مقالات

أطباء وروائيون.. الكتابة في زمن الأوبئة

قبل مدة وجيزة كتب صديق على جدار صفحته في الفضاء الأزرق أنّ “الروائي والقاص الجيد عندما يصنع شخصيات متميزة وفعالة ومؤثرة، فإنه يلعب دورًا شفائيًا مباشرًا لعلل المجتمع وأمراض الناس الجسدية والنفسية”. قول أعجبني وأثار لديّ تساؤلًا هو: وماذا إذا كان الروائي والقاص طبيبًا؟

عادت بي الذاكرة إلى سير أطباء سورية من الكتّاب؛ مثل وجيه البارودي (1906-1996) الذي عُرف بشعره، وعبد السلام العجيلي (1918-2006) الذي عُرف بأدبه. وفي مصر عرفنا من الشعراء والكتّاب الأطباء يوسف إدريس، وإبراهيم ناجي، ومحمد المخزنجي، ومحمد المنسي قنديل، وشريف حتاتة، ونوال السعداوي.. وغيرهم من الروائيين والروائيات العرب الذين تواصلنا معهم، في زمن جائحة كورونا (كوفيد – 19)، سائلين إياهم في البدء عن تلك اللحظة التي قرروا فيها أن يكونوا روائيين، وما هي نقطة التحوّل التي أسّست فعلًا لبدء مسيرتهم الأدبية؟ وإلى أيّ مدى ساعدهم عملهم كأطباء في مجال الكتابة؟ وهل كان لهذه المهنة الإنسانية النبيلة أثر خاصّ على كتابتهم الإبداعية؟ وكيف تمكنوا من توظيف مجالهم المهني العلمي في خدمة مشروعهم الأدبي؟ وإلى أيّ مدى شعروا – بعد سنوات من الكتابة – بانسجام بين حياتهم المهنية ونتاجهم الروائي الإبداعي؟ من ثمّ، هل هجر أحد منهم عالم الطب وتفرغ للأدب؟ وهل فعلًا يرون ما يراه عدد كبير من المبدعين الأطباء من أنّ مجالي الطب والأدب شديدا الشبه، وبينهما علاقة وثيقة جدًا، وأنه لا وجه للتعارض بينهما، مستشهدين بقول شاعر الأطلال الطبيب إبراهيم ناجي، في قصيدته «يا صفوة الأحباب والخلانِ»: (الناس تسأل والهواجس جمةٌ/ طبٌ وشعرٌ كيف يتفقانِ/ الشعرُ مرحمة النفوس وسره/ هبةُ السماء ومنحة الديانِ/ والطبُ مرحمةُ الجسوم ونبعه/ من ذلك الفيض العلي الشان/ ومن الغمام ومن معين خلفه/ يجدان إلهامًا ويستقيان).

أخيرًا، ونحن نعيش زمن جائحة كورونا، سألناهم: هل ألهمكم ما نجم عن هذه الجائحة من أحداث مؤسفة تعيشون تفاصيلها أكثر من عامّة الناس موضوع قصة ما أو رواية؟ فكان هذا التحقيق.

(أوس يعقوب)

سوسن جميل حسن (سورية/ ألمانيا): هجرت الطب لأتفرغ لمشروعي الأدبي

أن يصبح الفرد روائيًّا، أو مثّالًا أو نحّاتًا أو رسّامًا أو ملحّنًا أو أيّ شكل له علاقة بالفن والإبداع، فهذا لا يمكن رصده بلحظة معينة، إنه يشبه المخاض الذي يأتي في وقته، يكتشف الشخص في نفسه الشغف ثم يبدأ التجريب. بالنسبة لي لم يخلق شغفي بالكتابة فجأة، كنت دائمًا شغوفة بقراءة الأدب، الروايات بشكل خاصّ وبعدها الشعر، وكانت لديّ محاولات ذاتية من كتابة بعض الخواطر أو المقطوعات الشعرية الوجدانية، وبعض المحاولات القصصية التي تصلح لأن تكون رواية قصيرة، وكان لا بدّ من الرواية الأولى، على ما يبدو، بعد أن امتلأت الذاكرة بما يجعلها تفيض. كانت روايتي «حرير الظلام» بمثابة العتبة التي انزلقت منها إلى تلك اللذة الغاوية التي سمّاها يوسّا “تلك الكذبة التي تدعى رواية”، فألفيت نفسي مسكونة بشخصيات تصرخ وتضجّ في أعماقي. كتبتها تحت تأثير المهنة، فلقد شغلتني حياة الأعمى لفترة طويلة، كيف يعيش حياته ويشكّل رموز وعيه بين المبصرين، وكنت أعطي أيّ مراجع لعيادتي ممن لديهم هذه المشكلة التي لها أسبابها الكثيرة اهتمامًا أكبر، حتى تخيّلت للأعمى في روايتي حياة تخصّه ومنحتُه الإبصار بحيلة روائية بعد أن عاش أربعين عامًا فاقد البصر، لكنه لم يستطع العيش بين المبصرين ورموزهم المغايرة، ولم يستطع تعلّم تلك الرموز بعد أربعين عامًا من العتمة، فاضطربت أحاسيسه وفقد قدرته الإبداعية ودخل بالارتياب إلى أن أنهى حياته.

مزاولة مهنة الطب مدّتني بالكثير من الخامات والشواغل الروائية، أمام الطبيب يتعرّى المريض واقعًا ومجازًا، يلمس الطبيب الألم في عمقه ويتتبع مساره الجسدي والروحي والنفسي، من خلال مقاربة المريض تتعرى الحياة العامّة والخاصّة، بالإضافة إلى أنّ معاينة في بيوتهم كشفت لي قاع المدينة وعاينت بؤس الإنسان عن قرب، ورواية «النباشون» غاصت في مستنقع العشوائيات، وكان بطلاها رجلا مصابا بخلع ورك ولادي بسبب ولادة عسرة على يدي قابلة شعبية جعلته يعرج طوال حياته، وفتاة حاصرها البؤس والفقر والجهل ومنظومة القيم ونعت العنوسة، حُرمت من الإنجاب واضطربت نفسيًا وروحيًّا مما أدى إلى اضطرابات نفسية لديها وانزلاقها إلى الفصام ثم الجنون.

في «خانات الريح»، إحدى الشخصيات الروائية مصابة بما يسمى طبيًّا بالأعراض التحويلية، الشعور بمرض ما نفسي المنشأ، أو توهّم المرض، وكان الشاب الهارب من جحيم الحرب السورية بذاكرة مثقلة بالعنف والأجساد الممزقة نتيجة القصف بالبراميل والرؤوس المقطوعة بسواطير (داعش) إلى ألمانيا في زوارق الموت، مصابًا بهذا النوع من الاضطراب حدّ توهّمه بأنّ لديه ورمًا دماغيًّا وأنّ رئيسه الألماني المُقعد ذا العقل الجبار والإرادة الحديدية يعرض عليه أن يتبرع له بجسده كي تتم عملية زرع رأسه عليه طالما رأسه مصاب بورم خبيث، ويعيش هذا الهاجس حتى يقع في انهيار عصبي.

عندما واجهتني أسئلة الكتابة، وتلامح في خلدي مشروع مستقبلي قررت هجر الطب والتفرغ لهذا المشروع، كان الطب مهنة لا بدّ منها لأجل المعيشة، لكنها صاحبة فضل كبير عليّ، ليس فقط حياتيًا وإنما إبداعيًّا، وبصماتها ما زالت كالوشم على روحي وذاكرتي، ولا بدّ أن يكون وباء (كوفيد 19) الذي اجتاح البشرية وحطم اليقينيات قد تسلّل إلى ذلك الخزان العميق في داخلي، الذي فيه تختفي ذاكرتي المترعة بالوجع والمشاعر المختلفة والأسئلة، فزاد عليها بما يجعلها تفيض من جديد.

أمير تاج السر (السودان/ قطر): «إيبولا 76» لا تُكتب إلّا بذهن من يعمل في الطب

أظنني ذكرت كثيرًا أنني أكتب منذ كنت طفلًا، أي أنّ الكتابة كانت شيئًا عالقًا فيّ، مثل الجرثومة، أو ربما شيئًا جينيًا، وكنت أكتب الشعر لسنوات طويلة، باللغتين المحكية والفصحى، وتدرجت في ذلك حتى صرت أنشر في مجلات وجرائد كبرى وأنا طالب. في عام 1987، وكنت ما أزال طالبًا بمصر، التقيت بالكاتب العظيم عبد الحكيم قاسم، صاحب روايات «طرف من خبر الآخرة»، و«أيام الإنسان السبعة»، و«المهدي»، وكنت منبهرًا بطريقته في الكتابة، تعمقت بيننا الصداقة، ونصحني بمحاولة كتابة الرواية لأنّ قصائدي أشبه بالقصص، وبالفعل جربت وكتبت رواية صغيرة اسمها «كرمكول»، نشرت عام 1988 في دار صغيرة كان اسمها “الغد” في القاهرة، ونجحت إلى حد ما.

انقطعت سنوات بعد التخرج وعدت للكتابة مرة أخرى حين سافرت إلى قطر، وهكذا استمر الأمر وتحوّل إلى مشروع.

طبعًا في مهنة مثل الطب، لا تحتاج إلى بحث كثير لتلتقي بالقصص والشخصيات، وكل شخصياتي التي قد تجدها في أعمالي، أو لنقل معظمها، لا بدّ أني اقتنصتها من محيط العمل، سواء أيام عملت في مدينة بورتسودان أو الحدود الإريترية، أو حتى بعد اغترابي.

وكان أن استخدمت الشخصيات المميزة التي صادفتها، في النصوص الروائية، كما استخدمت قصصا ربما تحكى، داخل الروايات، عن أمراض معينة وأدوية، وعن أوبئة، مثلما فعلت في «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«اشتهاء»، وغيرها، ولديّ رواية كاملة عن وباء (إيبولا) تحمل عنوان «إيبولا 76»، تتحدث عن الهبة الأولى للوباء عام 1976، وتنبأت بالهبة الثانية عام 2014، وهذه رواية لا تكتب إلّا بذهن من يعمل في الطب.

بالنسبة لي لا توجد أيّ مشكلة في الانسجام بين حياتي المهنية ونتاجي الأدبي، كلا الحرفتين أعتز بهما، أنا طبيب في المستشفى، وكاتب في أوقات فراغي، أو وقتي الخاصّ، ولا يوجد تداخل أو تعارض. فأنا لم أترك الطب، ولا أظنني سأتركه، فلا توجد مهنة اسمها كاتب في الوطن العربي، يمكن أن يعيش منها المرء.

أخيرًا أقول، ونحن نعيش زمن جائحة كورونا (كوفيد – 19)، إنّ هذه الكارثة تستحق التوثيق في أعمال إبداعية، ومؤكد هناك من يكتبها الآن أو سيكتبها، بالنسبة لي لا أعتقد أنني سأكتب عملًا إبداعيًا في هذا الخصوص، كانت رواية «إيبولا 76» كافية جدًا لي في مسألة كتابة الأوبئة.

أحمد عبد المنعم رمضان (مصر): من عملي كطبيب أخذت معرفة بالطبائع البشرية

في فترة الدراسة الجامعية كنت كثير الشرود أثناء المذاكرة، أتصفح الجرائد وأقلّب في الروايات وأنظر عبر النافذة، وأكتب أشياء ما بين القصص والخواطر في صفحات الكشكول أو على ظهر إحدى الملازم، لم أفكر أنّ ما أكتبه له قيمة تذكر، ولم أطمح لعرضه على آخرين، إلّا أنني ذات يوم تركت إحدى القصص بشكل واضح ومفضوح على سطح مكتبي، ربما فعلت ذلك متعمدًا وربما لا، وقعت القصة في يد والدي، الذي لم يصارحني بقراءتها، ولكنه قال لأمي إنه قرأ قصة جميلة كتبها أحمد إلّا أنّ بها العديد من الأخطاء اللغوية، بدورها أبلغتني أمي برأي والدي الذي رغم اقتضابه وقصره إلّا أنه كان اللحظة الأولى التي أدركت فيها أنني أريد كتابة المزيد والمزيد من القصص، وأنها ربما تكون طريقي الذي طالما بحثت عنه ولم أجده.

العمل في المجال الطبي يمدنا بخبرة إنسانية غير عادية تساعدنا في فهم النفس البشرية، حيث أننا نلتقيها في أضعف صورها وأكثرها صدقًا، وهو ما يؤثر بالتأكيد بشكل غير مباشر على ما نكتبه، إلّا أنّ هناك تأثيرا مباشرا طالني من العمل في مجال الطب، وهو رغبتي الدائمة في ألّا أكتب عنه، أن أهرب من هذا العالم ومن رائحة المستشفيات ومن قصص المرض، أن أخذ من عملي كطبيب معرفتي بالطبائع البشرية وأنسج منها قصصي الخاصّة وخيالاتي وأحلامي، وأن أترك الجزء المغرق في الواقعية والمأساوية للمستشفيات والعيادات.

حتى اليوم ما زلت أعمل كطبيب أشعة، الحياة الواقعية والتزاماتها تفرض عليّ ذلك، وأعتقد أنّ هذا يعطى مشروعي الكتابي حرية أكبر، فأنا لست بحاجة لمغازلة الجوائز أو شريحة معينة من الجمهور، أو للمسؤولين والسلطات ليمنوا عليّ بمركز هنا أو وظيفة هناك، هذا الوضع يتيح لي فرصة كتابة ما يروق لي دون ضغوط كبيرة.

اليوم، ونحن نعيش زمن جائحة كورونا (كوفيد – 19)، لا أخفي أنني أعيش ككل الأطباء والعاملين في المجال الطبي تفاصيل المأساة أكثر من غيرنا من باقي الناس، هذه الفترة قاسية جدًا عليّ، ربما ستحضر ظلالها كحدث في خلفية إحدى قصصي في قادم الأيام، وربما تترك أثرًا في رؤيتي العامّة للحياة وللإنسان، ولكني لا أظن أني سأقوى على الكتابة عنها باستفاضة، وأني سأحتمل استحضار تلك الأيام من جديد في عمل روائي.

نجاة عبد الصمد (سورية/ ألمانيا): حين يكون الطبيب كاتبًا ألمه مضاعفٌ ألف مرة

سأعجز عن الإجابات القاطعة في كل ما سأجيب، فلا أظن أنّ الكتابة خيارٌ أو قرار، لعلّه استسلامٌ لدويٍّ يطرق رأسي منذ وعيت، لم يقدر على انتزاعه لا الاشتغال في طب التوليد على مدار اليوم، ولا العبء الفكري والجسديّ والعاطفيّ أثناء وبعد كل جراحةٍ نسائيةٍ أجريها هي الأخرى بشغفٍ يتجدّد، لا أخرج منه إلّا بالقراءة التي أدمنتها منذ بدأت تهجئة الحروف في لغتنا العربية الآسرة الجمال.

يتنازع الشغفان فيما بينهما ويتفقان عليّ. عقلي ينتصر للطبيبة فيّ، ويسرقني هواي إلى الأدب لأحيا أبدًا في عالمين: أولهما المعاش وثانيهما الموازي، المسافر أبدًا من رأسي إلى الدنيا بكل قلق الروائيين ونزق طباعهم وفجاجة أسئلتهم وحشريتها، واقترافهم لسرقة الحكايات من أصحابها دون ندمٍ ولا حتى خجل ثم إعادة تكوينها شخوصًا من خلق الأديب، شخوصًا جديدةً متخيلة سرعان ما تصبح علاقة كاتبها بها أقوى من علاقاته الحياتية..

حين اكتمل استسلامي بدأت رحلة الكتابة، متأخرةً جاءت، وجاءت كاسحة..

لا أنكر أنّ أحد حظوظي الرائعة في الحياة أنني طبيبة. فعلى عكس ما يعتقد كثيرون أنّ الطبيب محايدٌ تجاه الألم لكثرة ما يعايشه مع مرضاه؛ يبكي الطبيب كلما رأى حياةً تسيل من جرحٍ غزير النزف إلى غير عودة، وحين يكون الطبيب كاتبًا فألمه مضاعفٌ ألف مرة، يبكي من جوّاه الذي لا يراه أحد لأنه تعلّم كيف يخفي بكاءه وكيف يتفهم الألم بعقله لا بقلبه، وبالسرعة الممكنة يتجاوزه إلى العلاج.

عيادتي نهرٌ من حكايات النساء، الطبيبة مني تعالج الداء، والكاتبة فيّ تنتشل الحكايات من الاندثار وتسلمها لعدالة الزمن.

وكم يتشابه التوليد والأدب؛ كلاهما مهنة أنانية وكلاهما فنّ، رسالةٌ عالية المسؤولية ولا تقبل الأداء الركيك.. والطبيب الناجح لا يهجر مهنته مختارًا، ويظل تلميذًا في مدرستها مهما امتدّ به العمر، والظرف القاهر وحده قد يقصيه عنها، وكذلك الأديب يتمرّن طوال عمره بالقراءة والكتابة، كالرياضي كلما زاد تمرينه زادت رشاقته.

ومهنة الطب ربّتني وصقلتني وعلّمتني الانتباه إلى منمنمات الحياة، ومنها إلى التركيز على الإمساك بخيوط الحبكة الروائية.

وإن كان الانشغال بفنّ التوليد أخّر مواعيد الكتابة، لكن امتناني له لا ينقص ولا يخفت، فهو الذي أهداني دهشة الخلق، كلّ صرخةٍ أولى لوليدٍ تنتشله يداي من ظلمة الرحم إلى عالمنا الأرضي تعيد تشكيل روحي وتأخذها إلى أسر الكتابة.

غادة العبسي (مصر): اشتباه أعادني إلى خلاصة التجربة الإغريقية

منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما شرعتُ في كتابة روايتي الرابعة «كوتسيكا»، لم أكن أعلم على وجه التحديد السبب الذي دفعني إلى الكتابة عن اليوناني “تيوخاري كوتسيكا” وعائلته، كرائد أوّل في صناعة الكحول الخام منذ أواخر القرن التاسع عشر في مصر، تلك المادة العجيبة، آلة الهروب والنسيان، الكحول السائل الذي تتطاير معه الهموم في الحانات، وتخشاه الأمراض في المستشفيات، ومطهر الجروح والأحزان! بعد ثلاث سنوات من الإبحار في هذا العالم الغامض بالنسبة لي من حيث الزمن والعِرق، حتى جغرافيا المكان تغيرت معالمها ولم يتبق سوى اسم “كوتسيكا” المطلق على الحيّ ذي الكثافة السكانية العالية، لم أكن أعلم أنّ الكحول سيصير منذ اجتياح فيروس كورونا (كوفيد – 19) للعالم عنصرًا أساسيًا في حياتنا، وأنه بعد أن كنا نتعامل معه على أنه منتج زهيد الثمن ومتوفّر طوال الوقت، أصبح بعيد المنال لغلو ثمنه وزيادة الطلب عليه بإفراط شديد.

في الكتابة أتبع حدسي ولا أخطط مسبقًا لموضوع النص، وذلك ما حدث أيضًا في قصصي القصيرة ورواياتي الثلاث «الفيشاويّ» و«الإسكافي الأخضر» و«ليلة يلدا»، كلٍ يحمل بعدًا وطنيًا وإنسانيًا ودينيًا، دون قصد. يأتي دومًا هذا النداء الخفي الذي لا يُدرَك مصدره ولا أقدر على تحديد ماهيته، ليلهمني ما أكتب، شيء ما يشبه أصداء الكلمة المكتوبة، بما توحي من معانٍ أخرى تترك آثارها فيك، ربما هذا الذي يسمونه الوحي ما هو إلّا رؤيا من لدن الإله يخبر فيها الله من شاء من عباده بما شاء من علمه.

بحكم عملي كطبيبة، لم أظفر بحجر صحيّ منذ بداية الجائحة، وفي غمار كل الصعوبات والإحباطات والخوف والقلق وفقد الأحبة من الأهل والأصدقاء، كنتُ أذهب إلى روايتي فأكتب لأفتش في الزمن الماضي كيف نجا أسلافنا من الأوبئة المميتة، وعندما أصبت بأعراض مشابهة لـ(كوفيد – 19)، قبل فترة، عشتُ حالة من التوتر وعدم اليقين في انتظار نتيجة المسحة التي تأخرت في الظهور، ربما لأنّ أشد الناس مرضًا هم الأطباء بما عرفوا عن الأمراض وأساليب فتكها، وجدتني أيضًا أعود إلى موطن بطل روايتي حيث معبد “دلفي” بحكمه الشهيرة الثلاث المكتوبة، خلاصة التجربة الإغريقية الفريدة، فتوقفتُ طويلًا عند الحكمة الثالثة: اليقين يجلب الخراب، نعم، الأمْنُ ألّا أظفر بيقين، وأظلّ في شكّ بأنني عرضة للإصابة في أيّ وقت بغض النظر عن النتائج المضللة على الأرجح، الآمن أن أظل في شك مما أوصت وصرّحت ونفت منظمة الصحة العالمية، الأمْنُ ألّا أوقن بأنّ النعم تدوم، وأننا لم نسلب إياها إلّا عندما أيقنّا أنها لن تزول.

أديب حسن (سورية): كورونا وضعت نهاية روايتي الجديدة

ما أن يسألني أحدهم عن اللحظة التي فكرت أن أكون فيها روائيًا؟ حتى أجيبه قائلًا: هي ليست لحظة بقدر ما كانت حالة طبيعية أو مرحلة تالية لكتابة القصة الطويلة التي استهوتني في فترة من بداياتي، اكتشفت – ذات يوم – أنّ لديّ قدرة على كتابة القصة الطويلة ولكن في نفس الوقت كنت أحسها ضيقة ومحدودة التعبير عن الدفقة الحكائية التي في أعماقي، وفكرة روايتي الأولى «الخزّاف الطائش» بدأت تراودني منذ عشرة أعوام، كنت خلالها أكتب وأهمل ما كتبت ثم أعود لأكتب وأهمل فترة أخرى، وخلال تلك السنوات تغيرت الكثير من الأحداث ما استلزم العودة لكتابتها من جديد بعد أن تخمرت مادتها وأحداثها وصارت الحكاية أكثر إقناعًا وأعمق وقعًا.

أما عن نقطة التحوّل التي أسست لبداية مسيرتي الأدبية، فالحقيقة لم تكن نقطة واحدة بل نقاط عدة؛ نيلي المرتبة الأولى على مستوى مدارس محافظتي وأنا في العاشرة من عمري، ونشري في مجلات الأطفال المشهورة في ذلك الوقت، والقصيدة الأولى التي نشرتها في الصحافة السورية وأنا في السادسة عشرة من عمري، والجائزة المحلية الأولى التي نلتها في الجامعة، والجائزة العربية الأولى وهي “جائزة سعاد الصباح” لعام 1999، وطباعة مجموعتي الفائزة سنتذاك… إلخ.

أما إلى مدى ساعدني عملي كطبيب أسنان في مجال الكتابة؟ فأقول وبعيدًا عن النمطية المألوفة في الأجوبة المتكررة عن هذا السؤال، إنّ عملي كطبيب ناجح لم يساعدني في مجال الكتابة، ولم يضف لي شيئًا يذكر، بل على العكس أخذ القسم الأكبر من وقتي وترك لي فتاتًا أتصيدها بين الحين والآخر لأقرأ أو أكتب، فطب الأسنان مهنة متطلبة وعليك دائمًا أن تطلع على الجديد في علومها وتواكب التطورات المتسارعة فيها، إضافة إلى أنها مهنة تتطلب التركيز الدائم، ويعيش الطبيب تحت ضغط كبير لا يجد معه الوقت لكي يعطي الجانب الأدبي الوقت والاهتمام والتفاعل الذي يستحق. ربما الأدب هو الذي أثر في الطب، وحبب المراجعين أكثر في شخصي وخفف إلى حد ما من الصورة النمطية المفزعة لطبيب الأسنان. لذلك لم أتمكن من توظيف الجانب المهني في تجربتي الأدبية اللهم إلّا فكرة تراودني عن مشروع كتاب يحمل عنوان «يوميات طبيب أسنان» قد أنجزه، وقد لا يسعفني الوقت والظروف.

من خلال تجربتي الشخصية، أؤكد أنه لا انسجام بين عملي الطبي ومشروعي الأدبي، إلّا السعي نحو التطور والنجاح والتميز في كليهما.

أنا لم أهجر الطب لحد الآن، ولم أكن يومًا متفرغًا للأدب وللصحافة رغم نشر مئات المقالات، لكن أغلبها في الأوقات القليلة خارج جو المهنة الذي يهيمن على أغلب أيامي. وأرى أنّ من يرون أنه لا تعارض بين الطب والأدب يكونون في العادة من الناس المرتاحين ماديًا، ولا يشكل الطب مصدر دخلهم الرئيس، لذلك لا يعانون من ضغوط كبيرة ما يسمح لهم بإعطاء الأدب المزيد من الاهتمام.

جائحة كورونا أتت وأنا في خواتيم روايتي الجديدة «قيامة جميلة»، فكانت مثل البارقة التي وضعت نهاية لها، لأنّ النهايات مثل البدايات هي أصعب ما يواجه المبدع سواء أكان شاعرًا أو روائيًا.

محمد نجيب عبد الله (مصر): الأديب والطبيب تشاركا الروح والجسد

لم يكن هناك ثمّة نقطة تحوّل في الأمر، وكأنه معد مسبقًا. إذا أخبرتك عن طفل لم يتجاوز سنته الرابعة عائد من اليابان لتوه، لا يكاد يتقن العربية كلامًا فما بالك كتابة، وهو يسجل يومياته بالرسم والكلمات من خلال مغامرات نصّب نفسه فيها بطلًا وجعل من أفراد عائلته مساعدين له؟ أتدرك كنه الأفكار التي تدور في مخيلة هذا الطفل الذي ما أن يغمض عينيه حتى يتحوّل العالم من حوله إلى شخوص وأحداث وأفكار ورؤى. يتلمّس طريقه سنة بعد سنة عبر الكتب، ويتشكّل وعيه عبر كتابات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأنيس منصور وأحمد بهجت ويعقوب الشاروني وكامل الكيلاني ويوسف السباعي وراجي عنايت.. مرورًا بقراءات الطفولة والصبا لمحمود سالم ونبيل فاروق، وصولًا لأحمد خالد توفيق. ومع الوقت يتسع العالم برحابته وتتطور الكتابة من سلاسل مغامرات، لشعر وقصص قصيرة، لاسكتشات مسرحية، وروايات.

أعتقد أنّ نقطة التحوّل لا بدّ أن تكون الميلاد نفسه، فقد بدأ الأمر معي مع بداية كل شيء، وربما قبله! لقد سبقت كينونتي ككاتب فكرة الطبيب بسنوات. واستهوتني حكايات الناس وسماع قصصهم ووجهات نظرهم التي لا تتطابق عن الأشياء. أحببت قراءة آلاف الحيوات والشخصيات عبر صفحات الكتب والروايات، وكنت أسأل نفسي على الدوام “ماذا لو؟”. اكتشفت بعد ذلك أنّ هذا السؤال هو أداة الكاتب الأولى، ومفتاح أيّ عمل أدبي. هكذا عشت ألف ألف حياة دون أن أغادر مكاني، وأحببت أن أساعد الآخرين.

وبالرغم من هوسي بالفيزياء، وحلمي بأن أكون عالم فيزياء عندما أكبر، إلّا أنه ومع الوصول إلى مستوى معين من الكتابة والقراءة، وإلى مستوى من النضج والتفكير لمرحلة ما قبل الاختيار، وجدتني دون أيّ تأثير خارجي أرغب في تقمّص دور الشافي، أو المعالج، الذي لطالما مارسته مجتمعيًا وإنسانيًا عبر القراءة والكتابة، لتتجسّد الرغبة واقعيًا في رغبتي أن أكون السبب الإلهي لإنفاذ مشيئته ومساعدة الآخرين بالعلم والممارسة لمهنة الطبيب. وأحببت كثيرًا أنّ الله زرع فيّ تلك القدرة على التشخيص والتحليل والمعالجة، لأجمع ما بين المجتمع والناس، ما بين شخوص الورق وشخوص العالم، ما بين العام ببراحه وكونيته وما بين الخاصّ بخصوصيته ومحدوديته. هكذا تقابل الأديب والطبيب وتشاركا الروح والجسد. وأصبحا سبيكة ممتزجة فلا ينفصلان، بل أكاد أجزم أنه لوجود أحدهما فلا بدّ للآخر من حياة.

الأمر لم يعد توظيف مهنة لخدمة هواية، بل أنني لا أدرك إن كان ثمّة تأثير على كتابتي، وإن كان لا بدّ من ذلك، ولكن ربما ليس بالشكل الذي يعتقده الآخرون. فمثلًا أنا لم أكتب رواية تدور أحداثها بين أروقة الممرات البيضاء، أو تعتمد على الطب بشكل أساسي. ولكن البعض يرد على أن اختياري مثلًا لعنوان «أسفكسيا» تعبير عن الاختناق بالذوبان في حب مرضي وغير سوي هو انعكاس لمعرفتي الطبية، كما أنّ “مراد” بطل رواية «شيروفوبيا» كان مريضًا برهاب الخوف.

أما قصصي القصيرة فأعتقد أنني عبر مئات القصص كتبت قصتين فقط واحدة كانت بطلتها ممرضة، تهب الحب لمرضاها كي تدعمهم للاستشفاء، والثانية كان بطلها طبيبًا.

ما زلت أمارس مهنة الطب على أتم وجه، فأنا طبيب وأستاذ بجامعة القاهرة، نلت درجة الأستاذية منذ سنوات ثلاث، ولديّ أكثر من ثلاثين بحثًا دوليًا منشورًا في كبريات المجلات العالمية المتخصّصة، وأشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ولديّ الآلاف من المرضى الذين أرتبط معهم بكل الود والمهنية والاحترافية. وفي مجال الكتابة فأنا أيضًا مستمر ولي أربع روايات وخمس مجموعات قصصية، كما أسّست صالونًا ثقافيًا يقام بصفة شهرية بعنوان “صالون نجيب الثقافي”، وأقوم بعمل ورش لتعليم الكتابة وأقدم برنامجًا إذاعيًا أسبوعيًا بنفس الفكرة والغرض. حقيقة أنني مخلص للكتابة ولمشروعي الأدبي، كما أنا مخلص للطب ولخدمة الناس.

حاليًا ونحن نعيش زمن جائحة (كوفيد – 19)، بدأت في كتابة رواية بدأت فكرتها على شكل “نوفيللا” ولكن تطورت شخصياتها وأفكارها معي أثناء الإعداد، وأتمنى أن تتشكّل وتتحوّل إلى ما أصبو إليه وأن أعبر عن أفكاري التي حركت الكتابة بالشكل الذي يروق لي وللقراء.

هيفاء بيطار (سورية/ فرنسا): الطب والأدب موضوعهما الإنسان

أظن أنّ لحظة ولادتي ككاتبة كانت بسبب معاناتي لمدة سبع سنوات مع المحاكم الروحية المسيحية، التي حكمت عليّ بالهجر لمدة سبع سنوات حتى أحصل على الطلاق! حينها، أحسست مدى الظلم الواقع على النساء أثناء سنوات الهجر.

هذه المعاناة دفعتني إلى كتابة روايتي الأولى «يوميات مطلقة» في يوم واحد، وهي رواية سيرة ذاتية، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا، ثم خرجت من معاناتي الشخصية لأتأمل وضع المرأة في مجتمعنا العربي الذكوري وتدفقت كتاباتي في الروايات والقصص القصيرة، وكانت رسالتي كسر صمت النساء، والتعبير بصدق وشفافية عن أحاسيس النساء وأفكارهن، ذلك أنّ المرأة في عالمنا العربي تُدفن في الصمت.

إنّ دراستي للطب وممارستي لطب العيون لربع قرن في المشفى الوطني في مدينة اللاذقية، وفي عيادتي الخاصة، ساعداني جدًا في الكتابة، لأنّ الطب والأدب موضوعهما الإنسان، كنت أمارس الطب بروح كاتبة وأمارس الكتابة بموضوعية طبيب، وكان أن كتبت عشرات القصص القصيرة من وحي عملي كطبيبة، ومنها مجموعتي القصصية «يكفي أن يحبك قلب واحد لتعيش»، وقد صار هذا العنوان شعار مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة في دمشق، كما كتبت روايتين من وحي عملي كطبيبة وهما «نسر بجناح وحيد»، التي أحكي فيها عن معاناة الأطباء المتخرجين حديثًا من كلية الطب، ورواية «هوى»، التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي من إنتاج “المؤسسة العامة للسينما” السورية، وإخراج المبدعة الفنانة واحة الراهب، غير أنّ فيلم «هوى» لم يُعرض قط في سورية! ولم يُعرف السبب.

لقد ساعدني فقر الحياة الثقافية في مدينتي اللاذقية، حيث لا سينما، ولا مسرح، ولا نشاطات ثقافية حقيقية، على أن أقرأ كثيرًا وأن يكون لديّ الكثير من الوقت للكتابة. ولم أشعر يومًا أنّ ثمّة تعارضًا بين كوني طبيبة عيون وكاتبة، بالعكس كنت أحس دومًا أنّ أنجح تزاوج هو بين الطب والكتابة. لم أقلق يومًا بأن أبحث عن موضوع لكتاباتي، لأنّ القصص (قصص المرضى والممرضات والناس في العيادة وفي المشفى) كانت تأتي إلي، وكنت أملك القدرة على الإحساس بهؤلاء الناس المعذبين وأحوّل معاناتهم إلى قصص. لكن بعد بداية الثورة السورية وتدفق أكثر من مليوني نازح إلى اللاذقية صرت أجد صعوبة في ممارسة الطب، خاصّة أنّ كل أسرتي صارت في باريس وابنتي في بريطانيا مع زوجها، وكانت القوانين تمنع الإجازات خاصّة للأطباء فاضطررت لأن أقدم استقالة مبكرة، وأن أتفرغ للكتابة وأعيش حاليًا في باريس لأن العيش في اللاذقية صار شديد الصعوبة.

أسامة علام (مصر/ كندا): الروائي العربي مضاف دائمًا إلى مهنة أخرى

يبدو أنّ القدر هو الذي وضع الرواية في طريقي. صدقني كانت الكتابة بشكل منتظم فكرة تبدو أقرب للخيال منها إلى الحقيقة تمامًا كفكرة الهجرة إلى الغرب. وبدون سعي حقيقي مني وجدتني أكتب روايتي الأولى. كنت أعيش في مدينة تولوز الفرنسية لنيل درجة الماجستير. وحيدًا إلّا من الكثير من العمل والحنين إلى بلادي البعيدة. وهناك في غربة المدينة الملهمة خلقت لنفسي واحة بديلة. عالم سحري عن واحة متخيلة يعيش فيها سحرة وقزم وقبائل غزاة. أهرب لهم كل ليلة من وحدتي. استأنست بالحكي فوهبني الله روايتي الأولى «واحة الزهور السوداء». وفي زيارة إلى القاهرة ذهبت ذات ليلة لشرب الشاي مع الحاج محمد مدبولي (رحمه الله) صاحب “مكتبة مدبولي” الشهيرة. والرجل الذي كان لا يعرفني سوى كشاب يدمن شراء الكتب من مكتبته وتربطني به صداقة مدهشة قرر نشر روايتي بعد أن أجازتها لجنة القراءة في داره. وفجأة تحوّلت مسامرات شاب يحن إلى عوالم خيال الصحراء إلى صاحب رواية منشورة.

الطب مهنة مكاشفة ومودة. أنت أمام طبيبك شخص ضعيف وصادق. تعترف بأوجاعك بلا مواربات ادّعاء القوة. يجعلك ذلك أمام كنز حقيقي من الضعف الإنساني النبيل. تحتاج فقط أن تكون قوي الملاحظة. تحمل على الدوام كاميرا الروائي. ومع كل مريض حكاية تستحق الافصاح عنها. عليك أن تفتح مسام روحك لاكتشاف الجمال في حياة مرضاك كصديق حنون، ساعتها سيهدونك الحكاية كهبة تنير عقلك.

ومع مرور الأيام أصبحت الكتابة كما كانت دومًا واحتي المتخيلة. أهرب لها من عالم مادي قاس ومجحف، خاصّة هنا في كندا والولايات المتحدة حيث أعيش وأعمل. أحتاج إليها كي أستطيع ابتداع الدهشة. أتخلص معها من عبء المادي المعاش بشكل يومي. ويومًا بعد يوم اكتشفت أنّ الكتابة هامة جدًا لروحي التي يصيبها الخمول بدونها. وكأن حياتي شجرة يصيبها الجفاف بدون العيش مع أصدقائي أبطال الروايات الذين ابتدعهم خيالي.

لم أهجر الطب متفرغًا للكتابة. حتى ولو كان ذلك أكثر أحلامي نبلًا.

أكتب باللغة العربية التي لا أجد نفسي بدونها رغم اتقاني لثلاث لغات أخرى. اللغة العربية لغة بالغة الرقة والادهاش. لكنها للأسف لن تعطيك القارئ الذي سيوفر لأسرتك الدخل الذي يهب لهم الحياة الكريمة. نجيب محفوظ نفسه عمل بالسلك الوظيفي حتى سن التقاعد. ورغم العدد الملفت من الأطباء الذين يكتبون أعمالًا أدبية ملفتة لم يتنازل أحدهم أبدًا عن مهنته. ففي عالمنا العربي السعيد هناك دومًا روائي مضاف إليه مهنة أخرى. روائي – صحافي، روائي – طبيب، روائي – مهندس.. إلخ.

أما عن الكتابة ونحن نعيش زمن جائحة كورونا، فإنه للأسف لم تسفر الجائحة سوى عن الكثير من التوتر والخوف. والخوف تحديدًا عدو الإبداع الأول.

كنت قد بدأت في كتابة رواية لكن الخوف من الجائحة أوقفني عن مواصلة الكتابة فيها. هناك ضباب غير مرئي لكنه ثقيل ومحسوس يلف العالم كله. لا أعلم إذا كانت هذه الأيام الغائمة ستهديني فكرة أم لا. ما زلت أعيش التجربة وهمي الوحيد هو الخروج الآمن من الأزمة كغيري من الملايين حول العالم. ويبقى لنا دومًا الحلم في غد أفضل نستطيع فيه الكتابة عن الطوفان بعد أن تستقر السفن.

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى