وجها لوجه

أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز كارينغي للشرق الأوسط: عودةٌ مَلجُومة

 مايكل يونغ

أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز كارينغي للشرق الأوسط، بيروت. تُركّز أبحاثه على مسائل الحدود، والنزاعات، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية. نشر مؤخراً دراسة في كارنيغي حملت العنوان “كيف تحوّل جنوب سورية إلى برميل بارود إقليمي”، تدرس فيها الطبيعة الخاصة لعودة النظام السوري إلى الجنوب في العام 2018، ومآلات الوضع الذي تلا ذلك.

أجرى “ديوان” مقابلة مع توكماجيان في أواسط تموز/يوليو، لمناقشة محور دراسته ونظرته إلى الديناميكيات التي تتكشّف فصولاً في جنوب سورية.

مايكل يونغ: نشرت مؤخراً دراسة غداة عودة النظام السوري إلى جنوب البلاد العام 2018، خاصة إلى محافظتي درعا والقنيطرة. ما الفكرة المحورية في هذه الدراسة؟

أرميناك توكماجيان: جادلت بأنه على الرغم من عودة النظام في العام 2018، إلا أننا لا نستطيع اعتبار المنطقة الجنوبية الحدودية بُقعة طرْفِية في دولة ذات سيادة تخضع فيها السياسات إلى ما تقرّره دمشق. بل يجب أن نُطل على المنطقة، بدلاً من ذلك، على أنها ساحة صراع إقليمي تتقاطع وتتصارع فيها مصالح اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين. بكلمات أوضح، تتشكّل السياسات في هذه المنطقة أساساً وفق الاعتبارات الإقليمية لا السيادية.

حالما نتبنّى مثل هذا المنظور لمقاربة الأمور، نلاحظ أن الجغرافيا السياسية الخاصة لمنطقة الجنوب الحدودية فرضت في العام 2018 أمراً واقعاً حساساً حدّدته وحافظت عليه إلى درجة كبيرة روسيا، خلال وإبّان الحملة العسكرية التي أعادت تواجد النظام جزئياً في الجنوب. وهذا الأمر الواقع يهدف في العمق إلى منع تمدّد وجود إيران والقوات الحليفة لها قرب الحدود، وهو أمر قد يتسبّب في اندلاع حريق إقليمي مُكلف.

والآن، سيبقى مستقبل هذه المنطقة الجنوبية على ارتباط وثيق بالظروف التي يفرضها النزاع في هذه البقعة الحدودية. الأمر الواقع الراهن كان حصيلة ذلك. لكن، حتى لو انهار هذا الوضع أو أُعيد تشكيله مع الوقت، فإن أي شيء سيبرز مكانه في خواتيم هذه العملية سيكون مرتبطاً بالظروف التي تفرضها الجغرافيا السياسية للمنطقة الحدودية.

يونغ: ما الوضع الحالي في المنطقة التي غطّتها دراستك؟

توكماجيان: باختصار، الحال يراوح مكانه. فالعديد من السمات المميّزة للجنوب السوري التي فصّلتها في الدراسة لاتزال قائمة، مثل فقدان الأمن متواصل، حيث حصلت حالات خطف جديدة وعمليات اغتيال جرى توثيقها الشهر الماضي. كذلك، لايزال الوضع الكلي للخدمات العامة بائساً، وثمة زيادة حادة في الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية السورية. لكن، ثمة نقطة إيجابية هي أن النظام أطلق سراح بعض المعتقلين، وشطب أسماء 3700 شخص من لائحة المطلوبين، ووعد بإعادة الموظفين المفصولين من عملهم الى مؤسساتهم في القطاع العام. كل هذه كانت مطالب أساسية للمحليين.

ثمة تطور مُلفت آخر تمثّل في سعي بعض القيادات المعارضة العسكرية السابقين إلى توحيد صفوفهم في درعا. فبعد التصعيد الذي شهدته المحافظة في أيار/مايو 2020، حين تموضعت عناصر موالية لإيران ضمن القوات العسكرية التابعة للنظام في محافظة درعا الجنوبية الغربية لتعزيز وجود النظام، جرت محادثات خلف الكواليس بين قادة سابقين بارزين في المعارضة. هذا ما ألمح إليه رجل روسيا في الجنوب، أحمد العودة، في خطاب ألقاه الشهر الماضي، حين تحدّث عن خطط لتوحيد درعا “في جسم واحد وجيش واحد”، من دون أن يوضح قصده بشكل دقيق. علينا الانتظار لرؤية كيف ستتمظهر هذه الوحدة، أو إذا ما ستتحقق فعلياً. فالوحدة لم تكن أبداً سمة أساسية للمعارضين السوريين. لكن أهمية هذه المحاولة تكمن في مكان آخر: إذ يبدو أن روسيا، من خلال حليفها العودة، قد تسعى إلى توطيد نفوذها على الأرض، ما قد يعني تعزيز الوضع الراهن.

يونغ: كما قلت، لعبت روسيا دوراً أساسياً في رسم معالم عودة النظام السوري إلى الجنوب. هلّا لك إطلاعنا على طبيعة المصالح الروسية بعيدة المدى في المنطقة الحدودية؟ وكيف قد تؤثّر هذه المصالح على مختلف الأطراف على الأرض؟

توكماجيان: أعتقد أن مصلحة روسيا الأساسية على المدى البعيد، هي الحفاظ على دورها المركزي في رسم معالم الديناميكيات الإقليمية التي تظهر في الجنوب السوري. أميل إلى الاعتقاد بأن الروس يدركون جيداً أنه لا يمكن التعامل مع هذه المنطقة (على الأقل في الوقت الراهن) على أنها بُقعة طرْفِية في دولة ذات سيادة، بل ينبغي اعتبارها مركزاً إقليمياً في حدّ ذاتها. فهذا ما تشير إليه السياسات الروسية. في الجنوب، تتصرّف موسكو بدرجة أقل كحليفة للنظام وبدرجة أكبر كضامنة للوضع القائم المقبول إقليمياً. وعلى عكس ما فعلت في مناطق أخرى من سورية، لم تساعد النظام على إعادة إحكام قبضته الأمنية القوية، الأمر الذي كان بدوره سيسهّل ربما التوسّع الإيراني في المنطقة. بدلاً من ذلك، أبقت روسيا حضور النظام ضعيفاً وأبطأت تقدّم الإيرانيين. كما وفّرت درجة من الحماية لقادة سابقين وحافظت على الوضع كما هو على الرغم من استياء النظام. أعتقد أن لروسيا مصلحة قوية في الحفاظ على الوضع القائم، ومن خلال ذلك الاحتفاظ بدورها المركزي في السياسة الإقليمية.

يونغ: كتبتَ أن الديناميكيات في جنوب سورية ستبقى لها تبعات إقليمية. هل يمكنك أن تشرح لماذا وكم من الوقت سيدوم ذلك؟

توكماجيان: لا يُعدّ تبدّل الوضع-غير المستقر أصلًا-في جنوب البلاد مصدر قلق بالنسبة إلى سورية وحسب بل بالنسبة إلى الدول المجاورة أيضاً، وحتى بالنسبة إلى الجهات الفاعلة التي ليس لها حدود مشتركة مع سورية. خذ على سبيل المثال انعدام الأمن بشكل عام في محافظة درعا: لقد أثار ذلك قلق الأردن بشكل كبير لجهة ارتفاع وتائر تهريب المخدرات والأسلحة. كما أنه يعرقل عودة العديد من اللاجئين السوريين، من سكان درعا أساساً، المقيمين راهناً في الأردن.

مثال آخر على ذلك هو الوجود الإيراني المحتمل. ففي حال أرادت إيران أو القوات الموالية لها تشكيل قدرة هجومية لها على مقربة من مرتفعات الجولان التي تحتلّها إسرائيل، سيعرّض ذلك أمن إسرائيل إلى الخطر وربما يؤدي إلى مواجهة. أرى، برأيي الخاص، أن الظروف غير المستقرة في جنوب سورية ستراوح مكانها.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى