مقالات

توني موريسون: كتابة سوداء لا رجعة فيها/ كتبه ماتيوه ليندون وفيرجيني بلوخ

ترجمة شكير نصرالدين

أدناه نص مشترك كتبه ماتيوه ليندون وفيرجيني بلوخ ـ ليني عن الكاتبة الأمريكية الراحلة توني موريسون ونشرته صحيفة ليبراسيون الفرنسية في 6 أغسطس/آب 2019.

ثمة شيء في توني موريسون يتجاوز توني موريسون، التي رحلت يوم الثلاثاء 6 أغسطس/آب 2019، في الثامنة والثمانين من عمرها. لأن النساء من أصل افريقي اللائي حصلن على جائزة نوبل للآداب (كان ذلك عام 1993) لسن كثيرات: كانت وحيدة جنسها. وقد انخرطت توني موريسون في تلك المعركة حول الهوية لصالح ضحية نموذجية: «لأنها ليست بيضاء البشرة، وليست ذكرا، فقد شهدت إنكار كل حق في الحرية وكل إمكانية في النصر، ولزم عليها الشروع في أن تخلق لنفسها هوية مغايرة».

حينما سألتها «ليبراسون» عقب الاحتجاجات الفرنسية عام 2005، أجابت: «لقد سبق لي أن شاهدت ذلك. مثل كل الانتفاضات الأخرى التي أدرك فيها الناس أنهم عرضة للاحتقار، لا يُشغَلهم العنصريون، أو فقط الناس الذين يملؤهم البغض ويعتــــبرونهم غربــاء، ليس لأنهم آتون من بلاد أخرى، بل لأنهم يعتبرونهم قادمون من خارج الأرض».

في «تزيين العبودية»، النص الأول ضمن «أصل الأغيار» (وهو كتاب موجز من المحاضرات قُدمت في هارفرد عام 2016) تحكي كيف أن جدتها الكبرى، الأشبه بالخرافة في العائلة، كانت تصفها هي و أختها، حينما كانت تبلغ عامين من عمرها أو تكاد: «هاتان الصغيرتان تم العبث بهما». وتشرح توني موريسون قائلة: «لأن جدتي الكبرى كانت سوداء مثل القطران، فإن أمي كانت تدرك جيدا قصدها بالضبط، وبالتالي أسرتنا على الفور، لقد كنا مدنَستين، غير نقيتين». من البيَن أن «العبث بهما» كانت تعني ـ أنهما من الدرجة الأدنى، وإلا فإنهما من الغير تماما». كما لو أن البعض، ذكورا وإناثا، كان مصيرهم أن يكونوا دوما أغيارا، وسط عدد متزايد يوما عن يوم ممن ليسوا أغيارا». ما طبيعة الرفاهية التي يمنحها صنع الغير، هل هي جاذبيته، سلطته (الاجتماعية، النفسية، الاقتصادية؟).

«تلوينات سوداء»

ولدت توني موريسون التي كان اسمها كلوي أنطولي ووفورد يوم 18 فبراير/شباط 1931، بلورين، أوهايو، في أسرة عمالية سليلة العبيد. تزوجت عام 1958 هوارد موريسون الذي انفصلت عنه عام 1964. تابعت دراساتها الجامعية، التي أنهتها على نحو مرموق في جامعة برينستون. واشتغلت في مجال النشر محررة أدبية لما يقرب من تسعة عشر عاما في دار النشر راندوم هاوس. نشرت روايتها الأولى، «أكثر العيون زرقة» عام 1970 وباعت منها 700 نسخة. عام 1997، عقب مشاركتها في البرنامج الحواري لنجمة التلفزيون الأمريكي أوبرا وينفري باعت مليون نسخة من كتبها. نشرت «محبوبة»، أكثر رواياتها شهرة عام 1987 (تمت ترجمتها إلى الفرنسية بعد ذلك بعامين). عام 2012، يقلدها باراك أوباما وسام الحرية الرئاسي (يحوم الشك حول محبة دونالد ترامب لأدبها بذلك القدر).

عام 2001 سألتها «ليبراسيون» عن رغبتها المعلنة في إبداع كتابة «سوداء لا رجعة فيها»: الاستعارات، إيقاع اللغة، جودة طابعها الشفوي… تبدو أنها بعض الخصائص المتصلة باللغة الأفرو ـ أمريكية. إن اللغة الإنكليزية المعيار لا تكون بذلك القدر المماثل من الجمال، إلا عندما نرفع من شأنها بتلوينات صيغ صرفية أيرلندية، إيطالية، يهودية…أو سوداء. هذا لا يستحق الذكر، إلا أننا في الأدب الأفرو ـ أمريكي، نجد من ناحية، لغة إنكليزية جامعية، صحيحة بشكل مبالغ فيه، كما لو يراد التأكيد على أن السَود ليسوا أمَيين. ومن ناحية أخرى، ثمة أعمال أدبية، معاصرة بشدة، تصرف جهدا كبيرا حتى «تكون سوداء». لا أريد السقوط في أي من الخندقين، لكن أود كذلك استعمال الإنكليزية المعيار ولسان الجماعات السوداء والمواعظ واللغة المألوفة والشعر أو اللهجة العامية.

«ميثولوجيا»

في البداية، أثارت ردود فعل معادية في جماعتها شرحتها على النحو الآتي: «لديك ميثولوجيتك التي تخصك»، ثم يؤلف أحد ما كتابا يقول فيه: «ميثولوجيتك أسطورية». إنها لا تبالي بتاتا بإعادة تكوين النفسية السوداء، التي كانت الأضواء مسلطة عليها حينما صدرت «أكثر العيون زرقة». «ظننتُ أننا كنا على أحسن حال، وأننا لم نكن في حاجة إلى أن تتم إعادة بنائنا».

آخر نص في سلسلة محاضراتها 2016 يحمل عنوان «وطنا الغريب».

إذا استثنينا أوج تجارة الرقيق في القرن التاسع عشر، فإن حركات الهجرة الهائلة التي شهدها النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين هي الأشد من أي وقت مضى». تحكي توني موريسون بعد ذلك على طريقتها رواية كامارا لاي، «نظرة الملِك» عن مِحنِ شخص أوروبي في افريقيا، حيث أقوال الملك في نهاية المطاف «ترحب به ضمن العنصر البشري»، ذلك العنصر نفسه الذي كانت توني موريسون، أحد وجوهه، من خلال كتبها.

العنف والصخب والميثولوجيا

«من كان يظن أن رضيعا لا يساوي شيئا قد وسعه أن يضم كل ذلك القدر من الصخب؟». من الصفحات الأولى لرواية «محبوبة» (1987) نجد إيقاع وموضوعات حاضرة في هذا الكتاب أو ذاك من كتب موريسون. في هذه الرواية، يتعلق الأمر بالأمومة، بالعنف، وبما لا يمكن توقعه ـ والحالة هذه، عودة بِضعة اللحم الصغيرة تلك من الموت، في صورة امرأة شابة، التي تقول إن اسمها «محبوبة» وهي شبح.

اللغة إيقاعية، شرسة، تعظ المستمع. لا تجامل القارئ ولا المتفرجين الذين تشعرهم الشخصيات أحيانا أنها تتوجه إليهم. في هذه الرواية استوحت توني موريسون خبرا من الأخبار المتفرقة عام 1856: أقدمت امرأة من الرقيق، هاربة من الأوهايو، تسمى مارغريت غارنير، على قتل ابنتها ذات الأربعة أعوام خشية استعبادها هي أيضا بحكم قانون الرقيق الهارب. عام 2002 قالت توني موريسون للإذاعية لور آدلر في إذاعة «فرنسا للثقافة» إنها تؤلف كتبها من حكايات كانت حتى ذلك الحين وحدها الأغاني هي ما يوصلها إلى الناس. كانت نينا سيمون على الأخص هي الأقرب إلى قلبها.

وداعة

هل تطرفها هو ما يجعل من خامس رواياتها «محبوبة» الرواية التي اكتسبت بفضلها جمهورا واسعا جدا، بما فيه الجمهور في فرنسا، وحصلت على جائزة البوليتزر؟ أم إنها، على العكس من ذلك، طيبتها التي تضمن شعبيتها، وداعة نسبية لكنها مؤكدة، إذا ما قارناها بالروايات السابقة عليها وبعض من تلك التي أعقبتها؟ وكيفما كانت الحال، إن محبي توني موريسون، سواء كانوا كتابا أم لم يكونوا، يذكرون كثيرا «محبوبة» من بين كتبهم المفضلة. أما « العين الأكثر زرقة» (1970) أول رواية من بين رواياتها الإحدى عشرة، فهي تحكي قصة فتاة صغيرة سوداء تحلم بأن تكون لديها عينان زرقاوان زرقة السماء. أصابها العمى في نهاية المطاف. وتحكي روايتها «خلاص» (2015) قصة امرأة تصيبها ابنتها بالرعب لأنها أسود منها بشرة: «حسبتني صرت مجنونة عندما حال لون لُونا آن إلى الأسود الضارب زرقة أمام ناظري مباشرة» إنها سوداء «مثل السودان»، كان ذلك فوق التحمل.

العبودية، لون البشرة، النسب، الجذور، اللعنة، تلك هي الموضوعات التي تتشعب حولها أعمال توني موريسون، وترتقي من خلال نثر شعري وصاخب، لاذع، تتألف أحيانا من أصوات متعاقبة، وهذا سبب رصين من أسباب عدة يدخلها ضمن زمرة وليام فولكنر. وكانت موريسون قد خصت هذا الأخير بقسم من موضوع أطروحتها، أما القسم الثاني فقد كان لفرجينيا وولف. كانت تجزل الشكر لمؤلف «الصخب والعنف» لأنه تعامل مع شخصياته السَود بجدية. يستعمل كل من فولكنر وموريسون اللغة الشفاهية، وتتشكل خلفية أعمالهم من الإنجيل والميثولوجيا وتاريخ الولايات المتحدة العنيف.

كانت مؤلفة «حب» (2003) تقول إن الحبَ موضوعُ جميع كتبها. فلنضف إليه الحزن والوحدة، عاطفتان حاضرتان على الأخص في»ديار» (2012). مثل رواية «سخط» (2008) لفيليب روث الذي كان معاصرا لها، تعتبر «ديار» رواية قصيرة تدور أحداثها سنوات الخمسينيات. تحكي عن عودة فرانك إلى أمريكا بعد مشاركته في الحرب في كوريا. استقبله التمييز العنصري فقط. هناك موضوع آخر يعبر كتب موريسون، إنه الموت، الذي تفوق قيمته الحياة أحيانا، لكن ليست له رغم ذلك قيمة الهجر. الموت الذي كان «كل شيء ما خلا النسيان»، مثلما هو وارد في «محبوبة»، التي من بين شخصياتها بيبي ساغس. «لم تعد تفلح في الاهتمام بمعرفة ما إذا كانت سوف تترك حياتها عرضة للموت أم سوف تنضج قليلا».

٭ ناقد أدبي ومترجم من المغرب

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى