما كان في الحرب ضد روسيا السوفييتية. ولم تضف الولايات المتحدة جديدا إلى حقيبة الأدوات والأساليب التي استخدمتها سابقا ضد روسيا السوفييتية. وهي أدوات وأساليب تعلمت الصين دروسها جيدا، وأصبحت قادرة على الالتفاف حولها وإفشالها.

تحول عدائي

وكان صعود ترامب إلى السلطة عام 2016 نقطة تحول في العلاقات الأمريكية الصينية للمرة الأولى منذ رئاسة ريتشارد نيكسون، ويمثل جزءا لا يتجزأ من انقلاب كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، انتقل بالولايات المتحدة من دور قيادة التحالف الغربي ككل، إلى دور تغليب المصالح الأمريكية على ما عداها، بما في ذلك مصالح حلفائها في حلف الأطلنطي. فقد خاض ترامب حملته الانتخابية على أساس شعار “أمريكا أولا” وهو الآن يخوض حملته الثانية على أساس الشعار نفسه. وقد اعتبر فوزه تفويضا له بتغيير استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة وسياستها الخارجية. وبناء على ذلك فقد أصدر توجيهاته لمساعديه في مجلس الأمن القومي بإعداد استراتيجية جديدة على أساس شعاره الانتخابي، واستغرق الإعداد حوالي 11 شهرا حتى صدرت في كانون الأول/ديسمبر 2017.

يقول عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي إن هذا الشعار يعني عمليا إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة بمنطق تحقيق المصالح الأمريكية على حساب الآخرين. وقد رأينا بالفعل خلال أزمة فيروس كورونا أن الرئيس الأمريكي وكل أجهزة إدارته، كانوا يعملون لصالح الولايات المتحدة فقط. ووصل تطبيق مبدأ “أمريكا أولا” إلى حد القرصنة على شحنات أدوية ومستلزمات طبية كانت في طريقها إلى دول حليفة مثل كندا وألمانيا وفرنسا، ما أثار غضبا بين شعوب وحكام تلك الدول. كذلك لا يخفي الرئيس الأمريكي رغبته في احتكار أدوية كورونا المستجد، واستخدامها كسلاح سياسي لفرض سيطرة الولايات المتحدة على صحة العالم.

وقد أدت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب إلى تراجع مكانتها الدولية من المركز الأول في جدول القوة الناعمة على مستوى العالم عام 2016 إلى المركز الخامس في عام 2019. وهي مستمرة في التراجع.

هذا التدهور في المكانة العالمية للولايات المتحدة ليس من صنع الصين، ولا علاقة له بارتفاع مكانتها، بل يرتبط مباشرة بضعف القدرات الذاتية وبتحولات في السياسة الأمريكية نفسها، تجاه حلفائها وخصومها في آن واحد؛ فإذا أضفنا لذلك تأثير التحولات التي تجتاح العالم، وبمقارنة ذلك بمقدار التحولات الهائلة التي تحققها الصين سندرك على الفور لماذا نشهد بداية أفول القوة الأمريكية. لكن هذا لا يعني نهاية أمريكا كواحدة من القوى الرئيسية في العالم، فهي ما تزال الأكثر تأثيرا حتى الآن في ميادين الثقافة والتعليم والتكنولوجيا الرقمية، إضافة إلى أهمية قوتها العسكرية والاقتصادية.

أسلحة الصين السحرية

الصين في المقابل تخوض صراعها مع الولايات المتحدة وهي مسلحة بثلاثة أسلحة رئيسية، الأول انها واعية بكل دروس الحرب الباردة السابقة بين أمريكا وروسيا، والثاني هو الثقة في المستقبل، وعدم تعجل النتائج والعمل بدقة من أجل خلق حقائق جديدة لا تتزحزح لتحقيق تفوقها عالميا في كل المجالات من تكنولوجيا القطارات الفائقة السرعة إلى تكنولوجيا الفضاء الأكثر تفوقا على نظيرتها الأمريكية. أما السلاح الثالث فيتمثل في إدارة السياسة الخارجية على أساس مبدأ الربح المشترك (أنت تكسب وانا أكسب) وليس طبقا لمبدأ الفائز يحصل على كل شيء، وذلك وصولا إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب لا يعكس الهيمنة السياسية والعسكرية بل القدرة على المنافسة في إطار منظومة عالمية مشتركة من سلاسل الإنتاج والإمدادات وشبكات المعلومات والتواصل. ولهذا أصبحت الصين الأكثر تطورا في العالم في مجال شبكات الجيل الخامس من نظم المعلومات والاتصالات، وفي مجال العملة الرقمية، كما إنها تسهم وحدها بنسبة 20 في المئة تقريبا في شبكات الإنتاج والإمدادات العالمية.

ولا تخفي الصين هدفها في التحول إلى قوة عالمية كبرى على رأس النظام العالمي. وهي تعمل على أن يتحقق ذلك في عام 2050 وفق استراتيجية منشورة وليست في الخفاء. وطبقا لهذه الاستراتيجية فإنها معنية بتطوير قوتها الشاملة، وحريصة على عدم الدخول في مهاترات سياسية، أو صراعات جانبية تجارية أو تكنولوجية أو عسكرية أو دبلوماسية يمكن أن تتسبب في انحرافها عن تحقيق أهدافها. وتلعب قيادة الرئيس الحالي شي جين بينغ دورا حاسما في توجيه المكتب السياسي للحزب الشيوعي، ولجنة الدولة (مجلس الوزراء) إلى التمسك بالأولويات المحددة سلفا. وقد اكتسب شي نفوذا متزايدا منذ عام 2012 حتى أصبح أقوى زعيم في تاريخ الصين الحديث بعد ماو تسي تونغ مؤسس الصين الحديثة.

واستطاعت الصين حتى الآن تقليل أضرار الحرب التجارية والتهديدات والاستفزازات الأمريكية، ونجحت في تحييد تفوق القوة الأمريكية، وفي توسيع وتطوير نوعية قوتها الذاتية، وفي اقتحام مجالات جديدة تضعها في موقع ريادي على المستوى العالمي، مثل الهبوط على الجانب الأبعد من القمر، والاستعداد لإرسال سفينة فضاء إلى كوكب مارس، وتطوير تكنولوجيا 5G وبناء شبكة علاقات اقتصادية قوية من خلال مبادرة الحزام والطريق. الصين غير معنية بالهجوم على الولايات المتحدة، ولكنها معنية ببناء صرح للقوة يمنحها صلاحية القيادة والريادة على المستوى العالمي لفترة طويلة مقبلة.

——————-

مواجهة كورونا عالمياً توجب حماية حقوق النساء/ مارك لوكوك وناتاليا كانم

في أسبوع أعطي الناس في بعض أنحاء العالم سببًا للتفاؤل، لأنهم تجاوزوا ذروة وباء كورونا. رأينا كيف يمكن للأفعال الاستثنائية للأفراد أن تغير مسار أمة بأكملها. يعود الأطباء المتقاعدون إلى الخط الأمامي، ويصنع الممرضون بأيديهم أقنعة وجوه خاصة بهم، حتى يتمكنوا من علاج المرضى، ويفترق الآباء عن أطفالهم، حتى يتمكّنوا من رعاية الأشخاص الذين يعانون من الفيروس.

في أغلب الأحيان، يكون هؤلاء من النساء. عالميًا، تؤدي النساء 76% من مجموع ساعات عمل الرعاية غير مدفوعة الأجر، وغالبية أدوار الرعاية في المنازل والمجتمعات لهن. كما تقع على عاتقهن أغلب مسؤوليات رعاية المرضى، والمساعدة في وقف انتشار الفيروس. تقوم النساء بهذا الدور بغض النظر عن العوائق أو انعدام فرص التكافؤ.

لهذا، نجد المرأة في جوهر خطة الأمم المتحدة وقلبها، للرد الإنساني العالمي لمواجهة فيروس كورونا، إذ إننا نعلم من التجربة أن الاستثمار في النساء وفي الفتيات يصبّ في صالح الجميع في النهاية، ونرى ذلك بوضوح من جديد مع “كوفيد – 19”. في المستشفيات وفي المنازل، النساء هن خط المواجهة الأمامي في مكافحة الفيروس. نعلم أن ما يتم تحقيقه على المستوى المحلي يصب في الصالح العالمي، وإذا كان هناك شيء واحد قد تعلمناه عن هذا الوباء، فهو أن العالم بأجمعه يمرّ بهذه الأزمة سويا، ولا يمكننا هزيمته إلا إذا واجهناه متّحدين.

علينا أن نزود النساء بما يحتجن إليه، وأن ندعمهن ونساعدهن ليحافظن على سلامتهن. هذا هو التصرّف الذكي أيضاً وفقاً لهذا الوضع، بحيث ندفعهن إلى الاستمرار في الحفاظ على الأرواح، وتحسين المعيشة. إذ تواجه الأنظمة الصحية ضغوطاً أكثر نتيجة للوباء، سيحتاج مصابون عديدون بكوفيد – 19 إلى الرعاية المنزلية، ما سيُثقل كاهل النساء بمزيدٍ من عبء الرعاية، ويجعلهن أيضًا أكثر عرضةً لخطر العدوى.

بينما يواجه العالم الوباء، نعلم أننا نواجه وباءً آخر يجب التغلب عليه، العنف ضد النساء واللامساواة، ما يجعلهن أكثر عرضةً للمعاناة من الفقر، ومن دون إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية. نعلم أن حظر التجوال والحجْر الصحي هما من وسائل أساسية وجوهرية في مكافحة “كوفيد – 19″، ولكنها أدت، في الوقت ذاته، إلى وجود أعداد كبيرة من النساء مع أزواجٍ يسيئون معاملتهن. إذ شهدت الأسابيع القليلة الماضية زيادة مخيفة في البلاغات عن العنف المنزلي في دول عديدة، وتضاعف عدد البلاغات في بعض الدول.

إذا كنا جادّين حقًا في هزيمة هذا الفيروس، يتوجب أن نعمل جميعاً في سبيل تعزيز صحة وحقوق النساء وحمايتهما، لنضمن لهن حياة كريمة، ليقمن بدورهن في تعزيز صحة الآخرين وحمايتها. لهذا السبب، فإن خطة الأمم المتحدة للرد الإنساني العالمي لمكافحة فيروس كوفيد -19 تضع خطواتٍ محدّدة تهدف إلى تحقيق هذه النتيجة في الحالات التي هي في أمسّ الحاجة لها.

تساعد هذه الخطة العالمية على توفير مرافق لغسل اليدين، يمكن للنساء والفتيات الوصول إليها بأمان، إضافة إلى توصيل المعدّات واللوازم الطبية الضرورية، بما في ذلك التعامل مع ما يخص صحة المرأة، والمحافظة على إيصال عاملي الإغاثة والمعونات الطبية إلى الأماكن الأكثر احتياجاً لها.

تقرّ الخطة بالتأثير غير المتكافئ للوباء على النساء والفتيات، كما تقرّ أيضاً بقوتهن في إمكانية تغلبهن على الفيروس. سوف يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على استخدام الموارد التي تم جمعها من النداء العالمي لمكافحة الفيروس، مع إعطاء الأولوية لاحتياجات النساء والفتيات، بما في ذلك العمل مع مجموعاتٍ نسائية على أرض الواقع لإيجاد مساحات آمنة.

كل هذا ممكن بسبب سخاء المتبرّعين. هناك حاجة إلى المزيد. نعتمد على كرم المتبرّعين لتمويل خطة الرد الإنساني على “كوفيد – 19″، مع الحفاظ على الدعم الحالي للجهود الإنسانية المختلفة والخطط الإنسانية القائمة للرد وخطط اللاجئين. ونحث كل الحكومات في العالم على منع وقوع العنف ضد المرأة، وعلى تدارك انتشاره، وجعل ذلك جزءًا أساسياً من خطط الرد الوطنية لمكافحة كوفيد – 19.

كل يوم، تتخطّى النساء عوائق عديدة لتقديم العلاج والرعاية للمصابين بالفيروس، ويعملن بجد لاحتوائه، ويساعدن أسرهن ومجتمعاتهن على حماية أنفسهم. حقاً ندين لهن جميعًا بأن نمنحهن ما يحتجن إليه من أدوات وخدمات، والعدالة والمساواة اللتين هما حقوقهن الأساسية، في المستشفيات وفي المنازل وفي المجتمعات.

نحن مصمّمون على أن نفعل كل ما في وسعنا لمحاربة هذا الفيروس القاتل، وهذا يعني أن نواجه اللامساواة التي تعاني منها النساء، والتي سوف تعيقنا جميعاً في النهاية.

العربي الجديد،

———————-

كورونا”: هل سننجو من الصدمة الجماعية؟/ وردة بوضاهر

كثيرون يناقشون فكرة أن هذه الجائحة علمتهم درساً في الحياة بأن يقدروا النعم الممنوحة لهم وأن يزدادوا قوة. فهل هذه استجابة ممكنة للصدمة؟

تشير الأبحاث الوبائية التي أجريت على حالات إصابة بالإنفلونزا والإيبولا إلى أن الأوبئة لا تؤثر في الصحة البدنية فحسب، بل أيضاً في الصحة النفسية.

أصاب “كورونا” حتى اليوم أكثر من 3 ملايين شخص حول العالم. وبسببه، يشعر كل إنسان تقريباً على وجه البسيطة بالقلق والخوف من أن يكون الضحية التالية لهذا الوباء، أو أن يفقد أحد أحبائه بسببه. لقد أثر الفايروس في البشر في شتى أنحاء العالم على حد سواء بصرف النظر عن الجنسية أو العرق أو الدين أو الحالة الاقتصادية أو المستوى التعليمي أو العمر. وأُثيرت نقاشات بشأن مدى التأثير الصادم لهذا الوباء، فضلاً عن الآثار على المدى القريب والبعيد لحالة الإغلاق أو الحجر العام.

الصدمة -وفقاً لتعريفها- هي ضرر يصيب العقل نتيجة حدث أو سلسلة من الأحداث المأساوية التي قد تسبب أذى بدنياً أو عاطفياً أو قد تهدد حياة الفرد.

تقول تونينا كرم، موظفة في مركز تجاري، لـ”درج”: “لم أتمنَ قط أن تمتد ساعات العمل بلا نهاية كما أتمنى الآن. أنا لا أريد العودة إلى المنزل لأنني أعرف أنه ربما أصطحب الفايروس معي إلى أسرتي”.

يبدو أن الجنس البشري بأكمله يعاني من صدمة جماعية، إذ ينتاب القلق من الموت -سواء موت الشخص نفسه أو موت أحبائه- أعداداً مهولة من البشر في الوقت نفسه. والسبب في ذلك فايروس لا سبيل إلى مواجهته إلا الحذر الشديد، وخط دفاعنا الأول والوحيد في هذه اللحظة هو تجنب الاتصال بين البشر، إذ لم ننجح حتى الآن في اكتشاف علاج أو لقاح له.

الفئات المستضعفة والصدمة

تهدف الرعاية المستنيرة بالصدمة إلى فهم استجابات المرضى لها. لا يستجيب الأفراد للحادث الصادم نفسه بالطريقة ذاتها، إذ تؤثر مهارات التأقلم والمرونة والدعم المجتمعي والتجارب السابقة وغيرها من العوامل في رد فعل الشخص.

تشمل الآثار الطفيفة قصيرة المدى للصدمة، الحزن والارتباك والانفصال النفسي والإجهاد والقلق. وهناك أيضاً أعراض بعيدة المدى مثل اضطرابات النوم والخوف من تكرار الحادث الصادم وتجنب المشاعر واسترجاع الذكريات المؤلمة.

ومن الجدير بالذكر أن آثار الصدمة لا تتعلق دوماً بالخوف من العدوى بالفايروس، بل هناك آثار نفسية هائلة تنتج عن عوامل اجتماعية أخرى متعددة.

تقول القابلة فرح قنج لـ”درج”: “النساء الحوامل اللاتي يحتجن إلى الدعم في وقت المخاض، يضطررن الآن إلى تمضية هذا الوقت كله بمفردهن نظراً للقيود الجديدة المفروضة في المستشفيات، الأمر الذي قد يؤدي إلى آثار بعيدة المدى على صحة المرأة النفسية”.

منذ ظهور الفايروس ونحن نشهد تزايداً في التمييز ضد الأشخاص الذين أصيبوا به أو يُحتمل أن يكونوا قد أصيبوا به. وفي لبنان، انتشرت أخبار عن أن شخصاً صينياً أفصح عن أن الناس في الشوارع يطلقون عليه اسم “كورونا”، مع العلم أنه مقيم في لبنان منذ أكثر من عام، وللأسف هذه ليست الحالة الوحيدة. فقد تعرض كثيرون للتشهير والوصم بسبب “كورونا”. وثمة آثار نفسية متعددة للوصم، منها الاكتئاب والقلق والشعور بالرفض والنبذ والوحدة.

كما أن الذين كانوا يعانون من صعوبات نفسية قبل حالة الإغلاق، يواجهون الآن صعوبات أكثر من غيرهم في الصمود.

العنف والوحدة

أظهرت دراسات ارتفاعاً في حالات العنف المنزلي حول العالم. ويؤثر العنف بكل تأكيد تأثيراً بالغاً في الصحة النفسية لأي شخص، نظراً إلى أنه تجربة مؤلمة في حد ذاته. خلال هذا الإغلاق، اضطر كثر (لا سيما النساء) إلى البقاء في المنزل لوقت طويل مع أشخاص عنيفين، وها هم يعيشون في ظل أزمتين ورعبين في الوقت ذاته، “كورونا” والجلوس مع معنّف طوال النهار في منزل واحد.

أما كبار السن الذين دأبت وسائل الإعلام على التنبيه من خطر إصابتهم التي قد تؤدي إلى الوفاة، فهؤلاء ربما كانوا يشعرون فعلياً بالوحدة قبل الجائحة، إنما واجهتهم الآن حقيقتان قاسيتان: أوّلاً أنهم يواجهون خطراً كبيراً ومحدقاً بأن يموتوا إذا أصيبوا بالفايروس. وثانياً، أن عليهم المكوث في المنزل وحيدين، وفي الغالب بعيداً من أبناء الأسرة الآخرين، للاحتماء من “كورونا”.

كما تمتد قائمة الاضطرابات العقلية المفرطة لتتضمن كل طفل وكل بالغ كان يعاني من اضطرابات نفسية، مثل التوحد واضطراب الوسواس القهري وأنواع الرهاب والقلق والحالات النفسية الأخرى.

التكيف مع كوفيد-19

مع أن اضطراب الكرب التالي للرضح (PTSD) يُعترف به على نطاق واسع على أنه نوع من الصدمة، إلا أنه ليس النتيجة الوحيدة للحدث صادم. وفي واقع الأمر، يُشفى الناس غالباً من اضطراب PTSD إذا حصلوا على دعم جيد من أحبائهم، مثل الأصدقاء والأسرة. ويُرجح أن تتطور لدى آخرين مشكلات عقلية. إن اضطراب الكرب التالي للرضح، ليس سوى عنصر واحد فقط من قائمة الصدمات، التي تتضمن الاكتئاب والقلق، ما قد يؤدي في نهاية المطاف في حالات كثيرة إلى تعاطي المخدرات مثلاً.

ومع ذلك، يبدو أن كثيرين يخططون لما سوف يفعلونه أولاً عندما ينتهي الإغلاق. يريد بعضهم السفر، ويريد آخرون ارتياد ملاهٍ ليلية، فيما لا يريد آخرون إلا الخروج ومعانقة كل شخص يعرفونه وتقبيله. فهل هذه هي أول الأشياء التي سوف تحدث؟

كانت عبارة: “لا أعتقد أنني سأستطيع الاقتراب من الأشخاص مرة أخرى في أي وقت قريب”، هي العبارة التي لطالما سمعت الناس يتمتمون بها عندما يتناقشون حول “كوفيد-19”.

إننا نتكيف حالياً بسبب هذا الفايروس مع حقيقة أن الاحتكاك البشري يرتبط بالخطر، ونتعلم أنه عندما يقترب شخص ما منا (محفز الاستجابة)، يجب أن تكون استجابتنا الابتعاد إلى الوراء. نشهد حدوث مثل هذه السيناريوات في السوق أو الصيدليات أو الأماكن الأخرى، التي نصادف فيها آخرين في المجال العام، إذ إن غسيل الأيدي، ورش الكحول، والمحافظة على التباعد الجسماني، تصير عادات كثيرين. وسوف تستغرق عملية نبذ هذه العادات بعض الوقت، حتى بعد إبلاغنا بأن هذه الجائحة انتهت.

آثار إيجابية ناجمة عن الصدمة

كان كثيرون يناقشون فكرة أن هذه الجائحة علمتهم درساً في الحياة بأن يقدروا النعم الممنوحة لهم وأن يزدادوا قوة. فهل هذه استجابة ممكنة للصدمة؟

ثمة مفهوم عظيم علمت به خلال دراساتي عن الصدمة: نمو ما بعد الصدمة. ويمكن تبسيطه في عبارة نعرفها جميعاً: “الضربة التي لا تقتلك، تقويك”. يعرِّف الباحثون نمو ما بعد الصدمة بأنه تطور بسبب حدث صادم ومن ثم يشهد الشخص تغيراً إيجابياً ونمواً يعقب الحدث. 

ولا شكّ في أن هناك من سيخرج من هذه الصدمة بقوة أكبر، ومرونة أكبر، وإنجازات أكبر.

بيد أنه من الأهمية بمكان ألا نقوض آثار الصدمة باسم الدعم وباسم نمو ما بعد الصدمة. وسباق الإنتاجية الذي ينتشر في منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر تأثيراً بالغاً في كثيرين. يستجيب الأشخاص للصدمة استجابات مختلفة، ونحتاج أن نعترف بهذا لنتمكن من دعم بعضنا بعضاً للخروج من هذه الجائحة بأقل قدر من الأضرار الجانبية.

ولا يمكن أن نفعل هذا إلا من طريق دعم بعضنا بعضاً والعمل على تطوير برامج المتخصصين التي يمكن أن يصل أي شخص إليها عند الحاجة.

درج

————————

اللاجئون السوريون يخشون الموت جوعا أكثر من وباء كورونا

أوضاع معيشية متردية يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان وتركيا خلال شهر رمضان في ظل تدابير الإغلاق وفرض قيود مشددة لمكافحة جائحة كورونا.

بيروت – تتواصل معاناة اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء خلال شهر رمضان في وقت فاقم فيه انتشار فايروس كورونا من حدة معاناتهم خاصة في لبنان الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية ومالية.

ولا يستطيع اللاجئ السوري أحمد المصطفى تدبير نفقات حليب الأطفال لطفلته الرضيعة. فمنذ انزلاق لبنان إلى الأزمة الاقتصادية في العام الماضي وهو يحصل بشق الأنفس على الطعام لأسرته. غير أن الأمور ازدادت سوءا الآن بفعل القيود المفروضة لاحتواء فايروس كورونا.

قال اللاجئ السوري البالغ من العمر 28 عاما والذي خسر عمله في مطعم قبل بضعة أشهر “لم يعد أحد يقبل تشغيلنا”.

وتراكمت عليه ديون بمئات الدولارات في سوبر ماركت الحي لشراء الطعام إلى أن قال له صاحبه إنه لا يمكنه مواصلة الشراء بالدين.

وأضاف المصطفى “نحن خائفون من الغد. ولا نعلم ما سيحدث لنا”.

وتتشابه المحنة التي يعيشها مع ما يواجهه كثيرون من بين 5.6 مليون لأجيء سوري يعيشون في لبنان والأردن وتركيا استطاعوا تدبير معيشتهم بصعوبة بأجور يومية ضعيفة لكنهم محرومون الآن حتى من هذه الأشغال إذ اضطرت الدول المضيفة إلى فرض قيود مشددة لمكافحة جائحة كورونا.

وقد كان للأزمة المالية وطأة شديدة على كثير من اللبنانيين إذ تبخرت أشغالهم وارتفعت الأسعار بشدة وتقلصت قدرتهم على احتمال السوريين الذين رفعوا عدد السكان بنحو 1.5 مليون نسمة إلى حوالي ستة ملايين نسمة.

وقال المصطفى الذي فر إلى شمال لبنان في العام 2014 “كل مرة أخرج فيها للبحث عن عمل يقولون لي إنهم لا يشغّلون السوريين. أنا قاعد في داري وكل شيء غالي الثمن”.

ولم يعد بمقدوره شراء الحفاضات التي زاد سعرها إلى المثلين وأصبح يعتمد على جار محسن يجلب حليب الأطفال لرضيعته البالغة من العمر عاما واحدا.

من يتحمل أعباءهم؟من يتحمل أعباءهم؟

وأشارت ميراي جيرار ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أن عددا أكبر من اللاجئين يرددون أنهم يخشون من الموت جوعا أكثر من خوفهم من الفايروس.

وفي مسح أجري الشهر الماضي توصلت المفوضية إلى أن الجوع نال من 70 في المئة وأن كثيرين ليس بوسعهم شراء الصابون. ومنذ تفجرت الحرب السورية قبل تسع سنوات تكدس كثيرون في مخيمات مزدحمة يخشى العاملون في مجال الإغاثة أن أي انتشار لمرض كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بالفايروس فيها قد يحدث بسرعة ويصبح فتاكا.

في الأردن منعت السلطات الدخول والخروج من مخيم الزعتري الذي يعيش فيه 80 ألف لاجيء سوري خلال العزل العام الساري منذ شهرين وأدى ذلك إلى توقف الكثيرين عن الذهاب لأعمالهم في المزارع كل يوم.

ويستضيف الأردن حوالي 900 ألف لاجيء إجمالا يعيش أغلبهم خارج المخيمات.

ولم يحصل عبد الله أبا زيد الذي اعتاد العمل في جمع محصول البندورة (الطماطم) على أي دخل منذ شهرين.

قال أبا زيد إنه لم يملك في الأيام العشرة الأخيرة فلسا واحدا حتى لشراء الخبز، وإنه يقترض من هنا وهناك. وأضاف “الكل في انتظار رحمة الله … على أمل أن تتحسن الأمور”.

لكن حتى مع عودة النشاط التجاري بعد أن خففت الحكومة القيود الأسبوع الماضي ازدادت البطالة وتزايد عدد السوريين المعتمدين على جهود الإغاثة المنهكة بالفعل.

وقال دومينيك بارتش ممثل مفوضية اللاجئين في الاردن إن المفوضية تتلقى المزيد من طلبات المساعدة من أسر اللاجئين التي كانت تعتمد إلى حد كبير على إمكانياتها الذاتية.

وقال بعض السوريين إن الديون المتراكمة عليهم دفعتهم لبيع كوبونات الغذاء التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة لسداد الإيجار وشراء الضروريات.

ومنذ انزلق الاقتصاد التركي إلى ركود قصير قبل عامين ساء الموقف الشعبي من السوريين، ويقول البعض إنهم تسببوا في انخفاض الأجور وسلبوا الأتراك أشغالهم.

ويعمل كثيرون من اللاجئين السوريين البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجيء باليومية في مجالات البناء والتصنيع وخاصة في مصانع النسيج وهي قطاعات تضررت بشدة من قيود الجائحة.

وعلى النقيض من العمال الأتراك الذين فقدوا مصدر الرزق لا يحق للسوريين الاستفادة من الدعم الحكومي لكن يمكنهم التقدم بطلبات للحصول على مساعدات غذائية من المجالس البلدية المحلية. ومع ذلك فليس لدى كثيرين منهم أي حماية أساسية من الفايروس.

وقال عمر كادكوي من مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا إن واحدا من كل خمسة لا يحصل على مياه نقية. وأضاف “هذا يدفع المشكلة إلى مستوى ينذر بالخطر ويجب على الحكومة أن تتحرك لاحتواء” هذا الوضع.

وفي مخيم بسهل البقاع اللبناني أغلقته السلطات على من فيه خلال سريان قيود كورونا لا يستطيع يونس حمدو تدبير الخبز. كما أصبحت المياه النقية شحيحة وانتشرت الأمراض كما أن التباعد الاجتماعي يكاد يكون مستحيلا.

وقال حمدو “نحن سجناء … ما عندنا حصانة بسبب نقص الغذاء. اللبنانيون أصبحوا جوعى، السوريون أصبحوا جوعي. الكل جوعى”

———————-

بين واشنطن وبكين.. كيف سقطت منظمة الصحة العالمية في فخ السياسة؟/ ميرفت عوف

بين عشية وضحاها، تحوَّل أخصائي الميكروبيولوجيا الإثيوبي ذو الخمسة والخمسين عاما إلى محط اهتمام العالم بأسره، مع تكدس مئات الملايين، وربما المليارات، حول العالم أمام وسائل الإعلام بمختلف أشكالها لمتابعة الإحاطات الصادرة عن الرجل الذي كان يشغل سابقا منصب وزير خارجية إثيوبيا قبل أن يصبح لاحقا أول أفريقي يتولى رئاسة منظمة الصحة العالمية، وأول رئيس للمنظمة يتم تسميته بالانتخاب بين مجموعة من المرشحين.

فمع الذعر الذي اجتاح العالم منذ نهاية عام 2019 تزامنا مع الأنباء حول تفشي فيروس جديد وغامض في مقاطعة ووهان الصينية، أصبحت تصريحات تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الرجل الذي كان حريصا دائما على الخروج إلى وسائل الإعلام محاطا بطاقم من الأطباء والعلماء لإضفاء الصبغة المهنية على إحاطاته، مصدرا للطمأنينة للعالم المضطرب، ولكن هذه الطمأنينة سرعان ما أثبتت أنها كاذبة وزائفة بعدما ثبت يقينا أن منظمة الصحة العالمية قلّلت، سواء عن عمد أو تقصير، من خطورة الوباء الجديد، وتبنّت تقريبا جميع مفردات الرواية الصينية التي هوّنت من قدرة الفيروس على الانتشار، وهو ما تسبّب في تقاعس العالم عن الاستعداد بشكل مبكر وكافٍ لمواجهة الخطر الجديد.

فحتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2020، أي بعد أكثر من شهر ونصف على تسجيل الإصابات الأولى بالمرض في مدينة ووهان، لم تُصدِر منظمة الصحة العالمية أي إحاطة حول حقيقة انتقال الفيروس (1) بين البشر، وظلّت المنظمة حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني تُخبر العالم بإصرار أنها لا تملك أي دليل على إمكانية انتقال المرض من شخص إلى آخر، ورغم أنها لم تُرسل فريقا إلى الصين للتحقيق في ظروف وملابسات انتشار الفيروس إلا في منتصف شهر فبراير/شباط، ظلّت المنظمة تُصِر بشدة أنه لا يوجد أي داعٍ لاتخاذ تدابير لإعاقة السفر وحركة التجارة الدولية، بل إنها انتقدت الولايات المتحدة بسبب عدم استماعها لتعليماتها وقيامها بإغلاق مجالها الجوي، معتبرة أن القرار الأميركي متسرّع وغير مبني على أدلة حقيقية.

في الوقت نفسه، استمرّت منظمة الصحة العالمية في تجاهل القيود التي فرضتها الصين حول المعلومات المتعلقة بانتشار الوباء الجديد بما في ذلك العديد من الممارسات القمعية للسلطات، وعلى رأسها اعتقال الطبيب الشاب لي وين ليانغ الذي كان من أوائل الذين حذّروا من خطورة الفيروس الجديد، بخلاف تجاهلها للدعوات المتتالية للتحقيق فيما كشفته الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية لمقابر جماعية في مقاطعة هوبي، موطن انتشار المرض، وهي الصور التي قدّمت إشارات مبكرة على احتمالية ألّا تكون بكين صادقة تماما فيما يتعلّق بأعداد ضحايا الفيروس التاجي.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، ففي تقريرها (2) الصادر في فبراير/شباط حول فيروس كورونا الجديد، حرصت المنظمة على الإشادة بقوة بجهود الصين لاحتواء المرض حيث وصفتها بأنها “الأكثر فاعلية ونشاطا في مواجهة أي وباء في التاريخ”، ولم يكتفِ تقرير المنظمة بذلك ولكنه زعم أن الصين “كسبت للعالم وقتا لا يُقدَّر بثمن لإنشاء خط دفاعي لمنع المرض من الانتشار على الصعيد الدولي”، وكانت إشادة المنظمة العالمية تلك بمنزلة ضوء أخضر لبكين لتعزيز سرديتها الجديدة، بوصفها القوة التي نجحت في احتواء الوباء في مهده بشكل مبكر، في حين لا تزال الدول المتقدمة في الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تكافح في احتواء آثاره.

لكن هذه الرواية التي تروّجها الصين، بدعم (3) من منظمة الصحة العالمية على ما يبدو، تتجاهل مسؤولية الممارسات البيروقراطية وانعدام الشفافية والتحكم الصارم في تدفق المعلومات الذي مارسته السلطات الصينية عن ظهور المرض وانتشاره في المقام الأول، وهي تتجاهل كذلك مسؤولية بكين عن إضاعة وقت ثمين كان من الممكن أن يستغله العالم لتطبيق إجراءات حماية جدية لمنع انتشار الوباء عالميا، وهو ما تسبّب في اتهام العديد من الجهات للمنظمة بالعمل كبوق للنظام الصيني بدلا من التدقيق بشكل مستقل في المعلومات والبيانات الواردة إليها، بما أسهم في زيادة انتشار المرض بدلا من احتوائه.

وفي حين أن المنظمة الدولية لم تُعلن فيروس كورونا جائحة عالمية إلا في 12 مارس/آذار، تُشير تقديرات (4) إلى أن أداء المنظمة المتردد حرم العالم على الأقل من ثلاثة أسابيع ثمينة كان بإمكانها تغيير خريطة مواجهة الوباء بشكل كامل إلى درجة تقليص عدد الإصابات بنسبة قد تصل إلى 95% مقارنة بالوضع الحالي، وكما يقول “فرانسوا غودمان”، الباحث في معهد مونتين الفرنسي للسياسات، فإن “المنظمة ارتكبت خطأين رئيسيين: الأول عندما أخفقت في اكتشاف أن العدوى تنتقل بين البشر مبكرا، والثاني عدم إعلانها كورونا جائحة دولية إلّا بعد تسجيل 118 ألف حالة في 114 بلدا، ما أثّر على سياسات الدول التي تتبع إرشادات المنظمة”.

واليوم، مع تسجيل فيروس كورونا لنحو 3.8 مليون إصابة، وأكثر من 260 ألف حالة وفاة، في 212 دولة ومنطقة حول العالم، يبدو أن مصداقية المنظمة العالمية، التي تُعَدُّ مهمتها الرئيسية هي دق ناقوس الخطر العالمي عند تفشي الأمراض المعدية الجديدة وتنسيق الاستجابة العالمية لمواجهتها، باتت على المحك، خاصة أن سهام الانتقادات تطولها الآن من أكبر الدول المساهمة في المنظمة وعلى رأسها الولايات المتحدة التي علّقت تمويلها للمنظمة مؤخرا بعد أن اتهمتها بالتسبُّب في تفشي المرض بسبب انحيازها للنظام الصيني، وهي انتقادات مشابهة لما صدر على لسان نائب رئيس الوزراء الياباني الذي دعا متهكما في كلمة أمام نواب البرلمان في البلاد إلى إعادة تسمية منظمة الصحة العالمية باسم “منظمة الصحة الصينية”.

لم تقتصر سهام النقد تلك على أداء المنظمة ككيان فحسب، ولكنها امتدت للطعن في نزاهة رئيسها الإثيوبي وانحيازاته، أدهانوم غيبريسوس، المتهم إعلاميا اليوم بالتستر عمدا على النظام الصيني لأسباب سياسية تتعلق بالنفوذ الذي تتمتع به بكين في سياسة بلاده، إثيوبيا، خاصة أن رئيس الصحة العالمية يمتلك تاريخا مثيرا للجدل (5) من محاولات التستر على تفشي الأوبئة في بلاده نفسها، بما في ذلك اتهامات بالتستر على تفشي وباء الكوليرا في إثيوبيا أعوام 2006 و2009 و2011 حين كان يشغل منصب وزير الصحة في البلاد بين عامي 2005 و2012.

من التدخين إلى الإيبولا

على مدار تاريخها الذي يمتد لسبعة عقود منذ تأسيسها عام 1948، واجهت منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة اتهامات عالمية بالوقوع في فخ البيروقراطية المفرطة والخضوع للحسابات السياسية ومصالح الممولين، وذلك على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حقّقتها المنظمة على بعض الأصعدة مثل استئصال أوبئة الجدري والطاعون والحمى الصفراء وخفض عدد حالات الإصابة بمرض شلل الأطفال عالميا، وهي الأوبئة الرئيسية التي استدعت تأسيس المنظمة منذ البداية.

في الخمسينيات على سبيل المثال، فشلت منظمة الصحة العالمية في مواجهة طوفان الأبحاث العلمية الزائفة الممولة من قِبل أباطرة صناعة التبغ، في ظل قيام الشركات الكبرى في الصناعة بتمويل المعاهد الصحية والبحثية وتوظيف العديد من الأطباء والباحثين والعلماء للدفاع عن مصالحها عبر التهوين من الآثار الصحية للتدخين، وللمفارقة فإن الكثير من هؤلاء العلماء كانوا من المرتبطين بمنظمة الصحة العالمية بشكل أو بآخر، ومن أبرز الأمثلة (6) على ذلك قضية اختصاصي شهير في مجال السموم كان يعمل لصالح منظمة الصحة العالمية، وكان مدرجا في الوقت نفسه على كشوف رواتب عملاق التبغ العالمي فيليب موريس.

تزايدت وتيرة الانتقادات للمنظمة بشكل ملحوظ خلال حقبة الثمانينيات مع فشلها في لعب دور فعال في مواجهة الأوبئة الجديدة التي ظهرت خلال هذه الفترة، وعلى رأسها فيروس نقص المناعة المكتسبة، الإيدز، والأمراض التنفسية الجديدة، وبالتزامن مع ذلك بدأت المنظمة تعاني من الركود وتفاقم البيروقراطية في هياكلها، وبدأت الدول الأعضاء تشتكي من شبهات حول الفساد وسوء الإدارة داخل المنظمة الأممية.

ولكن مع مطلع القرن الحادي والعشرين وقع حدثان مهمان (7) أعادا تعريف دور منظمة الصحة العالمية بالشكل الذي نعرفه اليوم، أولهما حدث في عام 1998، مع صعود السياسية النرويجية ورئيسة الوزراء السابقة غرو هارلم برونتلاند إلى قيادة المنظمة الدولية، لتستغل السياسية المخضرمة اتصالاتها الدبلوماسية وشبكة الإنترنت الناشئة في تأسيس وتبنّي نهج جديد ومستقل تجاه الصحة العامة بعيدا عن هيمنة الحكومات الوطنية، حيث كانت برونتلاند صاحبة الفضل في تحويل العنف العالمي إلى قضية صحة عامة، وقيادة حركة عالمية مناهضة لتدخين التبغ، بعد أن جعلت التحرر من إدمان التدخين أحد شروط التوظيف في صفوف المنظمة الدولية للمرة الأولى.

ونتيجة لذلك، وبحلول الوقت الذي وقع فيه الحدث الثاني وهو ذلك الوباء التنفسي الذي تفشى في الصين نهاية عام 2002، وعرفه العالم لاحقا باسم متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، سارس، كانت منظمة الصحة العالمية مستعدة لقيادة الاستجابة الصحية للعالم بشكل غير مسبوق، ورغم أن الصين تأخرت كعادتها في الإبلاغ عن المعلومات الدقيقة حول تفشي الوباء داخل حدودها، لم تكن المنظمة تحتاج إلى المعلومات الصينية على كل حال، حيث كانت تمتلك مصادرها الخاصة داخل النظام الطبي الصيني، وكانت تراقب عن كثب المعلومات المتداولة حول الوباء على المواقع المتخصصة للأطباء الصينيين وحتى في وسائل الإعلام المحلية في الولايات، وبالإضافة إلى هذه المعلومات، تلقى مسؤولو المنظمة في وقت لاحق بريدا إلكترونيا من نجل موظف سابق للمنظمة في الصين يُحذِّر فيه من مرض معدٍ غريب تتكتّم عليه السلطات تسبّب في مقتل أكثر من 100 شخص، وفي تلك اللحظة اتخذت المنظمة خطوة قوية للأمام وواجهت السلطات الصينية بالمعلومات التي تمتلكها وأجبرتها على إصدار تقرير رسمي حول المرض خلال أيام قليلة من انتشاره.

وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم يكن لديها سلطة رسمية لمعاقبة أعضائها، لم تخجل برونتلاند من القيام بذلك على أي حال، حيث اتهمت الصين في أكثر من مناسبة بحجب المعلومات عمدا عن المنظمة، مؤكدة أن الوباء من الممكن أن يتم احتواؤه بشكل أبكر إذا تم إطلاع المنظمة على التطورات كافة، وهو ما وضع ضغوطا على الصين لمشاركة المعلومات التي تمتلكها أولا بأول، وبحلول مارس/آذار 2003، حين بدأ المرض في الانتشار إلى هونغ كونغ وفيتنام ولاحقا إلى كندا، أصدرت (8) منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى في تاريخها توصية بحظر السفر إلى المناطق المتضررة، ورغم أنها لم تكن تمتلك سلطة فعلية لفرض الحظر فإن دعوات الصحة العالمية آتت أُكلها سريعا، حيث انخفض عدد الرحلات الجوية والركاب بمجرد إصدار المنظمة لتوصياتها.

واليوم، يتم اعتبار استجابة منظمة الصحة العالمية لوباء سارس تجربة نجاح كبيرة وتاريخية، حيث توفي أقل من ألف شخص في جميع أنحاء العالم بسبب المرض رغم انتشاره في 26 دولة، ورغم عدم ظهور لقاح له حتى الآن، حيث كانت الإجراءات غير الدوائية التي اقترحتها المنظمة مثل الحظر المبكر للسفر وتتبع وعزل الحالات المصابة وعملية جمع المعلومات الضخمة من بلدان متعددة كافية لإنجاح جهود احتواء الوباء، ومع هذا النجاح الكبير للمنظمة سارعت دول العالم للمطالبة بتقنين الدور الذي لعبته الصحة العالمية خلال أزمة سارس، حيث تم تحديث اللوائح الصحية الدولية لمنح المنظمة الدولية الصلاحيات اللازمة لجمع المعلومات حول انتشار الأوبئة وقيادة الاستجابة الدولية لها وإصدار التوصيات اللازمة حول السفر والحركة وإعلان حالة الطوارئ الصحية، لكن الوثيقة فشلت في إعطاء المنظمة السلطة الحقيقية لإجبار الدول على الامتثال لقراراتها، حيث خشيت دول مثل روسيا والهند والصين وحتى البرازيل من أن يتم استخدام نشاط المنظمة كذريعة من قِبل الولايات المتحدة والدول الغربية للتدخل في شؤونها.

ولكن مع رحيل برونتلاند عن قيادة المنظمة في وقت لاحق، تراجع حضور الصحة العالمية على الساحة العالمية، وواجهت إدانات متعددة من الصحافة والمجتمع بسبب القصور في معالجتها للأزمات الصحية خلال العقد التالي، وظهر هذا القصور بشكل واضح خلال أزمة تفشي وباء إنفلونزا الخنازير في مارس/آذار من عام 2009 انطلاقا من المكسيك، حيث بدا أن قدرة المنظمة على تنسيق استجابة عالمية للوباء أقل بكثير مما كان عليه الحال أثناء أزمة سارس، وفي حين أن المنظمة أعلنت -بحلول شهر يونيو/حزيران من العام نفسه- عن تحول إنفلونزا الخنازير إلى وباء عالمي، في وقت كان المرض قد أصاب فيه 28 ألف شخص في 74 دولة، فإن قرارات المنظمة تعرضت لتدقيق كبير بعد الإعلان عن نهاية الوباء رسميا نهاية عام 2010 مسفرا عن قرابة 18 ألف حالة وفاة في 200 دولة، وفي هذه المرة اتُّهِمت المنظمة (9) بالمسؤولية عن موجة هلع عالمي لم تكن في محلها، وتكليف الاقتصاد العالمي نفقات ضخمة غير ضرورية بسبب مبالغتها في تقدير الخطر.

تزايدت حِدّة الانتقادات الموجهة للمنظمة مع تفشي فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2014، وفي هذه المرة يبدو أن الاتهامات الموجهة للمنظمة بالتسرع في إدارة أزمة إنفلونزا الخنازير جعلتها تتباطأ أكثر من اللازم في التحذير من الوباء مما أدى إلى خروجه عن السيطرة، إلى درجة أن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى اضطرت إلى نشر 5000 عسكري استجابة لطلب البلدان المتضررة، كما تم إنشاء لجنة تابعة للأمم المتحدة لتولي المسؤولية عن الوباء بدلا من منظمة الصحة العالمية، ومع ذلك، تسبّب الوباء في مقتل أكثر من 11 ألف شخص في غينيا وليبيريا وسيراليون، ووُصِف أداء منظمة الصحة العالمية خلال الأزمة لاحقا بأنه كارثي ومشوب بالفساد (10)، خاصة بعد أن أظهرت وثائق مسربة في وقت لاحق أن المنظمة تأخرت في إعلان الطوارئ مخافة أن يُنظر إلى قرارها كعمل عدائي من قِبل الحكومات في غينيا بيساو وساحل العاج ومالي، واستجابة لضغوط حكومات هذه الدول التي لم تكن راغبة في تحمل التداعيات الاقتصادية للوباء، وخاصة مع الإغلاق المحتمل لصناعة التعدين التي تُعَدُّ مصدرا رئيسيا للدخل في هذه البلدان.

وعلى ما يبدو، وضعت أزمة وباء إيبولا المسمار الأخير في نعش منظمة الصحة العالمية كجهة دولية موثوقة، وبدّدت بشكل كلي رأسمال المنظمة الرمزي الذي راكمته بعد استجابتها الفعالة لوباء سارس، وفي الوقت الذي تواجه في المنظمة، تحت رئاسة الإثيوبي تيدروس، ما يمكن أن تكون الجائحة الأكبر في تاريخها فإن مستقبلها يبدو مجهولا، خاصة في ظل الضغط العلني وغير المسبوق الذي تتعرض له المنظمة من قِبل الولايات المتحدة، وتحول المنظمة إلى موضوع للاستقطاب الدولي بدلا من أن تكون الجهة التي تحظى بثقة الجميع في خضم الأزمة.

المال يحكم

يتسبّب هذا الاستقطاب الدائر حول طبيعة دور منظمة الصحة العالمية اليوم، ومدى تأثير السياسة على قراراتها الفنية والصحية، في إحياء الجدل القديم حول السياق التاريخي الذي تأسّست فيه المنظمة ودور الأموال والجهات المانحة في التحكم في توجّهاتها، فرغم أن المنظمة التي يقع مقرها الرئيسي في جنيف (سويسرا)، وتمتلك 6 مكاتب إقليمية و150 مكتبا قطريا في جميع أنحاء العالم، قد أُنشِئت نهاية الأربعينيات لتقديم المشورة في مجال الصحة العامة، واجهت المنظمة اتهامات تاريخية بالعمل كأداة (11) للنظام الاستعماري الغربي ووضع مهامها الصحية في المرتبة الثانية بعد مصالح مموليها الغربيين.

تكتسب هذه الاتهامات أهمية خاصة بالنظر إلى الطريقة التي يتم بها تمويل أنشطة المنظمة، حيث تعتمد موازنة الصحة العالمية على مزيج من التمويل المُقدّر (يُشكِّل 20% فقط من إجمالي موازنة المنظمة) من الدول الأعضاء، والذي يعتمد على عدد سكان كل دولة وحجم ناتجها المحلي الإجمالي، إضافة إلى التمويل الطوعي الذي يُشكِّل 80% من مصادر دخل المنظمة، ويكون معظمه من الأموال المشروطة التي تُحدِّد الجهات المانحة آلية صرفها في أوجه نشاط معينة، وتمارس في مقابلها ضغوطا على المنظمة للتغاضي على أنشطة معينة، مثل الضغوط التي مارستها شركات المشروبات السكرية الأميركية على المنظمة للتراجع عن حملتها التي تربط بين استهلاك السكر وبين وباء السمنة العالمي ومرض السكري.

وفي ضوء هذا الارتباط الوثيق بين المنظمة وبين هياكل السلطة والمال حول العالم، تتسابق الكثير من الدول لاستغلال نفوذها للتحكم في هوية مَن يشغل منصب رئيس المنظمة العالمية، لذا فإن عملية اختيار مدير المنظمة غالبا ما تتحوّل إلى معركة شرسة تستعرض فيها الدول عضلاتها وقدرتها على صناعة التحالفات لتعبيد طريق الشخص الذي تدعمه إلى المنصب، وقد ظهر بشكل واضح أثناء عملية اختيار مدير المنظمة في عام 2006، فمع إدراك الصين لحقيقة النفوذ الذي باتت المنظمة تتمتع به عقب أزمة سارس، فإن بكين استخدمت (12) كل أوراق نفوذها لتمرير تعيين الطبيبة الكندية ذات الأصول الصينية مارغريت تشان كمديرة للمنظمة، قبل أن تقوم الصين في وقت لاحق بزيادة حصتها الطوعية في تمويل الصحة العالمية وتكثيف نشاطها الدبلوماسي في مجال الرعاية الصحية خاصة في أفريقيا تزامنا مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق بشكل فعلي في عام 2015.

ومنذ ذلك الحين، من الواضح أن بكين نجحت في تحويل بوصلة (13) منظمة الصحة العالمية من الولاء المطلق للغرب إلى الولاء للصين، وهو ما تم تأكيده مع انتخاب الإثيوبي تيدروس غيبريسوس لرئاسة المنظمة في عام 2017، ولكن أزمة كورونا الأخيرة سلّطت الضوء على مخاطر الاختراق الصيني للمنظمة المسؤولة عن الاستجابة الصحية العالمية ضد الأوبئة والأضرار الكارثية الناجمة عن وضع مصير العالم في يد نظام قمعي منعدم الشفافية مثل بكين، وهو ما دفع العالم لطرح ملف التأثير السياسي على منظمة الصحة العالمية على الطاولة مجددا.

ومرة أخرى كانت ورقة المال حاضرة، ولكن هذه المرة في صورة التهديدات الأميركية المتتالية بقطع التمويل عن المنظمة، تهديدات تحوّلت إلى حقيقة مع قيام إدارة “ترامب” بتعليق مساهمتها السنوية المُقدَّرة بـ123 مليون دولار في ميزانية المنظمة، وهو ما يضع ضغوطا إضافية على مؤسسة تعاني بالفعل من نقص دائم في التمويل، مع ميزانية لا تتجاوز ميزانية مستشفى كبير في أوروبا أو الولايات المتحدة، لكن الاستجابة الأميركية قد تُثبت أنها قصيرة النظر وتدفع المنظمة الدولية للرهان بشكل أكبر على دعم بكين، التي تُقدِّم 86 مليون دولار للمنظمة سنويا، بوصفها بديلا أكثر أمانا من الأميركيين، ولكن حتى لو نجحت الصحة العالمية في تأمين الدعم المالي المفقود من بكين، أو تمكّنت حتى من إثناء الولايات المتحدة عن قرارها بتعليق الدعم، تبقى الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن مصداقية المنظمة الدولية قد تضرّرت خلال الأزمة الحالية بشكل لا يمكن إصلاحه قريبا، وأن المال وحده لن يفعل شيئا لتغيير ذلك.

كلمات مفتاحية: منظمة الصحة العالمية اتهامات كورونا الصين أميركا الحسابات السياسية تمويل

المصادر

    1

    How the U.S. Can Rein in the World Health-Organization

    2

    Report of the WHO-China Joint Mission on-Coronavirus-Disease-2019-(COVID-19)

    3

    WHO blocking reforms to meet global health challenges

    4

    Early and combined interventions crucial in tackling Covid-19 spread-in-China

    5

    Candidate to Lead the W.H.O. Accused of Covering Up-Epidemics

    6

    Trust WHO: The Business of Global Health

    7

    The WHO and coronavirus: why it can’t handle the-pandemic

    8

    The WHO response to SARS

    9

    وباء أنفلونزا الخنازير.. هلع عالمي لم يكن في محله

    10

    Experts criticise WHO delay in sounding alarm over Ebola-outbreak

    11

    The WHO Ignores Taiwan. The World Pays the Price.

    12

    The making of a Chinese head of the WHO

    13

    How WHO Became China’s Coronavirus Accomplice

——————————

كيف سيبدو العالم بعد إنتهاء فيروس كورونا؟

أتوقع بعد هذه الأزمة قد ندخل في مرحلة التعويض، سنعوض عن كل ما حرمنا منه، وكل ما انقطعنا منه لنثبت لأنفسنا بطريقة غير مباشرة أنّنا لم نتغير

إعداد غوى أبي حيدر

قد تكون أزمة فيروس كورونا التجربة المشتركة الأولى التي يخوضها جيل الألفية. أنا لا أقصد أنّ جيل الألفية لم يخض تجارب جماعية سيئة، هذا لأنّ الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية لم تفارقنا يوماً. فالعالم شهد كوارث عدّة، لكن لم تطل هذه الكوارث يوماً جميع البشرية بالشدة والفترة نفسها. فحتى الكوارث لم تعرف المساواة يوماً. لكن فيروس كورونا، طال الجميع، أخاف الجميع، وحجر الجميع! كمية الخسائر اليوم لا تقاس، نحن خسرنا في كل شيء من الأرواح إلى الخسارات الاقتصادية إلى الآثار النفسية.

نحن سجناء المنزل. حياتنا تغيرت، والحاجات التي اعتقدنا أنها أساسية على وشك أن تصبح كماليات. نحاول أن نعتاد على حياة جديدة ولكن التغيرات سريعة، أسرع من قدرتنا على الاستيعاب. ولكن علينا أن نعترف أنّ نظرتنا للأمور تغيرت، وتصرفاتنا مختلفة. كوفيد- 19 علّمنا الكثير، فنحن نادراً ما نقف يوماً، لنقيم الدروس التي تعلمناها من بعد كل أزمة.

ولكن هل نحن حقيقة تغيرنا؟ هل العالم سيختلف بعد انتهاء هذه الأزمة؟ هل سنغير من تصرفاتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين وحتى تجاه البيئة. أم أن حياتنا سترجع كما كانت وكأن شيئًا لم يكن. معرفة هذه الأجوبة ليس بسيطًا، وخاصة أننا لا نزال في قلب الحدث، فيروس كورونا لم يعد ماضياً بعد، بل هو حاضر جداً. ولكن لابد أن يكون هناك سيناريوهات متوقعة لشكل العالم ما بعد الكورونا. لهذا قررت التحدث مع ميا عطوي، المعالجة النفسيّة العياديّة، والدكتور نديم محسن، محلل سياسي وأستاذ حضارات و علوم سياسية بالجامعة اللبنانية الأمريكية.

ترى ميا، عضو مؤسِّس في جمعية Embrace، وهي جمعيّة لا تتوخّى الربح وتعمل على رفع مستوى الوعي بالصّحة النفسيّة في لبنان والشرق الأوسط، أن هذه الأزمة قد غيرتنا، لا شك لديها بذلك، وتقول أنه في السنوات الأخيرة، كنّا نعيش في روتين حياتي سريع قام على الإنتاجية، تطلق عليه صفة Hustle life، وكنا قلةً ما نقف أمام الأمور فعلاً. وتضيف ميا: “لا يمكننا أن ننكر أنّ هذه الأزمة جعلتنا نفكر من هم الأشخاص الأهم في حياتنا. فربما هذه الأزمة عززت من أهمية التواصل مع الأشخاص الذين نكترث لأمرهم. كما أنّ هناك تغير في سلوكنا الشرائي، فقد اكتشفنا اليوم ما هي الأمور التي كنّا نصرف أموالنا عليها رغم غياب الحاجة إليها، وما هي الأمور الكمالية.”

هذه الأزمة قدمت دليلاً أنّ مصير الشخص متعلق بمصير غيره. حتى أنّنا أصبحنا نقدّر أشخاصاً لم نر جهودهم من قبل مثل عمّال السوبرماركت وسائقي التاكسي وعاملي التوصيل. من دونهم، ما كنّا لنصمد

إذاً، بعد كل هذا نحن قد نخرج “أنقى” ربما ونقيم الأمور حسب النوعية لا الكمية، ونتعامل مع الآخرين بشكل أعمق قليلاً وليس على أساس تجميع أفراد ودوائر أو جماعات. وهذا ما توافق عليه ميا: “بعض المجتمعات أصبحت مجتمعات فردية أو ليست جماعية في العقود الأخيرة، أعتقد أنّ بعد انتهاء هذه الأزمة، سيتغير هذا. فهذه الأزمة قدمت دليلاً أنّ مصير الشخص متعلق بمصير غيره. حتى أنّنا أصبحنا نقدّر أشخاصاً لم نر جهودهم من قبل مثل عمّال السوبرماركت وسائقي التاكسي وعمال التوصيل. من دونهم، ما كنّا لنصمد.”

تعطينا ميا مثال سريع على الصعيد الفردي عن نظرتنا للأمور بعد انتهاء فيروس كورونا: “مثلاً، أتوقع أن تتغير نظرتنا للمطاعم التي لا تضمن حقوق موظفيها، أو يجبرهم على العمل حتى بحالة المرض. هل نريد الذهاب إلى مطعم كهذا؟ نحن اليوم نعي أنّ مصيرنا معلّق بالجميع، ولهذا سوف ننتبه لأمور لم ننتبه لها من قبل.” وتضيف ميا تغيراً آخر على الصعيد الوطني: “كنّا نفكر أنّ الدفاع عن الوطن يظهر فقط في وقت الحروب. لكن اليوم أصبح التفكير بسلامة المجموعة، أي أنّ الدفاع ليس عسكري فقط، إنما هو دفاع صحي. الحكومات ستشعر أنّ عليها الاستثمار أكثر بالصحة. هناك صدمة جماعية واحدة، وهذه الصدمة ستغير أفكارنا. نحن اليوم أمام سيناريوهين، إمّا أن نصبح أقرب من بعضنا البعض بسبب وجود أزمة مشتركة، أو أن نصاب بالرهاب من الآخرين.”

في الواقع، هناك دلائل على ارتفاع نسب العنصرية خلال الأزمات. فمن اليوم الأول، فصلنا أنفسنا عن الصين، وبدأنا بإطلاق النكات العنصرية ولوم الشعب الصيني على الفيروس . تقول ميا أنه من منظور علمي نشأوي تطوري، فالإنسان منذ القدم يخاف من العدوى، أو الإصابة بمرض أو فيروس، وهذا الخوف قد يخرج أسوأ ما فيه، لأنه يتعلق بمبدأ البقاء على الحياة: “صحيح، قد يطور الشخص خلال أي وباء شكل من التعصب أو النفور من الآخرين، يظهر على شكل تصرفات عدوانية أو سلبية. كما أنّ وجود تهديد أو خطر، يضطر الإنسان للتمسك أكثر بالمجموعة التي ننتمي إليها، وهي المجموعة التي لا تعاني من المرض. يمكن القول أنّ وجود خطر أو تهديد يلغي الانفتاح، ويجعلنا مقربين أكثر من مجموعتنا وقد يؤدي إلى تكوين نظرة دونية للمجموعة الأخرى،” تضيف ميا.

لا أظنّ أنّ فيروس كورونا لوحده سيُسقط الرأسماليّة. ولكن قد يسمح هذا الزلزال الصحّيّ بخلخلة الهيكل الرأسماليّ ونقد مسلّماته، والدفع الجدّيّ للاهتمام بالمصلحة المجتمعيّة كأولويّة بدل المصلحة الفردية

على الجانب الآخر، وبعد فشل المنظومات الصحية في معظم أنحاء العالم، بعد قيام الكثير من الدول بتخفيض الميزانية للقطاع الصحي، فقد أعاد فيروس كورونا التركيز على أن الأولوية الأولى والأخيرة لاستمرارية أي دولة هو صحة شعوبها. وخلال هذه الأزمة، تم الإعلان عن قرارات كانت تبدو بعيدة التحقيق قبل انتشار الفيروس، مثل قرار إسبانيا تأميم جميع مستشفيات ومنشآت تقديم الرعاية الصحية في البلاد، لمكافحة انتشار فيروس كورونا. هذه القرارات، دفعت البعض لتوقع تراجع قوة الرأسمالية، وإنهاء الخصخصة للكثير من القطاعات الأساسية على الأقل، وعودة أكثر قوة للحكومات الاشتراكية.

ولكن الدكتور نديم لديه رأي آخر، فهو يشير إلى أن الرأسماليّة أثبتت قدرتها على النهوض بعد كلّ سقطة، ونجح الرأسماليّون عبر ثلاثة قرون على الأقلّ في التعاضد والإبقاء على سيطرتهم من خلال رسم السياسات الاقتصاديّة الكبرى في العالم كما في أممهم ودولهم. ويضيف: “لا أظنّ أنّ فيروس كورونا لوحده سيُسقط الرأسماليّة. ولكن قد يسمح هذا الزلزال الصحّيّ بخلخلة الهيكل الرأسماليّ ونقد مسلّماته، والدفع الجدّيّ للاهتمام بالمصلحة المجتمعيّة كأولويّة بدل المصلحة الفردية.”

ويقول الدكتور نديم أن هذه الأزمة قد تدفع بعض الدول على تقديم مؤشّرات السعادة والتعاطف والعدل في المجتمعات على مؤشّر دخل الدول، وللحرص على توزيع الغِنى أفقيًّا بدل التحرّك بِداعي الربح والسيطرة الهرميّة، ويضيف: “لعلّ الخطر الوجودي المفاجئ يعيد إلى الواجهة مسؤوليّة الشعوب بالثورة ضدّ أولويّات الرأسماليّة ونظامها القويّ في إنتاج نفسه وأسياده. أمّا بالنسبة إلى العولمة، فبدل محتواها الماليّ – الاقتصاديّ ولوازمه المعلوماتيّة والاتّصالاتيّة، فقد يتقدّم فيها مستقبَلًا المحتوى الصحّيّ والبيئيّ والعلميّ. غير أنّ الاحتمالات والـ”قد” رهن بفعل خيارات الشعوب وأفعالها.”

في الفترة الأولى بعد انتهاء الإغلاق والحجر، سنكون حذرين أكثر، سنُفضل التواصل الكترونياً أكثر، وسنواصل التباعد الإجتماعي، ونتجنب السفر والذهاب للمطاعم وغيرها، لكن بعد 6 أشهر إلى سنة ستعود الحياة إلى طبيعتها، وسنعود كما كنا من قبل

ورغم أنّ إيجابيات الأزمة تقع في قدرة العالم على خلق الإيجابية، أو اختراعها، للتشديد على أنّها فعل إنسانيّ وليست نتائج حتميّة أو أوتوماتيكيّة، قد تكون الإيجابية الأكبر ما بعد فيروس كورونا هو في التمكن النقد والمساءلة، ويشرح ذلك بالقول: “النظامَ الرأسماليّ بأولويّاته ومنطق السوق الفرديّ الحرّ؛ النمط الإستهلاكيّ في الحياة الذي يكافئ الكماليّات ويتجاهل الضروريّات الصحّيّة والتعليميّة والغذائيّة؛ الأخلاق الربحيّة والتنافسيّة والاستغلاليّة التي تحيل الأرض والبشريّة إلى حلبة مصارعة كبرى؛ الأمم المتّحدة ومتفرّعاتها التي لم تخرج عن كونها أمم منتصرة في الحرب العالميّة الثانية وأخفقت في القيام بواجبها الأمميّ في نشر التعاون وتطوير آليّات للعدالة بين الدول وشعوبها. أيضاً، القوميّات والوطنيّات التي وقعت فريسة العنصريّات وبضعة متحكّمين بدل أن تنضَج اجتماعيًّا وتتعاون عالميًّا. النتائج الإيجابيّة ستظهر إن استطاعنا نقضَ هذه الخيارات الفاشلة والانتقال بجرأة إلى بدائل خلّاقة.”

هناك الكثير من النظريات حول الما بعد. كل ما يمكن أن نتأكد منه هو أنّ هناك رأي مشترك أنّنا جميعاً نشعر الآن (وربما لمدة لن تطول) بالامتنان لما كنا نملك. سواء التواصل البشري، اللمس، والروتين والزحمة. ربما الفيروس ورغم سوداويته، أعطانا نوعاً من البداية الجديدة، أو ربما فسحة لنفكر أكثر ونقيّم بعيداً عن الحياة السريعة. اليوم هذه الأزمة هي ذاكرة جماعية جديدة، سنلجأ إليها حينما نواجه أزمة كهذه لاحقاً. بعد الحجر، سنخرج بمشاكل ثقة، وهلع من اللمس، ربما ننتبه أكثر لكل تلك التفاصيل الصغيرة مثل عدم أكل الفشار من الصحن نفسه في الحفلات المنزلية. قد تتغير نظرتنا تجاه العمل (هل علينا حقاً الذهاب للمكتب كل يوم)، للتسوق (هل نحتاج لكل هذه الملابس؟) للسفر، للأكل في المطاعم… القائمة تطول.

لكننا للأسف بعد مدة سنعود إلى ما كنا عليه، كما تقول ميا، “في الفترة الأولى بعد انتهاء الإغلاق والحجر، سنكون حذرين أكثر، سنُفضل التواصل الكترونياً أكثر، وسنواصل التباعد الإجتماعي، ونتجنب السفر والذهاب للمطاعم وغيرها، لكن بعد 6 أشهر إلى سنة ستعود الحياة إلى طبيعتها، وسنعود كما كنا من قبل. في الواقع، أتوقع بعد هذه الأزمة قد ندخل في مرحلة over-compensation أي أننا سنعوض عن كل ما حرمنا منه، وكل ما انقطعنا منه لنثبت لأنفسنا بطريقة غير مباشرة أنّنا لم نتغير.”

—————–

قصص سورية مع الحجر المنزلي في اسطنبول/ هاني العبد الله

اتخذت الحكومة التركية، كغيرها من دول العالم، تدابير احترازية لمواجهة فيروس كورونا، طالت بطبيعة الحال جميع المقيمين على أراضيها، بمن فيهم نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري، اضطر كثيرون منهم للدخول في حجرٍ منزلي كانت له تأثيرات سلبية كثيرة عليهم.

اسطنبول هي المدينة التركية الأكثر تضرراً من تفشّي الوباء، إذ تستحوذ على أكثر من 60% من الإصابات المسجلة في البلد، كما أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين فيها رسمياً يأتي في مقدمة الولايات التركية بواقع 497 ألفاً، وذلك وفق إحصائية وزارة الداخلية التركية في آذار (مارس) الماضي، ما يعني أنها المدينة التي تضم أكبر عدد من السوريين خارج بلدهم على الإطلاق.

قشة قصمت ظهر البعير

منذ إعلان تركيا عن أول إصابة بفيروس كورونا في الحادي عشر من آذار الماضي، اختارَ بعض السوريين ترك أعمالهم والجلوس في الحجر المنزلي، بدلاً من المخاطرة بحياتهم وحياة أطفالهم، فيما أُجبر آخرون على البقاء في البيت بعد أن فُصلوا من أعمالهم، في حين واصل الباقون مزاولة مهنهم.

خالد أبو سميح لاجئ سوري مقيم في اسطنبول، وكان أحد الأشخاص الذين اضطروا للدخول في الحجر المنزلي. يشرح معاناته قائلاً: «كنت أعمل في ورشة للمفروشات بمنطقة مندرِس، وعقب إغلاق تركيا لحدودها كإجراءٍ وقائي من كورونا، توقفت عمليات تصدير منتجاتنا، ما أثر اقتصادياً على صاحب الورشة، فقام بفصل عدة عمال، مستغلاً عدم امتلاكنا أذون عمل قانونية تحمينا من التسريح التعسفي، وهذا كان حال كثير من أصدقائي الذين يعملون في عدة معامل في المدينة».

يقول أبو سميح للجمهورية: «أعيش اليوم ضمن الحجر المنزلي في حالة اكتئابٍ شديد، فبعد تسريحي من العمل بحثتُ عن عملٍ آخر، لكن دون جدوى، ما زاد حالتي النفسية سوءاً. لديَّ عائلة من أربعة أشخاص، وكان راتبي سابقاً بالكاد يكفي لدفع أجرة المنزل والفواتير وتأمين أدنى مستلزمات المعيشة، أما اليوم فأنا لا أملك ثمن ربطة خبز، واضطر للاستدانة».

يضيف أنه تعبَ كثيراً من هذا الحال: «صرتُ أخجل من النظر في أعين أطفالي وزوجتي، الذين بدت على وجوههم علامات البؤس والجوع، لذا صرت أفضّل الانعزال لوحدي في الغرفة أغلب الوقت، أو النوم طويلاً، فهو الحل الوحيد للهروب من هذا الواقع».

لم يكن خالد الوحيد الذي خسر عمله نتيجة هذه الظروف، فهناك آلاف السوريين في اسطنبول يواجهون المصير نفسه، ومنهم عبد الرحمن عبيد الذي يعمل في مجال الديكورات في منطقة إسنيورت في اسطنبول.

يقول عبد الرحمن للجمهورية: «كنت أقضي طوال وقتي في العمل، ومع تفشي كورونا بدأ عملي يتراجع حتى لم أعد أجد ورشة استلمها، واضطررت للجلوس في المنزل، وأصبح يومي مجرد شجارٍ مع زوجتي التي تطالبني دوماً بالبحث عن عملٍ بديل. لا أحتمل العمل تحت كنف أحد، فقد كان لديّ عملي الخاص».

يعمل أغلب اللاجئين في اسطنبول وفق نظام المياومة لتأمين قوتهم وقوت عائلاتهم، وجاء توقف أعمال كثيرة ليكون بمثابة القشة القاصمة، التي تُضاف إلى مشاكلهم السابقة المتعلقة بالأوضاع القانونية وأذون العمل وغيرها، إذ لم يعد بإمكان كثيرين منهم حتى توفير الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب ولباس.

نساءٌ تعرضنَ للضرب والإهانة

لم تقتصر تداعيات الحجر المنزلي على الشعور بالملل والاكتئاب والشجارات بين الأزواج، بل وصلت الى حد العنف الأسري.

شيرين هي لاجئة سورية تعرضت للضرب والاهانة من زوجها خلال الحجر المنزلي، وتحدثت عن معاناتها قائلةً: «تزوجت عن حب، وفضّلت ترك بلدي والسفر لعند زوجي في اسطنبول، لكن مع تفشي كورونا قرر زوجي ترك العمل طوعياً والجلوس في البيت، بعد أن بات لديه فوبيا من الفيروس».

تقول شيرين: «لم يعد زوجي يجرؤ حتى على الخروج من المنزل، وصار يطلب مني الذهاب لشراء المستلزمات المعيشية. قدّرتُ وضعه في البداية، لكن بعد فترة لم أعد أملك الوقت والطاقة للخروج، فلدي أعمال منزلية وأطفال بحاجة لرعاية. في إحدى المرات تشاجرنا بسبب الموضوع ذاته، وقلت له: أنت الرجل وليس أنا، وعليك أن تنزل للسوق، فقام بضربي».

تتابع: «تغاضيت عن تلك الصفعة فقط لأني أحبه، لكن الشجارات بيننا ظلّت مستمرة، خاصةً أن وضعنا المعيشي يتراجع، وأنني صرتُ أطلب منه مراراً أن يبحث عن عمل مع اتخاذ الإجراءات الوقائية، لكنه رفض وطلب مني عدم التدخل، وقام بضربي ثانيةً».

ذهبت شيرين مسرعةً إلى غرفتها وقررت ترك المنزل، لكن وهي تحزم أمتعتها فكرت: إلى أين ستذهب مع أولادها؟ فليس لديها أقارب في إسطنبول تقصدهم، ولا تستطيع السفر لعند أهلها في سوريا لأن الحدود مغلقة ضمن إجراءات الحكومة الوقائية، فاضطرت للبقاء في المنزل، وفي داخلها حسرة ممزوجة بالإهانة والذل: «لستُ الوحيدة، فلدي عدة صديقات تعرضنَ للضرب والإهانة في الحجر المنزلي».

كبار السن يختنقون في المنازل

لم يكن قرار الالتزام بالحجر المنزلي طوعياً دائماً، إذ فرضت الحكومة التركية حظراً عاماً للتجوال في بعض أيام الأسبوع، كما أنها فرضت منذ الثاني والعشرين من آذار الفائت حظر تجوالٍ إجباري في جميع الأيام على كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.

حوالي 65 ألف لاجئ سوري من كبار السن شملهم قرار الحظر الإجباري في تركيا، وذلك وفق إحصائية نشرتها منظمة اللاجئين في تركيا مطلع العام الجاري، وقد وجدوا أنفسهم مسجونين داخل المنازل، لا يستطيعون الخروج منها أبداً.

أم أنور كيالي لاجئة سورية مقيمة في منطقة باغجِلار في اسطنبول؛ تقول: «أنا متزوجة ولديّ أربعة أولاد، ويعيش معنا أبي ذي السبعين عاماً. كان معتاداً دوماً على الخروج من المنزل، فلا يحتمل أبداً الجلوس بين أربعة جدران. كان يملأ وقته طوال اليوم بالجلوس في الحديقة، وأداء الصلوات الخمس في المسجد، والذهاب للأسواق لشراء الحاجيات، ولقاء بعض أصدقائه في المقهى. بعد فرض حظر التجوال على كبار السن، تعبت نفسية أبي كثيراً، وصرتُ أخشى عليه من أزمةٍ صحية لا قدَّرَ الله. كان شديد التعلّق بالمساجد، وأصبحت أراه اليوم يبكي عند سماع الآذان. بات يتذمر من أصوات الأطفال بعد أن كان يلاعبهم في السابق، وينزعج ويصرخ من أمورٍ تافهة، كأن يجد زجاجة المياه في الثلاجة فارغة، أو لأني نسيت إطفاء ضوء المطبخ».

بالمقابل، تحدثت فاطمة، وهي جارة أم أنور، كيف وجدت بعض الحلول للتخفيف من ضجر والدها الذي يعيش معها: «قمتُ بإنشاء حسابات باسم أبي على تطبيقات فيسبوك وتويتر وتيك توك، وعلّمته طريقة استعمالها. في البداية لم يعجبه الأمر، لأنه واجه صعوبةً في التعلم عليها، لكنه بعد فترة بات يمضي أغلب وقته عليها. كذلك طلبتُ من زوجي أن يزرع بعض النباتات على شرفة المنزل، وصار والدي يمضي بعض وقته في الاعتناء بها، وبذلك استطعت التخفيف عنه».

الأطفال يعانون أيضاً

لم يقتصر حظر التجوال الإجباري على كبار السن، بل طال أيضاً كل من يقل عمره عن 20 عاماً، وذلك بموجب قرار أصدرته الحكومة التركية في الثالث من نيسان (أبريل) الماضي. وقد شمل هذا القرار مليون و720 ألف لاجئ سوري، وفق الأرقام التي نشرتها منظمة اللاجئين في تركيا.

تقول هبة رحمون، المقيمة في منطقة أسنلر في اسطنبول: «حظر التجوال على الأطفال سبّب لي مشكلة كبيرة، فلدي طفلان الأول في الرابعة من عمره والآخر في الثانية، وكنتُ معتادةً كل يوم على اصطحابهم إلى الحديقة، أما اليوم فإنها يقفان طوال النهار على باب البيت ويصرخان مطالبين بالخروج للحديقة. لم أعرف كيف أشرح لهما أنه ممنوع خروج الأطفال من المنزل».

أضافت هبة: «واجهت مشكلة ثانية، وهي أن طفلي ذا الأربع سنوات لديه مشاكل في النطق حتى الآن، وأخبرتني الطبيبة أنه يجب تسجيله في روضة أطفال، لكن صدور قرار حظر التجوال على الأطفال اضطرني لتفريغ أغلب وقتي لتعليمه بعض التمارين التي تساعده على النطق، إضافةً لتخصيص بعض وقتي للعب معه ومع أخيه، وهذا أدخلني في خلافاتٍ مع زوجي، بسبب التقصير في ما يعتبرها حقوقاً له، وفي واجبات المنزل».

*****

اتخذت الحكومة التركية إجراءاتٍ مشددة تصاعدية خلال الفترة الماضية لمواجهة كورونا، إلا أنها سمحت مؤخراً للمسنين من 65 عاماً وما فوق بالخروج إلى الشوارع لأربع ساعات فقط يوم الأحد المقبل العاشر من أيار، كما سُمح للأطفال حتى سن 14 عاماً بالخروج لأربع ساعات أيضاً يوم الثلاثاء المقبل، ومن هم بين سن 15 و20 عاماً في يوم الأربعاء التالي له.

وتستمر تركيا في فرض حظر تجوال كامل على الجميع أيام سبت وأحد، وفي أيام الأعياد، مع احتمال فرض حظر كامل لتسعة أيام خلال فترة عيد الفطر، اعتباراً من 23 أيار الجاري حتى الأول من حزيران المقبل. لكن يبقى أن عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته هو وحده الذي يمكن أن يخفف من معاناة اللاجئين السوريين، الذين يعيش أغلبهم من قوة عملهم اليومية، ودون أذون عمل قانونية تحميهم، ودون أي ضمان اجتماعي يكفل لهم الحد الأدنى من أسباب العيش.

موقع الجمهورية

————————–

عالم ما بعد الكورونا/ صابر حسكو

على خلاف ما يروج له الإعلام الغربي من تهديدات وتهويلات ضد الصين، حكومة وشعبًا، بسبب فيروس كورونا، من المرجح أن العلاقة بين العالم الغربي والصين ستستمر وربما تصبح أكثر تشابكية وتواكلية في فترة ما بعد الكورونا. إذ عانت كل دول العالم من المرض وتبعاته بشكل متساوٍ إلى حد ماِ، عندها ستبقى موازيين القوى العالمية مثلما عهدناها، متمركزة بالولايات المتحدة وحلفائها. لكن، ستكون هناك أيضًا إعادة تعريف لعلاقة الصين بالعالمين الغربي والنامي، وهذا لا ينفي أن الصين ستكون موضع الكثير من النقاش والخلاف العالمي، أما الخاسر الأكبر ضمن هذه المعادلة هي دول الهامش في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا.

هناك اتهامات للصين بأنها كانت تعرف مدى خطورة هذا الفيروس خلال الأسابيع الأولى من ظهوره ولكنها أخفت حقيقته عن العالم، مما جعل العالم الخارجي يبخس بتقدير فظاعة الفيروس وسرعة انتشاره، فقامت بترك حدودها مشرعة في هذه الأثناء لينتشر الفيروس في كل أصقاع الأرض، مما يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن الضحايا والتكلفة الاقتصادية الهائلة التي تثقل كاهل دول العالم بأسره. لذلك وجب معاقبة الدولة الشيوعية ذات الحزب الواحد. معظم التهويل في الولايات المتحدة هو من قبل اليمين السياسي المحافظ والموالي لدونالد ترامب، رغم أنه لا يقتصر على اليمين وحده.

وفي هذا السياق، تتعدد الآراء والأفكار، ومنها مثلًا، دعوة مجلة “ناشيونال ريفيو” المحافظة، الولايات المتحدة وحلفائها إلى استخدام الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية لمقاضاة الصين، وإجبارها على دفع تعويضات لكل العالم، وشجعت أيضًا على تعليق التبادل العلمي مع الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا المتطورة، وفرض عقوبات اقتصادية تجاه أفراد من الحزب الشيوعي الحاكم. وهناك أيضًا أصوات من أمثال جوش هاولي، السناتور الجمهوري من ميزوري، الذي خرج في مقابلة على قناة فوكس نيوز المحافظة، الأقل رصانة من ناشيونال ريفيو، طالب فيها بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق، تذهب إلى الصين برعاية دولية وتقوم على ضوء النتائج باتخاذ الإجراءات المناسبة. ويذهب غيرهم إلى مطالبة الحكومة المركزية الأمريكية بالاحتفاظ بسندات الخزينة الأمريكية المملوكة للصينيين، أفرادًا وشركاتٍ، تصل قيمتها إلى أكثر من تريليون دولار. وبنفس الطريقة يقود اليمين السياسي ذو الميول القومية في أوروبا التهويل، ومطالبة الصين بالتعويض عما يسميه البعض، حالة “الحرب من دون جبهة”، التي فرضت على العالم منذ ربيع الـ 2020.

جوهر السلطة في الدول الغربية هو رأس المال. على الرغم من استخدام شماعة حقوق الإنسان لانتقاد الصين من قبل هذه الدول في السابق، إلا إن هذه الدول بمجملها، كانت وما زالت، تريد لعلاقتها بالصين أن تستمر بدون أي تغيير، وذلك لأن الصين سمحت لأغنياء هذه الدول أن يصبحوا فاحشي الثراء بفترة لا تتجاوز الخمسين عامًا، أي منذ أواخر السبعينيات، وأنجزت ما لم يكن يتوقعه أحد، ليس على مستوى الصناعة والتجارة فحسب. فلم تكن الصين مصدرًا للأيدي العاملة الرخيصة فقط، بل أيضًا وفرّت عمالًا معدومي الحقوق وبيئة غير محمية. بالمقابل، تكاد الدول الغربية حاليًا أن تخلو من الصناعات الخفيفة والمتوسطة، خاصة المؤذية للبيئة منها، حيث قامت الشركات الغربية الخاصة، في ظل بيئة وفرتها الحكومات الغربية خلال العقود الماضية، باستبدال ملايين الوظائف الصناعية بأخرى مكتبية أو خدمية، بينما قامت بنقل مراكز إنتاجها ورؤوس أموالها إلى للصين. هناك إذًا نوع من الاعتماد المتبادل بين الدول الغربية والصين، التي لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة. 

سبق أن احتلت كل من كوريا الجنوبية واليابان نفس المكانة التي تحتلها الصين حاليًا ضمن اقتصاد السوق الحر العالمي. في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان، قام الحلفاء بمدها بالمساعدات لرفعها من الشلل الاقتصادي والدمار الهائل الذي تعرضت له، ولحق ذلك تسهيلات حكومية يابانية في مجال الصناعة وتسهيل الاستثمار. اليد العاملة هناك كانت رخيصة والضرائب قليلة ما سمح بتطوير الاقتصاد بشكل سريع فاق كل التوقعات وسمي في وقتها بـ”المعجزة اليابانية”. لكن مع تحسن الاقتصاد وارتفاع مستوى المعيشة أدى أيضًا إلى زيادة تدريجية في الأجور جعلت الاستثمار فيها أقل جاذبية لرأس المال الغربي الباحث بشكل مستمر على الربح. مع بداية الثمانينيات بدت اليابان أقرب للفقاعة منها للمعجزة وبدأ البحث عن ملاذ جديد لرأس المال الغربي. الملاذ ظهر في كوريا الجنوبية التي خرجت لتوها من حكم الدكتاتور باك لي هونغ الذي تم اغتياله عام 1979. خلال العقدين اللاحقين، في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت كوريا الجنوبية مركزًا للصناعات الثقيلة والإلكترونية. هذه الديناميكية بين رأس المال الباحث عن الربح في أمكنة مستقرة نسبيًا، ذات أجور رخيصة وبيئة غير محمية، وعمال قليلي الحقوق، تكررت مرة أخرى عند صعود الصين إلى المقدمة في بداية الثمانينيات.

لكن بكل الأحوال، من المرجح أن هذه الديناميكية لن تنطبق على الصين، وستبقى مركزًا للاستثمار الغربي وصناعاته، لفترة أطول بكثير من اليابان وكوريا الجنوبية، ولعدة أسباب: أولًا، عدد سكان الصين 1.39 مليار نسمة، الذي يفوق اليابان وكوريا الجنوبية مجتمعة أكثر من ثمانية أضعاف، فمن المرجح أن تحسّن إجمالي الناتج المحلي للصين، لن ينعكس على تحسن سريع على مستوى الأجور خلال عقدين من الزمن، مثلما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية بسبب هذا العدد الهائل للسكان، ما يعني مردودًا أكبر لفترة أطول بالنسبة للمستثمرين. ثانيًا، حكومة الصين الشيوعية تكفل الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، لأنها لا تتأثر برغبة الصينيين بشكل مباشر، مما يشجع الاستثمار ويكفل عدم حصول العمال على نقابات تدافع عنهم وتحميهم من الاستغلال، وهي أيضًا غير آبهة بالتلوث البيئي. ثالثًا، معظم الشركات الغربية ترى في الصين أيضًا سوقًا مستقبلية هائلة تستحق الاستثمار ولا يمكن الاستغناء عن أرباحها. ذلك كله يفسر ما قالته مجلة فوربز الأمريكية: “من وجهة نظر العارفين بأسواق الصناعة، الباحثين عن الموثوقية، فإنه في استقرار أسعار العملة والأمان ونمو السوق المحلية تحتل الصين المرتبة الأولى، أما باقي دول العالم مجتمعة ففي المرتبة المائة”، لذلك تصعب مثلًا مقارنة بلد مثل فيتنام بالصين الأشبه بالقارة الكاملة.

طبعًا، هذا لا ينفي إمكانية أن يفرض الرأي الشعبي في الدول الغربية على صانعي القرار في هذه الدول، أن يلزموا الصين اتخاذ إجراءات صحية جديدة إذا كانت راغبة بالاستمرار في المشاركة بالتجارة العالمية الحرة. سيقوم صانعو القرار الغربي، المسيطرون أصلًا على الصحافة، بصرف الانتباه والتغاضي وتناسي كيفية قدرة الصين خلال الأشهر الماضية على احتواء إصابات فيروس كورونا بهذه الأعداد الضئيلة. صنّاع القرار الصيني بدورهم سيقبلون بهذه المعايير الصحية مقابل الاستمرار بالتجارة الحرة العالمية، التي جعلت من أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، رأسماليين جدد ينافسون أعتى المؤسسات المالية في نيويورك ولندن. هذا كله سيكون لإقناع الرأي العام الشعبي في الدول الغربية بأن الصين تغيرت وأن الفيروس العالمي القادم سيأتي من أمكنة أخرى. سيقوم رأس المال الغربي ومن خلال وكلائه في الحكومات الغربية بإنشاء وإصلاح منظمات عالمية تراقب معايير الصحة. ولكن لضمان قبول الصين بالمعايير الجديدة، سيقوم وكلاء رأس المال الغربي بعدم التطرق لحقوق الإنسان كشرط للانضمام.

مقارنة اليابان بالصين مهمة لأنه إذا كان رأس المال الغربي قادرًا على الاستثمار في اليابان خلال فترة لا تتعدى العشر سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها اليابانيون ملايين الناس بشكل متعمد وممنهج، فلا بد أنه قادر على تجاوز معضلة غير متعمدة وغير ممنهجة وضحاياها لن يفوقوا المليون نسمة بأسوأ تقدير. كل ذلك في سبيل الحفاظ على المصالح المشتركة بين رأس المال الغربي والصين.

بالمحصلة، عالم ما بعد الكورونا لن يختلف كثيرًا عن عالم ما قبل الكورونا، إذ إنه سيكون نتيجة تفاهمات بين أغنياء العالم على حساب فقرائه. ربما يحدث تغير أكثر في المناطق غير المعنية بشكل مباشر بما يجري مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، لأنها خارج هذه التفاهمات وقد تكون عرضة للثورات السياسية والقلاقل الأمنية. أغنياء العالم الذين ما لبثوا أن أصبحوا فاحشي الثراء بالأمس سيصبحون متخمي الثراء خلال مدة لا تتعدى العقد الواحد، وفقراؤه سيصبحون أكثر جوعًا، أقل علمًا ومنهوكي الموارد، وبعضهم سيترحمون على زمن الكورونا. أما عن موضة التهديد والوعيد في الغرب، فما هي إلا لعب على مشاعر كراهية الأجانب ولومهم وحشد الدعم السياسي.

الترا صوت

———————————

=======================

================

تحديث 13 أيار 2020

————————–

زمنُ الوباء/ أحمد بيضون

(1): فلسفة الحجر ومزاولة العمل

طرَحَ الوباءُ على كثيرين مسألةَ التحوّلِ في بنيةِ الزمنِ ومَعْناهُ والشٌعورِ بلا جدواه أو باستحالتِه عبئاً مفروضاً، في رأيِ بعضِهِم، لا يَدَ للواقعِ تحتَ وطأتِهِ في تدبّرهِ وسياسته. وما أمْلى هذا الشعورَ، في زمنِ الوباءِ، إنَّما هو، على التخصيصِ، الحجْرُ بما هو مرادفٌ للحبسِ وللتبطّلِ وللعزلةِ وبما هو استجابةٌ للحصارِ أيضاً أي بما هو تغييرٌ في بنيةِ الزمنِ اليوميِّ وفي مألوفِ توزيعِهِ وفي البيئةِ البشريّةِ والماديّةِ لتقضّيهِ وبما هو مقرّرٌ لها من تبدّلٍ. وكانَ أن أغرى عنوانُ روايةٍ لغارثيا ماركيز بنوعٍ من التسليمِ التلقائيّ، المعزّزِ بالتكرارِ، بفرادةٍ لا نسعى إلى حصْرِ وجوهِها بالضرورةِ لزمنِ الوباء.

أشعُرُ أنّ هذا القولِ بنوعٍ من القطيعةِ في الزمنِ يمثِّلُها الوباءُ فيه جَرْيٌ مع شائعٍ مفترضٍ لا ريبَ في استمرارِ تحقّقهِ في حالاتٍ كثيرةٍ… ولكنْ لا ريبَ أيضاً في ضرورةِ إخضاعِهِ لفحصٍ ناقدٍ تمْليهِ تحوّلاتٌ لأوضاعِ العَمَلِ وللحياةِ اليوميّةِ كلّها بمَهامِّها ومواردِها شهِدَتْها الأعوامُ الأخيرةُ وانتشَرَت، ولو بتفاوتٍ، إلى حياةِ معْظَمِ البشر. وإذا كانَ لصورةِ الزمنِ الذي يجمّدُه الحَجْرُ أو يفْرِغه من جدواه ومعناه من أصْلٍ فمرجعُ هذا الأصْلِ إلى عهودٍ سبَقت التحوّلاتِ المشارَ إليها وما تزالُ، على غِرارِ العاداتِ الذهنيّةِ جملةً، تفرضُ نفسـها حيث توجَدُ لها شرعيّةٌ وحيث لا توجَدُ، إذ هي تُعْفي صاحبَها من هَمِّ التبصّرِ في الجديدِ وترَسُّمِ المتحوِّل.

عالَمُ الوَباءِ عالَمُ المستقبَل؟

وما أرجِّحُهُ، بوَجيزِ القولِ، أن يَكونَ الوباءُ الذي يُقالُ أنّهُ عطّلَ حياةَ البشرِ (وهو قد عطّلَ فعلاً معاشَ كثيرين منهم) قد أدخَلَ إلى حياةِ كثيرين منهم أيضاً ملامحَ مستقبليّةً كان الإرهاصُ بها قد حصَلَ في أوقاتٍ متباينةٍ بتبايُنِ الفئاتِ. فجاءَ الوباءُ ليكشِفَ إمكانَ استوائها سَويّةً مفروضةً في نُطُقٍ أعمَّ وأكثرَ تنوّعاً ممّا كان ملحوظاً من قبْل.

أشيرُ، وهذا واضحٌ، إلى إمكان العَمَلِ من المسكن والاستغناء عمّا يُدْعى “المكتب”. والمكتب هنا كنايةٌ عن المدرسةِ والجامعةِ أيضاً، فضلاً عن كونِه صفّاً من المنشآتِ تتراصف فيه الجريدةُ والمصرفُ وأضرابٌ كثيرةٌ أخرى من الأعمالِ والمِهَن. وفي معْظَمِ هذه الحالاتِ يشتَمِلُ الاستغناءُ على العاملينَ وعلى المتعاملينَ سويّةً. فيسعُ المعلّمين والمتعلّمين أن يهجروا الصفوفَ ويسعُ المصارفَ أن تقفِلَ أبوابَها دونَ الزبائنِ آماداً غيرَ قصيرةٍ، إلخ. على أنّ الاستغناءَ عن اللقاءِ في المكتبِ أو في المدرسةِ لم يكن مهمّةً سلسةَ الأداءِ – على ما شاعَ – في هذه الأسابيعِ التي مضَت… ولكن ماذا إن كانت أَوْجُهُ القصورِ من الأنواعِ التي يَسَعُ أجيالاً جديدةً من التقاناتِ أن تعالِجَها وماذا إن كان الضيقُ بالصيغةِ كلّها مجرّدَ عَرَضٍ من أعراض التغرُّبِ أمْلَتْهُ حداثةُ عهدِنا بالصيغةِ وسنتجاوزُهُ بالتعوّد؟

التشاورُ أو العملُ جماعةً ممكنٌ أيضاً في الصيغةِ الجديدة، وقد خَبِرَهُ المحتاجون إليه في أثناءِ الحَجْر. وليس ضعيفَ الدلالةِ أن تكُونَ مواضعُ مختلفةٌ من العالَمِ المتعازِلِ (بينَها بيروت) قد شَهِدت عزفاً جماعيّاً تولّاهُ موسيقيّو الفِرْقةِ كلٌّ من مَعْزَلِه. فمعلومٌ أنّ وَحْدةَ الأوركسترا، إذ يحصُلُ تظهيرُها بالقيادةِ الواحدة، تُعَدُّ أرْفَعَ أنواعِ الوَحْدةِ وأشدَّها عُسْراً وأسْراً. فإذا هي أصبَحَت في المتناوَلِ عن بُعْدٍ فكلُّ ما دونَها أيسَرُ منها تناوُلاً. هذا والاستغناءُ عن التوثيقِ المُخْتَزَنِ في مقرِّ العملِ أو في المكتبة ممكنٌ أيضاً من الآنِ بفضلِ الاتّصالِ عن بعدٍ بقواعد المعطَيات أو خَزْنِها. وإذا كانت مراقبةُ العاملين عن بعدٍ ما تزالُ جزئيّةً إذ قد يَسَعُ الواحدَ منهم أن يأذَنَ َلنَفْسِه، وهو في بَيْتِهِ، بإغفاءةٍ قصيرةٍ، فهذا أيضاً يمكِنُ لأصحابِ الأعمالِ تَلافيهِ بتحسينِ الوسائلِ والأعرافِ بحيثُ لا يعودُ للمستخدَمِ البائسِ أن يحوّلَ وَجْهَه عن شاشتِه لحظةً بلا ترتيبٍ مسبق.

على أنّ ما خبِرْناهُ فعلاً من تغييرٍ مفتوحٍ على أفقٍ قريبٍ أو بعيدٍ في حياتِنا اليوميّةِ قد لا يكُونُ متّصلاً بالعملِ بالدرجةِ الأولى. أو إنّ بعضَنا كان معتاداً، من قبْلِ الوباءِ، أن يزاولَ عمَلَه في عُزْلةِ مَنْزله وهو عالِمٌ بإمكانِ التواصلِ وأطرافَ العملِ الآخَرِين ومادّةَ العملِ ووسائلَه كلّما احتاج إلى ذلك. ولكنّ هذه السُنّةَ اتّسعَ مجالُها كثيراً في ظرْفِ الحَجْر، في ديارِنا هذه على الخصوص.

الحياةُ اليوميّةُ ومَواردُ الحاضر

ما بدا أشدَّ احتياجاً إلى معالجةِ آثارِ الحجْرِ في مختلِفِ وجوهه، بما هو حبسٌ، إنَّما هو الحياةُ اليوميّة بما هي نسيجُ علاقاتٍ وأفعالٍ معتادةٍ أو ممكنة يفيضُ كثيراً عن مُزاوَلةِ المِهْنة. عُزِلْنا عن العالَمِ الذي نَزْعُمُ أنّهُ واسعٌ فأصْبَحَ كلُّ خروجٍ إليه، مهما يَكُنْ استثناءً، بل كلُّ استقبالٍ لشخصٍ أو لشيءٍ يأتينا منه، مجلبةً للخطرِ أو للشعورِ بِهِ في الأقلّ. وشَملَ اعتزالُنا، فضلاً عن الأصدقاءِ والمعارفِ، أفراداً من العائلةِ لا يشاطِرونَنا السَكَن… بل رُحْنا نتحسّبُ أيضاً من تعرُّضِ أولئك الذين يشاطِرونَنا إيّاه لمخالطةٍ قد لا يَكُونُ منها بدٌّ، مهما تَكُنْ عارضةً، لأشخاصٍ وأشياءٍ من خارجِ سكَنِنا، متوجّسينَ ممّا يمكِنُ أنْ يجُرّه هذا النوعُ من المخالطةِ على مُساكِنينا فضلاً عن أنفُسِنا. وفي هذا كلِّهِ اضطُرِرْنا للرُكونِ إلى تقليص مُماسّتنا للخارجِ ومُماسّةِ الخارِجِ لنا بما هو تقليصٌ لاحتمال الخَطر: فهذه هي فلسفةُ الحجْرِ أصْلاً. وقد أفضت هذه الضرورةُ إلى شيوعِ ممارَساتٍ خالفَت المألوفَ، على الرُغْم من سابقِ ورودِها، غيرَ أنّ لها بعداً مستقبليّاً يَسْتَبْعدُ اعتبارَها مجرّدَ شذوذٍ عن جادّةٍ ما أو استثناءً زائلاً من قاعدة. هكذا غَلَبَ استقدامُ موادّ الاستهلاكِ من المطعمِ أو من المتجرِ إلى المستَهْلِكِ إقدامَ هذا الأخير على الانتقالِ إلى المطعمِ أو المتجرِ لتناولِ الطعامِ أو للتبضُّع. وهو ما يُنْذِرُ برَدِّ المتجَرِ إلى مستَودَعٍ وباختصارِ المطعمِ في مطبَخِه. فما حاجَةُ البشرِ بالمطعم والمتجرِ، من بَعْدُ، وما بالُهُم لا تكفيهم أمازون؟ تبدو أمازون ملبّيةً لحاجاتِ رأسِ المالِ فلِمَ لا يَرْضى بها البشر؟ هذا سؤالٌ أعودُ إليه في الختام.

مع ما سبقَ كلِّه، يبقى علينا الانتباهُ إلى كونِ هذا الاعتِزالِ، إذ نُحْمَلُ عليه اليوم، لا يُشْبهُ، في مروحةِ وجوهه ولا في وطأتِهِ العمَليّة، ما كان يسَعُه أن يكونَهُ لو ضرَبَ هذا الوباءُ عالَمَنا قَبْلَ ربعِ قرنٍ لا أكثر. وليس البَطَلُ المحْدِثُ للفارقِ إِلَّا الهاتِفَ الذكِيَّ أو الحاسوبَ وهما ههنا واحدٌ يجتمعان في الإنترنت. صلةُ الوصْلِ هذه جاءت لتنضَمّ إلى الإذاعةِ من مرئيّةٍ ومسموعةٍ أو لتُداخِلَها وتقومَ مقامَها في استبقاءِ القَنواتِ المفتوحةِ بينَنا وبَيْنَ زمنِ العالَم الذي أخذ يبدو مشغولاً، كلُّهُ أو جُلُّه، بالوباءِ اشتِغالَنا نحْنُ بهذا الأخير. وقد اتّفقَ أنّ ما بقيَ مفتوحاً من تلك القنواتِ لا يُقْتَصَرُ فِعْلُهُ على وصْلِنا بما يُدْعى وقائعَ عامّةً بل هو يحفَظُ أيضاً إمكانَ متابعتِنا لكلِّ ما نَعدُّه شخصيّاً في شبكةِ اهتماماتِنا: لأخبارِ من هم بِعادٌ عنّا من أهْلٍ وأصدقاءٍ ومن معارفَ عموماً، سواءٌ أكانوا على مسافةِ شارعٍ أمْ على مسافةِ قارّتَين.

ليسَ لنا أن نشتكي إذن عَزْلاً فرضَهُ الوباءُ سوى العَزْلِ عن إمكانِ التلامُسِ والتجالُس المباشِر. وذاك أنّ سائرَ أحوالِ العلاقةِ ظلّت مُتاحةً بما فيها الرؤيةُ ناهيك بالتخاطُبِ طبعاً. وهو ما يكفي دليلاً على كونِ العَمَلِ، بمعنى المهنةِ، ليس سوى وجهٍ بينَ وجوهٍ لِما بقيَ ميسورَ التفعيلِ من مَناشِطَ وعَلائقَ بين الناسِ وهم في ما يستعجِلون اعتبارَه حبْساً في البيوتِ وتعازُلاً. وهو ما يُفيدُ أيضاً أنّ بنيةَ الزمنِ وغائيّتَهُ بقيَتا، من حيث الأساس، على حالِهِما المألوفةِ من مُعْظَمِ الناس… أي أنّ ما بقيَ غالباً هو التطلّعُ المميِّزُ لبشَرِ أيّامِنا، على التعميمِ، إلى إملاءِ وجهةٍ على الزمنِ، مادّةً وبنيةً، تكونُ – مهما تَكُنْ صِفَتُها – مغايرةً لوجْهَتِه التلقائيّةِ حينَ يبقى حبْلُهُ على غارِبِهِ اضطِراراً، وهذه وجهةُ التبدُّدِ الإجْماليِّ المفضي إلى الموت. على أنّ شرطَ هذا النوعِ من السيطرةِ، في الظَرْفِ الذي نُعاينُ ونُعاني، إنَّما هو بقاءُ الصلاتِ التي تُدْعى قَنَوات التواصُلِ إلى تفعيلِها قائمةً أصْلاً لم يذهب بها ظَرْفُ الوباءِ، بما فيها، على الأخصّ، الصلةُ المِهْنيّةُ، وأن تكونَ هذه القنواتُ مُتاحةً لطرفَي العَلاقةِ أو لأطرافِها في آنٍ أيّةً تكن طبيعةُ العلاقة. وهذان، على ما هو مَعْلومٌ، شرطانِ مَيسورا التحقّقِ، في عالَمِ اليومِ، لمُعْظَمِ البَشَرَ…

 (2): الاعتباط مَتْنٌ للطريقةِ الإنسانيّةِ في الحياة

في الجزء الأول من هذا النص: ..ما بقيَ غالباً هو التطلّعُ المميِّزُ لبشَرِ أيّامِنا، على التعميمِ، إلى إملاءِ وجهةٍ على الزمنِ، مادّةً وبنيةً، تكونُ – مهما تَكُنْ صِفَتُها – مغايرةً لوجْهَتِه التلقائيّةِ حينَ يبقى حبْلُهُ على غارِبِهِ اضطِراراً، وهذه وجهةُ التبدُّدِ الإجْماليِّ المفضي إلى الموت. على أنّ شرطَ هذا النوعِ من السيطرةِ، في الظَرْفِ الذي نُعاينُ ونُعاني، إنَّما هو بقاءُ الصلاتِ التي تُدْعى قَنَوات التواصُلِ إلى تفعيلِها قائمةً أصْلاً لم يذهب بها ظَرْفُ الوباءِ، بما فيها، على الأخصّ، الصلةُ المِهْنيّةُ، وأن تكونَ هذه القنواتُ مُتاحةً لطرفَي العَلاقةِ أو لأطرافِها في آنٍ أيّةً تكن طبيعةُ العلاقة. وهذان، على ما هو مَعْلومٌ، شرطانِ مَيسورا التحقّقِ، في عالَمِ اليومِ، لمُعْظَمِ البَشَرَ…(وهنا تتمة النص):

بابٌ للتفاوت

… لمُعْظَمِ البَشَرِ لا لجميعِهم. فهذا بابٌ مفتوحٌ للتَفاوتِ على مصراعَيه. ومن التفاوتِ ما جاءَ بِهِ الوباءُ نَفْسُه أو كَشَفَه. فمِنَ الناسِ مَنْ هم غيرُ معَدّين ولا مجهَّزين، لعلّةِ الفقرِ على الخصوصِ، للإفادةِ من مزايا التواصلِ الذي تتيحه التقانةُ المعاصرةُ في مواجهتِهمْ للعَزْل. وهو ما يَنْحو، في حالتِهِم، إلى جعلِ الأوصافِ التي نجنَحُ جُمْلةً إلى إطلاقِها على زمن الوباءِ والحجْرِ، بلا اعتِبارٍ للفوارقِ الحاسمةِ بينَ الأوضاع، وقائعَ قائمة. ومن الناسِ أيضاً مَنْ هُمْ، في هذا المضمارِ، بَيْنَ بَيْن. ثمّ إنّ الوباءَ ومفاعيلَ الحَجْرِ العامّةِ ضربَت بشراً كثيرين جدّاً بفقدانِ أعزّاءَ عليهم أو في صحّتِهم هم أنفُسُهُم أو هي أفقدَتْهُم أعمالَهُم أو مَصادرَ معيشتِهم. فلا يمكِنُ افْتِراضُ التماثُلِ في بنيةِ الزمنِ المعيشِ بينَ هؤلاءِ وبَيْنَ الكثرةِ الكاثرةِ مِمّن بقوا بمعزِلٍ عن الوباءِ بما هو محنةٌ ذاتُ جرائرَ غيرِ قابلةٍ للإصلاح. ما تُمْليهِ البطالةُ، مثلاً، في بلادٍ لا يبَشِّرُ حاضرها بانفراجٍ في مجالِ الأعمالِ والاستخدامِ يلي انكماشَ الوباءِ (وهذه حالُ لبنانَ مَثَلاً) يُرَجَّحُ أنْ يُتَرْجِمهُ الشخصُ المُصابُ شعوراً بفقدانِ الحيلةِ ومَضضاً شديداً ولَجْماً لسَريانِ الزَمنِ في المجرى الذي يُحيلُهُ مُستَقْبَلاً واعِداً بنُمُوٍّ ما. هذا جلّابٌ للعنفِ طبعاً: للآعمى منه قَبْلَ المُبْصِر.

حالةٌ أخرى مُظْهِرةٌ للتفاوتِ هي حالةُ الذين لا يَقْوونَ على لزومِ الحَجْر أصلاً، وهذه حالةٌ لا يُنْتَبَهُ كثيراً إلى سعةِ نطاقِها. تُوجّهُ التحايا إلى العاملينَ في المهنِ الطبّيّةِ ممّن يتولّونَ العنايةَ بالمصابين. وهي تَحايا مستَحَقّةٌ، لا ريبَ، لما في تعرّضِ هؤلاءِ لخطرِ العدوى، وهم يؤدّون مهمّتَّهم الإنقاذيّةَ، من إيثارٍ وشجاعة. ولكن لا يُنْتَبَه، مثلاً لا حصْراً، إلى عمّالِ النظافةِ العامّةِ وعُمّالِ التموينِ والموكَلِ إليهم توزيعُ المياهِ والكهرباءِ والإنترنت، إلخ. لا يُنْتَبَهُ كثيراً أيضاً إلى من يحمِلُهم الاضطرارُ وضيقُ الأحوالِ كلِّها على خرقِ نظامِ الحجْرِ معَرّضينَ أنفُسَهُم للقَمْع ومثالُهُم الباعةُ المتجوّلون. لا مٌساواةَ أمامَ الوباءِ، في هذه الحالات ونظائرِها، ولا حَجْرَ أصلاً يُنْظَرُ في شعورِ مُزاوليه بالزمن. وإنّما الزمنُ ههنا زَمَنُ تَعَرُّضٍ للعَدْوى لا يردَعُهُ سوى إجراءاتِ وقايةٍ يعلَمُ متَّبِعوها أنّها دُونَ الحَجْرِ فاعِليّةً فيكونُ نصيبُهُم من القلَقِ أرجَحَ واستعجالُهُم انقِضاءَ زمنِ الوباءِ أشَدَّ، إذ يستوي هذا الاستعجالُ شاغلاً أو رجاءً وحيداً تتمخّضُ عَنْهُ معاناتُهم الزمَنَ، وهذا بِخِلافِ ما هي عليه حالُ المقيمين في الحَجْرِ، على الإجمال، من تشعُّبٍ في الهُموم التي يوزِّعونَ بينَها زمَنَهُم اليوميَّ ويرسمونَ بها آفاقَه.

إذا استَثْنينا الإصابةَ في الأنفُسِ (وهي، لحُسْنِ الحظّ، نصيبُ قلّةٍ من الناس) والإصابةَ الحاسمةَ في مقوّماتِ العيشِ (وهي نصيبُ قلّةٍ أعْرضَ نطاقاً) كان لنا أن ننسبَ إلى الخطإ أو إلى المبالغةِ زَعْمُ كثيرين أنّ هذا الوباء أمْلى على البَشرِ تغييراً قاطعاً في شعورِهم بحياتِهم هُم أو بالحياة البشريّة عموماً: تغييراً يبدّدُ الزمنَ إذ يطيح بنْيَتَه بما هو مجرىً لمشاريعِ البَشر: لحيواتِهم بما هي مشاريعُ، فرديّةً كانت المشاريعُ أمْ جَماعيّة. فإنّما التشخيصُ الأقربُ لهذا الشعورِ، في ما أرى، إذا نحْنُ اجتَنَبْنا الإطنابَ المنفَعِلَ باستثنائيّةِ الظرف، أنّ أكثرَ البَشرِ يقرنون الأمَلَ بالحسابِ، ليستقيمَ لهُم اعتبارُ زمنِ الوباءِ، بما هو زمنُ حَجْرٍ، على الخصوصِ، نوعاً من الاستثناءِ العارضِ، في مجرى حياتِهِم، يمْكِنُ أن يُعَدَّ خسارةً ويمْكِنُ أن يكونَ مَثاراً للضيقِ، ولكنّ “عودةَ الأمورِ إلى نصابِها” لن يطولَ انتظارُها.

هذا يَحْمِلُ، في ما وراءَ التشخيصِ المباشِرِ لنَمَطِ الشعورِ الغالبِ بزمنِ الوباءِ، على لزومِ الحذرِ والاعتِدالِ في تقديرِ قوّةِ الدفعِ إلى التغييرِ السياسيِّ الاجتماعيِّ التي يُحْتَمَل أن تنشأَ من محنةِ الوباء. ثمّةَ، ولا شكَّ، مصدَرٌ لهذا الدفعِ يتعدّى اختبارَ الشعورِ الراهنِ، وهو أطوارُ الأزْمةِ الموضوعيّةِ، الاقتصاديّةِ الاجتماعيّةِ، الناشئةِ من الوباء، أي ما هو باقٍ أو لاحقٌ من مفاعيلِه. فهذه أطوارٌ مجالُها مجتمَعاتُ الدُوَلِ ومستقْبَلُ العلاقاتِ بينَها، وهي لنْ تنقضي بانقضاءِ الوباءِ ولكنّ حديثَها يتعدّى نطاقَ هذه المقالة. وأمّا المحنةُ، بما هي محنةٌ أيْ خبرةٌ، فلن يكونَ لها، في تخميني، وقعٌ حاسمٌ أو بعيدُ المدى على سياسةِ المجتمعاتِ وتصوّرها لمستقبلها.

مَحَبّةُ الاعتباطِ والمَيلُ إلى الإطناب

وما دامت الحدودُ المرجَّحةُ لمفاعيلِ المحنةِ الذاتيّةِ هي هذه وما دامَ الحجْرُ محدوداً بالترسانةِ التي نوّهنا بها من وسائلِ العَمَلِ والخدمةِ والتواصُل (وهي كلّها وسائلُ تنتمي إلى مستقبلِ البشرِ أو ينتمي هذا المستقبَلُ إليها)، فما الذي يحمِلُ على الإطنابِ غيرِ الواقعيِّ في تقديرِ تلك المفاعيلِ وعلى بخْسِ هذه الترسانةِ حقَّها، أو بعضَهُ، في الأقلّ؟ ما الذي يحمِلُ على هذا التقريب اللجوج ما بين الإلزام بالحَجْرِ وعقوبةِ السجنِ المعروفة، فيما الاختلاف بينهما حاسمٌ كثيرُ الوجوه؟ أفترضُ أنّ الشعورِ بالحصارِ المتأتّي من انتشارِ عدوٍّ غيرِ مرئيٍّ يحتلُّ العالَمَ المحيطَ ولا تُحْصى أعدادُه، يتكاثرُ ضحاياهُ ولا يَخْلصُ من كَمائنه موضعٌ، له شأنٌ في هذا الأمر. ولكنّ معنى الشعورِ بالحصارِ هذا أنّ التعلّقَ بحرّيةِ التجوالِ والتجمّعِ أصيلٌ بقَطْعِ النظرِ عن وجودِ نفعٍ مادّيٍّ أو عمليٍّ للتجوالِ والتجمّعِ أو عدَمِه. ما يُسمّى التنزّهَ أو التسكّعَ في حيٍّ من مدينةٍ أو في ظاهرِ قريةٍ يتكشّف عن حاجةٍ يُعانِدها الحجْرُ وتُعانِده. وعندَ التأمّلِ، يتبيّنُ أنّ ما هو ألْزَمُ لإنسانيّتنا ليسَ العملَ ولا هو مواصلةُ الغيرِ بعُمومِ مَعْناها ناهيكَ بسدّ حاجاتنا المُفْردةِ من أمَسِّها بالرمقِ إلى أسماها، بحيث يكفي أن تبقى هذه الأشياء موفورةً لنا ليتحصّلَ بها رضانا بحالِ دنيانا. بل الألزمُ من هذا لأرواحِنا هو الاعتباط: أن نفعلَ ما لا تُلْزِمنا بفعلِه حاجةٌ معلومةٌ وأن نذهبَ إلى حيثُ لا طلبَ معيّناً لحُضُورنا: أن نَرْتجِلَ ما هو اعتباطيٌّ إذن ولا بأسَ أن يكونَ ما نفعلُه تلبيةً لدعوةٍ شائعةٍ في مُحيطِنا أو بعضِه ولا بأسَ أن يتحوّلَ ما ارتَجَلْناه إلى عادة. الاعتباطيُّ هو قُصارى ما هو إنسانيٌّ فينا والحؤولُ دونَهُ أو الردعُ عنه هو الأذى الأشملُ نطاقاً والأبعدُ غوراً يوقِعُه بنا شُعورناِ بالحصارِ والحَجْر.

وأمّا أن تتولّى وسائطُ منتميةٌ إلى المستقبلِ تلبيةَ ما هو مصنّفٌ على أنّه حاجةٌ أوّليّةٌ أو ضرورةٌ مقرّرةٌ، مخليةً هذه التلبيةَ من حواشيها الاعتباطيّةِ ثمّ لا يبدو ذلك محقّقاً لرضا المستفيدين فمعناه أنّ وعودَ المستقبلِ هذه قد لا تحمل إلينا سروراً وأنّ الحواشي التي نستغني عنها في الحصارِ إنَّما هي مَتْنٌ للطريقةِ الإنسانيّةِ في الحياة. فلعلَّ أشدَّ ما في هذه المحنةِ على عمومِ البشرِ تعميمُها صورةً مسبقةً جزئيّاً لعالَمٍ إنسانيٍّ مقتصَرٍ على ما تقرّرت ضرورتُه للعُموم، بعدما أخلِي من إمكان الارتجال والاعتباط.

أتكونُ هذه كلّها أقاويلَ تلْهِمُها ثقافةٌ برجوازيّةٌ صغيرة؟ نعم، بِفَخْر!

مِنْ قَبيلِ الاختتام: حالةٌ لبنانيّة

أقيمُ وزوجتي في شقّةٍ في رأسِ بيروت ولنا ابنتان مهاجرتان في الولايات المتّحدة. اتّبعْنا التعليماتِ المتّصلةَ بالوقايةِ والحجْرِ بقدْرٍ مرموقٍ من الانضباط. وفي حوزتنا ما سبقَ بيانُه من وسائطَ للتواصلِ القريبِ والبعيدِ ولاستحضارِ ما يلزمُنا لمـَعاشِنا اليوميّ. كلانا متقاعدٌ من مهنةِ التعليمِ وما لا نزالُ نمارسُه من عملٍ باتَ الحاسوبُ والإنترنتّ يمثّلان بنيته التحتيّة: لذا لم يشهد عملُنا اضطراباً أو تقطّعاً يُذْكَر في ما مرَّ من زمن الوباء. أقولُ إنّني افتقدت نزهتي اليوميّةَ في الحيّ وجلوسي في المقهى الذي لا أجالسُ فيه أحداً إلّا في النادر بل أواصلُ قراءةً أو كتابةً بدأتُها في البيت. أفتقد أيضاً سهراتٍ مُتَباعِدةً أستَمْتِعُ فيها بمُنادمةِ أصحابٍ لي. وقد عوّضنا المنادمةَ بالمهاتفةِ التي نتقاعسُ عنها عادةً، وهذا الإحجام المعتادُ يرَسِّخُه، في حالتي خصوصاً، مَقْتٌ عظيمٌ للهاتف.

حين أفكّرُ في ما أملتْهُ عليّ المحنةُ الحاضرةُ من تغييرٍ في مجرى حياتي اليوميّةِ ألتفِتُ (فَضْلاً عن استغراقي مع سائرِ آهِلي الكرةِ في ملاحقةِ المعطياتِ المتعلّقةِ بالوباءِ وأخبارِه المتضاربة) إلى هذه الأمورِ القليلةِ التي ردعَني عنها الحجْرُ أو فرَضَها عليّ. فلا أجدُها، للوهلةِ الأولى، مستأهلةً أن تُعَدَّ، هي أو الحَجْرُ نفسه، انقطاعاً أو انقلاباً في مجرى حياتي الأليف. ولكنّ هذا التقويمَ ما هو إِلَّا تقويمُ الوهلةِ الأولى فلا يصمُدُ لإمعانِ النظر. فالمقهى، على سبيلِ المثالِ، إنّما هو، بِخِلافِ مكتبتي المنزليّةِ وما لها من صفةٍ شِبْهِ مؤسّسيّةٍ توشك أن تحيلَني إلى موظّفٍ فيها، مكتبٌ اعتباطيٌّ لي أو هو بالأحرى، مكاتبُ تتعدّدُ بتعدّدِ المقاهي التي اتنقّل بينها دونَما نظامٍ أو موجِبٍ قطعيٍّ لهذا التنقّل. هذا وما جرى مجراه، أي الحؤولُ دُونَ الاعتباطِ، هو ما يفسّرُ استدخالي تجربةَ الحَجْرِ على أنّها محنةٌ وجوديّةٌ وتحوّلٌ في مبنى الزمنِ ومعناهُ لا يَحِدُّ من وطأتِه سوى الأملِ المعزّزِ بالتوقّعاتِ الراجحةِ في نهايةٍ له وشيكة.

غَيْرَ أنّ هذا الأمَلَ لا يُزَكّيهِ، في حالتي بما أنا فردٌ لبنانيّ، شعوري بمحنةٍ أخرى جاريةٍ من قبْلِ الوباءِ بزمنٍ بعيدٍ ولكنّها بلَغَت قُبَيْلَ ظهورِه طوراً يبدو مشْرِفاً على أفقٍ حالك. تلك هي محنةُ اللبنانيّين بنظامهم السياسيِّ الاقتصاديِّ (أو الاجتماعيِّ التاريخيّ، إنْ آثَرْنا الإحالة إلى البُعْدِ التكوينيَّ) وهي لم تَدَعْ وجهاً من وجوهِ حياتِهٰم إِلَّا طاوَلـتْه. ذاك هو المعطى الخليقُ، وهو يأخذُ بخناقنا، بفرضِ نفسِهِ على أنّه انقطاعٌ في مجرى زمنِنا وتغيّرٌ حاسمٌ في وَقْعِ الزمنِ علينا. وقد أظهرَتْ كثرةٌ من اللبنانيّين، في عشايا الوباءِ، شعورَها بهذا الانقلابِ: أظهَرَتْهُ في الساحاتِ وفي الشوارع…

وفي هَدْأةِ المَنْزلِ الذي استوى مَحْجَراً لي، رُحْتُ أشعرُ أنّ سكونَ الحيِّ والمدينةِ يجيزُ لي أن أفتَحَ مخيّلتي لأصواتِ أزيزٍ أو قرقعةٍ بدا أنّ جلَبةَ الساحاتِ والشوارعِ كانت تَكْتمُها، على نحوٍ ما. تلكَ أصواتٌ لوقائعَ تحصُلُ ولإجراءاتٍ تُتَّخَذُ تحتَ جِنْحِ الوباء. وهي، إذْ تَتَوالى، تَقْطَعُ على واحدِنا ما كان حسِبَهُ مسلكاً مفتوحاً أو مُمْكنَ الفَتْحِ في شعابِ ما يتطلّعُ إليه من مستقبلٍ لنفسِه وتُلْزِمُهُ بالتِماسِ ممكناتٍ أخرى لمُقْبِلِ أيّامِهِ إذا هي وُجِدَت. تـنْتَشِرُ تلك الأصواتُ في مخيّلتي مشابهةً أزيزَ خشبِ العَوارضِ المهترئةِ إذْ يتَسارَعُ تَفَسُّخُها في سقفِ كوخٍ مكتظٍّ، مغلَقٍ على ساكنيه وآيِلٍ إلى السقوط.

بيروت في أوائلِ أيّار 2020.

المدن

—————————————

“المرض الشافي”/ ساندي القطامي و خلود فهيم

سعى نظام الرئيس السوري بشار الأسد بشكل حثيث للإفادة من أزمة كورونا المتواصلة. وقد أظهرت تطورات عدة توالت منذ اندلاع وباء كوفيد-19 أن تفاؤلية النظام في هذا المجال في محلها بالفعل.

ففي أوائل آذار/مارس الماضي، فرض النظام إجراءات للحد من تفشي الفيروس، شملت حظر التجوّل وتعليق السفر الخارحي والتنقّل ببن المدن السورية. وفي الوقت نفسه، كانت السلطات تنفي أن يكون الوباء وصل إلى سورية، على الرغم من من أوجه التفاعل الكثيرة بين سورية وبين إيران، التي كانت البؤرة الإقليمية الرئيسة للوباء، وأيضاً على الرغم من ادّعاء بعض البلدان بأن الأشخاص الآتين إليها من سورية مصابون بالداء.

صحيحٌ أن النظام قيّد حركة المواطنين من وإلى منطقة السيدة زينب، وهي ضاحية دمشقية ومعقل الآلاف من عناصر الميليشيات الموالية لإيران. بيد أن ثمة تقارير أشارت إلى أن المقاتلين الإيرانيين واصلوا التدفق إلى سورية التي تعتمد بشكل كثيف على طهران في مجال المساعدة العسكرية، ولذا، لم تستطع دمشق فرض إجراءات لعزل الإيرانيين. أما بالنسبة إلى عدد الإصابات، فلم يعلن النظام السوري حتى الآن سوى عن 45 إصابة، مع أن مصادر مستقلة تعتقد أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

في الداخل، يبدو أن النظام يستغل الإجراءات الوقائية لتعزيز قبضته. وقد كشف موقع أمني إلكتروني مقره في الولايات المتحدة أن السلطات السورية زرعت برنامج تجسس في الهواتف الخلوية لمواطنيها بواسطة تطبيق للوقاية من كورونا. هذا التطبيق، الذي يدعى كوفيد-19 هو ثرمومتر رقمي يعمل كخدعة، فيما تتجسس البرمجية الخبيثة المشفرة (AndoServer) على المستخدم. ويُعتقد أن هذا التطبيق هو من إنتاج الجيش الإلكتروني السوري الذي ترعاه الدولة، والذي يقوم بعمليات قرصنة إلكترونية بدعم منها.

علاوةً على ذلك، قامت أجهزة أمن النظام بفرض رقابة مُشدّدة على المستشفيات ومراكز الفحص الطبي، وانتشرت عناصر المخابرات في مؤسسات في كل أنحاء البلاد لمراقبة الموظفين والمرضى وأي ملمح عن وجود حالات كورونا جديدة، سواء جاءت من المستشفيات أو عبر تبليغات شخصية. وعلى الرغم من مخاوف منظمة الصحة العالمية من تفشي الوباء في مختلف أرجاء البلاد، إلا أن الحكومة ليس لديها سوى مختبر واحد لإجراء الفحوصات مقرّه في دمشق. ومع أن سبب ذلك يُعزى إلى النقص في موارد الأدوات الطبية، إلا أنه قد يكون في الوقت عينه خطوة متعمّدة من السلطات لمركزة نشاطات الفيروس والروايات عنه.

استخدمت روسيا بدورها تفشي الوباء لتدعيم مواقعها في سورية. فهي أرسلت مؤخراً معدات طبية إلى دمشق، وأصرّ الرئيس بوتين في الأمم المتحدة على أن تدير دمشق وحدها إجراءات مواجهة كورونا. وهكذا، وعبر ترقية مساعداتها على هذا النحو، كانت روسيا تُعزّز مواقعها الإقليمية. إضافةً إلى ذلك، لطالما ضغط بوتين كي يكون الوجود الإيراني في سورية أقل حجماً، وفي هذا الإطار عمل القادة العسكريون الروس على استخدام أزمة كورونا لفصل القوات السورية، خاصة منها تلك المدعومة روسياً، عن الميليشيات الإيرانية. مثل هذا الفصل يجعل اليد العليا لروسيا على الأرض، ما يعزّز هدف بوتين الخاص بفرض سيطرة عسكرية روسية أكبر في سورية على حساب إيران.

على المستوى الإقليمي، يبدو أن فيروس كورونا بدأ يسهم بتوطيد العلاقات بين سورية وعدد من الدول العربية. وعلى الرغم من قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سورية فيها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ليّنت دول عدة مواقفها منذ ذلك الحين، ومن ضمنها الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. فقد اتّخذت بعض الدول العربية خطوات تدريجية ترمي إلى إعادة بناء العلاقات مع سورية، على ضوء عوامل عدة، مثل صعود المجموعات المتطرفة، وازدياد النفوذ الإيراني بشكل مطّرد، وانخراط روسيا في الحرب السورية، ومؤشرات على “انتصار” نظام الأسد الوشيك على المعارضة السورية.

في 27 آذار/مارس، أجرى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد اتصالاً هاتفياً بالأسد للنقاش حول وباء كورونا، مؤكّداً على دعم بلاده لسوريا، ومتحدّثاً عن الطبيعة الإنسانية للأزمة ونطاقها العالمي، ومشدّداً على أنها مناسبة لتخطي أي “خلافات سياسية” كانت قائمة بين الإمارات وسورية. وبالتالي، شكّل فيروس كورونا لبعض القادة العرب ذريعة لإعادة العلاقات مع سوريا إلى مجاريها. قد تكون هذه المبادرة التي اتّخذتها الإمارات، التي تتمتع بنفوذ كبير إقليمياً، أساسية لسورية وهي تحاول العودة إلى كنف الجامعة العربية.

قد تفيد أزمة كورونا أيضاً سورية على الصعيد الدولي. فقد دعت منظمة الأمم المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على كلٍّ من سورية وفنزويلا وإيران وكوبا وزيمبابوي للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل استجابة فعّالة لفيروس كورونا. لكن هذا الإجراء هو بمثابة رفع للإجراءات العقابية ضد نظام الأسد، ما سيسمح له بترسيخ حكمه أكثر، مع أن ثمة بعض العوائق التي تعترض عملية توطيد العلاقات بشكلٍ أوسع. فمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة اتّهمت النظام السوري بتنفيذ هجمات بالأسلحة النووية بحق مدنيين، فيما عقدت محكمة ألمانية الجلسة الأولى لمحاكمة ضابط سوري متّهم بتعذيب السجناء.

قد لا يحدث بالضرورة التطبيع الكامل للعلاقات بين سورية والمجتمع الدولي في المستقبل القريب، ولا سيما أن بشار الأسد حالياً تحت مجهر التدقيق العام بشكل متزايد. لكن وباء كوفيد-19 فتح أبواباً عدة أمام كلٍّ من النظام وروسيا لتعزيز نفوذهما على الأرض في سورية، ما يشي على الأرجح بأن تحقيق قبول أوسع لاستمرار حكم نظام الأسد لم يعد بعيد المنال كما كان في السابق.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

——————————-

====================

===================

تحديث 14 أيار 2020

——————————

الوضع المعيشي في دمشق يكسر الحظر/ كرم منصور

انقضى ما يقارب الشهرين على بدء حظر التجوال المسائي الذي فرضته حكومة النظام في سوريا، وما رافقه مع قرارات بإيقاف وسائل النقل الجماعي، ومنع التنقل بين المحافظات إلّا في حالات استثنائية، وإيقاف كثير من المؤسسات العامة والخاصة، وإغلاق المحال ما خلا محال الأغذية والصيدليات. وقد أفقدت هذه الإجراءات العاصمة دمشق كثيراً من صخبها، وخصوصاً مع منع الدخول إليها إلا لموظفي الصحة والعسكر، لتُسمَع فقط خطوات الجند وهي تكسرالهدوء في شوارع دمشق ليلاً.

أعادت هذه الظروف تشكيل شوارع العاصمة بطريقة لم نحظَ برؤيتها من قبل، على نحو يذكّر بصور المدينة في الستينيات، التي تباع كبطاقات بريدية وتظهر الجوانب العمرانية للشام. لكن الفارق أن الشوارع النظيفة الأنيقة في الصور، تبدو الآن ملوثة بالإسمنت العاري ومواد البناء الفوضوية، التي تجعلها تبدو مشوهة، خصوصاً مع انعدام الازدحام الذي يشكّل جزءاً من ذاكرتنا عن المدينة.

لا يمكن تذكر سوق الحميدية دون مشاهد الازدحام فيه، ولا يخطر في البال حي القيمرية دون بسطات الأنتيك المتواجدة أمام المحال فيه. الآن، مع تراجع الكثافة البشرية، توحدت ألوان جميع الأسواق المقفلة بألوان علم النظام الذي تم فرضه منذ نحو خمسة أعوام على جميع الواجهات، لتبدو أبواب المحال المغلقة خرساء إلاّ من ألوان العلم وبعض صور أعيان النظام أو قتلى قواته. سَحبَ الحظر أغلب التفاصيل من الشوارع والأسواق، وانتزع الحياة منها لتبقى الأعلام والصور، وتزيد من وقع حضور النظام الأمني في جميع شوارع المدينة.

وقد جاء الشلل الاقتصادي مترافقاً مع ارتفاع في الأسعار، وصل إلى 60 بالمئة وفق تقديرات رئيس قسم المصارف والتمويل في جامعة دمشق، الذي قدَّرَ الخسائر بما يزيد عن ألف مليار ليرة سورية شهرياً، وذلك في تصريحات لصحيفة الوطن السورية شبه الرسمية. وبغض النظر عن مدى دقة هذه التقديرات، إلا أنها تشير إلى أزمة كبيرة ستنعكس حتماً على شكل تدهور كبير في أوضاع السكان، وذلك في بلد يعيش نحو 83 % من سكانه تحت خط الفقر، بحسب أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.

العوز الاقتصادي الذي ضرب الجيوب، وإقفال عمل المؤسسات والجمعيات الخيرية التي كانت تسد جزءاً من حاجة الناس، إضافة إلى تقليص عمل مكاتب التحويل التي يأتي عبرها الدعم الذي يتلقاه كثيرون من أقاربهم في الخارج؛ كلّ هذه الظروف دفعت الناس إلى عدم الالتزام بالحظر، بعيداً عن أعين السلطات في حالات كثيرة، حيث انتقلت المحلات والمهن إلى البيوت أو إلى وراء الأبواب المغلقة، أو أجريت تعديلات على بعض المحلات التجارية، لتحتلّ بسطات المنظفات واجهات متاجر الملابس والأحذية والعطور والمكياجات، في سبيل تبرير فتح أبوابها أمام السلطات.

في حين كانت حرب ناعمة تُخاض بين أصحاب المصالح والمحلات للحصول على استثناءات، فبعد خمسة أيام على حظر التجوال، بدأت العديد من المحلات بالحصول على استثناءات من محافظة دمشق لكسر قرار الإغلاق، في حين أن كثيرين من الذين عجزوا عن الحصول على استثناءات كهذه، عمدوا إلى رفع الأَغلاق المعدنية عن واجهات محلاتهم، ثم علّقوا على واجهاتها الزجاجية لافتات مثل «مغلق بسبب الصيانة». هذه اللافتات موجهة للأجهزة الرسمية وليس للزبائن، مع دفع رشاوى لدوريات المحافظة بهدف غضّ النظر، في حين ينسلّ طالب الحاجة من الأبواب المفتوحة بشكل موارب إلى البائع ليشتري حاجته ويخرج. هكذا باتت عبارة «مغلق بسبب الصيانة» تأخذ معنىً ضمنياً عكسياً، وهو أن المحل مفتوح ولكن ليس أمام أعين دوريات التموين والمحافظة.

حالة القلق من أن يكون الفيروس قد انتشر في غفلة من السلطات، تحولّت بفعل العوز المادي إلى مطالبات برفع الحظر، ثم بدأت القرار الرسمية لتخفيف الإجراءات منذ 18 نيسان (أبريل) الماضي، حين تم تخصيص أيام تُفتح فيها الطرقات بين المحافظات ودمشق، وبعدها بعشرة أيام صدر قرارٌ بفتح الطرقات بين الأرياف والمدن، وكذلك بين دمشق وريفها.

ورغم ما قد تحمله هذه القرارات من مخاطر صحية، إلا أنها أثارت ارتياح كثير من سكان دمشق، نظراً لما كان يتسبب به تحديد الحركة من ضيق اقتصادي، فيما رأى آخرون فيها إرضاء للفعاليات الاقتصادية على حساب الصحة العامة. وعلى أي حال، انتهى شهر نيسان الماضي بقرارات قضت بعودة عمل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، وخطوط النقل العامة، مع الإبقاء على حظر التجول ليلاً ابتداء من مطلع شهر أيار (مايو) الجاري. كذلك أصدرت وزارة الأوقاف قراراً بفتح المساجد للصلاة يوم الجمعة منذ منتصف شهر رمضان، وكذلك بفتح الكنائس أيام الآحاد.

وكانت المنطقة التي شهدت أوسع انتشار للمرض هي منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، التي تشكل مقصداً أساسياً للزوار الشيعة ومقاتلي الميليشيات التابعة لإيران بتعدد جنسياتهم، حيث فرضت السلطات حظراً كاملاً عليها، ومنعت الخروج منها إلا لأسباب تقدرها نقاط المراقبة الموجودة على تخومها. وقد عملت السلطات على وسم أيادي الخارجين من منطقة السيدة زينب بأختام، بهدف تمييز الخارجين عبر المعابر الرسمية عن أولئك الخارجين خلسة، وهو الإجراء الذي تناولته وسائل إعلام محلية بالنقد اللاذع باعتباره إجراءً غير لائق، الأمر الذي دفع برئيس البلدية إلى الخروج على إحدى الإذاعات المحلية وإلغاء القرار، وتحميل المركز الصحي في المدينة مسؤوليته.

وأفردت وسائل الإعلام التابعة للنظام مساحات للحديث عن كورونا، حيث وضعت صحيفة تشرين الحكومية شعار «خليك بالبيت» على صفحتها الأولى، كما خصصت صحيفة الوطن صفحة كاملة لتغطية أخبار الوباء، كان معظمها لتسليط الضوء على القرارات الرسمية لمكافحته وحض ّالناس على التزام بيوتهم. في حين تناول الإعلام المرئي الخسائر الاقتصادية التي أصابت الغرب والولايات المتحدة الأميركية جرّاء الإقفال، مستضيفياً العديد من المحللين السياسيين للحديث في هذا الشأن.

بالمقابل مرّرت حكومة النظام العديد من القرارات التي تُقلّص الدعم الحكومي على مواد عديدة، حيث فرضت منذ منتصف نيسان قراراً بتوزيع الخبز عن طريق البطاقة الذكية، ما يعني حرمان شريحة كبيرة من الناس من شراء الخبز بسعره الرسمي، وهي شريحة المطلوبين أمنياً أو للخدمة العسكرية، الذين لا يستطيعون الحصول على بطاقة ذكية. قبل ذلك، كان قد تم حذف مادة الشاي من المواد المدعومة عبر البطاقة الذكية.

كذلك يبدو أن العجز الاقتصادي دفع الحكومة إلى رفع الدعم عن وقود المركبات التي تفوق سعة محركها 2000cc، وذلك بموجب قرار صدر في الرابع من شهر أيار الجاري، وشمل أيضاً كل من يملك أكثر من سيارة، وهو ما يعني أن على هؤلاء أن يشتروا المحروقات بضعف ثمنها لسياراتهم غير المشمولة بالدعم. وقد توجّه كثيرون إلى وزارة النفط للاعتراض والاستفسار، غير أن الوزارة تهرّبت من الإجابة بحجة أن المسألة من اختصاص شركة «تكامل» الخاصة.

تأسست شركة تكامل في العام 2016، ويرأس مجلس إدارتها مهند الدباغ إبن خالة أسماء الأسد، وهي الشركة المسؤولة عن أتمتة المواد المدعومة من قبل الحكومة، بعد أن ربحت المناقصة التي كانت بنودها سريّة، وهو ما أثار اتهامات حول الدور الذي تلعبه أسماء الأسد في اقتصاد البلاد، وخصوصاً بعد قرار إقالة وزير التجارة الداخلية عاطف النداف في العاشر من الشهر الجاري، وذلك بعد إعلانه إيقاف العقد مع شركة تكامل منتصف الشهر الماضي.

عند توجه أصحاب الشكاوى إلى مقرّ شركة تكامل في حي المزة فيلات غربية في دمشق، قابلتهم الأبواب الموصدة، مع لافتة مكتوب عليها «الرجاء عدم الإحراج والسؤال… مغلق حتى إشعار آخر»، ليصل المعترضون إلى نفق مسدود دون سماع شكواهم بعد تعطيل عمل بطاقاتهم الذكية.

بقيت  أخبار كورونا، ومعها أخبار البطاقة الذكية وتراجع الدعم الحكومي، هي المسيطرة على أحاديث الناس في دمشق، حتى خطفت فيديوهات رامي مخلوف الأخيرة الأضواء، وأصبحت هي المسيطرة على الأحاديث العامة. وخلافاً لما يمكن أن يدور خلف الأبواب المغلقة من أحاديث، فإن الأحاديث المسموعة في الشارع ضمّت رامي مخلوف إلى قائمة التجار الذين يستغلون الشعب، والذين يقع على عاتق السلطة محاسبتهم، دون التعرّض لنفوذ مخلوف الناتج عن قرابته للأسد، ولا علاقة أسماء الأسد بذلك.

وفي هذا السياق، نفّذ فرع أمن الدولة اعتقالات شملت العديد من الموظفين الإداريين المسؤولين عن جوانب مالية في شركة سيريتِل، اقتصرت على الاستجواب ليوم واحد فقط، لكن طريقة الاعتقال عبر مداهمة البيوت، والإشاعات التي تحدثت عن احتجاز أفراد عائلات بعض المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم، زادت من جو الترهيب في المدينة، وخصوصاً أن المعتقلين يعملون في شركة مرتبطة بالنظام، وأنهم معروفون بولائهم له.

الاعتقالات التي حدثت، وتوقف عدد من الموظفين عن العمل لأسباب مجهولة بحسب مصادر من داخل الشركة، أدت إلى خلق اضطراب في العمل الإداري، فأوقفت الشركة جميع الأقسام المتعلقة بالصيانة حتى إشعار آخر، فيما تمّ تحويل معظم الموظفين للعمل في منازلهم، والقسم الآخر يعمل في مركز الشركة الرئيسي على أوتستراد درعا دمشق، مع تجاهل تام لأي حديث بخصوص الفيديوهات أو مصير الشركة، ما فرض جواً من الترهيب جعل الجميع يتحاشون الإشارة للموضوع خلال ساعات العمل بحسب ما أفادنا المصدر

ترافقت كل هذه الظروف مع هبوط حاد لليرة السورية أمام الدولار الأميركي، حتى سجلت 1560 ليرة للدولار الواحد. وإذا كانت آثار هذا الهبوط لم تؤثر بشكل كبير على الأسعار حتى الآن، فإن ذلك ربما يرجع إلى إغلاق الحدود مع لبنان، وتوقف معظم عمليات الاستيراد والتصدير نتيجة إجراءات كورونا، غير أن هذا الهبوط سيفرض نفسه مباشرة على الأسعار بمجرد فتح عمليات الاستيراد والتصدير ونقل البضائع.

خلال شهرين من الحظر، مرّرت حكومة النظام قرارات عديدة تضمّنت تراجعاً في دعم السلع الأساسية، واختبر السوريون الحجر الصحي، فأدركوا أنهم لا يستطيعون الالتزام به بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، مفضّلين المخاطرة بالعدوى على الاقتراب من الموت جوعاً. وقد اعترف رأس النظام بهذه المعادلة صراحةً في خطابه في الرابع من الشهر الجاري، عندما قال: «العَوَز حالة مؤكدة وليست محتملة، أما حالة المرض فهي احتمال. ونتائج الجوع محسومة سلفاً، أما نتائج الإصابة بالمرض فليست محسومة، لأن النسبة الكبرى من المصابين قد تشفى».

هكذا وضع الأسد السوريين أمام خيارين، الموت جوعاً أو احتمالية الموت مرضاً، ليختاروا الأقل سوءاً، أو ربما ليختاروا أي شكل من الموت يفضلون.

موقع الجمهورية

—————————-

متى تعود الحياة إلى طبيعتها؟/ بكر صدقي

مضى أكثر من شهرين على التدابير الوقائية التي نعيش في ظلها في تركيا، وتتفاوت هذه المدة بين بلد وآخر بالارتباط مع بدء ظهور الإصابات بالعدوى في كل منها. إنها شروط قاسية للعيش لا يمكن للإنسان السوي أن يعتاد عليها. يشبه الأمر، إلى حد ما، أن تطبق حال الطوارئ على بلد اعتاد سكانه على الحياة في ظل حياة سياسية واجتماعية «طبيعية» إذا جاز التعبير على مدى أجيال عديدة. أما في بلدان مثل بلدي سوريا فقد نشأت أجيال في ظل حال الطوارئ فلم تعرف شكلاً آخر للحياة خارج تلك المظلة القاسية.

فهل يمكننا القياس على الحالة السورية لنقول إن البشر سيعتادون، مع الزمن، على العيش في ظل تدابير استثنائية كما هي الحال الآن؟

لا شيء يقينياً، إذن، مع وباء كورونا. فها هي منظمة الصحة العالمية تعلن تشاؤمها بشأن احتمالات إيجاد لقاح، بعدما كانت أخبار تصدر من مختلف البلدان حول احتمال إيجاد اللقاح المأمول في الخريف القادم أو قبل نهاية العام. هذا يعني أن الأفق ما زال قاتماً بشأن عودة الحياة إلى طبيعتها. نعم هذه هي الجملة الأكثر إلحاحاً منذ بعض الوقت، سواء في تركيا أو في البلدان الأخرى. متى يمكن للحياة أن تعود إلى طبيعتها؟ أم هل علينا الاعتياد على ما يصعب الاعتياد عليه، وتحمل ما لا يمكن تحمله؟

ليتسنى لنا التفكير في هذا السؤال يمكننا أن ننطلق من فرضية معاكسة: لنفترض أنه تم القضاء على انتشار الوباء، ولم تعد تسجل أي إصابات جديدة على المستوى الكوني. فهل يعني ذلك أن «الحياة ستعود إلى طبيعتها؟» أي كما كانت قبل بداية الوباء؟ أم أن الخوف من عودة الوباء أو ظهور وباء فيروسي جديد سيغير كثيراً من سلوكيات البشر وعاداتهم الراسخة؟ من جهة أخرى هل يعود النظام العام إلى وضعه السابق قبل الوباء أم سيتعرض لتغييرات شهدنا طلائعها أثناء انتشار الوباء؟

هناك عدد من العناوين لتغييرات كبيرة في قطاعات معينة من المتوقع ألا تعود إلى ما كانت عليه بعد الآن، ربما كان قطاع التعليم أبرزها. فمنذ شهر شباط، في الحالات المبكرة، ومنذ شهر آذار في أغلب البلدان المنكوبة بالوباء، توقف الدوام في المدارس بمختلف مراحلها، واستعيض عنها بالتعليم عن بعد الذي من المحتمل أن يكون الشكل السائد للتعليم في المستقبل. ومع تمرس المعلمين والطلاب على هذا الشكل من التعليم عن بعد، قد لا يحتاج الأمر إلى العودة إلى الشكل التقليدي، فيكون ذلك بمثابة وضع مناسب لتجنب المخاطر الوبائية المحتملة من غير أن تتعطل العملية التعليمية.

لكن المدرسة ليست فقط وسيلة للتعلم، بل هي، أيضاً وقبل ذلك، مؤسسة اجتماعية يتدرب فيها الأطفال والشباب على الانخراط في المجتمع ويكتسبون خبرات اجتماعية لا يمكن توفيرها في البيت أي في الإطار الأسري الضيق. التعليم عن بعد، من هذا المنظور، هو تغيير كبير يمس تكوين الأفراد منذ مراحل مبكرة من أعمارهم، وهو ما سينعكس على بقية حياتهم، والحياة الاجتماعية بعامة.

من ناحية أخرى، من شأن الانتقال النهائي والشامل إلى نظام التعليم عن بعد أن تقتصر الحاجة إلى المعلمين على عدد محدود منهم، وهو ما يعني الدفع بأعداد كبيرة منهم إلى البطالة. هذا تحد اقتصادي اجتماعي كبير أمام الحكومات. أما المحظوظون منهم الذين سيقومون بوظيفة التعليم عن بعد فسوف يفتقدون إلى خبرات ثمينة يحتاجونها في التعامل مع الطلاب بصورة مباشرة، فالمعرفة الشخصية بالطلاب والتعاطي المباشر معهم تساعد المعلم على تحديد الأسلوب المناسب لنقل المعارف إليهم ومعرفة نقاط ضعفهم ونقاط قوتهم وغير ذلك من الميزات التي لا يمكن للتعليم عن بعد أن يتيحها.

ليس هذا وحسب، فمع تقدم الوسائل التكنولوجية أكثر سيكون بالإمكان الاستغناء، تدريجياً، عن المعلمين واستخدام وسائل غير بشرية في تلقين الطلاب المعلومات والمهارات التي يحتاجون إليها. ومن المنظور الاقتصادي هذا الشكل من التعليم سيكون أقل كلفة على ميزانيات الدول فضلاً عن زوال الفروقات الشخصية بين المعلمين لمصلحة «معلم وحيد» هو المعلم العام من منتجات التكنولوجيا الحديثة منزه، فوق ذلك، عن الخطأ البشري، مقابل اختفاء مهنة التعليم ورفد جيش العاطلين عن العمل بأعداد إضافية ممن احترفوا هذه المهنة في السابق.

لا تقتصر التغييرات التي جاء بها وباء كورونا إلى حياتنا على ميدان التعليم، فهناك ميادين كثيرة من حياة المجتمعات شهدت تغييرات من هذا النوع كلما كان ذلك ممكناً بفضل التطور التكنولوجي، فالحكومات التي صارت تعقد اجتماعاتها بواسطة تقنيات الاتصال الحديثة، ومثلها إدارات الشركات والمنظمات الأخرى الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية، لا شيء يجعلها تعود إلى الشكل التقليدي من تلك الاجتماعات ما دام سيف الأوبئة المحتملة مسلطاً. ومن المحتمل أن يحتل التسوق والتسويق الالكتروني حصة أكبر باطراد من حجم التداولات الإجمالي.

على رغم كل التغيرات المذكورة، وغيرها مما يفيض عن المساحة المتاحة لهذه المقالة، يبقى أنها لن تشمل إلا أقلية صغيرة من المجتمع. أما سائر المجتمع الذي يحتم عليه طبيعة أعماله وأنشطته البقاء في السيستم التقليدي، فسوف يكون عرضة للأوبئة المحتملة أكثر من الأقلية المحظوظة، فضلاً عن انتفاء الحاجة إلى قطاعات غير قليلة من العاملين في مجالات عديدة.

هذا منظور متشائم لا أحبه. بل أرغب بالمشي في الشارع بلا كمامة، وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء في مقهى، ومشاهدة فيلم في عتمة صالة السينما، واصطحاب أولادي إلى نزهة في الهواء الطلق.

هل يعقل أننا فقدنا كل هذه المتع الصغيرة التي تشكل بمجموعها جوهر الحياة؟

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

الحجر الصحي في سوريا..حشرات وأوساخ وشخصان في كل غرفة

اشتكى الممثل خالد القيش والمخرج تامر إسحاق، وعدد من السوريين الذين وُضعوا في الحجر الصحي بالمدينة الجامعية بدمشق، بعد عودتهم من الإمارات مؤخراً، من تدني الرعاية الصحية والطبية التي يفترض توافرها بالحد الأدنى في أي من مراكز الحجر الصحي المنشأة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد.

وتداول ناشطون سوريون وصفحات سورية موالية ووسائل إعلام محلية، تصريحات ومنشورات لإسحاق والقيش، أوضحا فيها أنهما كانا من بين 271 سورياً عادوا إلى سوريا من الإمارات، ونقلوا على الفور إلى مركزٍ للحجر الصحي، يتواجد فيه عشرات السوريين الذين عادوا من روسيا والسودان قبل فترة، ومعهم في الحجر حشرات كثيرة وقلة تعقيم وانعدام نظافة.

وقال القيش في منشور عبر حسابه الشخصي في “فايسبوك” أن “مركز الحجر الصحي في المدينة الجامعية يشبه كل شيء إلا الحجر”، منتقداً غياب التعقيم والتنظيم أيضاً. أما إسحاق فقال: “اللي اخد قرار يرجع عالبلد بهالفترة ومسجل بسفاراتنا بالخارج من اجل العودة وناطر يطلع اسمه بالرحلات القادمة. عدوا للـ10 قبل العودة. الحظر الذي قمت به خلال شهرين ستخسره خلال ساعات من أجل صحتك وكرامتك فكّر، وللحديث تتمة”.

وأكمل القيش في حديث لإذاعة “شام إف إم” الموالية: “المكان غير مناسب للحجر الصحي ولا يوجد أي فصل أو تباعد بين الأشخاص وهناك شخصان أو أكثر في كل غرفة كما يوجد أشخاص من عدة دول. المفروض أننا بحجر صحي ولكن هذا بالاسم فقط ونحن لا نتحدث عن الديكور والأثاث الخاص بالغرف ولكن المرافق العامة غير مناسبة للأشخاص الموجودين وخاصة كبار السن وليس هناك أي تعقيم في المدينة”.

وأشار القيش إلى أن الوضع سيء ولم يأت أي شخص ولم تتحرك وزارة الصحة أو تتخذ أي إجراءات، مضيفاً: “أتمنى أن يكون هناك تحرك وتعامل أفضل مع هذا الوباء، خاصة أنه حتى الآن لم يتم إجراء أي فحص للواصلين. نحن في خطر حقيقي بحاجة لتداركه لمنع انتشار الوباء”. بينما قال مدير المدينة الجامعية بدمشق أحمد واصل في تصريحات صحافية: “تم تجهيز الوحدة 20 كمركز للحجر الصحي بما يتوافر لدينا من أثاث، وعقّمت أكثر من مرة”، مضيفاً: “ما قاله الفنان خالد القيش محق والمرافق العامة لا تصلح لكبار السن ونطالب بالتدخل من قبل وزارة الصحة والاهتمام بهذا الموضوع”.

ورغم ذلك، هاجمت صفحات موالية مرتبطة بأجهزة المخابرات السورية، تلك التصريحات، واتهمت الموجودين في مراكز الحجر الصحي بتشويه مراكز الحجر الصحي بشكل متعمد، وهي الطريقة نفسها التي تم فيها التعامل إعلامياً مع القضية التي تتكرر منذ شهر آذار/مارس الماضي، على اختلاف مكان مركز الحجر الصحي فقط، وتحديداً مركز الحجر المروع في منطقة الدوير بريف دمشق.

كما وجه الموالون للنظام انتقادات حادة للقيش تحديداً، بوصفه “واجهة إعلامية للبلد” ولا يجب عليه، وفق هذا المنطق الأعوج، توجيه الانتقادات التي تضر بـ”سمعة المدينة الجامعية”. وعلق القيش على ذلك بالقول: “المدينة الجامعية جزء من ذاكرتي التي اعتز بها، وأتمنى أن يتحسن السكن الجامعي لأنه لم يطرأ عليه أي تغيير منذ 17 عاماً عندما كنت طالباً فيه، والقصد من منشوري هو تسليط الضوء على الخدمات المقدمة من قبل وزارة الصحة وضرورة التنسيق مع المعنيين لتوفير سبل الوقاية من جائحة كورونا والاهتمام أكثر بالمراكز الصحية”.

والحال أن جميع السوريين بلا استثناء، يعرفون الحالة الكارثية للسكن الجامعي في البلاد، حيث تنتشر قصص المدينة الجامعية والحياة غير الصحية فيها، منذ عقود. وكتب أحد المعلقين على سبيل المثال: “خلي هالناس تشوف معاناة الطلاب بالسكن وكيف عم يتحملوا يقعدوا فيه سنين. يعني والله عيب يسموا هيك مكان حجر صحي”، فيما قال آخرون أن هذا الوضع متوقع ولا يجب أن يحدث صدمة ومفاجأة، لأن جميع الدوائر الرسمية تتمتع بالمستوى المتواضع نفسه من النظافة.

يذكر أن حكومة النظام السوري أعلنت عن 48 إصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد، نتج عنها حالتا وفاة، فيما تقول منظمات حقوقية وإعلامية عالمية، أن عدد الإصابات قد يكون أكبر من ذلك بكثير، في وقت أثارت فيه حكومة النظام الجدل مجدداً، بسماحها بفتح المساجد والكنائس، أيام الجمعة والأحد على التوالي، رغم أن هذه الخطوة تتعارض مع إجراءات منع التجول الجزئي التي تفرضها حكومة النظام في مناطق سيطرتها.

المدن

——————————-

14 يوم ذل..أهلاً بعودتك إلى سوريا/ نور عويتي

14 يوم ذل..أهلاً بعودتك إلى سوريا العائدون اشتكوا من الآلية من الوصول الى المطار حتى داخل مراكز الحجر الكارثية (سانا)

خلال أزمة كورونا، كانت سوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تغلق حدودها أمام مواطنيها، من دون أن تهتم بمصير رعايها من طلاب وسياح وعاملين في الدول الأخرى؛ الأمر الذي عرّض النظام السوري لانتقادات حادة من قبل مؤيديه في الداخل والخارج.

الانتقادات هذه دفعت النظام السوري لإصدار قرار في أواخر نيسان/أبريل لاستقبال طلبات المواطنيين الراغبين بالعودة  عن طريق التواصل مع السفارة أو القنصلية السورية في بلد الإقامة، لتنسيق الإجراءات المناسبة لعودتهم عن طريق مطارات دمشق وحلب واللاذقية، بشرط أن يخضعوا لحجر صحي إلزامي ومجاني تتكفل به الدولة لمدة 14 يوماً، على أن يتحمل المواطن تكلفة تذكرة السفر.

خلال الأيام الماضية، سجل مطار دمشق الدولي أولى رحلات العودة تلك، وعملت وسائل إعلام النظام على تصدير صورة برّاقة للإجراءات المتبعة، حيث صورت مراكز الحجر كفنادق ومنتجعات سياحية، مؤمنة بكافة المعقمات والمستلزمة الصحية، وتم تصوير الأطباء وهم يستقبلون العائدين على مدرج الطائرة، ورُصدت عملية تعقيم حقائب المسافرين.

إلا أن تلك الصورة البراقة  تم تحطيمها بالكامل حين ضج الشارع السوري بالصور والتصريحات التي نشرها كل من الممثل خالد القيش والمخرج تامر إسحاق عن الوضع المزري للحجر الصحي الذي تم وضعهما فيه إثر عودتهما من الشارقة؛ إذ تم الحجر على أكثر من 380 شخصاً قادمين من بلدان مختلفة (إمارات، السودان، روسيا) في وحدة من السكن الجامعي لطالبات الطب في منطقة المزة في العاصمة دمشق، وهو ما ساهم باختلاطهم ببعضهم البعض من دون أن يخضعوا لفحص طبي. وهذه الوحدات السكنية لم يتم تنظيفها وتعقيمها، فهي مليئة بالقذارات والحشرات، ويتشارك فيها كل شخصين أو ثلاثة بغرفة واحدة، ويتشارك كل 70 شخص بحمام واحد مشترك.

الانتظار الطويل

وفي محاولة لفهم آلية سير رحلات إعادة المسافرين، تواصلت “المدن” مع مواطن داخل أحد مراكز الحجر الصحي، كان مقيماً في سلطنة عمان. وقال المصدر: “تواصلت مع السفارة السورية عن طريق الإنترنت، وتم تحويلي لتعبئة استمارة تتضمن تعهداً بالالتزام بالحجر الصحي لمدة 14 يوماً ودفع كافة تكاليف السفر، وتضمنت الاستمارة سؤالاً عن المحافظة التي أعيش فيها في سوريا، ليتم اختيار مركز حجر صحي فيها، من دون أن تقدم السفارة أي معلومات إضافية عن مركز الحجر”.

وأضاف أنه “خلال الرحلة الجوية لم يتم تقديم أي من المشروبات أو الأطعمة. وعندما وصلت الطائرة إلى مطار دمشق الدولي تم إرغامنا على الانتظار في الطائرة حتى وصول الباصات التي ستقوم بنقلنا إلى مراكز الحجر، ودام انتظارنا ما يقارب ثلاثة ساعات. وبعد أن وصلت الباصات تم توزيعنا عليها وأقفلت علينا، وجلسنا بها قرابة ثلاث ساعات بانتظار قرارات الفرز على مراكز الحجر الصحي وأمر التحرك”.

وتابع: “مكثنا في الباصات ساعات إضافية، ولم يوفروا لنا طعاماً ولا حتى ماء، ومُنعنا أيضاً من مغادرة الباص لدخول الحمام، رغم أن بعض الركاب كانوا من المسنين ولديهم ظروف صحية خاصة. وقبل الإنطلاق باتجاه مركز الحجر الصحي أخبرنا السائق أنه تم فرزنا إلى مركز حجر صحي في حمص، واعترض عدد كبير منّا على ذلك، إذ قمنا باختيار دمشق في الاستمارة مسبقاً، ولكن لم يستجب أحد لأسئلتنا”.

بيئة لنشر الفيروسات

كانت الأمور حتى تلك اللحظة لا زالت مقبولة إلى حين الوصول إلى مركز الحجر الصحي ليكتشف العائدون شكل المكان الذي سيقضون الحجر الصحي داخله. وتابع المصدر: “عندما وصلنا إلى مركز الحجر الصحي، وشاهدنا وضعه المخزي من الخارج امتنع الكثيرون عن النزول إليه، فلجأ عناصر الأمن للعنف اللفظي والجسدي لإدخالنا إليه. وبعد أن ازدادت المهاترات على باب المركز، تدخل موظف من وزارة الصحة ليخبرنا بأن الوزارة ستقوم بفحصنا فور دخولنا إلى المركز، ومن يثبت عدم إصابته بالفيروس سيُطلق سراحه. لذلك دخلنا إلى المركز، وانتظرنا ساعات حتى وصلت حقائب السفر الخاصة بنا، ولم نخضع حتى اليوم لأي فحص طبي”.

ويبدو أن مراكز الحجر الصحي المجهزة لاستقبال العائدين إلى سوريا هي بيئة لنشر الفيروس أكثر منها للوقاية منه؛ فبالإضافة لخلوها من أي معدات صحية وطواقم طبية تضمن سلامة المحجور عليهم، لم يتم تزويدنا بأي كمامات ومعقمات ومواد تنظيف. كما لم تتم مراعاة الظروف الصحية الخاصة لأصحاب الأمراض المزمنة والمسنين، ولم تؤمن لهم الأدوية اللازمة لهم.

وأبلغت إحدى العائدات من الخارج، والتي فضلت عدم ذكر اسمها، “المدن”: “أنا مصابة بداء السكري وأحتاج إلى دواء الأنسولين بشكل يومي. كنت قد جلبت معي من الإمارات عدة عبوات في حافظة مبردة، ولكن الرحلة استغرقت 17 ساعة مما جعل الثلج في الحافظة يذوب، وقمت بإخطار المسؤولين في المركز عن حاجتي لثلاجة لحفظ الدواء عندما تفاجأت بعدم وجود ثلاجة صغيرة في الغرفة، ولكنهم لم يبالوا بالأمر”.

وتابعت متحدثة ل”المدن”، من المدينة الجامعية في منطقة المزة التي تحولت الى مركز حجر صحي، “كما أنهم لم يسمحوا لي بالخروج لاستلام عبوات أخرى من أقربائي الذين يعيشون بذات المدينة وتواصلت معهم وشرحت لهم ما يحدث”.

التعايش مع الحشرات

ولا تقتصر المشاكل في مراكز الحجر الصحي على الإهمال الشديد وعدم المبالاة، بل الأمر يتعدى ذلك من خلال بعض الإجراءات التي يتخذها القائمون على هذه المراكز بحق العائدين، والتي تجعلهم يشعرون بأنهم داخلون إلى سجن.

ومن هذه الإجراءات أن السلطات تقوم بفصل العائدين فور وصولهم إلى قسمين، رجال ونساء، ويرسلون الرجال إلى مركز والنساء إلى مركز مختلف، ويفصلون بذلك العوائل عن بعضها البعض، حتى أن بعض المسنين اشتكوا ل”المدن”، من عدم وجود من يهتم بهم بعد فصلهم عن عائلاتهم.

وفي هذه المراكز المقسمة على أساس الجنس، كما السجون، يتوجب على المواطنين المحجورين القيام بتنظيفها والتعايش مع الحشرات الموجودة في كل مكان فيها.

ويبدو أن النظام اكتفى بتسيير بعض رحلات العودة، فيما أهمل العديد من طلبات العودة. وقالت طالبة سورية تدرس في الهند، إن طلاباً سوريين حاولوا التواصل مع السفارة منذ بداية أزمة كورونا للعودة، ولكن السفارة لا تستجيب.

وقالت: “اليوم نحن مجبرون على العودة، حيث أخلي السكن الجامعي من جميع الطلاب المقيمين فيه، عدا الطلاب السوريين، وأمهلتنا الجامعة أسبوعاً لإخلائه قبل أن تغلقه بشكل تام. وإلى اليوم لا يوجد طريق للعودة، على الرغم من اعتراف السفارة باستقبال طلبات عودة من 591 مواطناً سورياً في نيودلهي، فكيف لا تتوافر رحلات جوية لهذا الأرقام الكبيرة!”.

المدن

————————-

 كورونا اليوم التالي… عالم جـديد شجاع؟/ سعيد محمد

التفاؤل الليبرالي المفرط، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، بنهايةٍ هادئة للتاريخ يتجه معها العالم إلى التوحد في ظلّ تزاوج أنموذج الديمقراطيّة الغربيّة مع التقدّم التكنولوجي المطرّد، كان قد شرع بالتلاشي منذ بعض الوقت. لكنّ ثمّة شبحاً ينتاب العالم اليوم ويهدد بتسريع أعمال التاريخ وإنهاء الحالة الليبراليّة الخاوية بهياكل القوى والمفاهيم القديمة المرتبطة بها خلال أسابيع: شبح فيروس كورونا. إنه ــــ غرامشياً ــــ عالم مات قديمه، ولمّا يولد جديده بعد. ستكون فوضى ووحوش وأوقات مظلمة. لكن اليقين الوحيد في هذه الحالة السائلة بين العالمين أنّ ما بعد كورونا لن يشبه ما قبله حتماً، وأن الآتي قد يتأهل لمستوى الحدث (الفلسفيّ) فيخلق – بثمن باهظ – منطقاً (ثوريّاً) جديداً لنظام الأشياء، ربّما يكون انتقالاً بالبشريّة إلى حقبة زمنيّة جديدة تماماً.

ربّما كان فرانسيس فوكوياما – الكاتب الأميركي ذو الأصل الياباني – صاحب النظريّة المتفائلة بشأن نهاية ليبراليّة للتاريخ (انظر كتابه The End of History and the Last Man – 1992) أوّل الضحايا المعنويين لفيروس كورونا بعد تسربه من بؤرته المعلنة الأولى في ووهان الصينية وتحوّله إلى وباء عالمي. الرجل الذي كان قد رسم شكلاً للعالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 تتجه معه البشريّة بتؤدة نحو نوع من التوّحد في ظلّ تزاوج أنموذج الديمقراطيّة الغربيّة مع التقدّم التكنولوجي المطّرد، لم يهنأ كثيراً بمكانة النبي الجديد في أروقة واشنطن. إذ شرع عالمه الموهوم بالتلاشي متلقياً الصفعة تلو الأخرى منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، واستعادة روسيا المنهكة أنفاسها تدريجاً وعودتها إلى ملعب القوى الأممي، وصعود الصين كقوّة عالميّة فاعلة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا، وسقوط نخبة واشنطن ـــ المركز الرأسمالي العالمي ـــ في العمى الاختياري لمشروع تمديد هيمنة القلّة على حساب الأكثريّة داخل الولايات المتحدة وعبر القارات استناداً إلى محض القوّة الغاشمة، كما العودة المزعجة لنماذج متطوّرة من الفاشيّات الشعبويّة إثر الأزمة الماليّة العالميّة في 2008 وتفاقم الفجوة الاقتصادية بين الأثرياء الذين يملكون كل شيء وبقيّة البشر، الأجراء والفقراء والمعدمين. تلاشٍ أشبه بوقائع احتضار بطيء معلن شاهده الملايين حيّاً على الشاشات حول المعمورة: الحرب على العراق، استعادة روسيا للقرم، الثّورات الملونة، حصار إيران وروسيا وفنزويلا ونيكارغوا، صمود سوريا الأسطوري في وجه الحرب الأميركية من الجيل الرابع والخامس، تعملق الصين الجديدة وشروعها الواثق في بناء استعادة مكانتها الإمبراطورية العالميّة، بريكست بريطانيا وعقم النظام السياسي البالي فيها، انكفاء الاتحاد الأوروبي، شلل فرنسا، إفلاس اليونان واستعبادها، صعود الفاشيّة الشعبويّة الجديدة في تركيّا وإيطاليا والبرازيل والهند وأوروبا متوجاً بانتخاب دونالد ترامب، والفشل الذّريع والنهائي لليسار الغربي في تقديم ولو وهم بديل مقنع عن فجور الرأسماليّة، كما انكشاف كذبة العملية الديمقراطية برمتها بعد فضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، والسقوط المدوي لخدعة تعدد السلطات.

احتضار عالم فوكوياما البطيء تسارع على نحو غير مسبوق خلال أيّام قليلة أو أسابيع ـــ بحسب مكان عيشك ـــ بعدما انتاب العالم اليوم شبح (باستعارة افتتاحيّة مانيفستو ماركس – إنجلز) يهدد بتسريع أعمال التاريخ وإنهاء الحالة الليبراليّة الخاوية بكل هياكل القوى والمفاهيم والعلاقات القديمة المرتبطة بها: شبح فيروس كورونا. تماماً كما كانت البشريّة عشيّة ثورات أوروبا في 1848 (عندما كتب ماركس ورفيقه بيانهما الشيوعي)، أو في عام 1941 على بوابة كارثة الحرب الكونيّة الكبرى، فإن أجواء الفوضى وعدم التيقن هي سيّدة الموقف بلا منازع: حكومات ودول عريقة وأخرى كرتونيّة تجد أنها بلا حول ولا قوّة في مواجهة وباء قاتل، مليارات البشر يخضعون لعزل منزلي طوعيّ أو إجباري، سياسة معولمة للعزل الاجتماعي الفردي وعبر الحدود والمقاطعات، تحولات جذريّة في أشكال العمل والتعليم والاجتماعات والعمل الحكومي وإدارة المصالح التجاريّة والماليّة، جمود شبه كليّ في حركة الطيران المدنيّ وموت سريري للسياحة، انتصار شبه تام لمؤسسة الرقابة والسّيطرة، تأميم لقطاعات حيويّة أو ميزانيات فلكيّة لشراء الوقت وتأجيل الفوضى الاقتصادية والاجتماعيّة التي تقف على الأبواب، هلع وتقاتل لتخزين المواد الاستهلاكيّة الأساسيّة، دول مارقة – بالمفهوم الليبرالي – تنهض بأدوار قوى عظمى إنسانية قادرة على مواجهة شبح كورونا، بل ومدّ يد العون إلى شعوب طالما شاركت في العداء المتأمرك ضدّها، أنظمة قروسطيّة في الخليج العربي على وشك الانهيار، ومع ذلك ما زالت تعيش خارج الزمان متمسكة بنهج العدوان والعداء لشعوب الإقليم… إنه ـــ غرامشياً ـــ كما عالم مات قديمه، ولمّا يولد جديده بعد، وستكون فوضى ووحوش وأوقات مظلمة.

عالم مات قديمه

صاغ الأميركيّون بشكل منفرد تقريباً شكل عالم ما بعد الحرب العالميّة الثانية (1939 – 1945) على أساس تصعيد هيمنة نخبة واشنطن كأداة لحماية المشروع الرأسمالي على حساب سيادة الدول الوطنيّة والقوميّات المحليّة، فيما أسماه البعض بالعولمة. لكن المؤسسات التي كان يفترض أن تدير تلك العمليّة (البنك الدوليّ وصندوق النقد الدّولي والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالميّة) قد فشلت فشلاً ذريعاً بعدما تحولت بسفور إلى أقنعة للسياسة الأميركية من دون تحقيق أي اختراق حقيقي لمصلحة المجموعة البشريّة: لا بشأن الفجوة الاقتصادية بين الطبقات وبين الأمم، أو في مواجهة أزمة المناخ، أو حماية الغطاء المائي للأرض أو إدارة تكنولوجيا الاتصالات أو في التعامل مع موارد الطاقة، أو الإفادة الشاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء. ورغم اتّساع نطاق رصيد العقول المتعلمة التي يمكن أن تسهم في تشكيل الواقع إلى حوالى 6 مليار من البشر (مقارنة مثلاً بـ 600 مليون منهم وقت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918)، وتضاعف سرعة نقل المعارف بشكل انفجاري، وتعدد موارد الطاقة، فإن مراكز القوى وظّفت كل ذلك حصراً في التمكين لمزيد من هيمنة الـ1% ودائماً على حساب الـ 99%… لنجد أنفسنا اليوم – في قارب كوكبنا الوحيد – بلا حول ولا قوّة في مواجهة عاصفة وباء بفيروس غير معروف سابقاً، كأنه نمل يأكل من منسأة الحكيم سليمان لتنبئنا بموت خفنا أن نراه آتياً لمنظومة الهيلمان والطغيان.

وضى ووحوش وأوقات مظلمة

تحوّل معظم البشر في برهة قصيرة إلى مراقبة عداد الإصابات (المعلنة) والوفيات المرتبطة بالوباء المستجد بدل مؤشرات البورصات العالميّة وأسعار النفط والعملات. وتحولت أروقة المستشفيات في بعض مدن العالم إلى مشاهد ديستوبيّة مثيرة للهلع، وانقلب نظام العيش اليومي المألوف لأغلبيتهم في يوم وليلة. توقفت عجلة الاقتصاد، وفقد كثيرون موارد رزقهم المحدود أصلاً، أو أرسلهم مالكو المصالح والأعمال في إجازات مفتوحة غير مدفوعة حتى إشعار آخر، فيما اكتشف آخرون عبث العمل في المكاتب الجماعيّة، وعقم العمليّة التعليميّة لنظام المدارس ومؤسسات التعليم التقليديّة دون امتلاك أي تصوّر حول الطريقة التي يمكن أن يستأنف بها العمل بعد انحسار الأزمة. في ذات الوقت، كشفت دول العالم الليبرالي عن وجهها البشع في تعاملها الطبقي الطابع مع الأزمة، مستعدة للتخلّص ممن تصنّفهم غير منتجين (كبار السن، والمرضى ومن لا يملكون تكاليف العلاج) لحماية الأفراد المنتجين اللازمين لاستمرار دوران عجلة الإنتاج الرأسمالي.

ويهدد تزايد أعداد المصابين والضحايا نتيجة الوباء بوصول المنظومات الصحيّة البائسة (أقلّه مقارنة بنظيراتها الأمنية والعسكريّة عديمة الفائدة في مواجهة الفيروس) في معظم الدول إلى الكتلة الحرجة التي لن تعود بعدها بقادرة على استقبال حالات جديدة، وهو ما سيضمن حدوث استقطاب مرشح للوصول إلى العنف بين الطبقات في تنافسها على حق الوصول إلى العلاج، ناهيك بنفاد الجزء الأكبر من رصيد المواد الغذائيّة والاستهلاكيّة وتضخم الأسعار بشكل سيصبح قريباً خارج متناول أغلبيّة البشر.

في ذات الوقت، تتحول معظم دول العالم إلى مؤسسات حكم فاشي تعتمد أدوات حكم الطوارئ والصلاحيّات الاستثنائيّة ومناخ الحرب والعزل والوسم على حساب حقوق الأفراد المنتهكة أصلاً. إنها الأزمنة المظلمة. وجديد لمّا يولد بعد…

بعدما فقد المتنبئون بالمستقبل، والفلاسفة والمنظرون معظم جمهورهم الذي انصرف عنهم منذ عقدين تقريباً إلى برامج تلفزيون الواقع، والاستهلاك المرضيّ للترفيه، تداعت وسائل الإعلام ــ التي صارت صوت المعركة مع كورونا ــ إلى إيقاظهم من معتزلاتهم العاجيّة مساءلة إيّاهم عن شكل الغد. منتشين بهذا الإقرار المتأخر بأهميتهم، انطلق هؤلاء إلى تدبيج المقالات وإعطاء المقابلات (عبر الفيديو وسكايب) حول تصوراتهم لما بعد كورونا (سلافوي جيجيك أصدر كتاباً بالفعل عنونه بـ «كوفيد -19»). هؤلاء مع بعض ملاحظات لا تخفى حتى على المراقب العادي من فئة تمكّن الأتمتة وانتقال الأنشطة البشريّة الأهم إلى العالم الافتراضي وصعود الشرق وأفول أوروبا القديمة، وإمكان تفكك حكومات مركزيّة كثيرة، فإن لا أحد منهم قادر بالفعل على تقديم تصوّر محكم للحياة في كوكب ما بعد كورونا. فهم أنفسهم من مخلفات العالم القديم الذي مات، وأدواتهم ومساطرهم لم تعد صالحة للاستعمال في تشييد معمار جديد يخضع لعلاقات قوّة مختلفة عمّا ألفناه في الأعوام السبعين الأخيرة.

اليقين الوحيد في هذه الحالة السائلة بين العالمين القديم والجديد أنّ ما بعد كورونا لن يشبه ما قبله حتماً، وأن الآتي قد يتأهل لمستوى الحدث (الفلسفيّ) وفق المفهوم الباديوي (نسبة إلى آلان باديو)، فيخلق ــ بثمن باهظ – منطقاً (ثوريّاً) جديداً لنظام الأشياء، ربّما يكون انتقالاً بالبشريّة إلى حقبة زمنيّة جديدة تماماً تخضع لقواعد تتبلور لحظيّاً ولا علاقة لها إطلاقاً بقواعد ما قبل كورونا.

يحق لنا – نحن المقهورين وضحايا المنظومة الليبراليّة الفاسدة عبر العالم – أن نستسلم في أجواء ولادة هذا الجديد لجرعة من الأمل (الديالكتيكي الطابع) بأنّ هذه الكورونا تحمل في قلبها الغادر مع الموت والدّمار بذور غد أفضل. لم يعد لدينا بالفعل ــ كمليارات ــ ما نخسره سوى أغلالنا التي فرضها علينا الأثرياء والنافذون. لم يعد سهلاً إعادة تعليبنا في الصناديق القديمة البالية. فنحن الآن أكثر تعليماً، ومسلحون بقدرة هائلة على تبادل المعلومات رغم كل الرّقابات، وهناك عدد لانهائي من البشر الذين يريدون الانخراط في إيقاع تجربة عيش جديدة حيث كرامة الإنسان، والعدالة، والأمان الاقتصاديّ من الجوع والمرض والجهل، وانتهاء الأنظمة السياسيّة العنصريّة وحكم السلالات القروسطيّة، وبناء نظام مادي لحماية كوكبنا للأجيال القادمة. لكن الجديد لن يسقط علينا من السماء، لا سيّما أن النخب التي تسيطر على النظام الليبرالي المعولم (بما فيه التجارب الروسيّة والصينية المتفاوتة) لن تستسلم بسهولة، فيما أصبح اليسار أثراً بعد عين. فما العمل؟

في 1917، قامت طليعة من مثقفين أذكياء وشجعان بقراءة موت نظام روسيا القديم، وانطلاق الوحوش، فرسموا معاً شكل اليوم التالي وصنعوه بأيديهم. كذلك في 1941، كانت قلّة من أصحاب النفوذ والمعرفة هي التي وضعت قواعد عالم ما بعد الحرب. في قلب مخاض الولادة هذه، ربمّا هي الفرصة سانحة الآن للمقهورين بأخذ زمام المبادرة النظريّة ـ على الأقل ــ وعدم تركها فريسة لقلّة استثنائيّة. فنحن اليوم مؤهلون كما لم يكن متاحاً يوماً لأسلافنا بأن نكون كتبة إعلان الاستقلال الجديد بالإفادة من معطيات انتصار العالم الافتراضي على الواقع: للتثقيف بطرائق عمل العالم، وتعرية الإمبراطوريّة الأميركية الفاسدة، وخلق فضاءات حوار وتلاقٍ حول أدوات تشكيل الغد الأفضل. شيوعيّة ثالثة كما يقول باديو ننحاز فيها – أخيراً – للإنسان وللجميع لا للأرباح ومصالح الرأسماليين السايكوباث. فلنتثقّف بكثافة ولنتحاور، ولنكن جاهزين كأغلبيّة للحرب الطبقيّة إن تطلّب الأمر، سلاحنا كثرتنا الطاغية، ووعينا المستحدث، وخبرة بؤسنا الأكيد في ظل اللّيبراليّة الفاجرة. لم يعد نظامهم صالحاً للعمل، وربما قد حان وقتنا. يا له عندئذ من عالم جديد شجاع. فليأتِ هذا اليوم التالي.

عن الغرق في بحر الأخبار

يبدو العالمُ بشكل متزايد، كأنّه مُصمّمٌ لأفراد منعزلين يعيشون كمدمنين على ازدراد سيل متدفق من الأخبار العاجلة والنشرات المستمرة والتحديثات على مواقع التواصل الاجتماعي عبر مجموعة من الشاشات اللامعة التي تُلاحقهم أينما ذهبوا حتى عندما يهجعون في أسرّتهم للنوم في المساء. ولا بدّ من أن البعض يجد في حال البقاء على اطلاع دائم، ومتابعة عدة محطات تلفزيونيّة ومواقع على الإنترنت وقراءة عدة صحف يوميّة مع الإطلال بين الحين والآخر على «التايم-لاين» أمراً لا بدّ منه للعيش العصري، والبقاء على تواصل مع الآخرين والنجاح في أجواء التّنافس الاجتماعي والاقتصادي. لكنّ المفكّر السويسري رولف دوبيللي مؤلّف كتاب «فن التفكير بوضوح» يرى أنّ الإعلام المعاصر في عهد الرأسماليّة المتأخرّة، أصبح مصدراً لتخمة أخبار لا تقل خطورة في تأثيراتها السلبيّة على عقولنا وأجسادنا ونفسياتنا عن تخمة الغذاء وإدمان السكر، إذ يمدّنا بكمّ مهول من قطع التّفاهة سهلة الهضم التي لا تحتاج إلى كثير تفكير، فتصلنا في قوالب مغلفة بشكل بصري جذّاب لنقع تدريجاً في فخّ الإدمان، والحاجة المستمرة لبحث لانهائيّ عن إشباع غير ممكن. وبينما يعتبر الإعلاميّون أنهم يجعلون العالم مكاناً أفضل من خلال تأدية واجبهم المهنيّ، فإن معظم نتاجهم – وفق دوبيللي دائماً – غير ذي صلة، بل يتسبب في أضرار فادحة لمستهلكيه على المستوى الفردي، والجماعي على حد سواء، وربما يمثّل خطراً على الأمن القوميّ للمجتمعات الحديثة.

دوبيللي الذي كان قد نشر مقالة عن محاذير الإدمان على الأخبار على مدونته عام 2012، جلبت أفكاره انتباه صحيفة «ذي غارديان» البريطانيّة (في عهد رئيس تحريرها السابق)، فاستدعته للتحدّث بشأنها مع كُتابها في مقرها الرئيس في لندن. كان لقاء غريباً بالطبع بين مجموعة من منتجي المواد الإعلاميّة الأهم في بريطانيا، ومفكّر يبادلهم العداء ويتّهمهم بالإضرار بالديمقراطيّة وبصحة مواطنيهم عبر ما ينتجونه من هراء يوميّ. «لنكن صريحين أيها السيدات والسادة» قال لهم، «إن ما تنتجونه هنا ليس إلا شكلاً من أشكال الترفيه». أثار اللقاء/ الصّدام غضب كثيرين من كتّاب «ذي غارديان»، واعتبر بعضهم دوبيللي أقرب إلى تاجر سموم أفاعٍ يبتغي الشهرة عبر مخالفة المألوف. لكنّه لم يرتدع، وأعاد صياغة مقالته الأصليّة في كتاب صدر العام الماضي بالألمانية – وصدرت ترجمته الإنكليزيّة هذا العام، بعنوان «توّقف عن قراءة الأخبار: مانيفستو لحياة أكثر سعادة وهدوءاً وحكمة». هنا يجادل بأن الامتناع عن تعاطي الأخبار اليوميّة أفضل ما يمكن أن يقدم عليه الإنسان المعاصر لإنقاذ نفسه من الدوامة التي جنتها على البشريّة ماكينة الإعلام الرأسماليّ، ويسجّل خبرته الذاتيّة في التخلّص من سمومها تدريجاً، هو الفخور الآن بأنه لم يشاهد نشرة أخبار منذ عشر سنوات، بينما حسابه على تويتر غير مفتوح للعموم مع رسالة تقول: «أصدقائي، أنا منشغل في تدوين كتابي الجديد وليس عندي وقت لفيسبوك أو تويتر»!

مرافعة دوبيللي ضد متابعة الأخبار تقوم على محاور عدّة، منها أن صناعة الأخبار تضليل للحقائق، إذ تمنح حوادث الإرهاب النادرة والمنعزلة تغطية أوسع بكثير من الحديث مثلاً عن التوتر الدائم الذي يسبّبه نسق العيش المعاصر ويمس حياة المليارات، ويحصل رواد الفضاء الذين تتضاءل القيمة الفعليّة لرحلاتهم على مكانة النجوم، بينما يتم تجاهل بطولات يوميّة يقوم بها الممرضون مثلاً في مواجهة الأوبئة. هذا التضليل قد يتسبب في سوء الاستجابة النفسيّة لمحتوى تقارير الأخبار، إذ غالباً ما يُصاب مسافر بالطائرة بقلق مضاعف تجاه السفر بالجوّ لدى اطلاعه على تفاصيل حادثة سقوط طائرة، في الوقت الذي يستمر فيه الطيران المدنيّ دائماً كأقل وسائل التنقل خطراً على الإطلاق. كذلك يسم دوبيللي المواد الإخباريّة اليومية على تنوع قنواتها بغير ذات صلّة بواقع مستهلكيها، إذ قلّما تجد أن خبراً واحداً أو تحديثاً عمّا يحدث لحظياً قد أثرّ بأي شكل مباشر على حياة المتلقي رغم أنّه يتعرّض سنوياً لما يقدّر بـ 10 – 12 ألفاً من تلك المواد كمعدّل وسطي.

يشنّ دوبيللي هجوماً على المقالات في الصحف اليوميّة، معتبراً أنها مجرّد فقاعات على سطح ما يجري حقيقة في العالم، وأن ازدحام عقل المتلقي بالمعلومات التي يوردها الصحافيون لا يساعد على التقاط القصص الأهم – التي لا تروى – وغالباً لا يطلّع عليها الإعلام. فلو كان حجم المعلومات سبباً في النجاح في هذا العالم، لما كان أغلب الصحافيين أجراء ومرتزقة أيديولوجيين عند من يملكون النفوذ والثروة. بل إن كثرة استهلاك كبسولات المعلومات هذه تنعكس بعداً متزايداً للمتلقي عن تكوين صورة كليّة واقعيّة عن العالم وما يجري به تحت رادارات الصحافيين الأجراء، لا سيّما أنها تكرّس انحيازات الإدراك. فأغلب المقالات تبسّط حد الإسفاف والتسطيح عالماً شديد التعقيد (على نمط «تراجعت أسعار النفط بعد قرار السعوديّة زيادة الإنتاج» من دون إدراك أي شيء عن الأسباب الحقيقية لمثل ذلك القرار، وطبيعة الجهة التي اتخذته، وما هي الظروف البنيوية للسوق والمنتجين الآخرين التي جعلت من تراجع أسعار النفط أمراً ممكناً وهكذا). وغالباً ما يختار المتلقي من مصادر الأخبار ما يؤكد منها على فهمه الذاتي للعالم ولا تتحداه، ناهيك بأن الصناعة بمجملها – حتى لو افترضنا جدلاً حسن النيّة غير الموجود حتماً – تقوم على أساس الترويج للقصص المنطقيّة والمسليّة بغض النظر عن علاقتها المباشرة بالحقائق الموضوعيّة.

لا يكتفي دوبيللي بالإشارة إلى العيوب المعرفيّة التي تحملها صناعة الأخبار اليوميّة، بل يذهب إلى اعتبارها مسؤولة عن تأثيرات سلبيّة على الجسد أيضاً. فهو ينقل عن مصادر طبيّة بأن التوتر الذي قد يصيب متلقِّي الأخبار يتسبب في إفراز زائد من مادة الكورتيزول في الجسم التي تتسبب في تراجع المناعة، وتمنع إطلاق هرمونات النموّ، وتسقط الإنسان في مزاج من التوتر اللحظي الدائم والسلبيّة والإحساس بالعجز والعدوانيّة، وتفتح الباب مشرعاً للوقوع في الاكتئاب والإدمان وقلّة التركيز. والأخطر أن طبيعة التواتر المستمر للتحديثات من مختلف وسائل وقنوات الإعلام تتسبب تدريجاً في إعادة تركيب بنية التشبيك بين خلايا الدماغ، بحيث يعتاد المرء على القراءات القصيرة والسريعة ومتابعة مصادر متوازية للمعلومات في آن فيما يفقد القدرة على القيام بقراءات مطولة في كتب أو مقالات طويلة تحتاج إلى التركيز لفترات طويلة.

لكن ما البديل الذي يطرحه دوبيللي للحصول على التنوير حول شؤون العالم؟ استعادة مهارة القراءة المطولة – الورقيّة – أو تلك الخالية من أيّ روابط تحيل القارئ على مواقع أخرى تأتي على رأس القائمة، مع إمكان الحصول على حصّة موجزة من الأخبار على نحو شهري أو أسبوعي إذا كان هنالك ثمّة ما يستدعي الأمر، فيما يقترح لمدمني الصحف الورقيّة اليوميّة قراءة الصحف القديمة التي تساعد على فهم أفضل لواقع العالم وتعقيده مقارنة بصحف اليوم. ويقترح للأفراد جمع المعلومات عبر خلق فرص للاستماع إلى وجهات نظر آخرين متخصصين في قضايا مختلفة، ومجتمعياً تطوير الصحافة الاستقصائية كوسيلة لإنقاذ الوسائل الإعلاميّة من السخافة التي ألمت بها منذ أصبحت مجرّد أبواق مؤدلجة في خدمة الهيمنة، واستشرست بعد الانتشار المتشظي للإنترنت في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.

ملحق كلمات

—————————–

مستقبل المطاعم ما بعد الجائحة: مطبخ مرئي ولائحة الكترونية

في ظل جائحة فيروس كورونا التي تجتاح العالم، والتي تسببت برعب لدى المواطنين من الإقتراب أو الإختلاط حتى بأقربائهم، تبرز تحديات كثيرة أمام القطاعات الاقتصادية القائمة أصلاً على فكرة الاختلاط.

فالمطاعم والمقاهي منفذ للمواطنين، ليس لتذوق الطعام وحسب بل للتلاقي أيضاً. لكن هذه الأماكن تواجه تحديات كورونا بفعل مكوث الزبائن فيها لفترة طويلة، ويرتادها مواطنون كثر، ما يعني إمكانية عالية لنشر العدوى.

ثقافة الزبائن

في هذا السياق اعتبر عميد كلية السياحة وإدارة الفنادق في جامعة الحكمة، الدكتور طانيوس قسيس، أن “التحدي الأول هو استعادة الثقة بالمطاعم، خصوصاً أمن الطعام وتقديمه”. ويقول: “هناك إجراءات عدة على إدارات المطاعم اتخاذها، لتتناسب مع الأساليب الوقائية حسب منظمة الصحة العالمية. وذلك بهدف طمأنة الزبائن. وتبدأ هذه الإجراءات على مدخل المطعم، كالتعقيم الأولي في نفق أو مدخل تعقيم Sanitizing Gate، ثم أخذ حرارة الزبائن وتعقيم اليدين والأحذية.

حتى قائمة الطعام يجب إعادة النظر فيها، وتحويلها من ورقة يمسكها ويتناقلها الجميع، إلى نسخة إلكترونية على الإنترنت، يمكن للزبون فتحها على هاتفه، أو يمكن ان تتحول الى نسخة ذات استعمال لمرة واحدة. وهنا ستظهر عالمياً إبتكارات عدة في قائمة الطعام، لتخفيف خطر انتقال الفيروس. بالإضافة الى أدوات المائدة، التي ستعقم بطريقة جدية أكثر، للتماشي مع خطر الوباء. وعلى إدارة المطعم أن تظهر للزبائن كل هذه الإجراءات لتطمينهم وكسب ثقتهم. يجب أن يشعروا ويلمسوا التغيير، بعد ما يمر به العالم من جراء تفشي المرض. فثقافة الزبائن تجاه المطاعم ستتغير”.

المطبخ المفتوح

ولفت الى أنه “لا يمكن لأي إدارة مطعم تجاهل التباعد الاجتماعي في مطاعمها، وهذا حتى انقضاء أزمة فيروس “كورونا” بالكامل وفي كل العالم”.

ورأى أنه “يجب على المطاعم أن تعمل على تطوير الـ Brand Image أو صورة العلامة التجارية الخاصة بها. فالإسم التجاري أو العلامة التجارية مع كل ما تقدمه، ستساعد إدارات المطاعم على تعزيز ثقة العملاء بهذا الإسم”. وقال: “لذلك، التحدي هنا سيكون على التسويق المناسب للمطاعم”.

أضاف: “سيظهر في العالم تطوير إضافي لأفكار جديدة أو New Restaurant Concepts، تتمحور حول مفهوم الـ Open Kitchen أو المطبخ المرئي أو محطات الطبخ جنب الزبائن Live Cooking Stations. ذلك أيضا لتعزيز راحة بال الزبائن وتطمينهم. وهذا التحدي للإبداع بخلق الأفكار سيدفع بمنافسات وآفاق جديدة في قطاع المطاعم”.

تغيّر المفاهيم

وأشار إلى أن “أمام المطاعم تحد آخر يتمثل في “توظيف Skilled Resources أو اليد العاملة المتخصصة”. وقال: “لمواكبة كل هذه التغييرات في المفاهيم والإجراءات، ستتزايد حاجة المطاعم ليد عاملة متخصصة وواعية. نتوقع إرتفاع الطلب على مهارات خدمة المطاعم والفنادق المتخصصة ذات الشهادات في هذا المجال”.

واعتبر قسيس أن “التحدي الأكبر هو تكلفة تشغيل المطاعم”، موضحاً أن “هنالك التكلفة المباشرة مثل كلفة كل ما له علاقة بالتعقيم والتنظيف وتطوير الإسم التجاري، والتسويق والتي تقدر بحوالي 10 في المئة من الفاتورة، وفي حالات أخرى قد تتعدى هذا النسبة. أضف إلى ذلك الخسارة التي سيتكبدها أصحاب المطاعم من جراء عدم استقبال عدد كبير من الزبائن لملء السعة الكاملة من مساحة وطاولات المطعم، والتي يدفع المطعم إيجارها وثمن تشغيلها، سواء امتلأت أو لا”.

وختم: “ما يزيد التحدي أمام قطاع المطاعم إضافة الى كوفيد-19 هو الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد. فكثير من أصحاب المطاعم لن يتحملوا هذا التحدي. ويتوجب على وزارات السياحة والمال والعمل التحرك بأسرع وقت ممكن لدعم قطاع المطاعم وإلا سنشهد إغلاقات جديدة وعديدة.. بالمئات”.

—————————–

كورونا ينتقل من خلال التكلَم.. و”قد لا يزول ابداً

حذر المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان، من أن “فيروس كورونا المستجد قد لا ينتهي أبداً، وقد ينضم إلى مزيج الفيروسات التي تقتل الناس في أنحاء العالم كل عام”.

وقال ريان في مؤتمر صحافي عقده في مدينة جنيف السويسرية: “قد يصبح هذا الفيروس مجرد فيروس متوَطن آخر في مجتمعاتنا، وقد لا يختفي أبدًا.. فيروس نقص المناعة المكتسبة “HIV” (المسبب لمرض الإيدز) لم يختف”، مضيفاً “لا أقارن بين المرضين، ولكن أعتقد أنه من المهم أن نكون واقعيين.لا أعتقد أن أي شخص يمكنه التنبؤ بموعد انتهاء أو اختفاء هذا المرض”.

وأوضح المسؤول الرفيع بمنظمة الصحة العالمية، أنه “مع اللقاح قد تكون لدينا فرصة للتخلص من هذا الفيروس، ولكن يجب أن يكون اللقاح فعّالاً للغاية، ومتاحاً للجميع”.

بدورها قالت عالمة الأمراض المعدية والأوبئة في منظمة الصحة العالمية، الدكتورة ماريا فان كيرخوف، “مستقبل فيروس كورونا يجب ألا يكون هلاكاً وكآبة”، مؤكدة أن “مسار هذا التفشي في أيدينا”.

وأضافت فان كيرخوف “علينا الحثّ على ضرورة إتخاذ التدابير الملائمة للحد من انتشار فيروس كورونا”، وتابعت: “لقد تضافر المجتمع الدولي للعمل في تضامن، لقد رأينا البلدان التي تسيطر على هذا الفيروس. لقد رأينا البلدان تستخدم تدابير الصحة العامة”.

في غضون ذلك أظهرت دراسة جديدة أن التكلَم يولّد جسيمات صغيرة يمكن ان تبقى معلَقة في الهواء في فضاء مغلق لاكثر من 10 دقائق، ما يبرز الدور المرجّح لهذه الجسيمات في نشر فيروس كورونا المستجد.

وأجرى باحثون في المعهد الوطني لأمراض المعدة والسكري والكلى في الولايات المتحدة تجربة قام خلالها شخص بالتكلَم بصوت مرتفع حيث كرر عبارة “حافظ على صحتك” لمدة 25 ثانية داخل صندوق مغلق.

وأظهر تسليط أشعة الليزر على الصندوق جسيمات صغيرة يمكن رؤيتها واحصاؤها وبقيت معلقة في الهواء مدة 12 دقيقة، وفق الدراسة التي نشرت في مجلة “محاضر الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية”.

ومع الأخذ بالاعتبار تركّز فيروس كورونا في اللعاب، قدّر العلماء أن كل دقيقة من التكلّم بصوت عال يمكن أن تولّد أكثر من ألف من الجسيمات التي تحتوي على الفيروس وقادرة على البقاء في الهواء لمدة ثماني دقائق أو أكثر في مكان مغلق.

وهذا التجسيد المباشر يبيَن كيف يمكن للمحادثات العادية أن تولّد جسيمات يحملها الهواء، وأن تبقى معلّقة لعشرات الدقائق وقادرة بشكل بارز على نقل المرض في اماكن محصورة، وفق ما استنتج الباحثون.

ولاحظ الفريق نفسه أن التحدث بصوت أقل ارتفاعاً يولد جسيمات أقل، وذلك في بحث نُشر في “مجلة نيو انغلاند الطبية” في نيسان/أبريل.

وإذا كان من الممكن تأكيد مستوى إلتقاط العدوى من خلال الكلام، فان هذا يمكن أن يعطي دفعة علمية للتوصيات بوضع كمامة على الوجه في العديد من البلدان، وايضاً المساعدة في فهم الانتشار السريع للفيروس.

——————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى