أبحاث

عن تطورات الموقف الروسي من بالأزمة السورية -مقالات وتحليلات مختارة – متجدد

==============================

-1- مقالات مختارة تناولت هذا الامر

—————————————

رسالة إلى روسيا/ ميشيل كيلو

لم تتوقف رسائل الأسد إلى روسيا، مذ عمّت التقديرات حول انتهاء مرحلة الحرب وبداية مرحلة السلام في سورية، وشاع الاعتقاد بأن موسكو وواشنطن أخذتا تحدّدان الرابح والخاسر من أطراف الحرب الممتدة، سواء تعلق الأمر بطرفيها المحليين أو بالتركي والإيراني.

وقد انضوت الرسالة الأخيرة بين وزارتي دفاع الأسد وطهران في الإطار العام الذي كان قد أفصح عنه خالد العبود، في مقالةٍ إنذاريةٍ غاضبة، وجهها إلى “المدعو بوتين”، واختصرها في جملتين: جئنا بك إلى سورية لردع الأميركيين، وجئنا بالإيرانيين لردعك. بتأييد اللواء المتقاعد بهجت سليمان، تحوّلت خطّة العبود إلى إعلان حرب على الزعيم الروسي، علّمه أن الأسد قادر على تدمير قاعدته في حميميم خلال نصف ساعة، وإسقاطه في موسكو!

لن تعرّج هذه المقالة على ما فعلته روسيا منذ تلقت الرسالة، فقد ألمحت إليه مقالات سابقة، لكنها تتوقف عند الدلالة المهمة للاتفاق الذي عقد يوم الثلاثاء بين وزارتي الدفاع الأسدية والإيرانية حول تعزيز العلاقات التسليحية بينهما، وتولّي طهران رعاية الجيش الأسدي، وتزويده بأسلحة دفاع جوي تحسّن قدرته على حماية نفسه من ضربات إسرائيل. هذا الاتفاق هو آخر رسائل طرفين يعتقدان أنهما سيخرجان خاسرين من القسمة الأميركية/ الروسية، وأن المصير المشترك يتطلّب رداً مشتركاً، يقوّي مواقفهما إلى درجةٍ قد تصل إلى تعطيل الدور الروسي في سورية، أو محاصرته، والمحافظة على الأمر القائم الراهن في سورية، حيث يسيطر الأسد وإيران على 60% من مساحة البلاد، تتخللها بؤر عسكرية روسية يمكن تحدّيها وشلّها، ولتبقى واشنطن في مناطق من شرق الفرات، بينما تتم مواجهة الوجود التركي في منطقة إدلب بالقوة، حسب تحذير صريح وقوي صدر عن جنرال في الحرس الثوري وآخر في وزارة الدفاع الإيرانية. ولتذهب سورية إلى طور جديد من الصراع المسلح، استناداً إلى دور إيراني موسّع، يعيد خلط الأوراق المحلية والإقليمية والدولية في الساحة السورية، ورسم الأدوار، يبدل شروط التسوية السلمية وتطبيق القرارات الدولية، فالاتفاق إعلان أسدي بالتخلي عن أولوية الدور الروسي في سورية، أو بالحد منه في أقل تقدير، وبالشروع في تفعيل استراتيجية خالد العبود عن دور إيران ضد دور روسيا الذي يقتصر على ردع أميركا، وليس بين وظائفه تقرير مصير الأسد.

هل نشهد، في الفترة المقبلة، تشديداً لقبضة روسيا على السلطة، وتدابير أخرى تتصل بعلاقات موسكو مع الأطراف الأخرى، بما في ذلك “المعارضة”، وتفاهماتٍ مع واشنطن وأنقرة لمواجهة الواقع الذي يتخلق قبل أن تكتمل مفرداته، أم أن موسكو ستذهب في الاتجاه الآخر، وستنقض تفاهمها مع أنقرة بصدد إدلب ومنطقتها، لتجمد الجهود الأميركية حيال الأسد، ما دامت إيران ستتولى تزويده بما يحتاج إليه، ضمن علاقةٍ تقوم على درجة من الاندماج بين الطرفين، تمحو ما هو قائم من حدود بينهما، بذريعة تعزير دفاع الأسد الجوي بصواريخ إيرانية، لو كانت تحمي جيش إيران وحرسها، لصدّقنا أنها ستحمي جيش الأسد. لكن التركيز عليها في الاتفاق رسالة إلى روسيا بأن الأسد عازمٌ على التخلي عن سلاحها الذي لم يتمكّن بدوره من حماية جيشه، أو أن دوره في الصراع لن يكون أولوياً وحاسماً، بعد اليوم.

بكلام آخر: لم يعد الحل السياسي في سورية قريباً، ليس لأن ما شاع عن جهود موسكو وواشنطن عن العمل عليه لم يكن صحيحاً، بل لأن الأسد وإيران قرّرا تغيير بيئته، ونسف فرصته، ووضع الطرفين أمام معادلة جديدة ستجبر موسكو على إعادة النظر في حساباتها، وسياساتها العملية، بينما تفصل عقوبات قانون قيصر عن بعدها السياسي، وتفشل في إجبار الأسد على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وإيران على الانسحاب من سورية.

العربي الجديد

—————————————-

فالج لا تعالج/ ميشيل كيلو

لم ينضم جيش روسيا إلى الحرب ضد الشعب السوري إلا ليساعد السوريين على إيجاد حل للصراع الدائر بينهم لا يتدخل فيه أحد. ولم يأمر بوتين جيشه بغزو سورية، وشن الحرب على الشعب السوري، لأنه كاد يطيح الأسد، وصولا إلى حسم موازين القوى لصالحه، بحيث يفرض عليه النتائج التي تترتب عادة على حلٍّ عسكري ناجز. كما لم يقصف جيش موسكو المدنيين السوريين، ولم يقتل أحدا منهم، أو يدمر مصادر عيشهم، ليس لأنه أراد احتلال بلادهم وتحويلها إلى نقطة عبور إلى بقية الدول العربية لاسترداد ما كان للسوفيات فيها من حضور ونفوذ، كما قال بوتين بـ “عضمة لسانه”، بل غزاها وقصفها ودمرها حبا بالسلام، ومن أجل تمكين السوريين من التنعم به.

هذا ما يحاول إقناعنا به بوق روسي يتحفنا، بين فينةٍ وأخرى بمثل هذه السذاجات عن سياسة روسيا، كأننا لا نلمس نتائجها في شتى مجالات حياتنا، ولسنا ضحايا يوميين لها، أو نجهل أن موسكو لا تريد لنا غير موفور الصحة والعيش الرغيد، تحت قنابلها وصواريخها، وأنها ترفض، لدواع إنسانية، مد يدها إلى رياض حجاب، بسبب جرائمه ضدنا، ولم يعلم بها الطاهر العفيف بشار الأسد، الذي أرسلت قرابة سبعين ألفا من ضباطها وجنودها، واستخدمت نيفا وثلاثمائة سلاح جديد وقديم لوقف إرهابنا ضده، ومن المؤكد أن حبه لشعبه كان سيمنعه من اختياره حجاب لرئاسة الحكومة، لو كان يعرفه على حقيقته.

كلما قرأت هذه السذاجات أتساءل: أي قدر من احتقار قارئيه يمتلك هذا السيد، الذي ذكّر قبل فترة بعض من أفنوا أعمارهم في مقارعة الاستبداد الأسدي بضرورة التفكير بمصالح الشعب السوري، الذي يلقي الروس على أطفاله قنابل محشوّة بالشوكولاته والملبس، وغزوه امتثالا لرغبته في إنقاذ بشار الأسد الذي لم يرتكب جرائم ضده، ومن الضروري مقاطعة من انشقّ عنه، ورفض الغرق في دماء إخوته السوريين، بما أن روسيا لا تتعامل مع قتلة، أو تمد أيديها إليهم؟

أية وقاحة أن يتحدّث هذا البوق الساذج عن الحرص على الشعب السوري، ويطالب السوريين بالرضوخ لقاتلهم، ويستهجن، في الوقت نفسه، التساؤل عما إذا كانت موسكو قد التقت بمن انشقّ عنه، بدل التوقف عند دلالة تخلي رياض حجاب عن ثاني أعلى موقع سياسي في السلطة السورية، على الرغم من علمه أن السلطة مدعومة ومكفولة روسيا وإيرانيا، وأن انضمامه إلى الثورة يتطلب المخاطرة بحياته وأسرته؟ لكنه أقدم على المخاطرة، كي لا يسهم في جرائم القرن الأسدية/ الروسية/ الإيرانية، ضد شعبه المسالم، الذي طالب بالحرية: الوعد الذي قطعه حزب الأسد ونظامه على نفسه قبل سبعين عاما، ثم حقق نقيضه، وما إن ذكّره السوريون به حتى انقضّ عليهم بجيشه ومخابراته، وحين فشل في ردّهم إلى بيت طاعته، سارع بوتين إلى إنجاده بغزاةٍ، أولهم في دمشق وآخرهم في موسكو، يصحب قتلته بالسلاح قتلة بالأقلام، كهذا الطبال البائس، لا يخجل من التحدث عن احترام الشرعية الدولية، متجاهلا معرفة السوريين أن موسكو عطلتها باستخدام حق النقض 13 مرة في مجلس الأمن الدولي، وأنها منعت إصدار قرار عن المجلس بالتحقيق في استخدام سلاح كيميائي ضد السوريين، على الرغم من أن مندوبها في المجلس اتهم المعارضة بالوقوف وراءه!

يبدي هذا الشخص بعض التذمر من سفاح دمشق في مقالاته، لإيهام غافلين بأن موسكو تخلت عنه، مع أنها متمسّكة بخطتها القديمة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها القاتل، الذي يجب أن يجدّد رئاسته عبر انتخابات حرة، بالقدر الذي رأيناه في الاقتراع على تعديل دستوري روسي، يبقي بوتين الأسد في منصبه حتى عام 2036.

إن الحماقة أعيت من يداويها، وروسيا لم تتعلم درس السوفيات.

العربي الجديد

—————————————

موسكو تبيع الأسد وتشتريه/ عمر قدور

قد يكون المبرر الوحيد لاجتماع ثلاثي أستانة يوم الأربعاء هو التأكيد على وجود الثلاثي، وعلى دوره في تقرير مستقبل سوريا، أي أن الدافع وراء انعقاده ليس أمنياً كما كان حال أغلب الاتصالات والتفاهمات بين أطرافه. الوضع العسكري لم يكن محور الاجتماع “أو ما رشح عنه” سلباً أو إيجاباً، والأرتال العسكرية التركية التي تواصل اجتياز الحدود تؤشر إلى مناخ عدم الثقة، ففي الطرف الآخر لم يتوقف الزج بحشود إضافية من قبل قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية، والوضعية الحالية هي الاستعداد لمعركة لا تسمح الظروف بالشروع بها.

ثلاثة أحداث سبقت الاجتماع، لا بد أن يكون شبحها حاضراً فيه. أولها تصريح نتنياهو الموجه لبشار الأسد، حيث كان صريحاً جداً بإبلاغه أن بقاء الميليشيات الإيرانية في سوريا يعني زوال حكمه. دخول قانون قيصر حيز التنفيذ كان قد سبق تصريح نتنياهو، وسرعان ما ظهرت آثاره الحادة على الليرتين والاقتصادين السوري واللبناني. ليأتي مؤتمر الدول المانحة ببيان واضح مفاده عدم تمويل إعادة الإعمار قبل إنجاز عملية سياسية تستند على قرارات الأمم المتحدة، صيغة البيان ظهرت متممة وداعمة قانون قيصر.

البيان الرسمي الصادر عن اجتماع الثلاثي تجاهل الخوض مباشرة في الأحداث السابقة، لكن ثمة مثلاً إشارة لا تستهدف إضحاك القارئ مفادها عدم الاعتراف بقرار إسرائيل ضم الجولان، وكأن كافة مشاكل وأزمات سوريا الراهنة الملحة قد حُلّت. هي بالطبع إشارة موجهة إلى تل أبيب، مثلما التأكيد على وحدة الأراضي السورية موجه إلى واشنطن التي لا يستطيع أحد منازعتها على أماكن نفوذها، وهذا التأكيد لا يرضي فقط الهواجس التركية إزاء المسألة الكردية وإنما هواجس طهران والأسد أيضاً إزاءها.

إجمالاً، حصلت موسكو من القمة على الدعم السياسي الذي تريده، وكذلك هو حال طهران، بينما حصلت أنقرة على مكسبين هما الحفاظ على الهدنة وإقرار موقفها من المسألة الكردية. البيان لم يغلق الباب رسمياً أمم التسوية المطلوبة دولياً، لكن المنحى العام له داعم للموقف الروسي الذاهب إلى التشدد في مواجهة العقوبات الغربية باستغلال أزمة طهران المزمنة مع الغرب ومشاكل أنقرة المستجدة معه.

وكالة الأنباء الأسدية “سانا” نشرت نص البيان، بما يوحي بالترحيب به وبأن الأسد حصل على اطمئنان يحتاجه بعد ازدهار التحليلات عن اقتراب موسكو من التضحية به. كأن موسكو بين الحين والآخر تعمد إلى طرح بشار للبيع، ثم تعاود شراءه لأنها لا تحصل على سعر مجزٍ، أو حتى لعدم وجود راغبين في الصفقة. هذا ما يمكن فهمه من مواسم الضغط عليه وتسريب الأخبار عن عدم تمسكها بأشخاص، ثم التراجع عن تلك التسريبات التي لا يبدو أنها تلقى الاهتمام الكافي من قبل الزبائن المنتظرين.

منذ تدخلها العسكري المباشر عملت على ما يسمى تصفير مشكلة الأسد، أي الوصول إلى إضعافه فلا يكون بقاؤه أو عدم بقائه العقبة الرئيسية أمام التسوية، وصولاً لأن تصبح التضحية به مع تأهيل النظام عملية غير شاقة إذا اتُفق عليها. الغرب لم يكن بعيداً عن السعي الروسي بل كان مسانداً له، وإسرائيل كانت مطالبها من بشار واضحة ومقتصرة على تحلله من النفوذ الإيراني، ومن المرجح أنها تفضّل بقاءه ضمن شروطها. ما أضافه قانون قيصر على هذا الصعيد أنه لم يطالب بتنحية بشار، بل وضع سلة من الأهداف هي بمثابة سقف أعلى من استبداله بشخص آخر، وكذلك هو ما ذهبت إليه الدول المانحة التي أتى موقفها صارماً في موضوع إعادة الإعمار.

المواقف الأمريكية والغربية والإسرائيلية وقسم مهم من نظيرتها الخليجية يُفترض بها أن تصب في مصلحة موسكو، فهي جميعاً تقرّ بالوجود الروسي الحالي والمستقبلي، بل تشجع على تعزيزه. العقدة في ما هو مطلوب من موسكو، وينصب على مسارين؛ الإمساك التام بالبنية العسكرية والمخابراتية التابعة للأسد بحيث لا تكون عائقاً أمام التسوية المقبلة، وتحييد النفوذ الإيراني من أجل الهدف ذاته وضمن السعي إلى تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

قيل سابقاً الكثير عن الدرس العراقي الذي تتحاشى واشنطن تكراره، لذا هناك إحجام من الإدارات الأمريكية ومن الرأي العام عن التدخل لإسقاط أنظمة. للدرس العراقي، وإلى حد ما الدرس الأفغاني، وجه آخر هو القوة البديلة التي تملأ الفراغ، ورأينا في الحالة العراقية كيف أخلت واشنطن الساحة لطهران، وهذا درس ربما تحرص واشنطن على عدم تكراره بقدر حرصها على عدم التدخل العسكري. تطورت المفاهيم والأدوات منذ مواجهة التدخل الروسي في أفغانستان ثم التدخل لإسقاط صدام، فلم تعد واشنطن تحتاج للزج بقواها التقليدية من أجل تحقيق أهدافها.

من هذه الجهة، لا يشبه قانون قيصر العقوبات التي فُرضت على نظام صدام حسين، لا من حيث الأسباب ولا الأهداف ولا الأدوات. الاختلاف الأهم قد يكون في أن العقوبات بموجب قانون قيصر هي أمريكية وليست دولية، وخلال زمن قياسي أثبتت العقوبات الأحادية مفعولها، وأهم ما كشفت عنه الهشاشة الشديدة للقوى المستهدفة به مباشرة ومَن خلفها. الحديث عن فشل سلاح العقوبات يصحّ بوجود خصوم هم عبارة عن عصابات ومافيات لا تكترث بالأوضاع المعيشية للشعوب، وما يعيبه قلة الانتباه إلى قدرة هذا السلاح على تحميل قوى طامعة استراتيجياً مسؤولية دول فاشلة تصبح عبئاً عليها، مع التأكيد على أن الشعوب لا قيمة معتبرة لها في ميزان الجانبين.

قد تراهن طهران على الصمود خلال الأشهر القليلة القادمة بأمل نجاح الديموقراطيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذا ليس حال موسكو التي تتخوف من نجاحهم بعد سلسلة من مساعيهم لإثبات دعمها ترامب. في كل الأحوال، لن يفيد موسكو عرض بشار للبيع على غرار التلميحات والتسريبات السابقة، فهي لن تجد زبائن إلا إذا كانت الصفقة تتضمن أولاً إبعاد النفوذ الإيراني والاستفراد بالبنية العسكرية والمخابراتية الأسدية. رغم كل ما يُشاع عن تعاظم النفوذ الروسي، تتقاسم موسكو وطهران النفوذ على 60% من الأراضي السورية، وعلى نسبة أقل من المساحات المفيدة اقتصادياً، وهي أقل بكثير مع احتساب العقوبات والحصار. بالمفهوم التقليدي للصراعات، ليس هناك من ينافس بوتين على مطامعه، ومصدر الإزعاج اليوم هو القول له: هنيئاً لك بما أحرزته وهنيئاً لك ببشار الأسد أيضاً.

المدن

———————————-

عن الـ “مؤثرين العلويين” والحل الروسي…/ بسام يوسف

بدأت القيادة الروسية تحركاً سياسياً، يستهدف شخصيات سورية لها اعتبارات أخرى غير مواقفها السياسية، وهي اعتبارات قد عينها منظور القيادة الروسية، وهو منظور يحدد معاييره على العرقي والديني والقبلي… إلى آخر هكذا تصنيفات، يُفترض أن العولمة قد دفعتها إلى مجال الخاص الخصوصي الذي لا يجوز أن يتعدى عليه السياسي؛ مما يشير إلى أن هناك توجهاً إلى خطوة سياسية ما، تدعمها روسيا، قد تفضي حسب التسريبات إلى عقد مؤتمر وطني موسع، يشكل مخرجاً من الاستعصاء السياسي الذي تواجهه روسيا في الملف السوري.

وضمن هذا التوجه، تم تسريب خبر اجتماع مبعوثي القيادة الروسية مع شخصيات علوية، وُصفت بأنها مؤثرة في جنيف. وبالرغم من ذلك؛ فإن اللبس لا يزال قائماً، بين: هل تم الاجتماع فيزيائياً، أم أنه قد تم عبر وسائط تقنية.

ومع ذلك، أو بالرغم منه، فقد طلب الروسي من الأطراف المجتمعة كلها: عدم تسريب خبر اللقاء والتعتيم على مخرجاته. لكن الجهة الميسرة للقاء سربت خبر اللقاء، وسربت نصاً، اعتبره الطرف المسمى “شخصيات علوية” غير صحيح؛ فقام بنشر وثيقة الاجتماع الأصيلة، لتبيان حقيقة الأمر وللرد على النص المسرب.

وعلى هذا، فإني لن أتناول في هذا المقال حيثيات هذا اللقاء، ولا تفاصيل ما جرى فيه؛ فهذا يحتاج إلى بحث آخر، لكنني سأتناول فكرة اللقاء من حيث المبدأ، وسأتناول دلالاته وغايات الروسي منه، وهل سيسهم في إنهاء الكارثة السورية أم لا.

أولاً- ثمة أربعة مؤشرات مهمة، تشير إليها هذه اللقاءات بغض النظر عن محتواها وعما يطرح فيها:

    المؤشر الأول، هو: ذهاب روسيا- الذي قد يكون بتوافق مع أميركا وإسرائيل- إلى مقاربة الحل السوري من بوابة التصنيفات العرقية والدينية والطائفية والقومية…إلخ، وليس من بوابة جوهر الصراع وحقيقته، بما هو صراع بين مافيا مستبدة – لها شكل الدولة- وشعب مقموع ومنهوب. وهي مقاربة تنفتح على مخاطر قد تبدأ بنظام سياسي مبني على المحاصصات، ولا تنتهي بتفتيت سوريا وتقسيمها.

    والمؤشر الثاني هو: حقيقة غياب الجهة السورية الوطنية التي تمثل السوريين، وتدافع عن مصالحهم؛ لأن وجود هذه الجهة يمنع الأفراد أو الشخصيات من التوجه إلى حوار حول الوطن السوري ومستقبله.

    والمؤشر الثالث هو: عن مدى أهمية التمثيلات السياسية القائمة، كالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، عند الأطراف الدولية الفاعلة، ومدى اقتناعها بجدوى هذه التمثيلات.

    أما المؤشر الرابع فهو: يتناول تحديداً ما يخص اللقاء بشخصيات علوية؛ إذ يدل هذا اللقاء- واللقاءات التي جرت قبله- على عدم ما يسمى بالمجلس العلوي الأعلى، ذاك المجلس الذي يخلقونه ساعة يشاؤون، ويفنونه حين يريدون، والغريب أن من يؤكدون وجوده يستندون على حديث ضابط روسي، هو من يخبرنا عن هذا الوجود الموهوم.

ولكن، لماذا يتوجه الروس الآن في هذا المنحى، وما هي دوافعهم؟

إني أرى عدة أسباب خلف هذا التوجه، منها:

    حاجة الروس الملحة إلى الخروج من هذا الاستعصاء السوري الذي تورطوا فيه؛ فالزمن ليس في صالحهم، على عكس أطراف فاعلة أخرى قد تكون مصلحتها استنقاع الوضع السوري فيما هو عليه؛ لأنها ليست من يحترق بتداعياته.

    هناك التزامات قدمتها روسيا لأطراف داخلة في الشأن السوري- مثل: أميركا، وتركيا، وإسرائيل- عن الوجود الإيراني، وترتيب الوضع الداخلي السوري حتى يصبح مهيأ لحل سياسي.

    تداعيات قانون سيزر وإغلاقه الباب أمام مخرجات كثيرة، كان يمكن لروسيا أن تلجأ إليها لولا وجوده.

    إنتاج نظام سياسي في سوريا يمكنه أن يؤمن مصالح الأطراف الدولية الأخرى؛ كي توافق على الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار وعودة المهجرين…إلخ، مع اعتبار أن النظام الحالي قد أصبح عاجزاً عن إقناع هذه الأطراف بقدرته على قيادة سوريا في المرحلة القادمة؛ فهو نظام متهم بجرائم لا تعد ولا تحصى، ويحمل فوق كتفيه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وملفات إرهاب وفساد…إلخ.

    الوضع الداخلي في روسيا، وهل تحتمل روسيا أن يستمر هذا الاستنزاف في ظل تردي وضعها الاقتصادي، وفي ظل انتشار وباء كورونا، وفي ظل ظهور أصوات مهمة داخل روسيا ترفض هذا الاستنزاف واستمراره؛ لأنه بلا جدوى.

 ثم بعد هذا: ماذا بشأن اللقاء مع شخصيات علوية موصوفة بأنها مؤثرة، وماذا سيقدم هذا التوجه الجديد لها، وكيف يمكن لها أن تتعامل معه؟

من حيث المبدأ، لا يحق لأي شخصية أن تدعي تمثيل الطائفة العلوية، فما تنفرد به هذه الطائفة عن غيرها من مكونات المجتمع السوري – بتفاوت بين مكون وآخر- هو: أنها بلا أي مرجعية، سواء أكانت دينية أم سياسية أم اجتماعية. وبالتالي: إن قبول بعضهم بهذا التمثيل مرفوض، وليس له أي شرعية.

أما من حيث الجدوى، فهل تفيد اللقاءات- كهذه اللقاءات- سوريا الوطن أولاً، والعلويين كطائفة ثانياً؟

قد لا أبالغ إن قلت: إن أي توجه لمقاربة الوضع السوري من غير البوابة الوطنية، هو دفع باتجاه انفراط سوريا، سواء أدرك هذا من يقومون بهذه المقاربة أم لم يدركوه. وبالتالي: إن مهمة السوريين الذين تطلب أطراف خارجية اللقاء بهم في هذه الفترة، هي في استعادة جوهر الصراع في سوريا، وإبعاده ما أمكن عن تصنيفه كحرب أهلية أو انعدام إمكانية التعايش بين مكونات المجتمع السوري…إلخ.

وحتى إذا فرضنا أن هناك من يحق له التحدث باسم مكونات الشعب السوري العرقية، فهل يحق لهؤلاء التحدث في هذه اللحظة من تاريخ سوريا بصفتهم الطائفية أو العرقية أو القبلية أو غيرها؟

برأيي أنه لا يحق لهم ولا لغيرهم؛ لأن ما حدث في سوريا لم يكن سببه التركيبة الديموغرافية، وبالتالي: إن تلمس الحلول من هذه البوابة طمس متعمد لجوهر الموضوع أولاً، وهو طمس متعمد للجرائم التي ارتكبت بحق السوريين طوال نصف قرن من الزمان ثانياً؛ ولأن التاريخ قد أكد دائماً، بأن طمس الحقوق لن يكون غير تأجيل حق لابد من إقراره، وأن الذهاب إلى هذا الاتجاه سيفخخ المجتمع السوري، وسيجعله مهيأ لانفجار قادم لا محالة، انفجار سيطيح بآخر حلم للسوريين بوطن واحد.

وفيما يخص الطائفة العلوية: إن الخطر الأكبر عليها الذي سيفوق الخطر الذي تسببت به عائلة الأسد، هو: الذهاب إلى هذا الاتجاه؛ لأنه سينقل الوزر الهائل للجرائم التي ارتكبتها عصابة آل الأسد على مختلف مكونات الشعب السوري- والعلويين منهم- من أعناق مرتكبيها الفعليين ووضعه على كاهل الطائفة العلوية، إن أفضل الحلول التي يمكن أن يقدمها أحد ما إلى الطائفة العلوية، هو: في تحميل الجرائم على مرتكبيها الحقيقيين لمحاكمتهم ومحاسبتهم، ولكي لا يجري القفز عليها بتوافقات تبويس الشوارب، أو أن يجري تحميل وزر هذا الدم المسفوك وهذا الحقد المتراكم كله على كاهل أجيال العلويين القادمة.

تلفزيون سوريا

————————————–

نهاية شهر العسل بين إيران وروسيا في سورية

على الرغم من مرور سنوات عديدة على نهاية الحرب الباردة، فإن القوى العالمية تتنافس فيما بينها على الهيمنة وكسب الحلفاء في الشرق الأوسط. ولعل نقطة التحول في هذا المجال هي الربيع العربي الذي انطلق عام 2011، والذي زحزح ميزان القوى في المنطقة بين القوى العالمية والإقليمية، ثم خلق قواعد وجهاتٍ فاعلة جديدة. في هذه الأثناء، سعت إيران وروسيا، بوصفهما فاعلين إقليميين وعالميين مهمين، إلى إعادة النظر في سياستهما في الشرق الأوسط والعثور على شركاء جدد. الآن وبعد مرور حوالي 10 أعوام على الأزمة العربية، يستمر وجود هؤلاء الفاعلين في سورية، لكن الوضع الحالي في الأزمة السورية خلق اختلافات بين إيران وروسيا، تشير إلى أننا نشهد تغييرات في بعض سياسات هذين البلدين. والسؤال الآن هو: أما تزال إيران وروسيا تتعاونان أم أن عصر التنافس والتباعد بينهما قد بدأ؟ سؤال قد يتعلق بزيارة جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، لروسيا وتركيا الأسبوع الماضي. وقد تزامنت الزيارة مع بدء تنفيذ ما يسمى بعقوبات “قيصر” الأميركية ضد حكومة بشار الأسد في سورية. وإضافة إلى الضغط على الحكومة السورية، يبدو أن عقوبات قيصر تضغط على إيران وروسيا، داعمي النظام الأساسيين، وتزيد من كلفة وجودهما في سورية.

التعاون بين إيران وروسيا في سورية

يعود بدء التعاون الجاد بين إيران وروسيا في سورية إلى عام 2015، عندما غدت هزيمة الجيش السوري في الحرب الأهلية السورية، وسقوط بشار الأسد، أمرًا محتملًا، حيث طلبت إيران، نتيجة تلك الظروف، المساعدةَ من روسيا. وعقب زيارة قاسم سليماني، القائد السابق لقوة القدس للحرس الثوري، بدأت مشاركة روسيا الجادة في الحرب السورية في عام 2015. وفي الوقت نفسه، دعت إيران روسيا إلى التدخل في الأزمة السورية، للحفاظ على سلطة بشار الأسد. التدخل العسكري الروسي في سورية في الواقع هو جزء من محاولة موسكو للعودة إلى رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية، كقوة عظمى (ومحاولة لتشكيل تحالفات متعددة الأطراف وتوازنات بين معظم القوى في المنطقة)، تلك الميزات قامت بشكل أساسي على البراغماتية والواقعية السياسية. ومن ناحية أخرى، كان وجود إيران في سورية مترافقًا في البداية بتقديم المساعدة الاستشارية، ثم أعقبه وجود قوات برية لدعم الحكومة السورية. وشملت هذه القوات قوات عسكرية وجماعات شبه عسكرية مدعومة من إيران. لكن منع هزيمة قوات الأسد التي كانت وشيكة استدعى اللجوء إلى شنّ غارات جوية واسعة النطاق من قبل القوات الروسية. بدأ الوجود الجدي لروسيا في سورية، في أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، بقصد القضاء على كثير من التهديدات، مثل الهيمنة الأميركية والنزعات الانفصالية، والإسلام السياسي المتطرف. ومن أجل هذا، بدأ فلاديمير بوتين مسارًا من الدبلوماسية متعددة الأوجه، وبدأت روسيا مرحلة جديدة من التعاون مع إيران والقوات السورية، بشن غارات جوية على خصوم الأسد في سورية. تزامنت الهجمات مع صعود قوات تنظيم (داعش) في سورية. وأدى الدعم البري لإيران والميليشيات للجيش السوري، وكذلك الدعم الجوي للجيش الروسي، إلى الهزائم المتتالية لمعارضي الأسد، وإلى توطيد سلطته. في ظل هذه الظروف، كانت إيران وروسيا تتحركان في نفس الاتجاه بسبب المصالح المشتركة، لدرجة أن القوات الجوية الروسية استخدمت قاعدة نوجه (Nojeh) الجوية في همدان لعملياتها في سورية.

نزاعات روسيا مع إيران في سورية

على الرغم من العلاقات الطيبة الجديدة بين إيران وروسيا في الشرق الأوسط، لا تزال إيران تعتمد على الدعم الأمني ​​الروسي ضد التهديد الأميركي الملحوظ لتغيير النظام. وبالنظر إلى عوامل مثل التطور النووي وتعزيز الجيش، نرى أن العلاقات بين البلدين حاسمة لمستقبل الشرق الأوسط. ومع ذلك، يمكن القول إن وجود نوع من التقارب الأيديولوجي هو فهم جيد للسياق، يعتمد على الظروف أكثر من المشاركة في مشروع سياسي مشترك أو خطة استراتيجية مشتركة. فكلا البلدين يرفض السياسات الغربية لتغيير النظام، ويرفض استخدام قضايا حقوق الإنسان لتحقيق الأهداف الجيوسياسية. وينطبق هذا التقارب النظري خصوصًا في الحالة السورية، حيث ترفض الدولتان إمكانية ظهور نظام جديد؛ يخشى الروس أن يكون مؤيدًا للغرب، ويخشى الإيرانيون أن يكون مؤيدًا للسعودية. ولذلك، يقدم البلدان أنفسهم كمؤيدين للوضع الراهن، ويعلنان أن المصلحة الوحيدة لخصومهم هي زعزعة استقرار سورية.

إحدى قضايا الخلاف بين إيران وروسيا في سورية هي وجهات نظرهما المختلفة، بخصوص مخاوف إسرائيل الأمنية، بما يتعلق باستمرار وجود إيران في سورية، حيث أعلنت إسرائيل مرارًا أنها لن تسمح بوجود إيران العسكري في سورية، وقد قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مرات عديدة مواقع للقوات الإيرانية وميليشياتها في سورية. وقامت روسيا بتطوير أنظمة مضادة للطائرات في سورية، لكنها لم تستخدمها للدفاع عن مواقع القوات الإيرانية. حول هذه النقطة، نشأ الاختلاف بينهما -حيث ترى إيران أن إسرائيل هي منافسها الرئيس في المنطقة، بينما تقيم روسيا علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية- وأصبح عامل اختلاف في مشاركتهما. وعلى الرغم من قول روسيا “إن إيران أتت إلى سورية بدعوة من الحكومة السورية ولن تغادرها إلا بطلب من دمشق”؛ فقد دعت إلى الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من سورية.

كان “التشيّع Shiaization” في سورية أيضًا أحد منابع الخلاف/ الاختلاف بين موسكو وطهران، فروسيا تفضل عودة للسنّة، بينما تفضّل إيران نقل/ تصدير الشيعة. ومع ذلك، فإن مصالح إيران الطائفية ليست المحدد الأكثر أهمية لعلاقاتها مع روسيا، فمشاركتهما المتبادلة تنبع بشكل عام من التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك من التوترات بين إيران والولايات المتحدة. تدعم إيران التحالف مع حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية، التي تتكون بشكل أساسي من مقاتلين باكستانيين وأفغان وعراقيين. ومن ناحية أخرى، تريد روسيا الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ولا تدعم تشيّع بعض هذه الجماعات العسكرية، مثل حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية. ويبدو أن روسيا ليس لديها مصلحة في أن تكون حليفًا تافهًا للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، كما ليس لديها أي مصلحة في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية في سورية.

الخاتمة

السؤال الآن: ما طبيعة اللعبة التي تلعبها روسيا مع إيران، التعاون أم المنافسة؟! يسعى بوتين للحفاظ على المصالح الاقتصادية والعسكرية لروسيا في سورية، لذلك يبدو أن بوتين والأسد سيمنعان إيران من الاستمرار في البقاء في سورية (الحقيقة هي أن الأسد أكثرُ ميلًا إلى تعزيز التعاون مع موسكو) وسيستخدمان إيران لمصالحهما الخاصة، ولمصالح نتنياهو وترامب؛ فالهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، وبالقرب من الحدود الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، تتم فعليًا بأضواء خضراء روسية. والجيش الروسي أوقف نظام الدفاع الجوي إس -300 أثناء الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، ولو أن ذلك النظام عمل جيدًا، لما تمكنت إسرائيل من شن غارات جوية على الأراضي السورية بسهولة. فمن ناحية، أنفقت إيران كثيرًا من الأموال في سورية، ولا يمكن استرداد هذه التكاليف، ومن ناحية أخرى، بسبب العقوبات والضغوط الأميركية القصوى على إيران، لم يعد بمقدورها إنفاق الكثير في سورية.

مع الاقتراب التدريجي لنهاية الحرب الأهلية السورية؛ يخلق الوجود الإيراني المستمر في البلاد -على المدى الطويل- حساسيات من جانب العالم الغربي ودول الخليج. ويبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا تسعى لتشكيل تحالف سري لتحديد مستقبل سورية، ومن غير المحتمل أن تمانع أو تتردد الحكومة السورية، تجاه استمرار وجود إيران ونفوذها في البلاد على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه، سورية أكثر ميلًا إلى استمرار الوجود الروسي. وأخيرًا، يبقى أن نراقب ما سيحدث: هل سيؤدي الوجود العسكري الروسي في سورية إلى إخراج إيران من سورية؟ وهل سيتوسع تعاون روسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل؟

اسم المقالة الأصلي        The end of the honeymoon between Iran and Russia in Syria

الكاتب   عارف بيجان، Aref Bijan

مكتن النشر وتاريخه         مودرن دبلوماسي، Modern Diplomacy، 23حزيران/ يونيو 2020

رابط المقال         https://bit.ly/2Vkfcvt

عدد الكلمات       1086

ترجمة   قسم الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

————————————

درعا .. فشل روسي آخر/ بشير البكر

درعا تغلي، ولا يمرّ يوم من دون تظاهرات واشتباكات مسلحة وسقوط ضحايا من أهل البلد، في ظل هشاشة الوضعين السياسي والأمني، واستمرار عمليات الاغتيالات والتصفيات. وبعد مرور عامين على اتفاق التسوية الذي أبرمه الروس في قاعدة حميميم في 18 يونيو/ حزيران 2018، بدا وكأن الموقف عاد إلى المربع الأول. والمسألة التي يمكن الوقوف عندها، أن نصوص الاتفاق لم ينفذها النظام لجهة عودة الخدمات والإفراج عن المعتقلين، بل على العكس، ما جرى أن النظام أعاد أجهزة الأمن والشرطة، ولم يفرج عن المعتقلين، وأصرّ على ترحيل أعداد كبيرة من المقاتلين الرافضين للتسويات إلى الشمال في مارس/ آذار الماضي.

ويعكس استمرار مظاهر الفوضى الأمنية صعوبة سيطرة النظام السوري على مناطق التسويات، وذلك على خلاف المناطق التي لم تخرج أصلاً عن سيطرته، وبات يصعب توقّع اندلاع مظاهر احتجاج فيها بسبب إحكام القبضة الأمنية عليها، إلا أن المغزى الفعلي لما يحصل في درعا عموماً، يشكل أولاً فشل روسيا في فرض حالةٍ من الاستقرار في الجنوب، كما تعهدت حين توقيع الاتفاق قبل عامين. وفي ذلك الوقت، قدّمت جملة من الوعود لتسوية وضع درعا، بوصفها طرفاً ضامناً يبعد أي حضور أمني للنظام، ما عدا جهاز الشرطة بمعية أجهزة الدولة المدنية.

والأمر الثاني أن روسيا استطاعت أن تُلزم المعارضة المسلحة بالاتفاق، التي قامت، بعد فترة قصيرة، بتسليم السلاحين، الثقيل والمتوسط، بالإضافة إلى تسليم النقاط الحدودية لقوات النظام. وفي المقابل، التزمت قوات النظام عدم دخول أي نقطةٍ شملها اتفاق التسوية، مثل منطقتي درعا وطفس. وكان يفترض أيضاً تصفير سجل أي شخص مطلوب بناءً على تلك التسوية، لكن مخابرات النظام واصلت اعتقال المدنيين والعناصر السابقين في فصائل المعارضة، وأحصت المعارضة قرابة 600 حالة اعتقال في حوران، خلال الفترة التي تلت اتفاق التسوية، وأفرج عن عدد قليل من المعتقلين، بعد ضغط من لجان المفاوضات، فيما بقي ملف المعتقلين في سجون قوات النظام عالقاً، في ظل عدم التزام النظام الإفراج عن المعتقلين الذين يتجاوز عددهم 4500 من حوران فقط، أو حتى بيان أوضاعهم، على قيد الحياة أو لا.

والنقطة الثالثة التي تبدو واضحة، أن روسيا لم تتمكن من تنفيذ التفاهمات مع إسرائيل في ما يخص محافظة درعا، القائمة على إبعاد الوجود الإيراني وحزب الله إلى 80 كلم عن الجنوب. وظهر في الآونة الأخيرة أن إيران ومليشيات حزب الله لا تزالان تحتفظان بقوات عسكرية، وتمارسان أعمال القمع والقتل، وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في مايو/ أيار الماضي، عن تجوّل ضباط من النظام السوري برفقة قيادات من حزب الله في درعا والقنيطرة، وخصوصاً عند المناطق الحدودية، وأن تلك الجولات أكدت مراقبة الضباط من كثب خطوط الجبهة مع إسرائيل، وتلا ذلك قصف إسرائيل أهدافاً إيرانية عسكرية في المنطقة.

وإزاء هذه الخريطة، يبدو أن روسيا فشلت في ضبط الموقف وفق الصيغة التي كانت تريدها، والدليل على هذا ما تعرّض له قبل أيام عناصر من التسويات محسوبون عليها من الفيلق الخامس الذي يقوده أحمد العودة. وعليه، سيبقى الوضع مفتوحاً للاحتمالات، والاحتمال الذي يرجّحه العارفون بالوضع في الجنوب، أن يستمر التوتر، ويتسارع الانهيار، في ظل عدم تدخل الروس بقوة. والاحتمال الثاني أن تدخل إسرائيل على الخط من أجل مواجهة الوجود الإيراني الذي لا يمكن القضاء عليه بالغارات الجوية فقط.

العربي الجديد

——————————————-

سوريا حقل اختبار روسي/ بسام مقداد

لم يكن من المفاجئ أن تستخدم روسيا ، إلى جانب الصين، حق النقض ضد مشروع قرار تمديد مجلس الأمن الدولي العمل على توفير المساعدات الإنسانية لسوريا ، الذي تنتهي صلاحياته في 14 من الشهر الجاري . وكانت روسيا قد خرجت رسمياً ، قبل أيام ، من الآلية الأممية لفض النزاعات في سوريا deconflicting ، الذي تتحدد بموجبه المواقع المدنية ، التي تحتاج للمساعدات الإنسانية ، مثل المدارس والمستشفيات والمواقع الدينية وسواها . وبررت موسكو قرار انسحابها هذا بالقول أنها بذلك حرمت الغرب من إمكانية فبركة الأخبار الكاذبة في سوريا بشأن المؤسسات، التي تحتاج للمساعدات الإنسانية . وقال ممثل روسيا الدائم لدى المنظمة الدولية فاسيلي نيبنزا ، بأن الآلية المذكورة كانت المشاركة فيها طواعية ، ولم تكن مدعمة باية قرارات من مجلس الأمن الدولي ، أو أية أسس قانونية أخرى . وأشار إلى أن التحقيقات الروسية قد أظهرت أكثر من مرة ، أن بعض المواقع ، التي تشملها آلية فض النزاعات هذه  ، كانت تستخدم في الحقيقة كهبئات أركان للإرهابيين ، ولهذا لا يمكن إضفاء صفة المواقع المدنية عليها ، كما نقلت عنه صحيفة الكرملين “vz” نهاية الشهر المنصرم .

وكتبت الصحيفة بمناسبة ذلك الإنسحاب تقول ، بأن الخديعة في تلك الآلية كانت تتمثل في تشكيل قوائم  الأهداف الإنسانية ، حيث كان بوسع أي إرهابي ملتح أن يتصل بمكتب الأمم المتحدة  ويعلن أن “إسطبل” قيادته قد أصبح مستشفى ، ويطلب إبلاغ “الأسديين والروس” بأنهم إذا قصفوه فسوف تعتبر جريمة حرب . لكن الإستطلاع كان يكشف أن الإسطبل لم يكن يوماً مستشفى بل مقر أركان الإرهابي،الذي كان يمحى من الوجود مع مقره في النهاية ، وتبدأ الصحافة البريطانية بالصراخ ، بأن “الروس الأشرار” قاموا مجدداً بقصف مستشفى في إدلب.  وتزعم الصحيفة أنه تم في حينه تسجيل 40 مستشفى في حلب بهذه الطريقة ، وهو ما لم يكن متوفراً في المدينة حتى قبل الحرب السورية .

وبعد أن تتحدث الصحيفة عن أسباب أخرى لانسحاب روسيا من هذه الآلية ، وتأخرها في هذا الإنسحاب حتى الآن (23 الشهر المنصرم) ، تقول بأن منظمات الآمم المتحدة المعنية لم تنظم منذ العام 2016 سوى قافلتين للمساعدات الإنسانية ، وليس بسبب حظر الروس أو الأسديين للقوافل، بل بسبب العقوبات الأميركية على سوريا . وتتساءل الصحيفة : فلماذا إذاً هذه الآلية “الملعونة ثلاثاً؟ . فهي تحولت في الواقع إلى أداة للإبتزاز وفبركة الأكاذيب ، وإلى موقع ملائم للقيام بعمليات الإستطلاع من قبل العاملين في البعثات الإنسانية الناطقين بالإنكليزية .

وفي تبريرها للفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن بشأن معابر المساعدات الإنسانية لسوريا ، نقلت الصحيفة عن المستشرق الروسي المعروف ألكسي ملاشنكو قوله ، بأن موسكو استخدمت حق الفيتو لأنها لم ترغب في تعزيز دور تركيا في إيصال المساعدات لسوريا . ويقول مالاشنكو ، بان ثمة نوعاً من عدم الثقة بين روسيا وتركيا ، ولم تكن موسكو لترغب قي تنامي دور تركيا في مثل هذا الوضع ، حيث ستكون المساعدات الإنسانية متوقفة كلياً على تركيا (في حال سماح روسيا بأكثر من معبر على الحدود التركية) وانخفاض مسؤولية روسيا عن هذه المساعدات . ويرى أن حجب روسيا لمشروع القرار هذا يظهر ثقة روسيا بقوتها ، وينفي أن يكون لسوريا تأثير على موقف روسيا . لكن بعد الفيتو هذا سوف يأخذون ، عل الأغلب ، باتهام روسيا بعرقلة العمليات الإيجابية في سوريا ، حيث سيقولون بأن الروس يمكنهم الحرب في سوريا ، لكن ما إن يصبح الأمر متعلقاً بالمساعدات الإنسانية حتى يبدأون يإثارة المشاكل .

ويفترض مالاشنكو بأن الأميركيين بحاجة لممرات إنسانية تتجنب عبور دمشق ، وذلك لرفض واشنطن الإعتراف بشرعية رئاسة بشار الأسد . إضافة إلى ذلك ، يرى الرجل أن الأميركيين يتقربون من الأتراك في ظل العلاقات الباردة بين الرئيسين التركي والأميركي ، ويفترضون أن مثل هذا القرار سيعتبر يداً ممدودة من واشنطن لأنقرة ، أو على الأقل إصبعاً ممدوداً .

وتنتهي الصحيفة إلى التذكير بأن روسيا كانت قد استخدمت الفيتو في شهر كانون الأول /ديسمبر الماضي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار للغرب كان يَفترض الإبقاء على ثلاثة معابر للمساعدات الإنسانية إلى سوريا ، مما دفع الغرب لاحقاً إلى حجب قرار روسي لمساعدة سوريا .

إن استخدام الكرملين الفيتو الأخير لإسقاط الآلية الأممية لمد السوريين بالمساعدات الإنسانية ، وانسحابه قبل ذلك من آلية فض النزاعات لتحديد المواقع السورية ، التي تحتاج لمثل هذه المساعدات ، يشير إلى فشل محاولات الكرملين إلقاء مسؤولية إفشال العملية السلمية على عاتق النظام السوري منفرداً ، وتبرؤه من هذه المسؤولية . ويؤكد ما ذهبت إلية صحيفة “لوموند” الفرنسية في السابع من الشهر الجاري ، حسب  أحد المواقع الناطقة بالروسية ، حيث قالت بأن ساعة الحقيقة قد حلت بالنسبة لبوتين في الشرق الأوسط ، فهو إذ ربط مصير سياسته الشرق أوسطية بالأسد ، وقع في فخ الواقع السوري المخادع . فبعد خمس سنوات على “العودة الكبرى” لروسيا إلى المنطقة ، تواصلَ خلق العراقيل بدلاً من تقديم خطة دولية حقيقية للعملية السلمية في سوريا . وقد أصبح واضحاً ، حسب الصحيفة ، أن استخدام القوة ضد أي شكل من أشكال المعارضة ، أصبح هو الهدف بذاته ، لأن جميع نجاحات الأسد كانت بفضل الكرملين ، وأصبح الوضع شبيهاً بمعادلة لا حل لها “الأسد خاسر من دون موسكو ، وموسكو ضائعة من دون الأسد” .

والحقيقة أن الكرملين يثبت أن حديثه عن العملية السلمية  ، ليس سوى مناورة لمواصلة الحرب السورية واستخدامها ليس لصالح السلام في سوريا والشرق الأوسط ككل ، بل لصالح استراتيجيته في مجابهة الغرب . فقد كتبت صحيفة القوميين الروس”sp” في 4 من الشهر الجاري مقالة بعنوان ” بوتين يخدع الغرب: خبأوا صواريخ “إسكندر” في سوريا وحولوها إلى حقل اختبار روسي” . وتقول الصحيفة بأ سوريا اصبحت حقل التجارب الأكبر للجيش الروسي ، ويمكن الإستدلال على ذلك من قول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ، بأنه قد جرى اختبار أكثر من 300 نموذج من الأسلحة الجديدة ، وحصل أكثر من 50 الف ضابط وجنرال على الخبرة القتالية ، كما مر على سوريا  الكثيرون من منتجي الأسلحة ومصمميها. وتم أكثر من مرة اختبار المقاتلات من الجيل الخامس su-57  ودبابات “Armata T-14” ، كما اختبرت على قواعد الإرهابيين الصواريخ المجنحة “كاليبر” والكثير من نماذج المعدات العسكرية والذخائر ، ولم تبق دون اختبارها في سوريا سوى منظومات الصواريخ الإستراتيجة “Yris” . كما جرى في سوريا ايضاً اختبار “رعب الغرب وخوفه” منظومات الصواريخ التكتيكية العملانية “إسكندر ـــــــ M” .

وتنقل الصحيفة عن خبير عسكري روسي قوله ، بأن بوتين قد احتال مرة أخرى على الغرب بصواريخه “إسكندر” ، التي “خبأها” في سوريا ، والتي تم تطويرها حتى الكمال في الظروف القتالية . لقد انتفت ضرورة استخدام هذه المنظومات الآن في سوريا ، حيث يتولى الطيران قصف معظم الأهداف ، لكن المنظومات بقيت في قاعدة حميميم (4 منظومات ، إفتراضياً) . لكنها لم تبق للإختبار، فمنظومات “إسكندر ـــــــ M” ، التي يبلغ مداها بين 2500 و5000 كيلومتر ، يمكن أن تصل من سوريا إلى القواعد الأميركية في أوروبا ، وتبلغ فرصوفيا أو بوخارست

المدن

——————————————

بوتين وبشار:معاً حتى العام 2036/ ساطع نور الدين

لم تكن مطمئنة أبداً تلك الابتسامة  التي كانت ترتسم على وجه أي مسؤول او زميل روسي عندما يؤكد ان موسكو تنوي أن تنظم  في صيف العام 2021 ، إنتخابات رئاسية سورية حرة ونزيهة وتعددية، يتنافس فيها أكثر من مرشح، قد لا يكون بينهم الرئيس بشار الاسد شخصيا، وتخضع لإشراف دولي، ويشارك فيها الناخبون السوريون المقيمون والمهجرون، على حد سواء…

كان الإقتناع بجدية تلك النية الروسية، النبيلة، يتطلب الكثير من التنكر للمعطيات التي لا تكذب، ولا تدع مجالاً للشك في ان روسيا إنما جاءت الى سوريا لتغيير نظام الاسد، واقامة نظام ديموقراطي حر يحترم تعدد المجتمع السوري وتنوعه، ويرسي أسس تجربة روسية رائدة، تقوم على إعادة بناء الدولة السورية الكاسدة طوال نصف قرن والتي تشارف اليوم على الانهيار… وهو ما لم يفعله الاميركيون لا في افغانستان ولا طبعا في العراق ولا في أي بلد إجتاحوه في العقدين الماضيين.

كان الأمل وارداً بأن تصدق روسيا في دعواها، وأن تلتزم على الاقل حرصها المعلن على حفظ الدولة السورية وحماية وحدة الاراضي السورية، وأن تقدم نموذجاً مختلفاً عن التجربة الاميركية الرائدة في تهديم الاوطان وتخريب الدول وتفكيك المجتمعات، الاسلامية والعربية خاصة..وأن تتصل بإرثها السوفياتي الذي سيظل التاريخ يحفظ له مساعدته للكثير من بلدان العالم الثالث في التحرر من نير الاستعمار الغربي.

لكن هذا الأمل، الخادع أصلاً، ضاع نهائياً في اليومين الماضيين، عندما ظهرت نتائج الاستفتاء الشعبي في روسيا على التعديلات الدستورية، وعندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين (67 عاماً) أنه وقع على سريان مفعول تلك التعديلات، التي تجيز له البقاء رئيسا مدى الحياة، او بالتحديد حتى العام 2036، حيث يكون قد بلغ من العمر83 سنة بالتمام والكمال، ويكون قد شغل الرئاسة لولايتين جديدتين مدتهما 12 سنة، بعد إنتهاء ولايته الحالية في العام 2024.

بكل المعايير، الغربية منها والشرقية، ما جرى في روسيا كان بمثابة نكسة كبرى لمسار تحرير وتطوير نظام الحكم الروسي الذي لاحق الناخبين الروس بصناديق الاقتراع طوال الاسبوع الماضي، الى منازلهم ومزارعهم وسياراتهم ومخادعهم، لكي يحصل منهم على نسبة تأييد بلغت 77 بالمئة من الاصوات، على تعديلات دستورية، تتحدى العقل والمنطق.. عدا عن كونها ترفع معدلات تفشي وباء كورونا ونسب التضخم والفقر والفساد، وتخفض  الرهان على أن روسيا على وشك أن تتصالح مع تاريخها العظيم، وأن تتخفف من عبء الطغيان القيصري ثم السوفياتي.

هكذا تبدد الوهم بأن روسيا التي كان يفترض أنها قوة إنقاذ وحيدة للدولة السورية، وخشبة خلاص أخيرة للمجتمع السوري، ما زالت عند وعدها، وستحترم العملية السياسية التي أحيلت حسب القرارات الدولية الى الشعب السوري لكي يديرها بنفسه، ولكي ينظم عمليات إنتخابية رئاسية حرة ونزيهة تؤدي الى إنتقال سياسي تدريجي هادىء من النظام الحالي المتهالك، الى نظام جديد يستوعب جميع المكونات السورية من دون إستثناء.

منذ البداية، كان ذلك الوعد الروسي مثيراً للريبة. الاستفتاء الأخير وبنود الدستور الجديد، الذي يتوج بوتين قيصراً على الروس، يفترض بالحد الأدنى التشكيك بالسياسة الروسية تجاه سوريا ونظامها، والتي تفيد بأن موسكو تعبت من بشار ومن كلفة المحافظة على حكمه ومن هدر الامكانات في إعادة بناء جيشه، وهي لذلك كانت تخطط أو تفكر في تحويل الانتخابات الرئاسية السورية العام المقبل الى فرصة للتغيير في سوريا. المنطق يقول ان بوتين الذي عاد بروسيا قرناً كاملاً الى الوراء، ولم يكن، حسب في الاستفتاء الاخير، ديموقراطياً مع شعبه، لن يكون ديموقراطياً مع الشعب السوري. 

من الآن فصاعداً، ربما يجوز التكهن بان النظام السوري الحالي باقٍ في السلطة حتى العام 2036 بالتحديد ، سواء مع بشار (الذي سيكون قد بلغ السبعين) او من دونه..لأن بوتين، لن يضيع وقته في البحث عن شريك سوري آخر، يتولى تنظيم إنتخابات وإستفتاءات وتعديلات دستورية، تعيد سوريا قروناً الى الوراء..

المدن

——————————–

هواجس روسيا الأميركية: من سوريا الى أفغانستان/ راغده درغام

سيولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساحة أوسع من أولويّاته للسياسة الروسية الخارجية بعدما انتهى من الاستفتاء الذي صوّت عليه الشعب الروسي وكرّسه في منصبه لولايات متتالية. سينشط بوتين في ملفّاته الدولية بعدما تحرّر من القيود المحلية – أو على الأقل من أولويّة الاستفتاء الذي أراده بشدّة– وستكون العلاقة مع الولايات المتحدة في أعلى القائمة تليها العلاقة مع طرفَي عملية “أستانة”، تركيا وإيران، بامتدادها السوري والليبي واللبناني والإسرائيلي وغيره. إنما اليوم، وبسبب قصّة طالبان في أفغانستان، يتربّع التوتر على العلاقات الأميركية – الروسية وسيزداد تفاقماً على نغم العلاقات الروسية – الإيرانية مع الاقتراب نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالذات في مسألة تمديد حظر الأسلحة الى إيران في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

المحطة الآنية التي تشغل صنّاع القرار الروسي – بالرغم من أنها ليست الأولى في سلّم الأولويات – هي الإجراءات الإسرائيلية القاضية بضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن والتي باركتها إدارة ترامب بموجب صفقة جيري كوشنر. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قرّر عدم تنفيذ إجراءات الضم بتاريخ 1 تموز (يوليو) ليس تجنّباً للتصعيد أو خوفاً من انتقام إيراني أعدّ له كبار العسكريين “في الحرس الثوري”، وإنما لأن الحكومة الإسرائيلية تريد إعادة كتابة الخطّة التي قدّمتها لها الإدارة الأميركية بهدف “تحسينها” لتأمين مساحات أكبر للضم.

بحسب المعلومات، هذا ليس تأجيلاً عشوائياً لموعد التنفيذ وإنما هو قرار إسرائيلي مدروس، أوّلاً، للحصول على أكثر، وذلك اقتناعاً من الإسرائيليين بأن التهديدات الفلسطينية بالتملّص من التزاماتها الأمنية بموجب أوسلو ليست جدّيّة. وثانياً، امتصاصاً لحملات الاحتجاج التي كانت جاهزة في أكثر من عاصمة. وثالثاً، لأن إسرائيل تريد اتخاذ اجراءاتها في موعد أقرب الى الانتخابات الرئاسية الأميركية. وبالتالي، انها تتهيّأ لشهر أيلول (سبتمبر) لتفرض أولويّاتها وقراراتها على المرشّحينِ الجمهوري والديموقراطي على السواء. فلن يكون في قدرة المرشّح الديموقراطي جو بايدن معارضة إسرائيل ومشاريعها في خضمّ الانتخابات. ذلك أن إسرائيل مسألة محلية domestic issue في الولايات المتحدة الأميركية، بالذات في المواسم الانتخابية.

ما شأن روسيا في هذا؟ ليس شأناً مباشراً بقدر ما هو مُحرج لها لأنه يعرّي عدم قُدرتها على التأثير في القرار الإسرائيلي وعجزها عن المعارضة الفعلية الملموسة لإجراءات الضم. ثم ان المعلومات لدى المصادر الروسية تفيد بأن إسرائيل تنوي اتخاذ خطوات اضافية ليس فقط نحو فلسطين وإنما في سوريا تأخذ شكل “هجمات عسكرية إسرائيلية على مواقع عسكرية سورية وعلى مواقع عسكرية إيرانية بقرب دمشق، بنوع من المساعدة الأميركية”.

موسكو في موقع حرج لأن علاقاتها مع إسرائيل بالذات في ترتيبات الجولان – تقوم على التفاهمات والصداقة الشخصية بين بوتين ونتانياهو فيما علاقاتها مع بشار الأسد وإيران علاقة تحالف ميدانياً ومشروعها في سوريا بالغ الأهمية لها استراتيجياً.

لذلك، وحالما انتهى الرئيس الروسي من الاستفتاء، عقد قمة افتراضية جمعته بشريكيه في عملية “أستانة”، الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان والإيراني حسن روحاني، عنوانها: سوريا. هدف بوتين كان حصراً للقول ان سوريا ما زالت على الأجندا – والكلام موجّه على جهتين أساسيّتين هما: الولايات المتحدة التي ازدادت نشاطاً في سوريا، والشعب الروسي الذي انخفض اهتمامه بسوريا الى درجة مُقلقة للكرملين.

المصادر المطّلعة على أجواء اللقاء أكّدت أن قمّة عملية أستانة للحل السياسي في سوريا قفزت على القضايا الصعبة واكتفت بأن تكون “شكليّة” Formality. ما حقّقته القمة هو أنها مكّنت فلاديمير بوتين من القول انه ما زال في حوار حول ادلب وفي مفاوضات مقايضة مع نظيره التركي، وأنه بالرغم من استمرار التناقضات والنزاعات “ان روسيا ليست في حال نزاع وتصادم علني مع تركيا”، قال المصدر مضيفاً “فلقد كان مهمّاً إبراز هذه الأجواء”.

وبحسب المصدر “لم يتم التطرّق الى موضوع ليبيا على الإطلاق بناء على اتّفاق مسبق بأن تكون القمة الافتراضية حصراً حول أستانة”. تمّ الاتفاق أيضاً على أن يتباحث الرئيسان الروسي والتركي في الموضوع الليبي في مخابرة هاتفية، ربما الأسبوع المقبل. فهذا موضوع فائق الأهمية للطرفين وللرئيسين وللمؤسّستين العسكريّتين علماً أن المؤسسة العسكريّة الروسية متحمّسة لتلقين نظيرتها درساً في الساحة الليبية انتقاماً مما فعلته في الساحة السورية.

ما سعت وراءه روسيا، ودعمتها فيه إيران، هو إنشاء موقف مشترك لأطراف “عمليّة أستانة” ضد العقوبات الأميركية نحو سوريا. لكن روسيا وإيران وحدهما وافقا على ذلك، بحسب المصادر المطّلعة.

روسيا قلقة جداً من “قانون قيصر” الأميركي الذي يطوّق نظام بشار الأسد وكل من دعمه ويدعمه بعقوبات قاسية. قلقة أوّلاً لأنها مقتنعة أن الولايات المتحدة دخلت عملية تطبيق العزل الاقتصادي لسوريا – الأمر الذي يُعقّد ويهدّد الاستراتيجيّة الروسية نحو سوريا التي لا تريد أن ترثها مفلسة وفي بؤرة اضطرابات تهدّد انجازاتها وتحوّل سوريا الى مستنقع لروسيا.

ثانياً، ما تخشاه موسكو هو الوطأة الثقيلة للعقوبات الأميركية المرتقبة قريباً على الشركات الروسية التي تعمل في سوريا – العسكرية منها والمدنية. فهي ترى أن العقوبات الآتية قادرة على تدمير بعض أكبر الشركات الروسية، النفطية منها وتلك المعنيّة بالمواصلات، وغيرها. وهي تخشى أن تنجح العقوبات الأميركية في تكبيل أيادي الديبلوماسية الروسية في سوريا، وأن تدفع بالرأي العام الروسي الى المطالبة بالكف عن الاستنزاف في سوريا.

إيران أيضاً قلقة جداً وخائفة بالرغم من تظاهرها وتظاهر حلفائها بالعكس. فهي تدرك أن قانون قيصر سيطالها ويطال حليفها “حزب الله” ولبنان الواقع تحت سيطرته. ثم الى جانب الذعر من العقوبات الآتية، لدى طهران مصدر هلع آخر هو أن تنجح الجهود الأميركية في تكبيل قدرة إيران على استيراد الأسلحة، بالذات من روسيا.

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طالَب أعضاء مجلس الأمن هذا الأسبوع بتمديد حظر الأسلحة المفروض دوليّاً على إيران، والذي تنتهي مدّته في 18 أكتوبر، وقال في جلسة عبر دائرة تلفزيونية ان إيران ستكون “حرّة لشراء طائرات مقاتلة روسية الصنع يمكن أن يصل مداها الى 3000 كيلومتر لتهدّد مُدناً مثل الرياض ونيودلهي وروما ووارسو”. كما حذّر بومبيو من تهديدات إيران للملاحة الدولية في مضيق هرمز وبحر العرب وقال انها ستكون “حرّة بشراء تكنولوجيات جديدة ومتقدّمة لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس وحزب الله والحوثيّين”. وزاد ان إيران ستهدّد الاقتصاد العالمي “وتُعرّض دولاً تعتمد على استقرار أسعار الطاقة مثل روسيا والصين للخطر”. وتحدّى بومبيو نظيره الإيراني المشارك في الجلسة، محمد جواد ظريف قائلاً “ان الرئيس روحاني هدّد برد ساحق في حال تم تمديد فرض حظر الأسلحة. أتمنّى أن يقول لنا وزير الخارجية الإيراني، من سيسحقون، وكيف سيتم سحقهم؟!”.

ظريف شدّد على أن انهاء حظر الأسلحة في 18 أكتوبر هو شرط أساسي للحفاظ على الاتّفاق النووي JCPOA الذي تم توقيعه في 2015 معتبراً أن رفع حظر الأسلحة “لا ينفصل” عن الحفاظ على الاتّفاق النووي. وحذّر ظريف الترويكا الأوروبيّة – بريطانيا، المانيا، وفرنسا – من انضمامها الى العقوبات الاقتصادية على إيران وقال “ان من يشارك الولايات المتحدة في إجراءاتها يتحمل المسؤولية معها”.

وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روز ماري ديكارلو قدّمت إحاطة الى مجلس الأمن ذكرت فيها ان الصواريخ المُستخدمة في هجمات 2019 على أرامكو في السعودية ووحدات الإطلاق الخاصة بها هي “من أصل إيراني ولديها تواريخ انتاج بعد عام 2016” – أي بعد الاتفاق النووي.

روسيا والصين اللتان لهما حق النقض في مجلس الأمن متمسّكتان بمعارضة الجهود الأميركية المنصبّة على منع رفع حظر الأسلحة لإيران. كلاهما في علاقات متوتّرة مع واشنطن عبر ملفّات خلافات متعدّدة. وليس واضحاً بعد ان كانت الفيتو الثنائية الصينية – الروسية ستعود الى المعركة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مجلس الأمن، أو ان كانت المقايضات على الملفّات الأخرى ستأتي بمفاجآت.

بين الملفّات التي تشغل موسكو هذه الفترة تَوجّه عدد جديد من القوات الأميركية من المانيا الى بولندا، على قرب من الحدود مع روسيا. ومن أبرز ما يسبب التوتر في العلاقات بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب هو مسألة طالبان حيث الاتّهامات ضد روسيا – التي تنفيها موسكو – تصب في خانة تمويل عناصر من طالبان لاستهداف الجنود الأميركيين في أفغانستان، وضد ترامب اتّهامات بأنه غض النظر.

المسألة برمّتها فائقة التعقيد خلاصتها ان روسيا مُتّهمة بأنها قامت بتقديم الدعم المالي الى طالبان بصيغة “مكافآت” من أجل استهداف القوات الأميركية وقتلهم. هذه التهمة المزعومة قنبلة مدمِّرة لأنها تصب في خانة قتل الجنود الأميركيين على أيادي روسيا – الأمر الذي تنفيه موسكو قطعاً – ولأنها تأتي في إطار الانتخابات الرئاسية. فإذا كان دونالد ترامب على علم بالموضوع وغض النظر، شيء، وإذا كانت المكافآت الروسية بدأت منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما عام 2014، كما قال المتحدّث السابق بإسم طالبان، شيء آخر.

هذا الموضوع استخباراتي بامتياز ولذلك ان طيّاته عديدة وعناصره متعدّدة الجنسيات. وبحسب المعلومات، هناك شركة مقاولات لبنانية متورّطة قامت أكثر من مرة بتقديم لبنان كنقطة انتقالية في إطار المكافآت الروسية المزعومة الى طالبان. ولأن المسألة فائقة التعقيد، بحسب قول أحدهم، “هناك هياكل عظميّة كثيرة في الخزانة” قد تؤثّر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي العلاقات الأميركية – الروسية، لأن الأمر يتعلّق بمسألة أساسية لدى الأميركيين وهي، أرواح الجنود الأميركيين. ولذلك فلاديمير بوتين قلق، ودونالد ترامب قلق، وكلاهما يريد التهدئة.

——————————

روسيا وأميركا والعملية السياسية السورية/ حيّان جابر

يكثر الحديث عن العملية السياسية السورية من وحي المعطيات والدلالات الحالية، مثل بدء تطبيق قانون قيصر؛ والمهاترات الإعلامية والقانونية بين أهم أقطاب النظام السوري، وتسريبات الإعلام الروسي عن الأسد وعائلته، وكثرة الحديث عن مشاريع إعادة الإعمار، ومن قراءة المصالح والغايات التركية؛ الروسية، وغيرها من الدول المحتلة والفاعلة على الساحة السورية. وهو ما يتطلب بعض التدقيق في جوهر المصالح الدولية في سورية، سيما مصالح روسيا والولايات المتحدة، نظراً إلى تحكّمهما بالوضع السوري، في غياب الفعل الشعبي أو محدودية مساهمته اليوم.

لذا وبعيداً عن قدرة الشعب السوري على قلب الأولويات الدولية، بل وعلى قدرته في استعادة زمام المبادرة كاملة، إن نجح في تصحيح أخطاء الماضي، لا بد من العمل على تحييد النظرة الرغبوية تجاه الأحداث والأنباء الدولية المتتابعة، من خلال العودة إلى المصالح والاستراتيجية الدولية الرئيسية في سورية، فمثلا، وبما يخص الإدارة الأميركية الحالية، نجد تخبطا كبيرا في تصريحات الرئيس الأميركي، ترامب، وقراراته، فهما يتراوحان بين توجهيْن، يمثل الأول تصريحاته التي تحابي بشار الأسد والرئيس الروسي بوتين في أثناء حملته الانتخابية الأولى؛ وقرار الانسحاب من سورية؛ ورفض دعم الطموح التركي في سورية، بل ومجابهته أحيانا كثيرة. بينما يمثل التوجه الثاني تصعيداً خطابيا يصل إلى حد شتم الأسد، وإقرار قانون قيصر، ورفض الوجود الإيراني في سورية. ويضع هذا الحال المهتمين والمعنيين بالشأن السوري أمام تناقضات صارخة، تضيف مزيدا من الغموض على الوضع السوري، وعلى طبيعة المصالح الدولية، أو على الأقل على توجهاتها.

أي يجب العودة إلى طبيعة المصالح والإستراتيجية الأميركية تجاه سورية والمنطقة، كي نتمكّن من تمييز المواقف الحقيقية من الزائفة، وأولها تراجع الأهتمام أو الرغبة الأميركية في الانخراط المباشر بقضايا منطقتنا وحيثياتها، من دون أن تسمح بأي مساس بأمن الكيان الصهيوني ومصلحته، وعبر حماية دول المنطقة النفطية (الخليجية) ورعايتها، بشكل محدود، ومن دون أي أعباء اقتصادية أو عسكرية، أو حتى سياسية، تذكر. إذا وبغض النظر عن أسباب تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة العربية، إلا أنه مجرّد تراجع، لا انسحاب كما ظن بعضهم وردّده طويلا، حيث تحافظ الولايات المتحدة الأميركية على سيطرتها على أهم مرتكزات المنطقة، ما يمنحها القدرة على التأثير في مستقبل المنطقة وحاضرها، بما يخدم مصالحها أو رؤيتها من دون الحاجة للتدخل المباشر، سيما العسكري منه. كما يمكنها ذلك من العودة إلى التدخل بشؤون المنطقة في أي لحظةٍ تتطلب ذلك.

يُستنتج من ذلك أن غاية أميركا الرئيسية اليوم في منطقتنا، وسورية ضمنا، تعزيز قدرتها على ضبط الأمور والتحكّم بها، من دون التورّط أو التوغل بالقضايا اليومية. لذا يهدف إقرار قانون قيصر وبدء تنفيذه، وفق النظرة الأميركية، إلى مزيد من التحكّم الأميركي بالشأن السوري، وبشؤون المنطقة عموما. لذا لم يقتصر نص القانون على معاقبة النظام السوري، بل تعدّاه إلى التلويح أو التهديد في معاقبة داعميه والمتعاملين معه، دولا كانوا أم أفرادا أم مؤسسات. وبالتالي، امتلكت أميركا عبر القانون ورقة مهمة لإفشال أي مخططات دولية، لا تتوافق مع مصالحها حاضرا ومستقبلا. وبالتالي، القانون مجرّد وسيلة جديدة للتحكم الأميركي بعيداً عن التعبيرات والجمل البراقة التي يحتويها النص، والتي أثارت مشاعر بعضهم، ودفعتهم إلى الاعتقاد بقرب زوال النظام أو الأسد، استنادا إلى تحوّل في الموقف الأميركي.

كما يجب العودة إلى أولويات روسيا في سورية، وإلقاء نظرة على رؤيتها السياسية لفهم تبعات قانون قيصر عليها، أو على مخططاتها، كملاحظة نجاح روسيا في تحقيق أهم أهدافها الاستراتيجية من دون الدخول في عناء الحل السياسي، وبغض النظر عن توقيت بدء مشاريع إعادة الإعمار، فقد تمكّن الروس من العودة إلى الساحة الدولية قوة إقليمية ودولية مؤثرة، عبر تدخلهم المباشر في سورية. كما روّجوا منتجاتهم وتقنياتهم العسكرية، ما حوّل بلدهم إلى ثاني مصدّر للمنتجات الحربية على المستوى العالمي بعد الولايات المتحدة. كما سيطرت روسيا على الموانئ والحدود السورية (أو غالبيتها). وبالتالي، ضمنت تحكّمها بأي مشاريع مستقبلية نفطية وخدمية واقتصادية، تهدف إلى ربط منطقة الاتحاد الأوروبي مع دول المنطقة العربية، ما حوّلها إلى المستفيد الرئيسي من موقع سورية الجيوسياسي، وهو ما يمنحها ميزاتٍ اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، كما يحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على التخلص من التبعية شبه الكاملة للغاز الروسي.

طبعا، يدرك الروس، كما ندرك جميعا، أن مشاريع إعادة الإعمار ومشاريع الاستثمار في الثروات الباطنية النفطية وغير النفطية في سورية تتطلب إنجاز الحل السياسي، واستعادة حد أدنى من الهدوء والاستقرار. لكن وعلى الرغم من أهمية هذه المشاريع لروسيا، إلا أنها لم تكن ولن تكون ضمن أولويات المصلحة الروسية. لذا لا تستعجل روسيا قطف هذه الثمار على أهميتها، ونجدها هادئةً ومتريثةً وحذرة في التعامل مع الملف السوري وتشابكاته الدولية، ما يمكّنها من مساومة بعض الأطراف التواقة لمكاسب إعادة الإعمار والاستثمارات المستقبلية، كتركيا وإيران، عبر الضغط عليهم لقبول حل سياسي في سورية وفق الرؤية الروسية. حيث يملك الروس رؤيةً مغايرةً عن الرؤية الدولية للحل، من حيث الجوهر والشكل، فهي لا تهدف إلى إحداث أي تغيير حقيقي في بنية النظام الأمني والشمولي، كما لا تكترث لإكساء النظام طابعا ديمقراطيا، ولو شكليا، وهو ما نلمسه في الحوارات والمفاوضات التي أجرتها في أستانة وسوتشي، وفي حوارات اللجنة الدستورية العاجزة عن تحقيق أي اختراق، حتى على الصعيد الإنساني والسياسي.

وعليه، لا يبدو قانون قيصر بمثابة نهاية النظام السوري، بقدر ما هو أداة ضغط وتحكّم أميركية، لذا لا طائل من التعويل عليه كثيرا، لصالح التعويل على قوة التغيير الشعبية، إذ حراك الشعب السوري وفاعليته هما مصدر الخطر الحقيقي، وربما الوحيد الذي يهدّد المصالح الروسية والأميركية، وطبعا الأسدية، وهو القادر على إجبار روسيا وأميركا على إحداث تغييرات سياسية في بنية النظام السوري، تطاول الأسد ومحيطه السياسي والأمني، وربما الاقتصادي أيضا. وعليه، نجاح السوريين في تنظيم احتجاجاتهم وتحرّكاتهم الثورية، وفي تجاوز الإشكالات الثورية الأولى التي عانوا منها في عام 2011، سيما بما يخص التنظيم والبرنامج والرؤية والوسيلة، هما المرتكزات الحقيقية الوحيدة لصناعة مستقبل سوري وطني ديمقراطي تقدمي، كما يأمل الشعب السوري.

العربي الجديد،

——————————-

روسيا وسلاح المعابر في سورية/ حسين عبد العزيز

لم تكن مطالبة روسيا الأمم المتحدة بإغلاق معبر السلام الحدودي مع تركيا إلا خطوة أخرى ضمن سياق الحرب الإنسانية المضادة في الشمال السوري. استغلت موسكو تقريراً صادراً عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، كشف أن المعبر شهد دخول 593 مركبة محملة بمساعدات إنسانية خلال شهري إبريل/ نيسان ومايو/ أيار الماضيين، في حين دخلت 2553 مركبة عبر باب الهوى خلال الفترة ذاتها. ولا يتعلق الأمر بطبيعة الحال بمدى نجاعة معبر باب السلام أو عدمها، بقدر ما يتعلق بلعبة ضغط سياسية تمارسها روسيا من البوابة الإنسانية. ويمكن وضع الطلب الروسي بإغلاق المعبر ضمن سياقين:

الأول، خاص بتركيا، في خطوة لممارسة ضغوط على أنقرة، وتوجيه رسالة روسية بأن قادة الكرملين قادرون على تهديد المصالح التركية، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل أيضاً على المستويين الاقتصادي والإنساني، وجعل تكلفة الوجود التركي في الشمال السوري مرتفعة، خصوصاً في هذه المرحلة والمراحل المقبلة، مع دخول “قانون سيزر” حيّز التنفيذ، واستبدال العملة السورية بالعملة التركية في شمال غربي البلاد، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية الأساسية.

سيؤثر إغلاق معبر السلام بشكل سلبي على مناطق عمليتي “درع الفرات” التي تضم أعزاز والباب وجرابلس وأريافها و”نبع السلام” التي تضم البلدات بين تل أبيض شمال غرب الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة، وستحدث فجوة كبيرة بين الإغاثة والاحتياجات الإنسانية الضرورية. وسيؤدّي هذا الأمر إلى رفع تكاليف عمليات النقل من باب الهوى إلى ريف حلب الشمالي، ومن ثم إلى شمالي الرقة وبعض مناطق في الحسكة.

تعي روسيا أن إغلاق معبر اليعربية ـ ربيعة الأقل تكلفة وسهولة في نقل المساعدات، وإغلاق معبر باب السلام مع رفضها سابقاً فتح معبر تل أبيض، سيضع الأتراك أمام مأزقٍ وتكلفةٍ كبيرين.

السياق الثاني، وهو أعمّ، مرتبط بمحاولات روسية خنق إدخال المساعدات الأممية إلى عموم الشمال السوري، من أجل وضع الأمم المتحدة أمام خيارين: قطع عمليات الإمداد الإنسانية الجارية والتسبب بكارثة إنسانية، أو القبول بالمطلب الروسي المتمثل بأن يكون النظام السوري بوابة العبور الرسمية للمساعدات الأممية إلى كل الأراضي السورية، سواء الخاضعة لسيطرة النظام أو لسيطرة المعارضة أو لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. ولذلك، أصرّت موسكو خلال جلسات مجلس الأمن السابق والقرارات الدولية ذات الصلة على نقطتين: رفض استخدام عبارة إدخال المساعدات، واستبدالها بعبارة تسليم المساعدات، وعبارة تسليم تعني أن ثمّة طرفاً داخلياً تناط به مسؤولية تسلم المساعدات. وفي الحالة الروسية، لا يوجد سوى النظام السوري، أي أن المساعدات الإنسانية يجب أن تسلم للجهات التابعة للنظام. موافقة النظام السوري المسبقة على دخول المساعدات الإنسانية، وموافقته المسبقة أيضاً على تحديد المعابر التي ستسلم من خلالها المساعدات.

لا يتعلق الضغط الروسي من أجل شرعنة النظام فحسب، ولا يتعلق أيضاً بمنح هذا النظام ورقة ضغط على مناطق سيطرة المعارضة فحسب، بل للمسألة أبعاد اقتصادية مهمة، فالمساعدات الأممية تشكل عامل استقرار اقتصادي بالغ الأهمية في الداخل السوري، لجهة توفر السلع الأساسية، ولجهة استقرار أسعار السلع الغذائية التي تنتج داخل سورية.

وتساعد المواد الإغاثية بمناطق النظام السوري، في تخفيض الأسعار وتقليل الواردات، ما يؤدي إلى انخفاض الحاجة إلى العملة الصعبة، وبالتالي تحسين الاقتصاد، ولو بشكل بسيط. وفضلاً عن ذلك، تساهم المساعدات الإغاثية في توفير جزء من القطع الأجنبي، وقد اعترف بشار الأسد بذلك العام الماضي.

من أجل ذلك، ترفض الولايات المتحدة الاستجابة للمطالب الروسية، خصوصاً بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، فلا يعقل أن تتحول الأمم المتحدة إلى منصةٍ لدعم النظام اقتصادياً، وتمكينه من التحكم بمصير المساعدات للشمال السوري الخارج عن سيطرته.

أمام هذا الوضع، ثمة عدة خيارات: قبول الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالمطالب الروسية، خصوصاً أنه لا توجد مؤشرات على إقدام الولايات المتحدة على تجاوز مجلس الأمن حيال هذه المسألة، ويبدو أن هذا الخيار هو الأكثر ترجيحاً في هذه المرحلة.

ذهاب الأمم المتحدة إلى إيقاف إدخال المساعدات بشكل عام سيؤدّي إلى كارثة إنسانية كبرى، وقد حذّرت الأمم المتحدة من أن الفشل في تمديد التفويض لإدخال المساعدات الإنسانية إلى السوريين عبر الحدود سيقطع عمليات الأمم المتحدة الجارية حالياً. ولكن هذا الخيار لا يبدو متاحاً الآن مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني في سورية من جهة وفي ظل الانتشار التدريجي لفيروس كورونا من جهة ثانية. وهناك خيار ذهاب الأمم المتحدة، بدعم أميركي، إلى إدخال المساعدات من معبر اليعربية/ ربيعة والمعابر التركية، في تجاوز للفيتو الروسي، لكن هذه الخطوة قد تعرّض القوافل الإنسانية لخطر عدوان من روسيا أو النظام السوري، ولا يبدو هذا الخيار متاحاً الآن، لكنه قد يكون ممكناً في مرحلة لاحقة.

العربي الجديد

————————————

كم بقي من “أستانة”؟/ فاطمة ياسين

أُعلن بداية شهر يوليو/ تموز الجاري عن مؤتمر قمة ثلاثي يجمع رؤساء دول مثلث تفاهمات أستانة (يناير/ كانون الثاني 2017)، فعقد قادة كل من روسيا وتركيا وإيران لقاءً (عن بعد) يحافظ على توصيات منظمة الصحة العالمية بالتباعد، للتباحث مجدّدا في القضية السورية.. توقفت العملية السورية الروسية العسكرية عند حدود منطقة سراقب، وفشل تسيير الدوريات على طريق جسر الشغور اللاذقية، وهدأت الجبهة إلا من انتهاكاتٍ متقطعةٍ لم تُحدِث فرقا عسكريا محسوسا، بما يعني أن الوضع حول إدلب قد وصل إلى مرحلةٍ تشبه الركود، وحدث تثبيتٌ مؤقتٌ للحدود، استرخت فيه القوات على الجبهات، ونشطت داخليا، ففتحت الفصائل الإسلامية الموجودة في إدلب جبهات مواجهةٍ ضد بعضها، مستفيدة من الظرف الحالي، وبعض هذه المجموعات ترغب في توسيع نفوذها ضمن المنطقة.. الالتفات إلى الداخل لم يكن حكرا على إدلب، فقد بدأ النظام أيضا يسوّي بعض الأمور في مناطقه، وبين أقرب رجالاته، وغيَّر حكومته، بعد أن فطن إلى أن وضعه الاقتصادي يتدهور باضطراد، وتوحي هذه التحرّكات بشعور النظام والمعارضة المسلحة في إدلب بتثبيت الحدود، في الوقت الحاضر على الأقل.

يعطي البيان النهائي الصادر عن القمة الثلاثية لأطراف “أستانة” شعوراً بأن هؤلاء غير متعجلين لإحداث فارق جوهري في الوضع السائد حاليا، ولكل طرفٍ أسبابه الخاصة، فلدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استحقاق تغيير دستور بلاده، وتكريس نفسه قيصرَ لروسيا، وهو بحاجة إلى وقت ليجعل الشعب الروسي يبتلع مادته الدستورية الجديدة. وتركيا تركز اهتمامها باتجاه ليبيا. أما إيران فيلزمها وقت طويل لتلعق جراحها بعد التفاقم الكبير لمرض كورونا وتفشّيه الفادح في مدنها، الأمر الذي أسهم في تدهور اقتصادها مجدّداً، ولكن بيان الدول الثلاث عكس رغباتٍ كامنة لكل دولة عبّرت عنه بطريقة واضحة أو مستترة، فأرادت أن ترسل رسالة ما، أو تكرس موقفا.. دان البيان هجمات إسرائيل على سورية، كما رفض استيلاء أميركا على النفط السوري، فروسيا تعتبر ذلك تعدّياً أميركيا على موردٍ تعتقد أنه من حقها، وتلمح تركيا إلى رفضها للتحالف الأميركي مع الكرد، وهم الجانب المسيطر على النفط والمكلف بحمايته. وكرّر البيان كل كلاسيكيات البيانات السابقة، مع التأكيد على الحفاظ على الوضع هادئا، وهو البند المهم الذي يجعل المنطقة أقل سخونة.

أخذ مسار أستانة على عاتقه حل الصراع، خصوصا أنه يضم الأطراف الفاعلة الثلاثة على الأرض، واكتفت أميركا بالمراقبة من بعيد، ولم تبدِ رأيا قاطعا فيه، لكنها تؤكّد مرارا على تمسّكها بالحل الدولي.. التجمع الثلاثي لم يبدُ جادّا تجاه المسألة السورية برمتها، بل كان اهتمامه منصبّا بقدر أكبر على وضع الشمال السوري، وكل إنجازاته الفعلية كانت اتفاقات وتفاهمات حول مدينة إدلب. أما مؤتمرات السلام التي عقدها النظام والمعارضة تحت رعاية أستانة فلم تحرز شيئا، على الرغم من أنها تكرّرت عدة مرات، من دون وجود لأميركا ولممثلي الأمم المتحدة.

قد تعاود أطراف أستانة اللقاء، ولكن المسار نفسه أضحى من الماضي، ولم يعد أمام الأطراف الثلاثة إلا إنجاز الوضع النهائي لمدينة إدلب، وهو استحقاقٌ يمكن تسويته من دون الحاجة إلى ذكر مسار أستانة نفسه، وقد يكون تعيين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مبعوثه إلى سورية، جيمس جيفري، في أغسطس/ آب الماضي، إشارة إلى أن هذا المسار الذي جرّبت فيه روسيا كسب الوقت لم يعد فعالا، ولكنها محاولة أميركية، كانت متردّدة، وما زالت، للقول نحن هنا، مع الحرص على إبقاء أوراقٍ في يدها يمكن أن تُحدِث تغييرا.

العربي الجديد

————————————–

إشارات روسية بانتظار تحولات محتملة/ عروة خليفة

قد لا تكون اللقاءات الروسية الأخيرة مع شخصيات سورية معارضة للنظام حدثاً فريداً من نوعه، لكن توقيت هذه اللقاءات بعد دخول قانون قيصر الأمريكي قيد التنفيذ، والتسريبات المتواصلة حول طروحات روسية مباشرة تتجاوز العموميات المعتادة، يشير إلى أنها قد تكون بداية لتفاعل روسي جديد مع سياسة الولايات المتحدة المتشددة تجاه النظام السوري، وهي السياسة التي تحظى بدعم واضح لا لبس فيه من باقي الدول الغربية. وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد قال مؤخراً في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط إنّ الاتحاد الأوروبي «سيشارك في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب 2254»، مؤكداً على الرسالة التي خرج بها أيضاً مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سوريا قبل أيام.

كل الدول القادرة على المساهمة في إعادة الإعمار ستلتزم إذاً بما يفرضه سياق وتطبيق قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ رسمياً منتصف الشهر الماضي، وهو ما يعني أنّ الحل الروسي الذي لطالما تمّ طرحه من قبل بوتين ومبعوثيه ليس خياراً مقبولاً. وحتى التجاهل الأوروبي لتحركات موسكو وطروحاتها في سوريا خلال العامين 2017 و2018، والذي فُهِم على أنه قبول مستتر بالرؤية الروسية، يتراجع اليوم أمام تصريحات بالغة الصراحة والوضوح، حول عدم قبول أي حل سياسي لا يستند إلى القرارات الدولية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2254.

وكانت موسكو طوال السنوات الماضية تعتمد في طرحها على مرشح وحيد هو بشار الأسد، آخذةً بعين الاعتبار أنّ النظام السوري غير قادر على القيام بأي تغيير سياسي حقيقي، وإن على مستويات دنيا، ليكون شكل الحلول الروسية المطروحة من نوع مسار أستانا، الذي ركّز على عودة المناطق إلى سيطرة النظام وفق اتفاقات مع فصائل المعارضة بعد هزيمتها عسكرياً، أو على شاكلة مؤتمر سوتشي الذي أجرته موسكو بداية عام 2018 على أمل إطلاق مسار سياسي خاص بها، ليفشل المشروع ويفشل تفرعه الوحيد؛ اللجنة الدستورية، التي ذهب وفد النظام إلى اجتماعاتها، ليقول رأس النظام لاحقاً إنَّ «هذا الوفد يعبّر عن موقف حكومته ولا يمثلها رسمياً»، معلناً إفراغ العملية برمتها من أي مضمون.

لكنّ الضغوط الأمريكية والأزمة الاقتصادية التي سبقتها، بما في ذلك اضطراب طبقة رجال أعمال الموالية للنظام بعد الخلاف مع رامي مخلوف، قد أدت إلى ردة فعل روسية غير معتادة، لا من جهة التوقيت ولا من حيث نوع الطروح وشكلها، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم الخميس، 23 حزيران (يونيو) الفائت، أنّ نائب وزير الخارجية والمبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف قد التقى برئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب في الدوحة من أجل «تبادل مفصّل لوجهات النظر حول الوضع الحالي في سوريا وحولها، مع التركيز على آفاق التسوية السياسية للأزمة في البلد وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254». وبعدها تمّ تسريب محضر اجتماع جرى في وقت سابق بين البعثة الدبلوماسية الروسية في جنيف و«شخصيات علوية في المهجر» للحديث عن الحل السياسي في سوريا، ويشير التوضيح الذي صدر عن أحد من حضروا الاجتماع، المحامي عيسى إبراهيم، بأنّ التسريب الأساسي لمحضر الاجتماع كان مصدره موسكو، وهو ما يعني اهتمام روسيا بالإعلان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن التحركات التي تقوم بها، لدراسة ما قد يكون مساراً جديداً للحل السياسي وفق رؤية روسية.

وتفيد التسريبات التي رشحت عن الاجتماع بين بوغدانوف والخطيب، والتي أكدتها مصادر خاصة للجمهورية، أن موسكو عرضت على الخطيب منصب رئيس وزراء في حكومة «موسعة الصلاحيات»، مع بقاء بشار الأسد في منصبه والحفاظ على الأجهزة الأمنية وحق الأسد في الترشح لمرة أخيرة في الانتخابات القادمة، غير أن هذا العرض لم يلقَ موافقةً مبدئية من الخطيب، الذي قدَّمَ عدداً من الملاحظات عليه كي تناقشها القيادة الروسية. والواقع أن هذا الطرح ليس جديداً مئة بالمئة، وهو لا يختلف جذرياً عن رؤية موسكو القديمة للحل، لكنّ عرضه بشكل واضح على أحد وجوه المعارضة السورية ضمن مباحثات ثنائية يحمل طابعاً شديد الاختلاف ويملك معنىً جديداً.

لطالما كانت الطرحات الروسية المشابهة تأتي في صيغة رؤية عامة غير موجهة، وتتطلب تنازلات غير ممكنة من المعارضة، بحيث أنها كانت تبدو حلّاً تعجيزياً يهدف إلى عرقلة الحل سياسي والإبقاء على بشار الأسد في الحكم، إلّا أنّ طرحها اليوم على هذا النحو، وبعد أيام فقط من طرح الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر، يعني أنّ موسكو تحاول التفكير في الممكنات التي تسمح لها ببدء حل سياسي جديد يرضي الدول الغربية، بهدف تخفيف تشددها والسماح بتمويل إعادة الإعمار.

وكما أنّه من غير المتوقع أن تطرح موسكو مباشرةً رأس بشار الأسد على طاولة المفاوضات، فإنّ العرض الذي قدمته موسكو بشكل أكثر جديّة هذه المرة لا يمكن أن يتوافق مع شكل وبنية نظام الأسد، الذي لا يبدو قادراً على إجراء تغييرات على أي مستوى فيه، وكان قد رفض تقديم أي تنازلات فعلية مهما كانت صغيرة منذ بداية الثورة في سوريا. على سبيل المثال، تمّ اصدار قانون مكافحة الإرهاب مباشرةً بعد رفع أحكام قانون الطوارئ في بدايات الثورة، وفي السنوات والأشهر الأخيرة، قام النظام بخرق العديد من اتفاقات المصالحة المكفولة روسياً، ونفّذ اعتقالات واسعة في مناطق كان قد سيطر عليها حديثاً بموجب هذه الاتفاقات، وهو ما يعني أن الإصلاحات الشكلية وتغيير الأسماء هو جلُّ ما يمكن لبشار ونظامه أن يقدموا عليه من تنازلات.

بالمقابل، فإنّ أي حل روسي يحاول الوصول إلى نقطة تلاقٍ مع الولايات المتحدة وأوروبا، يحتاج إلى تغيير سياسي حقيقي حتى لو كان على مستوى منصب رئيس الوزراء. لنتخيل أي شخصية معارضة سوريّة كانت قد أخذت موقفاً جذرياً من النظام في أي وقت مضى، تجلس على مقعد رئاسة الوزراء في دمشق، تمر سيارتها على الحواجز الأمنية والعسكرية، فيما يؤدي عناصر حراسة مجلس الوزراء التحية العسكرية لها. على ما يحتويه هذا التصوّر من مشاكل سياسية خطيرة، إلا أنه لا يبدو مقبولاً ولا ممكناً بأي حال من جانب نظام الأسد، الذي لم يظهر في أي وقت أن لديه مرونة يمكن أن تقبل بأمر كهذا، حتى لو لم يكن لدى رئيس الوزراء المعارض هذا صلاحيات أوسع من صلاحيات رئيس الوزراء الحالي.

إذا أرادت موسكو تلبية رغبة بشار الأسد الحقيقية، فهي لن تستطيع تقديم هذه الطروحات خارج إطار الشكليات «غير المؤذية»، تماماً كما حدث في مسألة اللجنة الدستورية، لكنّ موسكو تعرف أنّ هذا ليس كافياً، وأنّ التجارب الغربية معها في موضوع اللّجنة الدستورية قد استنفذت كلَّ حيلها، وهو ما سيعني أنّ التناقض بين رؤية موسكو السياسية ورؤية النّظام السوري قد بدأ. كذلك تشي السرعة الروسية في الإعلان عن تلك التحركات، بعد أقلّ من عشرة أيام من إعلان بدء تنفيذ قانون قيصر، بأن لديها توجهاً لتقديم حلول سياسية بهدف تجنّب انهيار سوريا تماماً نتيجة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تتصاعد منذ بداية العام الحالي.

ليس من عادة بوتين التفاعل مع الضغوط الأميركية والغربية مباشرةً، خاصّةً إذا ترافقت تلك الضغوط مع عقوبات اقتصادية قاسية. بوتين يُفضّل في العادة الإصرار على موقفه لفترة أطول من الزمن، بهدف إظهار القوّة أمام واشنطن. في حالة قانون قيصر رأينا العكس، اجتماعٌ خاضه بوغدانوف خلال أقل من عشرة أيام، وتسريب لمحضر اجتماع جرى في وقت سابق، وإعلانٌ عن رغبة روسية بفتح حوار موسّع مع واشنطن حول المسألة السورية استبقت تنفيذ القانون، ردّاً على رسائل وجهها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، وهو ما قد يعني أنّ روسيا لا تملك أي قدرة على ضبط الأوضاع الاقتصادية في الفترة المقبلة، وهي أخبار خطيرة بالنسبة لنا كسوريين ننتظر أوضاعاً أكثر كارثيةً في الأشهر المقبلة، إلّا أنها تعبيرٌ عن إشارات روسية جدية على ما يبدو هذه المرة، لبدء تحول في موقف موسكو تجاه ما تراه حلّاً سياسياً في البلد الذي دمّرته.

التناقض الواضح بين ما تطرحه موسكو وبين ما هو حل أو مسار سياسي مقبول من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما يزال قائماً، والشرخ الواسع بين طروحاتها وطموحات عموم السوريين أوسع بكثير من تلك التناقضات، لكنّ الإشارات الروسية الأخيرة قد تكون بداية لتحولات جديّة للغاية، ربما تتيح لنا نحن السوريين هامشاً من التأثير والعمل لم يكن متوفراً طوال السنوات الماضية.

موقع الجمهورية

———————————————

أوهام بحث روسيا عن تسوية سورية/عمر كوش

حمل البيان الختامي للقمة الثلاثية لرعاة مسار أستانة، التي عقدت عن بعد في الأول من شهر يوليو/ تموز الجاري، إشارةً إلى أن “حل النزاع في سورية لا يمكن إلا من خلال عملية سياسية تتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254، بقيادة واستضافة السوريين، وبتسهيل من الأمم المتحدة”، مع التشديد على الدور الهام للجنة الدستورية المكلّفة بصياغة دستور سوري، والمقرّر أن تستأنف اجتماعاتها المعطّلة في جنيف أواخر الشهر المقبل (أغسطس/ آب)، ما يوحي بعودة ضامني اتفاقات أستانة وسوتشي، وخصوصا روسيا، إلى مسار جنيف الأممي الذي شكّل عدم رغبة النظام الأسدي وداعميه بتطبيقه السبب الرئيس في تعطيله وإفشاله.

وجاء تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده تعمل بنشاط وبشكل قوي لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، كي يضع اللقاءات التي أجراها، أخيرا، مسؤولون روس مع ممثلين للمعارضة السورية ولمجموعات وشخصيات سورية في سياق “مناقشة آليات دفع التسوية السياسية في سورية، من خلال دفع الحوار بين السوريين أنفسهم”، الأمر يرسل إشارات إلى محاولة جديدة للساسة الروس للبحث عن ممكنات تسوية في سورية، ويطرح أسئلة حول جدّية الجهود الروسية في البحث عن مخرج سياسي في سورية، وعن الثمن الذي تريده روسيا من ذلك.

وكان بعض الساسة الروس قد بدأوا، منذ مدّة، عملية إرسال رسائل متعدّدة الاتجاهات، من أجل التأكيد على بحثهم عن سبل الوصول إلى تسويةٍ مطلوبةٍ دولياً، وطاولت وجهة رسائلهم بشكل خاص النظام الأسدي، ومكونات المعارضة السياسية والعسكرية، والولايات المتحدة الأميركية وسواها، لكنه يصعب على سوريين كثيرين وسواهم الثقة بنيات النظام الروسي، وبإمكانية سعي ساسته إلى تسويةٍ لا تصب في مصلحة نظام الأسد.

ويتضمن السعي الروسي الجديد العودة إلى الحديث عن “الانتقال السياسي”، وفق القرار الأممي 2254 الذي بذل الساسة الروس جهوداً كبيرة مع أجل إفراغه من محتواه، وراحوا يركّزون على العملية الدستورية، حيث صرفوا عامين في تشكيل اللجنة الدستورية، ولم تحقق اجتماعاتها التي عقدت في جنيف أي تقدّم، بسبب مماطلة ممثلي وفد النظام السوري فيها ومراوغتهم.

ويبدو أن ساسة الكرملين يريدون ملاقاة نظرائهم في البيت الأبيض، الذين قالوا علانية إنه لا يوجد لديهم أي اعتراض على النفوذ الروسي، وتعزيزه في سورية، بل ولا يعارضون بقاء القوات الروسية فيها، واعتراضهم الوحيد هو على الوجود الإيراني فيها، الذي يطالبون بإنهائه وإخراج كل المليشيات التابعة لنظام الملالي الإيراني في سورية. وهذا يلاقي ما تقوم به إسرائيل من ضرباتٍ عسكريةٍ للمواقع الإيرانية والمليشيات في سورية بالتنسيق مع روسيا. وبالتالي، ليس مصادفة أن يطلق، في هذا التوقيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تحذيراً صريحاً موجهاً مباشرة إلى بشار الأسد، يبلغه فيه أن بقاء المليشيات الإيرانية في سورية يعني زوال حكمه في سورية.

ويدرك الساسة الروس أن عليهم تكثيف الجهود من أجل إيجاد حل سياسي في سورية، خصوصا أن “قانون قيصر” يضع مصالحهم عرضةً للعقوبات الأميركية، حيث لن تستفيد شركاتهم المستثمِرة في الغاز السوري وفي استخراج الفوسفات وسواها، بل ستطاولها العقوبات أيضاً. إضافة إلى أن مؤتمر بروكسل للدول المانحة، ربط بشكل جليّ ما بين تمويل إعادة الإعمار في سورية، وإنجاز تسويةٍ سياسيةٍ فيها تستند إلى قرارات الأمم المتحدة. ويدعم هذا الربط ما يذهب إليه قانون قيصر الذي بدأت آثاره الحادّة تظهر بشكل واضح على الاقتصادين، السوري واللبناني.

وترافق السعي الروسي إلى البحث عن تسويةٍ في سورية، مع ظهور أصوات روسية، تعتبر أن الأسد ونظامه باتا حملاً ثقيلاً على روسيا، وراحت تنتقد فساد النظام وتكلّسه، وأنه لم يعد مقبولاً من غالبية الشعب السوري. إضافة إلى اعتبارها أن كل محاولات عرقلة النظام تنفيذ القرار 2254 أو الالتفاف عليه غير كافية لإطالة عمره، وتزامن ذلك مع اتخاذ روسيا خطواتٍ على الأرض، من خلال توسيع الوجود الروسي، عبر انتشار الفيلق الخامس التابع لها في مناطق في محافظتي السويداء ودرعا، على حساب الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وتتمتّع إيران بنفوذ قوي على وحداتها، إضافة إلى ضغط روسي لحماية مجموعات المصالحة التي رعتها في مناطق درعا.

وفي سياق محاولات البحث عن ممكنات التسوية، جرت لقاءات واتصالات عديدة، ما بين المسوؤلين الروس والأميركيين، بدأت بلقاءٍ بين نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، والموفد الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، مع الموفد الأميركي الخاص إلى سورية السفير جيمس جيفري. ثم التقت شخصيات من الخارجية الروسية مع شخصيات من المعارضة السورية وممثلين لمكوناتٍ سورية، وطرحت خلالها الأفكار القديمة نفسها، مثل فكرة تشكيل مجلس عسكري من قوات النظام والفصائل المعارضة، وفكرة تشكيل حكومة تشارك فيه المعارضة، ونواب للرئيس وسوى ذلك.

ويبدو أن منطلق الروس للتسوية لم يتغير، لأنه يقوم على محاولةٍ لإيجاد توافقٍ بين المكونات الأجتماعية والقومية، ويلتقي مع مسوّدة دستور لسورية فيدرالية، سبق وأن طرحوها في أستانة، ثم في سوتشي، ولم يغيّروه في سياق بحثهم المستجد عن حل سياسي للصراع الدائر في سورية، وعليها منذ أكثر من تسع سنوات، لكنه يعبّر عن حاجتهم للبحث عن مخرج من أزمتهم الناجمة عن دعمهم نظام الأسد، الساعي إلى استمرار خوض حربه الدائمة ضد السوريين، الأمر الذي يعكس عدم مقدرتهم على ابتكار ممكناتٍ سياسيةٍ، تنهض على التفاوض والتوافق، من خلال ابتكار مخارج وحلول تتوافق عليها جميع الأطراف.

إذاً، لن تنجح محاولات الروس الجديدة، كونها تتبع من السياقات والأطروحات القديمة نفسها، القائمة على معيار المحاصصة بين المكونات السورية والنظام الفيدرالي وسوى ذلك. وإذا كان الروس جادّين في محاولاتهم فعليهم، قبل كل شيء، وقف دعمهم نظام الأسد، وعدم التركيز على قبض ثمن محاولاتهم. لذلك سيكون واهماً كل من يعتقد أن روسيا يمكنها أن تشكل قوة إنقاذ لسورية وللسوريين، وأنها جادّة في البحث عن مخرج سياسي، وفق القرارات الأممية.

العربي الجديد

—————————–

الدعاية الروسية تستحضر الحجج الثلاث في إدلب هل بدأ قرع طبول الحرب؟/ منهل باريش

عاد ثالوث الاتهامات الروسية إلى الواجهة مجدداً لأول مرة منذ لحظة صمت المدافع في الخامس من آذار (مارس) الماضي. فبين تصريحات وزارتي الدفاع والخارجية الروسية عادت أسطوانة “نقل مجموعات متشددة عبوات لأسلحة كيميائية، تحضيراً لاستخدامها في هجوم” و “صد الدفاعات الجوية الروسية هجوما جديدا لطائرات من دون طيار استهدف قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية غرب البلاد. واتهام “جبهة النصرة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وشنها لهجومين على قوات النظام”.

وتعتبر تلك الاتهامات وتفرعاتها حجج روسيا المستمرة للبدء بعمليات عسكرية منذ توقيع مناطق خفض التصعيد في أيار (مايو) 2017.

ويتركز اتهام موسكو للمعارضة باستخدام الكيميائي بربطه بتحالف جبهة النصرة مع الدفاع المدني للتحضير للهجوم ونقل مواده، مع بعضهما أو منفصلين، بهدف شيطنة فرق الخوذ البيضاء،  واتهامها بفبركة مجزرة الكيميائي في الغوطة عام 2018 والاستشهاد بشهادات انتزعت تحت التهديد لمن بقي من أطباء الغوطة الشرقية بعد عملية التهجير. ولم يقتصر التهديد على قتل الأطباء أو اعتقالهم بل هددتهم مخابرات النظام السوري بتصفية والديهم وزوجاتهم وأبنائهم أمام أعينهم.

وكان آخر اتهام للمعارضة بـ”مسرحية للكيميائي” بدأ على لسان الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 وترافق الاتهام اليومي مع بدء عمليات الهجوم الأخير على إدلب منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2019 وانتهى باتهام وزارة الدفاع الروسية على لسان قائد مركز المصالحة الروسي، اللواء يوري بورينكوف حول تحضير قادة التنظيم الإرهابي “هيئة تحرير الشام” (المحظورة في روسيا) مع أعضاء منظمة “الخوذ البيضاء” لتنظيم عمليات محاكاة استخدام مواد سامة وتدمير البنية التحتية في المناطق الجنوبية من منطقة خفض التصعيد في إدلب. وأوضح أن الهدف من هذا العمل هو “إعداد صور وتسجيلات مصورة لنشرها في وسائل الإعلام العربية والغربية، مع اتهام القوات السورية باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، والقصف العشوائي. وبعد ثلاثة أشهر على ذلك تلك التهديدات، سيطرت قوات النظام مدعومة بالميليشيات الإيرانية براً، والقاذفات الروسية جواً.

ويبقى تجدد الهجوم بطائرات بدون طيار أبرز المستجدات، حيث توقف استهداف مطار حميميم العسكري قبيل انتهاء عملية السيطرة على ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، فسجل هجوم شنته ست طائرات مسيرة في 12 أب (أغسطس) وبعدها بعشرة أيام سقطت مدينة خان شيخون وأصبحت المنطقة التي انطلقت منها الطائرات المسيرة مرارا، غربي بلدة كنصفرة، تحت مرمى نيران قوات النظام. ورغم عملية الشتاء العسكرية التي أفضت إلى السيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي M5 وكامل المنطقة الواقعة شرقه وعمق يصل إلى 10 كم غربه في بعض المناطق، فقد توقفت الهجمات على مطار حميميم حتى كادت تنسى مع انقضاء احد عشر شهرا على توقفها.

وما استحضار الطائرات الموجهة (درون) اليوم، وإعلان إسقاط طائرتين مسيرتين وتكرار عملية إسقاطها بواسطة الدفاعات الجوية الروسية على بعد 5 كم شرق قاعدة حميميم إلا تذكيرا بسيناريو ما بعد إسقاطها وما يتبعه من خسائر بشرية ومادية وموجات نزوح لا تتوقف.

وتبقى مسالة وجود “جبهة النصرة” (الاسم المعتمد لدى المسؤولين الروس) أحد أبرز الحجج الروسية لبدء عملية قضم جديد، ولا تتوقف الدبلوماسية الروسية عن التذكير بأن التنظيم مصنف على لوائح الإرهاب.

وحملت وزارة الدفاع الروسية هيئة تحرير الشام مسؤوليات خرق اتفاق موسكو، الأسبوع الفائت. وأشار رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، إلى أن عمليات قصف استهدفت بلدات في محافظات اللاذقية وإدلب وحلب، واستدرك “لم نسجل أي انتهاكات لوقف إطلاق النار من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا”.

التطور الخطير في إدلب، هو فشل الفصائل المنقسمة حول تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة بحماية الطريق وتأمينه من هجوم محتمل قد يشنه ممانعو الاتفاق والذين تحالفوا مؤخرا في غرفة عمليات “فاثبتوا” في حزيران (يونيو) الماضي.

وفجرت سيارة مفخخة بالدورية المشتركة بين بلدة مصيبين ومدينة أريحا على طريق الترانزيت M4 وأدت إلى جرح ثلاثة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، جروحهم خفيفة حسب الأشرطة المصورة التي بثتها وسائل الإعلام الروسية.

وتابعت الدورية رقم 21 المشتركة خط سيرها رغم التفجير الحاصل وأنهت خط سيرها وصولا إلى قرية عين حور أقصى شرق محافظة اللاذقية، لتسجل أول إتمام للدوريات على الطريق منذ تسييرها في 15 آذار (مارس) الماضي، بعد توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين التركي والروسي بعشرة أيام.

وأعلن مركز حميميم التابع لوزارة الدفاع الروسية أن   الجنود الروس أصيبوا في “انفجار عبوة ناسفة زرعها مسلحون أثناء مرور دورية روسية-تركية مشتركة في سوريا”. وأشار المركز في نفس البيان إلى أن “أفراد طاقم المدرعة التركية أصيبوا أيضاً جراء تفجير عبوة ناسفة مزروعة خلال مرور الدورية المشتركة”.

فيما وصفت وزارة الدفاع التركية الاستهداف أنه حصل “بسيارة مفخخة، بهدف عرقلة الجهود المبذولة لضمان السلام في إدلب. وأدى إلى تضرر جزئي في العربتين العسكريتين” وتجنبت الوزارة ذكر مزيد من التفاصيل.

اللافت، أن الفيديو يظهر خروج سيارة (نوع هونداي، بيضاء اللون) من يمين الطريق بشكل مسرع، وتوقفت على طرف الطريق ولم تتجاوز أو تطارد المدرعة الروسية، وانفجرت بالقرب من المدرعة الروسية، وهي ما زالت عند نقطة تلاقي الطريقين الفرعي والرئيسي، دون إمكانية تحديد ما إذا كانت مسيرة بشكل آلي أو أن انتحاريا يقودها، وسط تحفظ كبير من الجانبين الروسي والتركي.

والمستغرب هو الحديث عن سيارة مركونة أو أن التفجير حدث بعبوة ناسفة. فالطريق يخضع لعملية تمشيط مستمرة من قبل قوات الجيش التركي ومركزية “فيلق الشام” المرافقة له، ما يرجح فرضية تسلل انتحاري على أية فرضية أخرى، حتى تلك القائلة بسيارة متحكم بها عن بعد. فالقوات الروسية تقوم بالتشويش على الموجات اللاسلكية وهو ما يصعب إمكانية التحكم باي آلية لحظة مرور الدورية المشتركة.

وأعلنت “كتائب خطاب الشيشاني” مسؤوليتها عن الهجوم، وذكرت على قناتها على تطبيق “تلغرام” حديثاً “الروس وأذنابهم لا يفهمون إلا لغة النسف والقصف، هذه جاءت بمثابة تحذير والقادم أدهى وأمرّ”. واقتصر الفيديو على لوغو جديد يظهر لأول مرة، كحال الكتائب، والتي لم تتجرأ على الإعلان عن نفسها بوضوح بسبب حملة المطاردة التي تقوم بها هيئة “تحرير الشام” للفصائل الموالية للقاعدة أو الرافضة لتطبيق اتفاق موسكو. وتعتبر المنطقة التي حصل فيها التفجير، أساسا منطقة نفوذ لغرفة عمليات فاثبتوا أو للجناح المقرب منهم من تنظيم “أنصار التوحيد” والمتمركز في حرش مصيبين على الجانب المقابل لمكان التفجير.

رد الطيران الروسي بقصف جوي لأول مرة منذ دخول اتفاق موسكو حيز التنفيذ، وقصف عدة مناطق بجبل الزاوية، وركز قصفه أيضا على منطقة تلة الكابينة في ريف اللاذقية الشرقي. ووجد النظام السوري استهداف الدورية الروسية فرصة سانحة، لبدء قصف كامل منطقة جبل الزاوية ومدينة أريحا بصواريخ الراجمات والمدفعية. ولم يقتصر تسخين الجبهة على ما تبقى من منطقة خفض التصعيد الرابعة، بل تجاوزه ليصل منطقة درع الفرات لأول مرة منذ السيطرة التركية وفصائل المعارضة على ريف حلب الشمالي عقب طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” في عملية “درع الفرات” في آذار (مارس) 2017. وهو ما يعتبر تطورا خطيرا في سياق التصعيد في الشمال السوري، وهو بمثابة رسالة روسية لأنقرة يمكن فهمها على أكثر من صعيد، محلي وإقليمي، يمتد إلى ليبيا ربما. لكنه محليا يعني أن المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وتقع تحت النفوذ التركي ليست بمنأى عن أهداف العمليات العسكرية التي تهدف إلى “استعادة الحكومة السورية السيطرة على كامل التراب السوري” كما أعلن الروس في غير مرة.

وستجد روسيا في استهداف الدورية ذريعة للبدء بعملية قضم تطال ما تبقى من ريف معرة النعمان الغربي، ومنطقة أريحا الإدارية وضمنها جبل الزاوية إضافة إلى المنطقة الجنوبية من ريف جسر الشغور. وتبلغ مساحة المنطقة جنوب طريق M4 نحو 400كم2 في حال قررت روسيا الاكتفاء بعملية صغيرة تتجنب من خلالها إغضاب تركيا التي تبذل جهودا كبيرة في الدوريات المشتركة، ثمنها الرئيس بوتين شخصيا قبل أيام في اتصال مع الرئيس اردوغان.

نهاية، وفر التفجير الذي استهدف الدورية المشتركة فرصة لروسيا ما كانت تجدها لو بحث عنها، لبدء عمل عسكري تضاف إلى حججها الثلاث أعلاه، ومن الواضح أن مغامرات الفصائل القاعدية في حال استمرارها على ذات المنوال سيؤدي بالتأكيد إلى خسارة رقعة جغرافية جديدة، وعلى المدى الطويل فإنها بكل تأكيد ستؤدي إلى خسارة إدلب كاملة.

القدس العربي

——————————–

البوتينية” .. إيديولوجية روسيا الجديدة/ محمد طيفوري

تلخص عبارة “أنا هنا لأبقى” الوضع جيدا في روسيا، بعدما نجح الرئيس فلاديمير بوتين، بفضل استفتاء الأول من يوليو/ تموز الحالي، على التعديلات الدستورية، في حسم الجدل المحتدم داخل النخب السياسية والإعلامية، بشأن الزعيم المقبل بعد نهاية ولايته الرابعة عام 2024. تقضي المادة 81 من الدستور المعدّل بإعفاء الرئيس، وقت دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ، من احتساب ولاياته السابقة ضمن مقتضيات الدستور الجديد.

استبدل بوتين تكتيك تبادل المواقع (بوتين/ ميدفيديف)، بخطة تعديل الدستور الروسي، حتى يتمكّن من “تصفير” ولاياته الرئاسية، وبالتالي إمكانية ترشحه لعهدتين جديدتين، ما يتيح له إمكانية البقاء في الحكم حتى العام 2036. ويستجيب لتطلعات سلاسل القيادة الرسمية في الكرملين، بضمان بقائه في الحكم، بفعل سلطته المطلقة من دون ولادة وريث شرعي له. خصوصا، بعد أن تمكّن من ربط اسمه بالنظام السياسي، فروسيا البوتينية، منذ وصوله إلى السلطة عام 2000، دولة هجينة؛ تتولى تطبيق الحداثة بأساليب استبدادية، بعد فشل عملية التحوّل الديمقراطي الروسي في تسعينيات القرن الماضي.

كرّس بوتين نفسه زعيما لروسيا، فقد استعاد هيبة الدولة المفقودة، بعد سقوطها تحت رحمة المضاربين ورجال الأعمال الفاسدين وصندوق النقد الدولي وسفراء الدول الكبرى، ليتعدّى، في أعين أنصاره، مرتبة الرئيس نحو القائد الأعلى لروسيا. وبدا ذلك واضحا في أكبر تعديل دستوري جزئي تشهده روسيا، منذ عام 1993، حيث أجمع مجمل التعديلات على تجسيد رؤية بوتين لروسيا؛ من خلال تحديد القيم والأولويات التي رسخها خلال عشرين عاما من وجوده داخل الكرملين.

حرص عبقري “الشطرنج ثلاثي الأبعاد”، كما وصفت الوزيرة الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، بوتين مرة، على أن يطبع الدستور الروسي بلمسة بوتينية خالصة، فحضرت النزعة الثقافية المحافظة التي وسمت فترة حكمه، من خلال بنود تشجع التعليم الوطني، وفقرات فيها إشارات دينية واضحة إلى الرب، ومواد تشيد بمؤسسة الأسرة، ودورها الطلائعي في بناء الأمة الروسية. وبالموازاة مع النفس الإصلاحي في الدستور، حضرت مقتضياتٌ ذات نزعة سلطوية شمولية، تطلق يد الرئيس للحفاظ على نفوذه، وحماية الهيكل الداخلي لنظام الحكم في روسيا، الذي تولى رجل المخابرات الروسية بناءه 20 سنة قضاها في سدة الحكم. وقد منح بوتين لنفسه، بموجب الدستور المعدل، حق رفض تمرير قانون أقرّه ثلثا النواب. ووسع من صلاحياته في مجال القضاء، فخوّل للرئيس حق تعيين عدد كبير من القضاة. صحيح أن الدستور أعطى البرلمان الحق في اختيار رئيس الحكومة، لكن الرئيس احتفظ لنفسه بالحق في إقالة رئيس الحكومة، أو إقالة أي عضو من أعضاء الحكومة، حينما يشاء.

تكشف التعديلات الدستورية التي أقرّها البرلمان، في شهر مارس/ آذار المنصرم، بأغلبية 383 صوتا، عن عزم الرئيس على فرض “البوتينية” طريقة فعالة في الحكم، بحسب منظر الكرملين، فلاديسلاف سوركوف، بقوة القانون، فالاستفتاء، في نظر المراقبين، محاولة من بوتين للحصول على تفويض شعبي، سوف يحتاج إليه مستقبلا، لحظة تنزيل تصوّره للدولة الروسية. ما يعزّز من شكلية هذا الاستفتاء أمران، أحدهما حديث الصحافة الروسية عن طبع الدستور الجديد وتوزيعه للبيع، في المكتبات وأكشاك الصحف، قبل الاستفتاء. والآخر؛ إجبار المشاركين في التصويت على اختيار واحد من اثنين: قبول مجمل التعديلات أو رفضها جميعا.

ساهمت هذه الخطة في تحقيق طموح أنصار بوتين، فقد شقّت صف المعارضة الروسية، فتراوح موقفه بين خياري التصويت بـ “لا” والمقاطعة، ما أدّى إلى هيمنة أنصار البوتينية على نتائج الاستفتاء؛ حيث بلغت نسبة القبول بالتعديلات 78.5%، واقتربت نسبة الإقبال العام على المشاركة 68%.

استغل بوتين الظرفية الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا لمصلحته، فمنع المعارضة من الدعوة إلى رفض الدستور، بإيقاف كل أشكال الاحتجاج ضد التعديلات، وعمد إلى تضييق الخناق على الصحافة التي تغرّد بعيدا عن سرب النظام. إضافة إلى استخدام أساليب وحيل غير قانونية في الدعاية للدستور، إذ عمد القائمون على الحملة إلى مغازلة المشاعر القومية لدى الروس، قصد حثّهم على المشاركة في التصويت، فحضرت صور الأطفال في الشوارع، ما يمثل مخالفةً قانونية، وأجريت سحوبات على جوائز لتشجيع المصوّتين، واستخدمت اللغة الروسية، ورموز الحرب العالمية الثانية.. وغيرها ذلك، ما يثير الشعور بالفخر والحس القومي لدى الروس.

يدرك أعضاء “مطبخ مجلس وزراء” جيدا أن مصالحهم وثرواتهم ومقتضيات أمنهم تعتمد على حكم هذا الرجل، فقد ساهموا في تحويله من رئيس متردّد نسبيا، في بدايات حكمه خلفا للرئيس الأسبق بوريس يلتسن، إلى مستبد طبيعي جريء، يعتقد أن قيادته هي التي أنقذت روسيا من التفكّك والخضوع للمصالح الغربية، وأقامت الدولة الروسية القوية، فالثابت الوحيد عمليا في الفكر الرسمي في روسيا بوتين هو عبادة الدولة القوية. ويتجلى ذلك، بحسب مالك جالوتي، في الحرص الشديد في النسخة التي تحظى بموافقة الدولة من تاريخ البلاد على سردية كيف أن الدولة الضعيفة جلبت البؤس، وكيف أن الدولة القوية جلبت المجد والازدهار.

حولت هذه السردية قيصر روسيا، في أعين شريحة واسعة، من رئيسٍ منقذٍ للشعب الروسي، من ويلات تبعات إصلاحيات ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى زعيم محارب في جبهات الحرب العسكرية (سورية وليبيا) والاقتصادية (العقوبات) والدبلوماسية (الأمن العالمي، السلم..)، طمعا في صناعة روسيا جديدة، تحيي أمجاد روسيا القيصرية، بفرض نفسها على مسرح الأحداث الدولية، فبوتين يريد لروسيا أن تصبح قوة عظمى، وأن يتم الاعتراف بها على هذا النحو، أي أن يكون لها صوت في جميع القضايا العالمية، فالدب الروسي أوْلى بالزعامة من التنين الصيني.

العربي الجديد

———————————————-

أميركا تهدد روسيا بزيادة كلفة «المستنقع السوري»

4 رسائل في «قانون قيصر» لتحقيق 6 شروط بينها قطع العلاقة العسكرية بين دمشق وطهران

لندن: إبراهيم حميدي

الرسالة التي ينقلها مسؤولون أميركيون، علنا وسرا، إلى الجانب الروسي، هي: إما العمل سوية للوصول إلى تسوية تضمن «تغيير سلوك النظام السوري» بأمور جيوسياسية وداخلية لتنفيذ ستة شروط بينها 4 شروط تعود إلى ما قبل 2011، وإما «زيادة تكلفة المستنقع السوري» مع تذكير موسكو بتجربة الأميركيين في العراق و«السوفيات» في الحرب الأفغانية منذ 1979 التي ورثتها واشنطن وحلفاؤها إلى الآن.

– الشروط الستة

في بداية 2018، قدم المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري ونائبه جويل روبرن سلسلة مقترحات للرئيس دونالد ترمب إزاء الملف السوري، وتمت الموافقة عليها وشملت ستة شروط أميركية لـ«التطبيع» مع الحكومة السورية، هي: 1) وقف دعم الإرهاب. 2) قطع العلاقات العسكرية مع إيران وميليشياتها. 3) التوقف عن الأعمال العدائية ضد الدول المجاورة. 4) التخلي عن أسلحة الدمار الشامل والبرنامج الكيماوي، بطريقة قابلة للتحقق. 5) أن تغير الحكومة السورية الوقائع على الأرض بطريقة تسمح للنازحين واللاجئين للعودة في شكل طوعي، ما يعني تطبيق القرار الدولي 2254. 6) محاسبة مجرمي الحرب.

وقال روبرن في ندوة أول من أمس، إن الشروط الأربعة الأولى، هي مطالب أميركية تعود إلى ما قبل مرحلة بدء الاحتجاجات في بداية 2011. وأضاف «هذه مطلوبة من أي حكومة سورية. يذهب الأشخاص ويأتون، ولا بد لأي حكومة سورية أن تلتزم هذه الشروط لأنها تمس الأمن القومي الأميركي». وكان جيفري قال الشهر الماضي: «لم أر نظاما (أكثر من السوري) يمثل تهديداً أكبر من ذلك على منطقته، وعلى الفكرة الأميركية بشأن الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه العالم».

هذه الشروط الستة، باتت جزءا محوريا من مضمون «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس ووقعه الرئيس ترمب نهاية العام الماضي، وبدأ تنفيذه منتصف يونيو (حزيران) الماضي.

– أدوات الضغط

تمسك واشنطن مجموعة من «الأوراق» للضغط نحو تحقيق هذه المطالب، وهي: 1) الوجود العسكري في شمال شرقي سوريا. وكان جيفري وروبرن، بين الذين شجعوا الرئيس ترمب على الإبقاء على حوالى 500 جندي شرق الفرات وأكثر من مائة في قاعدة التنف بعد قراره الانسحاب من سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. 2) تقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية وسوريا. 3) الضغط على الاتحاد الأوروبي لإبقاء عقوباته الاقتصادية ومنع التطبيع الدبلوماسي مع دمشق. 4) منع الدول العربية من إعادة دمشق إلى الجامعة العربية أو استعادة العلاقات الثنائية السياسية أو الدبلوماسية معها. 5) دعم جهود أنقرة في منع إعادة قوات الحكومة السورية إلى شمال غربي البلاد والعمل لتحويل هدنة إدلب إلى وقف نار شامل على مستوى البلاد. 6) تنسيق الموقف السياسي مع الدول الغربية والعربية في الأمم المتحدة إزاء ملفي السلاح الكيماوي وانتهاكات حقوق الإنسان وفتح ملف المحاسبة (ستعقد جلسة في مجلس الأمن لهذا الغرض). 7) دعم عملية السلام بقيادة المبعوث الأممي غير بيدرسن لإجراء إصلاح دستوري وتنفيذ القرار 2254. 8) تصعيد العقوبات الاقتصادية الأميركية، وكان آخرها عبر تنفيذ «قانون قيصر» بدءا من منتصف يونيو الماضي.

– رسائل «قيصر»

حسب مسؤولين أميركيين، فإن «قانون قيصر»، تضمن بعث أربع رسائل، هي: 1) قانون صدر من الكونغرس الأميركي، بالتالي فإنه يعبر عن السياسة الأميركية بعيدا من الانقسامات السياسية. وقال روبرن: «الضغط على (الرئيس بشار) الأسد وحلفائه، ليس مسألة خلافية في واشنطن. هناك إجماع على هذا الشيء. أي شخص كان يحلم أو يروج لفكرة احتمال تغيير السياسية الأميركية، فإن هذا أصبح وهماً بعد الآن، حتى لو حصل تغير بعد الانتخابات الرئاسية» في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. 2) «وهم الانتصار العسكري»، حسب روبرن. ويضيف: «كان النظام يقوله للموالين: اصمدوا معي وحاربوا معي. عندما نسيطر عسكريا على الأرض، فإن الأموال ستتدفق ونستفيد جميعنا. الآن، هذا ليس حقيقيا. ليس هناك ضوء في نهاية النفق ولن تعود الأمور إلى ما كانت عليه». 3) رسالة إلى دول المنطقة، منه أنه «إذا قررتم الاستثمار في مناطق النظام في سوريا، فستعرضون أنفسكم للعقوبات وستحرمون من النظام المالي الأميركي. عمليا، حرمان النظام من أي استثمارات خارجية في الإعمار أو غيره». هنا، تحاول واشنطن استثناء شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي «حيث نشجع الاستثمار فيهما ونعاقب من يستثمر مناطق النظام». وكان مسؤولون أميركيون واضحين في حديثهم مع «الأصدقاء العرب والإقليميين: لا استثناء لأحد. ودعونا نتعاون لمعرفة الحدود الممنوعة»، حسب دبلوماسي غربي. 4) ردع الآلة العسكرية. ويوضح روبرن: «صحيح أن عملية تحقيق العدالة والمحاسبة تسير عادة ببطء، لكن رسالتنا: لن ننسى أبدا. الآن، سيكون في عقول الموالين، أن يوم الحساب سيأتي عاجلا أم أجلا، ولا بد أن يغير هذا من حساباتهم».

– «المستنقع السوري»

يعتقد المسؤولون الأميركيون أن هذه «الأدوات» ستغير في التفكير الروسي على المديين المتوسط والطويل. لذلك، فإنهم سيواصلون فرض العقوبات الاقتصادية تحت «قانون قيصر»، بحيث سيكون الصيف المقبل هو «صيف قيصر» بإدراج مائة شخصية وكيان على القائمة السوداء، بهدف «زيادة تكلفة المستنقع السوري».

وكان جيفري قال إن الروس ليس لديهم «مخرج سياسي» لمشكلاتهم في سوريا. وأضاف «مهمتنا هي تقديم حل إليهم من خلال منظمة الأمم المتحدة ودعمنا لها، لكن ذلك يتطلب النأي بأنفسهم ولو بقدر ما عن الأسد والإيرانيين». ويعتقد روبرن أن الروس قادرين على التأثير على دمشق، والضغط يرمي لدفع موسكو للانخراط في تفاوض جدي حول تنفيذ الشروط الستة، وإلا فإن الخيار الآخر أمام روسيا هو «الغرق في المستنقع السوري».

وقال جيفري أكثر من مرة في جلسات علنية إن مهمته التي أخذها قبل حوالى سنتين، هي «تحويل سوريا إلى مستنقع لروسيا». وهو قال الشهر الماضي: «نحن نسعى وراء ما نعتقد أنها سياسة تتسم بالذكاء، وهي وجود عسكري أميركي لهدف محدد، ألا وهو ملاحقة «تنظيم داعش»، إلى جانب دعم عمليات عسكرية تقوم بها دول أخرى مثل تركيا وإسرائيل بعدة طرق، مع التركيز على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي. إن وجودنا العسكري، رغم كونه محدوداً، فإنه مهم لتحقيق تلك المعادلة؛ لذا نحثّ الكونغرس، والشعب الأميركي، والرئيس على الإبقاء على تلك القوات؛ لكن الأمر لا يشبه ما حدث (لأميركا) في أفغانستان أو فيتنام، فهو ليس مستنقعاً؛ ومهمتي هي جعلها (سوريا) مستنقعاً للروس».

لكن نائب جيفري، جويل روبرن ذهب أبعد في شرح الموقف الأميركي، قائلا إنه عندما تدخلت روسيا عسكريا في سوريا قبل خمس سنوات لم تكن تتوقع أنه بعد خمس سنوات ستصل اليوم إلى هذه النتيجة، و«كما قال جيفري، فإن عملنا هو خلق مستنقع لروسيا والنظام السوري. الوضع في حد ذاته مستنقع». وأضاف «عشت تجربة العراق عندما كنت في الجيش. لو أنت قمت بشيء ما لخمس سنوات وحصلت على نفس النتيجة، يجب أن تسأل نفسك: هل سأبقى أفعل ذات الشيء لخمس سنوات أخرى؟ وما الذي يحول دون أن يستمر هذا الوضع عشر سنوات أخرى؟ هل يريد الروس أن يكونوا في سوريا في 2025 كما هو الحال في 2020. انخراط عسكري وتكلفة اقتصادية دون ضوء في النهاية».

وأشار روبرن إلى أنه لدى استعادة دمشق لشرق حلب في نهاية 2016 «حاول النظام وحلفاؤه الترويج أن الحرب انتهت وحان وقت قطف ثمار الانتصار العسكري. بالنسبة لي، كان واضحا أن هذا ليس صحيحا. أسباب النزاع هي سياسية وحلها يكون سياسيا. لا يمكن حل الجذور السياسية بالآلة العسكرية. وإذا لم يحصل هذا فإن الحرب ستستمر إلى الأبد. ليس هناك قانون طبيعي يقول إن الحرب ستنتهي بحد ذاتها. انظر إلى تجربة أفغانستان. بدأت منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، ولا تزال مستمرة».

—————————————–

 أميركا تخيّر روسيا بين «المستنقع» والصفقة

الأسد يشيد بالاتفاق العسكري مع إيران… ومخلوف يطل مجدداً ويسأل عن «الدستور السوري»

لندن: إبراهيم حميدي

أظهرت مواقف مسؤولين أميركيين أن واشنطن تخيّر موسكو بين عقد «صفقة كبرى» حول سوريا تتضمن تنفيذ ستة شروط فيها تنازلات داخلية وجيوسياسية، وبين زيادة كلفة «المستنقع السوري» بالنسبة إلى روسيا.

وتتضمن الشروط الستة «توقف دمشق عن دعم الإرهاب، وقطع العلاقات العسكرية مع إيران وميليشياتها، والتوقف عن الأعمال العدائية ضد الدول المجاورة، والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، وأن تغير الحكومة السورية الوقائع على الأرض بطريقة تسمح للنازحين واللاجئين بالعودة بشكل طوعي، ومحاسبة مجرمي الحرب».

ويعتقد مسؤولون أميركيون أن الروس قادرون على التأثير على دمشق، وأن ضغط واشنطن يرمي لدفع موسكو للانخراط في تفاوض جدي حول تنفيذ الشروط الستة، وإلا فإن الخيار الآخر أمام روسيا هو «الغرق في المستنقع السوري».

إلى ذلك، أعرب الرئيس السوري بشار الأسد، خلال لقائه رئيس هيئة الأركان الإيراني اللواء محمد باقري أمس، عن «الارتياح» لتوقيع اتفاقية التعاون العسكري بين دمشق وطهران.

على صعيد آخر، أطل رامي مخلوف، ابن خال الأسد، مجدداً بعد صمت دام أسابيع، منتقداً «الإجراءات التعسفية» ضده. وقال على صفحته في «فيسبوك»: «أين القوانين؟ أين الدستور الذي يحمي هؤلاء الأبرياء؟ هل أصبحوا إرهابيين ليحتجزوا لأسابيع من دون وجه حق».

——————————————

تحويل سوريا إلى مستنقع لموسكو وطهران.. لماذا تعتبر سياسة ترامب تجاه نظام الأسد ناجحة؟

    تحويل سوريا إلى مستنقع للروس والإيرانيين

    كيف نجحت الإدارة الأمريكية في الملف السوري؟

    الهدف الأمريكي في سوريا

    لكن النتائج سيئة جداً على المواطنين السوريين

    لكن هل نجحت الاستراتيجية الأمريكية بشكل كامل في سوريا؟

بعد عامين من الاحتفال بالانتصار في الحرب السورية، يواجه نظام الأسد اضطرابات متجددة. إذ يجري تمرّد صغير في محافظة درعا، مهد ثورة 2011. وهناك مظاهرات عاصفة في محافظة السويداء المتاخمة. ويندفع الاقتصاد نحو الهاوية.

فما الذي تغيَّر في هذين العامين القصيرين؟ وكيف تحول انتصار الأسد إلى كارثة؟ الجواب هو سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا. إذ يحيل فرض الضغوط الهادئة لكن الصارمة انتصار نظام الرئيس السوري إلى رماد. لكن ما لم تحققه بعد هو إقناع روسيا بوقف دعم نظام الأسد، وهو ما يعني أن الاستراتيجية لا تزال في حالة جمود، كما تقول مجلة The Foreign Policy الأمريكية.

تحويل سوريا إلى مستنقع للروس والإيرانيين

قال جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، في 12 مايو/أيار الماضي إنَّ مهمته هي تحويل سوريا إلى “مستنقع للروس”، لكنَّ هذا التصريح مرَّ دون أن يلاحظه كثيرون. ويتضح أنَّ كلمات جيفري لم تكن تهدف إلى مجرد نقل شعور عام بمعارضة المخططات الروسية لسوريا. بل تصدَّرت سلسلة من الإجراءات التي تهدف لمنع عودة الحياة الطبيعية إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام، لإثارة أزمة متجددة، وبالتالي تحويل سوريا من موردٍ للروس إلى عبء على كاهل كلٍّ من موسكو وطهران.

كانت الوسيلة الرئيسية لتحقيق تلك الأهداف هي خنق الاقتصاد السوري. فالأسد يحتاج بشدة إلى الأموال من أجل إعادة الإعمار. وتُقدِّر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار سوريا بقرابة 250 مليار دولار، وهو ما يمثل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في فترة ما قبل الحرب.

لكنَّ حلفاء الأسد الرئسيين لا يملكون المال لإعطائه. فإيران تترنَّح جرَّاء عقوبات الضغط الأقصى التي تقودها الولايات المتحدة، واستجابة طهران الكارثية لجائحة فيروس كورونا، وتكلفة الالتزامات الإمبريالية في اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وغزة، وفقدان الرجل الذي كان يُشرف على تلك الالتزامات، الفريق قاسم سليماني، الذي قُتِل في غارة لطائرة دون طيار مطلع هذا العام. وتواجه روسيا انهيار أسعار النفط والغاز، فضلاً عن العقوبات.

كيف نجحت الإدارة الأمريكية في الملف السوري؟

أدَّت الحاجة المُلِحّة لإعادة الإعمار وغياب الأموال إلى إيجاد ورقة ضغط تعمل عليها الولايات المتحدة بجد.

أولاً، حافظت الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي جبهة موحدة في المطالبة بأنه لن تكون هناك أموال متوفرة لإعادة إعمار سوريا طالما يرفض النظام “انتقالاً سياسياً شاملاً وحقيقياً ويضم الجميع، تتفاوض عليه أطراف الصراع السورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2254″، وهي طريقة طويلة لقول إنه طالما ظل الأسد يرفض التفاوض على رحيله، فإن نظامه لن يحصل على أي أموال.

ثانياً، تعتزم الولايات المتحدة سد أي تهريب اقتصادي محتمل للنظام. إذ دخلت ما تُسمَّى عقوبات “قيصر” ضد النظام السوري حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران الماضي. وستُعرِّض هذه العقوبات أي طرف ثالث يمارس أعمال تجارية مع سوريا الأسد لعقوبات شديدة. وكانت الصين والإمارات العربية المتحدة قد عبَّرتا عن استعدادهما للمشاركة في إعادة إعمار سوريا الأسد. ويُرجَّح أن تعيد الإمارات النظر في موقفها في ضوء قانون قيصر. (أمَّا التنبؤ برد فعل الصين فأصعب).

ثالثاً، تعمل الولايات المتحدة على منع النظام من تحقيق انتصار عسكري نهائي. فعلى الرغم من الحديث عن “وضع الحرب أوزارها”، ما يزال الأسد وحلفاؤه يسيطرون على نحو 60% فقط من سوريا. وتخضع نحو 15% لسيطرة الأتراك وحلفائهم الإسلاميين، وقد بدأوا مؤخراً في استخدام الليرة التركية كعملة في مناطقهم، بدلاً من الليرة السورية المنهارة.

وتخضع 25% أخرى لسيطرة ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة. ودعمت الولايات المتحدة تركيا في مواجهتها لهجوم يقوده النظام والروس في مارس/آذار هذا العام. وعلى عكس تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أعلن فيها الانسحاب من سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما تزال القوات الأمريكية موجودة في مناطق السيطرة الكردية.

الهدف الأمريكي في سوريا

ويُعَد الهدف الآني لسياسة إدارة ترامب في سوريا –التي نشأت في مكتب وزير الخارجية مايك بومبيو وما تزال تُدار منه- هو تأمين قبول النظام بوقف إطلاق نار غير محدود على مستوى البلاد. ومن شأن هذا أن يُجمِّد خطوط المعارك الحالية كما هي ويسمح ببدء المفاوضات بشأن المستقبل السياسي للبلاد. وما تأمل الولايات المتحدة حدوثه بعد ذلك هو انتخابات حرة ورحيل الأسد، لكنَّ واشنطن ستحتفظ بالقدرة على تصعيد أو تخفيض الضغط الاقتصادي وفقاً لمدى التعاون من جانب كلٍّ من الأسد وروسيا.  

وفي غياب هذا التعاون، سيبقى الوضع الراهن المتأزم في سوريا. ويتضمَّن هذا الندرة المتزايدة في السلع الأساسية للمدنيين السوريين، وانهيار العملة السورية (يساوي الدولار حالياً في السوق السوداء 3000 ليرة، مقارنةً بـ50 ليرة مقابل الدولار في فترة ما قبل الحرب). وتتضمَّن كذلك الهجمات المسلحة من ذلك النوع الذي رأيناه في درعا على مدار العام الماضي، والتصدعات المتنامية في قمة النظام، إذ عانى الأسد مؤخراً لابتزاز المال من أفراد أسرته، بما في ذلك ابن خاله الملياردير رامي مخلوف.

لكن النتائج سيئة جداً على المواطنين السوريين

بالنسبة للسوريين الأكثر فقراً، ستكون نتائج كل هذا وخيمة. فغرَّد داني مكي، وهو صحفي ذو علاقات مقربة في دوائر النظام السوري، يوم 7 يونيو/حزيران الماضي قائلاً: “الوضع الاقتصادي في سوريا عند نقطة انهيار، فالأدوية باتت نادرة للغاية، والجوع أصبح طبيعياً، وصار الفقر عند أسوأ مستوياته على الإطلاق، الناس يبيعون حتى أعضائهم من أجل البقاء على قيد الحياة”.

ومن المرجح أن يُسلِّط المتحدثون باسم النظام والمدافعون عنه في الفترة المقبلة الضوء على الوضع الإنساني الصعب في مناطق النظام، وأن يدعوا لتخفيف القيود. لكن من الصعب تصديق أي صدقية لهذا الاكتشاف المتأخر من جانب النظام للمخاوف الإنسانية تجاه مواطنيه. إذ شهدنا في تغطيتنا لسوريا منذ السنوات الأولى للحرب الأهلية، الاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المشافي، من جانب سلاح الجو التابع للأسد في حلب في صيف 2012. كانت مثل هذه التكتيكات، التي استُنسِخَت في طول البلاد وعرضها، هي السبب الرئيسي للخسارة المروعة في أرواح المدنيين خلال الحرب السورية، ولم يعرف هؤلاء قط بإنسانية النظام المكتشفة حديثاً.

لكن هل نجحت الاستراتيجية الأمريكية بشكل كامل في سوريا؟

لم تنجح الاستراتيجية الأمريكية بعد في هدفها النهائي المتمثل في تغيير حسابات النظام السوري. لكنَّ النتيجة الرئيسية هي بروز صراع بين العناصر المختلفة في المعسكر الموالي للنظام، بما في ذلك الانتقادات العلنية الروسية للأسد، والشقاق بين الرئيس ومخلوف، والتوترات المتنامية بين عناصر القوى الأمنية المتحالفة مع روسيا والمتحالفة مع إيران في محافظة درعا التي مزَّقها النزاع. أمَّا التكلفة المباشرة على الولايات المتحدة نتيجة الحصار الاقتصادي على سوريا الأسد فهي بسيطة أو غير موجودة، شأنها في ذلك شأن حملة الضغط القصوى على إيران.

وعلى أولئك الذين يتساءلون عن الشكل المستقبلي الذي سيحون عليه الإبراز الأمريكي للقوة في الشرق الأوسط أن يولوا اهتماماً كبيراً للشكل الحالي للسياسة الأمريكية تجاه سوريا. فالعنصر الرئيسي هو تحويل القوة الاقتصادية الغربية إلى سلاح. وقد بات المعسكر المحيط بالأسد متمرِّساً في حروب الوكالة والحروب السياسية، ولا يرحم في سبيل تحقيق أهدافه. وتفوق على مدار العقد المنصرم على جهود القوى الإقليمية المتحالفة مع الغرب والرامية للإطاحة بديكتاتورية الأسد. لكنَّ نقطة ضعف هذا المعسكر هي ندرة الموارد الاقتصادية. ويجري الآن استغلال هذا الضعف، وبأقل تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة ودون تلك الالتزامات العسكرية الكبيرة التي يُفضِّل الرئيس والجمهور الأمريكي تجنُّبها.

ومع أنَّ الحرب الفعلية في سوريا ربما انتهت إلى حدٍّ كبير، فإن الولايات المتحدة تضمن بقاء قضاياها الأساسية دون حل. ومَنَعَ هذا الجمود الناجم –الذي يتسم بتجمُّد الصراع، واستمرار الفقر، والتقسيم الفوضوي للبلاد بحكم الأمر الواقع- الأسد وحلفاءه من تحقيق الانتصار. وسيظل هذا هو المستقبل العملي الوحيد للبلاد حتى يكون الأسد وحلفاؤه أخيراً مستعدين للتفاوض على الشروط التي يكون خصومهم مستعدين لقبولها.

——————————————–

إشارات متناقضة من روسيا حول «نواياها السورية» / إبراهيم حميدي

تأتي من روسيا إشارات متناقضة حول «نواياها السورية» في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. بعضها يحمل استعجالاً في البحث عن حلول. وبعضها الآخر يدل إلى تشدد من موسكو وتفضيل شراء الوقت.

آخر إشارات التصعيد، كان إبلاغ روسيا مجلس الأمن الدولي أنها لم تعد تريد سوى نقطة دخول حدودية واحدة فقط للمساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة للسكان في شمال غربي سوريا، ولمدة 6 أشهر حصراً.

آلية نقل المساعدات عبر الحدود مطبقة بقرار من مجلس الأمن منذ العام 2014. ولا تتطلب أي تفويض من جانب دمشق. في نهاية العام الماضي، ضغطت روسيا وخفّضت عدد النقاط من 4 إلى 2 لدفع الأمم المتحدة للتعامل مع الحكومة السورية. كما رفضت قبل أسابيع مطالبة أممية بفتح معبر اليعربية شمال شرقي سوريا مع العراق. والآن، قبل نهاية صلاحية القرار الدولي في 10 من الشهر الحالي، تريد موسكو الاكتفاء بنقطة حدودية واحدة مع تركيا ولـ6 أشهر، من دون الالتفات إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أو التزام مضمون البيان الثلاثي لقمة «ضامني آستانة» بمشاركة الرئيس فلاديمير بوتين، أول من أمس، الذي تحدث عن ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية لكل السوريين دون تمييز.

هذه الخطوة قد تفسر أنها ردّ على «قانون قيصر» لتحويل دمشق إلى بوابة للمؤسسات الدولية. قبلها، انسحبت روسيا في 23 من الشهر الماضي، من ترتيب طوعي تقوده الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وقوافل المساعدات الإنسانية من الاستهداف العسكري. جاء ذلك بعد تقرير أممي اتهم فيه دمشق وحلفاءها بقصف مراكز طبية في شمال غربي سوريا رغم إبلاغهم مسبقاً بمواقعها.

بعض رسائل التصعيد، جاء من منصة التكتل الثلاثي لـ«ضامني آستانة» لرؤساء روسيا وتركيا وإيران، أول من أمس. صحيح أن تركيا نجحت في إقناع طرفي مسار آستانة الآخرين، بحذف أي إشارة نقدية لـ«هيئة تحرير الشام» كما ورد في بيان القمة الثلاثية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن البيان الجديد تحوّل إلى منصة لانتقادات مباشرة لحلفاء واشنطن عبر تأكيد رفض «أي أجندات انفصالية» و«إدارة ذاتية» شمال شرقي سوريا، في إشارة إلى الأكراد الذين تدعمهم واشنطن، إضافة إلى انتقاد سيطرتهم على النفط، بالتزامن مع «تحرشات» روسية ضد الأميركيين شرق الفرات. وإذ كرر البيان اعتراضاً على دعم واشنطن قرار ضم الجولان، تضمن رفضاً للغارات الإسرائيلية في سوريا التي تهدد سيادتها و«أمن واستقرار المنطقة»، إضافة إلى «رفض العقوبات أحادية الجانب» في إشارة إلى إجراءات واشنطن وبروكسل.

في المقابل، تهب إشارات تدل إلى احتمال اختبار روسيا إمكانات الحل في سوريا. بداية، منذ توقيع اتفاق موسكو بين الجانبين الروسي والتركي في 5 مارس (آذار) الماضي، هناك التزام بهدنة إدلب، وهناك مهلة لأنقرة لتنفيذ تعهداتها إزاء «الإرهابيين»، وبرود في تسيير الدوريات المشتركة على طريق حلب – اللاذقية. ومارست روسيا ضغوطاً على دمشق وطهران لتجنب معركة شاملة في إدلب. وسجل البيان الثلاثي، أول من أمس، جهود «هيئة تحرير الشام» ضد متشددي «حراس الدين».

يتزامن هذا، مع جهود روسية متكررة لمنع تصعيد عسكري في درعا، وشنّ «الفرقة الرابعة» في «الحرس الجمهوري» هجوما بريف المدينة بعد استهدافات لمواقع حكومية. كما تدخل الروس لضبط تصعيد في السويداء بعد مظاهرات واعتقالات، في وقت يجري الحديث عن تشكيل جيش من المعارضين جنوب سوريا.

عسكرياً أيضاً، لم تتدخل روسيا في الغارات الإسرائيلية التي طالت الأسبوع الماضي 4 محافظات سورية، بما فيها السويداء، لأول مرة منذ التفاهم الإقليمي الدولي حول الجنوب السوري في 2018.

ومن الإشارات اللينة، حديث مسؤولين روس لمرات عدة عن رغبتهم في الحوار مع الأميركيين حول سوريا، بعد حملة إعلامية في موسكو ضد دمشق ومسؤولين فيها، وبعد توسيع المسؤولين الروس مروحة لقاءاتهم مع الشخصيات المعارضة السورية، في ضوء تقديرات من خبراء غربيين أن موسكو تستعجل البحث عن حلّ سوري بسبب الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة السورية وفرض العقوبات الأميركية وانعكاسات أزمة لبنان والعقوبات على إيران.

عليه، السؤال… هل تريد وتستطيع موسكو عقد تفاهم مع واشنطن في الأشهر الأخيرة لإدارة ترمب، لأنها لا تستطيع انتظار سنة ونصف السنة إلى حين تثبت الإدارة الأميركية الجديدة، أم تقرر الانتظار وتبحث مع طهران سبل شراء الوقت في الأشهر الصعبة المقبلة؟

الشرق الأوسط

===========================

-2- عن اجتماع الروس والعلويين في جنيف -مقالات مختارة-

————————————–

عن الـ “مؤثرين العلويين” والحل الروسي…/ بسام يوسف

بدأت القيادة الروسية تحركاً سياسياً، يستهدف شخصيات سورية لها اعتبارات أخرى غير مواقفها السياسية، وهي اعتبارات قد عينها منظور القيادة الروسية، وهو منظور يحدد معاييره على العرقي والديني والقبلي… إلى آخر هكذا تصنيفات، يُفترض أن العولمة قد دفعتها إلى مجال الخاص الخصوصي الذي لا يجوز أن يتعدى عليه السياسي؛ مما يشير إلى أن هناك توجهاً إلى خطوة سياسية ما، تدعمها روسيا، قد تفضي حسب التسريبات إلى عقد مؤتمر وطني موسع، يشكل مخرجاً من الاستعصاء السياسي الذي تواجهه روسيا في الملف السوري.

وضمن هذا التوجه، تم تسريب خبر اجتماع مبعوثي القيادة الروسية مع شخصيات علوية، وُصفت بأنها مؤثرة في جنيف. وبالرغم من ذلك؛ فإن اللبس لا يزال قائماً، بين: هل تم الاجتماع فيزيائياً، أم أنه قد تم عبر وسائط تقنية.

ومع ذلك، أو بالرغم منه، فقد طلب الروسي من الأطراف المجتمعة كلها: عدم تسريب خبر اللقاء والتعتيم على مخرجاته. لكن الجهة الميسرة للقاء سربت خبر اللقاء، وسربت نصاً، اعتبره الطرف المسمى “شخصيات علوية” غير صحيح؛ فقام بنشر وثيقة الاجتماع الأصيلة، لتبيان حقيقة الأمر وللرد على النص المسرب.

وعلى هذا، فإني لن أتناول في هذا المقال حيثيات هذا اللقاء، ولا تفاصيل ما جرى فيه؛ فهذا يحتاج إلى بحث آخر، لكنني سأتناول فكرة اللقاء من حيث المبدأ، وسأتناول دلالاته وغايات الروسي منه، وهل سيسهم في إنهاء الكارثة السورية أم لا.

أولاً- ثمة أربعة مؤشرات مهمة، تشير إليها هذه اللقاءات بغض النظر عن محتواها وعما يطرح فيها:

    المؤشر الأول، هو: ذهاب روسيا- الذي قد يكون بتوافق مع أميركا وإسرائيل- إلى مقاربة الحل السوري من بوابة التصنيفات العرقية والدينية والطائفية والقومية…إلخ، وليس من بوابة جوهر الصراع وحقيقته، بما هو صراع بين مافيا مستبدة – لها شكل الدولة- وشعب مقموع ومنهوب. وهي مقاربة تنفتح على مخاطر قد تبدأ بنظام سياسي مبني على المحاصصات، ولا تنتهي بتفتيت سوريا وتقسيمها.

    والمؤشر الثاني هو: حقيقة غياب الجهة السورية الوطنية التي تمثل السوريين، وتدافع عن مصالحهم؛ لأن وجود هذه الجهة يمنع الأفراد أو الشخصيات من التوجه إلى حوار حول الوطن السوري ومستقبله.

    والمؤشر الثالث هو: عن مدى أهمية التمثيلات السياسية القائمة، كالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، عند الأطراف الدولية الفاعلة، ومدى اقتناعها بجدوى هذه التمثيلات.

    أما المؤشر الرابع فهو: يتناول تحديداً ما يخص اللقاء بشخصيات علوية؛ إذ يدل هذا اللقاء- واللقاءات التي جرت قبله- على عدم ما يسمى بالمجلس العلوي الأعلى، ذاك المجلس الذي يخلقونه ساعة يشاؤون، ويفنونه حين يريدون، والغريب أن من يؤكدون وجوده يستندون على حديث ضابط روسي، هو من يخبرنا عن هذا الوجود الموهوم.

ولكن، لماذا يتوجه الروس الآن في هذا المنحى، وما هي دوافعهم؟

إني أرى عدة أسباب خلف هذا التوجه، منها:

    حاجة الروس الملحة إلى الخروج من هذا الاستعصاء السوري الذي تورطوا فيه؛ فالزمن ليس في صالحهم، على عكس أطراف فاعلة أخرى قد تكون مصلحتها استنقاع الوضع السوري فيما هو عليه؛ لأنها ليست من يحترق بتداعياته.

    هناك التزامات قدمتها روسيا لأطراف داخلة في الشأن السوري- مثل: أميركا، وتركيا، وإسرائيل- عن الوجود الإيراني، وترتيب الوضع الداخلي السوري حتى يصبح مهيأ لحل سياسي.

    تداعيات قانون سيزر وإغلاقه الباب أمام مخرجات كثيرة، كان يمكن لروسيا أن تلجأ إليها لولا وجوده.

    إنتاج نظام سياسي في سوريا يمكنه أن يؤمن مصالح الأطراف الدولية الأخرى؛ كي توافق على الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار وعودة المهجرين…إلخ، مع اعتبار أن النظام الحالي قد أصبح عاجزاً عن إقناع هذه الأطراف بقدرته على قيادة سوريا في المرحلة القادمة؛ فهو نظام متهم بجرائم لا تعد ولا تحصى، ويحمل فوق كتفيه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وملفات إرهاب وفساد…إلخ.

    الوضع الداخلي في روسيا، وهل تحتمل روسيا أن يستمر هذا الاستنزاف في ظل تردي وضعها الاقتصادي، وفي ظل انتشار وباء كورونا، وفي ظل ظهور أصوات مهمة داخل روسيا ترفض هذا الاستنزاف واستمراره؛ لأنه بلا جدوى.

 ثم بعد هذا: ماذا بشأن اللقاء مع شخصيات علوية موصوفة بأنها مؤثرة، وماذا سيقدم هذا التوجه الجديد لها، وكيف يمكن لها أن تتعامل معه؟

من حيث المبدأ، لا يحق لأي شخصية أن تدعي تمثيل الطائفة العلوية، فما تنفرد به هذه الطائفة عن غيرها من مكونات المجتمع السوري – بتفاوت بين مكون وآخر- هو: أنها بلا أي مرجعية، سواء أكانت دينية أم سياسية أم اجتماعية. وبالتالي: إن قبول بعضهم بهذا التمثيل مرفوض، وليس له أي شرعية.

أما من حيث الجدوى، فهل تفيد اللقاءات- كهذه اللقاءات- سوريا الوطن أولاً، والعلويين كطائفة ثانياً؟

قد لا أبالغ إن قلت: إن أي توجه لمقاربة الوضع السوري من غير البوابة الوطنية، هو دفع باتجاه انفراط سوريا، سواء أدرك هذا من يقومون بهذه المقاربة أم لم يدركوه. وبالتالي: إن مهمة السوريين الذين تطلب أطراف خارجية اللقاء بهم في هذه الفترة، هي في استعادة جوهر الصراع في سوريا، وإبعاده ما أمكن عن تصنيفه كحرب أهلية أو انعدام إمكانية التعايش بين مكونات المجتمع السوري…إلخ.

وحتى إذا فرضنا أن هناك من يحق له التحدث باسم مكونات الشعب السوري العرقية، فهل يحق لهؤلاء التحدث في هذه اللحظة من تاريخ سوريا بصفتهم الطائفية أو العرقية أو القبلية أو غيرها؟

برأيي أنه لا يحق لهم ولا لغيرهم؛ لأن ما حدث في سوريا لم يكن سببه التركيبة الديموغرافية، وبالتالي: إن تلمس الحلول من هذه البوابة طمس متعمد لجوهر الموضوع أولاً، وهو طمس متعمد للجرائم التي ارتكبت بحق السوريين طوال نصف قرن من الزمان ثانياً؛ ولأن التاريخ قد أكد دائماً، بأن طمس الحقوق لن يكون غير تأجيل حق لابد من إقراره، وأن الذهاب إلى هذا الاتجاه سيفخخ المجتمع السوري، وسيجعله مهيأ لانفجار قادم لا محالة، انفجار سيطيح بآخر حلم للسوريين بوطن واحد.

وفيما يخص الطائفة العلوية: إن الخطر الأكبر عليها الذي سيفوق الخطر الذي تسببت به عائلة الأسد، هو: الذهاب إلى هذا الاتجاه؛ لأنه سينقل الوزر الهائل للجرائم التي ارتكبتها عصابة آل الأسد على مختلف مكونات الشعب السوري- والعلويين منهم- من أعناق مرتكبيها الفعليين ووضعه على كاهل الطائفة العلوية، إن أفضل الحلول التي يمكن أن يقدمها أحد ما إلى الطائفة العلوية، هو: في تحميل الجرائم على مرتكبيها الحقيقيين لمحاكمتهم ومحاسبتهم، ولكي لا يجري القفز عليها بتوافقات تبويس الشوارب، أو أن يجري تحميل وزر هذا الدم المسفوك وهذا الحقد المتراكم كله على كاهل أجيال العلويين القادمة.

تلفزيون سوريا

—————————————

بين إغراء السوريين وإغوائهم بهوية وطنية سورية/ بكر صدقي

على وقع «أزمة الانتصار» التي يعيشها نظام بشار الكيماوي ويعاني من أعراضها، في ظل سريان قانون قيصر، نشط مبعوثون روس على خطوط «المكونات» السورية، فالتقوا الشيخ معاذ الخطيب في الدوحة، وهو رئيس سابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ووفداً من «علويين مؤثرين» معارضين كما وصفوا أنفسهم ويمثلهم عيسى إبراهيم الذي يعود بنسبه إلى الشيخ صالح العلي، أحد رموز الاستقلال السوري. لا نعرف ما إذا كانت هناك لقاءات روسية أخرى مع شخصيات معارضة من مكونات أخرى، سرية تمت أو أنها على جدول أعمال الدبلوماسيين الروس. لكن اختيار هذين المحاورين يعطينا ما يكفي لاعتبار المنظور الروسي للحل في سوريا هو منظور توافق المكونات الأهلية إذا صح التعبير. وهو ما لم يخفه الروس، على أي حال، فقد وضعوا، قبل سنوات، مسودة دستور لسوريا فيدرالية، كما كان الاسم الروسي لمؤتمر سوتشي هو «مؤتمر الشعوب السورية» قبل أن يغيروه تحت ضغط المدعوين من كلا الطرفين، نظاماً ومعارضة.

من جهة أخرى، أطلقت مجموعة من المعارضين السوريين ما أسموه بـ«إعلان الوطنية السورية» مفتوحاً للتوقيع عليه كأفراد أو مجموعات. وينطلق منشئو «الإعلان» من واقع التفكك الجغرافي والأهلي في سوريا في ظل احتلالات أجنبية عدة، فيدعون السوريين إلى «الإيمان بالإعلان والالتزام به والعمل من أجله وفي ضوئه، ثقافياً وسياسياً وإعلامياً ومدنياً وحياتياً» وفق نص الإعلان الذي يعتبر التوقيع أمراً في غاية الجدية يجب لصاحبه أن يحترمه ولا يخل بموجباته.

لدينا، إذن، بحث متعدد المصادر والمستويات عن حل سياسي للصراع الدائر في سوريا وعليها منذ تسع سنوات ونصف، ذكرنا منها نموذجين، الروسي و«الإعلاني». هذا البحث الدؤوب يعبر عن حاجة موضوعية للحل ناتجة عن أزمة النظام المصمم على البقاء في ظل حرب دائمة، ولا قدرة لديه لخوض السياسة القائمة بداهةً على التعدد والتفاوض وابتكار المخارج والحلول. وهو ما أسميه بأزمة الانتصار لأن النظام يتوهم أنه انتصر، في حين أن النصر العسكري يستوجب تتويجاً سياسياً يجهل النظام قاموسه.

من المحتمل أن روسيا بوتين تعاني من أزمة مشابهة، وإن كانت بطريقة مختلفة عن أزمة النظام. يتبين من مسالك الروس، في الفترة الأخيرة، تجاه النظام الكيماوي أنهم ربما يرغبون في التخلص من رأس النظام الذي بات يشكل صداعاً دائماً لهم، لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك قبل ضمان استقرار مصالحهم في سوريا ما بعد الأسد، ومنها معاهدات طويلة المدى في مجال السيطرة على قواعد عسكرية واتفاقات اقتصادية مع شركات روسية وغيرها. لعلهم طرحوا هذه الأمور، أو لمحوا إليها، في لقاءاتهم مع الخطيب والمجموعة العلوية، جساً للنبض.

سواء لاقى الروس استعداداً عند بعض الجهات المعارضة لمقايضة رأس النظام بضمان المصالح الروسية أو لا، فالمنظور الروسي للحل هو منظور هوياتي قائم على ما يشبه المحاصصة في السلطة و/أو النظام الفيدرالي. الأمر الذي يلاقي ممانعة كبيرة من الفاعلين السياسيين، النظام ومعارضوه على السواء، ومن المحتمل أن يلاقي استحسان القوى السياسية الكردية فقط، باعتبار أنها تطالب أصلاً بنظام فيدرالي.

ويأتي «إعلان الوطنية السورية» (اختصاراً: الإعلان) على الضد من هذا التصور الروسي للحل، معبراً في ذلك، ليس فقط عن الموقعين عليه، بل كذلك عن رأي عام واسع، لكنه غير موحد، يرفض أي طرح من هذا النوع. هو غير موحد لأنه، أولاً، منقسم بين الموالين للنظام والمعارضين له، وثانياً، فيما بين هؤلاء الأخيرين بمختلف ألوانهم وتوجهاتهم الأيديولوجية. واقع الانقسام هذا هو ما يسمح لنا بوصف «الإعلان» بأنه نوع من المائدة المفتوحة التي تطمح لتلبية أذواق كل الناس. ولكن، وفي الوقت نفسه، يطمح الإعلان إلى سحب البساط من تحت جميع القوى السياسية والعسكرية التي سبق له وصفها، في المتن، بأنها قوى تفتيتية ومرتهنة للخارج وفي أحسن الأحوال فاشلة.

إنها مفارقة أن ينطلق الإعلان من هذا الوصف (الصحيح عموماً) للقوى الفاعلة، ليدعو إلى وضع معياري متخيل، قد يكون جميلاً وبلا عيوب على الورق، لكنه يحمل في داخله كل تناقضات الواقع السوري القائم. إذ لا سبب يدعونا إلى افتراض أن كل مظاهر الانقسامات الاجتماعية الحادة ومناخ

الكراهية بين الجماعات ستزول بالنوايا الطيبة أو بمخطط معياري قائم فقط على «الإيمان» وفق نص الإعلان، أو باحترام التوقيع الشخصي وكأنه «إمساك بالشوارب» على دُرجةٍ تقليدية لأهل الشام.

لا يفيد كثيراً مناقشة نص «الإعلان» بالتفصيل، مع أنه يحتمل ذلك، فالأهم من ذلك هو روح الإعلان الذي يتكرر في كل بيان تأسيسي لتيارات جديدة تنشأ كل يوم، وكأن الأمر يتعلق بـ«حفظ الدرس جيداً» لأن التلميذ مقبل على امتحان. بهذا المعنى يبدو المنظور الروسي أكثر واقعية من منظور «الإعلان»، ولا أقصد المفاضلة الأخلاقية بينهما، فروسيا هي دولة احتلال لبلدي سوريا، إضافة إلى سجل جرائمها المشين في استهداف المدنيين والمنشآت الطبية، ودعمها للنظام الكيماوي وخططها بشأن «مناطق خفض التصعيد» و«المصالحات»، وصولاً إلى مسار آستانة وسوتشي اللذين استهدفا إفراغ قرار مجلس الأمن الخاص بإنهاء الحرب والانتقال السياسي من أي محتوى. لكن المقارنة السياسية تشير إلى واقعية روسية في التعامل مع الوضع القائم كما هو، مع انحياز لا جدال فيه للنظام، مقابل نص قائم على فرض وطنية سورية متخيلة بلا أي حوافز حقيقية غير «الإيمان» والالتزام بالوقيع.

لم توجد قط هوية وطنية للسوريين، بل هوية أسدية لسوريا، وقد شكلت ثورة آذار 2011 فرصة كبيرة لصناعتها، فرصة ضاعت بسبب مواجهة النظام الإجرامية الإبادية للثورة وفقاً لشعار «الأسد أو نحرق البلد» قبل أن تضاف جهود أخرى إلى جهود النظام لتقويض أي احتمال لسوريا أخرى. من أجل الحصول على فرصة جديدة لابتكار هوية وطنية سورية، يحتاج الأمر إلى حوافز مصلحية خلا منها نص الإعلان خلواً تاماً.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

سورية… العودة إلى الحل الطائفي الفيدرالي/ غازي دحمان

أصبحت سورية عالقةً وسط أزمة لا أفق للحل فيها، وصارت المنظومة الأسدية أشبه بجثةٍ ثقيلةٍ ترقد على أجسادٍ أنهكتها الحروب والاستبداد والجوع، تمنع عنهم الهواء والغذاء، ولا قدرة لهم على إزاحتها، ولا من يتبرّع بنزعها، حتى بات الضحايا، وهم جميع السوريين، ينتظرون الأقدار كي تأتي لهم بنهارٍ، وقد أزيحت هذه الجثة، ليبدأوا حياة جديدة، يعالجون آلامهم التي خلفتها سنوات الحرب الدامية ضدهم.

كل شيء في سورية ميت أو في حال موات. أراد نظام الأسد وحلفاؤه قتل ثورة السوريين، فقتلوا البلد بأكمله، ولم ينقذوا حتى أنفسهم من هذه المجزرة. أما قدرة منظومة الأسد على القتل فهي ليست مؤشرا على حيويته، وليست مقياسا لفعاليته، فالجثث تقتل بروائحها والبكتيريا التي تنشرها.

وباتت جميع القرارات والمبادرات الدولية للحل لا قيمة لها، وذلك لاستحالة ترجمتها على أرض الواقع، لوجود طرفٍ يعتقد أنه انتصر في الحرب، وأصبح غير ملزم بقراراتٍ لا تراعي توازن القوى الحالي، ولا الوقائع الميدانية التي أنشأها تحالف الأسد إيران روسيا. ولم تفلح تكتيكات روسيا وبهلوانياتها الدبلوماسية بجعل العالم يعترف بهذا الانتصار الكارثي، ولم تستطع أيضاً تحريك أحجار منظومة الأسد، لإدراكها أن ذلك سيؤدي إلى انهيار بنيان المنظومة بأكملها، ويُنذر هذا بتعطّل أهداف مشروع روسيا الجيوسياسي، بل وتحويل الفرصة السورية إلى حزمة مخاطر لا قدرة لها على تحمّل تداعياتها في ظل توعك اقتصادها وانقسام مجتمعها.

وللخروج من هذا المأزق، يبدو أن روسيا تحاول اللجوء إلى مقارباتٍ جديدة، لحل الأزمة السورية، عبر عقد مؤتمر تحت مسمى “مؤتمر الوحدة الوطني”، يتشكّل من جميع “المكونات” السورية، الطوائف والأعراق والمناطق والجهات، ويسعى إلى تشكيل سورية “الجديدة” على أساس فيدرالي، على اعتبار أن هذا أفضل مخرج، ويتناسب مع تفضيلات المكونات السورية التي لم تعد ترغب بالخضوع لسلطةٍ مركزيةٍ تحتكرها فئة معينة. وبناءً على ذلك، تُجري روسيا مفاوضاتٍ مع شخصيات من مختلف المكونات السورية، عرف منهم، رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق، معاذ الخطيب، وشخصيات من الطائفة العلوية في المهجر.

هل الظروف في سورية ناضجة لمثل هذا الطرح؟ معلوم أن النخب السورية، وحتى نظام الأسد، رفضوا، كل لأسبابه، سابقا، أي طرح للحل على أسس طائفية أو فيدرالية، كما صدرت قراءاتٌ كثيرة تؤكد استحالة تقسيم سورية على أساس طائفي، وصعوبة تطبيق الشكل الفيدرالي في سورية. وقد ارتكزت هذه القراءات على معطى جغرافي، يقوم على وجود تداخل هائل بين المكونات يستحيل، على أساسه، رسم حدود جغرافية لكل مكون، وعلى رهان أن الشعب السوري سيقاوم هذه الطروحات التي من شأنها التأثير على وحدة سورية ومستقبلها. وبالنسبة للثوار، كان الأمر يعني طعناً بثورتهم التي سيسجل التاريخ أنها أسهمت في تمزيق سورية. أما النظام فقد رأى في هذه الطروحات محاولةً لزعزعة سلطته السياسية والأمنية، والحد من صلاحياته.

بيد أنه من الواضح أن سنوات التدخل الخارجي أفرزت وقائع مختلفة، ورسمت حدوداً جديدة بين المكونات السورية. صحيح أن التداخل، وفي مناطق كثيرة، ما زال موجوداً، ولكن سنوات الصراع أوجدت ما يسمى المكون الغالب الذي يحتكر السيطرة السياسية والأمنية في الحيز الذي يفرض هيمنته عليه، وليس أمام شركائه المكانيين سوى الخضوع لهذه السيطرة أو الخروج من المكان نهائياً. أما لجهة إمكانية مقاومة السوريين التقسيمات المناطقية والطائفية، فهذه المقولة تحتاج إلى فحص جديد، بعد المتغيرات الهائلة التي حصلت في نفوس السوريين وتفكيرهم.

ويبدو أن العامل الدولي مشجع، بل هو فاعلٌ مهم في هذا الاتجاه، من خلال تهيئته الظروف المناسبة لهذا الطرح، وخصوصا على صعيد الانحياز لمكونٍ بعينه، وتثبيته في مناطقه الجغرافية. والمقصود هنا الأميركيون والروس والأتراك والإيرانيون. كما أن تفضيلاتهم تتناسب مع هذا التوجه أيضاً، الذي يضمن لهم استمرار نفوذهم في سورية، بأثمان رخيصة، عبر وكلائهم المحليين، ومن دون الخوف من الغرق في حروب الأطراف الأخرى ومقاوماتها، بالإضافة إلى تحويل وجودهم أصلاً إلى وجود شرعي.

وهكذا، وفي إطار هذا الطرح، تضمن روسيا السيطرة على الساحل السوري، بالإضافة إلى حمص وحماة ودمشق، حيث توجد بيئة مؤيدة لها، تتشكّل من غالبية علوية وجزء كبير من مسيحيي سورية وسنّة المدن، وتضمن تركيا السيطرة على أجزاء كبيرة من مناطق الشمال، حيث سنة الثورة وغالبية تركمان سورية الذين شرّدهم نظام الأسد من مناطقهم، ووطّنتهم تركيا على الشريط الحدودي لأسبابٍ قومية. في حين تضمن أميركا البقاء في الشرق السوري، حيث حلفاؤها الأكراد، بالإضافة إلى الأرمن والآشوريين. أما إيران فسيكون لها نصيب في حلب ودمشق ودرعا، حيث تتركز غالبية استثماراتها وأصولها المليشياوية والعسكرية.

وستتعامل الأطراف على أساس أن هذا الحل مؤقت، وأنه مخرج من المأزق الذي وصلت إليه سورية، وخصوصا بعد دخول “قانون قيصر” حيز التنفيذ، وهو الذي أحال جميع الخطط الروسية إلى التقاعد المبكر. ولكن واقع الخبرة في الأزمة السورية يثبت أن المؤقت سرعان ما يتحوّل دائما، وأن الحل على أسس طائفية وفيدرالية مقدمة لتقسيم سورية نهائياً، أو هو إقرار من اللاعبين الإقليميين والدوليين بعدم وجود حل آخر للأزمة.

——————————–

احتدام السجال حول مستقبل سوريا/ محمود الوهب

ما يزال السجال حول نظام الحكم في سوريا المستقبل قائماً، ولم يزل، في شدة احتدامه، لا يفصح عن عمق أوجاع السوريين وأسبابها..! وإذا كان هذا الأمر طبيعياً (إذ القرار اليوم ليس بيد السوريين) فغير الطبيعي أن ترتفع أصوات نشاز لدى بعضهم ممن تتصل بهم هذه الدولة ذات الشأن أو تلك، في محاولة لامتطاء رغباتهم، واستغلال وجعهم، وأخذ أصواتهم نحو غايات سياسية بعيدة عن جوهر ما عبرت عنه احتجاجات السوريين عام 2011 وتتنوع تلك الأصوات في تعبيرها عن ظلمها الذي غالباً ما ينطوي على وجع قومي أو ديني أو طائفي أو اجتماعي عام.. وإذا كان الكرد قد تفاهموا، في الفترة الأخيرة، حول قيام فيدرالية خاصة بهم تشمل منطقة شرق الفرات لافتين إلى أمرين أولهما: حق تقرير المصير.. وثانيهما: ثروات المنطقة وغناها فإن أصواتاً عربية حولت أمر المنطقة ذاتها إلى صراع مديني، فتجار حلب ودمشق قد استغلوا أراضي المنطقة الشرقية حتى قبل سلطة البعث.. بالطبع هم لا يذكرون أن تلك الأراضي كانت بيد زعماء العشائر الذين استفادوا من إيجارها واستخدموا عمالاً لديهم خبرة بالأعمال الزراعية جلبوهم من ريف حلب تحديداً مستغلينهم وفق نظام “المرابعة” ما يعني أن يعمل الفلاح بعيش يومه فحسب..

أما الأمر الأخطر المثير للريبة فصدور وثيقة وزعت على وسائل التواصل، فيها مغالطات وروائح بشعة، إذ تصور سكان المنطقة بغير ما كتبه التاريخ، وما يثير الريبة والشك أكثر أنَّ الوثيقة مغفلة من الاسم غير عنوانها: “وثيقة استقلال الجزيرة”، وإعلانها انفصال الجزيرة السورية عن الوطن الأم، واعتبارها “العبرانيين” من سكان الجزيرة السورية تاريخياً، (ولا أحد يعرف لماذا دسَّ أصحاب الوثيقة العبرانيين الذين يمثلهم الصهاينة اليوم.. هل هم بصدد بيان سياسي أم تحقيق تاريخي أم إن وراء الأكمة ما وراءها..؟!) وقد مروا، في الوقت نفسه، مرور الكرام على العرب متجاهلين أسماء مناطق الجزيرة المرتبطة بأسماء القبائل العربية التي سكنتها قبل الإسلام واستمرت بعده فالجزيرة العليا “ديار بكر” والسفلى “ديار مضر وربيعة..”.

وحين تُحَدِّث هؤلاء عن الديمقراطية ودولة المواطنة والنظام اللامركزي الذي يمنح البلديات صلاحيات واسعة في مجال التنمية ومراعاة المساواة بين مواطنيهم، وأن جوهر المشكلة كامن في الاستبداد يقولون لك: هذه سذاجة، وكلام إنشائي..! ما نريده هو حصة من تلك الثروات، وكلام من هذا القبيل يتجاهل أنَّ ملكية ما يعرف بالثروات الباطنية والمائية ومياه البحار الإقليمية والمجالات الجوية تخصُّ الدولة المعنية أياً كان نظامها ومهما كانت درجة رقيها.. والمشكلة أن الدول المتدخلة على نحو مباشر أو غير مباشر يجدون في مثل هؤلاء نواة صالحة للشغل عليهم، ولاتخاذهم متراساً للقول بأن السوريين يريدون ذلك.. وواضح أن تلك الأصوات تنطلق من ظلم وقع عليها، لكنها لا تراه بسبب الاستبداد الذي يكمن وراء كل علة، وأن خلاص الجميع يكمن في إزالة الاستبداد الذي ما يزال جاثماً فوق صدور السوريين أجمعين، وفي بناء دولة الديمقراطية والمواطنة الفعلية التي يمكن أن يتفق عليها السوريون كافة عبر حوارات مستفيضة لا تهمل حقوق أحد ولا تتجاوز أحداً..!

إن عدم قدرة المعارضة على ترجمة شعارات المحتجين إلى وقائع تبرز الصوت السوري الواحد وتركها كل مكوِّن منها يعزف على وتر مظلوميته وبؤسه الذي يراه منفصلاً عن معاناة الآخر ساهم في إطالة عمر النظام المتهرئ إلى هذه الساعة.. بالطبع لا يمكن إغفال الدور الرئيس لكل من روسيا وإيران الدولتين الغارقتين اليوم في المتاهة السورية، وشدة توحشهما فيما ارتكبتاه من جرائم دمار طال السوريين قتلاً وتهجيراً..! وبخاصة روسيا الراغبة اليوم في إيجاد مخرج ما لأسباب كثيرة تتعلق بوضعها الاقتصادي وأوضاعها الداخلية عموماً، وبمواقف الدول الكبرى، إضافة إلى مجيء قانون قيصر، ولذلك تراها تتصل بأغلب المكونات السورية..! ومع ارتفاع وتيرة البحث عن أيّ حل تزداد الأصوات النشاز حدة وتترصدها في الوقت نفسه الدول المتدخلة على نحو مباشر أو غير مباشر والباحثة لها عن مرتكز تعتمد عليه ريثما تحصّل جزءاً من الكعكة.. الأمر الذي استدعى من جهة أخرى بعض السوريين للدخول في مساجلات تجاه وطنهم وهويتهم السورية وليردوا على هؤلاء المراكيب الذين يثيرون الشفقة بمنطقهم الذي لا يثبت أمام الواقع والوقائع ويكشف خبث نواياهم وسوء سلوكهم وتخبطهم..!

فهذا المحامي الأستاذ رديف مصطفى يردُّ على المجلس الوطني الكردي بتذكيره أنه “أول من عادى الـ”ب. ي. د” إذ وصفهم بأنهم سلطة وكالة تتبع النظام في سوريا، وأنهم تنظيم إرهابي يتبع لحزب العمال الكردستاني وتديره كوادر قنديل؟ وقد قام بارتكاب مجازر وانتهاكات تصل إلى جرائم حرب وأنَّ تجربة الإدارة الذاتية هي ضد الكرد.. وأنهم يتفرَّدون بالقرارات السياسية والعسكرية والإدارية ضد مصلحة الشعب السوري بشكل عام والكردية منها بشكل خاص.. كل ذلك فعله المجلس الوطني الكردي عبر بيانات رسمية. الآن حين ننتقد الحوار والتفاهمات والاتفاقيات التي تجري بين ب ي د والمجلس الوطني الكردي الذي يخوض هذه الحوارات بمعزل عن الائتلاف الذي هو جزء منه وبمعزل عن جزء مهم من الشارع الكردي السوري وعن مكونات الشعب السوري عموماً، وفي الجزيرة السورية بشكل خاص تثور ثائرة المجلس ويتهم كل كردي ينتقد، ويرفض الاتفاق بأنه ضد وحدة الصف الكردي وليس كرديا ويتهم كل سوري عربي بأنه شوفيني عقليته بعثية وضد القضية الكردية..!” ويضيف الأستاذ رديف “يتحدثون عن مسودات سرية اتفقوا على سريتها هم والأمريكان والـ”ب. ي. د” ويقولون بأن كل من ينتقد الفيدرالية هو ضد القضية الكردية! ألا يندرج هذا الأمر في إطار شرعنة وجود العمال الكردستاني في سوريا، وبالتالي السير على حافة الهاوية في دفع المزيد من الأثمان الباهظة..! ويشكل المزيد من التباعد والتوتر بين مكونات الشعب السوري..!”

كذلك يكتب المربي الأستاذ جمال الجميلي على صفحته حول الظواهر الانفصالية السورية: “منذ أن بدأت محادثات الأكراد (قسد، والمجلس..) فاحت رائحة الانفصال المبطنة بالتسويغ اللفظي، واللغوي، وظهرت السياسات “الضدية” وبدأت النزعات الانتقامية المناطقية تطفو على السطح بلبوس “ديمقراطي” معتمداً أصحابها حجة “المظلومية”، للأسف كيف فهمت المظلومية بربطها الجزئي والهش بالتاجر الدمشقي أو الحلبي (أفراد) عبر منظور ذاتي ضيِّق وغير موضوعي، مستبعدين من صياحهم أو مطالبتهم أو إنشاء تجمعاتهم وتياراتهم، الرؤية التاريخية الشاملة لسوريا أيام العثمانيين ومن ثم الفرنسيين، وفترة ما بعد الفرنسي التي سميت بالاستقلال..” ويشير إلى أنَّ “رفع المظلومية الفئوية أو المناطقية لا يقوم على تحقيق سياسة “الضد” فهذه السياسة تجعل المناطق السورية في حالة احتراب خفي أو علني فمن ينادي بنظام سياسي ديموقراطي ودولة علمانية، ومن ثم يقول بمظلومية مناطقية أو عرقية أو فئوية.. يغالط نفسه، إذ ما إن يتحقق حلم السوريين بدولة ديمقراطية حديثة وعلمانية، سوف تحلُّ المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وستشمل العملية التنموية سوريا بكل مناطقها وفئاتها وبتكامل عادل، ومساواة بين الجميع..”

وفي تسجيل صوتي بثه الكاتب السياسي “بسام يوسف” تحدث فيه عن محاولات روسيا التخلص من حال الاستنقاع في سوريا، ولذلك تراها في سعيها للخلاص تلتقي بهذه الفئة أو تلك، وأشار إلى لقاء مسؤولين روس ببعض السوريين العلويين على أنهم يمثلون الطائفة، ورفض هذا التمثيل الانتقائي إذ لا يحق لأحد بمفرده أن يمثل الطائفة مؤكداً أن معالجة المسألة السورية لاتحل بهذه الأساليب، بل بالعودة إلى جذر المشكلة الكامنة في الاستبداد الذي ظلم الناس جميعاً على اختلاف أقوامهم وأديانهم وطوائفهم بمن فيهم الطائفة العلوية..!

وكتابات أخرى لا مجال لاستعراضها الآن، وبغض النظر عن مدى وضوح مفهوم الوطن، وتأثر المفهوم بتغول الاستبداد ما خلق ردود أفعال غير طبيعية..! كما أنه مكشوف للملأ وجود أيادٍ تحاول العبث بمصير سوريا والسوريين مستغلين وجع بعضهم أو سذاجتهم، ولعلَّ بعضهم الآخر يريد استمرار الوجع السوري، ولا يريد لسوريا ولا لسواها من دول المنطقة العربية أن تبنى على أسس جديدة وأن تكون نموذجاً ونواة لبناء آخر يشكل عامل نهوض في المنطقة، ويودع التخلف بأشكاله كافة ويكنس دولة الاستبداد وذيولها ويذهب إلى دولة المواطنة المؤسسة للحرية والعدالة والمساواة وفق دستور ديمقراطي يقره الشعب وترعاه سلطة قضائية مستقلة..!

تلفزيون سوريا

—————————————-

اجتماع الروس والعلويين في جنيف:مسعى ل”تطييف” المعارضة؟/ عقيل حسين

بحساسية شديدة تعامل وفد الشخصيات العلوية، الذي التقى بممثلين عن الحكومة الروسية في جنيف الاسبوع الماضي، مع نشر  محضر جلسة اللقاء، ما يشير ربما إلى حساسية الملف والتوقيت.

ومنذ منتصف حزيران/يونيو، أطلقت موسكو برنامجاً لحوار أولي مع ممثلين عن أطياف المعارضة السورية، بهدف تحقيق اختراقة حقيقية في الجدار الصلب بين المعارضة والنظام، مع الفشل الواضح لمسارات التفاوض الجارية بينهما رسمياً، والتي تعبر عن إرادات وتكتيكات اقليمية ودولية، أكثر مما تعبر عن إرادة السوريين ومواقفهم الفعلية، حسب الكثير من المعارضين.

ورغم عدم وجود اختلافات واضحة بين النسخة التي سرّبت للإعلام لفحوى الجلسة بين الروس والشخصيات العلوية، والتي عقدت في جنيف، في 15 حزيران، وبين النسخة التي نشرها المتحدث باسم المجموعة العلوية، ابراهيم عيسى، إلا أن الطرف الأخير كان واضحاً في عدم تسامحه مع أي اختلافات يمكن أن توظف بشكل خاطئ أو تثير حساسية أي طرف.

وعليه، لجأ ممثلو الشخصيات العلوية المعارضة التي حضرت اللقاء الذي استمر ساعتين، مع سكرتير البعثة الروسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف، إلى نشر نسختهم الخاصة والتي تضمنت أهم النقاط التي تم بحثها مع الجانب الروسي.

يستعرض محضر الاجتماع تاريخ سوريا الحديث وعملية تشكيلها كدولة غير مركزية، تحولت تحت حكم البعث، وخاصة مرحلة حافظ الأسد، إلى دولة محكومة من سلطة دكتاتورية استبدت بالسياسة والثروات والموارد، واستغلت فقر الطائفة العلوية وإهمال مناطق عيشها من أجل تجنيد شبابها في الجيش والأمن، واستقطاب عوائلها للعيش في أحزمة الفقر العشوائية حول دمشق من أجل حماية السلطة في أي مواجهة مع الشعب، وهو ما حصل مع الانتفاضة عام 2011 التي استجر مختلف أطرافها لنوع من التخندق الطائفي والقومي، حسب رأي الحضور.

المحضر أكد أن معالجة الواقع السوري يتطلب “توافق السوريين على عقد اجتماعي جديد، من خلال الحوار، على أن يُجسد ذلك في الدستور المستقبلي، وبشكل يلغي المظلوميات المفترضة من كل جانب، وفق مفهوم المواطنة دون أية محاصصة طائفية، مع قيام دولة لامركزية موحدة، ذات نظام ديموقراطي علماني يحقق إدارة جيدة للتنوع المناطقي والإثني والديني والتنمية المتوازنة بكل أنحاء الدولة”.

اللافت في اللقاء أن الشخصيات العلوية أكدت أن “المجتمع العلوي يفضل الوجود الروسي بمناطقه على الوجود الإيراني، بسبب نمط الحياة المتقارب مع الثقافة الروسية، على عكس الثقافة الإيرانية المنغلقة”، لكن هذه الشخصيات تحذر من “أن هذا الشعور بدأ بالإنحسار تدريجياً بسبب إحساس العلويين بأن التدخل الروسي جاء لمصلحة النظام أكثر من كونه لمصلحة السوريين والعلويين ضمناً، كون روسيا تأخذ موقفاً متحيزاً، فهي متحالفة مع النظام تماماً، ولذا فإن عدم قدرة النظام على الإصلاح، يهدد دور روسيا في سوريا، ويخاطر بوضعها العسكري في المستقبل”، ويضيف المحضر نقلاً عن الحضور العلوي أن التصريحات الروسية التي تشير إلى أنها لن تدعم رئيساً سنياً هي مثال على الخطاب غير المتوازن.

بالمقابل، فإن أهم النقاط التي أثارها ممثل الجانب الروسي في اللقاء، سيرغي ميتوشين، كان التأكيد على رواية موسكو الدائمة والتي تقول إن التدخل الروسي في سوريا جاء من أجل الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة، وأن موسكو تدرك مدى انخفاض قبول هذه المؤسسات شعبياً بسبب الفساد، ولذا فهي تعمل على مختلف مسارات الحوار بين المعارضة والنظام من أجل تجاوز الحالة المستعصية حالياً.

وحسب المحضر المنشور، فإن المندوب الروسي شدد على ضرورة “تمكين دولة قوية في سوريا، قادرة على إرساء سيادتها ضمن حدود القواعد والقانون الدولي، في مواجهة الفظاعة ومحاولات الغرب إملاء أجندته الخاصة على السوريين” وأن “روسيا تدعم المحادثات الدبلوماسية وعمل اللجنة الدستورية، كذلك ينظر الاتحاد الروسي إلى المحادثات في جنيف كمنبر للسوريين من أجل مناقشة المسائل الصعبة خارج الدستور، وإقرار الاعتراف المتبادل”.

لكن مرة أخرى، تلقي موسكو باللائمة على الغرب في تعطيل كل ما سبق، حين يؤكد مندوبها في اللقاء أن “القوى الغربية التي دعمت المسار الدستوري الذي كانت روسيا صامدة وراءه، وأكدت التزاماتها تجاه تدابير بناء الثقة، قامت بفرض عقوبات من جانب واحد على سوريا، أو رفضت المشاركة في بعض خطوات تخفيف العقوبات”.

بشكل عام كانت ردود فعل المعارضة ايجابية تجاه هذا اللقاء، مع تحفظات متوقعة حول الأساس الطائفي الذي جرى بناؤه عليه، بينما لم يستبعد البعض أن يكون هدف موسكو إعادة أحياء ما يعرف باسم “المجلس العلوي”.

ويعتقد الكثيرون أن هذا المجلس الذي كان جزءاً من اتفاقيات تشكيل الدولة السورية خلال فترة الانتداب الفرنسي، قد تم تقويضه على يد حافظ الأسد، والذي قام بتعيين بدلاً منه ضباط علويين عن كل عشيرة، لكن المعارض ورجل الاعمال فراس طلاس يؤكد ل”المدن”، أن “هذا المجلس لم يكن موجوداً عند تسلم الأسد الأب السلطة، بل انتهى بخروج فرنسا من سوريا منتصف القرن الماضي”.

ولم يبدو طلاس متحمساً لنتائج مهمة يمكن أن تثمر عن هذا اللقاء، على الرغم من “أن الشخصيات العلوية التي حضرته هي شخصيات محترمة ووطنية، لكن الفاعلية على الأرض وفي المجتمع العلوي اليوم هي بيد العسكر”.

ومع ذلك فإن راتب شعبو، وهو معارض للنظام من الوسط العلوي، يرى في حديث مع “المدن”، أن “لقاء الروس مع السوريين بوصفهم أبناء اقليات أو أكثريات مذهبية أمر يتعارض مع فكرة الوطنية””.

وأضاف “لا يوجد مجموعة مذهبية في سوريا لها ممثلين يتكلمون باسمها، حتى لو كان هناك افتراض أن الحديث عن جماعات مذهبية ككتل سياسية مبرر، إلا أنه غير مبرر من وجهة نظري، فنحن في سوريا اليوم بحاجة لمن يعلي الفكرة الوطنية لا لمن يهمشها وينخرها”.

حساسية مركبة يثيرها اللقاء مع الجانب الروسي بالنسبة لشخصيات علوية معارضة، ترى أنها ستثير حفيظة الوسط العلوي من جهة، وبقية المكونات، وفي مقدمتهم السنّة، من جهة أخرى، لذا فإنها كانت حريصة جداً على نشر المحضر الكامل للاجتماع الذي لا يستطيع أحد في النهاية تقدير حقيقة الهدف الروسي من عقده.

—————————–

اختبارات الأسد/ سميرة المسالمة

تروّج روسيا، في لقاءاتها فعالياتٍ سوريةً محسوبة على المعارضة، فكرة أنها تنتصر لسورية الدولة وليس لسورية الأسد، وهو ما يفتح لها بعض أبواب المعارضة على مصراعيها تحت الفكرة نفسها أن “الشمس تشرق من موسكو”. وفي المقابل، يمكن أن يُفهم من ذلك أنه إعادة فرز للمعارضة وتصنيفها، قد يزيد من خلط الأوراق، ويوسّع دائرة الخلافات بين أطياف المعارضة، ويُحرج الجهة المعنية بالتفاوض في جنيف تحت مسمّى هيئة التفاوض (مقرّها الرياض)، فلا تعود الجهة الوحيدة على طاولة المفاوضات، خصوصاً في ظل النزاعات الداخلية فيها، بعد انتخاباتها أخيراً على منصب الرئاسة، وحول تبعياتها الدولية والإقليمية وانقساماتها.

عملت موسكو على تعطيل كل القرارات الدولية الملزمة للنظام السوري على وقف القتال والبدء بالمفاوضات، من خلال استخدامها أكثر من 17 مرة حق النقض في مجلس الأمن، وبرّرت كل أعمال النظام لعرقلة مفاوضات الجولات التسع في جنيف من عام 2013 حتى 2019، ثم منحته شهادة البراءة من تعطيل اللجنة الدستورية وحرفها عن غاية تشكيلها التي أعلن عنها في 23 أيلول/ سبتمبر 2019. وهي تعود اليوم، من خلال هذه الحوارات النوعية، إلى نقطة البداية التي كان يجب أن تنطلق منها منذ بداية تدخلها المعلن في سورية قبل نحو خمس سنوات، باعتبارها من الدول الكبرى المعنية بإحلال الأمن والسلام الدوليين من جهة، وبحكم طول يدها داخل سورية قبل الثورة وبعدها، على أنها الضامن لوقف إطلاق النار بين الجانبين السوري والإسرائيلي من جهة ثانية، ما مكّنها من التدخل المباشر والعسكري في سورية، وأطلق يدها في التصرّف في الملف السوري، والتفاوض عليه مقابل ملفاتها الدولية العالقة.

ولكن التعاطي مع هذه اللقاءات، على أهمية الرسالة التي توجهها موسكو إلى أطراف عديدة في

“استخدمت روسيا حق النقض

17 مرة في مجلس الأمن، وبرّرت كل أعمال النظام لعرقلة مفاوضات الجولات التسع في جنيف من عام 2013 حتى 2019″

آن، النظام والمعارضة (هيئة التفاوض) والمجتمع الدولي، والأهم إلى السوريين في الداخل، فإنه في الضرورة لا يعني التخلي الكامل عن النظام الحالي، على الرغم من أن بين ثنايا اللقاءات ما يؤكّد إعادة محاولات روسيا تمرير مشروعها السابق في إقرار دستور سوري جديد، يغير شكل سورية الحالي، بنية ونظاماً، بما يتقاطع، في عمومياته، مع الرغبة الأميركية والغربية التي تم ترويجها سابقاً من خلال ما سميت “اللاورقة”، في اعتماد نظام لامركزي يسمح للمناطق بتنمية محلية ومتوازنة، ويحقق نوعاً من الاستقلالية الإدارية.

ربما تكون هذه الحوارات المتأخرة درساً أو ردّاً على بعض الرسائل “الغبية” التي مرّرها النظام عبر أزلامه، فهي تعني أنه لم يعد اللاعب الوحيد في ملعبها، وأن خيارات الحل لم تعد محصورةً بإعادة تأهيله دولياً ومحلياً، وأن سورية الجديدة لن تصيغها مراسيم تغيير الوزراء والمحافظين وبعض القرارات الترقيعية التي يهلل لها النظام السوري، حيث تضع روسيا أمام ناظريها ما يعنيه قانون قيصر الأميركي، وحجم الإرباكات التي قد تصل حتى الاقتصاد الروسي، ما يُلزمها بتسريع متطلبات إبطاله، والتي هي ليست إلا ترجمةً تنفيذيةً لإجراءات الثقة بقرار مجلس الأمن 2254 من فك الحصار على المدن والمناطق السورية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإنهاء القصف على المدن، وتأمين عودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، وحماية المنشآت الصحية والخدمية، والالتزام باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. ومجمل هذه الشروط يعني ضرورة التزام رئيس النظام، بشار الأسد، بالعملية السياسية وفق القرار الدولي الذي لم يأخذ صفة الإلزام في التطبيق بسبب الحماية الروسية للنظام السوري.

من جهة ثانية، تعتقد روسيا أن من شأن هيمنة تركيا على وفد المعارضة أن يربك خططها في عملية التفاوض مع تركيا، ويرجّح كفة المطالب التركية في الإبقاء على هيمنتها في إدلب والشمال السوري، لذلك فإن تعدّد منصّات المعارضة الخارجة عن هيمنة القرار التركي، ومحاورتها حول الحل السياسي بهذه الجدّية، يهدد مصالح تركيا وما يتبعها من منصات معارضة. ولهذا فإن الحديث عن تجمعات سورية برعاية روسية على نمط “سوتشي 2018” ربما يتم التحضير له بإشراك أطياف معارضة أكثر قبولاً من المشاركين في الحوار السوري السابق في سوتشي.

وفي المقابل، فإن التفويض الأميركي لروسيا بالملف السوري يمنحها مساحة الحركة لإعادة صياغة توافقاتٍ دولية حول الحل السياسي في سورية، بما يضمن لها علاقات أفضل غربياً، وتمكّن أكبر في ملف الإعمار الذي تسعى إلى أن يكون قيد التنفيذ مع النصف الثاني من عام 2021. ولهذا، يعود الحديث عن دولة لا مركزية برلمانية إلى الواجهة، وهو مقترح أوروبي يقارب ما بين متطلبات الكرد السوريين من جهة، ويرعى مصالح تركيا ويخفف من وطأة مخاوفها بإبقاء مناطق سيطرتها تحت حكم مناطقي الغالبية فيه لمريديها من جهة مقابلة، ما يجعلها تبتعد عن التنسيق مع الجانب الإيراني، لضمان وحدة الصف الروسي التركي، لتنفيذ

المطلب الأميركي، إخراج إيران من سورية.

ويمنح الانقلاب الروسي في خطة العمل الحالية (تحول من اعتماد القوة العسكرية إلى اللجوء إلى المفاوضات) المعارضة المحسوبة على “التسويات” (درعا مثلاً) فرصاً بالتساوي في إدارة مناطق سيطرتها، وتشكيل قوتها العسكرية الموازية لقوة النظام في شقّها الإيراني. وفي طبيعة الحال، للأسد من ذلك كله، تحت الغطاء المذهبي، نصيبه، بما لا يبقيه خارج معادلة الحل، على الرغم من أن اللقاء الذي جرى في جنيف مع شخصيات من الطائفة العلوية هو تلويح بالعصا للأسد بأنه قد لا يكون هو الخيار الأخير.

تمثل اللقاءات الروسية مع مكونات مختلفة من المعارضة السورية نوعاً من اختبارات قوة التحمّل للأسد، وهي تمرين عملي على معنى تغيير سلوك النظام الذي طالبت به الإدارة الأميركية، فإن نجح في تجاوزه منحته فرصة المشاركة في مستقبل سورية، وإن استمر في اجترار حلوله المكرّرة، فإن تفاصيل الفساد الذي ارتكبه ونظامه ستكون إحدى أهم أدوات انتزاع مؤيديه منه، وهي الرسالة التي أرادها الرئيس الروسي، بوتين، عبر إعلامه أن تكون موجّهة إلى سوريي الداخل من المؤيدين الأكثر تضرّراً من سياسة “الأسد أو نحرق البلد”.

العربي الجديد

————————————-

حفيد “صالح العلي” ينشر محضر اجتماع بين “علويين مؤثرين” ومسؤولين روس

نشر المحامي عيسى إبراهيم، حفيد “صالح العلي”، اليوم الجمعة، محضر اجتماعٍ، جمعهُ و”علويين مؤثرين” في الخارج، مع السكرتير الأول للبعثة  الروسية إلى الأمم المتحدة في جنيف، وقال إنه اضطر للنشر رغم أن الاجتماع كان من المفروض أن لا يخرج للتداول في العلن.

جاء ذلك بعد ساعاتٍ من نشر صحيفة “الشرق الأوسط”، لمحضر الاجتماعٍ الذي عُقِدَ في جنيف، يوم 15يونيو/حزيران الماضي، وقال إن “محضر الاجتماع” أعدهُ “معارضون” التقوا البعثة الروسية، باعتبارهم “مؤثرون من العلويين في الشتات”.

وقال عيسى إبراهيم،  في مقالةٍ نشرها على “موقع أسرة الشيخ صالح العلي“، إن “الجهة المُيسرة” للاجتماع، كانت قد طلبت عدم تداول محضر الاجتماع “إلى أننا فوجئنا بتسريب من قبل الجهة المُيسرة عينها لنسخة غير صحيحة”.

لكن وحسب ذات المصدر “بعد إنتشار النسخة غير الصحيحة بشكل كبير جداً، ووصول عشرات الاستفسارات اليومية لي ولأعضاء الفريق فقد إرتأينا القيام بهذا التوضيح مرفقاً بالنسخة الرسمية لأهم النقاط التي تم بحثها من قبلنا مع الجانب الروسي”.

وتحمل النسخة التي قال المحامي عيسى إبراهيم أنها “الرسمية الأصلية المعتمدة”، عنواناً هو “تسهيل التفاعل بين الإتحاد الروسي، والمؤثرين من العلويين في الشتات”.

وهذا النص الذي نشره إبراهيم لمحضر الاجتماع حرفياً:

نص النسخة الرسمية الأصلية المُعتمدة  بين أطرافه:

 ( تسهيل التفاعل بين الاتحاد الروسي والمؤثرين من العلويين في الشتات، 15 يونيو 2020)

المشاركون

– السادة من الطرف السوري ( الشخصيات العلوية ) …………..

– السيد سيرجي ميتوشين: السكرتير الأول للبعثة  الروسية الدبلوماسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف.

– السيد عزت البغدادي: HD ، ميسّر الجلسة

– السيد جلال مسدي: HD ، مترجم

ملخص النقاط التي أثيرت خلال التبادل:

    حديث السادة المشاركين من الطرف السوري ( العلويين) :

– سوريا الآن على مفترق طرق تاريخي، حيث مزقت الحرب نسيج المجتمع بأكمله، ولا يبدو أن السلطة الحالية مهتمة بمصير شعب البلاد بعد الآن.

– نشأت سوريا الحالية المعروفة بحدودها عبر اتفاق بين الأقاليم السورية المكونة في حينه والتي كانت دولاً مستقلة في ظل الإنتداب للبدء بدولة مركزية عاصمتها دمشق. وبالتالي قوة المركز في هذه الجمهورية يتأتى من خلال هذه التوافقات ،حيث تفاوضت النخب السورية حينها ممثلة بالأباء المؤسسين على الاستقلال عن فرنسا ، والانطلاق من ميثاق وطني غير معلن يعكس الهياكل الاجتماعية الثقافية المتنوعة، وقد مكن ذلك الهوية الوطنية والشعور بالوطنية في الجمهورية الجديدة نسبياً.

– مرت هذه التجربة بمطبات كثيرة إلى أن استقرت إدارة الدولة عند استلام الأسد في السبعينيات مع حزب البعث الحاكم والنخبة الضيقة التي كانت مسيطرة على الدولة، ومع الوقت أساءت هذه السلطة استخدام الميثاق الوطني غير المعلن وأنشأت منظومة ذاتية فرضت قبضتها على جميع السلطات وأهملت المجتمع والمناطق المختلفة وخاصة الأطراف.

– ومع الوقت وبسبب الإدارة السيئة في الدولة المركزية وفي المناطق واحتكار النخبة الحاكمة لجميع موارد الدولة واستخدام المؤسسات للبقاء في اللسلطة. وصل الأمر إلى حرمان جميع الفئات من الحق في الوصول المشروع إلى السلطة والثروة اللتان بقيتا مع الوقت بيد هذه النخبة.

– بعد بدء الانتفاضة الشعبية استخدم طرفا الصراع العصبيات المجتمعية والسرديات الطائفية، من أجل تحقيق المكاسب السياسية .

– إن نسبة العلويين في الجيش والأمن أعلى من نسبتهم في المجتمع السوري ومرد ذلك لسببين أساسيين 1) ضعف الموارد في مناطقهم المحلية 2) نقص فرص العمل . وهو أمر استغل في عسكرة أكبر قدر ممكن من أبناء الطائفة وحرمان الطائفة من الفضاء الاقتصادي والسياسي لتصبح بالمآل والسياق في خدمة بقاء هذه النخبة في الحكم ،وقد اختزل العسكر العلوي بشبكة محسوبية من بضع ضباط تحوط شخص الرئيس.

– المناطق العلوية لديها مستوى تعليمي جيد ،وبنفس الوقت تعاني فقراًشديداً. سواء في المنطقة الساحلية أو الأماكن التي يسكنوها في حمص وحماة ، ونحن نعتقد أن هذا الحرمان متعمد في المناطق العلوية ، كسياسة هادفة إلى اجبار أفراد من العلويين للهجرة إلى العاصمة وسكنوا عشوائيات الأحياء الفقيرة ليكونوا حرساً يحمي النخبة الحاكمة.

– لدى العلويين شعور كبير بالغبن والمظلومية، جراء هذه الإدارة الحالية للمجتمع السوري، كما لدى الفئات والمجموعات الثقافية الأخرى في سوريا سواء كان ذلك ناتج عن الفترة السابقة من التاريخ السوري أو في ظل العقد الأخير (فترة الصراع).

1) يحتاج السوريون بمختلف تنوعاتهم إلى التوافق على عقد اجتماعي جديد، من خلال الحوار على أن يجسد ذلك في الدستور الجديد،وبشكل يلغي المظلوميات المفترضة ،من كل جانب وفق مفهوم المواطنة دون أية محاصة طائفية.

2) نعتقد و لأجل وجود مركز فاعل لا بد من تفاهم بين الأطراف والجماعات السورية، يؤدي بالضرورة إلى إحداث ثقل نسبي في المركز . وبشكل لا يحدث طغياناً بين الجماعات السورية، بعضها على بعضها الآخر ،وبحيث يكون الفضاء العام مفتوحاً لكل السوريين، للعمل في كل المجالات دون تخصيص وبحسب الكفاءة والمهنية.

3) نرغب  بدولة لامركزية موحدة ذات نظام ديمقراطي علماني يحقق إدارة جيدة للتنوع المناطقي و الإثني والديني والتنمية المتوازنة بكل أنحاء الدولة.

4) يمكن أن تكون تجارب النظم العالمية الأخرى ، وتحديداً تجربة الاتحاد الروسي في السياسة المركزية / المحلية ، مفيدة للغاية لتمكين السوريين من الوصول إلى نموذج حكم مقبول داخلياً وعالميًا.

5) فضل المجتمع العلوي الوجود الروسي بمناطقه على الوجود الإيراني ، لاعتبارات ثقافية متعلقة بالقدرة على التناغم والتفاعل مع هذا الوجود بعكس الوجود الإيراني ، بسبب نمط الحياة المتقارب مع الثقافة الروسية على عكس الثقافة الإيرانية المنغلقة . علماً أن هذا الشعور بدأ بالإنحسار تدريجياً بسبب شعور العلويين بأن التدخل الروسي جاء لمصلحة النظام أكثر من كونه لمصلحة السوريين و العلويين ضمناً .

6) نعتقد أن الحوار والتوافق هو الآلية الوحيدة المقبولة للتوصل إلى عقد اجتماعي جديد ، إلا أننا ندرك أن السياق الدولي للنزاع السوري ، يستدعي أيضاً تشاركاً في الحل على المستوى العام بين كل الدول الفاعلة خاصة روسيا وأميركا ودول الجوار.

7) نحن نعتقد أن روسيا تتخذ موقفاً متحيزاً ، متحالفة مع النظام بدون شروط. إن عدم قدرة النظام على الإصلاح أو الالتزام بسيادة القانون (القانون الوطني والمواثيق الدولية) يهدد دور روسيا في سوريا ، ويخاطر بوضعها العسكري في المستقبل. إن التصريحات الروسية التي تشير إلى أنها لن تدعم رئيساً سنياً هي مثال على الخطاب غير المتوازن ، والذي يسم هذه المجموعة المجتمعية المظلومة ، بالـتأييد الأعمى لنظام غير شرعي بالاصل . نرى فرصة كبيرة لروسيا لتتولى دور وسيط ، والحفاظ على مسافة متساوية من جميع المجموعات والجهات الفاعلة السورية.

8) لن يقبل المجتمع العلوي تحت أي ظرف من الظروف أن يأخذه النظام كرهينة ، أو أن يوصف النظام بأنه نظام الطائفة حيث هو نظام طغمة متنوعة و إن الطبيعة غير الطائفية للنظام، لا تجعله حميداً أو علمانياً. يجب ألا يُسمح للنظام بالمشاركة في المحادثات الوطنية أو الحوار كممثل للعلويين ، ونرفض ربط مستقبل الطائفة العلوية بمصير النظام.

9) العلويون يرون أنفسهم سوريين أولاً ويفخرون بثقافتهم الفرعية وإيمانهم المحب.

    النقاط التي أثارها السيد سيرجي

– أعرب عن امتنانه الكبير لوجهات النظر المدروسة ، وشدد على أن الدور الروسي في سوريا قد ركز دائمًا على تمكين دولة قوية قادرة على إرساء سيادتها ضمن حدود القواعد والقانون الدولي ، في مواجهة الفظاعة ومحاولات الغرب لإملاء أجندته الخاصة على السوريين.

– لا تزال روسيا تدعم المحادثات الدبلوماسية التي تجري في المسار 1 وعمل اللجنة الدستورية ، ليس فقط لأن الإصلاحات الدستورية يمكن أن تكون ذات أهمية كبيرة لاستقرار سوريا في المستقبل ، كذلك ينظر الاتحاد الروسي إلى المحادثات في جنيف كمنبر للسوريين لمناقشة المسائل الصعبة خارج الدستور ، وإقرار الاعتراف المتبادل. لسوء الحظ ، القوى الغربية التي دعمت المسار الدستوري الذي كانت روسيا صامدة وراءه ، والتي أكدت التزاماتها تجاه تدابير بناء الثقة قامت بفرض عقوبات من جانب واحد على سوريا (أو رفضت المشاركة في بعض خطوات تخفيف العقوبات).

– سيتم استدعاء اللجنة الدستورية مرة أخرى إلى جلسة على أمل أن تكون في آب كما هو مخطط لها ، والتي سيتم الإعلان عنها خلال إحاطة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة.

– تعتقد روسيا أن مواقف الصراع الصعبة تتطلب دولة قوية يمكنها الحفاظ على الوحدة والهوية الوطنية في أوقات الشدة. ولهذه الغاية ، تتركز جهود روسيا في سوريا على الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها ، مع الاعتراف بأن مستوى قبولها ينخفض ​​بسبب عدم الكفاءة والفساد ، ولكن أيضًا نتيجة للعقوبات العشوائية التي تفرضها القوى الغربية. روسيا ليست مشاركة في سوريا لدعم الأفراد أو للعمل كقوة احتلال ، وستكون دائمًا مستعدة لتمكين السوريين من الانخراط في محادثات سياسية لمناقشة مستقبلهم.

– كما تقدم روسيا المساعدة لسوريا من خلال الوسائل الاقتصادية ، مثل الاستثمارات في الخدمات اللوجستية ، أو من خلال محادثات جديدة حول تطوير السياحة.

– تدرك روسيا الحاجة إلى تجديد “العقد الاجتماعي” في سوريا ، وهذا الاعتراف هو الذي دفع روسيا إلى رعاية مؤتمر سوتشي في 2018. على الرغم من أن التمثيل في سوتشي كان يميل نحو النظام ، وكان أبعد ما يكون عن المثالية لكنها ما زالت تقوم بمحاولة تجريبية لتمكين السوريين من الحوار ومناقشة مستقبلهم وخلافاتهم. أدى الوقت المحدود والصيغة الصعبة والتمثيل غير المتوازن إلى تقويض نجاح سوتشي ، ولكن حتى شخصيات المعارضة ذات السمعة الحسنة أكدت أن بعض المناقشات التي جرت خلال المؤتمر كانت مهمة بشكل فريد ، واكتشف المشاركون أن القضايا المشتركة التي يمكن أن تجمعهم أكبر من تلك التي يمكن أن تفرقهم.

– وأعرب السيد سيرجي عن اهتمامه بالمنظور الذي قدمه المتحدثون ، والذي يدعي أن النظام غير طائفي في طبيعته الحقيقية ، على الرغم من حقيقة أن النخبة العسكرية والاستخباراتية تنتمي في الغالب إلى العلوية.

– واختتم ملاحظاته بسؤال حول كيف يرى المشاركون الطريق للمضي إلى الأمام في هذا الحوار؟ ، وأعربوا عن اهتمامهم بفكرة مؤتمر الوحدة الوطني ، حيث يتم تمثيل جميع المجموعات السورية ، حيث يتم البحث عن إطار وطني ملزم لما بعد الصراع من أجل التوصل إلى التصالح.

اختتم الاجتماع بعد ساعة و 45 دقيقة ، ووافق المشاركون على انتهاز فرص أخرى في المستقبل لمواصلة التبادل ، إما من خلال منصات افتراضية أو شخصياً.

——————————-

لقاء الخطيب بوغدانوف:تفاوض على الأسد؟/ مصطفى محمد

يمكن وضع اللقاء الذي جمع الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب، بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الثلاثاء في الدوحة، في خانة الجهود الهادفة إلى كسر الجمود في الملف السياسي، رغم استمرار تمسك الروس برئيس النظام بشار الأسد، الذي يشكل العقبة الأساسية أمام الحلّ في سوريا.

وإلى جانب النقاش المحتدم الذي أثاره اللقاء بين الأوساط السورية، وتحديداً المعارضة منها، حول تفاصيله، فقد أعطى مؤشرات مختلفة نسبيا لجهة الموضوعات الاساسية التي تناولها.

حركة “سورية الأم” التي يترأسها الخطيب، قالت إن “اللقاء استعرض مسيرة الحل السياسي وفق آليات القرار الأممي 2254″، وهو ما تطابق مع إعلان الخارجية الروسية، التي قالت أيضاً إن الهدف من الاجتماع كان تبادل وجهات النظر حول سوريا، مع التركيز على آفاق التسوية السياسية وفقا لقرارات مجلس الأمن.

وشكلت الأنباء المتناقلة عن عرض روسي، يتمثل في رئاسة الخطيب لحكومة وحدة وطنية واسعة الصلاحيات، مع بقاء بشار الأسد في الرئاسة وحق ترشيح نفسه للرئاسة لمرة واحدة فقط، مادة دسمة للنقاش.

وبحسب الأنباء ذاتها، فإن الخطيب لم يوافق على العرض بصيغته الروسية، وقدم ملاحظات وطلبات لتدرس من الجانب الروسي.

وكشف مصدر مقرب من الخطيب عن  تركيز اللقاء على جانبين رئيسيين، الأول شكل المرحلة الانتقالية التي ينص عليها القرار الأممي 2254، والثاني تحديد شكل الدولة القادمة (مركزية أم فيدرالية). وأضاف “هذا هو الطرح الدولي والإقليمي للملف السوري، فالنقاشات التي تتم بين الدول الفاعلة الدولية والإقليمية حول سوريا تتمحور حول ذلك”.

وقال المصدر المتواجد بالدوحة ل”المدن”، إن “اللقاء كان فعلاً عبارة عن تبادل وجهات النظر، والطروحات المختلفة”. وأضاف “المرجح أن يخرج الخطيب قريباً لتوضيح ما تم بحثه مع المسؤول الروسي”.

وحول المتداول من الأنباء عن حكومة وحدة وطنية برئاسة الخطيب، نفى المصدر ذلك، وقال إن “الخطيب ليس مخولاً بالتفاوض مع الروس أساساً، واللقاء كان نقاشاً بهدف تحريك المسار السياسي لإنهاء المأساة السورية، وإقناع الروس بضرورة العمل الجاد على ذلك، وهو الأمر الذي لن يتحقق ببقاء الأسد على رأس السلطة”.

مراقبون اعتبروا أن اللقاء يؤكد أن الموقف الروسي تجاه بقاء الأسد بات أكثر ليونة، وخصوصا بعد دخول  عقوبات “قيصر” حيز التطبيق، العقوبات التي تهدد المصالح الروسية في سوريا.

لكن المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف قال ل”المدن”، إن “المسؤولين الروس التقوا لأكثر من مرة بالمعارضة السورية، وهذه اللقاءات تجري من حين لآخر، واستقبلت موسكو لأكثر من مرة وفوداً من المعارضة السورية”.

وأضاف أن الرؤية الروسية للحل في سوريا، تتمسك بالقرار الأممي 2254، الذي يرسم خريطة طريق الحل السوري. وتابع: “اليوم هناك حاجة لاستئناف عمل اللجنة الدستورية، وصياغة دستور جديد”، مضيفاً “لكن لا مجال للحديث عن أي تغيير في الموقف الروسي تجاه القيادة السورية”.

وأضاف أونتيكوف، أن “روسيا تؤكد مراراً أن سوريا هي حليف استراتيجي، واللقاء الأخير مع الخطيب، ليس الأول من نوعه”.

وكان الخطيب زار موسكو في العام 2014 واجتمع ببوغدانوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وكتب مقالة شهيرة في ما بعد بعنوان “هل تشرق الشمس من موسكو؟”، تحدث فيها حينها عن نتائج الزيارة.

——————————–

ماذا عن لقاء المبعوثين الروس مع مجموعات وطنيّة سورية؟/ صلاح بدرالدين

ضاعف المبعوثون والمندوبون الروس المكلفون بالملف السوري، في الأسابيع الأخيرة، من وتيرة تحركاتهم واتصالاتهم مع بعض الأفراد والجماعات السورية بالخارج، وفي الحقيقة لم تتوقّف نشاطاتهم بهذا الخصوص منذ عام ٢٠١٥، عندما احتلّوا مناطق شاسعة وأقاموا قواعد بحرية وجوية وعسكرية في المناطق الخاضعة لنفوذ النظام، وخصوصاً بالساحل، وانطلقوا منها لقتل السوريين بكل أنواع السلاح المتوفر لدى الطغمة الحاكمة بموسكو.

روسيا الطامعة بترسيخ وجودها العسكري ونفوذها السياسي، بالبحر المتوسط والشرق الأوسط، وجدت في سوريا ممراً آمنا لها، مستغلّة أزمتها الراهنة بعد نشوب الانتفاضة الثورية ضد نظام دكتاتوري مستبد، ووقفت بحسب طبيعة نظامها الفردي المافيوي بالضدّ من أماني ومطامح السوريين، ووضعت كل إمكانياتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والتسليحية في خدمة أهدافها الشريرة، إلى جانب المحاولات العدائيّة في تفتيت المعارضة السورية وتقسيم صفوفها، باستدعاء البعض إلى موسكو بذريعة إجراء مباحثات أو إقامة منصّات شلليّة، مثل (منصّات موسكو والقاهرة وحميميم).

كل الجهود التي تبذلها الطغمة الحاكمة بموسكو، وهي عبارة عن تحالف “بقايا ال (ك ج ب) ومديري الصناعات الحربية والمافيات العابرة للقوميات” تخدم مصالحها، وبالدرجة الأولى المنافسة _الانتقامية_ مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، والاعتماد على أنظمة على شاكلتها لتثبيت نفوذها في سوريا وماحولها. فروسيا لم تحضر من أجل مصالح السوريين، بل للحيلولة دون انتصار ثورتهم، وهذا أمر واضح ومثبت بقرائن ووثائق.

وبفضل صمود الشعب السوري وعدم استسلامه للاستبداد وضغوطات الرأي العام العالمي، رغم ضعفها، وبسبب صدور قانون قيصر من الكونغرس الأمريكي، الذي اعتمد على جهود ذلك الجندي السوري المجهول الخارقة في الكشف عن آلاف الصور لضحايا القتل والتعذيب، فقد دب الذعر بالوسط الحاكم وحصل الخلاف بين العائلة الحاكمة حول المال المنهوب المسروق من الشعب السوري، نعم، بفضل كل ذلك، ازداد قلق الروس، حماة النظام، ودفعهم الى البحث عن مخرج لتغيير بعض الوجوه، سبيلاً إلى إعادة تعزيز وترسيخ مؤسسات النظام، حتى لايسقط بفعل الضغط الشعبي الذي من شأنه تقديم البديل الديموقراطي، وإعادة بناء سوريا تعددية تشاركية جديدة موحدة قوية، لامكان فيها للمحتلين وأعوانهم .

في هذه اللحظات الدقيقة من تاريخ بلادنا، بدأت الخيوط تتقاطع والنوايا تنكشف ويتم الفرز بين الصديق والعدو، ولأول مرة منذ تسعة أعوام بدأت الجماعات الوطنية تتفاعل مع بعضها بالمناقشات ودراسة البرامج والمشاريع، للحيلولة دون إضاعة الفرصة السانحة الآن من أجل إعادة بناء الحركة الوطنية السورية من كل المكونات والأطياف والتوافق على برنامج سياسي نضالي وقيادة منسجمة نزيهة مستقلة لمواجهة كل التحديات .

المحاولات الروسيّة متواصلة لاختراق الصف الوطني

لا أنظر بعين الاطمئنان إلى كل الاتصالات الروسية، منذ الاحتلال، وحتّى الآن، مع السوريين، ولكننا نتفهم تنوع قواعد العمل السياسي وإمكانية التواصل، حتى مع العدو، لتحقيق أهداف واضحة معينة تكون مقبولة من الغالبية الشعبية، وفي وضعنا الوطني الراهن نفتقر إلى مرجعية مركزية، منتخبة ديموقراطياً، للتحدّث باسم سوريي المعارضة للاستبداد.

لقاءات روسية جديدة مع معارضين سوريين

قبل أيام، علمنا من وسائل الإعلام عن لقاء في العاصمة القطرية بين ممثل بوتين بالشرق الأوسط والشيخ معاذ الخطيب، وماتوفر، فقد تم مناقشة الوضع بسوريا وضرورة تحقيق السلم وحل الأزمة الإنسانية، ولم يوضّح الخطيب أكثر من ذلك، مع أنّ المعلقين والمتابعين ذهبوا بعيداً في بعض المسارات، ولم يؤكد الجانب الروسي أيّاً من تلك التوقعات.

اعقب ذلك، لقاء بين دبلوماسيين روس مع شخصيات وطنية من المكون العلوي تحت عنوان (تسهيل التفاعل بين الاتحاد الروسي والمؤثرين من العلويين في الشتات)، 15 يونيو 2020

وقد أعلن رئيس الوفد، الأستاذ عيسى إبراهيم، وهو نجل الشخصية الوطنية المعروفة وأحد رواد الاستقلال، إبراهيم العلي، بأنّ الجانب الروسي خرق الاتفاق حول الإعلان عن اللقاء، كما لم يكن دقيقاً في سرد ماجرى، وهذا يؤكد مرة أخرى على سوء نية المحتلّ الروسي.

وقد جاء في توضيح رئيس الوفد، وأنقله بإيجاز شديد: “نشأت سوريا الحاليّة، المعروفة بحدودها، عبر اتفاق بين الأقاليم السورية، المكونة في حينه، والتي كانت دولاً مستقلة، في ظلّ الانتداب، للبدء بدولة مركزية عاصمتها دمشق. وبالتالي قوة المركز في هذه الجمهورية يتأتّى من خلال هذه التوافقات، حيث تفاوضت النخب السورية، حينها، ممثلة بالآباء المؤسسين، على الاستقلال عن فرنسا، والانطلاق من ميثاق وطني، غير معلن، يعكس الهياكل الاجتماعية الثقافية المتنوعة، وقد مكّن ذلك الهوية الوطنية والشعور بالوطنية في الجمهورية الجديدة نسبياً، ومع الوقت أساءت هذه السلطة استخدام الميثاق الوطني، غير المعلن، وأنشأت منظومة ذاتية فرضت قبضتها على جميع السلطات، وأهملت المجتمع والمناطق المختلفة وخاصة الأطراف.. بعد بدء الانتفاضة الشعبية استخدم طرفا الصراع العصبيات المجتمعية والسرديات الطائفية، من أجل تحقيق المكاسب السياسية”.

“إنّ نسبة العلويين في الجيش والأمن أعلى من نسبتهم في المجتمع السوري، ومردّ ذلك لسببين أساسيين: الأول، ضعف الموارد في مناطقهم المحلية، والثاني، نقص فرص العمل. وهو أمر استُغِلّ في عسكرة أكبر قدر ممكن من أبناء الطائفة، وحرمان الطائفة من الفضاء الاقتصادي والسياسي، لتصبح بالمآل والسياق في خدمة بقاء هذه النخبة في الحكم. يحتاج السوريون، بمختلف تنوعاتهم، إلى التوافق على عقد اجتماعي جديد، من خلال الحوار على أن يجسّد ذلك في الدستور الجديد، وبشكل يلغي المظلوميات المفترضة، من كل جانب، وفق مفهوم المواطنة، دون أيّة محاصصة طائفية.. نرغب بدولة لامركزية موحدة ذات نظام ديمقراطي علماني، يحقق إدارة جيدة للتنوع المناطقي والإثني والديني والتنمية المتوازنة بكل أنحاء الدولة.. نحن نعتقد أنّ روسيا تتخذ موقفاً متحيّزاً، متحالفة مع النظام بدون شروط.. لن يقبل المجتمع العلوي تحت أي ظرف من الظروف أن يأخذه النظام كرهينة، أو أن يوصف النظام بأنّه نظام الطائفة، حيث هو نظام طغمة متنوعة، وإنّ الطبيعة غير الطائفية للنظام، لا تجعله حميداً أو علمانياً. يجب ألا يُسمح للنظام بالمشاركة في المحادثات الوطنية أو الحوار، كممثل للعلويين ، ونرفض ربط مستقبل الطائفة العلوية بمصير النظام”.

العلويون يرون أنفسهم سوريين، أولاً، ويفخرون بثقافتهم الفرعية وإيمانهم المحب

في هذا السياق، أتوقف عند مسألتين وردتا في تصريح السيد إبراهيم، وهما: الأولى، نشأت سوريا من الأقاليم السورية المكوّنة في حينه، وكانت دولاً، ولم يسمها بالاسم وكانت: ( دولة حلب ودولة العلويين ودولة الدروز ومركز دمشق)، والملاحظة هنا أنّه اذا كانت منطقتا عفرين وعين العرب _كوباني_ تابعتان لحلب، حينذاك، فإنّ منطقة الثقل الكردي _حينذاك_ أي الجزيرة، لم تكن مرتبطة إدارياً بأيّة (دولة)، بل كان لها وضع خاص. الثانية، أما اعتبار الآباء المؤسسين للاستقلال عن فرنسا، على أنّهم انطلقوا من “ميثاق وطني غير معلن”، فللمرة الأولى أسمع هذه الرواية، وياليت الأستاذ إبراهيم يشرح ذلك بشكل أكثر وضوحاً، وماهي بنودها ومرتكزاتها.

والقضية قد تحتاج إلى نقاش…

ليفانت – صلاح بدرالدين

————————————

بشار العائد إيرانياً/ عمر قدور

ظهرَ نتنياهو قبل أيام إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي، متوعّداً بشار الأسد بسقوط نظامه إذا بقي مرتبطاً بإيران، فلم يتأخر ردّ الثاني وظهر مستقبلاً رئيس الأركان الإيراني، بعد توقيع الأخير اتفاقية تعاون عسكري شامل مع وزير دفاعه. يجوز بالتأكيد قراءة الحدثين على نحو مختلف، وأن يكون تهديد نتنياهو استباقاً للاتفاقية التي يعلم بالتحضير لها، وأن يأتي توقيعها استئنافاً لمسار إيراني لا تلجمه حتى الآن الضربات الإسرائيلية أو العقوبات الأمريكية.

قد يُقال الكثير عن تواضع القدرات الإيرانية العسكرية، وتالياً عن عدم أهمية هذا الاتفاق الذي يُفترض به دعم قوات الأسد. إلا أنه ليس اتفاقاً رمزياً فحسب، ولا إعلامياً موجهاً إلى جمهور الممانعة أو إلى الخصوم. هو اتفاق يعكس اهتماماً إيرانياً غير مسبوق بقوات الأسد ككل، بينما انصب انشغال طهران “خاصة منذ انطلاق الثورة” على تأهيل الميليشيات والسيطرة عليها، سواء كانت خارج ما يسمى القوات النظامية أو تتبعها شكلياً. القسمة الرائجة إعلامياً إلى وقت قريب جداً وضعت “القوات النظامية” من نصيب موسكو، في حين يتركز نفوذ طهران على الميليشيات، ومن ضمنها الفرقة الرابعة حسبما يُشاع.

راجت أيضاً فرضية سعي موسكو إلى حل الميليشيات المدعومة إيرانياً، أو دمجها في القوات النظامية التي باتت تشرف عليها، بل قيل الكثير عن الضباط الروس الذين يديرون مقر الأركان في دمشق. لا يخرج عما سبق الترويج لنجاحات روسية في إطار التنافس بين موسكو وطهران، وكأن هناك حرباً خفية بين الطرفين تحقق لموسكو مصالحها ولواشنطن وتل أبيب مطالبهما في إبعاد طهران. وإذا صدّقنا ذلك كله فإن الاتفاق الجديد يعني اختراق الإنجازات الروسية السابقة كلها، وهو موجّه في المقام الأول ضد مصالح “الحليف” الروسي، لأنه يضع لأول مرة الجانب الإيراني شريكاً عسكرياً للقوات النظامية التي كان يسهل إلصاق تبعيتها بموسكو، بسبب الجهود الروسية الأخيرة وأيضاً بسبب علاقة عمرها عقود من التسليح والإشراف والتدريب الروسيين.

على صعيد متصل، أوحى غياب بشار الإعلامي مع العديد من أحداث الأشهر الأخيرة بأنه ممسوك روسياً، وبأن تغييبه وتهميشه يمهد لتطورات في الاتجاه المخالف للاتفاق الأخير. ظهور بشار مستقبِلاً رئيس الأركان الإيراني بعد توقيع الاتفاق، وكلامه عن العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين الطرفين، إما أنه ينقض التحليل السابق أو أنه يطل من النافذة الإيرانية برضا روسي. لكن، من دون استبعاد رغبته في اللعب بين الحليفين، ثمة أسباب تدفع بشار في اتجاه طهران أكثر من تلك التي تضعه كلياً في سلة موسكو.

أيضاً، قيل الكثير عن تفضيل الموالين موسكو على طهران لدوافع متعلقة بالتبشير الشيعي، وكأن بشار كان يتوق إلى من يخلصه من الهيمنة الإيرانية أو هو مكترث بمزاج مواليه. الواقع قد يخالف تلك التحليلات المنطقية، لأن الشراكة الأسدية-الإيرانية أثبتت متانتها منذ عقود، وهي بين شركاء أكثر تقارباً وتماثلاً من الحليف الروسي المستجد بحضوره المباشر في المنطقة. تدني قيمة الشريك الأسدي ينبغي ألا ينسينا أنها من أقوى التحالفات وأكثرها ديمومة في المنطقة، تحالف يسنده ما هو سياسي أو استراتيجي تقرره طهران، لكنه يقوم أيضاً على ذهنية متشابهة وعمل متكامل لسنوات طويلة على العديد من المستويات، بما في ذلك أحطّها من قبيل الاعتماد الممنهج على تجارة المخدرات أو تزييف العملة.

ما يسهم في إنعاش الدور الإيراني أن موسكو نفسها اختارت سياسة المواجهة التقليدية، ففي الأيام الأخيرة أعلنت انسحابها من الآلية الأممية لتبادل المعلومات حول المواقع الإنسانية في سوريا، ثم استخدمت حق الفيتو بهدف وقف دخول المساعدات الإنسانية عبر تركيا. كما نعلم فإنها استغلت تبادل المعلومات في ما مضى لقصف العديد من المستشفيات، وكانت في ما سبق قد اشترطت تخفيض عدد منافذ تقديم المساعدات من أجل الموافقة على التمديد، أي أنها في المجالين تمارس السياسة الأسدية ذاتها من تجويع وقصف المنشآت المدنية الحيوية، بينما تحتج على قانون أحادي هو قانون قيصر.

التفاؤل بالدور الروسي لم تكن موسكو مصدراً له، فعلى مستوى السياسات لم تطرح يوماً تصورات تقترب مما هو مأمول منها. إنها، لأول مرة، ينال احتلالها رضا طيف واسع من القوى الدولية والإقليمية المعنية بسوريا، ويسلّم لها بالبقاء وبنفوذ مستدام، وبالمساعدة في إعادة الإعمار فيما لو قررت إدارة انتصارها بمنطق الطموح لا بمنطق الجشع الأعمى والمواجهة. هذه العقلية الروسية هي ما يجعلها أسيرة الشريك الإيراني، وأسيرة قرارها الإبقاء على بشار الذي يبقى هواه إيرانياً مهما رضخ لشروطها وإذلالها. ثم إن هناك فرقاً بين ما تقدر عليه نظرياً وما تقدر عليه واقعياً، إذ من السهل عليها نظرياً التخلص من بشار والبدء بمرحلة جديدة مطلوبة ينتظرها السوريون والخارج، لكن هذا التبسيط لا يتوافق مع واقع العلاقات الروسية-الإيرانية التي تتجاوز بأهميتها الشأن السوري، وتملك فيها طهران العديد من مفاتيح القوة، بما فيها القدرة على تحويل سوريا إلى مستنقع لموسكو.

كانت موسكو قد أوقفت حملتها “غير الرسمية” على بشار الأسد، وأعادت التأكيد على دعمه من قبل مسؤولين حكوميين، وها هو يطل عبر الاتفاق العسكري مع طهران، بما يطوي صفحات من التكهنات حول اقتراب التسوية التي قد تطيح به. عودة بشار، في أجواء المواجهة الحالية، لا يمكن أن تكون سوى وصفة لتصعيد ما، على غرار وجوده الذي أصبح عنواناً للحرب. رئيس الأركان الإيراني كان قد أشار بعد التوقيع على الاتفاق إلى الوجود التركي الذي ينبغي أن ينتهي باتفاق أنقرة وبشار أمنياً، ومن المعلوم أن بشار الأسد يتطلع إلى استرجاع المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي، وهو غير راض عن السياسة الروسية التي تمنع حتى الآن تجدد الحرب. لكن شبح مواجهة عسكرية إيرانية-إسرائيلية قائم أيضاً عبر سوريا ولبنان، والاتفاق الجديد بين بشار وطهران قد يعفي موسكو من مسؤولياتها وحرجها إزاء الغارات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه ينتقص من دورها كإطفائي وإداري يهندس توزيع مناطق النفوذ. وفق تعبير كلاسيكي، يبدو أن موسكو لا تستطيع التقدم خطوة إلا وتتراجع خطوتين إلى الوراء، هكذا يتقدم بشار خطوة من دون أن يبارح مكانه.

المدن

———————————–

إيران تصعّد وجودها العسكري في سوريا..الموازي لروسيا/ منصور حسين

بدت الاتفاقية العسكرية الموقعة أخيراً بين النظام وإيران متخمة بالرسائل السياسية الموجهة للخصوم والحلفاء. ولم تحظَ الاتفاقية نفسها بالاهتمام قدر ما حظيت به تصريحات المسؤولين التي صدرت بعد توقيعها، الأربعاء في دمشق.

الاتفاقية الأخيرة ليست الأولى من نوعها بين النظامين السوري والإيراني، اللذين يرتبطان باتفاقية دفاع مشترك، تم توقيعها كردّ على تهديدات واشنطن القوية للطرفين عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وهي اللحظة التي يعتبرها البعض نقطة التحول الأولى في العلاقات بين البلدين، حيث انتقلت العلاقة من مرحلة التحالف الندّي إلى مرحلة الهيمنة الإيرانية على دمشق، والتي بلغت ذروتها خلال الأعوام الأخيرة الماضية، بعد تدخل طهران العسكري إلى جانب النظام منذ العام 2011.

رسائل النظام

رسائل الاتفاقية بدت واضحة من تصريحات وزير دفاع النظام علي أيوب، الذي وقع الاتفاقية عن الجانب السوري، وذلك من خلال تصريحاته في المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمعه مع رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري بعد التوقيع.

الرسالة الأولى والأبرز، كانت موجهة إلى طهران بالدرجة الأولى، وتحمل تأكيداً جديداً من النظام على التمسك الذي لا يقبل الشك بخيار التحالف الاستراتيجي مع إيران، الذي كان قد بدأه حافظ الأسد منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1979، خارقاً بذلك الإجماع القومي العربي.

الرسالة الثانية كانت للأنظمة العربية التي برّرت تقاربها مع النظام مؤخراً بالسعي لإبعاده عن إيران، وهنا كان وزير دفاع الأسد صريحاً ومباشراً في الرد على هذه الأنظمة، وعلى إسرائيل في الوقت نفسه التي طالبت النظام بالابتعاد عن إيران لضمان استمراريته، إذ اعتبر أيوب أن “من يراهن على تخريب العلاقة بين دمشق وطهران واهمٌ، وعليه أن يستيقظ من أحلامه”.

رسالة النظام الثالثة كانت موجهة لروسيا، حليفته الأخرى التي لا يبدو أن العلاقات بينه وبينها على أحسن ما يرام بالفعل، وتكشف انزعاج النظام من الضغوط والتحركات الروسية التي تمارسها للدفع باتجاه الدخول بعملية سياسية أكثر جدية مع المعارضة، وعليه تبدو الاتفاقية تتويج لرسائل عديدة سبق وأن وجهها النظام وعبر فيها عن ارتماءه في الحضن الإيراني وابتعاده أكثر عن خيارات موسكو.

رسائل إيران

من جانبها فإن إيران التي تضع بهذه الاتفاقية الجديدة وجودها العسكري في سوريا بمستوى الوجود الروسي من الناحية القانونية، وتنقله من حيّز الإنكار الرسمي الذي ظل يردّده الجانبان ويقولان إنه مجرد حضور استشاري، إلى حيز الوجود الشرعي.

الرسالة الإيرانية المباشرة الأولى ذهبت باتجاه الدول التي تطالب أو تأمل بخروج القوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها من سوريا، وهي هنا تتعدى أميركا واسرائيل إلى تركيا وحتى روسيا، الدولتين اللتين كشفت تقارير إعلامية سعيهما لايجاد طريقة تجبر طهران على الانسحاب الكامل أو الجزئي من الأراضي السورية، من أجل المساعدة على إطلاق عملية ديبلوماسية تنهي الحرب في البلاد.

“باقون ونتمدد” هذا ما تقوله طهران بكل وضوح من خلال الاتفاقية العسكرية هذه، ومهما كان الثمن أيضاً، وإذا كان على أحد الخروج من سوريا فعلى الآخرين القيام بذلك وليس نحن، تقول إيران، وأوّلهم تركيا، التي اعتبر رئيس الأركان الايراني محمد باقري أن عليها “إخراج قواتها من الأراضي السورية والبدء بحوار مع النظام”.

وإذا كانت إيران لا تستطيع قول الكلام نفسه لروسيا، فإن رسالتها القوية إلى موسكو جاءت من خلال تأكيد باقري أن بلاده ستقوم بتعزيز أنظمة الدفاع الجوية لجيش النظام، في إشارة واضحة إلى غضب كل من دمشق وطهران على عدم فاعلية منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-300” في منع الغارات الجوية الإسرائيلية والأميركية ضد المواقع الإيرانية والعسكرية التابعة للنظام في سوريا.

رسائل مشتركة

ويقول اللواء المنشق عن جيش النظام محمد حاج علي إن إيران تهدف أيضاً إلى طمأنة ميليشياتها والحاضنة المؤيدة للنظام وللحليف الإيراني ببقائها في سوريا.

ويضيف حاج علي في تصريح ل”المدن”، أن “الهدف من تجديد اتفاقية الدفاع المشترك بين النظام وطهران وتطويرها، هو تمرير رسائل طمأنة للقوى المرتبطة بإيران والبيئة الحاضنة بعدم تخلي إيران عنهم، وأنها ستقوم بكل ماهو ممكن لضمان بقائها، وهي الرسالة الموجهة لأعداء إيران ومنافسيها أيضاً”.

لكن هل تستطيع إيران تلبية الالتزامات التي يتطلبه هذا النوع من التحدي؟، سؤال يجيب عليه حاج علي قائلاً: “الاتفاق الأخير يتيح لإيران القدرة على نصب قواعد مضادات جوية في سوريا، وهي موجودة بالفعل لكنها ضعيفة الفاعلية، كما أنها غير قادرة على تغطية كامل السماء السورية، إضافة إلى وجود أنظمة تشويش متطورة لدى اسرائيل، وهو ما يجعل من التصريحات الإيرانية حول تعزيزات الدفاعات الجوية في سوريا موجهة لروسيا أكثر من غيرها من الدول”.

وأشار الحاج علي إلى أن إيران تعتبر سوريا أرضاً مهمة لنفوذها في المنطقة، وركناً أساسياً في مشروعها التوسعي يفوق أهمية العراق، وهو ما جعلها تركز وبشكل كامل على التغلغل ضمن مفاصل جيش النظام السوري وأجهزة الدولة، نظراً لكون سوريا عقدة ربط بين إيران ولبنان، وبقائها في سوريا يعني استمرار سلطة وهيمنة “حزب الله” على لبنان.

من المفترض أن تكون الاتفاقية العسكرية الأخيرة هذه، بين النظام وإيران، بمثابة إفشال لكل التوقعات التي تحدثت عن إمكانية خروج أو إخراج إيران من سوريا، سواء بالقوة أو بالدبلوماسية، فالنظام يؤكد أنه لا يريد خروجها، وطهران تجدّد وجودها على الأراضي السورية.

المدن

———————

ايران تدعم الدفاعات السورية..وتطالب تركيا بمغادرة سوريا

وقع النظام السوري الأربعاء اتفاقية عسكرية جديدة مع إيران، تتضمن تعزيز التعاون العسكري والأمني في شتى مجالات عمل القوات المسلحة.

وحسب وكالة أنباء النظام “سانا”، فقد تم توقيع الاتفاقية بعد اجتماعات وجلسات عمل عقدها الجانبان، برئاسة وزير الدفاع في حكومة النظام علي أيوب، ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري.

وفي مؤتمر صحافي مشترك، قال أيوب إن العلاقة السورية الإيرانية علاقة استراتيجية راسخة، وأن التعاون الثنائي العسكري والأمني نوعي ومستمر، وهو يشمل جميع الجوانب رغم اشتداد الضغوط وازدياد حدة التهديدات.

ووجه أيوب رسالة تحدٍ للجانب الأميركي، معتبراً أن واشنطن فشلت في إخضاع سوريا وإيران، “المستمرتين في الصمود مهما كان الثمن”، كما إن “من يراهن على تخريب العلاقات بين إيران وسوريا فهو واهم وعليه أن يستيقظ من أحلامه”.

من جانبه، كشف باقري أن طهران ستقوم بتقوية أنظمة الدفاع الجوية السورية في إطار توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين.

وانتقد باقري الدور التركي في سوريا، معتبراً أن أنقرة “متأخرة قليلاً في تنفيذ التزامها بتفاهمات أستانة، لإخراج الجماعات الارهابية من سوريا. ودعا باقري تركيا إلى التواصل مع النظام السوري لحل مشاكلها الأمنية، قائلاً إن “على تركيا أن تدرك أن حل أي من مشاكلها الأمنية هو عبر التفاوض والتفاهم مع الجانب السوري، ولا يكون عبر الوجود في الأراضي السورية”.

ويرتبط النظام باتفاقية دفاع مشترك مع إيران، تم توقيعها بعد اجتياح القوات الأمريكية للعراق عام 2003، لكن الطرفين لم يعلنا أن التدخل الإيراني في سوريا بعد عام 2011 جاء بناء عليها.

————————————-

-3- الفيتو الروسي ـ الصيني يمنع تمديد آلية المساعدات الإنسانية لسوريا وـاثيراته المدمرة على الشغب السوري

روسيا ترهن إغاثة السوريين بقبول شروطها

تريد تقريراً شهرياً من غوتيريش عن أثر العقوبات… وموالون لدمشق ينتقدون «جمركة المواطنين»

استخدمت روسيا والصين مساء أمس، حق النقض (الفيتو)، للمرة الثانية خلال أسبوع، ضد قرار لمجلس الأمن الدولي، لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا من معبرين حدوديين مع تركيا، لمدة ستة أشهر أخرى.

واعتبر مراقبون أن ذلك يعني أن روسيا ترهن مصير إغاثة السوريين بقبول شروطها وتتضمن الاكتفاء بمعبر واحد بدلاً من اثنين، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقديم تقرير شهري عن أثر العقوبات الاقتصادية على الوضع الإنساني في سوريا.

وبعد انتهاء التصويت أمس، على القرار الألماني – البلجيكي، يمكن أن تطلب روسيا تصويتاً جديداً على مسودة قرارها أو الدخول في مفاوضات مع أميركا والدول الغربية على مشروع قانون توافقي لتمديد القرار الذي انتهت ولايته أمس، ويمس حياة نحو أربعة ملايين شخص شمال غربي سوريا.

واستخدمت روسيا والصين الثلاثاء حقّ النقض ضدّ مشروع القرار الذي يمدد لعام الموافقة للأمم المتحدة، مع المحافظة على المعبرين الحاليين: معبر باب السلام المؤدي إلى حلب، وباب الهوى نحو إدلب.

وهذه الإجراءات المحددة للأمم المتحدة تسمح بتجاوز الحصول على أي موافقة من دمشق لنقل المساعدة الإنسانية في مناطق لا يسيطر عليها النظام.

وكانت روسيا التي تعتبر أن القرار ينتهك السيادة السورية، فرضت إرادتها على الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني)، بانتزاعها خفضاً كبيراً في آلية المساعدات عبر الحدود التي باتت تنص على نقطتي عبور بدلاً من 4 نقاط، ولستة أشهر بينما كانت تمدد سنوياً منذ تطبيقها في عام 2014.

على صعيد آخر، قوبل قرار رئيس مجلس الوزراء السوري، حسين عرنوس، بإلزام المواطنين صرف مبلغ 100 دولار أميركي بسعر الصرف الرسمي عند دخول البلاد، بانتقادات من نشطاء موالين للنظام، في وقت لجأ فيه مرشحون إلى انتخابات مجلس الشعب إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان برامجهم بسبب الأزمة الاقتصادية وسط انتقادات لـ«اللغة الخشبية» من حزب «البعث» الحاكم.

————————————

{فيتو} روسي ـ صيني يمنع تمديد آلية المساعدات الإنسانية لسوريا

13 دولة من بين 15 وافقت على مشروع القرار الألماني ـ البلجيكي في مجلس الأمن

انتظر نحو 3 ملايين شخص في شمال غربي سوريا نتائج تصويت أعضاء مجلس الأمن في شأن تمديد ولاية قرار دولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود الذي انتهت مدته أمس.لكن آمالهم أُحبطت بعدما لجأت روسيا والصين إلى ممارسة حق النقض ضد مشروع قرار ألماني – بلجيكي يهدف إلى الإبقاء على آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية مع تركيا.

ونقل دبلوماسيون أنّ مشروع القرار حاز على موافقة 13 بلدا من بين 15، لكنه أسقِط بسبب لجوء موسكو وبكين إلى حق النقض للمرة الثانية في ثلاثة أيام، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ونشأت آلية الأمم المتحدة عبر الحدود عام 2014، وهي تسمح بإيصال المساعدات للسوريين دون موافقة دمشق. وانتهى التفويض لهذه الآلية مساء الجمعة. وهذا الفيتو الـ16 لروسيا والعاشر للصين حول نصوص مرتبطة بسوريا منذ بدء الحرب عام 2011.

واستخدمت روسيا ومعها الصين الثلاثاء حق النقض ضد مشروع القرار الذي يمدد لعام هذه الآلية مع المحافظة على المعبرين الحاليين في شمال غربي البلاد مع تركيا، الأول هو معبر باب السلام المؤدي إلى محافظة حلب والآخر معبر باب الهوى نحو محافظة إدلب.

وهذه الإجراءات المحددة للأمم المتحدة تسمح بتجاوز الحصول على أي موافقة من دمشق لنقل المساعدة الإنسانية إلى السوريين في مناطق لا يسيطر عليها النظام.

وكانت روسيا التي تعد أن القرار ينتهك السيادة السورية قد فرضت إرادتها على الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، بانتزاعها خفضاً كبيراً في آلية المساعدات عبر الحدود التي باتت تنص على نقطتي عبور، بدلاً من 4 نقاط، ولستة أشهر، بينما كانت تمدد سنوياً منذ تطبيقها في عام 2014.

وقدمت روسيا التي تؤكد رغبتها بمواصلة تقديم المساعدة لمحافظة إدلب، معقل الفصائل المقاتلة، ويعيش فيها نحو 4 ملايين شخص، إلى مجلس الأمن مشروعاً مضاداً يبقي على معبر الباب فقط، ولستة أشهر.

وحصل القرار، خلال تصويت الأربعاء، على تأييد 3 دول فقط، بالإضافة إلى روسيا، فيما كان يحتاج إلى 9 لتمريره من دون أن تستخدم أي من الدول الدائمة العضوية في المجلس حق النقض.

وتقدمت ألمانيا وبلجيكا، العضوان غير الدائمين في مجلس الأمن المكلفان بالشق الإنساني في الملف السوري في الأمم المتحدة، بمشروع قرار لتمديد التفويض طرح للتصويت الخميس، وتم التصويت عليه أمس. وفي تنازل وحيد لموسكو، تعرض الدولتان الأوروبيتان تمديد تقديم المساعدات لستة أشهر فقط، لكنهما أبقتا على نقطتي العبور الحاليتين إلى الأراضي السورية.

وترى السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، أنه من الضروري «الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية». ورداً على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر يشكل «خطاً أحمر»، أجابت: «نعم، بالتأكيد». وعدت إن إلغاء معبر باب السلام سيحرم 1.3 مليون سوري من المساعدات الإنسانية في شمال حلب.

ولم يجازف كثير من الدبلوماسيين، الخميس، بالتخمين حول تصويت روسيا لحسم هذه «المواجهة». وقال أحد الدبلوماسيين: «ليس لدي أي فكرة». وعد آخر أن موسكو قد تظهر «عدم مرونة»، كالتمسك بموقفها الأصلي (ستة أشهر ونقطتا عبور) خلال المفاوضات قبل أن تتشدد. وأشار ثالث إلى أن فيتو روسياً جديداً «غير مستبعد»، ولكن من الممكن أيضاً أن يمر النص «بفارق طفيف جداً» من الأصوات.

وترى الأمم المتحدة أن الإبقاء على أكبر عدد ممكن من المعابر أمر بالغ الأهمية، خاصة في ضوء خطر وباء «كوفيد-19» الذي ينتشر في المنطقة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد طلب، في تقرير في يونيو (حزيران) الماضي، تمديد المساعدات لمدة عام واحد في نقطتي العبور الحاليتين. وقال المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، الخميس، رداً على سؤال حول إذا ما كان يمكن للأمم المتحدة أن توافق على وجود معبر واحد: «نحن نحتاج إلى تمرير مزيد من المساعدات عبر الحدود، وليس أقل».

وأعرب نازحون سوريون يعتاشون على المساعدات الإنسانية عن قلقهم بعدما حاولت روسيا، حليفة نظام الرئيس بشار الأسد، خفض المساعدات الدولية التي تصل عبر الحدود التركية.

لكن ما يثير قلق النازحين هو أن يوم الجمعة هو تاريخ انتهاء صلاحية الآلية الأممية المتبعة لإيصال المساعدات. ووفقاً للأمم المتحدة، يعتمد نحو 2.8 مليون شخص على هذه المساعدات في شمال غربي سوريا، بما في ذلك معقل المعارضة في إدلب.

وفي المخيم الأزرق، الواقع شمال مدينة إدلب، يقول النازح أبو سالم (48 عاماً)، وهو أب لخمسة أطفال: «هناك أناس محتاجون؛ لقد تركوا خلفهم بيوتهم، تركوا خلفهم كل شيء… هم يقيمون في خيمة من نايلون، بلا مروحة وبلا أي شيء». ويضيف وقد وقف قرب خيمة بلاستيكية زرقاء: «لأي سبب سيوقفون المساعدات الإغاثية؟ من أين سنأتي غداً بكيلو أرز أو بكيلو سكر؟».

الشرق الأوسط

——————————

بعد الفيتو المعطِّل.. أربعة خيارات لإدخال المساعدات إلى سورية

تحاول جهات دولية ومنظمات معنية بالوضع الإنساني في سورية البحث عن خيارات لإدخال المساعدات عبر الحدود، بعد تعطيل تمديد الآلية الخاصة بها من قبل الصين وروسيا في مجلس الأمن.

فريق “منسقو الاستجابة” نشر بياناً اليوم السبت، حدد فيه الخيارات المتاحة، أولها عودة المنظمات الإنسانية إلى ما قبل قرار 2014/2165، من خلال العمل بشكل خارج آلية التفويض.

ويتمثل الخيار الثاني بإنشاء صندوق للتمويل الإنساني خاص بسورية، بدلاً بصندوق التمويل الإنساني الخاص بالأمم المتحدة، وإنشاء كتل تنسيق رئيسية موزعة على المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.

وحسب الفريق، فإن الخيار الثالث يذهب إلى تحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة، إلى منظمات دولية غير حكومية، تقوم بتوزيع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية.

وأضاف أن الخيار الرابع يرتبط بالدعوة إلى اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتصويت على قرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وذلك خارج إطار مجلس الأمن، وفي خطوة تضمن عدم استخدام الفيتو.

واستخدمت روسيا والصين، أمس الجمعة، حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار ألماني بلجيكي ينص على تمديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود في سورية.

ونال مشروع القرار موافقة 13 بلداً من بين 15، لكنه أسقط بسبب لجوء موسكو وبكين إلى حق النقض للمرة الثانية خلال ثلاثة أيام.

وطالب مشروع القرار الذي قدمته ألمانيا وبلجيكا، المكلفتان الشق الإنساني في الملف السوري في الأمم المتحدة، بتمديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية لمدة عام واحد، تنتهي في العاشر من يوليو 2021.

كما نص مشروع القرار على إبقاء نقطتي الدخول الحاليتين على الحدود التركية- السورية في باب السلامة وباب الهوى.

ورغم الخيارات التي حددها “منسقو الاستجابة”، إلا أنه أشار إلى عدة مخاوف وتحديات، لتطبيق ذلك.

ومن بين التحديات والمخاوف استهداف القوافل الإنسانية في أثناء دخولها لمناطق الشمال السوري، ولاسيما أن موسكو كانت قد انسحبت من آلية التحييد الإنسانية، في الأيام الماضية.

وأضاف الفريق الإنساني أن التحديات تكمن أيضاً في رفض المانحين الدوليين تحويل الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، خارج نطاق وكالات الأمم المتحدة، وبالتالي نقص التخصيص في كمية المساعدت.

وتقول الأمم المتحدة إن ملايين المدنيين السوريين في شمال غرب سورية يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر تركيا، والتي وصفتها المنظمة الدولية بأنها “شريان حياة”.

لكن روسيا تطالب بتمديد آلية المساعدات لمدة ستة أشهر فقط، وبأن يتم إيصالها عبر نقطة حدودية واحدة فقط على الحدود مع تركيا، في مقابل نقطتين حالياً.

———————————————

دعوات تطالب بإدخال المساعدات إلى سورية خارج مجلس الأمن

دعا “الائتلاف الوطني السوري” إلى إيجاد آلية دولية جديدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، خارج مجلس الأمن.

يأتي ذلك بعد استخدام الصين وروسيا فيتو للمرة الثانية، ضد قرار يمدد آلية إدخال المساعدات عبر ثلاثة معابر: اليعربية، باب الهوى، باب السلامة.

ونشر “الائتلاف” بياناً عبر موقعه اليوم السبت، طالب فيه بإنشاء آلية دولية خارج إطار مجلس الأمن، تتيح إدخال المساعدات بطريقة “متوازنة وشفافة”.

وقال: “لا يمكن للمنظومة الدولية أن تستمر في أداء دورها الهزيل، في هذه المسرحية الفاشلة، التي يتم عرضها في مجلس الأمن مرة بعد مرة، وتنتهي كل مرة بفيتو روسي جديد”.

وكانت روسيا والصين، قد استخدمتا، أمس الجمعة، حق النقض “فيتو”، للمرة الثانية خلال أربعة ايام، لعرقلة تمديد قرار مجلس الأمن، الخاص بإيصال المساعدات إلى سورية عبر الحدود.

ووافق الأعضاء الثلاثة عشر الآخرين، على صيغة القرار الذي أعدته كل من ألمانيا وبلجيكا، بشأن التمديد لاستمرار تدفق المساعدات، إلى شمال غرب سورية، عبر معبري باب السلامة وباب الهوى، الحدوديين مع تركيا.

لكن روسيا اعترضت مع الصين على صيغة القرار، إذ تريد إغلاق معبر باب السلامة بوجه المساعدات، وحصر وصولها لمدة ستة أشهر فقط، من معبر باب الهوى.

وتريد روسيا أن يفتح معبر واحد، إذ ترى موسكو أن المساعدات الإنسانية لابد أن تمر عبر المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.

والشهر الماضي كان رئيس برنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي قد نبه إلى أن سورية تواجه مخاطر مجاعة واسعة أو موجة أخرى من النزوح، إذا لم يتوفر المزيد من المساعدات الإنسانية.

وقال بيزلي في تصريح لشبكة “بي بي سي” إن نحو مليون سوري يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، وبعضهم يموتون من الجوع حالياً.

بينما طالبت الأمم المتحدة وحلفاؤها بتوفير 3.8 مليارات دولار للأعمال الإنسانية داخل سورية، و6.04 مليارات لمساعدة دول المنطقة التي تؤوي اللاجئين السوريين.

واليوم السبت 11 من تموز 2020 هو أول يوم بعد انتهاء تفويض مجلس الأمن بشأن القرار 2165 الذي كان أقره سنة 2014، ويقضي بإدخال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في سورية عبر الحدود، دون الحصول على موافقة نظام الأسد.

وتدّعي روسيا أن إدخال المساعدات الأممية إلى سورية “ينتهك السيادة السورية”، على اعتبار أن نظام الأسد لم يوافق على الآلية الدولية، كما تدّعي أن شحنات المساعدات تصل إلى “الإرهابيين” في تلك المناطق، الأمر الذي ترفضه الأمم المتحدة، عبر تأكيدها إجراء فحص دقيق لضمان أن الشاحنات تحوي مساعدات فقط، وتصل إلى المخازن السورية عن طريق مراقبين.

—————————-

شمال سوريا:دخول آخر شحنة مساعدات..بعد فيتو روسي-صيني

فشل مجلس الأمن الدولي في تمديد آلية المساعدات الإنسانية إلى سوريا، قبل انتهاء صلاحيتها عند السابعة صباح اليوم السبت، حيث دخلت آخر شاحنة مساعدات لسكان الشمال السوري.

وأفشلت كل من روسيا والصين، للمرة الثانية خلال أيام، تبني مجلس الأمن لقرار بلجيكي ألماني يمدد تقديم المساعدات الإنسانية في سوريا، عبر الآلية العابرة للحدود عبر معبرين تركيين. وحصل مشروع القرار على تأييد 13 دولة، ويحتاج أي قرار لتسعة أصوات لتبنيه، إلا أن الفيتو الروسي والصيني المزدوج أفشل تبني القرار.

وكانت تلك ثالث مرة يخفق فيها المجلس في التصويت على هذه القضية وثاني مرة تستخدم فيها روسيا والصين الفيتو خلال أسبوع.

وإذا لم تتمكن الدول التي تقود مجلس الأمن من الاتفاق على قرار جديد للتمديد لآلية المساعدات، ستكون شاحنات الإغاثة التي عبرت الجمعة، هي آخر شاحنات تدخل لإغاثة السوريين في شمال البلاد، حيث لجأ ملايين المدنيين، الذي يعيشون على مساعدات الأمم المتحدة.

وكانت بلجيكا وألمانيا تقدمتا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، ينص على تمديد الموافقة على نقل المساعدات عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” على الحدود السورية-التركية، لمدة عام كامل، لكن روسيا تصرّ على حصر المساعدات بمعبر واحد فقط، بعدما كانت 4 معابر حتى بداية 2020.

ومنعت الصين وروسيا تمرير القرار باستخدام الفيتو، الثلاثاء الماضي، قبل أن تطرح الأخيرة في اليوم التالي، مشروع قرار ينص على موافقتها على إدخال المساعدات من باب الهوى فقط ولمدة ستة أشهر. لكن مشروع القرار الروسي، قوبل برفض سبعة أعضاء في مجلس الأمن.

واستمرت المداولات بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وحاولت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الضغط على الجانب الروسي والصيني لقبول مشروع نص مشابه يصر على التجديد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبرين، بدلا من معبر، ولكن لستة أشهر.

ومن المتوقع الآن أن يصوت المجلس على مشروع قرار روسي ثانٍ للموافقة على تسليم المساعدات من معبر تركي واحد لمدة عام، بدل ستة أشهر. ولكن نظرا لأن المجلس يعمل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة خلال جائحة فيروس كورونا، فأمام أعضاء المجلس 24 ساعة للتصويت.

واستخدمت روسيا الفيتو ضد 16 مشروع قرار خاص بسوريا منذ بدء قمع الحكومة السورية للثورة التي اندلعت في 2011.

—————————————-

مظاهرات في مدن سورية ضد الفيتو الروسي ـ الصيني والوجود الإيراني/ هبة محمد

استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي كان يمثل محاولة في اللحظات الأخيرة من جانب أعضاء المجلس الغربيين لتمديد الموافقة – التي تنتهي أمس الجمعة – على إدخال المساعدات الإنسانية لسوريا من معبرين حدوديين مع تركيا خلال الأشهر الستة المقبلة.

وتقول الأمم المتحدة إن ملايين المدنيين السوريين في شمال غرب البلاد يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر تركيا، والتي وصفتها المنظمة الدولية بأنها «شريان حياة» .

وانقسم مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا على نفسه مع وقوف معظم أعضاء المجلس ضد روسيا والصين حليفتي النظام السوري واللتين تريدان تقليص عدد المعابر الحدودية إلى معبر واحد، قائلتين إنه يمكن وصول المساعدات الإنسانية لتلك المناطق من داخل سوريا.

    طالبت بإسقاط النظام وطرد «حزب الله» اللبناني من البلاد

وكانت تلك ثالث مرة يخفق فيها المجلس في التصويت على هذه القضية، وثاني مرة تستخدم فيها روسيا والصين الفيتو خلال أسبوع.

وكان مجلس الأمن قد أجاز لأول مرة عملية دخول المساعدات إلى سوريا عبر الحدود قبل ست سنوات والتي تضمنت أيضا إمكانية وصول المساعدات من الأردن والعراق. وتم تقليص تلك المعابر في يناير/ كانون الثاني بسبب اعتراض روسيا والصين.

واستخدمت روسيا والصين يوم الثلاثاء الفيتو ضد محاولة لتمديد الموافقة على المعبرين التركيين لمدة عام. وصوتت الدول الثلاث عشرة الباقية لصالح مشروع القرار الذي أعدته ألمانيا وبلجيكا. وأخفقت روسيا بعد ذلك يوم الأربعاء في الحصول على دعم كاف لاقتراحها بالموافقة على معبر واحد لمدة ستة أشهر.

ومن المتوقع الآن أن يصوت المجلس على مشروع قرار روسي ثان للموافقة على تسليم المساعدات من معبر تركي واحد لمدة عام. ولكن نظرا لأن المجلس يعمل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة خلال جائحة فيروس كورونا فأمام أعضاء المجلس 24 ساعة للتصويت ومن ثم فلن يعرف أي قرار قبل يوم السبت.

واستخدمت روسيا الفيتو ضد 16 مشروع قرار خاص بسوريا منذ قمع الحكومة السورية للاحتجاجات التي اندلعت في 2011 ، مما أدى إلى نشوب حرب أهلية. وأيدت الصين روسيا في كثير من تلك الإجراءات في المجلس.

هذا وأعربت منظمة أوكسفام الخيرية غير الحكومية، عن خشيتها من أن وقف المساعدات عبر الحدود سيشكل «ضربة قاصمة لملايين العائلات السورية التي تعتمد عليها في الحصول على مياه الشرب والغذاء والرعاية الصحية والسكن»، وتواجه أوضاعاً كارثية خصوصاً مع تسجيل أول حالة كورونا في الكادر الطبي شمال غربي سوريا أمس.

وأعلن وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، الطبيب مرام الشيخ عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا لطبيب يعمل في أحد المشافي.

وقال الدكتور الشيخ في تغريدة له على موقع توتير «يؤسفنا اليوم أن نعلن عن تسجيل أول حالة إيجابية لفيروس كورونا لأحد الكوادر الصحية العاملة في أحد مشافي إدلب».

وتزامن ذلك مع خروج العديد من المظاهرات المنددة بالفيتو الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن، وتردي الأوضاع المعيشية، وهتفت ضد الوجودين الإيراني والروسي وممارسات النظام السوري التعسفية.

وكانت روسيا التي تعتبر أن القرار ينتهك السيادة السورية، فرضت إرادتها على الأمم المتحدة في كانون الثاني/ يناير، بانتزاعها خفضاً كبيراً في آلية المساعدات عبر الحدود التي باتت تنص على نقطتي عبور بدلاً من أربع نقاط، ولستة أشهر، بينما كانت تمدد سنوياً منذ تطبيقها في عام 2014.

وترى السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، أنه من الضروري «الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية».

وردّاً على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر يشكّل «خطّاً أحمر»، أجابت «نعم، بالتأكيد». واعتبرت أن إلغاء معبر باب السلام سيحرم 1,3 مليون سوري من المساعدات الإنسانية في شمال حلب.

وترى الأمم المتحدة أن الإبقاء على أكبر عدد ممكن من المعابر أمر بالغ الأهمية، خاصة في ضوء خطر وباء كوفيد-19، الذي ينتشر في المنطقة.

وخرج متظاهرون سوريون في مدينة إدلب حاملين لافتات تعبر عن معارضتهم للفيتو الروسي ـ الصيني، ومحاولة روسيا الحليفة للنظام تقليص المساعدات عبر الحدود للملايين في شمال غربي البلاد التي مزقتها الحرب، وهم يرتدون أقنعة واقية ويحافظون على البعد الاجتماعي بسبب تسجيل أول حالة للفيروس التاجي.

كما رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج مظاهرة في بلدة العزبة في ريف دير الزور الشمالي ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث طالب المتظاهرون بإسقاط النظام وطرد الميليشيات الإيرانية من سوريا، وأن يكون للمكون العربي دور فعال بالإدارة ضمن مناطق وجود الأكراد، بالإضافة لإطلاق سراح المعتقلين.

وفي درعا أكدت مصادر محلية خروج مظاهرة في بلدة الجيزة الواقعة في ريفها الشرقي، طالب المتظاهرون خلالها بإسقاط النظام السوري وخروج الإيرانيين وحزب الله اللبناني من سوريا في درعا التي تتوالى التفجيرات والاستهدافات فيها، في ظل الانفلات الأمني الكبير المسيطر على المحافظة التي شهدت عشرة حوادث أمنية منها 9 عمليات تفجير واستهداف في مناطق متفرقة ضمن محافظة درعا خلال الـ 24 ساعة الفائتة، تسببت بقتلى وجرحى.

وفي محافظة السويداء أصدرت «حركة رجال الكرامة» بياناً أكدت فيه أنها ستقف في وجه «النهج الظالم» للنظام السوري.

وأكد بيان صادر عنها: «إننا نعتبر أن كرامة أهلنا وحريتهم في التعبير من أهم مقدساتنا ولن نسمح لأحد أيا يكن أن يسلبنا حريتنا وكرامتنا وسندافع عن حقوقنا بكافة السبل تماشياً مع أخلاقنا وعاداتنا».

القدس العربي

——————————–

مجلس الأمن والمساومة على رغيف‏ ‏السوريين/ أحمد طرقجي

“لقد اصيب أكثر من 80 طفل سوري بالشلل الدائم بسبب التلاعب بثغرات أنظمة الأمم المتحدة، فبدل أن يتم العمل على تطوير الآليات أو على الاقل الحفاظ على ماهو موجود حالياً تستمر المحاولات لزج الحاجات الإنسانية للمواطنين السوريين في المطاحنات السياسية الدولية”.

كان هذا المقطع جزءاً من مداخلتي قبل أسابيع أمام سفراء بعض البعثات الدبلوماسية بما يخص التغيرات المحتملة على القانون الأممي 2165 (2504) لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود في سوريا.

مع أواخر عام 2012 لم تعد مكاتب المنظمة الدولية العاملة في دمشق قادرة على تمرير لقاحات الأطفال أو مواد لمعالجة مياه الشرب للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ولم تمضِ  أشهر حتى بدأ أطباء ‏حلب ولاحقاً أطباء دير الزور والشمال الشرقي تواصلهم مع منظمة الصحة العالمية للتبليغ عن حالات أصيب بها الأطفال بالشلل نتيجة فيروس شلل الأطفال.

بعد جمع العينات، لم يستطِع الأطباء أوحتى منظمة الصحة العالمية إيصال هذه العينات المخبرية للفحص في دمشق. بسبب القوانين الدولية، لم تكن آليات الأمم المتحدة حينها تسمح لمنظمة الصحة أو أي آلية أخرى بإجراء هذه الفحوص في الدول المجاورة كتركيا أو العراق. بالنتيجة أصيب أكثر من 80 طفلاً بالشلل الدائم وظهرت جائحة فيروس شلل الأطفال في شرق المتوسط. كانت هذه الجائحة وحجب المساعدات هي أحد دوافع قرار مجلس الأمن  لخلق آليات للعمل الإنساني عبر الحدود عام 2014.

لم يتغير الكثير بعد هذه السنوات. فمع ظهور جائحة الكورونا عالميا ورغم وجود آليات التنسيق الإنساني عبر خطوط النزاع بين الادارة الذاتية ودمشق، إلا أن دمشق لم تبلغ السلطات الصحية في القامشلي عن نتائج تحليل أول حالة كورونا في الشمال الشرقي إلا بعد أسبوعين من وفاة المريض، ولم تعتبر منظمة الصحة العالمية نفسها معنية بإبلاغ  المشفى بنتيجة التحاليل في الوقت المناسب.

للأسف، لم يكن الجنوب السوري أكثر حظاً من الشمال.  فقد أشار القرار الأممي عام 2014 لمعاناة أكثر من 400 ألف سوري محاصرين بشكل كامل من دون أي آلية لتمرير المعونات الإنسانية لهم. تجلت أثار هذا الحصار وضعف الآليات الدولية بوضوح مع بداية عام 2016 في ريف دمشق وبلدة مضايا على وجه الخصوص. فقد مات جوعاً أكثر من ستين دمشقياً، بمن فيهم علا بنت الاثني عشر ربيعاً، تحت أنظار العالم وأعضاء مجلس الأمن بينما لا تبعد مخازن الأمم المتحدة المليئة بالمساعدات أكثر من عشرين كيلومتراً عن مضايا.

وحتى عندما أرادت الهيئات الدولية إدخال المواد الغذائية عبر مكاتب دمشق الى حلب المحاصرة عام 2016 ، قُصفت قافلة الصليب الأحمر الدولي تحت سمع وأبصار العالم، ومازلنا حتى اليوم بانتظار نتائج التحقيق الدولي. كما أُجهضت محاولات الإخلاء الطبي لمرضى القلب والكلى والسرطان والأطفال المرضى عبر خطوط النزاع وأُفرغت من محتواها الإنساني. لقد تحوّلت مبادرة إنسانية متمثلة بمحاولة إخراج بعض المرضى المصابين بحالات حرجة إلى دمشق، إلى مقايضة بين الأطراف لدرجة أعلن فيها نائب المبعوث الأممي لسوريا أنه ليس مقبولاً ما حصل من استخدام حاجة الأطفال للعلاج كورقة مساومة بين الأطراف المتحاربة. توفي 17 مريضاً من أبناء دمشق وريفها، بينهم أطفال، وهم بانتظار الإخلاء بغرض العلاج.

منذ أشهر، دفعت روسيا والصين باتجاه إيقاف الإغاثة الأممية عن طريق معبر “اليعربية” شمال شرق سوريا. لم تمضِ أسابيع على تحويل إدارة العمليات إلى مكتب دمشق، حتى شهدت المشافي والجمعيات إعاقه لتسيير الموارد نحو الشمال الشرقي وانخفاضاً يزيد عن 50 في المئة مقارنة مع الإغاثة عبر الحدود، رغم توسط روسيا للحوار بين الإدارة الذاتية ودمشق. حتى أن منظمة الصحة العالمية اقترحت إعادة فتح معبر اليعربية للمساعدة على الاستجابة لفيروس كورونا، لكنها عادت بعد أيام وتراجعت عن هذا الطلب لأسباب مجهولة.

عندما تأسست الأمم المتحدة كمنصة لدعم السلم الدولي تم وضع ميثاقها و نصوص عملها بما يحفظ  استقلال الدول وسيادتها.

كما صُممت قوانينها لتساعد في حالات الصراع بين الدول أو في حالات الكوارث الطبيعية  حيث يجب أن تطلب الدول رسمياً المعونة الدولية وأن تحدد للمنظمات الدولية مجال عملهم. لكن تغير طبيعة الحروب في العقود الماضية وتحول الحكومات إلى طرف في الحرب على جزء من شعوبها أظهر بوضوح ضعف القوانين الدولية وعدم قدرتها على تجاوز هذه الثغرة التي أصبحت أحد مداخل الفيتو الروسي على المعابر الإنسانية في سوريا.

كما أن الفيتو يفترض عدم وجود فرق اذا تمت العمليات الأممية عبر معبر واحد أو معبرين في الشمال الغربي، وهو افتراض غير واقعي. فتعداد سكان الشمال الغربي في سوريا قريب من عدد سكان دولة بحجم الكويت مثلاً، ومن غير المعقول توقع أن يكون معبر حدودي واحد في ظروف الحرب كافياً لإدخال احتياجات 4 ملايين سوري.

لكن بعيداً عن مناكفات السياسة الدولية وزيفها، فإن أعمال الإغاثة الوطنية السورية سبقت إصدارالقرار الأممي بثلاث سنوات، ونمت رغم التحديات الدولية، ومن المؤكد أنها ستبقى ملتزمة بالمواطن السوري حتى لو أُلغي قرار مجلس الأمن أو استمرت محاولات تقويضه. لكن من المؤلم أنه بينما يسابق السوريون الزمن للحصول على قوت يومهم وعلى ما يستر أجساد أولادهم، يظهر واضحاً فشل القوانين الدولية في حمايتهم أو على الأقل في حماية رغيفهم.

———————————————

صيحة 4 ملايين سوري: #الفيتو_الروسي_يقتلنا

أطلق ناشطون سوريون حملة واسعة في مواقع التواصل، الخميس، لتسليط الضوء على استخدام روسيا مجدداً لحق النقض “فيتو” في مجلس الأمن الدولي، لمنع وصول المساعدات للسوريين شمال غربي سوريا.

وعبر هاشتاغ #الفيتو_الروسي_يقتلنا، أشار الناشطون إلى أن روسيا تتعمد قتل السوريين بطرق مباشرة وغير مباشرة، وهذه المرة لا تقوم بقصف المدنيين بطائراتها ولا تستخدم مرتزقتها على الأرض، بل تتعمد عبر نفوذها السياسي إغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية الولية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.

وكتب أحد المغردين: “استخدام الفيتو الروسي هو لتجويع الشعب السوري والذي لم تستطع آلة الحرب المشتركة الروسية السورية قتله، وبالتالي شكل جديد من الإجرام بحق المدنيين بعد قتل المعتقلين وقصف المدن والبلدات والتهجير القسري”، فيما قال آخر: “لم تكتفِ روسيا بقتلنا وهدم منازلنا وتهجيرنا قسراً بل تريد تجويعنا للقضاء على 4 ملايين في الشمال المحرر من خلال منع وصول المساعدات الأممية. أي إجرام وأي حقد يكنونه اتجاه المدنيين العزل الذين لا حول لهم ولا قوة”.

وكانت روسيا استخدمت حق النقض “فيتو”، قبل أيام، للمرة الخامسة عشرة منذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011، ضد مشروع قرار قدمته بلجيكا وألمانيا، وكان يقضي بتمديد الموافقة على نقل المساعدات عبر معبري باب الهوى وباب السلام على الحدود السورية التركية، وهي الآلية الأممية لنقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود التي بدأ العمل بها العام 2014.

والحال أن الفيتو الروسي الذي توازى مع اعتراض صيني مماثل، يعاكس مواقف الأمم المتحدة والدول الغربية التي تعتبر أنه لا يتوافر حالياً أي بديل ذي مصداقية لآلية نقل المساعدات عبر الحدود، خصوصاً أن نظام الأسد يضع الكثير من العقبات أمام إيصال المساعدات للمحتاجين الحقيقيين إليها، عندما تمرّ تلك المساعدات عبر دمشق.

وباتت سوريا في العموم تواجه أزمة مركبة يمتزج فيها تأثير الحرب الطويلة وسياسات الحصار والتجويع وانتشار فيروس كورونا المستجد، ما يرشح الوضع الإنساني في البلاد للتدهور أكثر من مناطق نزاعات أخرى مثل اليمن أو جنوب السودان، خصوصاً أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 17 مليون نسمة، يصنفون كافقدين للأمن الغذائي، بحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي.

وأشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن المناطق الأكثر حاجة للمساعدات الإنسانية هي تلك التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا حيث تسببت الهجمات من النظام السوري بدعم روسي في نزوح أكثر من نصف مليون نسمة هذا العام. فيما تبدو المشاكل في سوريا ككل متعددة، فهناك صعوبات في إنتاج وتوزيع المواد الغذائية، حيث تسبب الصراع بعرقلة تدفق الإمدادات من المنتجات الزراعية، والتي تعتبر عماد الاقتصاد السوري قبل الحرب، وكذلك المواد المستوردة، وحتى حينما تصل المواد الغذائية إلى الأسواق فإن ما يمتلكه السوريون من نقود لشراء تلك البضائع يتناقص يوماً بعد آخر.

وعلق وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك: “لدينا قصص بأن الناس يقومون بتدابير يائسة جداً، ويتحدث معنا البعض ويقولون أنهم يقومون بجمع الأعشاب وغليها وأكلها. وهذا لا يفعله الناس إلا إذا وصلوا إلى مرحلة اليأس”. وفيما تشكل المساعدات شريان حياة للسوريين الذين يعانون من الحرب والجائحة ونقص المواد الغذائية، قال لوكوك أنه “حتى مع ازدياد التبرعات لسوريا، لن يكون ذلك كافياً”.

وكان مؤتمر المانحين الدوليين، قد جمع الشهر الماضي، مبلغ 5.5 مليارات دولار من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا وغيرها من الدول كمساعدات إنسانية لسوريا خلال العام الجاري، و 2.2 مليار دولار للأزمة في 2021، فيما وعدت الولايات المتحدة بمبلغ 696 مليون دولار كمساعدات إنسانية جديدة، وستقدم أكثر من 31 مليون دولار للسوريين وخاصة لمكافحة فيروس كورونا، بحسب بوغا غنغنوالا، المتحدثة بالنيابة عن وكالة التنمية الدولية الأميركية.

    استخدام الفيتو الروسي هو لتجوع الشعب السوري والذين لم تستطع آلة الحرب المشتركة ( الروسية السورية) قتلهم، وبالتالي شكل جديد من الإجرام بحق المدنيين بعد قتل المعتقلين وقصف المدن والبلدات والتهجير القسري.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/GUazgOGXJ1

    — فراس الخليفة Firas Alkhalifa (@firas_alkhalifa) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/p6smOMejkY

    — Majd Hamo مجد هامو (@HamoMjd) July 9, 2020

    مخيمات كفرعروق ريف ادلب الشمالي

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/k6BmdMM1yo

    — IDLIB PLUS (@IdlibPlus) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/ffENwEbdCv

    — شريف الحلبي (@Sharif199629) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/m9aeBl4cdz

    — Ahmad Al-atrash (@ahmadalatrasha) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا pic.twitter.com/8IiICsuWGo

    — Hosamsalom (@Hosamsalom1) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا

    — ALI AL IBRAHIM (@aliibrahem88) July 9, 2020

    لم تكتف روسيا بقتلنا وهدم منازلنا وتهجيرنا قسرا. بل تريد تجويعنا للقضاء على 4 مليون في الشمال المحرر من خلال منع وصول المساعدات الاممية إلى المحرر.

    أي إجرام واي حقد يكنونه اتجاه المدنيين العزل الذين لاحول لهم ولا قوة.#الفيتو_الروسي_يقتلنا

    — أبو فراس القسوم (@rakan6500) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا

    — ابومحمد ميداني (@dbOFRYEU7XqMrTc) July 9, 2020

    لمرة جديدة تستخدم #روسيا الفيتو بمجلس الأمن لتمكين قتل الشعب السوري ، هذه المرة لإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شمال غرب سوريا، حيث يحاصر 4 مليون إنسان.#الفيتو_الروسي_يقتلنا

    —

            ———————————————–

          الجزيرة نت تزور أحد المخيمات.. ملايين النازحين السوريين في خطر بعد الفيتو الروسي الصيني بشأن المساعدات

منتصر أبو نبوت – غازي عنتاب

لم يكن هروب النازحين السورين إلى مخيمات عند الحدود السورية التركية كافيًا لإنهاء المعاناة التي عاشوها في مدنهم وبلداتهم بسبب قصف النظام السوري وروسيا، فالنازحون الذين يقارعون منذ سنوات مصاعب الحياة في تلك المخيمات تنتظرهم معاناة كبرى وتهدد حياتهم حتى وهم في مكانٍ يعتقدون أنه أكثر أمنًا من المدن والبلدات التي خرجوا منها.

فروسيا التي قصفت مدنهم وبلداتهم مع النظام السوري، تقفت أثرهم من خلال استخدمها حق النقض (الفيتو) مع الصين في مجلس الأمن حيث عطلتا بموجبه مشروع قرار يمدد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى النازحين السوريين داخل البلاد عبر منفذين حدوديين شمالي سوريا.

الشمال السوري أصبح بقعة تكتظ بها آلاف المخيمات (الفرنسية)

سلة الحياة

قد لا تكون المساعدات الإنسانية التي تُقدم للنازحين كافية لسدّ احتياجاتهم اليومية، إلا أنها بالنسبة إلى كثيرين تعتبر مصدرًا وحيدًا لقوت أبنائهم كحال عائلة خليل أبو محمود الذي يعيش في أحد مخيمات شمالي سوريا منذ أربع سنوات بعد أن نزح من ريف حلب الجنوبي.

يقول للجزيرة نت إن انقطاع ما تُعرف بالسلة الغذائية التي يتلقاها شهريًا يعني تعرض أفراد عائلته وأهله وأقربائه الذين يعولهم للجوع لأنه لا يملك عملًا ولا مصدرًا آخر يستطيع من خلاله تأمين الطعام، ووصف بلهجة عامية السلة بأنها “الحيلة والفتيلة”، في إشارة منه إلى أهميتها بالنسبة له على الرغم من كميتها القليلة.

وناشد أبو محمود “أصحاب الضمائر الحيّة لإيجاد حل قبل انقطاع المساعدات والتدخل لإنقاذه وإنقاذ الملايين ممن يعتمدون على المساعدات” في المخيمات شمالي غربي البلاد.

كارثة إنسانية

ينذر توقف المساعدات الإنسانية إذا لم تُعتمد آلية جديدة من قبل مجلس الأمن بكارثة إنسانية قد تكون أشد مما مرّ به النازحون السوريون منذ بدء رحلتهم الصعبة في المخيمات.

وبشأن المخاطر التي قد تلحق بالنازحين، قال محمد حلاج مدير منظمة “منسقو الاستجابة”، إحدى أهم المنظمات الميدانية العاملة شمالي غربي سوريا، إن توقف المساعدات سيهدد الأمن الغذائي في المنطقة ويمكن أن يتطور إلى مجاعة.

وأشار في حوار أجرته معه الجزيرة نت إلى أن المساعدات تشمل المجال الطبي وسيتسبب الأمر في كارثة في هذا المجال الذي يعاني أساسًا من ضعف كبير خصوصًا في الوقت الحالي.

كما أضاف حلاج أن المساعدات الإنسانية لا تصل فقط إلى سكان المخيمات، بل تشمل نازحين في مدن وبلدات قرب الحدود مع تركيا، وتوقفها أو تقليل كمياتها كما تحاول روسيا سيدفعهم إلى التوجه للسكن في المخيمات التي ستكون مقدمة في المساعدات إذا انخفضت كمياتها، محذرا من أن ذلك سيزيد العبء على المخيمات ويزيد من مخاطرها التي يمكن تجاوزها باستمرار إدخال المساعدات الإنسانية.

العائلات السورية تعيش أوضاعا صعبة في المخيمات قرب الحدود السورية التركية (الجزيرة)

الحلول المتاحة

تتطلع الكثير من المنظمات الإنسانية العاملة شمالي غربي سوريا إلى البدائل المتاحة إذا لم يتوصل مجلس الأمن إلى آلية جديدة تُجدد بموجبها عملية إدخال المساعدات إلى البلاد.

ويشير مدير منظمة “منسقو الاستجابة” في حديثه للجزيرة نت إلى أن أحد البدائل الموجودة هي العمل في المجال الإنساني بناء على ما قبل عام 2014 أيّ خارج آلية التفويض من قبل مجلس الأمن.

وأشار حلاج إلى أن التواصل مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة لم يتوقف بهدف تسليط الضوء على الواقع الإنساني الذي قد لا تتم السيطرة عليه في مرحلة من المراحل القادمة، خصوصًا في ظل وجود عجز كبير في القطاعات الإنسانية لأن الدول المانحة لم تف بكامل ما تعهدت به بشأن تقديم التمويل الإنساني.

وأوضح أن مؤتمر المانحين في بروكسل لم يجمع إلا 7.7 مليارات دولار، رغم أن الأمم المتحدة طالبت بمبلغ 10 مليارات دولار، فالمساعدات الإنسانية تصل إلى أكثر من 3 ملايين شخص بحسب البرامج التي تدعمها الأمم المتحدة.

المصدر : الجزيرة

—————————————————-

المساعدات الأممية لسوريا تنتظر القرار الروسي

استخدمت موسكو وبكين حقّ النقض ضد مشروع قرار يمدّد لعام واحد دعم الأمم المتحدة للسوريين

(أ ف ب)

تحسم الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، قرارها حول مسودّة قرار ألماني بلجيكي ينصّ على إبقاء المساعدات الإنسانية التي تقدّمها إلى سوريا عبر الحدود بلا تغيير مع انتهاء مهمّاتها مساء اليوم. فهل تعرقل روسيا هذه المساعدة الحيوية مرة أخرى، بعد ثلاثة أيام من استخدامها لحقّ النقض (الفيتو)؟

وأعربت منظمة “أوكسفام” الخيرية غير الحكومية عن خشيتها من أن وقف المساعدات عبر الحدود سيشكّل “ضربة قاصمة لملايين العائلات السورية التي تعتمد عليها في الحصول على مياه الشرب والغذاء والرعاية الصحية والسكن”.

فيتو روسي

واستخدمت روسيا ومعها الصين، الثلاثاء، الفيتو ضدّ مشروع القرار الذي يمدّد لعام الموافقة للأمم المتحدة، مع المحافظة على المعبرَيْن الحاليَّيْن في شمال غربي البلاد الحدوديَّيْن مع تركيا، الأول هو معبر باب السلام المؤدي إلى محافظة حلب والآخر معبر باب الهوى نحو محافظة إدلب.

وهذه الإجراءات المحدّدة للأمم المتحدة، تسمح بتجاوز الحصول على أي موافقة من دمشق لنقل المساعدة الإنسانية إلى السوريين في مناطق لا يسيطر عليها النظام.

وكانت روسيا، التي تعتبر أن القرار ينتهك السيادة السورية، فرضت إرادتها على الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني)، بانتزاعها خفضاً كبيراً في آلية المساعدات عبر الحدود التي باتت تنصّ على نقطتَيْ عبور بدلاً من أربع نقاط، ولستة أشهر بينما كانت تُمدّد سنوياً منذ تطبيقها عام 2014.

وقدّمت موسكو، التي تؤكد رغبتها في مواصلة تقديم المساعدة لمحافظة إدلب، معقل الفصائل المقاتلة ويعيش فيها نحو أربعة ملايين شخص، إلى مجلس الأمن مشروعاً مضادّاً يبقي على معبر الباب فقط ولستة أشهر.

وحصل القرار خلال تصويت الأربعاء على تأييد ثلاث دول فقط، إضافةً إلى روسيا، فيما كان يحتاج إلى تسعة لتمريره من دون أن يستخدم أي من الدول الدائمة العضوية في المجلس حق النقض.

“خط أحمر”

وتقدمت ألمانيا وبلجيكا، العضوان غير الدائمين في مجلس الأمن والمكلّفان بالشقّ الإنساني في الملف السوري في الأمم المتحدة، بمشروع قرار لتمديد التفويض طُرح للتصويت الخميس وستُعرف نتيجته الجمعة.

في تنازل وحيد لموسكو، تعرض الدولتان الأوروبيتان تمديد تقديم المساعدات لستة أشهر فقط، لكنهما أبقتا على نقطتَيْ العبور الحاليتَيْن إلى الأراضي السورية.

وترى السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت أنه من الضروري “الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية”.

وردّاً على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر يشكّل “خطّاً أحمر”، أجابت “نعم، بالتأكيد”.

واعتبرت إن إلغاء معبر باب السلام سيحرم 1.3 مليون سوري من المساعدات الإنسانية في شمال حلب.

ولم يجازف عددٌ من الدبلوماسيين الخميس بالتخمين حول تصويت روسيا لحسم هذه “المواجهة”.

وقال أحدهم “ليس لدي أي فكرة”. واعتبر آخر أن موسكو قد تظهر “عدم مرونة” كالتمسّك بموقفها الأصلي (ستة أشهر ونقطتا عبور) خلال المفاوضات قبل أن تتشدّد. وأشار ثالث، طلب عدم الكشف عن هويته على غرار الآخرين، إلى أن فيتو روسياً جديداً “غير مستبعد ولكن من الممكن أيضاً” أن يمرّ النص “بفارق طفيف جداً” من الأصوات.

وترى الأمم المتحدة أن الإبقاء على أكبر عدد ممكن من المعابر أمر بالغ الأهمية، بخاصة في ضوء خطر وباء “كوفيد-19″، الذي ينتشر في المنطقة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش طلب في تقرير في يونيو (حزيران) تمديد المساعدات لمدة عام واحد في نقطتَيْ العبور الحاليّتَيْن.

وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك الخميس ردّاً على سؤال حول ما إذا كان يمكن للأمم المتحدة أن توافق على وجود معبر واحد “نحن نحتاج إلى تمرير المزيد من المساعدات عبر الحدود، وليس أقلّ”.

———————————

في سوريا “قُصف الأطفال في المدرسة والآباء في السوق والمرضى في المستشفى

“من البغيض تماماً أنه بعد أكثر من تسع سنوات، لا يزال المدنيون يتعرضون للهجوم العشوائي، أو حتى للاستهداف، أثناء حياتهم اليومية… قُصف الأطفال في المدرسة، قُصف الآباء في السوق، قُصف المرضى في المستشفى، قُصفت عائلات بأكملها حتى أثناء فرارها”.

بهذه الكلمات استهل باولو بينيرو، رئيس لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن سوريا، عرضه لنتائج أحدث تقرير بشأن الوضع في سوريا. يكشف التقرير عن أدلة جديدة على ارتكاب جميع أطراف النزاع في سوريا “جرائم حرب” جديدة.

وأضاف بينيرو: “يتضح من الحملة العسكرية أن القوات الموالية للحكومة والإرهابيين الذين حددتهم الأمم المتحدة انتهكوا بشكل صارخ قوانين الحرب وحقوق المدنيين السوريين”.

    “هجمات عشوائية وأخرى متعمدة على أهداف محمية”… تقرير أممي يكشف عن أدلة جديدة على ارتكاب جرائم حرب في إدلب السورية من جميع أطراف الصراع، تزامناً مع فيتو روسي صيني عرقل وصول المساعدات الإنسانية

الجميع مُدانون

عدّد التقرير وقائع 52 هجوماً من جميع الأطراف بين تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 وحزيران/ يونيو من العام الجاري، بما في ذلك: 17 هجوماً على المستشفيات والمنشآت الطبية، و14 على المدارس و12 على المنازل وتسعة على الأسواق.

ودان التقرير الذي قُدم إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف في 7 تموز/ يوليو، القوات الجوية الروسية والقوات الحكومية السورية التي قال إنها “نفذت هجمات جوية وبرية أهلكت البنية التحتية المدنية، وأفرغت البلدات والقرى”، وهذا ما أدى إلى مقتل المئات من النساء والرجال والأطفال.

وبيّن أن المستشفيات والمدارس والمنازل جميعها لم تسلم من الهجمات والاستهداف في إطار الصراع الوحشي الممتد في سوريا منذ عام 2011.

وركّز بشكل خاص على الحملة العسكرية التي شنتها القوات الموالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في أواخر العام الماضي على محافظة إدلب، لاستعادة مناطق كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة.

وأشار التقرير إلى “قصف عشوائي لمناطق مدنية مكتظة بالسكان” نفذته جماعة تحرير الشام، التي تعتبرها الأمم المتحدة “تنظيماً إرهابياً”. واتهمها التقرير أيضاً بـ”نشر الرعب” في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وأُثير في الوقت نفسه الحديث عن “تدمير العديد من المواقع التي يحميها القانون الدولي في شمال غربي سوريا بهجمات جوية وبرية، استُخدمت فيها ذخائر عنقودية”.

    “من البغيض تماماً أنه بعد أكثر من تسع سنوات، لا يزال المدنيون يتعرضون للهجوم العشوائي، أو حتى للاستهداف، أثناء حياتهم اليومية… قُصف الأطفال في المدرسة، قُصف الآباء في السوق، قُصف المرضى في المستشفى… قُصفت عائلات بأكملها حتى أثناء فرارها”

جرائم حرب تستدعي المحاكمة

وعلّق المحققون على النتائج التي خلصوا إليها، موضحين أنها، إذا ثبتت في المحكمة، فإن مثل هذه الأفعال ترقى إلى “جرائم حرب” متمثلة في شن “هجمات عشوائية وهجمات متعمدة على أهداف محمية”.

علماً أن قصفاً “عشوائياً واسع النطاق” نفذته القوات الموالية للنظام السوري على معرة النعمان وأريحا في محافظة إدلب، بالإضافة إلى الأتارب ودارة عزة في غرب حلب، اعتباراً من النصف الثاني من كانون الأول/ديسمبر ومنتصف شباط/فبراير الماضيين، قد أدى إلى نزوح جماعي.

و”لم يكن أمام المدنيين خيار سوى الفرار”، وهذا ما اعتبر المفوضون أنه “قد يصل إلى جرائم ضد الإنسانية متمثلة في النقل القسري والقتل وغيرهما من الأعمال اللاإنسانية”.

وحتى عندما فر الناس، رصد التقرير قيام “إرهابيي هيئة تحرير الشام” بنهب منازلهم، مستدركاً أنه “فيما اشتدت المعارك، قام عناصر هيئة تحرير الشام باعتقال وتعذيب وإعدام مدنيين يعبرون عن آراء معارضة، ومنهم صحافيون”.

ونبه المحققون إلى أن العاملات في مجال الإعلام هناك تعرضن لـ”إيذاء مضاعف” جراء تمييز المجموعة الإرهابية ضد النساء والفتيات، بما في ذلك حرمانهن من حرية التنقل.

وتعقيباً على ذلك، قالت المفوضة كارين كونينغ أبو زيد: “واجه الرجال والنساء والأطفال الذين قابلناهم الخيار المروع المتمثل في تعرضهم للقصف أو الفرار إلى عمق المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام حيث تنتشر انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وحيث المساعدة الإنسانية محدودة للغاية”.

    التقرير يُفصّل وقائع 52 هجوماً من جميع الأطراف، بين تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 وحزيران/ يونيو من العام الجاري، بما في ذلك: 17 هجوماً على المستشفيات والمنشآت الطبية، و14 على المدارس و12 على المنازل وتسعة على الأسواق

وأردفت: “أفعال أعضاء هيئة تحرير الشام ترقى إلى جرائم حرب”.

وحثّ المفوض هاني مجلي جميع أطراف النزاع على وقف الهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية، من أجل قُرابة مليون مدني من النازحين جراء الصراع في إدلب، لأنهم يواجهون مخاطر متزايدة في ظل أزمة تفشي وباء فيروس كورونا.

وناشد مجلي الدول الأعضاء “متابعة المساءلة عن الجرائم المبينة في التقرير”، لافتاً إلى أن “الجوائح لا تعرف حدوداً، وكذلك يجب أن لا تعرف المساعدة المنقذة للحياة حدوداً”.

وشدد على أن “المدنيين يحتاجون الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى وصول مستمر إلى المساعدة الإنسانية التي يجب عدم تسييسها من قبل الدول الأعضاء أو استغلالها من قبل أطراف النزاع”.

لكن، وللمفارقة، فشل مجلس الأمن الدولي، مساء 7 تموز/ يوليو، في تبني مشروع قرار يجدد تفويض عمليات إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا لاعتراض روسيا والصين على مسودة القرار.

وكانت المسودة تقترح تجديد التفويض لاستخدام معبريْ باب الهوى وباب السلام الحدوديين لإدخال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غربب سوريا مدة 12 شهراً.

وأيد 13 صوتاً القرار، لكنه لم يُعتمد “بسبب التصويت السلبي لعضوين دائمين (الصين وروسيا) في مجلس الأمن”.

—————————

الوجود الروسي في شرق الفرات… علاقةٌ “مخيفة” مع سكان المنطقة وعشائرها وجيرانها/ منذر محمد

“اذهبوا، اذهبوا من هنا، هذا المكان ليس مكانكم، هنا للكرد ولأبناء الأرض الذين استشهدوا في سبيلها”، هذا ما انفكّت تُردّده العجوز المسنّة الواقفة على طريق قريتها المتاخمة لمدينة المالكية في أقصى الشمال الشرقي، مبديةً رأيها في الدورية الروسية الواقفة على مدخل قريتها.

“تركتم رأس العين وعفرين وجايين لهون مشان شو (لأي سبب)، نحن لا نقبل بكم”، أنهت العجوز كلامها، ثم أدا

رت ظهرها للجنود الروس متجهةً إلى داخل القرية.

بداية الوجود الروسي

يعود تاريخ وجود القوات الروسية في منطقة شرقي الفرات إلى أواخر عام 2019، وتحديداً في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عقب عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في رأس العين وتل أبيض. كان الأمريكيون قد انسحبوا من المناطق الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا، إثر إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه عن نية بلاده سحب كامل قواتها من شمال شرق سوريا.

إعلان أمريكا الانسحاب من الشمال السوري شجّع تركيا على شن عملية عسكرية بعد ثلاثة أيام، وهو ما دفع بقوات سوريا الديمقراطية إلى توقيع اتفاقية التفاهم مع روسيا القاضية بدخول الجيش السوري إلى المنطقة، خاصة المناطق الشمالية الواقعة على الحدود، بينما تعهدت روسيا بموجب تلك الاتفاقية بلعب دور “الضامن” في المنطقة لوقف زحف القوات التركية، وكذلك برعاية المفاوضات بين الإدارة الذاتية والنظام السوري.

بعد الدخول الروسي إلى المنطقة، وُقّعت اتفاقية أخرى بين موسكو وأنقرة، نصّت على انسحاب “قسد” من الحدود بعمق 30 كيلومتراً، وتسيير دوريات مشتركة بين الطرفين على طول المدن الواقعة على الشريط الحدودي من مدينة عين العرب إلى المالكية باستثناء مدينة قامشلي. من جهتها، أعلنت أمريكا بعد تسيير أولى هذه الدوريات بأن انسحابها من سوريا سيكون جزئياً وليس كاملاً، وأن تواجد قواتها يقتصر على المناطق الغنية بالنفط.

خارطة تواجد القوات الروسية

تتوزع القوات الروسية في شمالي سوريا وشرقيها بين مثلث عين العرب والريف الشمالي والغربي لمدينة الرقة، وصولاً إلى قامشلي وأريافها.

تُقدَّر نقاط تواجد القوات الروسية بحوالي 15 نقطة عسكرية، إذ تحوّل مطار قامشلي إلى قاعدة عسكرية لها تضم منظومة صواريخ دفاع جوي، وهناك قاعدة عسكرية لها في مطار مدينة الطبقة العسكري على مقربة من سد الفرات، وقاعدة عين عيسى التي كانت تتبع للفرقة 17 في مدينة الرقة، وقاعدة في مقر الفرقة 17 في المحيط الشمالي الشرقي محاذية لمدينة الرقة، وقاعدة أخرى في مدينة صرين جنوبي عين العرب… وكانت هذه قواعد تابعة للقوات الأمريكية قبل الانسحاب من هذه المناطق.

يستمر نشاط القوات الروسية في المنطقة بشكل مكثف من سد تشرين وصولاً إلى ريف الرقة الشمالي فمدينة قامشلي وعامودا، بالإضافة إلى تسيير دوريات مشتركة مع تركيا والقيام بجولات استطلاعية باتجاه الحدود العراقية، وهذا ما جعلها تصطدم بالقوات الأمريكية طيلة الأشهر الخمسة الماضية.

ناحية أخرى، تتابع روسيا تعزيز نقاطها العسكرية بالمعدات والأسلحة والرادارات، وأبرزها كانت القافلة العسكرية التي خرجت من عين عيسى على طريق M4 نحو قامشلي أمام أنظار الدوريات الأمريكية في شهر نيسان/ أبريل الماضي.

مخاوف الأهالي

في ظل التواجد الروسي في المنطقة، تكثر الحوادث والتوترات، بينما تظهر حالة الخوف لدى سكان المنطقة فيكثر حديثهم عن الدور الروسي تاريخياً تجاه شعوب المنطقة.

تعززت حالة الخوف بعد حوادث وقعت وكانت على علاقة مباشرة بتصرفات القوات الروسية، ومنها اجتماعات عقدتها الأخيرة مع زعماء العشائر، فضلاً عن تحريضها الأهالي في القرى الواقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري ضد القوات الأمريكية، وممارسة الحرب الإعلامية ضد القوى الفاعلة على الأرض.

في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، وقعت حادثة في قرية خربة عمو الموالية للنظام السوري، على إثر تحريض القوات الروسية والنظام لأهالي هذه القرية ضد الوجود الأمريكي، فجرى إطلاق نار على دورية أمريكية أثناء جولة استطلاعية لها في محيط قامشلي، وفقد شخص حياته خلال المواجهة.

تسببت هذه الحادثة بحالة قلق لدى السكان، حيث يقول سامي خليل، وهو من أهالي مدينة قامشلي: “روسيا يا بتبيعك يا بخليك تتقاتل مع جيرانك، عم تمارس نفس السياسة التي مارستها في الشيشان”.

ويرى خليل الذي عاش في روسيا لسنوات عدة في وجود القوات الروسية زعزعةً للاستقرار والسلم الأهلي، مشبّهاً السياسة الروسية في المنطقة بتلك التي مارستها عندما ألّبت شيشانيين على بعضهم البعض بدعم فصائل في وجه أخرى ضدها.

ويقول لرصيف22: “من فترة عم تحاول تقنع العشائر بضرورة الوقوف في وجه المحتل الأمريكي كما تصفهم، وتريد من العشائر إخراج أبنائهم من صفوف قسد، لتشكيل قوات موالية لها”، متسائلاً: “إذا كانت روسيا صادقة مع العشائر فلماذا تمنع فتح معبر اليعربية أمام المساعدات الإنسانية؟”.

ويشير خليل بذلك إلى الاجتماعات التي حصلت في نيسان/ أبريل الماضي في قرية الجرمز التابعة لمدينة القامشلي الواقعة ضمن نطاق سيطرة قوات النظام، وتلك التي حصلت في الحسكة وتل تمر أيضاً، عندما اجتمع ضباط من القوات الروسية مع زعماء من العشائر، لتحسين الوضع الخدمي في المنطقة وإجراء حلول عاجلة للمشكلات القائمة، بينما للمفارقة تصر على استخدام الفيتو لإبقاء المعبر مغلقاً.

والعشائر التي اجتمعت مع الجانب الروسي في قامشلي والحسكة هي عشيرة آل سياد، آل يسار، الغنامة، المعماري، بني سبعة، الراشد، البوعاصي.

وبحسب الباحث السياسي أحمد رسول، فإن هدف روسيا من وراء هذه الاجتماعات منافسة النفوذ الأمريكي من خلال استمالة القوة العشائرية الفاعلة ضمن قوات سوريا الديمقراطية إلى جانبها، لتشكيل قوة عسكرية خاصة بها وتعمل تحت رعايتها، كون معظم المقاتلين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية من أبناء العشائر.

ويرى رسول أن روسيا تحاول استخدام العشائر العربية كأداة بيدها لضرب السلم الأهلي، وبذلك تُحقق هدفين: الأول إضعاف قوات سوريا الديمقراطية والانتقام منها كونها لم تستجب للسياسات الروسية في مواجهة أمريكا في المنطقة، وهذا ما يؤلّب الجماعات الأهلية في شرقي الفرات على بعضهم البعض.

الهدف الثاني، وفق رسول، يتمثل بممارسة ضغط فعال على الوجود الأمريكي نظراً لحيوية القوى العشائرية في المنطقة، وذلك من خلال إقناع العشائر بالوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية أو “المحتلة” للأراضي السورية.

ويشير رسول إلى أن ما يدعم المحاولات الروسية المستمرة في هذا السياق هي الثقافة العشائرية الرصينة والعريقة في المنطقة التي ترفض الانصياع وقبول الغرباء. تحاول روسيا من خلال هذه النقطة إقناع العشائر بأن وجودها – على عكس الأمريكيين – جاء على خلفية دعمها للسوريين.

من جهته، يقول المحلل السياسي وليد جولي: “رغم مرور أشهر على المساعي الروسية تجاه العشائر، إلا أنها لم تحقق تقدماً يُذكر، ويعود ذلك إلى الصعوبة في كسب هذه العشائر، خاصة في ظل إعلان روسيا في الفترة الأخيرة عن تشكيل فوج عسكري لتجنيد السوريين للقتال في ليبيا، وهو ما يثير مخاوف أبناء العشائر”.

ثمة سبب آخر، بحسب جولي، وهو أن قوات سوريا الديمقراطية لا تقبل بوجود جيش آخر في المنطقة، وهو ما يدركه زعماء العشائر لما سيترتب عليه من كارثة حقيقة، بسبب اقتتال أبناء المنطقة.

وفي بداية شهر حزيران/ يونيو من العام الحالي، اعترض أهالي من مدينة ديريك/ المالكية، الخاضعة للنفوذ الأمريكي، على رغبة الروس في إنشاء قاعدة عسكرية في إحدى القرى التابعة للمدينة، فوقفوا في وجه القوات الروسية أثناء محاولتها بناء القاعدة، ما دفع روسيا للانسحاب.

يقول جهاد عباس، وهو أحد أبناء المدينة الذين شاركوا في التظاهر ضد القوات الروسية لرصيف22: “في حال موافقة أبناء المدينة على بناء نقطة عسكرية في قريتهم سيؤدي ذلك إلى خلق التوتر بينهم وبين القرى المجاورة لهم، نتيجة تمركز القوات الأمريكية في تلك القرى”.

الجدير بالذكر أن روسيا عرضت على الأهالي في الشهر نفسه مساعدات إغاثية من السلل الغذائية، لكن الأخيرة قوبلت بالرفض، وهو ما يؤكده نذير صالح من المدينة قائلاً: “حاولوا توزيع المساعدات علينا فرفضنا، كانوا يريدون إغراءنا بهذه المساعدات لنقبل بإقامة نقطة عسكرية لهم في قريتنا”.

في ظل الموقف التصعيدي الشعبي ضد التواجد الروسي، قامت طائرة تركية مُسيَّرة في الثالث والعشرين من شهر حزيران/ يونيو الماضي بقصف قرية حلنج التابعة لمدينة كوباني/ عين العرب، وأدت هذه العملية إلى مقتل ثلاث نسوة من أهالي المدينة كن يعملن في شؤون تنظيمات المرأة الحرة الموجودة ضمن الإدارة الذاتية، ما تسبب بموجة استنكار عارمة بين مختلف أبناء المنطقة وتحميل مسؤولية العملية لروسيا.

تصف جيهان خليل وهي من سكان القرية التي تم قصفها ما جرى قائلة: “روسيا لها يد بالعملية، على أساس دخلوا المنطقة ليضمنوا حمايتها لكن القوات التركية تقتلنا على مرأى من أعينهم”.

ويتفق كثر من أبناء المنطقة على أن روسيا لا تقوم بما هو مطلوب منها في دورها الضامن للحماية ووقف الهجمات والانتهاكات التي تتعرض لها المنطقة والأهالي.

ويقول جولي في هذا الإطار: “روسيا لم تلعب دورها المطلوب كما صرّحت في بداية دخولها إلى المنطقة، بناء على الاتفاقية الأمنية التي وقعتها مع قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث تعهدت بموجب ذلك حماية المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد وردع الهجمات والانتهاكات التركية”.

ويضيف: “أكثر من تسعة أشهر على الوجود الروسي، ولم تتوقف هجمات الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في تل تمر وريف كوباني الشرقي والقرى الواقعة في ريف المالكية الشمالي”.

وبحسب جولي، فإن روسيا تتغاضى أحياناً عن الانتهاكات والهجمات، وأحياناً تتواطأ مع تركيا في ذلك. يقول: “السبب يعود إلى الانسحاب الجزئي لأمريكا وليس الانسحاب الكامل كما كانت تأمل روسيا في البداية”.

يضيف جولي سببين آخرين يلعبان دوراً برأيه، وهما الرفض الشعبي لمحاولة الروس استمالة الأهالي ضد القوات الأمريكية، وفشل المفاوضات بين النظام والإدارة الذاتية.

بحسب مصادر متقاطعة، اقتصرت الجهود الروسية في المنطقة خلال الآونة الأخيرة على رصد تحركات القوات الأمريكية واستفزاز دورياتها، وعرقلتها في بعض الأحيان، وهي تركز حالياً على كيفية إخراج الولايات المتحدة الأمريكية.

يعلق رسول على هذه النقطة بالقول إن روسيا لا تهمها حماية المناطق أو تحقيق الاستقرار فيها، بل لديها مطامع في الثروات الموجودة من النفط والغاز والقمح.

ويقول صالح: “قلت لهم أثناء تواجدي بين الناس المحتجين في ريف المالكية، ولله ما نكون جايين كرمالنا، أنتو جايين منشان النفط والقمح”.

وعلى الصعيد الإعلامي، مارست روسيا دوراً سلبياً ضد المكونات والعشائر. بحسب ما يقوله الإعلامي نورهات حسن: “الإعلام الروسي مارس التحيز التام، ويلجأ إلى أسلوب فبركة الحوادث والكذب بشأن هذه الحوادث، وأحياناً يجعل من حدث معين مشكلة كبيرة، فعندما اجتمعت العشائر مع قوات سوريا الديمقراطية من أجل تكثيف الجهود لتحقيق الاستقرار والأمن، أظهر الإعلام الروسي على أن هذا الاجتماع محاولة انفصالية، والتفاف على مسار الآستانة وسوتشي”.

ويضيف حسن: “عندما دخلت القوات الروسية والنظام السوري في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعد العملية التركية، لجأ الاعلام للتضخيم من شأن السياسة الروسية وبراعتها، وأعطى صورة أن قوات سوريا الديمقراطية انتهت، ووصفها بالقوات المنحلة، ومنذ ذلك الحين يعمل على تلميع العشائر وتحريضها ضد القوات الأمريكية، والتأكيد أن سوء الأوضاع في المنطقة بسبب الاحتلال الأمريكي لمنابع النفط والغاز”.

تقول الإعلامية جيهان محمد: “الإعلام الروسي يحاول أن يخلق انطباعاً لدى أبناء المنطقة من العشائر بضعف وهشاشة قوات سوريا الديمقراطية، وبعدم شرعية هذه القوات معطياً إياها طابعاً كردياً، لاستفزاز العشائر العربية وتأليبها عليها… الإعلام الروسي يلعب على النغمة القومية كثيراً لمواجهة أمريكا وضرب السلم الأهلي”.

أسباب النقمة

يقول الناشط السياسي محمد مسلم من مدينة عين عيسى: “في بداية دخولها منطقة الجزيرة وتسيير الدوريات المشتركة، كانت نظرة الأهالي عادية تجاه القوات الروسية، لكن لاحقاً مارست سياسة التحجيم والإضعاف ضد جميع القوى المعارضة بما فيها قوات سوريا الديمقراطية، وتستمر في السياسة نفسها في منطقتنا، تارة من خلال تحريض العشائر والمكونات على قوات سوريا الديمقراطية، وتارة أخرى من خلال تحريض أهالي القرى العربية الموالية للنظام السوري ضد القوات الأمريكية، وتغض النظر على الانتهاكات التركية بشأن وقف إطلاق النار وحرق مواسم القمح، لتشكل من خلال هذا التغاضي عن الممارسات التركية ضغطاً على الإدارة الذاتية”.

وفي سؤال حول سبب الغضب من القوات الروسية علماً أن أمريكا أيضاً أعطت الضوء الأخضر لتركيا بالسيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض من خلال عملية نبع السلام، تقول روكن أحمد من مدينة الحسكة: “خائن واحد أحسن من خائنين. لم نر طوال فترة الوجود الأمريكي في المنطقة أي نوع من الانتهاكات التركية وهجماتها علينا، وهذا يجعلنا نخاف من روسيا كثيراً”.

وتضيف: “عندما تظاهرت نساء في عين العرب أمام مقرات روسية للشكوى على الهجمات التركية رفض المسؤولون استقبالهن، أما في مناطق التواجد الأمريكي، حين حصلت تظاهرات جرى استقبالهن”.

وحول السؤال نفسه، يرد الناشط السياسي محمد مسلم قائلاً: “صحيح أن أمريكا باعتنا في رأس العين وتل أبيض، لكن روسيا استفادت من الخيانة الأمريكية وقامت بتحريض تركيا على الولايات المتحدة للحصول على الضوء الأخضر منها قبل العملية، لكي تدخل إلى المنطقة التي كانت حلماً لها”.

——————————————–

روسيا تزاحم إيران وتهدد “قسد” شرق سوريا

أطلقت روسيا موخراً حراكاً جديداً في شمال شرق سوريا، يستهدف قوات سوريا الديموقراطية بالدرجة الأولى، ويمزج بين الدبلوماسي والعسكري، من دون أن تتضح أهدافه بعد.

فعقب إعادة الانتشار الذي نفذته بعض الوحدات العسكرية الروسية في ريفي الرقة ودير الزور، التقى قائد الجيش الروسي في سوريا، أليكساندر تشايكو، قائد قوات سوريا الديموقراطية “قسد” مظلوم عبدي، من دون الكشف عن تفاصيل اللقاء.

واكتفى عبدي بالقول في تغريدة، إنه “بحث مع تشايكو القضايا المشتركة، ومن ضمنها الانتهاكات التركية للاتفاقات المبرمة”.

ورغم أنه لم يصدر أي تعليق من الجانب الروسي حول هذا اللقاء، إلا أنه يأتي بالتزامن مع الكشف عن بدء حزب “الاتحاد الديموقراطي” الذي يقود “قسد” بطرد قادة حزب “العمال” الكردستاني من مناطق سيطرته بطلب أميركي، وهو الأمر الذي لم يؤكده الحزب بعد.

ويرى البعض أن روسيا تعتبر مثل هذا الإجراء، إن صحّ، تطوراً يتجاوزها من قبل “قسد”، لصالح كل من الولايات المتحدة وتركيا، الأمر الذي لا يمكن أن تتسامح معه، خاصة وأنها تعتقد أنها صاحبة الفضل في انقاذ “الاتحاد” من الهجوم الأخير الذي شنته تركيا نهاية العام الماضي على مناطق سيطرته، ضمن ما يعرف بعملية “نبع السلام”، في الوقت الذي تخلت فيه واشنطن عن الحزب وأعلن رئيسها دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.

اللقاء بين المسؤوليَن الروسي والكردي يأتي أيضاً بالتزامن مع حراك عسكري روسي شمال شرق سوريا، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام أو قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

وكان العميد في جيش النظام، وقائد “الفرقة 25” المحسوبة على روسيا، سهيل الحسن، المعروف بالنمر، قد توجه إلى المنطقة الثلاثاء، بالتزامن مع حديث وسائل إعلام روسية عن تعزيزات عسكرية تابعة للفرقة وصلت إلى ريف الرقة، على تخوم مناطق سيطرة “قسد”، ملوحة بعمل عسكري ضد القوات الكردية.

ونقلت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية عن مصدر في “الفرقة 25” أن “تعزيزات عسكرية ضخمة من الفرقة وصلت إلى ريف الرقة، وانتشرت في نقاط عديدة في المنطقة”.

مصادر أخرى مؤيدة للنظام قالت إن قوات العميد النمر انتشرت في مدينة عين عيسى الخاضعة لسيطرة “قسد” بريف الرقة، لكن مصادر محلية في المدينة نفت هذه المعلومات، وأكدت أن الصور التي نشرت للمناطق التي ظهر فيها سهيل الحسن ليست في عين عيسى.

وسبق ذلك ارسال القوات الروسية ثلاثة أرتال عسكرية إلى شمال شرق سوريا هذا الاسبوع، اثنان منها توجّها إلى الرقة والثالث تمركز في محافظة دير الزور.

وحسب مصادر محلية فإن رتلين عسكريين روسيين مؤلفين من 60 آلية عسكرية قد وصلا إلى دير الزور، من ريف الرقة، واستقرا في معسكر الطلائع على أطراف المدينة، فيما دخل رتل عسكري روسي ثالث إلى دير الزور، وضم نحو 30 آلية عسكرية، الأمر الذي وضعه المراقبون في إطار المزاحمة الروسية لإيران على المنطقة.

وبدأت روسيا بتعزيز وجودها العسكري في دير الزور، بشكل ملحوظ، خلال الأسابيع الماضية، لاستقطاب متطوعين في ميليشيات إيران في سوريا، لتجنيدهم وتدريبهم، كما تعمل على تجنيد مرتزقة من أبناء المحافظة لارسالهم إلى ليبيا.

ومؤخراً، تصاعد التوتر بين الميليشيات الموالية لروسيا والموالية لإيران في مدينة دير الزور وريفه، أسفر آخرها عن مقتل وجرح عدد من عناصر “الأمن العسكري” باشتباكات في المدينة مع ميليشيا “لواء القدس” المدعومة من روسيا.

——————————–

=============================

تحديث 28 تموز 2020

—————————

هل يفعلها الروس؟!/ ميشيل كيلو

 هذا الحديث يدور حول احتمالٍ لا يتعدى حظّه من التحقّق خمسة بالمئة، وهو انتقال السياسة الروسية إلى الطور الذي قاربته ورقة وضعتها عام 2015 حول مواقفها الخارجية، صعّدت فيها نبرتها ضدّ العالم المتقدم، أي واشنطن، وهددت بأن الردّ على أيّ استفزاز عسكري سيكون نوويًا، وأعلنت رفض تغيير النظم السياسية بالعنف، أي بالوسائل غير الدستورية أو الشرعية، ودعم الإصلاح الذي يؤيده المطالبون بالتغيير السلمي، لأنه سيتم في إطار الأمر القائم.

 هذا التصور يطرح أسئلة متنوعة علينا، وعلى صانعي السياسات الروسية، منها:

    هل كان غزو سورية بجيش موسكو الأسلوبَ الأفضل لتهدئة الصراع الدائر في سورية، وإقناع الثائرين بالتخلي عن مطالبهم؟

    هل كانت روسيا تجهل حقًا أن الطرف الذي بدأ العنف في سورية، وخرج على الشرعية الدستورية والقانونية، لم يكن الشعب الثائر، بل بشار الأسد، الذي أعلن في أول خطاب ألقاه، بعد الحراك بأسابيع قليلة، رغبته في خوض الحرب ضد المتظاهرين المطالبين بما حصل الروس عليه في أوائل التسعينيات: الحرية، وكان من المنتظر، بعد ذلك، أن ينظروا بتعاطف إلى حراك ملايين السوريات والسوريين السلمي تمامًا والمدني، الذين مارسوا حقهم الدستوري في المطالبة بحقوق وعدهم حزب البعث بها طوال سبعين عامًا، من دون أن يحققها. واتهمهم الأسد بالإرهاب، كأن الإرهابيين طالبوا يومًا بالحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، أو اعتقدوا أن الشعب السوري واحد، وليس مذاهب وطوائف متناحرة، مصير بعضها الذبح!

    هل كانت موسكو تحسب حسابًا لانحرافِ مهمتها عن هدفها، بسبب تدخل إيران وتنظيماتها الإرهابية بينها وبين الأسد ونظامه، ودورها في تصعيد عدائه ضد السوريين، وتحويله إلى مجازر ومذابح بالمئات، ونظرة موسكو الخاطئة للحدث السوري، الذي رأت فيه تدخلًا أجنبيًا مزعومًا، وعدّت التدخل الإيراني شرعيًا، بحجة أن من طلبه هو رئيس شرعي، وتجاهلت أنه فقد شرعيته بالثورة الشاملة عليه، وبالمذابح التي نظّمها ضد الشعب الذي أخرجته من علاقاتها التاريخية مع سورية، إذ قصرتها على السلطة، وأعلنت أنها ستخسر سورية إن سقط الأسد أو أُسقط، وأن إنقاذ سورية يشترط إنقاذ الأسد، مهما كان الثمن، فضلًا عن الوهم الذي ركبها، وجعلها تؤمن بأن تدخلها سيردع التدخلات الأخرى وسيؤدى إلى انحسارها، الأمر الذي كشفت التطورات أنه كان وهمًا مضللًا، بما ترتّب عليه من نتائج سلبية بالنسبة إلى دور الكرملين، ولأهليتها على تسوية النزاعات وتهدئة الصراعات.

واليوم، وقد توقف الصراع المسلح في سورية، أو كاد، من دون أن تحقق موسكو هدفها الاستراتيجي بالانفراد بالموقع وأطرافه، أو تكون جهة مقررة، أو لها الأولوية بالنسبة إلى الحل السياسي وخيارات أطرافه، وإلى تطبيق القرارات الدولية التي تستهدف، في ما تستهدفه، ضبط سلوك وخطوات الدول المعنية بوقف الصراع، من خلال الحل السياسي الدولي، وحادت موسكو عنها في مخالفة فاضحة للشرعية التي غزت سورية بحجتها، وها هي تجد نفسها خارجة عليها، كرمى لرجلٍ كانت تعلم -كأي طرف دولي قادر- حجم افتقاره إلى الشرعية، وحجم الهوة بين أولوية الشرعية الدولية وقراراتها، وبين الشرعية التي كانت له ذات يوم، قبل أن يفتك بشعبه ويقرر إبادة أكبر عدد من بناته وأبنائه، حتى غير الثائرين منهم عليه! فهل تدرك موسكو، في ظل هذه التعقيدات، أن شروعها الموعود بالإصلاح، بعد انتهاء محاولات إسقاط النظام بالقوة، صار مستحيلًا، ليس فقط لأنها لم تبد أي قدر من التفهم لما طالب به الشعب السوري، ولم تُفصح عمّا عنته بدعم الإصلاح بعد الثورة، التي لم تنتهِ بالطريقة التي تصورتها، أي بانتصار حاسم يحرزه النظام ينتفي معه وجودها، وتنفرد هي فيه بالوضع كقوة خارجية وحيدة، وبالمآل الذي يجب أن ينتهي إليه.

لم يحدث ما تصورته خطة موسكو، فلا جيشها انتصر في ثلاثة إلى ستة أشهر، ولا هي انفردت بالوضع السوري، أو ضمنت ولاء الشخص الذي أنقذته، بطلب من إيران، التي أنقذها الكرملين من الهزيمة هي أيضًا، وها هي تنتزع منها ربيبها، وتقلص نفوذها عليه، وتشده إلى خارج أي مسعى إصلاحي قد تحاوله موسكو، أو تفكر في تطبيقه.

 هل ستُعيد موسكو النظر في خطتها، بسبب التنافس الذي يعرّضها له حليفٌ كان بحاجة إليها، وغدا اليوم غريمَها الرئيس، والخطر الذي يتحداها بنجاح ملحوظ، لا يستبعد إطلاقًا أن يرغمها على الانخراط في صراع ضده، حول مرحلة ما بعد السلاح الانتقالية، التي لا بدّ أن تحسمها لصالحها، ولكن ليس ضد الثورة، بل ضد حليفها الإيراني وربيبها الأسدي؟

هل تدرك موسكو أبعاد هذا الفشل، وتبادر إلى تطوير موقف مختلف حيال المعارضة، وإبداء تفهّم جدي لمطالب الشعب التي تتمحور حول الحرية والديمقراطية، وكذلك حيال إيران التي تصارعها اليوم بجميع الطرق والأساليب الخفية والظاهرة ويمكن للمعارضة مساعدتها في صراعها ضدها. وتُغيّر موقفها من الأسد، الذي يسهم في تقييد نفوذها وحركتها، وما يتصل منهما بالإصلاح، خشية خروجها من مأزقها الذي ستعمقه من بعد وقف الحرب، في محاولة لإعادة النظر في الوضع القائم اليوم برمته؟

هل للمعارضة من دور في رد روسيا إلى صوابها، وتشجيعها على مراجعة موقفها من المسألة السورية، لإنقاذ نفسها من الورطة التي تجد نفسها فيها؟

العربي الجديد

—————————————-

أفعى لا تغيّر جلدها/ ميشيل كيلو

إبّان احتلال لبنان عام 1976، احتل شبان فلسطينيون فندق سميراميس في دمشق. بعد قليل، وصل حافظ الأسد إلى المكان. عندما سأل اللواء ناجي جميل عن الوضع، أخبره أنهم طالبوا بإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في السجون السورية، وتعهدوا ألا يلحقوا أذى بمن احتجزوهم، فقال له بغضب: لو طلبوا عشر ليرات سورية مقابل إطلاق رهانئهم لما أعطيتها لهم، وأمره بالهجوم على الفندق. بعد انتهاء العملية بقتل الشبان الأربعة وعشرات السياح، ظل مدير الفندق يتساءل طوال أشهر، وهو يضرب كفّا بكفّ: أين ذهبت الملاحف والشراشف وأغطية الأسرّة وبرادي النوافذ وكراسي الغرف وطاولاتها، وموجودات نزلائه، إذا كان الإرهابيون قد غادروه جثثا هامدة؟

بنى الأسد الأب نظامه على مبدأ أمر ابنه بأن يتمسّك به في جميع الظروف، رفض كل ما طلبه خصوم النظام ونقّاده السوريون، والمحافظة على النظام ضد أي تغيير مهما كان تافها، وسحق المطالبين به، كائنا من كانوا، ورؤية أي أمر انطلاقا من كمال الأمر القائم، والحذر من التنازلات، وخصوصا الصغيرة والجزئية منها، التي يؤدّي قبولها إلى انهيار النظام، كما ينهار بناءٌ كبير انتزعت حصاة صغيرة من أحد جدرانه. وقد عبر “الولد” عن التزامه بـ”حكمة” أبيه، وأخذ يكرّر جملةً، في أحاديثه مع مستشارية المقرّبين، ملخصها: “هادا شعب حقير، إذا مسّكته إصبعتك الصغيرة بيصير بدو إيدك كلها، وما له شغله إلا ينق، وما بيستاهل ينرد عليه بغير الصرماية”.

وكان الأسد قد أخبر، أخيرا، أحدهم أنه سيُخرج الروس من سورية بالصرماية التي فهم محدّثه أنه يعني “جمهورية إيران الإسلامية” التي كشف أمين سر “مجلس الشعب”، خالد العبود، عن ضلوعها في خطة لإسقاط بوتين، وذكّر الكاتب الروسي، من أصل فلسطيني/ سوري، رامي الشاعر، الذي انتقد النظام الأسدي، بأن هذا استقدم إيران إلى سورية استباقا لمعركته مع روسيا، التي استقوى بها على الأميركيين، وستنتهي مهمتها بخروجهم من “القُطر المقاوم”، وأن من الأفضل لموسكو قبول نظامه في الصيغة التي ورثها الولد عن أبيه، والتسليم بأنه رئيسٌ لا بديل له لنظام هو أكمل النظم، وأن مطالبتهم بتغييره أو بإصلاحه يعادل انضمامهم إلى المؤامرة الكونية عليه، ومواجهتهم بالحرس الثوري الإيراني، “صرمايته” المتربصة بهم، والقادرة على ردعهم وإخراجهم من عرين الصمود والتصدّي.

وكان وزير الخارجية الروسي، لافروف قد تبنّى، لشدة ذكائه، نهجا أدّى إلى تلاشي خيارات موسكو السياسية، بقدر ما تعاظم انخراطها العسكري في سورية، فلا عجب أن يواجه اليوم أحد خيارين: إعادة النظر في علاقاته مع شريكيه، الإيراني والسوري، وفي موقفه من تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أو فشل خطة بوتين للانفراد بسورية، وتحويلها إلى قاعدةٍ يستعيد ما كان للسوفيات من حضور ونفوذ في الدول العربية بواسطتها، وتبدّد أوهامه حول ما لمشروعه السوري من أولويةٍ، بالمقارنة مع المشروع الإيراني، بالنسبة للأسد أيضا، وحول دوره موزّع أنصبة الغنيمة السورية وحصصها بعد الحرب، والذي يتبيّن اليوم أنه لم يعد دورا يرى الآخرون أنفسهم بدلالته، وأن سيد موسكو لا يستطيع تحقيق أهدافه بوجود منافسه الإيراني في دمشق، وانحياز بشار الأسد إليه، بما أورثه أبوه له من وفاءٍ يجعل من المحتمل أن يردّ على رغبة موسكو في تطبيق القرارات الدولية، بمطالبتها بقصر دور جيشها على المجال الاستشاري وحده، وخفض عدده وسلاحه، ومرابطة قواتٍ أسدية في قواعده، تحاشيا للمشكلات التي قد تترتب على انتشاره في سورية مع العرب وواشنطن، واحتراما لسيادة سورية. لهذه الأسباب، قيل إن بوتين نقل المسألة السورية إلى وزير الدفاع، في إقرارٍ آخر بالفشل، فالدول تكل الحروب إلى الجنرالات والحلول السياسية إلى الدبلوماسيين، لا العكس.

دخل الكرملين سورية ليفوز بها ويقرر مصيرها. ما أعظم المسافة بين أوهامه والواقع.

العربي الجديد

—————————————-

عن عمليات “تبييض” سمعة موسكو/ سميرة المسالمة

تراهن شخصيات في المعارضة السورية على مستقبل المفاوضات مع النظام بناء على تسريبات إعلام روسيا، وما تتضمنه من تلميحاتٍ عن خلافات وانزياحات في موقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الرئيس بشار الأسد، وضمناً نظامه وشبكة الفساد داخل منظومته الحاكمة. وفي وقتٍ لم يخرج أي موقف رسمي، يشير إلى تغير في تعاطي موسكو مع القضية السورية، ودعمها اللامحدود استعادة النظام سيطرته على كامل أطراف سورية التي تناثرت منه بين مناطق محرّرة تحت حكم محلي، أو مناطق محكومة من كيانات وتنظيمات بدعم دولي يقارب، في وضعه وحدود تمركزه، صفة الاحتلال المباشر، أي أننا أمام سياسةٍ روسيةٍ يمكن وصفها حتى اليوم بالثابتة تجاه متغيّرات متحرّكة، على عكس ما تحاول ترويجه الانتقادات المباشرة التي يجري تحميلها موقفا روسيا رسميا.

صحيحٌ أن بوتين، منذ بدء التدخل الروسي المباشر في سورية، لم يتعامل، في أي لقاء مع الأسد، على أن الأخير نظير له، لكن ذلك لم يخفّف، في أي وقت، حجم الدعم العسكري لعمليات النظام ضد الشعب السوري، وكذلك لم تتأخر موسكو في الدعم الدبلوماسي وحماية النظام من أي قرار دولي، ورفع سلاح حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارٍ ينال من حصة الأسد في سورية من عام 2011 وحتى 10 يوليو/ تموز الحالي، عندما رفضت قرارا لمجلس الأمن لإدخال المساعدات إلى سورية من معبرين حدوديين مع تركيا، بغرض قطع ما سمته المنظمة الدولية شريان الحياة لملايين السوريين. وجاء ذلك الرفض بعد مقالات مطولة تتحدّث عن ملل روسي من سياسات النظام ورغبة قوية في العملية الانتقالية، ما يجعل ما يكتب مجرّد دعاية “تببيض” أو”غسيل” سمعة روسيا بين أوساط سورية معارضة.

    تلتزم روسيا الصمت المريب على ممارسات إسرائيل في سورية وضرباتها ، في حين لا تترك فرصةً للتنديد بأي تحرّك عسكري أو سياسي أو اقتصادي ضد النظام

وفي الوقت نفسه، تلتزم روسيا الصمت المريب على ممارسات إسرائيل في سورية وضرباتها المتكرّرة، في حين لا تترك فرصةً للتنديد في أي تحرّك عسكري أو سياسي أو اقتصادي ضد النظام، من أي جهة محلية او إقليمية أو دولية، وضمن ذلك خبر الغارات الإسرائيلية الجوية، أو القصف الصاروخي، على مواقع عسكرية في سورية (كما حدث قبل أيام)، وعلى الرغم من أنه لم يعد خبراً استثنائيا، أو حدثا مفاجئا، علما أن ذلك لم يبدأ من الغارة على مركز البحوث العلمية في جمرايا (2013)، في ريف دمشق، إذ سبق ذلك تحليق جوي إسرائيلي فوق قصر الرئاسة (2003 و2006)، وقصف ما عرف بالمفاعل النووي السوري قرب دير الزور (سبتمبر/ أيلول 2007). ويبدو أن ذلك لن ينتهي مع الغارة التي شنتها إسرائيل على مواقع قرب القنيطرة يوم الجمعة الفائت، علما أن تلك الغارات، أو الضربات، ازدادت في الأعوام الثلاثة الماضية، بل باتت تتوالى أسبوعيا في العام الحالي.

أي أننا أمام الوجه الآخر لروسيا غير الموجود في المقالات التي تنتقد النظام بكل سلوكياته، وجديدها انتقادات حادّة لانتخابات مجلس الشعب التي تجري للمرة الثالثة بعد الثورة (2012، 2016، 2020)، على الرغم من عدم قدرة هذا المجلس أساساً على إحداث أي تغيير في حياة السوريين، تم تعيين أعضائه أم انتخبوا! أي أنها الدولة ذاتها التي تستمر بحماية النظام، وتصمت على كل الفرص التي يهدرها لإنقاذ سورية من براثن مأساة مجتمعية، ليس آخرها الفقر المدقع لأكثر من 85% من السكان، سواء بسبب الحرب التي يشنها دفاعاً عن بقائه في السلطة، أو بسبب نتائجها والعقوبات التي فرضت عليه بسبب ممارساته، وقمعه وتغييب معارضيه وتعذيبهم حتى الموت.

    العلاقات الروسية البينية مع الدول لا تلتمس سياساتها من إعلامها، أو المحسوب عليها، ولا يمكن الاعتماد على أنه ينقل لنا أسرار موقف روسيا من الأسد ونظامه

وهي (روسيا) أيضا التي تبرّر ضربات إسرائيل ضد النظام من جهة ثانية، من دون أن يكون للنظام السوري الموقف المناسب منها، والذي يتوافق مع ادعاءات محور المقاومة الذي يتقاسمه الأسد مع إيران، وربيبها حزب الله، ما يعني أن بوتين يرى في إسرائيل شريكا إقليميا، يحق له التدخل، ويُترك لها من خلال تلك الغارات والضربات المساحة لأن تقول إنها طرف فاعل في الصراع السوري، مثل الدولتين الإقليميتين الأخريين (تركيا وإيران)، بل ربما إنها معنية أكثر منهما، سيما أنها تحظى بعلاقات متميزة مع الطرف الدولي الآخر المتحكم في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة، في حين أن لكل من تركيا وإيران مشكلاتهما مع شركائهما أيضاً، سواء مع روسيا الشريكة لكل من إيران وتركيا، أو مع الولايات المتحدة.

لهذا، التعويل على الموقف الروسي من خلال بضعة مقالات ناقدة للنظام السوري وممارساته في إعلام روسيا لا يمكن إسقاطه على حقيقة ما تريده موسكو، من خلال وجودها في سورية، بالتوازي مع الوجود الإيراني. وبينما حوّلت موسكو هذا الحضور العسكري إلى مساحة لحضورها السياسي والدبلوماسي دولياً، فإنها، في الوقت نفسه، تركت سورية لتكون ساحة تصفية حسابات لإيران وأذرعها، سواء مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة، فلا هي تدخلت لوقف الضربات الإسرائيلية على أرضٍ تحميها منظومة الدفاعات الجوية الروسية، ولا هي أخذت مسافة أمان في علاقتها مع إيران وتداخل أدوارهما في سورية، ما يؤكد أن العلاقات الروسية البينية مع الدول لا تلتمس سياساتها من إعلامها، أو المحسوب عليها، كما لا يمكن الاعتماد على أنه ينقل لنا أسرار موقف روسيا من الأسد ونظامه وحقائق هذا الموقف.

    التعويل على الموقف الروسي من خلال مقالات ناقدة للنظام السوري وممارساته في إعلام روسيا لا يمكن إسقاطه على حقيقة ما تريده موسكو

واللافت أيضاً هو الصمت على تطورات الدور الذي يلعبه حزب الله الذي يشتغل ضمن منظومة الحرس الثوري الإيراني، وذراعا إقليمية لإيران، ويشتغل على جعل سورية ساحة له، من خلال جبهة الجولان التي استمرت في صمتها منذ عام 1973 برعاية روسية، ما يضع إشارات استفهام كبيرة تجاه ذلك الصمت الذي قد يفجر حربا فاصلة تنهي وجود إيران وأذرعها على الجبهتين، السورية واللبنانية، أهو صمت مدبّر مع الشريك الإقليمي لها إسرائيل لتحقيق غايات إسرائيلية في إبعاد إيران من المنطقة؟ أم هو رهان على الصمت لتحقيق مصالح تفرّدها في سورية، من دون أن تخسر توازن علاقتها مع إيران وأذرعها؟

العربي الحديد

—————————————-

ميناء طرطوس نموذجاً : روسيا تستثمر بالفشل/ مالك ونوس

ساد بين الموالين للنظام لغطٌ حول ما إذا كانت روسيا فعلاً تريد حلاً في سوريا، فهي ربما لا تريد هذا الحل، لأنه قد يحرمها من حصة في إعادة البناء، ولأنها تريد إطالة أمد الحرب…

تُظهر بعض الملفات التي اضطلعت بها روسيا في سوريا تخبُّطاً في مجال الإدارة المدنية، لا يقاس بـ”النجاح” الذي تفتخر بتحقيقه في المجال العسكري، وفق ما تقتضيه مصالحها وخططها في هذا البلد المنكوب. من تلك الملفات ملف استثمار المشاريع والمنشآت القائمة التي كانت ملكية عامة تديرها الحكومة السورية، ولا سيما منها ملف ميناء طرطوس الذي شهد قبل سنواتٍ تخبُّطاً ما يزال يشهده، ويمكن له أن ينسحب على منشآتٍ صناعية وخدمية أخرى وضعت روسيا يدها عليها في مناطق سورية عديدة بقصد استثمارها لعقود مقبلة. ويدفع هذا الأمر المرء للتساؤل ما إذا كان ما حصل هو تخبُّط روسي في إدارة الميناء أم تفشيل لإدارةٍ سوريةٍ كانت تديره بقدرٍ من الكفاءة التي لم يكن معها متعثراً لدرجةٍ يحتاج فيها إلى طرف خارجي ينقذه.

لا ندري ما إذا كانت روسيا باختيارها المبكر لاستثمار الميناء وفق اتفاق المبادئ الذي وقعته مع النظام سنة 2015، قد أرادت الاقتداء ببعض الشركات العالمية والدول، ومنها شركة “موانئ دبي” التي تدير عدداً من الموانئ في المنطقة وحول العالم، ومنها موانئ استراتيجية تعد منفذاً وممراً رئيسياً لصادرات وواردات دول أخرى. ولكن تلك الشركات كانت تَستثمر، في بعض الأحيان، في موانئ متعثرة، فتنتشلها من فشلها وتجعلها مصدراً للدخل ومركزاً تجارياً مهمّاً ينعكس تنميةً على المناطق المحيطة. غير أن ميناء طرطوس لم يكن متعثراً قبل الحرب والحصار، كما لم يكن كذلك حين رُفد بمحطة الحاويات الفيليبينية، والتي تلقت كثيراً من الانتقاد لدى إنشائها، شبيه بالانتقاد الذي يتلقاه موضوع استحواذ روسيا عليه هذه الأيام.

عندما علم عمال ميناء طرطوس أن روسيا ستستثمره بدأت الأقاويل والشائعات تظهر وتعطيهم أملاً في أن ادارتها سوف تنعكس على حياتهم ودخلهم؛ إذ بدأ المتفائلون منهم يتحدثون عن رواتب كبيرة سيتقاضونها، ستكون أضعاف الرواتب التي يتقاضونها من الإدارة السورية، وربما بالدولار الأميركي. وعلى الرغم من المنفعة الكبيرة التي ستعود على روسيا بفضل المداخيل الكبيرة التي كان يرفد الخزينة السورية بها وستخسرها الآن هذه الخزينة، إلا أنهم فرحوا لذلك لأنهم كانوا مدركين أن قسم من تلك الأموال كانت تذهب أدراج الفساد.

ولكن مع التصديق الرسمي للعقد بين شركة (STG-E)، (ستروي ترانس غاز – إنجينيرينغ) الروسية والشركة العامة للموانئ السورية، في 17 حزيران/ يونيو 2019، صدر قرار بتحويل العاملين في المرفأ من دائمين، وفق “قانون العاملين الأساسي في الدولة” الذي يضمن حقوق العمال ويقيهم الفصل، إلى مؤقتين، وفق القانون رقم 17 لعام 2010 الناظم لعمال القطاع الخاص، الذي يُوجَد فيه ثغرات كبيرة تسمح لصاحب العمل الاستغناء عن العمالة، وذلك تحضيراً لصرف 70% منهم، ربما على دفعات. لذلك تبيَّن أن روسيا لم تهتم لموضوع العمالة التي ستُلقي بها إدارتها المرفأ إلى قارعة الطريق، ولم تفكر كما كل المستثمرين الذي يلجؤون لتخفيض العمالة لدى محاولة إنقاذ مؤسسة ما، بموضوع التعويض على العمال بمبالغ يُعتدُّ بها وتسمح لهم ببدء نشاط اقتصادي صغير يقيهم الجوع والسؤال. كما وجدوا أن نقابتهم لا تدافع عنهم أو تطالب بحقوقهم، وأقلها رواتبهم التي تأخرت هذا الشهر.

    مع التمعن في موضوع المرفأ، تعود بنا الذاكرة إلى بداية التدخل الروسي في سوريا، حين كنا نشهد هجمات جوية إسرائيلية تتلقاها قوات النظام ومواقعه العسكرية من دون أن تطلب روسيا من الإسرائيليين إيقافها أو تحاول التصدي لها عبر أسلحتها المتطورة.

ومع النظر لحقيقة أن الشركة الروسية المستثمرة للمرفأ هي شركة مختصة بالغاز، وليست مختصة بإدارة المرافئ، كما كان يُعتقد، فقد بدأت عهدها بالتخبط الذي بدأ مع ملف العاملين، وربما بسبب فقدانها الرؤية الواضحة، أو الخطط المستقبلية المسبقة لإدارة المرفأ واستراتيجية تشغيله، أو ربما بسبب وضع البلاد جراء الحظر الاقتصادي المفروض عليها. وجاء كلام وزير النقل السوري، أواسط السنة الماضية، عن إمكانية خرق روسيا الحظر المفروض على سوريا عبر تشغيلها المرفأ ليذر الرماد في العيون، لأن العقوبات الأميركية ستدفع الشركات العالمية للامتناع عن إبرام صفقة يكون مقصد البضاعة فيها الموانئ في سوريا، لأن ذلك سيجعلها عرضة للعقوبات الأميركية. وهذه الحقيقة أسقطها وزير النقل من حسبانه حين صرَّح ذلك التصريح، وحين باع الوهم، يومها، للسوريين في الداخل الذين كانوا ينتظرون أي بارقة أمل في تحسُّن أوضاعهم ومنها خرق الحصار الأميركي. وما تزال هذه الفكرة سائدة، لا يريد الناس العاديون تصديقها بسبب تمسُّكهم بأي جزئية تمنحهم الأمل.

والآن، ومع مضي عدة أشهر على تسلم الإدارة الروسية المرفأ، لم يطرأ أي تحسُّن على ظروف العمل أو على ظروف العمال ومداخيلهم، بل ساءت في بعض الحالات، حين حرمت بعض الفئات من الوجبة الغذائية اليومية وخفضت قيمتها من 700 ليرة سورية، (0.28$) إلى 100 ليرة (0.04$) على سعر صرف 2500 ليرة للدولار الأميركي الواحد، هذا المبلغ التافه الذي وقفت عنده الإدارة الروسية ليس بقصد تخفيض المصاريف بل لمضايقة العمال، لتضيفه لبقية المضايقات من أجل دفعهم للاستقالة. وإذ لم تزل الإدارة السورية قائمة، لكن يقل نفوذها ودورها مع ازدياد نفوذ الروسية ودورها، وهو الأمر الطبيعي، تُعِير الإدارة الروسية إذنها للقيل والقال من بعض أعضاء الإدارة القديمة والعاملين السوريين للتعرف إلى شؤون المرفأ ومعرفة كيفية إدارته، بدلاً من اتباع الطرق الطبيعية من عقد اجتماعات دائمة وتكليف الإدارة القديمة عمل (Presentations) لكل مفصل يسهل عليها فهم آلية العمل فيه وطبيعة العمال وتطلعها على همومهم وحقوقهم، مع هذه الحالة يزداد التخبط الذي يمكن إذا ما استمر على هذه الحال أن يكلف وقتاً ومصاريفاً كبيرة لضبط الفوضى التي يسببها هذا التخبط.

ومن مثالب العقد الخلل في إبرامه والقائم على التعاقد المباشر من دون اللجوء إلى طرح مزايدة علنية لاستثماره، تفوز بالعقد الشركة التي تقدِّم أفضل العروض. علاوة على أن الدستور السوري ينص على أن مؤسسات ومشاريع من قَبيل هذا المرفأ يعدُّ ملكيةً عامةً تستثمرها الدولة وتشرف على إدارتها لصالح الشعب.

يبقى الأمر الأهم في هذه القضية والذي يتعدى موضوع المرفأ وتفاصيله. فإذا افترضنا أن هدف روسيا هو تفشيل هذه المؤسسات، فهل هذا التفشيل نوع من زيادة الضغط على النظام لزيادة استئثارها بالبلاد عبر سلبه عناصر قوةٍ، سيما مصادر الثروة السيادية، لكيلا يكون بإمكانه الاعتراض أمامها في مرة من المرات؟ من بين مصادر الثروة تلك النفط والغاز وحقول الفوسفات في تدمر والبادية السورية، ومعمل الأسمدة الآزوتية في حمص وميناء طرطوس بما يحوي من أهراءات الحبوب ومحطة الحاويات الحديثة، هذا إضافة إلى تحويل المطار المدني في حميميم بجبلة، منذ 30 أيلول/ سبتمبر 2015، إلى قاعدة عسكرية لهم، ووضع عينهم على مطار دمشق الدولي ونيتهم استثماره وفق نظام (BOT) كما تسرَّب للإعلام أواسط السنة الماضية.

ومع التمعن في موضوع المرفأ، تعود بنا الذاكرة إلى بداية التدخل الروسي في سوريا، حين كنا نشهد هجمات جوية إسرائيلية تتلقاها قوات النظام ومواقعه العسكرية من دون أن تطلب روسيا من الإسرائيليين إيقافها أو تحاول التصدي لها عبر أسلحتها المتطورة. وظَهَر يومها وكأن روسيا غير معنية بما يتعرض له الجيش السوري من ضربات على يد الإسرائيليين، وكأنها لم تأتِ لمساعدته وللدفاع عنه في وجه من يستهدفه وحماية أرواح أفراده، كما روَّجت، بل تحدث كثيرون عن تواطؤ بين الطرفين لإضعاف هذا الجيش.

من جهة أخرى، ساد بين الموالين للنظام لغطٌ حول ما إذا كانت روسيا فعلاً تريد حلاً في سوريا، ويبدو أنها هي تشهد تخبطاً، إذ إنها تتوق إلى حلٍّ يسمح لها بالمشاركة في إعادة الإعمار واستغلال المشاريع والشركات التي سطت عليها. ومن جهة أخرى، ربما لا تريد هذا الحل، لأنه قد يحرمها من حصة في إعادة البناء، ولأنها تريد إطالة أمد الحرب والحصول على منافع عسكرية، ومن بينها استخدام الأراضي والأجواء السورية وحياة السوريين للتسويق لأسلحتها وبيعها للدول الأخرى، ومن أجل بيع الأسلحة للنظام. وفي هذه الحال، لا يبقى للسوريين سوى أمل بنقض هذا الاتفاق، لأنه لم يجرِ على طريقة التراضي، ولم يناقشه برلمان البلاد ويصادق عليه، بل فرضته روسيا بحكم الأمر الواقع، وبهذه الطريقة يمكن لتحكيم دولي أن يفصل فيه بعد استتباب الأمور في البلاد.

درج

———————————————

سوريا: المناورة الروسية في حصر إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى/ منهل باريش

    بسبب انتشار كورونا، ستتحول المساعدات الإنسانية إلى قضية سياسية بامتياز، ستجبر تركيا على الموافقة على اشتراطات روسية بإدخال قسم منها إلى مناطق سيطرة النظام.

في 20 كانون الأول (ديسمبر) 2019 عطلت روسيا والصين تجديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام من خلال إدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية، وهي: باب السلامة وباب الهوى مع تركيا ومعبر اليعربية مع العراق ـ والمنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2165 لعام 2014 والذي كان يشمل درعا والقنيطرة عبر معبر الرمثا (الجمرك القديم) الحدودي. وتم إيقاف المساعدات مع سيطرة النظام على جنوب سوريا قبل ثلاث سنوات من الآن وتحولت حصة المساعدات تلك عن طريق العاصمة دمشق مباشرة.

ومكنت الآلية الدولية وكالات الأمم المتحدة وشركائها المنفذين من إرسال أكثر من 30 ألف شاحنة من المساعدات الإنسانية عبر الأردن والعراق وتركيا لمساعدة المحتاجين في مناطق سيطرة المعارضة السورية في الجنوب وشمال غربي سوريا وشرقها. وخففت الآلية من الوضع الإنساني المزري مقارنة بالمناطق المحاصرة في الغوطة والزبداني ومضايا وداريا ومدينة حمص وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، حيث أعاق النظام عمل الوكالات الدولية ومنع وصول المساعدات بحرية مستخدما تجويع المدنيين سلاحا في حربه ضد المعارضة.

وامتنعت روسيا والصين عن تجديد القرار أو تمديد عمل الآلية مدة ستة أشهر من كامل المعابر، في حين وافقتا على تمديد الآلية، مدة ستة أشهر فقط، عبر نقطتين حدوديتين فقط، هما معبر باب السلامة وباب الهوى، وإدخال المساعدات عبر معبر اليعربية مع العراق ابتداء من 11 كانون الثاني (يناير) الماضي. حسب القرار الجديد رقم 2504 والذي امتنعت أمريكا وبريطانيا عن التصويت عليه تعبيرا عن غضبهما من تقليص المدة والمعابر، صوت باقي أعضاء مجلس الأمن لصالح قرار مجلس الأمن الجديد.

وفي مطلع تموز (يوليو) الجاري، بدأ المجلس مشاوراته من أجل تمديد عمل الآلية والذي لاقى اعتراضا روسيا صينيا مرة أخرى. حيث اعترضت روسيا والصين، في السابع من تموز (يوليو) على مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا وكان من شأنه إعادة تفويض معبري باب السلام وباب الهوى لمدة 12 شهرا. وفي اليوم التالي، رفضت دول مجلس الأمن مشروع قرار عممته روسيا، وكان يدعو إلى إعادة تجديد الآلية الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية من معبر حدودي واحد، هو باب الهوى، لمدة ستة أشهر فقط، حيث حصل على أربعة أصوات فقط لصالحه (روسيا والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا) وصوتت سبع دول أعضاء ضد القرار، هي: بلجيكا، الدومينيكان، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، فيما امتنعت أربع دول هي إندونيسيا، النيجر، سانت فنسنت وجزر غرينادين، وتونس.

في 10تموز (يوليو) اعترضت روسيا والصين مرة أخرى على مشروع قرار ثالث لألمانيا وبلجيكا، يدعو إلى إعادة تفويض معبري باب السلام وباب الهوى لمدة ستة أشهر، وقد حظي القرار بتأييد جميع أعضاء المجلس الآخرين.

وفي مساء اليوم نفسه، فشل مشروع القرار الروسي الثاني، والذي دعمته الصين، وجنوب أفريقيا وفيتنام، ولاقى القرار رفض بلجيكا وجمهورية الدومينيكان وإستونيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وأمريكا، فيما امتنعت أربع دول عن التصويت هي: إندونيسيا، النيجر، سانت فنسنت، جزر غرينادين وتونس.

في نهاية الاجتماعات، يوم 11 تموز (يوليو) الجاري، صوت الجميع على مشروع القرار رقم 2533 الذي نص على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، لكن عبر معبر واحد وهو معبر باب الهوى التركي ولمدة سنة واحدة، وطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن يقدم تقريره على الأقل مرة كل ستين يوما لمجلس الأمن حول سير عمل الآلية.

وكان القرار 2156 الذي وافق عليه مجلس الأمن في 10تموز (يوليو) 2014 وينتهي العمل به باليوم نفسه من كل عام، يجدد تلقائياً، وجدد أربع مرات حتى بعد التدخل العسكري الروسي من دون اعتراض منها أو من الصين، ويتجاوز القرار دور النظام السوري وتكتفي الأمم المتحدة “بإخطاره” بدخول المساعدات.

لماذا باب الهوى؟

ترافق التعطيل الروسي مع تطورين عسكريين على الأرض أديا إلى تغير مناطق النفوذ والسيطرة بينها من جهة، وبين أمريكا وتركيا من جهة.

التطور الأول، جاء تتويجا للانتصارات الروسية بعد الهجوم على ريف حماة وإدلب الجنوبي التي بدأت في 261 نيسان (ابريل) 2019 وانتهت بالسيطرة على خان شيخون في آب (أغسطس) 2019. والثاني، مع بداية المرحلة الثانية من ذلك الهجوم، والتي كان هدفها السيطرة على طريق حلب – دمشق /M5 وانتهت بعملية قضم كبيرة جدا شملت أرياف حلب الشمالية والغربية والجنوبية وريف إدلب الشرقي ومدينتي سراقب ومعرة النعمان وحاس وكفرومة ومعرتحرمة وصولا إلى كفرنبل وأسفرت العمليتان عن نزوح نحو 1.2 مليون مدني، نصفهم من الأطفال.

ومع وصول النظام إلى شرق بلدة الأتارب، أصبح على مرمى حجر من باب الهوى الحدودي، وتبعد قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتمركزة شرقي الأتارب نحو 14 كم عن دوار سرمدا، وهو عقدة المواصلات الحدودية ومنه تتفرع طرق المخيمات وطريق معبر باب الهوى، ويربط بين إدلب ومنطقتي عفرين وريف حلب الشمالي.

وفي حال قررت موسكو البدء بعملية قضم جديدة عقب التصعيد الذي حصل على طريق حلب-اللاذقية M4 يوم 14 تموز (يوليو) الحالي، من خلال تفجير سيارة مفخخة بالدورية الروسية التركية المشتركة في قرية مصيبين شرقي مدينة أريحا، فيرجح أن تتبع التكتيك نفسه الذي اتبع في المعارك الأخيرة وهو تجنب الهجوم المباشر على المدن والالتفاف عليها وتركها تسقط تلقائيا بسبب خوف فصائل المعارضة من حصارها.

ومع تحشيد فصائل المعارضة قواتها في محيط جبل الزاوية وطريق M4 فمن غير المستبعد أن تقوم روسيا بعملية التفاف كبرى على سائر محافظة إدلب من محور ريف حلب الغربي أعلاه، بين الأتارب ودارة عزة والبالغ طوله 15 كم فقط. فحصول أي خرق هنا سيؤدي إلى تقدم النظام باتجاه باب الهوى الحدودي وهو ما سيضع قرابة ثلاثة ملايين بخطر وجودي ويشكل أكبر عملية نزوح في تاريخ الحرب السورية، حيث يتوقع أن يتوجهوا جميعا باتجاه عفرين وريف حلب الشمالي بمن فيهم قرابة 300 ألف يقيمون في المخيمات الحدودية.

هذا السيناريو غير مستبعد بعد التحول الروسي باستخدام ورقة المساعدات الإنسانية كجزء من الحرب ضد خصومها، والتي بدأت في إغلاق معبر اليعربية بهدف الضغط على وحدات “حماية الشعب” الكردية إثر عملية إعادة الانتشار الأمريكي في شرق سوريا وانتهاء عملية نبع السلام، وهو في سياق ملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي، وفرض التواصل بين الوحدات ودمشق والذي كان بدأ فعلا مع بدء العملية التركية في ريف الرقة الشمالي.

ويشكل قرار وقف المساعدات عبر باب السلامة الحدودية، ضغطا إضافيا من قبل روسيا على تركيا في ملف إدلب، حيث سترضخ أنقرة في النهاية إلى شروط موسكو بما يتعلق بالملف الإنساني، فمع إغلاق معبر باب السلامة وإغلاق معبر الغزاوية بين عفرين وإدلب بسبب انتشار فيروس كورونا، ستتحول المساعدات الإنسانية إلى قضية سياسية بامتياز، ستجبر تركيا في نهاية الأمر على الموافقة على اشتراطات روسية بإدخال قسم من المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرة النظام إلى منطقتي عفرين وريف حلب الشمالي.

هذا خيار روسي يتم تداوله في أوساط الخبراء الروس كخيار تلجأ إليه موسكو لزيادة قوة النظام ومحاولة تعويض الخسائر الاقتصادية المتفاقمة بسبب قانون قيصر، والتحكم بالمساعدات الإنسانية يشكل تغذية لا بأس بها لجمهور النظام في مناطق سيطرته تخفف عنهم غلاء الأسعار الفاحش.

القدس العربي

—————————————-

إدلب .. إعادة رسم للخريطة العسكرية/ حسين عبد العزيز

قد تكون حادثة التفجير التي طاولت دورية روسية ـ تركية مشتركة على الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية (M4) طبيعية في سياق اعتراض التنظيمات الإسلامية المتشددة في إدلب على فتح الطرق الدولية في المحافظة، وعلى مجمل الاتفاق الروسي ـ التركي. ولكن ما هو غير طبيعي قصف روسيا مدينة الباب الخاضعة لمنطقة “درع الفرات” التركية، ومن ثم الرد التركي بقصف نقطة تنسيق للقوات الروسية في محافظة الحسكة شمالي شرق البلاد.

كان الفعل الروسي ورد الفعل التركي خطيرين إلى درجة أنهما كسرا التابوهات العسكرية بين الجانبين. أرادت روسيا إيصال رسالة هامة إلى أنقرة، مفادها بأن تعرّض الجنود الروس للخطر مسؤولية تركية في المقام الأول، لفشلها في تطبيق بنود اتفاق سوتشي، وأن روسيا لا تتهاون في هذا الأمر وسترد فورا. في المقابل، أرادت تركيا إيصال رسالتها أيضا، وهي أن اختراق مناطق سيطرتها في الشمال السوري، باستثناء إدلب، خط أحمر، ولا يمكن السكوت عنه.

ولكن أهم ما في الرسالة التي أرادت أنقرة إيصالها إلى الروس أن مناطق السيطرة التركية في سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أصبحت مناطق قائمة بذاتها تحت الهيمنة التركية، ولم تعد مرتبطةً بالأسباب التي أدت إلى تشكلها، بمعنى أن هذه المناطق لم تعد خاضعةً للتوافقات الروسية ـ التركية التي أدّت إلى نشوئها.

    أضافت روسيا معطيات جديدة، أو أهدافا جديدة لحساباتها، لم تكن موجودة، أو على الأصح لم تكن واضحة بما فيه الكفاية

تفيد هذه التطورات بأن ملف إدلب ما يزال يشكل إرباكا للعلاقة الروسية ـ التركية، خصوصا أن روسيا لم تستطع تمرير أهدافها في المحافظة، والمتمثلة في فتح الطرق الدولية وحرية التجارة الداخلية، والقضاء على المنظمات المتطرفة الموسومة بالإرهابية، مقدمة لإضعاف الوجود العسكري في عموم المحافظة، وإنهاء حالة الاشتباك بين فصائل المعارضة وقوات النظام لصالح الأخير، بما يحوّل مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق شبيهة بمنطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، أي مناطق آمنة لا تشكل تهديدا عسكريا للنظام السوري، ولا منطلقا لمحاربته.

ويأتي تحشيد النظام السوري قواته في إدلب مؤشّرا على الاستعداد للانقضاض مجدّدا على بعض المناطق المتبقية من المحافظة، سيما أن التجارب السابقة كانت مصحوبةً دائما بتلازم الاشتباك العسكري المتبادل والمتقطع بين النظام وفصائل المعارضة، قبيل انطلاق العمليات العسكرية الكبيرة. ولا تعني هذه المعطيات بالضرورة أن المعركة أصبحت على الأبواب، إذ لروسيا حسابات ومصالح معقدة مع تركيا في الداخل السوري وفي الإقليم وفي المستوى الدولي، لكنها تعني أن موسكو تعمل بهدوء على إعادة هيكلة المحافظة من البوابة التركية، وإذا ما فشلت هذه السياسة، فإن المعركة ستحصل لا محالة.

    لروسيا حسابات ومصالح معقدة مع تركيا في الداخل السوري وفي الإقليم وفي المستوى الدولي

الجديد في المشهد، هذه المرة، أن روسيا أضافت معطيات جديدة، أو أهدافا جديدة لحساباتها، لم تكن موجودة، أو على الأصح لم تكن واضحة بما فيه الكفاية. ويتمثل هذا الجديد في رغبة روسية في السيطرة على معبر باب الهوى، وهو هدفٌ كان من ضمن الأهداف الرئيسية في معركة إدلب أخيرا، لكن التدخل العسكري التركي المباشر والتلويح بتوسيع المعركة فرض معادلاتٍ مؤقتة آنذاك، حالت دون تحقيق الهدف الروسي.

أدى قانون قيصر إلى تغير في الاهتمامات الروسية، فأصبحت الحرب الاقتصادية المضادة جوهر استراتيجيتها في المرحلة المقبلة، والمطلوب إحداث ثغرة في جدار العزل الاقتصادي الذي تنفذه الولايات المتحدة ضد النظام، ولا تمتلك روسيا أي مفاتيح أو قدرة على إحداث هذه الثغرة إلا من بوابة الأمم المتحدة، عبر إجبارها على إدخال المساعدات الإنسانية بشكل مباشر ورسمي، عن طريق النظام السوري وحده.

    أدى قانون قيصر إلى تغير في الاهتمامات الروسية، فأصبحت الحرب الاقتصادية المضادة جوهر استراتيجيتها في المرحلة المقبلة

لتحقيق هذا الهدف، لا بد لروسيا من إغلاق كل المعابر الحدودية الواقعة خارج سيطرة النظام: حققت روسيا العام الماضي أول أهدافها بإغلاق معبر اليعربية/ ربيعة على الحدود العراقية، ثم حققت هدفها الثاني بإغلاق معبر باب السلام/ أونجو بينار في شهر يوليو/ تموز الحالي. أما معبر باب الهوى/ جيلفه غوزو، فلن تذهب موسكو إلى إغلاقه عبر مجلس الأمن، كما فعلت مع المعبرين السابقين، كي لا تخاطر بسمعتها، والظهور بمظهر المسؤول المباشر عن كارثة إنسانية ربما تقع في الشمال مع إغلاق المعبر الأخير. والحل الوحيد هو سيطرة النظام السوري على معبر باب الهوى، وفرض الأمر الواقع أمام الأمم المتحدة، لكن عمليةً كهذه تتطلب تفاهمات مع تركيا، والروس ليسوا مستعجلين في الحسم، فقد مدّد مجلس الأمن آلية إدخال المساعدات عاما كاملا، تنتهي في العاشر من يوليو/تموز في العام المقبل.

وربما يكون إطلاق عملية عسكرية في جبل الزاوية أمرا مرجّحا لتحقيق هدفين: السيطرة على المنطقة بين الطريقين الدوليين M4 وM5، مع ما يعني ذلك من إبعاد فصائل المعارضة إلى ما وراء طريق M4، وجعل إدلب على مرمى من مدفعية النظام. وممارسة الضغط على تركيا لإيجاد حل لمعبر باب الهوى، وإن كان غير معروف كيف سيكون هذا الحل: بصفقة ما بين الجانبين، مفادها قبول تركيا بخسارة المعبر مقابل ترسيم حدود جغرافية داخل المحافظة لا يتم انتهاكها مستقبلا، أو في عملية عسكرية سريعة ينفذها النظام، بدعم روسي إيراني، لانتزاع المعبر والسيطرة على طريق M4 بين سراقب وأريحا.

العربي الجديد

———————————–

==================================

=================================

تحديث 15 آب 2020

———————————

روسيا في المستنقع السوري/  روبرت فورد

وقع الكثير من القادة والمسؤولين، وأنا منهم، في أخطاء فادحة في التعامل مع الحرب السورية. لذلك، يتعيَّن علينا الآن التحلي بالتواضع وإبداء الندم.

بطبيعة الحال أول ما يتذكره المرء عن سوريا المعاناة المروعة التي كابدها مواطنوها. إلا أنه يتعيَّن علينا كذلك تذكر حدود ما يمكن للتدخل الأجنبي تحقيقه في الحروب الأهلية التي تشتعل في دول أخرى. من ناحيتها، تعلمت الولايات المتحدة هذا الدرس في فيتنام، وبعد ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، اضطرت لتعلمه من جديد داخل العراق. ومثل الرئيس جورج بوش في أبريل (نيسان) 2003، نجح الرئيس فلاديمير بوتين في إنجاز هدفه العسكري الفوري داخل سوريا. واليوم، أصبح واضحاً أن حليفه الرئيس الأسد وحكومته الوحشية سيبقيان في السلطة. ومع أن الأسد لا يروق كثيراً لموسكو، تظل الحقيقة أنها عاجزة عن إيجاد أو فرض بديل له. ولذلك، سيستمر الرئيس بوتين في العمل مع الرئيس السوري وحكومته الضعيفة. ولا تملك موسكو سوى أن تأمل في أن يقْدم الأسد وحاشيته بعد انتخابات عام 2021 على أخذ زمام المبادرة نحو مصالحة حقيقية.

في تلك الأثناء، وفي ظل غياب أي إصلاحات حقيقية داخل دمشق، ستستمر واشنطن والاتحاد الأوروبي في العقوبات التي يفرضها الجانبان على سوريا، وسيستمر اعتماد البلاد على المساعدات الإنسانية لفترة طويلة. ومن أجل ذلك، سعت موسكو من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتعزيز سيطرة دمشق على المزيد والمزيد من المساعدات الإنسانية التي تدخل الأراضي السورية، وذلك لحاجة الأسد لضمان عدم تضرر مصالحه التي تتسم بحساسية سياسية كثيراً من العقوبات.

من ناحية أخرى، فإن المساعدات الإنسانية لا تشكّل حلاً طويل الأمد للأزمة السورية، وتكشف الحالة المزرية للاقتصاد السوري مدى ضعف الإنجازات العسكرية الروسية.

إضافة لذلك، تزيد المظلة العسكرية الأميركية فوق منطقة الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا الوضع تعقيداً أمام الجهود الروسية الرامية لضمان انتصار سياسي واقتصادي كامل داخل سوريا. على الصعيد التجاري، عاينت روسيا توقيع شركة أميركية اتفاقاً نفطياً ظنَّت موسكو أنه سيكون من نصيب شركات روسية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، وفي الوقت الذي تتسم العائدات النفطية بضآلتها مقارنةً بتكاليف إعادة بناء سوريا، فإن الاتفاق سالف الذكر من شأنه خلق مزيد من الصعوبات أمام دمشق على صعيدي الطاقة والموازنة. وعلى الصعيد السياسي، سيعيق الاتفاق الجهود الروسية الرامية لإبرام اتفاق بين دمشق وحزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم في شمال شرقي سوريا حول مستقبل الحكم بهذه المنطقة.

من ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة بالتأكيد باستطاعتها ادعاء تحقيقها بضعة نجاحات داخل سوريا. من جهته، يشدد منسق السياسة الأميركية تجاه سوريا، السفير جيمس جيفري، على أن واشنطن ترغب في التعاون مع روسيا والأمم المتحدة، من أجل إيجاد سبيل لإجبار الأسد على تنفيذ إصلاحات سياسية وعقد انتخابات حرة ونزيهة في سوريا. ومع ذلك، لا يجري الكثير من المناقشات العميقة في الوقت الحاضر بين جيفري وفريق العمل المعاون له من جهة، وروسيا من جهة أخرى. والمؤكد أن الخلافات بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا والعقوبات والصواريخ النووية، وتدخُّل كل طرف في الشؤون السياسية الداخلية للطرف الآخر، تزيد المناخ العام للعلاقات بين العاصمتين سوءاً. إلى جانب ذلك، لا تبدي موسكو حماساً تجاه التفاوض مع إدارة ترمب.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن وزير الخارجية الروسي لافروف انتقد خلال مؤتمر صحافي مع نطيره الإيراني جواد ظريف، في 22 يوليو (تموز)، «المناخ السياسي» داخل واشنطن والذي يشجع مسؤولين أميركيين على تسريب أسرار بخصوص المفاوضات السرية بين الجانبين وكشفها على الصعيد العام.

الواضح أن الخارجية الروسية ليس باستطاعتها استخلاص تنازلات من الأسد أو واشنطن، في الوقت الذي يربح قليل من الشركات الروسية فقط أرباحاً تجارية من وراء الاقتصاد السوري المدمَّر. أما المؤسسة الروسية الوحيدة التي تبقى لها مصالح كبرى داخل سوريا فهي المؤسسة العسكرية.

من جهته، صرح قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال ماكنزي، في يونيو (حزيران)، بأن الروس يرسلون معدات عسكرية إلى سوريا، في الوقت الذي تدخل دوريات برية روسية بمعدل أكبر شرق سوريا حيث يعمل الجيش والقوات الجوية الأميركية.

وفي بعض الأحيان، تقع مناوشات غير مسلحة بين جنود أميركيين وروس قرب القامشلي وقرب الطريق السريع «إم 4» الرابط بين سوريا وخط الإمداد العسكري الأميركي في فيشخابور القادم من العراق.

من ناحيتهم، يصف قادة عسكريون أميركيون السلوك الروسي بالعدوانية، لكن حتى الآن لم تقع مواجهات مسلحة. ويبدو الضباط الأميركيون هادئين نسبياً إزاء التصرفات الروسية. علاوة على ذلك، هناك آلية تنسيق بين القوات الروسية والأميركية تحول دون وقوع صراع مباشر بينهما. وفي الوقت ذاته، تحرص روسيا على عدم تحدي منطقة الحظر الجوي التي تفرضها الولايات المتحدة فوق شرق سوريا. في المقابل، يستغل الروس أسلوباً آخر لفتح قنوات اتصال مع قبائل شرق سوريا، وتوجيه مساعدات إنسانية إلى دير الزور من أجل اجتذاب الدعم السياسي بعيداً عن الأميركيين.

ولسوء حظ موسكو، تعوق تصرفات الجيش السوري الوحشية تجاه سكان المنطقة، الجهود الروسية الرامية للفوز بدعم سياسي هناك. ومع أن الموازنة الحكومية الروسية قادرة على تحمل التكاليف القليلة للقوات العسكرية المرابطة في سوريا، تظل تلك القوات عاجزة عن فرض حل على الأسد أو تركيا أو الولايات المتحدة في أي وقت قريب. وبإمكان روسيا التعايش مع هذا الوضع المتجمد سياسياً وعسكرياً، لكنّ المواطن السوري التعيس لا يجد أمامه إمكانية لتحسن الأوضاع الاقتصادية على مدار المستقبل المنظور.

———————————

سورية: محميّة روسية مدمّرة ويحكمها بشار الأسد/ بيدرو غونزاليز

وعَد بشار الأسد، حين استُدعي للرئاسة، بتحديث البلد الذي حكمه والده (حافظ) بالحديد والنار. لكن سورية اليوم [بعد نحو عشرين سنة من حكم بشار] أمست في حالة خراب، لم تختف منها مظاهر الفساد، ولا القمع الدموي حتى ضد أبسط أشكال المعارضة. انتهى طبيب العيون اللطيف (الذي تدرب في المملكة المتحدة) إلى تغيير وجهات نظره حول كل شيء، باستثناء العامل المشترك في العائلة: السيطرة على السلطة بأي ثمن كان، والتضحية بأي شخص كان، بل تصفية أي شخص عند الحاجة.

في 17 تموز/ يوليو 2000، كان لا بد من تعديل الدستور للسماح لبشار بخلافة والده، وأداء اليمين كرئيس وقائد عام للقوات المسلحة السورية؛ إذ كان الدستور يشترط في الترشح للرئاسة رجلًا لا يقلّ عمره عن 40 عامًا لشغل هذه الوظائف، بينما كان عمر بشار 34 عامًا. وتم التعديل، وكان هناك أمل في أن الدماء الشابة ستُخرج سورية من دائرة العزلة التي وضعها فيها حافظ الأسد، وستكون هناك دولة جديدة غير التي أدانها المجتمع الدولي، بعد القمع العنيف في عام 1982 للاحتجاجات ضد نظامه التي أودت بحياة 20 ألف شخص.

في الداخل والخارج، مُنح بشار الصدقية والثقة، حيث دعمته فرنسا والولايات المتحدة، بينما كانت البلاد تشهد ازدهارًا تجاريًا وانفجارًا غير معروف للسياحة في العطلات والمؤتمرات. كان الاستثمار الأجنبي يتدفق، وتضاعف عدد منتديات النقاش، وتجددت حيوية دمشق، التي جعلها تاريخها الذي يمتد لأربعة آلاف عام، أقدم العاصمة في العالم.

لكن كل شيء تغيّر جذريًا، بعد الاحتجاجات التي وقعت في مدينة درعا الجنوبية، في آذار/ مارس 2011، كجزء من نار ذلك الربيع العربي المفترض، الذي أطاح -كما الدومينو- أنظمةً أبديةً وصُلبةً، مثل تلك الموجودة في ليبيا ومصر. أطلق بشار العنان للقمع الذي حمل لهجة الآشوريين التي لا لبس فيها، وكان مستعدًا للتشبث بالسلطة، مهما كلّفت الحرب، التي بدأت كحرب أهلية، وانتهى بها المطاف إلى سيناريو وحشي من المواجهة متعددة الأطراف.

توقف عدّ القتلى، منذ مدة طويلة، على الرغم من أن أكثر المصادر موثوقية قدرت عدد الضحايا بنحو نصف مليون شخص، إضافة إلى نحو مليوني مصاب بشتى أنواع الإصابات، وما لا يقل عن ستة ملايين من المهجرين واللاجئين، 80 في المئة منهم يعيشون في ظروف بائسة، في لبنان أو الأردن أو تركيا أو اليونان.

نمو البؤس وتوسعه

انتهى الخراب السوري من لبنان، المحمية الخاصة به، على إثر اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء) عام 2005. حيث أثارت عملية الاغتيال احتجاجات واسعة، أنهت وجود ثلاثة عقود من القوات السورية في بلاد الأرز.

تمسك بشار الأسد بمساعدة إيران في عام 2012، لمنع تقدم قوى المعارضة المشتركة. واخترع نظام الأسد سلاحًا بدائيًا ومدمرًا ووحشيًا: البراميل المتفجرة، التي تحتوي على شظايا كافية لقتل كل من تصل إليه وتحوله إلى أشلاء، وهي تُرمى باليد من الجو. وتتهم الأمم المتحدة نظام الأسد أيضًا باستخدام أسلحة كيمياوية ضد المدنيين، وعلى المشافي، وهو استخدام لم يقم به أي دكتاتور من قبل. وكذلك يتهمه القضاء الألماني بقتل أكثر من 13 ألف شخص، نتيجة التعذيب في السجون التي تسيطر عليها فروع المخابرات المخيفة.

عندما لم تعد المساعدة الإيرانية كافية لكسب الحرب، جاء سلاح الجو الروسي لمساعدة النظام. ابتداء من عام 2015 فصاعدًا، اكتسبت القوات الجوية نفوذًا، وحوّلت سورية إلى محمية فعلية لموسكو، التي ثبتت وجودها البحري والجوي، عبر قاعدتين على الأراضي السورية. الولايات المتحدة، من جانبها تدخلت على رأس تحالف دولي، بعد إعلان الدولة الإسلامية في عام 2015، لكنها تركت الأرض فارغة، بمجرد اكتمال هزيمة داعش، وإتمام تشتيت الجيوش الجهادية الدموية.

بشار الأسد يسيطر اليوم على أقل من 70 في المئة من سورية المدمّرة هذه، التي ستحتاج، بحسب البنك الدولي، إلى 350 مليار يورو على الأقل للبدء في إعادة إعمارها. وإضافة إلى المساعدة والسيطرة من إيران وروسيا، يتوقف بقاء بشار الأسد في السلطة على دعم الأقليات، بدءًا بطائفته العلوية، إلى جانب الدروز والمسيحيين والفلسطينيين. الفسيفساء العرقية كانت في السابق رمزًا لديناميكية سورية الفكرية التي لا يمكن إنكارها، وكان يمكن أن تصبح أفضل جسر بين الشرق والغرب.

في العام المقبل، ستكون هناك انتخابات رئاسية جديدة. وهناك تكهّنات بأن روسيا تريد مرشحًا مختلفًا في محميتها السورية، مرشحًا يتمتع بموافقة المجتمع الدولي ويسهّل إعادة إعمار البلاد، وبالطبع، يساعد في عودة ملايين اللاجئين الذين حطّم شتاتهم أسسَ الاتحاد الأوروبي. ولكن المشكلة هي أن بشار الأسد اليوم بلا منافس، لقد قضى عليهم جميعًا، وليس من السهل صنعُ خلفٍ لإعادة بناء ذلك الخراب.

اسم المقالة الأصلي        Syria, the ruined Russian protectorate with Bashar al-Assad

الكاتب   بيدرو غونزاليز،Pedro Gonzalez

مكان النشر وتاريخه         أتالايار،Atalayar، 17 تموز/ يوليو 2020

رابط المقالة        https://bit.ly/39yoVUF

عدد الكلمات       648

ترجمة   قسم الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى