مراجعات كتب

عن كتاب فلاحو سوريا: أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم: حنا بطاطو دراسة في جزئين/ بشير البكر

حنا بطاطو.. تاريخ آخر لفلاحي سوريا (1 من 2)

 صدر كتاب حنا بطاطو “فلاحو سوريا: أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم” في تشرين الثاني 2014، حينما كان الإعلام منشغلاً بالثورة السورية، فلم يستأثر بالاهتمام الذي يستحقه. ويتبادر إلى من يقع على عنوان الكتاب، أنه سوف يجد دراسة اجتماعية تشرح تركيبة الوسط الفلاحي السوري، لكنه يعثر على عمل فريد من نوعه، لم يسبق لأحد أن قام به من أجل دراسة فترة سياسية مهمة من تاريخ سوريا، بدأت في أوائل القرن العشرين ولا تزال مستمرة حتى اليوم، وستبقى تلقي بظلالها إلى وقت طويل. من هنا، يشكل هذا الكتاب مرجعاً، ليس لقراءة حاضر سوريا فحسب، بل يصلح كمتكئ لاستعادة ماضيها واستشراف مستقبلها.

وفي تقديم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي ترجم العمل ونشره، يرِد تلخيص مكثف للكتاب: “مساهمة تحليلية مركزية لطبيعة السلطة السياسية القائمة في سورية، بالعودة إلى الجذور التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفئات المشكّلة لها، ويشمل ذلك تسليط الضوء على الجوانب العقائدية والمذهبية لتلك الفئات”. ويجد القارئ نفسه أمام مساهمة تختلف عن كل ما عرفه من قراءات لتاريخ سوريا، سواء القديم أو المعاصر. نحن أمام عمل موسوعي لا يوجد مثله عن سوريا. وحتى لو قررت جهة ما أن تقيس على منوال الجهد الذي أنجزه بطاطو في سنوات، فإن ذلك يحتاج إلى فريق عمل للقيام بالمهمة على أتم وجه.

كان هدف بطاطو تحليل طبيعة السلطة في سوريا، ومن الطبيعي جداً أن يختار الفلاحين (الوجهاء الأقل شأناً) موضوعاً لدراسته. ذلك أن سوريا بلد زراعي، ومن المجتمع الفلاحي خرجت غالبية الحركات السياسية التي شكلت الخزان الفعلي للأحزاب التي تصارعت على السطة في مرحلتي ما بعد الاستقلال والانفصال، وعلى نحو خاص “حزب البعث”، صاحب الايديولوجيا الانقلابية، والذي نجح في تصفية خصومه الحزبيين من ناصريين واشتراكيين وشيوعيين، ومن ثم انتقل الصراع إلى داخله في مرحلة ما بعد الانفصال. وتنحدر غالبية الفاعلين في أحداث سوريا الرئيسية من فئات فلاحية.

مع بطاطو نعيد اكتشاف سوريا، البلد الذي له خصوصيات لا تتقاطع معه فيها بلدان كبرى في الشرق الأوسط مثل العراق أو مصر. ونقف على حقيقة أن الجذر الطائفي لدى الأقليات في هذا البلد قوي إلى حد كبير، وهو الذي أنتج نوعاً من العصبية الطائفية، وشكّل نمطاً معيناً من الحكم، وهذا يتجلى في القسم الأخير من الكتاب (حوالى 350 صفحة)، الذي أفرده المؤلف لحكم حافظ الأسد، ويُعدّ أهم استنتاج وصل إليه الكاتب هو أنه “بعث” الأسد، هو غير “البعث” الذي كان موجوداً، قبل أن ينقلب على رفاقه العام 1970 ويضعهم في السجون، وترك بعضهم يموت هناك مثل صلاح جديد، خصمه الأساسي وهو ابن طائفته اللدود.

وكان يمكن لبطاطو أن يقوم بدراسة ميكانيكة جافة، تعتمد على الأرقام والبحوث الميدانية والشهادات، وأن يقوم بمسوحات ميدانية للبيئات الفلاحية. وطالما أن هدفة تحليل طبيعة السلطة الحاكمة، كان يمكن له أن يذهب نحو السياسيين، كما فعل باتريك سيل في كتابيه المهمين عن سوريا، ومثل الكثير من الدراسات، ويقدم قراءته الخاصة. لكن الرجل آثر أن يشتغل بمنهج مختلف لم يسبقه أحد إليه، وهو تفكيك البنى السورية إلى تكويناتها الأولى، ليصل به الأمر أحياناً إلى الشرح الممل، من أجل أن يقدم صورة وافية للقارئ عن مسألة ما. ويبدو أن البيئة استهوت بطاطو كثيراً، فشطَّ في كثير من الأحيان عن مهمة البحث، ليقدم تفاصيل لا يدركها أو يعرفها حتى ابن البيئة نفسها. فهو مثلاً يأتي بمعلومات وتفاصيل غير متداولة عن التمايزات بين الدروز والحوارنة، أو تفصيلات بين أهل الرقة ودير الزور، أو العلويين أبناء الساحل والجبال.

صحيح أن بطاطو أراد أن يدرس أدوار العوامل التي تدخلت تاريخياً في تكوين شخصية الفلاحين السوريين، لكن دراسته تقودنا إلى استنتاجات أبعد بكثير من تلك التي يهدف للوصول إليها البحاثة التقليديون. فهو يميز مثلاً بين شخصيتي الفلاح البستاني والفلاح المزارع. فالأول ابن الغوطة الذي يعتمد على مياه نهر بردى لزراعة الأشجار المثمرة، في حين أن الثاني هو ابن حوران أو الجزيرة الذي يعتمد على مياه الأمطار من أجل زراعة الحبوب، القمح والشعير والعدس، ويخلص إلى استنتاجات عن التمايز بين النمطين، الأمر الذي يسحب نفسه على تكوين الشخصية وبنية المجتمع. الأول علاقته بالأرض أمتن وإخلاصه لعمله أكبر وأقوى، بينما الثاني، لا يحب العمل اليدوي، ويكره الزراعة، ويفضل العودة إلى الرعي.

ويأخذنا الكاتب إلى تشريح البنى كافة، الطائفية، والقبلية. ويقدم معلومات لا تعرفها سوى فئات قليلة من السوريين حول تشكلات الطوائف والعشائر والتحولات التي عرفتها سوريا خلال الأعوام الخمسين الأخيرة، وكيف انعكس ذلك خلال الصراع، في السلطة والثروة. ويعطي أهمية كبيرة للتقسيمات الطائفية ويعزو لها الكثير من التحولات السياسية، من ذلك على سبيل المثال، أنه في أوائل السبعينات أكدت الشيعة الإمامية، بقيادة الأمام موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الإسلامي الإعلى “الوحدة المذهبية للعلويين مع الشيعة”، واتخذت خطوات لكسر طوق العزلة الذي فرضه الأعداء والمنحرفون على الأخوة العلويين (ص 59) وهذا الكلام نقله بطاطو عن المقدمة التي كتبها الشيخ عبد الأمير قبلان لكتاب “العلويون”.

ومن الأسئلة المهمة التي طرحها بطاطو وحاول أن يجيب عنها هو: هل كانت الزراعة تتقدم في ظل حكم “البعث”؟ والجواب أن مساحة الأرض الزراعية تقلصت، من أوائل الستينات الى أوائل التسعينات، بنسبة 15%. وهناك أسباب، منها سوء استخدام المياه الجوفية، وتلوث المياه ومنها نهر بردى. انتشار التسبخ والملوحة، خصوصاً في مناطق سد الفرات، اي خراب التربة وتكلسها كما في منطقة الفرات، وزحف الاسمنت. وقاد هذا الوضع إلى أن تتحول سوريا بلداً مستورداً للمنتجات الزراعية ما بين 1970 و1990، أي أنها دخلت مرحلة من العجز الغذائي، وبدأ يتراجع بعد ذلك بسبب خفض القيود على المشاريع الزراعية الخاصة.

ويحار قارئ بطاطو ويأخذه الاعجاب بهذا الجهد، ليس فقط في ما يخص المعلومات التي جمعها ووضعها بين دفتي هذا الكتاب (700 صفحة من القطع الكبير)، وإنما العرض والأسلوب واللغة التي قدم بها الباحث عمله. يشبه الكتاب رواية ملحمية كلاسيكية من روايات القرن التاسع عشر (هو يستشهد ببلزاك في الفصل الخامس في الحديث عن صور الفلاحين وينقل عن فريدريك انغلز قوله إنه تعلم من تفسير بلزاك للمجتمع الفرنسي أكثر مما استفاد من كل مؤرخي واقتصاديي تلك الفترة)، او حتى أعمال عبد الرحمن منيف “مدن الملح” التي تناولت الجزيرة العربية بالتشريح. وأظن ليس هناك روائي يمر على هذا العمل، ولا تصيبه الغيرة من بطاطو الذي لم يترك صغيرة أو كبيرة عن المجتمع الفلاحي من أقصى جنوب سوريا إلى أقصى شمالها، ومن الشرق إلى الغرب. ويحضر في الكتاب التاريخ والجغرافيا، الحاضر بكل تفاصيله، والماضي بكل احالاته وتقاطعاته، الدين والطوائف وكيفية اشتغالها وتوظيفها ودورها في حياة البيئة الفلاحية ومن ثم التاريخ السياسي للبلد، ويذهب بطاطو إلى مناقشة كل تفصيل بما في ذلك الحكايات العادية والملابس والطعام. وهو حين يتحدث عن صورة الفلاح عند ابن خلدون وبلزاك، فإنما يقف عند صفة المكر التي يسقطها عليه بلزاك في رواية “الفلاحون”، وهو هنا يتقاطع مع الكاتب الأميركي جيمس سكوت، صاحب كتاب “المقاومة بالحيلة” الذي يتحدث عن مكر الفلاحين في اندونيسيا حين لا يملكون وسائل المقاومة المباشرة (أسلحة الضعفاء: أشكال يومية من مقاومة الفلاحين). ويذكر منها التواني، النفاق، الهروب، الإذعان الزائف، السرقة والجهل الكاذب، والافتراء والحرق والتخريب. لكن بطاطو لا يركن لهذه النظريات، وإنما يبتكر نظريات يقسّم على أساسها الفلاحين السوريين، وكما أشرنا فهو يميز بين الفلاح البستاني والمزارع. الفلاحون ابناء العشائر والذين لا عشائر لهم، الفلاحون مالكو الأرض والذين لا يملكون، الجبليون وأبناء السهول، الصوفيون ومعتنقو الطرق السرية. ويذهب من هنا إلى الفلاحين الذين قاموا أول مرة، بخطوات الاتحاد المهني، فشكلوا في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، طائفة البساتنة، تحت رئاسة زعيمهم الخاص في الغوطة (شيخ البساتنة)، وآخر رئيس لها في دمشق هو محمد سعيد آغا الذي توفي العام 1930، والذي كان يمتلك بستاناً في منطقة العدوي من سوق ساروجه، لكن الجماعة استمرت في حمص حتى العام 1951 وكان في عضويتها أكثر من أربعة آلاف بستانجي.

وفي الفصل الخاص بالشيوعيين والفلاحين، يتقصى بطاطو العلاقة التي نشأت بين حزب الطبقة العاملة والوسط الفلاحي، وهي علاقة ملتبسة، رغم أن أحد الشعارات التي رفعها الحزب هو أنه حزب العامل والفلاح وقيام دولة العمال والفلاحين، ويذهب الالتباس الى قيادة الحزب نفسه، وينقل عن الشيوعي فؤاد الشمالي ابن الفلاح الكسرواني موقفه من تنسيب ناصر حدة، لخالد بكداش، إلى الحزب العام 1930، بأن الحزب وقع في قبضة المثقفين، وذلك قبل سبع سنوات من وصول بكداش الى منصب الأمين العام. ويعزو تعثر الحزب في أوساط الفلاحين الى أن ناصر حدة كان العربي السني الوحيد، في حين أن البقية أرمن ومسيحيون موارنة (الشمالي فؤاد وشقيقه نسيم من موارنة كسروان). وبمجرد أن تسلم بكداش قيادة الحزب، بدأ يحابي الملاكين بدعوى أن سوريا في مرحلة التحرر الوطني، وكل ما يطلبه من الإقطاعي الرأفة بالفلاح.

وكانت خسارة الحزب الكبرى العام 1947، حين قبل الكرملين خطة تقسيم فلسطين، وفي وقت كان الحزب يعد بالآلاف بات يتشكل من بضع مئات، وغادره الأعضاء الى حزب أكرم الحوراني، الحزب العربي الاشتراكي الذي وصفه بطاطو بأنه أول حزب زراعي في سوريا وله يعود الفضل، وليس للحزب الشيوعي، في نقل الفلاحين من تأثير الأفكار الصوفية وتحويلهم إلى “طبقة متماسكة نسبياً ذات أهداف واعية”، وهو ما ساعد أكرم الحوراني في تحدي سلطة مالكي الأراضي الكبار، بيت البرزاي وبيت العظم. وهذا ما قاده لاحقاً الى الربط بين المسألة الزراعية والقومية. ويرسم بطاطو في الكتاب مسار الحوراني بوصفه زعيماً استمد زعامته من تبني المسألة الفلاحية، وهو ما أدى الى التفاف فلاحي واسع من حوله، ولهذا سار حزب “البعث” للتوحد معه، وهذا ما أدى إلى الاندماج بين الحزبين العام 1952. ويميز المؤلف بين الحزبين لجهة الصلة بالفلاحين، وهي قوية وأساسية لدى الاشتراكيين العرب، وضعيفة لدى “البعث” الذي لم يشارك في مؤتمره الأول العام 1945 سوى مزارع واحد وعامل واحد من أصل 217 عضواً كانت غالبيتهم من المعلمين. لكن دراسة “البعث” الفعلية تبدأ مع “بعث” الستينات مع صعود الوجهاء الريفيين أو القرويين الأقل شأناً، وهذا الفصل من أكثر فصول الكتاب أهمية، كونه يفسر بالأرقام استيلاء العسكر على حزب “البعث”، وليس كل العسكر، بل العسكر الذين ينتمون إلى ما أطلق عليه هو “الطوائف الابتداعية”، وهو يقصد من ذلك اللجنة العسكرية التي تشكلت في القاهرة العام 1959 من ضباط (محمد عمران، أحمد المير، صلاح جديد، حافظ اسد، عبد الكريم الجندي)، ويكشف بطاطو أن هناك آخرين (المقدم مزيد هنيد، المقدم بشير صادق، الرائد عبد الغني عياش، سليم حاطوم، أمين الحافظ، محمد رباح الطويل، احمد السويداني..الخ)، لكن هؤلاء لم يبقوا طويلاً، وبقيت اللجنة مؤلفة من خمسة لتلعب أدواراً أساسية، خصوصاً في انقلاب 23 شباط 1966، ويذكر أن عشرة من 19 عضواً كانوا من طبقة الوجهاء الريفيين أو القرويين المتوسطة أو الأقل شأناً. ويورد بطاطو أرقاماً تظهر الآلية التي تم بها تخريب الجيش السوري وتحويله من جيش مهني إلى جيش للحكم، وذلك من خلال حملات تسريح كبيرة بعد انقلاب 8 آذار 1963 ومع بلوغ حرب حزيران 1967 جرى طرد ثلث الضباط المؤهلين من الجيش السوري، حيث تم تسريح مئات الضباط المهنيين، وحل محلهم ضباط لم يكمل بعضهم المدرسة الحربية، وهذا أمر لا يمكن اغفاله حين قراءة هزيمة 1967 (ما أظهرته الحرب على نحو موجع) حسب تعبير بطاطو، ويربط ذلك بالتغيير المستمر لقيادة القوات المسلحة. فمن آذار 1963 وحتى حزيران 1967 شغل سبعة جنرالات منصب وزير الدفاع، وخمسة رئاسة الأركان، ويسمي بطاطو ذلك: ترييف الجيش بصعود العلويين على حساب الكفاءات السنية الحضرية. ويعزو بطاطو سيطرة العلويين على الجيش إلى السياسة الفرنسية الموجهة نحو الأقليات، حيث كان عديد العلويين الأفراد وضباط الصف يشكل نسبة 55%، بالاضافة الى الأوضاع الاقتصادية للعلويين التي كانت تدفعهم إلى تطويع ابنائهم في الجيش.

بعد قرابة 330 صفحة، يدخل بطاطو في جوهر الأطروحة الأصلية للكتاب وهي دور أبناء الفلاحين والوجهاء الريفيين والأقل شأنا في السيطرة على حزب “البعث”، ويسمي هو هذا الفعل “ترييف البعث”، بعدما سيطر العلويون على الجيش، وينتقل بعد ذلك إلى دراسة السياسات الزراعية ومعناها الاجتماعي، خصوصاً في الفترة التي تم فيها تطبيق قانون الإصلاح الزراعي على نحو واسع العام 1969، والهدف من ذلك خفض عدد الفلاحين الفقراء وسحبهم نحو الميدان السياسي، وكان هذا المشروع يرعاه خصم حافظ أسد، صلاح جديد. وفي هذه الفترة بدأ ايضاً مشروع سد الفرات في الطبقة، العام 1968، ويختم هذا الجزء من الكتاب قبل أن يقترب من منتصفه بسقوط تيار حزب “البعث” الذي ساد في الستينات (1963-1970) والذي كان محسوباً على صلاح جديد، ويفسر بطاطو السبب الرئيسي في هزيمة هؤلاء، بطريقة إمساكهم بالسلطة وتقلب الحزب من أزمة لأخرى وكذلك نتائج حرب 1967. ويصف تاريخ تلك الفترة بأنه تاريخ الشقاقات الحزبية، ويقف عند التصنيفات بين يمين ويسار، ويقول إن صلاح جديد لم يكن يسارياً، وليس له التزام ايديولوجي متسق، أو كما وصف الأمين القُطري حمود الشوفي، صفة اليسارية لدى جديد، بأنها “جزء من لعبة السلطة” التي قادت إلى صراع بينه وبين الأسد، فظهر للعلن العام 1968، وصارت الأوساط الحزبية تتحدث عن ازدواجية السلطة، وكان الأسد يلعبها بشطارة أكثر من جديد، وبدأ يأكل صلاحيات الحزب حتى أعلنت القيادة القُطرية في شباط 1969 ان “السلطة لم تعد في يد الحزب”، واستمر التدهور حتى قام الأسد بانقلاب 16 تشرين الثاني 1970، والذي أطلق عليه “الحركة التصحيحة”، واستقبله تجار دمشق بلافتات “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ أسد”.

حنا بطاطو.. حافظ الأسد الفلاح الأول والأخير (2-2)

يقدم بطاطو رواية متكاملة عن انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970، من الألف إلى الياء. وحسب ما جمعه من معلومات وآراء، فإن الأسد تصرف بعد انقلاب 23 شباط 1966، وأمامه هدف الوصول إلى الحكم، من خلال العمل على تهميش ما بقي من حزب البعث، وقضم صلاحياته تدريجياً، مقابل تعزيز موقعه في الطيران الحربي والصواريخ والمخابرات. وتظهر دقة حساباته حين رد على قرار مؤتمر الحزب في 13 تشرين الثاني 1970 باعفاء الأسد من منصبه كوزير للدفاع، والذي حوله إلى خاتمة لصلاح جديد الذي اعتقله الأسد هو وانصاره، وشكل ذلك انعطافة كبيرة نحو ما يعرف بزمن عبادة الأسد “قائد المسيرة”. وسيمضي المؤتمر القطري الثامن الذي انعقد بعد اقل من سنة على صراع الخلافة مع شقيقه رفعت العام 1985 الى أبعد من ذلك بكثير، ليرفع شعار “قائدنا للأبد الأمين حافظ الأسد”، وساد خطاب الولاء، وتجريم كل من يعترض على ذلك “يشكل انحرافاً خطيراً يرفضه الحزب وترفضه الجماهير”. ويشهد بطاطو أن أهم تطور شهده عهد الأسد، نمو حزب البعث جماهيرياً، حتى وصل في مطلع التسعينات إلى انخراط قرابة 15% من السوريين في عضويته، بما يفوق جماهيرية الحزب الشيوعي السوفياتي في عز شعبيته التي كانت تقدر بمعدل 6%. ويسجل المؤلف هنا ان حافظ الأسد أول حاكم لسوريا من أصول فلاحية، وتنحدر أسرته من سلالة حراث الأرض” إنني أولاً وأخيراً.. فلاح ابن فلاح. إن جلسة بين سنابل القمح وعلى بيادر الزرع تساوي في نظري كل قصور الأرض” (من كلمة في 8 آذار 1980).

ويدرس بطاطو شخصية الأسد من خلال ثلاث محطات مهمة. الأولى هي حرب حزيران 1967، حين كان وزيراً للدفاع، ويسجل عليه إصدار البلاغ الرقم 66 الذي أعلن سقوط القنيطرة في يوم 10 حزيران، في حين أن الاسرائيليين لم يدخلوها بعد، ولم يكونوا في هذا الوارد. حتى أن وزير الدفاع موشيه دايان صرّح: “لم يكن أي جندي اسرائيلي في تلك الساعة على مشارف المدينة”. وكانت الأوامر صدرت من رئيس الأركان، اسحق رابين، بتثبيت الخط عند إنجاز اليوم في الجولان بسبب شراسة المقاومة السورية، لكن بلاغ الاسد الذي خلق بلبلة في الجبهة السورية، أغرى اسرائيل بالتقدم. ويرى بطاطو أن تصرف الأسد غير مفهوم وغير حصيف. والمحطة الثانية هي حرب تشرين الأول 1973 والتي تغير أداء الأسد خلالها، لكن هناك معطى أساسياً، هو أن الدعم الروسي كان مختلفاً عنه في العام 1967. ومع ذلك لم يتحرر شيء من الأرض التي احتُلت العام 1967، على عكس ما حصل في الجبهة المصرية، حيث تمكن الجيش المصري من استعادة سيناء، ولذلك التف الأسد على الأمر، واكتفى بالتبرير “لم نحرر الأرض لكننا حررنا الإرادة من كل قيد”. وفي المحطة الثالثة، الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، يلاحظ بطاطو أن الأسد مارس ضبط النفس، وكان من حسن حظه أن قائد العملية هو وزير الدفاع ارئيل شارون الذي كان أهوج، ولم يحقق هدف تحطيم المقاومة وطرد سوريا من البقاع، وقاد هذا إلى اسقاط اتفاق 17 أيار لاحقاً، واعتبر اسقاط الاتفاق نصراً سياسياً للأسد. لكن الجو الداخلي السوري كان يخيم عليه كابوس مجزرة حماة، في حين لم يكن الأسد ينظر لغير السلطة بأي ثمن. ويلخص بطاطو فلسفة الأسد بما رواه له حمود الشوفي، الذي كان يمثل سوريا في الأمم المتحدة، وكان قيادياً سابقاً في حزب البعث (أمين عام)، فقال إن الأسد قال له العام 1971 “الناس لهم مطالب اقتصادية في الدرجة الأولى، ونستطيع تلبية تلك المطالب بشكل اأو بآخر. وهناك مئة أو مئتان بالأكثر ممن يعملون جدياً بالسياسة او يتخذون منها مهنة لهم”، وخلص الى ان هؤلاء سيكونون ضده مهما فعل، وأن سجن المزة أصلاً مبني من أجل هؤلاء.

وبنى الأسد نظامه على أربعة مستويات. الأول أجهزة الأمن. والثاني التشكيلات المسلحة الخاصة. والثالث حزب البعث. والرابع الحكومة. وكل هذه التكوينات مسؤولة أمامه فقط. ويذهب بطاطو إلى ان الغرائز الأولية تجاه العائلة والعشيرة والطائفة لدى الكثير من العلويين، تركت أثرها في هيكل سلطة الأسد إلى هذا الحد أو ذاك، ويظهر ذلك في 61% ممن انتقاهم الأسد من 31 ضابطاً بين 1971 و1997 ليحتلوا المواقع الرئيسة في القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية النخبوية وأجهزة الأمن والاستخبارات. وكان 8 من هؤلاء من عشيرة الأسد (الكلبية)، و4 من عشيرة زوجته (الحدادين)، وكان 7 من هؤلاء الـ12 من الأقرباء المباشرين، شقيقه رفعت، وابن عمته شفيق فياض، وابن عم زوجته عدنان مخلوف. ويشرّح بطاطو هذه الشخصيات تشريحاً دقيقاً يصل الى العودة الى أصولهم البعيدة. فمحمد ناصيف ابن وجيه يعيش على الاتاوات، علي دوبا ابن رجل دين، علي المدني ابن بائع حلويات، عدنان مخلوف ابن وجيه غني مراقب على الفلاحين، ابراهيم الصافي ابن محاصص في الفلاحة، علي حيدر ابن رجل دين، حكمت الشهابي كردي، مصطفى طلاس من أم تركية وجدّته لأبيه شركسية رغم انه يدعي انه من بني عبس وسلالة عنترة بن شداد. ولا يفوت بطاطو أن يحدد أن أدوار طلاس والشهابي كانت مراسيمية لا أكثر. طلاس كما يصفونه “ليس له من دور إلا دور الذيل من الدابة”. أما الشهابي فلم يكن قادراً على تحريك قطعة عسكرية، وكانت المهام الحساسة من اختصاص نائبة العلوي علي أصلان. والأشخاص الأساسيون الذين عملوا تحت إمرة حافظ أسد، ولعبوا دوراً في تقوية أركان حكمه هم محمد ناصيف، علي دوبا، محمد الخولي، وكلهم علويون وكلهم برتبة لواء.

ويفرد بطاطو قرابة 200 صفحة من الكتاب، لأهم المحطات والتحديات التي واجهت حكم الأسد، ويبدأ من عند المواجهة مع الأخوان المسلمين التي بدأت على شكل مناوشات وعمليات اغتيال في نهايات السبعينات، وتحديداً بعد وفاة مروان حديد في سجن المزة في حزيران 1976، لكن الانعطافة الكبيرة كانت مع مجزرة مدرسة المدفعية التي ارتكبها النقيب ابراهيم اليوسف في حزيران 1979 وراح ضحيتها 80 ضابطاً علوياً. ومن هناك أخذت المواجهة مع الأخوان المسلمين منحى آخر، لتقود إلى سلسلة من المجازر التي ارتكبها النظام، توّجتها مجزرة حماة في شباط 1982، والتي أرادها الأسد درساً لكل من يرفع رأسه ويفكر في الحرية “وانتهى النزاع بحمام دم لا نظير له في تاريخ سوريا الحديث”، والتي “تبقى من الناحية الاخلاقية وصمة في سيرته” على حد تعبير بطاطو. اما المحطة الثانية ذات الأهمية الاستراتيجية، فهي الحرب العراقية الإيرانية. ويبين بطاطو، استناداً إلى تقرير داخلي صادر عن حزب البعث في سوريا، أن هدف الأسد من الوقوف إلى جانب إيران هو “إطاحة الزمرة التكريتية التي تخلت عن البعث وخطه القومي”، لكنه ذهب أبعد من ذلك ووصل حد التحالف الاستراتيجي مع إيران من منطلقات طائفية. والمسألة الثالثة هي الصراع مع إسرائيل، ومبدأ التوازن الاستراتيجي الذي ينظر إليه بوصفه هدفاً بعيد المدى ووسيلة لتفادي الاستسلام وضمان الوصول إلى سلام عادل، هو في نهاية الأمر نهائي. والمحطة الثالثة هي العلاقة مع حركة فتح والتي كانت بدايتها باعتقال الأسد قادة حركة فتح، وعلى رأسهم ابو عمار وأبو جهاد، بعد حادثة مقتل الضابط يوسف عرابي العام 1966، والتي وُجّهت فيها التهمة لقيادة فتح. وينقل بطاطو عن ابي اياد، الذي قدم من الكويت للقاء الأسد، إن الكلمات التي وجهها لهم تحمل نبرة عداء “وقد صعقنا خلال الساعات الثلاث التي استغرقها حديثنا معه مقدار الكراهية التي يكنها لأبي عمار. ونعت فتح بأنها منظمة غامضة ضيقة الأفق معظم أعضائها من الأخوان المسلمين والبعثيين المرتدين”. وفي أحداث أيلول 1970 في الأردن، اتخذ الأسد موقفاً صريحاً ضد المقاومة الفلسطينية، واتهم صلاح جديد، الأسد بـ”اجهاض قرار قيادة الحزب لحماية المقاومة”، وأن الأسد كان على اتصال مع وصفي التل، الذي كان مساعد الملك حسين، وطمأنه بأن سلاح الجو السوري لن يتدخل لحماية الفدائيين، رغم أن الأسد أعطى وعداً للفلسطينيين بذلك.

ويتوقف بطاطو أيضاً عند موقف الأسد في الحرب الأهلية اللبنانية، وكيف أيد المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية، في بداية الأحداث، ثم انقلب عليهما، وبعد ذلك اغتيال كمال جنبلاط وتصفية مخيم تل الزعتر. ويرجح أن هذا الموقف نابع من تلبية طلب الحكومة الأميركية في رسالة نقلها اليه سفير أميركا في دمشق، ريتشارد ميرفي، الذي أسرّ لبطاطو أن هدف الولايات المتحدة كان الحيلولة دون وقوع حرب بين سوريا واسرائيل، ولذلك كان هناك تفاهم على ألا تجتاز القوات الإسرائيلية نهر الليطاني، في حين أن كمال جنبلاط كان على قناعة أن الأسد وقع ضحية لوزير الخارجية هنري كيسنجر الذي استدرجه إلى لبنان، وشاركه في ذلك قادة المقاومة، فأبو اياد صرح “لقد وقع اشقاؤنا السوريون في شرك كيسنجر”، ويستنتج بطاطو من حرب الأسد على المقاومة أنها لم تمنحه أكثر من ميزة تفوق استراتيجي عليها، لكنه لم يسيطر عليها.

أما المحطة الرابعة فهي الغزو الاسرائليلي للبنان العام 1982، ولا يأتي بطاطو بجديد على ما هو معروف من مواقف الأسد الذي لحس وعوده للمقاومة بالدعم، ووقف يتفرج عليها وهي تقاتل وتواجه الحصار وحيدة، رغم أن الإسرائيليين نكثوا بالوعد الذي أعطوه له بأنهم لن يجتازوا الليطاني، ودمروا جزءاً من سلاح الطيران السوري، ولم يردّ الأسد.

ويستنتج بطاطو أن ما هو معروف عن وسائل حافظ أسد أكثر مما هو معروف عن غاياته التي لا تكتشف إلا حين تتحقق. وعلى العموم هو ليس رجلاً إيديولوجياً، بل براغماتياً، وهذا يطرح السؤال هل هو قومي عربي، أم قومي سوري؟ أم أن القومية العربية والسورية مرتبطتان مع بعضهما البعض في فكرة؟ وهل يتمسك بهذه الأفكار أم أنه يستخدمها لأغراض خاصة؟

وفي نهاية الكتاب يخلص بطاطو إلى استنتاجات مهمة:

– لم يشكل الفلاحون جماعة اجتماعية متجانسة أو متماسكة طوال قرون الحكم العثماني، وصولاً إلى الفترات التي تلت الاستقلال مباشرة.

– يختلف فلاحو سوريا عن بعضهم البعض، من حيث التجربة التاريخية والولاء الديني والأفق الاجتماعي والمصالح الاقتصادية.

– أكرم الحوراني، أول زعيم سوري في التاريخ الحديث، ركز على الفلاحين وحياتهم القاسية التي لم يكترث لها أحد، وسعى إلى التواصل معهم على اختلاف هوياتهم وفئاتهم.

– لم يكن حزب البعث في بداياته، أي بين العامين 1943 و1952، حزباً ذا توجه فلاحي، ولم يحظ حراث الأرض بانتباه كبير من حزب البعث، وحتى بعد “وحدته” مع الحزب العربي الاشتراكي بقيادة الحوراني العام 1952.

– رغم اهتمام حافظ الأسد الدائم برغبات الفلاحين، فإنه لاحظ باكراً إن أحدى الطرائق الناجعة للمّ شمل البلد، وضمان استمرار مصلحته، هي بناء الجسور مع التجار ورجال الصناعة، وتأمين مصلحة لهم في نظامه.

أمضى بطاطو سنوات عديدة وهو يعمل على الكتاب، وقام بزيارات طويلة الى سوريا في الأعوام 1980، 1985، 1990، 1992. وصدر الكتاب العام 1999، قبل رحيل المؤلف العام 2000 بوقت قصير. ومن الشخصيات التي قابلها من أجل هذا الكتاب: أكرم الحوراني، ابراهيم ماخوس، سامي الجندي، جلال السيد، عبد الحميد السراج، انطوان مقدسي، زكي الارسوزي، ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، وهيب الغانم.

ويبقى أن بطاطو أهدى العمل الموسوعي إلى الشعب السوري. وذلك يعبّر عن نبل كبير وحب لهذا الشعب، يتجلى في كل تفصيل من تفاصيل الكتاب الذي أخذ منه آخر أعوام حياته. لكن هذا لا يعفي العمل الجبار من بعض الملاحظات. أولها أن الجزيرة السورية لا تحظى بالاهتمام نفسه الذي أعطاه بطاطو لبقية المناطق ذات الطابع الفلاحي، مثل حوران وأرياف حلب وحماة وغوطة دمشق، مع أن الجزيرة تشكل ثلثي المساحة المزروعة في سوريا، وكان يمكن لبطاطو أن يجيب عن أسباب اهمال هذه المنطقة بعد الاستقلال، وطيلة الحكومات المتعاقبة بما فيها حكم الأسد ونجله. وثاني الملاحظات، أهمل بطاطو تناول شخصيات ذات تأثير في تاريخ الجزيرة السياسي، من بين الوجهاء الزراعيين الكبار وشيوخ العشائر، مثل عبد العزيز المسلط شيخ مشائخ الجبور، والسيد حمود العلي الخليف من مشايخ الشيخ عيسى والنوامس، وخصوصاً السيد احمد النامس وسلمان النامس ودهام الهادي أحد مشايخ شمر. وهؤلاء كانوا من الملاك الكبار والمتوسطين والذين لعبوا دوراً أساسياً في تطوير البنى التحتية، ومنهم من وصل الى أول برلمان بعد الاستقلال مثل عبد العزيز المسلط، ومنهم من أدخل تحديثاً كبيراً على أساليب الزراعة مثل سيد حمود العلي الخليف، على نهر الخابور ومد مياه الخابور الى الصحراء من اجل زراعة القطن. والملاحظة الثالثة، أنه أسقط عائلات كبيرة، مثل أصفر ونجار ومرشو، لعبت الدور الرئيسي في إدخال الماكينة الى الزراعة، في الجزيرة مثل أول جرار أميركي كاتربيلر، وأول حصادة أميركية جوندر في الثلاثينات. أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بأدوار بعض الشخصيات البعثية التي لعبت دوراً في حياة حزب البعث والحكم في سوريا، وكانت حاضرة في التجربة ولم يمر على ذكرها حتى مرة واحدة، مثل نور الدين الأتاسي ويوسف زعين (ورد ذكره مرة واحدة في الكتاب ص354 حين تكلم المؤلف عن حضور البعث في دير الزور) ومحمد عيد عشاوي ومصلح سالم ومهيدي الحسيني وياسين الحافظ. والملاحظة الأخيرة هي إن عدم تسليط بطاطو الضوء عل فلاحي الجزيرة، قد يكون نابعاً من عدم اهتمام الاحزاب السياسية والحكومات بهذه المنطقة الشاسعة، التي تشكل أكثر من ثلث مساحة سوريا، وهي منطقة فلاحية بامتياز. لكن، مهما يكن من أمر، فإن الكتاب يشكل مرجعاً شاملاً على مستويات سياسية واجتماعية، لأكبر مساحة من الجغرافيا السورية التي تحركت كثيراً خلال القرن العشرين.

المدن

لتحميل الكتاب من أحد الروابط التالية

فلاحو سوريا: أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم: حنا بطاطو

فلاحو سوريا: أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم: حنا بطاطو

فلاحو سوريا: أبناءُ وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم: حنا بطاطو

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى