أبحاث

تداعيات التنافس في شرق الفرات على الفاعلين المحليين والأزمة السورية/ سقراط العلو

تلعب منطقة “شرق الفرات” دورًا بالغ الأهمية على المستوى الجيوسياسي في الملف السوري؛ حيث تكتسب المنطقة أهميتها من مساحتها الجغرافية الواسعة وغناها بالثروات الباطنية (نفط، غاز) والزراعية(1)، إضافة إلى موقعها الجغرافي المحاذي للحدود التركية شمالًا والعراقية شرقًا من ناحية، والمشرف على الطريق البري الإيراني الواصل إلى لبنان عبر العراق وسوريا من ناحية أخرى. تلك الأهمية جعلت المنطقة نقطة تتشابك فيها مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين في الملف السوري، وخصوصًا عقب عملية “نبع السلام” التركية، والتي أدخلت تركيا وروسيا والنظام السوري كلاعبين جدد على الأرض، بشكل أسهم بفرض واقع جديد في المنطقة.

ومع تراجع الولايات المتحدة عن قرارها بالانسحاب، الذي كان قد أعلنه الرئيس الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019، وإعادة نشر قواتها في قواعد جديدة، ازدادت وتيرة التنافس بين تلك القوى في المنطقة دون التورط بصدامات مباشرة بينها، حيث اتخذ كل منها حلفاء محليين وبات لكل مشروع دولي أو إقليمي في منطقة “شرق الفرات” “وكلاؤه” في مقابل آخرين، لاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب” (YPG)، والتي تشكِّل عماد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويقابله العشائر العربية والتي يحاول العديد من الأطراف استمالتها.

وعليه، تحاول هذه الورقة تفكيك المشهد المعقد في منطقة “شرق الفرات”، خاصة بعد عملية “نبع السلام”، بهدف فهم المصالح المتضاربة للاعبين الدوليين والإقليميين المنخرطين في المنطقة، وانعكاس تلك المصالح على القوى المحلية فيها، وعلى العلاقة بين مكوناتها من عرب وكرد، واستشراف أثرها على مسارات التسوية والحل السياسي المرتقب في سوريا.

أولًا: القوى الدولية والإقليمية

أطلق الجيش التركي، في 9 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019، بمشاركة “الجيش الوطني” السوري المعارض، عملية “نبع السلام” في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، لإبعاد قوات “قسد” عن الحدود التركية، وبهدف إنشاء منطقة “آمنة” لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وفقًا لتصريحات الحكومة التركية، قبل أن يتم الإعلان عن تعليق العملية في السابع عشر من الشهر ذاته، بعد اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية قضى بانسحاب “قسد” من منطقة طولها 120 كم بين مدينتي تل أبيض ورأس العين وبعمق 32 كم(2)، أعقبه اتفاق آخر مع روسيا في 22 من نفس الشهر تم بموجبه تثبيت الاتفاق التركي-الأميركي (حدود عملية “نبع السلام”)، وإضافة بند يتعلق بانتشار الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام السوري على طول الحدود السورية-التركية خارج منطقة نبع السلام بعمق 30 كلم، وتسيير أنقرة وموسكو دوريات مشتركة على طرفي منطقة العملية في الشرق والغرب بعمق 10 كلم(3).

ويبدو أن تلك الصيغة التي تم التوافق عليها بين تركيا وكل من الولايات المتحدة وروسيا بخصوص المنطقة “الآمنة” تمثل أفضل ما يمكن الوصول إليه “مرحليًّا” لموازنة المصالح المتضاربة للأطراف الفاعلة في منطقة شرق الفرات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فحدود عملية “نبع السلام” ودخول قوات روسية للمنطقة يبدو مُطمئنًا لـ”قسد”، والتي قبلت بمنطقة “آمنة” بهذا العمق في سبيل تجنب معركة شاملة مع تركيا، هذا بالإضافة إلى توافق هذا العمق مع متطلبات موسكو والنظام السوري، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تحقَّق لواشنطن بهذا الاتفاق الموازنة بين مصالح حلفائها المتضاربة في المنطقة دون السماح بسيطرة مطلقة لأي طرف.

وبهذا، باتت خارطة المصالح الدولية والإقليمية في شرق الفرات تتشكل من فاعلين مباشرين، وهم: (الولايات المتحدة وتركيا وروسيا) وفاعلين غير مباشرين (إيران ومحور الإمارات/السعودية إضافة إلى فرنسا) تمر أدوارهم من خلال الوجود العسكري للفاعلين المباشرين. ولكلٍّ أهدافه الخاصة المرتبطة بوجوده في المنطقة، وهي في غالبها أهداف ومصالح متناقضة، ولكن يشكِّل الوجود الأميركي في المنطقة العامل الأكثر أهمية في رسم حدود أدوار تلك القوى بشكل يمنع تصادمها، عبر إدارة توازنات مؤقتة بين تلك المصالح بشكل يحافظ على استقرار المنطقة ريثما تحقق هي أهدافها الخاصة.

 تركيا (أمن قومي وصراع إقليمي)

تشكِّل المنطقة بالنسبة لتركيا مُهدِّدًا لأمنها القومي نتيجة وجود حزب الاتحاد الديمقراطي -“الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني”- على حدودها، إضافة إلى تحول هذا المُهدِّد الأمني إلى ورقة للضغط عليها في إطار صراع المحاور الدائر في الشرق الأوسط، خاصة من قبل “محور” الإمارات والسعودية إضافة إلى فرنسا وموقفه الداعم لقوات “قسد”(4)، والباحث عن موطئ قدم على الأرض السورية عقب إضعاف دوره على المستوى السياسي والعسكري نتيجة التفاهمات التركية-الروسية في مساري “أستانة” و”سوتشي”، ولذلك يُشكل وجوده في المنطقة تحت المظلة الأميركية فرصة للحفاظ على دور وإن كان محدودًا في الملف السوري والحل السياسي. وفي هذا الإطار، ألقى هذا المحور بثقله لإقناع الإدارة الأميركية بتغيير قرارها من الانسحاب من المنطقة نحو تخفيض عدد الجنود وإعادة الانتشار(5).

وضمن هذا السياق، وعلى الرغم من أن تركيا لم تحقق هدفها المعلن بالكامل من عملية “نبع السلام”، وهو إقامة منطقة “آمنة” على كامل الشريط الحدودي بطول 460 كم وبعمق 32 كم(6)؛ إلا أنها حققت خطوتين تبدوان بالغتي الأهمية بأقل تكلفة، وهما:

    الدخول عسكريًّا إلى المنطقة وقطع الطريق على احتمال تشكيل كيان إداري كردي، عبر استكمال فصل أجزائه، الذي بدأته بعمليات سابقة غرب الفرات.

    تجاوز الظرف الإقليمي والدولي المعارض لمنطقة آمنة وفق التصور التركي، والقبول بدخول طرف ثالث -غيرها والولايات المتحدة- متوافق إلى حدٍّ كبير مع الرؤية التركية في تلك المنطقة، وهو موسكو والنظام السوري. حيث يُعد منع إقامة كيان كردي في شمال سوريا مصلحة مشتركة بين هذه الأطراف جميعًا، كما أن التنسيق التركي-الروسي السابق على مستوى الملف السوري والمستمر حتى اللحظة، يشكل عامل طمأنة لأنقرة.

موسكو (تدعيم الموقف)

أما بالنسبة لموسكو، فتتشعب أهداف وجودها في منطقة شرق الفرات إلى عدة مستويات، منها:

(أ) المستوى الاقتصادي نتيجة غنى المنطقة بالثروات الباطنية والزراعية والمياه.

(ب) المستوى العسكري، فالمنطقة تُشكل مساحة واسعة من الأرض السورية الخارجة عن سيطرة النظام وقد تسهم استعادتها بتقوية موقف النظام السياسي، خاصةً عقب انحسار المعارضة المسلحة إلى جيب صغير في إدلب.

(ج) المستوى السياسي، والمتعلق بالمشروع الفيدرالي للإدارة الذاتية وأثره المستقبلي على شكل نظام الحكم في سوريا، مقابل ما يشكله الوجود الأميركي من منافس للدور الروسي على المستوى العسكري والسياسي المتعلق بقدرة موسكو على التحكم بشكل الحل للأزمة السورية. ولذلك فالجهد الروسي في المنطقة يبدو منصبًّا على دفع الولايات المتحدة للانسحاب بالكامل منها، ومحاولة احتواء التمدد التركي فيها عبر تفعيل اتفاق أضنة، إضافة إلى رعاية مسار تفاوضي بين قوات “سوريا الديمقراطية” ” قسد” والنظام السوري.

وفي إطار تدعيم وجودها العسكري وتثبيته، قامت موسكو بإنشاء عدة قواعد عسكرية في منطقة شرق الفرات عقب الانسحاب الأميركي، وأهمها(7):

    قاعدة لهبوط المروحيات القتالية في مطار مدني بمدينة القامشلي في شمال شرقي سوريا، وقاعدة في مطار الطبقة العسكري بعد إخلائه بالكامل من قوات سوريا الديمقراطية، وجرى تجهيز المطارين بمنظومات دفاع جوي حديثة وطائرات هليوكوبتر إضافة إلى طائرات مقاتلة من طراز ميغ 35.

    إنشاء قاعدة في مدينة عين عيسى شمال مدينة الرقة وعلى خطوط التماس بين فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية وجيش النظام السوري.

     إنشاء قاعدة في منطقة انتشار الفرقة 17 مشاة الواقعة في المحيط الشمالي الشرقي والمحاذية لمدينة الرقة.

    قاعدتا عون الدادات والعسلية في منطقة منبج.

ومن خلال هذا الانتشار العسكري الاستراتيجي في منطقة شرق الفرات تستطيع موسكو الضغط على باقي الأطراف الموجودة في المنطقة بشكل يسهم في تحقيق أهدافها.

الولايات المتحدة (إعادة انتشار)

عقب قرارها بالانسحاب والسماح بدخول القوات الروسية وقوات النظام، عادت واشنطن لاستدراك ما اعتبرته بعض الأوساط الأميركية خطأ استراتيجيًّا(8)، من خلال عودة الجيش الأميركي إلى قواعد ونقاط عسكرية كان قد انسحب منها سابقًا، حيث تتمركز القوات الأميركية في قواعد رئيسة شرق الفرات، أبرزها: (قاعدة ومطار السبت وصوامع بلدة صرين بريف حلب الشرقي، وفي قاعدة الجزرة المحاذية لمدينة الرقة، وقاعدة هيمو قرب القامشلي)(9)، إضافة إلى تأسيس قواعد عسكرية جديدة في دير الزور (قاعدة في بادية السوسة قرب بلدة الباغوز، قاعدة في هجين، قاعدة غرب بلدة الصور) قرب الحدود العراقية(10).  إن إعادة الانتشار الأميركي تنسجم مع أهداف واشنطن المُعلنة في شرق الفرات، والمتمثلة في تثبيت الاستقرار ومنع عودة تنظيم الدولة الذي ما زالت خلاياه نشطة في المنطقة، إضافة إلى الرقابة على نشاط “الميليشيات” المدعومة من إيران؛ حيث تعتبر الأخيرة شرق الفرات أكثر المناطق خطورة على طريقها البري ومشروعها الاستراتيجي في الربط بين العراق وسوريا، ولذلك فهي تحاول الدفع باتجاه الانسحاب الأميركي الكامل من المنطقة، وعودتها إلى سيطرة النظام؛ الأمر الذي قد يتيح لها التغلغل في المنطقة تحت غطاء قوات النظام(11)، إضافة إلى أن المنطقة قد تشكل جزءًا من “طريق بديل” بالنسبة لإيران للوصول إلى المتوسط عبر الطريق الدولي إم 4 (M4 ) الرابط بين شرقي سوريا وغربها، ويبدأ من اليعربية على الحدود العراقية وينتهي في اللاذقية.

إضافة إلى الأهداف السابقة، تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى استغلال أهمية المنطقة اقتصاديًّا بالنسبة للنظام وموسكو كورقة للضغط عليهما لتقديم تنازلات بخصوص الحل السياسي، وذلك عبر استمرار الوجود الأميركي في المنطقة وممارسة نوع من الحصار غير المعلن، من خلال وقف تدفق النفط والقمح من مناطق سيطرتها إلى مناطق النظام(12)، مقابل محاولة تطويق التمدد الروسي في المنطقة وحصره في أماكن محددة، والاحتفاظ بالسيطرة على حقول النفط الرئيسة في المنطقة (حقل العمر، كونيكو، رميلان، التنك)، خاصةً بعد المحاولات الروسية للتمدد على كامل الفراغ الأميركي عقب قرار الانسحاب، حيث انتشرت القوات الروسية في 15 نقطة أساسية في شمال شرق سوريا(13). وفي إطار عملية إعادة الانتشار الأميركي ومحاولات التمدد الروسي، شهدت المنطقة، وبالتحديد محافظة الحسكة، عدة احتكاكات بين جنود الطرفين، واعتراضات متبادلة للدوريات، وبخاصة على الطريق الدولي M4، إضافة لاستعراض الطرفين قدراتهما الجوية في سماء المنطقة(14).

ومع إعلان الطرفين عدم رغبتهما بالصدام المباشر(15)، فإنهما يعتمدان على حلفائهما المحليين لتعزيز حضورهما “بالوكالة”؛ فمع اعتماد الولايات المتحدة على قوات “قسد” والتي تشكِّل عمادها وحدات الحماية الكردية إضافة إلى فصائل عربية، تحاول موسكو والنظام السوري استمالة الحاضنة العربية في المنطقة عبر التواصل مع العشائر  والطلب منها سحب أبنائها المقاتلين في صفوف “قسد”(16)، إضافة إلى استخدام أهالي بعض القرى العربية من قبل موسكو لاعتراض الدوريات الأميركية ورشقها بالحجارة أثناء مرورها في مناطقهم، وأخيرًا السعي لتشكيل قوة تتبع موسكو من أبناء العشائر العربية في مدينة القامشلي(17)، في محاولة لخلق حاضنة شعبية للوجود الروسي في المنطقة، ومُكافئ عربي للقوة الكردية المدعومة أميركيًّا.

ثانيًا: الأطراف المحلية

تتكون الأطراف المحلية الفاعلة في شرق الفرات من الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري قوات “قسد” وعمادها ميليشيا “وحدات حماية الشعب”. في مقابل العشائر العربية التي يحاول العديد من الأطراف خطب ودها واستخدامها كطرف في مقابل المشروع الفيدرالي للإدارة الذاتية أو تطويعها ضمنه، خصوصًا بعد تمدد الإدارة الذاتية إلى مناطق عربية؛ الأمر الذي أدى إلى حالة استقطاب بين الطرفين، بسبب هيمنة “وحدات حماية الشعب” على المجالس المحلية والعسكرية في المناطق العربية، وحرمانها من نصيبها في الخدمات والثروات التي تحويها مناطقها وتتحكم بها الإدارة الذاتية.

الإدارة الذاتية

تخضع منطقة شرق الفرات لهيمنة ما يُعرف بالإدارة الذاتية، وهي كيان تَشَكَّل في مارس/آذار من العام 2014 لإدارة المناطق التي تشهد وجودًا كرديًّا، وتسيطر عليها ميليشيا “PYD” وأجنحتها العسكرية. وتُقسَّم المنطقة إلى ثلاثة أقاليم بحسب توصيفات الإدارة الذاتية: إقليم الجزيرة، وإقليم الفرات، وإقليم عفرين. ومع توسع سيطرة ما بات يُعرف لاحقًا بقوات “سوريا الديمقراطية” واستحواذها على مدينة الرقة والطبقة وأجزاء من ريف دير الزور، تم ضم تلك المناطق إلى الإدارة الذاتية وتشكيل مجالس محلية لإدارتها؛ ليتم بعدها إعلان الإدارة الذاتية بشكلها الحالي في 6 سبتمبر/أيلول 2018(18) على مساحة تعادل ثلث الأراضي السورية، وتضم خليطًا متنوعًا من السكان العرب والأكراد إضافة إلى التركمان والسريان والآشوريين.

وبالرغم من أن النموذج الحوكمي للإدارة الذاتية يبدو أفضل نسبيًّا قياسًا بنماذج أخرى أفرزتها الأزمة السورية وفقًا لواقع القوى المسيطرة، وذلك بحكم مساهمة الوجود الأميركي بشكل كبير في دعمه وتثبيت استقراره؛ إلا أن تلك الإدارة تعاني حتى الآن من اختلالات بنيوية وإشكاليات ذاتية وموضوعية قد تعيق استدامتها من حيث الشكل وقابليتها للحياة من حيث المضمون كمشروع فيدرالي قادر على تثبيت نفسه في سوريا مستقبلًا، ولعل أبرز نقاط الضعف لدى الإدارة الذاتية تكمن في:

    إشكالية الهوية: تواجه الإدارة الذاتية إشكالية تتعلق بهويتها وتوجهها السياسي كنتيجة لهيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي عليها؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا على رأي بعض مكونات المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الإدارة وبالتالي التشكيك في تمثيلها لهم أو في تعبيرها عن تطلعاتهم؛ فالحزب رغم إنكاره لصلاته بحزب العمال الكردستاني PKK إلا أنه يعلن تبنيه للفكر “الأوجلاني” باعتباره حلًّا للأزمة السورية(19)، ويعمل على الترويج له في المناطق الخاضعة له عبر المناهج التعليمية ومؤسسات الإدارة الذاتية(20)، بما يحمله ذلك الفكر من مضامين وأبعاد لا تتناسب مع توجهات الغالبية العظمى من الأهالي وبخاصة في المناطق العربية. كما أن إيمان الحزب المُعلن على الأقل بنظرية الأمة الديمقراطية(21) والتي تتجاوز القضية القومية للأكراد يضعف دعم حاضنته الشعبية الكردية في سوريا وما يمثلها من أحزاب(22). ويضاف إلى ذلك اتخاذ الحزب موقفًا محايدًا إزاء الثورة السورية بدلًا من الانحياز لها، وكذلك الإدارة الذاتية من ورائه التي تصنف نفسها طرفًا ثالثًا بين المعارضة والنظام(23)، في حين ينتمي أبناء المناطق التي تهيمن عليها الإدارة للثورة السورية(24).

    إشكالية الشرعية: بالرغم من دعم العديد من الأطراف الإقليمية والدولية للإدارة الذاتية على المستوى العسكري والإداري؛ إلا أن العلاقة بين الطرفين لا تزال وظيفية تقوم على الحاجة لاستخدام قوات “قسد” في سياق تنفيذ مصالح كل طرف من الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في شرق الفرات؛ الأمر الذي يجعل مستقبل تلك الإدارة ومشروعها الفيدرالي ضبابيًّا في ظل غياب أي اعتراف رسمي بها “كمنطقة فيدرالية” حتى من أقرب حلفائها، فإلى الآن لم تعترف الولايات المتحدة أو فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية بالإدارة الذاتية ككيان سياسي، ولا تزال مكاتبها التمثيلية في تلك الدول بما فيها روسيا مرخصة كجمعيات مجتمع مدني وليس كهيئات دبلوماسية(25).

انعكست تلك الإشكاليات على سلوك الحزب لناحية تعاطيه مع القوى الفاعلة إقليميًّا ودوليًّا في منطقة شرق الفرات من جهة، وعلى علاقته بمكوناتها المحلية من جهة أخرى؛ حيث كانت هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق الوجود الكردي ناجمة عن تسليم النظام تلك المناطق للحزب باعتباره الجهة الأنسب له على الساحة الكردية؛ وذلك نظرًا للظروف وللخلفية الأيديولوجية التي تجمع هذا الحزب مع العمال الكردستاني وتجمع الأخير بعلاقة تاريخية مع النظام وحلفائه(26). لكن حزب الاتحاد الديمقراطي ما لبث أن تحول وفقًا لمجريات الحدث السوري إلى التحالف مع القوات الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة في منطقة شرق الفرات، في حين استمر بعقد تحالف مع القوات الروسية في غرب الفرات رغم حدوث مناوشات مع القوات الروسية وقوات النظام في شرق الفرات.

أما على المستوى المحلي، فقد أقصى الحزب المناوئين له على الساحة الكردية بدايةً، ثم على مستوى باقي المكونات لاحقًا، وذلك تبعًا لاتساع رقعة سيطرته الجغرافية. فعلى المستوى السياسي شكَّل حزب الاتحاد الديمقراطي ما يسمى بحركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM)، وهي ائتلاف تنظيمات سياسية عربية وكردية وسريانية يهيمن عليها الحزب، وتعارضها في المقابل تشكيلات أخرى تنتمي إلى ذات المكونات منضوية تحت لواء الائتلاف السوري المعارض(27).

ومع توطد التحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة الأميركية، وبدفع من الأخيرة قام الحزب بتشكيل ما يسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” “مسد” كمظلة موسعة لقوى سورية معارضة خرجت من إطار اللعبة السياسية التي تبلورت في مؤتمر الرياض 1، وعلى المستوى العسكري تم الإعلان في العام نفسه، 2015، عن تشكيل قوات “سوريا الديمقراطية”، التي تضم تشكيلات عربية وتركمانية وسريانية إلى جانب قوات “وحدات الحماية” ذراعه العسكرية(28). ولا يزال الحزب يحاول إجراء تعديلات شكلية على البنية التنظيمية لإدارته الذاتية وما يتبع لها من مجالس محلية وعسكرية، بهدف تعويم نفسه كقوة وطنية محليًّا على مستوى مكونات المناطق التي يهيمن عليها، وكذلك إقليميًّا ودوليًّا لتجاوز معضلة تصنيف حزب العمال الكردستاني كتنظيم “إرهابي” عابر للحدود وتسكين المخاوف التركية.

المكون العربي للمنطقة (إحياء العشيرة)

مع اتساع رقعة سيطرته شرق الفرات لتشمل مناطق عربية خالصة كمدينة الرقة وريف دير الزور، أخذت التحديات التي تواجه حزب الاتحاد الديمقراطي وما ينبثق عنه من مؤسسات سياسية وعسكرية (“مسد” و”قسد”) تتفاقم، لتأخذ المشكلة منحيين؛ يتعلق الأول بعدم قدرة الإدارة الذاتية على إدارة تلك المساحة الشاسعة جغرافيًّا وتلبية احتياجاتها الخدمية بشكلٍ مرضٍ للسكان. أما الثاني، فيتمثل بأزمة هوياتية ناجمة عن استئثار المكون الكردي بالسلطة العسكرية والمدنية في المناطق العربية وإقصاء أبنائها؛ حيث يشكل المكون الكردي في قوات قسد والمجالس المدنية التابعة لها ما نسبته 70%، إضافة إلى سوء إدارة العلاقة مع العشائر العربية والتي تشكل القوة الأكثر أهمية في المنطقة(29).. الأمر الذي أدى إلى موجات عديدة من الاحتجاجات في المناطق العربية ضد هيمنة “قسد”، تحولت في معظمها إلى مواجهات استخدمت فيها قسد الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، إضافة إلى حملات اعتقال في البلدات التي تشهد مظاهرات(30).

دفعت الاحتجاجات الشعبية على سيطرة “قسد” في المناطق العربية، الأطراف الفاعلة شرق الفرات إلى الانفتاح على العشائر العربية لكسبها إلى صفها، وذلك لكونها -أي العشائر- البنية الاجتماعية ذات الغالبية العددية على الأرض في المنطقة. فبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، تشكل العشائر العربية كمجتمع محلي صمام أمان لتثبيت الاستقرار في مناطقها ومنع عودة تنظيم الدولة الذي ما زالت خلاياه تنشط في المنطقة، ولعل الاجتماعات المكثفة التي أجرتها وفود أميركية مع زعماء عشائر دير الزور عقب الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة ضد “قسد”، تقدم مؤشرًا على تراجع أهمية هذه الأخيرة ككيان عسكري في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة لصالح المجتمعات المحليَة صاحبة الدور الرئيس في تثبيت الاستقرار.

بالمقابل، تبدو أهداف باقي الأطراف الفاعلة من الدول، شرق الفرات، والساعية للتقارب مع العشائر العربية، لأنها تستحوذ على حاضنة شعبية يُمكن أن تسهم في زعزعة استقرار المنطقة عبر الاحتجاجات على هيمنة “قسد”، وبالتالي الضغط على الولايات المتحدة لتنسحب من المنطقة، أو لتستبدل بعناصر “وحدات الحماية” في قسد عناصر عربية من أبناء العشائر، وذلك تبعًا لمصلحة كل منها. وعلى رأس تلك الأطراف تركيا، التي دعمت تأسيس “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السوريا المعارضة”، وإيران التي تدعم “المجلس القومي لشيوخ القبائل والعشائر العربية”(31). إضافة للنظام والإدارة الذاتية اللذين يتنافسان على عقد مؤتمرات عشائرية تُظهر دعم العشائر لكل طرف منهما. وأخيرًا، موسكو التي تحاول كسب العشائر العربية إلى صفها في مقابل الاعتماد الأميركي على الكُرد بشكل رئيس.

وفيما يتعلق بالأدوات التي تستخدمها تلك الأطراف خلال محاولات التقارب مع العشائر، فتبدو متشابهة عمومًا من حيث الاعتماد على الدعم المادي والسياسي لاسيما لشيوخ بعض العشائر واعتبارهم وسطاء محليين مع مجتمعاتهم، وهي تبدو سياسة تتبعها جميع الأطراف المُهتمة بملف العشائر العربية، وبخاصة الولايات المتحدة، التي فضلًا عن الدعم المادي، تعد بإعادة إعمار المناطق العربية لكسب ولاء شيوخ العشائر الأكبر في المنطقة، وغالبًا ما تشاركها الدور ذاته المملكة العربية السعودية، والذي عبَّرت عنه الزيارات المتتالية للوزير السعودي، ثامر السبهان، والذي رافق بعض الوفود الأميركية في اجتماعاتها مع عشائر شرق الفرات(32).

وقد أسهم هذا التنافس بين مختلف الأطراف للتقارب مع العشائر في خلق حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، والتي يبدو أن نتائجها ستترك أثرًا عميقًا على بنية العشيرة ذاتها وعلى علاقاتها بباقي المكونات.

وفي هذا السياق يمكن إجمال أبرز نتائج حالة الاستقطاب السياسي للعشائر العربية فيما يلي:

    تحويل العشيرة من بنية اجتماعية إلى كيان سياسي وعسكري؛ الأمر الذي قد يقوي لديها روابط ما دون دولتية، إضافة إلى حصر تمثيل ما يسمى حديثًا في الحالة السورية بـ”العرب السُّنَّة” بشيوخ العشائر، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال لفصل المنطقة عن طيفها السياسي الأوسع المتمثل بمؤسسات المعارضة السورية وإضعاف تمثيلها السياسي.

    انقسام العشيرة الواحدة بين الجهات الداعمة، محلية أو إقليمية على المستوى السياسي، بحيث أصبح لذات العشيرة عدة زعامات (مشايخ) بحسب المنطقة الجغرافية وجهة السيطرة عليها، ما أدى إلى نهاية المشيخة التقليدية وظهور زعامات عشائرية جديدة، حتى وإن كانت من ذات عائلة المشيخة وأبناء عمومة، وكذلك الأمر على المستوى العسكري، إذ تملك بعض العشائر كيانات عسكرية منقسمة من حيث الولاء والتبعية بين جهات السيطرة والقوى الإقليمية والمحلية.

    زيادة حالة انعدام الثقة والفجوة بين العشائر العربية وقوات “قسد” بمكونها الكردي، والذي بدأ يشعر بتنامي قوة العشائر العربية وتحالفاتها مع جهات عربية وإقليمية، إضافة لانفتاح الولايات المتحدة عليها بعد إعلان نهاية الحرب على تنظيم الدولة، وفرضها على قيادة “قسد” و”مسد” إعادة هيكلة مجالسها العسكرية والمدنية المحلية وتمكين العرب بشكل أكبر من إدارة مناطقهم.

حلول أميركية لأزمات الإدارة الذاتية

نتيجة للإشكاليات التي تعاني منها الإدارة الذاتية على مستوى البنية من ناحية، وعلى مستوى العلاقة مع العشائر العربية من ناحية أخرى، وفي إطار سعيها للحفاظ على استقرار المنطقة ومنع عودة تنظيم الدولة، طرحت الولايات المتحدة مسارين للحل وكلاهما يصبان في صالح تدعيم موقف حلفائها الكرد في الإدارة الذاتية وتحسين شروط عملية التفاوض مع النظام:

•    المسار الأول: ويتمثل برعاية مفاوضات بمشاركة فرنسية بين أحزاب “المجلس الوطني الكردي”(33) من جهة و”حزب الاتحاد الديمقراطي” من جهة أخرى(34)، وذلك بهدف توحيد الصف الكردي وتقوية موقفهم التفاوضي حول مستقبل مناطق الكثافة الكردية في سوريا، سواء مع النظام أو المعارضة، إضافة إلى أن دخول “المجلس الوطني الكردي” بجناحه السياسي إلى مؤسسات الإدارة الذاتية، وبجناحه العسكري “بيشمركة روجافا” إلى قوات “قسد”، قد يؤمِّن، في حال حصوله، غطاءً شرعيًّا للإدارة الذاتية، عبر خلق مظلة كردية شاملة تذوب فيها الهوية الأيديولوجية لحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري المحسوب على حزب العمال الكردستاني والمصنف كجماعة إرهابية. 

بالمقابل، تسعى موسكو أيضًا بمسار منفصل لتوحيد القوى الكردية في كتلة واحدة(35)، ولكن بغاية أخرى يبدو أنها تتمثل بفصل المجلس الوطني عن الائتلاف السوري المعارض والهيئة العليا للتفاوض، بهدف إضعاف تمثيل تلك المؤسسات للمكونات السورية، وشق صفها بكتلة كردية لها مطالب خاصة قومية ويغلب عليها الميل للنظام السوري.

•    المسار الثاني: وعود أميركية-سعودية لعشائر دير الزور بأن يتم تمكين أبناء المناطق العربية بشكل أكبر في إدارة مناطقهم وتأمينها، إلى جانب دعم مادي سعودي، وعرض بإعادة تأهيل المناطق العربية وخلق فرص عمل، في مقابل وقف الصدام مع قوات “قسد” وعدم فتح أي قنوات تواصل مع محور تركيا وقطر(36)، إضافة للاعتراف بمجلس “سوريا الديمقراطية” كممثل سياسي للمنطقة(37)، وبالتالي التنازل عن التمثيل السياسي لصالح “مسد”، والذي يهيمن عليه حزب الاتحاد الديمقراطي. الأمر الذي قد يؤدي إلى إقصاء العشائر العربية كمكون عن التفاوض باسم المنطقة، والاكتفاء بالتعامل معها كورقة أو قوة رديفة تقوِّي موقف المكون الكردي في أية عملية تفاوضية مع النظام السوري أو المعارضة، وذلك في حال تم توحيد الصف الكردي وضمه بشكل كتلة موحدة إلى الهيئة العليا للتفاوض، كما يبدو أن السعودية تحاول جرَّ العشائر العربية في شرق الفرات إلى صراعها الإقليمي مع تركيا.

ثالثًا: نتائج ودلالات

من خلال تفكيك المشهد المعقد إقليميًّا ومحليًّا في منطقة شرق الفرات، وفهم المصالح المتضاربة للأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في المنطقة، يمكن الوقوف على بعض أهم النتائج أو التأكيد عليها وفق الآتي:

    تلعب منطقة شرق الفرات دورًا بالغ الأهمية في الملف السوري على مستويين، الأول: المستوى الدولي والإقليمي، وذلك نتيجة لأهميتها الجيوسياسية واتساعها، إضافة لما تحتويه من ثروات؛ الأمر الذي يمنح الجهة المهيمنة عليها قوة تفاوضية على مستوى الحل السياسي النهائي، وبالتالي ومع تعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين الفاعلين في تلك المنطقة فإن هيمنة طرف من تلك الأطراف على المنطقة سيعني إقصاء باقي الأطراف وإضعاف أدوارهم في صياغة الحل السياسي. لذلك، لم تسمح الولايات المتحدة لتركيا بالهيمنة الكاملة على الشريط الحدودي، وإنما أدخلتها كلاعب على الأرض في المنطقة إضافة للنظام وموسكو. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد هدَّأت من المخاوف التركية من جهة، وأحدثت توازن مصالح بين الأطراف الإقليمية دون السماح لطرف بالهيمنة الكاملة في منطقة شرق الفرات. الثاني: المستوى المحلي والمتعلق بالإدارة الذاتية الكردية ومشروعها الفيدرالي، والذي يؤثر مصيره على شكل النظام الإداري المستقبلي للدولة السورية، وعلى مصير المسألة الكردية في سوريا.

    يُشكِّل دخول تركيا وروسيا والنظام السوري عسكريًّا إلى منطقة شرق الفرات مُهدِّدًا لمشروع الإدارة الذاتية بإنشاء كيان فيدرالي؛ إذ يبدو أن الأطراف الثلاثة يتقاطعون في نقطة منع إقامة إقليم كردي في سوريا على النموذج العراقي، وهو ما يشير إليه التنسيق الروسي-التركي في شرق الفرات والتأكيد على الالتزام باتفاقية أضنة، إضافة إلى تلميحات مسؤولي النظام وعلى رأسهم بشار الأسد حول استحالة القبول بالطرح الفيدرالي، والإشارة إلى أن سقف التنازلات الممكن تقديمها يتمثل بلا مركزية إدارية مخففة لكل المناطق السورية، وليس للأكراد بشكل خاص؛ الأمر الذي يبدو منسجمًا مع الرغبة التركية.

    يبدو أن المطالب الفيدرالية للإدارة الذاتية ليست ضمن أولويات الولايات المتحدة، فإلى الآن لم تظهر مؤشرات كافية على دعم أميركي لمشروع فيدرالي في سوريا يشبه ذاك الذي استقر في العراق، ومن المرجح أن أفضل ما يمكن توقعه من الولايات المتحدة هو حماية الإدارة الذاتية من تركيا والنظام السوري ريثما يتم التوصل إلى اتفاق مع النظام تحدد ملامحه المفاوضات والتوازنات الإقليمية، وهو موقف غير مستبعد قياسًا إلى مواقف الولايات المتحدة السابقة، حيث لم تدعم استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق في العام 2017، ولا ضمَّ كركوك للإقليم (في العام نفسه)، حيث سمحت الولايات المتحدة للجيش العراقي والحشد الشعبي بالدخول للمدينة (كركوك) وإبقائها تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد، بالرغم من تعاون الإقليم مع واشنطن في الحرب على تنظيم الدولة منذ العام 2014.

     تلعب كل من مصر والسعودية والإمارات أدوارًا مُلتبسة في منطقة شرق الفرات، فمصر لعبت سابقًا دور الوسيط لمفاوضات “قسد” مع النظام السوري(38)، في حين تدعم السعودية والإمارات الإدارة الذاتية وتسهم في تمويلها تحت اسم إعادة الإعمار بعد التنظيم(39)، وذلك بهدف تطويق النفوذ التركي في سوريا.

    تُدرك “قسد” أن استمرار سيطرتها على المناطق العربية في شرق الفرات (الرقة، الطبقة، ريف دير الزور) هو أمر صعب، لكنها تحتفظ بتلك المناطق بدعم حلفائها لتقوية موقفها التفاوضي مع النظام حول المناطق ذات الوجود الكردي. وعليه، فإن إقصاء العشائر العربية عن التمثيل السياسي للمنطقة سيحولها إلى ورقة بيد “قسد” تتنازل عنها للنظام مقابل تنازلات من الأخير في الملف الكردي، وبهذا ستكون المناطق العربية وسكانها في شرق الفرات الخاسر الأكبر في مفاوضات النظام و”قسد”.

    احتمال دخول “مجلس سوريا الديمقراطية” “مسد” إلى مؤسسات المعارضة أو الهيئة العليا للتفاوض في إطار أية توسعة قادمة دون تمثيل للعشائر العربية سيؤدي إلى زيادة نسبة الكرد في تلك المؤسسات عبر دخولهم بكتلة جديدة إضافة إلى كتلة المجلس الوطني الكردي الموجودة سابقًا، وفي حال تمت المصالحة مع المجلس الوطني الكردي فستشكل تلك الكتلة ثقلًا داخل الهيئة العليا يمكن أن تحرف المسار التفاوضي نحو قضايا قد تخص مكونًا واحدًا ولا تعني باقي الشعب السوري.

سقراط العلو

باحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية

مراجع

(1) تكتسب منطقة شرق الفرات أهميتها من حيث مساحتها التي تشكل ثلث مساحة سوريا، إضافة إلى أنها تنتج حوالي 90% من النفط السوري و45% من الغاز و65% من إنتاج القمح، كما أنها تحتوي على سدين من أهم السدود في سوريا وبخاصة سد الفرات. للمزيد، راجع: شرق الفرات: الثروات الموجودة في مناطق سيطرة الأكراد في سوريا، موقع BBC عربي، 28 ديسمبر/ كانون الأول 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2KMtLUJ

(2) بعد أكثر من شهرين.. تركيا تكشف أبرز نتائج “نبع السلام” شرق الفرات، موقع أورينت نت، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zEU7Ut

(3) سعيد الحاج، قراءة في الاتفاق التركي-الروسي حول شرق الفرات، موقع TRT عربي، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Zer4BR

(4) ساشا العلو، الديناميكيات الجديدة للصراعات في سوريا: قراءة في تحالفات ما بعد الإرهاب، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 1 يونيو/حزيران 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ZqzMNI

(5) بانسحابه من سوريا.. ترامب يهدم خطط السعودية للضغط على تركيا، موقع الخليج أونلاين، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2019، متوافر على الرابط: http://khaleej.online/LdZBQZ

(6) بطول 460 كم وبعمق 32 كم.. المنطقة الآمنة في سوريا تشمل 3 محافظات، موقع تركيا بوست، 16 يناير/كانون الثاني، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3epz2fY

(7) عدنان الحسين، قواعد جوية وبرية.. روسيا تعزز وجودها العسكري شرق الفرات، موقع الجزيرة نت، 15 نوفمبر/تشرين الثاني، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3d2Yzex

(8) رئيسة مجلس النواب الأميركي تهاجم ترامب بسبب قراره الانسحاب من شمال سوريا، موقع روسيا اليوم، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2XNg2RJ

(9) عدنان الحسين، بعد انسحابها.. لماذا أعادت القوات الأميركية انتشارها شمالي سوريا؟، موقع الجزيرة نت، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3ez4YhV

(10) منهل باريش، شرق الفرات: أميركا تبني قواعدها في وجه إيران وتعزل النفط السوري، موقع صحيفة القدس العربي، 9 نوفمبر/تشرين الثاني، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2TTGasU

(11) ساشا العلو، الديناميكيات الجديدة للصراعات في سوريا: قراءة في تحالفات ما بعد الإرهاب، مرجع سبق ذكره.

(12) طائرات التحالف تقصف عبَّارات لتهريب النفط من مناطق “قسد” لنظام “الأسد”، موقع بلدي نيوز، 14نوفمبر/ تشرين الثاني، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2TVNRiq

(13) تيم الحاج، مراد عبد الجليل، عبد الله الخطيب، الأميركيون حجر عثرة.. عين روسيا على شرق الفرات، جريدة عنب بلدي، 3 مايو/أيار 2020، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yVxPOt

(14) عودة أميركية لشرق الفرات.. رسائل لروسيا وتهديد لتنظيم الدولة، جريدة عنب بلدي، 27 يناير/كانون الثاني 2020، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3bB4hTj

(15) المرجع نفسه.

(16) علي مملوك يجتمع مع وجهاء العشائر العربية في محافظة الحسكة، موقع روسيا اليوم، 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3dTflgd

(17) ريهام منصور، روسيا تبني تشكيلها العسكري الخاص من عشائر الجزيرة السوريا بمعزل عن نظام الأسد، موقع جسر برس، 22 أبريل/نيسان 2020، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2y9EGDj

(18) للمزيد حول مفهوم ” الأمة الديمقراطية” وتعارضها مع موقف الأحزاب الكردية الأخرى، انظر: فؤاد عليكو، نظرية الأمة الديمقراطية تتسبب في نكسة للقضية الكردية إقليميًّا، موقع جريدة يكيتي، 22 مارس/آذار 2015، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3doiepsسيهانوك ديبو، حل الأزمة السورية في الفكر الأوجلاني، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، 2 مايو/أيار 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2U20KY8

(19) مؤتمر التربية للمجتمع الديمقراطي يواصل أعماله بالمصادقة على جملة قرارات، موقع ANF NEWS، 17 يونيو/حزيران 2015، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2XTjaM6

(20) مبدأ الأمة الديمقراطية بحسب أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي: تكامل الأمة ووحدتها لا يتحقق من خلال بناء الدولة القومية، بل يجب ضمانها من خلال بناء أمة ديمقراطية أو من خلال تحول القوميات الموجودة إلى أمم ديمقراطية، ويعتبر مفهوم الهوية المنفتحة للجميع والأمة المرنة خطوة أولية لتحقيق هذا الهدف. راجع مشروع الإدارة الذاتية، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، متوافر على الرابط: على الرابط: https://bit.ly/3cszsR9

(21) للمزيد حول تعارض مفهوم ” الأمة الديمقراطية” مع موقف الأحزاب الكردية الأخرى، انظر: فؤاد عليكو، نظرية الأمة الديمقراطية تتسبب في نكسة للقضية الكردية إقليميًّا، موقع جريدة يكيتي، 22 مارس/آذار 2015، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3doieps

(22) مشروع الإدارة الذاتية، مرجع سبق ذكره.

(23) مظاهرات في ريف دير الزور ترفض دخول قوات النظام السوري، جريدة عنب بلدي، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3cvklqj

(24) بدر ملا رشيد، الإدارة الذاتية في الشمال السوري: إشكاليات الشرعية والهوية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 8 يونيو/حزيران 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2AEERaK

(25) سيروان قجو، حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا: أوراق كردية وحسابات دولية، مركز الجزيرة للدراسات، 10 مارس/آذار 2016، متوافر على الرابط: https://bit.ly/308pfXR

(26) وتُقسم الإدارة الذاتية هيكليًّا إلى خمسة أقسام، وهي: (المجلس التشريعي، المفوضية العليا للانتخابات، المحكمة الدستورية العليا، المجالس المحلية، المجلس التنفيذي للإدارة)، وتسير شؤونها عبر ما يسمى بالهيئات وهي بمنزلة الوزارات، ولها “عقد اجتماعي” يمثل الدستور الناظم للإدارة، والذي تم إصداره بشكله النهائي في يونيو/حزيران 2018، وذلك بعد أربع عمليات تعديل أدت إلى إضافة أربعة ملاحق. للاطلاع على المزيد، راجع ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية شمال شرق سوريا: المآخذ القانونية ومقترحات المواءمة مع المعايير الدولية، مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان، 3 مارس/آذار 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ku2lr9

(27) “قوات سوريا الديمقراطية”: النشأة والهوية والمشروع السياسي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير/كانون الثاني 2016، متوافر على الرابط: https://bit.ly/36fm81e

(28) عدنان الحسين، المظاهرات تتسع ضدها.. انتهاكات القوات الكردية تتواصل شرقي سوريا، موقع الجزيرة نت، 7 مايو/أيار 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/36pIc9c

(29) المرجع نفسه.

(30) منهل باريش، سوريا: سباق لكسب ود العشائر في شرق الفرات، صحيفة القدس العربي، 6 يوليو/تموز 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3bShl6R

(31) وزير سعودي يزور دير الزور لدعم “قوات سوريا الديمقراطية”، موقع الجزيرة نت، 14 يونيو/حزيران 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2lB1QMp

(32) المجلس الوطني الكردي: هو ائتلاف سياسي يضم 15 حزبًا وفصيلًا من أكراد سوريا، ويتمتع باعتراف دولي ورعاية من رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، لكنه محدود التأثير في الشارع الكردي. تشكل المجلس الوطني الكردي يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2011، في أربيل، برعاية رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني.

(33) عقيل حسين، سباق غربي روسي على الأكراد.. لسحب ورقة من النظام، جريدة المدن، 6 مايو/أيار 2020، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2TeEIRy

(34) المرجع نفسه.

(35) ابتعدوا عن قطر وتركيا.. هذه شروط السعودية لدعم عشائر سوريا، موقع الجزيرة نت، 16 يونيو/حزيران 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3gauaNs

(36) مقابلة عبر سكايب أجراها الباحث مع شخص ممن حضروا اجتماع عشائر دير الزور مع الوفد الأميركي/السعودي، تم إجراء المقابلة بتاريخ 20 مايو/أيار 2020.

(37) وساطة مصرية لاتفاق بين النظام السوري و”قسد”، جريدة عنب بلدي، 26 ديسمبر/كانون الأول 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3eIo1Gr

(38) السعودية تمنح 100 مليون دولار لمشاريع “تحقيق الاستقرار في سوريا” ينفذها التحالف الدولي، موقع france24، 17 أغسطس/آب 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2XseihS 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى