أبحاث

كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟/ حمزة عامر

كانت إيران عنصرًا مؤثّرًا في معادلة الثورة السورية منذ أيامها الأولى، لمّا كانت أحد أهم حلفاء نظام الأسد. وليس من الصعب تسويغ حرص إيران البالغ ببقاء نظام الأسد في سوريا، التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون المحافظة الخامسة والثلاثين، فيلعب نظام الأسد دورًا مفصليًا في سياسات إيران الخارجية بصونه لنفوذ إيران في المنطقة، فضلًا عن أن سوريا تعد أحد أهم القواعد لأذرع إيران العسكرية.

لعبت إيران دورًا فارقًا في تحديد مخرجات النزاع السوري في مختلف مراحله وسياقاته المتشعّبة، فقد كان دعمها الغزير على الأرض، في السياق العسكري والتكنولوجي، أحد أهم العوامل التي أفضت إلى بقاء الأسد في السلطة.

التجربة السورية كانت، بالمقابل، تجربةً فارقة للنظام الإيراني بالنظر إلى النقلات الملاحظة في خطابه وصور دعمه بالمقارنة بما أتى قبلها وأيضًا مع تلاحق فصول النزاع على الساحة السياسية والعسكرية في سوريا.

تتناول هذه المقالة المنقولة بتصرف من موقع الفورين أفيرز كيف أحدث التدخل الإيراني في سوريا نقلةً في مقاربة إيران الحربية والعسكرية، وماذا كانت انعكاسات ذلك على الساحة الإقليمية والدولية وعلى النظام الإيراني نفسه.

ولكن، وقبل البدء، ربما يكون من المجدي سرد خطٍّ زمنيٍّ لأهم محطات التدخل الإيراني في سوريا منذ بداية الحرب.

    آذار/مارس 2011: بداية الاحتجاجات الشعبية وانتشارها تدريجيًا في المحافظات السورية المختلفة. لم توفّر إيران أي وقتٍ على ما يبدو مع ورود تقارير واتهامات عديدة بضلوعهاوتقديمها العون للنظام السوري في قمع المظاهرات منذ الأيام الأولى، كان منها استيلاء تركيا على أسلحة كانت تحملها طائرة بضائع إيرانية مسوّمة “قطع غيار”. ومن ثم اتهمت الولايات المتحدة إيران بإعانة سوريا على قمع المتظاهرين، ورافق ذلك فرض عقوباتٍ على شخصياتٍ إيرانية، وهو ما أنكرته طهران ودمشق. في المقابل،  أفادت تقارير إعلامية مختلفة بدعم طهران للنظام السوري، كان منها ما نشرته الفورين أفيرز التي قالت في تقريرٍ لها نشر في أيلول/سبتمبر/ إن إيران قد زوّدت النظام بتقنيات لمراقبة الأجهزة الخلوية والشبكات الاجتماعية كانت قد طوّرتها خلال الاحتجاجات التي عمّت الأراضي الإيرانية في 2009-2010، واصفةً إياها بأنها من أعقد ما تمّ تطويره في مجال المراقبة على مستوى العالم، ولا يتفوّق عليها في ذلك، أي على المقدّرات الإيرانية في هذا المجال، سوى الصين ربما.

    آب/أغسطس 2011: إيران توافق على تزويد 23 مليون دولار لبناء قاعدة عسكرية جديدة للحرس الثوري في مطار اللاذقية بهدف تنسيق شحن الأسلحة مع المخابرات السورية.

    أيار/مايو 2012: قاسم غاني، نائب قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري، يقرّ في مقابلةٍ له (تم حذفها لاحقًا) مع وكالة إيرانية محلية أن بلاده أرسلت قواتٍ عسكرية لمساندة القوات الحكومية في سوريا.

    أيلول/سبتمبر 2012: إيران ترسل 150 من صفوة ضباط الحرس الثوري لمساندة الأسد.

    شباط/فبراير 2013: اغتيال القيادي الإيراني حسن شاطري على طريق بيروت دمشق.

    آذار/مارس 2013: إيران توسّع دعمها لنظام الأسد عسكريًا.

    حزيران/يونيو 2013: مصدر أمني عربي رفيع يدعي أن إيران قد أنفقت 600-700 مليون دولار شهريًا دعمًا لنظام الأسد.

    تموز/يوليو 2013: إيران تمنح النظام السوري خط ائتمان بحجم 3.6 مليار دولار لشراء منتجات نفطية، وآخر بمليار دولار لمنتجات غير نفطية.

    أيلول/سبتمبر 2013: سليماني أمام مجلس خبراء القيادة: “سندعم سوريا حتى النهاية.”

    تشرين الأول-تشرين الثاني/أكتوبر-نوفمبر 2013: مقتل القيادي في الحرس الثوري محمد جمالي باقلعه في معارك مع فصائل المعارضة.

    كانون الأول/ديسمبر 2014: الرئيس الإيراني روحاني يؤكّد في لقاءٍ مع مسؤولين سوريين على استمرار “دعم إيران لسوريا”، مضيفًا أنه موقنٌ أن “سوريا ستخرج منتصرةً في حربها ضد الإرهابيين”.

    حزيران/يونيو 2015: ستيفين دي ميستورا، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، يقول إن حجم دعم إيران لسوريا يبلغ 6 مليارات دولار سنويًا.

    قوات النظام السوري تحقق انتصارات هامة بدعمٍ من إيران في الغاب وحلب وداريا والقصير انتهت إلى إحكام حزب الله سيطرته على القلمون والحدود اللبنانية السورية. أتى ذلك بالتوازي مع تقارير قالت إن القوات الإيرانية كانت هي من توجّه القوات السورية على الأرض.

    فصائل المعارضة المسلحة تستولي بالكامل على محافظة إدلب. وسليماني يسافر إلى روسيا لمباحثة هجوم عسكري مشترك بين طهران وموسكو.

    تشرين الأول/أكتوبر 2015: إيران تشارك للمرة الأولى في محادثات سلام سورية أقيمت في العاصمة النمساوية فينا، وقالت وقتها إن إيران لا تصرّ على بقاء الأسد إلى الأبد، أتت المحادثات في وقتٍ كشفت فيه إيران عن زيادة رقعة تواجدها العسكري في سوريا. في نفس الشهر، لقي حسين همداني، القيادي في الحرس الثوري، حتفه في اشتباكات مع داعش على أطراف حلب.

    حزيران/يونيو 2016: لقاء بين وزارات الدفاع الإيرانية والروسية والسورية في طهران لمناقشة الطرق لتعزيز “التعاون العسكري ضد المجموعات الإرهابية في سوريا”. أعقب ذلك سماح إيران للطائرات الروسية باستخدام قواعدها بالقرب من المدينة الإيرانية حمدان لقصف أهداف في سوريا.

    تشرين الثاني/نوفمبر 2016: مسؤول استخبارات إيرانية سابقة يقول إن إيران تُدير ما يصل إلى 25 ألف مقاتل شيعي في سوريا.

    كانون الثاني/يناير 2017: إقامة الجولة الأولى من محادثات أستانة للسلام برعاية تركية-إيرانية-روسية. تلا ذلك عدد من الاجتماعات والجولات الأخرى بين الدول الثلاثة على مدار العام.

    حزيران/يونيو 2017: إيران تشارك في عملية ليلة القدر التي استهدفت محافظة دير الزور.

    تشرين الثاني/نوفمبر 2017: نشرت البي بي سي تقريرًا يفيد أن إيران تبني قاعدة عسكرية دائمة في سوريا جنوبي دمشق.

    نيسان/أبريل 2018: إسرائيل تستهدف مواقع في دمشق في هجماتٍ أودت بحياة 14 شخصٍ على الأقل، من بينهم سبعة مستشارين إيرانيين عسكريين، فيما استهدفت إيران مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة. بدورها قالت إسرائيل في شهر أيار/مايو إنها استهدفت تقريبًا جميع مواقع البنية التحتية العسكرية لإيران في سوريا في أكبر هجومٍ لها منذ بداية الثورة السورية.

    شباط/فبراير 2019: بشار الأسد يلتقي بالخميني وروحاني وقاسم سليماني في طهران، في زيارته الأولى لإيران منذ 2010.

استيقظ العالم في ربيع 2011 على وقع ما عُرِفَ باسم الربيع العربي لما عمّت حمى الثورات بلدان الوطن العربي، وتأمّل المحلّلون وغيرهم من الأطياف السياسية المختلفة أن يكون ذلك خطوةً يقطعها هذا الجزء من العالم على الطريق إلى الديمقراطية. إيران شهدت لحظةً شبيهةً بذلك قبل عامين وقتما خرج ملايين المواطنين إلى الشوارع احتجاجًا على ما اعتبروه احتيالًا تمخّض عن انتخاب الرئيس المتشدّد محمود أحمدي نجاد لولايةٍ ثانية.

حركة الاحتجاجات تلك لم تدم طويلًا بكل الأحوال، إذ نجحت طهران بسحقها بحلول عام 2011، وكل ما بقي للإيرانيين مشاهدة الربيع العربي بقلوبٍ فيها شيءٍ من الغيرة.

وكانت سوريا، على وجه الخصوص، هي ما أسرت مخيّلاتهم. فقد كانت سوريا الأسد حليفًا بالغ الأهمية للجمهورية الإسلامية والشريك العربي الوحيد فعليًا لطهران. ولهذا السبب تحديدًا هلّل الكثير من الإيرانيين الذين ناصبوا حكومتهم العداء للاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد بداية 2011، ورحّبوا بفرصة سقوط بشار الأسد. نظام طهران، على الجانب الآخر، راقب الوضع في سوريا بقلقٍ بليغ. ودفعته خشيته من انهيار نظام دمشق الصديق إلى تعميق ضلوعهم في الثورة في سوريا وإنفاق موارد هائلة في مشهدٍ تحوّل إلى حربٍ أهليةٍ دموية.

أـنفقت إيران حتى اليوم ما يُقدّر بـ15 مليار دولار في سوريا دعمًا للأسد بالرغم من تداعي الاقتصاد الإيراني تحت وقع العقوبات التي فُرِضَت على طهران على مدار الجزء الأكبر من الحرب في سوريا. يُعتقَد أيضًا أن إيران قد أرسلت ما يقارب 10 آلاف عميل، كان منهم قواتٌ عسكرية، إلى سوريا بين عامي 2011 و2014. ولا يشمل هذا الرقم القوات الأخرى التي تدعمها طهران والتي تقدّر وول ستريت جورنال قوامها بـ130 ألف مقاتل في 2014. وقد أودت الحرب في سوريا، باعتراف طهران نفسها، بموت 2100 إيرانيًا حتى عام 2017، كان منهم قياديون بارزون. وإلى اليوم لا يزال هناك مقاتلون إيرانيون يعودون إلى بلادهم محمّلين على الأكتاف ولو أن الوضع في سوريا قد أصبح أكثر استقرارًا.

يدين نظام الأسد ببقائه قائمًا إلى التدخل الإيراني، على كلفته العالية. تأثّرت إيران نفسها بهذا التدخل أيضًا تأثّرًا عميقًا، فتجربة الحرب في سوريا قد غيّرت مقاربة إيران الحربية، وأحدثت نقلةً في التكتيكات الإيرانية وأجبرت الذراع العسكري في البلاد على اكتساب قدراتٍ جديدة، وخصوصًا بما يتعلّق بالتعاون مع قواتٍ عسكريةٍ أجنبية وتدريب قوات وكالة من غير الإيرانيين.

ولا يبدو أن هذه التغييرات ستبقى محصورةً في سوريا في ظلّ احتدام الشدّ بين واشنطن وطهران. وسرعان ما ستبدأ الولايات المتحدة وشركاؤها بتلمّس آثار هذا التحول العسكري في إيران. يتوجّب على واشنطن النظر إلى ما تعلّمته إيران في سوريا إذا ما أرادت فهم كتاب القواعد التي ستعتمد عليه طهران في المستقبل.

السبيل إلى التدخل

عُرِفَت إيران منذ بداية القرن العشرين بتحفظها في إرسال قواتها خارج حدودها، فلم يحصل ذلك سوى في مناسباتٍ نادرة، كان منها قرار الشاه محمد رضا عام 1973-1974 بإرسال بضعة ألف جنديٍّ ومستشارٍ إلى عُمان لمساعدة السلطان قابوس على سحق ثورةٍ قامت في بلاده. وبعد قيام الجمهورية الإسلامية، خاضت إيران حربًا مع عراق صدام حسين دامت لثماني سنوات، دفع فيها مئات آلاف الجنود الإيرانيين حياتهم ثمنًا دون أن يقوى أي طرفٍ على إعلان نفسه منتصرًا على حساب الآخر. وبعد حرب إيران والعراق، التي انتهت عام 1988، حدّت طهران من نطاق عملياتها العسكرية الخارجية التي اقتصرت على إسداء العون والمشورة. فلم يكن بحوزة إيران مقدّرات عسكرية كبيرة، ولجأت إلى سياسة الإنكار كلما وُجهّت أصابع الاتهام لها بارتكاب أفعالٍ غير شرعية أو تجاوزها للحدود.

وكانت هناك مناسباتٌ شنّت فيها إيران هجماتٍ جوية على جماعاتٍ لا ترقى إلى مستوى دولة. فاستهدفت طهران، مثلًا، عبر التسعينات كرديين انفصاليين وحركة مجاهدي خلق، جماعةٌ معارضةٌ وسمها النظام الإيراني بأنها تنظيمٌ إرهابي. ولكن مجملًا اقتصر التواجد الإيراني في دولٍ خارجية بالتدريب والتسليح ومشاركة المعلومات مع قواتٍ وكيلة، على رأسها تنظيم حزب الله في لبنان.

اتبعت طهران ذات القواعد التي وضعتها لنفسها وقت بداية الاحتجاجات في سوريا في ربيع 2011. فأرسلت التكنولوجيا والمعدات والأسلحة، مع بعض المستشارين الذين يمكن أن يُفيدوا بخبرتهم في سحق الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران. ولكن انزلقت سوريا إلى الحرب الأهلية، وما منّت طهران نفسها بأن لا يكون أكثر من مجرد مهمةٍ سريعةٍ وغير مكلفةٍ نسبيًا هدفها إرساء قواعد استقرار النظام السوري من جديد تبيّن أنه مستنقعٌ موحلٌ أجبر قيادات إيران ومخطّطيها العسكريين على التكيف إذا ما أرادوا الحول دون استبدال نظام الأسد بنظامٍ لا يحمل ذات مشاعر الودّ لإيران.

اكتسبت فصائل المعارضة مزيدًا من الزخم عام 2013، وبادرت القوى الغربية بمطالبة الأسد بالتنحي، ووقتها كشف الأسد عن ورقة الأسلحة الكيميائية واقترف فظائع أملًا في التشبث بكرسي السلطة. بدأت إيران، في أعقاب هذه الهجمات، بإرسال قواتها إلى سوريا في إطار مقاربةٍ جديدةٍ اتسمت بانفتاحيةٍ وتمكّنٍ أكبر. فأرسل نظام طهران فرقًا من قواته العسكرية الرسمية، فضلًا عن قوات الحرس الثوري الإيراني التي تعتمد عليها إيران في العادة عند حاجتها لتنفيذ مهماتٍ سرية، ويُضاف إليهما قوات الباسيج. وكان ذلك بالتوازي مع إرسال بعضٍ من شركاء إيران التقليديين ممن لا يرقون إلى مستوى دولة، كحزب الله وبعض الفصائل الشيعية العراقية، قواتها إلى سوريا.

جنّدت طهران، بغية تدعيم هذه القوات، ميليشياتٍ جديدةً تتألّف من شيعةٍ باكستانيين وأفغان بعد أن وعدت بعضًا منهم بتعويضاتٍ وامتيازات إقامة في إيران مقابل انضمامهم (أفادت تقارير أن إيران قد أكرهت بعض اللاجئين الأفغان في إيران بالانضمام إلى هذه التنظيمات الجديدة). وكان من الشائع أن يقوم قياديو الحرس الثوري بزيارة هذه الميليشيات على الجبهات السورية حرصًا منهم على خلق قنوات تواصلٍ مباشر وضبط المقاتلين خلال معاركهم إلى جانب حكومة الأسد.

على صعيدٍ آخر، لا يقلّ أهمية، ما عادت طهران تحاول إخفاء ضلوعها في سوريا. فلم تتورّع إيران عن الحديث صراحةً عن دورها في النزاع بعد أن قامت بإنكار عملياتها هناك كما جرت العادة في السابق. وبحلول عام 2016 كانت قنوات الحرس الثوري على الشبكات الاجتماعية والجهات الإخبارية التابعة للدولة تبثّ فيديوهاتٍ لزعيم الحرس الثوري قاسم سليماني وهو يزور ميادين المعركة ويصافح ويعانق مقاتلين أجانب. وفي ربيع 2019، عندما اجتاحت الفيضانات مناطق مختلفةٍ في إيران، أرسلت إيران إلى هؤلاء المقاتلين الأجانب وأعادتهم من سوريا للمساعدة في الجهود الإغاثية، وهو ما تحدّثت قنوات الحرس الثوري عنه أيضًا على الشبكات الاجتماعية.

لم يقتصر تنسيق القوات الإيرانية ووكلائها مع نظام الأسد، بل قامت أيضًا بالتنسيق مع الحكومة الروسية التي وفّرت غطاءً جويًّا للعمليات السورية والإيرانية عام 2015. وقد مثّل ذلك تطورًا هامًّا آخر. فقد جمعت طهران وموسكو علاقةٌ مشحونةٌ تاريخيًا قامت على التعاون المشترك في وجه التوترات والثقة المتزعزعة. ولم يكن للحرب في سوريا أن تمحو هذا التوجس المتبادل، ولكنها جسّدت مثالًا واضحًا على ما يمكن للتعاون أن يثمر عنه إذا ما تقاطعت المصالح الإيرانية والروسية. فقد كان الدعم الجوي الروسي والتنسيق الوثيق مع الحرس الثوري وشبكتها من الوكلاء الأجانب عاملين فارقين كلّلا الجهود الإيرانية بالنجاح وأبقيا على الأسد في السلطة.

تأثير سوريا

كانت الحرب السورية هي المرة الأولى منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق التي اختبرت فيها القوات الإيرانية مهاراتها القتالية على أرض الواقع خارج الحدود الإيرانية. وقد تركت هذه التجربة أثرًا عميقًا على التفكير الإيراني العسكري، وأجبرت طهران على تحديث معتقداتها وإجراءاتها العسكرية، وتقوية تماسكها، وتعزيز قدرتها على تنفيذ عملياتٍ مشتركة مع أجهزةٍ عسكريةٍ أجنبية. وهذا التطور لمنهجية إيران الحربية له أن يحمل تبعاتٍ حقيقية في سياق الولايات المتحدة وقواتها العسكرية، سواءً بصورةٍ مباشرةٍ أو عبر وكلائها، فيبدو أن البلدين لا يزالان وسيستمران بالسير على مسارٍ تصادميٍّ في المستقبل القريب. فتعمل القوات الإيرانية والقوات المدعومة من إيران ضمن دوائر ضيقة من عمليات لقواتٍ أمريكية أو شركاءٍ لها في أفغانستان والعراق وسوريا والخليج.

بكل تأكيد لا تملك إيران حتى اللحظة من مقدّراتٍ عسكريةٍ تقليدية ما يجاري ترسانة الولايات المتحدة. كما أن طهران لا تملك ذخيرةً نوويةً حتى الآن. ولكن التهديد الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة من إيران يكمن في قدراتها الحربية الهجينة، وهو ما صقلته إيران على مرّ العقود الأربعة الأخيرة ووصلت به إلى مرحلة التمام في سوريا. فتتمتّع طهران اليوم بقدراتٍ تجنيد جديدة وشبكة وكالات واسعة، وقد قامت أيضًا بتضخيم عتادها الإعلامي، وشحذت قدرتها على التنسيق مع حلفاء عسكريين تقليدين مثل روسيا.

وفيما يمكن أن يكون علامةً على حرص إيران على تعزيز روابطها العسكرية بروسيا، قام البلدان بتوقيع اتفاقية تعاونٍ عسكري بداية هذا الشهر. ويظهر أن الاتفاقية تنطوي على تعاونٍ بحريٍّ واسع، ولو أن التفاصيل لم تُكشَف بعد. تسعى الولايات المتحدة جاهدةً، من جانبها، بكبح الأنشطة الإيرانية المتزايدة في الخليج ومضيق هرمز على خلفية توتراتٍ أخرى، وسيكون أجدى للولايات المتحدة ربما أن تأخذ بعين الاعتبار ما تعلّمته طهران في سوريا. فدعم الأسد قد غيّر منهجية إيران الحربية، ولكن يبدو أن لا أحد في واشنطن قد تفطّن لذلك.

الترا صوت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى