منوعات

البروتوكول السرّي بين مولوتوف وريبنتروب حقيقة/ أندريه باغانوف

قام قسم الوثائق التاريخية لدى وزارة الخارجية الروسية مؤخراً بنشر واحدةٍ من وثائق الحقبة السوفييتية، والتي حيكت حولها الكثير من الأساطير، وهي في الوقت نفسه واحدةً من أهمِّ الوثائق التي رسمت مسار تطور العالم في القرن الواحد والعشرين- النسخة السوفييتية الأصلية لمعاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفييتي، والتي اشتهرت بمعاهدة مولوتوف- ريبنتروب. وكان وزيرا خارجية كلٍّ من الاتحاد السوفييتي فياتشيسلاف مولوتوف وألمانيا يواهيم فون ريبنتروب قد وقعا على هذه المعاهدة في الثالث والعشرين من شهر آب/ أُغسطس من عام 1939.

يعتقد الكثير من المؤرخين والخبراء، إن لم يكن غالبيتهم، بأنّ هذه المعاهدة بالذات هي التي فتحت الباب على مصراعيه أمام ألمانيا النازية لمهاجمة بولندا في الأول من أيلول/سبتمبر من عام 1939. أي أنّ معاهدة مولوتوف- ريبنتروب كانت، بالتالي، الزناد الذي أطلق شرارة الحرب العالمية الثانية.

قبل عامين، وفي مقابلةٍ له مع وكالة “ريا نوفوستي”، قال المدير الأكاديمي لمعهد التاريخ العام لدى أكاديمية العلوم الروسية، الأكاديمي ألكسندر تشوباريان: “يتهموننا بأمرٍ آخر؛ إذ أنّهم عندما يقيِّمون هذه المعاهدة، التي كانت نموذجية في حينه، فإنّهم، لا يكتفون بالحديث عن الاتفاق، بل يقولون بوجود ملاحق سريّة، نصّت على رسم حدود نفوذ ألمانيا والاتحاد السوفييتي”.

يقول الأكاديمي: “نعم، يمكن النظر بالفعل إلى هذه البروتوكولات في سياق الأمن، ولكنّها مع ذلك تتسبّب بتوجيه نوعٍ من النقد لنا، بما في ذلك داخل الاتحاد السوفييتي (حيث دان مجلس نواب الاتحاد السوفييتي عام 1989 هذه البروتوكولات)”.

تقول الفقرتان 3 و 4 من أحد مقاطع البروتوكولات السريّة ما يلي:

3. فيما يخص جنوب – شرق أوروبا من جهة حدود الاتحاد السوفييتي، نشدّد على اهتمام الاتحاد السوفييتي في بيسارابيا (*) ، أمّا من جهة ألمانيا، فإنها تعلن عدم اهتمامها سياسياً بهذه المناطق.

4. تبقى هذه الوثيقة محفوظة لدى الطرفين بسريّةٍ تامّة.

وفي الوقت نفسه، يقول الأكاديمي تشوباريان، في معرض ردّه عن سؤالٍ بشأن الخلافات المتعلقة بمدى صحّة هذه البروتوكولات السريّة: “أنا على معرفةٍ بوجود مثل وجهات نظرٍ كهذه. وللنّاس كل الحقّ بقول هذا. ورغم ذلك، وُجدتْ وثائق واضحةٌ تماماً تؤكّد وجود البروتوكولات. هذه الوثائق، تعكس أيضاً محتوى تلك البروتوكولات”. وبالفعل، نجد في الأدبيات التاريخية السوفييتية وفي أدبيات ما بعد الفترة السوفييتية، وكذلك في مذكرات الشخصيات السوفييتية الهامّة، رفضاً حاسماً (أو على الأقلّ التشكيك الجادّ) لوجود بروتوكولات سريّة ملحقة بالمعاهدة.

بالإضافة إلى ما ذكر، فإنّه يشار في كثير من الأحيان إلى حقيقة أنّه على الرغم من أنّ ّ نصّ الاتفاقية كان معروفاً، إلا أنّ النسخ الألمانية كانت متاحةً سابقاً.

وأخيراً، وبمناسبة الذكرى الـ80 لتوقيع معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي، أعلن عن نشر النسخ الأصلية لهذه الوثائق. فقد نشرت مؤسسة “الذاكرة التاريخية” نسخاً عن الوثيقة الأصلية لاتفاق مولوتوف- ريبينتروب. وهذا الأمر يحدث للمرة الأولى.

ويورد موقع المؤسسة نسخةً من الاتفاقية مسحوبة بالتصوير الضوئي مع بروتوكول سرّي إضافي مكرّس لرسم حدود نفوذ الدولتين في أوروبا الشرقيةـ مع شرحٍ له باللغتين الروسية والألمانية. بحسب الاتفاق، تعهدّت موسكو وبرلين بالوقوف على الحياد في حال دخول إحداهما الحرب ضدّ دولٍ أُخرى، وعدم الدخول في تحالفاتٍ “مباشرة أو غير مباشرة موجهة ضدّ الطرف الآخر”. وحددت مدة الاتفاق بعشر سنواتٍ قابلة للتمديد كلّ خمس سنوات.

بحسب رأي الأكاديمي تشوباريان: “في عام 1939 كان السوفييت مستعدين للحرب، إضافةً إلى وجود مشاكل للاتحاد السوفييتي عالقة في الشرق الأدنى (مع اليابان)، نتيجة إجراء السلطات السوفييتية عمليات تطهير في صفوف القوات المسلّحة، نجم عنها تطهير كبير في قيادات الجيش العليا والمتوسطة… ومن جانبٍ آخر، على ما يبدو كان من الممكن الاستفادة بفعاليةٍ أكبر من فترة تأخير الحرب لمدة سنتين (بين الاتفاقية ونشوب الحرب العالمية الثانية- المترجم)، والتي تعرض ستالين فيما بعد لانتقادٍ شديد بسبب تقصيره فيها”.

إلى ما تم استعراضه آنفاً، يمكن أن نضيف بعض الأرقام الإحصائية الجافّة: ليلة 12 حزيران/ يونيو عام 1937، وبعد مرور 40 دقيقة فقط على انتهاء محاكمة الأشخاص المتهمين بـ”مؤامرة العسكريين”، جرى إعدامهم في المكان. وكان بين هؤلاء ضباط من أعلى الرتب، على سبيل المثال المارشال ميخائيل تولاتشيفسكي. وخلال الفترة 1937-1938 تمّ إقالة جميع قادة الدوائر الحربية (باستثناء بوديوني)، وكذلك جميع نواب ورؤساء أركان الدوائر نفسها، 88% من قادة الفيالق، 98% من قادة الفرق العسكرية، 79% من قادة الألوية، 87% من قادة الكتائب، و100% من لجان المناطق الحربية. ولم يكن من المستغرب في النصف الثاني من عام 1937، أن ترتفع بشكلٍ حادّ نسبة الانتحار في الدوائر العسكرية: في منطقة لينينغراد 27%، في بيلاروسيا 40%، في القوقاز 50%، وفي أسطول البحر الأسود 200%.

(*) بيسارابيا: منطقة تاريخية بين نهري “دنيستر” و”بروت”. وكانت تشمل مولدافيا وبعض مناطق أوديسا وجزء من جنوب رومانيا (المترجم)

(**) أندريه باغانوف- رئيس التحرير المسؤول عن الملاحق في صحيفة “نوفايا غازيتا”

ترجمها عن الروسية: سمير رمان

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى