أبحاث

المرأة تحت نير الأزمة في سورية (طيف واسع من ألوان المعاناة)/ رسلان عامر

معاناة المرأة في سورية ليست جديدة العهد، ولا هي مرتبطة حصريًا بالأزمة الكارثية التي تتخبط بها البلاد منذ قرابة عقد من الزمن، فهذه المعاناة تمتد بعيدًا في التاريخ السوري، ليلتقي بها الموروث الذكوري الذي يشكل استمرارًا لعصر انحطاط الحضارة العربية مع عقود الاستبداد والفساد الراهنة التي ما تزال مستمرة وتكرس هذا الموروث وتضخمه.

لكن الأزمة الراهنة التي تعصف بالمجتمع السوري على الصعد كافة، وسعت معاناة المرأة في المستويات جميعها، وأضافت إليها مزيدًا من الأشكال الضارية، وهذا ما ستتناوله هذه الدراسة محاوِلة تسليط الضوء على أبرز أشكال معاناة المرأة السورية الراهنة ومدى هذه المعاناة.

1 – القتل

في تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2017 حلت سورية في المركز الأول عالميًا في معدلات القتل، إذ بلغ عدد قتلى الحرب في سورية عام 2016 ستين ألف قتيل([1]).

ضحايا هذه الحرب الدموية هم من فئات المجتمع السوري كلها، وللنساء بينهم نسبة كبيرة، ففي تقريرها الصادر بمناسبة “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدَّ المرأة” قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان “إن الانتهاكات في سورية وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وقدوثَّق التقرير مقتل 28076 امرأة على أيدي الأطراف الرئيسة في النزاع بين آذار/ مارس 2011 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ووفقًا للتقرير قتلت قوات النظام السوري 21856 امرأة منهن، في حين قتلت القوات الروسية 1479، فيما قتلت قوات التحالف الدولي 959 امرأة، وقتلت فصائل في المعارضة المسلحة 1307، وطبقًا للتقرير فقد قتلت 1059 امرأة على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة، بينهن 980 على يد تنظيم داعش، و79 على يد هيئة تحرير الشام، في حين قتلت قوات سوريا الديمقراطية 245، وقتلت 1171 على يد جهات أخرى.

وقد ذكر التقرير أيضًا أن 90 امرأة بالغة قد قتلنَ بسبب التعذيب، منهن 72 على يد قوات النظام السوري، و14 على يد تنظيم داعش، و2 على يد قوات سوريا الديمقراطية، والباقي على يد فصائل مسلحة أخرى([2]).

من جهة أخرى، ارتفعت أيضًا خلال الأزمة نسبة ما يسمى بـ “جرائم الشرف” ارتفاعًا كبيرًا، فقد ارتفع معدل هذه الجرائم أربع مرات عما كان عليه قبل الأزمة، وفقًا لما أوردته “العربية” في ‏5‏/7‏/2016 نقلًا عن المحامي العام بريف دمشق ماهر العلبي([3]).

هذا عدا عن جرائم القتل الجنائية المختلفة التي كثيرًا ما تكون ضحاياها من النساء لأسباب مختلفة، وازدادت ازديادًا حادًا في الأزمة بسبب الفلتان الأمني وتدهور الأوضاع المعيشية.

2 – الاعتقال والاختفاء القسري

وفقًا لتقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” المذكور أعلاه، ما تزال 10363 امرأة قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في سورية منذ آذار/ مارس 2011 وحتى 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، بينهن 8412 ما تزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، و919 على يد فصائل في المعارضة المسلحة، و489 على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة، بينهن 426 على يد تنظيم داعش، و63 على يد هيئة تحرير الشام، و543 على يد قوات سوريا الديمقراطية([4]).

ووفقا لتقرير بعنوان “انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة في سورية” أعده عدد من المنظمات الإنسانية السورية وغير السورية، ونشره “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” في أيار/ مايو 2013، فقد استـُهدفت الناشطات المعارضات والمدافعات عن حقوق الإنسان على وجه الخصوص في أثناء حملات الاعتقال في المناطق المعروفة بأنها معاقل للمعارضة، وقُبض على أكثر من 5400 امرأة، بينهن، 1200 طالبة جامعية، خلال المدة بين آذار/ مارس 2011 ونيسان/ أبريل 2013 من قبل الحكومة السورية، ويذكر التقرير أيضًا أنه وفقًا لتقديرات منظمات حقوق الإنسان السورية، قد اختفى حوالى 60,000 شخص قسريًا في سورية منذ آذار/ مارس 2011 وحتى صدور التقرير، بينهم عدد غير معروف من النساء([5]).

ومن المهم ذكره أن العنف ضد الناشطات السياسيات هو سياسة تمارسها أطراف مختلفة في الصراع في سورية، فعلى سبيل المثال قتلت في12 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي (2019) في عقب الهجوم التركي على الشمال السوري، السياسية والمهندسة الكردية هفرين خلف، الأمين العام لحزب سورية المستقبل في عملية غامضة، وانتشرت أنباء تفيد بوقوف جماعات موالية لتركيا وراء العملية([6]) .

3 – العنف الجنسي

على الرغم من الصمت والتكتم الذي يحوط عادة جرائم العنف الجنسي في المجتمعات المحافظة خوفًا من العار والفضيحة المقترنين بها، فقد كُسِرت في حالات عدة أسوار الصمت وكشفت ووثقت كثير من جرائم العنف الجنسي في الحرب الدائرة في سورية بفضل مختصين ومندوبين أممين ودوليين، تبين من خلالها المستوى المروع لتوحش الجريمة في الصراع الدائر في سورية.

وحول هذا تقول سهير بالحسن رئيسة “الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان”: “ما زال من الصعب للغاية قياس مجال جرائم العنف الجنسي أو الوصول إلى استنتاجات عن أنماط هذه الجرائم، لا سيما بسبب حالة الوصم المحيطة بهذه الجرائم. غير أن من قابلناهن جميعهن أفدن بأنهن شهدن أو سمعن حالات عنف جنسي وقلن إن الخوف من التعرض للاغتصاب دفعهن إلى اتخاذ قرار مغادرة سورية”، وجاء هذا القول بعد زيارة وفد للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لثلاثة مخيمات لاجئين، واجتماعه مع 80 لاجئة يعشن خارج المخيمات “الرسمية” في الأردن في كانون الأول/ ديسمبر 2012([7]).

إضافة إلى ذلك يقول وزير الخارجية البريطاني السابق وليام هيغ وسفيرة النوايا الحسنة لدى مفوضية شؤون اللاجئين الممثلة أنجلينا جولي في مقال نشر في 18 أيلول/ سبتمبر 2013 لإدانة العنف الجنسي والاغتصاب في الحروب، ولا سيما في سورية: “في كل يوم تصل حكايات عن الجرائم المروعة المرتكبة داخل سورية إلى أسماع العالم الخارجي. وقد أكدت الأمم المتحدة الآن بأن الاغتصاب يستخدم سلاحًا لترهيب النساء والرجال والأطفال ومعاقبتهم في أثناء تفتيش البيوت وخلال التحقيق وعند نقاط التفتيش وبمراكز الاعتقال والسجون في أنحاء سورية ([8]).

ويقول تقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سورية في 15 أيلول/ سبتمبر 2015: “يواصل تنظيم داعش ارتكاب جرائم الاغتصاب والزواج القسري، والعنف الجنسي والاستعباد للمرأة.“([9]).

وتقول لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سورية في تقرير لها بعنوان “فقدتُ كرامتي: العنف الجنسي والجنساني في الجمهورية العربية السورية”، يستند إلى 454 إفادة قُدمت من الناجين وأقاربهم والمنشقين ومقدمي الرعاية الصحية والمحامين وأعضاء المجتمعات المتضرِرة، ويستعرض استخدام الأطراف المتصارعة للعنف الجنسي والجنساني منذ بداية الانتفاضة في آذار/ مارس 2011 وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2017: “أخضعت أطراف النزاع السوري -على مدى السنوات الست ونصف السنة الماضية- النساء والفتيات والرجال والأولاد للعنف الجنسي والجنساني، وفق ما ذكره فريق من خبراء الأمم المتحدة اليوم. واستُخدِمت مثل تلك الممارسات أداة لنشر الرُعب وللإذلال أو للعقاب، أو في حال المجموعات الإرهابية كأداة لفرض نظام اجتماعي صارم. ويضيف التقرير: “إنه لمن المثير للاشمئزاز أن تواصل الأطراف المتحاربة ممارسة هذه الأعمال الوحشية للعنف الجنسي والجنساني في أنحاء سورية كلها”، وقد أكد رئيس اللجنة باولو سيرجيو بينيرو أن “هذه الانتهاكات تؤثر في السوريين من جميع الخلفيات، بما في ذلك الرجال والأولاد، على الرغم من أن النساء والفتيات يتأثَرن بشكل غير متناسب ويقعن ضحايا على أسس متعددة.”([10]).

4 – النزوح والتشرد

سورية هي اليوم أكبر مصدر للتشريد والنزوح القسري في العالم، فوفقًا لآخر بيانات “الإسكوا” وجامعة “سانت أندروز” البريطانية، هناك 5,6 لاجئًا خارج البلاد وأكثر من 6 ملايين نازح داخل سورية، وأكثر من 11 مليون سوري بحاجة إلى المساعدة الإنسانية([11]).

ويذكر عمر كاراسابان المنسق الإقليمي للمعرفة والتعلم بمكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى البنك الدولي، نقلًا عن “تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2014”([12]) أنه -حتى ذلك التاريخ- هناك أكثر من 145 ألف عائلة سورية لاجئة في لبنان والأردن ومصر والعراق تترأسها نساء، وهناك عشرات آلاف من مثل هذه الأسر، أو يزيد، في تركيا، ما يعني أن عائلة من كل 4 عائلات نازحة تترأسها نساء، وتقع على عاتقهن أعباء رعاية هذه الأسر وإعالتها في متغيرات بالغة القسوة، فهذه الأسر تعاني عموما ارتفاع الديون، وقلة الطعام، والبرد القارس في الشتاء، وتدني مستوى الرعاية الصحية، ويضطر مزيد من أطفالها إلى العمل، ويتعرض أفرادها لقدر أكبر من العنف الجنسي وأشكال العنف الأخرى.

وعدا عما تقدم، فالنساء أيضا يعانين أوضاعًا محرجة عندما يضطررن إلى السكن في خيام في مخيمات اللجوء، فهن أكثر من يعاني حياة الخيام وغياب الخصوصية، ليشكل الذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة والاستحمام -مثلًا- تحديًا حقيقيًا، كما تقول مراسلة ” DWعربية” التي زارت هذه المخيمات في لبنان([13])، وهذه المشكلة لا تقتصر على بلد محدد، فحتى في ألمانيا تعاني النساء في مراكز إيواء اللاجئين غياب الخصوصية وتحرش الرجال اللاجئين، ويعود هذا بشكل رئيس إلى الاكتظاظ الذي تسببه الزيادات الكبيرة في أعداد اللاجئين([14]).

وإضافة إلى ذلك تعاني النساء في المخيمات “العنف الذكوري” الذي يستغل ضعف الرقابة الحكومية على هذه المخيمات، وعن هذا تقول رئيسة جمعية سوا للتنمية -التي تعمل مع اللاجئين السوريين في لبنان- نوال دلالاتي: “إن الحلقة الأضعف في المخيم هي المرأة، فمن خلال زيارتنا لاحظنا انطواء السيدات في وجود الرجال ووجدنا أن كثيرات يتعرضن للعنف ولا يعلمن أن من حقهن أن يقلن لا، لا للعنف، لا للضرب”([15]).

5 – الترمل

الترمل هو اليوم أيضًا واحدة من أخطر المشكلات التي تفاقمت كثيرًا خلال الأزمة التي يواجهها المجتمع السوري اليوم.

في شهر تموز/ يوليو من عام 2014 أفاد تقرير دولي صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن أكثر من مئة وخمسة وأربعين ألف أسرة سورية لاجئة في لبنان والأردن والعراق ومصر تعيلها نساء يكافحن بمفردهن من أجل البقاء على قيد الحياة. وقال التقرير إن كثيرات من أولئك النساء يعشن تحت خطر العنف والاستغلال كما يواجه أطفالهن صدمات نفسية ومآس متزايدة، وتعيش تلك السيدات في دوامة من المشقة والعزلة والقلق بعدما أرغمن على تحمل مسؤولية أسرهن بمفردهن بعد تعرض أزواجهن للقتل أو الأسر أو انفصالهن عنهم لسبب أو لآخر([16]).

ووفقًا لـ “الدليل التجاري السوري” نقلًا عن إحصاءات 2018 للمكتب المركزي الإحصاء، فقد بلغ عدد الأرامل السوريات بفعل الحرب في سورية 518 ألف أرملة مقابل 34 ألف رجل أرمل([17]).

فيما تحدث شبكة الجزيرة الإخبارية في ‏17‏/12‏/2018 نقلًا عن منظمات محلية أن محافظة إدلب والأرياف المتصلة بها وحدها تضم 37 ألف أرملة و190 ألف طفل يتيم دون 18 عامًا([18]).

6 – البطالة

كشفت بيانات المجموعة الإحصائية عام 2019 الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في سورية، أنَّ عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 1,621 مليون شخص([19])؛ فيما تقول منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة في سورية هي من 50 – 70% ([20])؛ كما ورد على موقع “أخبار الصناعة السورية”.

وقد بينت دراسة أجراها مركز “مداد” السوري للدراسات أن سوق العمل في سورية يعاني مشكلات تراكمية عدة زاد اندلاع الحرب من حدتها، وبحسب الدراسة، قد قفزت معدلات البطالة إلى مستويات جد مرتفعة غير مسبوقة من قبل، فبين عامي 2013 و2017 وصلت معدلات البطالة وسطيًا إلى نحو 37 % من قوة العمل، بسبب آثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية وما سببته من تدمير في مختلف البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية، وتفيد هذه الدراسة أيضًا بوجود اختلال جندري بنيوي مزمن في سوق العمل السورية، مبينة أن بطالة النساء كانت أعلى من بطالة الرجال طوال المدة بين عامي 2001 و2017، فبين عامي 2001 و2011 لم ينخفض معدل بطالة النساء قطعًا عن 24%، في حين كان معدل البطالة بين الرجال هو7 % خلال المدة نفسها، أما بين عامي 2013 و2017، فقد بلغ معدل البطالة بين النساء 52%، بينما بلغ بين الرجال 31%([21]).

ويصبح الوضع أكثر سوءًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة أو الجماعات المتطرفة، فقد ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” -مثلًا- في 16 أيار/ مايو 2020 أن المرأة في إدلب عانت ارتفاع نسب الفقر إلى حد كبير، ما دفع كثيرًا من النساء -وخصوصًا الأرامل- إلى اللجوء إلى التسول لتأمين احتياجاتهن، وبخاصة أن نسبة الأمية بين السيدات تبلغ نحو 30% تقريبًا، وأن نسبة الفقر بين الأرامل وزوجات المفقودين تبلغ 90% تقريبًا، وتحت سيطرة الفصائل الجهادية على بعض مناطق إدلب وريفها، أصبح دور المرأة لاغيًا تمامًا في مفاصل الحياة كلها، بسبب الإيدلوجية المتزمتة التي تفرضها هذه الفصائل على المنطقة، ووصلت نسبة البطالة لدى المرأة في تلك المناطق إلى 95% تقريبًا، فيما ارتفعت نسبة الفقر في ريف دير الزور بسبب الحرب عمومًا ولدى النساء اللاتي فقدن أزواجهن خصوصًا، أما الرقة فقد دفعت النساء فيها خلال سيطرة “داعش” عليها ثمنًا باهظًا تحت سطوة الذهنية الذكورية المتطرفة، ومُنِعن كليًا من العمل، وتوقفت مهن نسوية كثيرة، وتوقف التعليم وحرمت أغلب الفتيات من أبسط حقوقهن بالتعليم والعمل([22]).

7 – الأمية والتسرب من المدرسة

في كتابه “الأمية- تفاقم المشكلة وتعثر الحلول” الصادر عام 2007 يقول د.جمعة حجازي إن نسبة الأمية كانت 11,1% للذكور 30,6% للإناث عام 1992، وبقيت 9% للذكور و25% للإناث عام 2002 ([23]).

أما عن وضع التعليم الراهن داخل سورية، فيقول تقرير لليونيسف في آب/ أغسطس 2019، إن حوالى 40% من البنية التحتية للمدارس في سورية تعرضت للضرر أو للدمار في أثناء الحرب، وأن أكثر من 2 مليون طفل – أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين- هم خارج المدرسة، وأن 1,3 مليون طفل يواجهون خطر التسرب، فيما يحتاج واحد من بين ثمانية أطفال في كل صف دراسي إلى دعم نفسي واجتماعي مختصّ، لتحقيق التعلّم الفاعل.

ويذكر هذا التقرير أيضًا أن أكثر من 800 ألف طفل سوري ما يزالون خارج المدرسة، وأن ما نسبته 38% من الأطفال السوريين الموجودين في الأردن الذين تراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة غير ملتحقين بالمدارس، ويُرجع سبب التسرب أو عدم التسجيل في المدرسة إلى بُعد المسافة والتكلفة والاكتظاظ والتعرض لظاهرة التنمّر([24]).

وفي وقت سابق، ذكرت دراسة أخرى لليونيسف شملت 999 أسرة في سورية أن نسبة تسرب الأطفال من التعليم الأساسي “تحت 15 عامًا” تبلغ بالمتوسط 20 % وهي للذكور 14% أما لدى الإناث فترتفع إلى 27%.([25]).

فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان وفقًا لآخر المعلومات التي حصل عليها، أن نسبة الأمية -مثلًا- ارتفعت بين الإناث اللاتي تبلغ أعمارهن 20 عامًا في دير الزور، حيث منع داعش الإناث من الذهاب إلى المدارس في أثناء سيطرته على المنطقة، وبلغت نسبة تسرب الأطفال من المدارس هذا العام نحو 20% أكثر من نصفهم من الإناث، فيما وصلت نسبة الأمية بين النساء في إدلب إلى 30% تقريبًا([26]).

8- الزواج المبكر

الزواج المبكر ليس ظاهرة جديدة في سورية لكن معدلاته ارتفعت كثيرًا خلال الأزمة، وبهذا الشأن يذكر موقع سبوتنيك الروسي في 11‏/3‏/2019، نقلًا عن السيدة وداد بابكر، المسؤولة عن برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن معدل الزواج المبكر كان قبل الأزمة 13% ليصل في الوقت الراهن إلى 46%..

وعزت بابكر ذلك إلى أسباب اقتصادية، إذ تعاني أسر عدة من مشكلات اقتصادية، فتلجأ إلى تزويج بناتها في سن مبكرة، محاولة رفع العبء بعض الشيء عن كاهلها، كتكاليف أكلها وشربها، وإلى أسباب أمنية، إذ تزوج الأسر -ولا سيما الموجودة في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة- بناتها لتأمين الحماية لهن خوفًا من تعرضهن للاعتداء والعنف الجنسي.

وعن النتائج السلبية المترتبة على الزواج المبكر، تقول بابكر واصفةً إياه بأنه نوع من أنواع العنف ضد المرأة، أنه يتسبب بحرمان المرأة من فرصة التعليم فتفقد إمكانية تطوير ذاتها، ولا يمكنها الاطلاع على واجباتها وحقوقها([27]).

وبدورها تتحدث الباحثة في علم الاجتماع بنان الحلاق لـDW عربية عن النتائج والتداعيات السلبية الاجتماعية والنفسية للزواج المبكر فتقول: “الزواج المبكر يساهم بولادة فئة كبيرة من المجتمع تعاني أمراضًا تربوية واجتماعية جمة. فالأمهات غير قادرات على تربية أبنائهن بشكل سليم كون الأم أصلًا بحاجة إلى رعاية وتربية، وسيزيد من ظواهر تعدد الزوجات والأمهات المطلقات بسبب عدم نجاح مثل هذه الزيجات في أحيان كثيرة”.([28]).

فيما يقول تقرير للأمم المتحدة بعنوان “أمومة في عمر الطفولة، مواجهة تحدي حمل المراهقات”، صادر في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013: إن الحمل المبكر يؤثر في صحة الفتيات وتعليمهن وحقوقهن، وستواجه الفتاة من دون التعليم صعوبات في العثور على وظيفة وبناء مستقبل لها ولأسرتها، وأن الفتاة التي تصبح حاملًا في سن الرابعة عشرة أو ما قبل ذلك، هي فتاة قُوِّضت حقوقها([29]).

9 – الطلاق

كغيره من الظواهر السلبية ازداد الطلاق في المجتمع السوري خلال الأزمة ازديادًا لافتًا، وهذا ينطبق على الداخل السوري، وعلى الجاليات السورية في بلدان اللجوء، وإن تباينت الأسباب.

وقد أكد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي ارتفاع معدل حالات الطلاق في المحكمة الشرعية بدمشق خلال عام 2016 إلى 9468 حالة، مشيرًا إلى أن نسبة حالات الطلاق إلى الزيجات الجديدة وصلت إلى 27%، وأشار إلى أن نسبة الطلاق وصلت إلى 13% من مجمل حالات الزواج خلال عام 2016 منبهًا إلى ارتفاع نسبة زواج القاصرات، وهو أحد أكثر أنواع الزواج التي تنتهي بالطلاق ([30]).

وعام 2017 أصدر القصر العدلي في دمشق إحصائية جديدة حول معدلات الزواج والطلاق في المدينة، قال فيها إن نسبة الطلاق ارتفعت إلى 31%..

وقد أرجعت المحكمة القضائية سبب ارتفاع هذه النسبة إلى “غياب الزوج”، مشيرة إلى أن 6946 حالة طلاق في دمشق كانت تحت بند “دعوى تفريق لعلة الغياب” رفعتها زوجات، طال غياب أزواجهن، ولا يعرف مصير بعضهم وما إذا كان حيًا أو ميتًا.

فيما قال المعراوي في وقت سابق إن الأسباب تتباين وتتعدد للطلاق، إلا أن أبرزها هو سوء الأوضاع الاقتصادية للسوريين بسبب الحرب، والهجرة إلى خارج البلاد التي تؤدي قي كثير من الأحيان إلى نشوب الخلاف بين الزوجين بين مؤيد ورافض لها، أو تخلي أحدهما بعد هجرته إلى بلد أجنبي عن فكرة لم الشمل ([31]).

أما حالات الطلاق التي تتزايد بين المهاجرين السوريين كما هو الحال في ألمانيا مثلًا، فيعزوها الباحث الاجتماعي سامي شرشيرة إلى أن النساء في المجتمع المضيف لم يعدن مضطرات إلى تحمل تراكمات المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لزواجهن التي عانين منها في بلدهن السابق، ولذلك بعد اكتشافهن الحقوق التي يضمنها لهن البلد الجديد، وبالأخص الاستقلال المادي، المفقود في البلد الأم، إضافة إلى طموحهن لعيش حياة أكثر تحررًا لا يتقبلها رجالهن، يمكن أن ينشأ لديهن الدافع لاتخاذ القرار بالطلاق([32]).

10 – العنوسة والزواج من متزوج

مشكلة العنوسة هي الأخرى من مشكلات ما قبل الأزمة التي تعود بشكل أساسي إلى عوامل اقتصادية، فتدني معدلات الدخل أو البطالة كانت تجعل كثيرًا من الشباب غير قادرين على الإيفاء بتكاليف الزواج ومتطلبات الأسرة ومصروفاتها، وهذا العامل الاقتصادي تضاعف تضاعفًا مريعًا خلال الأزمة بسبب الانهيار الاقتصادي، ويضاف إلى ذلك الأعداد الكبيرة من المجندين والقتلى والمفقودين والمهاجرين في صفوف الشباب الذكور، ما يتسبب بعنوسة أعداد كبيرة من النساء، أو بقبول بعضهن بالزواج من رجل متزوج، وكلاهما مر.

تسببت الأزمة التي تمر بها سورية في رفع معدلات هاتين الظاهرتين إلى حد خطر، فوفقًا لما أورده موقع “Sputnik Arabic” الروسي في 16/ 12/ 2019 نقلًا عن القاضي محمود المعراوي، ارتفعت نسبة العنوسة في سورية إلى 70% بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2011([33])، وهذا يتفق مع ما سبق أن ذكره موقع ” RT Arabic” الروسي في 6\5\2019 الذي قال إضافة إلى ما تقدم أن نسبة حالات الزواج من امرأة ثانية قد وصلت إلى 40%.

وبهذا الشأن تقول الدكتورة في كلية التربية بجامعة دمشق، منى كشيك، إن “الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد في السنوات الأخيرة ساهمت في ارتفاع هذه النسب، فأعداد الشباب قليلة مقارنة بالإناث”، وتضيف كشيك: “من خلال متابعة عدد من الإحصائيات الرسمية، والمقالات الإعلامية، نلاحظ خلال الأزمة ارتفاع حالات الزواج من امرأة ثانية، على الرغم من اشتراط المحكمة على الزوج أن يكون مقتدرًا، ويصل دخله الشهري إلى نصف مليون ليرة سورية.. أي إن الرجل المقتدر أمّن زواجه من الأولى، وظفر بالثانية، في حين يرزح غيره من الشبان في سنوات العزوبية من دون أي حراك بسبب سوء أوضاعهم المادية”.([34]).

خاتمة:

“ما يزال المدنيون السوريون هم الهدف الأول للأعمال العدائية ويشكلون النسبة الكبرى من الضحايا ويدفعون وحيدين ثمن هذا العنف الموجه الذي يصل إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتؤثر الممارسات القمعية والعنف المسلح تأثيرًا مجحفًا في النساء اللواتي يخسرن بشكل مضطرد أمنهن وبيوتهن وحياتهن وأفرادًا من عائلاتهن ومكانتهن الاجتماعية في ظل الاستهداف الممنهج للمدنيين وانتشار السلاح وانهيار النظام القانوني وغياب سيادة القانون”([35]).

وبالتأكيد لا يمكن لا لمعاناة المرأة -التي لا تستنفدها الجوانب التي جرى الحديث عنها في هذه الدراسة، ولا تغطيها الأرقام المعروضة فيها حق التغطية- ولا لمعاناة أي فئة اجتماعية سورية أخرى أن تتوقف، إلا عبر حل جذري حقيقي متكامل، وهو لا يمكن قطعًا أن يقتصر على تسوية سياسية بين أطراف النزاع الداخلية والقوى الدولية والإقليمية، فالحل الحقيقي يجب أن يتغلغل في أعماق البنية الاجتماعية للمجتمع السوري ويشمل جوانبه كافة، ويغيره تغييرًا جوهريًا وبشكل يتكامل مع التغيير السياسي البناء الذي يصنع ديمقراطية حقيقية، فهكذا فقط تتوقف المعاناة، ويُضمن عدم تكرر الأزمات والكوارث كما يحدث الآن، أما الحلول الترقيعية، فهي لا تزيل أسباب المعاناة ولا تلغي عوامل حدوث الكوارث، ولن تكون إلا سبيلًا لاستمرار المشكلة وإعادة إنتاج المأساة.

[1] – سوريا الأولى عالميًا في جرائم القتل.. الدولة الثانية جارة أميركا، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 10 أيار/ مايو 2017:

https://bit.ly/34aRHKe

[2] – مقتل 28076 أنثى في سوريا منذ آذار/ مارس 2011، قرابة 84% منهن على يد قوات النظام السوري وحلفائه – الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019:

https://bit.ly/348Lw9x

[3] – تصريح غير مسبوق عن جرائم الشّرف في سوريا! العربية. نت، 5 تموز/ يوليو2016:

https://bit.ly/34aRSoS

[4] – مقتل 28076 أنثى في سوريا منذ آذار/ مارس 2011، قرابة 84% منهن على يد قوات النظام السوري وحلفائه، مرجع سابق.

[5] – مجموعة من المنظمات الإنسانية، انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة في سوريا، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ‏‏/أيار/ مايو‏/2013:

https://bit.ly/3dBtC29

[6] – هفرين خلف.. سياسية كردية يلف الغموض مقتلها في شمال سوريا، DW عربية، 13\10\ 2019:

https://p.dw.com/p/3RCdW

[7] – العنف ضد المرأة في سوريا الخروج من الصمت، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، 9\4\2013:

https://bit.ly/3k9DUZD

[8] -جولي وهيغ جرائم اغتصاب وعنف جنسي مروعة في سوريا، صحيفة الوطن البحرينية، 18 أيلول/ سبتمبر 2013:

https://bit.ly/3dEiMZh

[9] – لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا: لا تلوح في الأفق نهاية لمعاناة المدنيين سوريين، أخبار الأمم المتحدة، 3 أيلول/ سبتمبر 2015:

https://bit.ly/31faxh5

[10] – لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: العنف الجنسي والجنساني المُوجَه ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد من بين سمات النزاع المُدمِرة والمُستشرية، ويجب أن ينتهي الآن، 15 آذار/ مارس:

https://bit.ly/2T3i1zg

[11] – ملايين السوريين إما مُهجّرين أو بحاجة للمساعدات الإنسانية، SY24ـ 25/09/2020:

https://bit.ly/2T1FfGh

[12] -Woman Alone – Woman Alone, 31\5\2014:

    Woman Alone

[13] – يارا وهبي، لاجئات سوريات في لبنان – معاناة يومية وسط ظروف غير إنسانية ثقافة، DW، ‏10‏/11‏/2015:

https://bit.ly/3kbA42b

[14] – المرأة في مراكز إيواء اللاجئين – خصوصية غائبة وفريسة مشتهاة، مساواة- مركز دراسات المرأة، نقلا عن DW-برلين:

https://bit.ly/3lVY3D9

[15] – يارا وهبي، المرجع السابق.

[16] – مئات الآلاف من اللاجئات السوريات يعلن أسرهن ويصارعن من أجل البقاء أخبار الأمم المتحدة، 8‏/7‏/2014:

https://bit.ly/352J8A4

[17] – الدليل التجاري السوري – بفعل الحرب .. نصف مليون أرملة ومليون عانس في سورية:

https://bit.ly/2T3ijpQ

[18] – أكثر من 200 ألف يتيم وأرملة يواجهون ظروفا صعبة شمالي سوريا، شبكة الجزيرة، 2018/12/17:

https://bit.ly/37hGGZp

[19] – انخفاض أعداد العاملين في سورية بنحو 50.8 ألف عامل – أخبار الصناعة السورية:

https://bit.ly/2T4Q5Lv

[20] – منظمة العمل الدولية من 50 – 70% نسبة البطالة في سورية والمركزي للإحصاء 214 ألف شاب عاطل عن العمل، أخبار الصناعة السورية، 22/07/2019:

https://bit.ly/31knA0R

[21] -د.أيهم أسد، اختلالات سوق العمل في الاقتصاد السوريّ وسياسات تصحيحها (2001-2017)، مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد، أيلول/ سبتمبر 2019:

https://bit.ly/3lXMYkV

https://bit.ly/3jgbDQc

[22] -المرصد السوري لحقوق الإنسان، المرأة السورية في تسع سنوات: ارتفاع نسب البطالة والأمية والاستغلال.. أوضاع إنسانية كارثية.. ومنظمات مدنية تدعم “إعلاميًا” فقط،  أيار/ مايو 16, 2020:

https://bit.ly/31l4nMu

[23] – د. جمعة حجازي، الأمية “تفاقم المشكلة وتعثر الحلول”، المكتب المركزي للإحصاء-سوريا، 2007، ص 25-26:

http://cbssyr.sy/studies/st5.pdf

[24] – الأزمة السورية: حقائق سريعة، يونيسف، آب/ أغسطس ٢٠١٩:

https://uni.cf/2FmR6uO

[25] – هنادي زحلوط، تسرب الفتيات من المدرسة: حرمان من حق التعليم وإرغام على الزواج المبكر، جمعية الأوان، ‏08‏/12‏/2013:

https://bit.ly/2T4zI1x

[26] -المرصد السوري لحقوق الإنسان، المرجع السابق.

[27] – سوريا… الزواج المبكر يعود للارتفاع ليصل إلى 46% – Sputnik Arabic، ‏11‏/3‏/2019:

https://bit.ly/3k9jno5

[28] – أمهات صغيرات في سوريا.. جريمة في غياب القانون! DW عربية، 14.11.2016:

https://bit.ly/3o5kdVh

[29] – أمومة في عمر الطفولة، أخبار الأمم المتحدة، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013:

https://news.un.org/ar/audio/2013/12/302742

[30] -ليلى سالم، ثلث الزيجات الجديدة تنتهي بالطلاق في سورية، العربي الجديد، 1 آب/ أغسطس 2017:

https://bit.ly/37jGmtk

[31] -ارتفاع معدل الطلاق في دمشق.. والسبب غياب الزوج، موقع عنب بلدي، 12\3\2018:

https://bit.ly/31l6TCF

[32] – إيمان ملوك & يحيى الأوس، ما سبب زيادة نسبة الطلاق بين اللاجئين السوريين في ألمانيا؟  DW” عربية” نقلًا عن “مهاجر نيوز”، 19\12\2019:

https://p.dw.com/p/3VLLy

[33] – الحرب تقسو على الفتاة السورية والمجتمع يعمق جراحها – Sputnik Arabic، 16\12\2019:

https://bit.ly/31loDO9

[34] – نسب صادمة للعنوسة وتعدد الزوجات في سوريا! – RT Arabic، 6\5\2019:

https://ar.rt.com/lt7d

[35] -الانتهاكات الواقعة على النساء في سورية والأثر المجحف للنزاع عليهن، تقرير المنظمات غير الحكومية- الاستعراض الدوري الشامل للجمهورية العربية السورية، تشرين الأول/ أكتوبر 2016، ص 5.

https://bit.ly/35abwAr

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى