الناس

عن بيع قسد أطفال سوريين للهلال الأحمر الاماراتي

================================

—————————————————-

بالأسماء: تفاصيل حصرية حول بيع قسد 36 طفلاً للهلال الأحمر الإماراتي

تبين لنا وجود تضارب بالتصريحات والأقوال وغموض في ملف الأطفال، وتمكنا لاحقاً من الحصول على معلومات من قبل زملاء متعاونين معنا من داخل الإدارة الذاتية، حيث أبلغونا بأن الأطفال جرى بيعهم وليس إخراجهم كما قيل لنا ضمن برنامج كفالة اليتيم”

*مع العدالة | أحمد طلب الناصر

ديلان كامل لـ “مع العدالة”: نملك كافة الوثائق وسنفضح المتورطين

تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً تغريدات أطلقتها رئيسة منظمة أوركيد في سوريا، ديلان كامل، تشير فيها إلى تواطؤ الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي/ pyd في الجزيرة السورية مع منظمة الهلال الأحمر الإماراتي في اختفاء 36 طفلاً سورياً من مخيمات تديرها الإدارة الذاتية، مرجحة تعرّضهم لعمليات تجارة أعضاء بشرية أو استغلالهم في قضايا أخرى.

وقالت كامل في تغريدتها المؤرخة في 20 حزيران/ يوينو الجاري، إن الهلال الأحمر الإماراتي أقدم “في العام الفائت على نقل 36 طفلاً من المخيمات السورية إلى الإمارات ضمن برنامج كفالة اليتيم بعد أن تم إخضاعهم لفحوصات طبية شاملة بما فيها زمرة الدم والأنسجة”، وأوضحت بأن المنظمة تتواصل مع جهات إعلامية وحقوقية ودولية لمعرفة مصير الأطفال، ولا تستبعد أن يكونوا “ضحية تجارة أعضاء بشرية” بحسب ما جاء في التغريدة.

    العام الماضي نقل الهلال الأحمر الإماراتي 36 طفل من المخيمات السورية إلى الإمارات ببرنامج كفالة اليتيم بعد أن تم إخضاعهم لفحوصات طبية شاملة بما فيها زمرة الدم والأنسجة

    نتواصل مع جهات إعلامية وحقوقية ودولية لمعرفة مصير الأطفال وأنا لا أستبعد أن يكونوا ضحية #تجارة_أعضاء_بشرية

https://twitter.com/hashtag/%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A3%D8%B9%D8%B6%D8%A7%D8%A1_%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9?src=hash&ref_src=twsrc%5Etfw

    — Dilan Kamel (@Dilankamel) June 21, 2020

الرابط: ⇐ 1

https://twitter.com/Dilankamel/status/1274549813330227204

وتابعت رئيسة أوركيد نشر تغريداتها تباعاً، مؤكدة بأنها ستقوم “بفضح كل شيء وسننشر وثائق تثبت تورط الإدارة الذاتية وتواطؤها بعمليات سرقة الأطفال من المخيمات وبيعهم إلى منظمة الهلال الأحمر الإماراتي خلف ستار برنامج كفالة اليتيم وادعائهم أن هؤلاء الأطفال يعيشون حياة مرفهة في بيوت إماراتيين”.

الرابط: ⇐ 2

https://twitter.com/Dilankamel/status/1274551046325645312

وذكرت بأن تهديدات بالقتل قد طالتها إن لم تتوقف عن النشر: “من يوم أمس بدأت تصلنا التهديدات عبر “الواتس آب” والإيميل والتويتر من شبيحة ومرتزقة شاهين جيلو وإلهام أحمد” وأفادت إن “بحوزتنا وثائق تدين الإدارة في عمليات بيع أطفال المخيمات لمنظمة الهلال الأحمر الإماراتي وبدأنا نتواصل رسمياً باسم منظمتنا مع هيئات دولية لمتابعة هذا الملف”.

    من يوم أمس بدأت تصلنا التهديدات عبر الواتسآب والإيميل والتويتر من شبيحة ومرتزقة شاهين جيلو وإلهام أحمد التي بحوزتنا وثائق تثبت وتدينها في عمليات بيع أطفال المخيمات لمنظمة الهلال الأحمر الإماراتي

    و بدأنا نتواصل رسمياً بإسم منظمتنا @orchid_syria مع هيئات دولية لمتابعة هذا الملف

    — Dilan Kamel (@Dilankamel) June 21, 2020

https://twitter.com/orchid_syria?ref_src=twsrc%5Etfw

 الرابط: ⇐ 3

https://twitter.com/Dilankamel/status/1274552278297477120

كما تواصلت أوركيد، بحسب كامل، مع المدعوة “بخيتة فارس” المسؤولة عن المتطوعين الإماراتيين الموفدين إلى سوريا وشرحت له ممارسات مندوبهم. فأبلغتهم المسؤولة “بأن لا علاقة لها بالتصرفات الفردية التي يقوم بها موظفو ومندوبو الهلال الأحمر الإماراتي في سوريا ثم قامت بحظر تلقي رسائلنا”.

“مع العدالة” تمكنت من التواصل مع ديلان كامل للتأكد من حقيقة التغريدات من جهة، بعد إطلاق منشورات من قبل مشككين بصحة التغريدات ومضامينها، وللوقوف على تفاصيل القضية عن قرب من جهة أخرى.

وتحدثت “كامل” بادئ الأمر عن المنظمة التي ترأسها فقالت: “نحن في منظمة أوركيد لرعاية الأيتام، نتقاسم مع عدد من المنظمات الخيرية والإنسانية العاملة في شرق الفرات ملف رعاية عدد من الأطفال الذين فقدوا أهاليهم والذين تم جمعهم من القرى والبلدات التي شهدت أعنف المعارك بين تنظيم داعش وقوات التحالف الدولي” .

ثم تناولت كامل بعد ذلك الحديث عن الأطفال المتواجدين في المخيمات وفئاتهم، فأوضحت لـ “مع العدالة” بأنهم ينقسمون إلى 3 فئات:

    أطفال فقدوا عائلاتهم وذويهم نتيجة المعارك التي شهدتها بيوتهم وقراهم أو تعرضت بيوتهم لقصف من أحدى طرفي النزاع .

    أطفال مجهولو الهوية والنسب، وهؤلاء غالباً من أبناء مقاتلين تابعين لتنظيم داعش، سوريين أو أجانب قدموا لسوريا خلال العشر السنوات الماضية .

    أطفال تم جمعهم في حوادث وحالات مختلفة، منهم حوالي 100 طفل تم وضعهم في المخيم بعد اعتقال أحد آبائهم بتهمة الإرهاب أو “العمالة لتركيا أو الجيش الحر” حسب وصف الإدارة الذاتية.

وبحسب كامل، فإن تلك الفئات لا يسأل أحد عنها، ولا يوجد من يطالب بها ولا يتم تقديم شيء لهم. وتنحصر خدمات الإدارة الذاتية بتقديم الطعام والشراب حيث تسلم القائمين على تلك المخيمات كميات قليلة من الخبز والطعام السيئ، ويتم تجاهل بقية الاحتياجات الأساسية للأطفال كالحليب والحفاضات واللباس. وتقع هذه المسؤولية على أهل الخير من أبناء المناطق المجاورة لتلك المخيمات، بينما هناك انعدام للطبابة على الرغم من وجود ممرض في عيادة صورية وشكلية لا تقدم شيء سوى خياطة الجروح في حال كان الجرح عميقاً، ولا توجد لقاحات وأدوية وطبابة.

وتلفت كامل الانتباه إلى “دور العشائر العربية لا سيما أبناء قبائل شمر وطي والعقيدات وغيرهم من العشائر التي تجلب الطعام واللباس للأطفال كـزكاة أو صدقات”.

وحول القضية المتعلقة بالأطفال، أفادت كامل بأنه “منذ حوالي شهرين بدأت تتكشف حقائق عملية بيع الأطفال وإخراجهم من المخيمات بطريقة مشبوهة، إثر فضيحة داخل مؤسسات الإدارة الذاتية والمسؤولين عن المخيمات، وتحديداً بعد التحقيق مع عدد من عناصر ypg الذين تورطوا بتهريب مقاتلين سعوديين وإماراتيين من سجن الحسكة”.

وتتابع كامل “تسربت أخبار عن تورّط هؤلاء العناصر ببيع الأطفال للمدعو خالد خميس، الضابط الإماراتي المقرب من الإدارة الذاتية الكردية، والذي يقيم في القامشلي بصفة منسق الهلال الأحمر الإماراتي”.

وتشير رئيسة أوركيد بأن المنظمة “حاولت الوصول إلى معلومات عن الأطفال الذين تم إخراجهم، وكان قسم من هؤلاء الأطفال (وعددهم 16) مدرجين على لوائح منظمتنا في مخيم الهول، وأبلغتنا الإدارة الذاتية بشكل رسمي أنهم غادروا المخيم باتجاه الإمارات ضمن برنامج كفالة الأيتام، و قيل لنا إن هؤلاء الأطفال وصلوا إلى الإمارات ويعيشون حياة مرفهة في بيوت شيوخ وعائلات ميسورة (بوضعية التبني) وإن دولة الإمارات تكفلت برعايتهم وتعليمهم حتى سن 18 عاماً”.

    وتصف كامل لـ “مع العدالة” نتائج المحادثات والمراسلات التي أجرتها منظمتها مع “مسؤولي الإدارة وحراس المخيم والقائمين على مخيمات القاصرين” فتقول:

“تبين لنا وجود تضارب بالتصريحات والأقوال وغموض في ملف الأطفال، وتمكنا لاحقاً من الحصول على معلومات من قبل زملاء متعاونين معنا من داخل الإدارة الذاتية، حيث أبلغونا بأن الأطفال جرى بيعهم وليس إخراجهم كما قيل لنا ضمن برنامج كفالة اليتيم”.

وبعد العودة والتدقيق ومن ثم التواصل مع الهلال الأحمر الإماراتي، تقول كامل بأن الأخير “أنكر قصة برنامج كفالة اليتيم، أما الإدارة الذاتية فقد أرسلت إلينا كتاباً رسمياً يؤكد أن الأطفال غادروا الأراضي السورية بشكل رسمي عبر معبر سيمالكا الحدودي على دفعتين في برنامج إماراتي مخصص لكفالة الأيتام” .

تعبّر ديلان كامل عن مدى حجم المسؤولية وإصرار منظمتها على كشف مصير الأطفال بالرغم من كل التهديدات التي يتعرّضون لها، فتقول: “لم نكن نعلم أن التقصي والبحث عن الحقيقة ومعرفة مصير الأطفال سيشكّلون مواجهة وتحدياً مع الإدارة الذاتية، لكننا أصرينا على طلبنا بمعرفة مصير هؤلاء الأطفال بعد انتشار الأخبار عن عمليات تبرع بالأعضاء البشرية مقابل مبالغ مالية يتقاضاها المتبرع من خالد خميس الذي أخرج الأطفال من المخيمات وأرسلهم إلى الإمارات. تزامن ذلك مع فضيحة إخضاع الأطفال لفحوصات طبية للدم و الأنسجة في مخابر مجهزة في مدينة القامشلي ويعمل فيها متطوعون من الهلال الأحمر الإماراتي. وعلمنا بأن أحدهم ويدعى محمد رضا، أجنبي الجنسية وتبين لنا لاحقاً بأنه طبيب إيراني”.

خلال ذلك تم التواصل مع أوركيد من قبل وسطاء أرسلهم خالد خميس بهدف السكوت مقابل تقديم الدعم. وتعلّق كامل “إلا أننا وبالرغم من تخوفنا قررنا الثبات على موقفنا. فقامت الإدارة الذاتية باتخاذ إجراءات مجحفة بحقنا إذ أجبرتنا على إخلاء مقرنا وسحبت جهاز غسل الكلى الذي كنا قد تسلمناه من الهلال الأحمر الإماراتي، وطردتنا من مدينة الرقة وهددتنا بالاستدعاء للتحقيق، ووصل الأمر إلى اتهامنا لاحقاً بتبني أطفال إرهابيين!” .

وفي ختام حديثها وجّهت ديلان كامل رسالة عبر “مع العدالة” إلى الجهات المعنية تقول فيها:

“كادر منظمة أوركيد سوريا مصرّ على معرفة مصير الأطفال، ومصرّ أيضاً على فضح الإدارة والهلال الأحمر وكل من اشترك بهذه الجريمة بحق هؤلاء الأطفال. ويتحمّل المسؤولية كلّ من المدعو خالد خميس وهو إماراتي الجنسية، وإلهام أحمد وشاهين جيلو المسؤولان في الإدارة الذاتية، ونطالب المؤسسات الحقوقية الدولية بمساءلتهم ومحاسبتهم مع جميع القائمين على مخيمات الإدارة الذاتية، ونخصّ مخيم الهول، لارتكابهم جرائم خطف وسرقة أطفال وتجارة بالبشر عن طريق بيعهم للمندوب الإماراتي. كما نطالب المنظمات والجهات الدولية ذات الصلة بالتدخل السريع لوقف عملية الإتجار بالأطفال، ونحمّلهم مسؤولية الأطفال المفقودين وسلامة أرواحهم .”

/المعلومات الواردة تم الحصول عليها من خلال التواصل مع أسرة منظمة أوركيد ممثلة بكلّ من:

ديلان كامل، رئيسة المنظمة- الدكتورة أمل الخطيب- الصيدلانية بشرى الناصر- الأستاذة علياء جاويش/

مع العدالة

——————————————–

اختطاف الأطفال في مناطق “قسد”..تصويب على مظلوم عبدي؟/ مصطفى محمد

عادت ظاهرة اختطاف الأطفال بهدف التجنيد بقوة إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، ما تسبّب بردود فعل غاضبة في الشارع الكردي السوري.

ويكاد لا يمر يوم إلا ويُعلن فيه عن حالة اختطاف لطفل كردي، في الوقت الذي تُثار فيه اتهامات لجهات كردية محددة بمحاولة تأزيم الموقف، خدمة لأجندات متعلقة بقضيتين، الأولى الحوار الكردي-الكردي، والثانية الفصل بين حزب “الاتحاد الديموقراطي”، وحزب “العمال” الكردستاني.

وكشف العديد من المصادر عن تسجيل حالات اختطاف أطفال منذ مطلع الشهر الجاري، في عين العرب (كوباني)، وفي أرياف الحسكة وحلب. وقال الصحافي الكردي شيرزان علو ل”المدن”، إن وتيرة اختطاف الأطفال تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية.

وحول العدد الحقيقي، قال: “لا أرقام واضحة، حيث لا يعلن الأهالي كلهم عن اختطاف أطفالهم، لأسباب منها الخوف على مصيرهم في حال تم تداول اسم المختطف إعلامياً، وأيضاً في بعض الحالات يفضل الأهالي عدم الإفصاح إفساحاً في المجال أمام إعادة أطفالهم من خلال وساطات محلية”.

وعن مصير الأطفال، أوضح علو أنه “غالباً ما يتم اقتيادهم إلى معسكرات سرية، داخل الأراضي السورية، أو خارجها في شمال العراق”.

وأمام هذه المعطيات تباينت القراءات التي تفسّر تزايد هذه الظاهرة. ويرى عضو الائتلاف السوري المعارض عن “رابطة المستقلين الكرد السوريين” محمد علي عيسى أن وتيرة اختطاف الأطفال تحددها حاجة حزب “الاتحاد الديموقراطي” إلى المقاتلين، مؤكداً أن الفترة الأخيرة شهدت زيادة كبيرة، مردّها إلى نقص محتمل في العناصر المقاتلة.

ولم يستبعد في حديث ل”المدن”، أن يكون الغرض من زيادة حالات اختطاف الأطفال، هو التشويش على الحوار الكردي-الكردي، معتبراً أنه “من غير المستبعد أن تكون عمليات الاختطاف هذه، رسالة إظهار قوة من الاتحاد الديموقراطي إلى المجلس الوطني الكردي”.

وما يثير استغراب عيسى، هو الصمت المطبق من المجلس الوطني الكردي، إزاء هذه الممارسات التي تخل بالاتفاقيات التي وقعتها “قسد” مع الأمم المتحدة، لغرض الحد من تجنيد الأطفال.

قنديل غير راضية

في المقابل، اعتبرت مصادر كردية، أن الغرض من زيادة عمليات اختطاف الأطفال، إضعاف موقف التيار الذي يقوده مظلوم عبدي، محلياً ودولياً، باعتباره يتحمل مسؤولية أمن مناطق “قسد”.

وترى المصادر أن هناك جهات تحاول إحراج عبدي وإظهاره، وتياره، كطرف غير قادر على الالتزام بتعهداته، في إشارة إلى توقيع “قسد” خطة عمل مع الأمم المتحدة، وإلى الحوار الكردي-الكردي الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا.

ووصف السياسي الكردي المستقل، الدكتور أدهم باشو، المرحلة الحالية ب”الحرجة”، لأنها تشهد بداية توافق بين “الاتحاد الديموقراطي” و”المجلس الوطني الكردي”، الأمر الذي لم يرق لجهات أخرى.

وقال ل”المدن”، إن قيادات “العمال” الكردستاني القابعة في جبال قنديل شمال العراق، غير راضية عن كل ذلك، وخصوصا لجهة التوجه الأميركي الهادف إلى الحد من تأثير الحزب في قرار المناطق السورية.

وأضاف أن “قيادات قنديل التي تقف خلف عمليات اختطاف الأطفال، كثّفت نشاطها للتشويش على كل ما يتم الترتيب له، لقلب الطاولة على التيار الذي تدعمه الولايات المتحدة”.

المدن

——————————————–

الطفولة السورية: من رسومات الحرية إلى بصريات الاعتداء الجنسي/ علاء رشيدي

تروى محطات من التاريخ عبر حكايات وصور وفيديوات من مأساة الطفولة السورية… هنا محاولة لرسم مسار امتهان وتحطيم الطفولة السورية في العقد الأخير.

مجدداً، تُكشفُ حكاية، أو تنتشرُ صورة، أو يُصوّر فيديو عن طفل أو طفلة من سوريا يظهر فظاعة من نوع الضرب او الاغتصاب او التعذيب. في كل صورة أو حكاية هناك ما يرمز أو يؤشر إلى التجربة التي يعيشها الشعب السوري بكامله مكثفة عبر الأطفال. ومجدداً تروى محطات من التاريخ عبر حكايات وصور وفيديوات من مأساة الطفولة السورية.

هنا محاولة لرسم مسار امتهان وتحطيم الطفولة السورية في العقد الأخير.

الطفولة ترسم التغيير

في شباط/ فبراير 2011، انتشرت حكاية من درعا تقول إن أطفالاً قلدوا ما رأوه على الشاشات من أطفال تونس، رسموا على حائط مدرستهم ما يرمز إلى الحرية، وكتبوا عبارات تطالب بتغيير النظام. وبعدها، طارت حكايتهم لتغيّر تاريخ البلاد، إذ اعتقل الأمن (بحسب ناشطين معارضين) 15 طفلاً إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب باسقاط النظام الحاكم فجرى ضربهم وقلع أظافرهم.

رفض المسؤولون الأمنيون التواصل مع أهالي درعا بخصوص اعتقال الأطفال. تحرك التاريخ في سوريا مع رسومات أطفال عن الحرية، لكن بأي اتجاه؟ فبسبب طريقة تعامل النظام الحاكم مع هذه الحكاية، ما أن مرت 4 سنوات، أي عام 2015، حتى جاء في تقرير منظمة “اليونيسيف” و”منظمة حماية الطفل”، بعنوان “أيادٍ صغيرة وعبء ثقيل” أن 4 من كل 5 أطفال سوريين يعانون الفقر.

الطفولة تدشن مرحلة التعذيب

بعد أقل من شهرين على حكاية أطفال درعا، ظهرت إلى العلن تفاصيل حكاية جديدة، صور جثة الطفل (حمزة الخطيب، 13 سنة)، الذي تعرض للتعذيب حتى الموت. تروي الحكاية أنه اعتقل عند حاجز للأمن السوري قرب مساكن صيدا في حوران في نيسان/ أبريل 2011. وبعد مدة، سُلِّم جثمانه إلى أهله، وبدت على جسمه آثار التعذيب والرصاص الذي تعرض له، إذ تلقى رصاصة في ذراعه اليمنى وأخرى في ذراعه اليسرى وثالثة في صدره وكسرت رقبته ومثل بجثته وقُطع عضوه التناسلي، بحسب الرواة. انتفض كثيرون، وانطلقت صفحات التواصل الاجتماعية تردد “كلنا حمزة الخطيب”، بالإشارة إلى مرحلة التعذيب والتنكيل بأجساد المعتقلين والمعتقلات في سوريا. وقالت هيلاري كلينتون إن قصة الطفل “نقطة تحول في الانتفاضة السورية، وهو يرمز إلى الكثير من السوريين، وإلى فقدان الأمل التام من أي جهد في التواصل مع الحكومة السورية التي لا تنصت لشعبها”، لكن شيئاً لم يحصل بخصوص التعذيب. ففي آب/ أغسطس 2015، وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما يقارب 80 حالة وفاة تحت التعذيب، ارتكبتها الفصائل المتحاربة على الجغرافية السورية.

الطفولة ضحية الحرب الإعلامية

تعددت الروايات حول حكاية الطفلة زينب الحصني. قال الإعلام المعارض إن الطفلة اعتقلتها قوات الأمن السورية، بسبب مشاركة أخيها محمد في التظاهرات، وإنها فارقت الحياة تحت التعذيب، وإن والدتها تسلمت جثتها، وظهرت على جثتها آثار تعذيب وإصابات عيارات نارية. لتكون هذه حكاية أول معتقلة أنثى تموت تحت التعذيب في تلك الفترة. لكن، بعد أيام، بث التلفزيون الرسمي السوري لقاءً مع الطفلة زينب، تعلن فيه أنها هاربة من منزل عائلتها ولجأت إلى الأمن طوعاً. عام 2013، ظهرت زينب في الأردن تخبر بأنها اعتقلت فعلاً، وأنها أجبرت على تصوير المقابلة التلفزيونية، ولُقنت أقوالها. إنها طفلة تأرجحت حكايتها بين الحياة والموت، واستغلتها جهات إعلامية متحاربة. وهكذا في عصر الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل 1990، والتي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية، تلاعبت أطراف سورية عدة بمصير طفلة، عرفت الحياة والموت وهي لم تتجاوز الثامنة عشرة.

أطفال بوعي طائفي

منذ انطلاق التظاهرات عام 2011، نبهت المنظمات الإنسانية العاملة في مجال حقوق الأطفال، النشطاء والمتظاهرين السوريين من خطورة مشاركة الأطفال في المظاهرات وحمل لافتات بشعارات سياسية لا يمكن أن يمتلك الأطفال وعياً بمضامينها. برر أهالي الأحياء والحارات المنتفضة ذلك، أن الحي بأكمله، بعائلاته وأطفاله، يشارك في تنظيم التظاهرة، من تعليق الأعلام، إلى الغناء، إلى تنظيف الساحات: “إنه جزء من النشاط الجماعي للحي”، يقول أحد الآباء.

لكن الأمر ما لبث أن تحول إلى ظهور أطفال يحلمون لافتات تحتوي شعارات طائفية. حاول الإعلام المعارض وقتذاك تدارك الأمر وحجب ما أمكنه من صور الأطفال يحملون شعارات طائفية. في واحدة من تلك الصور، يرفع طفل في الثالثة العبارة التالية: “بكل فخر نعم نحن مسلمون سنة ولهذا السبب أطفال سورية تباد وتحرق وتذبح”. كيف يدرك طفل أو طفلة في الثالثة معنى “السنة” التي تتطلب فهماً للتاريخ، وكيف تدرك الطفولة أن الصراع طائفي؟ وما هي الطائفية أساساً؟ ثم انتشرت فيديوات لطفلة في حي بابا عمرو تخطب في تظاهرة، وأمام الكاميرا والجماهير، حيّت الطفلة الشيخ العرعور أحد أشد خطباء الطائفية تحريضاً وتطرفاً.

طفل يغني الذبح وآخر يتوعد الدمار

عام 2013، انتشر في الميديا واحد من أكثر الفيديوات إنذاراً بخطر وضع الطفولة في سوريا خلال السنوات الماضية. يظهر فيه طفل من مدينة بنش في إدلب، محمولاً على أكتاف عناصر من تنظيم “النصرة”. يغني الطفل بصوت صادح، متوّعداً القرى الشيعية المجاورة بالذبح، مؤدياً بذراعه أثناء الغناء حركة الجز بالسكين:

“شرطة نصيرية… صبراً يا علوية

بالذبح جيناكم… بلا إتفاقية

قالوا لي إرهابي… قلت الشرف ليا”

هكذا يفتخر الطفل بصورة الإرهابي في الأغنية، ومن ثم يوجه التحية إلى مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ويتبنى في أغنيته جريمة تفجيرات برج التجارة العالمي في نيويورك 11 في أيلول/ سبتمبر 2001، والتي راح ضحيتها حوالى 3000 شخص:

” قائدنا بن لادن… يا مرهب أميركا

دمرنا أميركا… بطيارة مدنية

برج التجارة غدا… كومة ترابية

شرطة نصيرية… صبراً يا علوية”.

لم يمض شهران على هذه الأغنية، حتى ظهرت شريط فيديو آخر لأغنية طفل آخر، يقال إنه مصور في منطقة المزة 86 في العاصمة دمشق. الفيديو مصور في غرفة لا يظهر منها إلا الطفل، وأصوات من خلفه تردد “فرقة رابعة”، بما يبدو أنها الفرقة الرابعة من الجيش السوري. يتوعد الطفل للثورة، وفي عبارات الأغنية تهديدات بأبشع أفعال التعدي الجنسي، الاغتصاب، وبدمار المناطق السورية المتمردة بأسمائها الواحدة تلو الأخرى على اللحن ذاته، مثل داريا، قدسيا، وزملكا.

في الحادثتين المروعتين استعملت الطفولة لتأدية أغانٍ تشيد بمفاهيم مثل: الذبح، القتل، التفجير، الاعتداء الجنسي، الكسح ومسح البشر، مع تبني عمليات إرهابية عالمية. كانت تلك إشارة أيضاً تأتي من الطفولة عن انتقال الصراع السوري إلى درجة أشد من الطائفية والعنف.

الطفولة المسلحة

حتى نهاية عام 2016 فقط، قدرت الباحثة كيم سينغوبتا أن عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم في صفوف تنظيم “داعش” بلغ حوالى 50 ألف طفل. في بحثه بعنوان “الأطفال في ظلام تنظيم الدولة الإسلامية بين التربية الجهادية والتجنيد”، يكتب الباحث وسيم الشرقي: “لقد اعتبر الأطفال في الأماكن التي سيطر عليها هذا التنظيم من الموارد الأساسية التي تمكنه من الاستمرار في القتال”. أنشأ “داعش” منظمة خاصة لتجنيد الأطفال وتدريبهم على السلاح، وهي منظمة أشبال الخلافة. فتكاثرت الصور والفيديوات التي تظهر معسكرات تدريب الأطفال على القتال ومختلف أنواع الأسلحة. وأصبحت عيوننا معتادة على رؤية الطفل المسلح كجزء من ثقافتنا الجمعية.

يعرض الفيلم الوثائقي “الجيل الخامس” لقاءً مع الطفل حسن (16 سنة)، الذي حُرر من أيدي التنظيم، بعدما تبع مناهج تدريب أشبال الخلافة. يروي الطفل عن تقنيات “داعش” في إرسال الأطفال أولاً إلى جبهات القتال. يروي أيضاً تجربة القتل، اللعب بالجثث كما لو أنها لعب أطفال، وهو في حال ضياع في توصيف ما حدث معه، أكان هو قاتلاً أم مقاتلاً؟ وفي نهاية المقابلة المصورة، نكتشف أن هذا الطفل ما زال يشعر بالحنين إلى الأغاني الجهادية التي كان يسمعها في ظل حكم التنظيم، ويترجى مخرج الفيلم ألا يضع أياً منها لأنها تبث فيه حنيناً إلى القتال والسلاح.

طفولة النزوح والهجرة

تتعدد الصور والفيديوات الخاصة بالطفولة والتي تدشن ظاهرة النزوح والهجرة التي عاشها المجتمع السوري. الأولى، صدرت عن وكالة الأنباء “رويترز”، تصور طفلاً نائماً في حقيبة سفر، يغفو داخلها وهو محمول على طول الطريق. الثانية كانت في فيديو في أوروبا في أيلول 2015. كانت مجموعات السوريين اللاجئين إلى أوروبا تعبر الحدود الهنغارية، عرقلت صحافية هنغارية أباً سورياً (أسامة الغضب) يحمل طفله بين ذراعيه ويهرب من الشرطة. ومهما كان المشهد غير مفهوم أو يفتقد إلى الوضوح، إلا أن العين ترى طفلاً جديداً يقع أرضاً، بركلة من مصورة تعمل لتلفزيون حزب “جوبيك” اليميني المناهض لقوانين الهجرة في هنغاريا. إنها ركلة اليمين الأوروبي للطفولة السورية اللاجئة. في ذلك الحين، أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من أربعة ملايين سوري، أي نحو سدس عدد السكان، فروا من الصراع الدائر في بلادهم إلى الخارج.

قبل ذلك، في صباح 2 أيلول 2015، استفاق العالم على فيديو مصور يوثق غرق الطفل السوري إيلان الكردي، منقلباً على وجهه منتفخ الجثة من كمية المياه التي ابتلعها. كانت عائلة الطفل تحاول الهجرة عبر البحر بين تركيا واليونان. وعلى مدى ساعة من الزمن، اللاجئون السوريون في القارب يحاولون ترويض الأمواج العاتية للحفاظ على حياتهم والوصول إلى جزيرة كوس اليونانية. انتهت تلك المغامرة بشكل مأساوي حين انزلق الطفل من يدي والده، وبعد ساعات كان منكباً على بطنه فاقداً الروح على شاطئ شبه جزيرة بوضروم التركية. توفي 12 لاجئاً سورياً في ذلك القارب غرقاً في البحر، وكان منهم إيلان (3 سنوات)، وأخوه غالب (5 سنوات).

انتشرت الصورة كأيقونة لضحايا الهجرة السورية المميتة عبر البحر، بكت عليها كل من رئيسة وزراء السويد، ورجب طيب أردوغان التركي، وأيقظت السياسية الأوروبية من غفوتها بأنها غير قادرة على التغيير، ونعت دار الإفتاء المصرية الطفل السوري على صفحتها الرسمية في “فايسبوك”، ونشرت صورته وكتبت أسفلها “اللهم ارفع الغمة عن الأمة”. في عدد أيلول من مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة، بعنوان: “أهلاً وسهلاً باللاجئين”، وظف محررو الجريدة صورة الطفل الغريق إيلان في كاريكاتور ينتقد سياسية الاتحاد الأوربي حيال اللاجئين، وينتقد أوروبا المسيحية، التي لا تأبه لأطفال جيرانها المسلمين.

أما الكاتبة والفيلسوفة الفرنسية ماري خوسيه موندزين، فقالت عن صورة إيلان: “سواء أصُنعت الصورة أم لا، فإنها تخبرنا عن حال اجتماعي واقتصادي لجماعة بشرية نعرفها، تشاركنا هذا البحر، وعلى الصورة أن تدفع للعمل على مساعدة الناجين من رحلة اللجوء، والانضمام إلى الحملات المطالبة بحسن استقبالهم”. لكن أبواب اللجوء السوري إلى أوروبا منذ ذلك العام أغلقت باتفاق أوروبي- تركي، مقابل تعويضات مالية يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى الحكومة التركية.

الطفولة في الاغتصاب الجنسي

راهناً، ظهر فيديو جديد يضيف فصلاً جديداً من مأساة الطفولة السورية، هذه المرة من لبنان. ربما لم يشهد العالم العربي سابقاً فيديو يوثق لعملية اغتصاب. لقد صوره أحد مغتصبي الطفل السوري الثلاثة، وهم يتباهون بذلك، ونشره المغتصب بسبب خلاف نشب بينه وبين المعتديين الآخرَين. وقالت والدة الطفل الذي يعمل في معصرة في منطقة الباقع اللبنانية، إن جرائم الاعتداء الجنسي تمارس على ابنها منذ سنتين.

يأخذنا الفضول أولاً إلى الفيديو، لمعرفة كيف تصور الكاميرا عملية اغتصاب واقعية، وكيف تنتشر في المجتمع جريمة مصورة على هذا القدر من الإباحية، والانحراف الجنسي، والخلل الأخلاقي؟ كيف سيؤثر فيديو اغتصاب طفل في الثقافة البصرية العامة؟ وهل ستتالى فيديوات من هذا النوع في المستقبل مثلما حدث مع الحكايات والصور والأفلام السابقة؟ ومن ثم يتذكر المشاهد أن الضحية طفل سوري، يتعرض للضرب والاعتداء الجنسي ليضيف إلى حكايات الطفولة السورية حكاية أخرى، صورة أخرى، فيديو آخر قد يغير ثقافة المنطقة العربية كاملة، في تقبل هذا النوع من الأحداث، الجرائم، والبصريات.

في حزيران/ يونيو 2020، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، أن 6 ملايين طفل سوري لا يتلقون التعليم، ومنذ سنوات تحتل سوريا قائمة الدول التي تعيش أعلى نسبة تسرب أطفال من التعليم في العالم. وأعلنت  حاجتها إلى نحو 650 مليون دولار، مساعدات لمواجهة هذه الظاهرة، وإلا فإن أحداً لا يتخيل آثار ترك أجيال من الأطفال بلا تعليم في المستقبل، وفي منطقة عربية تعد الأغنى في العالم بالثروات والنفط. وبينما الاستثمارات العربية تشحن اقتصادات الدول الكبرى بزيادة الثراء، تترجى المنظمات المهتمة بالطفولة في المنطقة مثل “اليونيسيف” و”الأونروا” مساعدات لإنقاذ الأطفال.

يقول المخرج الفرنسي جان لوك غودار: “لا يمكن تغيير ما هو في صورة… ربما التغيير هو ما يحدث بين صورة وأخرى”، ونحن بانتظار الصورة التالية من مأساة طفولة المنطقة.

درج

—————————————

================================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى