فيروس كورونامنوعات

وباء كوررنا التطورات، الخوف والعزلة -مقالات مختارة- متجدد يوميا 5

الجزء الأول من هذه المتابعة على الرابط التالي

فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، ماذا عن سورية؟ -مقالات مختارة- ملف محدث يوميا

الجزء الثاني من هذه المتابعة على الرابط التالي

الفيروس الذي يفتك بالعالم، فيروس العزلة والخوف -متابعة متواصلة ومقالات مختارة

الجزء الثالث من هذه المتابعة على الرابط التالي

وباء كوررنا التطورات، الخوف والعزلة -مقالات مختارة- متجدد يوميا

——————————-

الجزء الرابع من هذه المتابعة على الرابط التالي

فيروس كورونا الذي يعيد رسم ملامح العالم -معلومات، احصائيات، تحليلات ومقالات

لمتابعة الملف المتجدد عن هذا الفيروس اتبع الرابط التالي

فيروس كورونا

—————————————–

معلومات أولية

اسم الفيروس:

SARS-COV2

اسم المرض الدي يسببه:

COVID-19

كورونا تعني التاج وجاءت التسمية بسبب شكل الفيروس المشابه للتاج

لماذا تمت تسمية المرض بهذا الاسم، الواقع أن المرض اسمه هو التالي:

CORONAVIRUS DISEASE 2019

وتم اختصار الكلمات السابقة وأخذ الأحرف التالية منها يستكون اسم المرض

CO

VI

D

19

COVID-19

—————————

يورغن هابرماس: الديمقراطية الآن في خطر

الفيلسوف الألماني هابرماس.. إنهاء الإغلاق إجراء مطلوب أخلاقيا وقانونيا لحماية الحياة.

ليست هناك حلول وسط

نيكولا ترونغ

سلافوي جيجك وآلان باديو وغيرهما من الفلاسفة الأوروبيين المعاصرين قدموا أطروحات مختلفة لقراءة المشهد العالمي الراهن في ظل الوباء، محاولين استشراف عالم ما بعده، مقدمين أطروحات متنوعة أغلبها ينطلق من تاريخ الأوبئة وانعكاساتها، مرورا بأهم النظريات العلمية وصولا إلى أفكار أخلاقية وجمالية واقتصادية وثقافية تفكك واقع الوباء وترسم ملامح المستقبل البشري. لكن من يقرأ أطروحات هذه الأسماء الكبيرة وغيرها من وجوه الفلسفة الأوروبية المعاصرة قد ينتابه شعور بأن فلاسفة اللحظة الراهنة ما زالوا عالقين في أوروبا ما بعد الحربين العالميتين، وأنهم عاجزون عن مغازلة مستقبل قريب تلعب فيه البيانات الضخمة والخوارزميات الدور الذي لعبته دائما الكلمات ونظريات تأويلها، مستقبل قد تستعيد فيه مؤسسات الدولة نفوذها لكنها لن تتمكّن من ذلك دون توظيف تكنولوجيا قد تتآكل معها بالضرورة حريات الأفراد والمجتمعات وحقوقهم. يورغن هابرماس الفيلسوف الألماني الأشهر وأهم رموز مدرسة فرانكفورت النقدية يتحدث عن وباء الفايروس التاجي، وتحدياته الفلسفية والأخلاقية والسياسية، كما يحاول أن يستشرف مستقبل الاتحاد الأوروبي في عالم ما بعد الوباء. فهل يسقط في نفس الفخ أم يفتح لنا الباب أمام أسئلة جديدة؟

يورغن هابرماس، ما الذي تكشف عنه هذه الأزمة الصحية العالمية، من وجهة نظر أخلاقية وفلسفية وسياسية؟

يورغن هابرماس: من وجهة نظر فلسفية، يذهلني أن الوباء يجبر الجميع اليوم على تأمل أمور لم يكن يهتم بها في السابق سوى الخبراء والمتخصصين. اليوم، يعي جميع المواطنين ما يجب على حكوماتهم اتخاذه من قرارات، وهم مدركون تماما لحدود معرفة مستشاريهم من علماء الفايروسات. من النادر أن يكون فضاء الفعل في شرط من اللايقين بهذا الوضوح والحيوية. لذلك ربما ستترك تلك الخبرة غير العادية أثرا لا يمحى في وعي المجال العام.

التنازل عن المساواة

فماذا عن التحديات الأخلاقية؟

يورغن هابرماس: أرى حالتين، على وجه الخصوص، من المحتمل أن يُنتهك فيهما مبدأ “عدم المساس بالكرامة الإنسانية”، الذي يضمنه الدستور الألماني في ديباجته، وينص عليه في مادته الثانية، حيث يعلن أن “لكل شخص الحق في الحياة والسلامة البدنية”. الحالة الأولى تتعلق بما يدعونه “الفرز”، أما الحالة الثانية فترتبط باختيار اللحظة المناسبة لإنهاء التباعد الاجتماعي.

خطر الحمل الزائد على وحدات العناية المركزة في المستشفيات، والذي اصطلت به إيطاليا بالفعل، ويُخشى أنه يتهدّد بلادنا الآن، يذكّرنا بسيناريوهات طبّ الكوارث التي لا يتم اختبارها عادة إلا في أوقات الحروب. إذا تجاوز عدد المرضى في المستشفيات عدد مرافق الرعاية المتاحة في وحدات العناية المركزة فلا مفر أمام الأطباء حينها من اتخاذ قرارات مأساوية؛ مأساوية لأنها

ستكون، في كل الأحوال وبالضرورة، قرارات غير أخلاقية. سيغري ذلك بالتنازل عن مبدأ “المساواة” في المعاملة بين المواطنين، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي، وأصولهم، وأعمارهم، إلخ. وفي حالتنا على وجه الخصوص سيتم تفضيل الشباب على المسنين الذين قد يرغبون هم أنفسهم في ذلك، في نوع من الإيثار المثير للإعجاب أخلاقيا.

ولكن أي طبيب هذا الذي يستطيع أن يزن “قيمة” إنسان في مقابل “قيمة” إنسان آخر، لينصّب نفسه بذلك سيدا على الحياة والموت؟ اللغة الاصطلاحية لـ”القيمة” التي ننصت إليها في الاقتصاد تقودنا إلى “التجسيد الكمي” الذي قد يكون مناسبا لمنظور المراقب الإداري، لكنه لا يمكن أن يكون الطريق التي نسلكها للتعاطي مع الوجود المستقل للأفراد: فعندما أتوجه إلى الآخر (أنت – أنتم)، فإن إرادته في تعريف ذاته وحقه في تقرير مصيره لا يمكنني إلا أن أقبلها أو أرفضها، أن أعترف بها أو أتجاهلها، ليست هناك حلول وسط.

الأخلاقيات المهنية للطب، في ما يتعلق بذلك، تتوافق مع الدستور وتتبع المبدأ الذي بموجبه لا يمكن أن توضع حياة إنسانية في تعارض مع حياة أخرى للاختيار بينهما، بل إنها تنص على أنه في المواقف التي لا مفر فيها من اتخاذ قرارات مأساوية فإن على الطبيب أن يسترشد حصريا بالإجراءات الصحية التي ترفع نسبيا من إمكانات نجاح العلاج.

والحالة الثانية؟

يورغن هابرماس: إن قرار اللحظة المناسبة لإنهاء الإغلاق -وهو إجراء مطلوب أخلاقيا وقانونيا لحماية الحياة- يمكن أن يتعارض، على سبيل المثال، مع حسابات الربح والخسارة. يجب على السياسيين أن يقاوموا “الإغراءات النفعية” للموازنة بين حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والوفيات التي يمكن تجنّبها من جهة أخرى.

هل من الضروري قبول مخاطر انهيار النظام الصحي، وبالتالي، دفع ضريبة زيادة معدل الوفيات من أجل إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح، وتقليل البؤس الاجتماعي الناجم عن الأزمة الاقتصادية؟ حول هذه النقطة بالذات، جاءت التوصيات الخاصة بالمجلس الألماني للأخلاقيات غامضة بشكل قاتل، حيث تمنع الحقوق الأساسية للمواطنين مؤسسات الدولة من اتخاذ أيّ قرار قد يؤدي إلى احتمالية القبول بإمكانية وفاة فرد واحد.

أليس هناك خطر في أن حالة الطوارئ الاستثنائية قد تتحول إلى قاعدة “ديمقراطية” مستقرة؟

يورغن هابرماس: بالطبع، إن الحد من عدد كبير من الحريات الأساسية يجب أن يكون استثناءً لا يسمح باستمراره بشكل قاطع، لكن الاستثناء في حد ذاته، كما أشرت من قبل، يتطلبه الحق الأساسي في حماية الحياة والسلامة البدنية. في فرنسا وألمانيا لا يوجد سبب للشك في التزام الحكومة بالدستور.

إذا انتهز فيكتور أوربان -الرئيس المجري- أزمة كوفيد – 19 كفرصة لتكميم أفواه المعارضين بشكل نهائي، فإن هذا يجب تفسيره بالتاريخ الاستبدادي الطويل للنظام السياسي المجري، الذي واجهه المجلس الأوروبي، وقبله، الديمقراطيون المسيحيون الأوروبيون بشيء من التسامح.

التضامن هو الحل

ما فائدة الاتحاد الأوروبي إذا لم يظهر، في زمن وباء الفايروس التاجي، أن الأوروبيين متحدون ويناضلون من أجل مستقبل مشترك؟ هكذا كتبتم في نداء جماعي بمجلة “Die Zeit” في الثاني من شهر أبريل الجاري.

يورغن هابرماس: لقد طرحنا، أنا وأصدقائي، هذا السؤال على حكومتنا: طرحناه على المستشارة ميركل ووزير المالية الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وقد تركني كلاهما مندهشا. فقد استمرّا بعناد في التمسك بالتعاطي مع الأزمة وإدارتها لصالح ألمانيا ودول الشمال فقط، دون الالتفات إلى انتقادات دول الجنوب المتوسطية.

تخشى الغالبية العظمى من السياسيين الألمان ردود الفعل الغاضبة لناخبيهم في حالة التراجع، خاصة وأنهم هم الذين قاموا بدغدغة تلك النزعة القومية الاقتصادية وإثارتها؛ ذات المرجعية الذاتية، والاحتفاء الذاتي بالصادرات الألمانية كبطل للعالم، وبالطبع لم يحدث كل هذا دون رضاء الصحافة.

هناك بيانات تجريبية مقارنة توضح كيف أن حكومتنا، بهذه الصيغة القومية البديلة، “طلبت القليل جدًا” من شعبها. إذا كان ماكرون قد ارتكب خطأً في علاقاته مع ألمانيا، فهو تقليله، منذ البداية، من ضيق الأفق القومي لأنجيلا ميركل (يشير هنا هابرماس إلى إحياء النزعة القومية على صعيد اقتصادي لا عرقي).

كانت الصين بؤرة الوباء والآن يبدو أن هذا الوباء يعطيها أفضلية وسلطة في مواجهة أوروبا والعالم. هل نحن أمام نقطة تحول جيوسياسية؟ هل يمكن القول إن الصين تعلن عن تفوقها السياسي والاقتصادي؟

يورغن هابرماس: هذا الاتجاه مستمر منذ بعض الوقت وينتج عنه تسارع انقسام الغرب الذي بدأ على أبعد تقدير مع “رئيس الحرب” جورج دبليو بوش. لذلك من الأهمية بمكان أن ترى أوروبا في صدمة الفايروس التاجي فرصة أخيرة لتحتشد للعمل معا بشكل تضامني.

كيف تعيش هذه العزلة؟ كيف هي الحياة عندما تكون مغلقة ومحدودة؟

يورغن هابرماس: الكسور العشرية البرلمانية للإنسانويين -الذين “يجلسون” أمام أجهزة الكمبيوتر في منازلهم على أي حال- يعانون أقل.

هل من المرجح أن تؤدي هذه الأزمة الصحية العالمية إلى زيادة تأثير القوى القومية الشعبوية التي تهدد أوروبا بالفعل؟ كيف يمكننا أن نقاوم هذه القوى؟

يورغن هابرماس: هذا السؤال بغض النظر عن حالة الطوارئ الراهنة يجب أن يجد إجابة مختلفة في كل بلد. في ألمانيا، حصَّننا الماضي النازي بالمزيد من القوة في مواجهة عودة الفكر اليميني المتطرف. لهذا السبب، يمكن للأحزاب والحكومات أن تتحمل، تحت حالة معاداة الشيوعية المهيمنة، أن تغض الطرف عن اليمين.

منذ وقت كورناد أدناور،  ومنذ عودة الوحدة مع ألمانيا الشرقية، سمحت لهم هذه الواجهة المعادية للشيوعية بإخفاء المكوّنات القاتلة لماضيهم السياسي.

في فرنسا، على العكس من ذلك، كان التطرف اليميني قد تم تنظيمه بالفعل قبل ذلك بوقت طويل، ولكن جذوره الأيديولوجية مختلفة عن جذور اليمين الألماني، فهي ليست عرقية قومية ولكنها دولاتية، الآن حتى بعض قطاعات اليسار الفرنسي ذات الخلفية الأممية تغرق هي أيضا في كراهية الاتحاد الأوروبي.

ما السردية الجديدة التي يمكن أن يخترعها الأوروبيون لإنعاش الزخم، وتجديد الانطلاقة نحو اتحاد أوروبي غير هذا الاتحاد غير المرغوب فيه والذي يعاني من ضعف التنسيق؟

يورغن هابرماس: في مواجهة الاستياء العام الحجج والكلمات المعسولة ليست صالحة. لن تسعفنا إلا قدرة النواة القوية لأوروبا (ألمانيا وفرنسا) على مواجهة المشكلات وحلها. فقط على “الحلبة” من هذا النوع سيصبح من الواقعي مصارعة قمع سياسة عالمية تهيمن عليها النيوليبرالية. وها نحن اليوم نرى أنه عندما تكون الحاجة حقا ملحة، الدولة وحدها هي التي يمكنها مساعدتنا.

أجرى الحوار نيكولا ترونغ ونشر في صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية في الـ12 من أبريل 2020.

الترجمة عن الإيطالية: وائل فاروق (باحث وأكاديمي مصري)

العرب

————————-

أسئلة في زمن كورونا/ بيار عقيقي

يختبر كثر في أزمة وباء كورونا تجارب عديدة، منها ما هو مرتبط بسوق العمل، ومنها ما هو متعلق بالسلوكات الاجتماعية، ومنها، وهو الأهم، الانعزال، الذي لم يكن مستحبّاً في البداية، قبل أن يتحوّل إلى نمطٍ يومي صعب التخلّي عنه. لا يتعلّق الموضوع بما هو صحيح أو خاطئ، بل بقدرة البشر عموماً على التكيّف، وقدرة الفرد على التأقلم مع المتغيرات، في سياق تطبيقي لمبدأ “البقاء للأصلح”. كل شيء طُرح على طاولة النقاش بينك وبين عقلك. لحظات التأمّل الكثيفة تجعلك في مستوى أعلى في العلاقة مع التفكير. تفقد الأسئلة التقليدية سيطرتها قليلاً على نمط تفكيرك، لمصلحة أسئلةٍ مرتبطة بالوجود والعدم. لا تعود المهيمنةَ أسئلةٌ من نوع “كيف سيكون يومي؟ كيف سأتعامل مع الزبائن؟ كيف سأواجه مديري؟ كم يبلغ سعر كيلو اللحم؟ ماذا عن الخضار؟ هل زادت أقساط المدارس وفواتير الكهرباء والماء؟ هل يمكن توفير بعض الأموال لنزهة عائلية في الطبيعة؟ هل سأستطيع السفر هذا الصيف إلى أوروبا أو أميركا الوسطى؟”. قد تكون هذه الأسئلة مشتركة عالمياً، مع حذف بعضها وزيادة أخرى بحسب التفاوت الطبقي. عموماً هذا النمط من التفكير ساد بقوة بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، ثم تجدّد غداة انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة عام 1991.

اليوم، سيطر فيروس كورونا على البشرية. طبعاً أمراضٌ، مثل إيبولا والملاريا وحمّى الضنك والهواء الأصفر والكوليرا، أكثر إيلاماً منه، لكنها لم تُصب الدول الصناعية، من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة، بل دائماً ما كان موئلها القارّة الأفريقية، وهو ما جعل الاهتمام العالمي بهذه الأوبئة شحيحاً. دفع الفيروس بعضهم إلى التفكير في كل شيء، من كيفية تدبير النمل نفسه وصولاً إلى الحراك الكونيّ، وما بين التساؤلين أفكار شتى تتجاذبها تجارب وقراءات، تؤدّي، في أحيانٍ كثيرة، إلى استيلاد أجوبة شخصية لا عامّة.

هذه الأفكار وأجوبتها تُفسح المجال أمام تنامي المعتقدات التي يُمكن وصفها بـ”السوداء”، أي أن يظنّ الشخص أنه أمام حائط مسدود، أو يعتقد أن لا حلّ قريباً للفيروس وأن الأمور تتجه إلى الأسوأ. وتزداد الأمور سوءاً إذا كان الشخص في بلدٍ غير قادرٍ أساساً على تلبية حاجات شعبه في الأيام العادية، فكيف في حالات الطوارئ. من حقّ كل فرد طرح الأسئلة الوجودية والتشكيكية، وربما من حقه التوصّل إلى نهاية سوداوية، بناء على ما يحلّله وما هو موجود أمامه، لكن الأوضاع ليست بالضرورة كذلك، فلو كانت البشرية عموماً أكثر ميلاً إلى السلبية في وجودها على كوكب الأرض لانتهى أمرها في بداياتها. بالتالي، ما هو الحلّ الذي يُمكن تنفيذه؟ في البدء، لا يمكن ادّعاء أن لا شيء يحصل أو كأن الأمور لم تتغير. علينا الاقتناع بذلك والتصرّف على أساسه. ثم، علينا البدء بالتفكير بأن فيروس كورونا عابر ولن يستمر، سواء بالتعايش معه أو مع إيجاد لقاح له. وبعد، يمكن التراجع خطوة إلى الوراء في أنانيتنا المفرطة، خصوصاً ببناء شبكة أمان اجتماعية، لا تحتاج بالضرورة إلى دولةٍ أو منظومة حزبية في حال غياب الدولة. ليست كل الدول ألمانيا أو النرويج، بل نحتاج إلى الجهد الشخصي عبر تعديل طريقة تفكيرنا التقليدية، وتفادي الهلع غير المبرّر الذي يفاقم المشكلة ولا يحلّها. طبعاً من الصعب حصول ذلك فوراً، لكن لا بدّ منه عاجلاً أم آجلاً.

وبما أن الإنسان كائن عاطفي، انفعالي، لا يُمكن منعه من التفكير بحزن أو الشعور بالاكتئاب، بل علينا إقناع هذا الفرد بأن الأمور لن تستمرّ على ما هي عليه. طبعاً، لا يمكن الاكتفاء بالكلام فحسب، بل نحتاج إلى التصرّف سريعاً وبالموارد المُتاحة. لم نعد بشراً بدائيين، لكن لا مانع من الاقتداء بهم من أجل مستقبلنا.

العربي الجديد

————————-

 3000 باحث من 600 جامعة حول العالم يتّحدون حول كيفية الخروج من أزمة “كوفيد – 19”

دمقرطة العمل، عدم سلعنته ومجابهة التلوث. أصدر أكثر من 3000 باحث من جامعات حول العالم دعوة عاجلة للتعلم من دروس أزمة كوفيد-19 وإعادة كتابة قواعد أنظمتنا الاقتصادية من أجل خلق مجتمع أكثر ديمقراطية واستدامة. هذه الدعوة، التي تأتي في خضم أزمة صحية وسياسية ومناخية غير مسبوقة، تمهد مسارًا إيجابيًا إلى الأمام، باتباع ثلاثة مبادئ أساسية: الديمقراطية (الشركات)، وإلغاء السلعنة (العمل)، وإصلاح (السياسات) من أجل احترام الحدود الطبيعية لكوكبنا وجعل الحياة مستدامة للجميع.

في مقال رأي نشر في 16 مايو في 29 صحيفة في 25 دولة ، أصدر أكثر من 3000 باحث من جامعات حول العالم دعوة عاجلة للتعلم من دروس أزمة كوفيد-19 وإعادة كتابة قواعد أنظمتنا الاقتصادية من أجل خلق مجتمع أكثر ديمقراطية واستدامة. إن دعوتهم ، التي تأتي في خضم أزمة صحية وسياسية ومناخية غير مسبوقة ، تمهد مسارًا إيجابيًا إلى الأمام، باتباع ثلاثة مبادئ أساسية: الديمقراطية (الشركات)، وإلغاء السلعنة (العمل)، وإصلاح (السياسات) من أجل احترام الحدود الطبيعية لكوكبنا وجعل الحياة مستدامة للجميع.

بالنسبة إلى إيزابيل فيريراس (جامعة لوفان – هارفارد)، وجولي باتيلانا (جامعة هارفارد) ودومينيك ميدا (باريز- دوفين )، الأساتذة الثلاثة الذين صاغوا مقالة الرأي، يعد مثل هذا الدعم القوي من المجتمع الأكاديمي الدولي أمرًا استثنائيًا: جمعت المبادرة أكثر من 3000 باحث من 600 جامعة حول العالم، يعملون في تخصصات مختلفة من الاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة وعلم الاجتماع إلى الرياضيات و علم المناخ و الفيزياء. يعتقد هؤلاء الأكاديميون أن نموذجنا المجتمعي الحالي غير مستدام، وتبرز بحوثهم سبب عدم الاستدامة. و هم اليوم يتشاركون في الالتزام بالمساعدة في تحديد الحلول والتوجهات التي تمكن من إرساء أسس اقتصاد ومجتمع أكثر ديمقراطية واستدامة. “

التشخيص

بدأ الباحثون الثلاثة بسؤال واحد: ماذا تعلمنا هذه الأزمة؟ تبدأ دعوتهم بملاحظة بسيطة: “البشر العاملون هم أكثر بكثير من” الموارد “. رعاية المرضى؛ توصيل الطعام والأدوية وأساسيات أخرى؛ إزالة النفايات؛ تخزين الرفوف وتشغيل السجلات في متاجر البقالة لدينا – الأشخاص الذين واصلوا الحياة تحت وباء كوفيد-19، وخاصة النساء والأقليات، هم دليل حي على أن العمل لا يمكن اختزاله إلى مجرد سلعة. لا يمكن أن تحكم صحة الإنسان ورعاية الفئات الأكثر ضعفاً قوى السوق وحدها. “

الاقتراحات

يتفق المؤلفون والموقعون على أن التغييرات الهيكلية الأساسية مطلوبة للخروج من الأزمة على مسار مستدام. تغييرات توفر إمكانيات ملموسة لسن هذه المبادئ الثلاثة:

1. دمقرطة العمل: يجب اعتبار العمال مواطنين في مكان العمل. يقر المؤلفون والموقعون بأن رفع الحد الأدنى للأجور وتقليص فجوة الأجور ضروري للغاية، ولكنه لن يكون كافيًا. لقد أثبت العمال مرة أخرى خلال هذه الأزمة أنهم هم المستثمرون  في العمل، الذين يشكلون الحلقة التأسيسية للشركات. ومع ذلك ليس لديهم الحق في إدارتها. يجب أن يكون للعمال الحق في أن يكونوا ممثلين في عملية صنع القرار في الشركات (مثل اختيار الرئيس التنفيذي، توزيع الأرباح، وما إلى ذلك). إن ترك استراتيجية الشركة في أيدي المساهمين وحدها أمر غير عادل وغير مستدام وخطير على المجتمع.

2. الغاء سلعنة العمل: لا يجب التعامل مع العمل على أنه مجرد سلعة يتم شراؤها وبيعها. يجب على المجتمعات أن تضمن توظيفًا لائقًا ومفيدًا لجميع الباحثين عنه – يجب تفعيل الحق في العمل، الذي سيسمح للجميع بالعيش بكرامة، من خلال برامج ضمان العمل. الذي سيوفر الحق في العمل للمجتمع ككل بالاستجابة بشكل أفضل للاحتياجات الاجتماعية والبيئية التي نواجهها.

3. الإصلاح: يجب احترام الحدود الحقيقية والملحة لكوكبنا. يجب على الدول أن تشرط دعمها للشركات بقبولها للتغييرات العميقة في نماذج أعمالها. بالإضافة إلى احترام المعايير البيئية والاجتماعية الصارمة، يجب على الشركات أن تخلق ديمقراطية داخلية حقيقية. إن احتياجات المجموعة – ولا سيما الاحتياجات البيئية والاجتماعية – لن تعلو على مصالح المساهمين وحدهم إلا إذا سمح بسماع أصوات العمال إلى جانب أصوات المساهمين.

نهج علمي

“مسؤوليتنا ، كعلماء وعالمات، هي مساعدة المجتمع على اختيار مستقبله من خلال توفير المعرفة المفيدة، بناءً على دراسات صارمة لطرق مختلفة للتنظيم” ،تقول إيزابيل فيريراس ، وجولي باتيلانا ، ودومينيك ميدا. “فمن خلال أبحاثهم العلمية ، يمكن للأكاديميين مساعدة المجتمع على التعلم من أخطاء الماضي ، ومن خلال دراسة المبادرات الحالية، يساعدون في تصميم بدائل تتعارض مع الوضع الراهن ، وتضع مجتمعاتنا على طريق مستقبل اقتصادي مستدام وديمقراطي.”

قيادة النساء للتغيير

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقالة الافتتاحية هي مبادرة نسائية. هذا يجعلها أكثر استثنائية في عالم البحث الأكاديمي. كما تلاحظ المبادرات بالمشروع بأن “ذلك بلا شك ينعكس أيضا على الدور الأساسي الذي تلعبه النساء في المساعدة في إدارة هذه الأزمة”.

و غدا؟

إن الـ 3000 الموقعين على هذا المقال مقتنعون بأن المجتمعات يجب أن تحدث تغييراً هائلاً في المسار وأن تعيد العمال (الممرضات ، الصرافي ، جامعي القمامة ، العمال الزراعيين ، المدرسين ، وغيرهم ) إلى حيث ينتمون: في صميم قيمنا و قراراتنا . فقط مثل هذا التحول العميق سيخلق نوع الدورة الفاضلة التي نحتاجها لمحاربة أزمتنا الصحية والمناخية والاقتصادية والسياسية الحالية. يقول الباحثون: “كعلماء وعالمات ، نعتبر أنفسنا حلفاء لجميع صناع التغيير – النقابات و رجال الأعمال ، المسؤولين المنتخبين ، الجمعيات المدنية ، أو المواطنين – الذين يريدون أن يروا العالم يسير في هذا الاتجاه”.

_____________

للإتصال بمنسقي المبادرة: democratizingwork@gmail.com، كما يمكنم الإطلاع على قائمة الموقعين على البي

https://democratizingwork.org

السفير العربي

——————————–

فورين أفيرز: كورونا و”مناعة القطيع”.. هل نجح خيار السويد ليصبح نموذجا عالميا؟

قال نيلز كارلسون وشارلوتا ستيرن ودانيال بي كلاي في مجلة فورين أفيرز الأمريكية إن دولة السويد تعاملت بشكل استثنائي مقارنة بدول أخرى في مواجهة فيروس كورونا المستجد، وتراهن على ما يسمى “مناعة القطيع”.

ويقول الكتاب إن السويد تعول كثيرا على سياسة التباعد الاجتماعي وتفهم السكان لهذه السياسة، بدل أن تفرض الحجر الصحي أو أن تفرض حالة الطوارئ الوطنية، لكن مع فرض بعض القيود بهدف “تسطيح المنحنى”،  منها منع التجمعات التي تزيد عن 50 فردا، والتعليم عن بعد في المدارس الثانوية والجامعات.

وبحسب المقال، لم تعلن السلطات السويدية بشكل رسمي أن الهدف هو الوصول إلى مناعة القطيع، لكن الحكومة تعتبر زيادة المناعة جزءا من الإستراتيجية الأوسع لها، أو على الأقل نتيجة متوقعة لإبقاء المدارس والمطاعم ومعظم الشركات مفتوحة.

ويعتقد معظم العلماء أن مناعة القطيع قد تتحقق عندما يصاب أكثر من 60% من السكان بالفيروس.

وتوقع أحد كبار علماء الفيروسات في وكالة الصحة العامة السويدية أن تصل مدينة ستوكهولم إلى “مناعة القطيع” في وقت مبكر من مايو/أيار، ولكن تحقيق 40% من مناعة القطيع بالعاصمة قد يكون كافيا لوقف انتشار الفيروس بحلول منتصف يونيو/حزيران المقبل، بحسب عالم رياضيات في جامعة ستوكهولم وبيانات يجري تحديثها بشكل يومي.

ويبدو أن أسلوب السويد في التعامل مع الأزمة لاقى استحسانا من بعض الأوساط، بحسب المقال، لأنها تحافظ على وضع اقتصادي شبه طبيعي، وعلى نسبة وفيات أقل مقارنة بدول أوروبية مثل إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا، لكن البعض يوجه لها انتقادات بسبب أن معدل الوفيات لديها تجاوز بقية دول الشمال (مثل النرويج وفنلندا)، إضافة إلى عدم توفير الحماية للسكان المسنين والمهاجرين.

وقالت السلطات السويدية إن ارتفاع معدل الوفيات في البلاد سينخفض مع الوقت، وإنه عندما تصل موجة ثانية مميتة من الفيروس ستكون السويد قد تجاوزت الفترة الأسوأ ووضعتها خلفها.

ورغم أن استجابة السويد للفيروس لم تكن مثالية، إلا أنها نجحت على الأقل في تقوية مناعة الشبان والأشخاص الأصحاء، مع المحافظة على تسطيح المنحنى، ولم يخرج الوضع عن السيطرة في وحدات العناية المكثفة في البلاد ولم يجر إرهاق الطاقم الطبي (كما حدث في دول أخرى).

ويبدو أن عددا من الدول بدأت تعتمد بعض أوجه الطريقة السويدية، فقد أعادت الدنمارك وفنلندا فتح المدارس الابتدائية، وأعادت ألمانيا فتح المحلات التجارية الصغيرة، ويتوقع أن تعيد إيطاليا فتح المتنزهات قريبا، بينما تنوي فرنسا إعادة فتح أنشطة تجارية غير ضرورية.

وفي بعض الولايات الأمريكية، جرى تخفيف بعض القيود بعد طلب من الرئيس دونالد ترامب، رغم أن الأخير رفض الطريقة السويدية، ويتبين أنه يدفع البلاد نحو سياسة مشابهة.

وقد لا تنجح كل الدول بما فعلته السويد بسبب اختلاف الثقافة بين دولة وأخرى، إذ لا يقتصر الأمر على المستوى العالي من الثقة من الناس فيما بينهم، وإنما أيضا مستوى الثقة المتبادل بين الشعب والدولة.

ويختم الكتاب مقالهم بالقول إنه يجب على الدول التي تعتمد إجراءات السويد أن تتعلم من أخطائها، خصوصا فيما يتعلق بالمسنين والمهاجرين، كما يجب توفير الأقنعة وغيرها من معدات الحماية على الفور في دور رعاية المسنين.

القدس العربي

————————

الغارديان: تحت غطاء فيروس كورونا يعيث الأشرار فسادا في العالم

تحدث جوناثان فريدلاند، في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية، عن “الإفساد في العالم” في عصر وباء كوفيد-19 قائلا: “تحت غطاء فيروس كورونا، يعيث الأشرار فسادا في العالم”، مضيفا: “لقد سمح الوباء للأقوياء والطغاة بالإفلات من العقاب عن القتل والفوضى بينما ننظر نحن في اتجاه آخر”.

وأضاف الكاتب أن البعض يعتبر كوفيد 19 “السلاح المفضل” فهو يتستر على كل أنواع الشر، وأن السلطات الاستبدادية تنتهز فرصة الأزمة الصحية العالمية، التي أصبحت بمثابة نعمة للمستبدين والطغاة والمتعصبين في العالم. “لقد أعطاهم أكثر ما يتحرقون شوقا إليه: الخوف وغطاء الظلام”.

وقال: “شاهد الأدلة الناشئة على أن بشار الأسد في دمشق وشي جينبينغ في بكين يسمحان للمرض بإحداث دمار بين تلك الجماعات التي لا يعتبرها حكامهم بشرا، ولا تستحق حياتهم الحماية الأساسية. فالأسد يتعمد ترك السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أكثر عرضة للوباء، بحسب ويل تودمان مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية”.

وينقل الكاتب عن ويل قوله إن “كوفيد 19 أعطى الأسد فرصة جديدة لاستغلال المعاناة”.

وفيما يتعلق بالصين، يقول جوناثان إنها “تواصل احتجاز مليون مسلم من الأويغور في معسكرات الاعتقال، حيث يواجهون الآن ليس فقط الظروف اللإنسانية ولكن أيضا وباء كورونا”.

ويشير إلى أن هذه المعسكرات “ضيقة وتفتقر إلى الصرف الصحي الملائم ولديها مرافق طبية ضعيفة: لا يمكن للفيروس أن يحتاج أرضا أفضل من ذلك للتكاثر. والأكثر من ذلك، يُقال إن مسلمي الأويغور يُجبرون على العمل كعمال بدلاء لغير المسلمين المسموح لهم بالبقاء في المنزل وحماية أنفسهم”. وهذا، وفقا لأحد المراقبين، “يعكس كيف تنظر جمهورية الصين إلى [الأويغور المسلمين] على أنهم ليسوا سوى سلع يمكن التخلص منها”.

وأضاف قائلا: “في مكان آخر، أعطى الوباء للديكتاتوريين المحتملين ذريعة للاستيلاء على المزيد من السلطة. فقد أدخل (رئيس وزراء المجر) فيكتور أوربان، الذي كان رده على الفيروس فوريا: أقنع برلمانه المطوَّع بمنحه الحق في الحكم بمرسوم. وقال إنه بحاجة إلى سلطات طارئة لمكافحة المرض المخيف”.

غير أن الكاتب يقول إنه “لا يوجد حد زمني لهذه السلطات، فسوف تظل بيده حتى بعد انتهاء التهديد”. وتشمل هذه السلطة الحق في اعتقال الذين “ينشرون معلومات كاذبة”، مضيفا: “يسعى أوربان منذ فترة طويلة إلى حكم المجر كدولة أوتوقراطية، لكن الوباء منحه فرصته، ما سمح له بوصم أي شخص يقف في طريقه بأنه غير راغب في مساعدة الزعيم على محاربة تهديد مهلك”.

بينما اعتبر جوناثان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الحكام غير ذوي المبادئ الذين يحدثون الأذى بينما ينشغل المنتقدون في الداخل والخارج بأعمال عاجلة تتعلق بالحياة والموت، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي وصفه بأنه من المعجبين بترامب. فقد “رأى الفرصة نفسها التي رصدها زملاؤه من القوميين المتطرفين”.

ويضيف: “تستخدم الشرطة الهندية الإغلاق لقمع المواطنين المسلمين وقادتهم “بشكل عشوائي”، وأن مودي “يحسب أن رأي الأغلبية سيدعمه، حيث يصف السياسيون الهندوس اليمينيون الفيروس بأنه “مرض مسلم” وتعلن المحطات التليفزيونية الموالية لمودي أن الأمة تواجه جهاد كورونا”.

ويضيف جوناثان رئيس وزراء إسرائيل إلى القائمة. ويقول: “منح الفيروس بنيامين نتنياهو – الذي يمكنه الادعاء بأنه ترامبي قبل ظهور ترامب – شريان الحياة السياسي”، مع أنه متهم رسميا بالفساد.

ويضيف الكاتب: “إن ائتلافه (نتنياهو) الجديد ملتزم ببرنامج تضم إسرائيل بموجبه أجزاء رئيسية من الضفة الغربية، وتبتلع بشكل دائم أراضي يجب أن تنتمي إلى دولة فلسطينية مستقبلية، على أن تبدأ عملية الابتلاع في أوائل يوليو”.

ويخلص جوناثان إلى أنه “حتى الآن، كان الوباء بمثابة نعمة للمستبدين والطغاة والمتعصبين في العالم. لقد أعطاهم أكثر ما يتحرقون شوقا إليه: الخوف وغطاء الظلام”.

القدس العربي

—————————-

“الصحة العالمية” تبحث الرابط بين كورونا ومتلازمة كاواساكي

أعلنت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، أنّها تدرس احتمال وجود رابط بين فيروس كورونا ومتلازمة كاواساكي التي تؤدي إلى أمراض التهابية لدى الأطفال.

وأعلن مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحافي أجراه عبر الإنترنت في جنيف: “تشير فرضيات أولية إلى أنّ هذه المتلازمة قد تكون مرتبطة بكوفيد-19 (…) ندعو كل اختصاصيي التحليل السريري في العالم إلى العمل مع السلطات الوطنية ومنظمة الصحة العالمية لنكون في حالة استعداد ونفهم أكثر هذه المتلازمة لدى الأطفال”.

وأضاف: “من الضروري تشخيص هذه المتلازمة السريرية بدقة وسرعة لفهم أسبابها ووضع بروتوكولات علاج”، وطوّرت منظمة الصحة العالمية وشبكتها العالمية للأطباء السريريين تعريفاً أولياً، ووضعت في تصرف الأطباء استمارة تصريح لكلّ حالة مشتبه بإصابتها بمتلازمة الاستجابة الالتهابية الجهازية.

وأوضح مسؤول برامج الطوارئ في المنظمة، مايكل ريان، أن الحالات التي تم تسجيلها في العالم نادرة ولا يزال دور فيروس كورونا الجديد في تطور الالتهاب غير معروف، وأضاف ريان: “لا نعلم إن كان الفيروس يهاجم الخلايا أو إن كانت الاستجابة المناعية” المفرطة هي التي تؤدي إلى الالتهاب، كما هو الحال مع حمى إيبولا.

وأدى مرض التهابي، يُرجح أنه مرتبط بفيروس كورونا وأصاب بعض الأطفال، إلى تسجيل أول وفاة في فرنسا لطفل يبلغ تسع سنوات، لكن هذه المتلازمة الشبيهة بمرض كاواساكي لا تزال نادرة مع 135 إصابة معلنة حتى الساعة.

وقال البروفيسور فابريس ميشال، رئيس قسم إنعاش الأطفال في مستشفى لا تيمون في مرسيليا (جنوب شرق)، إن الطفل توفي في الثامن من مايو/ أيار بسبب “تلف عصبي مرتبط بالسكتة القلبية”، وأضاف في حديث لوكالة فرانس برس أن التحاليل أظهرت أنه “كان على احتكاك” بفيروس كورونا، لكن لم تظهر عليه أي أعراض.

وتابع أنه لدى نقله إلى قسم طوارئ الأطفال في مستشفى آخر في مرسيليا، في الثاني من مايو/ أيار، خضع الطفل لفحص وكان يعاني من أعراض “مشابهة لأعراض الحمى القرمزية (…) من دون مؤشر خطورة”، وأعيد إلى المنزل مع علاج. وقال الطبيب إنه في نفس الليلة “أُصيب الطفل بإعياء شديد مع سكتة قلبية” في المنزل، فنقل إلى قسم إنعاش الأطفال، حيث تلقى العلاج لسبعة أيام وتوفي السبت الماضي.

وأعلنت مديرية الصحة العامة في فرنسا، مساء الخميس، وفاة الطفل المصاب بمرض آخر هو “مرض عصبي نمائي”، لكن البروفيسور ميشال أشار إلى أن هذا المرض الآخر لا علاقة له بوفاة الطفل، وهذا أول طفل يتوفى في فرنسا جراء مرض التهابي مرتبط على الأرجح بكورونا.

وقالت البروفيسورة كارولين أفايرت، رئيسة قسم أمراض القلب لدى الأطفال في مستشفيات مرسيليا، إن هذا المرض “خطير، لكنه نادر جداً، ونحن مقتنعون بأنه تجب مواصلة إعادة الأطفال إلى المدارس”، وأبلغت عدة دول، في الأسابيع الثلاثة الماضية، عن حالات أطفال مصابين بمرض التهابي مع أعراض مشابهة لأعراض مرض كاواساكي، ومرتبطة على الأرجح بكورونا.

وبعد إعلان المملكة المتحدة عن أول حالة من هذا النوع، نهاية إبريل/ نيسان، أُبلغ عن حالات مشابهة في نيويورك وإيطاليا وإسبانيا، والوفيات نادرة جداً، مع وفاة فتى في الرابعة عشرة من عمره في بريطانيا، وطفل في الخامسة من عمره في نيويورك.

وفي فرنسا، سجّلت 135 إصابة بالمتلازمة “النادرة التي تبدو حالياً في تراجع” بين الأول من مارس/ آذار، و14 مايو/ أيار، أكثر من نصفها في المنطقة الباريسية، وفق مصلحة الصحة العامة، وتلقى 65 طفلاً العلاج في أقسام الإنعاش و25 آخرون في أقسام العناية المركزة.

وتشمل الأعراض حمى شديدة وألما في البطن واضطرابات في الجهاز الهضمي وطفحا جلديا والتهاب الملتحمة واحمرار اللسان وتورمه، وهذه الأعراض قريبة من مرض كاواساكي الذي يصيب الأطفال ويسبب التهاب الأوعية الدموية، ومع ذلك، هناك اختلافات، فالالتهاب وتلف القلب “أكثر وضوحاً” في الحالات التي يشتبه في ارتباطها بكورونا مقارنة بمرض كاواساكي العادي، وفق الأطباء.

ويقول البروفيسور ميشال إن هذه الحالات تتعلق “بعدد قليل جداً من الأطفال، ووفاة واحدة ويجب أن لا تثير القلق بلا داع”، ويضيف أنه تجب استشارة الطبيب “عندما يعاني الأطفال من الحمى لأكثر من يومين مع علامات مصاحبة”.

(فرانس برس)

——————————–

كورونا: “المسمار”.. قد يكون الحلَ

قالت شبكة “سي إن إن” الأميركية إن علماء يعملون على تطوير نوع جديد من لقاحات كورونا يعتمد على إعطاء الجسم الشيفرة الوراثية لأخطر جزء من الفيروس من أجل منعه من دخول الخلايا، وهى التقنية التى يرى خبراء أنها قد تمثل قفزة كبيرة فى مجال مكافحة الفيروسات.

وعرضت “سي إن إن” على موقعها الإلكتروني في نسخته العربية مقطعاً مصوراً عن الجهود التى يقوم بها البروفيسور روبن شاتوك من كلية “إمبريال كوليدج” لندن وفريقه لتطوير التقنية الجديدة التى تجعل جسم الإنسان يتعرف على أخطر جزء من الفيروس، وهو الخطاف أو المسمار من الخارج، حتى يكون الجسم جاهزاً إذا رأى الشيء الحقيقي. لا يُعطى الجسم جزءاً من الفيروس، بل يُعطى مخططاً للجزء الأكثر فتكاً من الفيروس.

وستبدأ التجارب البشرية على هذا اللقاح في منتصف حزيران/يونيو المقبل، ويأمل العلماء في إجراء 6 آلاف اختبار بشري بحلول تشرين الأول/أكتوبر، بحيث تكون هذه التقنية، التي وصفت بالثورية، جاهزة ربما في وقت مبكر من العام المقبل للجميع.

وعن طريقة عمل اللقاح، قال شاتوك إن “المسامير الموجودة على سطح الفيروس هي ما يسمح له بمهاجمة ودخول خلايا الجسم، وتعتمد تقنيتها على حقن الشيفرة الوراثية لتلك المسامير في الجسم ويتيح لخلايا عضلاتك صنع الكثير من تلك المسامير، ويدرك نظام المناعة لديك هذا ويبدأ فى صنع الأجسام المضادة التي تربك هذا المسمار”.

وأضاف “لذلك عندما ترى الفيروس بأكمله، فإن الجسم، بعد حصوله على اللقاح، سيقوم جهاز المناعة لديه فوراً بإنتاج أجسام مضادة يمكن أن تثبت على المسمار، ما يعني أن المسمار لن يعد قادراً على إصابة الخلايا، وتختلف هذه التقنية عن أغلب اللقاحات الأخرى التى تعطى الجسم فيروساً كاملاً ضعيفا ليتعلم كيفية القتال”.

في غضون ذلك انتشرت خلال الساعات الأخيرة تقارير تقول إن غسول الفم الذي يستخدم للمضمضة لديه القدرة على قتل وتدمير فيروس كورونا المستجد قبل أن يصيب الخلايا البشرية، لكن تدوينة سابقة لمنظمة الصحة حسمت الجدل بشأن الموضوع.

وقال فريق من الباحثين إن المواد الكيماوية المتواجدة في غسول الفم قادرة على تدمير الغشاء الدهني لفيروس كورونا.

لكن منظمة الصحة العالمية عبر صفحتها الرسمية على موقع “فايسبوك”، كانت قد قالت: “لا يوجد دليل على أن استخدام غسول الفم سيحميك من العدوى بفيروس كورونا الجديد”. وأضافت المنظمة “بعض العلامات التجارية لغسول الفم قد تقضي على بعض الميكروبات في الفم لدقائق، لكن ذلك لا يعني أنها قادرة على حمايتك من كوفيد 19”.

وأظهرت بعض التجارب والدراسات السريرية المحدودة أن غسول الفم يحتوي على ما يكفي من المكونات القادرة على استهداف الدهون بشكل فعال في فيروسات مغلفة مماثلة، وفق ما نشرت صحيفة “دايلي ميل” البريطانية.

ويتكون غسول الفم من مواد مثل الكلورهيكسيدين، كلوريد سيتيل البيريدينيوم، وبيروكسيد الهيدروجين وبوفيدون اليود، وكلها لديها القدرة على منع العدوى والعديد منها “تستحق التقييم السريري”، وفقا للباحثين الدوليين.

بالتزامن، أكد آلاف المتطوعين أنهم يرغبون في الإصابة بفيروس كورونا المستجد عن قصد، وبإرادتهم، من أجل حقن مجموعة منهم في ما بعد بلقاحات محتملة، وسط تجربة محفوفة بالمخاطر الصحية.

كما أن تجربة لقاح “التحدي البشري” المحتملة، ستعرض المتطوعين عن قصد، لمرض “كوفيد 19″، بعد حقن مجموعة منهم بلقاح محتمل. التجربة محفوفة بالمخاطر، وقد تكون مميتة، لكنها قد تكون أيضاً بمثابة مسار أسرع للوصول إلى لقاح حقيقي للعالم، وفكرتها تحظى باهتمام منظمة الصحة العالمية الآن.

ويعد الطالب أبي روهيغ واحداً من أكثر من 16 ألف شخص (معظمهم من الشباب) الذين أبدوا دعمهم لفكرة التطوع من أجل إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، حيث يقول إنه يريد أن يعمل ذلك لصالح الإنسانية.

وسجل الآلاف عبر الإنترنت في موقع جديد مهتم بالتطوع للإصابة بفيروس كورونا من أجل التسريع في تطوير لقاح جديد يكافح مرض “كوفيد 19” ، حيث يدخل الشخص على الموقع الإلكتروني “1 Day Sooner ” ثم يقوم بتحديد علامة بجوار العبارة: “أنا مهتم بالتعرض للفيروس التاجي من أجل تسريع تطوير اللقاح”.

وتسمى هذه التجربة ب”لقاح تحدي البشر” أو “دراسة العدوى البشرية الخاضعة للرقابة” ويمكن من خلالها التسريع في عملية إنتاج لقاح يسهم في علاج مرضى فيروس كورونا المستجد حول العالم.

—————————–

فيروس كورونا قد يصبح مثل الإيدز.. هل رفع العالم الراية البيضاء؟/ أسامة أبو الرب

قالت منظمة الصحة العالمية إن فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19 قد يصبح متوطنا مثل فيروس “إتش آي في” المسبب لمرض الإيدز، فهل استنفدت الحلول ولم يبق سوى رفع الراية البيضاء؟

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في المنظمة مايك رايان في إفادة صحفية عبر الإنترنت أول أمس الأربعاء “من المهم أن نطرح هذا الكلام، هذا الفيروس قد يصبح مجرد فيروس آخر متوطن في مجتمعاتنا، قد لا يختفي هذا الفيروس أبدا”.

وأضاف “أرى أنه من الضروري أن نكون واقعيين، ولا أتصور أن بوسع أي شخص التنبؤ بموعد اختفاء هذا المرض، أرى أنه لا وعود بهذا الشأن وليس هناك تواريخ، هذا المرض قد يستقر ليصبح مشكلة طويلة الأمد، وقد لا يكون كذلك”.

ومع ذلك، قال إن العالم حقق بعض السيطرة بشأن كيفية تعامله مع المرض، لكن الأمر سيتطلب “جهودا هائلة” حتى لو تم التوصل إلى لقاح، وهو احتمال وصفه بأنه سيكون “إنجازا كبيرا”.

 هل يتوطن الفيروس؟

الفيروس المتوطن أو “المرض المتوطن” (Endemic) هو مرض يكون له وجود مستمر أو انتشار معتاد وضمن المعدلات المتوقعة داخل منطقة جغرافية، وهذا يعني أن المرض يستمر بالوجود لكن ضمن معدلات ثابتة تقريبا.

والفرق الأساسي بين المرض المتوطن والمرض الذي يسبب جائحة هو إمكانية التنبؤ، ففي حالة الفيروس المتوطن فإن العلماء يكونون قد وصلوا إلى معرفة الأرقام المتوقعة للإصابات والوفيات، أي أنه إذا لم يتم احتواء فيروس كورونا أو القضاء عليه فقد ينتهي به الأمر كفيروس متوطن آخر يتعرض له الناس إلى حد ما بانتظام.

أمثلة على الفيروسات المتوطنة

في المؤتمر الصحفي لمنظمة الصحة العالمية أول أمس الأربعاء استخدم الدكتور رايان فيروس “إتش آي في” المسبب لمرض الإيدز (متلازمة نقص المناعة البشرية المكتسب) مثالا على الفيروسات المتوطنة.

ويقول الدكتور رايان “مع أن فيروس الإيدز لا يزال يعتبر من الناحية العلمية وباء إلا أن سكان العالم لديهم مستوى من الوعي بالفيروس”، مضيفا أن “فيروس نقص المناعة البشرية لم يختف.. ووجدنا العلاجات ووجدنا طرق الوقاية ولا يشعر الناس بالخوف كما كانوا من قبل، والآن يوفر الطب الحديث حياة صحية طويلة للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية”.

 ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإنه في 2018‏ بلغ عدد المتعايشين مع فيروس الإيدز 37.9 مليون شخص، وأدى توسيع نطاق التوصل إلى الوسائل الفعالة للوقاية من الفيروس وتشخيصه وعلاجه ورعاية المصابين به إلى جعل العدوى بهذا الفيروس مشكلة صحية مزمنة يمكن السيطرة عليها، مما يتيح للمصابين به حياة طويلة وصحية.

ويهاجم فيروس الإيدز النظام المناعي ويضعف الدفاعات البشرية الطبيعية ضد الالتهابات وبعض أنواع السرطان، ويؤدي إلى تدمير وتعطيل وظائف الخلايا المناعية، مما ينتج عنه إصابة الأشخاص بالعوز المناعي تدريجيا.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنه لا يوجد علاج لعدوى الإيدز، ومع ذلك فإن الأدوية الفعالة المضادة للفيروسات القهقرية يمكنها السيطرة على الفيروس والمساعدة في منع انتقاله إلى أشخاص آخرين.

الملاريا

الملاريا مثال آخر على مرض متوطن في مناطق معينة، وهو مرض خطير وفي بعض الأحيان مميت يسببه طفيلي ينقله البعوض إلى البشر، وتوجد علاجات له.

والملاريا مرض متوطن في أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء، ولهذا السبب قد يحتاج المسافرون إلى تلك البلدان إلى الحصول على أدوية للوقاية منها.

الزكام

وقال غراهام ميدلي مدير مركز النمذجة الرياضية للأمراض المعدية في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي لموقع ذا فيرج إن هناك احتمالية أن يأخذ فيروس كورونا المستجد مسار فيروسات أخرى مثل المسببة للزكام أو الإنفلونزا الموسمية التي تكون عدواها أكثر شيوعا خلال أشهر محددة من السنة.

وأضاف ميدلي أنه على الرغم من أن الإنفلونزا غير مصنفة فيروسا متوطنا فإن هناك مستوى من القدرة على التنبؤ بها، كما أن الإجراءات المتخذة تقلل انتشارها مثل لقاح الإنفلونزا، أو تسرع الشفاء لدى الأفراد المصابين مثل الأدوية المضادة للفيروسات، ومنها تاميفلو.

 الشبه بين فيروس كورونا المستجد وفيروس الإيدز

قارن ديفد ويسنر أستاذ علم الأحياء في كلية ديفيدسون في مقال بمجلة فوربس بين فيروس كورونا المستجد واسمه العلمي “سارس كوف 2” وفيروس الإيدز، مع أنه أكد -حتى لا يصاب أحد بالذعر- أنهما مختلفان تماما.

وقال ويسنر إن بعض الدراسات الحديثة بشأن تأثيرات فيروس الإيدز و”سارس كوف 2″ تشير إلى أن لديهما بعض أوجه تشابه، إذ وفقا لباحثين في شنغهاي فإن فيروس كورونا يمكن أن يصيب الخلايا الليمفاوية التائية، وهي من خلايا الدم البيضاء، وهي نفس الخلايا المستهدفة بفيروس الإيدز.

كما وثق باحثون آخرون أن الأفراد الذين يعانون من كوفيد-19 قد يحدث لديهم انخفاض في الخلايا الليمفاوية في الدم، وبالمثل تؤدي الإصابة بفيروس الإيدز إلى ذلك.

بالمقابل، فإن فيروس الإيدز يتكاثر بقوة في خلايا الدم البيضاء، حيث تنفث الخلايا المصابة آلاف الجسيمات الفيروسية الجديدة، أما فيروس كورونا فمع أنه يصيب خلايا الدم البيضاء إلا أنه ليست لديه القدرة على التكاثر في هذه الخلايا، إذ يبدو أن هذه الفيروسات يمكن أن تدخل الخلايا، لكن العدوى فاشلة.

وحتى اللحظة لم ينجح العلماء في تطوير لقاح لفيروس الإيدز، وذلك لعدة أسباب، منها: أن فيروس الإيدز يتغير بسرعة عبر الطفرات ويغير مظهره باستمرار ويبقى متقدما على أي استجابة ينتجها الجسم، كما أن فينوم فيروس الإيدز يندمج عند دخوله الخلية في جينوم الخلية المضيفة، مما يجعله غير مرئي بشكل فعال للاستجابة المناعية للمضيف، إضافة إلى أن أجسامنا لا تستجيب لفيروس الإيدز بشكل طبيعي استجابة مناعية فعالة.

الأخبار السارة

أما الأخبار السارة فهي أن فيروسات كورونا لديها معدل طفرات أقل بكثير من فيروس الإيدز، وتشير البيانات الأولية إلى أن هذه الخاصية صحيحة بالنسبة لفيروس كورونا المستجد سارس كوف 2.

2- جينوم فيروس كورونا المستجد لا يندمج مع جينومات الخلايا المصابة.

3- تشير الأبحاث السابقة بشأن فيروسات كورونا إلى أن البشر لديهم استجابة مناعية قوية لهذه الفيروسات.

4- يجري حاليا تطوير أكثر من 100 لقاح محتمل لفيروس كورونا، العديد منها في مرحلة التجارب السريرية.

لذلك، فإن إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا سيصبح متوطنا لا يعني أبدا رفع الراية البيضاء أو الاستسلام، بل يعني أنه مع الأبحاث المستمرة سيصبح العلماء أكثر قدرة على التنبؤ بمساره والتعامل مع مصابيه وتوفير الدعم والعلاج اللازم لهم، ولعل الأيام المقبلة تحمل لنا أخبارا سارة عن التوصل إلى اللقاح المطلوب.

المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية,الفرنسية,فويس,رويترز

————————–

الحصانة والوباء: مقاربات في المخاطر والصيدلة والسياسة والأخلاق/ مضر رياض الدبس

المحتويات:

أولًا: المخاطر أو تكتكتة القنبلة

ثانيًا: التأخر التاريخي للصيدلة

    شركات الأدوية وذهنية الربح  مكامن التأخر وأسبابه

ثالثًا: الأخلاق الكونية وتقاطعات الصحة والحرية، ألمانيا وسورية أنموذجًا

    كونية الحصانة

    الذاتي والموضوعي، المحلي والعالمي، الداخل والخارج

بقدر ما هي مزعجة هذه الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها العالم هذه الأيام، هي مغرية للتفكير فيها، وهذه المساهمة استجابة بسيطة لهذا الإغراء المعاصر. واخترنا أن يكون التفكير في المسألة من جنس دوافعه، فوجَّهنا مقارباتنا وفق منهجية تنظر في المخاطر بوصفها نبوءات علميَّة اليوم، وأزمات وكوارث غدًا. ثم قادنا هذا المنهج إلى الصيدلة، وإلى أسباب إخفاق هذا العلم في نجدتنا، وصولًا إلى مقاربات أكثر اتساعًا في الأفق، فنتناول المسألة الأخلاقية من زاوية تقاطعات الصحة والحرية، متخذين من سورية وألمانيا أنموذجين؛ الأولى بما هي صورة فاقعة معاصرة للمخاطر المتحَققَة، والثانية بما هي مثال للتقدم العلمي والصحي الذي فشل في تحصينها من الوباء. ثم نجرد هذه التقاطعات ونعيد تعيينها في مجالات أوسع، مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان. وصولًا إلى مقاربة أفضل لثنائيات المحلي والكوني، والذاتي والموضوعي، والداخل والخارج.

أولًا: المخاطر أو تكتكة القنبلة

يتضمن التفكير في المخاطر شيئًا من النبوءة، بما هو تحديدٌ يستند إلى رصد إمكانات عالية لتحقّق حدثٍ لم يقع بعد. تستند هذه النبوءة إلى تتبع عقلي لمآلات حقائق راهنة، وبهذا المعنى، يكون الاستشعار السليم للتهديد، والتكهن الصحيح بالضرر، هما أهم مؤشرات الأداء الرئيسة لتقييم مجمل نتائج هذا النوع من التفكير وأدائه. بتعبيرٍ آخر: إن تحديد التهديد وفهمه، ومن ثم تصوّر نتائجه إذا أصبح واقعًا في المستقبل، هو مادة التفكير الأولية في المخاطر.

هكذا يمكن أن نقول إن منهجية التفكير العريضة في المخاطر تقوم على ركيزتين: التحليل والنبوءة، وتبقى هذه المقولة صحيحة ما دام التفكير يقع على المستوى العلمي العقلي المجرد، ولكن ما إن نغادر هذا المستوى، بإضافة بُعد أخلاقي إنساني، حتى ندرك ضرورة وجود مؤشر أداء يتناقض مع الأول. فلا يعود الحكم على نجاح هذه المنهجية متوقفًا على وضع النبوءة الصحيحة، بقدر ما يتوقف على النجاح في منع تحققها في المستقبل، عبر اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية. هذا يعني أن البعد الأخلاقي للعلم يوجب العمل على منع الكارثة لا التحذير منها فحسب.

إذا تحققت نبوءة نبيّ في أي شيء؛ أمكن أن نقول إن في ذلك دليل صدقه وأحقية نبوءته، ولكن إذا تحققت نبوءة عالمٍ في وقوع ما كان يحذّر من وقوعه، فهذا دليل ضعفنا واستهتارنا، وفشل أنظمتنا الأخلاقية بالدرجة الأولى، والسياسية بالدرجة الثانية. ولذلك، فإن التفكير في المخاطر لا يكون ناجحًا وناجعًا، إلا إذا تضمن العمل على إجهاض كلّ إمكانات تحقق نبوءاته وتوقعاته، لا العمل على تعظيم فرص تحققها كما يفعل أنصار الأنبياء.

كانت الجائحة، التي نشهدها اليوم، نبوءةً -على أقل تقدير منذ ظهورها في 2003 حين سببت “سارس”: المرض نفسه- وكانت تُعرف بـ “كوفيد (1)”، وكان العلماء متأكدين من حدوثها في يومٍ ما، كما هم اليوم متأكدون من أن العالم سيشهد جائحة أنفلونزا أخرى مثلًا، ولكن لا يعرفون متى على وجه التحديد. ومع ذلك لم يتحرك العالم، ولم تأخذ الأنظمة السياسية والصحية الأمر على محمل الجد، إلا عندما رأت الموت والكارثة والخسائر واقعًا ماثلًا فاقعًا! وعند هذه النقطة، لجأ العلم إلى التضامن لمواجهة الفيروس، ومشاركة المعلومات، حتى إن منظمة الصحة العالمية أطلقت تسمية “تجربة التضامن” (Solidarity Trial) على الدراسة الموَّسعة التي أطلقتها أخيرًا بمشاركة خمس وأربعين دولة، بهدف مقارنة سلامة ونجاعة أربعة عقاقير مختلفة أو تركيبات من العقاقير ضد كوفيد-19. ومن اللافت للنظر وصف منظمة الصحة العالمية لهذه التجربة بـ “التاريخية”؛ لأنها وفق تعبير المنظمة “تقلصّ إلى حد كبير الوقت اللازم لتوليد بيّنات متينة عن أنسب الأدوية وأنجعها”[1]. ولنا هنا أن نضع أسئلة منطقية، عن سبب غياب هذا النوع من التضامن قبل الكارثة، وعن سبب غياب هذه المبادرات لمنع حدوث كوارث صحية أخرى تتنبأ بها منظمة الصحة العالمية نفسها: مثلًا تتنبأ المنظمة، ضمن مقال عن مهامها في عام 2019، فتقول بالحرف: “سيشهد العالم جائحة أنفلونزا أخرى، وإن لم نعرف تمامًا وقت تعرضنا لها ومدى وخامتها. ولا تتسم تدابير العالم في مجال الدفاع ضد هذه الجوائح بالفاعلية إلا بقدر فاعلية أضعف حلقات نظم التأهب لمواجهة الطوارئ والاستجابة لها في البلدان”[2].

ويشي هذا المسار بأن العلم يعرف تمامًا أن هناك جائحة أنفلونزا قادمة، ولكنَّه لا يطوّر أي نوع من التضامن الطارئ، الذي يعكس رغبة حقيقية في منع حدوث هذه النبوءة، على غرار “تجربة التضامن التاريخية” التي بدأت بعد وقوع كارثة كوفيد 19. يدفعنا ذلك كله إلى التفكير في البعد الأخلاقي للمسألة العلاجية، وسياسات الصحة العامة.

كان التضامن في حالة كورونا نتيجةً للخوف، ولو أنه كان قبل كورونا نتيجة لدرء الخوف، لكان بالتأكيد تضامنًا أكثر إنسانية، لأنه كان سيكون أكثر أخلاقية، وكان سيجنب البشرية كثيرًا من الموت والخسائر الاقتصادية.

جزء ممّا نشهده اليوم هو الانتقال من مجتمع الطبقات إلى مجتمع المخاطر (risk society) -بتعبيرات عالم الاجتماعي الألماني أورليش بيك- وهو أيضًا انتقال “من التضامن في حالة النَّقص، إلى التضامن في حالة الخوف”، ولمسار التنبؤ بأن جماعة الخوف ستبدأ بمزاحمة جماعة البؤس على مسرح الحياة ما يبرره ويدعمه[3]. وفي الحقيقة هذا ما حمله كورونا اليوم، في أحد أهم جوانب الحياة الإنسانية أهمية، وهو الجانب الصحي، حيث لم يميز كوفيد 19، بين الغني والفقير، كما تفعل الملاريا أو شلل الأطفال، وما إلى هنالك من أمراض الفقراء التي لم يتضامن العالم من أجلها.

بهذا الشكل القائم على الخوف نفسه، يكون التضامن في الحروب أيضًا، وخصوصًا المحليَّة منها، فالتضامن الذي تولد بين أفراد قبيلة التوتسي في راوندا، مثلًا، هو تضامن يستند إلى الخوف، وتحولت أسس التضامن في المجتمع السوري من مجابهة البؤس إلى مواجهة الخوف. ويبدو أن العالم الحالي يتفاعل ويتضامن مع الخوف الكوني المعمم، الذي لا يتشكل بالنبوءة، بل يولد لحظة وقوع الكارثة، والذي لا يتعمم عالميًا بكارثة محدودة الجغرافيا كالحروب، بل بكارثة عابرة للحدود تساوي بين الجميع بتوزيع التهديد والموت.

تصبح هذه المقاربة مهمة لمستقبل الإنسانية؛ لأن التعرض للمخاطر لا يوصل بالضرورة إلى الوعي بوجود التهديد، بل قد يحدث عكس ذلك، وهو ما يسميه أولريش بيك “النفي الذي يثيره الخوف”؛ فنحن نميل إلى نفي وجود ما يخيفنا. وفي الوقت الذي لا يمكن إسكات الجوع بمجرد نفيه، يمكن تجاهل التهديدات طالما أنها لم تتحقق بعد. وتأتي مجمل تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول كورونا في هذا السياق، حيث إنها تراوح بين التطمين النزَّاع إلى النكران، وبين الكلام عن ضرورة فتح الاقتصاد. مثلًا، صرَّح في 17 نيسان/ أبريل بأن عدد الوفيات سيكون أقل، وطرح خطة لفتح الاقتصاد، في حين تشير الدلائل العلمية إلى أن الوفيات ما زالت بتصاعد، وحالات الإصابة بازدياد، والولايات المتحدة تواجه كارثة حقيقية تستدعي المزيد من التشدد في إجراءات الحجر الصحي. ولا يبدو أن تعرض الرئاسة الأميركية للمخاطرة يوحي أبدًا بوعيها به كمؤسسة، وهي مثال أنموذجي هنا، يمكن تعميمه على كثير من المؤسسات؛ حيث يبدو كما لو أن التهديدات لم تعد تثير المؤسسة الرئاسية، بل ما يثيرها هم الذين يشيرون إلى وجود هذه التهديدات. في هذا السياق فقط، يمكن فهم تغريدات ترامب التي نادى فيها بـ “تحرير” ثلاث ولايات، حيث قال في ثلاث تغريدات متتابعة: “حرروا مينيسوتا، “حرروا ميشيغان”، و”حرروا فرجينيا إنها تحت الحصار”! وتشهد هذه الولايات تظاهرات ضد قرارات الحجر، ويحكمها ديمقراطيون. تنتمي هذه الظاهرة الترامبية التي نشهدها اليوم إلى استنتاج سابق، وضعه أورليش بيك، مفاده أن العجز يؤدي إلى التطرف[4]، فعدم قدرة ترامب العقلية على إدراك التهديد، وما يواجه من عجز إزاءه، يعزز لديه ردات فعل وحركات متطرفة ومتشنجة.

يبقى هذا النوع من النكران -على الرغم من اعتلاله- أهوَن من نكران الأنظمة الشمولية، القمعية، الذي يصل إلى درجةٍ، بقدر ما هي مأسوية، هي مثيرة للهزل، كأن يعلن النظام السوري -بعد أشهر من الجائحة- أن عدد المصابين في سورية أربعة أو خمسة، وكوريا الشمالية تظل “محصَّنة”، ويبقى الغموض يكتنف الوضع الحقيقي للإصابات والوفيات في إيران، ومؤشرات كثيرة على تلاعب الصين بأعداد الإصابات والوفيات، الأمر الذي من الممكن أن يكون قد ورَّط العالم بأسره.

لن تتوقف المشكلة عند هذه الجائحة، فكورونا قنبلة وانفجرت، ولكننا نسمع الآن تكتكات كثير من القنابل، منها ما يمكن أن يكون أخطر. على سبيل المثال، يشكل انتهاء فعالية المضادات الحيوية بسبب مقاومة البكتيريا لها، تهديدًا للشكل الحالي الذي نعرفه عن الطب، لأنه ما إن تفقد المضادات الحيوية فاعليتها -وهذا على وشك الحدوث- حتى يصبح جرحٌ صغير، أو التهاب في البلعوم، على سبيل المثال، كافيًا ليكون سببًا للوفاة. ومع ذلك لا يزال الاستثمار في تطوير المضادات الحيوية الجديدة محدودًا جدًا. على الرغم من أن هذه النبوءة أصبحت معروفة وواضحة عالميًا[5]. ولن يتوقف الموضوع على الجانب الصحي فحسب، بل سيكون له انعكاساته الاقتصادية، حيث إن مقاومة المضادات الحيوية ستمارس عبئًا على الناتج المحلي الإجمالي العالمي (Global GDP) يقدر بحوالي 3.5%، بين عامي 2017 و2050[6]. إضافة إلى مجموع وفيات يصل إلى عشرة ملايين حالة وفاة حتى تلك السنة[7]، للسبب نفسه. ومع ذلك كله، لا يمكن رصد إلا تحركات خجولة هنا وهناك، واستجابات بطيئة لدعوات إجهاض هذه النبوءة.

ويفيد التقرير الأخير للمخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020، بأن النظام الصحي العالمي، الذي يبدو متقدمًا، يحمل كوارث كثيرة كامنة، وهو مليء بالمخاطر. وخصص التقرير جزأه الأخير للتحذير من الضغوط الجديدة التي يتعرض لها النظام الصحي، تحت عنوان لافت جدًا، هو الإيجابية الزائفة (False Positive)، ويتطرق هذا التقرير إلى حقيقة مروّعة، ويقول بوضوح: “لا يوجد ضمانات بأن النظام الصحي سيستمر في تحسين الصحة”[8]. ويفيد بأن مقاومة المضادات الحيوية ستؤدي إلى نتائج كارثية، كأن تصبح الجراحات الروتينية اليوم شيئًا مستحيلًا، أو أن تصبح الالتهابات العادية البسيطة، وبعض الأمراض البسيطة، مهددةً لحياة الإنسان مرة أخرى. 

وفي الحقيقة، لا تقتصر المخاطر على النظام الصحي والبيئي فحسب، فنحن -بحسب أولريش بيك- نعيش في ما سمّاه منذ عام 1992 بـ “مجتمع المخاطر العالمي“، الذي يشمل كذلك سلسلة من التغيرات المترابطة المتداخلة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة. ومن جملة هذه التغيرات: التقلب في أنماط العمالة والاستخدام؛ تزايد الإحساس بانعدام الأمن الوظيفي؛ انحصار أثر العادات والتقاليد على الهوية الشخصية، إلى ما هنالك من مخاطر ذات أثر كوني. ويتمثل جانبٌ مهمٌ، من مجتمع المخاطرة، في أن الأخطار تنتشر وتبرز بصرف النظر عن الاعتبارات الزمانية والمكانية والاجتماعية. وهي تؤثر في جميع البلدان والطبقات الاجتماعية، وتكون لها آثار شخصية وعالمية في الوقت نفسه. وكثير من الأخطار المصنَّعة، بفعل التطور والعولمة، تتجاوز حدود البلدان وتتعدى نطاقها القومي، ولا سيما في ميدان الصحة والبيئة. مثلًا، يقدّم الانفجار الذي وقع في منشآت الطاقة النوويّة، في تشيرنوبل في أوكرانيا، عام 1986 مثالًا صارخًا على ذلك. حيث تعرض السكان المحليون -بصرف النظر عن الطبقة والجنس والمكانة الاجتماعية- لمستويات خطيرة من الإشعاع. كما أن آثار الحادث امتدت في الوقت نفسه إلى ما هو أبعد من منطقة تشيرنوبل نفسها، وانتشرت درجات عالية من الإشعاع في أوروبا بعد زمن طويل من وقوع الانفجار[9].   

نريد من مجمل هذا المدخل السابق أن يخدمنا منهجيًا لنقاش المسائل الثلاث الآتية:

المسألة الأولى: كان من الممكن تفادي حدوث جائحة كورونا، لأن العلم تنبأ بها، فما الذي حصل؟ وهنا نتناول ما نسميه التأخر التاريخي للصيدلة، الظاهرة والأسباب.

المسألة الثانية: يوجد نبوءات مشابهة لسيناريو الجائحة -وربما أسوأ- ماضية إلى الآن باتجاه تحقق مؤكد، من دون أن نعمل على تفاديها. وهنا نتناول ديمقراطية الصيدلة، وكونية الحصانة.

المسألة الثالثة: التفكير الجدّي في ضرورة مراجعة المنظومة الأخلاقية الطبية الكونية في ظل تحقق الكارثة. أي الأخلاق الكونية، وتقاطعات الصحة والحرية. وفي سياق نقاشنا لهذه المسألة، نتخذ من سورية وألمانيا أنموذجين، الأولى بما هي صورة فاقعة معاصرة للمخاطر المتحققة، والثانية بما هي مثال للتقدم العلمي والصحي، الذي فشل في تحصينها من الوباء.

ثانيًا: التأخر التاريخي للصيدلة

على الرغم من التطور الكبير في التشخيص الذي حصل في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من التطور الكبير في قدرة الطب على كشف الأمراض وتحديدها، وفهمها؛ فإن قائمة الأمراض غير القابلة للعلاج أو ما يُعرف بـ “الأمراض المستعصية” (incurable diseases) ما زالت كبيرة ولم تتقلص. ويترافق هذا الأمر مع ظاهرة لافتة، وهي الفجوة أو الانفصال الذي يزداد رسوخًا، بين التشخيص والعلاج في التطور الحالي للطب. والمستغرب أكثر، عدم وجود مشروع يجعلنا نترقب علاجًا قريبًا للكم الأعظم من الأمراض المستعصية، في حين أن هذا النوع من الأمراض يزداد عددًا، بفعل تطور إمكانات التشخيص، وفهم الأمراض، باستخدام قدرات استدلال طبية عالية.

في بداية القرن، كانت نسبة الوفيات بالأمراض الحادة تقترب من 40%، وفي عام 1980 لم تتجاوز هذه النسبة 1%؛ بالمقابل ازدادت نسبة الأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة من 46% إلى 80% في الحقبة الزمنية نفسها[10].

تشمل هذه الأمراض المستعصية مجموعة من الأمراض المنتشرة التي تؤثر في الإنسانية بالمجمل مثل: الشيزوفرينيا، السكري، الباركينسون، التصلب المتعدد (multiple sclerosis)، الذئبة (lupus)، الإيدز، الزهايمر إلى آخر هذه القائمة التي تطول جدًا وتظل مستعصية، على الرغم من تطور معرفتنا بها على المستويات الإيتولوجية والباثولوجية والإكلينيكية والتشخيصية إلى حدٍ كبير..

نجد المشكلة نفسها في الوضع الماثل أمامنا اليوم، في مواجهة جائحة كوفيد 19، فالفيروس معروف جدًا، وتبدو معرفته أمرًا يسيرًا، ولم يمضِ شهر، أو شهرين، حتى عرفنا عن الفيروس كل شيء تقريبًا، ميكروبيًا، وسريريًا. ونستطيع اليوم -بسهولة بالغة- تشخيص الإصابة قبل ظهور أي من الأعراض، ولكننا لم نتمكن من تطوير دواء أو لقاح له بالسرعة نفسها، على الرغم من الحاجة الماسة إلى ذلك. صحيحٌ أن شهورًا قليلة لا تكفي لتطوير دواء واختباره، ولكن كان يمكن لرحلة البحث هذه أن تنطلق منذ الظهور الأول لـ “كوفيد 1” في 2003، حين ظهر الفيروس، وسبب المرض نفسه المسمّى “سارس”: (SARS: Sever Acute Respiratory Syndrome) ولكن لم تنطلق هذه البحوث، وراهن العالم على أنه نفذ من “كوفيد” في عام 2003، ومن ثم تُركت القنبلة لتنفجر بشكلٍ مدهش الآن، مدهش لأننا كنا نعيش مع تكتكاتها، ولا نلقي لها بالًا. فأي نوعٍ من الأخلاق، والوعي، يحكم هذا المسار الانتحاري؟ لماذا لا تتطور الصيدلة بشكلٍ موازٍ لتطور الطب، وباقي العلوم مثل التكنولوجيا والفيزياء والميكانيك؟

نسمي هذه الظاهرة بـ “التأخر التاريخي لعلم الصيدلة”، ونحمّل هذا التأخر التاريخي مسؤولية ما نحن فيه اليوم، من موتٍ وفاقة وعجز أمام كوفيد 19. ولتفسير هذا التأخر وأسبابه نضع الفرضية الآتية:

يؤدي احتكار شركات الأدوية للبحث العلمي إلى قيام البحوث وفق منطق الربح، بوصفه هدف الشركات الأول والأسمى، وتبعًا لذلك لا يتم الاستثمار إلا بما يشكل فرصةً للربح. وبما أن المريض ليس دائمًا قادرًا على دفع الفاتورة، فإن البحوث توجه لتطوير دواءٍ لأمراض المقتدرين، وللذين يشكلون بمجموعهم فرصةً ثمينة للصيد المادي (Opportunity). وبما أن المخاطر خارج هذه المعادلة الاقتصادية، فهي خارج اهتمام شركات الأدوية، ومن ثم خارج اهتمام البحث الدوائي، لأن شركات الأدوية تحتكر هذا البحث.

ولنقاش هذه الفرضية، نضع أولًا عرضًا مقتضبًا لآلية العمل التسويقية في شركات الأدوية، وطرقها في جمع المال، وآلية اتخاذ القرارات فيها. ثم نحدد مكامن التأخر التاريخي، ومسببات استمراريته في المنظومة القانونية والاقتصادية العالمية.

    شركات الأدوية وذهنية الربح

 شركات الأدوية الموجودة في العالم نوعان: الأول هو الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات، والتي تنتج ما يعرف بالدواء الأصل (Brand)، والثاني هو الشركات التي تعمل على إنتاج ما يُعرف بالدواء الجنيس (Generic)، والتي غالبًا ما تكون محلية. تمتلك الأولى مختبرات للبحوث والتطوير، وهي التي تحتكر تطوير الأدوية الجديدة، ولها تأثير عنكبوتي في الأنظمة الصحية، وهذا التأثير تدعمه باستمرار آلة تسويقية ضخمة منتشرة على امتداد الأرض، تعمل على إدارة المناقصات، والمبيعات، والعقود، والأهم أنها تعمل، على نحو منهجي وحثيث، على زيادة الوصفات الطبية للأدوية المصنعة، وذلك من خلال مندوبي المبيعات الذين يقومون بزيارات دورية للأطباء، تحت عنوان عريض هو “الدعاية العلمية”. ولا تخلو هذه الزيارات من سلوكاتٍ تسويقية مشبوهة، واستغلال للعلاقات، وهدايا ترويجية، وسفرات سياحية مقابل الوصفات. بل وصل الحد عند بعض شركات الأدوية إلى دفع رشوات مادية مقابل الوصفات، وفي تطورٍ ملفت، فقد تسرّب، منذ ما يقارب ست سنوات، أن شركة GSK البريطانية، وهي واحدة من أكبر شركات الأدوية في العالم، تقدّم خدماتٍ جنسية في الصين، مقابل تشجيع الأطباء والموظفين الرسميين على استخدام الدواء وشرائه بهدف زيادة المبيعات، فضلًا على دفع الرّشاوى في الأردن ولبنان والعراق وبولاندا[11].

وعند التمعن في الأدبيات الداخلية لشركات الأدوية، وطريقة تصنيفها للأطباء؛ تجد أن هدف الشركة هو تحويل الطبيب إلى أداة من أدواتها، ومؤشر أداء موظفيها الرئيس هو مدى النجاح في ذلك. مثلًا، تصنف الشركات الأطباء اعتمادًا على معيارين اثنين، هما متوسط عدد المرضى الذين يداويهم، ومتوسط وَصفات الدواء التي يكتبها من أدوية الشركة، وبناءً على ذلك، تحدد حجم الاستثمار فيه. وإذا كان الطبيب ممَن يسمون بـ “قادة الرأي” (Key opinion leader)، وله تأثير على طلابه، وزملائه، مثل رؤساء الأقسام والأطباء الأساتذة مثلًا، فيكون هذا هدفًا رئيسًا للشركات. وتسيطر على أدبيات الشركات كلماتٌ مثل: المبيعات، النمو، العمولات، الهدايا، العينات، السفريات، الفعاليات (تقام في الفنادق)، الفرص الكامنة، سلم البيع، البضائع المجانية (البونص)، إلى آخر هذه القائمة التي يندر أن تجد فيها تعبيرات إنسانية، بل طبية. هم بالعموم يستخدمون لغةً تصف السلوك ولا تهتم بالجوهر، لغة تملأ الذهن بالصور على الدوام، سواء عند الطبيب أو عند الموظف، لغة من شأنها -إذا سادت- أن تعرقل نمو المفاهيم العقلية وقدرة الإنسان على التعبير عنها، وتكوّن وعيًا زائفًا منيعًا يسهّل إخضاع الأطباء، وموظفي الشركة، على حدٍ سواء. وتكون المحصلة وصفات ليس العلاج هدفها الوحيد، بل ينضم العلاج إلى شبكة المصالح الذاتية، والاقتصادية.

تصرف شركات الأدوية بمعدل 5000 دولار أميركي سنويًا على الطبيب الواحد في الولايات المتحدة، وبمعدل 2500 دولار أميركي في المملكة المتحدة، و2000 دولار أميركي في تركيا، حيث يبلغ متوسط دخل الطبيب السنوي حوالي 4500 دولار أميركي[12].

 وفي الوقت التي تتعزز هذه المنظومة باحتكار الشركات للمعلومات الدوائية، أو لمعظمها، فإنها أيضًا تتعزز بسلطة الطبيب التي يمارسها على مرضاه، فلا يترك لهم حقًا في الاعتراض، أو في تصور فهمٍ دقيق لسبب وصف هذا الدواء، وآلية عمله، والكيفية التي سيعالج فيها هذا المرض، وسبب اختياره من بين بدائل أخرى. هذه السطوة لا تكتفي بالتسلط المهني بل تتعداه إلى احتكار المعرفة والحقيقة، فتدخل في عداد الأمراض ما كان يُفهم على أنه من شؤون الحياة اليومية العادية، مثل الحمل والولادة.

يمكن أن نقول إن الدواء أصبح سلعة، تخضع لقوانين التسويق أيضًا، مع خصوصية واحدة هي أن المستهلك النهائي ليس صاحب القرار في ما سيستهلك، بل هو مضطر إلى أن يستهلك ما يقوله له الطبيب. فـ “الزبون” هو الطبيب الذي يكتب الوصفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الطلب يبقى مرتفعًا إذا ظلت الأمراض مزمنة، لا إذا حقق الدواء غرضه الأسمى في المداواة التامة، وإنهاء المرض كليًا. وعلى ذلك؛ لنفهم الموضوع أكثر علينا أن نتمعن في أن وصفة واحدة لدواء يعالج السكري يقوم المريض بتكرارها دائمًا، وتؤدي إلى استهلاك عشرات العلب، تكون قيمتها أعلى بكثير من وصفة مضاد حيوي، يستهلك المريض منها علبة واحدة فقط ويشفى لاحقًا.. وبناءً على هذه المعطيات الربحية، تقوم شركات الأدوية باتخاذ قرارات البحوث، والتصنيع، ومن ثم شكل علم الصيدلة الحديث بالمجمل.

    مكامن التأخر وأسبابه

يؤدي اختطاف علم الصيدلة من قبل الشركات الربحية، والتسليع الوحشي للدواء، إلى تأخر هذا العلم قياسًا بالمأمول الأخلاقي منه، ومقارنةً مع العلوم الطبية الأخرى. ويمكن أن تتم رؤية التوحش الرأسمالي بوضوح. يتجسد هذا التوحش عندما نقرأ مثلًا في تقرير المخاطر العالمي لعام 2020 العبارة التالية: “تعدنا الأدوية التخصصية الجديدة، فائقة التعقيد، بتطور جذري في علاج الأمراض الخطيرة، ولكن أسعار هذه الأدوية مبالغ فيها إلى حدٍ كبير، على سبيل المثال، تصل تكلفة ثلاثة علاجات خلوية وجينية طرحت أخيرًا في الأسواق إلى 2 مليون دولار أميركي، للمريض الواحد”[13].

وبقدر ما يمكن رؤية الوحشية الرأسمالية في المسألة، لا يمكن معرفة حجم الأدوية التي حرمت البشرية من تطويرها، لأنها غير مجديّة اقتصاديًا، ومن ثم لا يمكن معرفة كم من الأرواح كان من الممكن لهذه الأدوية أن تُنقذ. ما لا يمكن رؤيته حقيقةً هو حجم الفرصة الحقيقية التي حرمنا منها هذا التوحش في تجنب أوبئة قاتلة مثل كوفيد، ولا نعرف كم سيكلفنا ذلك مستقبلًا، إذا انعدم تأثير المضادات الحيوية الموجودة مثلًا.

لا يتوقف هذا التأثير هنا، بل يمتد ليشمل الحياة الصيدلانية في منبتها، في الجامعات، حيث تمول الشركات كثيرًا من البحوث، وتساهم في تحديد شكلها وموضوعاتها، وتعقد كثيرًا من الاتفاقات في مجالات التدريب، وتتدخل بتوجيه سلوك طلاب الطب في كتابة الوصفات، وفي صياغة بعض الأسماء التجارية في المقررات الجامعية، وما إلى ذلك من مشاريع ربحية، ضمن كليات الطب والصيدلة.

وربما يكون لهذه الوحشية جوانب أكثر قتامة في الشركات الجنيسة، مثل التقارير المرعية التي تأتي من دول مثل مصر، حول تزوير دراسات التكافؤ الحيوي، والدفع للمتطوعين، وما إلى ذلك من وسائل غير أخلاقية لتسجيل دواء جنيس.

تؤدي مجمل هذه السياسات إلى زيادة قسرية، غير منطقية، في مبيعات الدواء، يعني أنها تخلق ربحًا إضافيًا تجنيه شركات الأدوية، يتجاوز الحد الذي يفيد به واقع الاستهلاك المنطقي، مثلًا ازداد استهلاك الدواء في تركيا، بين عامي 1983 و1989، بمقدار 127% فيما بلغ معدل الزيادة في عدد السكان 16% فقط[14]. وتدفع شركات الأدوية سنويًا 20 مليار دولار مصاريف دعاية وتسويق، وهذا يساوي ضعف ما يُخصّص للبحوث لتطوير أدوية جديدة[15].

ما يمكن أن نقوله، ونحن نواجه جائحة استثنائية تسببت -حتى الآن- في وفاة آلاف الأشخاص وفي معاناة آلاف الأسر، وحمّلت الاقتصاد العالمي أعباء كبيرة لا ندري مآلاتها، أن التأخر التاريخي لعلم الصيدلة، الذي تتحمله شركات الأدوية العالمية، هو السبب الأساس لما نحن فيه اليوم. ولا شيء سيضمن مستقبل الطب، ولا مستقبل صحة الإنسان وحياته، ما لم يتم العمل على الصيدلة بوصفها علمًا، وتحرير هذه العلم من سطوة الشركات.

ويبدو أن إنهاء العمل الجراحي لفصل علم الصيدلة عن شركات الأدوية أصبح ضرورةً إنسانية، من شأنها أن تضمن تطوير آلية لتحقيق المساواة في العلاج. ومن اللافت للنظر أن هذه المساواة أصبحت اليوم مطلبًا للذين يتوفر لهم الدواء، مثل ما هي مطلب الذين لا يتوفر لهم. فأهمّ دروس كورونا هو أن الحصانة في العالم واحدة، ولن تكون أي من الدولة المصنفة متقدمة بنظامها الصحي ومستويات الرفاه فيها، محصنة اليوم ضد الأمراض؛ ما لم تعُد الصيدلة علمًا يستهدف صحة الإنسان بوصفها صيدلة كونية تقوم على المساواة، وتكون شركات الأدوية واحدة من أدواتها الإنتاجية والبحثية الثانوية ليس أكثر، وتظل الصيدلة أكبر منها. هذا لا ينفي أن المساواة في الصحة ترتبط بعوامل اقتصادية، واجتماعية، وسياسية أخرى، ولكن تحرير الصيدلة يبقى شرطًا لازمًا لهذه المساواة، لكونها اليوم ضرورة عالمية، ولم تعد مطلب الشعوب الفقيرة البائسة فحسب.

ثالثًا: الأخلاق الكونية وتقاطعات الصحة والحرية.. ألمانيا وسورية أنموذجًا

وجّهت المستشارة الألمانية أنجلينا ميركل خطابًا إلى الشعب الألماني، في 18 آذار/ مارس، تناولت فيه فهم حكومتها للجائحة، وحاولت تهيئة المزاج العام لقرارات التقييد والإغلاق، بوصفها ضرورة للحفاظ على حيوات الناس. كان هذا الخطاب لافتًا للنظر، لأنه يصلح أن يكون نموذجًا لخطاب حكومة متقدمة، صُممَ ليكون محليًا موجهًا للمجتمع الألماني، ولكن لمعالجة مسألة عالمية. لذلك ربما يكون من المفيد، منهجيًا، قراءته بالعكس، أي أن تناول بعض مفاصل هذا الخطاب من زاوية كونية، لعلاج مسائل محلية، بهدف رؤية أدق للكيفية التي يتفاعل فيها الكوني مع المحلي اليوم، ومن ثم بناء تصور مبسط للعلاقة بينهما، استنادًا إلى كارثة كوفيد 19 الاستثنائية. ولبناء هذا التصور نتوقف عند النقاط الآتية في خطاب ميركل:

    كونية الحصانة:

تقول ميركل: “تترك لنا الجائحة رسالة في بيتنا، هي أننا كلنا غير محصنين؛ وأننا معتمِدون على الآخر الذي يراعي الغير في سلوكه. وبالمطلق، توضح لنا الجائحة، أننا نحمي أنفسنا من خلال العمل معًا، فنشجع ونساند بعضنا البعض، وكل فردٍ قادرٌ على إحداث فرق”[16]. أصبح هذا الكلام اليوم واضحًا في دقته، ودقيقًا في وضوحه، فالجائحة لم تُقم أي وزنٍ للحدود. ويبدو أن جميع الإجراءات المتخذة، وكلّ هذا التقدم على صعيد النظام الصحي، الذي نوَّهت به ميركل بشيء من الفخر في بداية هذا الخطاب، لم يكن كافيًا ليحصن هذه الدولة المتقدمة. ويبدو الدرس، بالنظر إليه من هذه الزاوية المعاكسة، أن الدول المتقدمة لن تكون محصنة، ما لم يكون العالم برمته محصنًا. وكل هذه المكتسبات، والتقدم، في النظام الصحي، غير قادرة على تحصين الناس ضد الأمراض، وعلى الحفاظ على حيواتهم، ما لم تعمم، وتعولَم. ربما يقرأ أحدهم في ذلك التعميم المجاني شيئًا من “الحيف” الذي يقع على الدول المتقدمة، أو تحفيزًا للتكور على الذات، لكيلا تهدر طاقات الأمم المتقدمة وجهدها على من لم يجتهد في حياته، وبهذا النَفس يعمل اليمين الأوروبي بالعموم؛ ولكن للمفارقة تقول الجائحة اليوم إن هذا “الحيف” ضرورة للحفاظ على الذات، وإلا فإنها لن تكون كما هي بعد ذلك، ولن يكون التكور عليها ممكنًا إذا انتهت.. فحتى التفكير اليميني المتطرف، إذا قارب أهدافه من هذه الزاوية، سيجد نفسه مضطرًا إلى الانفتاح من أجل الانغلاق، وهذه مفارقة عجيبة، ولكنها حقيقةٌ ماثلة.

والحقيقة أن لهذا النمط من التفكير بقيّة، فما إن نعمّم فكرة التحصين لتتجاوز الصحة إلى المكتسبات الليبرالية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، حتى نتعلم، بوحيٍ من هذا الدرس الكوني، أن هذه المكتسبات لن تكون محصنة أيضًا، ما لم تعمم وتنجز في كل بقاع العالم الآخر. ولذلك فإن الدرس، بأن العمل مع الآخر من أجل حريته وديمقراطية نظامه، هو أهم شكلٍ من أشكال تحصين الحرية والديمقراطية الذاتية. ومن هنا تفرض الحالة السورية نفسها، بوصفها مثالًا نموذجيًا معاكسًا للرفاه، وصل إلى أقصى حدود تقييد الحريات وعدم احترام حياة الإنسان. وتقدم الحالة السورية نفسها، وفق هذا السياق، بوصفها تهديدًا للديمقراطية في العالم، فيمكن فهمها اليوم على أنها، بواقعيتها الجاثمة، قادرة على إحداث انهيارٍ في منظومة الحريات العالمية برمتها، ما لم يتحد هذا العالم لمساعدة السوريين في مشروعهم التحرري الديمقراطي.

هكذا قامت الجائحة بتكبير المساحة التي تقع بين كرامة الحياة الإنسانية، وبين الكرامة الإنسانية، فأصبحنا قادرين على رؤيتها بوضوحٍ أكثر؛ فهذه المساحة المجردة تتعين اليوم في المنطقة الواضحة التي تقع بين سباق اللقاح، وسباق السلاح، اللذين يشكّلان اليوم مادتين متساويتي الأهمية، في نشرة أخبارٍ واحدة. ويبدو أن هذا التمييز بين كرامة الحياة الإنسانية المحفوظة في هبَّة العالم لحرب كورونا، وبين الكرامة الإنسانية المهدورة في سورية، ينعكس في فينومنولوجيا العلاقة المحمَّلة بالعواطف والمشاعر التي تخالجنا إزاء الموت في النوازل. الفكرة المبسطة الواضحة اليوم هي ضرورة أن تعمل البشرية على الكرامة الإنسانية، بوصفها كلًا واحدًا لا يتجزأ. وهذا ما تعبّر عنه ميركل في خطابها المصمم، ليكون محليًا، فتقول في بداية هذا الخطاب نفسه: “نحن بلدٌ ديمقراطي، نحن لا نزدهر لأننا مكرهون على العمل، بل نزدهر لأننا نتشارك المعرفة، ولأننا نشجع المشاركة النشطة. هذه مهمة تاريخية، لن تكون قابلة للإنجاز بنجاح إلا إذا واجهناها متعاونين معًا”[17]. وهذا ما يؤكد أن المشاركة، والتعاون، والتضامن، والنجاح، لا يجب أن تكون مخصوصةً لألمانيا -أو لأي أمةٍ متقدمة- وحسب، كما تتكلم ميركل -وهي مُحقة- بل يجب أن تعمم لتشمل الناس في كل مكان. ويقتضي هذا الشمول تطبيق معايير أخلاقية كونية موحَّدة؛ فلا تضمن الأخلاق، لأي جماعة إنسانية، حرية أن تكون لها حياتها الخاصة بها، إلا إذا كانت أخلاقًا كونية مفعَّلة بحزمة من الضوابط والقوانين الإنسانية العالمية. يعني ذلك أن الحرية، وفق معيار أخلاقي كوني، لن تتحقق، وستظل مهددة بعدوى مميتة، ما لم يتحقق مشروع كل شعوب العالم في الحرية والعيش الكريم، وما لم يتحقق مشروع السوريين، وحقهم في الحياة والحرية والكرامة. ويظل توازن الإنسانية واستقرارها مرهونين بتوسيع الحرب على كورونا، لتشمل الظلم، وثقافة القبول به، أو التغاضي عنه في أي بقعة من العالم، وعلى الأساس الأخلاقي ذاته. فلا يمكن للقيم الكونية أن تظل تجريدًا، وعليها أن تراعي مواقف حياة الجميع، ومشروعاتهم، وتطلعاتهم الفكرية، وهذا ما يتم بموجبه قياس مفهوم الأخلاق. ومفهوم الأخلاق هو الذي يجعل الفردنة والكونية متقاطعتين، ويجعل كل فرد قادرًا على إحداث فرق (بتعبيرات ميركل في الخطاب نفسه). وعند غياب هذا المفهوم؛ سيصبح الكون المسكون بالناس “كونًا لا يُحتمل”، بتعبيرات الفيلسوف الألماني يورغون هابرماس الذي يقارب الأخلاق على أنها “المسائل التي تهتم بواقعة العيش معًا في معايير قويمة”. فيبدو كما لو أن في هذا المشهد تأكيدًا على أن الفلسفة التي تبدو كالسلحفاة ما زالت قادرةً على أن تصل بنا إلى أهدافنا الإنسانية في الرفاه والازدهار، قبل السياسية التي تركض كالأرنب الذي يمتلك ثقة بالنفس زائفة تجعل منه متسكعًا. فالبطيء الرصين خيرٌ، على طريق الازدهار والعيش الكريم، من السريع المتسكع المندفع. والخلاصة من دون تردد: إما أن تكون الحصانة للجميع، أو أن نتهيأ جميعًا لكونٍ لا يحتمله أحد.

    الذاتي والموضوعي، المحلي والعالمي، والداخل والخارج

تقول ميركل في الخطاب نفسه: “علينا أن نُظهر مقدراتنا على التصرف بحُبّ، وبعقلانية؛ وبذلك ننقذ الأرواح. ويتوقف ذلك على كل فردٍ منا من دون استثناء، ولذلك فهو يتوقف علينا جميعًا”. والحقيقة للمرء أن يتوقف مطولًا عند هذه الثنائية التي وضعتها المستشارة في موضع السبب الذي يجعل من الناس منقذين لأرواح بني جلدتهم: ثنائية الحب والعقل. ففي الوقت الذي لا تستوقفنا فيه فكرة العقل، يستوقفنا الجزء الثاني المقترن بالعاطفة، والتعاطف، والمحبة، والحنان، وهي معانٍ يتضمنها تعبير (warm­­_heartedly) الذي وَرَدَ في الترجمة الإنجليزية الرسمية التي صدرت عن الحكومة الفدرالية الألمانية، حيث استخدمت ميركل كلمة (Herzlich) الألمانية التي تحيل بدورها إلى دفء عاطفة نابعة من القلب. تستوقفنا المسألة مطوّلًا لما فيها من ظهورٍ فاقعٍ للذاتي في الموضوعي، ووضعه مناصفةً في السببية، عندما يتعلق الموضوع بإنقاذ الأرواح. إذا مضينا قدمًا في هذا النهج المعاكس، جاز لنا أن نقول إن إدراج الذاتي في العقلانية التي تصبغ السياسة الدولية بلغة المصالح، بكل ما في هذا الذاتي من مشاعر، ورغبة في الحب والأمان والحنان واللطف، هو تطورٌ للعقلانية لتستحق اسمها أكثر؛ فالعقلانية، عندما تتسلح بالمحبة وبالتعاطف الذي يؤدي إلى حماية الإنسان في أي بقعة من بقاع العالم، تحمي نفسها بالضرورة، وتحمي معتنقيها أيضًا. وبما أن الأمر يتعلق بكل فردٍ فهو يتعلق بالكل، ويمكن أن نقول أيضًا إنه يتعلق بكل أمةٍ، ولذلك فهو يتعلق بالكون. وهكذا، من دون تردد، يمكن أن نقول إن الدرس اليوم هو أن إنقاذ أرواح السوريين من قبضة المجرمين الهمج هو إنقاذٌ لأرواح الناس جميعًا.

وفق المنهج نفسه أيضًا، يوجد كثير من الأمور أمام الإنسانية لتفعلها، فإنقاذ حوالي 800 ألف طفل، سيموتون بالإسهال هذا العام (2195 طفلًا يموتون يوميًا)[18]، هو أيضًا إنقاذ لأرواح الناس جميعًا، أينما كانوا.

يمكن أن نتعلم أن هذا الكثير من الموت الذي أصبح واقعًا، لن يدع أحدًا في مأمنٍ، أيًا كان، ومهما كان.. والأخلاق والمحبة القائمة على الأخلاق، التي تقوم بتطعيم العقلانية ومنظومة المصالح، هي التي ستنقذ الإنسانية كلها، أو أن الجميع سيواجه مصيرًا كارثيًا. وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿منْ أَجْل ذَٰلكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَني إسْرَائيلَ أَنَّهمَن قَتَلَ نَفْسًا بغَيْر نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَميعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَميعًا﴾[19].

وفق هذا التوجّه، ربما تصبح مراجعة الحدود الصارمة، بين الذاتي والموضوعي، مطلبًا ملحًّا جدًا، وكذلك مراجعة الثنائيات الحديّة التي تضعها الذهنيات المتطرفة والنزاعة إلى الانغلاق، مثل ثنائية المحلي والعالمي، الداخل والخارج، السكان الأصليين والمهاجرين.. لأنها كلها ثنائيات تبدو اليوم متداخلةً أكثر مما كنا نعتقد. هذا أيضًا تفكير مع اليمين المتطرف، وبمنهجيته، ولكن ضده؛ أي إنه لِكي يحمي ذاته ليس له طريقٌ من دون حماية الآخر البعيد، لأنه من دون ذلك -ببساطة- لن يكون. وعندما يجد حزب البديل الألماني -مثلًا- نفسَه ميالًا إلى النظام السوري المجرم، ظنًا أن ذلك يخدم قضيته، فإنه لا يفعل سوى أنه يحرق نفسه ويحرق قضيته بحرق بلده، حين أراد أن يحميها.    

الهوامش:

[1] الملاحظات الافتتاحية التي أدلى بها المدير العام في الإحاطة الإعلامية بشأن كوفيد-19 في ‏‏27 آذار/ مارس 2020

https://www.who.int/ar/dg/speeches/detail/who-director-general-s-opening-remarks-at-the-media-briefing-on-covid-19—27-march-2020

[2] WHO (World Health Organization) 2019. “Ten Threats to Global Health in 2019”.

https://www.who.int/ar/news-room/feature-stories/ten-threats-to-global-health-in-2019

[3]  أورليش بيك، مجتمع المخاطرة، ترجمة: جورج كتورة وإلهام الشعراني، (بيروت، المكتبة الشرقية، أيار/ مايو 2019)، ص105.

[4] المرجع نفسه، ص 164.

[5] Annual report on Global risk. (WEF). 2003.

 [6] World Bank Group, Drug-resistant infections, a threat to our economic future. March 2017.

[7] Review on Antimicrobial Resistance. 2016. Tackling Drug-Resistant Infections Globally: Final Report and Recommendations. May 2016. Wellcome Trust and UK Government.

https://amr-review.org/sites/default/files/160525_Final%20paper_with%20cover.pdf

[8] World Economic Forum. 2020. The global risk report 2020.

https://www.weforum.org/reports/the-global-risks-report-2020

[9] Antony Giddens, Sociolog,4th edition (Ploity pressin association with Balckwell, 2001). 

[10] بيك، ص510.

[11] The Guardian, GlaxoSmithKline says it is investigating bribery claims in Jordan and Lebanon,

[12] Dilek Güldal and Semih _emin. THE INFLUENCES OF DRUG COMPANIES’ ADVERTISING PROGRAMS ON PHYSICIANS, study conducted in Azmir in Turkey.

[13] World Economic Forum. 2020. The global risk report 2020. P78.

https://www.weforum.org/reports/the-global-risks-report-2020

[14] Dilek Güldal and Semih _emin.

[15] Ibid

[16] German Federal Government: Die Ansprache der Kanzlerin auf Englisch – The Chancellor’s address in English. 19/03/2020

[17] Ibid

[18] US department of health and human services. Centre for diseases control & prevention.

https://www.cdc.gov/healthywater/pdf/global/programs/globaldiarrhea508c.pdf

[19] سورة المائدة، (32).

مركو حرمون

———————-

جائحة كورونا تنعش المنظومة القيمية السورية/ طلال المصطفى

وجدت عالمة الاجتماع البريطانية ماري دوجلاس (1921- 2007) أن مواجهة المخاطر والأوبئة البيئية، من منظور ثقافي (قيمي)، تختلف من شخص إلى آخر، فما يراه هذا الشخص خطرًا قد ينظر إليه شخص آخر بلامبالاة مطلقة. وهذا يرجع إلى تباين درجات الوعي والقيم الإنسانية التي يؤمن بها كل شخص.

تعدّ القيم الإنسانية من أهم الركائز التي تُبنى عليها المجتمعات كافة، باعتبارها الخصائص أو الصفات المرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، ويرى البعض أن انهيار المجتمعات يبدأ بانهيار قيمها، التي تحدد وتضبط سلوك أفرادها.

إن التحلي بالقيم الإنسانية يساهم في قرارات الأفراد والمجتمعات، من حيث كيفية توجيه مسار حياتهم الفكرية والسلوكية، ومن الممكن تمييز الفرد الذي يتحلى بتلك القيم عن غيره، من خلال مساهماته وأفعاله بين أفراد عائلته، وزملائه في العمل وفي المجتمع الأكبر، ومن الموقف تجاه المجتمعات الخارجية، إضافة إلى تصرفاته في الطرقات والقطاعات الحكومية والخاصة، إذ يلاحَظ أنه أكثر ميلًا إلى مساعدة الآخرين والمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية.

ومما لا شك فيه أن المجتمعات الإنسانية كافة، ومنها المجتمع السوري، تواجه اليوم تحديات ومشاكل كبيرة ناتجة عن انتشار جائحة كورونا، إضافة إلى عدد كبير من المشاكل السياسية والاقتصادية التي يعانيها عدد كبير من الأفراد والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم.

في دراسة استطلاعية لوحدة الدراسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة [1]، من خلال استبانة إلكترونية على عينة بلغت (940) مفردة، في أماكن وجود السوريين، في الداخل السوري وخارجه، بهدف تبيان العلاقة بين التصورات والسلوك والتوقعات الخاصة بالسوريين تجاه فيروس كورونا؛ ظهرت النتائج الآتية.

1- معظم أفراد عينة الدراسة فضلوا مواجهة الحجر المنزلي الحاصل عن انتشار فيروس كورونا، بالقراءة والكتابة، وهي قيمة تعكس سلوكات عقلانية في مواجهة خطر الإصابة بفيروس كورونا في كل مجتمعات العالم، حتى المتقدمة طبيًا وصحيًا، وقد تبين أن السوريين في الخارج (تركيا ودول الاتحاد الأوروبي) يمارسون هذا السلوك العقلاني (القراءة والكتابة) بنسبة أعلى من السوريين في الداخل السوري، وهذا يعود -كما أعتقد- إلى توفر العديد من المراكز البحثية والإعلامية التي يعمل فيها السوريون بالخارج، مقارنة بالداخل السوري (مناطق سيطرة النظام والخارجة عن سيطرته)، إضافة إلى استمرار الجامعات والمدراس في تركيا ودول أوروبا في عمليات التعليم والاختبارات عن طريق الإنترنت.

2- توجه السوريون إلى إعادة التواصل مع الآخرين السوريين بعد فراق سابق، فجاء انتشار فيروس كورونا ضاغطًا لإعادة النظر في هذا الخلاف، من خلال إعادة التواصل مع بعضهم البعض، وهو مؤشر قيمي إيجابي مرتبط بالثقافة القيمية السائدة (العادات والتقاليد) التي تشجع على إعادة العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والجوار، في حالات الموت والأحزان والمصائب بشكل عام. كما توجّهوا نحو زيادة التواصل مع المعارف، وهي مرتبطة بالثقافة الاجتماعية التقليدية التي تحض على ضرورة التواصل مع الأقارب والأصدقاء، التي تظهر أهمية الشعور بالآخر والاطمئنان عليه، وخاصة في حالة الأزمات من مرض وموت وغير ذلك.

3- عودة معظم السوريين إلى ممارسة قيمة التضامن الأسري والمجتمعي، التي تظهر في الأزمات المجتمعية الشاملة، وهي قيمة ترتبط بثقافة المجتمعات التقليدية (ما قبل الصناعة) وعادة ما تعود للبروز في المجتمعات الحديثة، في حالة عجز المؤسسات الرسمية عن مواجهة آثار الأزمات (حروب، أمراض، إلخ). وقد عدّها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم سمةَ المراحل التنظيمية السابقة عن الرأسمالية، حيث يمارَس التضامن التقليدي عن طريق العادات والتقاليد والعواطف المشتركة بينهم، وتعمل تلك العناصر التي تسمى “روابط الضمير الجمعي” على إرساء طابع التكامل الاجتماعي، الذي يعد العامل الأساس في وجود العلاقات والتكامل بين الأفراد. حيث يستند إلى تكريس التوازن من خلال فكرتين أساسيتين: الأولى في الوعي الجمعي المتمثل في مجموعة من المعتقدات والمشاعر المشتركة بين أعضاء المجتمع، سواء أكان هذا الوعي حقيقيًا أم زائفًا، آنيًا أم مستقبليًا. أي الإيحاء بأن ما يجمع أعضاء هذا المجتمع أكثر مما يفرقهم، من خلال نمط واحد للمعتقدات والمشاعر يسود في المجتمع، والهدف من ذلك هو التصدي للأخطار المشتركة؛ والفكرة الثانية هي التضامن الاجتماعي أو التزام الفرد نحو الجماعة التي ينتمي اليها.

4- توقع السوريون انتشار ثقافة التسامح وقبول الآخر بعد جائحة كورونا، وهي تؤشر إلى وجود الثقافة الديمقراطية والإنسانية لدى بعض السوريين، خاصة المقيمين في الخارج (دول أوروبا)، وهذا مؤشر إلى تأثرهم بالثقافة الديمقراطية والإنسانية السائدة في تلك المجتمعات. كذلك أظهر الحجر المنزلي أهمية قيم الحب والصداقة لدى بعض السوريين، وهي قيم كادت أن تلاشى خلال سنوات الحرب السورية والشروخ الاجتماعية والنفسية العميقة التي ألمت بالسوريين، إلى أن جاءت جائحة كورونا، فأعادت السوريين للتأكيد على أهمية قيم الحب والصداقة في ثقافتهم القيمية.

5- توقع بعض السوريين انخفاض التوتر السياسي بين السوريين (موالاة ومعارضة) نتيجة انتشار فيروس كورونا، وهذه النتيجة ذات دلالة إيجابية، تؤشر إلى الشعور بوجود أخطار مشتركة على السوريين كافة، بعد تسعة أعوام من الحرب التي شنها النظام على الشعب السوري، حيث استطاع بث ثقافة الكراهية والحقد بين المكونات السورية كافة، خاصة الدينية والمذهبية، إضافة إلى أن هذه النتيجة تؤشر إلى إمكانية علاج الجراح العميقة لدى السوريين في المستقبل، التي طرأت في الحرب السورية، وعززتها ممارسات النظام والتنظيمات الراديكالية الإرهابية. وهذا مؤشر إلى إمكانية انزياح ثقافة الشماتة في النسق الثقافي القيمي لدى السوريين، خاصة الموجودين في أوروبا، الهاربين من إرهاب النظام السوري وأخواته من التنظيمات الراديكالية الارهابية، وبغض النظر عن الصراع السياسي والاجتماعي الحاصل بين السوريين من جهة، والنظام الاستبدادي من جهة ثانية.

ثقافة الشماتة تلك لمسها وعاشها معظم السوريين من قبل دوائر الموالين للنظام السوري، التي لوحظت في سلوكهم العنيف من قتل واعتقال للسوريين الآخرين لمجرد الاختلاف في الآراء السياسية في سنوات الحرب التسعة الأخيرة، وإن غياب ثقافة الشماتة، في ما يخص انتشار فيروس كورونا في سورية، من قاموس بعض السوريين المقيمين في أوروبا، يعود بالدرجة الأولى إلى ملامستهم أخطار كورونا في الدول الأوروبية المتقدمة صحيًا وطبيًا وعلى كل الصعد، ومع ذلك حصل ارتفاع في عدد الوفيات نتيجة هذا الفيروس، فكيف الأمر في سورية المدمرة اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا… الخ، ومن هنا سيطرت هواجس الخوف والقلق على مصير الأهل والأصدقاء المقيمين في الداخل السوري، وهو مؤشر على استمرار مشاعر الانتماء إلى الوطن الأم سورية.

أخيرًا، لا بدّ من التأكيد أن المنظومة القيمية الرئيسة، لإرساء وإجراء مصالحات اجتماعية حقيقية بالمستقبل بين السوريين، يمكن إنعاشها وإعادتها إلى الحياة، حيث كل ما يحتاج إليه السوريون الانتقال إلى نظام وطني ديمقراطي، يساعد في إيجاد الآليات الرسمية والشعبية للمصالحات بين المكونات السورية كافة، التي تسهم في تجاوز آثار الحرب السورية.

[1] – طلال المصطفى، حسام السعد، السوريون ووباء كورونا: دراسة استطلاعية، حرمون للدراسات المعاصرة تاريخ 11/5/2020. https://www.harmoon.org/researches/

———————————

كورونا.. عائلات السجناء السوريين في مواجهة فيروس الصمت

في وقت يستحيل فيه على السوريين معرفة الخسائر الحقيقية لوباء كوفيد-19 في بلدهم فإن العديد من العائلات في المنفى تزداد قلقا على أحبائها الذين تعتقد أنهم محتجزون في سجون النظام السرية، خوفا من أن يستغل الجلاد فرصة الوباء لتصفيتهم.

وفي تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية، وصف الكاتب آنيك كوجان ما عاشه هؤلاء اللاجئون -في أي بلد كانوا- من رعب وقصف ودمار ودموع ومطاردة ونفي وموت أصدقاء وأقارب وأحباب، وما عانوه في رحلة اللجوء من إذلال وتحرش وابتزاز.

لم يبق لهم سوى ذكريات ومرارة وصدمة، ومن قبلوا منهم التحدث مع الصحيفة كان لديهم كلهم أمل يعيشون من أجله وهو في نفس الوقت ينغص عيشهم، إنه زوج أو أب أو ابن أو عم خلفوه وراءهم بعد أن اعتقلته شرطة النظام السوري واختفى دون أن يعرفوا عنه شيئا.

آلاف الأسئلة بلا إجابة

وقال الكاتب إن هناك الآلاف من الأسئلة بلا إجابة بشأن هؤلاء المفقودين الذين يعتقد أنهم اعتقلوا من قبل النظام، حيث لا معلومات ولا لوائح اتهام ولا حتى أدنى إجراء، ولا يوجد عنوان يذهب إليه أحد، ولكن مجرد ظن أنهم سجنوا في مراكز التعذيب التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “مسالخ بشرية”.

ولا يوجد شيء يستطيع أحد القيام به كما يقول الكاتب، لا يوجد إلا الصمت، وكأن المفقودين تم مسحهم من جميع السجلات الرسمية ومن على وجه الأرض، وهم لا يقلون عن 83 ألف شخص حسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي توثق كل حالة.

أما الآن وقد بعث فيروس كورونا قلق عائلات هؤلاء المنسيين فإن قصصا متداولة داخل سوريا وخارجها تثير فيها الخوف وتجعلها تتخيل مذبحة في شبكة السجون ومراكز الاعتقال السورية الرسمية والسرية التي لا أحد يحق له أن يزورها.

وهكذا -يقول الكاتب- اتصلت بنا زوجات وأمهات وأخوات وبنات أخوات للمفقودين، للتعبير عن ذعرهن وللفت الانتباه إلى مصير المعتقلين السريين، وذلك في أعقاب دعوات وجهتها 43 منظمة غير حكومية لإطلاق سراح السجناء السياسيين تحسبا لانتشار كورونا، وفي أعقاب مطالبة مبعوث الأمم المتحدة بإجراءات عاجلة لتوفير الرعاية الطبية والحماية في جميع أماكن الاعتقال.

وتحذر المحامية أمل الناسين رئيسة مركز “هيلينغ أند أدفوكسي” الذي يقدم الرعاية لأسر اللاجئين من أن السجناء “هم الحلقة الأكثر ضعفا”، ومن الواجب “منع بشار الأسد من استغلال فيروس كورونا سلاحا جديدا في الحرب”.

50 سجينا في 24 مترا مربعا

وتقول أمل إن السجناء يعيشون في سجون نتنة ومزدحمة وبدون تهوية، حيث يحشر خمسون منهم في زنزانات مساحتها 4×6 أمتار، لا تكاد تسعهم جالسين وينامون فيها بالتناوب، مضيفة أن هؤلاء لن يقاوموا فيروس كورونا، وسيتوفون بالمئات ويختنقون دون أدنى رعاية “لأنه لا يمكن أن يتوقع من الجلادين الاهتمام بصحة ضحاياهم”.

وأشارت المحامية إلى أن هناك 45 حالة تم الإعلان عنها في أوائل مايو/أيار الحالي وثلاث وفيات فقط، وأنه لا أحد يصدق هذه الأرقام، وبالتالي فإن عائلات المختفين ترتجف خوفا من أن يتحول وباء كوفيد-19 إلى حليف للرئيس السوري للقضاء على السجناء المصنفين “معارضين”.

“سيكون الأمر مؤلما” كما تعلق المحامية، مضيفة “إذا كان هناك وقت نحتاج فيه إلى المساعدة من بقية العالم فهو الآن، الآن وقد أغلق كورونا الحدود ووضع شعوب العالم في الحجر وأرقهم الخوف من الموت، يجب أن يفهموا ما يمر به المعتقلون السوريون، وأن تلهمهم هذه الظروف التضامن معهم”.

وفي هذا الجو القاتم -كما يقول الكاتب- تتحول عودة سجين معتقل مفرج عنه إلى مبعث للألم، حيث يجتمع اللاجئون لسؤاله “هل قابلت هذا الشخص وذاك؟ هل سمعت عنه؟ ما مدى احتمال بقائه على قيد الحياة؟ وهو في معظم الأحيان لا يعلم شيئا”.

وهكذا يستمر الانتظار ويبقى الأمل قائما، وتتساءل زوجة الصحفي جهاد أسعد محمد الذي اعتقل في دمشق عام 2013 باستنكار: هل سيقتل كورونا هؤلاء الذين قاوموا التعذيب بكل أشكاله؟

إن هذه الفكرة -كما يقول الكاتب- تنسف كل أمل تبقى لديها بعدما قامت بحملات واستنهضت منظمات، واتصلت بمنظمتي العفو الدولية و”مراسلون بلا حدود”، وحاولت شراء المعلومات من المسؤولين، دون أن تجد أي أخبار عنه.

ونفس المعاناة عاشتها بسمة (55 سنة) التي لا تزال تأمل أن يكون ابنها الوحيد الذي اعتقل عام 2013 على قيد الحياة، بعد أن علمت أنه كان في سجن صيدنايا الرهيب، واستطاعت رؤيته لبضع لحظات محاطا بالحرس، وهي تبكيه وهي في جزيرة كوس باليونان.

وتقول بسمة “عندما أردت العودة إلى السجن كان اسمه قد شطب من جميع القوائم، غير موجود في هذا العنوان، لا أحد يعرف مكانه بعد ذلك”، وبحثت عنه وحاولت التقرب من الضباط وشراء المعلومات، حتى أنها أعطت خاتم زواجها كما باع آخرون منازلهم ليحصلوا على شيء في سوق المعلومات الكاذبة والفساد المستشري.

الموت بالسكتة القلبية

وفي هذا المناخ -كما يقول الكاتب- قد تصل شهادة الوفاة إلى العائلات ذات يوم كما حدث في عام 2018 عندما أرسلت عدة مئات من الوثائق تشير إلى وفاة أشخاص مفقودين بتاريخ 2013، وغالبا بـ”السكتة القلبية”.

ومع ذلك -كما تقول الباحثة سارة كيالي في هيومن رايتس ووتش- هذه الأخبار مروعة، ولكنها لا تدمر الأمل لأنها قد تكون غير صحيحة، حيث ظهر سجين بعد عام من إعلان وفاته وبعد ست سنوات من موته المفترض، ولكن كورونا مصدر جديد للقلق.

وأشارت الباحثة إلى أن مرسوم العفو الجديد الذي نشرته دمشق في 22 مارس/آذار الماضي لن يكون هو الذي سيريح أهالي المختفين لأنه “مجرد ذر للرماد في العيون”، وهو -حسب رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني- “محاولة كئيبة لطمأنة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في سياق الوباء”.

وقال الدكتور مثنى -وهو سجين سابق يعيش الآن في برلين- إنه مع كورونا “من حق العائلات أن تخاف، لأن الأسد أسوأ من الإيرانيين الذين أفرجوا عن آلاف السجناء تحت ضغط من كورونا، هو لن يفعل شيئا، بل قد يجد هذه فرصة للتخلص من جميع المنشقين”.

وختم الكاتب بأن تقريرا حديثا من منظمة غير حكومية كشف عن ضعف النظام الصحي لسوريا وانخفاض عدد المستشفيات العاملة والافتقار الشديد إلى الأطباء والممرضين بعد فرار 70% من أطقم الرعاية الصحية إلى الخارج، ومقتل 669 منهم على يد النظام، 83 منهم تحت التعذيب.

المصدر : لوموند

——————

يورغن هابرماس: جائحة كورونا تكشف محدودية معرفتنا

هابرماس والجائحة: في الحوار التالي يتحدث الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس عن وجهة نظره فيما يتعلق بتداعيات جائحة كورونا وماذا تعنيه لأسلوب تفكيرنا وحياتنا. هابرماس يعد أحد أهم فلاسفة العصر وممثلاً للجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت النقدية المدافعين عن أولية العقل ومكتسبات الحداثة وإرث التنوير النقدي.

في حوار مع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، نشرته عدة صحف ألمانية وصحيفة “لوموند” الفرنسية، تحدث “منظر الديمقراطية الألمانية” الأول عن وجهة نظره فيما يتعلق بتداعيات جائحة كورونا وماذا تعنيه لأسلوب تفكيرنا وحياتنا.

يورعن هابرماس، أحد أهم فلاسفة العصر المدافعين عن أولية العقلانية وعن قيم الحداثة الديمقراطية، الذي يعتبر نفسه “إبن التربية الديمقراطية المولودة من رحم أحوال النازية”، اعتبر أن جائحة كورونا تجبرنا أن “نتصرف واضعين نصب أعيننا محدودية معرفتنا”.

ومن وجهة نظر فلسفية، يقول هابرماس حول التفكير في زمن كورونا:

“ألاحظ أن الوباء يفرض اليوم، في نفس الوقت وعلى الجميع، تحديا فكريا كان، حتى الآن، من اختصاص الخبراء: يتعين علينا أن نتصرف واضعين نصب أعيننا محدودية معرفتنا. تبيّن لجميع المواطنين في هذه الأيام كيف يجب على حكوماتهم اتخاذ قرارات واضعة نصب عينيها محدودية معرفة علماء الفيروسات الذين يقدمون لها المشورة. نادرا ما تم فك طلاسم مشهد العمل السياسي المنغمس في عدم اليقين بشكل قطعي. وفيما يبدو سيكون لهذه التجربة غير العادية في أدنى الحالات أثرها على الوعي العام”.

وفيما يتعلق بالبعد الأخلاقي لهذا الأزمة شدد هابرماس على أنه “وقبل كل شيء، هناك وضعين قد يكون لهما تداعياتهما في علاقة بعدم المساس بالكرامة الإنسانية الذي يضمنه القانون الأساسي الألماني في مادته الأولى على مستوى الفقرة 2: “لكل شخص الحق في الحياة والسلامة الجسدية”.

يتعلق الوضع الأول بما يسمى “الفرز””؛ والثاني باختيار الوقت المناسب لرفع الحجر. إن الخطر الذي يشكله عدم قدرة وحدات العناية المركزة على استقبال الأعداد الهائلة للمرضى في مستشفياتنا – وهو خطر يفترض سيناريوهات طب الكوارث التي لا نلجأ إليها إلا أثناء الحروب. عندما يتم استقبال أعدادا هائلة من المرضى بحيث تعجز الوحدات الاستشفائية عن توفير العلاج الضروري لهم، يضطر الطبيب حتمًا إلى اتخاذ قرار مأساوي، لأنه في جميع الحالات لا أخلاقي.

هذه هي الطريقة التي ينشأ عنها إغراء انتهاك مبدأ المساواة الصارمة في المعاملة بقطع النظر عن الوضع الاجتماعي أو الأصل أو السن، وما إلى ذلك، كأن نضحي بكبار السن من أجل إنقاذ حياة الشباب. وحتى لو وافق المسنون على ذلك يحدوهم في ذلك حس أخلاقي قوامه نكران للذات يثير الإعجاب، فمن هو الطبيب الذي يسمح لنفسه بأن “يقارن” بين “قيمة” حياة شخص و “قيمة” حياة شخص آخر وأن يقرر من يجب أن يحيا ومن يجب أن يموت؟ إن خطاب “القيمة”، المستعار من مجال الاقتصاد، يشجع على القياس الكمي الذي يتم من وجهة نظر الملاحظ. ولكن لا يمكن التعامل مع استقلالية الشخص على هذا النحو: لا يمكن أخذها في الاعتبار إلا انطلاقا من منظور آخر، حين نكون وجها لوجها مع هذا الشخص.

ومن ناحية أخرى، تُبين الأخلاقيات الطبية عن توافقها مع الدستور وتلبي مبدأ ليس ثمة ما يبرر “اختيار” حياة إنسان بدل حياة إنسان آخر. وفي الواقع، يملي الدستور على الطبيب، في الحالات التي تسمح فقط باتخاذ قرارات مأساوية، أن يستند حصريًا إلى المؤشرات الطبية التي تؤيد فرص نجاح العلاج السريري المعني بنسبة كبيرة.

كورونا من منظور فلسفي.. كيف يرى هابرماس هذا اللحظة المفصلية في تاريخ البشرية؟ الفيلسوف الألماني يدعو إلى مزيد من التضامن داخل الأسرة الأوروبية وتهذيب العولمة المتوحشة عبر تقييد النيوليبرالية الجديدة.

مقاومة “الإغراء النفعي” واحياء روح أوروبا

وعلى الصعيد السياسي طالب هابرماس الحكومة الألمانية ودول شمال أوروبا الغنية بمساعدة دول الجنوب الأوروبية المتضررة من كارثة كورونا، خاصة إيطاليا وإسبانيا، وتغيير نهجها فيما يتعلق بسندات كورونا الكفيلة بحماية اقتصادات اسبانيا وفرنسا وإيطاليا من ضغوط مضاربة الأسواق المالية.

هابرماس شدد على أنه حاليا لا يوجد بديل واقعي لسندات كورونا إذا أردنا إنقاذ اليورو وانقاذ مشروع الوحدة الأوروبية، لأنه نواة الاتحاد الأوروبي الأساسية.

وفيما يتعلق باحتمال تحول حالة الطوارئ وتقييد الحريات الأساسية في إطار إجراءات مكافحة كورونا إلى قاعدة ديمقراطية، نبّه ايورغن هابرماس إلى أن تقييد عدد كبير من حقوق الحرية المهمة يجب أن يظل مرتبا لمدة محدودة جدا، ولكنه إجراء مطلوب كأولوية للوصول للحق الأساسي في الحياة والسلامة الجسدية، وإن كان البعض قد يستغله لغايات سياسية شعبوية تضر بمصداقية النظام السياسي.

*المصادر:  لوموند، مجلة حكمة وصحيفة فرانفورار روند شاو

 ————————

لقاح للأمل/ عبد الحق ميفراني

لم تتوقّف التحاليل الصحافية كثيراً عند قيام الولايات المتّحدة بقرصنة سفينة صينية تحمل شحنة معدّات طبيّة إلى ألمانيا. وحين تكرّرت الحادثة في أماكن أُخرى بمُقرصِنين ومقرصَنين آخرين، كانت الدولُ منشغلةً بصراعها مع فيروس كورونا وعدّ أرقام الإصابات والوفيات والمتعافين. غير أنَّ هذا الشكل المنقرِض منذ حِقبٍ لا يطرح سؤالاً أخلاقياً بقدر ما يفتح تساؤلاً حول العالم الذي تشكّل اليوم في ظل تفشّي الوباء.

هل وصلت الإنسانية إلى الجدار؟ الكثير من اليقينيات والبديهيات يُعاد تشكيلها، ليس فقط على مستوى التفكير، بل على مستوى الممارسة كذلك. يَنطبق ذلك، أيضاً، على كثير من الأحداث والصُّوَر، سواءٌ كانت ذات طبيعة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية: فنّانٌ يعزف لجيرانه مِن على شرفة منزله فيتحوّل عزفه إلى مبعث فرحٍ وأمل… فنّانو باليه روسي، يجعلون لحظة الحجر الصحي أداء فنّياً… مواطنون يابانيّون يلجأون إلى حديقة الصلاة في أوماموري بحثاً عن صفاء نفسي واختلاء وتصالُح مع الذات.

قدرةُ الإنسان على خلق مساحات من الفرح، والبحثُ عن المشترك الإنساني العميق في لحظةٍ تصدح أصواتٌ منادية إلى وقف إطلاق النار والصواريخ… كلُّ ذلك لا يدلّ على استيقاظ الضمير الكوني، وإلّا كيف نُفسّر هذه القرصنة التي تُعبّر عن منتهى الفردانية؟

يبدو أنَّ الرهان اليوم يتمثّل في فتحِ مزيدٍ من كوّات الأمل، ليس رغبةً في تجاوُز حالة الخوف والوسواس اليومية، بل لإعادة التفكير في إنسانية الإنسان المفتقدة. في منتهى تجلّي العجز الإنساني أمام عدوّ هُلامي، يتّجه الكثيرون الى التفكير في ما يخلق لنا إمكانيةَ الاستمرارية.

يحضُر التفكير لدى كثير من المبدعين والكتّاب والمفكّرين كحالةٍ مستمرة لا ترتهن الى سقف معيَّن؛ لأنَّ ما يحدث اليوم، في العالم كلّه وليس في جزءٍ صغير منه، يَجعلُ أسئلتَنا وكتاباتنا تتجاوز ذواتنا وعوالمنا وحيواتنا الصغيرة. فقط المشتركُ الإنساني الذي يُوحّدنا يستطيع أن يُشكّلَ الرهان والأفق والبديل لأي تفكير في المستقبل.

توارت خطابات المؤامرات والدسائس السياسية، وأمسى الجميع، دُولاً وأفراداً، منشغلين بما يحدث؛ بالموت والفقر والكساد الاقتصادي. أضحى العالمُ قريةً صغيرةً جدّاً لا يحتاج الموت فيها إلى مسافات زمنية، ولا تحدُّ من انتشاره جدرانٌ واقية. في هذه اللحظة المشهودة، يقف العالم ليعُدّ ضحاياه، عاجزاً عن إيجاد لقاح شافٍ لفيروس عابر للقارات. في هذه اللحظة تنفجر الأسئلة عن تلك القيم الإنسانية المفتقَدة.

يبدو الأملُ لقاحاً مثالياً يُمكنّنا من القدرة على الاستمرارية، بعيداً عن خطابات الهيمنة التي اكتشفت عجزها، بترسانتها التكنولوجية والعسكرية، أمام فيروس صغير فتّاك.

وبينما نعيش عزلةً فردية قاسية، لم تتقوّ لدينا خلايا الانعزالية بقدر ما تعزّز تفكيرنا في العودة إلى الإنسان. جعلنا غيابُ الخروج إلى الشارع واللقاءات وتبادُل التحايا نُعبّر عن مشاعرنا بأشكال أكثر إنسانية… أن نتضامن مع الآخر دون تفكير في عقيدته وأفكاره.

* كاتب من المغرب

العربي الجديدة

———————-

كائنٌ لا تُحتمل عُزلته/ عائشة بلحاج

رفعتُ يدي التي تحمل قلم الرّصاص خلف عنقي. وبحركةٍ لا إرادية، وخزتُ جلدي بطرف القلم، ثم نزلَت يدي على كتفي في حركات عمودية، واستراح الجزء العلوي من ظهري، أمام حركات القلم. أدركتُ حينها أنني اكتشفت للتوّ حركةً لاإرادية مريحة، ستكون ضمن أنشطتي الأثيرة في عزلة الحجْر. وهكذا صرتُ عندما أطرح على نفسي السّؤال نفسه كل يوم: ما العمل؟ مسترجعة لينين الذي طرح هذا السّؤال منذ أكثر من قرن، أُتبع السّؤال بوخزة من القلم على ظهر عنقي، لتساعدني على إيجاد جوابٍ سريع.

ولأنّنا جميعًا نبحث عن حلّ لوضع مستجد على الإنسان المعاصر، لذا نحتاج دليلا جديدا يحمل العنوان نفسه: “ما العمل؟”، ليُرشد هذا الكائن صاحب الكبرياء المبالغ فيها، المُعتمِدة على تطورّه التكنولوجي أساسًا، وقهره ظُروف الزّمان والمكان، لا على قوة خارقة للطبيعة، إلى الطريقة الأسلم لمواجهة هزيمته أمامها. بعد أن ذكّرتهُ، مرة أخرى، أنّه لا يمثّل إلا واحدًا من الكائنات التي تدبّ على الأرض، ولن تكون الأيام في جيبه دائمًا. وكم بدا العالم بحاجة إلى دليلٍ للحالات الطارئة، ليرشده في الوضعيات الجديدة التي كسرت الأنوف والأنفس. وفي انتظار ذلك، لا أحد يعرف ماذا يفعل، وإلى متى؟

المتفائلون منّا يقرأون، ويشاهدون أفلامًا ومسلسلات، ويتعلّمون الرّسم، واللغات.. فالوضع مؤقت، ويُستحسن استغلاله فيما يفيد. بينما ينكبُّ المتشائمون على الدفاتر “أو الحواسيب”، ليكتبوا بإيقاع محكومٍ بالإعدام؛ لعلّهم يُخلّفون شيئًا للمستقبل، ولا يغادرون مثل بقيتنا بأيدٍ فارغة.

يظنّون أنّهم سيخلدون عبر يوميات، أو رواياتٍ مأساوية عن الوباء. وبين الذين يكتبون اليوميات، هناك فئتان: المتفائلون الذين ينشرونها على “فيسبوك”، ويشاركوننا إياها، لأنّهم ليسوا واثقين من النّتيجة. في الغالب يعتبرونها كتابةً تُنفس عن ضغط الحجْر، وقد تؤدي إلى شيء جيد، أو لا تفعل. بينما يكنزها المتشائمون، لأنّهم غالبًا يقرأون ما ينشره الأولون، ويعيدون صياغته، بطريقة احترافية تتمُّ في الظل، وتستفيد من رؤية ما تحت الشمس. غالبًا ما يتصوّرون نهايةً مأساوية للوضع، ويكتبون عنّا، نحن المرتبكين، خفية وجهارًا، أشياء سيئة يظنّون أننا لن نقرأها. فيما يكتفي الكُتاب الصّحافيون بتسجيل أحداث الكارثة وآثارها، مثل أطباء يظنون أنّنا لا ننتبه إلى أنّهم خائفون أكثر من الجميع، ويحاولون التظاهر بالشّجاعة والكتابة بلا مشاعر، أو بمشاعر مضغوطة في جُمل باردة تصف الوضع الوبائي بدقة، لكن من دون انفعال. وهذه الكتابة المهنية عن الوباء تمتصُّ أي رغبة في الكتابة الإبداعية غالبًا، وعن الوباء بشكل خاص.

ماذا نكتب عن هذه التّجربة التاريخية في حياة معظم الناس، الذين عاصر بعضهم حروبًا طاحنة، وشهِدَ أهوالًا كثيرة؟ بالنّسبة لهم، هذا الوباء ليس إلّا هواءً فاسدا وسخيفا، لا يحرّك فيهم إلّا الخوف من تداعيات هذا الانتشار الكبير لبقعة الفيروس، مثل بقع نفط يتسرّب في المحيط على معيشتهم وما تبقّى من أُسرهم. ومع ذلك، يريد كثيرون أن يُنتجوا أدبًا لهذا الوباء، في حين يرى آخرون أنّ على الأدباء أن يكتبوا عن يومياتهم، وكيف يعيشون في الحجْر ويتخيّلون الخروج منه.

حين حكت ليلى سليماني، ببرجوازيتها، عن يومياتها في بيتها المُريح خارج ازدحام المدن الكبيرة، وبعيدًا عن الفيروس وحامليه، انزعج منها كثيرون، لأنّها تعالت على القارئ، ولم تكن متعاطفة أو منتمية إلى عالمه. وللأمانة، كثيرون يتخيّلون حياة الكتاب هكذا: منزل بعيد بحديقة، وكتب متراكمة في غرفة شبه مُعتمة جدرانها مغطاة بالكتب، يلجأ إليها الكُتّاب لحظة الإلهام العظيمة. باقي الوقت ينقسم بين الحديقة وأنشطة غرفة النوم، والشطرنج، والأكل.

لا أحد يتخيّل الكاتبات وهُنّ يركضن في البيت، بين ترتيبه وإعداد الوجبات وتهدئة الأطفال. والكتّاب وهم مضطرّون للعمل البيتي بمزاجٍ عكر، وبخلفية صوتية تختلط فيها شجارات الجيران مع صراخ أولادهم، وصوت التلفزيون الذي يعمل بحماسٍ مجنون على نقل أخبار الوباء بلا كلل، ويقتل كلّ شاعرية أو رومانتيكية في حياتهم.

وبالحديث عن البيت، يمكن أن نقول إنّه لم يكن للمرأة يومًا مكانًا حميميًا، بل لطالما نظرت إليه كقلعة ذكورية، حتّى وإن لم يره الرّجال كذلك، فصحيح أنّ الرجل لا يقضي وقتًا مهمًا فيه، لكنه لا يغادره عندما يخرج منه، فأشياؤه وطلباته حاضرة طوال اليوم. إنّه رب البيت، وصاحب العمل، الذي تقوم به المرأة، خصوصا ربّة البيت التي لا تغادره للعمل. وتلك الإشاعة عن أن البيت مملكة للمرأة، لم تعد تُغري بالتّرويج، بعد أن تفوّقت المرأة على الرّجال في ارتياد المقاهي، هروبًا من البيت. ومع ذلك، لا ينظر الرّجل إلى البيت ملجأ، لأنّ له فيه شركاء، وسلطته المزعومة غير حقيقية، بالنّسبة له على الأقل. صحيحٌ أن المرأة تطبخ له، لكنها تفعل ذلك على هواها، وهوى أولادها ولا أحد منهم يبدو أنه مهتم بما يرغب فيه، داخل هذا البيت.

ما العمل إذن؟ في عزلة ليست حقيقية؟ في بيت يُحاصَر فيه الرّجل والمرأة مع الأولاد، مثلما تُحاصر القطط والكلاب والفئران في قفصٍ واحد. نقٌّ طوال اليوم، واختناق كاملٌ لكل الأطراف. وما ارتفاع حالات العنف المنزلي إلّا تعبير عن هذا الوضع، لأنّها عزلةٌ مغشوشة، تفرض التعايش بين مساجين كثر في مكان واحد، تنتعش فيه الخلافات القديمة وتتفقس أخرى جديدة.

مع ذلك، هناك من هم في عزلة دائمة حيثما كانوا. في كتابه “اختراع العزلة”، تحدث بول أوستر عن أبيه الذي عاش باختياره في فقاعة خارج العالم والمحيط. وحتى عندما كان يعيش مع أسرته، كان منعزلًا عنهم، وهو داخل البيت نفسه، حيث يعيشون جميعًا. وعندما غادر الجميع، إلّا هو، ظل غير مهتم بما يعرضهُ عليه العالم من مباهج. وباستثناء روتينه اليومي، لم يعرف شيئًا آخر. إلى درجة أنّه عندما مات لم ينتبه أحد لغيابه، لأنّه لم يكن حاضرًا يومًا لأحد. وفي مقال لها عن العزلة، تقول أولغا توكارتشوك (الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2019): “عشتُ فترة، هي الأطول، شاعرة بأنّ حولي قدرًا زائدًا من العالم، ومن السرعة، والصخب. لذلك لا أعاني الآن “صدمة العزلة” بالمرّة، ولا يشق عليّ إطلاقا أنني لا أرى الناس”. وتضيف: “ماذا لو تبيَّن أننا لن نعود إلى إيقاع حياتنا الطبيعي؟ وأنّ الفيروس ليس خروجًا عن المعتاد، بل العكس تمامًا، أي أنّ العالم المحموم الذي كان قبل وصول الفيروس، هو الشاذ المُنافي للطبيعي؟” وفي سياق العزلة نفسه، هزّت الكاتبة الهندية، أروندوتي روي، القلوب في مقال طويل، ذهبت فيه إلى أننا: “سنعيش فرادى أكثر مما فعلنا يومًا. سنعود إلى ذواتنا، وستصبح اللّقاءات البشرية ممكنة بقدر ضرورتها. أي أنّنا سنُصبح براغماتيين حتى في تعاملنا مع العائلة والمشاعر والصداقة .. كلها أشياء ستصبح غير ضرورية، وتفقد أهميتها في حياتنا”.

هذه احتمالات ممكنة، لكن تاريخ الإنسان المليء بالأوبئة يقول إنّ هذا لم يحدث قبلًا، فلِم يحدث الآن؟ المُتغيّر الوحيد حاليا أن الإنسان يمتلك بدائل إلكترونية وتكنولوجية، وقدرًا من المعرفة والأنانية، ما يجعل هذه الاحتمالات غير قابلة للحدوث، أو يجعلها خيارًا محتملًا بنسبٍ معقولة.

العربي الجديد

—————————

كيف نستفيد من دروس كورونا؟/ إبراهيم اليوسف

استطاعت جائحة كورونا التي انتشرت في العالم، واضطرت مليارات الناس، الذين يعيشون على هذا الكوكب، بمختلف قاراته، ورايات بلدانه، وألوانهم، وأجناسهم، وأديانهم، ومللهم، ونحلهم،  للاحتماء والحجر في بيوتهم، وهم يعيشون تحت سطوة عامل واحد هو الخوف ، بل الرعب، من هذا المرض الفتاك الذي يكاد يكون الأكثر تميزًا بسرعة انتشاره، وسهولة تنقله، والإصابة به، ما جعله يحتل موقع الصدارة بين الأخطار العالمية الراهنة المحدقة، بل ثمة من رأى ديمومته، ومقدرته على إزالة الوجود البشري، من سطح كوكب الأرض- استطاعت أن تحرك حالة الركود الفكري والفلسفي والثقافي، في هذه المرحلة المفصلية، في ظل التغييرات الطارئة في العالم، وحدوث نقلات كبرى على صعيد الحياة، وهيمنة الرقمية، وتوصيفها الافتراضي على العالم، وما يمكن أن يسببه ذلك من تأثير كبير على الفكر، فتح أبواب التحول على مصراعيه، من دون أن ننتبه إلى تلك الإشارات التي بدرت عمن تنبؤوا بواقع مجتمع ما بعد المعلوماتية، أو مجتمع المعلوماتية، بل تحديدًا مجتمع العولمة التي غدت المعلوماتية مجرد مفردة في عالمها،  وقد سخرتها وتسخرها من أجل مجتمع ذي مواصفات محددة؛ مجتمع الثلث الذي حذر منه كبار المفكرين اليساريين في العالم.

ما حدث، ويحدث حاليًا، منذ نهاية كانون الثاني/يناير 2020، وحتى الآن، من تحولات كونية، في مرحلة ما بعد كورونا، يذكرنا إلى حد بعيد بتلك المرحلة التي أنتجت فيها الكثير من البحوث والدراسات حول مرحلة العولمة، وكان كثيرون من بيننا يتعاملون مع ما يصدر، أو مع ما يقرؤون، على أنه ليس إلا محض إنذارات استباقية، متوهمة، لا أكثر، إذ إن الكثيرين من المشتغلين في مجالات الثقافة والفكر تناولوا هذه المرحلة، وإن كان الإعلام في هذه المحطة الجديدة هو السائد، بل وإن كنا نجد إحجامًا من قبل مفكرين وعلماء بارزين، لما نسمع أصواتهم، كما ينبغي.

ويعد عالم اللسانيات المفكر الأميركي نعوم تشومسكي (1928) أحد أبرز المفكرين المعاصرين الذين تناولوا هذه المرحلة، وهم يتكئون على ما طرحوه في نهاية الألفية الماضية، وبدايات الألفية الجديدة، من أطروحات وقراءات، تكاد تكون منسية من قبل كثيرين منا، إذ إننا ونحن نعيش أزمة كورونا، غير المسبوقة في التاريخ، على صعيد إلزام المليارات من سكان العمارة الكونية ليعيشوا في بيوتهم محجورين، بتنا في المختبر التطبيقي الميداني لهاتيك الطروحات، بالرغم من أن التركيز كان من قبل على ما ستوصلنا إليه النيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم بالعالم، وما خطرها: الحرب النووية والاحتباس الحراري، إلى جانب رأس الثالوث الرئيس وهو تدهور بل تحطم الديمقراطية، إلا من أعظم التحديات التي تهدد أمن وجود العالم. ما نقل على لسان تشومسكي، اعتمادًا على حلقة من برنامج  DiEM25 TV، قدم رؤية تشريحية للواقع، تحت ظل النيوليبرالية العالمية، حيث أطلق، وبجرأة، آراءه، في دونالد ترامب- من ضمن القلة التي تقود العالم وتتحكم به- كي يراه مجرد مهرج، معتل،  يقود هو ومن معه العالم إلى الهاوية، ويرى أنه قد تجاوز أن يستحق مصطلح “فاشي” لأن للفاشي ذاته أخلاقياته، وقيمه، وإن خطورته تكمن في امتلاك بلده القوة العسكرية الهائلة.

وإذا كانت طروحات تشومسكي، حتى الآن، بحسب ما جاء في مقال سامية عيسى-  “نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن” والمنشور في الإندبندت عربي-  لا يزال في إطار تشخيص الحالة ما قبل الكورونية، فإنه يرى بأن تحديات كورونا قد عمقت الأزمة، ومن بين ذلك أن الذين يحجرون منزليًا أو صحيًا هم- في الأساس- يعتمدون في قوتهم اليومي على قوت يدهم، وهكذا فإن الحجر يمنعهم عن العمل، ما يقدمهم فريسة للموت، وتتجلى هنا إنسانية رؤاه، لا سيما عندما يبدي استغرابه، من استمرارية النموذج الكوبي في الحياة، بالرغم من الحصار الاقتصادي الأميركي لكوبا، منذ بداية استقلالها، من دون أن ينسى مد الكوبيين يد المساعدة لليونان، بالرغم من بؤس أوضاع بلدهم، اقتصاديًا، في الوقت الذي لم تفعل دول أوروبية مثل ذلك؟

نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن – سامية عيسى – المنار الثقافية الدولية https://t.co/7QJqs3YiBw

    نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن – سامية عيسى – المنار الثقافية الدولية https://t.co/7QJqs3YiBw

    — المنار الثقافية الدولية (@AlmanarJournal) April 14, 2020

“>

يرى تشومسكي أن كورونا كان” صدمة العصر”، إلا أنه لا ينظر إليه، إلا كتحد عابر، لأنه يركز أكثر على مرحلة ما بعد كورونا، إذ يراها الأشدَّ خطورة، لا سيما بالنسبة إلى الدول التي تعاني من العقوبات، وإن كان يمكنه إضافة ما تمارسه من ابتزاز للعالم، وعدم أداء دورها، من خلال موقعها الذي منحته لذاتها، في قيادة الأسرة الدولية، وما الحروب التي تشتعل إلا نتيجة أحد أمرين، أو كليهما معًا: التدخل في شؤون العالم، من جهة، ومن جهة أخرى: إدارة الأزمات، والحفاظ على توازنات كفتي الصراعات، كما عبر عن ذلك هنري كيسنجر- وزير الخارجية الأميركي الأسبق-  بقوله “إن مصلحة  أميركا  لا تكمن في حل الصراعات بل بإدارتها” والإمساك بخيوطها، وهو أبلغ ما يمكن أن يقال عن سياسات أميركا، ودورها في العالم، بما يختصر آلاف المجلدات حول تقويمها وواقعها!

ولم ينس تشومسكي حقيقة انهيار الأسواق، في ظل هذه المرحلة- وثمة تمهيدات سابقة لذلك-  باعتبار أن أزمة كورونا سرَّعت من إيقاع الانهيار، بل إن مستقبلًا  كارثيًا ينتظر اقتصادات بلدان كثيرة في العالم، فيما لو استمرَّ تحدي كورونا للعالم، بالرغم من أن تقهقر الأسواق العالمية ينتظم، في الأصل، ضمن إطار حالة الخلل المهيمنة على الدورة الاقتصادية العالمية، نتيجة ابتلاع الحيتان الكبرى في العالم- وفي مقدمها  الحوت الأميركي الأعظم- لمقدرات شعوب العالم، حتى الآن!

واقع هيمنة التكنولوجيا

ما هو أكثر أهمية هنا تركيز تشومسكي على واقع هيمنة التكنولوجيا، والهواتف الذكية، على الجيل الجديد، الذي بات يعيش عزلته، بعيدًا عن وسطه الاجتماعي، ويرى- خلاف ما هو سائد- أن هذه العزلة مفيدة، في مرحلة العزل وشساعة الفراغ، وذلك لتنظيم الناس، وتوجيههم، و”التباعد” في ما بينهم، كما أنه يشير إلى احتمال توقف شبكات الإنترنت وهو نفسه شبيه، أو نظير التخوف الذي كان يساورنا من توقف المعامل والمصانع العظمى، إذا ما تفشى- مثلًا- فيروس كوفيد19، بين عمالها، ما يؤدي إلى انهيارها، ويسرع من الانهيار العام، وخطر الوجود البشري.

ولاكتمال رسم ورصد النيوليبرالية، في أعلى صور وحشيتها، إشارته إلى تباطؤ، أو تراخي، أو إحجام شركات الأدوية عن إيجاد ما يلزم من لقاحات وعلاجات، أسوة بما فعلته إزاء ظهور فيروس إنفلونزا الخنازير في 2009، لا سيما وأن الدراسات كانت قد أظهرت بأنه ستكون لفيروس سارس الذي ظهر في 2003، سلالة من الفيروسات التي ستظهر لاحقًا، ويقدم تشومسكي مفارقة صاعقة وهي أن شركات الدواء تهتم بإنتاج الكريمات على

حساب إنتاج العقاقير والأدوية واللقاحات لأن الأولى منها أكثر استدرارًا للأرباح!

ومن بين أبرز ما جاء على لسان تشومسكي اعتباره أن فيروس كورونا كان إنذارًا للعالم، بل إنه “علامة تحذير ودرس للبشر، وعلينا أن نبحث عن الجذور التي تؤدي إلى الأزمات التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم”، إذ إنه بالرغم من قتامة اللوحة، إلا أنه يرى “أن الناس سيجدون طريقهم وسيعثرون على وسائل أخرى للاستمرار وتوسيع الأنشطة وتعميقها وترميم انكساراتهم ولملمة جروحهم، ليبنوا عالمًا جديدًا قابلًا للعيش فيه. يكفي أن نمتلك الإرادة والعزم والتصميم، يكفي ألا نفقد الأمل”.

مثل هذا التفاؤل، من لدن مفكر معاصر، يعيش بين ظهرانينا، وهو يسير بثقة، وبرؤى عميقة، نحو استكمال قرن من حياته، يجعلنا نتوقف مليًا عند آرائه، لا سيما عندما نوقن أن قوى الشر ستواصل وظيفتها، إلا أن قوى الخير في العالم هي التي ستنتصر، في نهاية المطاف، لأن الحياة مبنية على معادلة السيرورة، والديمومة، وما المنجز البشري، عبر التاريخ، في مجالات الحضارة، والتطور، وأرومة الأخلاق، إلا الشاهد الأعظم على هذه النبوءة!

من هنا، فإن تشومسكي إذا كان قد قرع أجراس الخطر، منبهًا أن مصيرًا غامضًا ينتظر العالم، في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، فهو بذلك  يشخصن، على منصة مختبره، الحالة الكارثية التي سيصبح عليها البشر، إن لم يستفيدوا من دروس هذه المرحلة الصعبة التي حضت كلًا منا لنفكر بخلاصنا الذاتي فحسب، ونتخلى عن أقرب ذوينا، بعد أن سلس فضاء العودة إلى الذات، في سبيل ديموماتنا الفردية، وفي هذا ما يحطم “الحضارة/ الأخلاقية” للبشرية، على مدى آلاف الأعوام، إلا إنه- في الجانب الآخر من خطاب التحذير- أشار إلى باب النجاة، المفتوح، في ما لو أجاد العالم كيفية تجاوز حقول الألغام التي زرعها حفدة قابيل وتشكل أعظم خطر على مصير ومستقبل العالم، في إطار تأبيد نظرية عالم القلة، عالم التوحش، بعد أن يكون سوادنا غائبًا عنه! إنها ثنائية السيرورة والزوال إذًا، في أخطر منعطف للتحدي البشري على مدار التاريخ، وليس علينا إلا أن نحذر!

(من مخطوط “جمالياتُ العزلة: في أسئلةِ الرُّعب والبقاء!”)

ضفة ثالثة

———————————–

نظريات المؤامرة تلاحق بيل غيتس..وتعطل إختباراته المنزلية

أمرت إدارة الدواء والغذاء في الولايات المتحدة “اف دي أي” بوقف برنامج واعد يسمح بإجراء اختبارات كورونا في المنزل، بانتظار إجراء المزيد من المراجعات بشأنه.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن مذكرة صادرة من الحكومة الفيدرالية طلبت من القائمين على البرنامج التوقف عن اختبار المرضى أو إعادة نتائج التشخيص إليهم حتى يتم الحصول على تصريح مناسب.

ويسمح البرنامج، المدعوم من قبل الملياردير بيل غيتس ومسؤولي الصحة في ولاية مدينة سياتل بولاية واشنطن، بإجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا بسهولة في المنزل وإرسال العينات للتحليل دون الحاجة لمخالطة الآخرين. ويقول الباحثون إن مثل هذا الاختبار ضروري للرصد المستقبلي للفيروس.

وتضمن البرنامج، المخصص لمدينة سياتل، إرسال مجموعات اختبار للمنزل لكل من الأشخاص الأصحاء والمرضى على أمل إجراء مراقبة واسعة النطاق يمكن أن تساعد المجتمعات على تخفيف إجراءات الإغلاق أو إنهائها بشكل آمن.

وقد اختبر الباحثون وسلطات الصحة العامة بالفعل آلاف العينات، ووجدوا العشرات من حالات الإصابة بالوباء القاتل، لم يتم اكتشافها سابقاً.

وأكدت شركة سياتل، التي تجري الاختبارات، أنها أجرت محادثات مع إدارة الغذاء والدواء حول برنامجها لمدة 10 أسابيع تقريباً وقدمت البيانات بشأنه قبل نحو شهر.

لكن متحدثاً باسم إدارة الغذاء والدواء أشار إلى أن مجموعات الاختبار المنزلية أثارت مخاوف إضافية بشأن السلامة والدقة وتتطلب مراجعة الوكالة.

وقالت “نيويورك تايمز” إن المشكلة قد تكون متعلقة بنتائج الاختبار، التي لا يتم استخدامها من قبل الباحثين فقط لمراقبة الفيروس داخل المجتمع، ولكن يتم أيضاً ابلاغ المرضى بالنتائج، وهذا يتعارض مع معايير وكالة الغذاء والدواء.

وتعليقاً على ذلك، قال مدير معهد العلوم الانتقالية في كاليفورنيا إيريك توبول إن “من غير المنطقي أن يقوم الناس بمسح أنوفهم ثم لا يعطونهم نتائج الاختبار”، مضيفاً أن “حجب هذه المعلومات عن الناس أمر سخيف تماما”.

في السياق يكثر عبر الانترنت كلام كاذب يتم تشاركه ملايين المرات حول بيل غيتس من قبيل إنه “اخترع كوفيد-19″ و”يريد إفراغ الأرض من سكانها” و”زرع شرائح إلكترونية في البشر”.

وأصبح الملياردير الأميركي الشهير الهدف المفضل لأصحاب نظريات المؤامرة الذين يستفيدون من خلال منشوراتهم في زيادة عدد المشاهدات مع تفشي الوباء.

وشرح مدير البحوث في “فيرست درافت” وهي شبكة من وسائل إعلام تقوم بمشاريع لمكافحة التضليل عبر الانترنت روري سميث أن غيتس الذي أصبح فاعل خير استحال “دمية فودو يزرع فيها المتآمرون من جميع المشارب”، مثل الإبر، “نظرياتهم المختلفة”.

ووصفت ويتني فيليبس من جامعة سيراكيوز، الملياردير الأميركي الذي انخرط منذ 20 عاماً عبر مؤسسة غيتس في حملات التلقيح ومكافحة الأوبئة، بأنه يستخدم “كفزاعة”.

فقد حصد مقطع مصور بالإنكليزية يتهمه، من بين أمور أخرى، بالرغبة في “القضاء على 15 في المئة من سكان العالم” عن طريق اللقاحات وزرع رقائق إلكترونية في أجساد البشر، ما يقرب من مليوني مشاهدة على “يوتيوب” في أقل من شهرين.

وهذه الادعاءات “زادت بشكل صاروخي” بين كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل بحسب روري سميث إلى درجة بات فيه الفيديو التضليلي باللغة الإنكليزية الموجه ضد بيل غيتس الآن أكثر المنشورات المرتبطة ب”كوفيد-“19” رواجاً.

ومن خلال الاقتباسات المحرّفة وتركيب الصور والاختصارات المضللة، تتهمه هذه المنشورات برغبته في إعطاء لقاح مسموم للأفارقة من خلال شل مئات الآلاف من الأطفال والسيطرة على منظمة الصحة العالمية واستخدام أدمغتنا لإنشاء عملات افتراضية.

وإذا كان جزء كبير منها متداولاً قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، فإن الادعاءات التي تستهدف بيل غيتس تشترك في نقطة واحدة: اتهامه بالرغبة في الاستفادة من الوباء مثل شخصية “المستفيد من الحرب”: السيطرة على العالم أو زيادة ثروته من خلال بيع اللقاحات.

ومن بين النظريات، أن بيل غيتس هو من صنع الفيروس و”الدليل؟” لديه “براءة اختراع” و”تنبأ بالوباء” خلال مؤتمر في العام 2015.

—————————-

———————————-

في سورية… فيروس الصمت/ بدر الدين عرودكي

في الوقت الذي يستحيل فيه الحصول على معلومات موثوقة حول الحصيلة الحقيقية لوباء كورونا أو كوفيد ـ 19 في سورية، تشعر عائلات عديدة بالقلق من وضع أقربائها الذين تعتقد بأنهم معتقلون في سجون النظام السرية الرهيبة.

إنهن سوريات، لاجئات في تركيا أو في الأردن أو في لبنان أو في اليونان أو في ألمانيا أو في المملكة المتحدة. لقد عانيْن الحرب والشرور كلها: الإرهاب والقنابل، التدمير والتمزق، المطاردة والمنفى. لقد رأين جيرانهن، وأصدقاءهن، وأفرادًا من عائلاتهن يموتون. لقد غادرن منازلهن، وأماكن طفولتهن، تاركات وراءهن أحيانًا آباءهن وأمهاتهن الذين لا يستطيعون اللحاق بهن؛ عانين خلال هروبهن الإذلال، والتسلط، والابتزاز. لم تكن لياليهن هادئة أبدًا؛ ومنذ زمن بعيد هجرتهن الأحلام.

لم يبق سوى الذكريات، والمرارة، والصدمات. وفي نظر كل اللواتي أردن أن يحدّثننا، كان هناك هوس يبقي عليهن قيد الحياة ويحول بينهن وبين أن يحييْن: زوج، إبن، عم، اعتقلهم أمن النظام السوري واختفوا في سجونه من دون أن يُعرَفَ عنهم شيئًا ما.

آلاف الأسئلة بلا جواب

لا وجود لأية كلمة، ولا لأي معلومة، ولا لأدنى تهمة ولا لأدنى إجراء. لاوجود لأية وسيلة للدفاع عن النفس، ولا لأي عنوان يمكن الذهاب إليه. آلاف الأسئلة بلا جواب. فقط ظنٌّ قوي في سجن الشخص في مراكز التعذيب التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “مسالخ بشرية“. والحداد مستحيل. إذهبوا في حال سبيلكم، إنسوا، لا شيء يستحق الرؤية. صمت. يبدو المفقودون وقد شطبوا من السجلات الرسمية كما لو أنهم اختفوا من على سطح الأرض. هناك ما لا يقل عن 83000 منهم اليوم، كما تقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي توثق كل حالة على حدة.

وها هو فيروس الكورونا الذي أحيا قلق هذه العائلات. وها هي الحكايات، التي تروى داخل وخارج سورية، تصيبها بالذعر وتحملها على تخيل مذبحة في شبكة السجون ومراكز الاعتقال لدى نظام الأسد، الرسمي منها والسري، التي لا يملك أي شخص الحق  بزيارتها. وها هي، على إثر 43 منظمة غير حكومية حثت يوم 16 آذار/مارس الماضي الحكومة السورية على الإفراج عن السجناء السياسيين بسبب وباء فيروس الكورونا، وتبعها ممثل منظمة الأمم المتحدة الذي طالب بإجراءات عاجلة من أجل تأمين العناية والحماية في أماكن الاعتقال كلها، ثمة زوجات وأمهات وأخوات وبنات أعمام المفقودين قمن بالاتصال بنا بصورة عفوية كي يقلن لنا رعبهن ويسترعين الانتباه إلى مصير المعتقلين السريين.

Amal Al Nasin, avocate syrienne et militante des droits de la personne, est directrice du centre d’aide aux réfugiés Amals Healing and Advocacy Center, installé à Antakya, en Turquie, ici, le 16 mars 2019.أمل النعسان، محامية سورية ومناضلة في مجال حقوق الأشخاص، مديرة مركز أمل للمناصرة والتعافي للاجئين، ومقره في أنطاكية بتركيا. (أخذت الصورة يوم 16 آذار/ مارس 2019)

“إنهم الأكثر ضعفًا بين الضعفاء؛ لو دخل فيروس الكوفيد / 19 السجن، فسوف يهلكهم جميعًا“، تحذر على هذا النحو أمل النعسان، المحامية ورئيسة مركز أمل للمناصرة والتعافي  لعائلات اللاجئين، التي حدثتنا من أنطاكية، في تركيا، حيث لجأت منذ عام 2012. لم تقم أبدًا بالطبع بزيارة المراكز السرية التي يُراكَم فيها السجناء المعتقلون خارج النسق الشرعي. لكنها تعتمد على التقارير التي نشرتها منظمة العفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، وكذلك على شهادات المعتقلين الذين هربوا أو أفرج عنهم، والتي تتلقاها منذ بداية الثورة، أي في آذار/مارس 2011.

خمسون معتقلًا في 24 متر مربع

تستطيع أن تصف المعتقلات ذات الرائحة الكريهة والمكتظة، والمفتقرة للتهوية، وفي أغلب الأحيان إلى ضوء النهار، والتي تملؤها الجرذان. زنزانات بطول 6 أمتار وعرض  4 أمتار تشتمل على خمسين سجين لا يستطيعون الجلوس والنوم إلا بالتناوب؛ محرومون من النظافة، والعناية حين يمرضون، ويستدعون بصورة منتظمة إلى جلسات تعذيب  يعودون منها وقد غطتهم الدماء. تقول السيدة أمل النعسان: “الجحيم”. الجحيم الذي دخلته من قبل أمراض مثل السل وحيث لن يواجه السجناء، وقد تمزقت جلودهم  وامتلأت أجسادهم بالقروح، فيروس الكورونا بأية مقاومة. “يكفي أن يكون حارس سجن مصاب به أو أن يصل سجين آخر من سجن آخر، حتى ينهارون بالمئات خنقًا بلا أدنى عناية. أذ لا يمكن أن ننتظر من  الجلادين أن يقلقوا على صحة ضحاياهم !“.

إنها ليست إلا مسألة أيام كما تخشى. لأن فيروس الكورونا ينتقل شئنا أم أبينا في سورية، رغم جهود النظام في تقليل الأرقام وضغوطه على الهيئات الطبية كي تصرح “ماتوا بسبب ذات الرئة” أو بـ”التهاب الرئتين” لمن ماتوا بسبب كوفيد 19، لاسيما وأن الجثامين لا تعاد إلى العائلات، كما أن عناصر المخابرات تقوم بمراقبة المستشفيات كي لا تتسرب منها أية معلومة.

خمسة وأربعون حالة اكتشفت في بداية شهر أيار/ مايو وثلاثة وفيات فقط. ولكن من يصدق هذه الأرقام؟ وسواء أكانت عائلات المفقودين تقيم خارج البلد أو داخله، فإنها ترتعد على كل حال من أن يصير الفيروس حليف الرئيس السوري من أجل القضاء عل السجناء المصنفين كمعارضين، حتى وإن كانوا مجرد طلبة أوقفوا في أولى مظاهرات ربيع عام 2011. 

“سيكون الأمر فظيعًا، تعلق السيدة أمل النعسان التي تواصل إعداد الملفات، وتحميس أقارب المفقودين وجعلهم يأملون الحصول على التفسيرات والحقوق والعدالة. إذا كان هناك وقت نحتاج فيه إلى مساعدة بقية العالم، كما تقول، فها هو الوقت، الآن. لقد أغلق الكورونا الحدود، وأغرق شعوب الكرة الأرضية في الحجر والقلق من الموت. لابد أن يحملها ذلك على فهم ما يعيشه المعتقلون السوريون وإلهامها بعض التضامن. يجب رفض أن يستخدم بشار الأسد فيروس الكورونا وأن يجعل منه سلاحًا حربيًا جديدًا. سواء للقضاء على السجناء المزعجين، أو ملاطفة الغرب للحصول على رفع العقوبات.“

والد وأخو غرام، وهي في الثلاثين من عمرها، وتقيم هي الأخرى بأنطاكية، خرجوا من السجن. لكن لم يخرج عمّاها اللذان فقدت آثارهما منذ 2013. كل العائلة تعيش حول صور الرجليْن، بذكراهما وبانتظارهما. كل شيء محظور، معلق.  فالأموال التي يملكونها لا يمكن أن تباع، والمساعدات التي يمكن أن يستفيد منها الأطفال الأيتام ليست شرعية، والزوجات لا يستطعن الزواج مرة ثانية. “حتى تنظيم حفل لزواجي لم يكن من الممكن تصوره مع وجود عمَّيْن معتقليْن لدى بشار.” كما تقول المرأة الشابة.

يثير وصول معتقل أفرجَ عنه كل مرة غليان كل جماعة المنفيين، الذين ينهالون على الناجي بالأسئلة: “هل صادفت فلان؟ هل سمعت أحدًا يتكلم عنه؟ إنه من قرية كذا، من عائلة كذا… هل نُقل؟ هل عُذِّب؟ ما هو احتمال أن يكون لا يزال حيًّا ؟” في غالب الأحيان لا نعلم شيئًا. ويستمر الانتظار. ويثابر الأمل. “قبولُ الموت يعني خيانة أهلنا والدخول في فخ بشار. إنه مدين لنا بالتفسيرات. وسيجب عليه أن يتحمَّل المسؤولية”  ضمن مطلب العدالة هذا،  تبدو فرضية فيروس الكورونا غير محتملة على الإطلاق.

“هل يمكن أن يموتون على هذا النحو؟ هم الذين يقاومون أشد ضروب التعذيب جنونًا، وحروق الكهربة، والجلد، وكل الأهوال  التي تمارسها عائلة الأسد منذ عشرات السنين من أجل تركيع شعبها؟ هل يمكن أن ينهاروا بفيروس يبرِّئ جلادهم؟ لا!.. لا!..” تصرخ على الهاتف زوجة الصحفي جهاد أسعد محمد، المعتقل بدمشق عام 2013 والذي لا تعرف عنه منذئذ أي خبر.

كانت مع ذلك قد حرثت الأرض والسماء، وأنشأت صفحة فيسبوك، وناضلت في عدة منظمات، واتصلت مع منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا جدود، وحاولت شراء المعلومات من موظفين فاسدين. سوى أنها لم تصل إلى أية معلومة، لكن حياتها تستمر في التركيز على هذا الغياب، “الذي يتغذى بأمل” العثور على زوجها، لكنها “مهووسة بفكرة أن الفيروس، كالنار على كتلة قش، يمكن أن يحرق السجون، أو أن يعطي بشار حجة ارتكاب مذبحة“.

القلق ذاته بالنسبة إلى باسمة، وهي في الخامسة والخمسين من عمرها، أصلها من الغوطة على أطراف دمشق، التي تستمر في أن تأمل عودة ابنها الوحيد، الذي اعتقل عام 2013 وهو في الثانية والعشرين من عمره. “بحثتُ عنه طوال سنة ونصف، صرتُ مجنونة. كما لو أن الصاعقة وقعت عليَّ حين علمت أنه كان في سجن صيدنايا. استطعت أن أراه عدة لحظات، محاطًا بحارسيْن. كان هزيلًا، مرتديًا ملابس كالخرق، لم يكن يستطيع أن يرفع رأسه كي يواجهني. قال لي: “لا تقلقي يا أمي، ماشي الحال”. لكن بالطبع لم يكن الحال كما قال!” كانت تجهش بالبكاء عند تذكرها ذلك، هي التي كانت تنتقل إلى جزيرة كوس في اليونان.

“جئت إليه حاملة بيجاما، وحذاء، وجرابات، وبعض الغذاء، وقليلًا من النقود. بحثت عن محام فهزئوا مني. توسلت أن أراه ثانية. فوافقوا على أراه ثانية. كان هيكلًا عظميًّا، جفلًا، عاريًا. تركت له ما استطعت، وحين أردت العودة إلى السجن، هذه المرة، كان اسمه قد شطب من كل السجلات. مجهول في هذا العنوان. لم يعد أحدٌ يعلم  أين كان.” صاحت باسمة أنها كانت قد رأته من قبل، وأنها لم تكن تحلم. دمرت نفسها من أجل أن تحاول العثور عليه، أن تقابل ضباطًا، أن تشتري معلومات. بل لقد أعطت خاتم زواجها.غيرها  باعوا بيوتهم. ذلك أن الفساد كلي الحضور. وسوق المعلومات المزيفة على قدم وساق.

موتى بـ”السكتة القلبية”

يحدث أن تصل شهادة وفاة إلى العائلات. في عام 2018، مثلًا، مئات أرسلت عدّة من الشهادات مشيرة إلى وفاة مفقود، يعود تاريخها إلى 2013 وتسببت بالوفاة على الدوام تقريبًا “سكتة قلبية”. بلا أي برهان، بلا أي تفسير، ومن دون جسد. الخبر مرعب، لكنه لا يقضي على الأمل بما أنه حدث، كما تروي لنا ساره كيالي، الباحثة في منظمة حقوق الإنسان، أن سجينًا قام بعد سنة من إعلان وفاته، وبعد ستة سنوات من موته المفترض. من يصدق؟ “يلعب الأسد بمشاعر العائلات، لاشيء واضح، عدم اليقين هو السيِّد. وفيروس الكورونا بعد تسع سنوات من الآلام، مصدر جديد لقلقها.”

On compte aujourd’hui au moins 83 000  disparus en Syrie, selon le Réseau syrien pour les droits humains. Ici, le 16 mars 2019, au Centre Amals Healing and Advocacy pour les familles de réfugiés, à Antakya, en Turquie.يُعّدُّ اليوم على الأقل 83000 مفقود في سورية، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. هنا، في 16 آذار/مارس 2019، في مركز أمل للمناصرة والتعافي للاجئين، بأنطاكية، في تركيا (AMALS HEALING AND ADVOCACY CENTER)

لن يكون المرسوم الجديد بالعفو الذي نشرته دمشق في 22 آذار/مارس هو الذي سوف يواسيهم. إنه “كذر الرماد في العيون!”، تقول ساره كيالي. “محاولة بائسة لطمأنة منظمة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في ظروف الجائحة”، يزيد فاضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان. أولًا هذا العفو، كسابقيه، لا يعني إلا السجناء العاديين، ولا يعني بأي حال السجناء السياسيين  ولا النشطاء، ولا الصحفيين، ولا المناضلين، المصنفين جميعًا تحت صفة “الإرهابيين”.

بعد ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يوجد 130000 سجين في مراكز الاعتقال السورية، تحسب المنظمة غير الحكومية أنه وفق إيقاع مراسيم العفو (سبعة عشر مرسوم منذ 2011)، لابد من انتظار ثلاث سنوات من أجل تفريغ السجون. وهذا من دون الأخذ بالحسبان أن الاعتقالات التعسفية تستمر (بلغ عدد المعتقلين 665 منذ مرسوم العفو الصادر في 15 أيلول/سبتمبر 2019)، وبلغ عددالموتى بفعل التعذيب (116، وثقت وفاتهم من قبل المنظمة غير الحكومية).

إذن، ماذا عن فيروس الكورونا… “العائلات على حق بأن تخاف” يؤكد الدكتور مثنّى، سجين سابق يقيم الآن ببرلين. الأسد أسوأ من الإيرانيين الذين أفرجوا عن آلاف السجناء تحت ضغط فيروس كورونا. أما هو، فلن يفعل شيئًا كي يوفر المعتقلين. على العكس! يمكن لكورونا أن يتيح له الفرصة للتخلص من كل المنشقين.”

يكشف آخر تقرير للمنظمة غير الحكومية هشاشة البلد القصوى في المجال الصحي، وضعف عدد المستشفيات التي تسير سيرًا حسناً، والنقص الخطير في المعدات وفي العاملين في المجال الصحي بما أن 70 بالمائة من الطاقم الطبي هربوا إلى الخارج. ويؤكد أيضًا أن قوى النظام قتلت 669 من مقدمي الرعاية الطبية منذ آذار/مارس 2011، منهم 83 باستخدام التعذيب، وأنها لا تزال تعتقل 3327 منهم في معتقلاتها.

عنوان المقال: En Syrie, le virus du silence

الكاتب:         Annick Cojean

المترجم:          بدرالدين عرودكي

مركز حرمون

————————————-

===========================

=====================

تحديث 20 أيار 2020

———————–

يطبخون البقدونس والخبز الجاف.. انهيار الليرة السورية يضاعف مأساة المواطنين

    تقشف وفقر..

    انهيار لم تشهده من قبل..

    أسباب مؤشرات الانهيار..

    عوامل سياسية وإدارية..

    هل روسيا راغبة فيما يحصل بسوريا من تدهور اقتصادي؟

تعيش الليرة السورية في هذه الآونة حالة من الانهيار والتراجع الذي يعد الأسوأ في تاريخها، بقيمتها السوقية غير المسبوقة أمام الدولار الأمريكي، الذي وصل سعره خلال اليومين الماضيين نحو 2000 ليرة سورية.

وهو الأمر الذي دفع إلى التأثير على الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني،  وانعكس ذلك بشكل مباشر على المواطن السوري الذي بات لا حول ولا قوة له أمام أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد.

تقشف وفقر..

أبو منذر، موظف حكومي من محافظة حماة وسط سوريا، قال لـ”عربي بوست”، إن الشعب السوري يعيش منذ ما يقارب العام حالة من التقشف والفقر، وإنه واحد من هؤلاء، فرغم أنه موظف حكومي ويتقاضى راتباً شهرياً بقيمة 55 دولاراً، فإنه يعيش وأسرته حالة من الفقر والحرمان على وقع المتغيرات الاقتصادية والأزمات المالية المتلاحقة التي تعصف بالبلاد.

ويضيف: “مع دخول الأزمة الاقتصادية الحالية والتراجع الرهيب بقيمة الليرة السورية، بات الوضع المعيشي لا يطاق، بسبب ارتفاع أسعار السلع بمختلف أنواعها بشكل جنوني في الأسواق، والمؤلم أكثر أن الأزمة الاقتصادية تزامنت مع شهر رمضان واقتراب عيد الفطر، وبإمكاننا القول إن ثمة مجاعة باتت تلوح بالأفق، في ظل عجز النظام عن توفير الحلول لإنقاذ الوضع، إضافة إلى توقف كثير من المصالح والمنشآت عن العمل”.

ولفت أبو منذر إلى أنه وعدداً كبيراً من أقاربه بات لديهم شعور مشترك بمجاعة قادمة ليس بمقدور النظام الحد منها، وهو الأمر الذي دفعهم إلى الاستعداد لمثل هذا الاحتمال الخطير، من خلال اتباع سياسة التقشف الشديدة بالاعتماد على الحد الأدنى من المصاريف كالاعتماد على الخضراوات الرخيصة، مثل البقدونس والبقلة في طبيخهم، والاعتماد على البرغل والخبز المجفف كوجبات رئيسية.

لا يستطيع كثير من السوريين حالياً تأمين اللحمة التي وصل سعرها مؤخراً إلى 10000 ليرة سورية، ومثلها أسعار الزيوت والسمون وأسعار الخضار، فمثلاً أصبح كيلو الفاصوليا بـ2000 ليرة ومثلها أسعار البندورة والباذنجان، فضلاً عن أسعار الشاي والسكر الجنونية.

انهيار لم تشهده من قبل..

أم بلال ربَّة أسرة في العاصمة دمشق، وأُمٌّ لـ8 أولاد، قالت إن حالة الانهيار الاقتصادي والفقر والغلاء الفاحش لم تشهدها منذ أن بلغت شبابها وحتى الآن، حيث كانت تنوي شراء كسوة العيد لأبنائها هذا العام ولكن بسبب غلائها في الأسواق لم تتمكن.

تقول أُم بلال: “سعر البنطال الجينز وصل إلى 30 ألف ليرة سورية، هذا عدا الحذاء والكنزة أو القميص التي تتراوح أسعارها بين 15 و20 ألف، وهو الأمر الذي أجبر شريحة كبيرة من السوريين على عدم شرائها، بسبب أحوالهم المادية المتردية”.

وختمت بأنها كانت تتوقع أن يكون هناك شيء من الغلاء في الأسواق، بسبب جشع بعض التجار، ولكن الآن الأمر زاد على كل التوقعات، حيث الغلاء الفاحش بسبب انهيار الاقتصاد السوري والعملة المحلية، مستذكرةً أيام زمان عندما كان البنطال بـ100 ليرة والقميص بـ50 ليرة، وحلويات العيد لا تتجاوز تكلفتها 500 ليرة.

أسباب مؤشرات الانهيار..

وتشير تقارير صحفية إلى أسباب وعوامل رئيسية أدت إلى انهيار الاقتصاد بشكل غير مسبوق، منها عوامل اقتصادية، وسياسية وإدارية، مفنّدةً كلاً منها على حدة، وأبرزها:

توقُّف شبه كامل لعجلة الإنتاج، وخروج البترول والقمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية المهمة من أيدي النظام، وانخفاض الناتج القومي المحلي في سوريا، وتوقف عجلة الإنتاج والاقتصاد بدرجة كبيرة.

بسبب قيام النظام بتدمير المصانع وخطوط الإنتاج بنسبة 80%، وإلى ذلك انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية، والذي أثر بشكل سلبي على الدول الداعمة للنظام، بسبب اعتمادها على تجارة البترول بشكل كبير في اقتصاداتها.

وانخفضت على أثر ذلك مساعدات إيران النقدية لسوريا، وخلا البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، حيث يعتبر وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب من الركائز الأساسية التي تستند إليها العملات الوطنية.

وقد أصبح البنك المركزي فارغاً من احتياطي النقد الأجنبي، بسبب توقف ايرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف التصدير. 

عوامل سياسية وإدارية..

ثمة عوامل سياسية وإدارية ساهمت في انهيار الاقتصاد السوري والعملة المحلية كالعقوبات الاقتصادية على الدول الداعمة للنظام السوري، إيران أولاً ثم روسيا، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في كل من دول الجوار لسوريا “لبنان والعراق”، والعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على شخصيات رئيسية في النظام السوري، تعتبر أذرعه الاقتصادية، مثل رامي مخلوف، وسامر الفوز، ووسيم قطان.

إضافة إلى انحسار المال والتجارة بأيدي أمراء الحرب وقادة ميليشيات محلية مساندة للنظام، وهيمنتهم على مؤسسات الدولة والبنك المركزي والتي تعاني من الشلل، وعدم القدرة على اتخاذ القرار السيادي المناسب، وعدم قدرة المسؤولين على التصدي لمشكلة هبوط الليرة.

الصراع الأخير الذي بدأ بين رامي مخلوف أحد المقربين من نظام الأسد وحكومة الأخير إثر مطالبتها رامي مخلوف بالتنازل عن جزء كبير من شركاته وأبرزها شركة الاتصالات الخليوية “سيرتيل” لصالح الدولة، ساهم أيضاً في تثبت الانهيار الإقتصادي الحاصل في سوريا.

هل روسيا راغبة فيما يحصل بسوريا من تدهور اقتصادي؟

يقول الناشط الميداني في العاصمة دمشق أدهم الحسن: “كانت روسيا تقدم بعض المساعدات الإنسانية للشعب السوري خلال السنوات الأخيرة الماضية مع بدء تنامي حالة الفقر بين السوريين، إلا أنها منذ 6 أشهر أغلقت مراكزها ولم تعد تقدم أدنى مساعدة إنسانية للمواطنين، وتحديداً ذوي القتلى من قوات النظام”.

وعلى الرغم من أنها تسيطر على الموانئ البحرية السورية ومطار حميميم في اللاذقية التي تعتبر بوابة على العالم، وبإمكانها جلب كميات كبيرة من الغذاء والدواء، فإنها لم تحرك ساكناً أمام المجاعة التي بدأت تلاحق السوريين في الداخل وهذا دليل على أنها راغبة، والكلام على لسان أدهم الحسن.

كل ذلك مجتمعاً شكَّل أسباباً لانهيار الاقتصاد السوري الذي يعاني بالأساس منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، والتي دفعت ملايين السوريين إلى اللجوء والنزوج بحثاً عن حياة ولقمة عيش كريمة.

عربي بوست

———————————

كورونا في المنطقة العربية: ضيق الحال وسعة القلوب../ محمد رامي عبد المولى

هناك “خيارات” سياسية واقتصادية واجتماعية فضح الوباء تبعات تجاهلها أو معاكستها. ففي المنطقة العربية كما في كل مكان، أثبتت جائحة كورونا أن توفير الصحة مرتبط بشكل وثيق بقطاعات أخرى: التعليم العام الجيد أولاً، والتمكن من استبقاء المتخصصين حيث هناك نزيف هجرة هائل للخريجين، السكن اللائق ثانياً، التغطية الاجتماعية التي توفرالعناية الصحية الجيدة والمجانية، الحق بالعمل كشرط لتأمين مستلزمات العيش والتغذية الخ.

يتحدث الكثيرون عن “عدالة” فيروس كوفيد-19 الذي يصيب الجميع بلا تمييز، لكنهم يتناسون أن هناك مناطق أكثر ضعفاً أمام الكوارث والطوارئ من غيرها، حتى وإن كان عدد المصابين فيها منخفضاً نسبياً. فالمنطقة العربية مثلاً (باستثناء بعض الدول) تعاني من عدة مشاكل بنيوية قديمة وجديدة، تجعلها مهددة لا فقط بخسائر بشرية كبيرة في حال تفشي الوباء، بل كذلك بعواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. أظهر كوفيد-19 مدى تدهور البنى التحتية الصحية في أغلب هذه البلدان، وكذلك هشاشة اقتصاداتها وحجم الدمار الذي خلفته عقود من الفساد والخيارات الفاشلة. ولكنه أظهر أيضاً أوجهاً جميلة مثل المبادرات الشعبية التضامنية، والبدائل الخلاقة لتعويض النقص فيما يلزم لمواجهة الوباء.

I- مجتمعات مرهقة زادتها الكورونا إرهاقاً

قبل الحديث عن آثار كورونا وتأثيراتها سيكون من المفيد أن نذكّر ببعض المعطيات الفصيحة. فلا يجب أن ننسى أن قرابة نصف البلدان العربية تعيش حالة حرب و/أو ضعف (وحتى غياب) الدولة المركزية أو انتفاضات شعبية اجتماعية – سياسية أو حصار أو احتلال: سوريا، اليمن، ليبيا، الصومال، العراق، فلسطين، الجزائر، لبنان.

تختلف مؤشرات التنمية البشرية، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من دولة عربية إلى أخرى، لكن الكثير منها يحتل مرتبة متدنية، وأحياناً متدنية جداً على سلم الترتيب العالمي. وإذا ما استثنينا دول الخليج (حيث تتراوح نسب البطالة بين صفر وكسور وخمسة بالمئة) فإن بقية الدول تسجل- حسب أرقام البنك الدولي لسنة 2019- نسب بطالة رسمية تتراوح بين 9 و26 بالمئة. هناك أيضاً معضلة الاقتصاد غير المهيكل حيث تصل نسبة العاملين في قطاعاته إلى أكثر من 40 في المئة من مجمل السكان النشطين (بلا عقود تشغيل ولا تغطية اجتماعية)، دون احتساب الملايين الذين يعملون بشكل منظم، ولكن بأجور متدنية جداً. ولا يجب أن ننسى المعطى الرئيسي عندما يتعلق الأمر بوباء: مدى توفر الخدمات الصحية وجودتها.

البلدان العربية الأكثر ثراءً و/أو اعتناءً بقطاع الصحة توفر أقل من ثلاثة أسرّة استشفاء لكل ألف ساكن، وتنزل النسبة إلى أقل من 1 سرير في دول مثل اليمن. أما بالنسبة لعدد الأطباء لكل ألف ساكن فهو يتراوح ما بين 0.3 و 2.5. كل هذه المعطيات ضرورية لكي نفهم هشاشة الوضع في أغلب الدول العربية. هشاشة ستفاقمها الكورونا وستتعدد مظاهرها:

– نقص حاد في “عتاد” الحرب على كورونا:

تشكو أغلب الدول العربية – بشكل متفاوت – من النقص في مستلزمات الحماية الشخصية من العدوى (أقنعة وكمامات وبدلات خاصة ومحاليل كحولية للتعقيم والتطهير)، وأجهزة الاختبار ومختبرات فحص العينات والعتاد الطبي “الثقيل” اللازم للتكفل بالمصابين بفيروس كوفيد-19 الذين تتطلب حالتهم البقاء في المستشفى للمراقبة والإنعاش. ويفسَّر هذا النقص بسياسة مديدة وراسخة من عدم الاكتراث بمفهوم “الصحة العامة” كحق، ازدادت مع اعتماد “التعديلات الهيكلية” التي فرضها على الموازنات في معظم بلدان المنطقة صندوق النقد الدولي، وتدابير “التقشف” التي طالت خصوصاً القطاع العام في الصحة. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لأسرّة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، والتي لا يفوق عددها الآلاف في أكثر الدول العربية ثراءً، وبضعة مئات في أغلب الدول، وعشرات في الدول الأفقر أو تلك التي دمرتها الحروب. وفي بعض الدول مثل تونس والمغرب ولبنان (في حدود 500 سرير) نجد أن عدد هذه الأسرّة في القطاع الخاص يساوي، أو يفوق تلك التي يوفرها القطاع العام.

ندرة كل هذه الأدوات والتجهيزات فتح الباب أمام الاحتكار وتضاعف الأسعار من جهة، والغش والفساد من جهة أخرى. فمثلاً قفزت أسعار الكمامات الواقية والمعقمات أضعافاً مضاعفة (عشر مرات في بعض البلدان) في لبنان ومصر والمغرب وتونس والجزائر والسودان وسوريا والقائمة تطول. وفتحت هذه الوضعية شهية بعض المؤسسات المختصة (وحتى غير المختصة) لتصنيع هذه المواد، ولإنتاج كميات كبيرة وتسويقها بأسعار مرتفعة، رغم أن الكثير منها غير مطابق للمواصفات. كما يتنافس العديد منها لعقد صفقات مع وزارات الصحة والصيدليات المركزية دون المرور بمسار الصفقات العمومية التقليدية.

وهناك نقص حاد في عدد الاطباء المتوفرين في أكثر من بلد، وبالاخص منهم العاملين في القطاع الصحي العام. ولأن مصر تواجه تهديداً بان تتحول كورونا الى جائحة في البلاد، يقترح الرئيس السيسي تأهيل الصيادلة “بسرعة” لسد النقص في عدد الاطباء! بينما نعلم ان هناك 70 ألف طبيب مصري يعملون في السعودية وحدها، وأن المسجلين في نقابة الأطباء يبلغ تعدادهم 220 ألف طبيب يوجد منهم 120 ألفاً خارج مصر. وفي العام الفائت وحده، وكذلك الذي سبقه، سجلت هجرة 800 طبيب تونسي متخرج حديثاً من البلاد. ويصح الأمر نفسه على الجزائر والمغرب والعراق وسوريا ولبنان الخ..

– حجر صحي يهدد قوت الناس

كثيراً ما تطالعنا مقالات ودراسات عن فوائد الحجر الصحي، والبقاء في البيت مع ما تتيحه من فرصة للتأمل والقراءة ومشاهدة الأفلام وتناول طعام صحي والتمتع بصحبة العائلة وإعادة التفكير في مفهوم الوقت والزمن. وقد يكون كل هذا صحيحاً، لكنه لا يصّح على الكل. فالبقاء في البيت دون الخوف من المستقبل (على الأقل القريب) هو ترف لا يقدر عليه الجميع. تجمّع العائلة لأشهر دون خروج قد يصبح جحيماً عندما يكون “البيت” مكوناً من غرفة أو غرفتين تأويان عدة أنفار، وعندما تكون غرفة الجلوس هي أيضاً غرفة النوم والطعام. وليس لكل الناس ثروات ومدخرات وأعمال ثابتة، تجعلهم يصبرون على الحجر ويتعاملون معه كعطلة.

الكثير من المجتمعات العربية يشكل فيها العمال المياومون والمشتغلون في قطاعات الاقتصاد غير المهيكل أغلبية من هم في سن العمل، ناهيك عن المتبطلين في أغلب أوقاتهم. حتى العمال والموظفون المرسمون في القطاع الخاص يخافون من إفلاس المؤسسات التي تشغلهم، أو إغلاق أبوابها لفترات طويلة. أصحاب المحلات التجارية والخدماتية الصغيرة، وكذلك الحرفيون هم أيضاً يخافون من تبعات الركود الاقتصادي، وتدني المقدرة الشرائية لحرفائهم.

ورغم اتخاذ أغلب الدول العربية لبعض التدابير التي تخفف من أزمة الفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً، فإن الخوف باقٍ ويتزايد. فالإجراءات الحكومية في أغلب الأحيان غير كافية، إذ أن قيمتها متدنية (ما بين 50 و150 دولار في أغلب الدول العربية) لا تتناسب مع واقع الأسعار وتكلفة المعيشة، ولا تشمل كل مستحقيها نظراً لعدم تحديث قواعد البيانات الخاصة بالسكان وحالتهم العائلية والمهنية والمادية. وتزداد الأمور سوءاً في البلدان التي يحضر فيها الاقتصاد الموازي بشكل قوي وحتى مهيمن. هذا الخوف من الفقر الحاضر والجوع المستقبلي، دفع العديدين من الباعة المتجولين والحرفيين وبعض أصحاب المحلات في عدة مدن عربية إلى كسر الحجر والخروج لكسب القوت، فيما يشبه لعبة “غميضة” مع السلطات تتطور أحياناً إلى مناوشات وإيقافات وغلق محلات ومصادرة لأدوات عمل وحتى وسائل نقل. وهكذا تجد بعض الفئات نفسها محشورة بين طبقات من الخوف: الوباء والفقر وعنف السلطة. وقد وقعت عدة تظاهرات احتجاجية في لبنان الذي يعاني فوق الوباء من انهيار اقتصادي، وكذلك يهدد الوضع في العراق بانفجار جديد للاحتجاجات.

– النساء: الخاسر الأكبر؟

حسب كثير من الإحصائيات أوردتها دول مختلفة، عربية وغير عربية، فإن الذكور هم الأكثر عرضة للإصابة بوباء كوفيد-19. هذا على المستوى الصحي، أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد تكون الضريبة التي تدفعها النساء أعلى. فمن الناحية الاقتصادية ستنعكس المصاعب على المرأة سواء إن كانت تعمل أو مرتبطة مادياً برجال العائلة. إن فقدت عملها، فستفقد استقلاليتها المالية التي لا توفر لها فقط حاجياتها المادية، بل تمنحها نوعاً من المكانة الاجتماعية والحماية من الإذلال. وإن كانت بلا عمل وفقد “معيلها” مصدر رزقه، أو تراجع دخله فستصبح حياتها وحياة أطفالها أصعب. نستذكر هنا “بائعات الشاي” في السودان، وبائعات الكسكس في موريتانيا وبائعات الخبز والسندويشات والفطائر والحلويات الرخيصة وغيرها من “السلع” في الأسواق الشعبية في عشرات المدن العربية. والخطر يمس أيضاً قوت ملايين العاملات التونسيات والمغربيات والمصريات اللواتي تعملن في مؤسسات قطاع الصناعات الخفيفة (نسيج، صناعات غذائية، تعليب، الخ…) والتي قد يتعطل نشاطها لأشهر وتسرح عاملات، أو تغلق أبوابها بسبب نقص الطلبيات وتوقف حركة التصدير والاستيراد.

ملازمة النساء لبيوتهن رفقة أزواجهن لمدة طويلة لا يعني في الكثير من الأحيان المزيد من القرب والحب بل قد يتحول إلى جحيم عنيف. الكثير من الدول العربية (وهي ليست استثناءً في العالم) سجلت ارتفاعاً كبيراً في عدد النساء المعنفات منذ منتصف شهر أيار\ مايو الفائت. في تونس مثلاً تؤكد منظمات نسوية مثل “جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية” أن عدد المبلغات عن تعرضهن للعنف تضاعف خمس مرات مقارنة. وفي المغرب دفعت هذه الظاهرة منظمات نسوية لإطلاق حملة “عاون بلادك وخليك فدارك بلا عنف” للضغط على السلطات ومحاولة التأثير في الرأي العام، وكثفت من خلايا الإنصات للنساء المتعرضات للعنف. أما لبنان فلقد تضاعف -مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية- عدد المكالمات الواردة على الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى النساء المعنفات. نفس الشيء في الأردن حيث نبه “اتحاد المرأة الأردنية” إلى تفاقم حالات العنف المسلط على المرأة منذ الأيام الأولى لفرض الحجر الصحي.

– المنسيون

حال الفقراء عندما يكونون في أوطانهم ومدنهم الأصلية برفقة عائلاتهم تبقى أفضل من حال عدة فئات أخرى متجاهلة في زمن “الخير” ومنسية في زمن الوباء. فمثلاً يجد آلاف الطلبة العرب أنفسهم عالقين في دول أجنبية يدرسون فيها بلا أمل في أن تدعمهم دولهم الأصلية مادياً أو تجليهم. كما ظهرت في بعض البلدان كتونس وموريتانيا والمغرب مشكلة المواطنين من العمال المهاجرين الذين يشتغلون في دول مجاورة، ويريدون العودة إلى بلدانهم عبر الحدود البرية، لكن المعابر الحدودية أغلقت في وجوههم بمقتضى تدابير الحجر الصحي. تكدس المئات من التونسيين على الحدود الليبية – التونسية طيلة أسابيع بانتظار موافقة السلطات حتى عيل صبرهم واخترقوا البوابات، وعلى الحدود الموريتانية – السينغالية يعلق الكثير من الموريتانيين الراغبين في العودة إلى بلدهم وبعضهم ينجح في التسلل.

أغلب الدول العربية التي تحتضن أراضيها مخيمات لاجئين (فلسطينيين وسوريين وعراقيين وجنسيات أخرى) تركتهم لأنفسهم ولرحمة المنظمات الأممية وغير الحكومية. وفي بعض البلدان العربية مثّل انتشار الوباء وإعلان الحجر الصحي ضربة قاسية لفئة المهاجرين الفقراء و/أو الذين لا يملكون أوراق إقامة. يتعلق الأمر أساساً بأفارقة جنوب الصحراء في دول المغرب العربي، والآسيويين في دول الخليج. فعدد كبير منهم لم يعد قادراً على توفير حاجياته، ولا يستطيع التوجه إلى السلطات الرسمية خوفاً من الملاحقة القانونية أو لأن قوانينها تمييزية ضد المهاجرين. وأغلبهم يقتسم السكن مع عدد كبير من الأشخاص مما يصعّب مسألة الحجر الصحي والتوقي من العدوى.

II- مبادرات تضامنية متعددة الأشكال

منذ الأيام الأولى لانتشار الفيروس في الدول العربية، وخاصة مع تتالي قرارات الحجر الصحي التي تختلف درجة صرامتها من بلد إلى آخر، تبيّن للناس مدى هشاشة الوضع وخطورته. وفهموا (البعض منهم على الأقل) أنه لا مناص من التضامن لعبور المرحلة بأخف الأضرار. تتالت المبادرات الخيرية والتطوعية بشكل سريع مما يجعل إحصاءها وحصرها أمراً مستحيلاً. بعض أشكال هذا التضامن قديم وسابق للكورونا مثل التآزر العائلي والعشائري والقبلي وحتى المناطقي والطائفي. وبعضها “كلاسيكي” بمعنى أنه بمبادرة من جمعيات ومنظمات عمل خيري وإغاثة، محلية أو دولية، تعمل بشكل مستمر منذ سنوات ولديها الخبرة والإمكانيات للتدخل بسرعة وفعالية. أكثر المبادرات شيوعاً هي تلك التي تعنى بجمع وتوزيع مساعدات عينية من غذاء وأدوات حماية ومواد تطهير وتنظيف. وهناك أيضاً مبادرات جديدة ولدت مع تفشي الفيروس وهي التي اخترنا أن نسلط الضوء عليها.

– تطوع شبابي في الحياة اليومية

في تونس مثلاً لعب الشباب، وما زال، دوراً كبيراً في التوعية بوجوب التوقي من فيروس كورونا، وفي تخفيف آثاره الاجتماعية والاقتصادية. فضلاً عن حملات التعريف بالمرض وسبل الحماية منه، بادر العديد منهم، بالتعويل على جهودهم الخاصة أو بالتنسيق مع أجهزة حكومية ومكونات المجتمع المدني، إلى القيام بحملات تعقيم للشوارع والمباني، وتنظيم صفوف المواطنين أمام وداخل الإدارات والفضاءات التجارية الكبيرة ومحطات النقل للحفاظ على مقتضيات التباعد الجسدي. أما في السودان فلقد اعتبر شباب “لجان المقاومة” التصدي للفيروس وآثاره الاجتماعية معركة جديدة، فنظموا حملات توعية وحاولوا التصدي لمحتكري مواد التعقيم والتطهير عبر التنسيق مع مبادرة “اللجنة المركزية للصيادلة” وتوزيع مئات آلاف العبوات مجاناً على المواطنين، كما ساهموا في حصر عدد الأسر الأكثر حاجة للمساعدات الغذائية. وفي الصومال، ساهم طلبة من جامعة مقديشو في تنظيم حملة “درهم وقاية خير من قنطار علاج” الناشطة في المناطق الأكثر فقراً وعرضة لتفشي المرض مثل التجمعات السكانية الكبيرة ومخيمات النازحين المتاخمة للعاصمة. وهم لا يكتفون بالتوجه إلى مناطق خطرة ومخاطبة سكانها وتوعيتهم، بل يوزعون الأدوات الأساسية للحماية الفردية والجماعية مثل الصابون وعبوات التعقيم ومواد التنظيف المنزلية. وكذلك في الكثير من القرى المصرية الفقيرة والمتروكة لنفسها في الأزمة، يقوم الشباب بدور حيوي فيتولون -بإمكانيات بسيطة، وبلا دعم حكومي في الكثير من الأحيان – تعقيم الشوارع وتوعية الأهالي بماهية الوباء ومخاطره وسبل الحماية منه، بل ويساهمون أيضاً في تنظيم الحياة اليومية، وإيجاد الحلول للتزود بالسلع الغذائية وغيرها بأسعار مقبولة. وتميزت مبادرات الشباب في قطاع غزة بالمثابرة وبالإبداع، بناءً على وجود وعي حاد بأنوضع القطاع المحاصر منذ 14 عاماً، والذي تعرض لحروب اسرائيلية تدميرية متوالية سيكون كارثياً إذا لم يتم استباق انتشار الوباء من ناحية، ودعم شروط حياة السكان من ناحية ثانية، الذين يبلغ مستوى الفقر بينهم نسبة 70 في المئة.

الشباب من الأطباء والممرضين كانوا في الصفوف الأولى للمتطوعين في المستشفيات، وللعاملين في الأقسام والمسارات التي خصصت لاستقبال وفحص وعلاج المصابين بمرض كوفيد-19، فمثلاً نجد أن هؤلاء الشباب من أطباء الجامعة اللبنانية الرسمية (الجامعة الوحيدة المجانية في لبنان وتسمى “جامعة الفقراء”، ولكن مستوى كلية الطب فيها ممتاز) وممرضيها كانوا أول من ركّز خلية استقبال وإرشاد للمشتبه بإصابتهم بالفيروس في مستشفى رفيق الحريري الجامعي والمجاني في لبنان، بل وقاموا بعلاجهم في بلد يتغول فيه القطاع الطبي الخاص الذي لا تقوى على تحمل كلفته الأغلبية الساحقة من المواطنين.

– مبادرات تضامن مخصصة لفئات معينة

في السودان تسببت إجراءات الحجر الصحي وحظر التجوال في حرمان عشرات آلاف السيدات -جزئياً أو كلياً- من مورد رزقهن المتمثل في بيع الشاي في الشوارع، فنشأت مبادرة ” خليك ببيتك وقروشك تصلك لحد عندك” لجمع تبرعات تعوض بعض خسائر “ستات الشاي” كما تُسميّن في السودان، وهناك حتى من تبرع لهن بالمال الذي كان سيخصص لحفل زفافه. أما في بعض مناطق لبنان فلقد نظمت حملة “نحنا حدّك” لدعم سائقي سيارات التاكسي، وهم من الفئات التي تضررت كثيراً من الحجر الصحي. كما تشكلت أطقمٌ من الشباب لإجراء إحصاء للعائلات المحتاجة في مدينة طرابلس وهي أفقر مدن البلاد، التي تفتقد إلى المعلومات والإحصائيات الفعلية، تمهيداً لتوزيع المساعدات الرسمية أو التبرعية عليهم.

بعض المواطنين ليسوا بحاجة إلى التبرعات، لكنهم يجدون صعوبة في الخروج للتسوق وحتى الحصول على أدويتهم، ففي مدينة “تطوان” المغربية مثلاً (وكذلك في عدة مدن مصرية) تطوع الكثيرون للتسوق بدلاً عن الأشخاص المسنين والعاجزين والمرضى ضعيفي المناعة، ووضعوا أرقام هواتفهم على ذمة كل من يستحق العون.

وفي مصر تجندت عدة مطاعم لتقديم وجبات مجانية للعاملين في المستشفيات القريبة منها دعما ل”الجيش الأبيض” في معركته مع كوفيد-19، وكذلك للمارة ممن لا يجدون الرغيف. وفي تونس أيضاً تعددت المبادرات الشبيهة، فلقد نسقت عدة جمعيات ومبادرات أهلية مع أصحاب مطاعم لتوفير آلاف الوجبات يومياً للعاملين في قطاعات الصحة ورفع الفضلات، وكذلك للطلبة الأجانب والعمال المهاجرين خاصة الوافدين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

– مبادرات مهنيي وطلبة قطاعات الصحة

في عدة دول عربية بادر أطباء وحتى ممرضون وطلبة الاختصاصات الطبية وشبه الطبية، باستغلال منصات التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال بالفيديو، لتقديم معلومات حول فيروس الكورونا، والطرق العلمية الصحيحة للتوقي منه، وكذلك إرشاد المشتبه في إصابتهم بالعدوى. في العراق مثلاً نشأت عدة صفحات فيسبوك يضع عليها الأطباء المتطوعون أرقام هواتفهم لمن يحتاج إلى استشارة طبية عاجلة ومجانية في عدة اختصاصات. وفي المغرب أطلق أطباء مبادرة “شفاء” التي تقوم ببث فيديوهات توعويّة وإخبارية، كما تنظم جلسات حوار مباشرة مع المختصين.

وهناك أيضاً الدعم النفسي، وهو مهم جداً للمواطنين مع طول مدة البقاء في البيت وتعطل الحياة الاجتماعية، ويشمل حتى الأطباء أنفسهم. ففي مصر مثلاً أطلق أخصائيون نفسيون مبادرة ” الدعم النفسي للطواقم الطبية”. وللصيادلة ومحضري الأدوية والعقاقير نصيب في هذه المبادرات التطوعية، ففي السودان مثلاً لم تكتفِ “اللجنة المركزية للصيادلة” بتصنيع كميات كبيرة من المعقمات مجاناً (بالتعاون مع نقابة الأطباء وشباب الثورة السودانية)، بل استطاعت التغلب على صعوبات مثل عدم توفر بعض المواد اللازمة للتصنيع أو ارتفاع ثمنها، وعوضتها بتركيبات أقل تكلفة وبنفس الفاعلية والخصائص.

– مبادرات المهندسين والتقنيين والمختصين في التكنولوجيا

الكثير من خريجي وطلبة مدارس الهندسة والمعاهد التقنية وغيرهم شمّروا عن سواعدهم وحاولوا أن يقدموا البدائل لتوفير وسائل الوقاية من الفيروس والتجهيزات الطبية. ففي المغرب مثلاً أطلق مهندسون تجربة “الهندسة في مواجهة كوفيد-19 أفريقيا” بالتنسيق مع مهنيي الصحة وأساتذة من جامعات الدار البيضاء وطنجة، فطوروا نماذج أقنعة تحمي كامل الوجه ومكونات لأجهزة تنفس اعتماداً على السوق المحلية وعبر استغلال مكونات أقنعة وتجهيزات الغطس. وفي تونس أطلق طلبة مدارس الهندسة تحدياً لصنع نماذج أجهزة تنفس اصطناعي بإمكانيات محلية مع الحرص على الجودة والدقة، وفعلاً استطاع طلبة “المدرسة الوطنية للمهندسين بسوسة” تطوير نموذج حاز على مصادقة وزارة الصحة. وبرهنت غزة المحاصرة مرة أخرى على قوة عزيمة أبنائها وقدرتهم على استنباط الحلول، فتجندوا وتكاتفوا وتعددت مبادراتهم واختراعاتهم. بعضهم طور خوارزميات وتطبيقات لتتبع المصابين وحصر عدد الأشخاص المخالطين لهم، وهناك من عمل على تصنيع أجهزة التنفس رغم شح التجهيزات والمكونات الضرورية، وآخرون حاولوا إيجاد حلول لمشكلة النقص في أجهزة الفحص وأخذ العينات والمختبرات عبر استعمال برمجيات متطورة قادرة على تشخيصحالات الإصابة بدقة تناهز نسبتها 80 بالمئة.

● كل هذه المبادرات (وهذه هنا عينة صغيرة جداً) محمودة ومطلوبة، لكن هل يمكن التعويل عليها إلى ما لا نهاية؟ العديد من الخبراء يقولون أن الآثار الاقتصادية للوباء ما زالت لم تظهر بعد، وأن أصعب الأيام لم نعشها بعد، مما يعني أن الكثيرين ممن يتبرعون ويتضامنون اليوم قد لا يكون بإمكانهم الاستمرار في ذلك، بل وقد يصبح جزء منهم في حاجة إلى المساعدة والتضامن. ماذا ستفعل الدول حينها؟ هل ستفرض ضرائب استثنائية على الطبقات الأكثر ثراءً؟ هل ستتوقف عن سداد ديونها للمؤسسات المالية الدولية وتسترد أموال الشعب من الفاسدين والمتهربين ضريبياً؟

● أثبتت جائحة كورونا أن توفير الصحة مرتبط بشكل وثيق بقطاعات أخرى تبدو في الظاهر غير ذات صلة: التعليم العام الجيد أولاً، والتمكن من استبقاء المتخصصين ومنهم الأطباء والممرضين في البلاد حيث هناك نزيف هجرة هائل للخريجين بسبب سوء أجورهم أوحتى تبطلهم، السكن ثانياً وتوفر شروط حد أدنى لائقة ومنها تلك التي تخص النظافة ومساحات العيش، التغطية الاجتماعية التي تسمح لكل إنسان بالأمل بالعناية الصحية الجيدة والمجانية، العمل الذي يسمح لكل إنسان بتوفير مستلزمات العيش والتغذية الخ. وهذه “خيارات” سياسية واقتصادية واجتماعية فضح الوباء تبعات تجاهلها..

_____________

“شبكة المواقع الإعلامية المستقلة ” هي إطار تعاون إقليمي تشارك فيه “السفير العربي”، “الجمهورية”، “مدى مصر”، “مغرب امريجان”، “ماشا الله نيوز”، “نواة”، “حبر” و”أوريان XXI”.

هذا المقال هو مساهمة “السفير العربي” في ملف مشترك أنجز في إطار نشاط “شبكة المواقع الإعلامية المستقلة حول العالم العربي”.

————————

=======================

======================

تحديث 21 أيار 2020

—————————-

إدلب الأكثر عجزاً وهشاشةً في مواجهة “كورونا

مع وجود نقاط التفتيش العسكرية وآلاف المقاتلين المسلحين وملايين اللاجئين وحياة يومية مُدمرة، باتت إدلب السورية المكان الأكثر عجزاً وهشاشةً على وجه الأرض في مواجهة فايروس “كورونا”.

حصد كوفيد-19 بالفعل أرواح ما يقرب من 180 ألف شخص حول العالم وتسبب في معاناة الملايين. وقد واجهت حتى أكثر المجتمعات ازدهاراً وأفضل أنظمة الرعاية الصحية صعوبة في مجاراة الأمر. ربما تُعد محافظة إدلب السورية واحدة من أكثر الأماكن هشاشة وأشدها ضعفاً على وجه الأرض. وأصبحت المدينة، التي تأوي حوالى مليوني لاجئ من مختلف أنحاء سوريا والمدمرة بفعل حرب مستمرة منذ 9 سنوات والتي تعج بنقاط التفتيش وتحتشد على أراضيها قوات عسكرية من بلدان كثيرة، وجماعات محلية مسلحة، في حالة فزع تحسباً لتفشي وباء لا يرحم.

منطقة خالية من كوفيد-19

إلى الآن، كان عزل المحافظة التي لا يحلق في سمائها الطيران المدني ويصعب أيضاً السفر براً عبر أراضيها في صالحها. فحتى 23 نيسان/ أبريل، لم تُسجل إصابات جديدة بها. علاوة على ذلك، ساعد الفايروس في تحقيق اتفاق هشٍ لأكثر من شهر حتى الآن، إذ تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين تركيا وروسيا في 5 آذار/ مارس، وذلك بعد عملية عسكرية واسعة استمرت أكثر من شهرين قادتها قوات النظام السوري بدعمٍ من روسيا ضد المعارضة المسلحة في إدلب.

وثقت قلة قليلة باتفاق وقف إطلاق النار هذا، فقد كان القتال عنيفاً للغاية ولم يدم وقف إطلاق النار السابق سوى لبضعة أيام فحسب. لكن الآن أصبحت جميع الجهات الفاعلة الخارجية منشغلة في مكافحة الجائحة، وعلى رغم انتهاك وقف إطلاق النار مرات عدة، بات سكان إدلب يخلدون إلى النوم في هدوءٍ للمرة الأولى منذ كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019 ويتمتعون بسماءٍ صافية دون مقاتلات عسكرية تحلق فوق رؤوسهم.

وفقاً لمنظمات الإغاثة، بدأ آلاف السوريين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء بالقرب من الحدود التركية العودة إلى بيوتهم أو بالأحرى أطلال بيوتهم المهدمة في إدلب. تصور بعض أولئك المهجرين أن وقف إطلاق النار قد يستمر لفترة من الوقت، ولهذا أرادوا أن يكونوا بالقرب من منازلهم قبل بداية رمضان. في حين قرر آخرون العودة لإدراكهم أنه عندما يصل الفايروس إلى المخيمات المكتظة باللاجئين لن تتوافر وسائل وقاية من الوباء في ظل هذا الاكتظاظ مع غياب الحد الأدنى من الأوضاع المعيشية المقبولة.

إذا ما وصل كوفيد-19 إلى إدلب، سيكون من الصعب للغاية تقديم المساعدة للسكان. فقد قُصفت مستشفيات المدينة بل وحتى مراكز الإسعاف الأوليّ، إضافة إلى أن بعض الاحتياطات الأساسية مثل العزل الذاتي وغسل اليدين باستمرار، هي ببساطة إجراءات غير ممكنة في ظل أوضاع المخيم.

عالقون في المنتصف

أصبح سكان إدلب المدنيون محاصرين بين أطراف النزاع المتناحرين بشراسة.

فمن ناحية، تحاول قوات النظام التابعة لبشار الأسد استعادة سيطرتها على المحافظة بدعمٍ من القوات العسكرية الروسية التي تشارك بكثافة في العمليات الجوية والبرية، وبدعمٍ أيضاً من قوات مسلحة موالية لإيران.

ومن ناحية أخرى، توجد جماعات مختلفة من المعارضة المسلحة، معظمها متطرفة تسيطر حالياً على المدينة. ومن بينها جماعات كثيرة تعتبرها بلدان عدة، وأيضاً الأمم المتحدة، متطرفة.

ومن ناحية ثالثة، تدخل تركيا في تحالفٍ مع جماعات المعارضة السورية المسلحة الموالية لها، محاولةً الحفاظ على نفوذها في مناطق في إدلب لا تخضع لسيطرة النظام السوري، وسعياً أيضاً إلى وقف تدفق موجة اللاجئين الكبيرة المحتملة إلى أراضيهم.

استقبلت تركيا بالفعل ما يزيد عن ثلاثة ملايين و600 ألف لاجئ سوري، وبسبب الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد وتغيُّر الرأي العام، باتت تركيا ببساطة في وضع لا يسمح لها باستقبال موجة جديدة من اللاجئين. وعلى ما يبدو فإن حكومة أردوغان تأمل مستقبلاً بإعادة توطين ولو جزء على الأقل من السوريين المقيمين حالياً في تركيا في إدلب تحت حمايتها.

في 27 شباط/ فبراير، هاجمت القوات السورية مواقع عسكرية تركية، ما أودى بحياة عشرات الجنود الأتراك. ورداً على ذلك، أطلقت تركيا عملية درع الربيع، ووفقاً لأنقرة فقد أبادت تركيا آلاف الجنود السوريين ودمرت مئات المعدات العسكرية والأسلحة.

وفي خضم هذه المعركة، يحاول المدنيون النجاة بأرواحهم. وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة يسكن إدلب حالياً ما يزيد عن 3 ملايين مدني. وليس لديهم ببساطة مكان للفرار إليه؛  فالحدود مع تركيا مغلقة ولا يملكون المال اللازم للرحيل إلى مكان آخر ويخافون من الانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

يحظى النظام السوري بصيت مروع، فقد قُتل عشرات الآلاف أو عذبوا حتى الموت خلال احتجازهم، مع تنفيذ عمليات قصف واسعة النطاق على السكان المدنيين واللجوء إلى التجويع باعتباره من وسائل الحرب، ناهيك بالانتهاكات الجسيمة الأخرى. ويعرف الناس في إدلب هذه الممارسات بصورة مباشرة (في كل عائلة فرد واحد على الأقل عانى من تلك الممارسات). وهذا بالطبع لا يساعد في بناء الثقة في الحكومة الحالية.

الوضع الراهن في إدلب

تُعد إدلب آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة. عندما فرضت قوات النظام السوري، بمساعدة روسيا، سيطرتها على المناطق الأخرى التي كانت خاضعة للمعارضة في سوريا، تم توفير ممرات إنسانية لكل من يرغب في الرحيل، وكان من بين هؤلاء أعضاء في جماعات المعارضة المسلحة وأفراد من عائلاتهم وأيضاً مواطنون مدنيون معارضون لم يرغبوا في البقاء في مناطق خاضعة لسيطرة النظام.

تمتلك المجموعات المسلحة الكثيرة في إدلب توجهات أيديولوجية مختلفة وغالباً ما تتصارع مع بعضها بعضاً. منذ منتصف عام 2017، أصبح اتحاد الجماعات المتطرفة المعروف باسم “هيئة تحرير الشام” -(وهو تنظيم محظور في روسيا) ومُصنف على أنه منظمة إرهابية من قبل دول عدة ويُعتبر تابعاً لتنظيم القاعدة (المحظور في روسيا)- هو القوة المهيمنة في إدلب، لكن الهيئة نفسها تنفي ذلك. تهيمن الهيئة أيضاً على حكومة الإنقاذ السورية (المحظورة أيضاً في روسيا)، التي تدير المدينة فعلياً.

 وفي إطار “محادثات أستانا”، تولت تركيا مهمة نزع سلاح الجماعات المتطرفة في إدلب التي تُعد إحدى “مناطق خفض التصعيد” التي ينص الاتفاق على إنشائها.

هناك اعتقاد سائد في روسيا مفاده أن جميع المقيمين في إدلب يدعمون المجموعات المتطرفة الدولية. لكن هذا ليس هو الحال. جميع السوريين الذين حاورتهم في إدلب هم معارضون لحكومة بشار الأسد لكنهم في الوقت ذاته لا يدعمون المجموعات المتطرفة، مثلهم مثل معظم السكان. على سبيل المثال، قصفت “هيئة تحرير الشام” وغيرها من الجماعات المتطرفة المسلحة مراراً ومن دون تمييز، أحياءً مدنية. ما يحدث هو أن تلك الجماعات تشن هجمات على المناطق الخاضعة للنظام، موقعة ضحايا في صفوف المدنيين وهو ما يشجع الحكومة على تنفيذ عمليات انتقامية عشوائية، ويؤدي هذا بدوره إلى معاناة المدنيين في إدلب.

وفقاً للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، تؤثر أنشطة هيئة تحرير الشام تأثيراً بالغاً في حياة السكان المدنيين. تتحكم “هيئة تحرير الشام” في فرصة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليم، كما أدى وجودها إلى مغادرة منظمات الإغاثة الدولية للمنطقة، والتي تُعد مساعداتها بالغة الأهمية للسكان، نظراً لأن اقتصاد المحافظة يكاد يكون مدمراً بالكامل. وفضلاً عن ذلك، أدت مساعي “هيئة تحرير الشام” إلى خلق سلطة مركزية -في قرية كفر تخاريم على سبيل المثال- إلى رفع أسعار الخبز والوقود، وتسببت الضريبة التي فرضتها الهيئة على إنتاج زيت الزيتون في اندلاع تظاهرات في المدينة. ونتيجةً لذلك، هاجمت الهيئة المتظاهرين،  ما أسفر عن مقتل ثلاثة وإصابة 10 آخرين من بينهم مراهق.

تضطهد “هيئة تحرير الشام” معارضيها والنشطاء والصحافيين وتروعهم وتعذبهم وتقتلهم.

تمكنتُ من مقابلة أحد هؤلاء الصحافيين في إسطنبول. وقال لي، “لا يمكنني العودة إلى إدلب. لقد انتقدت تنظيم القاعدة في الإعلام وفجرَّوا منزلي، وحتى الآن لا يمكنني الذهاب إلى هناك”.

وفي 2018،  قُتل رائد الفارس الصحافي والناشط الشهير المدافع عن حقوق المرأة في محافظة إدلب. وكان رائد قد انتقد بشدة ديكتاتورية كلٍ من بشار الأسد والتنظيمات المتطرفة التي تتخذ من سوريا مقراً لها. ونتيجةً لانتقاد رائد جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا والمحظور في روسيا)، اختطف رائد وتعرض للتعذيب، لكنه واصل عمله حتى 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما أطلق عليه مسلحون النار هو وصديقه.

احتج سكان إدلب أكثر من مرة ضد “هيئة تحرير الشام”، لكن الجماعات المتطرفة المسلحة أصبحت اليوم أقوى من السكان المحليين الذين أنهكتهم الحرب.

العمليات العسكرية في شتاء 2019/ 2020

بدأت المرحلة الثانية من هجمات الجيش السوري العربي على إدلب بدعم من القوات الجوية الروسية في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2019. ونُفذت المرحلة الأولى من عملية فجر إدلب في الفترة ما بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس 2019.  وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، لقي 1089 مدنياً على الأقل مصرعهم من بينهم 304 أطفال، بين 29 نيسان و29 آب. ومن بين هذا العدد 1031 شخصاً قتلوا جراء قصف القوات الحكومية وحلفائها، بينما لقي 58 حتفهم على يد الجماعات المسلحة. وقد نشرت صحيفة “نوفيا غازيتا” الروسية عن تلك العملية في تقاريرها السابقة.

بدأت الهجمات الجديدة باستهداف مراكز الجماعات المتطرفة المسلحة في قرية أم جلال جنوب شرق المحافظة. وخاضت الجماعات المتمردة المسلحة معارك ضارية ضد الجيش السوري، دفاعاً عن القرى الواقعة جنوب مدينة معرة النعمان، وسعى الجيش السوري إلى السيطرة على قطاع كبير من الطريق السريع الاستراتيجي الذي يصل بين حماة وإدلب إلى جانب جزء من منطقة جبل الزاوية.

وفي اليوم التالي مباشرةً، اتجه الآلاف إلى الحدود التركية فراراً من القصف. وبعد أسبوع من القصف، تحولت معرة النعمان إلى مدينة أشباح شوارعها خالية إلا من أنقاض المنازل. وفي ضواحي المدينة، تشكلت صفوف من السيارات تمتد لكيلومترات متعددة.

بحلول 22 كانون الأول/ ديسمبر، أُطلقت حملة عسكرية شاملة تضمنت قصفاً كثيفاً على قرى ومناطق ريفية في محافظة إدلب. 

شهادات

يقول يزن، أحد سكان إدلب، الذي غادر سوريا منذ شهرين ويعيش الآن في تركيا، “لا يدخل الجيش المدينة مباشرةً،  بل يدمر المنطقة أولاً، وتتساقط القذائف فعلياً كل دقيقة. يفر الناس،  وبعد مغادرة جميع السكان، يدخل الجيش القرى”.

وتقول لبنى القنواتي، وهي ناشطة تعمل في منظمة مدافعة عن حقوق المرأة، “عندما يبدأ القصف، كانت القذائف تنهال فوق رأسي كالمطر، كان قصف كالجحيم. كان لدينا فرق محلية على الأرض، جميعها من النساء، واضطررنا إلى إجلائها بطريقة ما. كان ذلك رعباً حقيقياً”.

وفي كانون الثاني/ يناير، كانت تظهر معلومات تفيد بمقتل مدنيين كل يوم تقريباً. وفقاً لـ”هيومن رايتس ووتش”، أطلقت القوات الحكومية قذيفة باليستية محملة بقنابل عنقودية في الأول من كانون الثاني. وسقطت هذه القنابل على مدرسة، ما أسفر عن مقتل 12 مدنياً، بينهم 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و13 سنة. أصيب أيضاً 12 طفلاً ومدرسهم أثناء هجوم على مدرسة في مدينة سرمين. وفي 11 كانون الثاني، لقي 17 شخصاً حتفهم وأصيب 40 أثناء قصف شنته الطائرات الحربية السورية، وفقاً لمنظمات معنية بحقوق الإنسان ومصادر إعلامية.

في 23 كانون الثاني، شن المتمردون هجمات على القوات الحكومية في منطقة خفض التصعيد جنوب شرقي إدلب وقتلوا حوالى 40 جندياً سورياً. رداً على ذلك، أطلق الجيش السوري في 26 كانون الثاني عملية عسكرية للسيطرة على القطاع الغربي من محافظة حلب، ما أدى إلى موجة جديدة من النزوح، ففي ظل استمرار القصف اندفع آلاف المدنيين إلى الحدود التركية.

يقول مصطفى، أحد أبناء كفرنبل الذي وصل إلى تركيا مع أسرته بعد بدء العملية الأخيرة في إدلب، “تقصف الطائرات المستشفيات والأسواق والمدارس، فهم يريدون إثارة الخوف لدى الناس قبل أن يحكموا سيطرتهم”. 

ويضيف يزن، “كنا نعيش في طبقة يقع نصفها تحت الأرض. فقد أحجم الناس عن العيش في الطبقات المرتفعة، وأصبحوا يعيشون في الأقبية أو الطبقات الأولى. لم تكن في منازلنا نوافذ زجاجية لفترة طويلة، كنا نصنع النوافذ من مواد لا تنكسر عند الاصطدام مثل الزجاج. وأخيراً، قمت بتغيير زجاج النوافذ على الأقل 50 مرة، إذ أضطر إلى تغييره بعد كل غارة جوية. ومنذ أول يوم في حياة ابني البالغ 3 أشهر، وهو معتاد على القصف. فقد بدأ القصف فور ولادته، وتحتمت علينا مغادرة المستشفى بسرعة”.

في 31 كانون الثاني، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” عن إغلاق أكبر مستشفى في جنوب إدلب بسبب القصف. وقبل ذلك بفترة وجيزة، وبالتحديد في 29 كانون الثاني، استولى المتمردون على المستشفى المركزية في إدلب وسخروها لأغراضهم الخاصة. وفقاً لـ”أطباء بلا حدود”، في كانون الثاني 2020، اضطرت 53 مؤسسة طبية للتوقف عن العمل بسبب القصف.

وقطعاً، بعد هذه الضربة القاصمة، ليس بإمكان مرافق الرعاية الصحية الأساسية في إدلب مواجهة الوباء.

رأى يزن أن السوريين تعلموا في السنوات الأخيرة التفريق بين الطيران الروسي والطيران السوري. بحسب ما ذكره، القنابل الروسية أكثر دماراً. لأنها تدمر المباني التي تستهدفها بشكل كامل، في حين تدمر الطائرات السورية جزءاً منها فقط. إضافة إلى أن لدى السوريين نظام إنذار ابتكره الشعب. عندما تقلع طائرة من القاعدة العسكرية الروسية ينشر السكان الذين يقطنون بالقرب منها الخبر على مجموعات واتساب خاصة ويذكرون الاتجاه الذي حلقت فيه كذلك، فيما يُبلغ آخرون يقطنون في المسار الذي تمشيه الطائرة عن تحركاتها. يسمح هذا للمدنيين بمتابعة عمليات القصف والقائمين عليها، والأهم أنهم يستطيعون الاحتماء قبل وصول الطائرات.

بدأت الشرطة العسكرية الروسية في 3 آذار/ مارس القيام بدوريات في مدينة سراقب ذات الأهمية الاستراتيجية والمهجورة والتي سيطر عليها الجيش السوري.

في 5 آذار توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق وقف إطلاق نار،  في الوقت الذي كان فيه مليون شخص بحسب ما ذكرته بيانات الأمم المتحدة عالقين عن الحدود، 80 في المئة منهم كانوا من النساء والأطفال. وكانت أزمة النزوح القسري هذه الأزمة الأكبر منذ بداية الحرب السورية قبل تسع سنوات. فقد هجر مليون شخص – بمن فيهم الأطفال والمرضى وكبار السن – منازلهم وأسرهم وعملهم في برد شباط/ فبراير القارس، فارين إلى الحدود التركية المغلقة. ما زالت المعلومات عن عدد القتلى والجرحى من المدنيين غير متاحة.

وثق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفاة ما لا يقل عن 100 مدني في إدلب، من بينهم 18 امرأة و35 طفلاً، إضافة إلى الجرحى الذين خلفهم قصف  القوات الروسية والسورية، وهناك 7 مدنيين قتلوا في هجمات برية نفذتها مجموعات مسلحة سورية. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قُتل ما مجموعه 1750 مدنياً بين نيسان/ أبريل 2019 وشباط 2020 أغلبهم بيد النظام السوري وحلفائه.

ستخلّد كتب التاريخ هذه الفاجعة

عثمان أتالاي عضو في “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية التركية، القريبة أيديولوجياً من العدالة والتنمية، الحزب الحاكم في تركيا. قدمت الهيئة المساعدات الإنسانية إلى سوريا منذ اليوم الأول في الصراع. وقبل الحجر الصحي المفروض بسبب كورونا كان 500 من موظفي المؤسسة يعملون في إدلب.

يؤكد عثمان أنه بحسب البيانات المتوفرة، فر مليون سوري إلى الحدود التركية قبل ثلاثة أشهر من اتفاق وقف إطلاق النار. وعلى رغم وجود مخيم للاجئين عند الحدود مسبقاً، لم تكن هناك أماكن إيواء كافية، ليس فقط ما لا يكفي من الخيم بل ما لا يكفي أيضاً من الأماكن لوضعها. يشرح عثمان: “هذه أراض زراعية يستحيل إقامة مخيم فوقها، لأنها عبارة عن طين رطب. المنطقة القريبة من الحدود صغيرة جداً، ولهذا السبب نعاني من الاكتظاظ في المخيمات”. عندما فر الناس تم إيواؤهم في المدارس والمساجد والملاعب والحافلات القديمة. نام كثيرون في السيارات، ونصب آخر الواصلين بطانيات تحت أشجار الزيتون. كان الشتاء بارداً جداً، كان الناس يتجمدون ومات أطفال جراء انخفاض الحرارة. يقول عثمان “بدأنا في جلب مواد التدفئة مثل الزيت والوقود والغاز”.

تؤكد لُبنى القنواتي أن “الوضع في المخيم مروع، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال والنساء”. لقد خسر الناس كل شيء: أعمالهم ومنازلهم ومحيطهم، وتركوا في الشارع في جو بارد. وانقطع الأطفال عن الدراسة، ففي ظل ظروف النزوح، ليس بالإمكان توفير تعليم لهذا العدد من الأطفال. يعيش الناس في مخيمات متواضعة من دون مراحيض، ومكان لجمع القمامة ولا أي خدمات. وقد ارتفع مستوى العنف ضد النساء ليصل إلى أعلى معدلاته في هذه الأماكن.

العائق الأساسي في طريق المساعدات هو غياب الأمان

لم تسمح عمليات القصف قبل اتفاق وقف إطلاق النار للمنظمات الخيرية بالتحرك بأمان في الجوار. إضافة إلى أنه وبعد 9 سنوات من الحرب يحتاج 95 في المئة من السوريين إلى المساعدة. ربما دمشق واللاذقية هما المدينتان السوريتان الوحيدتان اللتان لا تحتاجان إلى مساعدات، أما بقية سوريا بخاصة إدلب فهي في حاجة ماسة إلى المساعدة.

تقدم “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” منازل وطعاماً ومواد النظافة، وأطرافاً صناعية، وأنظمة التدفئة، والمدارس للأطفال. فقد افتتحت المنظمة مركزاً للأيتام ليستقبل آلاف الأطفال السوريين الأيتام. يتلقى الأطفال والنساء مساعدة المعالجين النفسيين المختصين في علاج الصدمات، ويتلقون وجبات ساخنة توزع على 50 ألف شخص. تملك المنظمة مخبزين ينتجان 150 ألف رغيف خبز يومياً، توزع جزءاً منها في إدلب كذلك.

أكد عثمان أنه على رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فلا يزال الناس ورجال الأعمال في تركيا يحاولون تخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا.

“لعل أهم شيء بالنسبة إلى اللاجئين هو الخبز. ولذا دعونا إلى الحشد، وتبرعت حملات تركية بالدقيق لتوفير مخابز محلية صغيرة في سوريا. ونظراً إلى أن الموجة الأخيرة من اللاجئين تدفقت خلال فصل الشتاء، فقد أعلنا عن جمع التبرعات لبناء منازل موقتة بمساحة 24 متراً مربعاً: جدرانها من الطوب، أما السقف فمصنوع من القماش القوي المقاوم للماء لتقليل التكلفة. تتسم سوريا بطقس ​شديد الحرارة صيفاً قارس البرودة شتاءً، وكثيراً ما تندلع الحرائق في الخيام. لذا اخترنا هذا التصميم للمنازل. وفي حين أعلنا عن جمع التبرعات لبناء 10 آلاف منزل، فقد تمكنا من جمع الأموال اللازمة لبناء 15 ألف مبنى”.

يرى آتالاي أنه “بعد الحرب العالمية الثانية، تُعد هذه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على كوكب الأرض. فقد شاهدنا المآسي التي حدثت في البوسنة، ورواندا، ولكن ما تعانيه سوريا الآن أسوأ بكثير. وستذكر كتب التاريخ هذه الكارثة”.

ينفي الروس وجود كارثة إنسانية نجمت عن العملية السورية- الروسية المشتركة في إدلب، فيما يقول الجيش الروسي إن الأرقام التي قدمتها تركيا والدول الغربية مبالغ فيها بشدة، وأنه لا يوجد أكثر من 200 ألف نازح في المحافظة، منهم 85 ألف شخص يعيشون في مخيمات اللاجئين.

آراء الخبراء

لتوضيح الوضع، تواصلت صحيفة “نوفيا غازيتا” مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقد أجاب جينس لارك، المتحدث باسم المكتب على أسئلتنا.

كم عدد النازحين داخلياً الذين فروا إلى الحدود السورية التركية في إدلب؟

منذ الأول من كانون الأول من العام الماضي، أرغمت الأعمال القتالية العسكرية 960 ألف شخص على مغادرة منازلهم في إدلب وضواحيها (ما يقرب من 81 في المئة منهم من النساء والأطفال). وقد وجد معظمهم أنفسهم في مناطق محدودة شمال محافظة إدلب بالقرب من الحدود مع تركيا وفي المناطق الشمالية الغربية المجاورة لمحافظة حلب.

كيف تُحصي الأمم المتحدة أعداد النازحين داخلياً؟

تُقيم الأمم المتحدة أسبوعياً عمليات النزوح الأخيرة في شمال غربي سوريا، وعلى هذا الأساس تحدد حجم المساعدات الإنسانية العاجلة المطلوبة على أرض الواقع. وعند الضرورة، تُجرى أيضاً تقييمات خاصة.

يستند التقييم إلى البيانات الأولية التي تجمعها شبكة تضم أكثر من 100 مراقب في مختلف أنحاء شمال غربي سوريا، يعملون لمصلحة منظمات غير حكومية تمولها الأمم المتحدة. وتجرى مقارنة البيانات الميدانية الجديدة بالبيانات السابقة وسجلات السفر ومصادر المعلومات الأخرى لتقدير عدد الأشخاص الذين غادروا منازلهم الأسبوع السابق.

ونظراً إلى أن الوضع في شمال غربي سوريا لا يزال غير مستقر، يتم إجراء التقييم استناداً إلى المعلومات المتوفرة. فضلاً عن أن تقييم عمليات النزوح يساعد في تنظيم إيصال القدر الكافي من المساعدات الإنسانية إلى المناطق حيث يُشتد الحاجة إليها.

كم عدد الذين لا تشملهم المساعدات الإنسانية؟

تسعى الأمم المتحدة إلى زيادة حجم المساعدات، فقد أرسلت بالفعل 444 شاحنة إلى شمال غربي سوريا خلال شهر آذار وحده، وُجهت لمساعدة أكثر من 1.8 مليون شخص من النساء والأطفال والرجال المحتاجين. أما في شباط، فقد أرسلنا 927 شاحنة مُحملة بالمساعدات، ووصل العدد إلى 1227 شاحنة مساعدات في كانون الأول.

تُقدم المؤسسات المختلفة المساعدات إلى أعداد مختلفة من الناس. على سبيل المثال، تُقدم منظمة الصحة العالمية وشركاؤها إمدادات شهرية لما يقرب من 800 ألف شخص في شمال غربي سوريا، ولكن الاحتياجات الفعلية تتجاوز قدراتها. ويقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات لأكثر من مليون شخص شهرياً، من بينهم ما يقرب من 500 ألف مدني نزحوا مؤخراً.

 على حافة البقاء

عبر عُمر، وهو ناشط إعلامي من إدلب، عن ثقته بأنه على رغم عودة بعض اللاجئين، فإن كثيرين منهم لن يعودوا إلى ديارهم، قائلاً: “الكثير من الناس الذين يعيشون في المخيمات من القرى والمدن التي أصبحت تحت سيطرة النظام، لا يصدقون الحكومة، فضلاً عن أن منازلهم تعرضت للدمار بسبب التفجيرات، ولذا لا مكان ليعودوا إليه، ولا يملكون مالاً، الناس يعيشون في فقر مدقع، في ظل تردي الوضع الاقتصادي”.

لاعمل ولا نقود. يضيف عُمر: “تحدثت منذ بضعة أيام مع أحد الأصدقاء يعمل طبيب أسنان في البلدة. وقال إن الناس يأتون لتلقي العلاج، ولكن ليس لديهم أي مال لتغطية تكاليفه”. أما بالنسبة إلى الأطفال، فثمة مشكلة كبيرة تتمثل في التعليم، إذ تعرضت مدارس كثيرة للدمار، وأصبحت الفصول الدراسية مكتظة بالطلاب. “في السابق كان هناك 60 طفلاً في الفصل، والآن يوجد هناك 100 طفل في الفصل الواحد. فالأطفال يعانون من إصابات نفسية مروعة”.

تتسم محافظة إدلب بأنها منطقة زراعية. “في السابق، اشتهرت إدلب بأشجار الزيتون، وكان الزيت يُصنع ويباع في الخارج. والآن لم يعد هناك مكان لبيع زيت الزيتون. ولذا ليس بوسع الناس سوى العناية بحقول الزيتون للمحافظة عليها من الدمار، إذا استطاعوا ذلك”. في أعقاب العملية العسكرية الأخيرة، أغلق رجال الأعمال القلائل أعمالهم وغادروا. والآن تعيش المنطقة على المساعدات الإنسانية وعلى الأموال التي يرسلها أقارب المقيمين من الخارج.

ترى لُبنى القنواتي أن “الناس يحتاجون إلى الحماية، ولا بد أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم طوعاً عندما تصبح آمنة – ومن أجل تحقيق ذلك يجب التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري؛ لضمان الحقّ في الحياة، والحقّ في الأمن، وإمكان الحصول على عمل”.

 هل ستعيد روسيا النظر في موقفها بشأن سوريا بعد جائحة “كوفيد-19″؟

تُشير بعض آراء الخبراء التي أثيرت في الآونة الأخيرة إلى أن العواقب الاقتصادية المترتبة على الجائحة تزامناً مع انخفاض أسعار النفط، يمكن أن تفرض ضغوطاً على الحكومة الروسية تدفعها إلى إعادة النظر في موقفها بشأن سوريا، بل وحتى تقليص الدعم العسكري باهظ التكاليف، وغيره من أشكال الدعم المُقدم لبشار الأسد. مُنذ عام مضى، أجرى مركز “ليفادا سنتر” للدراسات الاجتماعية استطلاعات للرأي أظهرت أن 55 في المئة من الروس يريدون إنهاء العمليات العسكرية في سوريا. وفي الوقت الراهن، يواجه الاقتصاد الروسي أزمة غير مسبوقة، وقريباً الكثير من الأسر لن تحصل على دخل من لإطعام الأطفال، لذا من الواضح أن “النجاحات” العسكرية التي تحققت على الساحة الدولية لم تعد ذات أهمية.

فبدلاً من إنفاق المال على العمليات العسكرية التي تدمر منازل ومستشفيات الآخرين، أليس من الأفضل استثمار تلك الأموال في تحسين أحوال الروس أنفسهم؟

قال أحد المشاركين في الحوار من إدلب “من فضلك أخبر قراءكم بأننا لسنا متطرفين، بل مجرد أُناس يقفون في وجه الطاغية”. مضيفاً “لقد ذُقنا الأمَرّين من جبهة النصرة، ربما أكثر مما عانيناه من الأسد وروسيا. لذا نحث الروس على التضامن معنا ووقف آلة التدمير هذه”.

سأل أحد المشاركين الآخرين في الحوار “لماذا قررت الحكومة الروسية أن مثل هذا التدخل في هذه الحرب يصب في مصلحتها؟ فالشعب السوري لم يقاتل ضد روسيا، لماذا إذاً تشن حرباً ضدنا؟  لم يكن لدى أحد هنا أي سبب يدعوه ليكون عدواً لروسيا، والآن باتوا أعداء! ولذا من الأفضل لروسيا أن تكف عن دعم الأسد لكي يبقى في السلطة بالقوة وأن تمنح الشعب السوري الفرصة لتقرير مستقبله”.

يبدو أن روسيا وتركيا ودول الغرب والشرق الأوسط منهمكة حالياً بمشكلاتها الداخلية. إضافة إلى أن العواقب الاقتصادية المترتبة على هذه الجائحة سترغم الجميع على خفض طموحاتهم على الساحة الدولية. وهذا من شأنه أن يمنح فرصة كبيرة للأطراف الرئيسية للنظر مجدداً في المشكلة ومحاولة إيجاد حل للأزمة السورية وإحياء العمليات السياسية والديبلوماسية.

فضلاً عن أن ذلك يتيح لنا نحن المواطنين الروس، الفرصة لكي نسأل أنفسنا بجدية: لماذا نحتاج إلى هذه الحرب؟

نشر هذا الموضوع في نوفايا غازيتا ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط هنا

https://novayagazeta.ru/articles/2020/04/25/85092-eta-katastrofa-voydet-v-uchebniki

درج

——————————-

العالم يريد تجنب “حرب لقاحات”… وترامب يختار اللعب المنفرد

واشنطن, :يُجمع شي جينبينغ وإيمانويل ماكرون وأنغيلا ميركل ومنظمة الصحة العالمية على ضرورة أن يكون أي لقاح ضد فيروس كورونا المستجد “منفعةً عالمية عامة”، لكن في واشنطن، لدى دونالد ترامب أولوية واحدة هي تلقيح مواطنيه قبل كل شيء.

وخلف مبدأ “المنفعة العالمية العامة”، تكمن في الواقع إشكاليتان منفصلتان، أولهما إشكالية الملكية الفكرية، والثانية إشكالية توزيع الجرعات الأولى. وقد يكون حلّ الإشكالية الأولى أكثر سهولةً من الثانية.

تطالب إفريقيا من جهتها بلقاح غير خاضع لقيود الملكية الفكرية، كما أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا.

لكن تحقيق ذلك يبدو غير مرجح، إذ ستكون المختبرات راغبة باسترداد المليارات التي استثمرتها، ويمكن لها الاعتماد في هذا الإطار على دعم الولايات المتحدة، المعادية لأي مراجعة لحقوق الملكية الفكرية الدولية، كما أكدت هذا الأسبوع رداً على منظمة الصحة العالمية.

وبدون شك، لن يكون اللقاح المرتقب مجانياً. أما بالنسبة للسعر، فستسعى المجموعات التي عملت في تطويره إلى استرداد سعر كلفة الإنتاج بالحد الأدنى.

وتعهّد سعر الكلفة أيضاً ليس بالأمر الموضوعي. كان قُطع تعهد مماثل لعلاجات فيروس نقص المناعة، كما يكشف ماثيو كافاناه من جامعة جوروج تاون، لكن المصنعين غير الرسميين وجدوا بعد ذلك هامشاً كبيراً للمناورة، وخفضوا الأسعار بعشرة أضعاف أو أكثر.

من جانبه يشير مارك فينبرغ المدير العلمي السابق لشركة “ميرك فاكسينز” والرئيس الحالي لـ”المبادرة الدولية للقاح الإيدز”، إلى أن المختبرات تعلمت الدرس ولن ترغب في التحول إلى طرف “منبوذ” في المعادلة، ما قد يسيء لسمعتها وقدرتها على تحقيق الأرباح.

ويعتقد فينبرغ أن تشارك الملكية الفكرية سيتم حتماً، لأن “لا أحد يستطيع بمفرده الاستجابة للطلب العالمي، وسيجبر أي طرف على البحث عن شركاء من أجل صناعة المنتج”.

من هنا، يكون السؤال الأصعب، في نهاية المطاف: أي من سكان الأرض البالغ عددهم 7,6 مليار نسمة سيلقح أولاً؟

– أمريكا أولاً –

تسعى منظمة الصحة العالمية وأوروبا والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مكافحة فيروس كورونا المستجد، لإنفاذ آلية توزيع “عادل” غير مسبوقة، تنطلق بالمبدأ من تلقيح العاملين في مجال الصحة في كافة البلدان التي طالها الفيروس، ثم العاملين في وظائف أساسية كالشرطة والنقل، وبعدهم يأتي بقية السكان.

لكن ترامب الذي ينتظر عودة الحياة إلى طبيعتها بفارغ الصبر، لا يعير اهتماماً لهذا التضامن العالمي. وهدف حكومته إنتاج 300 مليون جرعة بحلول كانون الثاني/يناير، أي ما يكفي لتلقيح كافة الأمريكيين من شباب وكبار في السن، علماً أن ذلك لا يزال مجرد فرضيات كون الاختبارات السريرية قد بدأت للتو.

ويعتبر عميد كلية الصحة العامة في جامعة يال الأمريكية ستيفن فيرموند أن “عقليته (ترامب) شديدة الانعزالية، كارهة للأجانب للغاية، وهو عكس ما نحتاج إليه للسيطرة على الجائحة”. ويضيف أن “الولايات المتحدة ليست جزيرة منعزلة وتعتمد بشدة على الآخرين في الخارج للاستهلاك والغذاء، موضحاً “لن نعود إلى الحالة الطبيعية إذا كان فيروس كورونا لا يزال ينهش بقية العالم”.

يبقى أن حكومة ترامب استثمرت باكراً مئات الملايين من الدولارات في تجارب لقاحات تطورها مجموعات “جونسون أند جونسون” و”موديرنا” و”سانوفي”، أملاً في أن تثمر إحداها ويصنع بالتالي اللقاح في الولايات المتحدة.

وقال مدراء “موديرنا” وهي شركة تكنولوجيا حيوية و”سانوفي” ما مفاده إن بإمكان أوروبا أن تستوحي من الخطوة الأمريكية.

لكن، على العكس عام 2009 عند انتشار فيروس “اتش وان إن وان”، يجري “الانطلاق هنا من صفحة بيضاء، ليس لدينا لا لقاح ولا مصنع”، كما تقول باسكال بارولييه من مؤسسة “غافي” التي تشتري اللقاحات للدول النامية.

واستثمر “تحالف ابتكارات التأهب الوبائي”، الذي أنشئ عام 2017 لمواجهة الإخفاق الأولي في احتواء فيروس إيبولا، نصف مليار دولار في تسع شركات تطور لقاحات ضد كوفيد-19. ويطلب منها في المقابل أن يجري تشارك التقنيات المطورة من أجل عملية إنتاج سريعة وضخمة.

ومع هذا الدعم، تعمد المختبرات على إنشاء سلاسل إنتاج إضافية دون انتظار نتائج الاختبارات السريرية.

وتعقد الشركات تحالفات في ما بينها. ويمكن لمديرو الإنتاج في الولايات المتحدة (للسوق الأمريكي) وسويسرا (للسوق الأوروبي). وتتعاون سانوفي مع “جي إس كا” المنافسة. وتملك الشركتان العملاقتان مصانع في أوروبا وأمريكا.

لكن لتلقيح الكوكب كاملاً، لا بد من الأمل في أن تثمر عدة اختبارات لإنتاج لقاح وليس واحداً.

(أ ف ب)

—————————–

محاضرة اليوم على تطبيق «زووم»/ وديعة فرزلي

لم يترك فيروس كورونا جانباً من جوانب الحياة دون أن يؤثر عليه، ولا قطاعاً دون أن يؤثّر على حياة العاملين فيه. واحدٌ من هذه القطاعات المتضررة هو قطاع التعليم، الذي تعطل بشكل كامل في الدول التي لا تمتلك بنية تحتية جاهزة للتعامل مع التعليم عن بعد، بينما فضلت بعض الدول الأخرى إكمال عملية التعليم في المدارس والجامعات عبر الإنترنت.

تواصلَ الحديث خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن التعليم عن بعد، بصفته خطوة منتظرة ستحدث في المستقبل القريب أو الآجل، وهو أحد الأهداف المستقبلية في عالم التكنولوجيا للدول المتقدمة، لكن الوباء فرض عملية التحول التجريبي هذه بسبب إغلاق الجامعات والمدارس، وظهر بذلك نوعٌ جديدٌ من الأسئلة عن العلاقة بين المجتمعات والتكنولوجيا التي سترسم هذا التحول، كما وضعت هذه التجربة الحكومات والجامعات الرسمية في العالم في مواجهة أسئلة أخرى أبعد من الجاهزية التكنولوجية، أسئلة عن عملية التعلم بحد ذاتها، عن أدواتها والتغييرات التي ستطرأ على مهنة المُعلّم والأستاذ الجامعي.

يُتيح التعليم عن بعد للطلاب مجموعة من الميزات التي يمكن أن تكون إيجابية، مثل توثيق العملية التعليمية وأرشفتها على مواقع الإلكترونية الخاصة بكل جامعة، ما يسمح باستخدام طرق التعلم غير المتزامنة، وهو ما  أشارت إليه شهرزاد، طالبة البيوتكنولوجيا في جامعة بوتسدام في برلين، عندما قالت في حديثنا معها إن إحدى الميزات هي إمكانية أن تفصل بين مجموعة مهام كانت تقوم بها في الصف بشكل متزامن مع الوقت المخصص لشرح الدرس، أما الآن صار بالإمكان أن تسمع المحاضرة ثم تعود إليها مرة أخرى لتسجيل بعض الملاحظات، والتوسع في قراءة المصادر، مما سهّل عملية الدراسة. أما الجانب الآخر الذي كان مصدراً للراحة بحسب ما ذكرت شهرزاد، فهو التعلم في البيت، حيث لا يجب على الطالب الذهاب للجامعة، بل يجلس كما يحب في بيته، مع تحضير الأكل والشراب متى ما يحب. لكن هذه المرونة ليست ممكنة في جميع المواد التي تدرسها شهرزاد، خاصة في المواد العملية، التي تتطلب منها الذهاب إلى المختبر: «لا أعرف كيف ستُقدَّمُ المواد العملية التي تتطلب منّا الذهاب للمختبر. لم نبدأ بعد في كورس المواد العلمية، لكن أتوقع أننا سنواجه صعوبة كبيرة، لأنه لا يمكن أن تُسجَّلَ لنا التجربة على شكل فيديو مثلاً لنتعلم منها، إضافة إلى أن الذهاب للمختبر وإجراء التجربة بنفسك يتيح لك المراقبة والتعلم، وبالتالي القدرة على تذكر نتائج التجارب التي قمت بها. لا أعتقد أن شكل التعليم هذا يمكن أن ينجح في المواد العملية كما في المواد النظرية».

تواجه بيان إشكالية مشابهة مع نوع المواد التي يمكن تدريسها عبر الانترنت في أكاديمية أوغست إيفردينغ للمسرح في ميونخ، إلى جانب مجموعة من التغيرات التي طرأت على طرق تدريس المواد العملية التي تتطلب من الطالب حضوراً مختلفاً أمام كاميرا اللابتوب، التي حلت مكان أعين المتفرجين من الزملاء والأساتذة  في الصف. تصف لنا بيان تجربتها الأولى في أداء أول مونولوج مسرحي لها عبر تطبيق زووم: «كانت تجربة صعبة فعلاً، يجب على الممثل ألّا يقدم مونولوجاً أكبر أو أقل من إمكانيات الزووم، أي أن يقدم مونولوجاً يناسب الوسيط ويصل إلى المشاهدين. وجدتُ نفسي محصورة في مربع صغير، ولا أرى أحداً أمامي كما على المسرح. حاولتُ الاستفادة من تقنيات يتيحها الزووم حتى أعوِّضَ عن غياب الخشبة، وحتى أحول الشحنة السلبية بسبب الظرف الحالي إلى طاقة إيجابية تسمح لي بتقديم مونولوج جيد قدر الإمكان».

وعندما سألنا بيان عن الاختلاف الذي لاحظته في عملية تلقي الدروس عبر الزووم: «في الصف أشعر بنفسي متورطة أكثر في الدرس، كما أن التفاعل الحي مع الطلاب والأساتذة يكتسب معنىً أكبر. أما في مواد أخرى مثل المواد التي نتدرب فيها على النطق، فقد كان الزووم وسيلة أفضل لتدريس المادة، لأن تسجيل الصوت يكشف بشكل أدق مشاكل النطق عند الممثلين». بالنسبة لبيان، التحدي الأكبر في تجربة التعليم عن بعد هو التداخل بين مكان التمثيل ومكان العيش؛ تقول: «في السنوات الأولى من دراسة التمثيل، تعلّمنا الفصل بين التمثيل والمسرح وبين العالم خارجه. هذا الفصل يحمي الممثل. أما في دروس الزووم، وجدتُ أن البيت الذي أعيش فيه هو مكان التمثيل، وعادت لتختلط الأمور في ذهني من جديد. لكن من جهة أخرى، يُتيح التعليم عن بعد للطالب إمكانية تعويض الدروس بسبب الغياب، أو عدم القدرة على التواجد فعلياً في الصف».

لا تقتصر أثار التعليم عن بعد على الطلاب فحسب، بل أيضاً على المعلّم، الذي ربما يكون المتضرر الأكبر في عملية التعليم بشكلها الإلكتروني الذي يؤثر على آلية التواصل، وعلى أدوات التعليم ومقومات المهنة ككل. تخبرنا شذا، وهي مُدرّسة في معهد لتدريس التسويق الإلكتروني في كندا، عن الصعوبات التي تواجهها  خلال التحضير للجلسات والاجتماعات، حيث تجد شذا أن التعليم الإلكتروني يهدد مهنة المعلّم، حالها كما حال كثير من المهن التي يهدد التطور التكنولوجي وجودها: «كان التعليم في طريقه إلى أن يصبح إلكترونياً، أما الكورونا فقد سرّعت حدوثه، وعلى أية حال، أجد أن التعليم الآن صار روبوتياً، فكيف نَصِفُ إذاً الأستاذ الذي يسجل المحاضرة، ثم يرفعها على الموقع، ويمكن بعد ذلك إعادتها إلى ما لا نهاية دون الرجوع إلى الأستاذ؟».

كما ذكرت لنا شذا اختلافات لاحظتها  في تلقي الطلاب للدروس والجلسات الإلكترونية: «عملية التلقي تختلف بحسب الطلاب، وتعتمد بشكل كبير على الفروقات الفردية بينهم. هناك أشخاص يتعلمون بسرعة أكبر من الآخرين، بينما هناك فئة منهم تتعلم أكثر بالتفاعل والحضور في الصف. بالإضافة إلى أن عامل العمر يلعب دوراً كبيراً في التعليم عن بعد، حيث أن استجابة البعض قد تكون أبطأ بسبب عدم المعرفة الجيدة في التواصل والتعامل مع  منصات التعليم المختلفة. لديَّ طلابٌ فضّلوا توقيف تسجيلهم بدلاً من المتابعة في الدروس أون لاين».

عندما سألنا عن تأثير عملية التعليم على مهام المعلم وحضوره، أثارت شذا إشكالية تتطلب التفكير في بروتوكول الحضور بين الطلاب والمُعلّم: «بعد بداية الجلسة يطفئ الطلاب كاميراتهم، وأجد نفسي أتكلم مع مجموعة مستطيلات فارغة. لا أعرف إذا كان الطلاب يسمعونني، ولا ما إذا كانوا يتابعون المحاضرة فعلاً، أم أنهم سجلوا حضورهم ثم اختفوا، وذلك يسبب الإحراج لي وللطلاب أو الطالبات الذين ما زالت كاميراتهم مفتوحة، حيث أُضطر أن أوجه نظري دائماً إليهم. كذلك من المحرج اختراق خصوصية الدرس أحياناً، مثلاً عند وجود الشريك/ة أو الأولاد، يتابعون معنا الدرس من باب الفضول. أجد عملية التواصل بالشكل الحالي غير متوازنة، وتُقلّص بشكل كبير أدوات التأثير عند المعلم».

يطرح التعليم عن بعد مجموعة كبيرة من المشاكل غير التكنولوجية، التي تتعلق بالعلاقة البشرية بين الطالب والمعلم، والتي تترك أثراً كبيراً على المحتوى والمعلومات التي يجب تدريسها. ولا ننسى أيضاً العلاقات الاجتماعية المبنية على التبادل المعرفي، أو حتى العلاقات التي يكونها الفرد خلال الحياة الجامعية. هذا كله سيختفي عند التحول إلى التعليم عن بعد. هذا بالإضافة إلى مُساءلة جودة المحتوى التعليمي ومصداقيته، وما هي الوسائل التي تُمكِّنُ الجامعات والأساتذة من اختبار وصول المعلومة بشكلها الصحيح إلى ذهن الطالب. في هذا الخصوص، تؤكد لنا شذا «أن غالبية الطلاب لا يعتمدون على أنفسهم في حل أسئلة الاختبارات، حيث كل المصادر على الموقع متاحة. وأحياناً أُلاحظ أن أحدهم قام بالنسخ واللصق من الكتاب ذاته، كما يمكنهم أن يرسلوا الإجابات لبعضهم بعضاً عن طريق لقطات الشاشة. لا يمكن التحكم بذلك، بل يجب إعادة التفكير أساساً في شكل الإمتحان وطبيعة الأسئلة». كلّ ذلك عدا عن الجوانب الاقتصادية التي يمسّها التعليم الإلكتروني، من ناحية أقساط التعليم التي صارت غير متناسبة مع الخدمات التي تقدمها الجامعات، التي لا تصرف على أية تكاليف ثابتة بما أنها أساساً مغلقة، وجوانب كثيرة أخرى منها معدلات القبول، وعدد الساعات المخصصة للدراسة من قبل الطالب في المستقبل، وأجور المعلمين والأساتذة.

ليست هذه المرحلة إلا مرحلة تجريبية فرضها الظرف الحالي بسبب جائحة الكورونا، إلا أنها تطرح إشكاليات أكبر من مسألة الجانب التكنولوجي، إذ أن هناك مجموعة من الجوانب التي يجبرنا الحل الإسعافي على التفكير بها على المدى الطويل. يفترض كثيرٌ من العلماء والخبراء في مجال التكنولوجيا أن العالم قطع أشواطاً كبيرة باتجاه التعليم عن بعد، لكن هذا الافتراض لا يأخذ في عين الاعتبار مدى جاهزية العنصر البشري، ولا يشمل التفكير في الفروقات الفردية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تقف عائقاً أمام عملية التحول هذه، ذلك عدا عن التفاوت الكبير بين دول العالم في مدى الجاهزية التقنية، مما سيضخم الفجوة المعرفية والتعليمية على مستوى العالم.

موقع الجمهورية

——————————

قانون السوق وأزمة كورونا/ خالد عبد الرحمن

الرؤية الأولى رؤية نيوليبرالية صريحة تحاول تقديم الأرباح على الصحة، وتجادل بأن توقف الاقتصاد أخطر على المجتمع من الوباء، وأن عجلة الإنتاج لا بد أن تمر، ولو كان هذا على أجساد بعض البشر من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وأن عليهم حماية أنفسهم أو الموت في صمت، وما علينا سوى السماح بانتشار الفيروس، بهدف خلق مناعة مجتمعية، فمناعة القطيع هي الحل. وتبلورت هذه الرؤية في خطاب بوريس جونسون (ودّعوا أحبابكم)، وهي أيضًا ما يشير إليه ترامب مع كل خطاب جديد.

على الطرف الآخر كانت هناك رؤية ثانية ناتجة بالأساس عن حالة التخبط والفراغات الناتجة عن خلخلة ما بعد صدمة خطاب النظام المهيمن، وهي رؤية تقدم حياة البشر على الأرباح، وترى ضرورة توقف عجلة الإنتاج عن كل ما هو غير حيوي وغير ضروري حتى زوال الخطر، مع عمل كافة الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتشار الفيروس مجتمعيًا، مثل التوسع في عمليات الفحص والرصد والتتبع، وفرض حظر تجوال جزئي وكلي، بالإضافة إلى وقف الرحلات بين الدول لحين السيطرة على الفيروس.

عمومًا سنجد داخل كل دولة مزيج من هاتين الرؤيتين بنسب متفاوتة، وصراع شديد بينهما، وهذا المزيج ناتج عن التطور المركب اللامتكافئ للاقتصاد العالمي، الذي خلق مراكز رأسمالية في دول الأطراف تدافع عن مصالحها، وجيوب شديدة الفقر بدول المركز تدافع عن حياتها، ونتج عن هذا مجموعة من الإجراءات التي تستحق تسليط الضوء عليها، ليس باعتبارها إجراءات ثورية، ولكن لكونها إجراءات كشفت عجز قانون السوق عن مواجهة الأزمة، بل ومفاقمته لها بالكثير من المواقع.

حظر صحي وتعويضات للعمال

تحت التأثير المفاجئ لانتشار الوباء، قررت بعض الدول الرأسمالية فرض حظر تجوال صحي، مع رفع الاستعداد داخل المستشفيات وكل القطاعات الصحية، وإلغاء فواتير الكهرباء والمياه والغاز والسكن وغيرها من الأعباء عن كاهل المواطن، كما قامت بمنح تعويضات مادية وعينية للمساعدة على الحياة في ظل الأزمة، مثل إجازات مدفوعة الأجر وبدل بطالة.. إلخ، مع فتح المجال للعمل في الصناعات الحيوية ببعض الدول لحين السيطرة على انتشار الوباء.

بالطبع هي إجراءات مؤقتة مرتبطة بالأزمة، وعليها صراعات ضخمة داخل النظام الرأسمالي نفسه الآن، ولكنها أيضًا إجراءات طرحت سؤالًا متجاوزًا للنظام الرأسمالي الحالي، لماذا فشل نظام السوق في التعامل مع الأزمة؟ ولماذا تطلب الأمر إجراءات استثنائية غير خاضعة لقانون السوق؟ وماذا عن الأزمات الدورية المتكررة داخل النظام؟ وماذا لو استمر الوباء وتأخر اكتشاف العلاج؟ وماذا لو انتشرت أوبئة جديدة؟

المنشآت الصحية الخاصة في إسبانيا

نتيجة لأزمة كورونا، والارتفاع الشديد في أعداد المصابين والوفيات، مع ضعف البنية الصحية الحكومية الناتج عن سياسات الليبرالية الجديدة التي قلصت الإنفاق على الخدمة الصحية المجانية لصالح القطاع الخاص، وبالطبع مع عدم إمكانية استقبال حالات كورونا في المستشفيات الخاصة الهادفة للربح، أعلنت الحكومة الإسبانية في 16 آذار/مارس، بحسب ما أوردته صحيفة الغارديان، عن وضع جميع منشآت مقدمي الخدمات الصحية الخاصة في إسبانيا تحت الإدارة العامة، ولم تحدد الحكومة إلى متى، وهو قرار مرحلي يحاول احتواء الأزمة بالطبع، كما أنه لن يمر بدون تعويضات للرأسماليين، ولكنه في النهاية طرح نفسه كأحد حلول الأزمة.

وهذا طرح تساؤلًا عالميًا كبيرًا، إذا كان النظام الصحي النيوليبرالي الحالي لا يستطيع مواجهة جائحة، فضلًا عن فشله في تقديم خدمة صحية شاملة من الأساس، فلماذا لا تكون فكرة وضع المنشآت الصحية الخاصة تحت الإدارة العامة بالمجان هي القاعدة؟! ولماذا لا تكون الخدمة الصحية كلها غير خاضعة لقانون السوق؟

تكريم الفريق الطبي

كشفت عالمية انتشار الوباء، أهمية وعالمية بعض المهن مثل الطب والصيدلة والتمريض والبحث العلمي، على عكس الكثير من المهن التي كانت محل احتفاء في السابق مثل ضباط الجيش والشرطة ورجال الأعمال. وعلى هذه الخلفية، احتفت معظم دول العالم بالطاقم الطبي، وتعالت الأصوات التي تتكلم عن ضرورة الاهتمام بميزانية الصحة والتعليم والبحث العلمي وتقديمها على كل إنفاق آخر، ورغم كون معظم مظاهر الاحتفاء كانت شكلية، إلا أنها كشفت عن دور العاملين بالقطاع الصحي والبحث العلمي، في لحظات التهديد العالمي كبرى، كأبطال يدافعون عن البشرية دون تمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني.

إسقاط الملكية الفكرية عن تصميم أجهزة التنفس الصناعي

في 31 آذار/مارس، أعلنت شركة ميدروتونيك، وهي إحدى أشهر الشركات المتخصصة في مجال التكنولوجيا الطبية وتصنيع أجهزة التنفس الصناعي عن إسقاط حقوق الملكية الفكرية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعي التي تملكها، ومشاركة التصميمات كافة مع دول العالم، للبدء في تصنيعها فورًا بهدف تحقيق الكفاية عالميًا، وهذا القرار رغم نبله مرحليًا، إلا أنه كشف عن مدى غبن اتفاقيات حقوق الملكية الفكرية التي تقف عائقًا دائمًا  أمام حياة بعض البشر في الظروف الطبيعية، لمجرد الحرص على استمرار تدفق أرباح هذه الشركة وغيرها، وأنه لطالما كانت هذه الاتفاقية كانت عائقًا يهدد صحة البشر وقت الأزمة وتطلب الأمر إلغائها، فلماذا لا يتم النقاش حول جدوى وجودها في العموم؟

تحويل المصانع لخطوط إنتاجها

بتأثير الركود العالمي وأزمة كورونا، وتحت ضغط حكومات الدول المختلفة، أعلنت العديد من شركات السيارات الكبرى مثل جنرال موتورز وفورد الأمريكية، وشركة سيات الأوروبية وغيرها، البدء في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي وأدوات الوقاية من العدوى لتلبية الحاجة الماسة لها حتى انتهاء الأزمة، كما أعلنت شركة آبل الأمريكية في 8 نيسان/أبريل تبديل بعض خطوط التصنيع الخاصة بها، لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي، بالإضافة إلى إنتاج 20 مليون كمامة مخصصة للفريق الطبي، فضلًا عن تصميم دروع شفافة لوقاية الوجه من الفيروس، كما أنه في 6 نيسان/أبريل الماضي، أطلق عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وهي إحدى قلاع صناعة الغزل والنسيج في مصر، عن مبادرة لتحويل بعض خطوط الإنتاج في الشركة لتصنيع الكمامات الجراحية الواقية، وبالفعل بدأ الإنتاج بمعدل 2400 كمامة في الساعة.

رغم أن هذا الإجراءات مؤقتة، وتتسم بكثير من البراغماتية، إلا أنها نماذج حطمت الادعاءات التي تقول باستحالة تعديل خطوط الإنتاج لصالح حاجة المجتمع من ناحية، كما أنها كشفت أنه في حال توفرت الإرادة فمن الممكن أن يعاد ترتيب أولويات الإنتاج لتتسق مع حاجات المجتمع وليس السوق.

كل هذه النماذج وغيرها، هي صور تكشف كيف فشل قانون السوق في التعامل مع الأزمة بنجاح، بل فاقمها في معظم المواقع، وتطلب الأمر تعطيل قانون السوق وعمل إجراءات استثنائية ومرحلية لمواجهة الأزمة، كما أن هذه الإجراءات حطمت الكثير من الثوابت المهيمنة التي روج لها النظام الرأسمالي في السابق، مثل مثالية وعدم إمكانية تطبيق خيار تحويل خطوط الإنتاج لما يخدم حاجة المجتمع وليس السوق، أو الدعاوى النيوليبرالية التي تروج لمشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمة الصحية كخيار أمثل لتحسين الخدمة الصحية، أو الجدل بأن قوانين احتكار الملكية الفكرية هي الحافز لتقدم البشرية تقنيًا.

وأخيرًا، على عكس المقولات التي تسخف من الإجراءات الوقائية التي قامت بها العديد من الدول التي انتصرت بها وجهة النظر الثانية، بحجة استمرار الوباء بها رغم الإجراءات الوقائية، فالحقيقة أنه لولا هذه الإجراءات لتضاعفت أعداد الوفيات من الفيروس مئات المرات عن الأرقام الحالية، فالهدف منها بالأساس هو تعطيل انتشار المرض وتقليل أعداد ضحاياه، وبالتالي تخفيف الضغط على النظام الصحي لحين اكتشاف العلاج.

—————————–

“ألوان كورونا”.. تقرير أمريكي يكشف العنصرية ضد السود خلال الجائحة

كشفت بيانات جديدة، نُشرت الأربعاء، عن حقائق صادمة فيما يتعلق بآثار تفشي فيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة، من ناحية الجماعات الإثنية، حيث كشفت الجائحة بشكل واضح، الفروق الهائلة بين البيض والأمريكيين من أصل أفريقي، فيما يتعلق بفرص الوصول إلى الرعاية الصحية، نتيجة الفجوة في فرص الإصابة بالمرض، واحتمالات الوفاة، وإمكانية الفحوص والقدرة على العلاج.

تشير البيانات التي جمعها APM Research Lab، وهو مؤسسة غير حزبية، أن الأمريكيين من أصل أفريقي تعرضوا للوفاة بسبب مرض كوفيد 19 الناجم عن فيروس كورونا الجديد، بنحو ثلاثة أضعاف معدل الوفيات في أوساط الأشخاص البيض.

وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، التي نشرت تقريرًا يستند إلى تلك البيانات، فإن إحصائيات المعهد المنشورة تحت عنوان  “ألوان فيروس كورونا”، توفر أدلة إضافية، على اللامساواة الكبيرة في معدل وفيات “كوفيد 19”  بين الأمريكيين السود وبقية المواطنين، كما يعزز القناعة بوجود تمييز صارخ على أساس اللون، يسيطر على المنظومة الصحية والاجتماعية في البلاد.

وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، توفي الأمريكيون من أصل أفريقي حسب ما توضح الصحيفة، بمعدل 50.3 لكل 100،000 شخص، مقارنة بـ 20.7 للبيض، و22.9 لللاتينيين و22.7 للأمريكيين من أصل آسيوي. حيث توفي أكثر من 20000 أمريكي من أصل أفريقي، ما يعادل واحد من كل 2000 من السكان السود في الولايات المتحدة، بسبب المرض.

وحسب الصحيفة، فإن الإحصائيات في بعض الولايات على انفراد أكثر إثارة للصدمة. حيث يموت السكان السود بمعدل سبعة أضعاف البيض، في بعض الولايات مثل كانساس. وفي العاصمة واشنطن، يبلغ التفاوت في معدل الوفيات بين السود والبيض ست مرات.

وحسب الصحيفة البريطانية، فإنه على الرغم من الفروق الهائلة، التي تشي بسياسات عنصرية صارمة، لا تزال إدارة ترامب بطيئة في الاستجابة للأزمة. وعلى العكس، فقد ألقى مسؤولون في إدارة ترامب، اللوم على الضحايا أنفسهم، وعلى الوضع الصحي لهم، على افتراض أنه منفصل عن واقع التهميش، الذي يتعرضون له. بالإضافة إلى أن هناك أدلة متزايدة على أن الأمريكيين السود محرومون أكثر من الوصول إلى الاختبارات والرعاية الصحية.

————————————

=====================

=========================

تحديث 28 أيار 2020

————————–

سوريا:هلع من كورونا..والنظام يوقف إعادة المغتربين

حالة من التوتر تسيطر على المشهد الصحي في مناطق سيطرة النظام، مع ارتفاع حصيلة المصابين بفيروس كورونا وعدم توفر ما يكفي من بنية تحتية لاستيعاب أعداد كبيرة من المصابين، ما دفع الحكومة إلى وقف رحلات الطيران المخصصة لنقل السوريين الراغبين بالعودة من الخارج.

فقد أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، صباح الاثنين، تسجيل 20 إصابة جديدة بفيروس كورونا بين السوريين القادمين إلى البلاد، منهم 15 من الكويت، و3 من السودان، و1 من روسيا، و1 من الإمارات.

وحسب بيان صادر عن الوزارة، فإن إجمالي عدد الإصابات بالفيروس المسجلة في سوريا (مناطق سيطرة النظام) بلغ 106، شفيت منها 41 وتوفيت 4 حالات.

وكانت الوزارة أعلنت الأحد تسجيل 16 إصابة جديدة بفيروس كورونا بين السوريين القادمين من الخارج، ما رفع العدد إلى نحو تسعين حالة، بعد أن كان عداد حكومة النظام قد استقر عند الرقم 70 لمدة ثلاثة أيام.

الارتفاع المتزايد وتسجيل أرقام كبيرة من الإصابات (بالمقاييس السورية) خلال ساعات محدودة، تسبب بانتشار حالة من الهلع والتوتر في مناطق سيطرة النظام، حيث يخشى الكثيرون من أن يؤدي تفشي الوباء إلى انهيار المنظومة الصحية في البلاد والتي تعاني بالأصل من مشكلات كبيرة على صعيد الكوادر المتخصصة وعدد الأسرة ونقص المعدات، خاصة أجهزة التنفس الصناعي.

حالة الهلع كانت قد بدأت من قطاع المطارات والطيران المسؤول عن نقل المواطنين السوريين الراغبين بالعودة من الخارج، خاصة وأن جميع الإصابات المسجلة حديثاً تعود لأشخاص عادوا للتو إلى سوريا.

وعلمت “المدن” أن حكومة النظام علقت الرحلات الجوية المخصصة لإعادة السوريين من الدول الأخرى، وأن شركة الطيران الحكومية علّلت قرارها بالاستجابة لطلب من وزارة الصحة قالت فيه إن مراكز الحجر لم تعد قادرة على استيعاب أعداد جديدة من النزلاء.

لكن مصادر “المدن” أكدت أن قرار ايقاف الرحلات الجوية الأخيرة جاء بسبب الذعر الذي سيطر على موظفي “الشركة السورية للطيران” والعاملين في مطار دمشق الدولي، بسبب تأكيد إصابات عدد غير قليل بين القادمين من الخارج خلال الأيام الخمسة الماضية، وأن معظم طواقم الطيران باتت تتهرب من العمل وطلبت إجازة خلال فترة العيد.

ويبدو الحديث عن طاقة مراكز الحجر التي خصصتها وزارة الصحة للقادمين من الخارج، الذين يتوجب عليهم البقاء تحت المراقبة في هذه المراكز لمدة 14 يوماً، مثيراً للسخرية بالنسبة للكثيرين، خاصة وأن هذه المراكز ليست سوى غرف بائسة في المدينة السكنية الجامعية، وعنابر أخرى متهالكة في دار قديمة للأيتام في دمشق تم تجهيزها على عجل.

وشهد العديد من مراكز الحجر هذه اضطرابات وحالات اعتداء وضرب متبادل بين العاملين فيها والنزلاء، حسب معلومات حصلت عليها “المدن”، بسبب سوء المعاملة وانعدام النظافة وغياب الخدمات، بالإضافة إلى قلة عدد الكوادر العاملة، ما استدعى تدخل الشرطة في بعض الحالات.

وكانت حالة من الذعر قد انتشرت خلال اليومين الماضيين بين العاملين في مرفأ طرطوس، الذي تديره شركة روسية، بعد ما أعلنت وزارة الصحة أن نتيجة تحليل أحد الموظفين الروس جاءت موجبة، قبل أن تعود الوزارة وتنفي إصابته، مدعية وجود خطأ في نتائج التحليل.

وأوضحت الوزارة في بيان، أن “الفحص الأول لأحد عناصر الجانب الروسي في مرفأ طرطوس أمس كان قد أظهر نتيجة موجبة”، مشيرة إلى أنها اتخذت إثر ذلك قراراً بمنع العمال من الخروج من المرفأ الى حين إجراء الفحوص لجميع المخالطين للحالة المشتبهة، “حيث جاءت نتائج فحوص جميع العاملين سالبة وسمح لهم بالخروج إلى منازلهم وعاد المرفأ للعمل بشكل طبيعي”.

وأضافت الوزارة أنه تمت الاثنين اعادة إجراء اختبار “PCR” ثانٍ للحالة المشتبهة لتأكيد أو نفي إصابتها بالفيروس وجاءت النتيجة سالبة.

يشار إلى أنه وفق وزارة الصحة التابعة للنظام، لم تسجل أي إصابة محلية بالفيروس منذ بداية شهر أيار/مايو، فيما سجلت أول اصابة بفيروس كورونا في في مناطق سيطرة النظام رسمياً، في 22 آذار/مارس، لشخص قادم من خارج البلاد أيضاً، بينما تم تسجيل أول حالة وفاة في 29 من الشهر ذاته.

—————————————–

النظام السوري يلغي الإجراءات الاحترازية رغم ارتفاع الإصابات بكورونا/ عبد الرحمن خضر

أعلن الفريق الحكومي، المشكل من مجلس الوزراء التابع للنظام السوري، مساء الاثنين، إلغاء العمل بمعظم الإجراءات التي اتخذها بعد انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد، بالرغم من تسجيل أعلى رقم من المصابين وارتفاع العدد الإجمالي إلى أكثر من 100.

وقرر الفريق، وفق موقع مجلس رئاسة الوزراء، إلغاء حظر التجول الليلي المفروض بشكل كامل اعتباراً من مساء الثلاثاء، ورفع منع التنقل بين المحافظات، والسماح بالنقل الجماعي فيما بينها، وتمديد فترة فتح المحلات والأسواق التجارية لتصبح من الساعة الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً خلال فصل الصيف.

كما أكد على قرار وزارتي التربية والتعليم العالي بإقامة امتحانات شهادات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي في موعدها المقرر، مع مراعاة الإجراءات الاحترازية والاشتراطات الصحية والتباعد المكاني والتأكيد على منع كافة مظاهر التجمعات، وزيادة التوعية بين الطلاب، كما تم تحديد دوام الجامعات من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى التاسعة والنصف مساءً.

وأشار إلى الإبقاء على إمكانية اللجوء إلى فرض حظر التجول التام والشامل في أي لحظة، وفقاً للمتغيرات المتعلقة بفيروس كورونا، وأوضح أن كافة الإجراءات التدريجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين السلامة الصحية والتصدي للفيروس من جهة، واستمرار الحياة الاقتصادية من جهة أخرى.

وأضاف أنه، وبعد إعادة تقييم استقدام المواطنين السوريين العالقين في الدول الأخرى بعد انتشار وباء كورونا، تقرر استمرار تعليق استقدامهم حتى إشعار آخر، وإحالة الداخلين إلى القطر بشكل غير شرعي إلى القضاء، بعد خضوعهم لإجراءات الحجر.

وفي وقت سابق الاثنين، سجّلت وزارة الصحة 20 إصابة جديدة بين السوريين الذين كانوا عالقين في الخارج، وأشارت إلى أن جميع الإصابات التي سجّلت أخيراً، كانت بين العائدين حديثاً.

وبالارتفاع الجديد في أعداد المصابين بالفيروس، بلغ عدد المصابين في البلاد 106، تعافى منهم 41، وتوفي أربعة، بينما تشكّك العديد من الجهات في الأرقام التي يعلنها النظام، وأحصى المرصد السوري أكثر من 150 إصابة.

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، عدم تسجيل أيّ إصابة بالفيروس، في شمال غرب سورية، الخارج عن سيطرة النظام السوري، وذكرت في بيان أنّ عدد الفحوص التي أُجريت للحالات المشكوك فيها، حتى أمس الأحد، بلغ 789 فحصاً، جميع نتائجها جاءت سالبة.

العربي الجديد

——————————

ليس العالَم مكاناً سيئاً/ فوّاز حداد

تبدو صورة العالم قاتمةً، أضاف “كورونا” المرضَ والموت إلى الفساد المستشري على جميع المستويات، يشمل رؤساء وقادة وحكومات وأجهزة أمن وشرطة. الصورة مرعبة عندما تنطلق الشاحنات من المستشفيات محمَّلة بالجثث إلى المقبرة الجماعية أو المحرقة، لا يصحبها أهالي الضحايا، لا بكاء أو نحيب، ولا آيات قرآنية أو تراتيل كنسية، يُدفن الضحايا بأكياس سوداء، في أرض غريبة، بلا وداع أو تعزية، ولا عزاء… حرب غامضة شُنت على عالم يجهل ما ينتظره.

إذا أردنا رؤية العالم بهذه الصورة المتشائمة، والبقاء مكتوفي الأيدي، فالعالم في طريقه إلى التحلّل من شدّة الخوف. هذه الصورة حقيقية؛ البشرية مهدَّدة، لكن يجب ألّا تعمينا عن الإنسانية التي تدافع عن البقاء بأكثر الوسائل إنسانيةً. نادراً في تاريخ البشرية، ما أحسّ البشر بإنسانيتهم على الرغم من تنوُّع جنسياتهم وبلدانهم، وما يفصلهم من مسافات. وإذا كانوا قد تكاتفوا دفاعاً عن الحياة، فلم يتوانوا عن تكريس جهودهم إلى حد التضحية بالنفس لإنقاذ أشخاص لا يعرفونهم… إنه نداء الإنسانية يسطع في العالم.

الأكثر دلالة على الاستجابة لهذا النداء الإنساني تحرُّك آلاف الأطبّاء لمعالجة ضحايا الكورونا، ولم يكن العمل بلا مخاطر في مستشفيات تعجّ بالمرضى، وقابلة لنقل العدوى، فسقط الكثيرون منهم، كان من بينهم أطبّاء عرب لاقوا حتفهم في مستشفيات أميركية وبريطانية وإيطالية. الطبُّ مثل المرض لا جنسية له، برهن عليها أكثر من مائتي طبيب كوبي شجاع توجّهوا إلى جنوب أفريقيا لمواجهة الوباء. هؤلاء الأطباء جزء من جيش الأطباء العالمي، غادروا بلدانهم وتركوا عائلاتهم لمساعدة البلدان التي تحتاج إلى مساندة طبية.

وسقط أيضاً الكثير من جيوش العاملين في المستشفيات، من ممرّضين وممرّضات، وعلماء في مراكز الأبحاث، وأعدادٌ لا يُستهان بها من المتطوّعين كانوا من المقاتلين على خطوط التماس مع “كورونا”، لم يشمئزّوا من القيام بأي عمل، من بينهم لاجئون، كسوري شاب اسمه حسان عقّاد، وهو مصوّر سينمائي أخرج عدة أفلام قصيرة ونال جائزة الأكاديمية البريطانية “بافتا”.

تطوّع عامل تنظيفات في أحد المستشفيات في لندن عاصمة وطنه البديل، وكان حريصاً على تقديم ما يضمن لهؤلاء الذين يعيش بينهم قدراً من الأمان افتقده في بلده الأصلي، حيث عُذّب وطورد وسُجن مرّتين. لم يُقصّر عندما وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني، من خلال فيديو استغرق أقل من دقيقتين، انتقده على قرارٍ منح فيه الأطباء الإقامة الدائمة، وحجبها عن العاملين بالتنظيفات، ما اضطر الوزارة إلى تعديله بقرار يشمل جميع العاملين بالمشافي، خلال خمس ساعات.

كما أسهم ناس عاديون في عزلتهم بمساعدة بشر محتاجين للطعام؛ ففي بنغالور بالهند، انتشرت مطاعم صغيرة، يحضر فيها متطوّعون وجبات غذائية طازجة لعشرة آلاف محتاج يومياً بلا أي مقابل. لم تقتصر على بنغالور وحدها، ولا الهند، طاولت مختلف بلدان العالم. بينما في نابولي بإيطاليا اتخذت المساعدة إعداد “سلّات غذائية” تحتوى على طعام وخضار وفواكه، تتدلّى من الشرفات للعابرين، أو توضع على أرصفة الشوارع وطرقات السفر لسائقي الشاحنات. الظاهرةٌ تعدّت نابولي إلى العالم كلّه، وصار الناس يساعدون جيرانهم وأهاليهم فيؤمّنون لهم المواد الغذائية ويطبخون للمحتاجين”. الصورة مشجّعة، العالم متضامن ومتكافل.

هذا لا يُبعد أنظارنا عن الهامش الأسود، حيث حكومات تتبادل الاتهامات بالمؤامرة، بدلاً من التعاون على إيجاد لقاح وعلاج للوباء، وتستغل الكورونا بالتنافس بينها دعائياً، أمّا عملياً، فالسباق على جني المكاسب.

الهامش الأسود يتّسع في بلدان منطقتنا، ففي سورية، يعيش الأهالي حالة من الترقّب، يخشون أن يعمّ الوباء البلاد، تحت ظلال أسوأ كارثة اقتصادية من الغلاء وهبوط الليرة والفقر والجوع، واشتداد الخلاف بين رؤوس النظام حول تقاسم حصص الأموال المنهوبة، بينما تتجمّع المليشيات مع الجيش لشنّ هجمات على مدينة إدلب التي تضمّ إضافة إلى سكانها نازحين من مختلف المدن والقرى السورية، وطردهم إلى خارج الحدود، رغم أوضاعهم المأساوية.

بالمقارنة، في “كيب تاون”، جرت المصالحات بين جهات متنازعة، بعد سنوات طويلة من الصراعات، وبدأ المتقاتلون العمل معاً لتأمين الطعام للعائلات المحتاجة. حتى أن القسّ أندي ستيل صرح: “ما نشهده اليوم هو معجزة تتحقّق”.

يصعب أن نشهد معجزة في سورية، إنها وحيدة، ولا أحد يساندها، لو توفّرت ضمانة لملايين اللاجئين السوريّين، لعادوا إلى بلدهم، ليساهموا مع غيرهم في إعادة بنائه.

إذا كان للسلام أن يعمّ العالم، فليس بوجود نظام يقتل شعبه منذ ما يزيد عن تسع سنوات، آن لهذا الشعب أن يضمّد جراحه. لا يمكن لهذا العالم أن يكون بريئاً من دون مساندة السوريّين على التخلّص من نظام بات البقعة السوداء في ضمير العالم.

إذا كانت الحكومات فاسدة، فالناس ليسوا سيّئين، ولا العالم مكان سيّئ. نحن الذين نصنع من هذا العالم مكاناً قبيحاً أو جميلاً. لكن لا جمال من دون عدالة، ولا جمال مع البؤس.

* روائي من سورية

العربي الجديد

————————–

اعتبر ترامب معتلا اجتماعيا ومصابا بجنون العظمة.. نعوم تشومسكي: أميركا “تتجه نحو الهاوية” في عالم ما بعد كورونا

يرى الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي أن الولايات المتحدة تتّجه نحو الكارثة نتيجة افتقادها إستراتيجية اتحادية في مواجهة فيروس كورونا، وعدم وجود ضمان صحي للجميع فيها، فضلا عن عدم إقرارها بخطورة التغير المناخي.

ويلزم تشومسكي -المفكر اليساري المؤثر والبالغ من العمر 91 عاما- الحجر في منزله في مدينة توكسون الأميركية منذ شهرين مع زوجته البرازيلية وكلبهما وببغائهما.

وأرجع تشومسكي -في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية- ما يجري في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد، إلى عدم وجود إدارة متماسكة.

وأضاف “يقود البيت الأبيض شخص معتل اجتماعيا، مصاب بجنون العظمة، لا يكترث إلا لسلطته والاستحقاقات الانتخابية. عليه بالتأكيد أن يحافظ على دعم قاعدته، التي تضم الثروات الكبرى وأبرز أرباب العمل”.

وتابع تشومسكي -صاحب أكثر من مئة مؤلف والأستاذ في جامعة أريزونا- أن ترامب منذ وصوله إلى السلطة، فكّك آلية الوقاية من الأوبئة كاملة، فاقتطع من تمويل مراكز الوقاية من الأوبئة، وألغى برامج التعاون مع العلماء الصينيين الهادفة لتحديد الفيروسات المحتملة، مؤكدا أن الولايات المتحدة كانت غير مهيأة بشكل خاص.

وأضاف أن “المجتمع (الأميركي) مجتمع مخصخص، غني جدا، لديه ميزات كبرى، لكن تهمين عليه المصالح الخاصة. لا يوجد نظام صحي للجميع، وهو أمر شديد الأهمية اليوم. هذا ما يمكن وصفة بالنظام النيوليبرالي بامتياز”.

وعلى صعيد أوروبا، أوضح تشومسكي أنها أسوأ من نواحٍ عديدة في ظل برامج تقشف تزيد من مستوى الخطر، والهجمات ضد الديمقراطية، ونقل القرارات إلى بروكسل وبيروقراطية “الترويكا” غير المنتخبة (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي). لكنها تملك على الأقل بقايا هيكل اجتماعي ديمقراطي يؤمّن قدرا من الدعم، وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة.

واعتبر تشومسكي أنه رغم خطورة وباء كورونا، فإنه ليس الخطر الأكبر، “سنخرج من الوباء، مقابل ثمن عالٍ جدا. لكننا لن نتعافى أبدا من ذوبان الغطاء الجليدي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار، والآثار الأخرى السلبية للتغير المناخي”.

وتساءل المفكر الأميركي “ماذا نفعل حيال ذلك؟ كل بلد يقوم بأمر ما، لكن ليس بما يكفي. الولايات المتحدة من جهتها تقوم بالكثير، تتوجه مسرعة نحو الهاوية عبر إلغاء البرامج والتشريعات التي من شأنها التخفيف من وطأة الكارثة”.

وأضاف أن هذا هو الوضع الحالي، لكن يمكن لذلك أن يتغير. لا تزال هناك قوى عالمية تواصل الكفاح. السؤال هو معرفة كيف ستخرج هذه القوى (من الأزمة) في المستقبل، وهذا ما سيحدد مصير العالم.

الولايات المتحجدة هي الدولة الأكثر تضررا بجائحة كورونا حول العالم (رويترز)

رقابة رقمية

وعما إذا كان العالم قد دخل حقبة جديدة من الرقابة الرقمية، خصوصا مع استخدام العديد من الدول التكنولوجيا لمراقبة السكان من أجل مكافحة الفيروس، رأى تشومسكي أن ما يعرف بـ”إنترنت الأشياء” أصبح رائجا، وأن بعض المجتمعات تطوّر تقنيات تتيح لأرباب العمل رؤية ما الذي يقوم به موظفوهم خلف شاشات حواسيبهم، والتحقق مما يكتبونه عبر لوحة مفاتيحهم، ومعرفة ما إذا ابتعد الموظف عن شاشته، واعتبار ذلك بمثابة فترة استراحة.

وأضاف أن كل أغراض المنزل باتت إلكترونية، وأن الأمر عمليّ، “لكن المعلومات تذهب إلى غوغل وفيسبوك والحكومة، وهذا يعطي إمكانية هائلة للمراقبة والرصد”، معتبرا أن “هذا ما نعيشه الآن، ليس أمرا سنصل إليه في المستقبل”.

وحذر المفكر الأميركي من أن ترك شركات التكنولوجية العملاقة تسيطر على حياتنا، سيجعل الأمر مشابها لما هو قائم في الصين، حيث توجد أنظمة (أرصدة) اجتماعية، وتقنية التعرف على الوجه في كل مكان، وكل ما يقوم به الناس مراقب، وإذا عبروا في المكان الخطأ، يمكن أن يخسروا من رصيدهم.

وختم تشومسكي حديثه بالقول إن “الأمر ليس حتميا، كما أن التغير المناخي ليس حتميا. بإمكاننا أن ندع ذلك يحدث كما بإمكاننا وضع حد له”.

المصدر : الفرنسية

——————–

زمن النهايات/ مالك ونوس

بدا العالم وقد وصل إلى حافةٍ وضَعَه عليها فيروس لا يُرى بالعين المجردة، تبيَّن أنه لا يصيب الأجهزة التنفسية للإنسان ويُعلُّه، بقدر ما يصيب منظومة العالم الفكرية، وإرثه الثقافي والمعرفي، ويجعل كل شيء يتوقف عند حافّةٍ أو حدٍّ، لا يستطيع تخطيه، وإن تخطاه وقع في هوّةٍ غير مدرَكة القاع. وعندما وصل إلى هذه الحافة جعله الفيروس يدخل حالة الترقُّب، لتصير الحافة أشبه ما تكون بنهايةٍ، أو نهاياتٍ، ستأتي من بعدها بداياتٌ جديدةٌ، قد تقطع مع كلِّ المتراكمات والسرديات، وقد تكون مجرَّد فراغٍ يتمدد لكي يحضِّر الأرضية لإعادة ولادة الإنسان، الإنسان الذي امحى حين جرَّده عصر الاستهلاك من قيمته، يوم دخل في سيرورة الانتقال من الصلابة إلى السيولة حيث سيادة السطحية والمتع الوقتية. وليس من الضروري أن يكون زمن النهايات زمنًا للآلام، إذ قد لا يترافق المخاض بالآلام التي رافقت ولادته منتصف القرن الخامس والسادس عشر، حين بدأت المعرفة تعطي قيمة للإنسان وتعلي قدّرِ إنسانيته وعقله، هذه القيمة التي انهارت مع تشييء الرأسمالية المتوحشة كل ما وقع تحت يدها، ومنها الإنسان.

ليس من اليسير توقُّعُ ما سيأتي بعد الحد الذي توقف عنده العالم بفعل كورونا؛ إذ لم يعطِ الفيروس العالم الفرصة لكي يتجهَّز لليوم التالي، فقد باغت الكوكبَ، مفرملًا حركته، واضعًا إياهُ أمام الأسئلة الكبرى عن كنهِ هذا الإنسان الذي يعيش على ظهره. ولم تنجح الحصون التي ابتدعها الانسان في وقايته من الوقوف عند الحد، بدت المدينة وما قامت عليه من معابدٍ ومساكنٍ ومصحّاتٍ ومراكز أبحاثٍ وعلمٍ وأدبٍ وفلسفةٍ وأخلاقٍ، بدت ستارًا شفافًا أمام المُباغت الذي سيحضر، لا ريب، بعد انحسار الفيروس، أو حتى بعد تعايشه مع أجهزة الإنسان الصَّادَّة، أو تعايش الإنسان معه في تمظهراته التي قد يحدثها تطوره وطفراته الجينية وهو يتطاير في الأثير أو وهو يتجول في خلايا الإنسان.

أوقف الفيروس كل حركةٍ على الكوكب، ومع توقف الحركة بدأت النهايات تطلُّ برأسها، رأى الأمر المفكر ميشيل فوكو قبل عقودٍ، ولم يصدقه كثيرون. وعلى الرغم من أنه لم يكن يتحدث عن أثرِ الفيروس، لكن من المؤكد أنه لم يكن ليتخيل أن يتكفَّل فيروسٌ ما بمهمة الإغلاق هذه. لقد “ذاب كل ما هو صلب”، و”تدنَّسَ كل ما هو مقدَّس” كرَّسته الرأسمالية التي استبدلت القيم الكبرى بالأمكنة والأشخاص والأشياء والسلع. توقفت المدن الحديثة التي لا تتوقف، وربضَت طائرات الكرة الأرضية، على أرضٍ تنوء تحت ثقلها الطارئ عليها. وجهدت السكك الحديدية لمقاومة الصدأ الذي بدأ يغزو قضبانها بعد غياب القطارات التي كانت تجلوه. وارتفع السؤال عن المدينة وعن الحداثة وعن العمارات والأفكار وهل كانت كلها حقيقية؟ أم أن النزوع إلى الأجمل والأقوى والأعلى والأكبر والأكثر غنى، لم يفعل شيئًا سوى إسباغِ قشريةٍ على الجمال والقوة والرِّفعة والغنى حتى تخلخلت كل المعايير التي حدَّدت ما صنعناه وأَسَرَنا طيلة هذه القرون؟ الآن بالتحديد، وُضعت الحداثة موضع التشكيك بمقولاتها حول العلم والعقل والقيم والتقدُّم والهوية والحقيقة، فهل كانت ناقصة، أم قاصرة، أم أنها توقفت عند حدٍّ جعل مهمة إيجاد الحلول لمشكلات الإنسان، كلُّ مشكلاته معلقةً؟

صيَّر الفيروس هذه المدينة سجنًا لأبنائها. طوبى لساكني القرى والمنفيين في الأدغال، المتقطعةَ بهم سبل التواصل مع الحضارة والمعتاشون على ما يزرعونه أو يصطادونه. هؤلاء هم الناجون من لوثة الصخب والتواصل اليومي واللحظي، ومن البحث عن حيِّزٍ أوسع للجسد وسط الزحام وحرارة الأجساد المحيطة المتلاصقة في طوابير محطات القطار ومواقف الباصات وأمام محلات بيع التجزئة وإشارات المرور، المتخمةُ رئاتهم بالهواء الملوث، الهواء الذي قنَّنته المدينة بعد أن لوَّثته. ولم يبقَ لك في المدينة سوى الشرفات، وللشرفات في المدينة حدٌّ، ولِيَدِكَ الممدودة منها حدٌّ، إن تجاوزته قطعها لك الفيروس بمنشاره.

أجبر الفيروس نجوم مدينة الحداثة اللامعة، أجبرهم على التخفي. اختفى مصممو الأزياء وصانعو العطور الفاخرة والمجوهرات والأزياء ونجوم السينما والغناء وأصحاب شركات الإنتاج الفني. واختفى نجوم كرة القدم والدعاة الدينيون الجدد الذين يتبعون لشركات الانتاج التي لها نفسها يتبع المغنّون. كما اختفت عارضات وعارضو الأزياء ونجوم تلفزيون الواقع، لقد كنَّستهم المدينة جميعًا، مثلما كنَّست من قبلُ عاصفةُ محمود درويش “صوتَ العصافير البليدة” تلك العصافير التي ربضت على “الغصون المستعارة” التي كنَّستها العاصفة هي أيضًا. وبقيت المدينة ترنو إلى نجومٍ حقيقيين، هم نجوم إنتاج القمح والبطاطا الذين بقوا خارج حدّها ولم يلوثهم لمعان أنوارها. كما صارت ترنو إلى أبطال حقيقيين، أصحاب الزي الأبيض في المشافي، والذين همَّشتهم حين أسبغت أنوارها ونياشينها وذهبها على نجوم كرة القدم المتوارين عن أعين الفيروس في جزرهم القصيّة في البحار والمحيطات.

قد نستفيق بعد فترةٍ قصيرةٍ، لنكتشف أننا كنا نعيش في ظلِّ قرونٍ وسطى مستجدّةٍ، ليست وسائل النقل الحديثة والتكنولوجيا المتطورة والصناعات الجبارة والإعلام سوى قشرياتٍ حاولت أن تطغى، أو تغطّي، على هذه القرون الوسطى التي عادت تسكن زوايا العقول، حين ساد الخوف واعتلى حياتنا وعُدْنا عبيدًا له، مثلما كان سائدًا في تلك العصور. ولن نبحث كثيرًا من أجل الوصول إلى اكتشاف أننا بحاجة إلى عصر نهضةٍ جديدٍ يليق بالإنسان الذي استقام على رجليه، بكل بهاء العقل الذي ميَّزه عن المخلوقات الأخرى. أصبح لزامًا علينا أن نكتشف قوانين الوجود من جديد، لكي نتحرر من جديدٍ من الخوف، ربما نعود لنكتشف ما نقصنا، وربما نهتدي إلى ما زَرِبَ في المسير الطويلِ من قُرَبِنا مع الماء، إنه الإنسان، سقط على التراب الذي صيَّره الماءُ الزارب وحلًا. هل ما سيبدأ من هذه النهايات التي نقف في حضرتها بكل أبَّهةِ هشاشتنا، هو ما سيمد يده ليُخرج الإنسان من الوحلِ ويأخذه إلى أرضٍ جديدةٍ؟ ربما.

ضفة ثالثة

—————————–

سُوسْيُولوجيا المُستعجلات: السوسيولوجيا في قبضة كورونا/ عثمان لكعشمي

منذ اللحظة الأولى التي تجاوز فيها فيروس كورونا المجال الترابي الصيني، قبل إعلانه وباء عالمياً، مروراً بإعلانه وباءً عالمياً وانتشاره على مدى واسع في أرجاء المعمورة، وصولاً إلى اليوم، وخرجات عُلماء الاجتماع بخاصة، وغيرهم مِن الباحثين في مجالات العلُوم الاجتماعية بعامّة، لا تنفكّ عن التوقّف، سواء عندنا في المغرب والعالم العربي أو عند غيرنا في الغرب.

مُجمل ومُعظم هذه الخَرجات كانت في البداية بمثابة خرجات صحافية في هذا المنبر أو ذاك، مرئية ومسموعة كانت، أم صحافية مكتوبة، التي أخذت في الغالب شكل حوار صحافي. إلى أنْ تتطوّر لاحقاً إلى مقالات أكاديميّة في العديد من مراكز الأبحاث والدراسات، وفي العديد مِن المجلاّت التي خصّصت أعداداً خاصة بالجائحة المعنية. إلى درجة تأليف بضعة كُتب خاصّة بهذه الجائحة مِن تأليف باحثين يُراد لهم أنْ يكونوا عُلماء اجتماع. بغض النظر عن تنظيم لقاءات وندوات افتراضية، و«لاَيْفَاتْ» يومية في الوسائط الإعلامية الجديدة، كما هو حال فيسبوك على سبيل المثال، مِن طرف هذه الجهة أو تلك، مِن طرف هذا الباحث أو ذاك.

ما هذا التهافت؟ متى كانت السُّوسيولوجيا مُتهافِتة إلى هذه الدرجة… على المُستعجل والطارئ والسريع والجاهز؟ هل يُراد للسُّوسيولوجيا أنْ تكون عِلماً للمستعجلات؟ هذا إذا سلّمنا فعلاً بسوسيولوجية (عِلمية وموضوعية) تلك الخرجات والمواقف- المشبوهة علمياً- الخاصّة بكورونا.

هناك الكثير من الكلام قيل بخصوص التداعيات والانعكاسات الاجتماعية لفيروس كورونا المُستجد. وهو كلام محسوب على باحثين يُسجّلون انخراطهم في مجالات معرفية خِصبة، لها قواعدها الإبستيمولوجية الرصينة، وصرامتها المنهجية اللازمة، في أيّ تشخيص أو بالأحرى في أي كلمة تقال باسم هذا التخصص العِلمي أو ذاك. فهذا يُحدّثنا عن تداعيات كورونا على الرابط الاجتماعي، وذاك عن التضامن الاجتماعي، وآخرون عن المابعديات «ما بعد كورونا»، وغيرهم عن الدولة الوطنية والدولة الاجتماعية، وهناك مَن يتحدث عن «النوع الاجتماعي»، ومجتمع المخاطر، والخطاب، إلخ. وبغض النظر عن الإسقاطات القاتلة للاجتماعي بكل أشكاله وألوانه، في ما يُسمى صحافياً بـ«زمن كورونا».

كلام كثير وفضفاض يَلبس لباساً سوسيولوجياً مُلغماً، قد ينفجرعلى أصحابه في أيّ لحظة، قد يمنحنا انطباعاً مغلوطاً، يُمكن أنْ يفضي بنا إلى الاعتقاد بأنّ كورونا ابتلعت العالَم الاجتماعي، ماذا تعتقدون، هل تعتقدون أنكم ابتلعتم العالَم الاجتماعي؟

كلّ هذا التهافت المُعمَّم قد يكون مفهوماً إلى حدّ ما كآراء وانطباعات منفصلة عن أصحابها، ومجالات تخصُّصهم العِلمي، إذا ما نحن استحضرنا وَقع كورونا على البشرية برمَّتها، فضلاً عن العنف الذي يُمارسه علينا الراهن باستمرار: عنف الراهن. الأمر الذي يفرض على المرء نوعاً مِن المواكبة والراهنية، أيْ المراهنة على كلّ ما هو راهني وجديد، مِن طرف الإعلام والعُلماء والمثقفين والمفكرين، بتعدّد مشاربهم وانتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والمعرفية، في رصد الوضع الراهن ومجرياته المتدفِّقة، فضلاً عن كون كورونا اليوم يُمكن أنْ يَعنينا أكثر من أيّ شيء آخر. قد يدقّ على بابنا في أيّ لحظة، مهدّداً لوجودنا وكينونتنا، منتزعاً لحيواتنا، خاصّة إذا أخذنا في الحُسبان أنّ الأمر يتعلّق بجائحة عالمية اجتاحت الكثير مِن الأجساد، وانتزعت الكثير مِن الحيوات الإنسانية مِن مجتمعات ودول وطبقات وسياقات ووضعيات مختلفة. لكن ينبغي أن لا يُسقطنا ذلك التهافت المبرّر إلى حدّ ما، بالخوف مِن المجهول(كورونا، الموت) حتى في أكثر المجتمعات تديناً أو بعنف الراهن، في الارتجالية المعرفية، أو سذاجة الحسّ المشترك، أو بلاهة القول (الأفكار الجاهزة). ومن ثمّ المُساهمة في توليد وعي زائف.. باسم تخصُّصات علميّة مخصوصة، كما هو شأن العُلوم الاجتماعية.

تخصُّصات عِلمية، تتطلّب الكثير مِن الحذر الإبستيمولوجي والمسافة المنهجية الضرورية للتعاطي العلمي الرصين، مع واقعة لا تزال جارية.. لم تكتمل معالِمها بعد، حتى لا نسقط في مطبّ وَهم الفهم والتفسير، عوض الفهم والتفسير الحقيقييْن، اللذين يفرضان نوعاً مِن الممارسة الإمبريقية الاستقرائية. وهو أمر متعذر حالياً لكوننا بصدد واقعة لم تُصغ بعد، كما أسلفنا الذكر. ماذا عن التنبُّؤ، هل يُمكن للعلوم الاجتماعية بعامّة والسوسيولوجيا بخاصّة، أنْ تمنحنا إمكانية التنبّؤ بالمفعولات والانعكاسات الاجتماعية لكورونا؟ الجواب قطعاً هو لا. فعلى عكس العُلوم الطبيعية، فإنّ التنبّؤ غير ممكن إبيستيمولوجياً في مجالات العلوم الاجتماعية. ما الذي يُمكننا فعله؟ لا نملك في الوقت الراهن إلاّ التفكير، ولا شيء غير التفكير. من خلال استشكال كورونا، وطرح الأسئلة بصددها، مع صياغة فرضيات أو أجوبة احتمالية ومؤقتة، يمكنها أنْ تساعدنا بشكل أو بآخر على الاستفهام والفهم، الاستفسار والتفسير، وبالتالي المساهمة في وضع أسس وبرامج وخطاطات لمشاريع بحثية ممكنة في الأفق.

قد نتفهم هذا التهافت، إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار الطلب الاجتماعي المتمثل في فهم ما يجري ويُعتمل اجتماعياً ومجتمعياً، جراء انتشار وباء كورونا، لكن لا ينبغي على ذلك أنْ يُسقطنا في سوسيولوجيا الجاهز والطارئ والمستعجل. ومن ثمّ رمي السوسيولوجيا في مستعجلات كورونا، فتصبح السوسيولوجيا، نتيجة لذلك في قبضة كورونا عوض أنْ تصير كورونا في قبضة السوسيولوجيا. فتغدو السوسيولوجيا، بمثابة سوسيولوجيا للمستعجلات، سوسيولوجيا مُتهافتة.

كاتب مغربي

القدس العربي

————————

دراسة: الإصابة الخفيفة بكورونا قد تمنح المصاب أجساما مضادة

كشفت دراسة فرنسية جديدة أنه من الممكن لمن عانوا من مرض خفيف بفيروس كورونا أن يطوروا أجساما مضادة قد تحصنهم لعدة أسابيع أو أكثر من الفيروس.

واختبرت الدراسة موظفي مستشفى مصابين بعدوى خفيفة من “كوفيد-19”. وقالوا إن النتائج، كانت “مشجعة” حيث لا يعرف سوى القليل عن آليات المناعة ضد فيروس كورونا الجديد، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أشكال طفيفة من المرض.

وقال أرنو فونتانيت، رئيس قسم الصحة العالمية في معهد باستور، الذي أجرى البحث مع المستشفى الجامعي في ستراسبورغ: “علمنا أن الأشخاص الذين يعانون من أشكال شديدة من المرض طوروا أجساما مضادة في غضون 15 يوما من ظهور الأعراض”.

وأضاف: “نعلم الآن أن هذا ينطبق أيضا على أولئك الذين يصابون بأشكال طفيفة من المرض، حتى لو كانت معدلات الأجسام المضادة أضعف على الأرجح”.

ويشير نوعان من الاختبارات المصلية، التي تهدف إلى البحث عن عدوى سابقة، إلى أن جميع العاملين الصحيين تقريبا، 153 من أصل 160 في اختبار أول، و159 من أصل 160 في اختبار آخر، طوروا أجساما مضادة في غضون 15 يوما بعد ظهور العدوى.

وباستخدام اختبار منفصل لتحديد ما إذا كان الجسم المضاد يمكنه إبطال مفعول الفيروس، وجدت الدراسة أن نحو 98% من المتطوعين لديهم هذه الأجسام المضادة لمدة بين 28 و41 يوما بعد ظهور العلامات الأولى للعدوى.

وقال الباحثون في بيان يوم الثلاثاء، إن نشاط تحييد الأجسام المضادة قد يتزايد بمرور الوقت.

—————————-

زمن كورونا..دروس مجانية بالرقص واستبدال جائزة بريطانية بمنح

على إيقاعات الموسيقى الصاخبة في غرفة معيشته، ينفذ مصمم الرقصات ومدرب الرقص حنا طمس حركات الدبكة المعقدة فيما يتابعه عشرات الطلاب عبر الإنترنت ويحاولون تقليده، من غرف المعيشة الخاصة بهم أيضًا.

وطمس (25 عامًا) عضو في فرقة رقص مقرها القدس، وهي فرقة دوبان للرقص المتخصص، التي تجمع راقصين محترفين من جميع أنحاء العالم عبر منصة لتقديم دروس الرقص عبر الإنترنت لمن يرغبون في الاستمرار في التدريب أثناء إجراءات العزل العام بسبب فيروس كورونا المستجد.

وخلال الفترة من الثامن حتى التاسع عشر من مايو/أيار، قدم الراقصون والمدربون من 12 دولة مجموعة متنوعة من دروس الرقص المجانية عبر الإنترنت من ثقافات مختلفة، ليجتذبوا ما بين 30 و90 مشاركا من جميع أنحاء العالم كل يوم.

وتولدت فكرة إقامة ورشة العمل بعد أن أعرب راقصون من أنحاء العالم عن شعورهم بالإحباط بسبب عدم عجزهم عن الرقص معًا منذ اندلاع الأزمة.

وأعلن مسؤولو الصحة عن 602 إصابة مؤكدة بالفيروس في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، مع خمس وفيات.

وفي القدس الشرقية، فرضت سلطات الاحتلال قيودًا على الحركة، وإجراءات عزل عام جزئي، وتعليق صلاة الجماعة في المساجد بما في ذلك المسجد الأقصى وقبة الصخرة للحد من انتشار المرض.

استبدال جائزة تورنر البريطانية هذا العام بمنح لمساعدة الفنانين

أعلن متحف “تايت” البريطاني أن جائزة تورنر العريقة للفن المعاصر ستستبدل هذا العام بمنح مخصصة لدعم عشرة فنانين في فترة وباء كوفيد-19 الراهنة.

وسيجري اختيار الفائزين بـ”منح تورنر” في حزيران/يونيو. وسينال كل منهم عشرة آلاف جنيه استرليني (12300 دولار).

وفي العادة، تُمنح جائزة تورنر إثر معرض لأعمال المتنافسين النهائيين في الخريف ويحصل الفائز على جائزة 25 ألف جنيه استرليني فيما ينال الآخرون خمسة آلاف جنيه لكل منهم.

وأوضح رئيس لجنة الجائزة أليكس فاركوهارسون، وهو مدير متحف “تايت” في لندن، أن “إغلاق دور المعارض وتدابير التباعد الاجتماعي تعرقل أيضا بصورة كبيرة حياة الفنانين وسبل بقائهم”.

وأشار إلى أن “تنظيم معرض لجائزة تورنر مستحيل في الظروف الحالية لذا قررنا مساعدة الفنانين أكثر في هذه المرحلة الشديدة الصعوبة”.

وستُمنح جائزة تورنر مجددا لفنان واحد في 2021، وتضم بين الفائزين بها ستيف ماكوين وأنيش كابور وغرايسون بيري.

تاجر أعمال فنية يهب متحف “ريكميوزيم” لوحة تكريما لضحايا كوفيد-19

أعلن متحف “ريكميوزيم” في أمستردام أمس الأربعاء أنه سيعرض منذ إعادة فتح أبوابه عملا جديدا في مجموعته وهي لوحة من القرن السادس عشر للفنان الفلمنكي سبراغنر وهبها تاجر أعمال فنية تكريما لضحايا فيروس كورونا المستجد.

وأشار المتحف في بيان إلى أنه تلقى “لوحة استثنائية لبرتولوميوس سبراغنر من جانب تاجر الأعمال الفنية وهاوي الجمع بوب هابولت”. وكان سبراغنر الرسام والنحات الفلمنكي أحد أبرز ممثلي تيار النهجية الشمالية (للفنون البصرية في شمال جبال الألب في القرنين السادس عشر والسابع عشر).

وستعرض لوحته الزيتية بعنوان “المسيح المائت محمولا من الملائكة” والتي أنجزها بحدود سنة 1587، اعتبارا من الاثنين المقبل، تاريخ إعادة فتح المتحف في أمستردام الذي بقي مغلقا منذ منتصف آذار/مارس بسبب وباء كوفيد-19. وقال بوب هابولت في تصريحات أوردها البيان: “فيروس كورونا أصابني خصوصا على الصعيد العاطفي. لقد دفعني إلى التفكير. كيف يمكنني المساهمة؟ كيف أتذكر هذه الفترة؟”.

وأضاف “قررت أن أهب هذا العمل الاستثنائي لبرتولوميوس سبراغنر لمتحف ريكميوزيم”. ولفت إلى أن هذه الهبة “بادرة تكريمية لضحايا الوباء ولكنها أيضا نموذج يحتذى به ليقوم الجميع ببادرة حسنة للمتاحف”.

وسط أشجار الزيتون.. طلاب في إيطاليا يخوضون الامتحانات 

تخيل أنك تخوض الامتحانات النهائية وأنت جالس على طاولة رحلات أسفل السماء الزرقاء ووسط أشجار الزيتون وتغريد الطيور والهواء العليل في يوم ربيعي في ريف إقليم أومبريا الإيطالي.

هذا السيناريو الذي يشبه الحلم هو ما ينتظر طلاب معهد سيوفيلي الزراعي بعدما أدت جائحة فيروس كورونا إلى جعل إجراء الامتحانات في الأماكن المغلقة أمرا غير آمن وغير عملي.

وأجرى سبعة أساتذة وطالب واحد تجربة للامتحان الشفوي المقرر الشهر المقبل بحرم المعهد الممتد على مساحة 185 فدانا والواقع مباشرة خارج أسوار مدينة تودي والتي تعود للعصور الوسطى والواقعة في أعلى تل.

ويخضع جميع الطلاب في إيطاليا لامتحانات شفوية وأخرى تحريرية للحصول على شهادة التخرج. وتُجرى الامتحانات عادة داخل المباني لكن الامتحانات التحريرية أُلغيت هذا العام لتجنب ازدحام الفصول.

وقرر مسؤولو المعهد نقل الامتحانات الشفوية الشديدة الأهمية إلى الهواء الطلق. وجلس الأساتذة الذين وضعوا كمامات على وجوههم ومعهم أجهزة الكمبيوتر المحمولة والطابعات على طاولات النزهة التي وضعت متجاورة على شكل حدوة حصان أمام الطالب ماتيو لينتيكيا (19 عاما) الذي أجاب على سيل من الأسئلة النظرية عن اللبن والجبن وسلامة الغذاء وأنماط الاستهلاك والتوزيع. وقال لينتيكيا “في الحقيقة أن تكون في الخارج بينما تغمرك الطبيعة يجعلك تشعر بالارتياح”. وأضاف “سماع تغريد الطيور مريح أكثر بكثير من سماع أصوات السيارات أو حركة المرور بالمدن”.

(وكالات)

—————————-

دول تفتح مدنها بعد إغلاق كورونا.. هل اختار العالم سكون الموتى على ثورة الجياع؟/ د. أسامة أبو الرُّب

فجأة بدأت دول في العالم بالتوجه إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي التي كانت فرضتها لمجابهة وباء فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19، لتعود تدريجيا للحياة الطبيعية..

فما الذي تغير، وما المعطيات الجديدة التي جعلتهم يفعلون ذلك، وهل ما فعلته هذه الدول محاولة لمنع حدوث “ثورة جياع” إذا استمر الإغلاق؟

في البداية، دعونا نؤكد أن ما سنعرضه في التقرير هو معطيات وآراء تعبر عن أصحابها، وتفسيرات قد تحتمل الخطأ والصواب. أيضا نحن نؤكد هنا أيضا ضرورة أن نستمر في اتباع الإرشادات والتعليمات التي تزودنا بها وزارات الصحة في بلداننا والتي هي على تواصل دائم مع منظمة الصحة العالمية.

ويجب علينا الالتزام بالتوجيهات التي تصدرها وزارات الصحة والجهات الحكومية الرسمية في الدولة التي نعيش فيها، فلكل بلد خصوصيته وظروفه، والتوصيات التي تصدرها وزارة الصحة في بلد معين قد لا تصلح لآخر.

وحتى اليوم الخميس بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد حوالي خمسة ملايين وثمانمئة ألف، وعدد الوفيات حوالي 357 ألفا، في حين بلغ عدد المتعافين من المرض حوالي 2.5 مليون، وفقا لموقع “وورلد ميتر”.

في بداية الجائحة تعاملت غالبية دول العالم عبر تطبيق الحجر الصحي والإغلاق، ويعتقد أنه في مرحلة معينة كان حوالي أربعة مليارات شخص على سطح الكوكب خاضعين لإجراءات الحجر.

لكن خلال الأسابيع الماضية بدأ العديد من الدول بتخفيف هذه الإجراءات، مثل اليابان وإيران وإيطاليا وكرواتيا والمجر والسعودية والكويت والأردن وغيرها.

تراجع الإصابات

الأمر الأول الذي قد يبرر بدء بعض الدول في تخفيف إجراءات العزل، هو تسجيلها نتائج جيدة في السيطرة على المرض، فمثلا سجلت فرنسا أقل من مئة وفاة جديدة بكورونا لليوم السابع على التوالي، وذلك يوم الأربعاء مما يعزز الآمال في أن البلاد تجاوزت الأسوأ فيما يتعلق بالوباء.

وفي إسبانيا، قالت وزارة الصحة إن عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في البلاد ارتفع إلى 27118، بزيادة حالة وفاة واحدة عن اليوم السابق.

ولم تُسجل سوى 39 وفاة بالمرض خلال الأيام السبعة الماضية، في حين سُجلت 236769 إصابة في المجمل منذ بدء التفشي وفقا لأرقام الوزارة.

وكان تقرير قد نشر في صحيفة “ليزيكو” الفرنسية للكاتب إيف بورديون، قد قال إن جائحة كورونا بدأت بالتلاشي في كل أنحاء العالم تقريبا. وإن لم تقع هناك قفزة غير عادية، فإنه من المتوقع أن يشهد عدد الإصابات ركودا تاما في غضون شهر واحد.

وأضاف التقرير أن عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد انخفض خلال الأيام الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، إذ لم يتجاوز 1.2% من العدد الإجمالي للمصابين على مستوى العالم، وانعكس ذلك على تخفيف الضغط في أقسام الطوارئ التي كانت تعاني من الاكتظاظ.

في فرنسا أيضا كان هناك تصريح للطبيب الفرنسي اختصاصي الأمراض المعدية ديدييه راؤول، الذي نقلت عنه عدة وسائل إعلامية ومواقع إلكترونية، تأكيده أن فيروس كورونا المستجد على وشك الانتهاء، مستبعدا ظهور موجة ثانية للوباء.

راؤول قال إن الفيروس يتراجع بشكل ملحوظ عالميا وإن الأزمة قاربت على الانتهاء.

إذن المبرر الأول لتخفيف إجراءات الحجر الصحي هو السيطرة على تفشي الحالات الجديدة في بعض الدول، وانخفاض عدد من يدخلون وحدات العناية المركزة. والآن دعونا ننتقل للمبرر الثاني.

تأثير الحجر على المرضى

مع بداية تطبيق الحجر الصحي، برزت تحديات جديدة، إذ جرى تأجيل المواعيد التي تصنف أنها غير طارئة، كما أن إجراءات العزل الصحي قد صعّبت على البعض الوصول إلى الأدوية.

كما أن بعض المرضى أصبحوا يخشون الذهاب للمستشفى، لأنهم يخافون من العدوى بكورونا، وقد لا يبلغون عن أعراض خطيرة لديهم من أمراض أخرى حتى لا يضطروا لدخول المستشفى، وهذا قد يعني أن يصابوا بمضاعفات دون الإبلاغ عنها إلا بعد فوات الأوان.

ووفقا لمقال في نيويورك تايمز فإن تأجيل العلاج نتيجة جائحة كورونا كان أمرا خطيرا بشكل خاص للمصابين بالسرطان، وهو ما يتعارض مع سنوات من رسائل الصحة العامة التي تحث الجميع على تلقي علاج السرطان مبكرا قبل تفاقمه.

ولكن مع وباء كورونا يقول الأطباء إنهم يحاولون توفير الرعاية لحالات السرطان الأكثر إلحاحا، ليس فقط للحفاظ على الموارد الطبية المستنزفة نتيجة كورونا، بل أيضا لحماية مرضى السرطان الذين لديهم احتمالات كبيرة للإصابة بمرض شديد إذا أصيبوا بفيروس كورونا.

ففي أميركا مثلا أبلغ ما يقرب من واحد من كل أربعة مرضى بالسرطان عن تأخيرات في رعايتهم بسبب وباء كورونا، بما في ذلك الوصول إلى المواعيد الشخصية والتصوير والجراحة والخدمات الأخرى، وفقا لمسح أخير أجرته شبكة مكافحة السرطان التابعة لجمعية السرطان الأميركية.

وقبل أيام، دعا أكثر من ستمئة طبيب في رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى إنهاء حالة الإغلاق الذي يهدف إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا، وقالوا إن الإغلاق له “عواقب صحية متزايدة باطراد”، وفق ما نقلته شبكة فوكس نيوز.

وتوضح الرسالة مجموعة متنوعة من التداعيات التي لاحظها الأطباء نتيجة استمرار الإغلاق، مثل:

1- عدم إجراء الفحوصات الروتينية للمرضى والتي يمكن أن تكشف مشاكل مثل مشاكل القلب أو السرطان.

2- زيادة في تعاطي المخدرات والكحول.

3- زيادة في عدم الاستقرار المالي والفقر اللذين يرتبطان ارتباطا وثيقا بتراجع الوضع الصحي.

وقال الأطباء في رسالتهم، “نحن قلقون مما يبدو أنه عدم الاهتمام بالصحة المستقبلية لمرضانا.. إن التأثيرات الصحية يتم تقديرها وتقليلها بشكل كبير”.

وقال الرئيس والمدير التنفيذي لمراكز علاج السرطان الأميركية الدكتور بات باسو، إنه يجب على المرضى الذين قاموا بتأجيل أو إلغاء مواعيد الأطباء أو علاجاتهم بسبب وباء كورونا التواصل مع أطبائهم واستئناف إجراءات الرعاية الصحية الخاصة بهم، محذرا من حدوث ارتفاع حاد في الأمراض غير المشخصة وغير المعالجة والوفيات كأثر جانبي للوباء.

وصرح الدكتور باسو لفوكس نيوز بأن الأطباء يكتشفون الكثير من السرطانات أثناء الفحوصات عن طريق المصادفة عندما يراجعهم المرضى لإجراء فحوصات، وهذه الفحوصات لا تجري حاليا كما كانت قبل تفشي فيروس كورونا، و”هذا بالنسبة لي هو مصدر قلق كبير”.

ومع أن أكبر مختبرات تتسابق لإنتاج لقاح أو علاج لكورونا، لكن الآمال تتراجع في الوصول إليها قريبا. فمثلا عقار كلوروكين الذي كانت معلقة عليه آمال كبيرة، أظهرت دراسة نشرت في مجلة “ذي لانسيت” الطبية عدم فاعليته، وأشارت إلى أخطار له على المصابين بكوفيد-19. هذا يعني أنه على العالم أن لا يتوقع قريبا علاجا فعالا لكورونا.

إذن نحن نتحدث هنا عن عدم الوصول للقاح أو علاج لكورونا قريبا، وعن آثار لاستمرار حالة العزل الصحي تشمل الأشخاص المرضى الذين لم يعودوا قادرين على متابعة حالاتهم مع الأطباء بالمستوى المطلوب، أو يخشون الذهاب للمستشفى خوف الإصابة بكورونا أو حتى الأشخاص المتعافين الذين من المهم فحص بشكلهم روتيني للتأكد من وضعهم الصحي وعدم تطور أمراض عندهم.

ماذا عن المبرر الثالث؟

ثورة الجياع

قبل أيام استبعد ترامب تماما تطبيق إغلاق آخر إذا تعرضت أميركا لموجة تفشي ثانية من فيروس كورونا في فصل الشتاء، وهذا خلال جولة في مصنع فورد في ميشيغان.

كما ضغط ترامب على الولايات لإعادة فتحها كجزء من جهوده للانطلاق في تحسين الاقتصاد المضطرب نتيجة تداعيات كورونا، حيث يعتقد البعض أن ترامب يريد أن يستند في الانتخابات المقبلة على اقتصاد قوي ويريد من الشركات إعادة فتح أبوابها. وتشير معطيات إلى أن فيروس كورونا أدى لفقدان 36 مليون شخص في أميركا لوظائفهم.

وعالميا، فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا فادحة للغاية. ووفقا لتقرير الاستقرار المالي العالمي الذي صدر عن صندق النقد الدولي في أبريل/نيسان الماضي، فإن جائحة فيروس كورونا تشكل تحديا تاريخيا.

وقد أدى عدد من العوامل إلى تضخيم تحركات أسعار الأصول، مما ساهم في تدهور الأوضاع المالية بشكل حاد وسرعة غير مسبوقة، وحدث أيضا تدهور كبير في سيولة السوق.

وقد تحتاج البلدان التي تواجه الأزمة المزدوجة المتمثلة في الصدمة الصحية وصدمة التمويل الخارجي -كالبلدان التي تعتمد على التمويل الخارجي أو المصدرة للسلع الأولية التي تعاني من هبوط أسعار هذه السلع- إلى مساعدات.

هذه الصدمة المالية التي سبّبتها جائحة كورونا تهدد بارتفاع حاد في مستويات البطالة والفقر، مما قد يقود إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية، وقد تؤدي إلى اهتزاز عميق في بنيان الدول. وفي أماكن كثيرة من العالم تجري احتجاجات ومظاهرات للمطالبة بإعادة فتح الدول.

وخلال هذا الشهر، شهدت عدة مدن ألمانية مظاهرات لافتة احتجاجا على الإجراءات المتعلقة بكورونا، ورفضا لإجراءات العزل التي اتخذتها الحكومة الألمانية لمواجهة التفشي.

ففي العاصمة برلين، خرج عشرات الآلاف من الأشخاص للمشاركة في مظاهرات احتجاجا على إجراءات كورونا. وفي مدينة ميونيخ وصل عدد المشاركين في مظاهرة هناك احتجاجا على قيود كورونا إلى ألف شخص قبل بدء المظاهرة، وهو الحد الأقصى المسموح به في مثل هذه التجمعات.

اللافت أن ألمانيا تعد من أفضل الدول بالعالم في توفير شبكة أمان اجتماعي للعاطلين عن العمل، وأيضا في توفير العلاج والرعاية الصحية، ويعد النظام الصحي الألماني أحد أفضل الأنظمة الطبية في العالم.

ولكن كل هذا لم يشفع لإجراءات كورونا فخرج الناس للتظاهر، فكيف سيكون الوضع في الدول الأضعف التي لا تقدم تعويضات للعاطلين عن العمل، أو التي لا توفر تغطية صحية شاملة لكافة مواطنيها.

لذلك، قد يكون إعادة فتح الدول أمرا لازما لمنع حدوث ثورة جياع، نتيجة الكساد الاقتصادي والبطالة، مما سيقود لاضطرابات تتخطى في أخطارها تفشي كورونا.

ولهذا قد تجعل المبررات السابقة تخفيف إجراءات الحجر الصحي عالميا أمرا حتميا، وعلى العالم أن يتعلم التعايش مع كورونا، مع استمرار تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، حتى تتطور مناعة لدى أجسام البشر للفيروس، أو ينجح العلماء في إيجاد لقاح أو علاج للمرض، أو يفقد فيروس كورونا شراسته.

———————————–

فيروس كورونا يستفز خلايا مناعية قاتلة.. هل اقتربت ساعة الخلاص؟

توصل علماء إلى أن الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19، تكوّنت لديهم خلايا مناعية قاتلة، يمكنها محاربة الفيروس عن طريق القضاء على الخلايا المريضة به.

ونشرت الدراسة في دورية “سيل” العلمية، وأجرى الباحثون مقارنة بين 10 أشخاص أصيبوا بالفيروس و11 شخصا آخرين لم تنتقل إليهم العدوى.

وجد الباحثون أن الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا لم تتكون لديهم أجسام مضادة ضد كوفيد-19 فحسب، بل تكوّنت لديهم نوعية أخرى من الخلايا تسمى الخلايا التائية “سي.دي 4″، وهي ما يطلق عليها أحيانا اسم “خلايا تي مساعدة”، التي تضطلع بدور مهم في الحصول على استجابة جيدة من الأجسام المضادة في مواجهة المرض.

كما اتضح أن أجسام المتعافين تحتوي أيضا على نوع آخر من الخلايا اسمه الخلايا التائية “سي.دي 8” أي “خلايا تي القاتلة”، ويتمثل دورها في قتل خلايا الجسم المصابة بالفيروس.

جهاز المناعة

جهاز المناعة هو نظام يحمي الجسم من التأثيرات البيئية الداخلية والخارجية الضارة كالبكتيريا والفيروسات والخلايا الخبيثة. ويتكون من أعضاء مثل نخاع العظم والعقد اللمفاوية وبعض أجزاء الطحال والقناة الهضمية والغدة الزعترية واللوزتين، بالإضافة إلى ذلك يتكون من خلايا مثل الخلايا الليمفاوية والخلايا القاعدية والحمضية والمتعادلة، والخلايا الأحادية التي يمكن أن تتمايز إلى خلايا البلعمة (تبتلع وتهضم الأجسام الغريبة عن الجسم) وخلايا قاتلة طبيعية، وبروتينات مثل الأجسام المضادة.

ويعمل جهاز المناعة عبر معادلة الخلايا الغريبة التي تدخل الجسم والقضاء عليها، مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات، والتعرف على السموم والمواد الضارة من البيئة التي تدخل الجسم، ومحاربة خلايا الجسم نفسه التي تغيرت نتيجة المرض، مثل الخلايا السرطانية.

ويضم جهاز المناعة العديد من الخلايا، من أبرزها:

– الخلايا البائية، وتفرز الأجسام المضادة.

– الخلايا التائية، ومنها نوع “خلايا تي مساعدة”، وهي التي يهاجمها فيروس “الإيدز”.

– الأجسام المضادة التي تتعرف إلى مولدات الضد “الأنتيجين”، وترتبط بها لتسهل القضاء عليها من قبل خلايا الجهاز المناعي الأخرى.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن الباحث فلوريان كرايمر من كلية ماونت سيناي إيكان للطب في مدينة نيويورك الأميركية، الذي شارك في إعداد الدراسة العلمية، قوله إنه من المنطقي أن نفترض أن معظم الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد-19 تتراجع لديهم احتمالات الإصابة مرة أخرى، كما أنه من المستبعد أن تظهر عليهم أعراض حادة، إذا ما أصيبوا بالمرض مرة ثانية.

وأضاف أن المسألة التي لا تزال غير معروفة حتى الآن هي ما إذا كان رد الفعل المناعي قويا بما يكفي للحؤول دون التقاط عدوى ثانية أقل قوة ونقلها إلى آخرين.

ويعكف كرايمر حاليا على إجراء دراسة طويلة المدى لمتابعة الحالة الصحية لمرضى كورونا على مدار عام، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن يصابوا بالفيروس مرة أخرى، وكذلك عدد مرات إصابتهم بالمرض من جديد.

وأظهرت الدراسة التي نشرتها دورية “سيل”، أن قرابة نصف الأشخاص الذين لم يسبق لهم الإصابة بفيروس كوفيد-19، يحملون في أجسامهم “خلايا تي” تكونت لديهم بسبب الإصابة بفصائل أخرى من فيروسات كورونا (30% من نزلات البرد التقليدية تكون ناجمة عن فيروسات كورونا بأنواعها).

وفي حين أن بعض التقارير الصحفية الأولية ألمحت إلى أن الخلايا التائية، التي تتكون في الجسم بسبب الإصابة بنزلات البرد، قد تحمي من كوفيد-19، إلا أن كرايمر يستبعد أن تلعب هذه الخلايا دورا كبيرا. فالجميع سبق لهم الإصابة بنزلات البرد في الماضي، ولا توجد مؤشرات قوية على أن ذلك قد ساعد في تجنب الإصابة بفيروس كوفيد-19.

قرود

ونشرت دورية “ساينس” العلمية دراسة أخرى هذا الأسبوع تؤكد الأدلة الخاصة بالمناعة بعد الإصابة بالفيروس عن طريق محاولة نقل العدوى إلى قرود مرتين. فبعد أسبوع من تعافي القرود من الإصابة الأولى بالمرض عن طريق رش جزيئات من الفيروس في أنوفها، قام الباحثون بتعريض القرود “للتحدي” نفسه مرة أخرى. ولكن القرود هذه المرة قاومت الإصابة بالمرض لمرة ثانية.

وتقول الكاتبة فاي فلام في تقرير لها نشرته وكالة بلومبرغ، إن هذه النتائج بشأن المناعة ضد فيروس كورونا تعطي سببا جديدا للتفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى لقاح يدفع الجسم لتكوين رد فعل مناعي ضد الفيروس.

وتعتبر النتائج الخاصة بالخلايا تي ذات أهمية كبيرة في هذا السياق لأن الأجسام المضادة التي سوف تتكون بسبب اللقاح من الممكن أن تتلاشى بسرعة في حالة عدم وجود خلايا تي، لذلك فإن اللقاحات الواعدة هي تلك التي تساعد في تكوين خلايا تي وأجسام مضادة لفيروس كوفيد-19 في آن واحد، على حد قول البروفيسور ستانلي بيرلمان خبير فيروسات كورونا في جامعة أيوا الأميركية.

الخلايا التائية والإيدز وعلاج كورونا

ومن المعروف أن الخلايا التائية المساعدة هي التي يهاجمها فيروس “الإيدز”، ولذلك قد لا يكون مستغربا موافقة المعهد الاتحادي للأدوية والمنتجات الطبية في ألمانيا على إجراء تجارب سريرية لمرضى مصابين بكورونا عبر استخدام عقار “ABX464”.

وحسب المعهد، فإن هذا العقار له علاقة بالأساس بعلاج نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لكنه لا يزال في طور الدراسة.

وأكد متحدث باسم المعهد في مدينة بون غربي ألمانيا الاثنين أن المعهد وافق على إجراء تجارب سريرية لمرضى بكوفيد-19 باستخدام المادة الفعالة “إي بي أكس 464”.

ويذكر أن العقار المحتمل يجري تجريبه من شركة “أبيفاكس أس أي” (Abivax SA) الفرنسية للتكنولوجيا الحيوية. وحسب بيانات المعهد الألماني، فإنه تم التصريح بإجراء 22 تجربة سريرية لها علاقة بمرض كورونا أو كوفيدـ19.

وأفادت شركة أبيفاكس بأن الدراسة التي تجريها هي للعلاج المبكر لـ1034 مريضا مصابا بكورنا، معظمهم متقدمون في السن أو يعانون مخاطر عالية. في المقابل أوضح المعهد الألماني أن هناك 200 شخص سيتطوعون في ألمانيا للمشاركة في هذه الدراسة.

ومن المنتظر أن توضح الدراسة ما إذا كانت المادة الفعالة “إي بي أكس 464” بإمكانها منع استنساخ الفيروس لدى هؤلاء المرضى. وستركز الدراسة على متابعة ما إذا كانت المادة الفعالة يمكنها أن تمنع حدوث ردود الفعل المفرطة للجهاز المناعي والتي تؤدي لاحقا إلى حدوث ضيق خطير في التنفس.

من جانبه، قال كريستوف بوزيكه، من مستشفى بون الجامعي، لوكالة الأنباء الألمانية إن الدراسة تتطلب لهذا السبب مرضى حالاتهم جيدة نسبيا لأنه بخلاف ذلك لن يكون تقديم هذا الإثبات متاحا. وسيعالج كل مريض لمدة أربعة أسابيع تقريبا وسيأخذ قرصا كل يوم خلال هذه الفترة.

أكد بوزيكه أنه على الرغم من سرعة وتيرة الاختبارات حاليا لدى مرضى كورونا، فإنه من المحتمل أن يستغرق الأمر حتى العام المقبل لحين ظهور نتائج. وأوضح أن هذه المادة الفعالة لها علاقة بالأساس بعلاج مرض الإيدز، لكنها لا تزال في طور الدراسة.

المصدر : الألمانية + دويتشه فيلله + مواقع إلكترونية + وكالات

———————————–

ماذا نعني تحديدًا بسيناريو “الموجة الثانية” من جائحة كورونا؟

الترا صوت- فريق الترجمة

يتفق خبراء الأوبئة تقريبًا على أن إصابات العدوى بفيروس كورونا الجديد ستشهد قفزة أخرى جديدة مع نهاية الصيف، لكنهم يختلفون على مدى شدّة هذه الموجة الثانية وأرقام الإصابات والوفيات التي يمكن أن تنجم عنها.

وتقارير منظمة الصحة العالمية عن الأشهر القليلة المقلبة ليست مبشّرة، فنحن ما نزال في الموجة الأولى من الجائحة، وما نزال نشهد ارتفاعًا بالإصابات والوفيات، وقد تتضاعف الأرقام بشكل كبير في أي وقت، بحسب ما تقول منظمة الصحة العالمية نفسها، وهذا ما بات يعرف اليوم باسم الموجة الثانية من جائحة كورونا.

هذه الموجة الثانية من كورونا لن تأتي بشكل متوقع أو تدريجي، فالموجة الثانية من الجائحة تعني ارتفاعًا كبيرًا مفاجئًا في عدد الحالات، قد تربك القطاع الصحي مجددًا، وينجم عنها تصاعدًا في أعداد الوفيات بسبب كوفيد-19، بشكل قد يكون أسوأ من الموجة الأولى.

سيناريو الموجة الثانية

في سيناريو الموجة الثانية، ستكون هنالك قفزات حادة ومتسارعة في أعداد الإصابات، لتصل إلى ذروة جديدة عليا، بعد فترة من استقرار معدل العدوى نسبيًا.

وقد تؤثر الموجة الثانية من الإصابات على مناطق جديدة في العالم، وقد يترافق ذلك مع موسم الانفلونزا، الأمر الذي سيضاعف العبء على أنظمة الرعاية الصحية والعاملين فيها، وزيادة احتمال وقوع حالات وفاة كان يمكن منعها في الحالات الطبيعية، وهو ما يطلق عليه اسم “Preventable Deaths”.

وهذا هو التخوف الرئيسي إزاء الارتفاع الحادّ والمفاجئ بالإصابات، والمتعلق بالحيلولة دون وقوع حالات وفاة يمكن التعامل معها في الظروف الطبيعية عندما لا تكون أنظمة الرعاية الصحية تحت ضغط كبير، بحيث يحصل كل مريض على الرعاية اللازمة في أسرع فرصة ممكنة، وهذا هو السبب أيضًا وراء سعي الحكومات في الدول الأكثر تأثرًا بالعدوى إلى “تسطيح المنحنى”، والذي يعني خفض معدل الإصابات بالعدوى وثباته، بحيث تزداد قدرة القطاع الصحي على التعامل مع الحالات وتوقّعها.

لماذا تعدّ الموجة الثانية سيناريو خطرًا؟

الموجة الثانية من الإصابات بعدوى كورونا تعني زيادة احتمال حدوث وفيات كان يمكن منعها في الظروف الطبيعية، سواء من مرضى كوفيد-19 أو سواهم، وذلك بسبب الضغط الحاصل على القطاع الصحي واحتمال انهياره، بحيث يفقد القدرة على استقبال المرضى وعلاجهم.

فالأثر سيمتد إلى أشخاص يعانون من أمراض أخرى، مثل مرضى السرطان أو السكري أو القلب، والذي يعتمدون بشكل كبير على المستشفيات للحصول على الرعاية الصحية، والذين قد يفقدون هذه الفرصة في حال حدوث قفزات مفاجئة وحادة في إصابات كوفيد-19، إضافة إلى العجز المحتمل في التعامل مع الحالات الطارئة التي تصل إلى المستشفيات بسبب الضغط الحاصل على الكوادر الطبية ونسب إشغال الأسرّة، ما يؤدي إلى حدوث وفيات “غير ضرورية” في الأوضاع الطبيعية.

يُذكر أن عدد الإصابات المؤكدة بعدوى فيروس كورونا الجديد حول العالم قد بلغ حوالي 5.7 مليون إصابة، من بينها حوالي 1.7 مليون إصابة في الولايات المتحدة فقط. أما عدد الوفيات عالميًا جراء مرض كوفيد-19 فقد بلغ أكثر من 355 ألف حالة وفاة، وذلك بحسب مؤشر جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.

 ————————–

========================

=====================

تحديث 30 أيار 2020

————————–

«فرضٌ على الديمقراطية»: الموت السريري نموذجا اجتماعيا/ محمد سامي الكيال

تحمل التصريحات الأخيرة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دلالات عميقة، وتطرح العديد من الأسئلة عن الثقافة السياسية المعاصرة. في تبريرها لإجراءات العزل والإغلاق والتباعد الاجتماعي، وما تحمله من تقييد لحقوق المواطنين الأساسية، أكدت ميركل أن ما يحدث قد «فُرض على الديمقراطية»، وفي الوقت نفسه أبدت تمسّكها بالقيم الدستورية، خاصة المادة الأولى من الدستور الألماني، التي تتضمن الحفاظ على الكرامة الإنسانية.

اللافت في هذا التصريح اعتبار الديمقراطية نظاماً عاجزاً بحد ذاته عن مواجهة الضرورات، ما يجعل بالإمكان تعليق بعض الضمانات السياسية والقانونية الملموسة للتصدي للمهام السياسية والصحية الملحّة، وتبرير ذلك بمبدأ مجرّد، فوق ديمقراطي، وقابل بشدة للتأويل، هو «الكرامة الإنسانية». هذا التناقض بين ما هو ملموس ومجرّد يعطي حالة الاستثناء الحالية طابعاً خاصاً: السياسات الحيوية قادرة على اختزال الحياة الاجتماعية بضرورات البقاء، وفي الوقت نفسه تقديم هذا الاختزال بوصفه تجسيداً لقيمة عليا هي «الكرامة»، تحددها السلطة التنفيذية. ما يدفع للتساؤل عن قدرة مجتمعات، تخلّت عن جانب من حياتها السياسية والاجتماعية، على الدفاع عن كرامتها، والمشاركة في تحديد معناها في ما هو ملموس من إجراءات.

ميركل ليست زعيمة سياسية اعتيادية، كثيرون نصّبوها «زعيمة العالم الحر»، بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. كما أن التجربة الألمانية، في مواجهة انتشار فيروس كورونا، من أكثر التجارب نجاحاً، وحفاظاً على الحد الأدنى من الحقوق الأساسية للمواطنين، ولذلك فإن هذه التصريحات ذات أهمية بالغة في صياغة الطرح النموذجي للأنظمة الديمقراطية المعاصرة، الذي قد يُبنى عليه في تحديد الممارسة الديمقراطية مستقبلاً.

وإذا وافقنا على أن الأزمة الحالية ستعيد تعريف كثير من مفاهيمنا السياسية والثقافية، فإن مفهوماً عن ديمقراطية تخضع لما يُفرض عليها، وعن قيم مجردة يمكن أن تعطّل الممارسة العينية للحريات، يجعل الحقوق الأساسية ترفاً يناله المواطنون في حالات الازدهار والاستقرار، ويمكن أن يُسحب منهم جزئياً أو كلياً عندما يصطدم بالضرورات والقيم. ما يخالف المفهوم الكلاسيكي للديمقراطية، بوصفها الإطار الأكثر كفاءة لإدارة الأزمات الكبرى، وتنظيم الممارسة اليومية للحقوق والحريات الأساسية، وتجسيد القيم الدستورية والأخلاقية. وهو مفهوم حاولت الدول الأكثر ديمقراطية الحفاظ عليه، ولو بشكل نظري، حتى أثناء الحرب العالمية الثانية. فكيف يمكننا تتبع جذور هذا التغيّر اللافت في فهم الديمقراطية في عصرنا؟

ثنائية الإنعاش الصناعي

يبدو الحديث عن «إجراءات مفروضة على الديمقراطية» قريباً جداً من أجواء نظرية المفكر الإيطالي جورجيو أغامبين، التي باتت كلاسيكية، عن «حالة الاستثناء» و«الحياة العارية». من جهته لم يفوّت أغامبين فرصة الإجراءات الاستثنائية الحالية للتنويع على نظريته. في مقالة نُشرت مؤخراً يربط اختزال الحياة الاجتماعية بضرورات البقاء بمبدأ الثنائية المترسخ في المسيحية والفلسفة الغربية الحديثة، أي الانقسام بين المادي والمجرّد، الجسد والروح. وهو مبدأ كرّسه الطب الحديث عن طريق تعميم مبدأ الإنعاش الصناعي، والتمييز بين «الموت السريري» والموت التام: يمكن للمعدات الطبية، مثل أجهزة التنفس الصناعي والتغذية عبر المحاليل الوريدية، أن تُبقي الجسد حياً بغياب تام للوعي، أو حتى في حالة الموت الدماغي. هكذا تستمر العمليات الحيوية الضرورية لبقاء الجسد، رغم انتفاء الإحساس والتفكير والرغبة، ويُصنف المريض حياً، أو «غير ميت» على الأقل. يمكن بالطريقة نفسها للسلطة الحيوية أن تعطّل معظم علاقات الجيرة والصداقة والمحبة، بما تحمله من قيم اجتماعية وأخلاقية وعاطفية، وتُبقي على الجسد الاجتماعي حياً، حتى لو كان في حالة «موت سريري»، نتيجة هذا التعطيل.

إذا تجاوزنا الثنائية، التي ترى الجسد والروح منفصلين، فلا يمكن اعتبار مجتمعات تنازلت عن جوانب حياتها المتعددة مجتمعات حية، حتى لو نجحت الحكومات بتحقيق ضرورات البقاء الأساسية، كما لا يمكن اعتبار الحفاظ على الجسد الاجتماعي في حالة إنعاش صناعي إنجازاً. تقسيم الحياة الاجتماعية والسياسية إلى مستوى أساسي وضروري يتعلق بالبقاء بشكله العاري، وآخر ثانوي يمكن الاستغناء عنه في حالات الضرورة، أسلوب أساسي في عمل السلطة الحيوية: الأولوية لضبط عمليات إعادة إنتاج الحياة، مثل الولادات والوفيات ومعدّل الأعمار، أما الحقوق الأساسية فيمكن إلغاؤها عندما تعرقل هذه المهمة. وقد يكون هذا استمراراً للمبدأ الكنسي القديم، عندما كان «خلاص الأرواح» مُقدماً على صون الأجساد. ولكن بعد عكس الأولويات، وجعل الحفاظ على الأجساد الضرورة الأولى. بهذا المعنى فإن فهمنا لـ«الضرورة» مرتبط بتحديداتنا المعاصرة للموت والحياة والاستمرارية، ربما لو كان بالإمكان تجاوز المنظور الثنائي فستُعتبر الحقوق الأساسية، وما تتيحه من ضمانات سياسية وقانونية للحياة العامة والخيارات الفردية، ضرورةً لا يمكن فصلها أو تمييزها عن البقاء المادي للجسد، فـ»الحياة العارية»، المحرومة من كل حق إلا الاستمرار البيولوجي، ليست حالة طبيعية، بل هي ما يتبقى من الحياة الإنسانية بعد نزع السلطة، بشكل مصطنع، كل الضمانات عنها.

الألم المترف

يبني المنظور الثنائي جانباً من تصوراتنا عن الألم نفسه، عبر تقسيمه إلى ألم جسدي وآخر نفسي أو عاطفي، مع اختلاف في تقييم شدتهما ومدى المعاناة التي يخلّفانها. فبينما تركز بعض الأدبيات الرومانسية والدينية على «ألم الروح» الذي يزيد شدةً عن ألم الجسد، تؤكد النظرة، التي تحسب نفسها واقعية أو مادية، أن الألم الجسدي هو الألم الحقيقي، أما الحديث عن «ألم روحي» فما هو غالباً إلا بلاغة مترفة. يمكن رصد هذا التقسيم للألم في «التضحية» التي تفترضها إجراءات التباعد الاجتماعي: على البشر أن يتحمّلوا بعض الألم النفسي، الذي تسببه العزلة وانقطاع العلاقات الاجتماعية، في سبيل وقاية المجتمع من الآلام الجسدية الحقيقية التي يخلّفها الوباء. من منظور مادي واحدي، متجاوز للثنائية، لا يوجد ألم غير جسدي، يرجع لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو دراسة الأثر الجسدي للعنف الرمزي والثقافي، الذي قد يتعرّض له المرء في مختلف المواقف الاجتماعية: الإحساس بالإهانة والتجاهل والنبذ والعزلة، يخلّف اضطراباً وانقباضاً جسدياً، هو ما يجعلنا نختبر تجربة ما نسميه «ألماً نفسياً». أما شدة هذا الألم فتتعلق بمدى العنف الممارس بحق الأجساد، وليس بنوعية هذا العنف، سواء كان مادياً مباشراً أو رمزياً. تزايد حالات الانتحار في ظل «التباعد الاجتماعي» دليل جيد على صحة هذا المنظور، فـ»الألم المترف» له عوارض جسدية قد تؤدي للوفاة.

على المستوى السياسي من المفيد الرجوع لسبينوزا، أحد أهم فلاسفة الواحدية في التاريخ، لفهم المشكلة في «الضرورات» التي تفرض على الديمقراطية: انتهاك الحريات العامة، وما يرافقه من انفعالات سلبية، مثل الخوف والحزن والحقد، يؤثر سلباً على استمرارية الأجساد نفسها، أي الجهد الذي يبذله كل ما هو موجود لضمان بقائه، وإطلاق طاقاته ورغباته. لا يمكن لدولة تسلك بمقتضى العقل، حسب الفهم السبينوزي له، أن تحرم مواطنيها حقوقهم الأساسية، وتضمن استقرار نظامها العام في الآن ذاته، فالدافع للاستمرارية لدى البشر قد يتخذ حينها أشكالاً أقرب لـ«حال الطبيعة»، تحرّكه انفعالات سلبية، تُغرق المجتمع بأكمله في التناحر والشقاء.

تجسيد الكرامة

ربط تعليق جانب من الحقوق العامة بمفهوم مجرد عن «الكرامة الإنسانية» يذكّر بنقد جيل دولوز للمفهوم السائد عن حقوق الإنسان: اعتبار الحقوق أصولاً ومبادئ متعالية، تعبّر عنها الدولة، التي تصنّف نفسها «دولة الحق»، يجعلها تجريداً وعناوين عامة غير مجسّدة، تحتكر الدولة تأويلهــــا، ويمكــــن من خلالها تبرير أي ممارسة سلطوية. يدعو دولوز بدلاً من ذلك إلى ما يسميه «فقه الوقائع الملموسة»، أي عوضاً عن ربط التفاصيل الجزئية بمفاهيم شاملة عن الحقوق، يتعيّن إعادة تعريف وإبداع الحقوق نفسها مع كل حالة ملموسة. القانون وحقوق الإنسان غير موجودين بشكل قَبْلي، وكذلك الكرامة، ولكن مقاومة البشر للانتهاكات الملموسة التي يتعرضون لها هي ما يبدع الحقوق والكرامة.

لحسن الحظ لم تصل الأوضاع في البلدان الديمقراطية إلى حالة استثناء نموذجية كالتي يخشى منها أغامبين، فالدول لم تستطع تطبيق التباعد الاجتماعي بشكل مطلق، أو حرمان البشر من الاعتراض والتعبير عن آرائهم، وهنالك ميل لتخفيف أكثر الإجراءات صرامة بمجرد الانحسار الجزئي للوباء، وذلك ليس بسبب تمثيل «دولة الحق» للقيم المجردة، بل لأن المجتمع قادر على المقاومة، والضغط على الحكومات، والدفاع عن مصالحه. بهذا المعنى فالكرامة التي تحدثت عنها ميركل لم تتجسد في تعليق جانب من الحقوق الأساسية للمواطنين، بل في إعادة إنتاج المواطنين لحقوقهم، من خلال قدرتهم على مساءلة حكوماتهم، وتشككهم الدائم من جدوى حالة الاستثناء الحالية. يبقى أن التطبيع مع مفهوم «الفرض على الديمقراطية» قد يؤدي إلى فقدان البشر يوماً لهذه القدرة، ومن هنا تأتي أهمية نقد المنظور الثنائي لـ«زعيمة العالم الحر».

٭ كاتب من سوريا

القدس العربي”

——————————

ذا هيل: محاولات الأسد عسكرة “كورونا” تزيد من معاناة المدنيين وتنذر بكارثة

نشر موقع “ذا هيل” مقالا لويل تودمان، الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، أشار فيه إلى محاولات نظام بشار الأسد تحويل كوفيد-19 لسلاح.

وقال فيه إن “كوفيد-19 فاقم من الأزمة الاقتصادية السورية بدرجات غير مسبوقة، وتراجعت قيمة العملة السورية إلى أقل من نصفها. وقال بشار الأسد إن الشعب السوري لن يعاني مصاعب اقتصادية جديدة ولهذا قرر فتح المحال التجارية والأعمال بعد شهرين من الإغلاق العام في نهاية نيسان/ أبريل ورفع منع التجوال في 26 أيار/ مايو”.

وتابع الكاتب: “لكن الحياة لم تعد إلى طبيعتها، حيث أعاد الأسد فتح البلد بعد تأكده من أن المناطق التي لا تزال بيد المعارضة أصبحت أكثر عرضة للوباء من مناطقه. وبهذه الطريقة يريد الأسد عسكرة كوفيد- 19 للفوز في الحرب الأهلية”.

ويشير الكاتب إلى أن النظام السوري حاول استغلال معاناة المدنيين طوال النزاع الذي مضى عليه أكثر من تسعة أعوام، من منع المساعدات الإنسانية ومحاصرة مناطق المدنيين وقصف قوافل المساعدات.

ومنذ كانون الأول/ ديسمبر، دمر النظام وحطم أكثر من 84 مؤسسة طبية في شمال- غرب البلاد، حيث أكد تحقيق مستقل للأمم المتحدة بأن الهجمات كانت مقصودة.

ويعلق الكاتب أن معاناة المدنيين ليست نتاجا للعمليات العسكرية، بل جاءت لمعاقبة المدنيين في مناطق المعارضة. ويقول إن كوفيد- 19 منح الأسد فرصة جديدة لاستغلال المعاناة و”هو يعرف ضعف سوريا أمام الوباء. فقد تحطم النظام الصحي السوري وأُضعف ودُمر خلال الحرب الأهلية. وفوق كل هذا ليست لديه المعدات الطبية الكافية للتعامل مع كوفيد-19.

وخلال الأزمة فرّت نسبة 90% من الكفاءات الطبية. وضد كل التوقعات، فقد تجنبت سوريا انتشارا واسعا للفيروس. ومع قرار الأسد فتح البلد من جديد، فإن إمكانية انتشار الوباء وتوسعه باتت مؤكدة. ويرى الكاتب أن الأسد عمل على هذا السيناريو، وتأكد من ضرب كوفيد-19 مناطق المعارضة وليس المناطق الموالية له. وعملت حكومته على إضعاف قدرات المجلس الديمقراطي السوري، في شمال شرق سوريا للحد من انتشار الفيروس. واشترطت الحكومة ضرورة نقل كل عينات الفحص في شمال- شرق سوريا لفحصها في مختبراتها بدمشق.

وأكدت الفحوصات وفاة شخص عمره 53 عاما من المنطقة بداية نيسان/ أبريل. إلا أن حكومة الأسد منعت منظمة الصحة العالمية من إخبار الأكراد بوصول الوباء إلى المنطقة ولمدة 11 يوما. وبعد تأخر الوقت، حيث أصيب أقارب الرجل، مما يظهر أن عمليات العدوى بدأت داخل المنطقة.

ومنع الأسد مؤسسات الأمم المتحدة التي كان تحاول مواجهة ومنع انتشار الفيروس في شمال- شرق البلاد، وطلبت منظمة الصحة من الحكومة السورية السماح لها بتوسيع قدراتها في منطقة لا تعمل فيها إلا 26 عيادة طبية من بين 297.

وعندما سمحت الحكومة أخيرا بنقل المواد الطبية في منتصف نيسان/ أبريل بعد تأكدها من وصول المواد الطبية إلى الجماعات الموالية. وأعلنت منظمة الصحة عن وصول 30 طنا من المساعدات الطبية إلى المنطقة في 11 أيار/ مايو، لكن الأكراد لم يحصلوا على أي شيء منها. وأخّرت السلطات وصول المعدات لفحص الفيروس، وتدخلت روسيا للدفاع عن حليفها، كدليل على الجهود التي يقوم بها النظام لعرقلة جهود مكافحة كوفيد-19.

وفي 19 أيار/ مايو، قال السفير الروسي بالأمم المتحدة، إن بلاده ستقوم بمنع أي جهد تمنح فيه وكالات الأمم المتحدة الصلاحية لاستخدام المعبر على الحدود السورية مع العراق ونقل المواد الطبية إلى شمال- شرق سوريا. وأجبرت روسيا منظمة الصحة العالمية على إلغاء طلب استخدام المعبر لنقل المواد الطبية.

ورغم عدم تسجيل أي حالات كوفيد-19 في محافظة إدلب، إلا أن الأسد عمل على تعريضها لمخاطر الوباء. فقد أصبحت المنطقة وخلال السنوات الماضية ملجأ لموجات من النازحين، وأدت الحملة العسكرية في كانون الأول/ديسمبر، إلى تشريد أكثر من مليون لاجئ.

وباتت إدلب مكانا مزدحما بالناس الذين تنقصهم المواد الغذائية والطبية والنظافة والسكن المناسب. ويعيش الكثيرون منهم في مناطق مفتوحة وتحت الأشجار ولا تتوفر لديهم وسائل النظافة مثل الصابون وإجراءات منع انتشار الفيروس.

وتشير زيادة الهجمات الجوية على المنطقة في الأسابيع الأخيرة، إلى أن الروس والنظام يحضران لعملية عسكرية جديدة. وقال وزير خارجية روسي سابق، إن موسكو ليس أمامها أي خيار إلا دعم النظام لاستعادة كل المناطق التي خسرها منذ بداية الحرب الأهلية.

وأي هجوم جديد يعني منح فرصة لانتشار الفيروس وعميقا بين السكان في الشمال.

ودعا الكاتب مجلس الأمن لممارسة الضغط على النظام السوري وحليفه الروسي وفتح المجال أمام الأمم المتحدة لتسهيل عمليات الأمم المتحدة ومواجهة كوفيد-19. ويجب على أعضاء مجلس الأمن منع الأسد من استخدام كوفيد- 19 كوسيلة معاناة في سوريا.

وتجنب الشرق الأوسط حتى الآن انتشارا واسعا للفيروس، إلا أن محاولات الأسد عسكرة كوفيد-19 تنذر بالكارثة.

القدس العربي”

———————————-

الفيروسات… سلوكياتها ودواعي تسببها بالأمراض

توظف الخلايا الحية لتجاوز نقاط الضعف في تركيبتها الجينية ومراوغة جهاز المناعة

 د. حسن محمد صندقجي

الفيروسات جُسيمات دقيقة للغاية في أحجامها المختلفة، وتتنوع في أشكال هيكلها. والفيروسات كأحد فصائل الميكروبات، منها أنواع قد تتسبب بالأمراض الفيروسية للإنسان أو الحيوان أو النبات، ومنها أنواع لا علاقة لها بذلك مطلقاً.

كائن «شبه حي»

ومع وجود أنواع مختلفة من الأمراض الفيروسية، يبقى السؤال: كيف نفهم سلوكيات الفيروسات، وما دواعي تسببها بالأمراض؟

والنقطة الأساس في الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها حول الفيروسات، هو: فهم تركيبها، ومعرفة عناصر القوة في هذا التركيب ومكامن الضعف والعجز فيه، وفهم سلوكياتها أثناء خطوات تكاثرها داخل الخلايا الحية والعوامل التي تساعدها في ذلك.

وكلما تقدم العلم في فهم تفاصيل هذه الجوانب، وتعرّف بشكل دقيق على العناصر اللازمة لنجاح كل خطوة منها لنوع معين من الفيروسات، كلما توسعت أفاق الفرص التي يُمكن للباحثين الطبيين العمل فيها لاكتشاف وسائل علاجية تنجح في: إما الحد من سرعة تكاثر الفيروس، أو القضاء عليه، أو تخفيف وطأة الحالة المرضية التي يتسبب بها، أو صناعة اللقاح ضدها.

> الفيروس كائن حي وغير حي. وبداية، بالرغم من إمكانية العثور على الفيروسات في أي بيئة تقريباً، إلاّ أنها لا يمكن أن تُوجد حية بشكل مستقل كما هو الحال لدى الكائنات الحية الأخرى.

ولذا فإن «مشكلة» الفيروسات الرئيسية هي: أنها جُسيمات جامدة لا يُمكن اعتبارها كائناً حياً (Free-Living). ويظل «الاحتياج» الأساسي لها هو: البحث عن الحياة النشطة وعن التكاثر.

> وسيلة التكاثر. و«الوسيلة» الوحيدة أمامها لعيش الحياة النشطة وللتكاثر هي: الدخول إلى خلية حية مُضيفة (Host Cells)، والتطفّل عليها للبدء بممارسة نشاط الحياة والتكاثر في داخلها. و«الخلية المُضيفة» قد تكون: خلية في جسم الإنسان، أو خلية في جسم أي من الحيوانات بأنواعها المختلفة، أو خلية أي من النباتات، أو حتى خلية لميكروبات أخرى كالبكتيريا أو الطفيليات.

وحينذاك قد تغدو أنواعٌ من الفيروسات «مسببات مرضية» بشكل سريع أو بطيء، أو لا تكون مسببة لأي أمراض.

والسبب وراء هذه «المشكلة» الرئيسية للفيروسات، وهذا «الاحتياج» الأساسي لها، وهذه «الوسيلة» الوحيدة أمامها، هو أن المكونات التشريحية في داخل جسم الفيروس، مقارنة ببقية المخلوقات الحية، تفتقر بالفعل إلى عناصر رئيسية لازمة للعيش ككائن حي مستقل.

مكونات الفيروس

وتوضّح مصادر علم الميكروبات أن الفيروس يتكون تشريحياً من جزئين، هما: المادة الجينية (Genetic Material)، والغلاف البروتيني (Protein Coat). وهناك أنواع من الفيروسات مكونة من ثلاثة أجزاء، هي: المادة الجينية، والغلاف البروتيني، وغلاف دهني (Lipid Envelope) خارجي فوق الغلاف البروتيني.

وبشيء من التفصيل عن هذه الأجزاء الثلاثة وخصائصها:

> أولاً: الحمض النووي (المادة الجينية): وهو الجزء الذي يحمل الصفات الوراثية (Genetic Information) للفيروس في مكوناته وسلوكياته، وهو «الجزء المُعدي الحقيقي» (True Infectious Part).

والحمض النووي في الفيروسات إما: من نوع «دي إن إيه» (DNA) فقط، أو من نوع «آر إن إيه» (RNA) فقط، أو مزيج من «دي إن إيه» مع «آر إن إيه». ووفق مكونات المادة الجينية الموجودة في فيروس معين، والمعلومات الوراثية التي يتم تشفيرها فيها، تتشكل طبيعة الفيروس وسلوكياته ووظيفته المحددة.

وتجدر ملاحظة أن أحد أسباب سرعة تكاثر الفيروسات هو أن عدد جيناتها قليل، مقارنة بعدد جينات الكائنات الحية الأخرى. وللتوضيح، فإن عدد جينات فيروس الإنفلونزا هو ١١، بينما عدد جينات بكتيريا «إي كولاي» (E. Coli) التي قد تسبب التهابات مجاري البول، هو أكثر من ٤ آلاف، والملاريا أكثر من ٥ آلاف، وجينات الدجاج تفوق ١٦ ألفاً، أما عدد جينات الإنسان فيقارب ٢٥ ألفاً.

كما تجدر ملاحظة أن بعضاً من أنواع الفيروسات المحتوية على الحمض النووي «آر إن إيه» قد تمتلك قدرة التحور أو التطور الفيروسي (Viral Mutation). وامتلاك هذه القدرة يُعطيها ميزة تُمكنها من استمرارية الحياة بشكل أفضل، عبر التكيف بسرعة مع أي تغيرات في مناعة البيئة المُضيفة، ما قد يتسبب بصعوبات في التعامل العلاجي معها.

> ثانياً: الغلاف البروتيني: هو غلاف بروتيني واق، يُسمى غلاف القفيصة (Capsid). ويتكون الغلاف البروتيني من وحدات بناء بروتينية (Capsomer). وبطريقة تراص هذه الوحدات البروتينية، يتكون شكل هيكل الفيروس. وهو الشكل المميز الذي يختلف به نوع الفيروس عن الأنواع الأخرى من الفيروسات. وتتحكم الجينات الوراثية للفيروس في طريقة وكيفية ترتيب الوحدات البروتينية لتكوين شكل هيكل الفيروس.

وللغلاف البروتيني ثلاث وظائف مهمة، وهي:

– حماية الحمض النووي الفيروسي.

– التعرّف على الخلايا المُضيفة المطلوبة (من بين الخلايا الحية الأخرى في الجسم)، والالتحام بالمستقبلات (Receptors) على سطحها، لإتمام عملية التصاق الفيروس بالخلية الحية المُضيفة.

– تعمل أجزاء من الغلاف البروتيني على تكوين جزء متخصص فيها، يُمكن الفيروس من عمل فتحة في جدار الخلية الحية (مثل ثقب أداة المثقاب)، وذلك إما لاختراقها ودخول كامل الفيروس إلى داخل الخلية الحية، أو لحقن الحمض النووي للفيروس إلى داخل الخلية، أي دون الحاجة إلى دخول كامل الفيروس إلى داخل الخلية.

– ثالثاً: الغلاف الدهني: وبعض الفيروسات لديها غلاف دهني خارجي يُغلف الغلاف البروتيني، وبعضها الآخر لا يمتلك ذلك. وتحصل هذه الفيروسات عليه من أجزاء تسلخها من الخلايا الحية التي تقتحمها، لتكوّن حول نفسها فقاعة الغلاف الدهني. ويمثل الغلاف الدهني أهمية عالية لتلك الفيروسات، لأنه أحد العوامل المُسهّلة في قدرة التسبب بعدوى الخلايا الحية (Infectivity) والإصابة بالأمراض. وبالمقابل، هو غلاف يسهل تحطيمه بالغسل بالصابون والماء، وبالتالي نتمكن بذلك من تحييد قدرات الفيروس على العدوى قبل دخوله إلى الجسم.

نقاط ضعف الفيروس

إن هذا التركيب للفيروس يجعله بالعموم كائناً خاملاً غير قادر على التكاثر وغير قادر على القيام بعدد من العمليات الكيميائية الحيوية الأساسية التي توفر له الحركة والنشاط وإمكانية التكاثر.

وللتوضيح، فإن هذا التركيب البسيط للفيروسات يشمل عدداً من نقاط العجز والضعف الذاتي، التي منها:

> عدم القدرة على إنتاج البروتينات: البروتينات عنصر ضروري للحياة. وعندما تحتاج الخلية الحية إلى القيام بشيء جديد، في بناء جسمها أو إجراء تفاعل كيميائي حيوي جديد، فيجب أن تصنع بروتيناً جديداً. وكل نوع من البروتين هو «مركب متخصص» يؤدي عادة وظيفة واحدة فقط. وفي هذا، تستخدم الخلايا الحية «الأحماض الأمينية» (Amino Acids) لصناعة البروتينات الجديدة، وفق المعلومات المشفرة في الحمض النووي.

والفيروسات لا تستطيع إنتاج البروتينات، ولذا فإنها تُجبر الخلية المُضيفة على إنتاج بروتينات جديدة يحتاجها الفيروس فقط، ولا تحتاجها الخلية.

وللتوضيح، وفي عملية تكاثر الفيروسات، يحتاج الفيروس الحصول على بروتينات جديدة لبناء الغلاف البروتيني (غلاف حماية المادة الجينية فيه). والفيروسات لا يمكنها صناعة البروتينات بالأساس، لأنها تفتقر إلى الريبوسومات (Ribosome)، والريبوسومات أحد أجزاء الخلية الحية، التي فيها يتم صناعة وإنتاج البروتينات. ولأن الفيروسات لا تحتوي الريبوسومات، فإن الفيروسات لا محالة بحاجة إلى ريبوسومات خلية حية أخرى للقيام بهذه المهمة الأساسية لتكاثرها وحمايتها.

> عدم القدرة على توليد وخزن الطاقة: الفيروسات تحتاج الطاقة، ولكنها أيضاً في الوقت نفسه لا تمتلك أي مقومات لتكوين أو خزن أو حرق الطاقة. من أجل هذا، على الفيروسات كي تعيش بنشاط وتتكاثر، أن تتطفّل على «خلية حية» بشكل تام للحصول على الطاقة اللازمة لحياتها واللازمة لإتمام إجراء العمليات الكيميائية الحيوية واللازمة لعمليات التكاثر. ولذا يستمد الفيروس الطاقة، إضافة إلى جميع وظائف التمثيل الغذائي الأخرى، من الخلية المُضيفة.

مراوغة جهاز المناعة

> نقص المواد الخام: لأنه لا يمتلكها، يلجأ الفيروس عند دخول الخلية الحية المُضيفة، إلى الاستلاء على «النوكليوتيدات» (Nucleotides) (مركبات بناء الحمض النووي)، وذلك بغية استخدامها في تكوين وتجميع الحمض النووي الجديد للفيروسات الجديدة، كما لجأ من قبل إلى الاستيلاء على الأحماض الأمينية (الوحدات التي منها تتشكل البروتينات) من الخلية المضيفة، لصناعة البروتينات اللازمة لبناء الغلاف البروتيني للفيروسات الجديدة.

> الحاجة للبروتينات السكريّة. وكما تلجأ بعض الفيروسات إلى الاستيلاء على الدهون من الخلية المُضيفة لتشكيل أغشية غلافها الدهني، فإنها أيضاً تلجأ إلى استخدام البروتينات السكريّة (Glycoproteins) من الخلية المُضيفة لتضعها في غلافها الدهني.

وتأتي أهمية هذه البروتينات السكريّة على غلاف الفيروسات، من أنها هي الجزء الذي يمكّن الفيروس من المراوغة بمهارة مع عناصر مهمة في البيئة الخارجية. وتحديداً، خلايا الجسم وجهاز المناعة فيه. وللتوضيح، وأثناء الهروب من إمكانية الكشف عن وجودها بواسطة الجهاز المناعي، تستخدم الفيروسات البروتينات السكريّة (الموجودة على غلافها) في التمويه على جهاز مناعة الجسم والهروب من بأسه، باعتبارها أجزاء من خلية حية في الجسم. وأيضاً تستخدم الفيروسات تلك البروتينات السكرية في سهولة وسرعة إجراء عملية التعرّف على الخلايا المُضيفة المناسبة لها، ثم البدء في اقتحامها والتستر داخلها، وبالتالي التسبب بالعدوى.

وثمة اليوم عدد من الاختراقات العلمية التكنولوجية في إجراء دراسات تفصيلية حول هذه البروتينات السكريّة الفيروسية، التي من خلالها تم فهم الكثير عن آلية الاندماج الفيروسي، وتفاعله مع الأجسام المضادة (Antibodies)، وديناميكية استخدام الفيروسات لهذه البروتينات السكريّة (التي أخذها من الخلايا الحية في الجسم) في التمويه على جهاز مناعة الجسم.

الفيروسات والخلية المُضيفة… مراحل عملية التغلغل

الفيروسات هي طفيليات بدرجة متطورة جداً (Quintessential Parasites) في سلوكياتها التطفلية. وهذا يعني أنها تستخدم وتستغل وتعتمد بشكل متقدّم وكبير على كل ما هو موجود داخل «الخلية المُضيفة»، وذلك من أجل القيام بجميع الوظائف التي تدعم بقاءها على قيد الحياة، وتكاثرها.

وتحت عنوان «تكاثر الفيروسات»، تقول «الجمعية البريطانية لعلم المناعة» (British Society for Immunology)، ما ملخصه أن الفيروسات لا يمكنها التكاثر دون الاعتماد على الخلية المُضيفة، وعلى الرغم من الاختلاف في دورة الحياة التكرارية للفيروسات بين الأنواع والفئات المختلفة منها، إلا أن هناك 6 مراحل متسلسلة وأساسية لنجاح عملية التكاثر الفيروسي، وهي:

> التعلّق (Attachmen): تتفاعل بروتينات غلاف الفيروس مع مستقبلات محددة على سطح الخلية المضيفة، ويتم تثبيت التصاق الفيروس بالخلية الحية.

> الاختراق (Penetration): تؤدي عملية تعلق الفيروس بمستقبل معين في سطح الخلية المُضيفة، إلى تغيرات مطابقة في بروتينات القشرة الفيروسية، أو الغلاف الدهني، ما ينتج عنه اندماج الأغشية الفيروسية مع أغشية الخلية، والبدء بعملية اخترق جدار الخلية. وحينها إما أن يكتفي الفيروس بحقن حمضه النووي فقط إلى داخل الخلية المُضيفة، أو أن يدخل كامل الفيروس إلى الخلية.

> التخلص من الغلاف (Uncoating): وبعد دخول كامل الفيروس، تتم إزالة وتحلل مكونات غلاف الفيروس، بواسطة الإنزيمات الفيروسية أو أنزيمات الخلية المضيفة، ويتحرر جينوم الحمض النووي الفيروسي ليسبح داخل الخلية المُضيفة، ويصبح حينها فقط قادراً على التكاثر.

> النسخ المتماثل (Replication): تبدأ عملية نسخ وتكاثر للجينوم الفيروسي الذي دخل الخلية المضيفة، كما تبدأ عمليات أخرى في تكوين بروتينات جديدة لغلاف الفيروسات الجديدة.

> التجميع (Assembly): يتم تجميع الجينوم الفيروسي الجديد مع البروتينات الجديدة لغلاف الفيروس الجديد، لتكوين أعداد غفيرة من الفيروسات الجديدة المتكاملة التكوين، والجاهزة للخروج من الخلية المضيفة.

> إطلاق الفيروسات (Virion Release): هناك طريقتان للإطلاق الفيروسي، هما: التحلل (Lysis) أو التبرعم (Budding). ويحصل إطلاق الفيروسات الجديدة لأنواع الفيروسات غير المغلفة بالطبقة الدهنية بواسطة عملية «التحلل»، وهي التي تحصل عن طريق موت الخلية المضيفة المصابة وخروج الفيروسات الجديدة منها. ويحصل إطلاق الفيروسات الجديدة لأنواع الفيروسات المغلفة بالطبقة الدهنية بـ«التبرعم»، أي عن طريق الخروج دون التسبب بموت الخلية المضيفة المصابة.

الشرق الأوسط

——————–

===========================

========================

تحديث 05 حزيران 2020

————————

رسائل الأزمنة الحبيسة/ منى رافع

وقت الحظر الجزئي دخل الآن. نحن في نهايات شهر آذار 2020، ومعظم أهالي الحي موجودون على الشرفات. الجميع يراقبون إجراءات الحظر، وينتظرون مرور «موتورات» الشرطة التي تردّد عبر الميكروفونات بوجوب عدم خروج المواطنين منذ السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً من أجل سلامتهم. كثيرٌ من النساء على الشرفات يرتدين أغطية الصلاة، كثيرٌ من الرجال يرتدون «جلابيات» أو قمصان قطنية، وأُسرتي خرجت بدورها إلى الشرفة، نراقب فراغ الشوارع والسيارات «المفيّمة» السريعة التي تمرّ، ونراقب الذين يستطيعون كسر الحظر؛ بعضهم يملك تصريحاً لذلك، وكثيرون لا يحتاجونه. ليس من الجديد علينا البقاء هكذا في بيوتنا مجبرين على عدم النزول إلا للضرورة القصوى. الأمر مألوف بالنسبة إلينا، لكن طبيعة الخوف وحدها هي التي تغيرت.

يمضي الوقت ثقيلاً بعد السادسة، الآن يؤذن المغرب. نسمع صوت أغنية عالية تصدح من إحدى الشرفات في محاولة لتقليد «الأجانب». نخرج مجدداً لنستطلع الأمر، أحدهم يضع أغنية لـ «حسن شاكوش»، ثم أغنية ثانية وثالثة؛ يستمرّ الأمر لحوالي خمس عشرة دقيقة، ولا أحد يتجاوب مع الشرفة التي تطلق الأغاني. يتكرر الأمر على مدى أيام تالية عدة مرات، لكن مع أغانٍ حزينة، ومجدداً لا أحد يستجيب. في النهاية، تختفي أغاني الشرفات تماماً.

علاقتي مع الأغاني شائكة، بدأ ذلك عندما رووا لنا القصة الشهيرة ونحن في سنّ المراهقة، عن شاب تعرض لحادث سير في الطريق، وعندما طلبوا من الشاب المحتضر نطق الشهادتين وهو ينازع الرمق الأخير، صار المحتضر يدندن بالأغاني، و«أنتم تعلمون سبب ذلك»، قالوا لنا يومها، «لقد عَجِزَ الشاب عن نطق الشهادتين لامتلاء رأسه وقلبه بما كان يسمعه، الحواس لحظة الموت صنوٌ لما اعتادت فعله، لذا لم تستجب حواسه رغم كثرة الصارخين من حوله بنطق الشهادتين. تخيلوا أحداً منكم يحتضر، وآخر كلماته مقطع من إحدى الأغاني»، و«لا أحد»، قالوا، «لا أحد يرغب أن يموت هذه الميتة الخاسرة».

كان القصف شديداً على حيّ الوعر الحمصي في أحد أيام العام 2012، كنّا نسكن في الطابق الأخير، هرعنا وجميع الجيران إلى الطابق الأرضي. كان الوقت ليلاً، والطابق الأرضيّ مكون من بيتين متقابلين. قرَّرَ أحد الجيران بشكل قاطع ما يلي: «الرجال في بيت، والنساء والأطفال في بيت»، مع ترك أبواب البيتين مفتوحة على بعضها. جلسنا متراصين قرب مداخل البيتين، بحيث كنا نرى بعضنا بعضاً من الأبواب المفتوحة. أخذَ كلٌّ منا يختلس النظر إلى الآخر، الرجال والنساء، الأطفال وآباءهم.

لَهَجَتْ ألسنة النساء بالأدعية في تلك اللحظة: «اللهم اجعله برداً وسلاماً علينا كما جعلتَ النار برداً وسلاماً على نبيك إبراهيم». يصرخ الأطفال، تهطل القذائف والصواريخ، تبكي النساء، يرتفع الدخان من الطابق الثاني الذي سقطت عليه إحدى القذائف، أصوات الرجال تتعالى حيث يصعدون لإبعاد جرة الغاز من البيت الذي يحترق. ألمحُ ابن جارنا، الذي كان بالكاد عمره 17 عاماً، يلبس جعبته ويخرج إلى الشارع خلسة، يجلس والد الشاب عاجزاً لأنه يعلم أنّ ابنه سيعود إليه في الكفن، يمرّ شريط حياتي في لحظة سريعة، تمر أغنية عابرة في رأسي، تمرّ قصيدة لمظفر النواب بصوته، يختلط كل ذلك مع أصوات القصف المحيطة ومع صورة الأب البائس. أقرر، مثل أي سوري طيب، أنّي إن نجوت اليوم، سأقوم بتغييرات كثيرة في حياتي، منها الابتعاد عن الأغاني لأنّ ذاكرتي نشطة بما يخصها، وأني سأحاول الحفاظ على مبدأ صائب في حياتي وسأدافع عنه قدر المستطاع. يستشهد ابن جارنا بعد أيام في معركة خاسرة مع النظام، يشيعه أصدقاؤه بما يشبه العرس، يتقطع والده حزناً عليه ويقرر الهرب من سوريا تاركاً كل شيء وراءه، لكنه يُعتقل في طريق هروبه إثر مكيدة من أصدقائه، ليطلق سراح الأب المعتقل أخيراً بعد سنتين مع مرض في الكبد. يتعافى منه لاحقاً، بعد أن سافر بسلام خارج هذا البلد.

*****

مضت الآن أكثر من عشرة أيام على الحظر، أذان المغرب مجدداً، نحن الآن في وقت الحظر، وليس سوى بعض الموتورات والدوريات العسكرية في الطرقات. بعد انتهاء أذان المغرب مباشرة، نسمع صوت قرآن يصدح من المآذن، هرعنا مجدداً للشرفات، الشرفات مساحة تحركنا الوحيدة في الهواء الطلق في المساء، كحال كثيرين من أهل الأرض. نُصغي السمع قليلاً، صوت قرآن بالفعل، تسمعه معظم أحياء المدينة. نشعر بالرهبة، تتردد لنا ذكريات الزمن الماضي، حين كان ما كان. تكتب الصفحات المؤيدة للنظام أن صوت القرآن يصدح في المدينة على نية الخلاص والفرح القريب، والأمر بالتأكيد ما كان ليتم لولا موافقة النظام. أُسجّل صوت القرآن على هاتفي، ثم أمحوه، ثم أندم لمحوه، ثم أعيد تسجيله في اليوم التالي ولا أمحوه هذه المرة. الكهرباء مقطوعة، الشارع أسود، نلمح تحت بصيص الضوء القادم من «لدّات» البيوت عدّة عساكر يقفون في ظلمة الشارع، نتفاجأ لوجودهم فرادى، يتهامس البعض عن خشيتهم أن يقوم العساكر بسرقة المحال، لا سيما مع حصول حادثتي سرقة مؤخراً. يتبين لاحقاً أنّهم يقومون بدوريات راجلة في الشوارع لمراقبة التزام الناس بالحظر، يحملون بواريدهم، ويضربون التحية للسيارات المسرعة المفيمة، ثم في عتمة الليل ينساهم الجميع بعد أن اطمأنّوا أن وجود العساكر غير مرتبط بالسرقة (التعفيش في هذه الحالة)، وهم الذين أصبحوا موصومين بها، والوقائع  لهذه الوصمة شاهدة. يبقى موضوع السرقة حاضراً في أذهان السوريين جنباً إلى جنب مع بقية مآسيهم، وإن اختلفت سياقات السرقة أو مبرّراتها.

في العام 2016 كنا في الملجأ بانتظار أن يهدأ القصف، الملجأ كان عبارة عن قبو واسع انحشرنا جميعاً فيه بشكل مثير للرثاء؛ الرجال متكدسون على بابه، والنساء والأطفال متكدسون في ساحته الرطبة. انتهى القصف أخيراً، خرجنا عائدين إلى بيوتنا، وحين وصلتُ أمام بناء البيت وجدتُ جارنا ينتظر، وقد اعتاد أثناء القصف أن يبقى في بيته لحراسته. قال ورأسه في الأرض: «دخل بيتكم حرامي، وحاول أن يسرق البرغل والرز والعدس، وكان بصدد سرقة بطارية ‘اللدة’ عندما دخلتُ بيتكم و’كمشته’ متلبّساً وسلمته للهيئة الشرعية،  وهو الآن في السجن». الهيئة الشرعية كانت في حينها تحل مشاكل الحي على صعيد أفراده وعلى صعيد مصيره، وتتألف من بعض المشايخ، هذا بعض ما بقي في ذاكرتي عنها الآن. رجوتُ جارنا أن يخبر من يخصهم الأمر بأن يطلقوا سراح الرجل، وبأنه «مُسامَح» في الدنيا والآخرة، إذ لولا عوزه لما خاطر بحياته لاقتحام البيوت والسرقة، لكن جارنا لم يرفع رأسه، ومضى.

كانت أبواب البيوت بغالبها شبه مفتوحة بسبب ضغط القذائف والصواريخ والاسطوانات، وكان من السهل لأي سارق أن يدخلها، وهو الأمر الذي تكرَّرَ في بعض فترات القصف الشديد. الناس مختبئون في قبو ما، أو في بيوت يعتبرونها آمنة، أو حتى في جامع ما، القذائف والصواريخ والاسطوانات تنهمر، بينما هناك ذلك السارق الذي لا يعبأ بكل ذلك، واضعاً احتمال الموت والعطب وراء ظهره، ليدخل البيوت الفارغة ويسرق بطارية ‘لدّة’، أو كيساً من الطحين، أو كيساً من السكر، أو غير ذلك. علمتُ لاحقاً من جارنا أنهم أطلقوا سراح السارق الذي لم أعرف شيئاً عن مصيره بعدها، لكنّ جارنا الستيني، الذي يقطن هو وأسرته في إدلب الآن، ترك لي قبل يُهجَّرَ من الحي عام 2017، صندوقاً كرتونياً صغيراً فيه  بعض الأشياء التي استعارتها أسرته، وبجانبها رسالة مكتوبة بحروف مكسرة يستسمحني فيها لتأخرهم في إرجاعها.

ما زالت الرسالة بحوزتي إلى الآن.

*****

أيام الحظر تترك للمرء وقتاً طويلاً للتفكير والتذكر والتفكّر، من كان يحسب حساب الوباء؟ لكن ذلك لا يمنع أن تأخذ الحياة مسارها، وأن يتابع الناس حياتهم في بعض الأوقات وكأن شيئاً لم يكن. علّمتنا السنين الماضية ذلك، وما زال الأمر مستمراً إلى الآن، فالناس هنا لم يتوقفوا عن إقامة الأفراح والعزاءات ولو على صعيد ضيق ومحدود، ومع إجراءات سلامة تختلف بحسب تقدير الأشخاص أنفسهم، لا أكثر ولا أقل. وهكذا وجدتني مدعوّة لأحضر خطبة إحدى القريبات، ولم يكن من مناص للاعتذار. تحدَّدَ موعد الاحتفال من الثانية إلى الخامسة مساء، أي قبل بدء الحظر بساعة. كنتُ يوم الحفل في صالة بيت قريبتي محاطة بثلاثين امرأة وصبية، كثيرات منهن بدين وكأنهنّ ينتظرن هذه الفرصة منذ الأزل للتزين ونفض غبار الحظر عن أجسادهنّ. تحاشت النساء قدر الإمكان المصافحة وتبادل القبل، وما دون ذلك كان كل شيء على أكمله، العروس في ثوب باذخ، العريس في المُغترَب بطبيعة الحال، صالة البيت الفخمة المزينة، ومائدة الخطبة الممدودة التي لم تًخلُ من أنواع متعددة من الحلو العربي الذي يصل سعر الكيلو منه إلى عشرين ألف ليرة سورية. هذا النموذج، الفارِه نسبيّاً، من الاحتفالات لا يُعمّم على كثير من الناس هنا، لكنه موجود بطبيعة الحال. حين سمع أحد الرجال من الأقارب تفاصيل الاحتفال، ضرب كفّاً بكفّ وقال متجهماً: «النسوان بضلوا نسوان».

لم يكن الاحتفال سابق الذكر يشبه احتفالات الخطوبات والأعراس التي كانت تقام في حيّ الوعر، والتي لم تتوقف حتى في أسوأ أيام حصاره أو تعرضه للقصف، وتتضمن طقوساً لا تتكرر إلا في الأحياء التي عاشت وضعاً يشبه وضعه، ومنها ثوب العروس الذي قد تكون ارتدته عشرات العرائس قبلها، والذي يُنظّف ثمّ ينشّى ليعود أشبه بالجديد، وترتديه العروس الجديدة المحظوظة قبل أن يُعاد لصاحبته الأصلية التي ستُعيره بامتنان مجدداً لكل عروس تطلبه. وأيضاً ضيافة العرس المتواضعة، التي تتأمن بطرق لا تخطر على البال، ولو استدعى ذلك التعامل مع مخبرين/ات يستطيعون إدخال بعض الطعام عبر الحاجز ودفع مبالغ طائلة لعناصره. كذلك عراضة العريس الهدّارة، التي كانت طقساً يتجاوز احتفال النساء ذاته، وكأنها فرصة للنسيان، وللدّوس على تجبّر القهر الحاصل حينها، والتمسك بلحظة الفرح الحاضرة.

قيلت جملة شهيرة في تلك الفترة: «لا بدّ أن نتابع حياتنا ونتزوج وننجب الأطفال، لكي نعوّض فقدان الناس التي استشهدت أو اعتقلت أو تهجّرت»؛ كان ذلك استيحاءً فلسطينياً خالصاً.

*****

تمر أيّام الحظر بطيئة علينا، لكننا سرعان ما نجد أنفسنا في رمضان. أَنزل إلى الشارع فأرى الناس متكدسين فوق بعضهم في كل مكان، في محلات الأغذية والصيدليات وفسحات الشوارع المكتظة بالقمامة والأوساخ، ثم تمر أمامي لقطة بسيطة من رمضان الماضي، تتكرر بحرفيتها: محلات عصائر رمضان والناس المتدافعون لشرائها، بما فيهم عناصر الأمن والشرطة والجيش. والأمر ذاته ينسحب على التهافت لشراء معروك رمضان. في مقابل هذه التفاصيل الصغيرة، وبمسحٍ بسيط للوجوه، يرى المرء بجلاء كم أنّ سيماء الوجوه ساخطة، قلقة، ومثقلة. الكورونا آخر الهموم، وأولها ضيق ذات اليد، مقابل سعة الفقر وسطوته. حتى قنبلة «أبو الفقراء» رامي مخلوف، لم يلبث صداها أن خفت بالتدريج أمام قسوة الأمر الواقع وفجاجته. اختلاف بعض أفراد عائلة حاكمة عمرها عشرات السنين لن يغير تركيبة النظام، ولن يغيّر الذل المعاش، كثيرون يعرفون ذلك، وكثيرون أيضاً تسحقهم ضمناً فكرة الإذلال التي يعيشونها أضعافاً مضاعفة، وهو الأمر الذي يتبادلونه همساً في جلساتهم، الهمسات التي تتماهى في النهاية مع الجدران الباهتة وتذوي في صمتها.

أعود أدراجي إلى البيت، تستوقفني امرأة أربعينية ظننتها أول الأمر تسأل عن الطريق، لكنها تمدّ يداً سمراء متوسلة. النساء المتسولات منظرٌ يتكرر كثيراً هنا، وإظهار الجفاء لهنّ ديدنُ البعض في التعامل معهنّ. قسوة القلب تأتي مع الاعتياد. يغيب عن الذاكرة للوهلة الأولى مشهد أي امرأة متسولة رأيتها في حي الوعر، لكنّ مع جردٍ متمهل للذكريات، ينتفي ذلك.

على حاجز فرن الوعر الذي يفصل بين الحي المحاصر وبقية أحياء المدينة، كان الموظفون الحكوميون القاطنون في الحيّ يقفون في طابورين طويلين، أحدهما للذكور وآخر للإناث، بانتظار دخولهم إلى الحي بعد قيام عناصر الحاجز بإجراءات التفتيش والتفييش اليومي الدقيق لكل فرد منهم. حدث ذلك في أواخر العام 2015، حينها كان يحق للموظف إدخال 2 كيلوغرام من الخضار أو الفواكه فقط، وربطة خبز واحدة يتم عدّ أرغفتها من قبل عناصر الحاجز رغيفاً رغيفاً. لا دخان، لا قهوة، ولا أي نوع من اللحم، ولا حتى اللبن أو الحليب. وكان ما يمكن إدخاله أحياناً يُمنع تماماً في فترة أخرى، بحسب المفاوضات. وما أن يتجاوز الموظفون الداخلون إلى الحي الحاجز، حتى يجدوا أنفسهم أمام مشكلة أخرى، ها هم الآن أمام عشرات من الأطفال والنساء يقفون على مداخل الحي بانتظار الموظفين وأكياسهم، تأتي المرأة وهي ترتجف وتتوسل الموظف/ة لإعطائها حبة بندورة أو قطعة فاكهة، أو أي شيء كرمى لشخص مصاب أو امرأة حامل أو أحدٍ مريض ينتظرها في البيت، أو يتمسك طفل بساق الموظف/ة طلباً لأي شيء يمنّ به عليه. وأمام كل ذلك كانت تختلف ردود فعل الموظفين، كما كانت تختلف قصصهم بحسب ظروفهم التي دعتهم للبقاء في الحيّ، لكن الذي يذكره كثيرون منهم هو وابل الحجارة الذي كان يرميه بعض الأطفال، وحتى النساء أحياناً، عليهم وهم يشتمونهم لأنهم سيأكلون الخضار والفواكه بينما البقية محرومون.

*****

جاء العيد أخيراً، ورُفع الحظر الليلي في ثالث أيام العيد. الناس بمعظمهم يمارسون طقوس العيد كالمعتاد، قد يمتنع الحريصون منهم عن تبادل القبل، وما دون ذلك، فإن كثير من بيوت الناس عامرة بالضيوف والمعمول و«قراص» العيد، أما الشوارع فتغص بالعابرين.

أرسلُ معايدة لصديقتي التي كانت بدورها محاصرة في الوعر، وتقطن الآن مع زوجها في الشمال. تقول إن هذا العيد مرّ عليهم أفضل نسبيّاً من غيره، وإنها لولا شوقها لأهلها المقيمين في حمص لاكتملَ العيد بالنسبة لها. تصمت تلك الصديقة، ثم تقول إن عيد ميلاد أختها الصغيرة في حمص يصادف بعد يومين من عيد الفطر، وتودّ لو بالإمكان إيصال هدية منها لأختها الصغيرة كمفاجأة، ولا أظنّ أنّ أحداً لن يكون سعيداً بالقيام بهذه المهمة، حيث سيكون مرسال الشوق بين هنا وهناك، وبين الآن والأمس؛ وقد تمّ ذلك.

موقع الجمهورية

—————————

فلاسفة الغرب وأزمة كورونا: ما بين شيوعية جديدة أو سيطرة مطلقة للأنظمة الحاكمة/ محمد عبد الرحيم

 أتت جائحة كورونا لتكشف أزمة أكبر طالت الكثير، من قبل أن تتجسد في شكل فيروس أصبح يهدد العالم، واقتصاديات السوق وسيطرة الفئة القليلة على مقدرات وحيوات شعوب بأكملها، أصبح الوباء هو الوجه الأكثر تعبيراً عن انتهاج سياسات نهاية العالم ـ حسب فوكوياما ـ هنا استعراض لوجاهات نظر بعض من فلاسفة ومفكري الغرب. العرب حفظهم الله خارج السياق كعادتهم ينتظرون موتهم، حول الأزمة وتداعياتها الحالية والمستقبلية. ورغم اختلاف هذه الآراء، إلا أنها تكاد تُجمع على فشل النظام العالمي، وأنه سقط بالفعل، وما حدث كورونا إلا حدث مشابه في دلالته لسقوط جدار برلين، فالمسألة مسألة وقت ليس أكثر، وعلى المجتمع الإنساني محاولة البحث عن نظام بديل، أكثر إنسانية وعدلاً. هذه الآراء جاءت على شكل مقالات صحافية أو عبر اليوتيوب.

الشيوعية الجديدة

بداية يقول السلوفاكي سلافوي جيجك.. إن ما ينبغي أن نقلق بشأنه ليس الآلاف الذين ماتوا ـ والآلاف الذين سيموتون ـ ولكن حقيقة أن الأسواق تشعر بالتوتر، ألا يشير هذا كله بوضوح إلى الحاجة الملحة لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي بطريقة لا يبقى فيها تحت رحمة آليات السوق؟ نحن بالطبع لسنا بصدد الحديث عن شيوعية على الطراز القديم، وإنما عن شكل من أشكال التنظيم العالمي، يستطيع التحكم بالاقتصاد وإدارته، وبإمكانه كذلك تقييد سيادة الدول القومية في حال استلزم الأمر. فأزمة كورونا ستعطي معنى جديدا للمجتمع، وسوف تتسبب بشيوعية جديدة، وهي بعيدة كل البعد عن تلك الشيوعية التاريخية المعهودة. فلم يعد هناك مكان لأمريكا وشعاراتها، فهناك حاجة إلى نظام عالمي جديد، للصحة العامة ووكالات دولية وقادرة على العمل بإجراءات متفق عليها. وما انتشار الجائحة إلا فرصة مناسبة لخلق حالة من التضامن الجديد عالمياً ومحلياً. فالوباء «سيجبرنا في الوقت ذاته على إعادة اختراع جديد لشيوعية تعتمد على الثقة في الشعب وفي العلم». يدلل جيجك على حجته بمثال من المشهد الأخير من الفيلم الأمريكي «أقتل بيل» لتارانتينو، حيث تعمد بطلة الفيلم إلى التخلص من خصمها من خلال ما يُسمى بـ (تقنية النقاط الخمس المفجرة للقلب) وهي حركة قتالية ــ أسطورية ــ تتألف من خمس ضربات بأطراف أصابع المهاجم، موجهة إلى خمس نقاط ضغط مختلفة في جسد الهدف، الذي يخرّ صريعاً بعد أن ينفجر قلبه داخل جسده، ما إن يخطو خمس خطوات. وبعدها يمكث بيل في مكانه بهدوء، يكلم قاتلته في حوار تصالحي، ثم يخطو خمس خطوات ويموت. يقول جيجك «وباء الفيروس التاجي هو نوع من ممارسة (تقنية النقاط الخمس) على النظام الرأسمالي العالمي. علامة على أننا لا نستطيع المضي قدماً في الطريق نفسه، كما فعلنا حتى الآن، وعلى ضرورة تغيير جذري». ويضيف أن «مَن يعتبر نفسه شيوعياً اليوم هو ليبرالي يحمل شهادة جامعية، ليبرالي درس بجد وعمق أسباب التهديد الذي تتعرض له قيمنا التحررية، فصار يدرك أن التغيير الجذري هو وحده القادر على إنقاذنا».

وباء النيوليبرالية

وبصورة أكثر تحديداً وجه بعض الفلاسفة انتقاداتهم الحادة إلى الليبرالية الجديدة، فيرى الأمريكي نعوم تشومسكي، أن أزمة كورونا أثبتت فشل سياسات السوق، التي فاقمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وأن الجائحة ما هي إلا علامة تحذير تكشف عيوب النظام العالمي الذي نعيشه، والتحلل في النواحي الاجتماعية والاقتصادية. إذ أن ما عرقل جهود مواجهة هذا الوباء بعد كل هذه السنوات من التقدم هو (الطاعون النيوليبرالي)، خاصة أن المعلومات دائماً ما تكون متوفرة، ولكن الانتباه لها وسط هذا النظام لا يكون إلا إذا جاءت من خلفها منفعة. وعن الخيارات المتاحة لمواجهة ما يحدث، يرى تشومسكي أنها تتراوح ما بين شكل استبدادي تصبح فيه الدول أكثر وحشية، أو العودة إلى المصطلحات الإنسانية المعنية بالاحتياجات البشرية، وعدم تغليب الصوت الاقتصادي لمنفعة النيوليبرالية، بمعنى الاحتكام إلى عقلية الحركة الاجتماعية، من أجل التغلب ـ على المدى القصير ـ على أزمة شديدة تعبر عن فشل ذريع للنيوليبرالية، أزمة حتى إن انتهت، إلا أن العالم لن يصبح بعدها كما كان. وجهة النظر نفسها يؤكدها الفرنسي إدغار موران، الذي يرى أنه من الضروري اليوم التشجيع على خلق نوع من الوعي المشترك للتعاون بين سكان العالم، بناء على أسس إنسانية.

وقد أظهر الوباء أن الإنسانية تمثل قارة موحدة، وأن البشر مرتبطون ببعضهم بشكل عميق، إذ إننا في هذه اللحظات العصيبة من الوحدة والعزلة، أصبحنا أكثر وعياً بحاجتنا للآخر. من ناحية أخرى، فالانظمة الرأسمالية مستعدة للتضحية بالفئات الهشة والضعيفة ـ المسنين والمرضى ــ وهو أمر يتماشى تماماً مع منطق الانتقاء الطبيعي ونظرية داروين حول البقاء للأصلح، وفي هذه الأزمة تماماً، كما يحصل في اقتصاد السوق، فإن أولئك الذين لا يستطيعون المنافسة، يكون مصيرهم الفناء. ويعتبر موران أن تطبيق هذا المنطق على البشر يكشف عن قسوة الليبرالية الجديدة، لذلك فإن خلق مجتمع إنساني حقيقي يبدأ بالوقوف في وجه هذا الفكر النفعي بأي ثمن. وفي الأخير يرى موران جانباً مشرقاً، كشكل إيجابي للعولمة، تتمثل في انخراط الباحثين من كافة العالم في تعاون دولي للتغلب على الفيروس.

فزع دائم وسلطة مطلقة

ويرى الإيطالي جورجيو أغامبين، أن الكارثة لا تتمثل في مجرد وباء، لكنه ذريعة لزرع الخوف في نفوس البشر، بحيث يظل ظلاً دائماً للبشرية تستغله السلطات الحاكمة كذريعة للبقاء.

وهو بداية يتفق والكثير من آراء الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي يرى أن مبدأ المراقبة كان حاضراً في كل الأوقات، وفي كل الجهات، فعيون الرقيب لا تنام. وقد أصبحت الرقابة نظاماً اجتماعياً منظماً وعقلانياً، ينفق أدنى التكاليف، ويحصل على أكبر العائدات، فقد أصبحت السلطة تتحكم في كل فضاءات الأفراد، وهذا يستدعي تطوير تقنيات مراقبة خاصة بكل فضاء، وهو ما يعني أن المجتمع الرأسمالي الحديث قائم على المراقبة الشرسة وتطويع الأجساد لها.

فيرى أغامبين أنه «بمجرد استنفاد الإرهاب كمبرر لاتخاذ تدابير استثنائية، يمكن لاختراع وباء أن يقدم الذريعة المثالية، لتوسيع نطاق مثل هذه التدابير بما يتجاوز أي قيود، إضــــافة إلى حالة الخوف التي لازمت الوعي الفردي، والتي تترجم حاجة فعلية لحالات رعب جماعي، والتي مــــرّة أخرى يقـــدم لها الوبـــاء ذريعة مثالية، وعليه يتم قبول تقييد الحرية الذي تفرضه الحكومات باسم الرغبة في الأمان.. فمجتمــــع یعیش في حالة طــــوارئ مســــتمرة لا یمكنه أن یكون مجتمعاً حراً. فعلياً، نحن نعیش في مجتمع ضحّى بالحریة لصالح ما یُسمى بـ (الدواعي الأمنیة)، وبالنتیجة حكم على نفسه بالعیش في حالة دائمة من الخوف وعدم الأمان.

ويضيف «أن الذعر المحيط بالوباء واستغلاله لصالح السلطات، تبدو تبعاته أكثر فداحة من انتشار الفيروس. ولا يمر الكثير من الوقت، حتى تمنح البرلمانات رؤساء الوزراء، سلطات مطلقة وطارئة، ومن دون سقف زمني». أما العلم الآن ــ حسب أغامبين ــ فيشبه الأديان في قدرتها على إنتاج الأساطير والمخاوف وقت الأزمات، حيث نشهد حالياً وصفات علمية مختلفة ومواقف متباينة، تتراوح بين أقلية مهرطقة، تنكر خطورة الظاهرة، وخطاب أرثوذكسي سائد يؤكد خطورتها الحقيقية، ومع ذلك غالباً ما يختلف هؤلاء جذرياً في كيفية التعامل مع الأمر ومكافحة الجائحة، وفي جميع الأحوال يقف بعض الخبراء، أو مَن يخدمون مصالح السلطة التي تفرض تدابيرها الاحترازية، مع تيار يميل إلى وجهة النظر هذه أو تلك.

القدس العربي

——————————

في الأزمة كلنا إشتراكيون”.. كيف يرى سلافوي جيجيك أزمة كورونا؟

إسماعيل عرفة

تختلف الآراء حول الناقد السلوفيني سلافوي جيجيك بصفته واحدا من أبرز مفكري التيار اليساري في أوروبا القارية، لكن ما يتفق عليه الجميع هو أنه أحدث حالة جدلية في المشهد الثقافي، كما استطاع أن يصل إلى شرائح جديدة من الشباب في حديثه عن السينما والفن والفلسفة والسياسة والاقتصاد والدين ولم يقتصر على الأفكار المجردة والنظريات الأكاديمية فحسب.

وُلِد جيجيك طفلا وحيدا لعائلة بيروقراطية من الطبقة المتوسطة عام 1949م في ليوبليانا عاصمة سلوفينيا، وكان مهتما بقضايا الفكر والاجتماع، فنشر أول كتاب له في سن العشرين، وبسبب بعض التعثرات والمضايقات تأخر حصوله على درجة الدكتوراه في الفلسفة حتى عام 1981م. وقد تنوع عطاء جيجيك وخبراته في مجالات متعددة؛ فقد عمل باحثا ومؤلفا وتعمق في المسائل الفكرية والفلسفية، كما شارك مقاتلا في جيش يوغسلافيا فاكتوى بنار الحرب، بالإضافة إلى حبه الشخصي للأدب والسينما مما صنع بداخله حسا فنيا خاصا، صنع هذا المزيج شخصية ذات روافد ثقافية متنوعة أهّلته لأن يصبح من رواد الفكر اليساري في العالم حاليا.

ومنذ مطلع القرن العشرين تناول جيجيك الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية والتطورات الاقتصادية بحس يساري ناقد وبنفَس هجومي في أغلب الأحيان. ومع بوادر الوباء العالمي لفيروس “كوفيد-19” كتب سلافوي جيجيك مقالاته التي يُحلِّل خلالها الوضع الراهن ويطرح العديد من التساؤلات ويُقدِّم تحليلا نفسيا لسلوكياتنا تجاه الفيروس، ونشر هذه المقالات في كتاب بعنوان “الوباء: “كوفيد-19″ يهز العالم” (Pandemic!: Covid-19 Shakes the World). فكيف قدَّم جيجيك لنا صورة بانورامية تحليلية لكارثة تلتهم أرواحنا يوما وراء يوم؟

مَن نلوم؟

في بداية الكتاب يؤسِّس جيجيك لرؤيته تجاه وباء فيروس كورونا المستجد، ويُقرِّر بكل سلاسة أن أسوأ مخاوفه تجاه كورونا لا تكمن في فقدان السيطرة على الجماهير نظرا لانتشار الجوع مما يُنذر باندلاع تظاهرات عارمة في العالم، فهذا الأمر مستبعد في نظر جيجيك، وإنما ما يخشاه هو فرض قوانين قسرية وفرمانات استثنائية على الشعوب بحجة الحفاظ على حياتها وحماية مقدّراتها.

ويرى جيجيك أن النظام العالمي يُمهِّد لذلك بالفعل؛ فتارة يُصرِّح بأن 60%-70% من سكان العالم سيصابون بالفيروس، وتارة يقولون إن خطر الفيروس سيستمر لمدة عامين، وتارة يُعلنون أن هناك ملايين المواطنين سيموتون إذا لم يلتزموا بتعليمات الدولة. فيقول إنه نوع من التمهيد لتمرير قرارات سلطوية منقطعة النظير. ومن أجل امتصاص قلق الناس فإن الخطابات الرسمية، وفقا لجيجيك، تُلقي المسؤولية على الناس وعلى الاختيار الفردي ولا تُسائل إجراءات الدولة أو تُراجع مؤشرات نجاحها وفشلها. ويستذكر جيجك أن هذا الخطاب نفسه تستخدمه بعض الحركات والخطابات البيئية حينما تُلقي اللوم على الأفراد؛ فهم لا يتخلصون من قمامتهم بشكل سليم، ولا يتصرفون بشكل صديق للبيئة في حياتهم اليومية.

ويرى جيجيك “أن هذا التضخيم المبالغ فيه للدور الفردي، وإن كان فيه جزء من الحقيقة، ولكنه يتحول إلى أيديولوجية بمجرد تشويشه على الأسئلة الكبرى المتعلقة بتغيير النظام السياسي والاجتماعي”. وهذه المراوغة السلطوية تدفع جيجيك إلى طرح سؤال: “ماذا لو أن الأنظمة تعمل لاستغلال أزمة كورونا لفرض أشكال جديدة من السلطة؟”.

كتاب “الوباء: “كوفيد-19″ يهز العالم” لسلافوي جيجيك

حالة استثناء وتمدد السلطة

إذا انتقلنا من جيجيك إلى المفكر الأميركي ناعوم تشومسكي في آخر لقاء له، فسنرى أن الأخير اعتبر أن الإجراءات الاستثنائية التي تُطبِّقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام الجيش في تطبيق إجراءات العزل، كما حدث أو يحدث في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى عديدة “قد تتسبّب بتدهور الديمقراطية والنزوع إلى الاستبداد في كثير من مناطق العالم”[1].

ولا يذهب جيجيك أبعد كثيرا مما ذهب إليه تشومسكي، فقد اتجهت الدول بالفعل لتعزيز سطوتها على الشعوب وتمديد نطاق سلطتها ومراقبتها للمواطنين كما فعلت كوريا الجنوبية، أو فرضت قوانين استثنائية مثل الذي فرضه بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، من تأميم لقطاع السكك الحديدية كافة، من أجل إدارة الأزمة. هذه هي نظرة جيجيك إلى الأزمة، إنها فرصة ذهبية للدول لفرض حالة استثناء، فما كان من قبل مستحيلا صار الآن ممكنا. ويتوقّع جيجيك أنه في بعض دول العالم سوف تُسيطر المجموعات الميليشية المسلحة على الأوضاع إذا استمر حظر التجول وتعطل الأعمال وانطلاق شرارة ثورات الجوع والفقر. لكن الأنظمة لن تسمح بهذا، وستحاول بشتى الطرق التضحية بأرواح الناس من أجل الحفاظ على بقائها.

ويضرب جيجيك مثالا على استباق الأنظمة لقمع الاحتجاجات في إطار التمدد السلطوي المخيف الذي أتاحته الأزمة، مشيرا إلى ما أصدره فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري اليميني، في 30 مارس/آذار 2020م، حين أصدر مرسوما يلغي الانتخابات ويُمدِّد فترة حكمه إلى أجل غير مسمى، وهو الأمر الذي يرى جيجيك أنه قد يتكرر بصور مختلفة في الدول الديمقراطية مما يعتبر تهديدا لمفهوم الليبرالية من جذره.

هذا التوحش المتوقَّع لسلطة الدولة يرفضه جيجيك، ويرفض النداءات المطالبة بالاستماع إلى أوامر الدولة وتنحية الخلافات السياسية كافة جانبا، فهذا النوع من الاتباع الأعمى لن يُنتِج سوى خسران الأرواح لصالح النظام الرأسمالي. وعوضا عن الاستسلام والانقياد المطلق وراء الأنظمة السياسية يُطالبنا جيجيك بالتفكير بعقلية ناقدة لسياسات تلك الأنظمة حتى لا نقع فريسة لتوغل الأنظمة الاستبدادية على حساب حرياتنا وخصوصيتنا.

الخطاب الشعبوي المخادع لترامب والمحافظين

الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”

يُشير جيجيك إلى أن خطاب الأنظمة اليمينية دائما ما يُلقي اللوم على المواطنين بصفتهم المسؤولين الرئيسيين عن انتقال العدوى لهم، ويعتبرهم مصدر الكارثة الأساسي لعدم التزامهم بارتداء الكمامة أو غسل الأيدي. وهذا -وإن كان صحيحا بشكل جزئي- يُهمل الدور الأساسي للدولة التي شرخت جدار الثقة بين شعبها وبين قراراتها، حتى صار الجميع يعرف أن الأنظمة فقدت السيطرة على الوضع بسبب سياستها وخطاباتها.

يُشبِّه جيجيك تعامل ترامب والمحافظين مع الوباء بتعامل الولايات المتحدة مع العراق، فعندما شعرت الولايات المتحدة بتهديد الراديكاليين في العراق احتلّت العراق كي تردعهم، فلم تفعل شيئا إلا أن عزّزت من قوة هذا التهديد بدلا من أن تقضي عليه. وبالمثل، يدعو جيجيك إلى عدم تهويل الأزمة حتى لا نتجنّب المشكلة بخلق مشكلة أخرى، ويقول: “إننا إذا تجاهلنا الفيروس فإننا لن نخلق أزمة كبيرة مقارنة بالخسائر الناتجة عن إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي إذا ما طبّقناها، الأمر الذي يخلق أزمة اقتصادية هائلة وزيادة متضاعفة في معدلات الفقر والمرض لا تساوي شيئا بجانب عدد الوفيات المتوقعة بسبب الفيروس”.

لذلك تؤكد الباحثة السلوفينية ألينكا زوبانجيك أن نداء ترامب “ارجعوا للعمل” يخاطب العمال وأبناء الطبقات الدنيا الذين لا يجدون قوت يومهم ولا يتحمّلون تكلفة حظر التجول ويحتاجون إلى رواتبهم بشدة. ويبدو ترامب هنا -وفقا لزوبانجيك- حريصا على حياتهم الاقتصادية رغم أن سياساته الرأسمالية المتوحشة -لا سيما في قطاع الصحة- هي التي أودت بهم إلى الفقر وقلة ذات اليد ابتداء.

كيف تعاملنا مع بداية الأزمة؟

يرى جيجيك أن النظر لأزمة كورونا المستجد لا ينبغي حصرها داخل المجال البيولوجي فحسب، وإنما يجب علينا أن نأخذ جوانب إنسانية عدة في الاعتبار، مثل ظاهرة العولمة وعادات الطعام وشبكات التجارة الدولية وميكانزمات الخوف والهلع البشرية، في سبيل فهم انتشار الفيروس وتقييم سلوكياتنا تجاهه بشكل أعمق. وفي هذا الإطار ينقد جيجيك نظرة الإعلام الأميركي والعالمي للمرض باعتباره عدوا يسعى إلى محاربة الإنسان، فوفقا لجيجيك فإن الفيروس “لا يمتلك وعيا حتى يقال إنه يتحرك بدافع القضاء على البشر، وإنما هو يتكاثر بشكل أوتوماتيكي أعمى لا أكثر”. لكن هل يعني ذلك أن نتجاهل خطر الفيروس بما أنه غير موجّه ضدنا عن قصد؟

يرى جيجيك أن العكس هو الصحيح، ويؤكد أننا قمنا بعملية “استبعاد نفسي” لأزمة الفيروس قبل قدومها، تماما كما نعيش حالة من الإنكار في بداية تلقّينا لأي أخبار صادمة من أجل إيهام أنفسنا أن الخطر بعيد عنا. فرغم التحذيرات التي أطلقها متخصصون وعلماء بخطورة التحويرات التي ستحدث لفيروس سارس (كوفيد-2) منذ 2003م، فإن الساسة في الدول الكبرى لم يستجيبوا لهذه التحذيرات، ببساطة “لأننا لم نُصدِّق أنها كانت من الممكن أن تحدث، فلم نأخذها على محمل الجد بما يكفي”. ولذلك يصف جيجيك حال الشعوب عند بداية تلقّيها أخبار كورونا قائلا: “إن أول رد فعل لنا تجاه الفيروس هو أننا اعتبرناه كابوسا لا يلبث أن نستيقظ منه سريعا. لكن جميعنا الآن يعرف أن هذا لن يحدث، يجب علينا أن نتعايش في عالم فيروسي، فطريقة معيشتنا سيُعاد بناؤها بشكل مؤلم”.

ما العمل؟!

عند حديثه عما ينبغي للبشر أن يفعلوه من أجل مقاومة الفيروس، يرفض جيجيك بطبيعة فكره المادي اللجوء للروحانيات، ولا يعتبر نفسه مؤيدا للأطروحات الدينية حول الفيروس، لكنه يحرص في الوقت ذاته على تشجيع كل ما يحافظ على سواء الناس وهدوئهم حتى لو كان مخالفا لاعتقاداته الشخصية، فيقول: “كل ما يُجدي نفعا في تجنُّب انهيارك العصبي هو مسموح الآن: الدين والروحانيات والسلوكيات الصغيرة، وحتى الحيل النفسية والإنكار مثل أن تقول: أنا أعلم أن الوضع خطير لكني لن أصاب بالفيروس… كل هذا مطلوب حاليا من أجل الحفاظ على صحتنا النفسية”.

ويدعو جيجيك في كتابه إلى تطبيق الشيوعية كنظام حكم، ويستدرك ليوضح للقارئ مقصده بالشيوعية، فيقول إن الدولة ينبغي لها “أن تُنظِّم سوق المستلزمات الطبية بشكل كامل من حيث الإنتاج والتوزيع لضمان صحة جميع المواطنين، لا سيما المتضررين في قطاعات السياحة واللاجئين وكبار السن، وعدم تركهم فريسة لميكانزمات السوق”. وكما هو متوقع هاجم كثيرٌ من النقاد والمفكرين دعوةَ جيجيك إلى الشيوعية، باعتبارها دعوة إلى الاستبداد وإلى استرجاع نظام بائد قائم على حكم الحديد والنار، فهل الشيوعية بالنسبة لجيجيك تعني بالفعل تطبيق ما فعله الاتحاد السوفيتي من قبل؟

“في الأزمة كلنا اشتراكيون”

من خلال تأمُّل جيجيك فيما حدث في أميركا، حيث نظر ترامب في تأميم بعض مساحات القطاع الخاص وفرض على الشركات إنتاج حصص معينة من سلعها ترشيدا لعملتَيْ الإنتاج والاستهلاك، وفيما حدث في بريطانيا من تأميم مؤقت للسكك الحديد، يدعو جيجيك إلى هذا النوع من الاشتراكية/الشيوعية، ويتساءل: “هل كان بإمكاننا تصوُّر هذه الأمور قبل الوباء؟ إنها ضرورة الحرب التي تكشف لنا أن الشيوعية هي السبيل الوحيد لنجاة البشرية”.

السكك الحديدية في بريطانيا بعد تفشي فيروس كورونا

وفي الوقت نفسه الذي يُحفِّز جيجيك فيه القطاع المدني والمجتمعات المحلية على تقوية أركانها من أجل رعاية المحتاجين والضعفاء، فإنه لا يدافع عن تفكيك جهاز الدولة البيروقراطي البتة، ويُصرِّح قائلا: “هذا ما أسميه بالشيوعية، وهذا النوع من الإجراءات هو ما يحدث في بعض الدول مثل بريطانيا، لكني لا أدعو إلى محو الدول أو إزالة وجودها، حينذاك ستندلع الحروب فورا”.

ويرفض جيجيك انصهار الجميع تحت جهاز الدولة، لأن هذا سيُشكِّل نوعا من الديكتاتورية العمياء، ولكنه عوضا عن ذلك يُطالب بتعزيز الفاعلية السياسية للناشطين والحقوقيين والمراقبين والهيئات الرقابية والبحثية من أجل تجاوز الأزمة بأقل الخسائر الممكنة. ويختم جيجيك كتابه برؤيته للوضع؛ فهو يُلقي بنظرة استشرافية للمستقبل وينقلها لنا: عالم ما بعد كورونا هو عالم رأسمالي أكثر توحشا؛ النظام سيضحي بكبار السن والمسنين والضعفاء وسيتركهم ليموتوا في مقابل تشغيل عملية الاقتصاد، والعمال سيضطرون إلى قبول أوضاع أقل إنسانية لمعيشتهم، وآليات المراقبة والسلطة سوف تتمدّد. نعم، لن تخرج الرأسمالية منتصرة من الفيروس، لكنها لن تخرج منهزمة كذلك.

نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن

المفكر الاميركي التسعيني في عزلته… يندد بتأخر رد فعل الدول حيال الوباء وباستبداد شركات الادوية

سامية عيسى

تحدث نعوم تشومسكي المفكر وعالم الألسنية عما ينتظر البشرية أثناء وما بعد “الكورونا” في إطلالة استثنائية ضمن حلقة خاصة في DiEM25 TV وحذر من السباق إلى حافة الكارثة المرعبة التي يجري إليها العالم، والمضاعفات الاقتصادية والاجتماعية التي يتسبب بها الوباء على مستوى البشرية بأكملها. وما يتهدد البشر من خطرين وجوديين وشيكين، أولهما تزايد تهديدات الحرب النووية، وثانيها تزايد مخاطر الاحتباس الحراري الذي سيتسبب بكوارث بيئية على مستوى الكوكب.

تشومسكي الذي يعيش في عزلة ذاتية في منزله في توكسن بولاية أريزونا، شأنه شأن ملياري إنسان على الأقل، للاحتماء من عدوى “فيروس كورونا” والذي يبلغ الواحد والتسعين عاماً وينتمي إلى أكثر الفئات العمرية التي يتهددها الوباء الفتاك، لديه اليوم الوقت الكامل للتفكر والتأمل بما يحدث أو سيحدث مع هذه الجائحة التي أدت إلى إجراءات العزل المنزلي فضلاً عن الحجر الصحي ومنع التجول، ونزول الجيوش إلى الشوارع في العديد من بلدان العالم، وإغلاق الحدود بين مدن البلد الواحد وبين الكثير من دول العالم في أكثر عملية عزل قسري وحصار طوعي على مر التاريخ.

ولد تشومسكي عام 1928 نهاية الحرب العالمي الأولى وعايش الكثير من الأحداث التاريخية. ونجا من الحرب العالمية الثانية، كتب أول مقالة له في العاشرة من عمره عن الحرب الأهلية الإسبانية بعد سقوط برشلونة عام 1938، وتحدث فيها بشكل خاص حول ما يشهده الناس من انتشار لا يرحم ل”الطاعون الفاشي” في جميع أنحاء أوروبا محللاً إلى أين سيفضي هذا الوباء. يقول في معرض حديثه عن هذه المقالة: “اكتشفت لاحقاً، بعدما تم تحرير الوثائق الداخلية أن محلل حكومة الولايات المتحدة في ذلك الوقت توقع أن تنتهي الحرب بانقسام العالم إلى الهواء الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والمناطق التي تسيطر عليها، ومنطقة أخرى تسيطر عليها ألمانيا في أوروبا. وتبين لي أن مخاوف طفولتي كانت في محلها”.

ويضيف:”هذه الذكريات تعود إلي الآن. أتذكر خطابات هتلر في الراديو، لم أستطع فهم الكلمات حينها، لكن كان من السهولة أن أفهم المزاج العام وأشعر بالتهديد الذي تحمله صدى الكلمات. وهنا يجب أن أقول إنني أشعر بالشيء ذاته عندما أستمع إلى خطابات ترمب اليوم، التي يتردد صداها في نفسي. ليس الأمر أنني أشعر بأنه فاشي، فهو ليس كذلك، فالفاشية لديها الكثير من الإيديولوجيا، لكني أرى فيه مجرد “معتل اجتماعي” مهرج لا يهتم سوى بنفسه، لكن المزاج والمخاوف التي تثيرها كلماته متشابهة مع أيام طفولتي. وفكرة أن مصير البلاد والعالم في أيدي مهرج ومعتل اجتماعي مثل دونالد ترمب هو شيء مروع.

حافة الكارثة

إن فيروس كورونا التاجي خطير بما فيه الكفاية، لكن من الجدير بالذكر أننا نقترب من الرعب الأعظم، وهو السباق إلى حافة الكارثة، وهو حدث أسوأ بكثير من أي شيء حدث للإنسان عبر التاريخ. ترمب وأتباعه هم في صدارة هذا السباق نحو الهاوية. الهاوية التي تتمثل في الواقع بتهديدين هائلين وجوديين. الأول، التهديد المتزايد لاندلاع حرب نووية، والآخر، هو التهديد المتزايد للاحتباس الحراري. يمكن التعامل مع التهديدين لكن لا يوجد الكثير من الوقت لتداركهما. الفيروس التاجي “كورونا” يمكن أن تكون له عواقب مرعبة. لا يمكن بعدها العودة إلى الوراء، حتى لو تم التعافي وحدث الانتعاش. هكذا تأتي ذكريات الطفولة لتعود وتطاردني، ولكن ببعد مختلف”.

ويقول تشومسكي أنّ منذ انتخاب ترمب، يمكن رؤية ثلاثة أشياء: تهديد الحرب النووية، وتهديد الاحتباس الحراري، وتدهور الديمقراطية. ومع أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للتغلب على الأزمة إذا سعى الجمهور إلى السيطرة على مصيره، وإذا لم يحدث ذلك، وتركنا مصيرنا لهذا “المعتل الاجتماعي” سننتهي. هذا الخطر يقترب، وترمب هو الأسوأ بسبب قوة الولايات المتحدة الساحقة التي يترأسها. فهي الدولة الوحيدة القادرة على فرض عقوبات مدمرة والقتل وعلى الجميع أن يتبعوها. حتى أوروبا. قد لا تحب أوروبا في الواقع أعمال الكراهية وفرض العقوبات ضد إيران، لكن عليهم أن يتبعوا “المعلم”، ومن لا يمتثل له يطرد من النظام الدولي المالي والاقتصادي. هذا ليس قانون الطبيعة. بل هو قرار أوروبا أن تبقى تابعة ل”المعلم السيد” في واشنطن. هي وبلدان أخرى كثيرة. ليس لديها خيار حتى.

وبالعودة إلى فيروس كورونا التاجي يرى تشومسكي  أنه أحد أشد الصدمات العصر. ومن الجوانب القاسية لأزمة كورونا مواصلة استخدام العقوبات لزيادة الألم بوعي تام، ولجعل المعاناة أشد مرارة.

كوبا تساعد أوروبا

ويرى أن “بلاداً مثل كوبا تعاني من العقوبات، منذ اللحظة التي اكتسبت فيها الاستقلال، من المذهل أنها نجت واستطاع الكوبيون البقاء أحياء. لكن واحداً من أكثر الأمور سخرية الآن هو أن كوبا عرضت المساعدة على أوروبا. هذا شيء صادم ومثير للدهشة. ففي حين أن ألمانيا تتمنع عن مساعدة اليونان، نجد كوبا تقدم المساعدة إلى أوروبا في محنتها لمواجهة الفيروس التاجي كورونا.

إذا توقفت عن التفكير ماذا يعني ذلك؟ لا توجد كلمات تصف ذلك. كما لا توجد كلمات تصف ما يحدث في الشرق الأوسط، حين ترى آلاف الأشخاص فارين من مناطق مدمرة، ويتم إرسالهم إلى الموت، عقوداً وراء عقود. الأزمة أزمة حضارية. الغرب في هذه المرحلة مدمر. تعيدني هذه الأحداث إلى ذكريات الطفولة والاستماع إلى هتلر عبر الراديو وهو يهتف في الحشود الصاخبة…”.

وفي نظر تشومسكي أن الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام الجيش في تطبيق إجراءات العزل، كما حدث أو يحدث في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى عديدة قد تتسبب بتدهور الديمقراطية والنزوع إلى الاستبداد في كثير من مناطق العالم، يضاف إليها انهيار الأسواق والنظام الاقتصادي العالمي، واستخدام ترمب خطاب “الحرب” وماكرون أيضاً والعديد من السياسيين الأوروبيين والدول والتحدث عن الأطباء بوصفهم جنود الجبهة الأمامية بمواجهة “العدو” غير المرئي “الفيروس”. الخطاب ذاته يجري استخدامه في وسائل الإعلام كافة حول العالم، مما يطرح تساؤلاً عن أثر هذا الخطاب في فرض حالة من الاستبداد: هل يرى تشومسكي أن تقديم “الفيروس” كعدو هو فقط لإضفاء الشرعية على “حالة الاستثناء الجديدة” أم ثمة ما هو أعمق في هذا الخطاب؟

تعبئة حربية

يعتبر تشومسكي “أن التعامل مع أزمة الفيروس يتطلب التحرك بما يشبه التعبئة العامة في زمن الحرب. وهذا أمر غير مبالغ فيه. ففي بلد غني كالولايات المتحدة لديه الموارد للتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الفورية التي يتسبب بها التعامل مع الفيروس، كما حدث في الحرب العالمية الثانية حين أعلنت الولايات المتحدة التعبئة العامة وقادت البلاد إلى دين كبير وأكبر مما هو متصور اليوم، لكنها كانت تعبئة ناجحة للغاية، عملياً تضاعف حينها التصنيع أربع مرات وتم إنهاض الكساد واستعادت البلاد القدرة على النمو.

اليوم نحتاج إلى أقل من ذلك للتعامل مع الوباء، نحتاج إلى عقلية الحركة الاجتماعية. عقلية الحركة الاجتماعية من أجل التغلب – وعلى المدى القصير- على أزمة شديدة تعّبر عن فشل ذريع للنيوليبرالية، واقتصاد السوق لا يكف عن التزايد. ويمكن هنا أن نتذكر كيف تم التعامل مع إنفلونزا الخنازير عام 2009، وتعافى مئات الآلاف من الناس من الأسوأ، وتم إيجاد لقاح للقضاء على الوباء حين تحركنا بسرعة”.

ويضيف: “هذا لم يحدث اليوم، على الرغم من توفر المعلومات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019، عن أعراض وباء فتاك غير معروف مسبباته، والتي قدمتها الصين إلى منظمة الصحة العالمية حين تفشى الوباء في “ووهان” وتم تعميمها في العالم أجمع. كان تحرك ترمب وقادة أوروبا بطيئاً وغير مسؤول. ذلك لحسابات تجارية واقتصادية للنيوليبرالية التي تحكم العالم خشية الخسائر التي سيتسبب بها العزل الاجتماعي، وإغلاق المؤسسات والشركات وتعطيل الحياة العامة ولمنفعة هؤلاء الأثرياء. وبسبب عقلية اقتصاد السوق، فضلت شركات الأدوية تصنيع كريمات البشرة على إيجاد لقاح أو علاجات للأوبئة المحتملة لأنها أكثر ربحاً. هم كانوا يعرفون منذ تفشي فيروس السارس بوباء كورونا المحتمل. فقد تم القيام بأبحاث منذ فيروس السارس وتم تحديد التسلسل الجيني لسلالة سارس والتي ينتمي إليها فيروس كورونا كتطور جيني محتمل للسلالة تم التأكد منه. ماذا حدث؟ لم تعمد الحكومات وشركات الأدوية العملاقة على الانكباب لتصنيع العلاجات أو اللقاحات لحماية الناس”.

شركات الادوية

“حين سلمنا مصيرنا للاستبداد الخاص لشركات الأدوية التي لا تخضع لمساءلة الجمهور، يقول تشومسكي، ولمصلحة نفعية للنيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم باقتصاد السوق وفلسفة العرض والطلب على مستوى العالم وليس في الولايات المتحدة فقط، حيث الطاعون الجديد المتمثل في النيوليبرالية يقودنا إلى الهلاك. لقد تمت خيانتنا من النظم السياسية التي تتحكم بها النيوليبرالية ويديرها الأغنياء ولا خيار لنا سوى “الخروج من الطاعون النيوليبرالي” للتعامل مع الأخطار المقبلة التي تلوح في الأفق في العالم. فالهند مثلاً حيث يقبع أكثر من مليار في العزلة الاجتماعية، ماذا سيحدث للذين يعيشون كل يوم بيومه “من اليد إلى الفم”؟ سيتضورون جوعاً ويموت المعزول وحيداً”.

ويضيف:”ماذا عن الاحتباس الحراري في جنوب آسيا، حين تواصل حرارة المناخ بالارتفاع،  ومع ازدياد مخاطر الجفاف وشح المياه ونشوء نزاعات متعددة في العالم حول المياه، هناك بلدان مثل جنوب آسيا قد تصبح مناطق غير قابلة للعيش لعقود”.

وإذ يتساءل حول مصير البشرية بعد كورونا، يعتبر تشومسكي أن الفيروس التاجي حمل معه أشياء إيجابية هي إشارات تحذيرية لنا من الخطر الداهم الذي يلوح في المستقبل القريب ليحثنا على التحرك والاستعداد. بخاصة أن الديمقراطية في خطر بسبب حالة الاستثناء التي يتحكم فيها “قلة قليلة هم أسياد النيوليبرالية”. وسيواصلون التحكم برأيه إن لم تتم الإجابة عن سؤال وجودي يطرحه تشومسكي بإلحاح الآن تحت السحابة السوداء لهذه الأزمة وهو: أي عالم نريد أن نعيش فيه؟

يرى تشومسكي “أن أمامنا خيارات عديدة تتراوح “بين تركيب استبدادي للغاية” في العالم تتحول فيه الدول إلى أكثر وحشية، أو خيار الراديكالية وإعادة إعمار المجتمع، أو خيارات أخرى كالعودة إلى المصطلحات الإنسانية المعنية بالاحتياجات البشرية وعدم تغليب الصوت الاقتصادي لمنفعة النيوليبرالية، التي سيسعدها التضخم الهائل لعنف الدولة الذي بدأت ربما تجلياته تظهر تحت ذريعة التعامل مع أزمة فيروس كورونا، لا سيما إن طالت الأزمة.

“إن الاستماع إلى ما سمّوه “الصوت الاقتصادي لليبرالية الجديدة في عشرينيات القرن الماضي، يقول تشومسكي، أسعد الفاشية البدائية في فيينا وقامت الدولة النمساوية بتحطيم النقابات العمالية وحطمت الديمقراطية. وهو ما حدث في تشيلي على يد بينوشيه الذي قام بتركيب قاتل لديكتاتورية وحشية بحجة حماية الاقتصاد”. لذا من المتوقع- باعتقاده – أن يتصرف النظام النيوليبرالي العالمي بهمجية مفرطة عبر دول قوية عنيفة استبدادية.

كابوس رهيب

أزمة كورونا، باعتقاد تشومسكي، هي مجرد جزء واحد من كابوس رهيب مقبل، وإن لم يشرع الناس على الفور في تنظيم أنفسهم ويتضامنوا في ما بينهم لتحقيق عالم أفضل بكثير من العالم الذي يعيشون فيه، فهم سيواجهون مصاعب هائلة لطالما أعاقت طريق الحق والعدالة، كما الاستعداد للتعامل مع الخطرين الوجوديين للحرب النووية والتغيرات المناخية والكوارث التي سيتسبب بها الاحتباس الحراري، والتي “لن نتعافى منها ما لم نكن حازمين في مواجهتها حين نصل إلى تلك المرحلة، وهي باتت وشيكة الحدوث”.

يشدد تشومسكي على لحظة تاريخية حاسمة للإنسان. ليس فقط بسبب فيروس كورونا بل لأن الفيروس يحضرنا للوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها البشرية. “فالعالم معيب وليس قوياً بما فيه الكفاية للتخلص من الخصائص العميقة المختلة في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي كله، واستبداله بنظام عالمي إنساني كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء”.

ويعتقد تشومسكي أن فيروس كورونا “علامة تحذير ودرس للبشرية، وعلينا أن نبحث في الجذور التي تؤدي إلى الأزمات، التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم، والتحضير لكيفية “التعامل معها ومنعها من الانفجار”!

ويسأل تشومسكي: “في الوقت الذي تزداد فيه المسافة الاجتماعية في إجراءات العزل المنزلي والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي بين ملايين البشر في البلد الواحد، أو بين مليارات الأشخاص عبر العالم، كيف يمكن الحديث عن خلق حركة اجتماعية نشطة لتواجه ما نعيشه اليوم أو ما هو مقبل وقريب جداً من تهديدات وجودية؟ قد يبدو هذا الحديث غير واقعي، وقد يتصور البعض أن عصر الإنترنت كفيل بتسهيل الأمور، بل قد يرى أن العزلة الاجتماعية بدأت قبل كورونا بكثير وقد تسبب بها الاستخدام المفرط للهواتف الذكية المرتبطة بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وكل تكنولوجيا المعلومات لا سيما بين أوساط الشباب، لكنها قد تكون هي المخرج والوسيلة إذا أحسن استخدامها لتنظيم الصفوف والتضامن الاجتماعي لخلق حركة اجتماعية واسعة النطاق، إن تمكن الناس من استخدام هذه التقنيات استخداماً جيداً في زمن العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي، للانضمام والاستقطاب والتعاون والتنسيق والتشاور المتعمد، على الرغم من العوائق التي سيتسبب بها توقف الإنترنت لفترة من الوقت.

لكن تشومسكي يؤمن أن الناس سيجدون طريقهم وسيعثرون على وسائل أخرى للاستمرار وتوسيع الأنشطة وتعميقها وترميم انكساراتها ولملمة جروحها، ليبنوا عالماً جديداً قابلاً للعيش فيه. يكفي أن نمتلك الإرادة والعزم والتصميم! يكفي ألا نفقد الأمل”.

——————————–

========================

========================

تحديث 13 حزيران 2020


كورونا: لماذا باتت الصحافة النِسوية حاجة مُلحّة؟/ إسراء صالح
استجابةً للأزمة الحالية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا المستجد، وكجزء من المسؤولية المهنية والمجتمعية، وباعتباري صحفية وناشطة نِسوية، قمتُ بتحرير قصة صحفية حول تأثير الأزمة على النساء في سوق العمل والمشاركة الاقتصادية لهنّ في ظل الجائحة، وتقدّمتُ بها إلى إحدى المنصات الإلكترونية لنشرها كجزء من تغطيتي الصحفية لمنظور النوع الاجتماعي خلال الأزمة، لكن فوجئتُ برفض النشر من الشخص المسؤول لأن القصة «تركز على أوضاع النساء في ظل أزمة عامة طالت كلاً من الرجال والنساء».
ومع تكرار التساؤل، من جهات متعددة وأفراد مختلفين، عن أسباب التركيز على أوضاع النساء في ظل الأزمة الحالية، قررتُ الكتابة في هذا المقال عن أهمية دور البعد الجندري في تغطية الأزمة الحالية، والحاجة الماسة لتشجيع انتشار الصحافة النِسوية وتقديم سبل الدعم المختلفة لها.
غالباً ما تبرز في أوقات الأزمات أصوات نسائية مدافعة عن الحق في الحياة الآمنة والكريمة وعدم التمييز، رغم المحاولات العديدة لإسكات وكتم تلك الأصوات من أجل إعلاء صوت الأزمة، وتفنيد الأولويات التي ليست النساء بالضرورة جزءاً منها، في مجتمعات جعلت دوماً من النساء وقوداً لمعاركها على مر الزمان.
لذلك، فإن التأثيرات الحقيقية للحركات النسوية تتجلى في الأزمات، لأنها تأتي كاشفة لحجم التمييز والعنف الذي تتعرض له النساء على كافة الأصعدة، مثل ما نعيشه اليوم في مواجهة الوباء العالمي المتعلّق بتفشي مرض كوفيد-19، الذي اجتاح العالم لتجد النساء أنفسهنَّ يدفعنَ أثماناً إضافية بفضل البنى المجتمعية الأبوية، التي فرضت عليهنَّ أدواراً نمطية وضعتهنَّ في الصفوف الأمامية للمخاطر، وجعلتهنَّ الفئة الأكثر هشاشة في مواجهة الجائحة.
بحسب منظمة الصحة العالمية، تظهر الفروق المتعلقة بالنوع الاجتماعي في الأزمات، ومنها الأوبئة، وفق عدة محاور رئيسية تتعلق بالوقت المستغرق بعيداً عن المنزل، ومسؤولية رعاية المرضى، وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية، بالإضافة إلى المعرفة العلمية حول العلاج، مما يستدعي تسليط ضوءٍ على البعد الخاص بالنوع الاجتماعي. وهنا يتبلور دور الصحافة النِسوية، التي لا تعمل فقط على رفع الوعي بالبعد النِسوي وتثبت حضوره في كافة القضايا الإنسانية، بل يمكنها أيضاً أن تقدم حلولاً قصيرةَ وطويلةَ المدى لمشاكل النساء في المجتمع، كالضغط على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتوفير خدمات خاصة بالنساء المعنفات عبر تكثيف النشر حول قضية العنف المنزلي، أو تقديم خطط استجابة للعاملات باليومية أو العمالة النسائية غير المنتظمة على سبيل المثال.
تقول إيما بوبيرغ، مستشارة النوع الاجتماعي وتطوير البرامج بمؤسسة دعم الإعلام الدولي (IMS) إنه «بلا منظور جندري شامل في سياسات الاستجابة لفيروس كورونا المستجد، سنخاطر بتجاهل النساء والمجموعات المهمشة والتنميط في عمليات اتخاذ القرار»، مشيرة إلى أهمية أن تقدم وسائل الإعلام صورة أعم وأشمل، غير مقتصرة فقط على إحصاءات المصابين ومعدلات الوفيات.
في المقال الذي نشرته المؤسسة بعنوان «يا وسائل الإعلام، تذكروا النوع الاجتماعي في تغطيتكم أخبار كوفيد-19» (Media, remember gender in your COVID-19 coverage)، تقول إيما بوبيرغ إنه «ينبغي ألا تكون تغطية الأخبار من منظور جندري قضية جانبية في أيّ وقت- لكن في وقت الأزمات يتحتم جعلها أولوية، فلو لم تكن كذلك، ستخاطر وسائل الإعلام بالمساهمة في تعميق الأزمات وسلب المكاسب التي حققتها حركة المساواة للنساء في جميع أنحاء العالم»، لذا فعلى وسائل الإعلام أن تلعب دوراً في إيصال أصوات النساء خلال الأزمة الراهنة.
كما توضح إيما أن الإعلام يتمتع بـ«القدرة على إبراز صوت المرأة وعرض أدوارها الفعالة في مواجهة أزمة كورونا، ودعم مساهمتها في النقاشات العامة، وتحدي الأنماط الجنسانية ومساءلة أصحاب القرار بشأن حقوق المرأة»، داعيةً وسائل الإعلام إلى أن تستغلّ هذه النقطة الزمنية بالغة الأهمية في دعم المساواة بين الجنسين داخل العمل الإعلامي وخارجه. مؤكدة أن ذلك ليس لمصلحة المرأة وحدها، لذلك يجب تشجيع وسائل الإعلام على البحث عن قصص تتعلق بالمرأة ووجهات نظرها، إلى جانب الاهتمام بالمجموعات الأخرى المستضعفة، بالإضافة إلى مراعاة النوع الاجتماعي في عدد الخبراء والمصادر التي تستعين بها، خاصة أن الإحصاءات تشير إلى أن تناول النساء في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لا يتجاوز 24 بالمئة فقط، و19 بالمئة فقط من الخبراء الذين تستضيفهم وسائل الإعلام من النساء.
وفي ظل الأزمة الراهنة المرتبطة بتفشي الوباء، برزت العديد من التحديات والأعباء على النساء باختلاف مواقعهنّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أشارت العديد من الدراسات والتقارير إلى زيادة وتيرة العنف المنزلي ضد النساء بكل أشكاله بسبب العزل الصحي، واضطرار النساء للبقاء مع معنفيهنّ في مكان واحد لساعات أطول، فضلاً عن وضع النساء العاملات في مجال الرعاية الصحية، واللاتي يُشكّلنَ 75% من القوة العاملة في هذا المجال عالمياً، بحسب تقرير مؤسسة دعم الإعلام الدولي (IMS)، إضافة إلى توليهنّ في الغالب أعباء الرعاية الصحية لأسرهنّ وبيوتهنّ وأطفالهنّ، مما يجعل لهن نصيباً كبيراً من الخطر اليومي. ورغم ذلك، فإن سياسات التعامل مع هذه الجائحة غالباً ما يقوم الرجال بتطويرها، حيث يستحوذون على 72% من مناصب الرؤساء التنفيذيين في المجال الصحي في العالم.
إلا أنه، وبرغم أهميتها البالغة، ما زالت الصحافة الحساسة للنوع الاجتماعي تواجه العديد من التحديات في ما يتعلق بإفساح المجال أمامها وتقديم سبل الدعم المختلفة. أذكر على سبيل المثال عندما عرضتُ منذ فترة على زميل لي، يرأس أحد الأقسام في مؤسسة صحفية محلية، أن أقدم تدريباً لفريق التحرير عن الصحافة النِسوية والتحرير الصحفي من منظور النوع الاجتماعي، فقال لي وقتها «لا يوجد لدينا ما يسمى بالصحافة النِسوية، وإذا أردت يمكنك عمل ذلك بشكل حر خارج المؤسسة».
بالفعل هذا ما أقوم به، أنا وأغلب زميلاتي من الصحفيات النِسويات، نعمل بشكل حر، أو بالقطعة، مع أي من المنصات التي يمكنها أن تقبل موضوعاتنا المقترحة أحياناً، أو ترفضها أحياناً أخرى كثيرة باعتبارها «منحازة نسوياً»، دون النظر إلى هذا الانحياز باعتباره قائماً على أساس موضوعي، فأغلب المدارس الصحفية لم تتطور بالشكل الكافي لفهم منظور النوع الاجتماعي والعدالة الجندرية كأحد جوانب الموضوعية الصحفية، وتمثيل أصوات النساء كخطوة أساسية في مجابهة التمييز القائم ضدهنّ وخلخلة البنى الأبوية، لذا غالباً ما يُنظَر للصحافة النِسوية على أنها منحازة أو فئوية، بينما هي تراعي إعادة إصلاح موازين القوى المختلة وليس العكس.
وحيث أن الإنتاج الصحفي النِسوي ليس على أجندة معظم المؤسسات والمنصات الإعلامية التقليدية، ففي ظل الأزمة الراهنة لجائحة كورونا تواجه الصحفيات النِسويات عدداً لا بأس به من التحديات؛ لعل على رأسها التحديات المادية في إطار غياب التمويل على المشاريع المهتمة بالإعلام النِسوي، واعتماد الصحفيات بشكل أساسي على العمل بنظام «العمل الحر» أو «الفريلانس»، الذي تحوّلَ في الوقت الحالي إلى رفاهية صعبة المنال، إما بسبب صعوبة التحويلات البنكية بسبب الإغلاق العالمي والهزة الاقتصادية الدولية، أو بسبب عدم قدرتهنّ على استلام أموالهنّ من المصارف لدواعي العزل الصحي.
هذه التحديات المادية تخلق لنا تحدٍ آخر وهو عامل الوقت، ففي ظل عدم توافر فرص للصحافة النِسوية وغياب دعمها داخل المؤسسات، تضطر الصحفيات للعمل في قطاعات أخرى لتحقيق لتأمين العيش، وفي إطار العمل المؤسسي وإشكالياته و«الروتين» الخاص به، بما في ذلك عدد ساعات العمل الطويلة، تنخفض فرص العمل الصحفي النِسوي نظراً لضيق الوقت وتكريس معظمه للعمل من أجل المال.
بالتالي، تزداد أزمة محدودية المحتوى الصحفي النِسوي خلال جائحة كورونا بتحدياتها، رغم أنه الوقت الذي يجب إفراد أولوية للتغطية والمعالجة الصحفية لتأثير الجائحة على أوضاع النساء، وهو ما لم نجد له مجالاً كافياً حتى الآن.
وبما أن الصحافة والإعلام هي أدوات رئيسة في بناء وعي الشعوب وترسيخ الثقافات المجتمعية، وأحد السبل الأساسية في التحولات الديمقراطية للمجتمعات، وفي ظل ارتفاع المطالبة بإعادة صياغة الأدوار الاجتماعية بما يحقق العدالة الجندرية، وغياب المنظور الخاص بالنوع الاجتماعي في المنتج الإعلامي الشائع، باتت هناك ضرورة ملحة لإعلام نِسوي بالدرجة الأولى، يعالج القصور المتجذر في الإعلام التقليدي ويبرز البعد النِسوي في المعالجات الإعلامية المختلفة.
في ظل الأزمة الراهنة، لم تعد الصحافة النِسوية ضرباً من الرفاهية التي تقتصر فقط على الأفراد والمجموعات المستقلة، بل يتعين إفساح المجال أمام إنتاج المزيد من المحتوى الصحفي النٍسوي، الذي وفَّرَت الأزمة أرضاً خصبة له ولكل صوت نسائي.
إسراء صالح: صحفية نسوية ومترجمة مصرية مستقلة، حاصلة على ماجستير في الصحافة والإعلام الحديث من معهد الإعلام الأردني.
موقع الجمهورية


الدواء السوري يتلاشى/ مصطفى أبو شمس
«لم يعد الدواء خطاً أحمر»، يقول الواقفون على طوابير طويلة أمام الصيدليات بحثاً عن علبة دواء في مختلف المحافظات السورية، وفي كافة المناطق أياً كانت القوى المسيطرة عليها، بعد أن فُقدت قوائم كثيرة من الزُمر الدوائية، وارتفعت أسعار بعضها إلى ضعفين أو أكثر (وصلَ سعر بعض الزُمر الدوائية، خاصة النفسية والعصبية، إلى خمسة أضعاف سعرها قبل شهرين)، هذا إن وجدت. فيما بدأت المعامل بإقفال أبوابها أو تقنين إنتاجها، والصيدليات أيضاً أغلقت أمام الجموع المنتظرة والرفوف الفارغة وتحمّل اللوم، فيما اتخذت وزارة الصحة في حكومة النظام حزمة من القرارات «الخلبية» ، كما وصفها الأهالي وأصحاب الصناعات الدوائية، لينتقل السجال هذه المرة إلى مجلس الشعب، الذي وصف أحد أعضائه، وضاح مراد، الحكومة بالفشل، مُصرحاً أن الدواء سينفد من الصيدليات خلال أسبوع واحد على الأكثر، والمواطنون ومعامل الأدوية متروكون لقدرهم في إيجاد حل للكارثة القادمة.
المرضى المزمنون «عليكم بالحمية»
يقول من تحدثنا معهم، وهم من ثلاث محافظات تخضع لسيطرة النظام (دمشق- حلب- اللاذقية) إن الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كالسكري والقلب والغدة الدرقية والضغط ومميعات الدم نفدت من الصيدليات، وإن على المريض أن يبحث لساعات وأحياناً لأيام في المناطق الطرفية من المدن عن صيدلية ما زالت تحتفظ بعلبة من أدويتهم لشرائها، ناهيك عن إغلاق عدد كبير من الصيادلة لصيدلياتهم، بحجة عدم توافر الأدوية.
تقول السيدة صبحية المحمود، وهي من سكان مدينة حلب، إنها اضطرت للوقوف لساعة على باب واحدة من الصيدليات في حي الأشرفية بحلب، قبل أن تُفاجأ بعدم وجود أي من أدويتها للضغط والسكري عنده، لتبدأ رحلة البحث في ثلاث عشرة صيدلية دون جدوى، إلا أنها استطاعت تأمين علبة من حبوب الالتهاب (مضاد حيوي)، ومتمم غذائي للمفاصل (غلوكوزامين)، وبعض حقن الالتهاب وعلبة من حبوب مسكن الألم. تخبرنا أنها دفعت نحو ثلاثين ألف ليرة كثمن لهذه الأدوية، التي كانت تشتريها سابقاً بنحو اثنا عشر ألف ليرة فقط.
يجبروننا على «الشكر» لأننا وجدنا الدواء مهما ارتفع الثمن، تقول السيدة صبحية، فمع انقطاع السلعة يبحث عنها السكان ويدفعون أي ثمن للحصول عليها، والدواء ليس «رفاهية»، رضينا بـ «نقص المواد الغذائية واللحوم والفواكه التي لم تزر بيتنا منذ أشهر، أما الدواء فيعادل الحياة». تؤكد صبحية، وهي معلمة متقاعدة، إن راتبها لم يعد يكفي لشراء نصف الأدوية التي تستخدمها، بعد أن توقفت شركات التأمين عن تغطية جزء من نفقات العلاج، بحجة اختلاف سعر الأدوية.
في اللاذقية، تبحث أم مصطفى عن دواء التروكسين للغدة الدرقية دون جدوى منذ أسابيع، ومع إغلاق الطرق بات الحصول عليه عن طريق التهريب من لبنان أو تركيا أمراً بالغ الصعوبة. عبر الواتس آب، تشرح لنا حالها بأن الورم في يديها يزداد كل يوم مع ألم لا يطاق، كما أن نبضات قلبها في تسارع دائم، وعند مرورها بالصيدليات باحثة عن الدواء لا تلقى إلا الوعود، فمعظمهم يطلبون منها العودة في اليوم التالي لتأمين الدواء، ليعتذروا من جديد. تقول إنها دفعت أجور نقل ما يزيد عن عشرين ألف ليرة، دون أن تجد دواءها.
لا تُتعِبُ السيدة هدى، من دمشق، نفسها في البحث عن أدوية السكر، تقول إنها لا تمتلك أصلاً ثمن الدواء الذي كان يقدم لها مجاناً من المستوصف، ومع توقفه توقفت هي الأخرى عن تناول الدواء، وتخبرنا أنها سألت الطبيب أو الممرض، فهي لا تدري من هو المسؤول عن توزيع الدواء في المستوصفات عن الحل، فأخبرها أن عليها بـ «الحمية» ريثما يتوافر الدواء.
وكانت أدوية السكر قد ارتفعت بنسبة تصل إلى 100% من سعرها القديم، فيما تباع حقنة الأنسولين بنحو أربعة عشر ألف ليرة (وسطياً تكفي المريض من 10-15 يوماً)، أما أدوية منظم السكر فقد ارتفعت بنحو 60%، بحسب أحد الصيادلة الذين تواصلنا معهم من مدينة حلب.
وكانت صفحات النظام والمواقع الالكترونية قد تداولت خلال الأيام الماضية أخباراً حول نفاد الدواء وتوقف المعامل عن العمل، وهو ما أكدته نقابتا الصيادلة في دمشق واللاذقية على لسان نقيبيهما، وأنكرته وزارة الصحة، إلا أن صوراً للمواطنين على الدور في الصيدليات، ومشاهد الصيدليات المغلقة، انتشرت بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
معامل الأدوية تعمل بـ 5% من طاقتها الإنتاجية
قبل البحث عن الأسباب في الأزمة الدوائية التي يعيشها السوريون اليوم، لا بد من لمحة عن قطاع الصناعات الدوائية خلال السنوات السابقة لفهم ما يحدث بشكل أكبر.
في العام 1987 سمحت وزارة الصحة للقطاع الخاص بإنتاج الدواء، ليتم ترخيص نحو ثمانية وعشرين معملاً. ارتفع هذا العدد إلى ستة وخمسين معملاً في العام 2006، وإلى سبعين معملاً في العام 2011. ومع الثورة السورية توقفت بعض هذه المعامل عن العمل، وعددها نحو تسعة عشر معملاً، نتيجة القصف أو امتناع أصحابها عن تشغيلها لوجودها في مناطق سيطرة فصائل المعارضة. معظم معامل الأدوية تركزت في محافظتي حلب ودمشق، وبنسبة أقل في حمص، ومعمل في مدينة حماة، ليتم منذ العام 2017 ترخيص عدد من المعامل في محافظتي اللاذقية وطرطوس، إذ يبلغ عدد المعامل الحالي نحو اثنين وتسعين معملاً، ناهيك عن معامل المعقمات وغيرها من المستحضرات الصيدلانية، وذلك بحسب تقرير لزياد غصن، نُشر في موقع مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بعنوان: كيف تؤثر العقوبات الاقتصادية سلباً على القطاع الصحي في سوريا: الصناعات الدوائية نموذجاً.
كانت هذه المعامل تغطي نحو 90% من احتياجات السوق المحلية (تقدر أسعارها بنحو أربعمائة مليون دولار)، ليتم تعويض النقص في بعض الأدوية، كالأدوية السرطانية وأدوية التهاب الكبد واللقاحات، عن طريق الاستيراد عبر شركة فارمكس، أو بوكالات حصرية للمستودعات. ذلك إضافة إلى تصدير جزء من إنتاج هذه المعامل لنحو سبعة وثلاثين دولة (يقدر حجم التصدير بنحو 220 مليون دولار في العام 2010)، ناهيك عن وجود عدد كبير من الزمر الدوائية الحاصلة على امتياز من شركات أوروبية وأميركية (هناك 59 شركة دواء حاصلة على امتياز من شركات أجنبية)، بحسب دراسة أعدها مركز فيريل للدراسات.
يقول الممثل عن أحد المعامل، أخفينا اسمه خوفاً من ملاحقته أمنياً، وسنطلق عليه اسم سعيد لحاجتنا لاستخدام كلامه خلال مراحل لاحقة من التقرير، إن معامل الأدوية تخسر منذ عدة أشهر، وهو ما دفعها لتخفيض كميات إنتاجها في البداية، إلا أنه ومع انهيار الليرة السورية بات الاستمرار في ظل الظروف الحالية مستحيلاً، ما أجبرهم على التوقف عن صناعة أصناف كثيرة من الأدوية. أما ما ينتجونه حالياً، فهو من المواد الأولية التي ما زالت موجودة في المخازن.
ويُقدِّرُ سعيد طاقة الإنتاج الحالية بنحو 5% من الإنتاج الحقيقي للمعامل، ويقول إنها ستتوقف كلياً في الأيام القادمة عند نفاد المواد الأولية، ويحدثنا أن اجتماعات دورية جرت بين أصحاب المعامل ووزارة الصحة لإيجاد حل للمشاكل التي تعترضهم، دون جدوى. فكل ما تلقوه هو الوعيد و«الوعود الفارغة» .
ويشرح سعيد المشكلة من البداية، إذ أخبرنا بأن الحصار الاقتصادي المفروض منذ سنوات على سوريا أدى لسحب الشركات الأجنبية تراخيصها من معامل الأدوية، وبات لزاماً عليهم البحث عن أسواق جديدة للحصول على المواد الأولية، كالصين والهند، التي تتناسب فيها أسعار المواد الأولية مع قدرة المواطن على الشراء، كما أن عدداً من خطوط الإنتاج قد تعرضت للتلف، نتيجة القصف أو الأعطال، ومع الحصار وارتفاع الأسعار، تخلى أصحاب المعامل عن إصلاحها ما قلل من كمية الإنتاج في السوق المحلية.
وكانت وزارة الصحة السورية قد رفعت أسعار الأدوية تدريجياً. حتى العام 2015 كانت الزيادة السعرية قد وصلت إلى نحو 120% على مختلف أسعار الأدوية، بحسب تحقيق استقصائي للصحفية رانيا عيسى لم ينشر حتى الآن. بتواصلنا معها، أخبرتنا أنها حصلت على هذه النسبة من وزارة الصحة السورية في العام 2017. وفي العام 2018، تم رفع أسعار الدواء بنسبة تتراوح بين (10-80٪)، كذلك ارتفعت بعض الزمر الدوائية بشكل فردي.
تقول رانيا العيسى للجمهورية إن الدكتور حبيب عبود، معاون وزير الصحة، قال في مقابلة مع مُعدّة التحقيق إن أغلب معامل الأدوية خاسرة، وإن 70% من الأدوية ما زالت دون سعر 500 ليرة. تخبرنا العيسى إنها حصلت من نقابة الصيادلة المركزية على رقم يقول إن عدد الصيدليات في نهاية العام 2017 كان 11442صيدلية، وإن 45 معملاً من المعامل يعمل بطاقة محددة، وعشرين معملاً آخر طالها الضرر بنسب كبيرة.
كذلك تخبرنا العيسى أنه، ومنذ العام 2015، طالب ممثلو معامل الأدوية الوزارة بحل مشكلة الأصناف الدوائية الخاسرة، ووضع تصور مستقبلي لإيجاد آلية تربط بين الصناعة الدوائية ومستلزماتها المستوردة بأسعار النقد الأجنبي يضمن استمرار الإنتاج. وفي العام 2016، بحضور وزير الصحة نزار يازجي، الذي ما زال يشغل المنصب حتى اللحظة، عُقدت جلسة في مجلس الشعب بحضور ممثلين عن معامل الدواء، ووصف رئيس لجنة الخدمات في المجلس صفوان القربي بقاء الوضع على ما هو عليه بـ «الأمر غير المقبول» . وأيضاً في شباط 2017، طالب أعضاء مجلس الشعب باستجواب وزير الصحة للبحث في قضية توافر الأدوية، دون جدوى.
وما زال الأمر على حاله، يقول سعيد، ففي الاجتماع الأخير منذ شهرين طالبت معامل الأدوية برفع سعر الدواء بنسب تتوافق مع أسعار الكلفة، إضافة إلى هامش ربح بسيط، إلا أن وزارة الصحة طرحت زيادة سعرية بنحو 25% وهو ما لم توافق عليه المعامل التي كانت تطالب بزيادة تتراوح بين (300-500%).
ويرجع سعيد سبب فقدان الأدوية وارتفاع الأسعار لعدة أسباب، واصفاً وزارة الصحة بـ «الضياع» ، إذ حددت الوزارة الأسعار والتي وصفها بـ «غير المناسبة» في العام 2018، مع تعويض المعامل عن النقد الأجنبي لشراء المواد الأولية بسعر 435 ليرة للدولار الواحد، بحسب مصرف سوريا المركزي، والتي تصرف بعد أن يدفع المعمل 40% من المبلغ فيما يعرف بـ «التأمين المسترد»، علماً أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء في 2018 لم يتجاوز 490 ليرة سورية، وهو ما مكَّنَ معظم المعامل من الاستمرار، إذ أن الفارق لم يكن كبيراً. ومنذ بداية العام 2020 وحتى الأيام القليلة الماضية وصل سعر الصرف لنحو ثلاثة آلاف ليرة، بينما رفع البنك المركزي السعر إلى سبعمائة ليرة، أي بنحو ربع المبلغ الموجود، ما يحول دون قدرة المعامل على شراء المواد الأولية وبيع الأدوية بالأسعار الحالية: يخبرنا سعيد أن البنك المركزي لم يلتزم بمسؤولياته، ولم يعوض المعامل بـ «قرش واحد» بالأسعار التي حددها، وقرارات وزارة الصحة ليست إلا حبراً على ورق.
كذلك، أسهمت جائحة كورونا بتأخير وصول المواد الأولية وارتفاع أجور الشحن، إذ تصل المواد الأولية إلى سوريا عبر وسطاء ومن مرفأ بيروت، وهو ما يزيد الكلفة. أما في حالة الشحن الجوي، فقد ارتفعت أجور الشحن نحو خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل كورونا، إذ كانت المعامل تدفع نحو دولار أو دولار ونصف الدولار للكيلو غرام الواحد، بينما تدفع حالياً نحو ستة إلى سبعة دولارات.
يضاف إلى ذلك، بحسب سعيد، أسعار الحُبابات البلاستيكية والعلب الفارغة والوقود اللازم للتشغيل وأجور العمال ونسبة المستودعات وسيارات النقل، والرشاوى والإتاوات التي تدفع على الحواجز، خاصة في حال التصدير الداخلي إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
والأهم من ذلك، برأي سعيد، إن التحويلات المصرفية باتت أمراً بالغ الصعوبة، وإن تغطية القيمة المالية للمواد المستوردة بالقطع الأجنبي تتم عبر شركات صرافة محددة، يجبر عليها المستوردون من قبل المصرف المركزي، وتتقاضي مبالغ مرتفعة، وغالباً ما تطول مدة التسليم ما يؤدي إلى تأخير الشحنات. يقول سعيد «إنهم يقاسموننا كل شيء ما عدا الخسارة» .
بين النقابة والوزارة… الصيدلي والمواطن يدفعون الثمن
مع الأزمة الحاصلة في قطاع الصناعات الدوائية، قال وزير الصحة اليازجي إنه لا وجود لانقطاع في الأدوية السورية، إنما هناك فقدان لبعض الأدوية التي يمكن الاستعاضة عنها ببدائل من التراكيب العلمية نفسها من معامل أخرى، وإنه لا مبرر لمعامل الدواء لوقف إنتاج الدواء، وإن الحكومة تتحمل دعم تمويل مستوردات هذه المعامل من المواد الأولية وباقي المستلزمات، بسعر تفضيلي محدد بـ 700 ليرة للدولار، وإنه يتم تسعير الأصناف الدوائية بشكل تسلسلي بناء على آلية التمويل الجديدة، وتم تسعير 1400صنف حتى الآن من أصل 11800 زُمرة دوائية.
كما نقل المكتب الإعلامي في وزارة الصحة عن اليازجي أنه تم إلغاء قيمة تأمين الاستيراد البالغة 40% من قيمة المستوردات، واحتساب الرسوم الجمركية لمواد ومستلزمات الصناعة الدوائية على أساس سعر الصرف الرسمي (438 ليرة للدولار)، وتخفيض عمولات تحويل قيمة المستوردات بالقطع الأجنبي بنسبة 5%، ما يعطي الصناعيين مزايا سعرية تنافسية ناتجة عن انخفاض التكاليف مع استمرار وزارة الصحة بالسماح للمعامل بتصدير أدويتها بعد تحقيق الاكتفاء في السوق المحلية.
من جهتها، حملت رزان سلوطة، مديرة الشؤون الدوائية في وزارة الصحة، في لقاء معها على شام أف أم أزمة كورونا مسؤولية شح بعض المواد الأولية! وقالت إن أمور الأدوية ستكون جيدة خلال شهر واحد بعد الإجراءات المتبعة من الوزارة بتسعير الزمر الدوائية تدريجياً بحسب الآلية الجديدة، مؤكدة أن الوزارة والمديريات التابعة لها ستقوم بجولات رقابية لملاحقة الصيدليات التي مر على إغلاقها أكثر من ثلاثة أيام وتنفيذ العقوبات بحقها.
نقابات الصيادلة المركزية وفرعي دمشق واللاذقية تحدثوا عن ندرة في الأدوية ونقص في أكثر من 400 زمرة دوائية، خاصة تلك المختصة بالأمراض المزمنة والمضادات الحيوية: وقال نقيب صيادلة دمشق إن هناك نقصاً كبيراً في الأدوية، خاصة النوعية منها، وإن النقابة تواصلت مع معامل الأدوية لتغطية النواقص، إلا أن الكميات في مستودعات النقابة لا تغطي احتياجات المواطنين، بينما لخّصت نقابة صيادلة سوريا ما يحدث على صفحتها في فيس بوك بالقول «الحظر بجميع دول العالم أغلق جميع المهن ما عدا الصيدليات، إلا عنا فتحت كل المهن وتسكرت الصيدليات». يعلق أحد الصيادلة الذين تواصلنا معهم على هذه المقولة «دائماً هيك، وكأن العرس لجيرانهم» .
بين انقطاع الدواء وعدمه يتناقض كلام الوزير مع مساعدته، وكذلك مع نقابات الصيادلة. يقول سعيد إن ما تقوله الوزارة غير صحيح: هم لم يلتزموا بتمويل سعر المواد الأولية ولن يفعلوا ذلك، في الأصل. «البنك المركزي فارغ من النقد الأجنبي، وإن كان ما يقولونه صحيحاً فهم بحاجة لنحو 400 مليون دولار، فليطرحوها في السوق فيهبط سعر الدولار إلى أقل مما فرضه المركزي». يضيف سعيد: «المعامل تعرف أنهم يكذبون، ولذلك سيقتصر عملها على بعض الأصناف، وسيتجنب الجميع الأدوية الخاسرة». وهو ما ذكره أيضاً صاحب معمل أدوية ألفا المقرّب من النظام فارس الشهابي، في تعليقات نشرتها المواقع الالكترونية عن صفحته بأن البنك المركزي لم يمول المعامل بـ «قشة»، وأن هناك بعض الأدوية ينقص سعرها عن ثمن «علكة».
من تَحدّثنا معهم من الصيادلة يقولون إن النقص كبير في الأدوية، وإن حصة الصيدلية لا تتجاوز قطعتي دواء من كل صنف أسبوعياً، ووفقاً لافتراض أصحاب العديد من الصيدليات التي ذكرناها سابقاً، فإن إنتاج المعامل لا يتجاوز عشرين ألف قطعة من كل صنف، وهو ما يعني حرمان أكثر من ثمانين بالمائة من المواطنين من الأدوية اللازمة.
كما تحدثوا عن احتكار بعض المعامل والمستودعات للأدوية، التي تباع في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، أو توضع ضمن سلّة أدوية غير مباعة أو يقترب انتهاء صلاحيتها لتصريفها، وعلى الصيدلي شراؤها معاً أو لا يحصل على الأصناف المطلوبة.
يخبرنا الصيادلة أنهم يتعرضون في كل يوم لمواقف إنسانية بخصوص عجز معظم السكان عن شراء الأدوية، وغالباً ما يتم إلقاء اللوم عليهم، أحياناً يتعرضون للشتم أو الضرب، وغالباً ما يخرج المرضى غير راضين عن الواقع الذي يعيشونه، إلا إنه وبحد وصفهم «ليس في اليد حيلة».
يقول صيادلة: «إن كان سيتم تعويض المعامل بالأسعار بحسب الآلية الجديدة، فمن سيعوضنا نحن. ارتفاع الأسعار يعني أن على الصيدلي أن يضخ مبالغ مالية إضافية كرأس مال جديد لتعويض النقص، غالباً هي ضعفي ما يملكه حالياً من أدوية، فمن أين سيأتي بهذه المبالغ؟». ويتساءلون أيضاً لماذا تمر كل الحلول من فوق رؤوسهم، ولا ينتبه لهم أحد، خاصة وأن أرباح الصيدليات في السنوات الماضية لا تكفي لسد الرمق، بحسب قولهم، بعد الارتفاع الكبير في الأسعار.
وعند سؤالنا لهم عن دور النقابة في إيجاد حل لهم، أخبرنا أحد الصيادلة من مدينة دمشق أن ندخل إلى صفحة النقابة على فيسبوك ونتبيّن الأمر. وعند تتبعنا للصفحة الرسمية لنقابة دمشق التي ترأسها علياء الأسد، ومتابعة التعليقات، وجدنا أننا داخل فرع أمن جديد، إذ يتم التنمر على الصيادلة، وتتضمّن التعليقات تهديدات مبطنة بإلغاء الحسم، ومتابعة الصيادلة، وردوداً حول أن بعضهم يكتب بأسماء مستعارة وأنهم يعرفونهم على مبدأ «كمشتك»، في الوقت الذي يجب فيه البحث عن حلول جذرية للمواطن والصيادلة للتخفيف من الأزمة الحاصلة.
من يعوض المواطن أيضاً؟ هو سؤال محق آخر بعد أن زادت أسعار بعض الأدوية لتتبعها أدوية جديدة، وتقدر نسبة الزيادة بين (60 -500%)، علماً أن راتب الموظف السوري لا يتجاوز 15 دولاراً شهرياً وفق أسعار الصرف الحالية، وفي أحسن الأحوال 40 دولاراً لبعض أصحاب المهن والمصالح، مع ارتفاع أسعار كل شيء، إذ تباع أنبوبة الغاز المنزلي في دمشق بثمانية وعشرين ألف ليرة، بينما يزيد سعر أي نوع من أنواع الفاكهة عن ثلاثة آلاف ليرة، وبات كل شيء بـ «الحسرة»، تخبرنا صبحية التي ما زالت تبحث عن أدويتها: «تعالو نموت أحسن، والله أحسن من هالعذاب».
الأدوية في مناطق سيطرة المعارضة والإدارة الذاتية
يزيد الأمر سوءاً في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة والإدارة الذاتية، لخلوهما من معامل تصنيع الأدوية، باستثناء معمل وحيد في مدينة إدلب. وتعتمد المنطقتان على إنتاج المعامل في مناطق النظام لتغطية حاجات السكان فيهما، ومع تدهور القطاع الصحي في مناطق النظام انعكس الأمر سوءاً فيهما، إذ كانت تباع الأدوية بزيادة عن تسعيرة وزارة الصحة بنحو (10 -20%)، بسبب أجور النقل والرسوم الجمركية في نقاط العبور والإتاوات المفروضة من الحواجز المنتشرة على الطرقات. ومع نقص الأصناف الدوائية، سيصبح من الصعب وصول الأدوية إلى هذه المناطق، إذ لا يغطي إنتاج المعامل السوق الداخلي في مناطق سيطرة النظام، وهو ما تسبب بأزمة دوائية في كافة الصيدليات التي فرغت معظم رفوفها.
بسؤالنا لبعض الصيادلة في هذه المناطق، قالوا إن معظم المستودعات أغلقت أبوابها منذ أسبوع، وكذلك الصيدليات، بعضها لعدم توافر الدواء وأخرى بغرض عدم بيعه، نتيجة للخسارة الكبيرة والفارق بين سعر البيع والشراء.
كذلك، تغيب أي حلول من الممكن اعتمادها في هذه المناطق عبر الاستيراد، وهو ما حوَّلَ السوق إلى سوق مفتوحة تباع فيها الأدوية على «الذمة»، إذ تُقدَّر الكلفة ويُضاف لها هامش ربحي بين (20 -25٪)، بحسب من التقيناهم، الذين قالوا إن توقف المعامل السورية سيؤدي إلى كارثة بالنسبة للجميع دون استثناء، فسعر الأدوية التركية يصل إلى عشرة أضعاف السورية، وهو ما لن يستطع أحد من السكان تحمله، ناهيك عن كلفة النقل وأرباح المستودعات، وليس هناك معامل لتعويض النقص الذي سيحصل لامحالة.
موثع الجمهورية


===========================

======================

تحديث 04 تموز 2020

——————————

سوريا : ذوو الاحتياجات الخاصة وجهاً لوجه مع كوفيد 19/ محمد بسيكي وعلي الإبراهيم

يثير وباء كوفيد 19 ذعر السيدة مريم حمادو، فهي تعيش قلقاً بالغاً من انتقال العدوى إلى أحد من أشقائها الأربعة الذين يعانون جميعهم من تأخر ذهني يجعلهم عاجزين عن إدراك وفهم ما يحصل…

العائلة من خلفية متواضعة ولا تجد رعاية طبية كافية لتحديد طبيعة الإصابة التي يعاني منها الأشقاء ولا كيف تطورت معهم لكنهم يعانون منها منذ الولادة بحيث تقتصر قدراتهم على القيام والمشي والتعبير المحدود…

حمادو من سكان قرية “الحنبوشية” في ريف جسر الشغور، بمحافظة إدلب شمالي سورية، وهي تخشى من احتمالات العدوى خصوصاً أن أشقائها بالغين ويخرجون كل يوم يخرجون صباحاً من البيت ويقضون نهارهم خارجه، ثم يعودون مع حلول المساء.  بحسب الشقيقة، هم يعرفون أنّ موعد عودتهم إلى البيت قد حل عندما يشعرون بالجوع، لكن سماعها الأخبار عن وتيرة انتشار الوباء عالمياً يزيد من قلقها، ويربك خططها إزاء التعامل معهم،  “نخاف عليهم أكثر من أنفسنا. أعلّمهم كيف ينظفون أنفسهم، وكيف وماذا يأكلون”.

تتواصل الأخت مع أشقائها بالكلام والإشارة، وبعد تكرار ذلك أكثر من مرة، يفهموا عليها ما تريده منهم، وينفذون.

فرض انتشار وباء كورونا عالمياً، وخشية انتشاره في سوريا مع هشاشة الوضع الطبي، وتدمير البنية التحتية، معاناة جديدة على شريحة من السوريين، هم من ذوي التأخر الذهني وأغلبهم في عمر الشباب 18 – 35 عاماً ويعانون بصمت، لكونهم بعيدين عن دوائر اهتمام مقدمي الخدمات الطبية والاجتماعية، ويلقى عبئ الاهتمام بهم على عاتق ذويهم فقط، وسط نقص حاد في المساعدات.

“للأسف لا يوجد شيء مخصص لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة للوقاية من كوفيد 19″، يقول مدير مركز متخصص في المعالجة والدعم النفسي في ريف حلب.

ومع بدء انتشار كوفد 19، بدأ متخصصون وأطباء يسجلون تصاعد مستويات العنف تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يجعل مصيرهم في مهب الريح، ويزيد من معاناتهم، على ما يكشفه هذا التحقيق.

قوانين قاصرة ..

واحدة  من المشاكل التي يعاني منها ذوو الاحتياجات الخاصة ومن بينهم من يعانون من تأخر ذهني أو إعاقة عقلية وآخرون لديهم اضطرابات نفسية وذهنية هي قصور النصوص القانونية في الإحاطة بهم، بحيث أن بعض الحالات قد لا يصنفها الطب بالضرورة في خانة الاضطراب. نجد أن القانون القانون يستعمل عبارات غير وافية طبياً، ما يجعل المرضى في حال خلط ما بين التأخر الذهني والاضطراب النفسي، إذ يعتبر قانون الأحوال الشخصية السوري، “المجنون فاقد الأهلية بالكامل، أي أنّ جميع تصرفاته تعتبر باطلة باعتباره معدوم الإرادة ولذلك فإن أي شيء يصدر عنه لا يعتبر بالقانون وخاصة ما يتعلق بالبيع والشراء”.

تقول المحامية رهادة عبدوش من دمشق، إن النصوص القانونية الحالية موضوعة منذ الخمسينات، وتحوي عبارات يجب تغييرها كـ”المجنون” و”المعتوه” وهذا بسبب قدم القانون، لكن في التطبيق يرجع كل شيء إلى تقارير الخبرة الطبية، “القانون لا يعرّف المرض بل تقارير الخبرة هي التي تعطي نوع المرض وتقارير الخبرة تميّز بين السفيه والمغفّل وبين المريض النفسي والعقلي والاضطرابات النفسية بأنواعها وتحدد ما يريده القانون وهو مدى مسؤولية المريض أو الانسان عن افعاله ومدى مقدرته على التصرّف بأمواله وأفعاله وبنفسه وهذا يحدد ان كان بحاجة لقيّم على أمواله وولي على نفسه أو وصي على تصرفاته وافعاله والمدّة التي يحتاجها هل هي دائمة أم لفترة محدودة”.

لغاية 2016 تم الحجر على أكثر من 10 آلاف شخص خلال خمس سنوات، بسبب نقص أهليتهم ووصولهم لمرحلة “الجنون” أو “العته”، وفق القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي ووفق التوصيف القانونية الحالية في سوريا.

يشمل الحجر “الحجز على أموالهم بعد طلب أحد أقارب المريض للحجر عليه وإجراء كشف طبي له يؤكد إصابته بالحالة”، وفق القاضي.

لم يبلغ رسمياً عن أية إصابة بفيروس كورونا لذوي إعاقة ذهنية، ولم يبلغ عن أية إصابات في مناطق سورية أخرى تحت سيطرة المعارضة شمال البلاد، أو مناطق الإدارة الذاتية شرقاً.

بيد أن دراسة أجراها معهد “Crnic” ونشرتها دورية “Nature”، أظهرت أنّ مصابي مُتلازمة “داون” أكثر عُرضة لأمراض المناعة الذاتيّة، وبالتالي أكثر عرضة للإصابة بـكوفيد 19.

نقصً حاد بالأطباء

يزداد وضع ذوي التأخر الذهني تعقيداً، مع النقص الحاد في توفر الأطباء المتخصصين، ومراكز الرعاية، فقد ارتفعت مستويات ندرة الأطباء وتراجعت جاهزيتها للمعالجة والتشخيص بسبب الصراع.

تقدر الأرقام الرسمية عدد الأطباء النفسيين في سورية بنحو 70 طبيباً فقط، وهم يغطون 9% من الاحتياجات.

“يوجد ثلاثة أطباء لكل مليون شخص، فيما الحد العالمي طبيب لكل عشرة آلاف نسمة”، وفق تصريح لرئيس رابطة الأطباء النفسيين، الدكتور مازن حيدر.

خلال يوم عملها الممتد من الصباح حتى ساعات متأخرة من المساء تركز أخصائية الطب النفسي، مها جواد، العاملة في مركز “النفس المطمئنة” التابع لمنظمة SAMS في بلدة الدانا بريف حلب، على توعية الأهالي بضرورة تجنيب ذويهم ممن يعانون من تأخر ذهني واضطراب نفسي، الاختلاط والتواجد في التجمعات لأنّ قابلية إصابتهم بالفيروس هي أعلى من غيرهم بسبب عدم تملكهم المعلومات الكافية والعي لمواجهة الجائحة.

المركز الذي يقدم خدماته في مجال الأمراض النفسية والمزمنة مثل الفصام وثنائي القطب، والإعاقات الذهنية والعقلية لحوالي أربعة آلاف شخص يتوزعون ما بين مراجع وحالة جديدة، يركز العاملون فيه هذه الأيام حيث يتصاعد تهديد كوفيد 19 على تكثيف التثقيف الصحي للحالات ولذويهم حول العناية الشخصية والتعقيم وغسل الأيدي بانتظام.

من بين من يزوون المركز بانتظام لتلقي المساعدة الطبية والاستشارات، الطفل محمد بسام عبد الكريم (17 عاماً) والذي يعاني بحسب والده (بسام) من تأخر ذهني وجسدي، يتخلله اختلاجات ونوبات.

يقيم الطفل مع عائلته في منطقة حزانو بريف إدلب، وأكثر ما يقلق والده في هذه الأيام الخوف من انتشار الوباء بسبب تفشيه في الجوار السوري، وعدم توفر أدوية الأعصاب في المنطقة، وإن توفرت تكون أسعارها فوق قدرتهم على شرائها.

يقول الأب بسام “نعاني من عدم توفر الأدوية، ومن واجبنا أن نكون حريصين على ابننا، نعطيه معقمات وكمامات ونمنعه من الاختلاط مع الآخرين خوفاً على صحته”.

وفق المحكمة الشرعية في دمشق، كان عدد معاملات حالات “الجنون” و”العته” وهي مجدداً التوصيفات التي يعتمدها القانون السوري لشريحة المتأخرين ذهنياً، في إدلب 50 حالة فقط العام 2014، و 250 حالة في حلب، وبحوالي ثلاثة آلاف معاملة في عموم سوريا. أما الآن، فلا يمكن إحصاء الأعداد بسبب تكرار النزوح والأعمال العسكرية المتقطعة التي تعيق عمل المنظمات المتخصصة، والمراكز الطبية، يقول طبيب في إدلب.

وفقاً لاتفاقية حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي وقَعَت عليها سوريا، فإنّ الدولة مُلزمة بتوفير أشكال المُساعدة البشرية. في وقت تقدر وزارة الصحة السورية أن عدد المستفيدين من خدمات الصحة النفسية 135,242 مستفيد عام 2019، وفق الموقع الرسمي للوزارة.

ربع سكان القرية “ذوو إعاقة” 

تشكو مريم نقص كل شيء بدءاً من ضعف الاهتمام المجتمعي والطبي بأخواتها الأربعة، وذوي التأخر الذهني عموماً، وعدم مساعدتهم في مواجهة مرض كوفيد19، إلى ضعف قدرة العائلة الشرائية، حيث تحتاج يومياً بين 2500 إلى 3000 آلاف ليرة سورية (1 دولار) فقط لشراء الخبز، في حين يبلغ سعر كيلو البرغل ألف ليرة، والعدس 1300 ليرة.

بدوره يؤكد شاكر عبدو، مسؤول المجلس المحلي في قرية “الحنبوشية” بريف جسر الشغور، أنّ المجلس عاجز عن تقديم أية مساعدات أو رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة بسبب قلة الدعم من المنظمات الانسانية وبسبب قلة الخبرات وعدم وجود أي نقاط طبية في القرية.

ومما يزيد الوضع صعوبة أن القرية تضم نسبة كبيرة من السكان ذوي التأخر  الذهني، يقدرها المسؤول المحلي بحوالي 25% من السكان، أي ما يعادل ربع سكان القرية، وهو ما يعزى سببه إلى حالات زواج الأقارب المنتشرة بكثرة في المنطقة.  هذا الواقع يترك آثاره على مريم، ومن هم في مثل حالتها، وتعمل جاهدة على حمايتهم من فيروس كورونا، رغم أنها تعاني من عجز في قدمها اليمنى على إثر عمليات جراحية، قارب عددها التسعة لكي تتمكن من المشي على قدميها.

الخوف من المجهول

ليس فقط من يعيش في شمال سوريا ممن يحتاجون رعاية خاصة لا يتلقون الدعم والمساعدات الكافية، بل أن المعاناة تشمل هذه الشريحة في مناطق أخرى وبالتحديد تلك المناطق التي كانت تشهد أعمال عسكرية وقصفاً جوياً شرق سوريا خلال المعارك ضد تنظيم داعش.

 النظافة الدائمة، وخشية انتقال العدوى إلى ذوي التأخر الذهني وممن يمتلكون بنية جسمانية هشة، هو ما يجعل والدة الشاب خضر عيسى (30 عاماً) من أبناء قرية قرة قوية، التابعة لبلدة الدرباسية في الحسكة، لا تفارقه ليلاً ونهاراً، كما تقول.

الشاب خضر، المسجّل لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في الحسكة، على أنه يعاني من تأخر ذهني مع تشوهات في الرأس والعين، ويحتاج إلى مرافق، لم يتلق أية مساعدة رسمية ولم يسأل عن وضعه الصحي أحد من قبل، وخلال فترات الحجر الصحي، وخلال ذروة انتشار المرض عالمياً، وبدء انتشاره على الأراضي السورية.

تتولى والدته بالكامل مهمة الحفاظ على صحته، وإبقائه بعيداً عن الإصابة بالجائحة، رغم الفقر الشديد. 

تقول الأم وهي جالسة في فسحة بيتها الريفي: ” لم نتلق مساعدة من أحد، ويومياً يغسل يديه بالصابون، ولا أسمح له بالخروج والاختلاط، أحافظ عليه ليس من الآن بل منذ الصغر، ولا أعلم من سيهتم به من بعدي… أحبّه كثيراً؟”.

وعلى الجانب الآخر، يعمل في منطقة الحسكة بعض المراكز الطبية التي تتولى مهمة إعطاء الخدمات، وفي مجالات دعم التعليم وحماية الأطفال، ومنها مركز “سمارت” في القامشلي، الذي تأسس عام 2012 وتمتد مشاريعه إلى الحسكة ودير الزور والرقة، ومع بدء انتشار وباء كورونا لم يكن هناك أية مخططات لاستهداف ذوي التأخر الذهني بالبرامج التوعوية، كما يقول مدير المركز الأخصائي النفسي، محمد علي عثمان.

يضيف “لا يوجد شيء مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة للوقاية من كوفيد 19، المشاريع متعلقة بالتعليم وحماية الأطفال، لكننا نعمل في مجال التوعية ونشر الملصقات للوقاية”.

تشمل تعليمات السلامة التي تستهدف نحو 500 شخصاً من بينهم أطفال، المحافظة على مسافة التباعد الاجتماعي، متر واحد على الأقل، والتعقيم وارتداء القفازات والكمامات.

العنف خلال كورونا 

يتعايش ذوو الاحتياجات الخاصة الذهنية مع تداعيات كوفيد19 سواء كانوا كباراً أو أطفالاً، ويمكن رؤية معاناتهم، في حين أن قسماً كبيراً منهم يبقون في المنازل يتجنبون الإختلاط، وفق مدير مركز سمارت الطبي.

بقاؤهم في البيت قد يكون عاملاً إيجابياً جنبهم التأثر بالمرض، والتأثر بعوامل أخرى، كالعنف مثلاً. بيد أنّ متخصصون بدؤوا بتسجيل مستويات عنف ضد هذه الشريحة خلال جائحة كورونا في سوريا.  وهو ما أظهرته نتائج استبيان أعدته مؤسسة “مستقبل سوريا الزاهر” المتخصصة بالصحة النفسية والدعم الاجتماعي والحماية، بهدف قياس مستويات العنف تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، ومستويات حصول هذه الشريحة على المعلومات الكافية المتعلقة بمرض كوفيد 19 في سوريا.

كشف الاستبيان، بحسب الاستشاري محمد أبو هلال (44 عاماً)، المتخصص في الطب النفسي، أنّ 20% من المستطلعة آرائهم يعتقدون أن “هناك زيادة في العنف يمارس بحق ذوي الإعاقة خلال هذه الفترة، وأنّ 25% ممن أجابوا على الاستبيان يعتقدون أنّ ذوي الإعاقة لا يحصلون على المعلومات الكافية خلال المرض.”

يعلّق أبو هلال مفسّراً “لقد ازداد العنف بشكل عام بسبب زيادة الاحتكاك بين الناس طوال اليوم، وبسبب الجو الضاغط على الأهالي وعلى ذوي الإعاقات، وبالتالي انخفضت القدرة على تفهم سلوكياتهم”.

ليس هذا فحسب، إذ توضّح مذكّرة تتناول الجوانب النفسية والدعم النفسي الاجتماعي خلال مرحلة فيروس كورونا، صادرة عن IASC  -Inter Agency Standing committee أن هناك عوائقاً تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة خلال كوفد 19، مثل تكلفة الرعاية الصحية التي تحد من الوصول إلى الخدمات، إضافة إلى الأحكام المسبقة والوصمة والتمييز ضد الأشخاص بما في ذلك الاعتقاد بأنهم لا يستطيعون المساهمة في الاستجابة لتفشي فيروس كورونا، وهو ما يترك عليهم وعلى مقدمي الرعاية ضغوط إضافية.

في سوريا، ترخي جائحة كورونا بثقلها على شعب منهك أصلاً، وتبدو الشرائح الأكثر هشاشة نماذج منسية من المعاناة السورية اليومية.

 أنجز هذا التحقيق بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية سراج.

درج

————————————

تحذير للعالم: أرقام كورونا لا تكذب

حثّت منظمة الصحة العالمية الجمعة الدول المتضررة من فيروس كورونا على “الاستفاقة” و”الانخراط في المعركة” لأن “الأرقام لا تكذب”.

وقال المسؤول عن الطوارئ الصحية في المنظمة مايكل راين خلال مؤتمر صحافي، إنه “حان الوقت فعلاً لأن تنظر الدول إلى الأرقام. أرجوكم، لا تتجاهلوا ما تقوله لكم الأرقام”.

وأضاف “يجب على الناس الاستفاقة. والوضع الميداني لا يكذب”، مشيرا إلى أن “الأوان لا يفوت أبداً، في ظل الوباء، للإمساك بزمام الأمور”. وتابع: “تدرك منظمة الصحة العالمية تماما وجود أسباب وجيهة لدى الدول التي تريد إعادة اقتصاداتها للمسار الصحيح”.

لكنه استدرك قائلاً: “لكن لا يمكن تجاهل المشكل أيضاً، إذ إنه لن يختفي بطريقة سحرية”. وشدد على أنه “علينا الانخراط في المعركة الآن. علينا إيقاف هذا الفيروس الآن”. واعتبر ريان أن “الدول تواجه خيارات صعبة” لكن “يتعين عليها كسر سلاسل العدوى”، ويشمل ذلك إقرار تدابير حجر “إن لم توجد بدائل”.

ويواصل وباء كوفيد-19 التباطؤ في أوروبا، لكنه ينتشر بسرعة في القارة الأميركية. ولأول مرة منذ ظهور الفيروس في كانون الأول/ديسمبر، تجاوزت أميركا اللاتينية أوروبا في عدد الإصابات بتسجيلها 2.7 مليون حالة، لكن لا تزال أوروبا المنطقة الأكثر تضرراً في العالم بتسجيلها نحو 200 ألف وفاة قبل الولايات المتحدة وكندا (137 ألفاً) وأميركا اللاتينية (121 ألفاً).

وتتجه البرازيل نحو حاجز ال1.5 مليون إصابة بفيروس كورونا، وذلك في وقت ترفع فيه مدن البلاد قيود العزل رغم تدهور الحالة الوبائية. وتشهد البرازيل ثاني أسوأ تفشٍ لفيروس كورونا في العالم بعد الولايات المتحدة، وقد أودى الفيروس بحياة أكثر من 60 ألف شخص.

وفي آخر إحصائية حول تطورات الحالة الوبائية في البلاد، أعلنت وزارة الصحة البرازيلية تسجيل 1252 وفاة، و48105 إصابات جديدة بالفيروس خلال 24 ساعة، لتبلغ حصيلة الإصابات مليون و496 ألف حالة، والوفيات 61884.

وذكرت جامعة “جونز هوبكنز” الأميركية السبت، أن معدل الإصابات اليومية بفيروس كورونا عالمياً ارتفع إلى 207 آلاف بعد تراجعه أمس إلى 174 ألفاً، فيما بلغت الحصيلة 11 مليونا و74.8 ألف.

وحسب إحصاءات الجامعة، فإن إجمالي الوفيات بكوفيد-19 تجاوز 525 ألفاً، فيما تماثل أكثر من 5 ملايين و875 ألف شخص للشفاء حتى الآن. وأكثر دول العالم إصابة بجائحة كورونا الولايات المتحدة (نحو مليونين و794 ألف إصابة) تليها البرازيل ثم روسيا والهند والبيرو.

بين الدول العربية الأكثر تضررا السعودية مع (201.8 ألف) إصابة، وقطر (98.6 ألفاً) ومصر (72 ألفاً) والعراق (56 ألفاً) والإمارات (50 ألفاً).

ويأتي الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات مع استكمال الدول عملية فتح الاقتصاد، إذ يبدو أن الخيار سيكون للعودة إلى العمل، رغم عدم وجود تفاؤل كبير حول الأدوية المفترضة واللقاحات التي يجري العمل عليها لمكافحة الفيروس.

وأفادت دراسة أميركية جديدة بأن عقار “هيدروكسي كلوروكوين” المثير للجدل، قد جعل مرضى فيروس كورونا في المستشفيات أقل عرضة للوفاة. وقال باحثون من مجموعة هنري فورد الطبية في جنوب ولاية ميتشيغين، إن “هيدروكسي كلوروكوين” قد أسعف المرضى ما أدى إلى تقليل نسب الوفاة بينهم.

وقد انخفضت نسبة الوفاة بين المرضى بحوالي 66 في المئة بعد استخدام “هيدروكسي كلوروكوين”، فيما انخفضت النسبة بحوالي 71 بالمئة عند استخدام عقار “هيدروكسي كلوروكين أزيثروميسين”، بحسب الدراسة التي نشرتها “فوكس نيوز”.

وقد وصلت نسبة الوفيات في المستشفيات باستخدام العقارين إلى 18 في المئة، فيما وصلت إلى 13.5 في المئة عند استخدام “هيدروكسي كلوروكين”. كما وصلت نسبة الوفيات في المستشفيات باستخدام عقار “أزيثروميسين” وحده إلى 22.4 في المئة، ووصلت النسبة إلى 26.4 في المئة من دون استخدام أي من العقارين، بحسب الدراسة التي نُشرت في المجلة الدولية للأمراض المعدية.

وقال الطبيب ماركوس زيرفوس، الذي يرأس وحدة الأمراض المعدية في مجموعة هنري فورد إن “نتائجنا تختلف عن بعض الدراسات الأخرى، ما نعتقد أنه مهم لدينا، هو أن المرضى عولجوا مبكراً. ولكي يكون هناك فائدة لهيدروكسي كلوروكين، فإنه يجب منحه للمريض قبل أن يعاني من ردة فعل الجهاز المناعي جراء كورونا”.

وأصدرت حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية بياناً وصفت فيه الدواء بالرائع، وقالت “لحسن الحظ، قد أمنت إدارة ترامب مؤونة هائلة من الهيدروكسي كلوروكين قبل شهور، تكفي الأمة”. وأضافت “ومع ذلك، فإن هذا هو الدواء الذي شوهت سمعته وسائل الإعلام وحملة جو بايدن لأسابيع، حيث نشرت الشكوك حوله لمجرد أن ترامب تجرأ على ذكره كعلاج محتمل لكورونا”.

المدن

———————————

دراسة جديدة: فيروس كورونا أصبح معديا أكثر بـ6 مرات

توصلت دراسة جديدة إلى أن السلالة المسيطرة حاليا من فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 قادرة على مضاعفة نسبة العدوى من 3 إلى 6 مرات أكثر من السلالة الأصلية، لكن حتى الآن لا يبدو أنها أكثر خطرا.

وكشفت الدراسة التي نشرت في دورية “سيل” (Cell) العلمية أن سلالة فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2″ المنتشرة والمسيطرة على أغلب الإصابات حاليا هي أكثر قدرة على نشر العدوى من السلالة الأصلية التي بدأت في الصين.

وأشارت نتائج البحوث المخبرية -التي نشرت في الدورية- إلى أن التحول الذي مر به الفيروس جعله أكثر قدرة على نقل العدوى، إلا أن هذه النتائج لم تثبت بعد.

وقال كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة أنتوني فاوتشي في تعليق على الدراسة لـ”دورية الجمعية الطبية الأميركية” (Journal of the American Medical Association) “أعتقد أن البيانات تظهر أن هناك طفرة واحدة تجعل الفيروس أكثر قدرة على الانتشار ونقل العدوى لاحتوائه على حمولات فيروسية عالية”.

وأضاف فاوتشي -الذي لم يشارك في هذه الدراسة- “لم نربط بعد بين هذا التحور في الفيروس وإذا ما كانت أعراضه المرضية أسوأ من السلالة الأصلية أم لا، فقط يبدو أن الفيروس أصبح يتكاثر بشكل أكبر وأصبح أكثر قدرة على العدوى، لكننا ما زلنا في مرحلة التأكد من ذلك”.

وكان باحثون من مركز لوس ألاموس الوطني في ولاية نيومكسيكو ومن جامعة دوك في ولاية كارولينا الشمالية قد اشتركوا مع باحثين في التسلسل الوراثي لفيروس كورونا المستجد من جامعة شيفيلد البريطانية في إعداد هذه الدراسة.

وتوصل الباحثون إلى أن النسخة المتحورة من الفيروس المسماة ” دي614جي” (D614G) مرت بتغيير بسيط لكنه مهم طال البروتينات الموجودة على غشاء الفيروس، وهو ما سهل عملية دخول الفيروس إلى الخلية البشرية وانتشاره في الجسم.

وكانت النتائج الأولية التي نشرها الفريق الدولي في أبريل/نيسان الماضي تعرضت لانتقادات لعدم إثباتها إذا ما كان هذا التحول في السلالة هو السبب في انتشار النسخة الجديدة من الفيروس بشكل أسرع أم لا، ويقول المنتقدون إن الصدفة أو عوامل أخرى قد تكون هي المسؤولة عن انتشار هذه السلالة الجديدة.

وأدى ذلك إلى قيام الفريق البحثي بمزيد من الاختبارات، حيث قام بتحليل بيانات 999 مصابا بفيروس كورونا المستجد في مستشفيات بريطانيا، ولاحظ العلماء أن المصابين بالنسخة الجديدة من الفيروس كانت لديهم نسبة أكبر من الجزيئات الفيروسية في أجسامهم، لكن لم يؤثر ذلك على شدة أعراض المرض لديهم.

وبالإضافة إلى ذلك أثبتت تجارب مخبرية أن السلالة الجديدة قادرة على مضاعفة نسبة العدوى في البشر من 3 إلى 6 مرات عن السلالة الأصلية.

وحتى اللحظة، فإن هذه النتائج ما هي إلا احتمالات، حيث إن هذه التجارب غالبا لا تحاكي التطور الحقيقي للجوائح بدقة، وعلى الرغم من أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا المنتشرة حاليا تعد أشد عدوى فإنها قد لا تكون أسهل انتقالا من شخص لآخر مثلما يقال.

ويقول ناثان غروباو -وهو عالم فيروسات في جامعة ييل الأميركية وغير مشارك في الدراسة- إن هذه النتائج لا تؤثر كثيرا على المجتمع.

ويضيف “لا تزال هناك حاجة للمزيد من الدراسات لمعرفة ما إذا كان هذا التحول في السلالة سيؤثر على تطوير دواء أو لقاح للمرض”.

ويتابع “لكننا لا نتوقع أن السلالة المتحورة ستسبب في جعل الأعراض أسوأ لدى المصابين بها أو ستجعلنا نغير إجراءاتنا الوقائية، هذه النتائج مثيرة للاهتمام، وقد تؤثر في حياة الملايين، لكننا لا نعرف بعد مدى هذا التأثير”.

المصدر : الفرنسية + دويتشه فيلله

—————————–

كورونا.. حصيلة قياسية في أميركا وإصابات العالم تتجاوز 11 مليونا

حثت منظمة الصحة العالمية الدول المتضررة من أزمة جائحة فيروس كورونا على “الاستفاقة” لأن “الأرقام لا تكذب”، في وقت تجاوز فيه عدد المصابين في أنحاء العالم 11 مليون شخص، لم يسلم منه مسؤولون، آخرهم وزير خارجية باكستان، في حين سجلت الولايات المتحدة حصيلة إصابات يومية قياسية.

فقد قال المسؤول عن الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية مايكل ريان -خلال مؤتمر صحفي أمس الجمعة- إن “الوقت حان فعلا لأن تنظر الدول إلى الأرقام، أرجوكم لا تتجاهلوا ما تقوله لكم الأرقام”.

وتابع أن منظمة الصحة العالمية تدرك تماما وجود أسباب وجيهة لدى الدول التي تريد إعادة اقتصاداتها للمسار الصحيح، غير أنه استدرك “لكن لا يمكن تجاهل المشكل أيضا، إذ إنه لن يختفي بطريقة سحرية”، مشددا على الانخراط جميعا الآن لإيقاف هذا الفيروس.

واعتبر ريان أن “الدول تواجه خيارات صعبة”، لكن “يتعين عليها كسر سلاسل العدوى”، ويشمل ذلك إقرار تدابير حجر “إن لم توجد بدائل”.

أشخاص ينتظرون الخضوع للفحص قبل دخول مستشفى في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية (رويترز)

حصيلة قياسية

وسجلت الولايات المتحدة مساء أمس الجمعة 57 ألف إصابة جديدة، وهو رقم قياسي عالمي جديد للحالات المسجلة في يوم واحد، مما يرفع العدد الإجمالي إلى أكثر من مليونين و890 ألفا بينهم 132 ألف حالة وفاة.

وكان عضو في لجنة مكافحة كورونا بالبيت الأبيض قد عبر عن خشيته من أن يقفز عدد الإصابات في البلاد إلى 100 ألف إصابة يوميا.

وبات الوباء يتفشى بوتيرة سريعة بجنوب الولايات المتحدة وغربها، وهو ما “ما يضع البلاد بأسرها في خطر”، وفق تعبير مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية أنتوني فاوتشي.

وبسبب هذا الوضع المتفاقم، أوقف بعض حكام الولايات المتحدة خططا لإعادة فتح الاقتصاد، وفرضت ولاية فلوريدا مجددا إجراءات مشددة تشمل حظرا للتجول في بعض مناطقها.

ارتفاع عالمي

ووفق أحدث إحصاءات موقع “وولرد ميتر”، فإن عدد الإصابات بلغ 11 مليونا و193 ألفا، في حين ارتفعت الوفيات إلى 529 ألفا، مقابل 6 ملايين و343 ألف حالة شفاء.

ولأول مرة منذ ظهور الفيروس في الصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجاوزت أميركا اللاتينية أمس أوروبا في عدد الإصابات بتسجيلها 2.7 مليون حالة، لكن لا تزال أوروبا المنطقة الأكثر تضررا في العالم بتسجيلها نحو 200 ألف وفاة قبل الولايات المتحدة وكندا (137 ألفا و421 وفاة) وأميركا اللاتينية (121 ألفا و662 وفاة).

ووسط مخاوف من موجة ثانية بأوروبا، قررت حكومة إقليم كتالونيا عزل منطقة إلسيغري الواقعة في الحدود مع إقليم اراغون في شمال إسبانيا، والتي تضم 200 ألف ساكن، بداية من اليوم ولأجل غير مسمى، بعد تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات بفيروس كورونا|، وفق ما نقل مراسل الجزيرة.

أما إنجلترا فدخلت مرحلة جديدة من تخفيف قيود الإغلاق العام التي استمرت ثلاثة أشهر، والتي فرضت لمواجهة تفشي فيروس كورونا، ضمن ما وصفها رئيس الوزراء بوريس جونسون بالخطوة الأكبر نحو تعافي البلاد من تداعيات الجائحة.

وفي البرازيل، قالت وزارة الصحة أمس إنه تم تسجيل 48 ألف إصابة جديدة ونحو 1300 حالة وفاة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ليرتفع إجمالي الإصابات في البلاد إلى مليون و543 ألفا.

وقد وافقت السلطات البرازيلية على إجراء تجارب سريرية للقاح محتمل مضاد لفيروس كورونا طورته شركة “سينوفاك” الصينية، ومن المقرر أن تجرى التجارب في ست ولايات سجل فيها نحو تسعة آلاف شخص أسماءهم للخضوع لهذه التجارب.

وفي الصين، سجلت اليوم السبت 3 حالات جديدة بينها اثنتان وافدتان، في حين تشهد كوريا الجنوبية زيادة في الإصابات، خاصة في العاصمة سول التي تضم نحو نصف السكان البالغ عددهم 51 مليونا.

وتعمل كثير من الدول الأشد تضررا على تخفيف إجراءات العزل العام الرامية لإبطاء انتشار الفيروس مع إجراء تعديلات واسعة النطاق على أنماط العمل والحياة يمكن أن تستمر لعام أو أكثر إلى حين توافر اللقاح.

وتعاني بعض البلدان من عودة الزيادة في حالات الإصابة، الأمر الذي يدفع السلطات إلى معاودة فرض إجراءات العزل جزئيا، في حين يقول خبراء إنه يمكن أن يكون نمطا متكرر الحدوث حتى عام 2021.

وفي باكستان، أكد وزير الخارجية شاه محمود قرشي إصابته بكورونا بعد أيام من عقد اجتماع رفيع المستوى مع المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد في إسلام آباد.

وفي الأيام القليلة الماضية، خالط قرشي رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في البرلمان وخلال اجتماع حكومي يوم الأربعاء.

وعربيا، أعلنت وزارة الصحة والسكان في مصر أمس الجمعة تسجيل 1412 إصابة جديدة بفيروس كورونا نزولا من 1485 حالة اليوم الذي قبله و81 وفاة نزولا من 86 الخميس.

ومنذ السبت الماضي بدأ سريان قرارات الحكومة برفع حظر التجول الليلي المفروض منذ 25 مارس/آذار الماضي وفتح المطاعم والمقاهي ودور العبادة وإن كانت ستبقي على أعداد الزوار محدودة.

وفي البحرين قالت وزارة الصحة الجمعة إنها سجلت وفاة واحدة و573 إصابة بفيروس كورونا خلال آخر 24 ساعة.

وأوضحت الوزارة أن حصيلة الإصابات بلغت 28 ألفا و410، منها 95 وفاة، و23 ألفا و318 حالة تعاف.

من جهة أخرى، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحفي أمس الجمعة، إن المنظمة تتوقع ظهور نتائج أولية في غضون أسبوعين من التجارب السريرية التي تجريها على الأدوية التي قد تكون فعالة في علاج مرضى كوفيد-19.

من جهته قال رئيس برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان إنه ليس من الحكمة التكهن بموعد يصبح فيه لقاح كورونا جاهزا للتوزيع على نطاق جماهيري.

وأضاف في مؤتمر صحفي أنه في حين قد تظهر فعالية أحد اللقاحات بحلول نهاية العام، يبقى السؤال هو متى يمكن إنتاجه بكميات كبيرة؟

كما سمحت المفوضية الأوروبية باستخدام عقار رمديسيفير المضاد للفيروسات “بشروط”، وهو مستخدم في علاج المصابين على نحو خطير بفيروس كورونا.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————————

 9 أنشطة تُعرّضك للإصابة بفيروس كورونا أكثر من غيرها

    أنشطة ترفع فرص الإصابة بكورونا

    1- السفر الجوي

    2- تصفيف الشعر

    3- تناول الطعام داخل المطعم

    4- لقاء الأصدقاء في المنزل

    5- الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية

    6- شراء البقالة

    7- تناول الطعام في الهواء الطلق

    8- لقاء الأصدقاء في الهواء الطلق

    9- الذهاب إلى الحديقة

ارتداء القناع والحفاظ على التباعد الاجتماعي أمران مهمان من أجل حماية نفسك والآخرين من فيروس كورونا -ولكن هل تعلم مدى خطورة الحصول على قصة شعر مقارنةً بالذهاب إلى باربكيو مع الأصدقاء في الهواء الطلق؟ هناك أنشطة ترفع فرص الإصابة بكورونا أكثر من غيرها نمارسها بشكل شبه يومي.

ورغم أن الطريقة الوحيدة لحماية نفسك بنسبة 100% هي عن طريق عزل نفسك عملياً عن المجتمع، لكنّنا نُدرك أنّ غالبية الناس لا يعيشون بهذه الطريقة، بينما يتعيّن على بقيتنا التفاعل مع الآخرين بطريقةٍ أو أخرى إبان الجائحة، سواءً من أجل شراء البقالة أو استلام طلبات الطعام.

إن كُنت تُعاني من نقص المناعة مثلاً، أو تُقيم مع شخص مناعته قليلة؛ فيُنصح بالابتعاد عن كافة الأنشطة مرتفعة الخطورة.

ووفقاً لإرشادات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، نعدد فيما يلي الأنشطة التي ترفع فرص الإصابة بكورونا.

بدورها تقول خبيرة الأمراض المعدية الدكتورة ساندرا كيشا لموقع Cnet الأمريكي: “هناك خطورةٌ نسبية في غالبية هذه الأنشطة، وهي خطورةٌ تعتمد على أمرين: البيئة المحيطة، وطبيعة ما تفعله داخل تلك البيئة”.

ونظراً لانعدام سيطرتك على الأحداث في البيئة المحيطة خارج منزلك؛ يعتمد معدل الخطورة بنسبةٍ كبير على الظروف الفردية، مثل وجودك داخل منطقة بها معدلات إصابة مرتفعة.

أنشطة ترفع فرص الإصابة بكورونا

1- السفر الجوي

معدل الخطورة: مرتفع

سبب الخطورة: يجب أن تتجنّب السفر الجوي تماماً حتى العثور على لقاح أو علاج للفيروس، إلّا في حالات الضرورة القصوى.

وأوضحت ساندرا: “تكون المطارات عادةً من الأماكن عالية التوتر. إذ يقلق الناس دائماً حيال تفويت رحلتهم، واجتياز التفتيش الأمني -وهناك الكثير من مصادر تشتيت الانتباه. ونحتاج إلى التركيز من أجل الحفاظ على التباعد الاجتماعي وارتداء القناع وتعقيم اليدين، لكنّنا نفقد ذلك التركيز سريعاً بسبب تشتيت انتباهنا وسط الضجيج ومحاولاتنا لتحديد مسارنا. لذا تذهب القواعد أدراج الرياح في هذه المواقف، حتى لدى الأشخاص ذوي النوايا الحسنة”.

وتكمُن مشكلة المطارات الأخرى في أنّك تُصادف أشخاصاً من مختلف أنحاء العالم، وربما وصل أحدهم من إحدى المناطق ذات معدلات الإصابة المرتفعة حاملاً معه الفيروس.

وحين تصير على متن الطائرة؛ يستحيل الابتعاد مترين عن الآخرين، حتى وإن كان المقعد المجاور خاوياً.

وأوضحت ساندرا: “لا يتحرّك الهواء حين تجلس داخل الطائرة في انتظار إقلاعها. وإذا شغّلت المروحة الموجودة فوق رأسك، فلن تُحرّك الكثير من الهواء أيضاً. ويكون المناخ حينها مثالياً بما يكفي حتى ينقل شخصٌ واحد العدوى إلى كافة ركاب الطائرة”.

كيفية تقليل الخطورة: إن كنت مضطراً للسفر، فيجب أن ترتدي القناع طوال الوقت. وحاول حجز تذكرة في رحلة أقل ازدحاماً، حتى وإن لم يكُن توقيتها مثالياً. وابحث عن شركة طيران تتعامل مع الفيروس بجديةٍ أكبر، وتُحدّد سعة الركاب، إلى جانب إجراءات التنظيف العميق.

وحين تصعد إلى متن الطائرة، تأكّد من مسح مقعدك وطاولتك جيداً باستخدام المناديل المطهرة. وعند دخول الحمام، لا تنس غسل يديك جيداً واستخدام معقم اليدين بعد لمس الأسطح التي يُمكن للآخرين لمسها أيضاً.

أنشطة ترفع فرص الإصابة بكورونا

لا يتحرّك الهواء حين تجلس داخل الطائرة في انتظار إقلاعها. وإذا شغّلت المروحة الموجودة فوق رأسك، فلن تُحرّك الكثير من الهواء أيضاً/ istock

2- تصفيف الشعر

معدل الخطورة: مرتفع

سبب الخطورة: ربما يبدو الأمر غير ضار على الإطلاق، لكن تصفيف الشعر على لائحة “أنشطة ترفع فرص الإصابة بالكورونا”؛ فهناك شخص غريب على مقربة مقربةٍ شديدة -أقل من مترين- لمدةٍ تتجاوز الـ15 دقيقة من شخص قد يكون مصاباً بالفيروس.

كيفية تقليل الخطورة: يجب أن لا يكون الصالون مزدحماً، ويجب أن يكون جيد التهوية، ويُبقي الأبواب والنوافذ مفتوحة حتى يتدفق الهواء النقي. كما يجب تشغيل المراوح ومكيفات الهواء حال وجودها.

وتُحدّد الكثير من الصالونات عدد العملاء المسموح لهم بالتواجد داخل الصالون في نفس الوقت، بينما تُلزم بعضها كافة مصففي الشعر والعملاء بارتداء الأقنعة.

3- تناول الطعام داخل المطعم

معدل الخطورة: متوسط-مرتفع

سبب الخطورة: يُمكن لتناول الطعام داخل المطعم أن يكون محفوفاً بالمخاطر لعدة أسباب مختلفة. أولاً، لأنّ البقاء داخل مكان مغلق وعلى مقربة من الآخرين يُعرضك لخطر لقاء أشخاص يحملون الفيروس.

بينما يساعد الهواء الطلق على تحريك جسيمات الهواء سريعاً، مما يُقلّل فرص استنشاقك جسيمات هواء تحمل الفيروس.

وأخيراً، يُمثل التواجد بالقرب من مقدمي الطعام خطراً كبيراً لأنّك تتحدّث إليهم وتتفاعل معهم على مقربةٍ شديدة عدة مرات.

كيفية تقليل الخطورة: يكمُن أفضل خياراتك في أخذ وجبتك والعودة إلى تناولها في المنزل. وثاني أفضل خياراتك هو تناول الطعام في الهواء الطلق.

كما يجدر بك الاطلاع على إرشادات السلامة وبروتوكولات النظافة الخاصة بالمطاعم.

أنشطة ترفع فرص الإصابة بكورونا

وتُحدّد الكثير من الصالونات عدد العملاء المسموح لهم بالتواجد داخل الصالون في نفس الوقت/ istock

4- لقاء الأصدقاء في المنزل

معدل الخطورة: متوسط-مرتفع

سبب الخطورة: تعتمد خطورة لقاء الأصدقاء في المنزل على عدد الأشخاص، ومدى معرفتك بهم، وحجم تعرّضهم لأشخاص آخرين قبل لقائهم بك.

وإذا كانت لديك دائرة أصدقاء تعلم أنّهم مسؤولون في ما يتعلّق بالتباعد الاجتماعي، وتجنّب الخروج والمجموعات؛ فسوف تكون أكثر أماناً معهم مقارنةً بصديق لا يبدي اهتاماً للأمر.

إذ تُشجّع السلطات الصحية، مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، على الحدّ من لقاء الأصدقاء في المنزل قدر الإمكان. إذ يسهل نشر الفيروس في الأماكن المغلقة لأنّ الناس بحكم العادة يتقاربون، ويتحدثون، ويلمسون أسطحاً مشتركة أكثر مثل الأبواب والطاولات والمقاعد وغيرها.

ويقترح بعض الخبراء أنّ الحفلات، وغيرها من تجمعات الأصدقاء والعائلة، في المنزل تتسبّب في عددٍ كبير من الحالات الجديدة.

كيفية تقليل الخطورة: حين يأتي الأصدقاء إلى منزلك، اطلب من الجميع ارتداء الأقنعة. وحدّد عدد الأشخاص حتى تتمكنوا جميعاً من الحفاظ على التباعد الاجتماعي المناسب.

ويُنصح بمزيدٍ من الانتقائية عند إرسال الدعوات، ويُمكن الاكتفاء حالياً بدائرة الأصدقاء المقربين المسؤولين. وإن عجزت عن فعل ذلك، فيجب أن تلتقيهم في الخارج وليس داخل المنزل.

5- الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية

معدل الخطورة: متوسط

سبب الخطورة: كانت صالات الألعاب الرياضية من أوائل الأعمال التجارية التي أعادت فتح أبوابها بعد الإغلاق بسبب فيروس الكورونا، لكنّها ليس الوجهات الأكثر أماناً في الوقت الحالي بالضرورة.

إذ يعتمد الأمان أولاً وقبل كل شيء على مساحة الصالة، ومدى ازدحامها، وقدرتك على الابتعاد بما يكفي عن الآخرين.

وأوضحت ساندرا: “تختلف صالات الألعاب الرياضية عن غيرها من الأماكن لوجود عدد كبير من الناس الذين يلهثون في الوقت ذاته، ونحن ندرك أنّ الزفير القوي يدفع بالجسيمات الفيروسية لمسافةٍ أبعد. كما يصعب التحكم في مسألة عدم ارتداء الغالبية للأقنعة أثناء التدريب، لذا سيكون هناك المزيد من الزفير القوي في الهواء”.

كيفية تقليل الخطورة: تنصح ساندرا بالتأكّد من عدم ازدحام الصالة قبل الذهاب.

كما تنصح أيضاً بالتأكد من وجود تكييف هواء جيد داخل الصالة، واتّخاذها تدابير أخرى لضمان تدفّق الهواء الجيد والسلامة.

ويجب أن تتأكد أيضاً من مسح كافة الأجهزة قبل وبعد لمسها، مع تجنّب استخدام الأدوات المشتركة التي يصعب تنظيفها بعد كل استخدام -مثل أشرطة المقاومة.

6- شراء البقالة

معدل الخطورة: متوسط-منخفض (حسب البيئة المحيطة)

سبب الخطورة: من الأفضل اختيار متجر يُحدد سعة العملاء المسموحة داخله، مما سيشعرك بأمانٍ أكبر. فكلما زادت فترة وقوفك بالقرب من شخص في طابور أو أثناء اختيار الطعام؛ زادت خطورة تعرّضك للفيروس.

كيفية تقليل الخطورة: يُنصح باختيار المتاجر الأقل ازدحاماً وزيارتها خارج أوقات الذروة. كما يُمكن التحقّق من اتّخاذ المتجر لتدابير إضافية، مثل: تركيب الحواجز الزجاجية أو البلاستيكية بينك وبين الكاشير، وتنظيف عربات البقالة بعد كل استخدام.

7- تناول الطعام في الهواء الطلق

معدل الخطورة: منخفض-متوسط

سبب الخطورة: مصدر القلق الرئيسي عند تناول الطعام في الهواء الطلق هو أنّك ستضطر لخلع قناعك، كما ستظل مضطراً للتعامل مع مقدمي الطعام.

كيفية تقليل الخطورة: تأكّد من الجلوس على طاولات متباعدة جيداً. وتحقّق من أنّ المطعم يمنح الأولوية للنظافة، وصحة الموظفين، وارتداء جميع العاملين الأقنعة.

كما يجب أن ترتدي قناعك قدر الإمكان، خاصةً أثناء الحديث أو انتظار الطعام.

8- لقاء الأصدقاء في الهواء الطلق

معدل الخطورة: منخفض-معتدل

سبب الخطورة: إن كنت تنوي الاختلاط؛ فإنّ الاجتماع بالأصدقاء في الهواء الطلق هو خيارك الأمثل لفعل ذلك.

كيفية تقليل الخطورة: كما هو الحال مع اللقاءات المنزلية، حاول تحديد عدد الأشخاص حتى تتمكنوا من الحفاظ على التباعد الاجتماعي. وسيظل من الضروري ارتداء القناع، وتشجيع الناس على غسل أيديهم، وتوفير معقم اليدين.

9- الذهاب إلى الحديقة

معدل الخطورة: منخفض

سبب الخطورة: يُعَدُّ الذهاب إلى الحديقة نشاطاً منخفض الخطورة لأنّك تكون في الهواء الطلق، وتمتلك مساحةً أكبر بينك وبين الآخرين في الظروف المثالية.

لكن معدل الخطورة يرتفع في حال ازدحام الحديقة، وعدم ارتداء الناس للأقنعة، أو تجاهلهم للتباعد الاجتماعي.

كيفية تقليل الخطورة: تقول ساندرا: “أعتبر الحدائق من البيئات منخفضة الخطورة طالما التزمنا بارتداء الأقنعة والحفاظ على قاعدة التباعد مترين”.

—————————————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى