شعر

قصائد من البُحيرات الأفريقية العظمى

كنتُ مستلقيًا تلك الليلة/ جونثان كاريارا (كينيا)

كنتُ مستلقيًا تلك اللّيلة

وحلمتُ أنّ التعليم الأجنبي

صبغَ أجسادنا بالطّين الأبيض

فاختنقنا،

اختنق الرّجل الأسود

النّائم في الداخل،

هل يستيقظُ يا ترى

مثل لؤلؤةٍ في محارة

أم يتعفّن؟

***

العبء دون إمكانية الراحة/ بيلاجيا ألويس كاتونزي (تنزانيا)

أيُّها النّاشر، أحيّيك، هل تسمح لي بالدّخول إلى مكتبك.

أرجو أن تقبلَ عملي وتَطبعُه.

أنا أعزلُ وقلِق:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

أطلبُ المساعدة من أهالي القارّة والجُزر.

في الحقيقة، هذا العبء ثقيلُ جدًّا لا يمكن تحمُّله.

خفِّف عنّي جهلي، أخبِرني:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

هذا العبءُ، يا أصدقائي، لا أعرفُ ما هو.

لهذا أطلبُ منك أن تنوِّرني.

أطلبُ منك أن تباركني حتّى أستطيع الابتهاج:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

إنّه ليس عبئًا ولكنّه عذابٌ حقيقي.

من المستحيل على المرء أن يحمله فوق رأسه،

أن يثبِّته بشكلٍ مستقيم، أو يسندَه باليد،

أو يعلّقه في الهواء:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

يصعب فهمُ هذا العبء ويصعبُ حملُه.

في الحقيقة، حتّى الرياح الموسميّة لن تعرف كيف تُزعزعه.

ومن الصعب تخمين ما يحتويه:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

إنّه عبء، لا شكّ في ذلك، لكن لا يمكن قياسُه.

هو ليس في عجلة من أمره، حتّى لو صار قلبك ضعيفًا.

يمكن التقاطه في رمشة عين، لأنّه قريب جدًا:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

أنتم جميعًا، يا شعراء كاغيرا، من المُدن والأرياف،

من أَروشا ومتوارا ومن دار السلام،

وأنتم، يا أهلي، اعثروا على حلِّ اللُّغز مع دعابات مارا:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

أستريح في هذا المكان، حيث ينتهي كلُّ شيء، ولن أذهب بعيدًا.

الماضي والحاضر لا يسيران معًا.

سيّداتي وسادتي، حاولوا فكَّ اللُّغز:

إذًا، ما هو هذا العِبء دون إمكانية الراحة؟

***

تعال يا أوكول/ أوكوت بيتيك (أوغندا)

تعال، يا أوكول،

تعال،

سأُريك منزل أُمّي!

انتظِر لحظةً قبل الدّخول:

هل ترى هناك،

أمامك مباشرة،

تلك الدِعامة المركزيّة،

وبجوارها

ذلك الكرسيّ الّذي يلمع،

إنّه كرسيُّ والدي الموقَّر.

وهناك،

حيث تلك الصُّفوف من الأواني

المرتَّبة فوق بعضها البعض،

إنّها خاصّة بالمؤونة،

مثل رفوف الخزانة.

في هذا المكان نضعُ دقيق الدّخن،

القشورَ المجفَّفة،

حبوبَ الفاصوليا والبازلاء،

السّمكَ والخيار المجفَّف…

الآن، انظُر إلى أعلى:

هل ترى تلك الأشياء المعلَّقة؟

إنّها شِباكٌ،

ندعوها “سيل”.

وتلك الجَرَةُ الجميلة بعنقٍ طويل،

إلى يسارك،

إنّها مملوءةٌ بالعسل،

وفي الصّحن الطّيني، بجوارها مباشرة،

وضعنا عجينَ السّمسم،

وفي جيبِ العشب المفتول،

هناك فوق الموقد،

يرقدُ النَّمل الأبيض المجفَّف.

***

العمل المنزلي/ كاثرين وانجيرو غيتاو (كينيا)

أتقوَّسُ أمام الموقد

أنحني على الطّنجرة

لأُحرِّك صلصتي الّتي لم تنضج بعد.

أقرفصُ أمام الحوض

وأغمرُ أصابعي في الماء

لأُزيل التّراب عن ملابسي.

أركعُ بجانب الكرسيّ

وأستلقي على البِساط

لألملمَ غُباري الثّائر.

متأهِّبةً بجوار الباب

أرفعُ ذراعيّ للترحيب بأطفالي العائدين

لأستقبلَ في البيت أرواحي المتوجِّعة.

أستلقي على سريري

وأهَبُ جسدي لأَيْمَانِي الغليظة

كي أستميلَ زوجي الحاضِر دومًا.

***

لا نعش ولا قبر/ جاريد أنجيرا (كينيا)

دفنَّاه بلا نعشٍ

بلا قبرٍ

المُوحِلون قاموا بتشريح جثَّته

في مشرحةٍ مفتوحة

وبدون مشارط معقَّمة

أمام الملهى اللَّيلي مباشرة

دوّى صوتُ إطلاق النار

واستُعرِضت الأسلحة يومَ الجنازة الوطنية

ركعت السيّارة

وبكت الصَّفيحة الحمراء

وقد لُفّت بدَمِ سيِّدها.

كشفَت مذكّراته للبحر أخيرًا

هذا المطرَ المتجذّر فيه

أليست رايتنا حمراء، سوداء، وبيضاء؟

لهذا، لُفَّ جسده بشكلٍ صحيح

مَن ذا الذي كان بإمكانه أن يطلق إشارة صّفراء

حين اضطررنا أن نترك السّياسة للمختصّين

نجترُّ الكتبَ بحزنٍ

ونجترُّ الجوع

وتلميذاتِ المدارس

نتذمّر تحت الطنجرة السوداء

وننام تحت النّاموسية الممزَّقة

ونترك القمل يلعقُ بطننا

صاحبُ الحانة، المالك

المرأةُ العاشقة، المالكة

نحن فقط نغطّي الظّلام النَّتن

فوق أفواهنا الفاغرة

ونطلب من أبانا الّذي في الجحيم أن يحكُم

على الأحياء والصالحين

نعم، مذكّراته، غوّاصة الحرب العالمية الثالثة،

كشفَت أنّه كان يريد

أن يُدفنَ في تابوتٍ مبطّن بالذَّهب

يشبه “الزَّيت”

فيكون مأوى قبره تحت الجاكاراندا

بجوار قصره

وتُقدّم الكثير من الجعّة في وجبة العزاء

أخيرًا، اقترح طالبٌ صاخب

أن نُحضر الجرّارات ونحرثَ الأرض.

***

ثلاث مجموعات عرقية/ كيتي نيفياباندي (بوروندي)

ثلاث مجموعاتٍ عرقيّة

ثلاث ابتساماتٍ جميلة

ثلاثة مصائرَ يافعة

ثلاث فتياتٍ صغيرات

ثلاثة انفجارات من الضحك تدغدغُ أشجار المانجو.

يلعبن الدّائرة، متماسكات الأيدي،

بينما الصّنادل والمخاوف في مهبِّ الريح،

ثلاثة أحلام مرِحة،

ثلاث أغانٍ.

واحدٌ، اثنان، ثلاثة، ثمّ يقفزن،

فترفرف الجدائل في الأُفق.

واحدٌ، اثنان، ثلاثة، ثمّ يقفزن،

فتحطّ ستّة أقدام صغيرة فوق الأرض المحمومَة

المغتصبَة حديثًا من طرف أبنائها،

المخصَّبة والحاملة بداخلها ما هو “شائن”.

واحدٌ، اثنان، ثلاثة، ثمّ تنفتح الأرض الملغومة

الهادرة والمجوَّفة بعمق،

المتقيِّحة بوحوشٍ صغيرة،

لتبتلعَ الأغاني الثلاث.

تفجّرت ثلاثُ قطعٍ صغيرة من الطفولة.

تمزّقت ثلاثة أحلامٍ وثلاث ضحكاتٍ صامتة.

اختنقت ثلاثة مصائرَ وثلاثة براعمَ زهورٍ مسحوقة.

ولم تكتمل الأغاني الثّلاث.

واحدٌ، اثنان، ثلاثة دموعٍ متطابقة ارتفعت في سماء الكارثة.

واستلقت ثلاثة أجسادٍ ترتدي لباس الإيمفوتانو الأسود،

برؤوسٍ حليقة، وأرواحٍ متفحَّمة.

ثلاث أُمّهات.

ثلاثة جروح.

ثلاثة قلوبٍ محطّمة إلى الأبد.

الهوتو. التّوتسي. التوا.

ثلاث مجموعات عرقية.

احتضارٌ واحد.

نهرٌ واحد من الدّموع يجري ويتدفّق بلا نهاية.

وهذا الصّمت

الصّمت القرمزيّ الثقيل لدمِ الأبرياء.

***

جبل كليمنجارو/ إيبيفاني موكاسانو (رواندا)

سنةٌ جديدة: قراراتٌ جديدة

سنتي فريدة، هائلةٌ وواضحة

فدَعِ الأرض تنهار

ودعِ الرّوح تُشرق

ولتعلَن الحرب على قوانين نيوتن

حقيبتي زرقاء: عبءٌ ثقيل

يأكلُ البرد أظافري

تسحبُني قدميّ إلى مرتفعات بيانو بيانو

حتّى تستريح مؤخّرتي

على قمّة جبل يغطّيه البياض

ومرتجفًا

أصافحُ يد الربّ العظيمة

من أعلى قِمم أفريقيا

سأعود بيدي المحمَّلتين

وفي حقيبتي الزرقاء: بَرَكَة

هي عودةُ موسى الأسود

الحلمُ الذي أصبحَ حقيقة

وحتّى لا أنسى

سأقوم بحفر أرضي بعمقٍ

سأتحدَّث لغةَ أبي

سأجلسُ على سجّاد منسوجٍ

سألتهمُ صحنًا أصفر

فيه موزُ الهند

ممزوجًا مع اللُوبيا.

***

أقرأ شاعرة كينية ودانتي/ آدمز سينارينزي (بوروندي)

جالسٌ في مقهى

مع كتابين في الشّعر

امرأةٌ ساحرة

ورجلٌ اختارته الآلهة

شاعرةٌ كينية

ودانتي!

يا له من فارقٍ بين الاثنين

يا لها من مسافة

أشعر أنّ الأكوان تفرِّق بينهما

الأولى تلمسُ الأرض

تستنشقُ أرضنا

تستشِمُّ المعاناة التّافهة، لكنّها حيوية بالنّسبة لحياتنا

بينما يُغمى على الآخر بسببِ ما هو موجود

فيقرّر اصطيادنا في حلقات الجحيم

لكن ليس هذا ما أريدُ أن أعبّر عنه

ليس هذا الفارق هو ما يجعلني أكتبُ

أريد أن أعبّر عن إعجابي تُجاه الفنّ

وتُجاه السَّفر الذي يقوم به

والمسارات التي تسمحُ له بالولادة

هنا في المنتصفِ تمامًا

في منتصف الطريق إلى قمّة الجبل

لا بدّ أن نجد مكانًا يصلحُ للإقامة

ولكن أيُّ طريق سيؤدّي إلى الخلاص

وأيُّ مسارٍ سيقود إلى هذا المَطهر – طموحنا الوحيد المسموح به.

ترجمها من الفرنسية: نجيب مبارك.

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى