سياسة

عن اللجنة الدستورية السورية -مقالات مختارة-

==============================

——————————-

اللجنة الدستورية السورية بين التعطيل والموات/ أكرم البني

ثلاثة مستجدات تفرض نفسها على اللقاء الثالث لما سميت «اللجنة الدستورية السورية»، المزمع عقده في جنيف بعد أيام (24 أغسطس/ آب) بين ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وتجعله شكلياً وغير مجدٍ، ولنقل تجعل مصير هذه اللجنة محكوماً بالتعطيل والموات، أسوة بما حصل لـ«بيان جنيف» عام 2012، وللمؤتمرات الكثيرة التي عقدت تحت مظلته؛ من مؤتمر «جنيف 1» صيف 2012، وحتى مؤتمر «جنيف 9» شتاء 2018، وأسوة أيضاً بقرار مجلس الأمن رقم «2254» لتسوية النزاع السوري الصادر في يناير (كانون الثاني) 2015، ثم ما حل بما سمي «إعلان موسكو» في 2016 بين روسيا وإيران وتركيا لإحياء العملية السياسية في سوريا، وما تلاه من اجتماعات ومؤتمرات عقدت في «آستانة» و«سوتشي».

أولاً؛ يأتي هذا اللقاء بعد إخفاق الرهانات والتحليلات التي تبناها غير طرف عن قرب تنحي واستبدال رأس النظام السوري، بما في ذلك انحسار الحملات التي قادها بعض الإعلام الروسي ضده للتأثير على مكانته وموقعه، وتقف وراء هذه النتيجة أسباب متضافرة؛ منها تمسك طهران الشديد باستمرار حاكم دمشق ورفضها القاطع أي تغيير يطاله، ومنها رغبة إسرائيلية، أعلنت غير مرة، تميل لبقاء رموز سلطة أثبتت حرصها (كاتجاه عام) على حماية الحدود المشتركة، ومنها تراجع موسكو نفسها عن فكرة تغيير رأس النظام، ربما تحسباً من التداعيات والتكلفة، خصوصاً بعد نجاحه في توفير حد لافت من الالتفاف حوله خلال المعركة التي خاضها لإزاحة رامي مخلوف وأعوانه.

ما سبق يعني أن النهج السلطوي القديم سوف يستمر بالزخم والقوة نفسيهما، خصوصاً لجهة تشدد النظام السوري في رفض التنازلات وفي إفشال مختلف المبادرات السياسية، متوسلاً ما يمتلكه من خبرات لتمييع ما يفرض عليه من حلول وإفراغه من محتواه، ومتسلحاً بحصيلة وفيرة من تجاربه القمعية يحدوها إدمان على الفتك والتنكيل وثقة بأن العمل المجدي لدوام السيطرة ليس الاستجابة لمطالب الناس ومعالجة مشكلاتهم ونيل رضاهم، بل الاستمرار في إرهابهم وإذلالاهم وشل دورهم.

فأنّى لسلطة مرتبكة أن تذعن للتفاوض سياسياً، حتى في حدود التوافق على دستور جديد، وهي تدرك مخاطر ذلك؛ إنْ في هتك هيبتها وتحريض الخلافات داخل بطانتها وبين مراكز قوى تشكلت في أتون الصراع وباتت متفاوتة المصالح والأهداف، وإنْ بتحسبها من المساءلة والمحاسبة حين يفضح المسار السياسي دورها ومسؤوليتها في معضلات الخراب والتفكك الوطني والفساد وتهتك الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية؛ والأهم مصير المعتقلين والمغيبين والمشوهين؟! ثم أنّى لنظام رفض وهو في شدة أزمته تقديم التنازلات، مهما بدت صغيرة، أن يتنازل اليوم وقد أغراه ما حققه من تقدم عسكري، الأمر الذي يفسر الطعن الصريح لرأس النظام في خطابه الأخير بالمعارضة وخيار التفاوض معها، وتأكيده أنه لن يسمح لها بأن تحقق بالسياسة ما لم تحققه بالإرهاب؛ كذا؟!

ثانياً؛ يتزامن اللقاء مع فترة قصيرة تسبق الانتخابات الأميركية وفي مناخ ينتظر فيه الجميع نتائج هذه الانتخابات كي يتم البناء عليها، مما يعني أن ليس ثمة حماسة واطمئنان، وإنْ بدرجات، لدى مختلف الأطراف الراعية والمشاركة في هذا اللقاء، لخوض مناقشات عقيمة يحكمها تباين كبير بين هموم أطرافها ومطالبهم، ما دام ثمة ترقب لما قد يرسو عليه قرار واشنطن، الجهة التي لا تزال تمتلك أوفر قدرة على التأثير والتقرير والحسم، خصوصاً بعد عودتها عسكرياً إلى المشهد واستعانتها بالحضور الكردي وبـ«قوات سوريا الديمقراطية» للسيطرة على مناطق مهمة في شمال البلاد وشرقها، وأيضاً بعد العقوبات التي اتخذتها مؤخراً ضد السلطة السورية وشركائها تحت عنوان «قانون قيصر» وشكلت حالة ضغط كبيرة ليس فقط على السلطة؛ وإنما أيضاً على حليفتها روسيا، مما زاد من تعقيدات الدور الذي تتطلع إليه هذه الأخيرة في رسم المستقبل السوري.

صحيح أن قيادة الكرملين نجحت، بفضل جهدها العسكري، في إنقاذ النظام وحلفائه الإيرانيين، وصحيح أنها الجهة التي يبدو أنها تمسك بأهم خيوط اللعبة في البلاد وتمكنت من اختراق الاستعصاء المزمن وتخميد حدة الصراع القائم، لكنها خير من يعرف أن التسوية السياسية الناجحة للمحنة السورية تتطلب تنازلات مؤلمة لإرضاء خصومها الغربيين وتحديداً واشنطن، وتعرف أنه من دون ذلك فسوف تستمر حالة «الاستنقاع» التي كرسها فشل التفاهمات الكثيرة المعلنة بين الرئيسين، بوتين وترمب، للإقلاع بالحل السياسي السوري.

ثالثاً؛ التراجع الموضوعي لقدرة المجتمع الدولي والبلدان الغنية؛ الغربية والعربية، على التقدم للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، محكومة ليس فقط بصعوبة حصول تغيير في السلطة استجابة لاشتراطاتها السياسية، وإنما أيضاً بالنتائج الوخيمة التي خلفها وباء «كورونا» على قدراتها الاقتصادية، ويصح أن نضيف هنا تداعيات انفجار بيروت وما شهدناه من صرف جزء مهم من الجهد العالمي نحو لبنان، وهو أمر مفهوم ومفسر بالمقارنة مع الحالة السورية، والمفارقات كثيرة؛ منها المسؤولية التي يتحملها نظام الاستبداد السوري عمّا حل في البلاد من خراب وضحايا، محفوفاً بإصراره على رفض المبادرات السلمية الأممية كافة؛ ومنها عمق حضور الفكر الليبرالي، سياسياً واقتصادياً، في لبنان وما راكمه من قوى لها مصلحة في تغيير الاصطفاف الذي فرض عليه خلال السنوات الماضية، وتقريبه من الشروط السياسية التي حددها الغرب للمساعدة في إعادة إعمار بيروت، ومنها قوة رأس المال اللبناني المنتشر في بلدان الاغتراب وقدرته النسبية على التأثير في القرارات الغربية المتعلقة بشؤون بلاده، عدا روابطه العميقة مع قطاع كبير من اللبنانيين وحماسته اللافتة لمدّهم بالعون اللازم.

والحال؛ لا معنى اليوم للتعويل على اللجنة الدستورية، ولنقل على فضلات ما تبقى من مسارات التسوية السياسية في ظل سلطة لا يهمها سوى التفرد بسطوتها وامتيازاتها أياً يكن الثمن، مما يرجح فشلها كحال مختلف المبادرات والمفاوضات السياسية، تاركة المأساة السورية مفتوحة على تفاقم أزماتها المتنوعة؛ سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ورهينة التوغل المريع للأطراف الخارجية وما ترسمه خلافاتها وتوافقاتها، في مناخ عالمي يلوذ بصمت مريب وحسابات بغيضة تجاه عظمة الأهوال والفظائع التي تعرض ويتعرض لها السوريون.

الشرق الأوسط

———————————————–

كيف نستأجر البيت الأبيض؟/ عمر قدور

لدى وصوله إلى أنقرة أعلن جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، عن تطورات مثيرة ستحدث في الملف السوري. ثم في اجتماعه لاحقاً يوم الأربعاء الماضي مع قيادة المعارضة الممثلة بالائتلاف، لم يرشح ما هو مثير باستثناء ذلك الجدل حول الموضوع الكردي، إذ نُسب إلى جيفري وجويل ريبورن “الذي سيخلفه في المنصب” استياؤهما من تركيز الوفد المعارض على تحالف واشنطن مع قسد، فيما بدا للجانب الأمريكي أنه أكثر من التركيز على مواجهة الأسد فأبدى ملاحظة بهذا المعنى، ليعرب رئيس وفد المعارضة نصر الحريري عن خشيته من وصول معارضته إلى دمشق من دون تمكنها من الدخول إلى الحسكة!

ربما يظن صاحب العبارة الأخيرة أنه أفحم الجانب الأمريكي ببلاغته، بلا اكتراث بكونها فائضة عن الموضوع الذي أتى الوفد الأمريكي لمناقشته، وينصب أساساً على التصور الأمريكي للضغط على بشار الأسد. غني عن القول أن الجلسة غير مخصصة لمناقشة التحالف الأمريكي مع قسد، وأن الخطوات التي تتخذها الإدارة في ما خص ذلك التحالف تنبع من الحسابات الأمريكية العامة والإقليمية، ولم ولن تتوقف يوماً عند شكاوى المعارضة.

القول أن وفد المعارضة عبّر عن المخاوف التركية في الشق الكردي، أكثر من دوره المفترض في التعبير عن تطلعات السوريين، فيه شيء من الصحة لكن مع الاستدراك بأن فيه قدراً أكبر من التطوع المبتذل، فالقيادة التركية لها ما يكفي من قنوات الاتصال العلنية وغير العلنية مع واشنطن، ولا تحتاج وسيطاً أو داعماً من قياس الوفد المعارض. على هذا الصعيد أتت الرسالة الأقوى من جويل ريبورن، بتأكيده على التحالف الأمريكي-التركي، وعلى دعم بلاده أنقرة في ما يتعلق بإدلب المهدَّدة بهجوم جديد. التأكيد يكتسب أهميته بصدوره عن المبعوث الأمريكي الجديد، لأن سلفه جيفري كان محسوباً على أصدقاء أنقرة، ويُراد القول أن التغيير لا يستهدف التعاون معها.

في ما يتصل بالتحالف الأمريكي مع قسد، من الوهم المراهنة على تفكيكه إلا بانتهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. حدوث تغييرات أصغر، شأنٌ آخر، فمن الملاحظ مؤخراً اهتمام الجانب الأمريكي بإبعاد الكوادر الكردية التركية عن التحكم في الإدارة الذاتية، واهتمامه بإنشاء إطار يرضي نسبياً مكونات منطقة الجزيرة. في الوقت نفسه، أعطت إدارة ترامب إشارات لبقائها في المنطقة، بعد إعلان ترامب أكثر من مرة عن نيته سحب قواته، وحسبما هو معلن لا ينوي الديموقراطيون “في حال انتخاب بايدن” سحب قواتهم.

السؤال الذي على المعارضة توجيهه والإجابة عنه بشفافية هو: هل الوجود الأمريكي بشكله الحالي، أي بكل مآخذها عليه، هو لصالحها أم لا؟ بصياغة أخرى، لنتخيّلْ ما سيكون عليه الدور الأمريكي إذا تم سحب القوات، مع التنويه بأن اتخاذ ذلك الإجراء يتضمن حتماً التراجع في الاهتمام الأمريكي. أو لننظرْ إلى القوى المتلهفة إلى رحيل القوات الأمريكية، وفي المقدمة منها موسكو وطهران لتعلنا انتصارهما التام لحظة رحيلها. لا داعي بالطبع للحديث عن مصير “العملية السلمية” التي ارتضتها المعارضة، فآنذاك لن تتحرج موسكو من الإجهاز عليها نهائياً والقول أنه لم يعد من مبرر لوجودها أو للقرارات الدولية التي نصت عليه.

الواقع أن الكماشة الأمريكية صارت تعمل بذراعين، قانون قيصر الذي يحاصر الأسد خارجياً، والوجود العسكري الذي يمنعه داخلياً من إعلان النصر ومن العائدات الاقتصادية المتنوعة لمنطقة الجزيرة. الكماشة الأمريكية لا تخنق الأسد وحده، بل تمنع حلفاءه من التنعم بثمار تدخلهم، فهي تحصر انتصاراتهم في بُعدها العسكري المحض، وتحمّلهم تكاليف المحافظة على سلطة منهارة. هذه المعطيات منحت جيمس جيفري الثقة قبل أشهر كي يصرّح أن مهمته هي إغراق الروس في المستنقع السوري، وهو بالطبع لا يفعل ذلك كرمى للسوريين أو للمعارضة أو لقسد. هذه هي السياسة الأمريكية، أما ترويج تمنيات وأوهام مغايرة من قبل المعارضين فيلزمه دليل من نوع “كيف نستأجر البيت الأبيض”.

قد نكون غالبيتنا في موقع انتقاد السياسات الأمريكية في سوريا، وثمة من يرى أنها كانت أقوى داعم لبقاء بشار. ولعل بعض جوانب انتقاد السياسة الأمريكية في سوريا تذكّر بعقود من انتقادها إزاء القضية الفلسطينية، فنحن غاضبون منها، وفي الوقت نفسه نسلّم بقدرتها الهائلة على التأثير، ولا نبذل جهداً ملموساً تجاه مراكز صنع القرار، ونشعر بالنقمة لأن التغيير المشتهى لا يأتي. ذلك الغضب مبرَّر لعموم أصحاب القضية السورية وأصدقائها، باستثناء الذين يقتضي عملهم في السياسة التعامل مع أسوأ الظروف ومحاولة التقليل من سوئها، إذا لم يكن ممكناً تحاشيه.

ذهب أوباما وأتى ترامب وقد يذهب ليأتي بايدن، بينما “على سبيل المثال ليس إلا” بقي نصر الحريري يتنقل في المناصب الرئيسة للمعارضة. كان من فوائد بقائه، لو أحسنا الظن، اكتسابه خبرة بالتعامل مع المسؤولين الأمريكيين عطفاً على اللقاءات التي جمعته بهم، لكن مجريات اللقاء الأخير وهدر الوقت خارج الموضوع الأساسي للّقاء لا يوحيان باكتساب تلك الخبرة. في المقابل، لا يخرج عن السياق الأساسي أن نسترجع نصيحة جيفري للمعارضة قبل أشهر بالانتقال إلى أوروبا توخياً لمزيد من الاستقلالية، مع التذكير بأنه شخصياً يُحسب على أنقرة ضمن إدارة ترامب.

خلال سنوات قدّمت المعارضة لواشنطن ما يكفي لتستهتر بها، فهي إما كانت تحت الوصاية التامة لقوى إقليمية تولت التواصل مع واشنطن باسمها، أو لم تقدّم في اللقاءات المباشرة ما هو جدير بالاحترام. بعض هذه اللقاءات أُهدر بإنشاء قدمه معارضون عن أحقية الثورة السورية كأن من يحاورهم لا يعرف الواقع أو يبني مواقفه على الحق، وإلى بعضها حملت وفود المعارضة الحد الأقصى من مطالبها وكأنها ذاهبة للإمساك بالخاتم السحري، وخرج معارضون من لقاءات وهم غير مصدّقين أقوال المسؤولين الأمريكان الذين شرحوا لهم للتو عدم استعداد بلادهم للتدخل على النحو الذي يتمنونه، إذ لا بد أن في الأمر مراوغة ولا بد أن يأتي التدخل المرتجى لاحقاً، لذا من الأفضل إبقاء تلك الأقوال طي الكتمان. في الفترة ذاتها، كانت المعارضة تستهلك رصيدها المحلي ليقتصر على الطامعين في مناصبها، وإذا ابتسم لها الحظ بالوصول إلى دمشق “كمدينة ترمز إلى السلطة” فعليها أن تكون ممتنة للقدَر الأمريكي المفاجئ، أما الوصول إلى المدن الأخرى بدءاً من درعا وصولاً إلى الحسكة فيتطلب دأباً من نوع مختلف.

المدن

——————————————

عندما يفخخ الأسد اللجنة الدستورية بكورونا/ حسان الأسود

بدأت أخيرا الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بهيئتها المصغّرة برعاية المبعوث الأممي، غير بيدرسون. وكما كان متوقعاً، استهلّها وفد النظام بالمماطلة والتسويف، حيث أطلق الرئيس المشترك، أحمد الكزبري، على وفده الذي يرأسه تسميةً رابعةً جديدةً هي “الوفد الوطني”، مدّعياً أنه لا يمثّل الحكومة السورية، ما استدعى رئيس وفد المعارضة المشترك، هادي البحرة، للاعتراض وتسجيل نقطة نظام، طالباً الالتزام بورقة القواعد الإجرائية المتفق عليها في الجلسة الافتتاحية قبل أشهر.

اللافت في هذه الجولة هو الحضور القوي للجانب الأميركي، ممثلاً بالسفير جيمس جيفري ومعاون نائب وزير الخارجية جويل ريبورن، ففي أثناء الاجتماع المطوّل مع أعضاء الوفد الممثل لقوى الثورة والمعارضة السورية، أطلق الممثلان الأميركيان رسائل مهمة لا يمكن إغفالها. تتمثل الأولى بالتزام الأميركيين الصارم (حسب زعمهما) بعملية الانتقال السياسي في سورية وفق القرارات الأممية، مع توضيح أنّ هدف الإدارة الأميركية هو دعم جهود الشعب السوري بتغيير النظام كاملاً، وقد وصف الممثلان الوفد بأنه شرعي يمثّل الشعب السوري بأكمله، وليس فقط جمهور الثورة منه. في الثانية، تمّ التأكيد على ثبات الموقف الأميركي، مهما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. أمّا في الثالثة فقد صرّح الممثلان إنّهم يعدّون للأسد كأس السمّ الذي تجرّعه حليف والده السابق المرشد الإيراني، آية الله الخميني.

ومن الرسائل المهمة أيضاً مقارنة السفير جيفري التورّط الروسي الحالي في سورية، والذي بدأ في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، بالتورّط السوفيتي في أفغانستان، الذي بدأ بدخول الجيش الأحمر الأربعين في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1979، وانسحابه الإجباري والمهين الذي بدأ في 15 مايو/ أيار 1988 وانتهى في 2 فبراير/ شباط 1989. يبدو أنّ السفير أراد الإيحاء بأنّ السياسة الأميركية في سورية تعيد إنتاج أسلوب الاستنزاف الذي أدّى، أو ساهم بشكل فعّال، بتسريع عملية انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. وفيما يخصّ الجانب الإيراني ودوره في سورية، فكان كلام الممثليْن الأميركيين واضحاً للغاية، من حيث الاستمرار بمحاربة هذا التغلغل بكل الوسائل المتاحة، وكانت الإشارة الأقوى إنّ قوات النظام لن تكون في مأمن من الاستهداف، طالما سمحت للإيرانيين ومليشياتهم بالتستر تحت يافطات الجيش السوري وقواته الأمنية والعسكرية.

بالعودة أعواما، نستذكر مقولة وزير الخارجيّة السورية، وليد المعلّم، عندما محا أوروبا من خريطة العالم، إنّ “على المعارضة أن تتعلّم السباحة، لأننا سنغرقها بالتفاصيل”، وها هو اليوم يرسل إلى جنيف وفداً فيه ثلاثة من أصل 15 مصابين بفيروس كورونا، على الرغم من علمه المسبق بإصابتهم. على ما قالت مصادر وفد المعارضة السورية لوكالة الأناضول التي أفادت أن السلطات السويسرية وضعت أربعة من هذا الوفد في العزل الصحي في الفندق. والحقيقة أنّ توقّع عدم قيام النظام السوري بهذا الأمر هو المستهجن، لا العكس، فالطريقة التي تعمل بها منظومة الإدارة الفعليّة في الدولة السورية منذ عقود، أي النظام الأمني، بسيطة جداً على الرغم من كلّ التعقيد الذي تبدو عليه. القرار بكلّ وضوح في يد شخص واحد، وهذا يفوّض سلطاته لمجموعة محددة من قادة الأجهزة الأمنية، يتميّزون بالولاء المطلق، وبالرقابة الذاتية على أنفسهم، وبالرقابة والتجسّس على بعضهم.

كان حافظ الأسد يرسم الخطوط العريضة لعمل جميع أجهزة المخابرات والجيش والوزارات والإدارات، ثم يعطي لكلّ جهة صلاحية التنفيذ المقيّد والمشروط، وكان يراقب كل شاردة وكلّ واردة عبر التقارير الأمنية التي تأتيه من عدّة مصادر يومياً. وعندما ورث بشّار الجمهوريّة من والده، كان موقع رئاسة الجمهورية قويّاً إلى درجة فائقة، بحيث بات بشّار، عديم الخبرة والاستحقاق، قادراً بكلّ سهولة على إدارة البلاد نحو الهاوية. كان قدر سورية وأهلها معلّقاً بين أيدي مجموعة من العسكر المراهقين منذ الانقلاب الأول لحسني الزعيم، لكنّ الكارثة الكبرى بدأت بتوطيد حافظ الأسد أركان حكم الفرد الإله منذ انقلابه عام 1970. منذ ذلك التاريخ، لم تعد سورية مستقلّة، بل باتت مرتبطة بشكل لا تنفصم عراه عن الأسد، لم تعد سورية فقط، بل باتت سورية الأسد.

ها هي سورية اليوم تصدّر إلى العالم صورة الخراب والدمار، والاستهتار بأبسط القيم الإنسانية، إنّها سورية الأسد وليست سورية العظيمة، كما قالت في منفاها القسري ذات يوم، شهيدة الموقف الفنّانة الراحلة مي سكاف. لم يكن ليخفى على أجهزة الأمن السورية وجود إصابات بين أعضاء الوفد، ومن يعتقد ذلك يكون ممن لا يعرفون شيئاً عن سورية، بل أغلب الظنّ أنّ النظام استعمل هذا الوفد مفخخة بشرية لنسف الجهود الدولية لتحريك الملف السوري.

لقد استشعر النظام السوري الخطر من الاتفاقات المبدئية بين تركيا ومصر في ليبيا، وهذا يدلّ على رغبة اللاعبين الكبار بالتهدئة لا بالتصعيد. من هنا، يمكن قراءة بعض الإشارات التي تدلّ على ضيق الروس ذرعاً بتصرّفات حليفهم في سورية، خصوصا وأنّ بوتين وترامب يسعيان، وكلّ منهما لغاية في نفسه، لإحداث تغيير ما في ملفات خارجية عديدة. وكما أنّ اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي لم يكن بعيداً عن أجواء الانتخابات الأميركية، فإنّ حضور وفد النظام السوري إلى جنيف لم يكن بعيداً عن الضغوط الروسية المرتبطة بهذه الانتخابات أيضاً، فبوتين يعرف أنّ نجاح الديمقراطيين سيعقّد مهمته في سورية، بعكس الحال فيما لو بقي ترامب في البيت الأبيض.

إذن، استخدم الأسد فيروس كورونا في حربه ضدّ الاستحقاقات المقبلة، لكنّه لن يستطيع تأجيلها إلى الأبد، فلكلّ أزمة نهاية، ويبدو أنّ نهاية الأسد قد اقتربت أكثر مما نتصوّر، وقد تكون قبل نهاية الفيروس ذاته.

العربي الجديد

—————————-

واشنطن تعود بقوة للملف السوري:رسائل في كل الاتجاهات/ عقيل حسين

يبدو الحراك الديبلوماسي المرافق لانعقاد لقاء اللجنة الدستورية السورية الثالث الذي تستضيفه جنيف لافتاً للأنظار، ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في هذا الحراك هو النشاط الأميركي الواضح.

فبعد حضور افتتاح اعمال اللجنة الدستورية في العاصمة السويسرية، توجه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري إلى تركيا مساء الأربعاء للقاء المسؤولين الأتراك والمعارضة السورية.

وفي مطار أنقرة، أعلن جيفري عن حدوث “تطورات مثيرة” في ما يتعلق بالملف السوري، معتبراً أن اجتماع الجولة الثالثة للجنة الدستورية السورية في جنيف كان “بداية إيجابية”، كما أعرب عن تفاؤله بأن اللجنة ستواصل طريقها في المسار السياسي، وستمضي قدماً لتحقيق نتائج جيدة، تنهي المرحلة العسكرية من الأزمة السورية وتعيد النظام إلى طاولة المفاوضات”.

وتعبيراً عن الاهتمام الأميركي الاستثنائي، كان جيفري قد توجه إلى جنيف قبل يومين من موعد اجتماع اللجنة الدستورية السورية، وهناك التقى نائب وزير خارجية تركيا ووفد المعارضة في اللجنة الدستورية، ومن المؤكد أنه لم يكتف بهذين اللقائين، خاصة مع نزول مساعدي وزيري الخارجية الروسية والإيرانية في الفندق المجاور لمكان إقامته.

ليس معلوماً بعد ماذا دار في عاصمة سويسرا بين دبلوماسي الدول الأربع الأكثر تأثيراً في الملف السوري اليوم، لكن الواضح أن هناك جديداً، وإلا لماذا كل هذا الاهتمام الأميركي؟

الاهتمام لم يقتصر على تنقلات جيفري واجتماعاته، بل أضيف له توجه مبعوث الخارجية الأميركية جويل ريبورن إلى تركيا، مستبقاً وصول جيفري للقاء قادة المعارضة، حيث كان اجتماع وفد الائتلاف مع المسؤول الأميركي المعين حديثاً في طاقم إدارة الملف السوري ساخناً جداً.

وحسبما نقل مسؤولون في الإئتلاف لوسائل الإعلام، فإن ممثلي المعارضة السورية طالبوا المبعوث الأميركي بتوضيح موقف بلاده صراحة من الوضع في سوريا، وخاصة بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن من أجل تدعيم سلطة الإدارة الذاتية الكردية شمال شرق سوريا، وعلى رأسها توقيع عقد استثمار النفط، الأمر الذي أثار حفيظة ريبورن الذي تساءل بغضب عن سر هذا العداء المستشري بين المعارضة و”قسد” والذي يشغل الطرفين عن ضرورة تحالفهما ضد عدوهما المشترك وهو النظام!

يتجاهل أو يغفل ريبورن العامل التركي في موقفي المعارضة و”قسد” هنا، إذ يدعم الائتلاف وبقوة موقف أنقرة المتوجس حد الهوس من مخاطر انشاء اقليم كردي جديد على حدودها الجنوبية، وهو ما تخشاه المعارضة أيضاً، التي قال رئيس وفدها نصر الحريري إن “المعارضة تخشى أن تصل إلى دمشق من دون أن تتمكن من الدخول إلى الحسكة”.

وما غفل أو تغافل عنه ريبورن هنا، كان حاضراً في ذهن وتصريحات جيمس جيفري لدى وصوله إلى أنقرة، اذ اعتبر أن “تركيا لاعب محوري في حل الأزمة السورية”، مشيراً إلى ضرورة أن “تكون تركيا على طاولة حل الأزمة السورية”، لا سيما أن سوريا تشكل “تهديداً كبيراً لأمن جميع جيرانها”.

لكن جويل ريبرون لم يكن بعيداً بالمطلق عن الاهتمام بالدور والتأثير التركي بعد الاجتماع مع المعارضة، فأكد بدوره على أهمية التحالف الأميركي مع أنقرة، بل وذهب جيفري أبعد حين أشار إلى أن واشنطن مستعدة لدعم تركيا بما أمكنها في ما يتعلق بملف إدلب، خاصة إذا ما قرر النظام وحلفاؤه شن معركة جديدة هناك.

لكن وبحكم أن تعيينه في هذا المنصب جاء بالتزامن مع إقرار الإدارة الأميركية قانون “قيصر” فقد كان جل تركيز ريبورن على هذا الجانب، مشدداً على أن الضغوط الاقتصادية على نظام الأسد ستجبره على سلوك طريق المفاوضات وصولاً إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254″.

مع ذلك لا ينظر الكثيرون في المعارضة إلى التصعيد الأميركي بارتياح، إذ يرى الكاتب حسن النيفي في تعليق ل”المدن” على هذه المواقف، أن “واشنطن ، وبعد انتهاء حربها ضد داعش، باتت أولويتها في المنطقة مواجهة النفوذ الإيراني، وهي تحاول تجفيف نفوذ طهران في سوريا لكن من خلال استراتيجية عقيمة، وسبب عقمها هو الوهم القائم على إمكانية تجريف هذا النفوذ بوجود الأسد، علما أن الجميع يعلم الطبيعة العضوية للعلاقة بين دمشق وطهران”. وأضاف “لعل هذا التناقض المنبثق من عقم الاستراتيجية الأميركية هو ما يجعل الخطاب الأميركي متناقضاً (تغيير سلوك النظام وليس تغيير النظام) تماماً كالشعار الذي ترفعه بمواجهة إيران( تغيير سلوك حكام إيران وليس تغيير النظام)”.

ويقول إن “ما يريده جيفري من جولته الأخيرة في جنيف وأنقرة، هو إحراج الروس لا أكثر، علما  أنه على يقين بأن الحل في سوريا لن يكون من نتائج اللجنة الدستورية، وإنما سيكون نتيجة توافق دولي يمسك الأميركيون بأهم مفاصله، وبإيجاز شديد يمكن القول: تريد واشنطن إفهام بوتين بأن انجازه العسكري في سوريا سيبقى بعيداً عن الاستثمار إلّا إذا سلّم لواشنطن بما تريد أيضاً”.

بالمقابل ينظر المعارض السوري سمير نشار إلى الحراك الأميركي الأخير بإيجابية في المجمل، ورغم اختلاف القراءة مع الطرف الأول، إلا أنه يتقاطع معها في ما يتعلق بالرسائل الموجهة إلى الروس، إذ يرى نشار أن “موقف واشنطن يمثل رسائل دعم للمعارضة من خلال دعم حليفها التركي وخاصة في ما يتعلق بملف إدلب”.

ويقول نشار ل”المدن”، إنه “في الآونة الأخيرة كثرت التعزيزات من قبل النظام وحلفائه في منطقة إدلب، كما تكررت حوادث التفجير على الطريق الدولي الذي تسلكه الدوريات الروسية التركية المشتركة، وهذا يشكل ذريعة للروس للتملص من اتفاق الهدنة الموقع هناك، وبالتالي فإن زيارة جيفري ليست فقط رسالة وموقف داعم للأتراك في إدلب، وانما رسالة للروس كذلك تؤكد أن واشنطن لن تقف متفرجة في حال تجددت المعارك هناك”. ويضيف “باعتقادي أن الهدف الأميركي هو تثبيت الوضع الراهن الذي على أساسه يجب أن تجري المفاوضات، عكس الروس الذين يريدون قضم المزيد من الأراضي المحررة لتعزيز موقفهم السياسي”.

الحراك الأميركي الاستثنائي الذي يترافق مع اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والزيارات بالجملة إلى تركيا للقاء مسؤوليها وقادة المعارضة السورية المقيمين فيها، تطور لا يمكن القول إنه عادي، لكنه لا يكفي في الوقت نفسه للاستنتاج إنه يحمل ما هو استثنائي قبل مشاهدة انعكاساته العملية على الأرض وعلى طاولة الحل السياسي.

المدن

——————————–

مفاوضات جنيف تاريخ من الفشل/ رضوان زيادة

تصاعدت الحرب على الأرض السورية وحدث الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في آب/أغسطس 2013 وكان فرصة لحوار جدي بين الولايات المتحدة من طرف وروسيا من طرف آخر من أجل إجبار النظام السوري على التخلي عن ترسانته العسكرية مقابل وقف الضربة العسكرية التي هدد الرئيس الأميركي السابق أوباما بتنفيذها في حال انتهاك النظام السوري الخط الأحمر واستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، عندها جرى التوصل لاتفاق ضمن في قرار مجلس الأمن 2118 الذي صدر في  27 أيلول/سبتمبر 2013 وتمت الموافقة عليه بالإجماع ونص للمرة ألأولى في مادته ألأخيرة “يدعو إلى القيام، في أبكر وقت ممكن، بعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا من أجل تنفيذ بيان جنيف، ويهيب بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف بشأن سوريا، ويشدد على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة”.

لم يجد هذا القرار ومادته الأخيرة طريقها للتنفيذ حيث جرى التركيز فقط على تطبيق الآلية الخاصة بنزع الأسلحة الكيماوية، وهو ما وجد فرصة للنظام من أجل التنصل من أية التزامات سياسية وفق القرار، بعد أن تبين للمبعوث الأممي أنه لا تدخل عسكري أميركي في 2013 وجد الفرصة سانحة للدعوة إلى اجتماع للمفاوضات السياسية بين طرفي النظام والمعارضة في جنيف 2 في فبراير/شباط 2014 وانتهت بعد خمسة أيام فقط بإعلان المبعوث الأممي بأن المفاوضات انتهت إلى “طريق مسدود” بسبب الخلافات بين الطرفين.

كانت سنوات 2014 و2015 الأقسى في تاريخ الحرب السورية حيث شعر النظام السوري أنه بمأمن من أية ضربة عسكرية من قبل الولايات المتحدة فصاعد من استخدام البراميل المتفجرة ضد مناطق المعارضة التي استطاعت أن تسيطر على الكثير من الأراضي والمدن السورية بما فيها الغوطتان الشرقية والغربية اللتان لا تبعدان سوى كيلومترات قليلة عن العاصمة السورية دمشق.

مع مجيء السيد دي ميتسورا كمبعوث جديد فشل في تحقيق وقف إطلاق نار شامل في الأرض السورية فلم يجد بداً من الدعوة إلى جلسة جديدة من المفاوضات في فبراير/شباط 2016 رغم أنه مدرك للفجوة الهائلة بين الطرفين، لأنه اعتقد أن روسيا التي بدأت تدخلها العسكري الكامل في سبتمبر 2015 ربما تحتاج إلى هذه المفاوضات من أجل البحث عن مخرج سياسي لها بعد فشل المبادرة الأميركية القائمة على ما يسمى مجموعة دعم سورية الدولية   (ISSG) International Syria Support Group  التي أفلحت فقط في إصدار القرار الأممي 2254 بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر 2015 الذي يعد خريطة الحل السياسي في سوريا والذي نص على القيام “بعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر”.

طبعا لم يتحقق شيء من ذلك ليس في غضون 18 شهرا وإنما بعد مرور خمس سنوات من صدور القرار، فعقدت الجولة الثالثة من المفاوضات في يناير/كانون الثاني 2016 وتمحور الخلاف بين وفدي المعارضة والنظام في تفسير القرار 2254، في ظل هذه الفجوة الهائلة لم يجد المبعوث الأممي دي ميتسورا جدوى من عقد جولة جديدة من المفاوضات حتى قرر عقد الجولة الرابعة في فبراير/شباط  2017 ولم تختلف عن سابقاتها.

لكن الجديد كان التغييرات الدراماتيكية على الأرض حيث تمكن النظام السوري بمساعدة كاملة من روسيا من الجو ومن إيران على الأرض في السيطرة على الكثير من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية خاصة في حلب والغوطة الشرقية ودرعا، كما جاءت الجولة الرابعة عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017، وجولتين من المفاوضات بين النظام والمعارضة المسلحة في أستانا بكزاخستان برعاية روسية التي أظهرت أملا في إنجاز أو تحقيق تقدم ما على الصعيد السياسي بعد تحقيق عدد من التفاهمات العسكرية.

لكن روسيا كانت تهدف من محادثات أستانا التغطية على جرائمها في سوريا والإيحاء بأنها جادة في التوصل لحل سياسي في سوريا، عبر السيطرة على مخرجات المحادثات في أستانا وفقا لمعاييرها، وهو ما وضع محادثات جنيف في مأزق حقيقي حيث عقدت أربع جولات في عام 2017 كلها انتهت إلى فشل مطلق وذريع بعدم التوصل ليس إلى اتفاق وإنما أبسط من ذلك مبادئ عامة للاتفاق.

عقدت الجولة التاسعة من المحادثات السورية في يناير/كانون الثاني 2018 وكانت الجلسة الأخيرة التي ركزت في إطارها العام على قرار مجلس الأمن 2254 حيث عقد مؤتمر سوتشي في روسيا في يناير/كانون الثاني 2018 برعاية الرئيس الروسي بوتين الذي أعلن في نهاية الاجتماع الحاجة للتركيز على تشكيل اللجنة الدستورية كأولوية للحل السياسي.

قرر المبعوث الدولي دي ميستورا الاستقالة في منتصف عام 2018 بدون أن يحرز أي تقدم على مستوى تطبيق القرار 2254 حتى جرى تعيين المبعوث الأممي الجديد بيدرسون الذي اعتبر أن اللجنة الدستورية هي الفكرة الوحيدة التي تحظى بالدعم من الأطراف الدولية رغم قناعة المعارضة السورية أن ذلك يعد خروجا عن قرار مجلس الأمن الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وهو ما دفع إلى انشقاقات كبيرة داخل المعارضة السورية التي رفضت في مجملها انحراف مسار المفاوضات في جنيف واقتصر تمثيلها على مجموعة أفراد يطلقون على أنفسهم وصف “أعضاء اللجنة الدستورية الممثلين للمعارضة”.

واحتاج الأمر أكثر من عامين كي تولد هذه اللجنة الدستورية التي لا تحظى بأي دعم سياسي من قبل المعارضة السورية أو الشعب السوري وعقدت أول اجتماعاتها في أكتوبر 2019 وشارك النظام السوري بوفد اعتاد على تبديد الاجتماعات بإثارة تفاصيل جانبية دون أي قرار سياسي بإنجاح نتائج هذه الاجتماعات، وعقدت الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة الدستورية في نوفمبر 2019 والثالثة في آب/أغسطس 2020 دون إحراز أي تقدم يمكن الإشارة إليه.

باختصار بعد مرور تسع سنوات من بدء مفاوضات جنيف وأكثر من 12 جلسة الحصيلة كانت صفر، المعارضة السورية تعرف ذلك والمجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة تعرف ذلك، والأهم أن النظام السوري كان سعيدا دوما بهذه الحصيلة الصفرية.

———————————-

في سلة الدستور/ عبد الباسط عبد اللطيف

لم يعد خافياً على أحد أن كل محاولات تحريك عجلة الحل السياسي في سوريا تصطدم دائماً، أو تفرغ من جدواها، بمراوغات النظام وتنصله ومماطلته وهو ما سماه وزير خارجيته في فترة مبكرة بسياسة الإغراق في التفاصيل، التي استطاع النظام من خلالها، وعلى مدى سنوات، التهرب من كل الاستحقاقات وإفشال مهام المبعوثين الأمميين المتعاقبين وتعطيل كل مسارات التفاوض والحل، فهل ستكون مقاربة اللجنة الدستورية مختلفة؟

اللجنة الدستورية هي جزء من القرار 2254 الذي نص على وضع جدول زمني لدستور جديد، وهي إحدى السلال الأربع للحل، وعقب صدور قرار مجلس الأمن هذا، كان الحديث يجري عن سقف زمني من ستة أشهر لوضع دستور، لكن مدرسة الإغراق في التفاصيل جعلت المدة بين الجولة الثانية والثالثة وحدها تسعة أشهر، وسلوك النظام في الجولتين أوصل الجميع إلى حد أننا اعتبرنا مجرد عقد الجلسات أمر إيجابي، وعدم انهيارها إنجاز، وتفسير طروحات النظام بخصوص الهوية الوطنية على أنه ضمن جدول الأعمال، يعد تقدماً معقولاً.

هدف النظام أكثر من واضح وهو الوصول إلى 2021 دون دستور وإجراء انتخابات تجديد البيعة لبشار وفق الدستور الحالي، وللتذكير فإن مصطلح تجديد البيعة هذا يستخدمه النظام قبل داعش بعقود، النظام يعيش اليوم نتائج العقوبات الأميركية خاصة بعد قانون قيصر، وهو واقع أيضاً تحت ضغوط روسية واضحة وصلت لحد وجود وفد روسي يعسكر في كواليس جولة جنيف الأخيرة ليضمن أنه لن يفجر الجولة الثالثة كما فعل في سابقتيها، كما أصبح من غير الخافي على أحد أن النظام ما كان ليحضر جولات الدستورية لولا الضغوط الروسية.

وعمد وفد النظام في هذه الجولة الأخيرة، وهي الثالثة بعد توقف دام تسعة أشهر كما ذكرنا، من جديد إلى أسلوب المماطلة وتتضيع الوقت والتصعيد دون أن يوصل الأمور للانهيار هذه المرة، والذي ستكون عواقبه مزيدا من العقوبات الأميركية والغضب الروسي، فسمى وفده نفسه بالوفد الوطني نافياً ضمناً الوطنية عن الآخرين حتى المعارض القادم من دمشق، وفي نفس الوقت كرر عدم تمثيله لحكومة النظام، ثم أراد أن يدخل الجولة في جدل عقيم حول تفسيره للهوية الوطنية، وإن ذلك يأتي في سياق جدول الأعمال ثم حرص على التأكيد أنه لم يحصل أي تقدم، أي أنه أنجز المهمة وهي النتيجة التي يؤكد عليها في نهاية كل جولة.

المعارضة اختارت مبكراً خيار التفاعل مع كل القرارات الدولية والمبادرات لتطبيقها، وأبدت كل الفاعلية والمرونة السياسية والجاهزية الفنية في كل المسارات والمقاربات على أمل إيقاف الدماء والحل السياسي وإنقاذ المعتقلين، وحرصت على أن لا  تكون عثرة ولا معطلاً في أي حل وأن تكسب في توجهها هذا المواقف السياسية والرأي العام الدولي، وكذلك فعلت في مسار اللجنة الدستورية، رغم أنها كررت دائماً قناعتها بأن النظام غير جاد ومعني فقط بالمماطلة وكسب الوقت، وفي هذه الجولة أيضاً حرصت على دفع الأمور للأمام على أمل تجاوز عقبات ومناورات النظام واستفزازاته للوصول لمناقشة المضامين الدستورية والبدء بكتابة الدستور.

أما السيد غير بيدرسون ومن موقعه كمبعوث حريص على استمرار العملية والإبقاء على النوافذ والنهايات المفتوحة وكدبلوماسي مخضرم، قال إن تقدماً حدث دون أن يحدد ما هذا التقدم واستدرك أن الخلافات لا زالت كبيرة أيضاً دون أن يستعرض هذه الخلافات، كما أنه قال أن الثقة المتبادلة تحسنت، بينما أكد على عدم حصول أي تقدم في إجراءاتها وخاصة قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً.

وبالنظر إلى ما سبق وإلى معرفتنا بهذا النظام فإن هدف الوصول إلى العام القادم دون دستور يبدو أنه السيناريو الأرجح، وإن تغيير مداخل الحل من بعد كل هذه التجارب والمسارات لن يجدي إذا ما اقتصر الحراك السياسي على المعطيات السابقة التي لن يكون نصيبها من النجاح بأفضل من مصير المحاولات السابقة، وهذا الذي نريد أن نسميه تقدماً في الجولة الثالثة ما كان ليتم لولا العقوبات والضغط الروسي، وعليه فإن المزيد فقط من العقوبات والضغط هو ما سيدفع  النظام للتعاطي بجدية، لكن بالتأكيد هذه الجدية لن تصل إلى مرحلة الانخراط في هذا المدخل من الحل أو سواه وهو الذي يعلم جيداً أن أي حل حقيقي في سوريا يعني رحيله، وهو يعي جيداً أن مسألة الدستور هذه المرة ليست مجرد تغير شكلي يجريه كما يغير حكوماته ويعيد تدويره أشخاصها الذين يدفع بهم للواجهة ثم يحملهم وزر كوارثه، وهو بالتالي لن يجازف بالوصول إلى دستور قد لا يستطيع هذه المرة ابتلاعه.

والنظام بالتالي لن يسير بجدية في مسار يفضي إلى رحيله، وهو الذي فعل كل ما فعله ليبقى، فهذا احتمال لا أعتقد أنه موجود ضمن خيارات النظام.

ونحن سنجد أنفسنا بعد عام نبحث عن مدخل جديد بدأ البعض منذ الآن يلمح أنه عبر سلة الانتخابات، وبعد أن يفشل  هذا المسار أيضاً لذات الأسباب، سنعود إلى دائرة الحقيقة أن من دفعوا النظام بالضغط والعقوبات إلى اجتماعات اللجنة وقبلها إلى جولات جنيف ومسارات التفاوض، عليهم  أن يدركوا أنه لا مناص ولا مهرب من حقيقة أن هذا النظام لا يمكن أن تبقى سوريا إن بقي ولا حل في سوريا بوجوده، ولا سبيل  للحل إلا برحيله، والعكس صحيح أنه أي من المسارات أو المداخل كان يمكن أن يكتب لها النجاح في حال كان رحيل النظام في بدايتها أو نهايتها لكن بأدوات حقيقية وليس فقط بمشاريع سياسية فضفاضة يراها البعض من باب التنصل أو ملء الفراغ أو لتحقيق نقاط في التجاذبات الدولية حول سوريا وباقي ملفات الشرق الأوسط.

أما قصة العجز في مواجهته فهي لا تنطلي على أحد، خاصة وأن هذا النظام المتهالك ما كان ليستمر أو حتى يقوم بما قام به وأن يتنصل ويتهرب كل هذه السنوات لولا أنه يشعر بأنه في مأمن من المحاسبة، وأن أفعاله لا تُقابل بالجدية وليست من بين أولويات الفاعلين، فراهن على الوقت وتغيير المعطيات، لكن الثمن كان دولة فاشلة وسيادة مستباحة وشعبا مهجرا وفقرا وأمراضا وعقوبات، جعلت من سياساته هذه وبالاً على الوطن وعلى الجوار والعالم، الذي نأمل أنه قد ذاق ذرعاً به بعد كل ما جرى وفقد الأمل من أنه يمكن أن يساهم في الحل بأي شكل من الأشكال، حتى الذين كان من بين أهدافهم إعطاء هذا النظام الفرصة الكافية لتدمير البلاد وإيصالها إلى ما وصلت إليه عليهم أن يعوا أن استمراره وخطره على وجود سوريا كدولة واحتمالات التفتت والتقسيم قد لا تأتي بالنتائج التي يرغبون بها، بل باحتمالات مفتوحة لا تحمل في طياتها إلا مزيدا من الآلام والنتائج الوخيمة على المنطقة والعالم، وأنه لابديل من إعطاء الفرصة للشعب السوري بلملمة جراحه وفتح طريقه للمستقبل وطي صفحة الماضي، وليس الدستور في ذلك سوى المفتاح لكنه يمكن أن يكون المدخل أيضاً والمخطط لبناء الوطن إذا ما عزمنا على إخراج الفيل الذي سد كل الدروب وأعاق كل الحلول.

سوريا والسوريون جميعاً تواقون لدستور يحكم دولتهم ويفتح الطريق لمستقبل لا استبداد فيه ويتعاقب على خدمة الشعب وفقه رجال وطنيون يأتون بانتخابات نزيهة فيؤدون الواجب ويمضون، وهم لا تنقصهم الوطنية ولا الخبرات ولا الإرادة لكتابة هكذا دستور، لكن ينقصهم أن يخرج آل الأسد وزبانيتهم من حياة السوريين مرة وإلى الأبد لتعود سوريا لكل أبنائها لا إقطاعية لعائلة ولا امتداد لمشروع طائفي ولا حديقة خلفية وميناء لأحد.

—————————————-

الدستورية السورية:وفد النظام ينعى الدورة الثالثة

كما كان متوقعاً، نجح وفد النظام في اللجنة الدستورية السورية بإفراغ الاجتماع الثالث للجنة حتى الآن من مضمونه، وتمكن من تمرير أربع من الجلسات الخمس المقررة من دون تحقيق أي إنجاز، ليعلن عن تمسكه برفض أي تمديد للجولة الحالية كما تطالب المعارضة.

فقد جدد أحمد الكزبري رئيس وفد النظام إلى اجتماعات اللجنة التي تستضيفها العاصمة السويسرية جنيف منذ الاثنين، رفض أي مقترح لتمديد الجلسات الحالية لأسبوع إضافي كما سبق وأن اقترح وفد المعارضة “من أجل إتاحة الفرصة لمناقشة أكبر عدد ممكن من الملفات وتحقيق انجاز حقيقي بعد نحو عام على إطلاق اللجنة”.

ووصف الكزبري اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، مع وفدي المعارضة السورية والمجتمع المدني في جنيف بال”التدخل العلني في عمل اللجنة الدستورية”. وقال إن “التدخلات الأميركية التي كانت تتم في الاجتماعات السابقة من تحت الطاولة، أصبحت في هذه الجولة علنية”.

لكن رئيس وفد النظام أكد أن آخر جلسة من الاجتماع الحالي ستعقد السبت وسيغادر بعدها وفد النظام عائداً إلى سوريا، الأمر الذي اعتبره عضو وفد المعارضة باللجنة يحيى العريضي أنه “موقف يؤكد عدم شعور ممثلي النظام بالمسؤولية”. وأضاف ل”المدن”، أن “من أتى مرغماً ومكرهاً فسيمضي دون أي اهتمام أو شعور بالمسؤولية”.

وحول النقاشات التي جرت خلال الجلسات التي عقدت حتى الآن، والخطوات التي قطعها المجتمعون، قلّل العريضي من أهمية ما تحقق في الجلسات السابقة، مشيراً إلى أن الجولة الحالية تمحورت حول السرديات ذاتها في الهوية الوطنية، وضرورة توحيد أجندة عمل الجلسات وعدم الخروج عن برنامج العمل المحدد ..الخ، وهي أمور كلّ يراها من زاويته، بالإضافة طبعاً إلى المناكفات المعروفة.

ويبدو أن مغادرة الوفد الأميركي برئاسة جيفري، الذي حضر إلى جنيف قبل بدء اجتماعات اللجنة الدستورية لمراقبتها، ولحاق وفد موسكو به، الذي يقوده مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، قد ساهم في التقليل من جدية وفد النظام خلال الجلسات.

وكان الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية عن وفد المعارضة هادي البحرة، قد أكد بعد الجلسة الأولى الاثنين، أن الجلسة كانت جيدة وأن حضور الديبلوماسيين الروس فيها ساهم بضبط وفد النظام وعدم السماح له بتكرار أدائه السلبي الذي ظهر عليه في الاجتماع الأول والثاني للجنة، العام الماضي.

ويبدو أن هذا ما أزعج أحمد الكزبري الذي شدد في تصريحه للتلفزيون الحكومي، على “رفض أي تدخل خارجي في عمل اللجنة، فهي بقيادة وملكية سورية، وعلى الأمم المتحدة التي تقوم بتيسير عملها عدم السماح بهذا التدخل” كما قال.

وتعليقاً على جلسة الخميس، ادّعى الكزبري أنها “شهدت خروجاً للوفود الأخرى عن المبادئ المتفق عليها، وبدأ البعض يتحدث عن مبادئ دستورية، وهناك من تحدث عن أمور تنظيمية، ومن طرح مواد تتعلق بالصياغة، ما دفع الوفد الوطني للتقدم بنقاط نظام لأن ما طرح يخالف المبدأ وجدول الأعمال المتفق عليه” حسب قوله.

لا يخفي وفدا المعارضة والمجتمع المدني إلى اجتماعات اللجنة الدستورية انزعاجهما الشديد من أداء وفد النظام الذي يمنع تحقيق أي تقدم في عمل اللجنة، إذ استطاع هذا الوفد فرض أجندته على الجلسات، وحصرها بمناقشة الأسس والمبادئ الوطنية، وقصرها على خمس جلسات فقط، الأمر الذي يؤكد رؤية الكثيرين من السوريين ممن اعتبروا أنه وفق هذا الأداء فإن اللجنة الدستورية تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل لكي تنهي أعمالها.

——————————-

عودة إلى اللجنة الدستورية/ د. رياض نعسان أغا

سأفترض أن اللجنة الدستورية التي عادت إلى متابعة جلساتها في جنيف في 24 أغسطس الحالي، والتي تعطلت مؤقتاً بسبب فيروس كورونا، قد توصلت إلى مسودة دستور جديد بتوافق تام، فما الذي بوسعها عمله إذا رفضت الحكومة السورية نتائج عمل اللجنة، فالوفد القادم من دمشق لا يضم ممثلين عن الحكومة التي أعلنت أن هذا الوفد مدعوم منها، ولكنه وفد وطني لا يمثلها، وتسمية الوفد (الوطني) يلمح إلى اعتبار الوفد المقابل المعارض (غير وطني) وهذا يطرح أسئلة محرجة على الحكومة والمعارضة معاً. وإذا اعتبرنا الوفدين (وطنيين) فليس ثمة داع لاعتبارهما وفدين متقابلين، فكلاهما يمثلان الشعب كما يفترض، وهما معاً يحتاجان إلى وفد يمثل الحكومة والنظام السياسي.

لقد اعتبر «بيدرسون» أن هذه المفاوضات بملكية سورية محضة، ولكنه لم يعترض على غياب وفد حكومي ينطق باسم الحكومة رسمياً ويعبر عن وجهة نظرها، وتلتزم الحكومة بما يتوصل إليه من اتفاق، وإلا فما الغاية من تضييع الوقت بمباحثات يغيب عنها الطرف الآخر (النظام السياسي السوري)؟ وكيف يقبل وهو ممثل الأمم المتحدة بعدم التزام الحكومة بتمثيل الوفد لها والاكتفاء بكونها تدعمه (لوجستياً)، وهذا يخالف قرار تشكيل اللجنة موضوعياً؟ وماذا بوسعه أن يفعل إذا اعتبرت الحكومة ما ستصل إليه اللجنة مجرد مقترحات غير ملزمة لأحد.. أيكون الهدف الأممي هو المماطلة وتزجية الوقت فقط، أم الوصول إلى دستور يكون بوابة العبور من الأفق المسدود أمام القضية السورية؟

وعلى الرغم من كوني غير متفائل بجدوى اجتماعات اللجنة، أعترف بأنني لا أميل مع المعارضة إلى وضع دستور جديد، لأنني أخشى أن ينتقل بسوريا إلى وضع يشابه وضع لبنان وها نحن نرى النتائج.

لذلك كنت طرحت اعتماد دستور 2012 مع تعديلات جوهرية بما يتعلق ببعض المواد التي تحدد السلطات، وأعيد التذكير بها وأضعها أمام اللجنة الدستورية، مؤكداً أن دستور 2012 يحتوي على الكثير من المواد التي لا يوجد خلاف عليها ربما إلا من بعض الفئات ذات الاحتياجات السياسية الخاصة، وهذه يمكن معالجتها بعدل وإنصاف، دون الإطاحة الكاملة بدستور 2012 وأما المواد التي أعترض عليها وأرى ضرورة تعديلها فهي لا تكاد تزيد على عشر مواد، ومن أهمها الفقرة الخامسة من المادة 84 التي تقضي بأن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية مقيما إقامة كاملة متصلة عند تقديم طلب الترشيح لمدة لا تقل عن عشر سنوات، فهذه المادة يجب أن تستثني الإقامة خارج سوريا بظروف قهرية، لمراعاة وضع الهجرة بعد اندلاع الثورة السورية، وكذلك المادة 88 التي تحدد مدة الرئاسة بـ 7 سنوات ولا يجوز إعادة انتخاب الرئيس إلا لولاية ثانية واحدة، وهذه المادة يجب أن تمنع حق الترشح لمن سبق له أن تولى الرئاسة لأكثر من ولايتين قبل إعلان الدستور الجديد، وثمة المادة 91 التي تفوض رئيس الجمهورية بأن يعين نائباً له، وأن يتم اعتماد النائب من أكثرية أعضاء مجلس الشعب، ثم المادة 97 التي تمنح رئيس الجمهورية حق تشكيل الحكومة ويمكن مناقشة هذه المادة في إطار الخيار بين النظام البرلماني أو الرئاسي أو المزج بينها، ثم المادة 113 التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحية التشريع خارج أوقات انعقاد مجلس الشعب وأرى عدم الحاجة لهذه المادة ما دام الرئيس يملك حق دعوة المجلس للانعقاد، ثم المادة 118 التي تسمي رئيس مجلس الوزراء، وأرى أن تكون خاصة بصلاحيات رئيس الوزراء، وباختصار، ما ينبغي تعديله هو منع ظهور ديكتاتورية في نظام الحكم، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة،  وإنما تقييد المطلق، ما دمنا نطلب دولة ديمقراطية.

الاتحاد

———————————

على هامش اجتماعات جنيف..نقاش مرحلة ما بعد الأسد/ عقيل حسين

لم تكن الجولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية السورية التي استضافتها جنيف أخيراً، سوى صندوق بريد للرسائل التي وجهتها الدول المؤثرة في الصراع للسوريين، وكان واضحاً حتى قبل انعقاد الجلسة الأولى، الاثنين الماضي، أن هناك تطورات موازية ولن تكون عادية.

ظهر ذلك بداية من توجه المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري إلى العاصمة السويسرية، قبل يومين من وصول وفود اللجنة الثلاثة إلى هناك. وهناك كان حاضراً كذلك مندوبو الحكومات الروسية والتركية والإيرانية، الذين عقدوا مباحثاتهم الخاصة كرعاة لمسار أستانة، بينما لم يتم الكشف عما إذا حدثت لقاءات ثنائية مع المبعوث الأميركي.

ومع ذلك لم يكن هذا الأمر هو الأكثر أهمية، على الأقل مقارنة بالتصريحات التي صدرت عن المبعوثين الروسي والأميركي إلى سوريا، سواء في المؤتمرات الصحافية أو تلك التي لم يعلن عنها وأدلوا بها خلال لقاءاتهم مع وفد المعارضة، وهو ما يفسر، على الأغلب حفاظ رئيس الوفد هادي البحرة على الإيجابية في التعليق على جلسات اللجنة الدستورية حتى وهي تنتهي إلى اللاشيء بسبب طريقة تعاطي وفد النظام مع هذه الاجتماعات كما كان متوقعاً بطبيعة الحال.

وأبلغت مصادر مطلعة في المعارضة “المدن” أن الفريق الروسي الذي حضر اجتماعات اللجنة الدستورية، برئاسة مندوب الرئيس الخاص إلى سوريا الكسندر لافرنتييف، التقى بوفد المعارضة على هامش الجلسات التي تنتهي السبت، وحثّوهم على عدم منح وفد النظام أي فرصة لتخريب الجولة وإنجاز كامل جدول الأعمال المتفق عليه، بما في ذلك “هوية الدولة”.

وحسب المصدر، فقد رد الدبلوماسيون الروس على تذمر المعارضة من طرح النظام قضية “الهوية” بالطريقة التي تناسبه بالقول: “نحن نعرف نوايا وفد النظام وأنتم تعلمون أنه لم يكن ليحضر إلى هنا لولا ضغطنا الحاسم، ونأمل منكم أن لا تمنحوه أي ذريعة لتخريب الجولة التي يجب أن تنتهي على شيء.. ما الذي يجعلكم مترددين في طرح رؤيتكم حول هوية دولة لم تعد لها هوية؟”.

ليس فقط ما صدر عن الوفد الروسي هو ما أثار اهتمام المعارضة، حسب المصدر، بل والأجواء الايجابية التي رافقت اللقاء بشكل عام، التقطها وفد المعارضة كإشارات لها دلالات مهمة، خاصة وأنها أتت عقب اللقاء مع جيفري، الذي لم تكن تصريحاته خلال وبعد هذا اللقاء أقل أهمية ودلالة من تصريحات الروس.

حديث جيفري عن “تطورات مثيرة” ستشهدها القضية السورية، وغيرها من التصريحات اللافتة على هذا الصعيد، في مؤتمره الصحافي الذي عقده في جنيف، بالتزامن مع انطلاق جلسات اللجنة الدستورية، لا تشكل الكثير، على أهميتها الاستثنائية، مقارنة بما أفضى به إلى وفد المعارضة الذي التقاه في جنيف.

المصدر الذي أطلع “المدن” على بعض ما دار في هذه اللقاءات، أكد أن المبعوث الأميركي طالب ممثلي المعارضة في اللجنة بالمشاركة القوية بأعمالها، وأنه حرفياً قال لهم: “لا تفكروا ببشار الأسد، فهو راحل.. بل فكروا بما بعده وأنجزوا دستوراً متطوراً يصلح لدولة ديموقراطية حديثة في سوريا”.

تصريحات لم يتم الكشف عنها رسمياً، لكنها إذا ما وضعت في سياق التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الدبلوماسيين الأميركيين والروس المعنيين بالملف السوري، فإنها تبدو منطقية وواقعية جداً، وأهم هذه التصريحات مطالبة مبعوث وزارة الخارجية الأميركية إلى سوريا جويل رايبورن الإئتلاف الوطني بالتركيز في المعركة على النظام، وتأكيده أن الولايات المتحدة لن تسمح بإعادة انتاج دولة الأسد أو التواصل معه.

تصريحات جيفري ذاته في أنقرة الخميس لافتة أيضاً، عندما أكد أن بقاء الأسد  في السلطة حتى الآن كان بسبب الدعم الروسي”، متوقعاً أن تقوم موسكو بتسليم الأسد “لكن على طاولة المفاوضات”.

تصريحات المسؤولون الروس أيضاً على قدر كبير من الأهمية، خصوصاً إعلان مبعوث لافرنتييف، في جنيف أيضاً، استعداد بلاده للحوار مع الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى توافق بشأن سوريا، ومناقشة مختلف الموضوعات واتخاذ القرارات والتوافق حولها، وهي لهجة غير مسبوقة من جانب روسيا، التي طالما تعاملت مع قضية مستقبل الحكم في سوريا بأنها غير قابلة للنقاش أو “التدخل الخارجي” باستثناء تدخلها طبعاً، الذي تراه الشرعي الوحيد بين كل التدخلات الأخرى.

“تطورات مثيرة في القضية السورية” بالفعل كما وصفها جيفري، لكنها مع ذلك لا تعني أن نظام الأسد قد باتت “أيامه معدودة” كما ردد الكثيرون من المسؤولين العرب والغربيين في أعوام الثورة الثلاثة الأولى، بينما كان الروس يسخرون من كل هذه التصريحات ويعملون على تثبيت حكم هذا النظام أكثر، لكن اللافت اليوم أن موسكو نفسها تبدي استعداداً غير مسبوق لنقاش مصير هذا النظام وإن كان بشكل غير مباشر، فهل اتفقت موسكو وواشنطن على شيء بشأن سوريا أخيراً؟

المدن

————————————-

اللجنة الدستورية أقوى من كورونا

استأنفت اللجنة الدستورية السورية اجتماعاتها الخميس، بعد توقف اضطراري استمر ثلاثة أيام، بسبب اكتشاف إصابات بفيروس كورونا لدى أربعة من الأعضاء القادمين من دمشق.

وأبلغ مصدر في وفد المعارضة “المدن” أن جلسة الخميس ناقشت مدة الاجتماع الثالث، بالإضافة إلى البدء بالحوار حول برنامج العمل المقرر سلفاً، والمخصص للمبادئ والمعايير الوطنية لصياغة الدستور السوري.

وبينما يصرّ وفد النظام على أن تقتصر أعمال اللقاء الحالي للجنة على خمسة أيام، يطالب وفد المعارضة أن تمتد لأسبوعين، ما يتيح مناقشة عدد أكبر من القضايا وتحقيق إنجاز، بعد عام تقريباً على إطلاق اللجنة الدستورية.

وكان مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، قد أصدر بياناً قال فيه إن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف يمكن أن تُستأنف الخميس.

ورأى البيان “أنه بعد إجراء اختبارات إضافية، ومزيد من المشورة الطبية في ما يتعلق بحالات الإصابة الأربع المسجلة بفيروس كورونا بين أعضاء اللجنة، تم إبلاغ مكتب المبعوث الخاص رسمياً من قبل السلطات الصحية السويسرية بأن طبيعة هذه الحالات تجعل استئناف الدورة الثالثة للجنة الدستورية ممكناً”.

وأوضح البيان “أنه بعد التشاور مع رؤساء الوفود وأعضاء اللجان، تقرر استئناف الاجتماعات ظهر الخميس في مقر الأمم المتحدة في جنيف”.

وكان اللقاء الثالث للجنة الدستورية السورية قد انطلق الاثنين. وعقدت الوفود جلسة واحدة، فقط قبل أن يتم تعليق الاجتماعات بسبب اكتشاف حالات إيجابية بالفيروس بين الأعضاء، بينهم اثنان من وفد النظام، وواحد من وفد المعارضة، والرابع من قوى المجتمع المدني.

———————–

 جيفري في أنقرة.. ماذا يحمل في حقيبته لـ سوريا؟

تواصل واشنطن تحركاتها الدبلوماسية في الملف السوري، مع انطلاق الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، رغم أن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون دعا قبل توجه الوفود إلى جنيف بعدم توقع “المعجزات”.

الدبلوماسية الأميركية توقفت الجمعة في أنقرة قادمة من جنيف، حيث التقى وفد أميركي برئاسة المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، مع وفد تركي برئاسة نائب وزير الدفاع يونس أمره قره عثمان أوغلو، الأوضاع في سوريا وشرق المتوسط، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية.

وأعقب ذلك لقاء بين جيفري وساترفيلد من جهة ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار من جهة أخرى، في مقر الوزارة، دون أن يعلن بيان وزارة الدفاع عن تفاصيل الاجتماع.

وأفاد البيان، الخميس، بأن اجتماعاً عقد بين الوفدين التركي والأميركي برئاسة قره عثمان أوغلو وجيفري، في مقر الوزارة بالعاصمة أنقرة.

وأضاف أن السفير الأميركي لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد، شارك في الاجتماع وتبادل الجانبان الآراء حول العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية والأوضاع في سوريا وشرق المتوسط.

جيفري.. المرحلة العسكرية في سوريا انتهت

الإثنين الماضي التقى رئيس هيئة التفاوض السورية، أنس العبدة، في جنيف، مع الممثل الأميركي الخاص لسوريا، السفير جيمس جيفري.

وقال العبدة إنه جرى خلال اللقاء استعراض لآخر التطورات المتعلقة بالعملية السياسية، بما فيها اللجنة الدستورية ومناقشة الوضع السياسي في مناطق المعارضة.

كما التقى السفير جيفري برفقة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، والمبعوث الخاص إلى سوريا، جويل ريبيرن، مع أعضاء المعارضة في اللجنة الدستورية السورية في جنيف، للتعبير عن دعم واشنطن لأعمال اللجنة، وتنيفذ قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ولدى وصوله إلى إسطنبول، قادماً من جنيف برفقة كبير مستشاريه ريتش أوتزن، صرّح جيفري للصحفيين، أن “هناك تطورات مثيرة فيما يتعلق بالملف السوري”.

وأوضح المبعوث الأميركي أنه سيبحث مع المسؤولين الأتراك ضرورة انتهاء المرحلة العسكرية في سوريا، وعودة النظام في سوريا إلى طاولة المفاوضات، والتعامل مع المجتمع الدولي. معتبراً أن اجتماع الجولة الثالثة للجنة الدستورية السورية المقامة في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، كان “بداية إيجابية”.

الدول الضامنة حاضرة في جنيف

حضر إلى جنيف مبعوثون من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، لإجراء محادثات مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، لكنهم لن يشاركوا في اجتماع اللجنة التي تضم ممثلين عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني.

وتلقى وفد المعارضة  عرضاً “غير مباشر” للقاء مع الوفد الإيراني الموجود في جنيف. وأوضح مصدر لتلفزيون سوريا، أن العرض جاء عبر وسطاء، لكن رئيس وفد المعارضة، هادي البحرة، رفض عقد أي اجتماعات أو تواصل مع الوفد الإيراني.

وسبق ذلك لقاء روسي-إيراني حيث التقى كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، بالمبعوث الخاص بالرئيس بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف.

وأعلن ألكسندر لافرنتييف، أن بلاده على استعداد للحوار مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن سوريا، ومناقشة مختلف الموضوعات واتخاذ القرارات والتوافق”.

في حين بحث نائب وزير الخارجية التركي السفير سادات أونال، الأربعاء، مع جيفري، قضايا العملية السياسية السورية، ودعم أعمال اللجنة الدستورية.

وركز الجانبان على  قضايا العملية السياسية ودعم أعمال اللجنة الدستورية، والأوضاع في إدلب، والحفاظ على وقف إطلاق النار.

وتم أيضا تأكيد وجهات نظر تركيا حول آخر التطورات شرق الفرات، والمحادثات بين “قوات سوريا الديمقراطية” و”المجلس الوطني الكردي السوري”،

 نظام الأسد يضيع الوقت

تواصل اللجنة الدستورية اجتماعاتها اليوم الجمعة في جنيف، وسط أجواء لا تدعو إلى التفاؤل بتحقيق تقدم في آلية عمل اللجنة، وقال مصدر خاص لموقع “تلفزيون سوريا” إن جلسة اللجنة الدستورية أمس “شهدت خلافات حول الأولويات من حيث المبادئ الوطنية”.

وأفاد المصدر بأنَّ وفد النظام “يصرّ على مناقشة وجود كيانات انفصالية في سوريا، بينما يصرُ وفد المعارضة على أن وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها هو أولى بالنقاش”، موضحا أن “وفد النظام يتعمد تضييع الوقت”، من خلال “مقاطعة أعضاء وفد المعارضة والمجتمع المدني  أثناء المداخلات، أو مناقشة قواعد إجرائية سبق أن نوقشت وتم الاتفاق عليها في جلسات سابقة”.

في المقابل وصف رئيس وفد نظام الأسد في اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، أحمد الكزبري، اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، مع وفدي المعارضة السورية والمجتمع المدني في جنيف بالـ “التدخل العلني في عمل اللجنة الدستورية”.

وكان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، دعا إلى عدم توقع “معجزة” أو “نقطة تحول” في الجولة الثالثة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي انطلقت الإثنين في جنيف.

—————————

اللجنة الدستورية السورية/ كمال شاهين

تأتي أهمية اللجنة الدستورية السورية من كونها أول اختراق “عملي” للأزمة المشتعلة في البلاد منذ عقد تقريباً، وهي تحظى بموافقة اﻷطراف المحليين واﻹقليميين والدوليين، المعنيين كما يفترض، بعمل اللجنة اﻷساسي أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها “الحل السياسي”، بعد بناء دستور جديد.

لكن سؤالاً يظهر كلما عقدت اللجنة اجتماعات: هل سيكون هناك فعلياً اختراق إيجابي قد يساعد في الانتقال إلى مرحلة جديدة تمهد لتنفيذ بقية بنود القرار اﻷممي؟ يليه سؤال آخر: أليست اللجنة التفافٌ على القرار اﻷممي نفسه، في مقابل وجود بنود أكثر خطورة مثل “هيئة الحكم الانتقالي” – وهو أوّل بند في القرار اﻷممي – يليه مباشرةً انتقال سياسي؟ وكيف سيتم التعامل مع الدستور الجديد في حال نجاح إنتاجه (ولو بعد عام أو أكثر) بعد تجاهل البنود اﻷخرى؟ هناك أيضاً سباق ﻹنجاز دستور جديد للبلاد من قبل اللجنة قبل موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهو ما يبدو أن دمشق تحاول تأخير الوصول إليه، خاصة مع توارد أنباء أن وفدها ذهب إلى جنيف مرغماً نتيجة ضغوط روسية.

أزمة تراوح مكانها

تراوح اﻷزمة السورية مكانها من دون تغيير يذكر في مفاصلها الرئيسية. فما زالت قواعد الاشتباك العسكري على امتداد البلاد هي نفسها على اﻷرض، كما أنّ قطار المهجّرين واللاجئين لم يتجاوز ركّابه بضعة آلاف وافدين من لبنان واﻷردن. أما سياسياً، فهناك ثباتٌ واضحٌ في مواقف الأطراف المتنازعين، ووحده التوتر بين دمشق و”اﻹدارة الذاتية” ارتفع منسوبه مع زيادة الدعم الأميركي لهذه الإدارة، وقد أقدمت اﻷخيرة مؤخراً على إنقاص كمية الغاز المخصص ﻹنتاج الكهرباء المقدم إلى دمشق بأكثر من 1.2 مليون متر مكعب، بما يؤشر إلى أن التصعيد آت، خاصة مع ظهور عدة احتجاجات ضد وجود القوات اﻷميركية، أبرزها تعرّضها لإطلاق نار ردت عليه بقصف أحد حواجز الجيش السوري.

بالتزامن، كان الاتفاق الروسي ـ التركي الموقّع في آذار/ مارس الماضي لوقف إطلاق النار في إدلب (شمال غرب سوريا) إثر تصعيد شهدته المنطقة، مقدمةً لاستئناف الاجتماعات التي يبدو مفتاحها اليوم بيد الشريكين اللدودين، مع الانشغال اﻹيراني بقضايا أبعد قليلاً عن شؤون اﻹقليم، من دون تقليل تأثيرها.

أما في الداخل السوري فقد كان تفاقم سوء الوضع الاقتصادي لعموم الناس في مختلف أنحاء سوريا مؤشراً بارزاً حتى قبل بدء تطبيق الولايات المتحدة عقوبات “قانون قيصر”، متسببةً في انهيار الليرة السورية، رافقه انتشار جائحة كورونا بشكل متصاعد، حاصدةً اﻷرواح، وآخر أرقامها المثبتة وفاة ستين طبيباً سورياً وسط تخبّط حكومي في التعامل معها.

أهمية اجتماعات اللجنة

أنهت الهيئة المصغرة للجنة الدستورية أعمالها ضمن الجولة الثالثة التي انطلقت في 24 آب/ أغسطس الحالي، وشهدت أعمالها تعليقاً ليومين بسبب إصابة ثلاثة من أعضائها بفيروس كورونا توزّعت على الوفود المشاركة بواقع إصابة لكل منها (وقيل أربع إصابات، اثنتان منها لوفد دمشق). على أن هذا لم يؤد إلى توقف أعمال هذه الجولة وفشلها كسابقتيها.

يشير نجاح الانعقاد في التوقيت المحدد إلى وجود بعض الجدّية الدولية للمضي في جدول أعمال هذه الجولة التي تقرر فيها مناقشة المبادئ والركائز الوطنية التي أصرّ عليها وفد دمشق في الجولة الماضية، ومن ثمّ الانتقال لبحث المضامين الدستورية الأخرى، على الرغم من محاولة وفد دمشق وضع العراقيل منذ الجلسة الأولى لأعمال اللجنة بتقديم نفسه للعالم على أنه “الوفد الوطني”، وهو ما استدعى احتجاجات من قبل وفدي المعارضة والمجتمع المدني، إلى أن اعتمدت التسميات اﻷممية في النهاية.

تضطلع اللجنة رسمياً بمهمة إعادة صياغة الدستور السوري الحالي أو كتابة دستور جديد ليتناسب مع الشرائع العالمية ومع متطلبات السوريين ضمن إحدى السلال الأربع (الحكم غير الطائفي، وإنجاز الدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب) المستمدة من القرار الأممي 2254.

وقد منحت اللجنة خيارات متعددة، منها مراجعة دستور 2012 والدساتير السابقة، وأكثرها تداولاً دستور العام 1952. وفي ما يتعلق بآلية اتخاذ القرار، يحكم عمل اللجنة الإجماع، وإلا فيتم التصويت على أساس 75 في المئة على الأقل من أعضاء الهيئة ذات الصلة (الكبرى ثم الهيئة المصغّرة).

تمّ تجاهل الإدارة الذاتية الكردية في محادثات جنيف وأستانا، ورفضت دمشق والمعارضة على حد سواء تمثيلها في اللجنة الدستورية، مع اختيار دمشق لثلاث من الشخصيات الكُردية ضمن حصتها. كما حضرت أيضاً ضمن وفد المعارضة شخصيات كردية محسوبة على تركيا الداعمة للمعارضة، وبالضد من توجهات اﻹدارة الذاتية. وتعتبر تركيا المقاتلين الكرد “إرهابيين يجب استبعادهم”.

وبصرف النظر عن سلسلة الأحداث التي سبقت انعقاد اللجنة ومنها الاجتياح التركي لشمال البلاد، يعتقد العديد من القانونيين أن استبعاد الإدارة الكردية سيؤثر على نجاح هذا العقد الاجتماعي، وأنه سوف ينتج عقداً اجتماعياً منقوصاً.

مشكلة شرعية اللجنة أمام القرار اﻷممي

منذ العام 2012، أقر بيان جنيف الثاني أن عملية الانتقال السياسي في سوريا تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، ثم لحقه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، على أن تجري العملية “بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتُقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويدعم انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر”، وفق نص القرار اﻷممي.

كان القرار السابق أحد المكاسب التي جرى التعويل عليها لتنفيذ “إجراءات عملية جدّية تنقل البلد إلى حكم ديمقراطي وعهد جمهوري جديد وتنهي المأساة السورية”. ولكنه كمثل غيره من القرارات الدولية بقي “حبراً على ورق” من دون تنفيذ في ظل ميزان القوى على اﻷرض. وما جرى هو القفز فوق المسائل اﻷساسية والاشتراك مع السلطة في صياغة دستور جديد لن تختلف فاعليته عن سابقيه، كما يبدو حتى اﻵن.

بين اللجنة ومجلس الشعب والمعارضة

تأتي اجتماعات اللجنة على الجانب المحلي غداة انتهاء انتخابات مجلس الشعب، التي أجرتها دمشق في موعدها المقرر بشكل روتيني في مناطق سيطرتها، من دون شمولها مناطق المعارضة واﻹدارة الذاتية، اللتين رفضتا إجراءها في مناطقها، وشككتا في نزاهتها ونتائجها معاً، ولحقتهما في ذلك الإدارة اﻷميركية والمفوضية اﻷوروبية والمعارضة السورية في الخارج، في حين لم تعلّق اﻷمم المتحدة عليها. وداخلياً رفض “حزب اﻹرادة الشعبية” المعارض المشاركة للمرة الثانية، في حين شارك تيار “طريق التغيير السلمي” المعارض بمرشّحين اثنين، من دون أن ينجح في الوصول إلى أي مقعد.

وبقدر ما كان تشكيل اللجنة الدستورية “تحولاً تاريخياً في القضية السورية”، وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غداة إعلان تأسيسها (في 23 أيلول/ سبتمبر 2019)، فإن منتجها اﻷساسي المرتجى، أي دستور جديد للبلاد، يخضع بالدرجة اﻷولى إلى توافقات إقليمية ودولية، ثم إلى موافقة دمشق، القوة المالكة لمفاتيح العديد من الملفات، وأبرزها ملف المعتقلين والمهجّرين، والموافقة على النتائج الدستورية التي ستمر عبر قبة مجلس الشعب الجديد الذي يخلو تماماً من المعارضة السورية بكل أنواعها، في حين تبدو قوة المعارضات السورية، داخل وخارج البلاد في أضعف حالاتها، خاصّةً بعد نقل عدد من مقاتلي المعارضة المسلّحة من إدلب (معقل المعارضة اﻷخير) إلى القتال في ليبيا (يقدّر العدد بحدود 18 ألف مقاتل). وداخلياً لم ينجح أي من ممثلي المعارضة في الفوز بأي مقعد من المقاعد الباقية للمستقلين (71 مقعداً)، ولا تشارك أحزاب المعارضة في قوائم “الجبهة الوطنية التقدمية”.

حتى اليوم، تطلق دمشق على اللجنة تسمية “لجنة تعديل الدستور”، وهذا يعني أن مقرراتها “ليست قطعيّة” وتستوجب قبل إقرارها الحصول على موافقة ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الشعب وموافقة الرئيس الحالي للدولة، حيث لا يوجد مادة في الدستور السوري الحالي تصادق على أي لجنة بهذه اﻷهمية غير مجلس الشعب. وهذا يعني أن موافقة دمشق أمرٌ أساسي في ظل “قانونية مجلس الشعب” على الرغم اعتباره داخلياً مجرد “كيان صوري” لا فاعلية له، لكنه، وفق القوانين الدولية “شرعي”، شأنه شأن الدستور المقر منذ العام 2012 بموافقة مجلس الشعب السابق، أي أن تصدي المجلس لمهمة إقرار التعديلات الدستورية التي قد تنتج عن اللجنة أو الدستور الجديد، وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية، هو أمرُ واقعٌ. ومن هنا نفهم أهمية الانتخابات الأخيرة والطريقة التي تم بها اختيار أعضاء المجلس من قبل السلطة، حيث حلّ تجار الحرب ورموزها تحت قبة البرلمان في استمرار لما حدث في الانتخابات السابقة 2016.

كانت المشاركة الشعبية في الانتخابات الحالية هي اﻷقل منذ الاستقلال، إذ لم تتجاوز نسبتها 33 في المئة وفق التصريحات الرسمية، ولكن هذه النسبة غير دقيقة. فعلى الرغم من مشاركة عسكريي الجيش والشرطة في الانتخابات – ويقدر عددهم بنصف مليون شخص – فالفارق كبير بين أرقام من يحق لهم التصويت (19.2 مليون) والذين صوّتوا (6.3 مليون) حسب الكلام الرسمي، مما يخفّض نسبة المشاركة إلى ما دون 25 في المئة ممن يحق لهم التصويت. لكن هذا كله لا يلغي قانونية المجلس وفق النصوص الدستورية السورية.

أسئلة قوّة اللجنة الكبرى

يشكّل دستور العام 2012 أحد مرجعيات العمل في اللجنة الدستورية، إلى جوار دساتير أخرى أنتجت قبل حكم البعث للبلاد، منها دستور 1952 الذي يلقى حضوراً متزايداً في النقاشات لاعتماده النظام البرلماني ومحدودية صلاحيات رئيس الجمهورية. ويعتبر لدى كثيرين الوثيقة اﻷكثر “مدنيةً” بحكم إنتاجها من قبل هيئة تأسيسية وقبل أن يستولي العسكر على السلطة. في حين يرى أنصار دستور 2012 من وفد دمشق بالدرجة اﻷولى وبعض ممثلي المجتمع المدني، أنه خطوة مهمة نحو ديمقراطية تشاركية تعددية يمكنها تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية في قلب النظام الحالي دون الذهاب إلى الفراغ الدستوري والسياسي. إلا أن الانتقادات الموجّهة لهذا الدستور من قبل معارضين وقانونيين، ومنها توقيت تعديله، وعدم مناقشته في مجلس الشعب أو من قبل أي هيئة قانونية وسياسية، والصلاحيات الموسّعة لرئيس الجمهورية، ومبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، تجعل منه دستوراً منقوصاً.

ومع عدم وضوح الفترات الزمنية لإنجاز أعمال اللجنة، فإنّ هناك مشاكل كبرى تعترض عمل اللجنة وأبرزها سؤال ماذا بعد إنجاز الدستور، وهل سيتم التصويت عليه شعبياً أم من قبل مجلس الشعب كما هو حالياً، وإذا تم رفضه من قبل المجلس، فهل هناك حل بديل؟ أم تفرضه الأمم المتحدة بالقوة؟ وهل سنواجه دستوراً ولد من رحم وصاية دولية؟ وهل سيكون دستوراً دائماً أم مؤقتاً؟ وهناك أيضاً الطريقة اﻹجرائية المتبعة لتعديل الدستور المزمع إنتاجه وفق دستور 2012، الذي يتطلب قواعد إجرائية لتعديله (المادة 150) التي تنص على أنه لرئيس الجمهورية وثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديلات على الدستور، متضمنةً النص المقترح للتعديل وأسباب التعديل. وبمجرد أن يتلقى مجلس الشعب التعديل المقترح، يشكّل لجنة خاصة لدراسته ويناقش التعديل المقترح. وإذا تمت الموافقة عليه بغالبية الثلاثة أرباع، يُعتبر التعديل نهائياً، في انتظار موافقة رئيس الجمهورية.

كذلك، فإن دين وجنس وصلاحيات رئيس الجمهورية هي من العقد الكبرى في عمل اللجنة، باعتبار أنه يوجد تمييز ضد الأقليات والمواطنين الآخرين من غير المسلمين والنساء في الدساتير السابقة، وكذلك عبارة “الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع”، وتمثيل وحقوق الأقليات، وشكل ونظام الحكم، والعلم والشعار الرسمي للدولة، ومبدأ فصل السلطات.

في الجلسات السابقة، شكّلت صلاحيات رئيس الجمهورية، العادية وغير العادية، وهيمنته على السلطات الثلاث موضع نقاش رئيسي، خاصة أن دستور 2012 يعطي الرئيس صلاحيات موسعة، تتيح له الترشح مرات غير محددة، كما تمنحه صلاحيات إقالة المحكمة الدستورية العليا، وتعيين المجلس اﻷعلى للقضاء الذي يفترض به محاسبة رئيس الجمهورية في حال قرر مجلس الشعب ذلك، وكذلك تحدد صلاحيات مجلس الشعب وشروط الانتخاب للمجلس (المادة 60 من الدستور الحالي) وشروط انتخاب رئيس الدولة ومبدأ الكوتا (المادة 85 من الدستور الحالي)، واستقلال القضاء، ودور المحكمة الدستورية العليا وشروط تعيينها وصلاحياتها، والحريات وحقوق الإنسان ومدى توافقها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق العامة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية… والمركزية واللامركزية، والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والميراث وغيرها.

بين الدستور والممارسة الفعلية

لطالما عانت سوريا من فجوة بين نصوص الدستور والممارسات العملية المتعلقة به، من غياب فصل السلطات إلى التحكم بالسلطات نفسها عبر اﻷجهزة اﻷمنية مع ما أنتجه ذلك من تفكيك لمفهوم الدولة نفسه وأجهزتها وأدوارها.

إن إنفاذ المواد الدستورية وتفعيلها يحتاج إلى ضمان ألا تتكرر خروقات الدستور الكثيرة التي شهدتها البلاد في ظل النظام السياسي الحالي أو في سابقيه. وربما، يكون الحل بأن يتم الاتفاق على مبادئ فوق – دستورية مستمدة من الحريات العامة وحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهذا اﻷمر ضروري للمجتمعات التي شهدت موجات من الصراعات والحروب والتهجير والتدمير، وتريد إعادة بناء نظامها القانوني والسياسي الضعيف والهش أساساً، كما الحال في سوريا.

تقييم أعمال اللجنة الحالية

المؤشر اﻷول في تقييم أعمال اللجنة مرتبط بالتوافقات اﻹقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق تقدم فعلي في أعمالها. وتدّل توافقاتها الراهنة على أنه، على الرغم من وجود اتفاق عمومي بينها على مستقبل البلاد، إلا أنها مختلفة كثيراً في تفاصيل هذا المستقبل وحصة كل منها فيه، وخاصة القوى اﻷكثر نفوذاً، أي تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وبدرجة أقل إيران.

أما المؤشر الثاني فهو يكمن في الوفود السورية المشاركة التي لا يخفى أن فيها أطرافا ليس لهم مصلحة في الوصول إلى عمل منجز يؤدي إلى تغيير سياسي. وبشكل خاص، ترفض دمشق حتى اﻵن أي مشاركة في إدارة البلاد مع قوى تتهمها بأنها “غير وطنية”، وأنها تابعة ﻷجندات إقليمية ودولية، وفي الوقت نفسه لا تنفتح على أي من القوى الوطنية الداخلية، وهو ما اتضح في انتخابات مجلس الشعب اﻷخيرة، على الرغم من أنها تعاني اﻷمرّين بسبب الحصار اﻷميركي وقانون قيصر، وهو ما لا يتوقع أن يدفعها لتغيير مواقفها دون ضغط روسي.

    تقييم أعمال اللجنة مرتبط بالتوافقات اﻹقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق تقدم فعلي في أعمالها. وتدّل توافقاتها الراهنة على أنه، على الرغم من وجود اتفاق عمومي بينها على مستقبل البلاد، إلا أنها مختلفة كثيراً في تفاصيل هذا المستقبل وحصة كل منها فيه، وخاصة القوى اﻷكثر نفوذاً، أي تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وبدرجة أقل إيران.

    دمشق ترفض حتى اﻵن أي مشاركة في إدارة البلاد مع قوى تتهمها بأنها “غير وطنية”، وأنها تابعة ﻷجندات إقليمية ودولية. وفي الوقت نفسه فهي لا تنفتح على أي من القوى الوطنية الداخلية، وهو ما اتضح في انتخابات مجلس الشعب اﻷخيرة، على الرغم من أنها تعاني اﻷمرّين بسبب الحصار اﻷميركي وقانون قيصر.

لكل من هذه اﻷطراف رؤيته لنهاية الصراع السوري ومكانه وحضوره في مستقبل إدارة الحكم، وهو ما يجعل اللعب بعامل الوقت متاحاً بغاية العمل على تحصيل أكبر عدد من النقاط بدلا من الوصول إلى توافق على أرضية الممكن. وهو ما يمكن أن تؤثر فيه اﻹرادة الدولية بشرط حصولها على مبتغاها وتقاسم مصالحها ومناطق نفوذها في البلاد، الأمر الذي ما يبدو شبه حاصل على اﻷرض. أي أنه إذا استمرّت حالة الرفض لدى اﻷطراف السورية، فإن الحلول أو فرض الحلول من قبل القوى النافذة قد يكون أمراً واقعاً، لكنه اﻷمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الإنهاك والدمار، في ظل الغياب الحقيقي لإرادة السوريين من كل اﻷطراف. ولذا فإن أي انتخابات، برلمانية أم رئاسية، لا يمكنها إحداث فرق في سياق اﻷزمة الداخلية المتصاعدة.

______________

-1 “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” هي منطقة سورية أُنشئ فيها حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع. تسيطر على المنطقة “قوات سوريا الديمقراطية” وتشمل أجزاء من محافظات الحسكة، الرقة، حلب ودير الزور. هذه المنطقة متعددة الأعراق، من عرب، أكراد وآشوريين، مع مجموعات أصغر من التركمان والأرمن والشيشان واليزيديين.

السفير العربي

———————————

سوريا.. اجتماع اللادولة واللادستور/ هوازن خداج

منذ انقلاب الأدوار من الحكم باسم إرادة الرب، إلى نظام جديد للدول انطلاقاً من أوروبا وتَعميمَه في أنحاء العالم، في أعقاب مؤتمر وستفاليا، لتثبيت إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة، باعتبار الدولة مؤسسة عالمية ضرورية، تحوّل مفهوم الدولة إلى أداة صراع أيديولوجي تُنتجه النظريات المختلفة لتعريف الدولة، وما يتولّد عنها من إستراتيجيات سياسية مختلفة.

بساطة التعريف النظري لـ(ماكس فيبر، أو موسوعة لاروس، أو اتفاقية مونتيفيديو، أو فقهاء القانون الدستوري) لا يحصر مفهوم الدولة أو يلغي إشكالياته، لتبقى هذه الحقيقة السياسية، حقيقة “مراوغة” في تشكيلها اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن، ومتغيرة في الاعتبارات السياسية التي تساهم في نشأة أو اختفاء الدول. ووحدة سياسية “متذبذبة” في الاعتبارات القانونية ومقوماتها (الأرض، الشعب، السلطة) كونها تحتاج إلى اعتراف لتمارس نشاطها خاصة على الساحة الدولية، وقد يكون هذا الاعتراف ناتجاً عن الاعتراف بالحكومة، باعتبار الاعتراف بالحكومة ينطوي ضمناً على الاعتراف بالدولة، لكن العكس ليس صحيحاً.

في الوضع السوري الذي لم يتجاوز التحديات الداخلية في “الهوية السياسية والإشكالية الجغرافية والاجتماعية”، التي رافقت نشوء الدولة ومؤسساتها وأحزابها السياسية، لكنه أمّن بشكل ما اعترافاً دولياً، محدداً بكيان أخذ في “المُتخيّل الجمعي” شكل الدولة، أو الجمهورية العربية السورية وقد يسميها البعض بالجمهورية السورية الأولى، باعتبار ما يحدث في الوقت الراهن هو مخاض لولادة جمهورية ثانية أو ثالثة أو حتى رابعة. حسب ما يُراد في تقسيم الحقب التاريخية التي مرّت على سوريا (الاستقلال ثم الانتقال نحو الوحدة مع مصر والانفصال عنها، ثم حكم البعث/ الأسد).

وبغض النظر عما يتلاطم من حقب في الزمان والمكان، الواقع الحالي ضمن التعاريف والمصطلحات النظرية البسيطة المحددة للدولة، يجعل السوريون بلا دولة، فمن الناحية السياسية: هذه المنظمة السياسية الإلزامية وحكومتها المركزية (لم) تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار أراضيها، لتطابق توصيف فيبر. ومجموعة الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة (ما عادوا) يخضعون لسلطة معينة، لتطابق تعريف موسوعة لاروس. وهذا الكيان الإقليمي (لم يعد) يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها، ليوافق رأي العديد من فقهاء القانون الدستوري، ولكنه يحتكر قوى وأدوات الإكراه التي تمارسها السلطة على من تبقى من السوريين، أما تعريف اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول في عام 1933، وتأكيده على جوهر السيادة وارتباطها المباشر باستقلال الدولة وأهليّتها في إدارة الحكم والتعامل الندّي مع بقية الدول، وهذه لم تسقط عنها فحسب، بل صار ينطبق عليها مفهوم المستعمرة الشبيه بمناطق أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

لقد تحوّلت “المراوغة” إلى “مهزلة” من الناحية السياسية، مع دبلوماسية السيادة التي تُسوَّق في مؤتمرات (الثلاثي الضامن)، روسيا وإيران وتركيا، وتأكيدهم عليها -مجتمعين أو بشكل إفرادي- لِبَثّ الاطمئنان حول وجود دولة مكتملة الأركان، وآخرها تأكيد الرؤساء الثلاث (بوتين وأردوغان وروحاني) خلال قمة ثلاثية كونفرانس، عبر الفيديو ، حول الملف السوري، فهذه السيادة المهزلة يمكن إزاحتها وتأويلها بما يناسب مصلحة الفاعلين في الملف السوري. ويمكن كذلك حسب الضرورة بناء “سيادات” أخرى لفاعلين آخرين.

وبالانتقال إلى الاعتبارات القانونية للدولة ومقوماتها (الأرض، الشعب، السلطة)، فقد دخلت في إشكاليات أكثر تعقيداً على صعيد كل منهم، وفي اجتماعهم، فالأرض استمرّت كإرث يمكن التقاتل عليه ليكون حقاً لأحد الأطراف، والشعب لم يجد روابط الاجتماع داخل الحدود، وانقسم في انتمائه الحزبي أو الديني للخارج، ثم تحولا إلى ملكية مباشرة للسلطة في صيغة (سوريا الأسد).

ومع المرحلة الحالية، وتوجّه السلطة إلى احتكار العنف، وفرض السيطرة تماهياً مع مقولة ماوتسي تونغ “من فوهة البندقية تنبع أكثر القيادات فاعلية”، وقد تسفر عن أكثر أشكال الطاعة كمالاً، لكن مماهاة السلطة مع العنف هو حكم من خارج قانون الدول. وصارت الدولة وسيادتها بالنسبة للنظام خلطة لها استعمالات خاصة في استعادة السيطرة على الأرض _المناطق الخارجة عن سيطرته_ والسكان “المعارضة”. واستعمال العنف إلى أقصى حدوده، ليتحول “تذبدب” الاعتراف بشرعية السلطة التي تمارس السيادة باسم الدولة ولحسابها إلى مهزلة، فالنظام يريد سوريا لمن يدافع عنها، وكذلك مجتمع متجانس، للظهور كدولة قوية أو كيان موحّد ومتراصّ، دون أن تتأثر شرعيته المفترضة، مع وجود أوصياء عليه.

وبما أنّ وجود الدول يفترض الانخراط في المعاملات السياسية التي تُنجز في إطار معقّد من الروابط (المعاهدات، الأحلاف) والالتزامات للمستقبل، كالقوانين والدساتير، فقد حاول مبعوثو الأمم المتحدة الوصول إلى تسوية سياسية، لم تثمر، وعملت روسيا باعتبارها الضامن للنظام على تقزيم دعوة قرار مجلس الأمن رقم 2254، إلى قيام عملية سياسية مؤلفة من ثلاثة عناصر أساسية (حكومة انتقالية، انتخابات حرّة ونزيهة، ودستور جديد)، وحصره بالعنصر الأخير وحده، لتستمر المماطلة فيه باعتباره إطار عمل يحتاج الى توافقات لإنجزاه، ومع كثرة التنافرات يمكن من خلاله تأجيل معالجة العناصر الجوهرية والحاسمة في النزاع، إنّه مطية روسيا والنظام لاستمرار المهزلة في خنق العملية الدستورية، حتى لو استمر الحكم على بلد مدمر، تسمح السيادة فيه ببقاء بعض الأجزاء خارج السيطرة والمفاوضة عليها، وتسمح المماطلة باستخدام العنف في مناطق المصالحات لمواجهة المتمردين “الإرهابيين”، ففرضية إتمام السيادة تخلق التبرير والمشروعية معاً، ولا تقوم إلا بوسائل العنف.

الوضع الراهن لسوريا ضمن المُتخيّل الجمعي للسوريين قد يمتدّ للعديد من التوصيفات، التي لا تصل لحدود دولة، فالدولة التي لا يوجد فيها اتصال بين المواطنين، دولة مفككة، وفقدان الاتصال بين الحكومة والمواطنين، دولة طغيان. والتعريفات النظرية العامة لمفهوم الدولة وسيادتها يجعلها لادولة أو دولة فاشلة تستند على الوقت الضائع لإعداد دستور، وإتمام ما يليه من عملية إنتخابية لا ترفع الآمال بشفافيتها إذا لم تنقطع احتمالات الالتفاف عليها، فرغبة الغالبية في الانتقال إلى الجمهورية الثانية مع مايتطلبه ذلك من تغييرات دستورية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية، لا تكفي وحدها لتأكد أنّنا سننتقل إلى الجمهورية الثانية بنجاح، ولا يلغي أنّها ستكون مرهونة، لأجيال طويلة قادمة، لتدفع بعد السلم مما تبقى من ثرواتها ومقدرات سكانها ضريبة، لمن استثمروا في حربها.

ليفانت – هوازن خداج

—————————————-

نظام الأسد يفصل انتخابات 2021 الرئاسية عن أعمال اللجنة الدستورية

فصل نظام الأسد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية، المزمع إجرائها في حزيران 2021 عن أعمال اللجنة الدستورية السورية، والتي عقدت ثلاث جولات من اجتماعاتها في العاصمة جنيف.

جاء ذلك على لسان وزير خارجية النظام، وليد المعلم في مؤتمر صحفي، اليوم الاثنين، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، ونائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف في دمشق.

وقال المعلم في كلمة له إن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ليس مرتبطاً بنشاط اللجنة الدستورية في جنيف.

وأضاف المعلم أن الانتخابات الرئاسية في سورية ستقعد في موعدها في عام 2021، مشيراً “أي مواطن لا يتعارض ترشيحه مع مقتضيات الدستور يمكنه المشاركة”.

وخلال الأشهر الماضية صدرت من مسؤولي نظام الأسد تصريحات تؤكد إجراء الانتخابات في وقتها، وفق الدستور القائم “ودون تدخل خارجي”.

إذ أكد بشار الأسد خلال مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”، في 11 من تشرين الثاني الماضي، على إجراء انتخابات 2021 بموعدها المحدد.

وقال: “بالتأكيد ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سورية، وسيكون هناك عدد كبير من المرشحين”.

في حين رفض الأسد إجراءها تحت إشراف الأمم المتحدة نهائياً، مؤكداً أنها “ستكون بشكل كامل، من الألف إلى الياء، تحت إشراف الدولة السورية”.

وإلى جانب المعلم اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن “الانتخابات قرار سيادي للجمهورية العربية السورية، وفي ظل النقاش حول الدستور ستستمر بتطبيق الدستور القائم”.

وقال إنه يستحيل أن “يوضع برنامج زمني فيما يخص عمل اللجنة الدستورية”، مضيفةً “زيارتنا الحالية مكرسة لمناقشة الأفق المستقبلية لتطوير العلاقات السورية الروسية”.

وتأتي زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، بعد أيام من انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي يعوّل عليها وضع دستور جديد لسورية.

وكان المبعوث الأممي إلى سورية, غير بيدرسون قد زار العاصمة الروسية، موسكو، الأسبوع الماضي، والتقى بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف ووزير الدفاع، سيرغي شويغو.

وحسب ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها فإن شويغو شدد وفي حديثه مع بيدرسون على “التأثير السلبي للعقوبات الغربية على ملفي التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب في سورية”.

وأشار إلى أن “تغييرات كبيرة وقعت في سورية، تتعلق بكل مجالات العملية السياسية تقريباً، والوضع الإنساني وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب”.

——————————–

مؤتمر صحفي لوليد المعلم ولافروف وبوريسوف.. أبرز ما جاء فيه

عقد وزير الخارجية في حكومة نظام الأسد، وليد المعلم مؤتمراً صحفياً مع نظيره الروسي، سيرغي لافورف ونائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف في دمشق، وذلك في إطار الزيارة التي بدأت، صباح اليوم.

وتطرق المعلم ولافروف وبوريسوف إلى عدة ملفات في أثناء المؤتمر الصحفي، أبرزها المسار السياسي الخاص باللجنة الدستورية السورية، بالإضافة إلى وضع محافظة إدلب، ووضع مناطق شرق الفرات، والانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية عام 2021.

كما ناقش القائمون على المؤتمر مذكرة التفاهم الأخيرة التي أعلن عنها “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) و”حزب الإدارة الشعبية”، الذي يرأسه قدري جميل.

اللجنة الدستورية.. لا زمن لها

فيما يخص مسار اللجنة الدستورية السورية قال وليد المعلم: “ستجري الانتخابات الرئاسية في سورية وستكون نزيهة، وفيما يتعلق بشرط الإقامة لمن يريد الترشح، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات”.

وأضاف المعلم: “كل من تتوفر فيه شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح، أما فيما يتعلق بالدستور السوري القادم فإن هذا سيكون نتاج ما يتوصل إليه أعضاء اللجنة الدستورية، وأي نتائج تتوصل إليها هذه اللجنة فستعرض على الاستفتاء الشعبي”.

من جانبه قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إنه يستحيل أن “يوضع برنامج زمني فيما يخص عمل اللجنة الدستورية”.

وأضاف: “زيارتنا الحالية مكرسة لمناقشة الأفق المستقبلية لتطوير العلاقات السورية الروسية”.

وتأتي زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، بعد أيام من انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي يعوّل عليها وضع دستور جديد لسورية.

وكان المبعوث الأممي إلى سورية, غير بيدرسون قد زار العاصمة الروسية، موسكو، الأسبوع الماضي، والتقى بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف ووزير الدفاع، سيرغي شويغو.

وحسب ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها فإن شويغو شدد وفي حديثه مع بيدرسون على “التأثير السلبي للعقوبات الغربية على ملفي التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب في سورية”.

وأشار إلى أن “تغييرات كبيرة وقعت في سورية، تتعلق بكل مجالات العملية السياسية تقريباً، والوضع الإنساني وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب”.

إدلب.. التفاهمات حتى النهاية

الملف الثاني الذي تم التركيز عليه في المؤتمر الصحفي هو وضع محافظة إدلب، والتي تشهد سرياناً لاتفاق وقف إطلاق نار، بين روسيا وتركيا.

وقال لافروف: “تم التوصل لاتفاقيات ملموسة ويتم تنفيذها بشكل متتابع، ومن أهم الاتفاقيات الفصل بين المعارضة المعتدلة وبين المتطرفين، وتأمين طريق إم فور، وخلق المنطقة الأمنية على طول الطريق”.

وأضاف: “ولو ببطئ يتم تنفيذ الاتفاقيات، فأنا على يقين أننا سنستكمل تنفيذها بكل نجاح”.

وكانت روسيا وتركيا قد أتمتا تسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية، وذلك أكد بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من إتمام تسيير الدوريات، إلا أنها ما تزال مستمرة حتى اليوم، وكانت قد تعرضت لاستهدافات من قبل مجموعات “مجهولة”، عرّفت نفسها بأنها “كتائب خطاب الشيشياني”.

الاقتصاد وخطط إعادة الإعمار

إلى جانب ما الملفين السابقين، تطرق لافروف والمعلم إلى وضع الاقتصاد السوري العام، والأزمة التي يعيشها مع العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

وليد المعلم قال: “علاقتنا الاقتصادية تنمو وتتطور بما يحقق مصلحة الشعبين الروسي والسوري، وأنا متفائل بالوضع الاقتصادي العام وشعبنا سيشعر بالتحسن القادم”.

وأضاف: “متفائل وأبشر شعبنا بأن الوضع الاقتصادي العام سيشهد تحسناً خلال الأشهر القادمة”.

في حين أشار نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف إلى أن موسكو “ستواصل خطة إعادة الإعمار ضمن خارطة الطريق في مجالات عدة بينها الطاقة”.

وأضاف بوريسوف: “أجرينا محادثات بناءة ومفيدة مع رئيس الوزراء الجديد وبحثنا معه سبل ترسيخ التعاون في مختلف المجالات -نسعى لتعزيز التعاون الروسي – السوري في مختلف المجالات”.

ووقعت روسيا مع نظام الأسد عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر.

كما تدخلت روسيا في الجانب الغذائي السوري، وأصبحت الدولة الأولى في تصدير مادة القمح، إضافة إلى الاتفاق مع نظام الأسد على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني محاولة الروسي إخضاع أي حكومة مقبلة من خلال السيطرة على مادة القمح الاستراتيجية.

كما وقعت شركة ستروي ترانس غاز (CTG) الروسية الخاصة، مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً مقبلة.


—————————————

سوريا بين تهافت النظام ورداءة المعارضة/ أنور بدر

لم يخفِ معظم السوريين خيبتهم من اجتماعات اللجنة الدستورية قبل أن تبدأ جولتها الثالثة، والتي لم تنجح تصريحات رئيس وفد المعارضة السيد هادي البحرة المتفائلة بخصوص الجلسة الأولى منها، في تغير شيء من خيبتنا، ودون أن يكون لأعراض الكورونا المعطِلة، والتي ظهرت على بعض من أعضاء الوفد القادمين من سوريا سبب في ذلك.

إشكالية اللجنة الدستورية التي جاءت بمرجعية القرار الأممي 2254، وضمن حزمة سلال الحل السياسي من أجل تحقيق مرحلة انتقال سياسي، تطلبت جمع طرفي الصراع داخل سوريا، أي النظام والمعارضة، ولا بأس من توليد طرف ثالث منهما أو بينهما يتكون من ممثلي المجتمع المدني، للقيام بالمهمة المستحيلة لتربيع الدائرة.

هي مهمة مستحيلة حقاً، لأن النظام لا يعترف أساساً بوجود معارضة من خارجه، فالأسد الأب بُعيد انقلابه في تشرين الثاني 1970 رتب سلطته المطلقة عبر استفتاء شعبي بداية عام 1971، ليصبح رئيسا لسوريا وقائدا للجيش والقوات المسلحة وأمينا عاما للقيادة القطرية لحزب البعث، ولم يتأخر في العام التالي من إعادة ترتيب معارضة سياسية باسم “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يقودها حزب البعث، وجاءت الخطوة الثالثة في آذار 1973، التي فَصّلتْ دستورا لسوريا يشرعن هيمنة الحزب القائد على كل مفاصلها، واحتكار الفضاء العام للسياسة والاقتصاد والمجتمع.

حيث ابتلعت السلطة السياسية بالنتيجة الدولة والمجتمع، ولم يعد الفصل بين هذه السلطة وبين مؤسسات الدولة المملوكة للسلطة ممكنا، إذ غدت تلك المؤسسات عطاء ومنة من النظام لشعب جاحد لا يشكر، مما منح النظام حق تدميرها خلال العشرية الأخيرة من عمر الثورة، فيما بات على السوريين مهمة الحفاظ عليها.

لذلك نجد أن إشكالية اللجنة الدستورية، هي إشكالية غياب الدولة الوطنية بالأساس، لصالح دولة الاستبداد الكليانية، وهي إشكالية تبدو غير مفهومة بالنسبة لأغلب الدول والقوى الغربية، قياسا على منظوماتها الفكرية والسياسة، بينما هي تشكّل المنطق الوحيد الذي يحرك دولة الاستبداد المتخلّفة، التي لا يحكمها أي عقد اجتماعي سوى العلاقة بين الرعية والراعي، وفي هذه العلاقة لا حقوق للرعية حتى لو كتبت في الدستور المعطل مسبقا بقانون الطوارئ!

فالكارثة التي يعيشها السوريون منذ عشر سنوات، لا يبدو أنها تأخذ حيزاً في سياق اهتمامات هذا النظام، على اعتبار أنها جزء من المؤامرة التي جاءت بقانون قيصر كأحد نتائجها، مع أن الجميع يعرف أن أزمة هذا النظام الاجتماعية والاقتصادية هي قبل قانون قيصر، والذي جاء نتيجة لتلك الأزمات التي صنعتها حرب النظام ضد شعبه، وسياسة التدمير الشامل والأرض المحروقة.

مع أن النظام ينكر تلك الحقائق أو يكذب ببساطة، فهو “يكذب حتى في أخبار النشرة الجوية” كما قال الكاتب الراحل ممدوح عدوان، بداية ثمانينات القرن الماضي، لذلك هو ينكر مسؤوليته عن الخراب الحاصل في سوريا، كما ينكر مسؤوليته حول تدمير البنى التحتية ومؤسسات الدولة والمجتمع، كما كان ينكر وصول جائحة كورونا “كوفيد 19” التي غزت العالم أجمع، كما حاول تقليل أعداد الوفيات لديه تاليا، لكننا بات مؤخراً يُضخم الأمر بالتنسيق مع إيقاع الإعلام الروسي الذي أراد تحميل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا لقانون قيصر والسياسة الأميركية فقط.

ولمن لا يصدق أن النظام يكذب، يمكن للمستشارة السياسية لدى النظام بثينة شعبان أن تعيد على مسامعهم ادعاءها السابق بداية هذا العام بأن: “الاقتصاد السوري تحسّن خمسين مرة عما كان عليه قبل 2011″، رغم أن قيمة الدولار الواحد في ذلك التاريخ كانت تساوي 48 ليرة سورية فقط، بينما هي الآن تساوي 2230 ليرة سورية! ليس مهما أن تصدق ذلك أو لا تصدق، ليس مهما أن ملايين السوريين لا يجدون قوت يومهم الآن، ليس مهما أن الملايين منهم فقدوا المأوى والأمان حيث بات 60% منهم خارج بيوتهم بين نازح ولاجئ، ليس مهما أن قرابة 100 ألف مواطن سوري مختفٍ قسريا منذ آذار 2011، ليس مهما أيضا أن 70% من البنى التحتية للاقتصاد والصحة والتعليم تم تدميرها بشكل كامل أو جزئي، كل ذلك غير مهم لأن الأسد الصغير ومستشارته السياسية فقط يعرفان بأن هناك “عملاً قوياً” في مجالات الزراعة والصناعة والمنشآت!

النظام في سوريا أضحى كله كذبة، وكذلك الإصلاح كذبة كبيرة، والدستور أيضا مجرد كذبة في هذه السردية، ليس لأننا لا نحتاج دستورا، بل لأننا نحتاج أكثر إلى آلية تمنع الحمار من التهام الدستور، كما عبر الراحل محمد الماغوط، وتمنع نظام الفساد والاستبداد من التغول على النصوص الدستورية وشرعة حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، لذلك نحن نحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يضمن حقوق كل السوريين بصفتهم مواطنين في دولة المساواة والحرية وليسوا مجرد رعية، في حظيرة الأب القائد. بانتظار هذا العقد الاجتماعي يجب تغيير النظام المتهالك ليس في سوريا فقط، بل كل النظام العربي الذي ولد في سايكس بيكو، وما زال بطريقة أو أخرى يدافع عن شرعيته المفقودة، عقد اجتماعي لا يكون نتيجة توافق دولي وإقليمي على مصالحهم، بل يكون تعبيرا عن إرادة شعوب المنطقة ومصالحها، كما حصل في جنوب أفريقيا وغيرها.

فعندما انتخب “دو كليرك” لرئاسة جنوب أفريقيا، كان يُدرك سلفا أن نظام الأبارتايد أو الفصل العنصري لا يمكن أن يستمر للأبد، لكنه كان يحتاج بذات الوقت إلى طرف آخر لإنجاز التسوية التاريخية، تلك العملية التي استمرت لأربع سنوات بين حكومة دو كليرك وبين نيلسون مانديلا، الذي عارضه كثيرون من حزبه بمن فيهم زوجته، قبل أن يُصبح رئيسا لجنوب أفريقيا في انتخابات عام 1994.

المصيبة عندنا أن الأسد الصغير لا يرى في كل المقتلة السورية إلا أنه المنتصر على شعبه، وهو من راهن على إيران ثم روسيا للحفاظ على كرسيه، حتى أكلوا البلد من تحته وهو سعيد بانتصاره، لأنه لا يعترف أصلا بالشعب السوري الذي خرج مطالبا برحيله، فهذا الشعب هو جزء من المؤامرة الكونية ضده، ولا مجال بالتالي لهؤلاء في سوريا التي يراها وطنا لمن يدافع عن سلطته فقط.

في حين المعارضة السورية بلغت حدا من العجز أنها لم تستطع إلى الآن تطوير أيّا من أدواتها أو برامجها أو توحيد صفوفها، بل هي خسرت كل حروبها العسكرية والسياسية، ولم تتردد في رهن سياساتها ووجودها لهذا الطرف أو ذاك، ولم تتعلم من السياسة إلا اللعب على التناقضات الشخصية والمراهنات لدعم بقائها فقط، مهما قدمت من تنازلات لداعميها، حتى غدت بيدقا في حروبهم داخل سوريا وخارجها، مما أفقدها أي غطاء شعبي أو وطني، وربما لن نجد كذبة أكبر من تهافت النظام الممانع، إلا كذبة ورداءة تلك المعارضة غير الوطنية.

فكلاهما يتصارعان على مصالح داعميهم أكثر مما يتصارعون على مصالح سوريا والسوريين، وكلاهما بانتظار “غودو” الذي لن يأتي، لكننا ندرك بأن حركة التاريخ التي تسير بخط متعرج، هي في المحصلة تتقدم إلى الأمام باستمرار.

تلفزيون سوريا

——————————————–

————————————————

بضع كلمات في أذن الائتلاف السوري/ موفق نيربية

ربّما كان من الأفضل لنا ولكم أن نتخاطب عن بعدٍ قليلاً، لعلّنا نستطيع أن نكون أكثر صراحةً ووضوحاً. لقد وصلت دعوتكم إلى اللقاء التشاوري، الذي عقدتموه يوم الجمعة منذ عشرة أيام، ولم يصلكم اعتذار عن الحضور، كما تقتضي اللياقة قبل الموعد ولا بعده، فاقتضى الأمر بعضَ «البوح» كما يحلو لعقاب يحيى أن يسمّيه، في مجالات أقل مللاً وأكثر جدوى.

لقد ابتدأت طرقنا بالتباعد المكشوف، بُعيد سقوط حلب، يوم انفضحت العسكرة والأسلمة في شكليهما اللذين عرفتهما الثورة السورية المغدورة، فاستقال العديد منّا ـ نحن «غير» الإسلاميين، سياسياً، لعلّها تروق لكم أكثر من الديمقراطيين، مع أنكم تفضّلون غالباً وصف العلمانيين ـ قبل ذلك الحدث وبعده، وكنت من أواخرهم في أوائل فبراير 2017. أذكر جيّداً كيف كان أحمد الجربا حريصاً دائماً على اصطحاب فاروق طيفور في اجتماعاته، ليترك له الكلام عند الحديث عن التشدد والتطرف والإرهاب والإسلاميين، فيعطي به مثلاً عن إمكانيات الاعتدال لدى من قيل عنه أحياناً إنه من صقور الإخوان، في تلك الفترة التي ساد في الائتلاف جوّ أبعد نسبياً عمّا هو إسلاموي، إلى هذا الحد أو ذاك. في المقابل، أذكر جيداً أيضاً، حرص النواة الصلبة للائتلاف المؤلفة خصوصاً من عواميد وتفرعات الإخوان، على تقديم ميشيل كيلو ورياض سيف وعقاب يحيى وتقديمي وغيرنا، عند الحاجة إلى ثوب الوداعة والتسامح والحداثة.. ولا يخلو الأمر أحياناً من خلطة طائفية وقومية، تنفع في صالون التجميل، حتى انفتق الحساب في تلك الفترة المذكورة.

أعتقد جازماً، أننا كنا، نحن المستقيلين والمتنحّين جانباً – أحرص على الائتلاف من «أهله» لأنه الأداة الأولى في التاريخ الحديث للمعارضة السورية، التي اعترف بها العالم يوم كان مقبلاً علينا، ولأننا ندرك، ربما أكثر من غيرنا، أهمية هذا التمثيل وضرورته القصوى لشعبنا يوم سلمه ويوم حربه.

رغم ذلك كله، وبمناسبة ما يتردد حالياً عن نوايا الإصلاح الشامل في البنية التنظيمية والسياسية، أو عن تطوير تمثيل الائتلاف وتحديث رؤيته السياسية، ينبغي الإشادة بعرض النوايا هذا، وتمني النجاح لها، إن لم يكن الأمر كلّياً فجزئياً على الأقل، مع أن الطريق تنحدر باستمرار نحو المزيد من الفشل، ولا ينفع المسارَ شيئاً تعبيدُ تلك الطريق بالنوايا الطيبة، وهي موجودة على علمنا غير نادرة، ولكن إلى جانب نقيضها. ربما يتذكر الأخوة في الائتلاف المذكرة التي تقدمت بها باسم» تيار مواطنة» الذي كنت أمثله، في أوائل يناير 2017، نحدد فيها عناصر للأزمة ومنافذ للخروج منها، وكيف تمّ تقبّلها بصدر رحب ووجهٍ بشوش، وتشكلّت لجنة وازنة لبحث خطوات الإصلاح في جذوره. حينئذٍ، اجتمعت تلك اللجنة الشاملة عدة اجتماعات، تبيّن ببساطة بعدها العجز عن الإصلاح، لأن أهم مظاهر الإصلاح كان إنهاء بعض مكونات تلك اللجنة ذاتها، وإنهاء زيف تمثيل مكوّنات أخرى فيها. كان الائتلاف بحاجة إلى التفوّق على ذاته، بأن ينفي ذاته، وذلك طلب كبير جداً ومستحيلٍ في ظروفنا البائسة.

وترنّ أصوات الخطاب الإصلاحي بقوة في هذه الأيام، وبشكلٍ يستدعي الإعجاب، لو كنّا على غير ما نحن عليه، ولو كان الائتلاف على غير ما هو عليه. فلا الائتلاف قادر على أن يعيد النظر في بنيته وتركيبه وسياساته، ولا السوريون بقادرين على إضاعة المزيد من وقتهم في مهمٍة مستحيلة، وفيلم أصبح مؤلماً ومضجراً في آنٍ واحد. وحتى لا يبقى الحديث في الفضاء، لا بدّ من توضيح بعض أسبابه المادية وأسئلته المباشرة.

عند تعاطي أهل الائتلاف، بين فينة وأخرى، مع مسألة توسيع تمثيله، يسارعون إلى التواصل مع مكوِّنات إثنية وعشائرية ودينية وطائفية، في خطأ «استشراقي» لا يُغتفر. يعتقدون أن ذلك استجابة لرغبة دولية أو إقليمية حقيقية، بدلاً من أن يذهبوا مباشرة إلى لبّ الموضوع، فيستعرضوا القوى والشخصيات السياسية والمدنية في الفضاء السوري، ويعملوا على البحث جدياً في تجاوز التعارضات باتّجاه اللب ّوالجوهر، وإبداء الاستعداد للمراجعة والحوار، على أرضٍ مناسبة وبحرّية مقبولة. في ذلك أيضاً لا بد للائتلاف أن يتواضع قليلاً، ويدرك أن ما يعتقد أنه اعتراف دولي يعطيه حقوقاً إضافية على الآخرين ليس حقيقياً، على الأقل في الوقت الراهن، بل يكاد يغدو مهزلة وراء الجدران السورية والإقليمية والدولية.. ألا يدعوهم حجم الاعتراف بقسد ومسد مثلاً إلى التفكّر، وفيهما من عوامل الانتقاص من الشرعية ما فيهما، ولكن مع سياسات جدية واستراتيجيّة «شغّالة»؟

في المسألة التنظيمية، هل يستطيع الائتلاف- وأعضاؤه الفرحون بما لديهم- الاعتراف بقصور تمثيله للسوريين، والإقرار بالخلل الكبير في ذلك من خلال رجحان وجود ودور القوى التي تفرّعت من الجماعات الإسلامية، ولا يعرف إلا الله مدى وطريقة تنسيق عملها بوحدته وصراعاته، مع غيابٍ كامل تقريباً لقوى المدنية والديمقراطية السياسية.. ولم يعد كافياً للتمويه وجود كتلة مهمة براغماتية وذات حنكة مشهودة، أصبحت قدراتها الاحترافية نافلة وضارة، بعد طول إضرابها عن التبلور سياسياً، والخروج من عقلية المقاولات في السياسة.

وفي الناحية العسكرية، هل يستطيع الائتلاف، الإقرار ببعده عن التحكم بأي مسار عسكري أو للعسكر له طبيعته السياسية والاستراتيجية، وأن ذلك كان كذلك منذ البداية وأصبح الآن واضحاً فاضحاً؟ وهل يستطيع رفع الغطاء عن كل ذلك الحمل الذي ينوء تحته وتحت آثامه وجرائره وارتباطاته، وتوزعه ما بين إمارات حرب وإمارات عقيدة وخلافة، أو على الأقل إلى حقل ارتزاق لمن احترف ولم يعد قادراً على تغيير نمط حياته؟ وبعد التقدير الواجب من قبلنا للخطوات الأخيرة التي لا بدّ أن يكون لها بعض الأثر الإيجابي، الذي يُخشى أن يضيع في الضجيج المفتعل والبلاغة المفتعلة.. لكن ذلك سيكون حتماً تحت الحدّ الأدنى المطلوب، الذي لا يستطيع بلوغه إلا عقل ثوري يتخفّف من باطنيته الثقيلة الوطء، ويثبت ذلك بما يكفي.

من الناحية السياسية، وبعد وقوع الائتلاف تحت ثقل مسار أستانة الثلاثي- وثلثاه علينا لا لنا- مكرهاً أو بطلاً لا فرق، هل يستطيع الانتقال إلى استراتيجية شفافة وفعّالة، وذات أهداف في ما يخص هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، والخروج من العباءات، ومواقف القطارات والمطارات عبثاً؟ ولماذا تهرّب طويلاً، ولم يعد لانتقاد نفسه حتى الآن، من رفع الغطاء عن التطرّف والإرهاب بين ظهرانينا؟

ولنقفز قليلاً عن الكلام الذي سيقول عنه أهل الاحتراف الصافي، إنه مجرّد بلاغة لا تتلمّس الواقع، ولا بأس ببعض السذاجة والتجريب في السؤال:

هل يستطيع الائتلاف أن يخرج على أهله والعالم، بمواقف يتبرأ فيها ويستنكر تجنيد آلاف السوريين كمرتزقة في ليبيا، وربما في غيرها فيما بعد؟ وهل يستطيع استنكار فعل الفاعل ذاك بلغة سياسية واضحة، كتلك التي تحدث بها يوماً قريباً رئيس الائتلاف الحالي، مع السعودية بعد انعقاد مؤتمر المستقلين في الرياض؟ فمسألة ارتزاق السوريين المترافقة مع إطلاق تسمية الثوار عليهم طامّة كبرى، وهم يخوضون معارك غيرهم على أرض غيرهم.. مع كلّ المحبة لليبيين وليبيا!

ومثالٌ آخر بسيط: لماذا عجز الائتلاف عن التقرّب إلى شعبه بأن يطالب بالصوت العالي بحرية وكرامة رمز وطني تعتقله السلطات التركية كالعميد أحمد رحال؟

وهمسة قبل الختام: من يرغب حقاً برمي حجرٍ، يختاره صغيراً كطلباتنا أعلاه لتحسين أجواء الثقة، وليس كبيراً بحجم «تجديد الخطاب الوطني» كما يفعل حالياً، لأن الائتلاف سينوء تحت ثقل كلماته الكبيرة، أو يرفعه سريعاً إلى الرفوف المغبرة. ولن نقول أكثر، بل نقول مع ذلك الأعرابي: «يداك أوكتا وفُوكَ نفخ».. ونتأنى قليلاً مع صاحبه الآخر، من أجل الصحبة والمصلحة الوطنية: «لأمرٍ ما جدع قصير أنفه» وجاء بحديث الإصلاح.. فالمطلوب شيء آخر معروف جيداً: الوطنية في الفكر، والإخلاص والشفافية في السياسة، والتواضع في العمل وتقدير الذات… وننتظر شيئاً مختلفاً وجذرياً، من دون أن نتخلى عن بحثنا في أماكن حقيقية أخرى!

كاتب سوري

القدس العربي

——————————————-

==============================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى