الناس

انخفاض الليرة السورية:الأسباب متعددة.. تبدأ بلبنان/ عقيل حسين

على عكس التوقعات ومسار الأحداث، واصلت الليرة السورية تدهورها في سوق الصرف حيث بلغت 1555 ليرة مقابل الدولار، على الرغم مما بدا من الاحتواء المبدئي للأزمة الخطيرة التي ضربت بيت النظام الداخلي من بوابة الاقتصاد والتي تمثلت بالخلاف الذي ظهر للعلن بين قطبي الحكم، آل الأسد وآل مخلوف.

الخلاف أعاد من جديد طرح الأسئلة الكبرى حول أسباب فشل النظام في معالجة المسألة الاقتصادية رغم التطورات التي صبّت في صالحه خلال الفترة الماضية، على الصعيد العسكري منذ بداية هذا العام، والأهم رغم رضوخ ابن خال الأسد، رامي مخلوف لمطالب النظام الأمر الذي كان ينتظر معه أن ينعكس إيجاباً على الواقع الاقتصادي في البلاد.

“المدن” طرحت أسئلة بهذا الصدد على عدد من خبراء الاقتصاد السوريين الذين حددوا أربعة أسباب رئيسية تقف خلف استمرار تدهور الليرة السورية وتفاقم الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام بشكل عام.

أزمة الدولار في لبنان

اتفقت الأراء على أن السبب المباشر للانخفاض الأخير والمتتالي في سعر صرف الليرة السورية هو النقص الحاد في العملات الصعبة في مناطق سيطرة النظام وفي خزينة الحكومة، هذا النقص الذي كان يعوض من خلال لبنان، الذي تم توطين جزء كبير من رؤوس الأموال السورية في مصارفه خلال السنوات الماضية، وكان رجال الأعمال والمستوردون المستقلون والمرتبطون بالنظام يعتمدون عليها في تأمين احتياجاتهم من العملة الصعبة.

إلا أن دخول الدولة الجارة في أزمة نقص الدولار هي الأخرى، وخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتوقف البنوك اللبنانية عن السماح بسحب الدولار انعكس بشكل مباشر على الوضع في سوريا، بالإضافة إلى الحملة التي استهدفت المعابر غير الرسمية للتصدير من لبنان إلى سوريا وكذلك عمليات التهريب التي يشرف عليها “حزب الله” بالدرجة الأولى، كل ذلك أدى إلى استمرار هبوط سعر صرف الليرة السورية ونقص الكثير من المواد الأساسية في البلاد.

قرب تطبيق قانون قيصر

حددت الإدارة الأميركية شهر حزيران/يونيو القادم موعداً لدخول قانون العقوبات الاقتصادية الجديد المفروض على النظام والمعروف باسم “قانون قيصر” حيز التطبيق، الأمر الذي يخلق جواً عاماً سلبياً فيما يتعلق بالعمليات التجارية السورية، ومزيداً من الانكماش الاقتصادي إذ أن المزيد من الموردين إلى سوريا بدأوا بالانسحاب من المشهد في خطوة استباقية.

وحسب رأي مجموعة من الاقتصاديين فإنه ورغم أن العقوبات الغربية الحالية والعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر لا تشمل المواد الغذائية أو الطبية، وغيرها من السلع الأساسية، إلا أن احتكار رجال الأعمال المرتبطين بالنظام وغالبهم من المدرجين في لوائح العقوبات الأوربية والأميركية جعل المصدرين يواجهون صعوبات في تجنب أثار هذه العقوبات لعدم توفر قنوات آمنة للتصدير إلى سوريا.

الآثار المدمرة للحرب على الاقتصاد

لا توجد احصاءات رسمية دقيقة لانعكاسات الحرب المستمرة منذ تسع سنوات على الاقتصادي السوري، نظراً إلى أن النظام تجنب باستمرار إصدار إحصاءات يمكن الوثوق بها، لكن التقديرات تشير إلى أن الصراع تسبب بخسارة في إجمالي الناتج المحلي وصلت إلى 226 مليار دولار حتى عام 2017، وأن هذا الرقم تضاعف خلال العامين والنصف الماضيين ليتجاوز ال435 مليار دولار حتى الآن، الأمر الذي لعب دوراً جوهرياً في ما آلت إليه الأمور حالياً.

ورغم أن الأنظار تتجه بالدرجة الأولى إلى قطاعات النفط والسياحة والزراعة لدراسة الآثار الاقتصادية للحرب في سوريا، إلا أن الواقع يشير إلى أن أكبر الخسائر نتجت عن تضرر قطاع الصناعة وتصدير المعادن الخام.

فبينما شكلت الزراعة حتى ما قبل العام 2011 ثمانية عشرة في المئة من الناتج المحلي السوري، تجاوزت مساهمة الصناعة ال27 في المئة، بينما بلغت صادرات سوريا من الثروات المعدنية وخاصة الفوسفات نحو 5 مليارات دولار في العام 2011، أي 28 في المئة من الناتج المحلي، وهو رقم كبير سيكون تأثيره في غاية للخطورة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن هذا الرقم انخفض إلى الصفر تقريباً في العام 2015.

يشكل هذا الرقم جزءاً من القطاع التجاري العام الذي بدأ تدهوره في سوريا منذ العام 2011، نتيجة عوامل داخلية وخارجية، حيث تضررت شبكات النقل والمواصلات بنسبة كبيرة، كما أدى قطع الكثير من الدول علاقاتها مع النظام إلى انخفاض حاد في الصادرات السورية، ولعبت العقوبات الغربية دوراً إضافياً في الإضرار بالتجارة التي يهيمن عليها رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، أو الذين يُعتبرون واجهات اقتصادية للأسرة الحاكمة.

الأثر الأكبر لكل ما سبق انعكس بالدرجة الثانية، بعد انخفاض الناتج المحلي، خروج عشرات آلاف العاملين من الخدمة وارتفاع معدلات البطالة بشكل خطير، حيث تتجاوز، حسب تقديرات غير رسمية، الثمانين في المئة حالياً، بعد أن كانت ثمانية في المئة عام 2010 حسب الحكومة، وحوالي 20 في المئة وفق تقديرات غير رسمية.

أدى ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض الاستهلاك نتيجة انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن، واتساع قاعدة الفقر في البلاد ليصبح أكثر من نصف السكان يعانون من الفقر، ونحو 30 في المئة منهم يعانون الفقر المدقع.

الفشل والفساد

الأرقام تكشف عمق الأزمة وأن حلها لا يمكن أن يكون بالسهولة التي يعتقد بها البعض، أو التي يحاول النظام ترويجها بين جمهوره من خلال التعديلات الوزراية التي دأب على إجرائها، أو رفع الدعم عن بعض السلع أو حصر استيراد وتوزيع سلع أخرى بالقطاع العام، الخ… ولعل توقف البنك المركزي عن التدخل لدعم الليرة ومنع انخفاضها منذ أكثر من عام يشير إلى حقيقة الموقف الذي يواجه النظام في التعامل مع تفاقم الأزمة الإقتصادية في البلاد.

واللافت أكثر أنه وبينما تعتبر أرقام الهجرة والنزوح مؤشرات سلبية بالنسبة لاقتصاد الدولة، إلا أن خروج نحو نصف سكان سوريا من نطاق مسؤولية حكومة النظام خدمياً وإدارياً كان يفترض أن يؤدي إلى نتائج إيجابية على النصف الآخر من السكان المتبقين تحت سلطة النظام إلا أن ذلك لم يحصل.

يعتبر ما سبق مؤشراً صارخاً عن الفشل الذريع الذي تعاني منه مؤسسات الدولة الاقتصادية والخدمية، وإلى الفساد المستشري داخل أروقة الحكم، التي تتذرع بالأرقام السلبية للانتاج والموارد لكنها تتغاضى عن انخفاض المصاريف والالتزامات الحكومية بنسبة توازي انخفاض عدد السكان في مناطق سيطرة النظام إلى النصف.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى