سياسة

عن تطورات السياسة الروسية الأخيرة ومؤتمر اللاجئين في دمشق -مقالات مختارة-

السياسات الروسية ومؤتمر اللاجئين في دمشق/ موفق نيربية

لا بدّ أن مسألة عقد مؤتمر حول اللاجئين السوريين في دمشق، كان من أهم النقاط على جدول أعمال اجتماع « المجموعة المصغرة» الخاصة بسوريا مؤخراً، التي تضم إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، كلاً من مصر والسعودية والأردن.. ولم يتركّز النقاش حتماً على دور محتمل للمؤتمر في حلّ مشكلة اللاجئين، ولكن على ما تريده روسيا من ورائه.

ولا بأس بافتراض أن مصدر «الفكرة» جاء من انعقاد مؤتمر حول الموضوع نفسه منذ أكثر من عام في إسطنبول، بمبادرة من حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، الذي حرمت الحكومة ممثلي النظام المعنيين من حضوره، بالامتناع عن منحهم التأشيرات اللازمة، وحضره فقط رئيس ما يسمى بجمعية المسيحيين السوريين، الذي تلا رسالة من القيادة القطرية لحزب البعث إلى المؤتمر، تشدّ من أزره. يأتي المؤتمر، الذي هو حتماً روسي قبل أي افتراض آخر، بترتيب من»مركز حميميم» وقد أصبح منذ زمن شبيهاً بمركز «انتداب» روسي، من دون أن ينتدبه، ولا يحدّد مهمته أحد، لا في عصبة الأمم ولا خليفتها لاحقاً. ما يلتبس قليلاً هو في تحديد مرجعية المبادرة، هل هي في وزارة الدفاع الروسية، كما هو الأمر غالباً، أم في وزارة الخارجية، التي يعيد سيّدها المخضرم تنظيم أوراقه السورية منذ زيارته الأخيرة إلى دمشق خصوصاً. ويأتي أيضاً بعد مرور خمس سنوات على بداية التدخل المباشر الروسي في دعم النظام، وإنقاذه من انهيار كان قاب قوسين أو أدنى منه في نهاية سبتمبر 2015. وبعد تفسّخ مسار أستانة واستنفاد إمكانيات الانتفاع منه، وبعد تفاقم مشاكل انتظار الروس للأمريكان ومفاجآتهم، إضافة إلى طول نفسهم، الذي ينتظر آثاراً صريحة لحالة الاستنقاع الروسية في هذه الأرض، التي أصبحت جرداء قاحلة، إلا من مصادر الصداع.

انتهى ما تستطيع روسيا تحقيقه من استعادة شيء من الهيبة «السوفييتية» دولياً، وترويج السلاح الروسي واختباره، وحجز مكان رئيس حول طاولة التفاوض، مع تطوير سوريا كأرض – قاعدة استراتيجية ومنصة على شرفات البحر المتوسط الشرقية. ولكن إمكانيات تغيير الوقائع على الأرض تتناقص بشدة، وبناء معارضات بديلة قد استنفد إمكانياته إلا قليلاً، وطريق الحلّ النهائي ما زال غامضاً بانتظار متغيرات لازمة.. فيأتي مؤتمر اللاجئين هذا محاولة لتحريك الركود، واستفزاز جميع عناصر الأزمة السورية وأطرافها، من الأمريكيين والأوروبيين، إلى الإيرانيين والأتراك أيضاً. وفي اختيار هذا الموضوع شيء من مكر الموجيك – الفلاح القنّ الفقير- الروسي العتيق، وسلوكه عند أزمته كذلك. وهذا المثال استحضرته أحوال الروس، الذين غدا مركز اهتمامهم الحالي مرتكزاً إلى موضوع إعادة الإعمار، وإشكاليات تمويله المسدودة الأبواب حتى الآن، بعد أن انتهوا تقريباً- وربما زادوا شيئاً بعد الانتهاء- من وضع اليد على مقدّرات اقتصادية يرغبون بها، من خلال اتفاقيات وقوانين متنوعة. خلاف ذلك، يطمحون إلى أن يحتلوا المكانة الأولى في مقاولات إعادة الإعمار، التي تعددت الدراسات التي تزيد ميزانيتها عن نصف تريليون دولار، وهذا مصدر سيلان الريق بغزارة دافقة بالطبع.

ويأتي مكر المشروع الروسي، من أهدافه المباشرة واستهدافاته الأبعد. فالعالم في معظمه يتلوى تحت ثقل موضوع اللاجئين وأعبائهم المتنوعة، في أوروبا على أشكال متعددة، وفي دول الجوار السوري التي تنوء تحت تلك الأعباء، خصوصاً في لبنان والأردن، وفي تركيا بطريقة مختلفة. ولكن، لابدّ أن بوتين يستريح لقتال وزيريه على تجهيز الغنيمة، وهو يتقن جيداً ألعاب الابتزاز وفنّه الموروث، وأهم خواصّه في تلك الفوضى التي يخلقها، والأسئلة الحمقاء التي يثيرها، ولا جواب لها. ربما يهدف هذا المشروع الصغير بتوقيته مثلاً إلى استفتاح ما بعد الانتخابات الأمريكية، ومحاولة حجز زاوية روسية في نتائجها الأولية. ذلك مفيد إن نجح ترامب ومفيد إن فشل، ومفيد خصوصاً إن ارتبكت السياسة الأمريكية لفترة في منطقة غائمة. سيزدحم الطابور يومئذٍ أمام البيت الأبيض، ولا بأس بحجز مكان مبكّر، لا يطلب شيئاً، بل يقدّم الأحاجي وفوضى الأجوبة والاحتمالات.

ولكنّه لا يستهدف واشنطن على وجه الخصوص، بل يستفيد من دروسها في مسألة اللاجئين، ويفجّر قنبلة صوتية في وجه الأوروبيين. وهؤلاء مأزومون بتلك المسألة أساساً، ويخشون أيّ جديد فيها. يخشى الكبار في أوروبا مثلاً إثارة دولهم الأصغر الأكثر حساسيةً أمام قضية اللاجئين، تلك التي يستسهل بعض نخبها السياسية معارك انتخابية على برامج فاقعة الألوان قومية الأصوات، بل عنصرية الأهواء أحياناً. سوف تدعو روسيا بعض هؤلاء، وتحاول إحضارهم إلى المؤتمر في دمشق، ليعودوا بكمية من المشاكل لأوروبا، التي تئنّ أساساً تحت وطأة الخروج من أزمة إلى اختها. سيرى هؤلاء في طروحات المؤتمر البعثي، مخرجاً لطرح إغلاق الأبواب أمام اللاجئين، بل ترحيلهم إلى بلادهم التي لمسوا «الأمن والأمان» فيها، ربما في الحيّ والفندق الوحيدين الآهلَين في دمشق..

ينشغل الروس أيضاً بتحييد الإيرانيين إلى الحدّ الأقصى، ليس إرضاءً لإسرائيل وسعياً لودادها وحسب، بل أيضاً لإبعاد تأثيرات الملفات الإيرانية المعقدة والمثيرة، من الحقل حين يحلّ الحصاد. ومنذ زمن ليس قصيراً يشتغل الروس على بيع الإيرانيين علناً، للانتهاء من شريك مضارب مختلف عن الروس ومتخلف عن طموحاتهم. أما على الجانب التركي الأكثر تعقيداً بالنسبة للروس، فينفع المؤتمر بالاتجاهين: المفيد والضار. فكلّ ما يحرج الأوروبيين والأمريكيين يسرّ إردوغان حتماً، ولكن مشروعه في تلك المسألة مختلف تماماً عن المشروع الروسي، وهو أكثر صدىً وإثارة أيضاً: يريد الترك تمويل «مستوطنات» للاجئين السوريين لديه في شمال سوريا، تكلّف بضع عشرات المليارات، وتشكّل سداً من أجل تحصين الأمن القومي التركي في وجه الأكراد والجنوب عموماً. لا تسأل الحكومة التركية عمّا إذا كان هذا هندسة ديموغرافية، أو تغييراً ديموغرافياً، فهم الأكثر خبرةً بأن تلك البروباغندا لن تطول، وسوف تتلاشى مع الزمن.

لن يكون الإسرائيليون معنيين كثيراً، فهم – كالأمريكيين- أكثر تماسكاً وروحاً عملية، وقابلية للمقاولات السياسية والجيوسياسية، ما دامت خارج مجالهم الحيوي الأولي، ولكنهم لن ينزعجوا من كلّ ما يمتص طاقة أهل المنطقة بما يكفي لتسيير قافلة التطبيع بهدوء وحسم ونتائج واضحة، بل إن أي موجة جديدة من الأزمات، حقيقية كانت أو مفتعلة، سوف تلائم مزاجهم، وتساعدهم على الاستمرار بجني محاصيل الخراب السوري.

أما ما يجتمع للمشرّدين من أوراق مضادة لذلك السَفَه الروسي في عالم السياسة الحديث هذا، فليس كثيراً جداً، لكنه ليس قليلاً أيضاً، حتى الآن على الأقل. هنالك القانون الدولي، وشروط المفوضية السامية للاجئين، التي لا ترى أي إمكانية لعودة اللاجئين، إلا من خلال توفّر الأمان الكافي لعودتهم، البيئة الآمنة إن صح التعبير. ولا يحظى بشار الأسد الآن بشعبية كافية للدفع بملايين السوريين بين يديه وقد قتل أبناءهم وأخوتهم، ودمّر بيوتهم، وخرب حياتهم.. إنه ذلك الذي يحرق البلد – مراراً- من أجل الاستمرار رئيساً، ولو على بادية قاحلة. ولن ينفعه مؤتمر اللاجئين هذا أمام الهجمة القانونية ضدّه، من أجل محاسبته باتهامات لن تترك له مجالاً كبيراً للحركة، وسيضيق الخناق عليه بالتدريج، البطيء بالفعل ولكن الفعّال. تلك المحاكمات المتكاثرة، ستصبح قيداً أيضاً على المناورين الخارجيين من حوله، تحرجهم وتضعهم معه تحت عدسة مشتركة.

وعملياً، ليس من ورقة فاعلة إلا الإصرار الأمريكي والأوروبي على أن مناط مسألة اللاجئين هو الأمان، ومفتاح إعادة الإعمار هو البيئة الآمنة، والدخول في مرحلة عملية لا رجوع عنها في مسار الحلّ السياسي على أساس قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي. وهذا هو ما يوجع السياسة الروسية أكثر من غيره، وهو الذي يجعل من مناورة مؤتمر اللاجئين الروسي في دمشق ظاهرة عابرة.. وذلك ربما هو في السياسة الروسية مفيد أيضاً، قد ينجلي عن بعض النتائج في السباق بين وزارتي الدفاع والخارجية هناك!

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

مواجهة أميركية ـ روسية حول مؤتمر اللاجئين السوريين/ إبراهيم حميدي

تكثف واشنطن جهودها الدبلوماسية لإحكام الخناق على «مؤتمر اللاجئين السوريين» المقرر في دمشق يومي 11 و12 الشهر الجاري وضمان مقاطعة الدول الأوروبية والعربية ومؤسسات الأمم المتحدة أعماله، عبر إظهار «الأوهام الروسية» من المؤتمر والحيلولة دون تحقيق موسكو هدفها بـ«فك العزلة» عن دمشق و«شرعنة الحكومة السورية وتحويل الإنجازات العسكرية إلى قبول سياسي»، إضافة إلى منع «محاولة روسية للفصل بين مسار اللاجئين من جهة والعملية السياسية وتنفيذ القرار 2254 من جهة ثانية».

– دعوة من «حميميم»

بداية، بادرت قاعدة حميميم الروسية بتوجيه دعوات في بداية الشهر الماضي لعقد مؤتمر للاجئين. وتقول الدعوة الروسية، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها: «تحتل تسوية أزمة الجمهورية العربية السورية وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها قمة أولويات أي أجندة دولية. وفي هذا الصدد، ترى روسيا أنه من المهم عودة اللاجئين والمشردين في مختلف أنحاء العالم إلى وطنهم. ونظرا لأن الأزمة في سوريا قد استقرت نسبيا، بينما زادت الأعباء على الدول المضيفة للاجئين، من الواجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده بهدف تقديم دعم شامل لجميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم، وكذلك إيجاد الظروف المناسبة لمعيشتهم (البنية التحتية والمرافق المعيشية والدعم الإنساني)». وزادت: «يقترح الاتحاد الروسي والجمهورية العربية السورية عقد مؤتمر دولي في دمشق خلال الفترة من 10 – 14 نوفمبر (تشرين الثاني) لمناقشة سبل تقديم الدعم للاجئين والمشردين بمختلف دول العالم، وكذلك مناقشة إحلال السلام في سوريا». حسب التصور العسكري الروسي، «سيتضمن المؤتمر عدة محاور وعقد لقاءات الطاولة المستديرة تشمل تقديم العون للعائدين، وإعادة إصلاح البنية التحتية الاجتماعية، وتقديم المساعدات الدولية ومناقشة إجراءات التصدي لانتشار جائحة (كورونا)». ويشمل أيضا عقد عدد من «الفعاليات الإنسانية الروسية السورية ودعوة المشاركين لزيارة أماكن الإيواء المؤقتة المخصصة للاجئين في حمص» مع التعهد باتخاذ «الإجراءات الضرورية من السلطات الروسية والسورية لتوفير الأمن للمشاركين وإجراءات الحماية» من «كورونا».

لم تكن دمشق مرتاحة كثيراً للغة الواردة في النص الروسي خصوصاً قولها أن «الأزمة السورية استقرت نسبياً» على اعتبار أنها لا تزال تدفع باتجاه «استعادة شمال غربي البلاد وشمالها الشرقي سواء بعمليات عسكرية أو بترتيبات روسية». لذلك، وفي العشرين من الشهر الماضي، سلمت وزارة الخارجية السورية نسختها من الدعوة إلى البعثات الدبلوماسية والأمم المتحدة في دمشق وعبر سفاراتها في الخارج. وجاء في الدعوة، التي حصلت «الشرق الأوسط»، على نصها: «تمثل عودة الأمن والاستقرار إلى مساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية وكذلك عمليات إعادة إعمار وتجديد البنية التحتية، خطوة جوهرية لتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمشردين السوريين إلى مدنهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية». كما أشارت إلى «صدور عدد من قرارات العفو وتسوية الأوضاع للمواطنين الذين أجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة البلاد بصورة غير قانونية. وفي سبيل ذلك، تؤكد الحكومة السورية دائما استعدادها لتقديم كافة سبل الدعم للمواطنين العائدين من الخارج بما يوفر لهم حياة كريمة».

تابع النص: «تدرك الحكومة أن الخسارة الأعظم في الحرب الدائرة في سوريا تتمثل في رحيل أبناء سوريا وكوادرها المؤهلة عن وطنهم، ما يتطلب عدم ادخار أي جهود لتأمين عودتهم إلى وطنهم ومشاركتهم في جهود الإعمار. وفي سبيل مناقشة سبل تسهيل عودة هؤلاء المواطنين إلى سوريا، تتشرف الحكومة بدعوتكم للحضور للمشاركة شخصيا في المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين المقرر انعقاده في دمشق يومي 11 – 12 نوفمبر 2020، ونؤكد على أنه قد تم اتخاذ كافة الاحتياطات الصحية الخاصة بالوقاية من فيروس (كوفيد 19)، وضمان نجاح المؤتمر في إيصال رسالة أمل للسوريين في الخارج أن بلادهم في انتظارهم»، طالبة «تأكيد المشاركة قبل الأول من نوفمبر». بعد وصول الدعوة الروسية، عقد اجتماع أوروبي بتنسيق مع الجانب الأميركي، واتخذ المشاركون قرارا جماعيا بمقاطعة المؤتمر. كما أعلن منسق الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبية جوزيف برويل ما معناه أن ظروف عودة اللاجئين «ليست متوفرة»، لافتا إلى ضرورة احترام المعايير التي وضعتها «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين». ونصت الوثيقة الأممية: «يجب أن تتم عودة اللاجئين فقط كنتيجة لقرارهم الحر والمُعلن عنه بشكل فردي، على أساس المعرفة ذات الصلة والموثوقة فيما يتعلق بالظروف في سوريا بشكل عام وفي مناطق العودة المقصودة بشكل خاص». كما أشار المسؤولون إلى ضرورة إلغاء القانون رقم عشرة الذي يخص ممتلكات المهجرين والشرط الأخير الذي تضمن ضرورة تصريف السوري مائة دولار أميركي بالسعر الرسمي، لدى عودته إلى البلاد، إضافة إلى «ضمانات عدم الملاحقة وتوفر البيئة الآمنة، أي تحقيق تقدم بالعملية السياسية لتنفيذ القرار 2254».

واصل الجانب الأميركي جهوده خلال اجتماع وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» (النواة) التي تضم السعودية ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن وأميركا وبريطانيا، حيث أشار المجتمعون في اجتماع في الثاني والعشرين من الشهر الماضي إلى «المعاناة العميقة» للشعب السوري بعد نحو 10 سنوات من الحرب وانتشار «كورونا» والأزمة الاقتصادية، قبل أن يؤكدوا أهمية «وصول آمن ودون أي عقبات للمساعدات الإنسانية أمام جميع السوريين» مع حث المجتمع الدولي على «الاستمرار في دعم اللاجئين السوريين والدول والمجتمعات المضيفة لهم، حتى يتمكن السوريون من العودة طواعية لوطنهم بسلامة وكرامة وأمن». كما تضمن رفض «التغيير الديموغرافي القسري وعدم تقديم أي مساعدات لأي عملية توطين للاجئين سوريين لا تتوافق مع المعايير التي أرستها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

بالنسبة إلى واشنطن، فإن «المبادرة الروسية» تضمنت ثلاثة رهانات خاطئة: «الأول، الضغط على الدول الأوروبية لإجراء مقايضة بين إعادة اللاجئين مقابل تقديم الأموال إلى مناطق الحكومة. الاعتقاد الروسي بأن الموقف الأوروبي رخو، خاطئ، لأن الموقف الأوروبي ثابت. الثاني، إحداث فجوة بين الدول المضيفة للاجئين والمجتمع الدولي، أيضا هذا الرهان غير صحيح؛ إذ إن الدول العربية لا ترى الظروف مناسبة لعودة اللاجئين، مع أن هناك ضغوطات روسية وإيرانية على الدول المجاورة لسوريا. الثالث، الرهان على تغيير في واشنطن بعد الانتخابات الأميركية، وهذا خاطئ لأن السياسية إزاء سوريا لن تتغير والعقوبات مستمرة بموجب قانون قيصر». وحسب قول مسؤول غربي: «نعرف أسباب لجوئهم. وما لم تتغير طبيعة الحكم وسلوكه، فإن اللاجئين لن يعودوا. موسكو وطهران ودمشق مسؤولة عن المشكلة، ولا يمكن أن تكون مسؤولة عن الحل». وزاد: «هناك طريق واحد لتوفير ظروف عودة اللاجئين، وهو تنفيذ حل سياسي حقيقي وتنفيذ القرار 2254 وتغيير سلوك النظام مع شعبه».

– حملة روسية

قابلت روسيا الحملة الأميركية بجهد مضاد، إذ زار المبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينييف، عمان وبيروت ودمشق وجرت اتصالات دبلوماسية مع دول عربية و«دول ثالثة» للمشاركة في المؤتمر. وأطلع لافرينييف الرئيس بشار الأسد نهاية الشهر على نتائج جولته «على عدد من دول المنطقة كونها تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين السوريين، مؤكدا عزم روسيا مواصلة العمل المشترك مع المؤسسات السورية للمساعدة في إغلاق هذا الملف الإنساني»، فيما «حمل الأسد أعضاء الوفد رسالة شكر إلى روسيا الاتحادية لدعمها وجهودها من أجل إنجاح هذا المؤتمر»، حسب بيان رسمي. وأضاف «كان هناك تطابق في وجهات النظر حول أن هذا المؤتمر يشكل فرصة أمام الجميع للبدء بالنظر إلى هذا الملف من منظور إنساني فقط بعيدا عن أي استثمار سياسي من قبل بعض الدول الغربية، الذي ساهم في إطالة معاناة اللاجئين السوريين وحرمانهم من العودة إلى وطنهم». كما أبلغ وزير الخارجية وليد المعلم المبعوث الأممي غير بيدرسن خلال لقائهما الأسبوع الماضي «انتقاد الدور الغربي في وضع شروط واختلاق حجج واهية لعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ما يؤكد تسييسهم لهذا الملف الإنساني البحت واستخدامه كورقة في تنفيذ أجنداتهم السياسية».

ولم تشمل جولة لافرينييف زيارة لتركيا التي أعربت عن «خيبتها» من ترتيبات عقده دون التنسيق معها باعتبار أنها أحد أضلاع مثلث ضامني آستانة، وتستضيف أكبر عدد من السوريين. وحسب إحصاءات «المفوضية لشؤون اللاجئين»، يبلغ عدد اللاجئين السوريين، في تركيا ولبنان والعراق والأردن ومصر، 5.6 مليون لاجئ، بينهم 3.5 مليون في تركيا (63.8 في المائة) و952 ألفا في لبنان و673 ألفا في الأردن. يضاف إلى ذلك، نحو 7 ملايين نازح داخل البلاد.

في المقابل، أعلنت طهران دعم المؤتمر و«نصحت» بيروت بالمشاركة. وأبلغ كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني في الشؤون السياسية علي أصغر خاجي، المبعوث الأممي بيدرسون الاثنين «أهمية إيجاد حلول لقضية اللاجئين باعتبارها قضية إنسانية وتبني الثقة بين الأطراف السورية وكذلك نتائجها الإيجابية في إيجاد حل سياسي للأزمة في هذا البلد»، داعياً «المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في المؤتمر».

الشرق الأوسط»

———————–

اللاجئون السوريون في مواجهة العزلة والتنميط/ علي سفر

يواجه السوري صعوبات شتى في كل البلدان التي وصل إليها مضطراً. حتى تلك المجاورة لبلده، والتي بقي فيها كي يظل قريباً من بيته وأرضه، مستعداً للعودة إليهما، حال حدوث ما انتظره هو وغيره طيلة العقد الماضي، أي سقوط نظام الأسد، الذي كان وما زال سبباً لكل مآسي السوريين.

غير أن أفدح ما يواجهه حقاً، وعلى الصعيد الذاتي، إحساسه بأنه في مركز كل ما يجري من أحداث! وأن ثمة نافذة فتحها أحدهم لسبب ما كي يزج به في أي قصة من القصص اليومية التي يعيشها مواطنو هذه البلدان! حتى تلك الأمور الغريبة، من مثل القول إن الأوكسجين قد نقص من الهواء بسبب وجود السوريين، وهو ادعاء تحول إلى طرفة في لبنان، لكنه عكس كنموذج بشكل أو بآخر، تنامي نزعة تحميل اللاجئين المشكلات الخاصة في البلدان التي يعيشون فيها، هرباً من مواجهة أسبابها الحقيقية.

وبالتأكيد، كلما كان البلد المضيف يعاني من مشكلات اقتصادية أو اجتماعية وسياسية، قامت فئات فاعلة فيه، عن جهل، أو خبث، بوضع حصة ما، إن لم تكن الحصة الأكبر من الأسباب على ظهور المستجيرين به!

يتكفل ناشطون وسياسيون في غالبية البلدان المستضيفة للاجئين بالدفاع عنهم، وإبعادهم عن سهام السياسيين الشعبويين، الذين يستغلون مشكلات المهاجرين إلى بلدانهم، ليثيروا حنق الجمهور عليهم، بغية الوصول لمكاسب سياسية آنية أو استراتيجية.

ويدرك هؤلاء المدافعون أن ما يواجهه اللاجئون من مشاق في الاندماج، في المجتمعات التي تستقبلهم، بالإضافة إلى مشكلاتهم الذاتية الناتجة عن صدمة فقدان الوطن، بما تتضمنه من خسارات هائلة لكل فرد، لا بد سيؤدي إلى مضاعفات متعددة الأشكال، ستتقاطع حكماً مع حيوات مواطني هذه البلدان، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجعل منهم شماعة لأخطاء الحكومات المحلية، أو دريئة لسهام المعارضات السياسية!

يخففُ الجهد المبذول من قبل هؤلاء الناشطين، ومعهم جمعيات أهلية، ومنظمات إنسانية دولية، من الآثار النفسية التي تقع على اللاجئين عموماً، والسوريين منهم خصوصاً، لكنه لا يبعدهم عن الإحساس بأنهم في وسط الدائرة، حيث يسهل على عدسة القناص المتأهب للتصويب أن تلحظ وجودهم، فيتوقعون أن يكونوا حاضرين كمتهم جاهز، يسهل اتهامه، في أي مصيبة تجري، أو كارثة تحدث، ومقاساته تتحمل ألبسة الاتهامات!

لهذا سيذهب هؤلاء فوراً وبشكل تلقائي إلى التبرؤ من أي شيء يخص الحدث، وإلى عزل أنفسهم عنه، ورفض إعلان أي رأي تجاهه، أو القيام بردة فعل عليه! فيجعلون من حيزهم الشخصي قلعة محصنة، منغلقة على ما يحيط بها. ويترافق هذا مع الإصرار على أن وجودهم في السياق عابر ومؤقت، وأن لا مصلحة لهم في المساهمة والفعالية، ما يؤدي في المحصلة إلى بناء “الكانتون” الذاتي، وهو ما يخدم في النتيجة وجهات النظر المعادية لوجودهم، حيث يؤكدون من حيث لا يدرون عدم قدرتهم على الاندماج، وانعزالهم عن المحيط!

وتبعاً لهذا، سيؤدي إنكارهم لعلاقة بعض من أفراد مجتمعهم بأحداث العنف، وجرائم الإرهاب، إلى مشكلة مزدوجة؛ حيث سيتولى آخرون من جهة أولى تشريح واقعهم من خارج عالمهم، عبر أدوات جاهزة أو مصنعة سلفاً، لا تقترب من حقائق ما يعيشونه، وتستسهل وصمهم كجماعة وبمنطق “ثقافوي” بالصفات النمطية الآثمة!

وفي الوقت نفسه سيتولى اللاجئون بأنفسهم الإساءة لصورتهم والتأكيد على الوصمة الملصقة بهم، عندما يرفضون الاعتراف بوجود أفراد أو مجموعات بينهم تفكر بهذا الشكل أو ذاك وتقوم بهذه الأفعال أو تلك، وإحالة كل ما يجري إلى تآمر الآخرين عليهم! ما يعني فعلياً عدم قدرتهم على تبين واقع حالهم، وعدم قدرتهم على القيام بما يجب عليهم القيام به، ولاسيما رفض النزعات العنفية لدى جزء من أفراد مجتمعهم الخاص، وبحسب هذا سيظهرون أنفسهم أيضاً كجماعات منعزلة غير منفتحة على بعضها، لا يدري أفرادها ما يجري في مساحاتهم الضيقة، ويعجزون بالتالي عن التواصل مع ما حولهم!

الانكفاء والعزلة، والإنكار، إضافة إلى ما رسّخته الأنظمة الاستبدادية من الخوف، والميل لدى الفرد إلى عدم المشاركة، سيؤديان إلى سيطرة فئات تمتلك أصواتاً عالية على المشهد العام للمجتمع المحلي، وقد لاحظ كثيرون خلال الأيام الماضية، كيف جرّت فئات متطرفة الأنظار إليها، في مساحات التواصل الاجتماعي، وبدلاً من أن تكون إدانة الجرائم المرتكبة باسم الدين أولوية لديها، صارت مسألة الحريات في المجتمعات الغربية والتي تسمح بنشر الكاريكاتيرات المسيئة، هي المسألة!

وقد تركت المساحات واسعة لهذه الفئات، بينما كان صوت الفئات الأوسع الرافضة للجرائم، والتي تميل إلى معالجات منطقية لمثل إشكاليات صدامية كهذه بين الثقافات، ضعيفاً وهامساً في أغلب الأحيان!

على مقربة من بيئات السوريين المستجدين في أوروبا، ساهم انعزال مجتمعات لاجئة قادمة من دول شرق أوروبا، ومن الهاربين من تسلط الدولة الروسية، في تنميطهم، وجعلهم بيئات محتملة لظهور أفراد منفلتين، يسهل انقيادهم للأعمال الإرهابية!

بينما سنلاحظ أن مجتمعات المهاجرين الأقدم، التي سبقت السوريين في منافيهم الحالية ولاسيما تلك المعنية والمهتمة بالصورة العامة للمسلمين في أوروبا، كانت وبحسب الخبرة، وربما بحسب الاندماج الواسع لأفرادها في المجتمعات الأوروبية، أكثر فطنة في التعاطي مع هذه الحوادث، فقام أفرادها بإدانة الجرائم فوراً وسعى كثيرون من أصحاب الفعاليات للظهور على الإعلام، للمشاركة في الفعالية المجتمعية العامة حيال الحدث!

إذاً، والحال هذا، بات من المؤكد أن تقوقع اللاجئين على أنفسهم، وشدهم حبل قضاياهم على رقابهم، صار يخنق وجودهم في المنافي، ويؤهلهم ليكونوا الجمهور الضحية دائماً!

وإذ تمضي الوقائع المستجدة بهم وأيضاً بمضيفيهم، إلى آفاق أفضل قوامها التفاعل، والبناء على المشتركات الإنسانية، فإن ذلك يبقى مشروطاً بامتلاكهم الفعالية، والرغبة بالخروج من القوقعة الذاتية.

—————————————

الضربة الروسية إنذار بهجوم على إدلب أم على “قسد”؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي

رغم تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “بأن الحرب في سوريا انتهت” فقد نفذت الطائرات الروسية يوم الإثنين الماضي 26 أكتوبر 2020 غارة جوية على مركز تدريب لفصيل فيلق الشام هي الأعنف منذ سريان وقف إطلاق النار في آذار المنصرم.

كان من المتوقع أن تخلق هذه الضربة وضعاً جديداً بين تركيا وروسيا يتطلب المعالجة السريعة أو ربما قمة جديدة بين رئيسي البلدين على غرار قمة الخامس من آذار الفائت التي أعقبت الهجوم العسكري الذي شنه النظام أواخر العام الماضي بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين وسيطر من خلاله على مدن وبلدات استراتيجية واقعة على الطريق الدولي M5 كما حاصر نقاط مراقبة تركية وشن هجوماً على نقطة في قرية بليون راح ضحيته 33 جندياً تركياً، ما جعل الرئيس رجب أردوغان يستشيط غضباً ويهدد بشن عملية واسعة لإعادة النظام إلى حدود اتفاق سوتشي 2018.

انتهت التطورات وقتها باتفاق الزعيمين التركي والروسي على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طول الطريق الدولي M4 من بلدة الترنبة غرب سراقب وصولاً إلى بلدة عين حور الواقعة في ريف اللاذقية وإنشاء ممر آمن بعمق 6 كم جنوب وشمال طريق M4 ظن الكثيرون أنه سيكون مستداماً قبل الضربة الأخيرة ضد معسكر فيلق الشام.

رد فعل أنقرة جاء على لسان الرئيس أردوغان أمام البرلمان التركي يوم الأربعاء الفائت حين أكد “أن استهداف روسيا مركزاً لتأهيل الجيش الوطني في إدلب مؤشر على عدم دعمها للسلام الدائم والاستقرار في المنطقة” لكن اللافت أنه كرر حق تركيا بإخراج “الإرهابيين “والمقصود بهم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها حزب pyd الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب من الخطوط التي تم تحديدها في وقت سابق، في إشارة لهجوم قد تشنه تركيا وقوات الجيش الوطني استكمالاً لعملية “نبع السلام” والتي تزايد الحديث عنها في الآونة الأخيرة.

أيضا ردة فعل الفصائل لم ترق لمستوى الحدث، فإطلاق عشرات صواريخ الغراد وقذائف المدفعية لم يكن لها أي تأثير عسكري رغم البيانات عن أعداد من القتلى والجرحى في صفوف النظام إذ لا يوجد أي تأكيدات على صحتها.

لكن بغض النظر عن هذا المستوى من التفاعل، فإن الواضح لجميع المراقبين أن هذه الضربة سيكون لها تداعيات على العلاقات بين أنقرة وموسكو المتوترة أصلا في ملفات ومسارات أخرى معقدة ومتشابكة. فروسيا قد تجاوزت التفاهمات بين الدولتين والهجوم عبارة عن رسائل بالنار والدم موجهة للجانب التركي أكثر منها للفيلق، عبر خدمة التوصيل السريع(السوخوي)، فالموقع المستهدف عبارة عن مركز تدريبي بعيد عن جبهات القتال ولا يشكل أي خطر عسكري على الروس أو النظام ناهيك عن كونه استهدافاً لفصيل غير مدرج على قوائم الإرهاب صنفته وزارة الدفاع الروسية قبل سنوات بأنه فصيل معتدل وكان شريكا أساسيا في كل جولات أستانا وداعماً قوياً لها وممثلاً في الائتلاف وهيئة التفاوض السورية.

ولمحاولة فك شيفرات هذه الرسالة يجب أن نتذكر كيف اعتاد الروس والنظام عند كل حراك سياسي حول سوريا على التصعيد العسكري بهدف الضغط وخلق واقع جديد، ومن المنطقي هنا ربط الضربة بزيارة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال الأخيرة إلى موسكو لمناقشة الملف السوري والملفات العالقة الأخرى، كالملف الليبي وملف ناغورني قره باغ، واللذين لا يمكن فصلهما عن الملف السوري، وأيضاً كانت هناك زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون لدمشق من أجل تنشيط العملية السياسية من بوابة اللجنة الدستورية.

وأراد أيضاً اللاعب الروسي من خلال الضربة توجيه رسائل إقليمية ودولية مستغلاً انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية والفراغ الرئاسي الذي يمكن أن يحصل في حال فوز المرشح الديمقراطي لتسوية هذه الملفات على الطريقة البوتينية

أما بالنسبة للملفات الأخرى، فروسيا بحاجة للضغط على تركيا من أجل تهدئة الجبهات في إقليم ناغورني غره باغ وتبديد مخاوف الروس من زعزعة الاستقرار في خاصرتها جنوب القوقاز، وبالتالي فربما كانت تريد القول إنها مستعدة لعمليات عسكرية واسعة في كل مكان ما لم يتوقف الدعم التركي لأذربيجان، وعليه لا يمكن فصل عملية سحب النقاط التركية من مورك وشير مغار عن هذه التطورات خشية أن تصبح رهينة بيد الروس والنظام في حال حدث هجوم جديد بالفعل، وأخيراً لا يجب إهمال أن موسكو تقول بوضوح من خلال هذه الضربة إن إرسال مقاتلين سوريين إلى أذربيجان والاقتراب من القوقاز خط أحمر.

يبقى الافتراض الأخير الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند قراءة هذه التطورات هو وجود اتفاق روسي تركي جديد حول إدلب وملفات أخرى ربما من المبكر أن تظهر نتائجه إلى العلن، فرد فعل أنقرة لم يعبر عن مستوى الضربة، وتصريح الرئيس التركي كان الأبرز فيه التهديد بش هجوم جديد على “قسد” وهذا الذي لا يمكن أن يتم بدون توافقات وتفاهمات مع الجانب الروسي والأمريكي.

وما يعزز ذلك أكثر تصريحات وزير خارجيته جاويش أوغلو بعد الضربة بأنهم يتواصلون مع الروس لحل كل الخلافات العالقة، ما يؤكد قناعة الطرفين بتجنب الوصول إلى المواجهة المباشرة، فالعلاقة أصلا صعبة ومعقدة وشائكة وتركيا رغم عدم ثقتها بالشريك الروسي ولكنها لا يمكن أن تضحي بهذه العلاقة.

بكل الأحوال وأياً كانت السيناريوهات فإن هذه الضربة الموجعة يجب أن تكون جرس إنذار بالنسبة للفصائل العسكرية من أجل أخذ كافة التدابير والاستعدادات لصد هجوم النظام وحلفائه المحتمل في أي لحظة، خاصة وأن الروس والأتراك لم ينجحا إلى الآن بالوصول إلى نتائج توافقية وتفاهمات جديدة أو نهائية حول نقاط المراقبة والطريق الدولي M4 وبقية تفاصيل ملف إدلب.

تلفزيون سوريا

———————————

اللجنة الدستورية واستحقاقات السياسة/ حسان الأسود

لم يعُد سرًّا يخفى على أحد، مماطلة روسيا والنظام السوري في تنفيذ القرارات الدولية الصادرة في إطار الجهود المبذولة لحلّ المعضلة السورية، وهذا أمرٌ لا مراء فيه، لأنّ أي تغيير في بنية النظام تعني انهياره، فما بالنا بالتغيير المتوافق مع القرارات الدولية! لقد اعتدنا على مواقف النظام وداعميه، التي تقول شيئًا وتفعل عكسه، لكننا الآن في صدد الحديث عن موقف بعض شخصيات المعارضة السورية من اللجنة الدستورية، الذي تجلّى بإصدار ورقة تحت عنوان “بيانٌ حول أعمال اللجنة الدستورية السورية”، وكان بمنزلة نعيٍ للعملية السياسية كلها، ولإطارها التنفيذي الجاري برعاية المبعوث الأممي الخاص.

قبل مناقشة هذا البيان ومسار العملية السياسية؛ علينا أولًا العودة إلى جوهر الصراع في سورية، لتأصيله وتثبيت بعض النقاط الجوهرية التي ستكون نوافذنا التي نطلّ منها على المشهد الراهن.

جاءت الثورة السورية استجابة لاستحقاقات الضرورة التاريخية أولًا، فبعد خمسين عامًا على حكم العسكر، وما جرّه من دمار هائل على بنى الدولة والمجتمع والاقتصاد، وبعد انتهاء كلّ ما يمكن تسميته سياسة أو حكم قانون في سورية، كان لا بدّ من هزّة عنيفة تعيد الأمور إلى نصابها. ثانيًا، صادف أن هبّت الثورة ضمن أجواء إقليمية مساندة ومشجّعة، إذ أتت في ظلّ ثورات الشعوب العربية من جهة، وعلى خلفية انتهاج الرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الأولى، ومن خلفه الإدارة الديمقراطية، سياسة جديدة تنظر بعيون مختلفة إلى مطالب الشعوب في العالم من جهة ثانية. هذا يعني أنّ الظروف العامّة التي أحاطت بالثورة السورية كانت مشجّعة من حيث المبدأ على الانطلاق والاستمرار.

كانت المشكلة الرئيسة التي واجهت هذا الحراك الشعبي المتّقد -إضافة إلى القمع الهمجي الدامي والنهج العسكري الأمني للنظام السوري- نقص الكفاءة السياسية للأحزاب التقليدية، وللشخصيات السياسية التي تصدّرت واجهة العمل السياسي وقادت هذا الحراك الكبير، حيث كانت العوامل الخاصة لنجاح الثورة شبه معدومة، فما كان خلال الأيام والأسابيع الأولى للثورة ميزة، أي فقدان القيادة المركزية التي منعت النظام من قمع الثورة في مهدها، بات بعد ذلك عيبًا جوهريًا ونقيصةً أصابتها في مقتل.

الثورة فعل مجتمعي جامح، وقد قدّم السوريون رجالًا ونساءً شيبة وشبابًا، في أشهرها الأولى، أروع التضحيات والنضالات في سبيل استمرارها وتجذّرها، وأظهروا للعالم أجمع مقدار الطاقة الرهيبة التي يختزنها المجتمع السوري بين جنباته، وتوقهم العارم للتغيير. لكنّ الفعل الثوري يحتاج إلى إدارة لتحقيق نتائجه المرجوة التي يجب أن تكون قابلة للترجمة إلى وقائع على الأرض وإلى نتائج سياسية، وهذا ما لم يتوفر للثورة السورية، التي يحبُّ طيفٌ واسع من أهلها تسميتها بالثورة اليتيمة، وهي كذلك حقًّا، إذا أخذنا بعين الاعتبار ضرورة رعايتها من أهلها وأصحاب المصلحة فيها، لا من المحيط الخارجي الإقليمي أو الدولي.

نتيجة لفقد الإدارة الواعية القادرة على قيادة الحراك الثوري أولًا، وعلى تحويل الانتصارات الجزئية إلى ثوابت سياسة ثانيًا، ونتيجة لغياب الإستراتيجية الواضحة للانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى حالة المشاركة المجتمعية الفاعلة، ونتيجة لغياب مفاهيم أوليّة مثل الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية العليا، ولعدم القدرة على الاتفاق عليها بين الفرقاء المتنازعين جلد الفريسة قبل اصطيادها، كانت الكارثة الكبرى التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.

بعد تحوّل الثورة عن مسارها السلمي الذي تفوّقت فيه -باعتباره ميدانها ومكمن قوتها- إلى مسار عسكري بحت؛ بات العمل الثوري المدني وبالنتيجة السياسي، رهينة بيد القادة الميدانيين القابضين على زمام القرار في الداخل، بحكم فائض القوة التي امتلكوها عبر السلاح، وبالتالي، بات رهينة لإرادة غير سورية، لأن هؤلاء القادة كانوا بطبيعة الحال تابعين لمموليهم في الخارج. سبّب هذا كلّه انعدام الوزن الفعلي للثورة السورية، على الرغم من التكاليف الهائلة التي دفعها الناس، والبسطاء منهم خاصّة، وباتت الثورة تخدم مصالح الدول الفاعلة بالملف السوري، بدلًا من أن تكون الطريق لتحقيق أهداف السوريين ومصالحهم.

على هذه الخلفية كلها، جاء تنفيذ تفاهم جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 – 2254. من هنا، يبدو أنّ مصدّري البيان المذكور أعلاه قد تجاوزوا في موقفهم كلّ هذا السياق التاريخي، وأثقلوا كاهل اللجنة الدستورية، أو بالأحرى الفريق المحسوب على الثورة منها، بما لا وزر لهم به ولا يمكن أن يُسألوا عنه أساسًا. لقد كان خيار “المعارضة السورية” بقبول مبدأ التفاوض مع النظام أولًا، ثم المشاركة في اللجنة الدستورية ثانيًا، الخيار المنطقي لتسلسل الأحداث ومسار الأمور عبر هذه السنوات الطوال.

وبالمناسبة، وإذا أردنا الإنصاف، لم يعترف النظام السوري بالثورة ولا بالمعارضة وهي في أوج قوتها، وعندما كان محاصرًا في دمشق وبعض مراكز المدن التي بقيت تحت سيطرته، لكنّه اضطرّ مجبرًا تحت وطء الضغوط الدولية الواقعة عليه، وخاصة من حليفه الروسي، إلى أن يعترف بها ندًّا له من خلال قبوله المشاركة معها في اللجنة الدستورية. ومن ينسى هذه الوقائع أو يتناساها عليه أن يشحذ ذاكرته قليلًا بالرجوع إلى تصريحات النظام العلنية منذ اليوم الأول للثورة.

يقول الدبلوماسي السوري الأستاذ بشار الحاج علي: “لقد كانت مشاركة النظام في اللجنة الدستورية، النصر السياسي والقانوني الأبرز لقوى الثورة والمعارضة السورية، ولا نبالغ إن قلنا ذلك أبدًا، لأنها تمثّل الاعتراف الوحيد -قانونيًا وسياسيًا- بوجودها ندًّا له وشريكًا معه في الحل النهائي”. يجب ألا ننسى أنّ النظام لم يفقد صفته التمثيلية الشرعية في أي مؤسسة وازنة في المجتمع الدولي، فهو حتى الآن الممثل القانوني الشرعي والوحيد للدولة السورية. وبقبوله صاغرًا بتقاسم هذه الشرعية مع من وصفهم سابقًا بالإرهابيين، يعني بالضرورة اعترافه بهم وإضفاء الشرعية عليهم، رغمًا عن أنفه.

وبالعودة إلى البيان المذكور أعلاه، نجده يستهلّ الحديث عن اللجنة الدستورية السورية باعتبارها خاضعة “للإشراف الروسي”، وهذا أمرٌ يجانب الصواب تمامًا، لأن الإشراف على تسيير أعمال اللجنة، دون التدخّل في مجريات الأحداث وما يتفق عليه الفرقاء، هو حصرًا بيد الأمم المتحدة، وهذا أمر واضح في قرار تشكيلها. ويتابع البيان القول: “لم يفوّض الشعب السوري أحدًا بتسمية لجنة دستورية ووضع دستور. كما لم تفوّض القرارات الدولية روسيا الاتحادية أو غيرها من الدول أو المنظمات بما فيها الأمم المتحدة بفرض لجنة تضع دستورًا للسوريين”. والحقيقة أنّ موقّعي البيان تناسوا أنّ المجتمع الدولي الذي أصدر القرارات الخاصة بالقضية السورية هو ذاته الذي يضبط إيقاع عمل اللجنة الدستورية وغيرها من مسارات التفاوض أو مسارات الحل الميداني، وأنّ ظروف الشعب السوري لم تسمح له في أي يومٍ من أيام الثورة بإيجاد الآلية المناسبة لاختيار ممثليه، ومنهم أغلب موقعي البيان الذين كانوا في الصف الأول من مواقع صنع القرار في مؤسسات الثورة والمعارضة.

وأخيرًا يخلص البيان إلى وصف عمل اللجنة بالقول: “إنّ ما يجري تحت اسم اللجنة الدستورية يعطي رسالة زائفة وينشر الوهم الكاذب عن استمرار العملية السياسية، في وقت يتم فيه تشويهها والتطاول عليها لحرفها عن مسارها، وإيجاد بديل عن العملية السياسية الحقيقية التي رسمتها القرارات الدولية وأقرتها الإرادة الدولية، ووافقت عليها قوى الثورة والمعارضة”. ويتحدّث عن وجوب عودة “الحل السياسي إلى مسيرة العملية السياسية التي تمّ تحديدها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262/67 وقراري مجلس الأمن 2118 – 2254” وهذا القول يعيدنا مجددًا إلى ذلك الخطاب المعتاد لممثلي قوى الثورة والمعارضة الذين ما فتئوا يطرحون الشعارات دون الآليات المناسبة لتنفيذها على أرض الواقع.

ليس هناك أدنى شكّ في أنّ مشكلة السوريين لم تكن مشكلة دستورية، وأنّ ثورتهم لم تكن لكتابة دستور جديد، لكنّ وجود لجنة مؤلفة من سوريين ممثلين عن جانبي الصراع -الثورة والنظام- لم يمنع في أي يوم من الأيام بقيّة القوى الوطنية من استكمال نضالها الثوري، سواءٌ المدني منه أم العسكري. على العكس من هذا، يجب أن يكون المنطق السائد هو ذاك الذي يحاول تعزيز المؤسسات السورية التي تشارك فيها المعارضة والتي تحظى باعتراف ودعم دوليين. القول بغير ذلك يعني أننا لم نخرج من إطار الشعبوية والبروباغاندا الإعلامية، ولم ندخل في إطار العمل السياسي الحقيقي. بل أكثر من ذلك، كانت انتقادات المجتمع الدولي تنصبّ باستمرار على فشل المعارضة في بناء مؤسسات حقيقية قادرة على قيادة العملية السياسية والانتقال إلى العهد الجديد، وهذا يصب حقيقة في مصلحة قوى الثورة والمعارضة السورية، التي عليها أن تستغلّ جميع الفرص المتاحة لبناء المؤسسات الوطنية المدعومة دوليًا، والمشاركة في الموجود منها، مثل اللجنة الدستورية، لا التخلي عنها وتركها للنظام كي يفرغها من مضمونها.

إنّ استمرار نهج التغيير الذي اختطّه السوريون لا يعني أبدًا هدم ما تمّ إنجازه من مؤسسات، بل إصلاحها إن عابها فسادٌ أو خلل، وتصويب مسارها إن شابَهُ انحرافٌ أو زلل. لم تشكّل اللجنة الدستورية بديلًا عن أي مؤسسة ثورية أخرى، ولم تكن عائقًا أمام تشكيل مؤسسات قويّة تمثل الثورة ومطالبها، ولكنّها قد تشكّل في المستقبل نواة مؤسسة يمكن البناء عليها لإنشاء جمعية وطنية تأسيسية، وهذا بحدّ ذاته كافٍ لبقائها ودعمها. من هنا، وجب علينا أن نقرأ بكلّ البراغماتية والواقعية الممكنة وضع اللجنة الدستورية السورية وآفاق تطورها

مركز حرمون

——————————

اللجنة الدستورية: بيدرسن يسبب الذعر للنظام/ عقيل حسين

يبدو أن الإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي إلى سوريا في مجلس الأمن غير بيدرسن الثلاثاء، والتصريحات الغربية حول عمل اللجنة الدستورية السورية، قد أحدثت صدمة واضحة في كل من دمشق وموسكو.

وبعد أن كان النظام وحليفته روسيا قد أظهرا منذ نهاية الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة بروداً تجاه مساعي استئناف أعمالها، عاد وفد الحكومة وأظهر الأربعاء استعداداً كاملاً للمشاركة في الجولة القادمة.

وكان لافتاً مسارعة وسائل إعلام النظام إلى تكثيف الأخبار والتقارير التي تتحدث عن استعداد “الوفد الوطني”، وهي التسمية التي يطلقها النظام على ممثليه في اللجنة الدستورية، للمشاركة في الجولة، القادمة من اجتماعات اللجنة، بل إن صحيفة “الوطن” الصادرة في دمشق قالت إن رئيس الوفد الحكومي أحمد الكزبري قد حدد مع بيدرسن موعد الجولة الرابعة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، على أن تتبعها جولة أخرى جديدة بعد خمسة أيام.

ونقلت الصحيفة عن مصدر لم تسمه أن “بيدرسن عقد لقاءين مع الكزبري خلال زيارته دمشق يومي الأحد والاثنين، وقدم اقتراحاً لحل الإشكال الذي وقع مؤخراً حول جدول أعمال الجولة الرابعة التي كان مقرراً أن تنعقد في 5 تشرين الأول/أكتوبر الحالي”، وأن “الكزبري أبلغ بيدرسن موافقة وفده على المقترح”، إلا أن المفاجأة أن الأخير لم يعلن ذلك، واكتفى بالقول إنه “ليس لدينا اتفاق حتى الآن.. وبالطبع لا يمكن الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”.

والواضح أن أكثر ما أثار حفيظة النظام في مداخلة بيدرسن هي دعوته لاطلاق مسارات سياسية أخرى إلى جانب مسار اللجنة الدستورية، أي بمعنى إعادة تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالي تمهد مع الأمم المتحدة لبيئة آمنة من أجل تنظيم انتخابات حرة وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين.

وإلى جانب ذلك، فقد كان لافتاً الموقف الغربي غير المتوقع تجاه عمل اللجنة الدستورية، سواء من حيث الزخم أو عدد الدول التي شاركت في التعبير عنه بعد تصريحات بيدرسن، حيث شنّ مندوبو الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا هجوماً عنيفاً على النظام وروسيا، مؤكدين مسؤولية دمشق عن إعاقة عمل اللجنة الدستورية، وطالبوا بالعمل على بدء التفاوض من أجل انتقال سياسي حقيقي.

يجري كل ذلك وسط تجاهل وصمت روسي تعتقد المعارضة أنه صمت ظاهري فقط، بينما عملياً فإن موسكو لا تزال هي من يملي على النظام مواقفه، بما في ذلك إعلانه الأخير حول استعداد وفده للمشاركة في الجولة الرابعة من الاجتماعات، بعد أن كانت أملت عليه رفض انعقاد هذه الجولة الشهر الماضي.

وحسب مصادر المعارضة فإن موسكو، وكتعبير عن الانزعاج الكبير من تصعيد الإدارة الأميركية والدول الأوربية العقوبات الاقتصادية على النظام، قررت تعطيل عمل اللجنة الدستورية وعدم الحديث عن أي مسار سياسي واظهار الدعم المطلق لتوجهات النظام في تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، قبل أن تُفاجَأ بالتوجه الأممي والغربي خلال جلسة مجلس الأمن نحو تجاوز اللجنة الدستورية والعودة إلى محددات قرارات مجلس الأمن.

وعليه فإن المعارضة تشعر اليوم بأنها اتخذت الموقف السليم طيلة العامين الماضيين في ما يتعلق باللجنة الدستورية بعد أن انفضح موقف النظام وحلفائه، ليس أمام العالم وحسب بل داخليا أمام مناصريه. وعلى الرغم من إقتناعها بعدم جدية النظام وبأنه يماطل ويناور فإن المعارضة أكدت استمرارها بالالتزام بأعمال اللجنة، حسب عضو الوفد الممثل عنها العميد إبراهيم الجباوي الذي أكد ل”المدن”، أنه تم ابلاغ بيدرسن جاهزية الوفد للجولة القادمة واستعداده لسماع ما يقوله النظام ومناقشته لكن في إطار مناقشة المضامين الدستورية وليس المبادئ التي طال الحديث حولها وبات من الواجب الانتقال لما بعدها.

لكن الجباوي بدا واثقاً من أن النظام لم يعط بيدرسن في زيارته الأخيرة إلى دمشق موافقة على موعد جديد لاستئناف أعمال اللجنة، ولو أنه فعل لكان الأخير أعلن على الفور وأبلغنا بذلك. وعلى أي حال، يضيف الجباوي، “كنا متأكدين أن النظام وبإملاء روسي لن يكون متجاوباً مع مساعي بيدرسن وسيقوّض أي محاولات يبذلها بانتظار الانتخابات الأميركية القادمة أو التمكن من الحسم العسكري”.

موقف متقارب أعلنته عضو اللجنة الدستورية عن وفد المجتمع المدني سميرة مبيض، حيث أكدت أن الدعوات للانسحاب من اللجنة أو تعطيل أعمالها يخدم في الواقع رغبة النظام ويتلاقى معها، ومن الضروري الحفاظ على هذا المسار الذي سبب إحراجاً كبيراً له.

وأضافت في تصريح ل”المدن”، أن “النظام لا يريد التعطيل بل يعطل فعلياً ومن دون الضغط الروسي لم يكن ليوافق على تشكيل اللجنة الدستورية، ودون توافق دولي لن تسير أعمال هذه اللجنة، ودون دستور سوري لن يكون هناك تغيير سياسي..هي سلسلة مترابطة”.

يتناقض موقف وفدي المعارضة والمجتمع المدني في اللجنة الدستورية مع موقف طيف واسع في المعارضة يطالب بالانسحاب من اللجنة الدستورية ويعتبر أنها مجرد إضاعة للوقت وغطاء للنظام وحلفائه، بينما تؤكد وجهة نظر المتمسكين باللجنة على أن التطورات الأخيرة أثبتت صحة وجهة نظرهم، بينما يبدو النظام وحليفته روسيا مستمرين في سياسة التلاعب والمماطلة طالما أن الضغوط الدولية الحقيقية غائبة إلى حد يمكن أن يجعل غير بيدرسن نفسه يعلن وفاة اللجنة الدستورية التي لطالما كان من أشد المتحمسين لها.

المدن

——————————

اللجنة الدستورية إلى أين؟/ حسن النيفي

لم يمهل بوتين المبعوث الدولي السيد غير بيدرسون كثيراً، ولم ينتظره حتى يقدّم إحاطته عن الشأن السوري أمام مجلس الأمن، إذ بادرت طائراته إلى شن غارة جوية على جبل الدويلة يوم الإثنين الفائت ( 26 – 10 – 2020 ) مستهدفةً معسكراً تدريبياً لفيلق الشام، ما أودى بحياة أربعين من عناصر الفيلق، وإصابة حوالي ثمانين آخرين.

إلّا أن هذا الاستهداف الروسي لفصيل شريك له في كافة مسارات التفاوض ( جنيف – أستانا ) لم يكن ليحرج بيدرسون كثيراً، إذ – وكما هو معتاد – قدّم تقريراً مفصلاً لمجلس الأمن في 27 – 10 – 2020 عن مجمل ما مرّ من أحداث وقعت منذ  انتهاء الجولة الثالثة من لقاءات اللجنة الدستورية وحتى ساعة إعداده لتقرير الإحاطة، وحين ذكر الغارة الجوية الروسية كان حريصاً جداً على أن يتبعها على الفور بالحديث عن ردّ الفصائل العسكرية المتمثل باستهداف بعض المواقع لقوات النظام والروس معاً، وبهذا يكون ما حصل – وفقاً لبيدرسون – خرقاً متبادلاً للتهدئة المبرمة بين الجانبين التركي والروسي في الخامس من آذار الجاري، وبهذا – أيضاً – يكون بيدرسون قد أعفى نفسه من القول أو الإشارة على الأقل بأن الروس هم من بدؤوا بخرق الهدنة.

لعلّ الثقة الزائدة لبوتين فيما يقوم به المبعوث الدولي الحالي، لا تقل عن ثقته بسلفه ستيفان ديمستورا، إذ إن كلا الرجلين كان مؤدّباً للغاية، ولم يحاول كلاهما منذ العام 2014 وحتى الساعة الخروج عمّا ترسمه روسيا وتعمل لتحقيقه، إذ تحوّل العدوان على حلب الشرقية وتهجير أهلها ( نهاية العام 2016 ) من جريمة بحق الإنسانية إلى منطلق جديد لمسار تفاوضي ( أستانا مطلع العام 2017 ) وفي حين أنه كان مرسوماً لهذا المنطلق أن يكون مساراً خاصاً بالشان الميداني والإنساني ( وقف إطلاق النار – فك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة – البحث في قضايا المعتقلين والمغيّبين ) ولكن سيرورته بدأت تكشف منذ البداية عن أنه التفاف روسي على مسار جنيف، ومحاولة روسية لتحييد القرارات الأممية عن أي حل سياسي، موازاة مع استمرار الحرب الروسية على المدن والبلدات والقرى التي نزح معظم سكانها وتحولوا إلى لاجئين.

لقد انقضى أربعة عشر لقاء من أستانا ولم يتحقق نتيجة تلك اللقاءات مجتمعة أيٌّ من شعاراته الزائفة، إذ لقد تحولت مناطق خفض التصعيد إلى هدف لقوات النظام والروس، إلى أن تمكنوا من السيطرة عليها كاملةً، كما باتت القضايا الإنسانية المشار إليها في البنود ( 12 – 13 – 14 من القرار 2254 ) راكدة لا أحد يجرؤ على إثارتها.

ولئن تشكّل مسار أستانا نتيجة لتفاهم ثلاثي – روسي – تركي – إيراني – إلّا ان المظلة الأممية لم تكن بعيدة عنه، بل لعل ديمستورا كان الأكثر ترحيباً به باعتباره مساراً مكمّلاً أو رديفاً لمفاوضات جنيف التي برع ديمستورا أيّ براعة في شرخها في 23 شباط 2017 ( لقاء جنيف 4 ) حين استطاع إقناع هيئة التفاوض بقبول فكرة ( السلال الأربعة)، مؤكّداً في الوقت ذاته ( تأكيداً شفهياً فحسب) بأن التفاوض حول سلة الدستور سوف يكون متزامناً مع التفاوض حول بقية السلال، تحت شعار ( الاتفاق على كل شيء أو لا شيء).

من المؤكّد أن إصرار الروس على أن يكون لقاء سوتشي( 30 – 1 – 2018 ) مفصلاً أساسياً في عملية التفاوض، باعتباره منطلقاً لتشكيل اللجنة الدستورية، قد أتاح لنظام الأسد فضاءات واسعة للتهرّب والتفلّت من أي استحقاق تحمله القرارات الأممية، ذلك أن أهمّ ما يريده نظام الأسد هو استبعاد العامل الزمني، والدخول في نفق من المماطلة من خلال التركيز على الهوامش والهروب من المتن، تحقيقاً للوعد الذي أطلقه وليد المعلم ( سنغرقهم بالتفاصيل)، ولعل إصرار وفد نظام الأسد في اللقاء الثالث للجنة الدستورية على أولوية مناقشة ( المبادئ الوطنية) يشي بكثير مما يريده الروس والنظام معاً، ومن غير المستبعد أن يستمر النقاش بين وفود لجنة الدستور حول هذه المسائل فترة طويلة من الزمن، ذلك أن المراد منها هو استثمار الوقت دون الوصول إلى نتيجة، وخاصة ان عملية هذا الاستثمار تحظى بغطاء أو تبرير من الجهة الأممية ذاتها.

استراتيجية بوتين المتماهية مع رغبة نظام الأسد حيال العملية التفاوضية باتت واضحة المعالم، كما بات واضحاً أيضاً أن كل ما قيل ويقال عن ضغوطات روسية تُمارس على بشار الأسد لدفعه نحو الانخراط في التفاوض لا يستند إلى أي معطى حقيقي، ذلك أن تأكيد كلّ من لافروف ووليد المعلم في مؤتمرهما الصحفي أثناء زيارة وفد روسي إلى دمشق في السابع من أيلول الماضي على مسألتين اثنتين : ( لا يوجد سقف زمني لأعمال اللجنة الدستورية – ستجري انتخابات الرئاسة في موعدها المحدد بعيدا عن مجريات لجنة الدستور) لهو كلام بالغ الدلالة على عدم  وجود أي تباين فيما يسعى إليه الطرفان.

قدرة بوتين على إخضاع مسار المفاوضات بشطريه ( أستانا وجنيف) على أن يسير وفقاً لمصالحه وأهدافه كان متوازياً طيلة الفترة السابقة مع استجابة وفود التفاوض في المعارضة السورية إلى حيث أراد الروس، وبعيداً عن الأسباب والبواعث التي تكمن وراء هذه الاستجابة، فإن بواعث القلق ربما بدات تتراكم أسرع من ذي قبل، ليس لدى المواطنين السوريين فحسب، بل لدى هيئة التفاوض والائتلاف معاً، وخاصة في ظل الاستعصاءات الراهنة في عمل اللجنة الدستورية، إذ إن السؤال الذي يتحاشى مواجهته جميع مفاوضي المعارضة، سياسيين وعسكريين، هو: ما هي خياراتكم المتاحة فيما إذا فشلت أعمال اللجنة الدستورية واستمر الروس والنظام بعدوانهم على السوريين؟ وهل ثمة خطط رديفة للتعاطي مع القضية السورية بأساليب أخرى؟ هذه التساؤلات ربما تتماهى اليوم مع ما جاء في تقرير بيدرسون المشار إليه آنفاً، حين أشار – وربما لأول مرة – إلى أن إحلال السلام في سوريا يحتاج إلى جهود أخرى تتجاوز أعمال لجنة الدستور، فهل تستبطن إشارته تلك بعض الإحباط الناتج من لقائه بمسؤولي النظام وإصرارهم على المماطلة والمناورة دون الانخراط الجدي في المفاوضات، أم لديه أفكار أخرى لم يشأ الإفصاح عنها؟

تلفزيون سوريا

——————————

روسيا تحرك مبادرة عودة النازحين السوريين بعد تجميدها لعامين معلومات عن طلب الأسد ضمان بقائه في الحكم مقابل السلام مع إسرائيل/ دنيز رحمة فخري

بعد تجميدها لسنتين، تحاول روسيا إحياء مبادرتها المتعلقة بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، في توقيت يرتبط حكماً بالمسارين السياسي والعسكري للواقع السوري، وبمتغيرات الشرق الأوسط، حيث نجحت روسيا في حجز موقع لها على طاولة تقرير مصيره، منذ أن بدأ جيشها بتنفيذ ضربات جوية على مواقع المعارضة السورية ليل 30 سبتمبر (أيلول) 2015.

من طهران إلى بيروت

من روسيا مروراً بإيران والأردن وصولاً إلى لبنان، بدأ الوفد الروسي زيارة متعددة الأبعاد، أول أهدافها التحضير لمؤتمر عام يعقد في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مخصص لعودة النازحين السوريين الموجودين في دول الجوار، أي لبنان والأردن والعراق وتركيا. فبعد إلغاء وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارته إلى بيروت لأسباب برّرها مصدر مقرّب من الخارجية الروسية، بأن لها علاقة بانشغال موسكو بأكثر من ملف ساخن، إضافةً إلى استضافتها اللقاءات المرتبطة بالأزمة الأذربيجانية – الأرمينية، قررت روسيا إرسال وفد إلى بيروت، عرّج في طريقه على طهران، حاملاً معه إلى المسؤولين في لبنان دعوةً رسمية إلى المشاركة في مؤتمر عودة النازحين.

ويرأس الوفد رئيس المركز القومي لإدارة الدفاع في روسيا ميخائيل ميزنتساف، ويضم الممثل الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، المكلف بالملف السوري ألكسندر لافرانتييف وموفد وزير الخارجية المكلف تسوية الأزمة السورية ألكسندر كينسشاك وعدداً من المساعدين الكبار، العسكريين والمدنيين. وعلمت “اندبندنت عربية” أن الوفد الروسي سيلتقي خلال زيارته إلى بيروت التي تستمر يومين، كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إضافة إلى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، إذا سمحت صحته بذلك بعد إصابته بفيروس كورونا خلال زيارته إلى واشنطن.

ما الذي تغيّر لتحريك ملف النازحين مجدداً؟

عندما أطلقت روسيا في عام 2018 مبادرةً لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، اصطدمت بموقف أميركي وآخر أوروبي وعربي برفض البحث بأي عودة قبل الحلّ السياسي، ومن ضمنه الاتفاق على مصير بشار الأسد ونظامه. وحال الرفض العربي والدولي والأوروبي دون المضي بالمبادرة الروسية التي جمّدت بانتظار الوقت المناسب. فهل في إعادة إحيائها مؤشر لحلّ سياسي بات قريباً؟

يشرح مصدر مقرّب من وزارة الخارجية الروسية أن تقدماً تحقق في المفاوضات الحاصلة بين النظام والمعارضة السورية في جنيف، دفع موسكو إلى التفكير مجدداً بتحريك ملف النازحين، وإن كان التقدم كما يعترف المصدر لا يعدو كونه أجواء إيجابية محيطة بالمفاوضات لم ترقَ بعد إلى مستوى الاتفاق على الدستور الجديد أو الإصلاحات.

وفيما كشف مصدر مطلع أن عائقاً أساسياً قد يفرض تأجيل المؤتمر إلى ما بعد نوفمبر المقبل، وأن مكان عقده قد يتبدّل من دمشق إلى كازخستان، وذلك بعد رفض معظم الدول الحضور إلى العاصمة السورية، علماً أن لبنان يمكن أن يمثل وفق المصادر بسفيره في سوريا، لكن من الصعب أن يخرج عن الإجماع العربي والدولي في هذا، علماً أن المحاذير السياسية الدولية والعربية التي حالت دون التقدم في المبادرة الروسية عام 2018، لا تزال موجودة باستثناء مؤشرات جديدة يصفها المصدر المقرب من وزارة الخارجية الروسية بالحلحلة في مواقف الدول الخليجية والتقاء روسي – عربي في أكثر من ملف في المنطقة، وهو ما شجّع موسكو على تحريك ملف عودة النازحين الآن والاستفادة من التقارب الحاصل مع الدول العربية التي تشكل مباركتها ضمانةً لإعادة الإعمار وتوفير الشروط اللوجستية والحياتية المطلوبة للعودة.

روسيا تعول على حلحلة في الموقف العربي

وفيما يكشف المصدر السياسي المقرب من وزارة الخارجية الروسية عن أن الآلية المقترحة لعودة النازحين لم تحدّد بشكل نهائي وهي قابلة للنقاش في المؤتمر الذي تعمل على عقده، يبدو أن هذه الآلية ترتبط بالنتائج النهائية للمفاوضات الحاصلة بين النظام السوري والمعارضة، لحسم الجهة المعارضة التي ستشملها العودة، علماً أن اللقاءات مع كل أطياف المعارضة حددت شروطاً أساسية، على النظام احترامها إذا نجحت المفاوضات.

وتقرأ روسيا في تطورات حصلت في أكثر من ملف، فرصة يمكن الاستفادة منها لإنهاء الملف في سوريا، بدعم عربي. ويذكر المصدر الروسي في هذا المجال، تطورات تبادل الأسرى في اليمن والتبريد العسكري هناك، إضافةً إلى التعايش الحاصل بين طرفي النزاع في العراق، كلها تطورات ووقائع ترى فيها موسكو تقدماً في الموقف العربي يمكن التأسيس عليه للمضي قدماً في ملف سوريا، على اعتبار أن الاتفاق مع الدول العربية لا سيما مساهمتها في إعادة الإعمار سيقطع الطريق على الصين التي تقدم نفسها متطوعاً أوّلاً للإعمار، وخلفها إيران.

السلام مع إسرائيل والمبادرة الروسية، تزامن الصدفة؟

هل يمكن فصل زيارة الوفد الروسي إلى لبنان وتحريك ملف إعادة النازحين السوريين، عن اتفاقيات السلام بين دول عربية وإسرائيل؟ في زيارته الأخيرة إلى سوريا، كان لافروف نصح نظام الأسد بضرورة التفاوض مع إسرائيل، والعمل على تخفيف الوجود الإيراني في سوريا. واللافت أن مبعوث لافروف الخاص إلى سوريا المعيّن حديثاً والمكلف بهاتين المهمتين هو في عداد الوفد الروسي الذي يزور بيروت.

وتكشف مصادر دبلوماسية أن الأسد طلب في مقابل الاتفاق مع إسرائيل، البقاء في الحكم ودعمه في الانتخابات المقررة في فبراير (شباط) المقبل، لكن المصدر الدبلوماسي المقرّب من الخارجية الروسية ينفي أي محاولة روسية لتثبيت الأسد، موضحاً أن “موسكو ستترك القرار للشعب السوري الذي عليه أن يختار بحرية ومن دون أي تدخل خارجي”، علماً أن المسؤولين الروس يعتبرون أن الأسد أعاد بناء الدولة ومؤسساتها، بالتالي أعاد الاستقرار الذي هو الشرط الأول لعودة النازحين الموجودين في دول الجوار وكذلك في دول أوروبا. ومقابل قبوله بإعادة النازحين سيترتب على الدول المضيفة القبول به رئيساً دائماً على سوريا. أما في شأن الوساطة الروسية بين الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تربطه ببوتين علاقة مميزة، فإن موسكو تعتبر أن الأولوية في العلاقة العربية – الإسرائيلية تبقى لفلسطين، وهم يردّدون بأنهم مع السلام العادل مع ما تحمله هذه العبارة من تفسيرات مختلفة، علماً أن مصادر دبلوماسية كشفت عن أن أميركا سعت أيضاً عبر وسطاء كثر لدى الأسد إلى دفعه نحو السلام مع إسرائيل.

اتدبندنت عربي

—————————–

رفض التطبيع مع الأسد..يطيح بمؤتمر اللاجئين السوريين

تضاربت الأنباء حول تأجيل “المؤتمر الدولي حول اللاجئين السوريين”، الذي تعدّ روسيا والنظام السوري لعقده يومي 11-12 تشرين الثاني/نوفمبر، في دمشق.

وبعد ترجيح مصادر روسية أن يتم تأجيل موعد وتغيير مكان انعقاد المؤتمر، بسبب رفض الأطراف الدولية المشاركة في المؤتمر، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، بسام البني، إن قرار المؤتمر لم يُحسم بعد.

وأضاف ل”المدن”، أن “إنجاح المؤتمر يتطلب حضوراً دولياً كبيراً، وفي حال لم يتحقق ذلك، فالأرجح أن يتم إلغاء أو تأجيل المؤتمر”.

ويبدو أن للأمم المتحدة القول الفصل بانعقاد المؤتمر، فموافقتها على الحضور فيه، كافية من وجهة نظر روسيا، لإعطاء المؤتمر الصبغة الدولية، وهو ما لم يتضح بعد.

وفيما أشار البني، إلى استمرار وزارة الخارجية في حكومة النظام للسوري، بإرسال الدعوات لحضور المؤتمر، تحدث عن موافقة العراق ولبنان على الدعوة حتى الآن، وهو ما يؤكد الأنباء المتداولة عن عدم التجاوب مع المؤتمر من قبل الأطراف الدولية.

وحول الموقف الروسي، قال إن روسيا تدعم بقوة عقد المؤتمر لأن مصلحتها تتطلب إعادة اللاجئين السوريين، والتطبيع مع دمشق، لكسر الحصار المفروض على الأخيرة، وكذلك لأن البلاد تتطلب الموارد البشرية، للمساعدة في إعادة الحياة للاقتصاد.

ومن غير المستبعد أن توافق روسيا تحت الرفض الدولي للتوجه إلى دمشق، على تغيير مكان انعقاد المؤتمر، من دمشق، غير أن البني استبعد ذلك قائلاً: “لا يمكن لمؤتمر مخصص للاجئين إلا أن يكون في دمشق”.

وفي إطار التحركات الروسية لعقد المؤتمر، أجرى المبعوث الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنيتييف الثلاثاء، اجتماعاً عبر الفيديو مع الملك الأردني عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي.

و حسب تأكيد مصدر في الخارجية الروسية ل”العربي الجديد”، فإن “الإعداد لعقد المؤتمر نوقش أثناء زيارة لافرنتييف، إلى طهران ولقائه مع مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي أصغر حاجي”، وبذلك يتضح أن روسيا لا زالت تعمل على عقد المؤتمر.

وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الجمعة، أن دمشق ستعقد مؤتمراً دولياً للترويج لعودة اللاجئين، تشارك في تنظيمه روسيا، مشيرة إلى الآمال الروسية بأن يساهم المجتمع الدولي في حل هذه القضية الإنسانية.

——————————

روسيا التي تبحث عن منقذ/ منير الربيع

تتسارع الأحداث الإقليمية والدولية وتحفل بالتطورات والمتغيرات. المزيد منها سيأتي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. ستكون روسيا أكثر القوى المتأثرة بنتيجة الانتخابات. دونالد ترامب هو المرشح المفضل لروسيا بينما جو بايدن هو المرشح المفضل للصين. الأرقام حتى الآن تشير إلى تقدم بايدن على ترامب، ولكن يستحيل الحسم، والمفاجآت ممكنة في مثل هذا الاستحقاق على غرار ما حصل بين ترامب وهيلاري كلينتون. بفوز بايدن ستتحسن العلاقة الصينية الأميركية، على حساب العلاقة الأميركية الروسية التي كانت في أوجها عند مؤتمر هلسنكي بين ترامب وفلاديمير بوتين.

تأتي الانتخابات على وقع ضربات كثيرة تتلقاها روسيا، من البحر الأسود الذي تكتشف فيه أنقرة كميات هائلة من الغاز، الأمر الذي سيؤثر سلباً على العلاقة مع موسكو، لأن العلاقة التاريخية والمصلحة بين الطرفين ترتبط باستيراد تركيا للغاز الروسي، بفعل الاكتشافات التركية لن تعود هناك حاجة إلى الغاز الروسي الأمر الذي سيرتد سلباً على اقتصاد موسكو. حتى التفاهمات التي نسجت حول سوريا تهتز وقابلة للتفجر في أي لحظة. العلاقة سيئة في ليبيا، كما في الصراع الدائر حول أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ.

ومن أكبر مخاوف الروس هو الوصول إلى اتفاق أميركي إيراني ما بعد الانتخابات، سينعكس سلباً على دور موسكو بشكل جذري، وهذا قابل لأن يتحقق في حال فوز جو بايدن، إذ كانت إيران قد أبرمت معاهدة استراتيجية مع الصين وليس مع روسيا فيما تعتبر طهران أن تجربتها في الأسلحة الروسية سيئة جداً، منذ صفقة صواريخ إس 300، إلى التأخير بتسليمها، وصولاً إلى ضربها من قبل الطائرات الإسرائيلية، كما ضربت هذه القواعد والبطاريات في أذربيجان من قبل حلفاء تركيا. ولكن على إيران أن تقف باهتمام أمام سقوط “تفاهمات أستانا” بانعكاسها على هذه العلاقة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا، ما يعني مزيدا من الإضعاف لدورها مستقبلاً.

في المقابل تتصاعد مؤشرات الحرب الروسية التركية. من ليبيا، وتصاعد التوتر في سوريا بعد الضربة الروسية التي وجهت إلى فيلق الشام. لا يبدو أن هذا الصراع قابل للتوقف، إنما سيتوسع إلى قبرص، واليونان، كذلك بين أرمينيا وأذربيجان، كل هذه المقاومات ستقود إلى مزيد من التصدعات في بنية محور الممانعة، وستنعكس على العلاقة الإيرانية الروسية. هنا لا بد من العودة إلى ضربة الطائرات التركية لعناصر من حزب الله في إدلب قبل أشهر.

 عندما كان السلطان سليم يريد مهاجمة إيران، قرر فيما بعد الاتجاه جنوباً وخاض معركة مرج دابق، حالياً يتكرر السيناريو نفسه، في الاهتمام التركي بالجنوب، ليس في سوريا فقط بل في لبنان مستقبلاً، وعلى وقع توتر العلاقة مع إيران وروسيا. هنا لا بد من العودة التاريخية إلى النظرة التركية لأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة كلها مدخله سوريا. على الرغم من انسحاب الأتراك من بعض نقاط المراقبة قبل فترة، إلا أن ذلك لن يؤدي إلى مزيد من التنازلات أو التراجعات بل في سبيل تعزيز الوجود في مناطق أخرى.

لا يمكن لتركيا أن تتخلى عن سوريا، وهي التي لا تتمتع فقط بالمناطق الحدودية المحاذية على خطّ طويل، إنما تتمتع بالقدرة المالية والبشرية والثقافية والعسكرية والتكنولوجية لتوسيع النفوذ وتمكينه، بينما إيران لن تكون قادرة على توسيع نفوذها في سوريا أكثر مما بلغته. أما روسيا ففي واقع مأسوي، بعد خمس سنوات على التدخل لم تنجح موسكو في تحقيق أي اتفاق حول الحل السياسي، غير قادرين على السيطرة على الواقع ولا تقديم أي دعم مادي لسوريا التي يجتاحها الفقر باستفحال دون أي قدرة لتوفير مقومات البقاء والصمود البشري والاجتماعي. فيما أعطى الوجود الروسي فرصة لتركيا لتثبيت مواقعها في الشمال، وأميركا في الشرق، وإسرائيل في الجنوب، وهذا بحد ذاته يتعارض مع الطرح الروسي الثابت بأنهم يريدون سوريا موحدة.

 تلفزيون سوريا

 ——————————-

الأسد والروس يحاولون إنقاذ مؤتمر اللاجئين

استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد الخميس، وفداً روسيا من وزارتي الدفاع والخارجية برئاسة مبعوث الرئيس الروسي الخاص، ألكسندر لافرنتييف.

وتمحور اللقاء حول المؤتمر الدولي عن اللاجئين الذي من المفترض أن ينعقد في دمشق الشهر المقبل والجهود التي يبذلها الجانبان تحضيراً لخروج هذا المؤتمر ب”نتائج إيجابية تساهم في تخفيف معاناة اللاجئين السوريين وإتاحة المجال لعودتهم إلى وطنهم”، بحسب ما ذكر الحساب الرسمي لرئاسة الجمهورية العربية السورية على “تويتر”.

وبحسب الصفحة، تطرقت المحادثات إلى التحديات التي تواجه المؤتمر وخاصة محاولات بعض الدول لمنع عقده وإفشاله أو ممارسة الضغوط على دول راغبة بالمشاركة، و”كان هناك اتفاق حول أن استمرار تلك الدول بتسييس هذا الملف الإنساني تظهر وجهها الحقيقي أمام الرأي العام العالمي، وهي لن تنجح في مساعيها”.

وتضاربت الأنباء حول تأجيل المؤتمر الذي تعدّ روسيا والنظام السوري لعقده يومي 11-12 تشرين الثاني/نوفمبر، في دمشق. وبعد ترجيح مصادر روسية أن يتم تأجيل موعد وتغيير مكان انعقاد المؤتمر، بسبب رفض الأطراف الدولية المشاركة في المؤتمر، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، بسام البني، إن قرار المؤتمر لم يُحسم بعد.

ويبدو أن للأمم المتحدة القول الفصل بانعقاد المؤتمر، فموافقتها على الحضور فيه، كافية من وجهة نظر روسيا، لإعطاء المؤتمر الصبغة الدولية، وهو ما لم يتضح بعد.

وفي إطار التحركات الروسية لعقد المؤتمر، أجرى ألكسندر لافرنيتييف الثلاثاء، حواراً عبر الفيديو مع الملك الأردني عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي. وحسب تأكيد مصدر في الخارجية الروسية فإن “الإعداد لعقد المؤتمر نوقش أثناء زيارة لافرنتييف، إلى طهران ولقائه مع مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي أصغر حاجي”، وبذلك يتضح أن روسيا لا زالت تعمل على عقد المؤتمر.

وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا يوم الجمعة الماضي، أن دمشق ستعقد مؤتمراً دولياً للترويج لعودة اللاجئين، تشارك في تنظيمه روسيا، مشيرة إلى الآمال الروسية بأن يساهم المجتمع الدولي في حل هذه القضية الإنسانية.

———————-

مؤتمر دمشق للاجئين: دعوة روسية تشعل نار العلاقة بالأسد

مؤتمر دمشق للاجئين: دعوة روسية تشعل نار العلاقة بالأسد عون: لبنان لم يعد يتحمّل أعباء اللاجئين (دالاتي ونهرا)

جال الوفد الروسي، برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشؤون السورية الكسندر لافرنتييف، على الرؤساء الثلاثة لإطلاعهم على أجواء المؤتمر الدولي التي تنوي موسكو عقده في دمشق يومي 11 و12 تشرين الثاني المقبل، حول ملف عودة اللاجئين السوريين. فالتقى الوفد كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.

يأتي الوفد الروسي إلى بيروت، لتوجيه دعوة إلى الدولة اللبنانية للمشاركة في هذا المؤتمر نظراً لمئات آلاف اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم لبنان منذ عام 2012. ومن شأن هذه الدعوة أن تفتح السجال المتفجّر حول العلاقة مع نظام الأسد، من جديد، خصوصاً أنّ أياً من الرؤساء الثلاثة لم يؤكد حضور المؤتمر. ومن بين الأسئلة التي يمكن طرحها اليوم حول مشاركة لبنان، السؤال عن عودة التواصل مع نظام الأسد، عن إمكانية تمثّل لبنان في المؤتمر وهوية الممثّل، ودور حكومة تصريف الأعمال في هذا المجال، إضافةً إلى موقف الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة من هذا الموضوع. فيبدو أنّ الدعوة ستفتح سجالاً كان نائماً تحت الرماد منذ أشهر.

عون: تداعيات سلبية

وأكد الرئيس ميشال عون، خلال لقائه الوفد الروسي على ضرورة “إيجاد حل سريع يحقق عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، لا سيما وأن مناطق عدة في سوريا باتت مستقرة بعد انتهاء القتال فيها”. ولفت عون إلى أنّ لبنان “لم يعد قادراً على تحمّل المزيد من التداعيات السلبية لهذا النزوح الذي كبد لبنان خسائر تجاوزت الـ40 مليار دولار أميركي وفق أرقام صندوق النقد الدولي”. وأضاف عون أنّ “وجود نحو مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان ونحو 500 ألف لاجئ فلسطيني، يشكّل مجموعهم نصف سكان لبنان، يؤثر سلباً على مختلف القطاعات فيه، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها وتداعيات جائحة كورونا فضلاً عن الخسائر التي حصلت نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت”. وأشار عون إلى أنّ المبادرة الروسية التي انطلقت في العام 2018 لايجاد حل لازمة اللاجئين السوريين لم تكتمل “بسبب مواقف عدد من الدول الغربية التي لم توفّر التمويل اللازم لهذه المبادرة”.

الحل السياسي واللاجئين

واعتبر عون أنّ ربط عودة اللاجئين بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية “هو أمر غير مشجع”، مضيفاً أنّ القضية الفلسطينية تنتظر منذ 72 عاماً “ولم يأت الحل العادل والشامل لها، وكذلك القضية القبرصية”. وأشار إلى أنّ “المساعدات الدولية التي تقدم للنازحين السوريين ينبغي أن تقدم لهم في سوريا، لأنّ ذلك يشجعهم على العودة ويضمن استمرار مساعدتهم”، وأعرب عن أمله في انعقاد مؤتمر جديد للبحث في قضية. كما شكر عون روسيا على المساعدات التي قدّمتها للبنان بعد انفجار المرفأ من خلال الجسر الجوي الذي أقامته موسكو مع بيروت، إضافة إلى استحداث مستشفى ميداني لمعالجة الجرحى والمصابين.

لافرنتييف: نأمل مشاركتكم

وكان لافرنتييف نقل في مستهل اللقاء الى الرئيس عون “تحيات الرئيس بوتين وتمنياته له بالتوفيق وللشعب اللبناني التقدم والازدهار”، كما نقل تعازي الرئيس الروسي “بضحايا الانفجار في مرفأ بيروت”، مؤكداً على “وقوف روسيا إلى جانب لبنان لا سيما في الظروف الصعبة التي يمر بها”. ونوّه لافرنتييف “بقدرات الشعب اللبناني على تجاوز المحن التي يواجهها”، مركّزاً على “العلاقة التي تربط روسيا بلبنان والتي كانت المساعدات الروسية التي أرسلت إلى بيروت خير دليل على هذه العلاقة”، مشددا على استعداد بلاده “لتقديم الدعم على مختلف أنواعه، لا سيما لإعادة تأهيل البنى التحتية التي تضررت”. وعرض لافرنتييف للأسباب التي دفعت بلاده “للدعوة إلى مؤتمر دولي في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني المقبل والمخصص لعودة النازحين السوريين، بهدف إيجاد الظروف المناسبة لتأمين العودة الطوعية لهم إلى بلادهم”، متمنياً “مشاركة لبنان في هذا المؤتمر”، ومؤكداً اهتمام بلاده “في إيجاد الظروف المناسبة لهذه العودة للراغبين بذلك”.

لقاء بري ودياب

وزار الوفد الروسي مقرّ الرئاسة الثانية، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وعرض معه أجواء المؤتمر المنوي عقده في العاصمة السورية. وقد أبدى بري تشجيعه وتجاوبه مع كل ما يخدم المصلحة الوطنية اللبنانية، مؤكداً أنه “ما زال على موقفه المعلن في هذا الإطار منذ عام في القصر الجمهوري”. وكان اللقاء مناسبة وجه فيها بري الشكر لروسيا على “الدعم والمؤازرة اللذين قدمتهما للبنان في أعقاب انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي”.

وفي السرايا الحكومية، التقى الوفد الرئيس حسان دياب حيث تم “التداول في أهمية عقد مؤتمر دمشق”. وحسب البيان الصادر عن السرايا، “تمنى الوفد أن يتمثل لبنان فيه بأعلى مستوى، كما أشار إلى أن ظروف عودة النازحين إلى بلدهم متوافرة، بحيث أن الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة السورية أصبحت آمنة، مع التأكيد أن النازحين يريدون العودة إلى ديارهم”. وأضاف البيان نفسه أنّ “الوفد أعرب عن تقديره للجهود اللبنانية الكبيرة لاستضافة النازحين السوريين وانعكاسها على ظروفهم الحياتية والاقتصادية والمالية، والتي تفاقمت بفعل جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت”. من جهته، رحّب الرئيس حسان دياب بـ”المبادرة الروسية وهي تتوافق مع الورقة السياسية العامة لعودة النازحين السوريين التي أقرها مجلس الوزراء بالاجماع بتاريخ 14 تموز 2020″، فسلّم دياب الوفد نسخة من هذه الخطة شاكراً روسيا على وقوفها الدائم إلى جانب لبنان.

———————-

الأسد يبحث مع وفد روسي عقد مؤتمر للاجئين في دمشق/ عدنان أحمد

بحث رئيس النظام السوري بشار الأسد، اليوم الخميس، مع وفد روسي من وزارتي الدفاع والخارجية برئاسة ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي، بشأن المؤتمر الدولي حول اللاجئين المزمع عقده في دمشق الشهر المقبل، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا).

وأضافت الوكالة أن المباحثات تطرقت إلى التحضيرات لـ”خروج هذا المؤتمر بنتائج إيجابية تساهم في تخفيف معاناة اللاجئين السوريين، وإتاحة المجال لعودتهم إلى وطنهم وحياتهم الطبيعية، وخاصة في ظل ما تم تحقيقه على صعيد عودة الأمن والاستقرار إلى معظم الأراضي السورية”.

وذكرت أن المحادثات تناولت أيضا “التحديات التي تواجه المؤتمر، وخاصة محاولات بعض الدول منع عقده وإفشاله أو ممارسة الضغوط على دول راغبة بالمشاركة”، مشيرة إلى أن الوفد الروسي أطلع الأسد على نتائج جولته في عدد من دول المنطقة، كونها تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين. ونقلت الوكالة عن الوفد تأكيده عزم روسيا على مواصلة العمل “مع المؤسسات المعنية السورية للمساعدة في إغلاق هذا الملف الإنساني”، مشيرة إلى “تطابق في وجهات النظر حول أن المؤتمر يشكل فرصة أمام الجميع للبدء في النظر إلى هذا الملف من منظور إنساني فقط بعيداً عن أي استثمار سياسي”، وفق الوكالة.

وكان الوفد الروسي قد زار قبل وصوله إلى دمشق كلا من الأردن ولبنان، من أجل إقناعهما بالمشاركة في المؤتمر.

الحريري/سياسة/11/3/2019

وتحدث الرئيس اللبناني ميشال عون أمام الوفد الروسي عن ضرورة “إيجاد حل سريع يحقق عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ولا سيما أن مناطق عدة في سورية باتت مستقرة بعد انتهاء القتال فيها”، على حد تعبيره، في حين لم يصدر أي موقف رسمي عن لبنان حتى الآن حول المشاركة في المؤتمر المذكور.

من جهته، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للوفد الروسي خلال زيارته للأردن، على “أهمية تهيئة الظروف الملائمة للعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين، واستمرار المجتمع الدولي بتوفير الدعم اللازم للدول والمجتمعات المستضيفة للاجئين، خاصة في ظل الوضع الإنساني والطبي غير المسبوق الذي تفرضه ظروف كورونا”.

ويرى مراقبون أن فرص نجاح المؤتمر ستكون ضعيفة إذا جرى عقده في دمشق، لأن أغلب الدول الفاعلة في قضية تمويل عودة اللاجئين وعملية إعادة الإعمار لن تشارك في هذه الحالة، بسبب عدم رغبتها في إعادة تعويم نظام الأسد، فضلا عن أن روسيا تتجاهل التقارير الدولية التي تتحدث عن أن الوضع الإنساني في مناطق سيطرة النظام أصبح أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى، ما يجعل حياة الموجودين حاليا في سورية صعبة جدا، وتاليا عدم القدرة على استقبال أي عدد من النازحين ما لم تتم إعادة تأهيل البنية التحتية وتوفير التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار.

————————–

مؤتمر “إقناع” الأسد/ بسام مقداد

في تغريدة لها على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية في 22 من الجاري ، كتبت الناطقة الرسمية باسم الوزارة ماريا زاخاروفا ، بأن السلطات السورية تخطط لعقد مؤتمر دولي في 11 و12 من الشهر القادم ، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين . وقالت زاخاروفا ، بأن روسيا هي شريك منظم للمنتدى ، وتأمل بأن ينضم المجتمع الدولي إلى حل هذه “المسألة الإنسانية” .

حسب زاخاروفا إذاً ، بشار الأسد هو الذي بادر بالتخطيط لعقد المؤتمر الدولي في دمشق لعودة اللاجئين السوريين ، وما تشترطه من تسوية سلمية للمقتلة السورية ، وتقوم روسيا بدور “الشريك المنظم” للمؤتمر . وبالتالي ، ليس صحيحاً كل ما قيل ونشر في الإعلام الروسي ، وما يزال ، منذ نيسان/أبريل المنصرم (حملة مواقع إعلام “طباخ بوتين”) عن فساد نظام الأسد وممانعته للعملية السلمية ، وإصراره على مواصلة الحرب حتى استعادة سلطته على كامل الأراضي السورية . فهل انقلب نظام الأسد على نفسه ، وخسرت إيران كل رهانها على بقائه وما وظفته فيه من أموال وطاقات وجهود ؟

إن ما تشهده إدلب من حرب متقطعة ، يشارك فيها الطيران الروسي ، ومايزال يكابده السوريون من قتل ودمار وتعذيب وتهجير ، لا يقول ، بأن نظام الأسد انقلب ، فجأة ،على نفسه ، وبادر إلى الدعوة لعقد مؤتمر عالمي لعودة اللاجئين . ولم يذهب الممثل الشخصي للرئيس الروسي بالشأن السوري ألكسندر لافرنتيف ومرافقوه من دبلوماسيين وعسكريين للتشاور مع الأسد بشأن تنظيم المؤتمر العتيد ، بل ذهب “لإقناع” الأسد ، بأن روسيا تدعو إلى عقد المؤتمر ، لأنها ما عادت تحتمل إستمرار الوضع على ما هو عليه ، وانها مهددة بخسارة كل ما أحرزته في سوريا ، في ظل موجة التطبيع مع إسرائيل تحت المظلة الأميركية ، وعلى عتبة مقاربة أميركية جديدة للوضع في المنطقة ، سواء بقي ترامب في البيت الأبيض أو غادره .

لكن من اين للكرملين هذه الثقة بنجاح ما فشل به في العام 2018 ، حين طرح فكرة إعادة إعمار سوريا ، وجال بها على الخليج وأوروبا لتمويلها ، ولم يلق سوى الرفض الحازم ، واشتراط القبول بتغيير النظام السوري لسلوكه ، وخضوعه لبنود القرار الأممي 2254 ؟ فالجانبان الخليجي والأوروبي لم يبدلا موقفهما منذ ذلك الحين ، وإن تخليا عن شعار إسقاط الأسد ، إلا أنهما لم يتخليا عن شرط تغيير سلوكه للمساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين ، وإن وجد من تساوره الرغبة في مثل هذه المشاركة ، فالردع الأميركي جاهز لصد هذه الرغبة .

وإذا كانت الدول الخليجية لم تقل كلمتها في المؤتمر حتى الساعة ، إلا أن الإتحاد الأوروبي قالها  بوضوح على لسان ممثله جوزيب بوريل في مؤتمره الصحافي في ختام إجتماع لوزراء خارجية الإتحاد في لوكسمبورغ ، حيث اعتبر أن مبادرة روسيا لعقد المؤتمر “سابقة لأوانها” ، كما نقل الموقع الأوكراني “ukrinform” في 13 من الشهر الجاري . الجميع يريدون عودة اللاجئين ، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة ، طوعية ولائقة ، وفق معايير الوكالة الدولية لشؤون اللاجئين . والجميع موافق على أن الظروف في سوريا ليست مطابقة لشروط الحد الأدنى هذه ، بمن فيهم المشاركون في مؤتمر بروكسل الرابع بشأن سوريا والمنطقة ، الذي ترأسه بوريل ، ولذا “نعتبر مبادرة روسيا سابقة لأوانها” . والأوروبيون لا ينكرون أهمية الجهود لعودة اللاجئين ، إلا أنها ينبغي أن تتم وفق مبادئ متفق عليها ، و”بالتنسيق مع الأمم المتحدة” ، على قوله.

المبادرة لعقد المؤتمر ، حسب الوكالة الإتحادية للأنباء “FAN” العائدة ل”طباخ بوتين” في 22 من الجاري ، لا تعود لسوريا وروسيا ، بل ل”ترويكا أستانة” ــــــــ روسيا ، إيران وتركيا ، “المنهمكين جميعهم في تسوية ما بعد الحرب في سوريا” ، برأيها. وقد تلقت الأمم المتحدة وبلدان الإتحاد الأوروبي الدعوة للمشاركة في المؤتمر ، الذي ستكون إحدى مهامه ، إطلاع “الشركاء الأوروبيين” على حقيقة الوضع في سوريا ، والجهود ، التي تبذلها دمشق لتوفير “حياة طبيعية لجميع العائدين” .

المجلس الروسي للشؤون الدولية ، وفي مؤتمر صحافي عُقد في شباط/فبراير المنصرم مع مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل “ICG” ، نشر على موقعه ملخصاً للمؤتمر بعنوان “إعادة إعمار سوريا : رؤيا من روسيا والإتحاد الأوروبي” . يعدد الملخص الأسئلة ، التي ناقشها الطرفان وتراوحت بين : آفاق التعاون بين روسيا والإتحاد الأوروبي في هذه المسألة ، ما هي البرامج ، التي تنفذها دمشق الرسمية ؟ كيف تؤثر العقوبات الأميركية والأوروبية على هذه العملية؟ هل من بديل للسياسة المتبعة اليوم ؟ وسواها من المسائل .

مدير المجلس الروسي أندريه كارتونوف يقول ، بان مسألة إعادة إعمار سوريا تبتعد كل سنة أكثر فأكثر ، وهذا “مأساوي” ، لأنه ولد في سوريا جيل لم يعرف السلام ، ويعيش في ظروف شديدة الصعوبة ، والوضع  ليس فقط لا يتحسن ، بل يزداد تردياً . وهذا يشي بمهجرين ونازحين جدد ، وليس لأسباب سياسية ، بل لأسباب إقتصادية معيشية  ، وفي ظل تردي الوضع أكثر ، سيتحول هؤلاء إلى عامل مديد التأثير على المنطقة ، شبيه بوضع النازحين الفلسطينيين .

ويقول كارتونوف ، بان الموارد المطلوبة لتعافي الإقتصاد السوري ، وللبنية التحتية الإجتماعية والإقتصاد الحضري ، تقدر بمئات ملايين الدولارات ، وثمة تصور  بأن القسم الأساسي من هذه الأموال ، ينبغي أن يأتي من أوروبا . ومن الواضح بالنسبة للخبراء ، أن هذه الأموال لن تحصل عليها سوريا في المستقبل المنظور لأسباب متعددة : لدى الإتحاد الأوروبي أولويات وهموم أخرى ، وثمة وجهات نظر متفاوتة داخل أوروبا حول كيفية إقامة العلاقات مع سوريا .

مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان يقول ، بأن  لروسيا وأوروبا موقفان متناقضان من النزاع السوري . روسيا تريد أن تباشر الحكومات الأوروبية بالتعامل مع دمشق ، بهدف التأثير على سلوكها في ظروف الإنتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب . لكن الأوروبيين يرفضون التعاطي مع دمشق ، لأن ذلك يشرعن النظام الدموي ، الذي يعرض السوريين للتعذيب والإعتقالات ، وسلوكه هو بالذات ، الذي أدى إلى الحرب السورية . من وجهة نظر أوروبا ، التعامل مع هذا النظام هو تعميق للمشكلة ، وليس حلها . وهنا يكمن الإختلاف الأساسي في موقف كل من الإتحاد الأوروبي وروسيا .

ويقول هيلترمان ، أن الأوروبيين يمتلكون ثلاث رافعات للتأثير في الوضع السوري : تطبيع العلاقات مع دمشق ؛ توفير الموارد اللازمة لإعادة إعمار سوريا أو عدم توفيرها ؛ رفع العقوبات أو تشديدها .

مقابل رفع العقوبات ، تريد أوروبا من دمشق تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بما يعني من : إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ؛ التخلي عن التعذيب ؛ الحصول على سكن لأولئك  الذين فقدوه ؛ عودة اللاجئين ؛ إتخاذ الإجراءات ، التي من شأنها أن تساعد في عودة اللاجئين من لبنان . الموارد الضرورية لإعادة الإعمار ، ليست الأولوية الرئيسية للنظام السوري ، الذي يرفض الحصول عليها من أوروبا ، مقابل الشروط المذكورة أعلاه ، حسب هيلترمان .

وبعيداً عن كل ما ورد أعلاه ، يبقى السؤال الأساسي : هل يريد النظام السوري فعلاً عود اللاجئين إلى سوريا ؟ صحيفة “Novaya” الروسية نشرت في فترة سابقة ، تحقيقاً مع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال  بعنوان “لماذا لا يريد الأسد عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ، مع أن روسيا تصر على ذلك ” . فهل تمكنت روسيا من “إقناع” الأسد بذلك ، أم أن المؤتمر العتيد كفيل بذلك ؟ 

المدن

———————

مؤتمر اللاجئين السوريين: خفايا وألغاز روسية/ بشير البكر

تتحرك روسيا من أجل إعادة خلط الأوراق في سوريا، من خلال القفز على مسار اللجنة الدستورية، والذهاب نحو مؤتمر للاجئين في 11 و12 من الشهر الحالي. وواضح أن الهدف من هذا المؤتمر هو المرور نحو ملف إعادة الإعمار الذي يتم التعويل عليه كطوق نجاة لموسكو وطهران ودمشق في ذات الوقت. ولهذا نشطت الدبلوماسية الروسية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من أجل الترويج للمؤتمر وكسب التأييد له، وخصوصا من طرف دول الجوار، تركيا، الاردن، ولبنان، والتي تستقبل قرابة 7 ملايين لاجئ سوري. وتقوم الأطروحة الروسية على أن الحرب في سوريا انتهت، وبات الطريق مفتوحا أمام عودة اللاجئين، وتصوير الملايين التي تركت سوريا على أنها في صف النظام الذي حسم الحرب لصالحه.

وتسرب بعد زيارة المندوب الأممي غير بيدرسون مؤخراً إلى دمشق أنه خضع لمساومة من قبل النظام عندما التقى بوزير الخارجية وليد المعلم. وتفيد التسريبات أن النظام ربط تحديد موعد اجتماع اللجنة الدستورية بصدور موقف غربي إيجابي من مؤتمر اللاجئين. وتبين هنا أن تنصل النظام من موعد اجتماع الدستورية الذي كان مقرراً في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هو من أجل هذا الغرض. وعكس بيدرسون جانباً من المسألة في الإحاطة التي قدمها إلى مجلس الأمن في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وجاء صدى ذلك في ردود فعل بعض الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وحث نائب المندوب الأميركي في مجلس الأمن ريتشارد ميلز، المجلس على “بذل كل ما في وسعه” لمنع الأسد من عرقلة الاتفاق على دستور جديد في عام 2020، وأكد ميلز أن “سوريا غير مستعدة على الإطلاق لإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة وشفافة تشمل مشاركة الشتات السوري”، داعيًا الأمم المتحدة إلى تسريع تخطيطها لضمان مصداقية الانتخابات السورية المقبلة، في سياق أعمال اللجنة الدستورية.

في حين تحدث نظيره الألماني كريستوف هيوسجن، عما وصفه بـ “تكتيكات المماطلة والعرقلة” التي يتبعها الأسد بشأن عمل اللجنة الدستورية بأنها “بغيضة فقط”، موضحًا أنه “لن يجري الاعتراف بالانتخابات إذا أجريت في ظل الظروف الحالية”. وبدوره انتقد السفير الفرنسي، نيكولا دي ريفيير، “رفض الأسد الانخراط بحسن نية” في العملية السياسية، ودعا إلى الاستعداد لبدء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة. وقال إن فرنسا لن تعترف بالنتائج التي لا تمتثل لهذه الأحكام، وأضاف، “لن ننخدع بمحاولات النظام لإضفاء الشرعية على نفسه”.

وتجدر الاشارة إلى أن الاحاطة كانت من بين أقوى الإحاطات التي قدمها بيدرسون، وذلك لجهة وضع النقاط على الحروف، وكان من المتوقع أن يرمي الكرة في ملعب النظام ويحمله مسؤولية فشل عمل اللجنة الدستورية، وعدم تحقيق أي إنجاز بعد قرابة عام على تشكيلها، ولكنه أراد أن يعطي للنظام وروسيا فرصة أخيرة، إلا أن هذين الطرفين استمرا بما سماه السفير الألماني بـ “تكتيكات المماطلة والعرقلة” التي باتت هي السياسة الرسمية والرد الجاهز على كل مسعى من أجل فتح نافذة أمل في جدار الخراب السوري.

حصدت موسكو نصف الفشل للمؤتمر لحظة الإعلان عنه من دون تفاهمات سياسية فعلية مع الولايات المتحدة وأوروبا. وكانت هناك تقديرات تشير إلى احتمال إلغائه أو التحايل وتغيير شكله، ولكن النظام أعلن رسمياً في السادس من الشهر الحالي عبر وكالة سانا أن المؤتمر في موعده، وصار اسمه رسمياً “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين”. ويبدو أن إصرار روسيا على عقد المؤتمر بمن حضر رغم علمها بالفشل مسبقاً غير بعيد عن “تكتيك العرقلة”، وما تخطط له هو تعطيل اللجنة الدستورية والحيلولة دون كتابة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، وبالتالي تريد إجراء الانتخابات الرئاسية في منتصف العام المقبل وفق الدستور الحالي، وبالتالي التجديد لبشار الأسد في ولاية رئاسية جديدة. وهنا تكمن العقدة الكبرى والمعركة القادمة، وإذا صدقت الدول الكبرى بأنها لن تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ذلك يرتب عليها خوض معركة مع روسيا من حول الأسد. وفي جميع الأحوال ليس هناك ما يوشر إلى تغيير في الموقف الأميركي والأوروبي من مسألة إعادة الاعمار، والتي تربطها هذه الأطراف بإطلاق عملية سياسية جادة تسمح بعودة طوعية وآمنة للاجئين.

تلفزيون سوريا

————————-

هل تنجح روسيا بلعبة مؤتمر اللاجئين؟/ عبسي سميسم

بالتوازي مع محاولات روسية لتحقيق المزيد من المكاسب وحرف مسار الحل السياسي للقضية السورية، الذي أقر في جنيف، إلى مسار أستانة، قدّمت موسكو منتجاً جديداً تحت مسمى مؤتمر اللاجئين، كمسار جديد يهدف إلى كسب المزيد من الوقت من أجل تمييع الحل السياسي، وتمرير الانتخابات الرئاسية في سورية بانتخاب بشار الأسد لولاية أخرى، وتعطيل عمل اللجنة الدستورية إلى ما بعد تلك الانتخابات.

وبعد لقاءات ممثلي الحكومة الروسية مع شخصيات سورية تمثل أطيافاً مختلفة في المشهد السوري، يبدو أن موسكو لم تجد بديلاً للأسد خلال المرحلة المقبلة، فبدأت بالعمل على تعطيل عمل اللجنة الدستورية من خلال ممثلي النظام في تلك اللجنة، ومن خلال اختراع مسار آخر من بوابة اللاجئين. إلا أن طريقة طرح هذا المؤتمر وعدم وجود جدول أعمال أو أهداف محددة له، وعدم دعوة تركيا، المُستضيف الأكبر للاجئين السوريين، يشير إلى أن هدف هذا المؤتمر هو فقط اللعب على وتر الوقت، من أجل تمرير انتخابات رئاسية في سورية بعيداً عن الأمم المتحدة، وقبل أي استحقاق يتعلق بالعملية السياسية في سورية.

ويبدو من توقيت المؤتمر أن روسيا استغلت انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، وبدأت الترويج لهذا المؤتمر بالتوازي مع محاولة تحقيق المزيد من المكاسب، من خلال جولة جديدة من جولات أستانة التي لا تزال موسكو تقود النظام خلالها، لقضم مناطق سيطرة المعارضة تدريجياً وتحاول تثبيتها كأمر واقع. إلا أن موقف الدول الغربية بشكل عام يبدو أكثر حزماً تجاه المسار الجديد الذي تسعى موسكو لفرضه، إذ أعلنت كل من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة عدم اعترافها بأي انتخابات في سورية لا تسير ضمن إطار الأمم المتحدة. كما أعلنت الولايات المتحدة عن رفضها المشاركة بمؤتمر اللاجئين مشجعة على مقاطعته، معتبرة أن من يريد حل مشكلة اللاجئين فجنيف هي المكان الأنسب، وقرارات مجلس الأمن هي التي تحدد طريقة حل هذه المشكلة.

يبدو أن موسكو التي تسعى لإنتاج حل سياسي في سورية وفق رؤيتها الخاصة، وذلك بإعادة إنتاج النظام وتأهيله، لم تعد تمتلك من مفاتيح الحل في سورية سوى اللعب على أمرين، الأول موضوع الوقت من خلال تمييع مسار الحل السياسي القائم على قرارات مجلس الأمن والمعتمد على الأمم المتحدة كمرجعية له، وإدخال هذا المسار بتفاصيل تحرفه عن مساره، وهو ما أكده المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن الذي اتهم النظام بعرقلة عمل اللجنة الدستورية. أما الأمر الآخر فهو خلق مسارات جديدة للحل من شأنها المساهمة بتأجيل تطبيق قرارات مجلس الأمن وعرقلة مسار الحل السياسي. إلا أن نجاح أو فشل المساعي الروسية يبقى مرتبطاً بالجدية الكافية لدى المجتمع الدولي، وبشكل خاص بجدية الولايات المتحدة في إيجاد حل سياسي عادل في سورية تكون مرجعيته الأمم المتحدة.

العربي الجديد

————————

مسار أستانة السوري: تلويح روسي بورقة المعتقلين لإنعاشه/ أمين العاصي

منذ انطلاق مسار أستانة التفاوضي حول القضية السورية مطلع عام 2017، لم يحقق ما يمكن أن يمهّد الطريق أمام حلول سياسية لهذه القضية، بل كان سبباً مباشراً لنزع كل أوراق القوة من يد المعارضة السورية، التي فقدت أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها، لا سيما في محيط العاصمة دمشق. كما لم يقترب هذا المسار بشكل جدي من أهم المهام التي أخذ على عاتقه معالجتها، وهو ملف المعتقلين لدى النظام والمقدر عددهم بعشرات الآلاف، بسبب خشية النظام من التبعات القانونية لهذا الملف. ويبدو أن الجانب الروسي يحاول إنعاش هذا المسار المتوقف منذ نهاية العام الماضي، إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في إفادة صحافية يوم الخميس الماضي، إن الثلاثي الضامن لمسار أستانة (روسيا وإيران وتركيا) يعمل على جدول أعمال مباحثات مؤتمر أستانة بشأن سورية، في جولته المقبلة، غير أنها لم تشر إلى موعد محدد لها، وفق ما نقلته وكالة “تاس” الروسية. وأشارت إلى أن الثلاثي الضامن يحاول الاستفادة من تأجيل المباحثات في العاصمة الكازاخية بسبب فيروس كورونا، للتفكير حول كيفية ملء اجتماعات أستانة بمواضيع محددة جديدة جنباً إلى جنب. وألمحت زاخاروفا إلى أن الدول الضامنة ستفكر أيضاً في إعطاء هذه اللقاءات دفعة جديدة من خلال نشاط أكبر في إطار مجموعة العمل من أجل الإفراج عن المعتقلين والمختطفين، وتسليم الجثث والبحث عن المفقودين.

وتوقفت مباحثات أستانة عند الجولة رقم 14، التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، غير أن اجتماعاً عُقد عبر دائرة تلفزيونية، في إبريل/نيسان الماضي، وذلك بعد تأجيلها بسبب تفشي كورونا، اقتصر على وزراء خارجية الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار، مولود جاووش أوغلو ومحمد جواد ظريف وسيرغي لافروف.

وتعقد الجولة 15 من مسار أستانة في ظل ظروف بالغة التعقيد على الصعيدين الميداني والسياسي، ولا يزال الموقف في محافظة إدلب ومحيطها من دون حسم، في ظل تهديدات من النظام والروس بالبدء بعمل عسكري واسع النطاق في ظل انسداد الآفاق أمام الحلول السياسية. وتحولت إدلب منذ توقيع اتفاق موسكو بين تركيا وروسيا في مارس/آذار الماضي، والملحق بتفاهمات أستانة، إلى صندوق رسائل دامية من قبل الروس إلى الأتراك. وبات من الواضح ارتباط ملف الشمال الغربي من سورية بعدة ملفات إقليمية أخرى. وجاء سحب الجيش التركي جنوده من عدة نقاط مراقبة في محيط محافظة إدلب كانت محاصرة من قبل قوات النظام، ليؤكد أن تفاهمات أستانة تجاوزتها الأحداث التي تلاحقت، خصوصاً في الربع الأول من العام الحالي. ووضع الروس هذه التفاهمات وراء ظهورهم بدعمهم عملية عسكرية واسعة النطاق لقوات النظام، قلصت سيطرة فصائل المعارضة. وكانت تفاهمات أستانة قد أقرت إقامة 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب من قبل الجيش التركي، غير أن قوات النظام حاصرت عدداً منها، ما أفقدها كل أهمية في ظل انهيار ما اتفق عليه الثلاثي الضامن في العاصمة الكازاخية. وكان الجانب التركي يطالب بالعودة إلى حدود منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تقدمت بها قوات النظام تحت غطاء ناري روسي بدءا من أواخر 2019 وحتى مارس الماضي. ولكن الرفض الروسي بعودة قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، دفع أنقرة إلى سحب جنودها خشية اقتحام قوات النظام للنقاط التركية في حال تجدد الصراع.

وكان مسار أستانة قد بدأ في 23 يناير/كانون الثاني من عام 2017، من “أجل تخفيف التوتر في سورية، ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، والبحث في قضايا إنسانية، منها المناطق المحاصرة، وملف المعتقلين”. وفي الجولة الرابعة من المفاوضات التي عُقدت في مايو/أيار من عام 2017، تم الاتفاق على مناطق خفض التوتر الأربع، وهي محافظة إدلب ومناطق في ريف اللاذقية وريف حلب الغربي، وريف حمص الشمالي، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، إضافة إلى المنطقة الجنوبية في سورية. ولكن قوات النظام بدعم روسي وايراني قضمت 3 مناطق، وجزءاً من المنطقة الرابعة التي تضم محافظة إدلب ومحيطها.

ولم يستطع هذا المسار تحقيق أي اختراق في ملف شائك كان وفد قوى الثورة العسكري يطرحه في كل جولة، وهو ملف المعتقلين لدى النظام والمقدر عددهم بعشرات الآلاف بسبب رفض وفد النظام الخوض فيه خشية مواجهة دعاوى في محكمة العدل الدولية. ولم يضغط الجانب الروسي على النظام من أجل إطلاق سراح المعتقلين من سجونه، وهو ما أبقى هذا الملف حتى اللحظة بعيدا عن التفاوض سواء في مباحثات أستانة أو مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة. بل ذهب النظام إلى حد تحدي هذا المسار وتفاهماته، وسلّم في منتصف عام 2018 دوائر النفوس في المحافظات السورية أسماء المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب، بعدما كان مصيرهم مجهولاً لسنوات.

ولا تعوّل فصائل المعارضة السورية على هذا المسار في إحداث اختراقات مهمة على صعيد القضايا العسكرية والإنسانية “بسبب عدم التزام الروس والإيرانيين بتفاهمات هذا المسار مع الجانب التركي”، وفق القيادي في فصائل المعارضة العميد فاتح حسون. وفي حديث مع “العربي الجديد”، أعرب حسون عن اعتقاده بأن الدول الثلاث المعنية “ترى أن هذه المباحثات لم تعد تقتصر على الملف السوري، بل مرتبطة بليبيا وناغورنو كاراباخ، ومن الممكن التنسيق حول هذه الملفات الثلاثة”. وأشار إلى أن بقاء محافظة إدلب كمنطقة خفض للتصعيد، ناتج عن هذه المباحثات، مضيفاً: “تركيا استطاعت إدخال عدد كبير من قواتها إلى سورية بموافقة روسيا وإيران، ويعتبر هذا من مكاسب الثورة السورية التي أصبحت يتيمة بلا اهتمام دولي”. وحول التلميح الروسي عن أن الجولة المقبلة من مسار أستانة تتناول موضوع المعتقلين، أشار حسون إلى “روسيا قبل كل جولة من جولات أستانة توحي بأنها ستبحث في ملف المعتقلين، لتحفيز لضامن التركي وقوى الثورة والمعارضة السورية على المشاركة”، مضيفاً: “لا أعتقد أنها (روسيا) ستمضي بهذا الملف، فهي باتت بلا مصداقية”.

العربي الجديد

—————————

الخديعة الثالثة بعد أستانة وسوتشي/ سميرة المسالمة

شارك العرب في العملية الانتخابية التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية بفاعلية كبيرة، عبر وسائل إعلامهم، وأقلام كتابهم. وموّلوا، بطريقة أو بأخرى، الطرفين، في مواجهة تؤكد انقسام الرؤية العربية حول الدور الأميركي في المنطقة العربية. تمسّك تحالف عربي – خليجي بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ووجدوا به منقذا لسياساتهم في دولهم، في مقابل ما يقدّمونه من خدمات اقتصادية وسياسية وماليه له، من دون النظر إلى عمق سياساته غير القانونية والأخلاقية في تعاطيه مع ملفات كثيرة في المنطقة، وذلك في مقابل تغاضي ترامب عن واقع ما يجري داخل هذه الدول ومجتمعاتها، وتخليه، كسابقيه في البيت الأبيض، عن مسؤولياته رئيس دولة مهمتها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. على المقلب الآخر، كان الدعم العربي للرئيس المنتخب، جو بايدن، في معظمه، يعود إلى أسباب الخلافات العربية التي عمق أساساتها، وبنى عليها ترامب ذاته سياسته في المنطقة، بحيث جعل من هذه الخلافات أحد مصادر استثماراته. وكما فعل في الوضع العربي، يخرج من البيت الأبيض، وقد حقق فعليا انقساما داخل المجتمع الأميركي، قد يكون سببا مباشرا في عرقلة التغيير الذي ينشده أنصار الحزب الديمقراطي، أو الذين صوّتوا لمصلحته من غير الديمقراطيين، كنوع من رفض ما سمي الطابع “الترامبي” الذي اعتبروه هزيمة لقيم أميركا الحرّة. ولعل وجود نحو سبعين مليون ناخب صوتوا لترامب ستكون العلامة الفارقة في صناعة سياسة بايدن المجبرة على معالجة أعراض الترامبية الثقيلة داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها.

وفي السياق، لم تكن المعارضة السورية في منأىً عن الاصطفاف “مع أو ضد” ترامب كل حسب مصالحه الضيقة، على الرغم من أن سياسة ترامب أربع سنوات لم تختلف عن سياسة سابقه، باراك أوباما، في البيت الأبيض في تدجين الصراع مرة، واحتوائه بما يضمن استمراريته عند الضرورة مرة ثانية، وتخفيف وتيرته عند الحاجة السياسية مرة ثالثة، وإعطاء مكافآت لدول إقليمية ومجاورة على حساب السوريين مرّة رابعة، ومن حصتهم في وطنهم، واتباع سياسة “التلزيم” على مبدأ “المقاولين” في منح روسيا حق التصرّف في سورية، وتطمينها بالموافقة على عملية استثمارية طويلة الأمد فيها. وهو الأمر الذي لن يتغير مع وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض، بل سيعزّز سياسات أوباما الذي منحها حق التفاوض عن النظام السوري منذ عام 2013، وقبل بصفقة تسليم السلاح الكيماوي، مقابل السكوت عن نتائج استخدام هذا السلاح ضد السوريين في المناطق التي ثارت عليه.

وضمن القراءات الواقعية للسياسات الأميركية من الجانب الروسي، جاء توقيت المؤتمر الدولي حول اللاجئين في دمشق بين 11-12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حيث لم يكن غائباً عن موسكو موعد الانتخابات الأميركية في الثالث من الشهر نفسه، وأنها لا يمكنها أن تضمن مرشحها، ترامب، لفترة رئاسية ثانية. ما يعني أنها تعرف أن السياسة الأميركية في الملف السوري لا تعديل عليها في جانبها الروسي، وهي تعرف أن تسويق الرفض الأميركي المؤتمر لا يعدو كونه رفضاً إعلامياً مشابهاً لما حدث قبيل الدعوة إلى مؤتمر أستانة عام 2016، ولاحقاً مؤتمر سوتشي (الحوار الوطني) 2018، وبعده تعويم بيانه الختامي في جنيف، وانتزاع الموافقة عليه من كل الأطراف، واختصار الحلول في سورية على الخطوات الروسية، واتفاقاتها ومعاهداتها منذ عام 2015، أي أن تلزيم الملف السوري لموسكو لم يبدأ مع عهد ترامب، ولن ينتهي مع خروجه من البيت الأبيض في 20 من يناير/ كانون الثاني.

لم تجعل هذه الإحداثيات المعارضة السورية (الائتلاف) تغير سياسة الإنكار التي مارستها خلال توليها أمر السوريين على الجانب المعارض، بل بقيت تمارس لعبة إخفاء الرأس تحت التراب، كأحد أساليب تعاملاتها الثابتة مع واقع متغير، والائتلاف الوطني لقوى المعارضة الذي أعلن “تحفظه” الرافض عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين في دمشق هو ذاته من كان قد رفض صناعة مسار أستانة عند ترويجه في نهاية عام 2015 وبداية عام 2016، ثم عاد وأصبح أحد المشاركين فيه، بقرار تركي، من دون العودة إلى الهيئة السياسية التي كانت المسؤولة عن قبول مثل هذه المشاركات أو رفضها، وهو الذي أعلن رفضه حضور مؤتمر سوتشي في يناير/ كانون الثاني 2018، ثم عاد وتعامل مع نتائجه كخطة عمل تمثلت في اختصار الحل السياسي بإنشاء لجنة لصياغة الدستور السوري، أو تعديله في جنيف.

على الرغم من أن مؤتمر اللاجئين فكرة روسية، فهو، في الآن نفسه، دعاية انتخابية دولية لبشار الأسد في استحقاق الانتخاب الرئاسي منتصف العام المقبل، وهو اليوم يواجه الأجواء نفسها التي سبقت مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي (2018) ويحضره أطراف أستانة وممثلون عن دول الجوار، سواء كان هذا الحضور بمستوى تمثيلي عالٍ أو منخفض، فهو تشريع دولي له، ولنتائجه. ويأتي حضور ممثل الأمم المتحدة في دمشق بصفة مراقب ليعطي المؤتمر أبعاده التي تسعى إليها موسكو خطوة أولية لتأسيس مسار جديد تحت مسمى إنساني، يرافق مسار أستانة العسكري، ويطوّقان معاً المسار السياسي المحدود أصلا في جنيف.

تتكرّر خديعة موسكو للمعارضة في أستانة وسوتشي، هذه المرة، في دمشق، مع بداية عهد أميركي جديد، تسعى من خلاله موسكو وإيران، وإلى جانبهما تركيا (حليفة الائتلاف الوطني الرافض للمؤتمر)، إلى اختبار حقيقي للسياسات الجديدة للرئيس المنتخب، قبل أن يتخذ صفته التنفيذية. ومن خلال ذلك، سترسم خطواتها اللاحقة في تحديد المرشح الوهمي المنافس للرئيس السوري بشار الأسد، ومدى عمق التغييرات اللازمة في الدستور الجديد الذي ستقدمه عربون صداقة للساكن الجديد في البيت الأبيض، والذي يهمّه أن تكون الثلاثية الأستانية (روسيا – إيران – تركيا) ضمن قائمة أصدقائه في مرحلة ما بعد التطبيع العربي الإسرائيلي.

العربي الجديد

——————————–

المشاركة في مؤتمر سوريا: حال باسيل مماثل لحال الأسد!/ منير الربيع

في خطوة أشبه بالتحدي، قرر لبنان رفع مستوى تمثيله في المؤتمر الذي تنظمه روسيا للبحث بإعادة اللاجئين السوريين، والذي سيعقد في دمشق يومي الأربعاء والخميس المقبلين.

فعندما زار الوفد الروسي لبنان قبل فترة، أُبلغ بأنه سيتم إيفاد السفير اللبناني في سوريا لتمثيل لبنان بالمؤتمر. لكن، ما بعد العقوبات على جبران باسيل، اتُخذ قرار رفع مستوى التمثيل بالمؤتمر، كإشارة على رفع مستوى المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي الخطوة أيضاً المزيد من التقرب إلى روسيا، وأحد الردود على القرار الأميركي بمعاقبة باسيل (والعهد)، وعودة إلى نغمة التوجه شرقاً، خصوصاً أن اتخاذ موقف عوني باسيلي ضد النظام السوري كان أحد المطالب الأميركية التي لم يحققها باسيل.

تجاهل “قانون قيصر”

سيكون للخطوة هذه أبعاد وتداعيات متعددة، ولن يُنظر إليها بعين الرضى الأميركية، على الرغم من أنه ليس معروفاً حتى الآن، إذا كان المؤتمر سينجح، ومن هي الجهات التي ستشارك فيه. والأكيد حتى الآن أن لبنان سيشارك بوزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، رمزي مشرفية. كما ستكون هناك مشاركة تقنية عبر الفيديو من قبل وزير الخارجية شربل وهبة. وربما تكون هذه الإطلالة الخارجية الأولى لوهبي منذ توليه منصبه.

يلجأ عون في مثل هذه المحطات إلى قرار يعبّر فيه عن رد فعل إنفعالي، فيتخذ قراراً -في ظل حكومة تصريف أعمال- يرفع فيه مستوى العلاقة السياسية بين لبنان وسوريا، مع تجاهل أي تداعيات لقانون قيصر وتبعاته. وهذا يؤدي إلى خلاصة واحدة، لدى عون وهي: “ما بعد جبران فليأتي الطوفان”. كل المسار الذي سلكه العهد سابقاً، كان بفعل التهديدات بفرض العقوبات على باسيل، فجمّد الرجل أي زيارة إلى سوريا، وأوقف أي محاولة لتطبيع العلاقات. هذا المسار تغيّر ما بعد إدراج إسم باسيل على لائحة العقوبات.

الخيار الروسي؟

وهنا لا بد من العودة إلى الإضاءة على الكثير من المحطات اللبنانية الروسية، والتي أغضبت الأميركيين، منذ الغضب الكبير من فوز الشركات الروسية بمناقصات التنقيب عن الغاز في البحر، وفوز شركة روسنفت بإعادة تأهيل مصافي النفط وخزاناته في طرابلس، كما لا يمكن إغفال زيارة عون إلى روسيا، والتي اختار لها أن تكون زيارة لإعلان النية حول بناء تحالف مشرقي، وتكون فاتحة معركة جبران باسيل الرئاسية. الخوف من الأميركيين دفع إلى تخفيف هذه الإندفاعة، والتي على ما يبدو أنها ستتجدد في هذه المرحلة.

لن يكون المؤتمر ومشاركة لبنان فيه منحصرين بملف اللاجئين فقط. وباسيل الذي أكد في مؤتمره الصحافي أن العقوبات التي فرضت بالسياسة ستزول بالسياسة، يعلم أن طريق النجاة من هذا الطوق ستكون بإعادة تمديد خطوط التواصل مع قوى عديدة، أولها مع “قوى المحور”، وثانيها تقديم ما يمكن تقديمه للأميركيين، في سبيل إزالة إسمه عن لائحة العقوبات. هنا ثمة رهان على تأثير روسيا، التي تضطلع بدور ريادي على صعيد تحسين العلاقات السورية الإسرائيلية وفتح الباب أمام مفاوضات بينهما.

وتكشف المعلومات أن موسكو تتواصل ما بين الطرفين لإعادة تعويم النظام. خصوصاً أن وضع بشار الأسد يشبه إلى حدّ بعيد وضع باسيل، الذي كشف عن انه تلقى مغريات عديدة في موازاة تعرضّه لضغوط كي يبتعد عن حزب الله وإيران، مقابل تحسين وضعيته السياسية.

لن ينفصل هذا الملف، عن نقطتين أساسيتين، ترتبطان بالشروط الأميركية المطلوبة من لبنان، وأهمها، ترسيم الحدود مع إسرائيل، وترسيم الحدود مع سوريا، وضبط المعابر وحركتها.. والأهم إنهاء ملف مزارع شبعا. وهنا ستلعب موسكو دوراً بارزاً في هذا الملف بين لبنان وسوريا، يكون عاملاً مكملاً لمفاوضات الترسيم، ويطوق سلاح حزب الله، الذي سيصبح بلا حاجة ولا ذريعة مع انتفاء دور “المقاومة لتحرير الأرض”. ذلك حتماً يحتاج إلى مسار طويل، وستكون أمامه عقبات كثيرة، ومؤشرات متضاربة.

المدن

—————————-

بوتين للأسد:العودة الجماعية للاجئين ممكنة

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال عبر الفيديو مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، إن بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا تم القضاء عليها عملياً، مشيرا إلى إمكانية العودة الجماعية للاجئين إلى البلاد.

وقال بوتين إن روسيا تدعم عقد المؤتمر الدولي حول اللاجئين، يومي الاربعاء والخميس من هذا الاسبوع ، مضيفاً أن “الوفد الروسي سيكون من أكبر الوفود مشاركة”. وأضاف أن “حجم الكارثة الإنسانية في سوريا لا يزال كبيراً”. وتابع: “اللاجئون الشباب يمكن أن يشكلوا تهديداً للدول المضيفة من خلال الوقوع تحت تأثير المتطرفين”.

وترددت أنباء مؤخراً عن إمكانية إلغاء مؤتمر اللاجئين أو تأجيله بهدف إجرائه خارج سوريا، بسبب رفض دول غربية كبرى حضور المؤتمر في دمشق.

ورأى الرئيس الروسي أن “هناك أكثر من 6.5 مليون لاجئ خارج سوريا معظمهم مواطنون قادرون على العمل في إعادة إعمار سوريا”.

ووصف العمل ضمن صيغة أستانة بشأن سوريا ب”الفعال”، مضيفاً: “حققنا معاً الكثير وتم القضاء على بؤر الإرهاب”.

من جهته، قال الأسد إن “الجزء الأكبر من اللاجئين يرغب بالعودة إلى سوريا بعد أن هيأت الدولة الظروف المناسبة لذلك”. وأضاف “لدينا أمل أن يخرج مؤتمر عودة اللاجئين بنتائج مهمة”.

واعتبر الأسد أن العقبة الأساسية أمام عودة اللاجئة هي “الحصار الغربي المفروض على سوريا الدولة والشعب”، مضيفا أن “هؤلاء اللاجئين بحاجة لتأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم”.

———————–

الخديعة الثالثة بعد أستانة وسوتشي

شارك العرب في العملية الانتخابية التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية بفاعلية كبيرة، عبر وسائل إعلامهم، وأقلام كتابهم. وموّلوا، بطريقة أو بأخرى، الطرفين، في مواجهة تؤكد انقسام الرؤية العربية حول الدور الأميركي في المنطقة العربية. تمسّك تحالف عربي – خليجي بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ووجدوا به منقذا لسياساتهم في دولهم، في مقابل ما يقدّمونه من خدمات اقتصادية وسياسية وماليه له، من دون النظر إلى عمق سياساته غير القانونية والأخلاقية في تعاطيه مع ملفات كثيرة في المنطقة، وذلك في مقابل تغاضي ترامب عن واقع ما يجري داخل هذه الدول ومجتمعاتها، وتخليه، كسابقيه في البيت الأبيض، عن مسؤولياته رئيس دولة مهمتها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. على المقلب الآخر، كان الدعم العربي للرئيس المنتخب، جو بايدن، في معظمه، يعود إلى أسباب الخلافات العربية التي عمق أساساتها، وبنى عليها ترامب ذاته سياسته في المنطقة، بحيث جعل من هذه الخلافات أحد مصادر استثماراته. وكما فعل في الوضع العربي، يخرج من البيت الأبيض، وقد حقق فعليا انقساما داخل المجتمع الأميركي، قد يكون سببا مباشرا في عرقلة التغيير الذي ينشده أنصار الحزب الديمقراطي، أو الذين صوّتوا لمصلحته من غير الديمقراطيين، كنوع من رفض ما سمي الطابع “الترامبي” الذي اعتبروه هزيمة لقيم أميركا الحرّة. ولعل وجود نحو سبعين مليون ناخب صوتوا لترامب ستكون العلامة الفارقة في صناعة سياسة بايدن المجبرة على معالجة أعراض الترامبية الثقيلة داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها.

وفي السياق، لم تكن المعارضة السورية في منأىً عن الاصطفاف “مع أو ضد” ترامب كل حسب مصالحه الضيقة، على الرغم من أن سياسة ترامب أربع سنوات لم تختلف عن سياسة سابقه، باراك أوباما، في البيت الأبيض في تدجين الصراع مرة، واحتوائه بما يضمن استمراريته عند الضرورة مرة ثانية، وتخفيف وتيرته عند الحاجة السياسية مرة ثالثة، وإعطاء مكافآت لدول إقليمية ومجاورة على حساب السوريين مرّة رابعة، ومن حصتهم في وطنهم، واتباع سياسة “التلزيم” على مبدأ “المقاولين” في منح روسيا حق التصرّف في سورية، وتطمينها بالموافقة على عملية استثمارية طويلة الأمد فيها. وهو الأمر الذي لن يتغير مع وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض، بل سيعزّز سياسات أوباما الذي منحها حق التفاوض عن النظام السوري منذ عام 2013، وقبل بصفقة تسليم السلاح الكيماوي، مقابل السكوت عن نتائج استخدام هذا السلاح ضد السوريين في المناطق التي ثارت عليه.

وضمن القراءات الواقعية للسياسات الأميركية من الجانب الروسي، جاء توقيت المؤتمر الدولي حول اللاجئين في دمشق بين 11-12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حيث لم يكن غائباً عن موسكو موعد الانتخابات الأميركية في الثالث من الشهر نفسه، وأنها لا يمكنها أن تضمن مرشحها، ترامب، لفترة رئاسية ثانية. ما يعني أنها تعرف أن السياسة الأميركية في الملف السوري لا تعديل عليها في جانبها الروسي، وهي تعرف أن تسويق الرفض الأميركي المؤتمر لا يعدو كونه رفضاً إعلامياً مشابهاً لما حدث قبيل الدعوة إلى مؤتمر أستانة عام 2016، ولاحقاً مؤتمر سوتشي (الحوار الوطني) 2018، وبعده تعويم بيانه الختامي في جنيف، وانتزاع الموافقة عليه من كل الأطراف، واختصار الحلول في سورية على الخطوات الروسية، واتفاقاتها ومعاهداتها منذ عام 2015، أي أن تلزيم الملف السوري لموسكو لم يبدأ مع عهد ترامب، ولن ينتهي مع خروجه من البيت الأبيض في 20 من يناير/ كانون الثاني.

لم تجعل هذه الإحداثيات المعارضة السورية (الائتلاف) تغير سياسة الإنكار التي مارستها خلال توليها أمر السوريين على الجانب المعارض، بل بقيت تمارس لعبة إخفاء الرأس تحت التراب، كأحد أساليب تعاملاتها الثابتة مع واقع متغير، والائتلاف الوطني لقوى المعارضة الذي أعلن “تحفظه” الرافض عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين في دمشق هو ذاته من كان قد رفض صناعة مسار أستانة عند ترويجه في نهاية عام 2015 وبداية عام 2016، ثم عاد وأصبح أحد المشاركين فيه، بقرار تركي، من دون العودة إلى الهيئة السياسية التي كانت المسؤولة عن قبول مثل هذه المشاركات أو رفضها، وهو الذي أعلن رفضه حضور مؤتمر سوتشي في يناير/ كانون الثاني 2018، ثم عاد وتعامل مع نتائجه كخطة عمل تمثلت في اختصار الحل السياسي بإنشاء لجنة لصياغة الدستور السوري، أو تعديله في جنيف.

على الرغم من أن مؤتمر اللاجئين فكرة روسية، فهو، في الآن نفسه، دعاية انتخابية دولية لبشار الأسد في استحقاق الانتخاب الرئاسي منتصف العام المقبل، وهو اليوم يواجه الأجواء نفسها التي سبقت مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي (2018) ويحضره أطراف أستانة وممثلون عن دول الجوار، سواء كان هذا الحضور بمستوى تمثيلي عالٍ أو منخفض، فهو تشريع دولي له، ولنتائجه. ويأتي حضور ممثل الأمم المتحدة في دمشق بصفة مراقب ليعطي المؤتمر أبعاده التي تسعى إليها موسكو خطوة أولية لتأسيس مسار جديد تحت مسمى إنساني، يرافق مسار أستانة العسكري، ويطوّقان معاً المسار السياسي المحدود أصلا في جنيف.

تتكرّر خديعة موسكو للمعارضة في أستانة وسوتشي، هذه المرة، في دمشق، مع بداية عهد أميركي جديد، تسعى من خلاله موسكو وإيران، وإلى جانبهما تركيا (حليفة الائتلاف الوطني الرافض للمؤتمر)، إلى اختبار حقيقي للسياسات الجديدة للرئيس المنتخب، قبل أن يتخذ صفته التنفيذية. ومن خلال ذلك، سترسم خطواتها اللاحقة في تحديد المرشح الوهمي المنافس للرئيس السوري بشار الأسد، ومدى عمق التغييرات اللازمة في الدستور الجديد الذي ستقدمه عربون صداقة للساكن الجديد في البيت الأبيض، والذي يهمّه أن تكون الثلاثية الأستانية (روسيا – إيران – تركيا) ضمن قائمة أصدقائه في مرحلة ما بعد التطبيع العربي الإسرائيلي.

———————

لأول مرة عبر الفيديو.. لقاء مرتقب بين بوتين والأسد

أعلن الكرملين الروسي عن لقاء مرتقب، اليوم الاثنين، عبر تقنية الفيديو بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وهذه هي المرة الأولى التي يلتقي بها بوتين والأسد عبر تقنية الفيديو، والتي كانت قد شهدت رواجاً في الأشهر الماضية، بسبب الإجراءات المتعلقة بعدم تفشي فيروس “كورونا”.

ونقلت وسائل إعلام روسية عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف قوله: “الرئيس (بوتين) يعمل اليوم في مقره في نوفو-أوغاريوفو (بضواحي موسكو)، ولديه عدة لقاءات، وفي أقرب وقت نتوقع عقد اتصال عبر تقنية فيديو كونفرنس مع نظيره السوري بشار الأسد”.

وكان الأسد قد قال، الشهر الماضي، إنه يخطط لعقد لقاء مع نظيره الروسي في المستقبل، مؤكداً أنه تجري في الوقت الراهن، اتصالات هاتفية مستمرة بين الجانبين.

ويأتي الاتصال المرتقب بين الطرفين في الوقت الذي تتجه في الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” بكرسي الرئاسة.

كما يتزامن الاتصال مع عدة تطورات يشهدها الملف السوري، على رأسها التصعيد العسكري في جنوب مدينة إدلب، إلى جانب التوتر الذي تشهده مناطق شرق الفرات بين “قوات سوريا الديمقراطية” وتركيا.

ولا يمكن فصل الاتصال بين بوتين والأسد عن “مؤتمر اللاجئين” الذي تروج له موسكو ونظام الأسد، منذ أسابيع، لعقده في العاصمة السورية دمشق.

وتسعى روسيا وحكومة الأسد إلى عقد مؤتمر في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والذي سيناقش “تسهيل عودة” اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حسب الرواية الروسية.

وكانت روسيا أطلقت منتصف عام 2018 “مبادرة” لعودة اللاجئين والمهجرين السوريين من دول الجوار، خاصة لبنان والأردن وتركيا، إلا أنها لم تلقَ ترحيباً دولياً، خاصة لدى الأمم المتحدة.

وتهدف روسيا من عودة اللاجئين إلى البدء بمشاريع إعادة الإعمار في البلد، بعد الرفض الدولي للمساهمة بإعادة إعمار سورية دون حل سياسي، إلى جانب تقويض العقوبات الأوروبية والأمريكية أي مساعٍ يطرحها النظام وحلفائه لإعادة الإعمار.

————————-

الأسد يتحدث عن عقبات تعرقل عودة اللاجئين.. ويطلب من بوتين حلّها

أجرى رئيس النظام السوري، بشار الأسد لقاءً عبر تقنية الفيديو مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحدثا خلاله على مؤتمر اللاجئين، المزمع عقده في العاصمة دمشق، الشهر المقبل، على أن يكون الهدف منه عودة اللاجئين السوريين من بلدان اللجوء، بعد انتهاء الحرب والعمليات العسكرية على الأرض.

وتحدث الأسد خلال اللقاء الذي نشرته “رئاسة الجمهورية”، اليوم الاثنين، عن عدة نقاط روّج من خلالها للمؤتمر، معتبراً أنه يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأولوية لحكومته.

وقال: “المؤتمر سيكون بداية لحل قضية اللاجئين الإنسانية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً، منذ الحرب العالمية الثانية”.

وأضاف: “روسيا تؤيد عقد المؤتمر الدولي حول اللاجئين، وهي مستمرة في بذل قصارى جهدها لإنجاحه، والتنسيق والتشاور مع الحكومة السورية، لاتخاذ كافة الإجراءات والتسهيلات لتمكين ومساعدة اللاجئين للعودة إلى وطنهم”.

وكان اللافت في حديث الأسد هو استجداء نظيره بوتين، من أجل كسر العقبات التي تعرقل عودة اللاجئين، على رأسها الحصار الذي تفرضه الدول الغربية.

ووجه الأسد خطابه لبوتين بالقول: “المشكلة أن الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية يشكل عقبة كبيرة في وجه عودة اللاجئين (…) أرجو إزالة الحصار اللا شرعي من أجل أن تتمكن سوريا من القيام بواجباتها أمام الراغبين بالعودة”.

وتسعى روسيا وحكومة الأسد إلى عقد مؤتمر في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والذي سيناقش “تسهيل عودة” اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حسب الرواية الروسية.

وكانت روسيا أطلقت منتصف عام 2018 “مبادرة” لعودة اللاجئين والمهجرين السوريين من دول الجوار، خاصة لبنان والأردن وتركيا، إلا أنها لم تلقَ ترحيباً دولياً، خاصة لدى الأمم المتحدة.

من جانبه أكد بوتين على أهمية مؤتمر اللاجئين، الذي ستشهده العاصمة دمشق، مشيراً إلى أن عوتدهم ستشكّل رافداً للاقتصاد وبعملية إعادة الإعمار في سورية.

وقال بوتين إن عودة اللاجئين يجب أن تكون غير مجبرين عليها، مضيفاً “أتمنى أن ننجح في ذلك”.

وتهدف روسيا من عودة اللاجئين إلى البدء بمشاريع إعادة الإعمار في البلد، بعد الرفض الدولي للمساهمة بإعادة إعمار سورية دون حل سياسي، إلى جانب تقويض العقوبات الأوروبية والأمريكية أي مساعٍ يطرحها النظام وحلفائه لإعادة الإعمار.

وبموجب الخطة الروسية السابقة، كان من المفترض أن يعود ما يقارب 900 ألف لاجئ سوري خلال أشهر من طرح المبادرة، إلا أن ذلك لم يتحقق، حيث تتحدث تقارير روسية عن عودة خجولة لبعض اللاجئين من لبنان فقط، في حين لم تلقَ المبادرة الاستجابة المطلوبة في الأردن وتركيا.

وأعادت روسيا مؤخراً طرح مبادرتها السابقة، عبر التنسيق لمؤتمر دولي في دمشق الشهر المقبل، ووجهت دعوة لعدة دول لحضوره.

———————————-

من وجهة نظر روسية.. ثلاثة أسباب تقف وراء التصعيد الروسي في إدلب

تشهد محافظة إدلب تصعيداً جديداً من طرف روسيا وقوات الأسد، واللتان بدأتا قصفاً جوياً ومدفعياً على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في جبل الزاوية بالريف الجنوبي، وهي المنطقة التي حددها اتفاق “سوتشي” الأخير بالاسم، على أن تكون منطقة أمنية تتخللها معابر آمنة، على طرفي الطريق الدولي حلب- اللاذقية (m4).

وكانت آخر تبعات التصعيد صباح، اليوم السبت، إذ قصفت طائرتان حربيتان روسيتان بأكثر من 13 غارة أطراف بلدة سرجة التابعة لمدينة أريحا، وجاء ذلك عقب ساعات من قصف مدفعي لقوات الأسد، ما أسفر عن وقوع ضحايا وإصابات بين المدنيين.

ويعي سكان محافظة إدلب، بحسب ما عاصروه طوال السنوات الماضية، أن أي تصعيد بالقصف من جانب روسيا وقوات الأسد، يعتبر مؤشراً على قرب عملية عسكرية لقضم مساحات جديدة في الميدان، وهو أمر قاله قيادي عسكري في “الجبهة الوطنية للتحرير” في حديثٍ لـ”السورية.نت”.

وأضاف القيادي أن التصعيد بالقصف من جانب روسيا وقوات الأسد يعطي مؤشراً على عملية عسكرية برية، قد تبدأ في الأيام المقبلة.

وأشار إلى أن الروس يتطلعون للسيطرة على مدينة أريحا، والتي تركّز القصف عليها بشكل كامل، إلى جانب القرى التابعة لها، بينها سرجة التي طالتها الغارات، اليوم.

طريق مسدود بين أنقرة وموسكو

ولم يدفع التصعيد الذي تشهده إدلب في الوقت الحالي أياً من أنقرة وموسكو للتعليق، سواء بالسلب أو بالإيجاب.

واللافت أن القصف الجوي والمدفعي يأتي مع إقدام الجيش التركي على إخلاء نقطتي المراقبة في شير المغار في الريف الغربي، ومعر حطاط في الريف الشرقي، وهما نقطتان محاصرتان بشكل كامل، وكان قد سبقهما إخلاء نقطة المراقبة في مورك بريف حماة بشكل كامل.

ولم يصدر أي موقف رسمي من أنقرة حول أسباب سحب نقاط المراقبة التركية حتى الآن.

وحسب ما رصد فريق “السورية.نت” على وسائل الإعلام الروسية، فإنها بدأت بالترويج لعملية عسكرية جديد، غير واسعة، في الأيام المقبلة في محافظة إدلب، من أجل إكمال بنود اتفاق “سوتشي” الأخير، على رأسها فتح الطريق الدولي (m4).

وفي حلقة من برنامج “أبعاد روسية” على قناة “روسيا اليوم”، أمس الجمعة، تحدث الباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف عن توتر روسي- تركي كبير، بسبب وصول الطرفين إلى طريق مسدود، بشأن تطبيق بنود اتفاق “سوتشي”.

وقال الباحث: “الحديث الروسي يدور اليوم على أن اتفاقيات سوتشي التي تم التوافق عليها لا تنفذ بشكل كامل، وكل الشروط لا تقوم تركيا بالالتزام بها، بينها التخلص من هيئة تحرير الشام، وفصلها عن باقي الفصائل المعتدلة”.

وأضاف الباحث أن النقطة العالقة بين الروس والأتراك، والتي دفعت إلى التصعيد الحالي هي عدم فتح الطريق الدولي (m4)، مشيراً “وفقاً لعمل الشرطة الروسية ووجهة نظرها فإن أنقرة لم تتمكن من إخراج المسلحين من منطقة جبل الزاوية، وهذا يعتبر إشارة إلى أنقرة لم تلتزم باتفاق إدلب”.

وكان أردوغان وبوتين قد اتفقا، في مارس 2020، على وقف إطلاق النار في إدلب، عقب محادثات استمرت أكثر من خمس ساعات بحضور كبار مسؤولي البلدين.

وقرر الطرفان تسيير دوريات على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4) مع إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبالتالي مرور الدوريات المشتركة الروسية- التركية من مدن وبلدات تحت سيطرة المعارضة، كأريحا وجسر الشغور ومحمبل وأورم الجوز.

الـ12 كيلومتراً على طرفي الطريق، اقتطعت، وفق الاتفاق، مساحات كبيرة من مناطق سيطرة المعارضة، على طول الطريق بين قريتي ترنبة غرب سراقب (ريف إدلب الشرقي)، وعين الحور بريف إدلب الغربي، وهما بداية ونهاية مناطق تسيير الدوريات التركية- الروسية، وهو “الممر الآمن”.

وبحسب خريطة الاتفاق الأخير لـ”سوتشي” فإن منطقة “جبل الزاوية” هي المنطقة التي يدور الخلاف حولها بين أنقرة وموسكو، والتي كانت الأولى قد حشدت فيها قواتها العسكرية بشكل كبير، منذ شهرين وحتى الآن.

وتوقع الباحث الروسي أن تقدم روسيا وقوات الأسد على عملية عسكرية “غير كاملة”، بسبب تمركز القوات التركية في منطقة جبل الزاوية (أكثر من 20 ألف مقاتل مع فصائل المعارضة)، مشيراً “العدد الكبير من المقاتلين بحاجة إلى عملية كبيرة لحلها، وهذا لن ينجز إلا بعمل مشترك بين روسيا وتركيا”.

ماذا عن نقاط المراقبة التركية؟

وتطرق الباحث الروسي إلى الأسباب التي دفعت أنقرة لسحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، بينها مورك بريف حماة، وفي الوقت الحالي “شير المغار” في الريف الغربي، و”معرحطاط” في الريف الشرقي لإدلب.

واعتبر الباحث أن “أنقرة وجدت اللحظة الملائمة لسحب النقاط في الوقت الحالي”.

وتكمن أسباب سحب النقاط، بوجهة نظره، في محاولة من تركيا إبعاد أي خطر أو ضغط عليها، في حال بدأت العملية العسكرية من جانب قوات الأسد وروسيا.

ولفت الباحث الروسي إلى أن ما تشهده إدلب لا ينفصل مع ما تشهده مناطق شرق الفرات من توتر أيضاً، رابطاً عدم الانسحاب من “m4” بعدم انسحاب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) من الحدود الشمالية لسورية، وهو ما أفضى إليه اتفاق “سوتشي” أيضاً في نسخته الخاصة بشرق سورية، والموقع في عام 2019.

وتريد موسكو فتح طريق حلب- اللاذقية (m4)، والذي تتوسطه أريحا، المدينة التي تحظى بموقع استراتيجي، من شأنه أن يغير المعادلة العسكرية في الجنوب الإدلبي بشكل كامل.

وكانت الأمم المتحدة، قد أدانت أمس الجمعة، أعمال قصف أسفرت عن مقتل ثمانية مدنيين على الأقل في إدلب، وذلك في مؤتمر صحافي عقده ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك.

وقال دوجاريك إن نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة للشأن السوري، مارك كاتس قلق للغاية من التصعيد الحاد في أعمال العنف في إدلب.

————————-

حوار “فضائي” بين الأسد وبوتين: “ماذا ترى وأنت على هذا الارتفاع الكبير عن الأرض؟”/ رامي الأمين

متابعة لقاء الأسد وبوتين عبر تقنية الفيديو يُعيد إلى الذاكرة الحوار بين حافظ الأسد ورائد الفضاء السوري محمد فارس… كان ينقص أن يسأل بوتين الأسد: “ماذا ترى وأنت على هذا الارتفاع الكبير عن الأرض؟”.

    أيها المقدّم محمد، أنا الرئيس حافظ الأسد.

    احترامي سيدي الرئيس، إني أسمعكم جيداً، وأنا مسرور جداً بهذا اللقاء.

يعود إلى الذاكرة هذا الحوار بين الرئيس السوري حافظ الأسد ورائد الفضاء السوري محمد فارس، مع متابعة لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع “نظيره” الروسي فلاديمير بوتين عبر تقنية الفيديو. المشهد شبيه جداً. لكن المضمون يختلف، ولو أن المقارنة مغرية في قراءة نبرة التعاطي الروسي مع القيادة السورية ووصايتها عليها. اتصال الفيديو بين فارس وحافظ الأسد كان لمناسبة رحلة سوفياتية إلى الفضاء عام 1987، شارك فيها رائد الفضاء السوري، وأجرى اتصالاً متلفزاً مع رئيسه من الفضاء، يسأله الأسد خلاله: “ماذا ترى وأنت على هذا الارتفاع الكبير عن الأرض؟”. فيجيبه فارس كما لو أنه يكتب موضوع إنشاء لصف ابتدائي في المدرسة: “أرى بلدي الحبيب، أراه رائعاً جميلاً كما هو في الحقيقة، إنني أرى سواحله الجميلة الرائعة، إني أرى جباله الخضراء الجميلة، أرى سهوله، أرى جبل الشيخ شامخاً وجولاننا الحبيب، إني أرى كل بقعة فيه رائعة جميلة”.

https://www.youtube.com/watch?v=NdJGNUjgr_I&feature=emb_logo

في فيديو بشار الأسد وبوتين، يبدو الحوار شبيهاً. وكأنه تخيلات من الفضاء الخارجي. يقول بوتين في الاتصال إن “بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا تم القضاء عليها عملياً”، مشيراً إلى إمكان العودة الجماعية للاجئين إلى البلاد”. يقول ذلك، للشخص الأول المسؤول عن تهجير ملايين السوريين، متجاوزاً عذابات آلاف السوريين وتضحياتهم، بل قل الملايين، بسبب آلة القتل والتهجير والتعذيب والإرهاب التي استخدمها نظام الأسد على مدى سنوات لقمع الانتفاضة السورية بسبب تعنّته وتمسّكه بالأبد منهجاً بعثياً، وتكامل دوره مع دور المجموعات الإرهابية المسلحة، من “داعش” و”النصرة” وسواهما، مع تدخلات من دول عربية ودولية، في تحويل سوريا إلى بؤرة حرب عالمية. من الفضاء الخارجي يخرج بوتين ليعلن بعد نحو 10 عشر سنوات على الحرب، أن “اللاجئين الشباب يمكن أن يشكلوا تهديداً للدول المضيفة من خلال الوقوع تحت تأثير المتطرفين”، وأن “هناك أكثر من 6.5 مليون لاجئ خارج سوريا معظمهم مواطنون قادرون على العمل في إعادة إعمار سوريا”. هؤلاء الشباب في معظمهم مطلوبون لأجهزة الأمن السورية، ويخشون العودة حتى لا يعتقلوا أو يقتلوا أو يعذّبوا، يريدهم بوتين أن يعودوا من “رحلتهم الفضائية” إلى الأرض.

أما الأسد، الذي يكاد يكون حاله كحال محمد فارس، حاضر في المقصورة الفضائية، كمشاهد، يتأمل من بعيد “المناظر الجميلة”، منفصلاً عن الواقع، وغارقاً في متلازمة الإنكار، فيؤكد لبوتين عبر الفيديو أن “المشكلة في سوريا هي الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية والذي يشكل عقبة كبيرة في وجه عودة اللاجئين”. ويتابع الأسد، كما لو أنه يكتب موضوع إنشاء لصف ابتدائي، إن “عودة اللاجئين بالنسبة إلى سوريا هي أولوية والحكومة السورية ليست مستعدة وحسب، بل متحمسة لذلك”. كان يمكن أن يضيف، كما فعل محمد فارس، إن السواحل جميلة رائعة والجبال خضراء وجبل الشيخ شامخ والجولان الحبيب رائع. كل شيء على ما يرام، لولا العقوبات الأميركية، التي تمنع اللاجئين من العودة، وتقوّض الجهود “الفضائية” السورية- الروسية والإيرانية لاكتشاف “حياة” على الكواكب السورية التي أفرغتها مخلوقات فضائية إرهابية بالبراميل المتفجّرة من سكانها.

كان ينقص الفيديو، أن يسأل بوتين الأسد: “ماذا ترى وأنت على هذا الارتفاع الكبير عن الأرض؟”.

درج

——————————

مؤتمر اللاجئين” في دمشق: محاولة تحايل على المقاطعة/ عماد كركص

تمضي دمشق قدماً بالتحضير لمؤتمر اللاجئين السوريين، الذي وصفته وزارة خارجية النظام بـ”الدولي”، رغم التوقعات المشككة بقدرة النظام وحليفه الروسي على عقد المؤتمر بموعده المحدد غداً، الأربعاء، وبعد غد الخميس، في العاصمة السورية. وتواصل روسيا الترويج للمؤتمر على إيقاع تحفظ غربي ودولي سواء من الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين. وتعتبر واشنطن هذه الخطوة محطة للتحايل على المسارات السياسية الرامية للحل في سورية، لا سيما اللجنة الدستورية، التي يعرقل النظام انعقاد جولة جديدة منها، ويماطل لعرقلة تقدم سيرها من خلال جدول الأعمال.

وبدأت خارجية النظام بالترويج للمؤتمر عبر معرّفاتها بإعلانٍ مصوّر يؤكد انعقاده في الموعد المحدد، يأتي ذلك بعد جولة قام بها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، إلى كل من بغداد وبيروت وعَمّان على رأس وفد من وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين، قبل أن ينتهي المطاف بهم في دمشق ولقاء رأس النظام بشار الأسد، نهاية الشهر الماضي، بهدف التحضير للمؤتمر. ووجّهت الوزارتان الروسيتان دعوات بعنوان “تسهيل عودة اللاجئين والنازحين”، إلى ممثلي الهيئات والجهات الفاعلة الدولية والإقليمية من دون الإشارة للدول. وأوضح نص الدعوة أنه “بالنظر إلى الاستقرار الحالي في سورية والصعوبات المتزايدة التي تواجهها البلدان المستقبلة للاجئين، من الضروري تكثيف الجهود الدولية لتقديم مساعدة شاملة لأولئك السوريين الذين يرغبون في العودة إلى وطنهم”. وأشارت الدعوة في نصها إلى تهيئة الأجواء لعودة اللاجئين، كـ”استعادة البنية التحتية الأساسية والاتصالات، وبناء المنازل، والقيام بإزالة الألغام للأغراض الإنسانية”. ولفت نص الدعوة إلى أن جلسات المؤتمر ستشمل “نقاشات وموائد مستديرة حول الموضوعات الأكثر حدة”، مثل “مساعدة العائدين، وترميم المرافق الاجتماعية، والمساعدة الإنسانية، ومكافحة فيروس كورونا”. إضافة إلى ذلك سيتكمن “المشاركون في المؤتمر من زيارة مراكز الإقامة المؤقتة للاجئين وأماكن إقامتهم الدائمة في محافظة حمص والمناطق القريبة من مخيم الركبان”.

ومن الواضح أن موسكو ستزجّ من خلال جدول أعمال المؤتمر المتضمن تأهيل البنية التحتية وبناء المنازل وترميم المرافق الاجتماعية، بملف إعادة الإعمار من دون تسميته صراحة في جدول أعمال المؤتمر. وهذا الملف تضع دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، خطوطاً حمراء على البدء بتنفيذه في البلاد، قبل إنجاز التسوية السياسية بناء على القرار 2254 والمرجعيات الأممية. وبالفعل، وخلال اجتماع عبر تقنية الفيديو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورأس النظام السوري بشار الأسد، أمس الاثنين، حاول الأسد تعويم ملف “إعادة الإعمار”، بالتشديد على “معالجة أسباب فرار السوريين من ديارهم وجعلتهم لاجئين”، وحصرها بدمار البنية التحتية، ما يعني ضرورة إعادة تأهيل تلك البنية من خلال البدء بمرحلة إعادة الإعمار. واعتبر أن قضية اللاجئين هي “الأولوية رقم واحد خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعدما تم تحرير جزء كبير من الأراضي وانحسار رقعة المعارك برغم استمرار الارهاب”. في المقابل، أكد بوتين للأسد خلال اللقاء، تأييد بلاده الكبير لعقد المؤتمر، مشيراً إلى أن الوفد الروسي سيكون من أكبر الوفود مشاركة فيه. وكان الدبلوماسي السوري المنشق عن النظام، بسام بربندي، المقيم في واشنطن، قد أكد عبر صفحته على “فيسبوك”، أن الأميركيين أبلغوا الجانب الروسي بعدم حضور المؤتمر، مع الإشاره إلى أن واشنطن دفعت باتجاه عدم حضور الدول الحليفة لا سيما الأوروبية، لأن حل مشكلة اللاجئين يكون في جنيف وعبر قرارات الأمم المتحدة وليس عبر أي مسار آخر. ورجّحت مصادر روسية مطلعة مشاركة 20 دولة. وقال مصدر في وزارة خارجية النظام السوري لـ”العربي الجديد”، إن “المؤتمر الذي سينعقد في مجمع قصر المؤتمرات وفندق إيبلا بدمشق، ستقتصر المشاركة فيه على الدول الصديقة للنظام”. ويشير ذلك إلى نجاح الجهود الأميركية في الحد من المشاركة الدولية في المؤتمر وحصرها بالنظام وحلفائه ما يجعل شرعية المسار منقوصة أو معدومة. وقاد تلك الجهود الممثل الخاص للتواصل بشأن سورية جيمس جيفري قبل تقديم استقالته أول من أمس، الأحد، لينوب عنه نائب مساعد وزير الخارجية جويل رايبرون. وذكر مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لـ”العربي الجديد”، أن الاستراتيجية الأميركية حيال الملف السوري ستبقى مستمرة على حالها، إلى حين تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس جو بايدن مهامها بالكامل. وفي غياب أي موقف تركي رسمي حول المؤتمر، وامتناع لافرنتييف عن زيارة أنقرة في جولته على المنطقة الشهر الماضي، دعت السياسية التركية المعارضة إيلاي آكسوي، وهي عضو بحزب “الجيد” المعارض، السياسيين المعارضين الأتراك لحضور مؤتمر اللاجئين. مع العلم أن تركيا تستضيف أكثر من 3.5 ملايين سوري فيها.

العربي الجديد

——————————

بوتين يفتح ملف اللاجئين السوريين وعينه على إعادة الإعمار خلال لقاء عبر الفيديو مع رئيس النظام السوري/ هبة محمد

تكريساً للإلحاح الروسي في تفعيل قضية اللاجئين السوريين بعد إخفاق هذه الأخيرة في تحقيق أي مكاسب سياسية واقتصادية، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر تقنية الفيديو، حيث ركز على ملف اللاجئين الذين غادروا سوريا، هرباً من هجمات النظامين الروسي والسوري العسكرية على الشعب السوري.

ووفق خبراء في هذا الشأن، فإن بوتين الذي تعثر على مدار عامين كاملين من تحقيق أي إنجاز يذكر في هذا الملف، عاد ليفتح الأبواب مجدداً عبر مؤتمر حول اللاجئين، من المقرر عقده في العاصمة دمشق قريبًا، في نية لتسويق عودة البيئة الآمنة والمناسبة للاستثمار، المرتبطة بمشاريع التعافي المبكر في البلاد.

ملف إشكالي

اللقاء الأخير الذي جمع بوتين بالأسد، أمس، حمل العديد من العبارات المنمقة في المظهر، والمنافية للواقع في المضمون، إذ أن رئيس النظام السوري، أشار إلى تحمسه وحكومته لإعادة اللاجئين السوريين، محملاً الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية عدم عودتهم، حيث قال: «المشكلة أن الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة يشكل عقبة كبيرة في وجه عودة اللاجئين لكن عودتهم بالنسبة إلى سوريا هي أولوية والحكومة السورية ليست مستعدة فقط بل متحمسة لذلك».

بشار الأسد أضاف أيضاً: «فالجزء الأكبر من هؤلاء اللاجئين من الداعمين للحكومة السورية ولكن الظروف الحالية لا تسمح لهم بالعودة، وأضاف «المشكلة الأكبر هي الحصار الغربي المفروض على سوريا.. على الدولة وعلى الشعب وبالتالي إعادة هؤلاء اللاجئين في حاجة لتأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم.. الماء والكهرباء والمدارس.. لديهم أطفال.. وغيرها من الخدمات الأساسية بالإضافة إلى موضوع تحريك الاقتصاد من أجل أن يعودوا وأن يكون أمامهم أفق من أجل أن يعيشوا حياة طبيعية.. المشكلة أن الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة يشكل عقبة كبيرة في وجه هذه العودة».

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد تحدث في السياق، حيث قال: «حجم الكارثة الإنسانية في سوريا لا يزال كبيراً، وروسيا تؤيد عقد المؤتمر الدولي حول اللاجئين وهي مستمرة في بذل قصارى جهدها لإنجاحه، والتنسيق والتشاور مع الحكومة السورية لاتخاذ كافة الإجراءات والتسهيلات لتمكين ومساعدة اللاجئين للعودة إلى وطنهم». وأضاف بوتين خلال الاتصال: «سنواصل بذل الجهود لتشجيع الحل السياسي للأزمة في سوريا والحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية».

في حين، أن السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف، قال لصحيفة «الوطن» المؤيدة للأسد: «نعتقد بأن مؤتمر اللاجئين سيشكل خرقاً للحصار الدعائي والإعلامي الغربي ضد القيادة السورية، وسيمكنها من الوصول إلى السوريين الذين يسعون حقاً للعودة، لكنهم يتحفظون على ذلك بسبب مخاوف موضوعية أو مصطنعة من أحد ما، حيث سيرسل إشارة تفيد بأن سوريا تعود إلى السلام وهي مثل الأم، مستعدة لقبول جميع أبنائها»

وعلى اعتبار قضية اللاجئين السوريين، أحد الملفات الأساسية ذات الإشكالية بين الدول الفاعلة في مؤتمر أستانة «تركيا وروسيا وإيران» كما أنه ملف خلافي مع الدول الأوروبية، يرى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي خلال حديثه لـ «القدس العربي»: أن جهود حلفاء النظام السوري روسيا وإيران في محاولة تفعيل هذا الملف، تعود إلى صيف عام 2018، بعد حسم ملف الجنوب السوري، وفي ذلك الوقت، قامت روسيا بجولة من الزيارات الأوروبية وأخرى لدول عربية كما طرحت العديد من المبادرات من أجل حث الدول على إعادة اللاجئين، ولكن بعد انقضاء تسعة أشهر، فإن موسكو لم تكسب أي جدوى لمساعيها.

حالياً، يبدو هناك إلحاح روسي شديد لتفعيل هذا الملف، والسبب يمكن رده هنا، إلى إخفاق روسيا منذ عام 2019 وحتى الشهر الحالي في تحقيق أي مكاسب سياسية واقتصادية، حيث أن هذه المكاسب تعتبر السبب الأهم في تدخل جيشها في سوريا لدعم النظام السوري.

التحرك الروسي هذا وفق الباحث عاصي، ينبع من قناعة تشكلت في الكرملين، بأن الحل العسكري أو أدواته لروسيا لم يساعدها في تحقيق المكاسب التي يطمح إليها الرئيس بوتين في سوريا، لذلك فإن ملف إعادة اللاجئين، تريد روسيا من خلاله تسويق فكرة أن سوريا باتت آمنة، وبيئة مناسبة لعودة الاستثمار، وهما ملفان مرتبطان ببعضهما البعض، أو ما يمكن تسميته بمشاريع التعافي المبكر في سوريا.

التفاف على الغرب

هذه الآلية، ربما يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلالها، الالتفاف على رفض الغرب المتكرر «الأوربيين والأمريكان» تقديم مشروع إعادة الإعمار على العملية السياسية في سوريا، ووضعهم لشروط تطبيق القرارات الدولية كافة المتعلقة ببنود 2254، لضمان الانخراط في ملف إعادة الإعمار، وهنا روسيا ليست لديها رغبة بالدخول في ذلك. لذلك فالأولوية لدى موسكو اليوم، هو إعادة اللاجئين السوريين، والتطبيع بين إسرائيل والنظام السوري، على أمل الدخول في ملف إعادة الإعمار، خاصة أن روسيا لا تستطيع تحمل نفقاتها الضخمة بشكل منفصل، وهنا ربما تريد روسيا كسب مساحة مناورة أكبر في العملية السياسية حول سوريا.

ويمثل الدعم الروسي للمؤتمر المزمع عقده في دمشق في 11 و12 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، استمراراً للسياسة الروسية في الضغط على الدول باستثمار آلامها أو مخاوفها في القضايا الأمنية وقضايا الهجرة، بدا هذا واضحاً منذ إعلان الروس عن مبادرتهم لإعادة اللاجئين في صيف العام 2018.

فشل روسي

وهدفت روسيا من ذلك، وفق قراءة للباحث في مركز الحوار السوري محمد نذير سالم، إلى تحقيق العديد من الأهداف، كمحاولة حصاد مكاسب سياسية لتدخلها العسكري، وتثبيت تلك المكتسبات من خلال الحشد لشرعية تدخلها وإعادة شرعية النظام السوري، من خلال استخدام الترغيب والترهيب مع الدول المستضيفة للاجئين (يتضح ذلك من تصريح بوتين بأن شباب اللاجئين يشكلون حاضنة للمتطرفين وتهديداً على الدول المضيفة). خاصة دول الجوار، وفق ما قاله الباحث «سالم» لـ «القدس العربي» كونها تعاني مصاعب اقتصادية، الأمر الذي يمهد للحسم الروسي للملف السوري واستجرار أموال إعادة الاعمار وحصد الروس لمكاسبهم من التدخل، لكن الخطة الروسية باءت بالفشل سابقاً، حيث لم تحقق استجابة تذكر، سوى بعض التجاوب من لبنان كون يـعاني ظـروفاً داخـلية واقتـصادية.

ثم جاءت المصاعب الاقتصادية وعقوبات قيصر لترسخ الفشل الروسي في الاستثمار في ملف اللاجئين واستعادة شرعية النظام عموماً. وحالياً، يرتبط مدى نجاعة هذه السياسة الروسية، بدرجة كبيرة بمدى الاستجابة الدولية لها، والمرتبطة بدورها بموقف واشنطن، والذي لا يبدو واضحاً حتى الآن، لكن عدداً من المحللين يؤكدون بأن إدارة بايدن لن تكون توافقية مع السياسة الروسية عموماً. مما يعني غالباً مراوحة السياسة الروسية في المكان دون تحقيق نتائج تذكر، خاصة مع تأكيد المبعوث الأمريكي السابق جيمس جيفري على عدم توقعه لتغييرات جذرية في تعامل واشنطن مع القضية السورية.

ويشكل السوريون اليوم أكبر جمع من اللاجئين حول العالم، حيث وصلت نسبة اللاجئين السوريين إلى 8.25% من نسبة اللاجئين عالميًا حتى نهاية عام 2019، لتصنف سوريا بذلك بلد المنشأ الأول للاجئين منذ العام 2014.

وذكر تقرير «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» الصادر أمس، أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة، بينما عدد اللاجئين حول العالم تجاوز 80 مليون شظخص حتى نهاية 2019.

القدس العربي»

——————————

هل تشارك المعارضة التركية في مؤتمر دمشق للاجئين؟

لم تتّضح بعد، مسألة مشاركة المعارضة التركية في المؤتمر “الدولي” حول اللاجئين السوريين، الذي تعتزم روسيا والنظام السوري عقده، يومي الأربعاء والخميس، في دمشق.

وعلى بعد يوم واحد من انعقاد المؤتمر، لا زالت التوقعات قائمة بمشاركة شخصيات من المعارضة التركية، وخصوصاً بعد تلميح شخصيات منها وترويجها له، وهو ما يتضح من خلال دعوة عضو المجلس التأسيسي والإداري لحزب “الجيد” التركي المعارض، إيلاي أكسوي، السياسيين الأتراك إلى المشاركة في مؤتمر دمشق.

دعوة أكسوي التي جاءت عبر “فايسيوك”، أكدت احتمال مخالفة المعارضة التركية أو شخصيات منها، لموقف حزب “العدالة والتنمية” الحاكم المحسوم، لجهة الامتناع عن الحضور في المؤتمر.

ولم يستبعد الكاتب والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو مشاركة المعارضة التركية في المؤتمر، نكاية في موقف الحكومة التركية، الرافض تماماً لإرسال وفد رسمي إلى دمشق. وقال ل”المدن”، إن موقف المعارضة التركية من النظام السوري واضح تماماً، فهي تدعم الأسد من دون التفكير بمعاناة الشعب السوري.

وفي حين أكد أوغلو أنه لم ترشح أي أنباء مؤكدة عن مشاركة المعارضة في المؤتمر، قال:

“معلوم وواضح للجميع، أن لبعض أطراف المعارضة التركية، علاقة وثيقة بنظام بشار الأسد، ومن هنا قد ترسل المعارضة وفداً لها، للظهور بمظهر الباحث عن تحقيق السلام والحل في سوريا”.

في المقابل، استبعد الصحافي التركي حمزة خضر أن تشارك المعارضة قائلاً: “لا تجرؤ المعارضة على القيام بأي تحرك تجاه نظام الأسد، خشية إثارة نقمة الشارع التركي، لأن دماء عشرات الشهداء من الجنود الأتراك الذين قتلهم نظام الأسد في محيط إدلب، في أواخر شباط/فبراير الماضي، ما زالت ماثلة في أذهان الشارع التركي”.

وأضاف ل”المدن”، أن الشارع التركي بغالبيته يعادي النظام السوري، والمعارضة في حال ذهبت إلى دمشق، تكون قد ارتكبت سقطة أخلاقية، تعرضها لغضب الشارع، وخصوصاً أنها ستضع يدها بيد الأسد، قاتل الجنود الأتراك، حسب تعبيره.

وحسب خضر، فإن دعوة أكسوي للمشاركة في المؤتمر، تأتي في إطار معاداتها للوجود السوري، مشيراً إلى مواقفها التحريضية الكثيرة على السوريين بتركيا.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، تقدمت مجموعة من المحامين الأتراك بشكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في اسطنبول ضد أكسوي. وجاءت الدعوى بسبب نشر أكسوي ل”الحقد والكراهية” على وسائل التواصل الاجتماعي ضد اللاجئين وخاصة السوريين المتواجدين في تركيا.

—————————

بوتين للأسد:العودة الجماعية للاجئين ممكنة

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال عبر الفيديو مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، إن بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا تم القضاء عليها عملياً، مشيرا إلى إمكانية العودة الجماعية للاجئين إلى البلاد.

وقال بوتين إن روسيا تدعم عقد المؤتمر الدولي حول اللاجئين، يومي الاربعاء والخميس من هذا الاسبوع ، مضيفاً أن “الوفد الروسي سيكون من أكبر الوفود مشاركة”. وأضاف أن “حجم الكارثة الإنسانية في سوريا لا يزال كبيراً”. وتابع: “اللاجئون الشباب يمكن أن يشكلوا تهديداً للدول المضيفة من خلال الوقوع تحت تأثير المتطرفين”.

وترددت أنباء مؤخراً عن إمكانية إلغاء مؤتمر اللاجئين أو تأجيله بهدف إجرائه خارج سوريا، بسبب رفض دول غربية كبرى حضور المؤتمر في دمشق.

ورأى الرئيس الروسي أن “هناك أكثر من 6.5 مليون لاجئ خارج سوريا معظمهم مواطنون قادرون على العمل في إعادة إعمار سوريا”.

ووصف العمل ضمن صيغة أستانة بشأن سوريا ب”الفعال”، مضيفاً: “حققنا معاً الكثير وتم القضاء على بؤر الإرهاب”.

من جهته، قال الأسد إن “الجزء الأكبر من اللاجئين يرغب بالعودة إلى سوريا بعد أن هيأت الدولة الظروف المناسبة لذلك”. وأضاف “لدينا أمل أن يخرج مؤتمر عودة اللاجئين بنتائج مهمة”.

واعتبر الأسد أن العقبة الأساسية أمام عودة اللاجئة هي “الحصار الغربي المفروض على سوريا الدولة والشعب”، مضيفا أن “هؤلاء اللاجئين بحاجة لتأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم”.

———————–

 بوتين «ينصح» الأسد بإعادة اللاجئين

أول عقوبات أميركية على النظام منذ الانتخابات الرئاسية

 رائد جبر

نصح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال عبر تقنية تلفزيونية أمس، الرئيس السوري بشار الأسد بضرورة توفير شروط عودة اللاجئين السوريين في خارج البلاد.

وأجرى بوتين «قمة افتراضية» مع الأسد لدعم عقد مؤتمر للاجئين في دمشق يومي غد وبعد غد (الأربعاء والخميس)، وأعلن خلالها أن بلاده سوف «تشارك بشكل واسع ونشط» في أعمال المؤتمر، ورأى أنه يشكل مقدمة لترتيبات مرحلة «ما بعد الحرب» في سوريا. ويتضمن برنامج المؤتمر إلقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كلمة تشرح موقف بلاده من هذا الموضوع.

وظهر بوتين والأسد في مقطع فيديو مدته 10 دقائق، بدا أنه الشق المفتوح من المحادثات، واستهل بوتين النقاش بالإشارة إلى أنه «تم القضاء على بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا». وشدد على ضرورة أن تسير عملية العودة «بطريقة طبيعية ومن دون إكراه»، وأنه «يجب على كل سوري أن يتخذ قراره بنفسه بعد تلقي معلومات موثوقة حول الوضع في وطنه»، لافتاً إلى أن ذلك «مرهون بالخطوات التي تتخذونها أنتم والقيادة السورية لتنظيم الحياة السلمية».

من جهة أخرى، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أمس، حزمة عقوبات جديدة على النظام السوري، هي الأولى منذ إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة.

الشرق الوسط

————————–

تركيا غير مدعوة.. القائمة الأولية للدول المشاركة بمؤتمر اللاجئين في دمشق

كشف معاون وزير الخارجية في حكومة الأسد، أيمن سوسان، عن قائمة الدول المشاركة بمؤتمر اللاجئين في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

وقال سوسان في مقابلة له مع قناة “الإخبارية السورية” إن روسيا والصين وإيران ولبنان والإمارات وسلطنة عُمان وباكستان، ستكون من ضمن الدول التي عبرت عن رغبتها بالمشاركة في المؤتمر، الذي يرعاه نظام الأسد وروسيا.

وأضاف سوسان أنه تم توجيه دعوة لكافة الدول للمشاركة في المؤتمر، باستثناء تركيا، معتبراً أنه “لا يمكن تأمل أي أمر إيجابي من قبل نظام أردوغان الداعم الأول للتنظيمات الإرهابية في سورية”، على حد قوله.

وتحدث سوسان عن ضغوطات تتعرض لها الدول المدعوة من أجل عدم حضور المؤتمر، مطالباً المجتمع الدولي بـ”التوقف عن عرقلة عودة هؤلاء المهجرين وتسييس وضعهم الإنساني”.

وأعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً، اليوم الثلاثاء، عن عدم مشاركة الدول الأعضاء فيه بالمؤتمر، رغم تلقيها دعوة للحضور، في حين رفضت كندا والولايات المتحدة المشاركة أيضاً.

وقال الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الاتحاد، جوزيب بوريل، إن وزراء خارجية عدد من دول الاتحاد، وهو نفسه، تلقوا دعوة للمشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، إلا أنهم لن يشاركوا.

تزامناً مع ذلك، استقبل رأس النظام السوري، بشار الأسد، علي أصغر خاجي كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني والوفد المرافق له، اليوم الثلاثاء، لبحث تحضيرات مؤتمر اللاجئين.

وبحسب ما ذكرت “رئاسة الجمهورية السورية”  فإن الوفد الإيراني أطلع الأسد على رؤية إيران لهذا المؤتمر، واستعدادها “لتقديم أي دعم من الممكن أن يساهم في إنجاح المؤتمر وحل هذا الملف الإنساني”

وأضاف أن “تحسن الأوضاع الأمنية على الأراضي السورية بشكل كبير والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية من أجل إعادة إعمار كل ما خربه الإرهاب، يشكل أساساً قوياً للانطلاق نحو إعادة كل اللاجئين السوريين وإنهاء المعاناة التي يعيشها معظمهم في دول اللجوء”.

من جانبه، اعتبر الأسد في لقائه مع الوفد الإيراني، أن المؤتمر سيكون “خطوة جوهرية في المسار الذي تسير به الحكومة لإنهاء هذا الملف، خاصة أنه سيتيح تبادل الآراء والأفكار مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية”، على حد قوله.

وتسعى روسيا وحكومة الأسد إلى عقد مؤتمر في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، والذي سيناقش “تسهيل عودة” اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حسب الرواية الروسية.

وكان رئيس النظام، بشار الأسد، أجرى لقاءً عبر تقنية الفيديو مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، تحدثا خلاله عن التحضير لمؤتمر اللاجئين.

وأثار المؤتمر تحفظات حقوقية، رفضت ما يروج له النظام وإعلامه حول نجاح المؤتمر، معتبرة أن سورية ليست آمنة لعودة اللاجئين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطنون في مناطق سيطرة الأسد.

—————————–

تنديد حقوقي بمؤتمر اللاجئين في دمشق: لا بيئة آمنة ولا حياة كريمة

أثار مؤتمر اللاجئين المقرر عقده في دمشق، برعاية نظام الأسد وروسيا، تحفظات حقوقية رفضت ما يروج له النظام وإعلامه حول نجاح المؤتمر.

فريق “منسقو استجابة سوريا” أصدر بياناً، اليوم الثلاثاء،  ندد خلاله بمساعي النظام وروسيا للترويج لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، معتبراً أن التسوية التي يدعو إليها النظام لا يمكن تحقيقها  بوجود حكومة الأسد والقوات الروسية، التي لا تزال طائراتها تستهدف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة.

وأشار التقرير إلى أن الهدف الأساسي من المؤتمر هو تعويم الأسد دولياً، وإظهار روسيا بمظهر الضامن لتقديم المساعدات الإنسانية عن طريقها أو عن طريق النظام.

ونفى “منسقو الاستجابة” الأرقام التي تصرح عنها روسيا بشأن اللاجئين العائدين، حيث بلغ عددهم 2.15 مليون بحسب التصريحات الروسية، مشيراً إلى أن هدف روسيا من الترويج لذلك هو كسب الوقت وتأييد المجتمع الدولي لتلك العودة.

وأضاف “لا يوجد حتى الآن أي رغبة لأي نازح أو لاجئ للعودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، بسبب انعدام أبسط مقومات الحياة الكريمة واستمرار الانهيار الاقتصادي وتواصل عمليات الخطف والاعتقالات والتغييب القسري، مما يجعل تلك المناطق غير آمنة للعودة”.

إلى جانب ذلك، أصدر مكتب شؤون اللاجئين التابع لـ”الائتلاف السوري” المعارض، بياناً رفض خلاله ترويج النظام وروسيا لعودة اللاجئين.

وقالت منسقة مكتب شؤون اللاجئين في الائتلاف، أمل شيخو، إنه لا توجد بيئة آمنة ومستقرة في سورية تسمح بعودة اللاجئين السوريين إليها حتى الآن.

وأضافت شيخو أن التواصل مع اللاجئين أظهر عدم رغبتهم بالعودة لسورية، لحين الخلاص من نظام الأسد، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن محاولات روسيا لعقد المؤتمر تهدف لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

بدوره، أكد الاتحاد الأوروبي عدم مشاركة الدول الأعضاء فيه بمؤتمر اللاجئين في دمشق، حيث أعلن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الاتحاد، جوزيب بوريل، عدم المشاركة بالمؤتمر.

وأضاف بوريل أن وزراء خارجية عدد من دول الاتحاد، وهو نفسه، تلقوا دعوة للمشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، إلا أنهم لن يشاركوا.

وتسعى روسيا وحكومة الأسد إلى عقد مؤتمر في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، والذي سيناقش “تسهيل عودة” اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حسب الرواية الروسية.

وكان رئيس النظام، بشار الأسد، أجرى لقاءً عبر تقنية الفيديو مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، تحدثا خلاله عن التحضير لمؤتمر اللاجئين.

وكان اللافت في حديث الأسد هو استجداء نظيره بوتين، من أجل كسر العقبات التي تعرقل عودة اللاجئين، على رأسها حسب قوله العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على نظامه.

————————–

====================

تحديث 11 تشرين الثاني 2020

—————————

عودة اللاجئين السوريين”.. بل عودة العلاقات مع نظام الأسد/ نادر فوز

توّج وزير الشؤون الاجتماعية، والسياحة، رمزي المشرفية، إنجازات حكومة الرئيس حسّان دياب، بمشاركته في مؤتمر دمشق “الدولي” عن عودة اللاجئين السوريين. أكمل المشرفية ما تبقى من 3% من الإنجازات التي وعد الرئيس حسّان دياب بتحقيقها بغضون 100 يوم، وفعلياً، في 9 أشهر من عمر الحكومة التي نالت الثقة في 11 شباط الماضي. شارك المشرفية في المؤتمر، على أرض النظام السوري وبرعايته وبحضور رئيسه بشار الأسد. الأخير كانت له كلمة مؤثرة، فقال إنّ “أغلب السوريين في الخارج راغبون بالعودة إلى بلدهم لكنهم يتعرّضون لضغوط ويُمنعون من العودة كما يترددون بالعودة بسبب الظروف الاقتصادية”! فوعد بإحراز المزيد من التقدم في موضوع التسهيلات والضمانات لعودة اللاجئين.

سواعد السوريين

أكد المشرفية في الكلمة التي ألقاها خلال المؤتمر، على أنّ “سوريا بحاجة إلى سواعد أبنائها لإعادة إعمارها، وهم مدعوّون إلى بناء بلدهم كما ساهموا في إعادة بناء لبنان إبان الحرب الأهلية”. هذه وظيفة الشعب السوري أساساً، إعادة بناء ما تهدّم أيمتا كان وكيفما كان. بنّاؤون فقط، والأصح عاملون في البناء، يتقيّدون بالخرائط التي حدّدها مهندسون وينفذون ما يطلبه منهم المشرف عليهم. لا حقوق لهم ولا مطالب بالمحاسبة، لا طموح ولا سعي للأفضل ولا سؤال: من هجّر وقتل ودمّر؟ فأعاد المشرفية التأكيد خلال كلمته على أنّ الحكومة اللبنانية “أقرّت خطة عودة النازحين (اللاجئين) التي تتوافق مع المعايير الدولية وتضمن حق النازح (اللاجئ) بالعودة محفوظ الكرامة إلى بلده”.

خطة سريّة

لم يكن إنجاز المشرفية المتمثّل بالمشاركة في مؤتمر دمشق ليكتمل لولا الإنجاز الحكومي الذي أقرّ خطة عودة اللاجئين. وبالمناسبة، لم يطلع رئيس الحكومة ولا أي مسؤول في الدولة اللبنانيين ولا اللاجئين المعنيين بالخطة على مضمونها. اطلّع عليها أغلب مسؤولي دول العالم الذين زاروا لبنان في الأشهر الأخيرة (وهم قلّة للمناسبة)، من دون أن يعرف المعنيون الفعليون بها ما تحمله في تفاصيلها. كل ما يُعرف حول الخطة أنها تؤكد على رفض التوطين من جهة ورفض العودة القسرية من جهة أخرى، إضافة إلى الموقف اللبناني المتكرّر بعدم الربط بين عودة اللاجئين والحلّ السياسي للأزمة فيها. أما باقي ما تبقى فيها، فسريّ. وواقع الحال والتجربة يقول إنه لو كان ثمة حلول فعلية أو سياق جدي لكانت خرجت مكوّنات الحكومة على اللبنانيين لتبجيل الخطة والإسراف في توصيفها بالإنجازات.

الهدف الأهمّ

وكان لوزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، كلمة عبر تقنية الفيديو في أعمال مؤتمر دمشق. أكد فيها وهبة عن أمله في أنّ “يساهم المؤتمر في إيجاد الحل لأزمة اللاجئين (قال لاجئين)”، ودعا إلى “تكثيف الجهود الدولية لتأمين ضمان العودة الآمنة للنازحين (اللاجئين) السوريين”. أما وزير الصناعة، عماد حبّ الله، فأشار في حديث تلفزيوني إلى أنه “على الدولة اللبنانية أن تقوم بمباحثات مباشرة مع الدولة السورية لإعادة النازحين السوريين لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الدولة اللبنانية”. وفي كلام حبّ الله إشارة واضحة إلى المبتغى الأول والأساسي من عنوان عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا.

عودة سوريا

ما يشير إليه كلام حب الله والخطة الحكومية، السريّة حتى هذه اللحظة، ضرورة إعادة بناء التواصل اللبناني- السوري المباشر على مستوى الحكومتين والوزراء والرؤساء أيضاً. فقد تم توكيل وزير الشؤون الاجتماعية، المشرفية نفسه، هذه المهمة. وقد زار سوريا والتقى نظيره فيها ووزراء آخرين مطلع شهر آذار الماضي. أي قبل أكثر من 5 أشهر من إقرار الحكومة اللبنانية للخطة. واللافت أيضاً أنّ تلك الزيارة الشهيرة تمّ الإعلان عنها بعد عودة المشرفية إلى بيروت. فكان الهدف من الزيارة، ومن الخطة، ومن المشاركة في مؤتمر دمشق اليوم، عودة العلاقات بين لبنان وسوريا إلى سابق عهدها. وفي زمن قحط على مستوى العلاقات الخارجية، يبدو أنّه لم يعد للنظام في سوريا وشبحه في لبنان إلّا بعضهما البعض، لكي لا يشعرا بالعزلة الدولية. ليعيدا قيام منظومة مشتركة لم تندمل بعد إفرازاتها في تفجيرات واغتيالات في لبنان، وقتل وتشريد مستمرّين في سوريا.

المدن

—————————

مؤتمر اللاجئين في دمشق:مشاركة 3 دول عربية

أعلن معاون وزير الخارجية السورية أيمن سوسان أن الصين وروسيا وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وعًمان، ستكون من بين الدول المشاركة بمؤتمر اللاجئين الذي يستضيفه النظام السوري في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر.

وقال سوسان أن الأمم المتحدة ستشارك في المؤتمر بصفة مراقب. وأضاف أن الدولة الوحيدة التي لم توجه لها سوريا الدعوة لحضور المؤتمر هي تركيا، وأشار إلى أن بعض الدول تعرضت لضغوط كي لا تشارك في المؤتمر.

وينطلق المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين في قصر المؤتمرات بدمشق الاربعاء، بضغط روسي، لكن بغياب الدول الكبرى والفاعلة، ما يفقده أهميته وفرغه من معناه. وتستند الدعوة التي وجّهتها وزارة الدفاع الروسية إلى ما تصرّح به روسيا حول أن “المعارك في سوريا قد انتهت والوضع استقر في البلاد وباتت الظروف ملائمة لعودة اللاجئين”.

وأعلن وزير خارجية  الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الثلاثاء، أن دول الاتحاد لن تشارك في المؤتمر الدولي حول اللاجئين والنازحين.

وأضاف بوريل أن وزراء خارجية عدد من دول الكتلة وهو نفسه تلقوا دعوة للمشاركة في المؤتمر. وأضاف “الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه لن تحضر هذا المؤتمر”.

وقال إن “الأولوية في الوقت الحاضر هي للتحرك الفعلي لتهيئة الظروف للعودة الآمنة، والطوعية، والكريمة، والمستدامة للاجئين والنازحين لمواطنهم الأصلية، بما يتماشى مع معايير عودة النازحين بسوريا، التي أصدرتها الأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق، فإن المؤتمر سابق لأوانه”.

وتابع أن “الظروف الحالية في سوريا ليست مؤاتية للعودة الطوعية على نطاق واسع”، مضيفاً أن “عمليات العودة المحدودة التي حدثت توضح العوائق والتهديدات التي لا تزال تواجه النازحين داخليا واللاجئين، خاصة التجنيد الإجباري، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والعنف الجنسي والجسدي، والتمييز في السكن والحصول على الأراضي والممتلكات”.

من جهتها، أكدت كندا أنها لن تشارك في “مؤتمر عودة اللاجئين”. وغرّد حساب “كندا وسوريا”، التابع للحكومة الكندية، أن كندا “لن تحضر الحدث الذي تستضيفه روسيا وسوريا حول عودة اللاجئين في دمشق”.

وأضافت التغريدة أن كندا “تدعم عودة اللاجئين الآمنة والطوعية والكريمة”، مشيرة إلى أن “شروط مثل هذه العودة في سوريا غير موجودة”.

وفي السياق، أوضحت منسقة مكتب شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني السوري أمل شيخو أنه لا يوجد بيئة آمنة ومستقرة في سوريا تسمح بعودة اللاجئين السوريين إليها حتى الآن.

وأضافت أن مكتب اللاجئين في الائتلاف الوطني مستمر في تسجيل حالات نزوح وتهجّير جديدة في سوريا، وذلك بسبب حالات الاعتداء المتكررة من قبل نظام الأسد وداعميه على المدنيين في مختلف المناطق.

وقالت شيخو إنه من خلال التواصل مع اللاجئين السوريين يتبين رغبتهم الكبيرة في العودة إلى سوريا، وتمسكهم بحقهم في ذلك، لكن في الوقت نفسه فهم يعبرون صراحةً عن استحالة عودتهم في الوقت الحالي إلى حين الخلاص من نظام الأسد، وممارساته الإجرامية المستمرة بحق المدنيين.

كذلك لفت فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى أن التسوية التي يدعو إليها المؤتمر ومن خلفه روسيا والنظام السوري، لايمكن تحقيقها بوجود القوات الروسية في سوريا وبوجود قيادة النظام السوري الحالية.

وأوضح أن الادعاء بأن الهدف الأساسي للمؤتمر هو إعادة النازحين واللاجئين السوريين إلى سوريا، هو محاولة لتعويم النظام السوري دولياً وهو أمر لا يمكن تحقيقه بأي شكل من الأشكال في الوقت الحالي.

المدن

———————-

مؤتمر اللاجئين..الأسد ينكر تهجيرهم ويطالب بفك الحصار لإعادتهم

قال رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال افتتاح المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين الأربعاء، إن قضية اللاجئين في سوريا هي “قضية مفتعلة”، مضيفاً أن “تاريخ البلاد يخلو من هجرة جماعية”.

وقال: “لأن الظروف الموضوعية لا تدفع باتجاه خلق حالة لجوء، كان لا بد من قيام الأنظمة الغربية بقيادة النظام الأميركي والدول التابعة له في جوارنا وتحديداً تركيا من خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين للخروج الجماعي من سوريا، لتكون مبرراً للتدخل في الشؤون السورية”.

وأضاف الأسد في كلمة عبر الفيديو، أن “بعض الدول قامت باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية بينما قامت دول أخرى في الغرب وفي المنطقة باستغلال اللاجئين أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”. وتابع أن الحكومات التي “عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم”.

وادعى الأسد أن النظام يعمل “من أجل عودة كل لاجئ يرغب بالعودة والمساهمة في بناء وطنه”، مضيفاً أن ثمة عقبات كبيرة أمام ذلك، “فإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قبل النظام الأميركي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية”. وقال إن الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج “راغبون في العودة إلى وطنهم”.

وخيّم الحضور المتواضع على أعمال المؤتمر الذي ضغطت روسيا بشدة لعقده ودعت دولاً ومنظمات غربية إليه، لكن تلك الدول رفضت الحضور إلى دمشق حيث يجري المؤتمر.

وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن انعقاد المؤتمر يأتي على الرغم من معارضة بعض الدول لذلك و”محاولاتها تسييس القضية”. وأشاد في كلمة ألقاها نيابة عنه في مستهل المؤتمر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، ببدء العمل على إعادة إعمار المناطق السورية التي “تم تحريرها من التنظيمات الإرهابية”.

واعتبر أن المساعدة في عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم بالاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، يعد بين أهم الخطوات لضمان الاستقرار طويل الأمد في سوريا. وأضاف أن حل هذه المشكلة يستوجب توفير الظروف المعيشية الكريمة لملايين السوريين، ما يحتاج إلى المشاركة الفعالة من قبل المجتمع الدولي بأكمله.

وفي السياق، دعا مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى إلى تفكيك مخيمات اللاجئين في سوريا، معتبراً أن الجماعات المسلحة تستخدمها كمصدر لتجنيد مقاتلين جدد.

وقال قائد المركز الوطني لإدارة الدفاع بوزارة الدفاع الروسية ميخائيل ميزينتسيف في كلمة خلال المؤتمر: “لا بد من ضمان تفكيك جميع المخيمات للنازحين داخلياً التي تمثل مصدراً للموارد البشرية بالنسبة للتشكيلات المسلحة غير الشرعية”.

وشدد على ما وصفه بأهمية التقيد الصارم بأحكام القانون الدولي وضمان “إعادة الأراضي المحتلة بطريقة غير قانونية تحت سيطرة الحكومة السورية الشرعية في أقرب وقت”.

كما دعا المسؤول العسكري إلى وقف سياسة العقوبات المتبعة إزاء سوريا، وفك تجميد حساباتها المصرفية، مضيفاً “من الأهمية إعادة توجيه جزء من برامج دعم السوريين المقيمين في الخارج لتأمين تحقيق إجراءات في سوريا لا بد منها لإعادة إعمار البنى التحتية اللازمة لاستقبال السوريين العائدين إلى وطنهم، وكذلك لتقديم مساعدات إنسانية لهم”.

العراق الذي كان من بين 3 دول عربية حضرت المؤتمر، ألقى كلمته القائم بالأعمال المؤقت للسفارة في دمشق ياسين الشريف قائلاً إن “الوفد العراقي المشارك في المؤتمر الدولي للاجئين، سيقدم دراسة بشأن إعادة تهيئة البنى التحتية المدمرة في سوريا وإعادة اللاجئين”.

وأضاف الشريف أن “العراق يعلن دائماً أنه مع العودة الطوعية للنازحين السوريين بما يخدم مصالح الشعب السوري الشقيق وأيضا مع الحل السياسي المؤدلج والذي من خلاله يتم حسم الأزمة السورية”. وأوضح أن مشاركة بلاده في المؤتمر الدولي للاجئين في دمشق تأتي ضمن سياسة العراق التي تتمحور على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحفاظ على سوريا أرضا وشعبا”.

المدن

——————————-

لا عودة بوجود الأسد”.. أوروبا تقاطع مؤتمراً للاجئين يرعاه النظام، والمعارضة ترفضه

هاجمت المعارضة السورية مؤتمر اللاجئين الذي بدأ في العاصمة دمشق، الأربعاء 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي ينظمه نظام بشار الأسد بدعم روسي، وقالت إنه مجرد خدعة، فيما أصر لاجئون على أنه لا عودة للبلاد بوجود الأسد فيها، وسقط مقاطعة أوروبية وأمريكية.

رفض لمبررات الأسد: في بداية المؤتمر ألقى رئيس النظام بشار الأسد باللائمة على العقوبات الأمريكية وضغوط واشنطن على الأمم المتحدة والدول المجاورة لسوريا في عزوف أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري عن العودة للبلاد، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.

اعتبر الأسد أن “العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قِبَل النظام الأمريكي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف لإعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمرها الإرهاب، بحيث يمكن للاجئ العودة والعيش حياة كريمة بظروف طبيعية”، وفق قوله.

لكن المعارضة السورية ترفض المبررات التي وضعها الأسد، والتي قال إنها تعرقل عودة اللاجئين، وقال رئيس الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة عبدالرحمن مصطفى، إن مؤتمر اللاجئين الذي يعقده نظام الأسد في دمشق بمثابة خدعة مدبَّرة من قِبله.

أشار مصطفى إلى أن المؤتمر المنعقد بدعم وتمويل روسي، يهدف للحصول على أموال من المجتمع الدولي تحت مسمى تأمين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، لافتاً إلى أن موسكو  ستقوم لاحقاً بنهب هذه الأموال، كتعويضات مقابل الدعم الذي قدّمته للنظام عبر قصف المدن السورية بشتى أنواع الأسلحة، معتبراً المؤتمر حيلة روسية.

في السياق ذاته، أكد المعارض السوري رفض المعارضة لدور روسيا “الضامن” للحل السياسي وعودة اللاجئين في سوريا، مبيناً أن موسكو من أبرز داعمي “نظام الأسد القاتل”.

كما أوضح أنه يتوجب قبل عقد مؤتمر كهذا، تأمين الظروف الآمنة لعودة اللاجئين، وتحقيق انتقال سياسي للسلطة بإشراف دولي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإخراج الميليشيات المدعومة روسياً وإيرانياً، فضلاً عن تسليم المجرمين للعدالة، قائلاً إن “المؤتمر خدعة جديدة للنظام”.

“لا عودة بوجود الأسد”: في سياق متصل، أصدرت 41 من مؤسسات وهيئات ومراكز تابعة للمعارضة السورية بياناً، الثلاثاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعربت فيه عن رفضها لما سمّته “مؤتمر الاحتلال الروسي حول اللاجئين”.

أشار البيان إلى أن الأسد يريد من خلال المؤتمر “تعويم نفسه دولياً”، ومنحه شرعية وهمية، مؤكدة أن النظام لا يزال يمارس عمليات القتل والعنف والاعتقال التعسفي والإخفاء، والتي شددت المعارضة على أنها أسباب دفعت السوريين إلى اللجوء للخارج، كما أنها ذات الأسباب التي تمنعهم من العودة.

وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، أعرب سوريون بشكل واسع عن رفضهم للمؤتمر، ورفضوا دعوات الأسد وروسيا للعودة إلى البلاد، مطلقين العديد من الوسوم أبرزها “لا عودة بوجود الأسد”، و”العودة تبدأ برحيل الأسد”.

    لايجتمع الجلاد والضحية في وطن واحد أيها المجتمعون فيما يسمى مؤتمر عودة اللاجئين #العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/Qo94XxJkvp

    — faeha3 (@faeha000) November 11, 2020

    بنفس الوقت الذي يقام مؤتمر اللاجئين بدمشق

    تقوم الفرق الرابعة بعملية عسكرية لاقتحام بلدة الكرك بدرعا وتهجير أهلها

    عن اي مؤتمر تتحدثون

    — كمال الطويل (@KAMAL_ALTAWIL) November 11, 2020

    فشل ذريع لمنظمي مؤتمر عودة اللاجئين بدمشق بعد ان رفضت كل الدول والمنظمات الدولية المشاركة فيه باستثناء الدول الداعمة للأسد التي تمثلت بموظفين من الدرجة الثالثة وأقل, وأهم ما بمؤتمر عودة اللاجئين هو غياب الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين عدا عن لبنان (الحديقة الخلفية لنظام أسد)

    — العميد ركن أحمد رحال (@rahhalahmad06) November 11, 2020

    في نفس الوقت الذي يعقد فيه مؤتمر لعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم التي دمرها الاسد

    يقابل هذا المؤتمر هذه المرة من داخل مناطق سيطرة النظام بعبارات افتحوا لنا الحدود ولن نبقى عندكم

    العودة والإستقرار وإعادة الإعمار يبدأ #برحيل_بشار_الاسد

    — عمار سقار (أبو ياسر) (@ammar_sakkar) November 11, 2020

مقاطعة المؤتمر: وكانت دعوة الأسد لدول الاتحاد الأوروبي لحضور المؤتمر قد قوبلت بالرفض، بالإضافة إلى موقف مماثل من الولايات المتحدة، ومعظم الدول المجاورة لسوريا والتي تستضيف غالبية اللاجئين وعددهم 5.6 مليون لاجئ.

وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال أمس الثلاثاء، إن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.

كذلك اعتبر بوريل أن عمليات العودة “المحدودة التي سجلت خلال الفترة الماضية تعكس العقبات الجمة والتهديدات أمام عودة اللاجئين والنازحين”، وبينها “التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري”.

من جهتها، تحذر منظمات حقوقية من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أنها باتت مهيئة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية والخشية من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان.

يُشار إلى أن عقد مؤتمر اللاجئين في دمشق يأتي في وقت تعاني فيه المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد من فقر شديد، وشح كبير في الخبز الذي ينتظر السكان في طوابير لساعات مقابل الحصول على بعض الأرغفة، فضلاً عن ارتفاع في نسب البطالة يرافقها تراجع في قيمة الليرة وزيادة كبيرة بالأسعار.

——————————

بعدما هجَّرت الملايين منهم.. ما أهداف روسيا من الحشد لمؤتمر اللاجئين السوريين في دمشق؟

عربي بوست

تبذل روسيا قصارى جهدها لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين، حيث أوفد الرئيس فلاديمير بوتين مبعوثه الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في زيارات مكوكية إلى كل من بغداد وعمّان وبيروت، لحشد تأييد للمؤتمر.

وتكثف موسكو جهودها الدبلوماسية لعقد المؤتمر في دمشق، بهدف إيجاد مسار جديد يطول لجولات عديدة، ويشغل الرأي العام، دون أن يكون له أثر مباشر على تغيير قواعد الاشتباك في سوريا، على غرار اجتماعات أستانا، التي أتاحت لموسكو فرصة الإمساك بخيوط الأزمة السورية.

يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري محمود عثمان إن موسكو تثبت مرة أخرى أنها عاجزة عن ابتكار حلول سياسية واقعية معقولة، ترضي أطراف الأزمة السورية، من خلال طرح الأفكار نفسها بنسخ متعددة.

وتسعى موسكو، منذ فترة، لتكرار التكتيك نفسه، لكن هذه المرة تحت عنوان “عودة اللاجئين”، مستغلةً الانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية، وحالة اللامبالاة المزمنة عند الأوروبيين، وخروج جامعة الدول العربية من دائرة الفعل والتأثير.

ما الذي فعلته روسيا بالسوريين لتحشد لمؤتمر اللاجئين؟

تدمير ومجازر: أسفر التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ 30 سبتمبر/أيلول 2015، عن نتائج كارثية على كافة المستويات الإنسانية، في ظل مجازر وضحايا وعمليات تهجير وتدمير للبنية التحتية.

فقد تحولت المدن والبلدات السورية الخارجة عن سيطرة قوات النظام إلى ساحة حرب وأرض محروقة، تصب الترسانة العسكرية الروسية كل قوتها التدميرية فيها، وهو مشهد يوصف بأنه الأكثر تدميراً منذ الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

ووثقت فرق “الدفاع المدني السوري” ارتكاب روسيا 182 مجزرة قتلت 2228 مدنيا وأصابت 3172 آخرين. وأغلب تلك المجازر كانت باستهداف منازل مدنيين وأسواق وأماكن مكتظة، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا بين المدنيين.

استهداف المدنيين: بشكل رئيسي، تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير أكبر عدد من المدنيين، وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم.

واستهدفت 69% من تلك الهجمات منازل مدنيين، بواقع 3784 هجوماً، وحلت الحقول الزراعية في المرتبة الثانية بـ15% من الهجمات (821 هجوماً)، ثم الطرق الرئيسية والفرعية 6% (324 هجوماً)، والمشافي والمراكز الطبية بـ70 هجوماً.

حملات تهجير: أدى تدخل الروس عسكرياً، وتهديدهم بتدمير الأحياء الشرقية من مدينة حلب (شمال) عام 2016، إلى تهجير سكانها. ثم انتقلت عدوى التهجير إلى ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية، في 2017، وكان 2018 عام التهجير بامتياز، إذ شمل الغوطة الشرقية والقلمون وأحياء دمشق الجنوبية بريف دمشق، وريف حمص الشمالي، إضافة للجنوب السوري، الذي يضم القنيطرة ودرعا.

وترافقت حملات التهجير مع قصف مكثف من الطيران الحربي الروسي، ووصفت الأمم المتحدة موجات النزوح التي شهدها الشمال السوري خلال الحملة العسكرية للنظام العام الماضي، بأنها الأكبر في تاريخ سوريا، حيث أُجبر أكثر من 1,182,772 مدنياً على ترك منازلهم والهرب من الموت خلال 2019.

تغيير ديموغرافي: منذ تدخلها العسكري، سعت روسيا إلى صياغة المشهد السوري بطريقة تمكنها من الإمساك بزمام الأمور. واعتمدت على تفوقها الجوي، ودعم الميليشيات الإيرانية على الأرض، واستخدام سياسة الأرض المحروقة، على نموذج “غروزني”، فاستطاعت قلب موازين القوى العسكرية لصالح النظام على حساب المعارضة.

بعد تحقيق التفوق العسكري، وبينما اتبع الإيرانيون سياسة تهجير السكان من أرضهم، حدثت أكبر عملية تغيير ديموغرافي في التاريخ الحديث، حيث دفعوا بالملايين من سكان الغوطة وحمص باتجاه إدلب، التي بقيت من حصة المعارضة. وبالتزامن، أجرى الروس ما أطلقوا عليها “مصالحات”، وهي عملية إخضاع لمن رفضوا التهجير القسري لسلطة نظام الأسد.

والآن.. ما أهداف موسكو من هذا المؤتمر؟

ثمة أهداف ترجوها روسيا من عقد مؤتمر اللاجئين السوريين على رأسها:

– الالتفاف على العملية السياسية، حيث دأبت روسيا على الالتفاف على المسارات الأممية، التي تمنح المعارضة السورية نوعاً من الندية مقابل نظام الأسد.

فبعد فشلها في عقد مؤتمر للاجئين السوريين عام 2018، ها هي موسكو تكرر المحاولة لعقده، دون أن تطرح أفكاراً ومشاريع ورؤى جديدة، فهدفها هو حرف الأنظار عن العملية السياسية.

– الاستفادة من الأموال التي ستجمعها روسيا باسم اللاجئين السوريين، في تمويل نظام الأسد، الذي يبدو على وشك الإفلاس.

– الالتفاف على “قانون قيصر” (عقوبات أمريكية على نظام الأسد ومتعاونين معه)، عبر إدخال/ تهريب الأموال والمواد وجميع احتياجات النظام على أنها مساعدات للاجئين.

– إعطاء رسالة للعالم بأن سوريا تحت الوصاية الروسية، حيث حرصت موسكو على توجيه الدعوات للمؤتمر باسم وزارة الدفاع الروسية، وهذه مصادرة للقرار السوري الذي طالما تشدق الروس بشرعيته.

– حصر المساعدات المقدمة للاجئين السوريين عبر قنوات النظام فقط، بعد أن نجح الروس في إغلاق أحد المعبرين الإنسانيين في الشمال السوري، ليبقى معبراً واحداً.

ما الموقف الأمريكي والأوروبي من عقد المؤتمر؟

لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بانتخابات الرئاسة، التي أُجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ولم تُعلن نتيجتها رسمياً بعد. لكن المبعوث الأمريكي لشؤون سوريا، جيمس جيفري (أعلنت واشنطن استقالته الإثنين مع اقتراب تقاعده بنهاية نوفمبر)، قال مؤخراً إن الحل في سوريا لن يكون إلا بموجب القرار الأممي 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية، مشيراً إلى “وحشية النظام وحلفائه خلال الحرب ضد السوريين”.

وعقب إحاطة للمبعوث الأممي إلى سوريا، جير بيدرسون، أمام مجلس الأمن في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشارت البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إلى وقوف النظام السوري عائقاً أمام جهود المبعوث الأممي لعقد الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية.

وطالبت البعثة نظام الأسد بالتوقف عن استهداف السوريين، الذين عادوا إلى مناطق سيطرته، وتهيئة الظروف التي تسمح للاجئين بعودة آمنة وطوعية وكريمة وفي الوقت المناسب إلى البلاد، في إشارة واضحة إلى صعوبة عودة اللاجئين من دون صياغة الحل النهائي.

حاولت روسيا إقناع الأوروبيين بتمويل عملية إعادة الإعمار بحجة إعادة اللاجئين، لكن الموقف الأوروبي مثل موقف معظم دول العالم كان رافضاً لبحث إعادة الإعمار قبل إنجاز التغيير السياسي وفق القرار 2254 وغيره.

لكن يبدو أن الروس مُصرُّون على الالتفاف على الإرادة الدولية، خصوصاً بعد أن حققوا نجاحاً جزئياً في اختزال العملية السياسية بالتركيز فقط على اللجنة الدستورية.

لماذا تجنَّبت موسكو دعوة أنقرة؟

تجنّب مبعوث الرئيس الروسي زيارة تركيا، رغم أنها تستضيف حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري، وهم أكثر من نصف اللاجئين السوريين. وعدم دعوة موسكو لكل من تركيا وأوروبا هو مؤشر على عدم الجدية، وعلى أن الروس لا يستهدفون حل مشكلة اللاجئين.

كما هو معلوم، فإن الوضع الاقتصادي في سوريا على شفا الانهيار، ويكاد يودي بالنظام، لولا الدعم الإيراني، والأمن معدوم أيضاً. أي أن عودة اللاجئين إلى ديارهم لن تكون إلا بالضغط والإكراه، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به تركيا أو أوروبا.

كما أن ضبابية بنود المؤتمر وعدم وضوح جدول أعماله، تكشف أنه محطة روسية جديدة لتمييع الملف السوري في أروقة المسارات المتعددة للحل.

فاكتفاء لافرنتييف بالتنسيق مع العراق والأردن ولبنان، من دون المرور بتركيا وأوروبا اللتين تستضيفان الملايين من اللاجئين، هو مؤشر على عدم الجدية الروسية في حل مشكلة اللاجئين، بقدر استخدامها كورقة لكسب الوقت.

الخلاصة.. تعطيل المسار الأممي

وطيلة السنوات الأخيرة من عمر الأزمة السورية، نجحت روسيا بالدفع باتجاه انتزاع الملف السوري من أروقة المسار الأممي للحل، وحصره بمساراتها الخاصة، وحشدت لذلك كل الإمكانيات الدبلوماسية والسياسية.

فقد وجدت موسكو أن القرار 2254 لعام 2015، الذي تم تبنيه بدفع غربي وأمريكي، هو بداية الطريق لمرحلة سياسية جديدة في سوريا.

ويأتي حرص الروس على عقد مؤتمر للاجئين السوريين في السياق ذاته، أي تعطيل المسار الأممي، وإلا فما الذي يدفع دولة مثل روسيا -ليس لديها لاجئون سوريون، ولا حدود مع سوريا، ولا تتحمل عبء اللاجئين لا مادياً ولا معنوياً- إلى تكرار المبادرة تلو الأخرى لعقد مثل هذا المؤتمر؟!

———————————

بشار الأسد: أزمة اللاجئين مفتعلة للتدخل في سوريا وتفتيتها

قال رأس النظام، بشار الأسد، إن قضية اللاجئين في سوريا هي “قضية مفتعلة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول التابعة لها في جوارنا، لتبرير التدخل في الشؤون السورية ولاحقاً تفتيت الدولة وتحويلها تابعة تعمل لمصالحهم بدلاً من مصالح شعبها”.

وأضاف الأسد، في حفل افتتاح “مؤتمر اللاجئين”، الذي يعقد في العاصمة دمشق اليوم، أن “قضية اللاجئين بالنسبة للعالم هي قضية إنسانية، أما بالنسبة لنا فهي قضية وطنية”.

وأوضح أن “قيام عدد من الدول باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية أخلاقية قابله قيام البعض الآخر من الدول في الغرب وفي منطقتنا أيضاً باستغلالهم أبشع استغلال، من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”.

وأكد الأسد أنه “بالإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة، فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية، والحصار المفروض من قبل النظام الأميركي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات النظام التي تهدف لإعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمرها الإرهاب، بحيث يمكن للاجئ العودة والعيش حياة كريمة بظروف طبيعية”.

وأشار الأسد إلى أن “الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، راغبين بالعودة إلى وطنهم، لأنهم يرفضون أن يكونوا رقماً على لوائح الاستثمار السياسي، وورقة بيد الأنظمة الداعمة للإرهاب ضد وطنهم”.

وانطلق صباح اليوم في قصر المؤتمرات بالعاصمة دمشق “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين”، الذي تنظمه حكومة الأسد بدعم ومشاركة من وزارة الدفاع الروسية.

وأكد أمس معاون وزير الخارجية في حكومة النظام، أيمن سوسان، أنه تم توجيه الدعوة إلى كل البلدان للمشاركة في المؤتمر باستثناء تركيا، مشيراً إلى تأكيد مشاركة كل من روسيا والصين وإيران والهند ولبنان والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وفنزويلا، في حين تشارك الأمم المتحدة بصفة مراقب، موضحاً أن بعض الدول تعرضت لضغوطات لثنيها عن المشاركة في المؤتمر.

وبحسب وسائل إعلام النظام، تتضمن أجندة المؤتمر، الذي يستمر إلى يومين، ورشات عمل، وطاولات مستديرة تناقش مجموعة من القضايا المتعلقة بتسهيل عودة اللاجئين السوريين، في حين يتضمن اليوم الثاني زيارات ميدانية لمراكز إيواء ومراكز طبية ومراكز اجتماعية تُعنى بقضايا النازحين.

ومن المقرر أن يلقي المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف كلمة بالنيابة عن وزير الخارجية الروسي، كما يلقي كلمات كل من الوزيرين اللبنانيين وزير الخارجية شربل وهبة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، وكبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أكبر خاجي، والسفير الصيني في دمشق فنغ بياو، وشخصيات أخرى.

وفي وقت سابق، قال المتحدث الرسمي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه لن يحضروا “مؤتمر اللاجئين”، مضيفاً أن الاتحاد “يرى أن الأولوية في الوقت الحاضر هي اتخاذ إجراءات حقيقية لتهيئة الظروف الملائمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والمشردين داخلياً على مناطقهم الأصلية، بما يتماشى مع القانون الدولي ومعايير الحماية.

وأشار ستانو إلى أنه من أجل عودة اللاجئين إلى سوريا، وكما أصدرت الأمم المتحدة في شباط 2018، يجب أن تتمتع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول الكامل ودون عوائق إلى جميع أنحاء سوريا، ولذلك فإن “المؤتمر سابق لآنه”.

كما قالت الحكومة الكندية إنها لن تشارك في المؤتمر، مؤكدة أن كندا “تدعم عودة اللاجئين الآمنة والطوعية والكريمة، إلا أن شروط مثل هذه العودة في سوريا غير موجودة”.

—————————

القانونيون السوريون”: مؤتمر اللاجئين محاولة روسية لتعويم الأسد

قالت “هيئة القانونيين السوريين” إن عقد مؤتمر “عودة اللاجئين في دمشق بدعوة من روسيا هو “محاولة جديدة لتعويم نظام الأسد، وتضليل المجتمع الدولي”.

واعتبرت الهيئة، في بيان لها، أن موسكو “تستمر بمحاولاتها البائسة لتعويم نظام القتل والإجرام، ومنحه الشرعية الكاذبة عبر عدة خطوات فشلت جميعها”، موضحة أن “النظام الروسي يدعو اليوم لعقد مؤتمر عودة اللاجئين بزعم البيئة الآمنة المستقرة في سوريا”.

وأضاف البيان أن المؤتمر يعقد “في ظل القمع الأمني واستمرار الاعتقال التعسفي للمدنيين، والانتقام من العائدين لديارهم باعتقالهم وقتلهم، ومنع الكثير منهم من العودة إلى منازلهم بحجج كاذبة”.

وأشار إلى أن روسيا “تواصل التغاضي وتناسي الكارثة الاقتصادية والجوع والقهر والعوز الذي يعيشه السوريون”، موضحاً أن الأسد يواصل “حكم سوريا ونهب ثرواتها، بل وتسليمها للمحتل الروسي والإيراني والميليشيات الطائفية، وخاصة حزب الله، الذي قتل مع نظام الأسد الأسر السورية العائدة من لبنان إلى محافظة حمص في بلدة الباروحة في حزيران من العام 2018”.

وأوضح البيان أن روسيا “تضلل المجتمع الدولي بدعوتها لعقد المؤتمر لتوفر البيئة الآمنة والمستقرة، في حين تغص معتقلات الأسد بمئات الآلاف من السوريين الذين يرزحون تحت التعذيب والتنكيل بهم حتى الموت”.

وشدد البيان على أن عودة المهجرين السوريين لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود “البيئة الآمنة المستقرة، وبضمانات أممية وليس بضمانات روسية، لأنها طرف في الحرب”.

وثمّن البيان موقف الدول التي رفضت المؤتمر وتمسكت ببيان “جنيف 1” و”القرار 2254″، كمرجعية للحل السياسي في سوريا.

ومن المفترض أن تبدأ أعمال المؤتمر الدولي للاجئين السوريين في دمشق يومي الأربعاء والخميس 11 و12 تشرين الثاني، وتستند الدعوات التي وجهتها وزارة الدفاع الروسية إلى ما تصرّح به من مزاعم تقول إن “المعارك في سوريا قد انتهت والوضع استقر في البلاد وباتت الظروف ملائمة لعودة اللاجئين”.

وفي وقت سابق، قال السفير الروسي في الأردن، غليب ديساتنيكوف إن مؤتمر “عودة اللاجئين” المقرر عقده الشهر الجاري في العاصمة دمشق، “يكتسب طابعاً إنسانياً بحتاً”، موضحاً أنه “لا يستهدف إطلاقاً المساهمة في ترسيخ شرعية النظام كما يحاول تصنيفه بعض اللاعبين المعروفين الهادفين لحرمان هذا الاجتماع من الدعم الدولي المطلوب”.

يذكر أن نائب رئيس “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، عقاب يحيى: قال إن “الأزمات الكبرى في سوريا، على الصعيد الأمني والسياسي والإنساني، لا يمكن لروسيا إنكارها، أو الاستمرار في محاولات فرض أجندتها على الشعب السوري، ومنها محاولة إرغام اللاجئين على العودة القسرية إلى قبضة النظام”،  مشدداً على ضرورة “توفير الشروط اللازمة لعودة اللاجئين، وأهمها العامل الأمني”.

————————-

رئيس النظام: نجحنا بإعادة مئات الآلاف..ومعظم اللاجئين يريدون العودة

زعم رئيس النظام، بشار الأسد، أن “الأغلبية الساحقة للسوريين في الخارج راغبين بالعودة ويرفضون أن يكونوا جزءاً من الاستثمار السياسي”، معتبراً أن حكومته قدمت تسهيلات لعودتهم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها عبر الفيديو، لعددٍ قليل من الاشخاص الذي اجتمعوا في “قصر الأمويين للمؤتمرات” وسط العاصمة السورية، دمشق، في “مؤتمر اللاجئين”.

وبدأ رئيس النظام كلمته بتوجيه شكر لروسيا الراعية للمؤتمر، وقال: “أثمن قدومكم إلى دمشق ومشاركتكم في هذا المؤتمر، وأخص بالشكر منكم دولاً استقبلت أبناء سورية المهجرين واحتضنتهم وتقاسم أبناؤهم مع أبنائنا لقمة عيشهم وفرص العمل رغم المعاناة الاقتصادية في تلك البلدان”.

وهاجم في نفس الوقت، “بعض الدول” التي استقبلت لاجئين سوريين، معتبراً أنها سيّست قضيتهم على حد تعبيره، دون ذكر أسماء الدول، بقوله: “قيام عدد من الدول باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية أخلاقية، قابله قيام البعض الآخر من الدول في الغرب وفي منطقتنا أيضاً باستغلالهم أبشع استغلال، من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”.

وتحدث رأس النظام عن نجاح حكومته في إعادة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى وطنهم، حسب زعمه، معتبراً أن معظم اللاجئين السوريين في الخارج، يرغبون بالعودة إلى سورية، مضيفاً: “الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم وأكثر من أي وقت مضى راغبين في العودة إلى وطنهم، لأنهم يرفضون أن يكونوا رقماً على لوائح الاستثمار السياسي”.

يُشار إلى أن الوفود المحدودة المشاركة، بدأت منذ الصباح بالتوافد إلى العاصمة السورية دمشق، لحضور المؤتمر الذي يرعاه نظام الأسد وروسيا، والذي يهدف لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين، وفق رواية الأخيرين.

ومن بين الدول المشاركة سلطنة عُمان ولبنان والإمارات وروسيا والصين وإيران وباكستان، حيث وجه النظام دعوة لجميع الدول باستثناء تركيا، فيما رفضت دول الاتحاد الأوروبي المشاركة، وكذلك رفضت كندا والولايات المتحدة.

وأثار المؤتمر تنديداً حقوقياً، حيث انتقدت منظمات مجتمع مدني، حقوقية وإعلامية وإنسانية وغيرها، ما سُمي بـ” مؤتمر اللاجئين”، معتبرةً أنه “رغم كل الإجرام والوحشية التي مارستها روسيا لمحاولة إنقاذ نظام الأسد، تدعو اليوم وبمنتهى الوقاحة لعقد مؤتمر للاجئين متناسية منع نظام الأسد للسوريين من دخول مناطقهم والعودة لبيوتهم”.

—————————-

تمثيل هزيل لدول غير متأثرة بقضية اللاجئين في مؤتمر روسيا والأسد

رغم ترويج إعلام النظام وروسيا، لما اعتبروه “مؤتمر اللاجئين” المنعقد حالياً في دمشق، بدت الدول المستجيبة قليلة جداً مقارنة بما أعلنت عنه خارجية النظام، والتي أكدت أنها وجهت دعوات لكافة الدول باستثناء تركيا.

“الدول الصديقة” كما يسميها النظام كانت على قائمة الدول المشاركة في المؤتمر، وهي روسيا وإيران، في حين شارك من الدول العربية لبنان وسلطنة عمان والإمارات، وكذلك باكستان، فيما غابت الدول المعنية بأزمة اللجوء، أو تلك التي تُعد طرفاً أساسياً بالملف السوري، عن المؤتمر.

لافروف يكلف متحدثاً عنه.. ووفود من الدرجة الثالثة

بدت المشاركة الروسية في مؤتمر اللاجئين ضعيفة إلى حد ما، بالنظر إلى أن روسيا هي الراعي الرئيسي للمؤتمر، إذ اكتفت موسكو بإثبات وجودها عبر كلمة متلفزة لوزير خارجيتها، سيرجي لافروف، لم يلقيها بنفسه على الحضور، بل كلّف نائباً عنه.

كلمة لافروف ألقاها بالنيابة عنه مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، الذي أطل على المشاركين عبر تقنية الفيديو، معرباً عن امتنان بلاده للدول المشاركة، موجهاً في الوقت ذاته اتهامات لدول أخرى بتسييس قضية اللاجئين السوريين.

واعتبر أن رفض بعض الدول للمشاركة في المؤتمر، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يدل على “ازدواجية المعايير التي تُنتهج بحق سورية”، وسعيها إلى جعل هذا البلد “رهينة للمصالح الأنانية الجيوسياسية”.

في السياق ذاته، بدا تمثيل الدول المشاركة في مؤتمر اللاجئين ضعيفاً أيضاً، على مستوى الوفود المشاركة، والتي كانت معظمها من الدرجة الثالثة والرابعة.

فإيران، الحليف الرئيسي للنظام، أرسلت مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، لحضور المؤتمر على رأس الوفد الإيراني، وكان خاجي قد التقى بالأسد، أمس الثلاثاء، لبحث التحضيرات للمؤتمر.

أما الصين فقد كلّفت سفيرها المقيم في دمشق بحضور المؤتمر، دون إرسال وفد خاص من بكين إلى العاصمة السورية، حيث ألقى السفير فونغ بياو كلمة أمام الوفود المشاركة، بدأها بتهنئة نظام الأسد على عقد مؤتمر اللاجئين.

وتطرق بياو في كلمته إلى ضرورة تحسين البيئة الاقتصادية لسورية باعتباره “أساساً مهماً” لعودة اللاجئين السوريين.

وكذلك ترأس وفد سلطنة عُمان سفيرها لدى سورية، تركي بن محمود البوسعيدي، الذي عبر عن دعم بلاده لسورية بقيادة بشار الأسد، مضيفاً في حديث لصحيفة “الوطن” الموالية للأسد:”نشارك في المؤتمر دعماً لسورية وذلك من أجل التوضيح للعالم ما يعانيه اللاجئون السوريون من ظروف صعبة على أمل المساعدة”.

لبنان كان الدولة الوحيدة التي شارك فيها وفد يرأسه وزير خلال المؤتمر، إذ حضر وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، الذي دعا إلى إيجاد حل دئام لملف “النزوح السوري” في لبنان، معتبراً أن غياب الإرادة الدولية يعرقل طي الملف الشائك والأليم، على حد تعبيره.

وتنسحب صورة التمثيل الهزيل أيضاً، على وفداي الإمارات وباكستان، وهي دول على غرار إيران وروسيا والصين وعُمان، غير متأثرة أساساً بقضية اللاجئين السوريين.

دول غير معنية بأزمة اللجوء

اللافت بالدول المشاركة في مؤتمر اللاجئين بدمشق أن معظمها غير معنية بقضية اللجوء السوري، باستثناء لبنان، إذ لم تشهد تلك الدول بالمجمل حركة لجوء نحوها، خلافاً للدول المجاورة لسورية (تركيا- الأردن) والدول الأوروبية.

لبنان، الذي لجأ إليه نحو مليون سوري، كان من بين أبرز الدول المعنية بملف اللاجئين السوريين، إذ لم يتوانَ في كافة المحافل الدولية عن مطالبة المجتمع الدولي بتحمل أعباء اللجوء السوري، وتوفير الظروف المناسبة لعودة السوريين لبلدهم.

و رفض الاتحاد الأوروبي الذي تؤوي بلاده مئات آلاف اللاجئين السوريين، مشاركة أي دولة عضو فيه في المؤتمر ، حسبما أعلن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس.

وكذلك رفضت الولايات المتحدة، باعتبارها أحد الدول الفاعلة في الملف السوري، المشاركة في المؤتمر، ما دفع روسيا إلى توجيه انتقاد لها واتهامها بتسييس قضية اللاجئين.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين نحو 6.7 مليون لاجئ، حسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، معظمهم لجأوا إلى الدول المجاورة لسورية (تركيا- لبنان- الأردن)، في حين توجه آخرون نحو الدول الأوروبية وكندا.

وتشهد سورية أوضاعاً اقتصادية ومعيشية سيئة جعلت نسبة كبيرة من اللاجئين يرفضون العودة، فيما تم التوقيع أمس، من قبل  أربعين منظمة ونقابة وتجمعاً، تمثل شرائح واسعة من السوريبن، على بيانٍ اعتبروا فيه أن “العودة تبدأ برحيل الأسد”.

————————————

أربعون تجمعاً ومنظمة ونقابة ومؤسسة سورية: “العودة تبدأ برحيل الأسد

انتقدت منظمات مجتمع مدني، حقوقية وإعلامية وإنسانية وغيرها، ما سُمي بـ” مؤتمر اللاجئين”، المقرر عقده في دمشق برعاية نظام الأسد وروسيا، غداً الأربعاء وبعد غد الخميس، معتبرةً أنه “رغم كل الإجرام والوحشية التي مارستها روسيا لمحاولة إنقاذ نظام الأسد، تدعو اليوم وبمنتهى الوقاحة لعقد مؤتمر للاجئين متناسية منع نظام الأسد للسوريين من دخول مناطقهم والعودة لبيوتهم”.

جاء ذلك في بيان تم توقيعه من قبل 40 منظمة وهيئة ومجلس ونقابة، تمثل شرائح واسعة من المجتمع السوري في الداخل والخارج، وقالت إن “#العودة_ تبدأ برحيل الأسد”.

وقال البيان الذي وصل لـ”السورية نت” نسخة عنه، إن روسيا تحاول بشكل متكرر “إعادة تعويم نظام الأسد القاتل ومنحه شرعية وهمية عبر خطوات عدة أثبتت جميعها الفشل، يضاف إليها مساعيه اليوم في الدعوة لعقد مؤتمر للاجئين للإيحاء بتوفر بيئة آمنة ومستقرة في سورية تسمح بعودتهم، متجاهلاً أن روسيا نفسها وما مارسته طيلة خمس سنوات من قتل وإجرام وتهجير ممنهج (…) كانت السبب الأبرز والمباشر في حصول أكبر موجة نزوح داخلي وتهجير خارجي في التاريخ الحديث”.

وأضاف البيان أن “النظام الروسي المحتل تجاهل الكارثة الاقتصادية الكبرى في سورية، في ظل فشل نظام بشار الأسد وعجزه عن تأمين أبسط احتياجات السوريين وإصراره على التمسك بحكم سورية ونهب خيراتها”.

واعتبر أنه “رغم كل الإجرام والوحشية التي مارستها روسيا لمحاولة إنقاذ نظام الأسد، تدعو اليوم وبمنتهى الوقاحة لعقد مؤتمر للاجئين متناسية منع نظام الأسد للسوريين من دخول مناطقهم والعودة لبيوتهم بعد أن هجرهم منها ومصادرتها بموجب قوانين وتشريعات باطلة”، و أن روسيا تحاول تصوير الوضع في سورية و”كأن الحرب انتهت، متجاهلة ان أساس المشكلة هو نظام بشار الأسد وأجهزته الأمنية القمعية والدعم الروسي اللامحدود له”.

واشترط الموقعون على البيان، أن عودة اللاجئين لن تكون “إلا بتغيير نظام الحكم الاستبدادي فيها، وانتقال السلطة إلى نظام شرعي منتخب يضمن الحريات والحقوق لكل السوريين والبيئة الآمنة والمستقرة كما نصت على ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي وبضمانات أممية واضحة وصارمة”.

وأكدوا رفضهم القاطع لعقد المؤتمر وأي مقررات تخرج عنه، شاكرين كل الدول التي رفضت حضور هذا المؤتمر وتمسكها ببيان “جنيف1”  والقرار 2254،  كمرجعية للحل السياسي في سورية.

ووقع على البيان، كل من: المنتدى السوري، ووحدة المجالس المحلية، واتحاد الهيئات السياسية للمحافظات السورية، واتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم، والفعاليات الثورية في حماة،  ورابطة المحامين السوريين الأحرار، وحراك مارع الثوري، والحراك الشعبي للثورة السورية في التح، وهيئة القانونيين السوريين، ونقابة محامي حماة الأحرار، واتحاد الإعلاميين السوريين، والحراك الثوري لريف حلب الشرقي، والمجلس الثوري العام لمحافظة إدلب، والحراك الشعبي للثورة السورية، واتحاد إعلاميي حلب وريفها، والهيئة السياسية لمحافظة الحسكة، واللجنة الأولمبية الوطنية السورية، والهيئة العامة لحماية حقوق الثورة.

كذلك شارك في البيان: تجمع شباب الثورة، وتجمع بناء سورية، وتنسيقيات الثورة السورية للحراك الشعبي، وتجمع سورية أولا، وتجمع احرار حوران، وتجمع سحابة وطن، وتجمع احرار بلا حدود، وجمعية البيت السوري، وحزب الوطن الديمقراطي السوري، ورابطة مهجري رابطة حمص، ورابطة اللاجئين السوريين، ورابطة مهجري سورية في منطقة الباب، وفريق فاستجبنا لهم، وكتلة العمل الوطني، ومجموعة هذه حياتي التطوعية، ومنتدى الإعلاميين السوريين، ومنظمة أرشيف الثورة السورية، ومركز مقاربات للتنمية السياسية، ومؤسسة شباب التغيير، ومجلس ثوار حلب، ومنظمة السلام لفض النزاعات والسلم الأهلي، ونشطاء منطقة خان شيخون، وهيئة الحراك الثوري السوري.

الاتحاد الأوروبي يقاطع

وتنظم روسيا وحكومة الأسد، المؤتمر في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وسيناقش “تسهيل عودة” اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حسب رواية روسيا ونظام الأسد.

وكان رئيس النظام، بشار الأسد، أجرى لقاءً عبر تقنية الفيديو مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، تحدثا خلاله عن التحضير للمؤتمر.

وظهر رئيس النظام بموقف المستجدي من نظيره الروسي،  من أجل ما سماه “كسر العقبات” التي تعرقل عودة اللاجئين، على رأسها حسب قوله العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على نظامه.

وليست المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا العمل على ملف اللاجئين السوريين، من خلال محادثات مع الدول المجاورة، إلا أن كل المحاولات لاقت رفضاً قاطعاً من المجتمع الدولي والدول الكبرى الفاعلة في سزرية.

وبدأ النظام السوري عبر إعلامه الرسمي والموالي الترويج للمؤتمر، إذ ذكرت صحيفة “الوطن” الموالية أن 27 دولة و12 منظمة دولية غير حكومية سيشاركون في المؤتمر، كما تشارك الأمم المتحدة بصفة مراقب.

لكن معاون وزير الخارجية في حكومة الأسد، أيمن سوسان، كشف عن قائمة الدول المشاركة بمؤتمر اللاجئين في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

وقال سوسان في مقابلة له مع قناة “الإخبارية السورية” إن روسيا والصين وإيران ولبنان والإمارات وسلطنة عُمان وباكستان، ستكون من ضمن الدول التي عبرت عن رغبتها بالمشاركة في المؤتمر، الذي يرعاه نظام الأسد وروسيا.

وقبل انعقاده بساعات قوبل المؤتمر برفض واسع من قبل دول كثيرة، إذ أكد الاتحاد الأوروبي عدم مشاركة الدول الأعضاء بمؤتمر اللاجئين في دمشق، وجاء ذلك على لسان الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الاتحاد، جوزيب بوريل.

وقال بوريل، إن وزراء خارجية عدد من دول الاتحاد، وهو نفسه، تلقوا دعوة للمشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، إلا أنهم لن يشاركوا.

—————————————

=====================

تحديث 12 تشرين الثاني 2020

——————————

بوتين وبشار في انتظار غودو/ علي سفر

أفضل ما يحيلنا إليه اللقاء التلفزيوني الذي جرى بين بشار الأسد وبين فلاديمير بوتين قبل أيام هو الحوار العجيب الذي وضعه صاموئيل بيكيت بين شخصيتين فريدتين، إحداهما تحمل اسم فلاديمير أيضاً بينما حملت الثانية اسم استرجون، في مسرحية “في انتظار غودو” الشهيرة!

كثير من كتاب مقالات الرأي ومن المنتمين لجهتي الصراع، أي من المعارضة ومن النظام، استخدما الإحالة إلى هذه القطعة الأدبية العبثية، ولا سيما فكرة الانتظار المديد، لشخصية غير محددة الملامح، اسمها غودو! ولكن تتعدد كشخصية بحسب ما يريد القارئ أو الكاتب لتحمل أسماء كثيرة، وأيضاً تتجلى بمعاني كثيرة، ليصبح الانتظار أشبه بتأمل لعبث الحياة الإنسانية!

ولكننا وعلى خلاف هؤلاء، لا نقدر وبعد مشاهدة الحوار بين الأفّاق الروسي الذي لا يبدو عليه أنه مصاب بالزهايمر كما تقول الإشاعات، وبين تابعه وشريكه المحلي في سوريا، على المضي عميقاً في الفكرة، لنظن ومعنا قارئ ما أنه حوار يقوم على فكرة الانتظار الشهيرة!

ربما يكون حواراً جرى الإعداد له نكاية بالقوى الإقليمية التي تعارض توجههما، أو للقوى الدولية التي يبدو أنها وفي زحمة انشغالها بهمومها مع وباء كورونا، لم تعد مهتمة بالوضع السوري، ولا بالوجود الروسي الذي طال أكثر مما قدر له بوتين نفسه، وبات بحاجة لأن يصل إلى النهاية، والتي يعرف الجميع أنها عملية إعادة الإعمار!

وربما يكون محاولة لإظهار عدم الاهتمام بما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأميركية، التي سيفرز قدوم جو بايدن إلى البيت الأبيض سياسة مختلفة، ستؤثر تفاصيلها عليهما هما الإثنين، وستمس خياراتهما حتى وإن أعلنا أنهما مستقلان، خاصة أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي أراد التركيز على الشؤون الأميركية الداخلية، وأعلن ذات مرة أنه سيسحب جنوده من سوريا، عاد عن كلامه، بعد أن وجد في قراره خطورة على توجهات استراتيجية تتعلق بأمن بلاده القومي! فكيف سيكون الحال مع رئيس بنى جزءاً من حملته الانتخابية على ضرورة إعادة الاحترام للولايات المتحدة، وتكريس هيبتها من جديد!؟

من الممكن لنا في حال تعاطينا بجدية مع قصة المؤتمر الخاص بعودة اللاجئين، الافتراض أن الرجلين ينتظران اللاجئين السوريين، ليكون هذا الجحفل البشري هو غودو! لكن أي عبارة من مجمل العبارات التي وردت في سياق حوارهما توحي بأنهما يحترمان من ينتظرانه؟

لقد كانت شخصيات بيكيت وعلى ما تكتنزه من قدرات تسخر في عمقها من القيم المهيمنة والمكرسة، تمارس بشكل أو بآخر احتراماً هائلاً لما تنتقدانه، فوجوده المنقود، هو أساس الفعل، والتصديق الضمني بأن ثمة ما سيأتي هو ما يدفعهما لأن يستمرا على الخشبة!

بينما يمارس بوتين ومعه الأسد ههنا الصفاقة وقلة الأدب علناً! بأنهما يدعيان الجدية والصدق أمام كاميرات الإعلام الذي يصورهما، بينما هما في عمقهما الشخصي، وفيما بينهما أيضاً يدركان أنهما يمثلان، وأن ما يكذبه كل واحد منهما، لن يمر على الآخر! لكنهما منسجمان، ويجسدان دوريهما بإتقان!

ولكن، هل ثمة من يتابع هذه النسخة المحلية من لعبة الانتظار بطبيعتها الباهتة وتفاصيلها المملة؟

طبعاً، لم يهتم أي من اللاجئين السوريين في مشرق الأرض ومغربها بقصة مؤتمر يعقد من أجل دعوتهم للعودة، فبعد عقد من الموت اليومي في سوريا، وبإشراف من كلا المجرمين، صارت الحياة في البلاد المفزعة التي يصليانها النار والدمار ليل نهار جزءاً من ماض، لا يرغب السوريون في تذكره أو استعادته، بل إنهم يريدون مستقبلاً لهذه البلاد من دونهما، وحينذاك، ستصبح الذكريات كلها بعضٌ من ماضٍ انتهى وزال!

ومن ملامح الكوميديا السوداء التي تصنعها سياسة الموت القادم عبر طائرات بوتين، وسياسة الإذلال الأسدية، أنه لو أتيح للسوريين الذين يعيشون تحت سيطرتهما أن يرحلوا، لوجدت الجميع يغادر سوريا هرباً من القمع والفاقة والقهر والجوع!

لهذا نعرف كما غيرنا أن الغاية التي يعمل من أجلها هذان الممثلان الفاشلان معاً، هي أن يُظهر هذا الفيديو للعالم أنهما ينتظران، وأنهما لن يملا من الانتظار، حتى تصبح إحدى القوى الدولية جاهزة للحوار معهما!

فالرسالة تقول ما تخرص به رأس النظام، ورددته وزارة خارجيته من كلام موجه إلى المجتمع الدولي يطالبه فيها بالتوقف عن “عرقلة عودة هؤلاء المهجرين وتسييس وضعهم الإنساني.”

وبينما قال نائب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز: “إن المؤتمر لن ينظم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ولا الدول التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين، وحث الدول على مقاطعته.”

لم يتأخر جواب الدول الأوروبية على الدعوة للمشاركة في مهزلة مؤتمر دمشق، حينما أعلن وزير خارجية اتحادها جوزيب بوريل رفض المشاركة في المؤتمر بسبب كون “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.

هنا، وبعد هذين الردين، سنلتفت إلى ما وراء حديث فلاديمير وبشار، وأبعد قليلاً من الجدار الرابع الذي ظنا أنه يغلف نواياهما، وبما يخدع الجمهور ويوهمه، وفي العتمة سنرى أن الصالة التي يهذيان فيها فارغة، وأن أحداً لن يكلف نفسه ليحضر فصلاً آخر من مسرحية خالية من الفن، مليئة بالكذب والخداع!

ورغم ذلك سنسمع فلاديمير يقول: كأنما نحن في عرض.

فيرد عليه استرجون: في سيرك.

فيقول فلاديمير: في حفلة موسيقية.

ليكرر استرجون: في سيرك. (…)

وليتساءل فلاديمير مدعياً عدم المعرفة: من أين تأتي كل هذه الجثث؟

تلفزيون سوريا

————————-

علامات القبح في وجه الأسد.. ومهمة موسكو المستحيلة/ حازم الأمين

لا أدري ما إذا كانت علامات القبح في وجه رئيس النظام السوري بشار الأسد ناجمة عن ندوب الجريمة، التي يواصل ارتكابها في بلده منذ أكثر من 10 سنوات، أم أنها سابقة على الجريمة. لكن على المرء أن يستعيد حقيقة أن في وجه الرجل جانباً من سيرته، ذاك أننا رحنا نترقب تحولاً في ملامحه مرافقاً للمراحل التي مرت بها جريمته.

وبالأمس أطل بشار مجدداً على شاشة التلفزيون خلال نقلها وقائع المؤتمر الذي نظمته روسيا في دمشق، وموضوعه اللاجئين السوريين. وحضر المؤتمر معظم من شارك رئيس النظام بجريمته. بدا وجه الرجل منقبضاً ومرتداً إلى داخله، ومرتخي العضلات، وظهر عليه تعب، وملامح وجه شرير يعوزه الدهاء.

المناسبة أيضاً ساعدتنا على استقبال صورته بهذا القدر من الريبة. فروسيا نظمت مؤتمراً لإعادة اللاجئين السوريين برعاية بشار الأسد وبمشاركة إيرانية! وفي خلفية المنصة نصبت أعلام الدول المشاركة يتوسطها علم الأمم المتحدة. ووحده لبنان، الجمهورية الفاشلة والفاسدة والمرتهنة، من بين دول اللجوء من شارك في المؤتمر. تركيا والأردن قاطعا، وكذلك الدول الغربية، وطبعاً الولايات المتحدة.

ما الذي دها بعقل الروس ودفعهم إلى تنظيم هذا المؤتمر؟ ماذا يريدون أن يقولوا؟ وهل هي محاولة تعويم عاثرة لهذا الرئيس المستحيل؟ الأرجح أنها كذلك، وهذا يكشف عن ضعف في المخيلة الروسية، ذاك أن تعويم بشار الأسد في غير سياق حرب أهلية مهمة من المستحيل أن تتحقق، فما بالك اذا كان المدخل إليها قضية اللاجئين، وأن يفتتحها هذا الرئيس عديم المخيلة بعبارة أن دول الغرب مستفيدة من ظاهرة اللجوء وتعيق أي محاولة لإعادتهم!!!

الرجل الذي تسبب بنزوح أكثر من ٥٠ في المئة من السوريين، محاطاً بمن ساعدوه بهذه المهمة من روس وايرانيين، يبحث في مؤتمر عن سبل إعادتهم! الرجل الذي قال ذات يوم أن سوريا بعد أن غادرها من غادرها صارت “مجتمعاً منسجماً”، تريد روسيا أن تقدمه إلى العالم بصفته صاحب مشروع إعادة اللاجئين.

لا بل أن المؤتمر شهد وقائع أكثر إذهالاً، ذاك أن بحثاً جرى خلاله عن ضمانات وإغراءات لعودتهم! بشار الأسد، الرئيس الكيمياوي سيقدم ضمانات لعودة نحو ستة ملايين سوري هربوا من بلدهم بعد أن بلغت الجريمة فيه مبلغاً لم يصل إليه أعتى ديكتاتوريي العالم. جرى ذلك في مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نظمته موسكو في دمشق. وغابت عن المؤتمر الدول المضيفة، باستثناء جمهورية اللصوص اللبنانية، كما غاب عنه طبعاً ممثلون عن اللاجئين، ولم يُعنى أهل المؤتمر بتحضير ملفات وخرائط ومعطيات عن شكل انتشار اللاجئين، ولا عن أنواع المعانات التي يكابدونها في مناطق لجوئهم. المهمة فقط هي أن يظهر وجه الرجل على الشاشة وخلفه علم الأمم المتحدة.

لكن الفشل سبق الروس إلى مؤتمر دمشق، وهذا أمر بديهي في ظل المهمة المستحيلة التي قصدوها من وراء هذا المؤتمر المتعثر. فمأزق النظام السوري مع رئيسه في “السلم” أكبر منه في الحرب. كيف يمكن لبشار أن يحكم سوريا من دون حرب؟ في الحرب هو لا يحكم ولا يحارب، لكنه صورة يحتاجها من يتولون المهمة أثناء تسويقهم لحروبهم. أما عندما تنتهي الحرب ويحين موعد حسابات الحكم من دونها، فبشار الأسد لن يقوى على توفير شروط بقائه على رأس السلطة. لن يقوى على إدارة اقتصاد ما بعد الحرب، ولا على التعامل مع الفراغ الهائل الذي خلفه اللاجئون، ولا على علاقات دولية تتولى إضفاء شرعية على الوضع القائم. قد تكون هذه الشروط غير ضرورية في مراحل الحروب، لكنها شروط الحكم في مرحلة ما بعد الحرب.

قد يدور في خلد الروس ذات يوم أن يدفعوا بشار نحو إسرائيل، بعد أن أقفلت بوجههم أبواب الدول الغربية والأنظمة العربية، لكن حتى هذه المهمة ليست مضمونة النجاح، فبالإضافة إلى كونها افتراق كبير عن الشريك الإيراني، فإن إسرائيل نفسها ستزين الخطوة بميزان مصالحها مع العالم. فاتفاق سلام مع نظام دموي وغير مستقر سيجر عليها اكلافاً تفوق ما ستجنيه من اتفاق للسلام مع النظام في سوريا.

هذه الاستحالات ربما هي وراء ما حمله وجه الرئيس من ملامح قاتمة في يوم افتتاح المؤتمر في دمشق، صحيح أن الحنكة والذكاء يعوزانه، إلا أنه يدرك من دون شك أن الحرب وحدها سبيله للبقاء في قصر المهاجرين، وما من حرب استمرت إلى ما لا نهاية.

الحرة

كاتب وصحافي لبناني

——————————-

سوريا: عودة اللاجئين إلى الموت والذل؟/ رأي القدس

انطلقت صباح أمس الأربعاء أعمال «المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين» السوريين الذي نظمه النظام «بمشاركة نحو 27 دولة و12 منظمة دولية غير حكومية» وفق ما ذكرته وسائل إعلام النظام السوري.

إضافة إلى الإمارات وعُمان، اللتين لا وجود فعليا للاجئين سوريين فيهما، حضر لبنان، الذي أعرب رئيسه ميشال عون عن أمله في «حل سريع يحقق عودة اللاجئين السوريين» إلى بلادهم «لا سيما وأن مناطق عدة في سوريا باتت مستقرة بعد انتهاء القتال فيها» ولم ينس عون، بهذه المناسبة، التذكير بوجود نصف مليون لاجئ فلسطيني، معتبرا وجود هؤلاء جميعا، سببا في الأزمة الاقتصادية لبلاده.

بدأ المؤتمر بكلمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد شكر فيها أصدقاءه الروس والإيرانيين «على ما بذلوه من جهود في هذا الشأن» مشيرا إلى أن «الأغلبية الساحقة» من السوريين في الخارج «باتوا راغبين في العودة إلى وطنهم».

تؤهل التصريحات الآنفة المؤتمر المنصوب في دمشق ليكون مناسبة دولية لإهانة اللاجئين عموما من السوريين والفلسطينيين، كما لإهانة المواطنين ممن لا زالوا موجودين على الأراضي السورية، سواء النازحين الذين هجروا من ديارهم وأعدادهم بالملايين، أو المقيمين في «المناطق الآمنة» المزعومة، والذين يعانون، إضافة إلى قلة الأمن، أزمات الخبز والبنزين والكهرباء والغاز والفقر، الذي جعل سوريا في المرتبة الأخيرة (188) بين دول العالم في ترتيب الدول عالميا حسب دخل الفرد السنوي، وهو أيضا في ذيل قائمة الدول غير الآمنة في العالم، إلى جانب اليمن وأفغانستان والعراق.

وإذا كان الرئيس اللبناني يتجاهل حقيقة أن اللاجئين فروا من بلدهم للنجاة بحيواتهم، كما يتجاهل وقائع مثبتة على أن النظام يقوم بالانتقام ممن يعودون منهم، وقد تم توثيق اعتقال المئات منهم، فإن بشار الأسد يتجاهل الواقع السوري برمّته، فيشكر الروس والإيرانيين الذين ما زالوا، حتى الآن، يشاركون النظام في العمليات الحربية، وكانوا، منذ عشر سنوات وحتى الآن، أكبر المساهمين في الآليات التي أدت، وما تزال، إلى نزوح ولجوء الملايين من الشعب السوري.

تساءل ناشطون، بمناسبة المؤتمر المذكور، لماذا لا يعيد النظام السوري المعتقلين إلى بيوتهم وأهاليهم قبل أن يدعو اللاجئين للعودة، وتداول البعض، بهذه المناسبة، صور تركيب أقفاص حديدية للسوريين الذين ينتظرون في طوابير للحصول على خبز، وهو ما يعيد التذكير في أن سوريا، في ظل النظام الحاكم، لم تعد سوى قفص حديدي كبير، لم يبق فيه غير القادرين على السفر، والضحايا الذين يسجنهم النظام، من جهة، أو المستفيدين من النظام، والجلادين الذين يعملون على خدمته.

القدس العربي

—————————-

العودة تبدأ برحيل الأسد

أطلق معارضون وهيئات وناشطون سوريون، الأربعاء، حملة تحدد شروطاً لبدء عودة اللاجئين إلى سوريا، في مقدمتها رحيل رئيس النظام بشار الأسد.

ووقع على بيان انطلاق الحملة التي حملت اسم “العودة تبدأ برحيل الأسد”، أكثر من 40 منظمة وهيئة سورية، أكدوا فيها بالإضافة إلى شرط رحيل الأسد، على ضرورة وقف قصف النظام للشمال السوري، وإنجاز الانتقال السياسي في البلاد، وتوفير البيئة الآمنة، والبدء بإعادة الإعمار، كشروط أخرى للعودة الطوعية والكريمة للاجئين.

ونشر الناشطون هاشتاغ #العودة_تبدأ_برحيل_الأسد في “فايسبوك” و”تويتر” ردوا فيه على ادعاءات النظام بوجود أمان في البلاد،  ونشروا عبره نصوصاً وفيديوهات قديمة وحديثة تعطي لمحة عن معنى الاستقرار أولاً، ومصير من يعود للبلاد ثانياً. من بينها التسجيل الشهير للضابط في جيش النظام عصام زهر الدين، الذي وجه تحذيراً مباشراً للاجئين قبل مقتله، بالقول أن النظام لن يسامح من يعود، فيما تحدث آخرون عن قصص للاجئين عادوا وقتلوا أو اعتقلوا أو انقطعت أخبارهم.

    #العودة_تبدأ_برحيل_الأسد⁩ وسط مقاطعة واسعة من الدول الفاعلة في الملف السوري وخاصة التي تستضيف الجزء الأكبر من المهجرين…

    Posted by ‎الرابطة السورية لكرامة المواطن Syrian Association for Citizens’ Dignity‎ on Wednesday, November 11, 2020

ورغم أن السوريين المقيمين في مناطق النظام السوري لم يشاركوا في الهاشتاغ نفسه، إلا أن التعليقات كانت مستاءة في معظمها، ولم تكن مطالبتهم بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية لمن تبقى من السوريين في الداخل، تعبيراً عن حقد ضد اللاجئين في الخارج، بقدر ما كانت سخرية من سياسات النظام الوضيعة. ونشر المعلقون صوراً ومقاطع فيديو للطوابير وتحدثوا عن انعدام الخدمات الأساسية من الخبز وصولاً للكهرباء والمحروقات. وقالوا أنهم ينتظرون الفرصة المناسبة فقط للخروج من هذه البلاد وعدم العودة إليها مطلقاً.

وتتزامن الحملة مع عقد النظام السوري برعاية روسيا مؤتمراً دولياً في العاصمة دمشق، لبحث ملف عودة اللاجئين والنازحين السوريين لبلادهم، حسبما نقلت وكالة “الأناضول”. وقال منظمو الحملة، أنها ستتضمن فعاليات بالتزامن مع انعقاد المؤتمر وخلال الأيام المقبلة، ووقفات شعبية داخل وخارج سوريا، وتقارير إعلامية ترصد رفض اللاجئين للمؤتمر ومخرجاته.

والثلاثاء، أعلن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان، عدم مشاركة الاتحاد في مؤتمر نظام الأسد حول عودة اللاجئين. كما أعلن الائتلاف السوري المعارض، بدوره رفضه للمؤتمر، وقال في بيان أنه “في الوقت الذي تدعو فيه روسيا لهكذا مؤتمر، تستمر بارتكاب جرائم الحرب عبر قصف المدنيين في الشمال السوري”.

    “نصيحة من هالدقن لا حدا يرجع منكم لسوريا، لأن الدولة إذا سامحتك نحن عهداً ووعداً لن ننسى ولن نسامح” العبارة التي قتلت…

    Posted by ‎وسام محمد‎ on Tuesday, November 10, 2020

من ناحيته، قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، أن “الخديعة الروسية لعودة اللاجئين باتت مكشوفة للجميع”. وأضاف عبر حسابه في “فايسبوك”: “تسعى روسيا لاستجلاب الدعم الدولي تحت ستار عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار لنهب تلك الأموال (..) كذلك النظام المجرم الذي يروج لعودة اللاجئين وكان قد فرض على كل عائد دفع 100 دولار”.

وأفاد أحد منظمي الحملة عبد المنعم زين الدين، وهو منسق عام في الثورة السورية، بأن أهداف الحملة هي “إيصال رسالة واضحة للمجتمع الدولي وروسيا والنظام وحلفائه، أن عودة اللاجئين لا تكون قبل رحيل عصابة الأسد التي هجّرتهم”، بالإضافة إلى “تعرية زيف وكذب مؤتمر عودة اللاجئين الذي يهدف لإعادة تأهيل النظام تحت شعارات إنسانية لكسب أموال إعادة الإعمار”.

    مرحباً بكم في مسالخ الاسد البشرية!#العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/UfsZuC514Y

    — Ahmad Alshame ⚪ (@ahmadal_shame) November 10, 2020

واعتبر  زين الدين أن الحملة “فرصة لترسيخ مفهوم عدم العودة بوجود الأسد، والضغط على الدول للتخلي عن الأسد، وتحذير اللاجئين من المخاطر التي ستواجههم حال قرروا العودة لمناطق النظام قبل رحيل الأسد”.

في السياق، قال عمار قحف، رئيس مركز “عمران” للدراسات، أحد الموقعين على بيان الحملة، أن “الهدف من الحملة إعادة تعريف وتأطير حق العودة لسوريا لأكثر من 6 ملايين لاجئ و7 ملايين نازح قسرياً”. وأضاف أن “الحملة تأتي بالتزامن مع ادعاءات النظام وروسيا بعقد مؤتمر للاجئين بهدف الترويج أن استحقاق العودة يخضع لآليات حكومية بدمشق بينما هو استحقاق سياسي وشرط أساسي للعملية السياسية”، لافتاً أن “أهم متطلبات العودة توفر الأمن الحقيقي والمستدام والذي لا يتحقق في ظل أجهزة الاستخبارت والأمن التابعة للنظام”.

ورأى قحف، أنه “في حال رحيل النظام السوري وحله يبدأ تفكير الناس بالعودة، ومن ثم يكون هناك مجال لبحث الجانب الاقتصادي وإعادة الإعمار”، حسب تعبيره.

في سياق متصل، نشر “المركز السوري لحرية للإعلام وحرية التعبير” بياناً وقعت عليه 33 منظمة إعلامية ومدنية وحقوقية من بينها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” و”رابطة عائلات قيصر”، جاء فيه أن حكومة النظام والميليشيات التابعة لها مع الحليف الروسي، تتحمل المسؤولية عن أكثر من 90% من الهجمات على المرافق الإنسانية والخدمية في سوريا على مدار عشرة أعوام.

    33 منظمة مجتمع مدني سورية وإقليمية تصدر بيان تدين فيه عقد مؤتمر حول اللاجئين والمهجرين تحت إشراف الحكومة السورية في…

    Posted by ‎المركز السوري للإعلام و حرية التعبير‎ on Wednesday, November 11, 2020

وأشار البيان إلى دراسة مسحية أعدتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أفادت بارتفاع نسبة اللاجئين الذين لا يرغبون في العودة إلى سوريا خلال العام 2020 لتصل 89%، وتعتبر هذه الدراسة أن العامل الرئيسي في قرار اللاجئين بعدم العودة هو عامل الأمان والسلامة، حيث أكدت تقارير حقوقية إجراء ملاحقات أمنية للعائدين، عدا عما يزيد عن 2000 حالة اعتقال بين اللاجئين العائدين إلى سوريا، إضافة إلى ما يزيد عن عشرين حالة قتل تحت التعذيب، بينهم أطفال، بعد العودة.

وبحسب البيان، فإن الدعوات الأسدية والروسية لعودة اللاجئين بهذا الشكل “تستغل أعباء الدول المضيفة للاجئين ومخاوفها، وتهدف بشكل واضح للإفلات من العقاب وإفشال أي جهود نحو المحاسبة والمسائلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا، وإلى استجرار الدعم بحجة إعادة الإعمار لنفس الحكومة التي تفرض قيود وتدخّل واضح في العمليات الإنسانية والتي كانت بشكل مباشر أو غير مباشر وراء الأسباب التي دعت المهجرين إلى النزوح والهجرة”.

    هذه صورتي الأخيرة في مدينتي دوما في الغوطة الشرقية، هجرت منها مجبراً من قبل نظام الأسد بعد أن دمرها مع حلفائه الروس الذين استخدموا في قتلنا شتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ومنها السلاح الكيماوي.

    لانني شاهد على إجرام الأسد لن افكر بالعودة قبل رحيله#العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/Ogj2rNt0FW

    — عبد الملك عبود (@malekabod1997) November 10, 2020

    لو كان بشار الأسد يمتلك 1% من المصداقية حول إعادة اللاجئين الذين هجرهم بدعم روسي- إيراني كما يدعي، لكان قد أطلق سراح 400 ألف إنسان من سجونه، قبل أي إعلان له حول مؤتمر اللاجئين.. لكن من حرك الجيش لإبادتنا لن يرضى لنا مصيراً إلا الموت أو النفي.#العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/YbKv6GhVq6

    — Ghaleb Alatrash (@AlatrashGhaleb) November 12, 2020

    #العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/FEMarywBFY

    — علي البدري (@3li_albdry) November 12, 2020

    نادينا أن يرحل، فلم يفعل، رحلنا نحن وبقي يطاردنا بإعلامه وسفاراته، وجلس مصاص الدماء بثياب ممرّغة بدم أهلنا على بقايا…

    Posted by Ghiyath Tafankaji on Wednesday, November 11, 2020

المدن

————————

مؤتمر عودة اللاجئين والواقع السوري/ محمود الوهب

ترددت قبل أن أكتب عن مؤتمر عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم وإعادة إعمارها.. فهذا الموضوع لا يثير الدهشة والاستغراب فحسب، بل لعله يدعو إلى البكاء فعلاً إذ هو أشبه بالحراثة في الهواء أو بالكتابة على الرمال لكن الأمر الأكثر غرابة أن المنافقين ممن تبقى داخل سوريا من شبيحة وأثرياء حرب جدد يتحدثون على هواء القنوات الفضائية على نحو إيجابي لمؤتمر لا ينتظر غير الفشل الذريع لأسباب سيأتي ذكرها..

لا شك في أن مؤتمراً لعودة اللاجئين ضرورة موضوعية تستدعي التأييد إذ يشكل مفتاحاً لحلِّ المسألة السورية، ولكن أي مؤتمر يريده الشعب السوري ومن المعني بعقده؟! إنه المؤتمر الذي يجيء على أرضية نظيفة خالية من كل من تسبب بما حصل لسوريا وشعبها ولبيان ذلك لا بد من عودة إلى الوراء قليلاً لا إلى بداية عام 2011 بل إلى السنوات العشر التي سبقتها إذ هي جاءت امتحاناً للوريث الذي أتى حاملاً شعار “التطوير والتحديث ومكافحة الفساد” فلم يفعل إلا أن زاد الطين بلة، بنقله ظاهرة فساد الأسرة الحاكمة من السرِّ إلى العلن، ومن خلال إطلاق يد ابن خاله رامي مخلوف لنهب الدولة والشعب وفق القانون أو اللعب عليه أحياناً، وغالباً وفق تعليمات شفهية، فكم من مستثمر سوري أو عربي شكا أمر التعقيدات التي تواجهه للقصر الجمهوري كحل أخير مستعجلاً البدء ببناء مشروعه فكان الترحيب به وافراً، ويعطى لأجل ذلك رقم هاتف رامي مخلوف لحل ما يعترضه من مشاكل، وكان “الرحيم” رامي جاهزاً بشرط بسيط، هو مشاركة صاحب المشروع أرباحه، تحت مزاعم مختلفة، وبنسب تتراوح بين  15 و 25% كحد أدنى! وهكذا جاء تنفيذ شعار التطوير والتحديث زيادة في الخراب على غير صعيد وحين هب الشعب محتجاً على تلك الأوضاع وفي مقدمتها تأصيل الفساد وقوننته لا في ميادين الاقتصاد ومفاصل الدولة الرئيسة بل فيما يسمى بالمحرمات كالجامعات والقضاء والمؤسسات الدينية حيث أصابع الأجهزة الأمنية تعيث فساداً في كل مجال..

لعلَّ روسيا تلح على انعقاد المؤتمر أكثر من غيرها إذ هي بحاجة ماسة لما أنفقته من أموال ولا سبيل أمامها لاستردادها غير عودة الأمن والاستقرار إلى سوريا والتجديد لبشار الأسد ضمانتها لتثبيت ما ابتزته من اتفاقات في المجالين العسكري والاقتصادي.. وتدرك روسيا الحال الذي وصل إليه الاقتصاد السوري، بتجاوزه الخط الأحمر أي التهديد بعدم القدرة على تقديم رغيف الخبز، بينما وصل السوريون الذين فضَّلوا البقاء داخل وطنهم، أو لم يجد بعضهم سبيلاً إلى الهجرة بمعاناتهم حدَّ الاختناق! وبغض النظر عن موقفهم مع أو ضد النظام، فهؤلاء جميعاً قد بلغ بهم التحمل حدوده القصوى، وأن هذا اللغط الذي يجري حول الغلاء ما هو إلا عتبة أولى للانفجار! وما تعلمه روسيا علم اليقين، وتتجاهله عن عمد، هو أن أمر إعادة الإعمار منوط بتوافق دولي، والتوافق الدولي لن يتحقق ما لم يتفق السوريون جميعاً على حل دائم يؤمن لهم الأمن والاستقرار.. ومن هنا لا يمكن لروسيا أن تقوم بأعباء الإعمار بقرار منفرد، اللهم إلا إذا استطاعت أن توظف مئات مليارات الدولارات، ولكن هؤلاء القادرين لا يأتمرون بأمرها حتى وإن كانت لهم مصلحة، أما هي بالذات فمن أين لها، إذ يعاني اقتصادها ما يعانيه وربما وضعت ما لديها في حربها الوحشية ضد سوريا والسوريين، فهي المسؤول الأول عن خراب سوريا، وتهجير أهلها لا منذ دخولها في 30 أيلول من العام 2015 بل منذ الفيتو الأول في الرابع من تشرين الأول عام 2011، ذلك الفيتو الذي رفعته روسيا والصين ضد إدانة بشار الأسد، وفرض عقوبات على نظامه ما شجعه على الاستمرار في قتل السوريين، ومع ذلك لم تكتف بمواقفها ضد كل ما يهيئ الأمن والسلام للسوريين، فما إن فشل الأسد وجيشه “الباسل” ومعه حزب الله، وبقية الميليشيات الإيرانية، لم تتوان عن المجيء بسلاحها وضباطها ومرتزقتها ومراوغاتها السياسية، لمتابعة أسلوب التوحش ذاته الذي بدأه الأسد إلى أن غدا ثلث السوريين في المخيمات والمهاجر ناهيكم بمئات ألوف القتلى ومثلهم في المعتقلات وأضعاف أضعافهم من اليتامى والمعوقين والمفقودين وحرمان ثلاثة ملايين طفل على الأقل من التعليم الابتدائي..! وعدة احتلالات تلعب اليوم دور “المايسترو” في ترتيب خراب بلد كان مقدراً لشعبه أن يكون الرائد والنموذج في منطقته والعالم..

لا شك في أن الوضع القائم في سوريا الآن لا يشجع أحداً على العودة فلا الوضع المعيشي ولا الوضع الأمني يشجعان على العودة، ورغم ذلك يمكن أن يعقد المؤتمر ويعطي نتائجه الإيجابية وذلك في حالتين اثنتين:

الأولى أن تكون لروسيا القدرة على إقناع النظام وإيران بتطبيق القرار 2254 ثم تذهب إلى مجلس الأمن وتقول: إن النظام في سوريا مستعد لتطبيق ذلك القرار وتعالوا نتفق مع الشعب السوري على الكيفية. وهذا أمر قد يبدو صعباً لكن احتماله وارد وممكن..

أما الحال الثانية فهي أن يصدر بشار الأسد عدة مراسيم يتم تنفيذها بضمانات دولية منها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، والإعلان عن مصير المفقودين، ومرسوم آخر يقضي بسحب الأسلحة من الميليشيات كافة، وإعادة الجيش إلى ثكناته ما دامت الحرب قد انتهت بحسب بوتين الرئيس الروسي..

أما ما يساعد السوريين على استعادة وحدتهم ووحدة وطنهم وإعماره، فمرسوم ثالث يفرض على من نهب البلد خلال خمسين عاماً أن يعيد ما اختلسه بطرق شتى بمن في ذلك عائلة الأسد طبعاً السابقون منهم واللاحقون، وعائلة مخلوف، وشركاء العائلتين، إضافة إلى الأثرياء الجدد وأثرياء الحرب الذين تاجروا بدم الشعب ولقمة عيشه ودفئه وصحته ويمكن استرداد هذه الأموال عبر محاكم داخل سوريا وخارجها..

أعرف أن هذه المطالب أشبه بحلم مستحيل، ولكنها الحقيقة التي لا حل دائم من غيرها في سوريا، ويمكن أن تكون استقالة أو إقالة بشار الأسد، على نحو ما، بداية مناسبة..!

تلفزيون سوريا

————————-

 مؤتمر اللاجئين في دمشق… أضواء السياسة لا تنير عتمة المخيمات/ عبدالله سليمان

في سعي واضح لاختراق صندوق العزلة السياسية المفروض عليها، من بين أهداف أخرى تلاعب مخيلتها، استضافت العاصمة السورية دمشق أمس ما وصفته الدبلوماسية الروسية قبل نحو عامين بالحدث التاريخي من دون أن يبصر النور آنذاك نتيجة موازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية التي كانت سائدة. لكن المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين أصبح أخيراً حقيقة واقعة وأعاد الأضواء إلى قصر المؤتمرات في دمشق بعد سنوات غابت فيها عن أروقته أية نشاطات سياسية غير محلية.

غير أن ما يبدو استبشاراً، من وجهة نظر السوريين، لانعقاد المؤتمر نظراً لما يمثله من عودة للحياة إلى عاصمتهم السياسية بعد مرورها في سبات طويل على مدى عقد من الزمن هو عمر الأزمة التي عصفت ببلادهم، لا يعدو بالنسبة إلى آخرين أن يكون مجرد “خزعبلات” أو “دبلوماسية تزييف” وأحياناً وصفه البعض بالوقاحة، الأمر الذي دفع بغالبية الدول من بينها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية إلى مقاطعة المؤتمر والتشكيك بأهدافه الحقيقية.

وشهدت فترة التحضير للمؤتمر التي توّجت الشهر الماضي بجولة لوفد روسي رفيع إلى عدد من البلدان العربية المعنية بقضية اللاجئين، لبنان والأردن تحديداً، إرهاصات صراع سياسي بين موسكو وواشنطن حاولت من خلاله الأخيرة عرقلة انعقاد المؤتمر. غير أن هذه الارهاصات لم تتبلور على شكل صراع حقيقي جادّ.

وقد يكون سبب ذلك انشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة، وهو ما ينبغي وضعه في الحسبان لتحديد دلالات التوقيت وأهميته، لكن بعض المراقبين لمسوا خلف موقف واشنطن العلني الرافض، مرونة سياسية خفيّة من قبل الإدارة الأميركية تمثلت في امتناعها عن استخدام عقاقيرها السياسية الكفيلة بإجهاض المؤتمر كما حصل عام 2018 عندما تراجعت موسكو عن فكرة انعقاده بعدما وصفته بأنه سيكون “حدثاً تاريخياً”.

ولا يعتبر استغلال فترة “السبات الانتخابي” الذي تمر به واشنطن العامل الوحيد الذي مكّن منظمي المؤتمر من عقده وسط موجة الرفض الواسعة التي واجهته إقليمياً ودولياً، إذ إن مسارعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تبنّي المؤتمر شخصياً ووضع ثقله السياسي خلفه، وهو ما تجلى في لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد عبر تقنية الفيديو قبل ساعات من انعقاد المؤتمر، أدت الدور الأكبر في حسم الجدل الذي استعر مؤخراً داخل الكرملين حول التراجع عن الفكرة للمرة الثانية أو مواصلة السير بها.

التبنّي الرئاسي الروسي للمؤتمر شكل بحد ذاته رسالة حاسمة بأن موسكو ماضية في هندسة الملف السوري وإعادة ترتيب أوراقه ومساراته بما يخدم القاعدة السياسية التي قام عليها تدخلها في سوريا منذ العام 2015، وبغض النظر عن مواقف الدول الأخرى إزاء خياراتها، وأن موسكو لا تخشى من الفشل لأن التجارب السابقة التي نجحت الدبلوماسية الروسية في إقحامها على المشهد السياسي السوري وصلت إلى نتائج مشجعة من حيث قدرتها على التحكم بخيوط المشهد وضبط إيقاع بعض اللاعبين الأساسيين فيه.

ولا تختلف الأجواء التي رافقت التحضير لمؤتمر اللاجئين عن الأجواء التي كانت ترافق أي مقترح روسي بخصوص الأزمة السورية، فقد تكررت مشاهد الرفض والإدانة الغربيتين وما قابلها من إصرار روسي خلال التحضير لتدشين مسار أستانا مطلع عام 2017، وكذلك أحاطت الأجواء ذاتها بانعقاد مؤتمر سوتشي عام 2018 الذي تمخضت عنه اللجنة الدستورية.

وانطلاقاً من هذا التشابه، ثمة تفاؤل في دمشق وموسكو بأن مؤتمر اللاجئين سيحقق مكاسب سياسية واعدة تعمل على تمهيد الطريق أمام إنهاء عزلة دمشق من الناحية السياسية ولو نسبياً من جهة أولى، وتدشّن مساراً جديداً من مسارات حل الأزمة السورية لتخطّي حالة الجمود التي وصل إليها مسار اللجنة الدستورية، من جهة ثانية.

وفي دمشق هناك من يتحدث عن مناخ اقليمي ودولي جديد بدأ يرخي بظلال التسويات على معظم أزمات المنطقة كما في ليبيا وكراباخ، وأن سوريا سيكون لها نصيب من هذا المناخ نظراً الى ترابط الملفات وتشابكها مع بعضها البعض. ويستند أصحاب هذا الرأي لإثبات صوابه على التحولات الملموسة التي طرأت على مواقف بعض الدول الخليجية من دمشق، بدءاً من افتتاح السفارات من قبل الإمارات والبحرين ومروراً بتعيين سفير عُماني جديد، وليس انتهاءً بقرار الرياض فتح طرقها لعبور الشاحنات السورية.

وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه التطورات مع الانهماك الأميركي في سباق الرئاسة الأطول في تاريخه، إذ يشير البعض إلى أن نتيجة السباق الانتخابي لن تقتصر على تسمية الساكن الجديد للبيت الأبيض، بل ستتعداها إلى تغيير الكثير من معادلات المنطقة وربما تحالفاتها، وهذا ما تعمل بعض الدول على التحسب له والاستعداد لمواجهته من خلال إعادة مراجعة مواقفها من الأزمة السورية، والتي ستكون من دون شك إحدى الخواصر اللينة المرشّحة لاختبار آثار التغيير الأميركي وحدوده وتداعياته.

هكذا يغرق ملف اللاجئين ذو الصبغة الإنسانية البحتة، أو كما يفترض أن يكون، في مستنقع التسييس ولعبة الأمم، ويتحول اهتمام الرافضين والمؤيدين من حل مأساة اللاجئين وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سنوات إلى كيفية استغلال أوضاعهم المخزية وتوظيف آلامهم وأوجاعهم في صراعات إقليمية ومكائد سياسية لتغيير موازين القوى وتغليب أجندات ومشاريع على أخرى.

وفيما يستعيد قصر المؤتمرات في دمشق بريق أضوائه، فإن مخيمات اللاجئين بسقوفها المتهالكة وطرقها الموحلة ستبقى على حالها شاهدة على حقيقة مفادها أن ما ينبثق عن السياسة من أضواء ليست غير كافيةٍ لتقشع ظلمة المعاناة الإنسانية في المخيمات فحسب، بل إنها على الأغلب تعمي الأبصار عن هذه المعاناة لتستمر بصمت في طيات النسيان حتى إشعار آخر.

النهار العربي

—————————

المهجّرون السوريون..وحق العودة الممنوعة/ ساطع نور الدين

المهجّرون السوريون..وحق العودة الممنوعة لاجئون سوريون بالطريق من النمسا إلى ألمانيا (غيتي)

التهجير، لا الهجرة ولا النزوح، هو أصل الحكاية السورية وفصلها الاخير، الذي يراد منه أن يسدل الستارة على ثورة العام 2011، ويعلن أن خاتمة تلك الحكاية، ستكون بصك غفران يكتبه كل من الرئيسين بشار الاسد وفلاديمير بوتين، ومعهما المرشد الايراني علي خامنئي، ويقدم كصدقة، او مكرمة الى المهجرين السوريين.

لم يبق من تبعات تلك الثورة سوى وجود أكثر من نصف الشعب السوري خارج مقرات إقامتهم الاصلية، بغض النظر عما إذا كان التهجير مفتعلاً من قبل الأميركيين والاتراك (واللبنانيين والاردنيين..)، حسب الرواية الرسمية السورية.. أو ما إذا كان ناجماً عن الارهاب الدولي الذي جرت تصفيته في سوريا أخيراً، حسب الخلاصة الرسمية الروسية.

حان موعد العودة، الذي يفترض ان يطوي بشكل نهائي بقية مطالب الثورة ومعالمها، التي لم يبق منها في الاصل سوى تعديل دستوري مجازي، وإنتقال سياسي متخيل. وكلاهما لا يجوز أن يؤجل العمل على حل تلك المعضلة الانسانية والاخلاقية، المتمثلة في التهجير، وأسبابه التي لم يعد هناك مجال للبحث بها، ولا لتبادل الاتهامات والمسؤوليات، بل فقط للنظر في بعض التفاصيل البسيطة..

المؤتمر الذي إنعقد في دمشق لهذا الغرض، هو في المقام الأول إعلان إضافي للنصر على الثورة، وإشهار عملي لأهم  عناوين التفاوض حول تصفية تركتها، بإعادة المهجرين الى منازلهم، بعد التوقيع على وثيقة الاستسلام للنظام وللروس والايرانيين وأجهزتهم ومليشياتهم. المفاوضات المقصودة لن تكون مع الراغبين بالعودة، ولا مع هيئات المعارضة التي تلوذ بهم وتعتبرهم ورقتها الاخيرة وعنصر قوتها الوحيد ربما، بل مع الدول التي تستضيفهم والمنظمات التي تغيثهم.

بصراحة متناهية، يقول النظام والروس والايرانيون، أنهم يريدون البحث بإعادة المهجرين، على قاعدة أن يظل هؤلاء العائدون يتلقون المساعدات المالية والعينية، التي يتسلمونها حاليا من الدول والمنظمات المضيفة. أي تحويل هذه الاموال الى الداخل السوري ، السلطة تحديداً، التي يفترض أن تتولى عمليات الايواء والتوزيع والتعمير.. وإلا فإن تلك البيئات الخارجية (الفرنسية والالمانية خاصة) ستتحول مع الايام الى  مختبر أساسي لظاهرة الارهاب الدولي يوفر المزيد من الذئاب المستوحدة او حتى الخلايا المستذئبة، التي تنشر الرعب في شوارع المدن الاوروبية.

هي إذاً خدمة يعرضها بوتين على الاوروبيين الذين شهدوا في الاسابيع القليلة الماضية نماذج مروعة من تلك الظاهرة، في باريس ونيس وفيينا..وكان أحدهم ذو منشأ روسي. ولا حاجة للنقاش هنا في مبرر إستبعاد تركيا من تلك العملية التفاوضية المقترحة، برغم ان المهجرين السوريين الى الاراضي يمثلون ثلاثة أضعاف المقيمين منهم في دول الاتحاد الاوروبي كله(ثلاثة ملايين ونصف مليون مهجر الى تركيا، مقابل مليون مهجر الى اوروبا). للتفاوض الروسي مع أنقرة مسارات أخرى، وشروط مغايرة، وآفاق مختلفة.

رفضت أوروبا عرض التفاوض، الذي لم تكترث له تركيا طبعا. لكنهما على الارجح ستكونا مستعدتين للبحث به مستقبلا، إذا ما تواصلت الحملة الروسية المتعددة الاشكال، وإذا ثبت أنه ليس هناك بديل يتحمل ذلك العبء البشري والانساني، أو على الاقل يتولى مسؤولية تحويل تلك القضية الى مسألة مبدئية، تشبه حق العودة الفلسطيني، ولا تخضع لإي مساومة أو أي تفاوض، ولا تبدو كأنها مكرمة من أحد، بل هي حق من حقوق الانسان  السوري، لا يرتبط بموافقات أمنية أو سياسية، ينتظرها الكثيرون من الراغبين بالعودة ولا ينالونها.. لاسيما المقيمين منهم في لبنان تحديداً.

أعلن المؤتمر أن المهجرين ورقة قوة النظام وروسيا وايران، وورقة ضعف الاخرين جميعا. وهو ما لم يكن بحاجة الى دليل. لكن المفارقة هي أن المنفيين والمشتتين السوريين تعاملوا مع المؤتمر بإعتباره فاتحة أبواب العودة، وشرعوا في وضع شروطهم ومطالبهم المسبقة، أو حتى في نفي رغباتهم بالعودة الى حضن الوطن المدمر من الجنات التركية أو الاوروبية أو الاميركية التي يعيشون فيها..مع أن النظام ترجم الموقف الروسي بدقة عندما قال صراحة أن العودة مرهونة بفك الحصار الاميركي الصهيوني الرجعي على سوريا وبتوفير مقومات الحياة والبقاء للعائدين، بشكل مسبق.

المساومة بدأت، على أساس أن النظام لا يريد ولا يقبل ولا يحتمل عودة أحد من المهجرين، سوى المقتدرين، أو العائدين بأموال التعمير وبأوراق التسليم..والذين لا يشكلون عبئا أمنياً أو سياسياً. سلوكه مع القلة التي غامرت بالعودة في السنوات القليلة الماضية لا يقبل الشك.أما روسيا وإيران، فإن إكتشافهما المتأخر لهذا العدد الهائل من المهجرين السوريين، المقيمين خارج تركيا، فهو مجال رحب للإستثمار السياسي والمالي والامني المربح، بلا حدود.

————————-

حوار خاص مع الدكتورة سميرة مبيض حول مؤتمر اعادة اللاجئين

سميرة المبيض: الظروف في سوريا لا تسمح بعودة اللاجئين.. وروسيا لا يمكنها إعطاءهم الضمانات لعودة آمنة

برعاية روسية تامة، يعقد المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين أعماله ابتداءً من يوم الأربعاء الـ11 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ويستمر ليومين، في خطوة اعتبرتها أوساط سياسية “أنها محاولة روسية لإعادة تعويم النظام الحاكم في سوريا، وهو بعيد كل البعد عن الأهداف المعلنة عنه”.

وبحسب الأوساط السياسية السورية، فإن الأوضاع في البلاد غير مستقرة وآمنة حتى يتم الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين، حيث أن مناطق سيطرة الحكومة لا وجود لأدنى مقومات الحياة فيها، مشيرين إلى أن عودة ملايين السوريين بحاجة لشروط معينة لا تتوفر في الوقت الحالي.

شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية أجرت حواراً خاصاً مع الباحثة والسياسية وعضو اللجنة الدستورية السورية عن فئة “المجتمع المدني” الدكتورة سميرة المبيض، حول المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين الذي سيعقد في دمشق، وفيما يلي نص الحوار الكامل:

1- روسيا والحكومة السورية تتحدثان عن مؤتمر لعودة اللاجئين السوريين، كيف تنظرون لهذا المؤتمر ؟

اعتقد أن التوجه لعقد مثل هذا المؤتمر يدخل ضمن إطار محاولات روسيا لتوطيد مكتسباتها المستقبلية في سوريا، أما من جهة النظام فهو يعمل على الظهور بموقع المسيطر على الأمور وبأنه مستعد لاستقبال اللاجئين، كما أنه يهدف الى الهيمنة على أصوات ملايين اللاجئين خلال الاستحقاقات الانتخابية المستقبلية في سوريا والذين سيتاح لهم الأدلاء بأصواتهم بشكل حر في دول اللجوء، بينما ستخضع أصواتهم لعمليات الضغط والتزييف في مناطق حكم الأسد. الادعاءات التي يقدمها النظام بعيدة عن الواقع السوري حيث يعتبر طرح إمكانية عودة اللاجئين بعد أن تسبب بتهجيرهم القسري مع حلفائه وداعميه بشكل مباشر عبر عمليات القصف والتدمير أو بشكل غير مباشر عبر التضييق الأمني والملاحقات والترهيب أمر مستهجن. ويضاف إلى ذلك عدم امكانيته لضمان شروط حياة كريمة لمن هم متواجدون أساساً في مناطق خاضعة لسيطرته، فكيف به بتأمين الشروط الأساسية للاستقرار والاحتياجات للملايين من اللاجئين ؟.

2- هل الظروف في سوريا برأيكم مهيأة لاستقبال اللاجئين، وهل يمكن لروسيا إعطاء المطلوبين والمعارضين الضمانات لعودة آمنة ؟

لا تسمح الظروف في سوريا بعودة اللاجئين بأي شكل كان، فالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا وجود فيها لأدنى مقومات الحياة وينعدم فيها الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، والمواطنين السوريين يعيشون ضمنها بمعاناة كبيرة والموارد السورية تستنزف في الصراعات والسعي للحفاظ على السلطة ولا توجه لتوفير حياة كريمة للسوريين. كما أن عودة الملايين من اللاجئين ومعظمهم من العوائل تتطلب وجود بنى تحتية ومدارس ومؤسسات فاعلة تؤمن السكن والعمل والدخل المستدام، إضافة الى منشآت طبية تستوعب الحالات الصحية المتفاقمة في ظل جائحة الكورونا، وتلك الشروط بمجملها غير متوفرة وتوفرها يتطلب إعادة إعمار سوريا، أي يرتبط بعملية الانتقال السياسي بشكل كامل.

أما من الناحية الأمنية فلا يمكن لأي جهة، روسية أو دولية، إعطاء المطلوبين والمعارضين ضمانات لعودة آمنة في ظل تحكم نظام الأسد بالسلطة والمنظومة الأمنية، حيث يعمل النظام عبر أذرع متعددة تخل بالأمن المحلي بشكل كبير ومنها ميليشيات مسلحة إيرانية وتنظيمات إرهابية ومرتزقة وعصابات وتعد جميعها عائق لأي متابعة جدية لأحوال اللاجئين بعد عودتهم والذين قد يكون مصيرهم أسوة بآلاف من المختفين والمغيبين والمعتقلين والمخطوفين دون وجود إمكانية لحفظ امنهم وقد يتعرضون لأشكال أخرى من الانتهاكات الإنسانية والاضطهاد مثل التمييز السلبي والتشريد والفقر والحرمان من فرص العمل أو الطبابة، وهي ظروف لا يمكن متابعتها ومعالجتها دون وجود مؤسسات رسمية ومؤسسات دولة تضمن عدم وقوعها.

3- هناك حديث عن أن روسيا من خلال هذا المؤتمر تسعى لإعادة الشرعية للنظام الحاكم في سوريا، ما رأيكم انتم؟

اعتقد أن روسيا تسعى لتوطيد مكتسبات مستقبلية من خلال عقد هذا المؤتمر، لكن لا يمكن لأي من الدول أن تعتقد بإمكانية إعادة الشرعية للنظام الحاكم في سوريا، فهو قد فقد هذه الشرعية من خلال انهيار كافة مرتكزاتها المتعلقة بمهام الدولة من ضمان استمرارية العقد الاجتماعي وضمان الامن للمواطنين على العكس فقد ثبت ارتكاب النظام لانتهاكات إنسانية وتواطؤه مع تنظيمات إرهابية بهدف ترهيب وترويع السوريين والدول المحيطة والعالم.

4- هل تعتقدون أن هذا المؤتمر سينجح أم حاله سيكون حال الفعاليات السياسية الأخرى حول الأزمة السورية ؟

اعتقد أن هذا المؤتمر في حال انعقاده وبوجود الأمم المتحدة كمراقب ضمنه سيكون بحالة جمود فعلية، لأن تفعيله كمسار من ضمن مسارات الانتقال السياسي سيتطلب أن تضطلع به كافة الدول والمؤسسات الدولية الرسمية وتحقق شروط موضوعية من البيئة الآمنة والمحايدة ومن وجود حكومة قادرة على تنفيذه وعلى إدارة ملفات بحجم ملف اللاجئين وعلى توظيف الموارد والمساعدات في مكانها السليم، بينما في ظل النظام الحالي ستذهب أي مساعدات في خانة النهب والفساد المستشري في مفاصل الدولة، ولن يكون حال اللاجئين بأفضل مما هو عليه اليوم، بل أسوأ على كافة الصعد وسنشهد تفاقم للكارثة الإنسانية عوضاً عن حلول حقيقية.

حوار: فادي حسن

موقع نواة

———————–

الانتهازية الروسية في أزمة اللاجئين/ بهاء العوام

لن تنجح روسيا في إعادة اللاجئين أو تبديل بنود الحل السياسي للأزمة السورية ليس فقط لأن موسكو لا تملك القول الفصل في هذه الأزمة بل لأن العالم يعيش أولويات أخرى.

تريد روسيا عقد مؤتمر دولي للاجئين السوريين. المكان هو العاصمة دمشق والزمان بعد الانتخابات الأميركية، أما الأهداف فهي متعددة ولكنها لا تتضمن الغرض المعلن من المؤتمر، فلا الرئيس بشار الأسد يريد عودة اللاجئين، ولا خصومه الأميركيون والأوروبيون يريدون تسهيل الأمر، ولا اللاجئون يريدون العودة أصلا إلى واقع أسوأ مما كان عليه حالهم قبل الرحيل في نواح عدة.

الروس يريدون فقط معرفة ما حملته التغيرات التي لحقت بالعالم والمنطقة خلال هذا العام وسابقه، من تأثير على الأزمة السورية. هم في الواقع لا يستطيعون فعل الكثير لإعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ، سواء على صعيد إعادة إعمار سوريا لاحتضانهم، أو على مستوى تقديم الضمانات الأمنية بأنهم سيعيشون بسلام، ولن يخضعوا للاعتقال أو القتل أو الاختفاء القسري أو “الانتحار”.

يمكن للروس أن يجبروا الأسد على اتخاذ قرارات استراتيجية في الحرب، أو منحهم امتيازات ثقافية واقتصادية ودينية مهولة في سوريا، ولكنهم لا يستطيعون بسط الأمن في البلاد. فأذرعهم الأرضية لا تكفي لمواجهة ميليشيات إيران، والعصابات المسلحة، ورصد تحركات خمس إدارات من الاستخبارات تمتلك خبرة خمسة عقود من ملاحقة السوريين ومطاردتهم حتى في أحلامهم.

ثمة من يمتلك رأيا آخر، ويقول إن روسيا فلاديمير بوتين قادرة على تقديم الضمانات اللازمة في هذا الشأن. ولكن ماذا عن الرئيس الخائف من تجدد التظاهرات ضده بعد عودة اللاجئين والنازحين. هل تكفل له روسيا عدم وقوع ذلك؟ هل تبدو تجربة درعا وغيرها من المناطق التي استردها النظام عبر المصالحات، مشجعة ويمكن الرهان عليها في إدارة البلاد من قبل “الأسود” ثانية؟

تدرك موسكو جيدا أن إعادة اللاجئين السوريين لم تنضج ظروفها المحلية والدولية. رد الاتحاد الأوروبي على المبادرة الروسية في هذا المسعى قال ذلك بوضوح شديد، فهي “سابقة لأوانها” برأي الممثل السامي للاتحاد. أما الولايات المتحدة، غير المهتمة بتاتا بهذه المبادرة قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات، فهي تعارض الفكرة طالما أن الأسد ومن خلفه الروس يرفضان إجراء أي تغيير في سوريا.

رفض الأميركيين للمؤتمر وحده يكفي لإفشاله، ولكن رفض الأوروبيين لا يقل أهمية ويبعث برسالة واضحة للروس خالفت توقعاتهم. فموسكو كانت تراهن على استغلال نقمة الغرب على اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية وأمنية، من أجل حشد القبول لخطتها في دفع عملية إعادة اللاجئين إلى واجهة الأزمة السورية، بدلا من إحداث تغيرات سياسية لا تفيدها ولا يريدها الأسد.

الأوروبيون متمسكون بموقفهم، على الأقل حتى تتضح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. صحيح أنهم ضاقوا ذرعا من الاستغلال التركي لورقة اللاجئين وابتزازهم بها منذ سنوات، إلا أنهم ما زالوا يفضلون مراحل الحل الأممي للأزمة في سوريا. فلا بد أولا من إنهاء الحرب وإجراء التغيير السياسي، ومن ثم يأتي دور إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين والنازحين إلى بلادهم.

قد يتبدل الموقف الأوروبي إن تبنت الإدارة الأميركية المنتخبة وجهة النظر الروسية. ولكن الأمر لن يكون بهذه البساطة. وطالما بقي الاعتراض الأميركي قائما، فلن يبارك أحد في المنطقة والعالم الخطوة. وبالتالي لن ينعم الأسد بتطبيع عربي، ولن يجمع أموالا يعيد بها بناء سلطته الضائعة وسيادته المهزومة. 

ولا شك أن السعي الروسي لتبديل الأولويات الدولية في حل أزمة سوريا من تعديل الدستور وتغيير السلطة إلى إعادة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين، يستند إلى تغير المزاج العربي من معاداة الأسد وموجة التطبيع التي تتسع رقعتها في المنطقة. فقائمة الخصوم في الشرق الأوسط قد تغيرت اليوم، وبات الأتراك والإيرانيون على رأسها، وخاصة بالنسبة لمصر وبعض الدول الخليجية.

ولا نذيع سرا بالقول إن السلام مع إسرائيل بات أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية في زمن ترامب، ولا أعتقد أنه سيصبح ثانويا إن جاء بايدن إلى الحكم. ولن يكون أمام الأسد سوى السلام مع إسرائيل ليستعيد شرعيته أميركيا. وعندما يفعل ذلك وتبارك واشنطن نظامه مجددا، ستفتح أمامه جميع الأبواب الموصدة عربيا ودوليا.

لن يتأخر الأسد، ولن يتردد في فعل ذلك ضمن اتفاق واضح المعالم مع إسرائيل، ترعاه أميركا وروسيا. لا يهم إن كان سيتخلى في هذا الاتفاق عن محور “المقاومة”، أو سيتخلى عن هضبة الجولان. المهم فقط هو أن يعاد الاعتراف به كرئيس، وتطلق يده مرة أخرى على السوريين. هذا ما يشغل الأسد على الدوام، وهذا ما تسبب في أزمة أفرزت اللاجئين الذين يحاول الروس إعادتهم.

من دون تنازلات كبرى في صياغة المعادلات الجديدة للمنطقة، سواء عبر إبرام سلام مع إسرائيل، أو فك الارتباط مع طهران، لن تقبل إدارة الرئيس ترامب بالتطبيع مع نظام دمشق مجددا. أما إن فاز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة فسوف تكون أمام الأسد فرصة للمماطلة وتأخير تنفيذ ذات الشروط التي لن تتغير حتى وإن عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي مع طهران.

لن ينجح المؤتمر الروسي في إعادة اللاجئين، أو تبديل بنود الحل السياسي للأزمة السورية. ليس فقط لأن موسكو لا تملك القول الفصل في هذه الأزمة، وإنما لأن العالم يعيش أولويات أخرى ويصوغ توازنات جديدة لا تكترث لملايين من البشر لا يزالون يفضلون اللجوء أو الموت على العودة إلى “الوطن”.

صحافي سوري

العرب

—————————

مؤتمر اللاجئين السوريين.. ورقة روسية لتحقيق مكاسب سياسية

رغم جهودها لعقد مؤتمر اللاجئين السوريين فشلت مساعي موسكو في ابتكار حلول سياسية واقعية ترضي أطراف الأزمة السورية وبقيت تتمسك بتكرار التكتيك نفسه.

ترى روسيا، الساعية إلى دعم حليفها في دمشق، أزمة اللاجئين السوريين ورقة يمكن من خلالها الضغط على تركيا وأوروبا والولايات المتحدة للتخفيف من شروطها التي وضعتها عقبة في وجه إنهاء النزاع المستمر منذ قرابة عشر سنوات. غير أن المراقبين يعتقدون أن مؤتمر اللاجئين السوريين الذي ترعاه موسكو لا يعدو أن يكون مدخلا مقابل خدمة تقدمها لنظام بشار الأسد لتحقيق مكاسب سياسية وربما أيضا ميدانية يمكن أن تستفيد من تبعاتها في حال حصلت متغيرات في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

دمشق/موسكو- بذلت روسيا قصارى جهدها لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين، الذي بدأ الأربعاء في العاصمة دمشق، حيث أوفد الرئيس فلاديمير بوتين، مبعوثه الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في زيارات مكوكية إلى كل من بغداد وعمّان وبيروت، لحشد تأييد للمؤتمر.

وطيلة الفترة الماضية، كثفت موسكو جهودها الدبلوماسية لعقد المؤتمر، بهدف إيجاد مسار جديد يطول لجولات عديدة، ويشغل الرأي العام، دون أن يكون له أثر مباشر على تغيير قواعد الاشتباك في سوريا، على غرار اجتماعات أستانة، التي أتاحت لموسكو فرصة الإمساك بخيوط الأزمة السورية.

ولكن يبدو أن مساعيها لم تنجح، ويعتقد الكثير من المراقبين أن موسكو تثبت مرة أخرى أنها عاجزة عن ابتكار حلول سياسية واقعية معقولة، ترضي أطراف الأزمة السورية، من خلال طرح الأفكار نفسها بنسخ متعددة.

وتسعى موسكو، منذ فترة، إلى تكرار التكتيك نفسه، لكن هذه المرة تحت عنوان “عودة اللاجئين”، مستغلةً الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وحالة اللامبالاة المزمنة عند الأوروبيين، وخروج جامعة الدول العربية من دائرة الفعل والتأثير.

وعلى النقيض، يعتقد شق من المحللين أن روسيا استطاعت بالفعل اللعب على وتر اللاجئين هذه المرة لجعل الكثير من السوريين الذين ضاقت بهم المخيمات إلى التفكير بجدية حتى يكونوا تحت مظلة النظام السوري بعد تركهم داعمو الإطاحة ببشار الأسد، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة و”ابنها المشاغب” تركيا.

ماذا تريد موسكو

أهداف روسية

• الاستفادة من الأموال التي ستجمعها من المؤتمر

• الالتفاف على قانون قيصر الأميركي

• إعطاء انطباع بأنها وصية على سوريا

تسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من خمسة ملايين و500 ألف لاجئ فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وبعد أن حقّق النظام السوري بعض المكاسب في العامين الأخيرين خاصة بعد أن بدأت الولايات المتحدة في الانسحاب من شمال سوريا، اتضح للعيان أن بشار الأسد يحاول اللعب على بعض القضايا الأخرى، لإضفاء شرعيته واختار بالتنسيق مع حليفته روسيا أزمة اللاجئين السوريين.

وقد اتهم الأسد في افتتاح المؤتمر المنعقد بقصر الأمويين للمؤتمرات دولا غربية، وأخرى في المنطقة، باستغلال أوضاع اللاجئين السوريين “أبشع استغلال وتحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”. وقال إن “موضوع اللاجئين في سوريا هو قضية مفتعلة، فتاريخ سوريا ولقرون مضت يخلو من أي حالة لجوء جماعية”.

وهذا الموقف يتسق مع ما تريد تحقيقه موسكو منذ فترة خاصة مع إضفاء المزيد من الضغوط على الأتراك الذين يحتلون شمال سوريا، مع تقويض أي دور أكبر لإيران، التي تعد حليفة مهمة بالنسبة لدمشق.

وثمة أهداف ترجوها روسيا من عقد مؤتمر اللاجئين السوريين وعلى رأسها الالتفاف على العملية السياسية حيث دأبت على الالتفاف على المسارات الأممية، التي تمنح المعارضة السورية نوعا من الندية مقابل نظام الأسد.

ويرى محللون أنه بعد فشل موسكو في عقد المؤتمر قبل عامين تكرر المحاولة اليوم لعقده دون أن تطرح أفكارا ومشاريع ورؤى جديدة، فهدفها هو حرف الأنظار عن العملية السياسية ولكن ذلك ليس كل شيء.

ويبدو أن الاستفادة من الأموال التي ستجمعها روسيا باسم اللاجئين السوريين، في تمويل نظام الأسد، الذي يبدو على وشك الإفلاس أبرز الأهداف، كما أنها ستعمل على الالتفاف على قانون قيصر، الذي يتضمن عقوبات أميركية على نظام الأسد ومعاونيه، عبر إدخال أو تهريب الأموال والمواد وجميع احتياجات النظام على أنها مساعدات للاجئين.

والأهم من ذلك هو إعطاء رسالة للعالم بأن سوريا تحت الوصاية الروسية، حيث حرصت موسكو على توجيه الدعوات للمؤتمر باسم وزارة الدفاع الروسية، وهذه مصادرة للقرار السوري الذي طالما تشدق الروس بشرعيته.

كما أن موسكو تريد حصر المساعدات المقدمة للاجئين السوريين عبر قنوات النظام فقط، بعد أن نجح الروس في إغلاق أحد المعبرين الإنسانيين في الشمال السوري، ليبقى معبرا واحدا.

ومنذ تدخلها العسكري في عام 2015 سعت روسيا إلى صياغة المشهد السوري بطريقة تمكنها من الإمساك بزمام الأمور واعتمدت على تفوقها الجوي، ودعم المليشيات الإيرانية على الأرض، واستخدام سياسة “الأرض المحروقة”، فاستطاعت قلب موازين القوى العسكرية لصالح النظام على حساب المعارضة.

وبعد تحقيق التفوق العسكري، وبينما اتبع الإيرانيون سياسة تهجير السكان من أرضهم، كما فعلت تركيا، حدثت أكبر عملية تغيير ديموغرافي في التاريخ الحديث، حيث دفعت تلك الدول بالملايين من سكان الغوطة وحمص باتجاه إدلب، التي بقيت من حصة المعارضة. وبالتزامن مع ذلك، أجرى الروس سلسلة من “المصالحات”، وهي عملية إخضاع لمن رفضوا التهجير القسري لسلطة نظام الأسد.

تنديد وغياب

ندد رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبدالرحمن مصطفى المدعومة من تركيا، بعقد المؤتمر واعتبره بمثابة خدعة مدبرة وقال إنه “يهدف للحصول على أموال من المجتمع الدولي تحت مسمى تأمين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار”، متهما روسيا بنهب تلك الأموال كتعويضات مقابل الدعم الذي قدّمته للنظام عبر قصف المدن السورية بشتى أنواع الأسلحة.

وترى منظمات حقوقية دولية أن توقّف المعارك في مناطق عدة في سوريا لا يعني أنها باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية وخشيتها من الانتهاكات.

وتجنب مبعوث الرئيس الروسي زيارة تركيا، رغم أنها تستضيف حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري، وهم أكثر من نصف اللاجئين السوريين، وترى المعارضة السورية عدم دعوة موسكو لكل من تركيا وأوروبا هو مؤشر على عدم الجدية، وعلى أن الروس لا يستهدفون حل مشكلة اللاجئين.

وفي خضم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة منشغلة بانتخابات الرئاسة، التي أُجريت في وقت سابق هذا الشهر ولم تعلن نتيجتها رسميا بعد، حيث لم يتسن لها إبداء موقفها من المؤتمر، ولكن في كل الأحوال لا تريد أن تتدخل في هذه الملف، حتى تبقى على حبل التواصل مع موسكو.

لكن المبعوث الأميركي لشؤون سوريا، جيمس جيفري، الذي أعلنت واشنطن استقالته الاثنين الماضي مع اقتراب تقاعده بنهاية نوفمبر الجاري ، قال مؤخرا إن “الحل في سوريا لن يكون إلا بموجب القرار الأممي 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية”.

وعقب إحاطة للمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أمام مجلس الأمن في 27 أكتوبر الماضي، أشارت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة إلى وقوف النظام السوري عائقا أمام جهود المبعوث الأممي لعقد الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية.

وطالبت البعثة نظام الأسد بالتوقف عن استهداف السوريين، الذين عادوا إلى مناطق سيطرته، وتهيئة الظروف التي تسمح للاجئين بعودة آمنة وطوعية وكريمة وفي الوقت المناسب إلى البلاد، في إشارة واضحة إلى صعوبة عودة اللاجئين من دون صياغة الحل النهائي.

وحاولت روسيا إقناع الأوروبيين بتمويل عملية إعادة الإعمار بحجة إعادة اللاجئين، لكن الموقف الأوروبي مثل موقف معظم دول العالم كان رافضا لبحث إعادة الإعمار قبل إنجاز التغيير السياسي وفق القرار 2254 وغيره.

لكن يبدو أنّ الروس مُصرون على الالتفاف على الإرادة الدولية، خصوصا بعد أن حققوا نجاحا جزئيا في اختزال العملية السياسية بالتركيز فقط على اللجنة الدستورية.

وتجنبت دول الجوار وخاصة العراق والأردن تقديم أي وعود بشأن المشاركة، وفي المقابل أظهر لبنان رغبة في الحضور من خلال تصريحات رئيسها ميشال عون، الذي أكد أن بلاده أبرز المتضررين من استمرار أزمة النازحين السوريين، وأنها لم تعد تحتمل هذا العبء لاسيما مع استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية في الداخل اللبناني.

وتشكل إعادة النازحين السوريين إحدى أولويات الرئيس اللبناني وحزبه التيار الوطني الحر وبالفعل جرى على مدار السنوات الماضية تنظيم عودة المئات على دفعات بعد تنسيق مباشر مع دمشق، بيد أن هذا المسار تعثر.

في المقابل فإن الأردن لا يبدو متحمسا لإعادة اللاجئين طالما ليس هناك أي اتفاق دولي، ويقول متابعون إنّ عمان ورغم حديث مسؤوليها المتكرر عن عبء اللجوء بيد أنها كانت في جانب كبير مستفيدة من الوضع على مستوى الدعم الدولي المادي في ظل الأزمة المالية التي تعانيها.

العرب

——————-

أي حلول عملية لعودة اللاجئين السوريين؟

دمشق- أثار مؤتمر اللاجئين السوريين الذي ينعقد في دمشق أسئلة حول مدى قدرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه على تقديم الحلول العملية لإنهاء الأزمة، وهو العاجز عن توفير أبسط مقومات العيش للسوريين الموجودين على أراضيه والذي يهدد الجوع أكثر من 85 في المئة منهم.

وانطلق، صباح الأربعاء، مؤتمر تنظمه سوريا بدعم روسي للبحث في قضية عودة اللاجئين الذين شردتهم الحرب وسبل توفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذا الغرض.

ويُعقد المؤتمر يومي الأربعاء والخميس في قصر الأمويين للمؤتمرات في دمشق، بحضور الأمم المتحدة بصفة “مراقب” ووفد روسي كبير وممثلين عن بعض الدول الحليفة لدمشق مثل فنزويلا وإيران والصين وعدد من الدول العربية بينها لبنان والعراق، فيما قاطعه الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية.

وخلال افتتاح المؤتمر، قال الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة عبر الشاشة “نحن اليوم نواجه قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق”.

واعتبر أن خطوات تسهيل عودة اللاجئين “ستكون أسرع كلما ازدادت الإمكانيات وازديادها مرتبط بتراجع العقبات المتمثلة بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تحرم الدولة من أبسط الوسائل الضرورية لإعادة الإعمار وتؤدي لتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي”.

ويبدو أن الأسد يحاول التملص من جميع جرائم الحرب والإبادة والتهجير القسري لملايين المدنيين من أبناء الشعب السوري، بعد قصف مناطقهم وتدميرها وحصارهم لسنوات.

وأكد الأسد أن بعض الدول قامت باحتضان اللاجئين انطلاقا من مبادئ إنسانية بينما قامت دول أخرى في الغرب وفي المنطقة باستغلال اللاجئين “أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”.

وأضاف أن الحكومات التي عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم، متناسياً ما فعله نظامه وآلة القتل التي استقدمها من دول عدة لمشاركته في قتل وتهجير الشعب السوري.

وتسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من خمسة ملايين و500 ألف لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة.

النزاع السوري تسبب في نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان النزاع السوري تسبب في نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان

وتزامن المؤتمر مع رفض كبير من الفعاليات الشعبية والأهلية خارج وداخل الحدود ومقاطعة غربية ورفض دولي واسع وسياسي من أقطاب المعارضة والمؤسسات الحقوقية السورية للمؤتمر ككل.

ورفع نشطاء وفعاليات مدنية في داخل سوريا وخارجها من النازحين واللاجئين وسما حمل عنوان #لن_نعود_والأسد_موجود تعبيرا عن رفضهم القاطع لأي حديث عن عودة اللاجئين قبل رحيل من تسبب بمعاناتهم ونزوحهم وعذاباتهم ممثلا بالأسد ونظامه.

وأصدرت العشرات من المؤسسات الثورية الرسمية والمدنية والحقوقية والأهلية بيانات عديدة، تعلن فيها رفض عقد المؤتمر بالمطلق، أو أي حديث عن عودة اللاجئين والنازحين السوريين تحت حكم الأسد ونظامه، مؤكدة مواصلتها الحراك الشعبي حتى رحيل من تسبب بتهجيرهم.

وبينت جهات حقوقية عديدة، أسباب وأهداف روسيا في عقد مثل هذا المؤتمر عن عودة اللاجئين في ظل أزمة اقتصادية ووضع معيشي هو الأسوأ في تاريخ سوريا، وما ترمي من التهرب من الاستحقاقات السياسية وملفات الحل السياسي السوري وسحب الدعم الدولي باسم إعادة الإعمار دون التزامها بأي من مقررات المؤتمرات الدولية، علاوة عن تعويم الأسد.

وقال الأسد، الاثنين، إن عودة اللاجئين تشكل “أولوية” لحكومته، معتبراً أن “العقبة الأكبر”هي العقوبات التي تفرضها دول غربية على بلاده، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وتسعى روسيا خلال وجودها في سوريا لتمكين نفوذها العسكري والاقتصادي، من خلال توقيع عقود طويلة الأمد مع نظام الأسد الذي تستغله روسيا للهيمنة الكاملة على الموارد الاقتصادية في سوريا، وتقدم له الدعم العسكري مقابل توقيعه تلك العقود وإتمام سيطرتها على القواعد العسكرية والمرافئ ومشاريع الفوسفات والنفط وغيرها من الموارد.

وتشارك موسكو في المؤتمر عبر ممثلين عن ثلاثين وزارة وهيئة حكومية.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، الذي تلقى عدد من أعضائه دعوات لحضور المؤتمر، عدم مشاركته. وقال وزير خارجيته جوزيب بوريل الثلاثاء إن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.

واعتبر أن عمليات العودة “المحدودة” التي سجلت خلال الفترة الماضية “تعكس العقبات الجمة والتهديدات أمام عودة اللاجئين والنازحين” وبينها “التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري”.

وتحذر منظمات حقوقية من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أنها باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية والخشية من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان.

واستعادت القوات الحكومية أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد من فصائل مقاتلة معارضة وتنظيمات جهادية.

وتشهد سوريا منذ بدء النزاع أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية التي تترافق مع انهيار قياسي في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين بات يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.

—————————–

مؤتمر اللاجئين..الأسد ينكر تهجيرهم ويطالب بفك الحصار لإعادتهم

قال رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال افتتاح المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين الأربعاء، إن قضية اللاجئين في سوريا هي “قضية مفتعلة”، مضيفاً أن “تاريخ البلاد يخلو من هجرة جماعية”.

وقال خلال المؤتمر الذي حضرته 6 دول عربية هي لبنان والصومال وفلسطين والعراق وموريتانيا وعُمان: “لأن الظروف الموضوعية لا تدفع باتجاه خلق حالة لجوء، كان لا بد من قيام الأنظمة الغربية بقيادة النظام الأميركي والدول التابعة له في جوارنا وتحديداً تركيا من خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين للخروج الجماعي من سوريا، لتكون مبرراً للتدخل في الشؤون السورية”.

وأضاف الأسد في كلمة عبر الفيديو، أن “بعض الدول قامت باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية بينما قامت دول أخرى في الغرب وفي المنطقة باستغلال اللاجئين أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”. وتابع أن الحكومات التي “عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم”.

وادعى الأسد أن النظام يعمل “من أجل عودة كل لاجئ يرغب بالعودة والمساهمة في بناء وطنه”، مضيفاً أن ثمة عقبات كبيرة أمام ذلك، “فإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قبل النظام الأميركي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية”. وقال إن الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج “راغبون في العودة إلى وطنهم”.

وخيّم الحضور المتواضع على أعمال المؤتمر الذي ضغطت روسيا بشدة لعقده ودعت دولاً ومنظمات غربية إليه، لكن تلك الدول رفضت الحضور إلى دمشق حيث يجري المؤتمر.

وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن انعقاد المؤتمر يأتي على الرغم من معارضة بعض الدول لذلك و”محاولاتها تسييس القضية”. وأشاد في كلمة ألقاها نيابة عنه في مستهل المؤتمر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، ببدء العمل على إعادة إعمار المناطق السورية التي “تم تحريرها من التنظيمات الإرهابية”.

واعتبر أن المساعدة في عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم بالاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، يعد بين أهم الخطوات لضمان الاستقرار طويل الأمد في سوريا. وأضاف أن حل هذه المشكلة يستوجب توفير الظروف المعيشية الكريمة لملايين السوريين، ما يحتاج إلى المشاركة الفعالة من قبل المجتمع الدولي بأكمله.

وفي السياق، دعا مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى إلى تفكيك مخيمات اللاجئين في سوريا، معتبراً أن الجماعات المسلحة تستخدمها كمصدر لتجنيد مقاتلين جدد.

وقال قائد المركز الوطني لإدارة الدفاع بوزارة الدفاع الروسية ميخائيل ميزينتسيف في كلمة خلال المؤتمر: “لا بد من ضمان تفكيك جميع المخيمات للنازحين داخلياً التي تمثل مصدراً للموارد البشرية بالنسبة للتشكيلات المسلحة غير الشرعية”.

وشدد على ما وصفه بأهمية التقيد الصارم بأحكام القانون الدولي وضمان “إعادة الأراضي المحتلة بطريقة غير قانونية تحت سيطرة الحكومة السورية الشرعية في أقرب وقت”.

كما دعا المسؤول العسكري إلى وقف سياسة العقوبات المتبعة إزاء سوريا، وفك تجميد حساباتها المصرفية، مضيفاً “من الأهمية إعادة توجيه جزء من برامج دعم السوريين المقيمين في الخارج لتأمين تحقيق إجراءات في سوريا لا بد منها لإعادة إعمار البنى التحتية اللازمة لاستقبال السوريين العائدين إلى وطنهم، وكذلك لتقديم مساعدات إنسانية لهم”.

العراق الذي كان من بين 3 دول عربية حضرت المؤتمر، ألقى كلمته القائم بالأعمال المؤقت للسفارة في دمشق ياسين الشريف قائلاً إن “الوفد العراقي المشارك في المؤتمر الدولي للاجئين، سيقدم دراسة بشأن إعادة تهيئة البنى التحتية المدمرة في سوريا وإعادة اللاجئين”.

وأضاف الشريف أن “العراق يعلن دائماً أنه مع العودة الطوعية للنازحين السوريين بما يخدم مصالح الشعب السوري الشقيق وأيضا مع الحل السياسي المؤدلج والذي من خلاله يتم حسم الأزمة السورية”. وأوضح أن مشاركة بلاده في المؤتمر الدولي للاجئين في دمشق تأتي ضمن سياسة العراق التي تتمحور على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحفاظ على سوريا أرضا وشعبا”.

بدوره، عّول كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية علي أصغر خاجي على ضرورة قيام المجتمع الدولي بعمل جاد والمساعدة في عودة اللاجئين السوريين من خلال تقديم المساعدات والتعاون في عملية إعادة الإعمار.

وقال خاجي إن تدفق “الإرهابيين” المدعومين من بعض الدول إلى سوريا أدى إلى سفك الدماء والدمار وتهجير ملايين السوريين قسراً، مضيفاً أنه بعد تحرير معظم الأراضي السورية من “الإرهاب” باتت الظروف مهيأة لهذه العودة وعلى المجتمع الدولي المساهمة الفاعلة والحقيقية فيها.

وقال خاجي إن “الجماعات الارهابية المدعومة من قوات الاحتلال الأميركي في منطقة التنف تواصل منع اللاجئين في مخيم الركبان من العودة إلى قراهم وبلداتهم”.

واقترح إنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار في سوريا مجدداً التأكيد على موقف إيران الثابت بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا ودعم شعبها في الحرب على الإرهاب حتى القضاء عليه.

المدن

————————

كلفة النزوح السوري: لبنان بحاجة لـ8 مليارات دولار إضافية!

بعد نحو 9 سنوات على النزوح السوري نحو لبنان بفعل الحرب في سوريا، ما زال الهاجس الاقتصادي يضغط بقوّة على لبنان، بفعل كلفة النزوح على الاقتصاد الداخلي. هذه الكلفة التي تتزايد بفعل ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة بين اللبنانيين والنازحين على حدٍّ سواء.

وهذا الهاجس كان محطّ نقاش أساسي مِن قِبَل الجانب اللبناني المشارك، عبر الفيديو، في مؤتمر عودة اللاجئين المنعقد في دمشق. فقد أشار وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال، رمزي مشرفية، إلى أنَّ “أكثر من 60 بالمئة من النازحين السوريين و80 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر”. وهذا ما يستدعي -حسب قول الوزير- تسريع عملية إعادة النازحين إلى سوريا. أمّا الاعتماد على المساعدات الدولية، فرأى مشرفيّة أنَّ “حاجات لبنان تفوق المساعدات التي تلقاها بثمانية مليار دولار”.

واعتبر مشرفية أنَّ “خطة عودة النازحين التي أقرتها الحكومة اللبنانية تتوافق مع المعايير الدولية، وتضمن حق النازح بالعودة محفوظ الكرامة إلى بلده”. ولَفَتَ مشرفيّة النظر إلى أنَّ “التجارب الدولية للحلول السياسية لعودة اللاجئين غير مشجعة، والعودة التلقائية مستمرة وتجري بتعاون وتنسيق بين الأمن العام اللبناني ونظيره السوري، وتراجعت نسبتها بسبب فيروس كوفيد 19 (كورونا)”.

ما أورده مشرفيّة، صحيح نسبياً، لكنه لا يعكس حقيقة الأمر. ذلك أنَّ السلطة السياسية اللبنانية استفادت كثيراً من النازحين السوريين، إذ استعملتهم ورقة بوجهين، تِبعاً لغَرَض كل فريق داخل السلطة، تارةً للضغط على نظام بشار الأسد، وتارة أخرى للضغط على المجتمع الدولي لتقديم المزيد من المساعدات التي تستفيد منها السلطة أكثر من النازحين، عن طريق تشغيل الكثير من جمعيات المجتمع المدني التابعة بشكل أو بآخر لأحزاب السلطة. وفي جميع الأحوال، استفاد اللبنانيون من تشغيل يد عاملة كثيرة في إطار تقديم وتوزيع المساعدات على النازحين. بالاضافة الى أنَّ انخراط النازحين في المجتمع اللبناني، أمَّنَ يد عاملة ذات كلفة منخفضة مقارنة بكلفة اليد العاملة اللبنانية التي يتهرَّب معظم أصحاب المصالح من توظيفها وتسجيلها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وسط غياب الرقابة.

عموماً، السلطة السياسية لم تنظّم دخول النازحين الى لبنان وتوزيعهم على المخيّمات أو داخل القرى والمدن، وهو ما خلق نوعاً من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، دفع ثمنها النازحون واللبنانيون على حدٍّ سواء. أمّا استسهال الحديث عن تسريع عملية إعادة النازحين، فهو خطاب شعبوي لا أكثر، لأن عودتهم عبارة عن ملفّ سياسي بامتياز، يلعب نظام الأسد وحلفائه في لبنان دوراً كبيراً في عرقلة إنجازه، ولا تقوى السلطة السياسية اللبنانية على اتخاذ موقف حاسم تجاهه.

أما بخصوص الأموال التي تطلبها الدولة من المجتمع الدولي، فعلينا تذكر أن دول العالم، بعد انفجار بيروت، حرصت أشد الحرص أن لا تتعامل مع الدولة اللبنانية ولو بقرش واحد أو بكرتونة مساعدات واحدة. فـ”السمعة العطرة” التي تتمتع بها مؤسسات الدولة والقيمين عليها معروفة تماماً من الجميع.

——————————

 دعم روسي ومقاطعة غربية لمؤتمر اللاجئين في دمشق

الأسد يحمّل العقوبات مسؤولية عدم عودة السوريين

دمشق – موسكو – لندن: «الشرق الأوسط»

انطلق أمس في دمشق مؤتمر تنظمه الحكومة السورية بدعم روسي للبحث في قضية عودة اللاجئين الذين شردتهم الحرب، ذلك وسط مقاطعة غربية وحضور عربي محدود.

ويُعقد المؤتمر يومي الأربعاء والخميس في قصر الأمويين للمؤتمرات في دمشق، بحضور الأمم المتحدة بصفة «مراقب»، ووفد روسي كبير وممثلين عن بعض الدول الحليفة لدمشق مثل فنزويلا وإيران والصين وعدد من الدول العربية بينها لبنان والعراق، فيما قاطعه الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية.

وخلال افتتاح المؤتمر، قال الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة عبر الشاشة: «نحن اليوم نواجه قضية مركّبة من ثلاثة عناصر مترابطة؛ ملايين اللاجئين الراغبين في العودة ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق».

واعتبر أن خطوات تسهيل عودة اللاجئين «ستكون أسرع كلما ازدادت الإمكانيات، وازديادها مرتبط بتراجع العقبات المتمثلة بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تحرم الدولة من أبسط الوسائل الضرورية لإعادة الإعمار وتؤدي لتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي».

وتسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس (آذار) 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من خمسة ملايين و500 ألف لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة.

وكان الأسد قال الاثنين إن عودة اللاجئين تشكل «أولوية» لحكومته، معتبراً أن «العقبة الأكبر» هي العقوبات التي تفرضها دول غربية على بلاده، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وتسعى روسيا منذ سنوات للحصول على دعم المجتمع الدولي من أجل إطلاق مرحلة إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، فيما تربط الجهات المانحة تقديم أي مساعدات بالتوصل إلى تسوية سياسية للنزاع. وتشارك موسكو في المؤتمر عبر ممثلين عن ثلاثين وزارة وهيئة حكومية.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، الذي تلقى عدد من أعضائه دعوات لحضور المؤتمر، عدم مشاركته. وقال وزير خارجيته جوزيب بوريل الثلاثاء إن «الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي».

واعتبر أن عمليات العودة «المحدودة» التي سجلت خلال الفترة الماضية «تعكس العقبات الجمة والتهديدات أمام عودة اللاجئين والنازحين»، وبينها «التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري».

وتحذر منظمات حقوقية من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أنها باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية والخشية من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان.

والقى الأسد باللوم على العقوبات الأميركية وضغوط واشنطن على الأمم المتحدة والدول المجاورة لسوريا في عزوف أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري هربوا من الصراع عن العودة. وقال الأسد خلال المؤتمر: «هناك عقبات كبيرة… فإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قبل النظام الأميركي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف لإعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمرها الإرهاب، بحيث يمكن للاجئ العودة والعيش حياة كريمة بظروف طبيعية».

وقوبل المؤتمر بمقاطعة من واشنطن والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول المجاورة لسوريا، التي تستضيف غالبية اللاجئين وعددهم 5.6 مليون لاجئ. ومن أصل 17 مليون سوري، هناك 5.5 مليون يعيشون كلاجئين في المنطقة، معظمهم في تركيا، وستة ملايين آخرين نزحوا داخلياً.

من جهته، أعرب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، شربل وهبة، عن أمله في أن يساهم مؤتمر اللاجئين بدمشق في إيجاد الحل لأزمتهم. ودعا وهبة، في كلمة عبر الفيديو في المؤتمر إلى «تكثيف الجهود الدولية لتأمين ضمان العودة الآمنة للنازحين السوريين»، مشدداً على «عدم ربط العودة بالحل السياسي».

من جهته، أعلن رئيس الوفد اللبناني إلى المؤتمر الدولي في دمشق، وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، رمزي المشرفية، أن «العودة التلقائية مستمرة وتجري بتعاون وتنسيق بين الأمن العام اللبناني ونظيره السوري، وتراجعت نسبتها بسبب فيروس (كوفيد – 19)».

وقال المشرفية إن «الحكومة اللبنانية أقرت خطة لعودة النازحين تتوافق مع المعايير الدولية وتضمن حق النازح بالعودة محفوظ الكرامة بالتنسيق مع الدولة السورية ورعاية المجتمع الدولي». ورأى أن «التجارب الدولية للحلول السياسية لعودة اللاجئين غير مشجعة».

الشرق الأوسط

————————

هشاشة اللجوء السوري في لبنان/ مصطفى أبو شمس و محمد كنعان

    التحدي الأكبر للاجئين السوريين في لبنان يتمثل حالياً، ببساطة، في البقاء على قيد الحياة.

    – دلال حرب، من وكالة إغاثة اللاجئين في بيروت.

يقف سليم الأحمد (لاجئ سوري من إدلب) أمام البنك اللبناني الفرنسي في النبطية (جنوب لبنان). يُقلّب بطاقة البنك حمراء اللون بين يديه، منتظراً في طابور طويل من النساء والرجال. يشد ظهره تارة وينحني أحياناً أخرى ليريح فقرات ظهره المتعبة، ويخفف قلق عدم وجود اسمه بين المشمولين بالمساعدات لهذا الشهر بعد أن وصلت إليه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، «شائعة» عن عودة أسماء قسم من المفصولين إلى قوائم المشمولين.

يتنازل سليم عن دوره لسيدتين تقفان خلفه ليمنحهما أولوية الوصول قبله إلى الكوة، فقد اعتاد الوقوف في مختلف الظروف المناخية، كما يقول، إذ يجهز نفسه للاحتمالات كافة معتمراً قبعته التي لا تفارق رأسه. فعل ذلك بدافع المروءة، إذ تصطحب إحدى السيدتين طفلها الرضيع وتنقّله بين يديها المتعبتين. ويحاول سليم أيضاً، كما أخبرنا، تأجيل شعوره بالخيبة إن لم تدفع له الكوة النقود.

لا توجد طريقة موحدة لنيل هذه المساعدات. هناك أشخاص يحصلون عليها، وآخرون في ظروف مشابهة لم يتم منحهم مثل هذه البطاقة مطلقاً، وهناك من تم فصله بموجب رسالة نصية. يتهيب جميع من يملك هذه البطاقة النظر إليها وهم ينتظرونها بداية كل شهر خوفاً من إبعادهم. ويحصل كل فرد من اللاجئين بموجب هذه البطاقة على 27 دولاراً تساعده على أعباء الحياة القاسية في لبنان. يقول من تحدثنا معهم في الطابور الطويل إن هذه المساعدات «لا تعترف بسعر الصرف»، إذ يتم تسلمها بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي المحدد بـ 1507 ليرة مقابل كل دولار، علماً أن سعر الصرف المحدد من قبل الدولة للبنوك والصرافين يزيد عن ضعف هذا المبلغ، أما في السوق السوداء فيتجاوز أربعة أضعاف السعر الرسمي.

يتناقص عدد الحاصلين على المساعدات الأممية عاماً بعد عام، ومع انتشار فيروس كورونا وتفجير بيروت ازداد هذا العدد مع تراجع فرص العمل وغلاء الأسعار إثر انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، والتي فقدت نحو خمسة أضعاف قيمتها.

رمى سليم الورقة التي منحتها كوة الصراف الآلي له على الأرض. أخبرنا أنه لم يجد رصيداً في بطاقته، كل ما يملكه داخلها يساوي ثمن ثلاث ربطات من الخبز، تحتفظ به ماكينة الصرف كحد أدنى من النقود المصرح إخراجها. يقول إنه حلم أن تَصدُقَ الشائعات، ليتمكن من دفع أجرة طبيب المفاصل التي ترتفع طرداً مع الدولار.

أسندَ ظهره بيديه ليتمكن من متابعة سيره. الألم أسفل الظهر لا يفارقه، ويقول إنه حصل عليه من مهنته الجديدة في «تلطيش الحجارة»، والتي فقدها هي الأخرى منذ أشهر بعد أن فقد وظيفته الأساسية في مطعم للوجبات الشرقية في بلدة الصرفند. حاول البحث عن عمل طوال العام الماضي يتناسب مع وضعه الصحي، دون جدوى، فيما تَظهرُ شقوقٌ عميقة على يديه وسحنةٌ سمراء غامقة على وجهه من أشعة الشمس، تؤكدان كلامه.

في الأشهر الأخيرة أصبح وضع السوريين في لبنان أكثر هشاشة، «إذ يواجه لبنان واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث» بحسب وكالة فرانس برس. تزامن ذلك مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية لقيمتها. رافق هذه الأزمة شلل اقتصادي في معظم القطاعات الصناعية والزراعية وأعمال البناء، وتم تسريح آلاف العمال الذين كانوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. وفاقمت جائحة كورونا وتفجير بيروت أزمة العمال في لبنان، بعد توقف قسم كبير من المعامل والورش والمقاهي التي كانت تستقطب السوريين للعمل فيها.

زراعة.. نظافة.. بناء

    الاتهامات الشعبوية التي تدّعي أن المهاجرين يسرقون وظائف اللبنانيين تغفل عن حقيقة أن أرباب العمل اللبنانيين يوظفون بمنتهى السرور العمال الأجانب، لأنهم يدفعون لهم أجوراً أقل بكثير من التي سيدفعونها للعمال اللبنانيين، ولأنّهم لا يسددون اشتراكات الضمان الاجتماعي الخاصة بهم.

     – الأستاذة والمحاضرة الجامعية سوسن عبد الرحيم.

يعمل معظم اللاجئين السوريين في لبنان داخل سوق العمل غير الرسمي، حيث ينتشر الاستغلال والأجور المنخفضة. إذ يسمح قانون العمل اللبناني للسوريين بالعمل بشكل قانوني في ثلاث قطاعات فقط: الزراعة والبناء والتنظيف. أما الحصول على تصاريح عمل في قطاعات أخرى فيكاد يكون مستحيلاً، ويشكل التنافس على العمل المصدر الرئيسي للتوتر بين السوريين ومضيفيهم اللبنانيين.

توضح دراسة للجامعة الأميركية في بيروت بعنوان «اللاجئون صانعو المدينة»، أنه ومنذ اعتماد ورقة سياسة النزوح السوري إلى لبنان عام 2014 أصبح الإطار القانوني اللبناني، يُحرِّمُ وجود وعمل السوريين في لبنان، بشكل مقصود، عبر جعل العمل والعيش في البلاد بشكل شرعي مستحيلاً لهم.

وتقول الدراسة إن اللاجئين السوريين أكثر هشاشة في لبنان اليوم، وأكثر عرضة لأشكال متعددة من الإساءة من قبل رب العمل والجيران وصاحب المنزل والشرطة، وذلك عبر الدمج بين فكرتين «تجريم اللاجئين ودفعهم خارج صفة اللجوء».

أبو خليل لاجئ سوري كان يعمل بصفة أمين مستودع في شركة تختص بصب البيتون وبيع أدوات البناء، وهو ما ساعده على إخراج تصريح قانوني بالعمل، إذ تم تسجيله كعامل بناء، في حين يمنعه القانون اللبناني من العمل كأمين مستودع.

يقول أبو خليل، ذو الخمسين عاماً: «كنت أتقاضى نصف أجرة الموظف اللبناني الذي كان قبلي، لكن انهيار قطاع الإنشاءات وتراجع مشاريع البناء أديا إلى تسريحي من العمل، وخفض رواتب باقي العمال السوريين. بقيتُ أشهراً أبحث عن عمل، لكن دون جدوى».

لم يكن أبو خليل يعلم أن شراءه لعربة الخضار، بفضل ما جادت به جيوب أقربائه في الخارج، وبيعها في أحد شوارع مدينة النبطيّة سيجعلانه خارج نطاق الأعمال المخصصة للسوريين. يخبرنا أن الوشاية وعدم امتلاكه الواسطة «الثقيلة» على حد قوله تكفّلا بمصادرة العربة وتوبيخه من قبل شرطة البلدية: «بس أخدوا العرباية شلعولي قلبي، ما معي خبر أني ممنوع اشتغل بياع خضرة».

تحدد الدراسة أن 92 بالمئة من السوريين الناشطين اقتصادياً في لبنان يعملون بشكل رئيسي في أعمال لا تتطلب مهارات مرتفعة، وبشكل غير نظامي، ومن دون عقود قانونية، في قطاع الزراعة والخدمات الفردية المنزلية، وعلى نطاق أضيق في قطاع البناء.

ليس لدينا خيار آخر

    القوانين متغيرة وغير واضحة، ما يجعل المسار القانوني غامضاً لأغلبية اللاجئين».

     – من الدراسة التي أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت.

خلصت الدراسة السابقة إلى أن «المسار القانوني يحبس اللاجئين في طريق لا يمكن الحيد عنها»، إذ يتعين على اللاجئين السوريين الفاقدين لأعمالهم العيش في لبنان دون إقامة نظامية. فبمجرد التوقف عن العمل لدى الكفيل لن يستطيع أحد أن يكفل اللاجئ بعدها. وإن حصل على عمل، فقانون الكفالة المعقد يستوجب مغادرة العامل السوري خارج لبنان في حال نقل كفالته إلى اسم كفيل آخر. وهو شرط «شبه مستحيل» نظراً لعدم قدرة أغلب السوريين الحصول على تأشيرات سفر خارج لبنان أو العودة إلى سوريا. ويخسر المواطن السوري بمجرد تأمين الكفالة صفة اللجوء، ولا يمكنه استعادتها حتى بعد انتهاء الكفالة أو الإقامة لمدة عام.

حرمان السوريين من الإقامة النظامية يضعهم في موضع هشاشة، ويفتح المجال أمام تعنيفهم واستغلالهم من قبل أصحاب النفوذ، وفرض شروط قاسية على العمل والمسكن، مما يضعهم أمام تحديات قاسية في الحياة اليومية. أبرز هذه التحديات هي الحد من إمكانية التنقل نتيجة الخوف من التوقيف، وما لذلك من آثار على إمكانية تأمين المعيشة وتعليم الأطفال.

بسام العمر هو لاجئ سوري كان يعمل في بستان للحمضيات في مدينة صور براتب شهري، ويعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة في غرفة داخل البستان. مع اشتداد الأزمة المالية وانسداد أفق الحل قرّر صاحب البستان بيعه واللحاق بأولاده إلى كندا. اشترط المالك الجديد على العمر أن يعمل مقابل السكن والسماح له بالعمل خارج الحقل «يومين في الأسبوع» ليؤمن لقمة عيشه.

يقول بسام إن ارتفاع أجور السكن وانعدام فرص العمل دفعاه للقبول بعرض المالك الجديد الذي يراه «استغلالاً له»، خاصة بعد أن بلغت كلفة أجار المنزل وما يرافقها من فواتير الكهرباء والمياه واشتراك المولّد ما يعادل الحد الأدنى من الأجور في لبنان (675 ألف ليرة لبنانية). ويضيف أن أصدقاءه كانوا يصفونه بـ«المحظوظ»، فجيوبه في غنى عن دفع تلك الفواتير: «أمسكني من اليد التي تؤلمني. وضعني أمام الاختيار بين أمرين أحلاهما مرّ. اخترت أن أبقى وأعمل عشرين يوماً مقابل السكن في هذه الغرفة»، يقول بسام.

ويقول صقر العلي، وهو لاجئ في لبنان منذ سبع سنوات، إنه يعيش دون أوراق نظامية. «إقامتي كاسرة، ويتوجب عليَّ للحصول عليها دفع مبالغ مالية ليست باستطاعتي، هذا إن استطعت تأمين من يكفلني وبلد تمنحني تأشيرة مرور».

يخبرنا صقر أنه يتجنب المرور في الشوارع الرئيسية، وغالباً ما يلجأ إلى طرق فرعية يمر بها خوفاً من ترحيله إلى سوريا، حيث سيواجه الاعتقال أو أقلّه «الخدمة الإلزامية».

كان رب العمل، صاحب ورشة خياطة في بيروت، قد تخلّى عن صقر وسبعة سوريين آخرين منذ بداية جائحة كورونا. ويقول صقر إنه يعيش اليوم «عالة» على أخيه الذي يقيم في ألمانيا، وأن ما يرسله له يسمح بدفع أجرة المنزل وبعض الطعام، ويساعده في ذلك ارتفاع سعر الصرف.

من جهته، اتجه أبو أحمد للبحث عن عمل موسمي في قطاف الزيتون بعد أن تخلى عنه صاحب عمله في ورشة الأحذية بعد تفجير بيروت. يقول إنه كان يتقاضى نحو 800 دولار، أما اليوم فلا يزيد دخله عن مئة وخمسين دولاراً من عمله الجديد.

الجوع أشد قسوة من كورونا

    نسبة اللاجئين المجبرين على العيش في فقر مدقع تصل إلى أكثر من 75 بالمئة».

    – دلال حرب، من وكالة إغاثة اللاجئين في بيروت.

قدّرت ميراي جيرار، ممثلة المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، عدد المسجلين لدى المفوضية من اللاجئين السوريين بـ 880,414 لاجئاً. تزيد هذه التقديرات بحسب الحكومة اللبنانية لتصل إلى مليون ونصف مليون لاجئ في عموم البلاد.

وتقول جيرار في تقرير نشره موقع الجزيرة: «إن عدداً أكبر من اللاجئين يرددون أنهم يخشون الموت جوعاً أكثر من خوفهم من فيروس كورونا. إذ كشف مسح أجرته المفوضيّة في نيسان الفائت أن الجوع نال من 70 بالمئة من اللاجئين. وأن الكثيرين عاجزون عن شراء حتى الصابون».

يعتمد القسم الأكبر من اللاجئين على أعمال مياومة «غير دائمة» وموسمية، تأثرت مباشرة بالإقفال العام وفرض الحجر الصحي في البلاد. فضلاً عن أن هذه الأعمال لا توفر مردوداً مادياً جيداً، كونها غير مستقرّة، كما أنها لا تحمي اللاجئ من الطرد التعسفي أو الاستغناء عنه في أي لحظة، مما يضعه أمام مشكلة حقيقية تبدأ بالبحث عن عمل جديد.

«أولادي ماتوا من الجوع. عددهم أربعة. لا أستطيع إطعامهم. فقط ساعدوني لإطعام أولادي ولا أريد شيئاً آخر»، قالها اللاجئ رياض ديبو (43 عاماً) بعد أن قام بسكب مادة البنزين على جسده وإحراق نفسه أمام مكتب مساعدات الأمم المتّحدة في منطقة المعرض بطرابلس، وإنهاء حياته.

رياض كان قد فقد عمله في قطاع البناء بسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، وبالتالي فقد المردود المادي الأساسي الذي يخوله دفع إيجار المنزل وشراء الطعام لعائلته، إذ وجد نفسه محاصراً بالبطالة والفقر والجوع، قبل أن يفكر بخطر الإصابة بفيروس كورونا.

من جهتها، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش عبر موقعها الإلكتروني إجراءات حظر التجول المفروضة على السوريين في عدد من البلديات اللبنانية لا يقل عددها عن 330. ووصفت هذه الإجراءات بالتمييزيّة لاعتبارها مخالفة للالتزامات الحقوقية  لدولة لبنان. ووفقاً للأمم المتحدة فإن نسبة الفقر بعد جائحة كورونا ارتفعت من 55 بالمئة إلى 75 بالمئة.

ويتحدث التقرير عن مسح أجراه المجلس النرويجي للاجئين في آذار الفائت، بيّنَ أن 81 بالمئة من اللاجئين لا يعملون. وذكرت سماح حديد من المجلس أن التداعيات الاقتصادية لكورونا أدّت لزيادة تعرُّضِ العائلات لخطر طردهم من منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجارات. وهذا ما أكده كثيرون ممّن تحدثنا إليهم، ومنهم سمير الحازم، الذي لم يعد يستطيع تدبير نفقات الحليب والحفاضات لطفله المولود حديثاً، مع محاولاته الدائمة للتغيير في سلم أولويات المعيشة منذ بداية الأزمة، فضلاً عن خسارته لعمله في ورشة للحدادة.

يرى الحازم أن سياسة التقشف التي ابتكرها بمساعدة زوجته لم تعد تجدي أمام الغلاء المرعب للسلع الأساسية والفواتير القاصمة للظهر، حسب وصفه. وما زاد الطين بلّة سياسة الإقفال العام وحظر التجول الذي تنفذه البلديات.

تورد إحصائية للجامعة الأميركية في بيروت أن السوريين يدفعون نحو 378 مليون دولار سنوياً كإيجارات لمنازلهم، واستطاعوا تأمين نحو 12 ألف وظيفة خلال العام ذاته.

ويقول علي خطاب، وهو عامل في ورشة بناء في الجنوب اللبناني، إن معظم من يعرفهم من أصدقائه لم يعد بإمكانهم دفع إيجار منازلهم: «أغلبهم عليه كسر لشهرين أو أكثر، وقسم منهم تخلوا عن منازلهم واتجهوا للعيش في أماكن أخرى، كالبيوت غير المكسوة والخرابات، وداخل البساتين التي تمنح العاملين فيها غرفة للسكن مقابل أجر أقلّ أو بمقايضتها بساعات العمل».

كان أصحاب العقارات، مع الأزمة المالية التي عصفت بلبنان، قد رفعوا إيجارات المنازل، بحسب خطاب، الذي يرى أن هذا الارتفاع «محق» لكنه يأتي في ظروف غير طبيعية، وضمن قرارات منع العمل وتوقف معظم الورش والمطاعم التي يعمل بها السوريون.

يدفع علي نحو 300 ألف ليرة لبنانية كبدل إيجار لمنزله. يخبرنا أن هذا المبلغ كان يساوي نحو مئتي دولار سابقاً، أما اليوم فهو لا يساوي خمسين دولاراً بسعر الصرف، لكن أرباب العمل ما زالوا يدفعون «أجرة العامل» بالليرة اللبنانية دون زيادة، وهو ما خلق هذا الفارق بين ما يحصل عليه اللاجئ وما يدفعه.

حالة التعبئة العامة وحظر التجوّل تفقر اللاجئين

    21 بلدية على الأقل فرضت شروطاً تمييزية بحق اللاجئين السوريين لا تنطبق على السكان اللبنانيين.

    – هيومن رايتس ووتش في نيسان 2020.

يقول خالد، وهو رب أسرة مكوّنة من ستة أفراد، إنه اختار العمل بشكل مياومة. يخرج صباحاً إلى ساحة بلدة حارة صيدا، حيث يجتمع العمال وينتظرون قدوم أي شخص بحاجة لعامل أو أكثر، إذ يجدون في هذه الأعمال المسمّاة بالعاميّة «حرتقة»، رغم مشقتها، فرصة للحصول على المال فور الانتهاء، زيادة على أنها لا تحتاج إلى تصاريح مزاولة مهنة.

ويبدي خالد امتعاضه من سياسة الإقفال العام التي لا تنتهي: «تقريباً كل شهر ونصف الشهر هناك إقفال لمدة خمسة عشر يوماً. ومؤخراً لم تعد تسمح لنا البلدية بالدخول إلى الساحة، مبرزة حججاً منها فرض حظر التجول، وعدم تجمع العمال، وتطبيق الإجراءات الوقائية الخاصة بكورونا».

ويقول سمير، وهو من عمال الساحة أيضاً: «إذا ما متنا بكورونا بدنا نموت من القهر والجوع. تراكمت علينا ديون بمئات الدولارات، والحصة الأكبر فيها لإيجار المنزل. قبل يومين أنذرني صاحبه بأنه سيطردني إن لم أسدد ما علَيّ. الغصة التي في جوفي تكبر مع عدم  تقدير أصحاب البيوت وأرباب العمل لوضعنا، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر».

يتابع سمير: «ثلاثة أشهر وشركة التنظيف التي أعمل فيها لم تعطني ليرة واحدة، كانوا كل مرة يقول لنا بعد اتّصالنا بهم: بس يصير شغل منتواصل معكم». بقى سمير عاملاً بهذه الشركة بالاسم وبدون أي راتب أو تعويض، مما اضطره للنزول والبحث عن عمل الساحات لنفس الأسباب التي تحدث عنها خالد.

الأسعار بالنار ولا نقبض بالدولار

    إن أوضاع اللاجئين السوريين من أسوأ ما حدث في أعقاب الانفجار، فقد أصبحوا بلا مأوى للمرة الثانية. بعد الانفجار ركزت الكثير من وسائل الإعلام على أرواح اللبنانيين التي فقدوها، لكن السوريين تأثروا بشدة أيضاً.

    – جيهان قيسي، المديرة التنفيذية لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية، في موقع نون بوست.

 حالة الفقر والتخبط والبحث عن أساليب البقاء تأثّرت بشكل كبير بانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار، فبعد أن كان الدولار الواحد يساوي ألف وخمسمئة ليرة يتراوح اليوم بين سبعة إلى تسعة آلاف ليرة.

أثّر كل من فيروس كورونا وما سببه من شلل اقتصادي، والانفجار الهائل والمحزن في مرفأ بيروت وتداعياته، في استقرار سعر الصرف وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضياع آلاف فرص العمل.

يقول معظم من تحدثنا إليهم إن كل شيء في لبنان ارتفع ثمنه لأضعاف. لكن أجرة العمال  بقيت على حالها وبالليرة اللبنانية. وتتراوح أجرة العامل اليومي بين 25 ألف و30 ألف ليرة لبنانية، ما يساوي الآن أقل من أربعة دولارات حسب سعر السوق السوداء. يشكو كثير من اللاجئين من عدم قدرتهم على تأمين متطلبات الحياة اليومية.

يخبرنا أبو علي أنه قام الشهر الفائت ببيع التلفاز والدراجة الهوائية التي اشتراها لابنه السنة الفائتة، لدفع الفواتير المترتبة عليه وشراء بعض الحاجيات الأساسية للمنزل، كقارورة الغاز، في حين خفض كمية المواد الغذائية لكي تكفيه نقوده. ولا يعلم أبو علي ما قد يبيعه في الأيام القادمة من أجل البقاء.

سنستعرض أسعار بعض المواد الغذائية التي تحتاجها كل عائلة مع تبيان السعر قبل الأزمة وبعدها بالليرة اللبنانية (كيلو الشاي 11000 – 70000. كيلو السكر 1000 – 3500. كيلو الأرز 1250 – 3750. صحن البيض 5000 – 20000. لتر زيت دوار الشمس 1500 -8000. علبة حليب الأطفال 8500 – 46000. كيلو البرغل 1500- 7000. كيلو السمن 5000 – 25000).

حوالات اللاجئين شبه معدومة من لبنان

     نحن الآن ننتظر أي مساعدات. لم يعد بمقدورنا مساعدة أهلنا في الداخل

    – محمد السمير، لاجئ في لبنان من إدلب.

تتشابه الأحوال الاقتصادية للاجئين السوريين في لبنان مع النازحين داخلياً في مخيمات وقرى الشمال السوري، بعد تَحوّل معظمهم إلى عاطلين عن العمل وتضاعف أسعار المواد الاستهلاكية والمرافق الحياتية. بات همّ الجميع البحث عن طريقة للعيش لتمضية أيامه دون القدرة على مساعدة من يلوذ بهم من عائلات وأقرباء.

يقول السمير إنه، وللمرة الأولى منذ تسع سنوات قضاها في لبنان لاجئاً، يطلب من إخوته ثمن محصول أرضه في إدلب. كان دائماً يتركه لهم ليساعدهم على تحمل أعباء الحياة، إضافة لما يرسله لهم من نقود شهرية.

يضيف: «كان طلبي يشبه طلوع الروح». فموسمه الذي بيع بمبلغ لا يتجاوز 400 دولار، أي أقل من نصف راتبه حين كان يعمل في مكبس للقرميد، أصبح يشكل فارقاً اليوم، خاصة وأن عليه دفع مستحقات الإيجار المتراكمة عليه منذ أشهر.

ويقول مجد الفارس إنه كان يرسل لأهله في إدلب 150 دولاراً شهرياً، تمكنهم من تدبّر أنفسهم وتأمين احتياجاتهم وقوت يومهم. كان يعمل مدة تسع ساعات تحت الشمس في صب قوالب « البوردير». لكن لبنان لم يعد كالسابق، بحسب مجد، فحالة الشلل الاقتصادي جعلته يجني ما يشتري به طعامه وإيجار غرفته والفواتير المترتّبة عليه.

يقول مجد: «كنت أتقاضى شهرياً نحو 500 دولار. أما الآن فراتبي لا يساوي أكثر من 75 دولاراً، أيام العمل تقلصت للنصف، ونحن في الصيف، ولا نعرف ما يخبئ لنا هذا الشتاء».

يقدر فادي السكّاف، الذي يعمل في تحويل الأموال، انخفاض نسبة التحويلات المالية بنحو 90 بالمئة عمّا كانت عليه سابقاً، ويخبرنا أن طريقة جديدة للتحويل وهي «التضامن العوزي» حلت كبديل للتحويلات الاعتيادية. ويشرح السكاف هذا المصطلح باشتراك عدة أشخاص لإرسال حوالة مالية قدرها مئة دولار، فمن يملك اليوم مئة دولار بات بحوزته «غنيمة»، على حد وصفه. أما في السابق فكانت تمثل أقل الحوالات المرسلة.

بقيت أجور الحوالات المالية على حالها، بالرغم من غلاء كل شيء، إذ تتقاضى المكاتب نحو 6 دولارات عن كل 100 دولار، وتتناقص بحسب حجم المبلغ لتبلغ 25 دولاراً عن كل ألف دولار.

العودة أو المغادرة سيناريوهات لا تقل رعباً

يقف لبنان عند مفترق طرق. الأحداث الأخيرة تهدد بالانجراف المتزايد نحو زيادة الزعزعة في استقرار البلد وتقويض وضع جميع المقيمين في لبنان بمن فيهم السوريون. وقد حجبت الأزمة الحالية الاهتمام بقضية اللاجئين السوريين والضغوط من أجل عودتهم، إلا أنه من شبه المؤكد أن موضوع عودة اللاجئين سيكون أولوية بالنسبة للحكومة الجديدة.

ويعيش في لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري بحسب مفوضية الأمم المتحدة. وتعاني البلاد من بنية تحتية متداعية وتفتقر إلى الخدمات العامة الكافية، بما فيها الكهرباء والمياه والنقل والصرف الصحي. هؤلاء اللاجئون يعيشون في مدن وبلدات أو مخيمات أقيمت عشوائياً وبشكل تلقائي. ويعيش أكثر من 63 بالمئة منهم في شمال لبنان ووادي البقاع في الشرق، وهما من أكثر المناطق تهميشاً في البلاد، وفق المفوضية.

ما يثير قلق اللاجئين هو تحميلهم المسؤولية عن كثير من مشاكل البلد، إذ عانوا من حملات إعلاميّة عنصرية، بالإضافة إلى هدم الملاجئ والترحيل والانتهاكات.

يرغب جميع من تحدّثنا معهم بمغادرة لبنان. ويرون أنفسهم عالقين دون حقوق في العمل والتعليم المناسب، وحتى التنقل بسبب نظام الكفالة وحظر التجوّل في وجود كورونا. لقد أتوا إلى لبنان بإراداتهم هرباً من الموت والجوع، لكنهم لا يستطيعون أن يعودوا بأمان حتى وإن كانوا على استعداد لذلك.

موقع الجمهورية

————————–

“تجهيزاً لاستقبال اللاجئين”..المشاركون في مؤتمر دمشق يتفقدون مراكز “حرجلة”

أجرت الوفود المشاركة في “مؤتمر اللاجئين” في دمشق، جولة على مراكز إيواء حرجلة في ريف دمشق، والتي أعدها النظام لاستقبال اللاجئين الراغبين بالعودة، على حد تعبيره.

وذكرت وكالة أنباء النظام (سانا)، أن المشاركين في المؤتمر أجروا جولة، اليوم الخميس، على مراكز إيواء حرجلة بريف دمشق، وتم توزيع المساعدات على المقيمين فيها وحضور الفعاليات.

ويأتي ذلك خلال اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر الذي ترعاه روسيا ونظام الأسد، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والذي يهدف لتقديم التسهيلات اللازمة لعودة اللاجئين، وفق رواية النظام وحليفه الروسي.

وأعلنت حكومة النظام عن دفعة جديدة من المساعدات الروسية المقدمة لمراكز إيواء “حرجلة”، حيث تم توزيعها على هامش فعاليات مؤتمر اللاجئين، اليوم.

وتقع مراكز إيواء حرجلة جنوبي محافظة ريف دمشق، وتبعد مسافة 20 كم عن مدينة دمشق، وتتبع إدارياً لناحية الكسوة.

وسبق أن استخدم نظام الأسد مراكز إيواء حرجلة لإيواء أهالي الغوطة الشرقية، بعد سيطرته على المنطقة عام 2018، حيث تحولت تلك المراكز لسجن كبير يضم العائلات المهجرة من الغوطة، تحت إشراف روسيا، التي أعلنت افتتاح “ممرات إنسانية” لخروج سكان الغوطة عقب عملية عسكرية دامية شهدتها المنطقة.

كما استخدم النظام مراكز “حرجلة” عقب انتشار فيروس “كورونا” في مناطق سيطرته، حيث تحولت لمراكز حجر صحي للمصابين بالفيروس.

وتشير تصريحات حكومة النظام إلى أن مراكز “حرجلة” ستكون مقراً للاجئين الراغبين بالعودة إلى سورية، عقب مؤتمر اللاجئين المنعقد في دمشق.

حيث قال محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم في تصريح لموقع “سيريانديز”، أمس الأربعاء، أنه سيتم تجهيز مراكز إيواء حرجلة وعدرا لاستقبال الأسر العائدة من الخارج، ريثما يتم تجهيز البنى التحتية في مناطقهم بشكل كامل، على حد قوله.

يُشار إلى أن وفوداً محدودة المشاركة توافدت، أمس، إلى العاصمة السورية دمشق لحضور المؤتمر الذي يرعاه نظام الأسد وروسيا، والذي يهدف لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين، وفق رواية الأخيرين.

ومن بين الدول المشاركة سلطنة عُمان ولبنان وروسيا والصين وإيران وباكستان، حيث وجه النظام دعوة لجميع الدول باستثناء تركيا، فيما رفضت دول الاتحاد الأوروبي المشاركة، وكذلك رفضت كندا والولايات المتحدة.

وأثار المؤتمر تنديداً حقوقياً، حيث انتقدت منظمات مجتمع مدني، حقوقية وإعلامية وإنسانية وغيرها، ما سُمي بـ” مؤتمر اللاجئين”، معتبرةً أنه “رغم كل الإجرام والوحشية التي مارستها روسيا لمحاولة إنقاذ نظام الأسد، تدعو اليوم وبمنتهى الوقاحة لعقد مؤتمر للاجئين متناسية منع نظام الأسد للسوريين من دخول مناطقهم والعودة لبيوتهم”.

—————————————–

مؤتمر روسيا والأسد لـ”عودة اللاجئين”..ما أهدافه ولماذا الآن؟

“قضية إنسانية” و”مسألة وطنية”، شعارات رفعها نظام الأسد، هذه الأيام، بعد 9 سنوات من التشريد والتهجير وأزمات اللجوء والنزوح التي سبّبها لما يزيد عن 6.7 مليون لاجئ ونحو 7 ملايين نازح حسب أرقام الأمم المتحدة.

“الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم وأكثر من أي وقت مضى راغبين في العودة إلى وطنهم، لأنهم يرفضون أن يكون رقماً على لوائح الاستثمار السياسي”، بهذه العبارة افتتح رأس النظام، بشار الأسد، مؤتمر اللاجئين الذي يرعاه وروسيا في دمشق، زاعماً فتح أبوب سورية، أمام اللاجئين وتقديم التسهيلات اللازمة لعودتهم، بعد سنوات لم يبدِ فيها النظام أي بادرة بهذا الملف.

وكذلك فإن النظرة العامة في التصريحات السابقة المنسوبة لمسؤولين في نظام الأسد، تشير بشكل أو بآخر إلى عدم رغبة النظام فعلياً بعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، التي شهد بعضها تغييراً ديمغرافياً، وذلك تحت مسميات ومبررات عدة، أبرزها أن هؤلاء اللاجئون لم يدافعوا عن وطنهم وقت الشدة، وأنهم لجؤوا لدول رعت “الإرهاب” في سورية وحرضتهم ضد دولتهم، وفق رواية النظام.

أهداف “غير مُعلنة” وراء المؤتمر

رغم المشاركة الدولية الخجولة في مؤتمر اللاجئين المنعقد حالياً في دمشق، والتي اقتصرت على الدول الصديقة للنظام (روسيا- إيران- الصين)، وبعض الدول العربية ذات الثقل الضعيف في الملف السوري (لبنان- عُمان- الإمارات)، استخدمت تلك الدول عبارات وشعارات جعلت خلالها “الإرهاب” هو المسبب الرئيسي للجوء في سورية، متحدثة عن تسييس الغرب والولايات المتحدة لملف اللاجئين على مدى السنوات السابقة.

وفيما يتحدث النظام عن أن أهدافه الرئيسية من عقد المؤتمر “وطنية” بالدرجة الأولى ومن ثم “إنسانية”، عبر العمل على إنهاء معاناة اللاجئين السوريين وفتح صفحة جديدة لإعادة إعمار سورية، تشير القراءات التحليلة إلى أن النظام، ومن ورائه روسيا، يهدفان إلى الهيمنة على ملف اللجوء بعد فشل المحاولات الروسية السابقة بإداردة هذا الملف الشائك.

الإعلامي السوري المقيم في روسيا، نصر اليوسف، اعتبر في حديث لموقع “السورية نت” أن أهداف النظام من المؤتمر لا يمكن أن تكون وطنية أو إنسانية، لأن ذلك حسب قوله غير وارد في قاموس نظام الأسد، بالنظر إلى مسؤوليته المباشرة عن تهجير وتشريد ملايين السوريين.

وأضاف اليوسف أن الهدف الحقيقي من المؤتمر يتمثل بإعطاء الانتخابات الرئاسية المقبلة صفة تمثيلية، وإضفاء شرعية دولية على حكم الأسد، على اعتبار أن العملية السياسية السورية لم تحرز تقدماً، وبالتالي فإن المؤشرات تدل على أن انتخابات عام 2021 لن تجري بموجب دستور جديد، بل وفق دستور عام 2012، الذي فصّله النظام على مقاسه، بحسب اليوسف.

وكذلك أشار ذات المتحدث، إلى أن النظام أصبح بحاجة فعلية إلى اليد العاملة في سورية، والتي قد تتوفر من خلال عودة اللاجئين والنازحين، ما يجبر المجتمع الدولي على الانخراط في إعادة إعمار سورية، على اعتبار أن الغرب يضع العودة الآمنة للاجئين ضمن أبرز شروط المشاركة في إعادة الإعمار.

أما الباحث السياسي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، فقد رأى أن روسيا تسعى من خلال رعايتها للمؤتمر إلى التأكيد على انتقال أولوياتها في سورية من أهداف أمنية/ عسكرية، إلى استحقاقات سياسية واقتصادية.

وأضاف الدسوقي في حديثه لـ”السورية نت”، أن المؤتمر وجد صدى لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وجد فيه فرصة لتحقيق أهداف عدة، أبرزها التوظيف السياسي لملف اللاجئين في العلاقة مع أوروبا ودول اللجوء، أملاً في تحقيق خرق لجهة إعادة تأهيل النظام سياسياً من بوابة التعاون معه، لحل مشكلة اللاجئين باعتبارها مشكلة حكومية وليست أزمة إنسانية ذات أبعاد إقليمية ودولية.

وكذلك تأمل روسيا من المؤتمر، حسب الدسوقي، الحصول على تعهدات مالية من قبل بعض المانحين، لدعم اقتصاد النظام تحت ستار دعم برامج عودة اللاجئين.

وتابع: “تسعى روسيا للإبقاء على الملف السوري على الأجندة السياسية الإقليمية والدولية، تجنباً لمحاولات تجميد الملف السوري، سيما في ظل تعطل مسار اللجنة الدستورية”، معتبراً أن مبادرة عقد مؤتمر اللاجئين عبارة عن “بالون اختبار” لقياس رد الفعل الدولي والإقليمي تجاه هذا الملف.

ضغط “لن يجدي” لرفع العقوبات

يروج نظام الأسد إلى أن سوء الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرته، ناجمة عن العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليه، لا سيما “قانون قيصر”، معتبراً أنها أحد أبرز الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة إلى وطنهم، حسب روايته.

وبدت الدعوات لرفع العقوبات، جلية خلال مؤتمر الللاجئين المنعقد حالياً في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في محاولة من روسيا والنظام إلى الضغط على الغرب لتخفيف العقوبات، مقابل إيجاد حل ملف اللجوء السوري الذي أثقل كاهل الدول الأوروبية والدول المجاورة لسورية، والمجتمع الدولي ككل.

الباحث السياسي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، تحدث عن وجود ضغط روسي على نظام الأسد لإجباره على التعاطي بصورة جديدة مع ملفات يراها النظام غير أولوية، وعلى رأسها عودة اللاجئين، وذلك للخروج بصفقة جديدة ترضي مصالح روسيا ونظام الأسد.

وقال طلاع في حديث لموقع “السورية نت” إن عقد المؤتمر “يشير إلى وجود توافق بين النظام وروسيا للخروج بصفقة ما، ولعل ملامح الصفقة التي يريدها النظام أن يخضع الشرط الروسي لشرطه المحلي، وهو عودة اللاجئين مقابل تخفيف العقوبات الدولية وفك الحصار عن النظام والشخصيات التابعة له”.

وأضاف الباحث أنه رغم حديث النظام عن عودة اللاجئين مقابل رفع العقوبات، لا يزال “قانون قيصر” هو الناظم لعملية المشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، وهذا ما يفسر بحسب طلاع محدودية الدول المشاركة في المؤتمر وكذلك رفض الاتحاد الأوروبي الحضور،  وتابع: “المؤتمر بصيغته الحالية يدل على مدى عدم تقبل المنظومة الدولية لأطروحات النظام”.

واعتبر ذات المتحدث، أن الرؤية الروسية لمؤتمر اللاجئين تتمثل بتحصيل استحقاقات مرافقة للعملية السياسية، كإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهي استحقاقات تلامس هواجس المجتمع الدولي، على اعتبار أن ملف اللجوء السوري هاجس أمني يثقل كاهل الاتحاد الأوروبي، وفق تعبيره.

من جهته، اعتبر الإعلامي المطّلع على الشأن الروسي، نصر اليوسف، أن متاجرة النظام بمسألة العقوبات أصبحت مألوفة بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي لن يرضخ من وجهة نظره لمطالب النظام وروسيا بتخفيف العقوبات مقابل عودة اللاجئين، على اعتبار أن الظروف اللازمة لعودتهم بأمان وكرامة غير متوفرة إلى اليوم.

وأضاف أن المجتمع الدولي حدد بنوداً لعودة اللاجئين وإيجاد حل سياسي دائم في سورية، جميعها مذكورة في قرار مجلس الأمن رقم “2254”، إلا أنه لم يُطبّق أي منها إلى الآن، حسبما قال.

وتابع “لن تنفع ذرائع النظام وروسيا الإنسانية والوطنية، والتي هي كلمة حق يُراد بها باطل”.

واعتبر اليوسف أن عزف النظام على وتر الصعوبات التي تعاني منها الدول المستضيفة للاجئين لن تُجدي أيضاً، على اعتبار أن الجهات القادرة على إنجاح المؤتمر، وهي الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول الخليج، حسب قوله، تعرف تماماً الجهة المسؤولة عن تهجير وتشريد ملايين السوريين.

لماذ الآن؟ وما فرص نجاح المؤتمر؟

يرى الباحث في” مركز عمران”، معن طلاع، أن التوقيت الذي حدث فيه المؤتمر أمر يخفي وراءه مدلولات عدة، كونه يأتي في لحظة تشهد ركوداً في العملية السياسية، وهو ركود ممنهج من قبل النظام على حد تعبيره.

كما يتزامن المؤتمر، بحسب طلاع، في لحظة تشهد فيها الولايات المتحدة انتقالاً للسلطة، ما يتيح فرصة عقد المؤتمر وسط غياب الولايات المتحدة عن المشهد السوري.

وعن فرص نجاح المؤتمر، اعتبر طلاع أن النظام يدرك أن انخراطه بهذا المحور سيفتح مسارات مع من تبقى له من داعمين، خاصة الدول العربية، التي تشكل مشاركتها نقطة تحول “جوهرية”.

وتابع بالقول:”إلا أن الوقائع تشير إلى أن النظام غير قادر على إدارة ملفاته التنموية والحكومية، سواء في مناطق سيطرته أو المناطق التي شهدت مصالحات، وبالتالي فإنه عاجز عن إدارة ملف اللجوء، الذي يحتاج لمنظومة قانونية متعلقة بالملكيات والتنظيم العقاري، وهي نقاط لا يوجد دلائل على أن النظام سيعمل عليها”.

وأضاف “الأهم هو المزاج السياسي العام، فاللاجئون يدركون أن المؤتمر الحالي ينصّب لصالح تثبيت سلطة هي سبب تهجيرهم، دون وجود ملامح قريبة لتغيير هذه السلطة”، معتبراً أن انعقاد المؤتمر يصب بمحاولة تعزيز صفقة عودة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار، وشرعنة النظام على الساحة الدولية لإجبار المجتمع الدولي على الانخراط في نقاش معه.

وكذلك يرى الإعلامي المقيم في روسيا، نصر اليوسف، أنه لا تتوفر أي مقومات لنجاح مؤتمر اللاجئين بدمشق، كون الظروف التي يتحدث النظام عن تهيئتها لعودة اللاجئين لم تتحقق، في ظل استمرار الملاحقات الأمنية والاعتقالات، خاصة بالنسبة للسوريين الذين أجروا مصالحات مع النظام بضمانة روسية.

وختم بقوله إن مؤتمر دمشق سيكرر محاولات روسيا الفاشلة لإدارة ملف اللجوء، وبالتالي ستفشل كل محاولات الالتفاف على المطالب الشرعية للشعب السوري، التي لخصها قرار مجلس الأمن رقم “2254”.

——————————-

=======================

تحديث 13 تشرين الثاني 2020

——————————–

مؤتمر “عودة اللاجئين السوريين”… محاولة يائسة لتعويم الأسد؟/ أحمد الأحمد

يُعقد هذا المؤتمر فيما ما زال حوالى 120 ألف سوري مختفين في سجون النظام السوري ولا يعرف ذووهم عنهم شيئاً، وفيما تغصّ مخيّمات الشمال السوري بأكثر من مليوني نازح نصبوا خيمهم داخل حدود وطنهم.

صورة من مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في دمشق

في غياب الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين (باستثناء لبنان)، تنتهي أعمال “المؤتمر الدولي للاجئين السوريين” الذي تنظّمه روسيا في العاصمة السورية دمشق، ويُعقد من دون حضور دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وكندا والولايات المتحدة، التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين.

عقد هذا المؤتمر فيما ما زال حوالى 120 ألف سوري مختفين في سجون النظام السوري ولا يعرف ذووهم عنهم شيئاً، وفيما تغصّ مخيّمات الشمال السوري بأكثر من مليوني نازح نصبوا خيمهم داخل حدود وطنهم، من دون أن يهتمّ الأسد بعودتهم إلى منازلهم، كما يأتي المؤتمر والمخابرات الجوية هي المخابرات الجوية، وسجن صيدنايا هو سجن صيدنايا، والعقلية الأمنية القائمة على سحق أي شخص لديه أفكار معارضة ما زالت مستمرّة مذ أسس الأسد الأب دولة البعث.

لم يقدّم النظام السوري أي ضمانات مكتوبة أو شفهية للمجتمع الدولي، حول أمن اللاجئين الذين يرغب في إعادتهم، وكذلك الحال بالنسبة إلى الوضع المعيشي، إذ ما زال السوريون داخل بلادهم يدخلون أقفاصاً تشبه معتقلات النازية ويمضون فيها نصف يومهم للحصول على بضعة أرغفة من الخبز إن وجدوها أصلاً.

لم يحضر بشار الأسد المؤتمر الذي خرق قواعد التباعد الجسماني، بل اكتفى بتسجيل كلمة وبثّها أمام الحضور عبر الفيديو، تحدّث فيها عن أفكار لا تنسجم مع أي منطق أو حقيقة، فعزا هروب السوريين من بلدهم الى “إرهابيين” متشددين متجاهلاً مسؤولية نظامه ووحشية أجهزته الأمنية وحلفائه الإقليميين والتسبب بقتل وتهجير ملايين من السوريين.

قال الأسد في كلمته خلال افتتاح المؤتمر: “معظم اللاجئين السوريين فروا بسبب تهديدات الإرهابيين، ونحن على اتصال مباشر مع مختلف البلدان التي استضافت اللاجئين وهم يريدون عودة اللاجئين إلى بلدهم سوريا، ولكن بعد أن تقدم لهم الحكومة السورية الضمانات اللازمة لعودتهم”.

وأضاف أن “الإدارة الأميركية وعدداً من الدول في المنطقة على غرار تركيا تستغل ملف اللاجئين لممارسة الابتزاز السياسي وتصعيد الضغوط على بلاده”، معتبراً أن “الحكومات التي عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم”.

وأكمل كلمته: “إضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة، فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار الذي يفرضه النظام الأميركي وحلفاؤه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمرها الإرهاب بحيث يمكن اللاجئ العودة والعيش حياة كريمة بظروف طبيعية”.

أوامر روسية

يقول فضل عبد الغني، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” لـ”درج”: “المؤتمر بلا جدوى بالنسبة إلى اللاجئ السوري، وهو يفيد بروبوغاندا النظام وروسيا”، موضحاً أن هذا المؤتمر عقد بأمر من الروس وليس بمبادرة من النظام، لأن الأخير غير مكترث بعودة اللاجئين فهو الذي شرّدهم وصعّب عودتهم عبر قوانين السطو على الممتلكات والانتهاكات التي يتعرّض لها العائدون وإهمال أي عملية لإعادة تأهيل المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها، لأنّه خصّص معظم مقدّرات الدولة للعمليات العسكرية ودفع رواتب الأجهزة الأمنية”.

وأضاف عبد الغني: “المؤتمر غير قانوني إطلاقاً، لاعتبارات عدة أهمها أن النظام يفتقر للشرعية نتيجة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية ويفتقد لأي شكل من أشكال الصدقية، كما أنّه غير مؤتمن على مصير اللاجئين. نحن وثّقنا عدداً كبيراً من الانتهاكات التي وقعت بحق سوريين عادوا إلى بلادهم، من اعتقالات وإخفاء قسري وتعذيب وإعادة تجنيد ضمن صفوف النظام. فعن أي صدقية يتحدّثون؟”.

واعتبر أن لا قانونية المؤتمر تأتي من كونه ينتهك حقوق اللاجئين الأساسية، بما يتعارض والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يسمو على القوانين المحلية.

ويرى عبد الغني أن الفرصة الوحيدة لعودة اللاجئين السوريين، تكمن في انتقال سياسي مع سقوط النظام الحالي وتشكيل نظام جديد يحترم حقوق الإنسان ولكن “بوجود هذا النظام المتوحش والأجهزة الأمنية البربرية لن يؤمّن اللاجئون على حياتهم” بحسب تعبيره.

ويشير عبد الغني إلى أن أحد أهداف الروس من هذا المؤتمر هو تعزيز قوّة الأحزاب اليمينية في أوروبا للضغط على الحكومات الأوروبية التي تستقبل اللاجئين.

مطامع بكسر العزلة الدولية

الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم أشار إلى أن أهم أسباب المؤتمر هو كسر العزلة الدولية المفروضة على النظام قائلاً: “عند الرغبة في إعادة اللاجئين لا بد من تنسيق أممي مع النظام وتنسيق دولي لمعرفة قوائم اللاجئين العائدين وهذا الأمر سيعيد التفاعل مع النظام على المستويات الأمنية والسياسية”.

وأضاف أن من أهداف المؤتمر، إطلاق عملية إعادة الإعمار من مبدأ أن البنى التحتية السورية غير مؤهّلة لعودة اللاجئين السوريين، وبالتالي سوف تحتاج إلى إعادة إعمار بمليارات الدولارات، وهنا يحصل النظام على فوائد عدة منها تسويق مشاريع إعادة الإعمار من جديد ودخوله كشريك فيها.

لم يقدّم النظام السوري أي ضمانات مكتوبة أو شفهية للمجتمع الدولي،

حول أمن اللاجئين الذين يرغب في إعادتهم.

وبحسب تعليق للاستاذ في السياسات والتخطيط في الجامعة الاميركية في بيروت والباحث في قضايا اللاجئين ناصر ياسين ، فإن حظوظ نجاح المؤتمر لا تبدو كبيرة، مثل غيره من المؤتمرات، بسبب الرفض الدولي للتقارب مع النظام السوري، لما يمكن أن يشكله التعاون والدعم الدوليان، من ممر إلزامي لإعادة الإعمار وتمويل النهوض في سوريا بعد نحو عقد من الحرب المدمرة.

وأشار ياسين إلى أن الأبحاث تشير إلى أن العوامل داخل سوريا هي التي ستحدد تحفيز العودة وتفعيلها، وليس الضغط من الدول التي تستضيف اللاجئين.

ومن أهم هذه العوامل بحسب ياسين، الشعور بالأمان عند العودة وضمان عدم الاعتقال، العودة إلى أماكن السكن الأصلية وإعادة إعمار ما تهدم من منازل، والوضع الاقتصادي من ناحية وجود فرص عمل وسبل عيش، لافتاً إلى أن هذه الشروط لا تزال غير موجودة بل بعضها تأزم مع الانهيار الاقتصادي والمالي في سوريا.

رفض جماعي

لاقى هذا المؤتمر رفضاً أممياً ودولياً واسعاً، وبعد الإعلان عنه أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً أكّد فيه عدم مشاركته.

وقال الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان: “وزراء خارجية عدد من دول الاتحاد، تلقوا دعوة للمشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، إلا أنهم لن يشاركوا”.

وأصدر “مكتب شؤون اللاجئين التابع للائتلاف السوري المعارض”، بياناً رفض فيه ترويج النظام وروسيا لعودة اللاجئين.

وقالت أمل الشيخو منسقة مكتب شؤون اللاجئين في الائتلاف: “لا بيئة آمنة ومستقرة في سوريا تسمح بعودة اللاجئين السوريين إليها حتى الآن”.

وأضافت الشيخو، أن التواصل مع اللاجئين أظهر عدم رغبتهم بالعودة إلى سوريا، لحين الخلاص من نظام الأسد، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن محاولات روسيا لعقد المؤتمر تهدف لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

واعتبر فريق “منسّقو استجابة سوريا” أن التسوية التي يدعو إليها النظام لا يمكن تحقيقها بوجود حكومة الأسد والقوات الروسية، التي لا تزال طائراتها تستهدف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة.

وقال الفريق في بيانٍ له: “إن الهدف الأساسي من المؤتمر هو تعويم الأسد دولياً، وإظهار روسيا بمظهر الضامن لتقديم المساعدات الإنسانية من طريقها أو من طريق النظام”.

كما نفى البيان، الأرقام التي تصرح بها روسيا بشأن اللاجئين العائدين، إذ بلغ عددهم 2.15 مليون بحسب التصريحات الروسية، مشيراً إلى أن هدف روسيا من الترويج لذلك هو كسب الوقت وتأييد المجتمع الدولي لتلك العودة.

درج”

————————

مؤتمر “اللاجئين السوريين”: أن تكذب كثيراً/ جمانة فرحات

لم يكن من تابع ما سُمي “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين” في دمشق، الذي نظمته روسيا، في حاجة إلى وقتٍ كثير لإدراك أن تسمياتٍ عدة أخرى أكثر دقةً تنطبق عليه، ليس جرّاء المقاطعة الدولية له فقط، بل بسبب ما تضمنه.

خرج بشار الأسد بكلمة مصوّرة على المشاركين في المؤتمر، يُخيّل لمن سمعها أن المتحدث هو رسول سلام، وليس المسؤول عن مجازر لا عد ولا حصر لها بحق شعبه، أنتجت، على مدى قرابة عشرة أعوام، أكبر عدد من اللاجئين حول العالم، يجمعهم أمر واحد: عدم الرغبة في العودة إلى سورية طالما أنه لا يزال حاكماً لها.

استفاض الأسد في إنسانيته الزائفة، فاستحضر عبارات مثل “مبادئ إنسانية أخلاقية”، وتطرّق إلى ما تمثله مسألة اللاجئين لنظام القتل والتنكيل من “قضية وطنية”. لكنه لم يحتج إلى وقت كثير حتى يخلع هذا القناع، ويتحدّث عن “قضية مفتعلة”، وضغوط يتعرّض لها اللاجئون لمنعهم من العودة، وعن دور العقوبات في إعاقة “إعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمّرها الإرهاب”، لا صواريخه وبراميله المتفجرة التي مسحت مدناً بأكملها عن الخريطة السورية. حتى أن خياله دفعه إلى القول إنّ الأغلبية الساحقة من السوريين يرغبون في العودة “لأنهم يرفضون أن يكونوا رقماً على لوائح الاستثمار السياسي، وورقة بيد الأنظمة الداعمة للإرهاب ضد وطنهم”.

فعلياً، لم يكن ما ردّده الأسد في كلمته سوى صدى للراعي الروسي والحليف الإيراني، ولا سيما أنه أكثر من يجيد أداء هذا الدور، وتمرّس فيه على مدى السنوات الماضية، بينما كانت طهران وموسكو لا توفّران وسيلة لمنعه من السقوط، فكلمة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي ألقاها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، كانت واضحة في التركيز على تسييس قضية اللاجئين، وتحميل الدول التي تستضيفهم مسؤولية المعاناة، لأنها ببساطة ترفض التعاون مع النظام السوري. وهو ما لاقاه فيه أيضاً مساعد وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، الذي كرّر لازمة منع اللاجئين من العودة، وصوّب على العقوبات، وعلى ضرورة إعادة الإعمار.

ولم تكن هذه الجوقة لتكتمل، لولا كلمة وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، الذي ألقى كلمة عبر الفيديو، ولم يتوان عن الحديث حول كيف ينعم القسم الأكبر من سورية بالأمن والاستقرار! والأهم أنّ وهبة كان مخلصاً لأدبيات التيار السياسي اللبناني الذي يمثله وأتى به إلى منصبه، فلم يخيّب الظن فيه، إذ سارع إلى تحميل اللاجئين السوريين (تصرّ الدولة اللبنانية على توصيفهم نازحين) مسؤولية ما قال إنها “مفاقمة الأعباء الاقتصادية على الدولة”، قبل أن يستكمل وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية المهمة. ردّد الأخير النغمة نفسها، بحديثه عن أكلافٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، قدرها بأكثر من 40 مليار دولار لوجود اللاجئين، واتهمهم بالضغط على الخدمات العامة والموارد المدعومة والبنى التحتية وفرص العمل. ولم يأت الوزيران العتيدان، عمداً، على سيرة كم من الأموال تدفقت على لبنان بسبب اللاجئين أنفسهم.

تناسى من حضروا “المؤتمر”، وبشكل أدق تجاهلوا، الإجابة عن سؤالين: لماذا يفضل لاجئ سوري يعيش في خيمة، وفي ظروف لاإنسانية، البقاء في الأردن أو لبنان على العودة؟ ولماذا من يوجد اليوم في تركيا وألمانيا وغيرهما، أسقط من قاموسه، على الرغم من كل الظروف التي يمرّ بها، فكرة العودة إلى بلدٍ من يدخل إليه هو في حكم المفقود، والمعرّض في أي لحظةٍ للسوق إلى جبهات القتال أو للسجن والموت تحت التعذيب.

كان يمكن للنظام، ومعه موسكو وطهران، إطلاق تسمية أدق على تجمعهم توصّف حقيقة الغاية منه، والبعيدة كل البعد عن الإنسانية والاهتمام بشؤون اللاجئين. لو قالوا إن الهدف محاولة ابتزاز الدول الغربية للانخراط في إعادة الإعمار، والتوقف عن فرض العقوبات، لكان من الممكن تصديقهم. أما زجّ قضية اللاجئين فليس سوى كذب موصوف اعتادوا عليه.

العربي الجديد

————————–

مؤتمر لتنظيم الطوابير لا عودة اللاجئين/ عدنان عبد الرزاق

 ألزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعقد مؤتمر اللاجئين، في مسعى لأن تحيّد روسيا قضية اللاجئين عن القرار الدولي وتستأثر بها أو ترعاها، كما فعلت سابقاً بملف المفاوضات واللجنة الدستورية، فتزيد الحرج الدولي لاستعجال الحل وفق “الواقعية” وتفرّغ القرار الأممي 2254 من مضامينه.

وتحصّل روسيا، في الوقت ذاته، بعض الديون التي لم تزل تغدقها على الأسد، وتوقف خسائر غوصها بالوحل السوري، إذ لطالما اعتبرت عودة المهجرين السوريين بداية حتمية لأي حل ومنطلق ضروري للبدء بإعادة الإعمار.

وجاء الإلزام الروسي، في تحديد توقيت المؤتمر الذي آثرت موسكو عقده بمن حضر، رغم غياب الدول المستضيفة للاجئين، تركيا والاتحاد الأوروبي. ويبرز التناقض في ادعاء بشار الأسد استعداد سورية لاستقبال المهجرين الذين تجاوزوا 6 ملايين سوري، رغم عجزه عن تأمين الخبز وحوامل الطاقة لسوريي الداخل.

وأن يعلن الأسد عن حرصه، من منطلق وطني وإنساني، على عودة أبناء الوطن وسط واقع اقتصادي مزرٍ، أوصل البلاد إلى آخر الترتيب العالمي على صعيد الفقر والبطالة والجريمة، فذلك أيضاً سيثير السخرية، حتى من باكستان وفنزويلا المشاركتين في المؤتمر.

بيد أن الوضع الدولي، من إدارة أميركية جديدة واستمرار عضّ الأصابع والمقايضات، بين أنقرة وموسكو وطهران، وبدء تسليط الضوء على الوضع السوري، قبل استحقاق الرئاسة العام المقبل، جميعها أسباب، تضاف إلى طول فترة التدخل الروسي منذ 2015، واستمرار الخسائر، دفعت بوتين إلى تحديد موعد المؤتمر، علّه يأذن بمؤتمر إعادة الإعمار ويكون بداية عصر المكاسب، الجغرافية والاقتصادية.

وفضح ممثلا شركاء الأسد، في موسكو وطهران، ألكسندر لافرنتييف وعلي أصغر خاجي، خلال كلمتيهما بالمؤتمر، أهداف بلديهما من عقد الأخير، ففيما ألمح الروسي إلى جهود بلده لاستعادة البنى التحتية واستعدادها لتقديم مليار دولار، صرّح الإيراني بضرورة إنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار، ما يمحو الشعارات التي رُفعت على جدران قصر المؤتمرات في دمشق، حول الإنسانية والوطنية ووحدة الأراضي السورية.

فإن كان شريكا الأسد بتدمير سورية وتبديد حلم السوريين بالحرية والعدالة، حريصين على عودة السوريين إلى بلادهم، (رغم عدم استضافتهم أي لاجئ سوري خلال الحرب الممتدة لتسع سنوات)، فحريّ بهما وبالشريك المتبجح بالوطنية، أن يفكروا في عودة النازحين من مخيمات الحدود، فهم سوريون أيضاً، وعددهم لا يقلّ عن عدد المهجرين، فضلاً عن فقدانهم كل فرص العيش الكريم وتوقع مزيد من المآسي خلال فصل المطر وتمزق الخيم والغوص في وحل الحرمان.

ولم يخف نظام الأسد هدف التسوّل على وجع السوريين، رغم تبجح رئيس النظام بالوطنية والإنسانية، لا بل رمى أسباب التهجير على الإرهاب، من دون أن يتحمل، ولو جزءاً، من مسؤولية تدمير سورية، أو يستذكر ما قاله مرة على مدرج جامعة دمشق، إن الثورة استمرت سلمية لستة أشهر، أو حتى يفكر في الإفراج عن المعتقلين، رغم أنهم أقرب إلى حضن الوطن، أو يوعز بإزالة الضرائب التي فرضها على من تسوّل له نفسه العودة.

وجاء فضح أهداف الأسد عبر محافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، الذي أعلن بشكل أوضح من الروس والإيرانيين، أنه سيجري استقبال اللاجئين العائدين إلى سورية في مخيمات، لأن عودة اللاجئين تحتاج إلى رأس مال كبير لتأهيل المناطق.

تسجيل أول حالة شفاء من كورونا في إدلب.. والاستجابة المجتمعية ضعيفة

نهاية القول، أنه بات معلوماً لأي متابع، أن خسائر حرب نظام الأسد وحلفائه في موسكو وطهران بلغت بحسب تقارير دولية، منها تقرير اليونسكو، 442 مليار دولار، ونالت من الناتج المحلي والصادرات ومعيشة السوريين، حتى بلغوا أرذل قوائم الفقر والعوز في العالم. لذا، يؤثر الأسد وشركاؤه الحرب ورهن ثروات السوريين ومقدراتهم، على عقد مؤتمر اقتسام كعكة خراب سورية، وإن اضطروا إلى عرض مسرحية عودة اللاجئين، بنص وإخراج وحضور سيّئ.

ومن سوء طالع بشار الأسد، أمس، نشر صورة لجنوده وهم يتنافسون مع المواطنين على الخبز، بالتزامن تماماً مع افتتاح مؤتمر اللاجئين ودعوته السوريين للعودة إلى حضن الوطن والتنعم برغد العيش والكرامة، ما دفع السوريين الذين أجمعوا على أن لا عودة إلا بزوال نظام الأسد، إلى التندر، بعد أن وُسمت سورية في عهد الأسد، ببلد الطوابير لتحصيل أبسط شروط العيش، واقترحوا تغيير اسم المؤتمر، من عودة المهجرين إلى تنظيم الطوابير.

العربي الجديد

——————————-

مؤتمر اللاجئين..نتائج على الورق

وصف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين” في دمشق بأنه “ناجح”، بدليل مشاركة 27 دولة ومنظمة. وقال إن حل هذه المسألة الإنسانية سيؤدي إلى تعزيز الاستقرار في سوريا.

واعتبر لافرنتييف في الجلسة الختامية للمؤتمر، أن عقد المؤتمر يؤكد أن سوريا تنتظر عودة جميع اللاجئين في الخارج “بعد أن أوجدت الطرق والمبادرات لحل هذه المسألة التي سيعطي حلّها دفعا للحياة الإنسانية في سوريا”.

وأشار إلى ما وصفه ب”السياسات العدائية” التي تعرقل عودة اللاجئين قائلاً إن “احتلال بعض المناطق في سوريا وسرقة ثرواتها ومواردها إضافة إلى الإجراءات الاقتصادية الأحادية الغربية المفروضة على الشعب السوري، تتطلب توحيد الجهود والعمل لمواجهة هذه الأعمال وتجاوزها”.

وأنهى المؤتمر أعماله في دمشق مساء الخميس، بعد انعقاده على مدى يومين بغياب جميع الدول المؤثرة في القرار الدولي، ودولتين من الأكثر احتضاناً للاجئين السوريين، الأردن وتركيا.

واعتبر البيان الختامي للمؤتمر أن “وقف الأعمال العسكرية لا يشمل هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش”. وأضاف أن “نظام وقف الأعمال القتالية لا يشمل بأي ظروف الأعمال الهجومية أو الدفاعية ضد الأشخاص أو الجماعات أو المؤسسات أو التنظيمات المذكورة”.

وفي الوقت نفسه، قال البيان إن “الأزمة في سوريا لا يمكن حلها عسكرياً بل بتسويتها في عملية سياسية يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بمساعدة هيئة الأمم المتحدة”.

ودعا البيان للمساعدة على تيسير العودة الآمنة للاجئين السوريين وقال إن على المجتمع الدولي المساهمة في هذه العملية. وأكد “استعداد الحكومة السورية لإعادة مواطنيها إلى أرض الوطن ومواصلة جميع الجهود لتوفير عيش كريم لهم”.

وزارة الخارجية الألمانية حددت 8 معايير يجب أن تكون حقيقية وواقعية في سوريا حتى تصبح عودة اللاجئين السوريين على نطاق واسع ممكنة.

وقال “المركز الألماني للإعلام”، التابع لوزارة الخارجية، في سلسلة تغريدات، إن العديد من اللاجئين والنازحين السوريين يرغبون بالعودة إلى ديارهم، لكن قليلاً منهم قادر على ذلك، موضحاً أن الذي يجب أن يحدث “واضح منذ سنوات”.

وأشار المعيار الأول إلى ضرورة “أن تكون الأعمال العدائية قد انخفضت بشكل كبير ودائم”، وتضمن المعيار الثاني ضرورة “وجود اتفاق رسمي بين سوريا والدول المضيفة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لاستقبال العائدين”.

وأكد المعيار الثالث أن تكون “الضمانات الأمنية للعائدين حقيقية ويمكن التحقق منها”، والرابع “أن يكون اللاجئون والمشردون داخلياً قادرين على اتخاذ قرارات بناء على معلومات تتاح لهم، وطوعية دون أي إكراه”.

وشدد المعيار الخامس على وجوب “منح عفو فعلي دون استثناءات واسعة النطاق للعائدين بمن فيهم أولئك الذين لم يكملوا الخدمة العسكرية أو يُعتقد أنهم دعموا المعارضة”، بينما أكد السادس على ضرورة “أن يكون العائدون قادرين على المطالبة بحقوقهم في السكن والأرض والممتلكات واسترداد الممتلكات والحصول على التعويضات وفقًا للقانون الدولي”.

ونصّ المعيار السابع على ضرورة “احترام المسؤولية الإشرافية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن عودة اللاجئين”، في حين شدد الأخير على ضرورة أن يكون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “حرية الوصول دون عوائق إلى العائدين في جميع أنحاء سوريا لمراقبة الاستقبال وإعادة الإدماج”.

وبحسب المركز الألماني، فإن هذه المعايير وغيرها تسند إلى عقود من الخبرة حول كيفية تحقيق العودة الآمنة الطوعية والكريمة، موضحاً أن “على أي شخص مهتم بمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين على العودة إلى ديارهم المساعدة في تطبيق هذه المعايير”.

المدن

———————–

ماذا يريد بوتين من عودة اللاجئين السوريين؟/ حسن النيفي

في الوقت الذي تتوالى العقوبات الأميركية فيه حزمةً تلوَ حزمة على نظام الأسد في دمشق، يعمل بوتين في اتجاه معاكس، من خلال إقامة مؤتمر اللاجئين في دمشق يومي 11 – 12 من الشهر الجاري، لبحث عودة اللاجئين السوريين الذين نزحوا من بلدهم فراراً من الحرب التي شنها عليهم نظام الأسد بدعم مطلق من بوتين ذاته.

ولئن لم تكن هذه الدعوة إلى عقد مؤتمر للاجئين هي الأولى من نوعها، إذ سبق أن دعت روسيا دعوة مشابهة في إيلول من العام 2018 على لسان رئيس المركز الوطني الروسي للدفاع ميخائيل ميزينتسيف ،إلّا أن الدعوة اصطدمت – آنذاك – برفض قاطع من دول المجموعة المصغرة المؤلفة من أميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ومصر والسعودية والأردن. واليوم لا يرى بوتين غضاضة في الدفع بهذه الفكرة مرة أخرى، بل لعلها تبدو ضرورة ملحّة بالنسبة إلى روسيا أكثر من كونها حاجةً بالنسبة إلى نظام الأسد.

زهوة النصر العسكري التي طالما تغنى بها بوتين وجنرالاته من خلال استعراضهم أمام الشعب الروسي وافتخارهم بأنهم جعلوا من الأرض السورية حقل تجارب لأسلحتهم، فضلاً عن مُنجَزهم المتمثل بالقضاء على المقاومة المناهضة للأسد وتمكينه من إعادة السيطرة على مساحات واسعة مما كان قد افتقده، هذه الزهوة ستبقى منقوصة – بلا شك – طالما أن بوتين لم يستطع حتى الآن أن يستثمر فتوحاته العسكرية ويحوّلها إلى مُنجَـز طالما سعى إليه الرئيس الروسي، وأعني بذلك المكاسب الاقتصادية الهائلة التي وعد بها بوتين الشعب الروسي الذي ما يزال ينتظر الغلال الاقتصادية الوفيرة التي ستتدفق عليه جراء عملية إعادة الإعمار التي ستعقب الحرب.

ما هو مؤكّد أن بوتين قد وعد الشعب الروسي حقاً بانه سيدمّر سوريا، ومن ثم سيعيد إعمارها، وأن جيوب الروس وحدها من ستؤول إليها غلال الإعمار، وقد أنجز الشطر الأول من وعده المتمثل بالدمار والخراب، ولكنه يقف عاجزاً حتى الآن عن البدء بالشطر الثاني من الوعد الذي قطعه على نفسه، إذ إن إعادة الإعمار بحاجة إلى شرطها الجوهري وهو وجود الداعم أو المانح، فضلاً عن الشروط الأخرى التي لا تقلّ جوهريةً عن سواها، وأعني العودة الآمنة للاجئين والاستقرار السياسي في البلاد، وفي حال غياب تلك الشروط لا يرى المجتمع الدولي أيّ مسوّغ للمسعى الروسي، إذ إن الموقف المُعلن للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ما يزال رافضاً لأي مسعى للبحث في قضية اللاجئين أو إعادة الإعمار دون تحقيق حل سياسي يستند إلى المرجعيات الأممية وخاصة القرار 2254 .

المعطيات الملموسة للعملية السياسية توحي بأن المفاوضات أُصيبت بالعقم، بل هي عقيمة قبل أن تبدأ، واللجنة الدستورية المنبثقة من لقاء سوتشي 2018 ما تزال تراوح مكانها دون أيّ تقدّم يُذكر، ولكن بوتين وحده يبدو أنه مستعجلٌ أكثر من الجميع، ولعل هذا الاستعجال هو ما دفعه للمحاولة في إيجاد سبيل ما، يمكّنه من الالتفاف على الإرادة الدولية والشروط الموضوعية للعملية السياسية بآن معاً.

لقد أفلح الروس فيما مضى بالالتفاف على القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، من خلال إيجاد مسار أستانا مطلع العام 2017، كما أفلحوا في تقويض أهم الحوامل الحقيقية الجوهرية للحل السياسي، وأبقوا منها حاملاً واحداً فقط هو (سلة الدستور) التي يتعاطى معها نظام الأسد كوسيلة لاستثمار الوقت والمماطلة لا أكثر، فهل سينجح بوتين هذه المرة بالالتفاف أيضاً على الإرادة الدولية الكابحة لمشروعه المزعوم في عودة اللاجئين؟

من غير المُستَبعَد أن يتمكّن الروس من الإيعاز لنظام دمشق كي يصدر قرارات من شأنها أن تكون مطمْئنة أو جاذبة لبعض السوريين، كإصدار عفو عام مثلا، ودعوة المطلوبين أمنياً للعودة إلى سوريا، وإبداء تسهيلات كثيرة لعلها تغري البعض بالتفكير بالعودة إلى سوريا، وقد يتمكن الروس من حشد العديد من الدول الداعمة أو المنحازة لنظام دمشق بحضور هكذا مؤتمر، ولكن هل سيتمكّن من إقناع واشنطن وأوربا بفحوى مسعاه؟ ربما لا يراهن بوتين في الوقت الحاضر على تأييد أميركي أوروبي في الوقت الحاضر، ولكن هذا لا يمنعه من المراهنة على تحويل هذا المشروع أو إزاحته من المظلة الأممية الدولية إلى مظلة أو مشروع إقليمي، تماماً كما استطاع إيجاد مسار أستانا من خلال تفاهمات إقليمية محددة اقتضت مصالحها أن تكون راعية لمسار موازٍ لمسار جنيف، ولم يلق هذا المسار مناهضة دولية، بل على العكس من ذلك، إذ واظبت واشنطن على مواكبة معظم لقاءات أستانا ولو بصفة مراقب، كذلك يمكن أن تتحول قضية اللاجئين السوريين من شأن أممي إلى شأن إقليمي، وإذا كانت هذه المراهنة قائمة، فما هي مقوّمات نجاحها أو إخفاقها بالنسبة إلى روسيا؟

ثمة مسألتان يمكن الإشارة إليهما بإيجاز،الأولى: ما كان لبوتين أن يحظى بالانفراد – عسكرياً – بالشأن السوري لولا التفويض الأميركي الأوروبي، وقد كان التدخل الروسي المباشر في 30 إيلول 2015 ، إيذاناً صريحاً ومباشراً من جانب حكومة باراك أوباما آنذاك بأن القضية السورية ليست أولوية أميركية، كما أن الوجود الأميركي في سوريا لم يحصل من أجل الصراع الحاصل بين السوريين ونظام الأسد، بل من أجل محاربة تنظيم داعش ومشتقاته في المنطقة، وقد لاحظ المتابعون لجميع جولات – كيري – لافروف – آنذاك، ان نتائج تلك اللقاءات غالباً ما كانت تدفع باتجاه إتاحة المجال للروس بالتغوّل أكثر فأكثر في سوريا.

اليوم وبعد عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، هل يفكر بوتين بتفويض جديد يمكّنه من استثمار حربه على السوريين؟ ولكن في موازاة هذا السؤال، يمكن أن يُطرح السؤال التالي: ألا يمكن أن يكون ( قانون قيصر) هو الردّ الأميركي العملي  والحاسم والكابح في الوقت ذاته للمسعى الرامي إلى تحويل منجز الحرب الروسية إلى غلال اقتصادية؟

المسألة الثانية تتمثل في حاجة بوتين إلى حلفاء أو شركاء إقليميين، وقد رأينا أن تقاطع المصالح الروسية التركية الإيرانية كان هو الحامل الحقيقي لمسار أستانا، فهل يفكّر بوتين مرة أخرى بإقامة شراكة إقليمية جديدة، ومن هي الدول التي يمكن لبوتين التعويل عليها؟ فتركيا التي هي الأقوى نفوذاً في الشأن السوري والأكثر نفوذاً لدى المعارضة السورية، قد استثناها نظام الأسد من الدعوة إلى المؤتمر، بل وعدّها من الدول التي تستثمر اللاجئين سياسياً على حدّ زعمه. يبقى القول: إن معظم الدول التي أعلنت عن حضورها أو مشاركتها في مؤتمر دمشق، لا يتجاوز عدد اللاجئين السوريين لديها خمسمئة ألف لاجئ، ثم إن هذه الدول ذاتها لا تملك أيّ قدرة على تمويل ما يطمح إليه بوتين من إعادة الإعمار.

لا شك أن الجانب الإنساني في قضية اللاجئين السوريين، هو أهم بكثير من تداعيات السياسة، ولكن – وكما بات معلوماً لدى الجميع – يبدو صراع المصالح بين الدول النافذة في الشأن السوري، لا يعبأ بفداحة المأساة السورية بجوانبها الإنسانية أو الاجتماعية، بقدر ما ينحاز لمنطق المنافع المادية، فحين نجد أن ما يقارب ستة ملايين ونصف من السوريين مُهَجّرون خارج سوريا، ومثلهم أيضاً نازحون في الداخل السوري، فذلك يعني أن ما يقارب نصف سكان سوريا هم في عداد اللاجئين، وعلى الرغم من ذلك، لم تخلق هذه القضية حافزاً إنسانياً كافياً لدى المجتمع الدولي يفضي إلى إنصاف الضحية ومحاسبة المجرم.

لم يتورّع بشار الأسد وداعموه الروس عن قتل السوريين وتهجيرهم خلال سنوات خلت، بل كان ذلك الإجرام عملاً مشروعاً وفقاً لنظرية ( التجانس) التي جعلها حاكم دمشق غطاءً يشرعن إجرامه، واليوم يطلب المجرم من ضحاياه أن يعودوا إلى حياضه، لا ليعتذر منهم بالطبع، بل لاستثمار تلك العودة في إعادة إنتاج إجرامه من جديد.

تلفزيون سوريا

———————

========================

=====================

تحديث 14 تشرين الثاني 2020

————————–

رسائل بشار إلى لوبن وآخرين/ عمر قدور

خالف بشار الأسد مألوف عاداته، فكلمته في افتتاح “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين” كانت قصيرة ومنضبطة، لا توقفات للشرح والثرثرة وزلات اللسان المعتادة، ولا خروج عن النص لأسباب انفعالية يفضح الابتذال الذي كان يتوارى وراء النص المكتوب. لا نعلم ما إذا كان أحد ما كتب نص الكلمة، أو أن أحداً ما ضغط لتكون مختصرة ومترابطة؛ الأهم أننا أمام كلمة يوجهها بشار من موقعه “ولو بالنيابة عمّن يتحكم بالموقع”، والكلمة غير موجهة أصلاً للحاضرين، بل هي مخصصة في المقام الأول لمقاطعي المؤتمر.

أصرت موسكو على انعقاد المؤتمر، وأذاعت خبر لقاء بتقنية الفيديو بين بوتين وبشار تمهيداً له، أو “كما ينبغي فهمه” هو لقاء ليتلقى بشار توجيهات الكرملين. الإصرار الروسي على عقد المؤتمر، مع المقاطعة الغربية، لا يعكس رغبة في إنجاحه، إذ كان ممكناً مثلاً تأجيله بهدف توفير سبل أفضل لإنجاحه، ولو نصف أو ربع نجاح. حتى اختيار موعد ضمن فترة انتقالية أمريكياً ليس فيه استغلال للانشغال الأمريكي بقدر ما يضمن تجاهلاً أمريكياً تاماً، فضلاً عن موقف العديد من القوى الأوروبية والمنظمات الدولية التي تتناغم سياساتها مع الإشارات الآتية من واشنطن.

حسب ما أُعلِن كانت تركيا هي الدولة الوحيدة التي لم توجه لها الدعوة للحضور، وهذا الإعلان يعبر جيداً عن الفشل في استقطاب كل هؤلاء المدعوين، باستثناء من يجوز اعتبارهم جهة منظمة “وهم موسكو وطهران وبكين” مع آخرين يجوز التغاضي عن ذكرهم. أنقرة، غير المدعوة، كانت الأكثر حضوراً في كلمة بشار الأسد. الهجوم على أنقرة ليس بالجديد تماماً، لكنه هذه المرة كان ممنهجاً بحيث لا ينفث عن غضب كالمعتاد، وإنما يحاول التسلل إلى سياسات غربية مناهضة للسياسة التركية الحالية. يستحضر بشار حتى المجازر التي حدثت قبل قرن، بذريعة استضافة سوريا اللاجئين منها، للقول أن جهة إقليمية وحيدة هي التي ارتكبت مجازر “عرقية أو طائفية”، بعد تنزيه التاريخ السوري عن أحداث مشابهة، والتنويه على نحو خاص بالحقبة الأسدية التي يشير إلى توقيتها مواربة بنهاية الستينات.

يقدّم بشار أوراق اعتماده إلى حكومات غربية تشتبك الآن مع سياسات أردوغان، ويرضي بالطبع جهات إقليمية ” مثل السعودية والإمارات المعاديتين لأردوغان أيضاً” واللتين يحتاجهما للتأثير في دوائر السياسة الأمريكية، فضلاً عما هو منتظر منهما على صعيد الدعم المالي لإعادة الإعمار. هي رسالة إذا لم تنفع مع الحكومات فربما تصل “أو يُشتغل على إيصالها” إلى جزء من الرأي العام الغربي المتعاطف مع الأرمن والأكراد ضد السياسات التركية، وتوقيتها مناسب لجهة تسخين الموضوع الأرمني على جبهة ناغورني قره باغ والخلاف التركي اليوناني في المتوسط، مع تراجع الاهتمام بالقضية السورية والتعاطف مع أصحابها إلى أدنى حد، بل مع الأذية البالغة للقضية السورية التي أتت بها مشاركة مرتزقة “محسوبين على المعارضة من خلال أنقرة” في الحرب الليبية وفي الحرب الآذرية الأرمنية.

أهم وأخطر مما سبق مجيءُ المؤتمر في خضم الانهماك الغربي في موضوع “مكافحة الإرهاب”، قبيل وبعد الاعتداءات التي شهدتها فرنسا ثم النمسا. ما يميز الأجواء الغربية الحالية عن مناسبات مشابهة أقدم أنها اليوم تثير توجهات جديدة متشددة في التعاطي مع اللاجئين، ومن بلدان مثل فرنسا عُرفت تقليدياً بأنها الوجه الغربي الأنصع لمناصرة قضايا الحريات والمتضررين من النضال لأجلها. إذا كان هذا المناخ قد وصل بماكرون إلى اقتراح وضع قواعد أوروبية جديدة لقبول اللاجئين، فإن منافسته يميناً “مارين لوبن” ونواباً في حزبها لم يخفوا رغبتهم في طرد اللاجئين وإعادة هندسة الديموغرافيا الفرنسية، التوجه الذي تناسبه جيداً الصفقة التي يعرضها بشار باستعادة اللاجئين مقابل مساعدات مالية ورفع الحصار عنه.

نسميها رسائل بشار مع ترجيح ان تكون في الأصل والمنتهى رسائل بوتين الذي لولاه لما عُقد المؤتمر، فإعلام بوتين قاد خلال السنوات الخيرة حملة إعلامية “بكل اللغات الرئيسية” لمساعدة اليمين الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة. أقطاب اليمين، وكذلك نظراؤهم في اليسار الشعبوي، لا يخفون الود تجاه بوتين ومن المرجح انهم يضمرون الكثير من الامتنان على خدماته الإعلامية. موضوع اللاجئين السوريين في أوروبا كلها ليس بالحجم الضخم والمؤثر، لكن يمكن تضخيمه إعلامياً وتقديمه نموذجاً لحل قضايا “المهاجرين”، او على الأقل تحقيق مكاسب انتخابية لليمين الذي يحملهم مسؤولية العديد من المشاكل الاقتصادية والمجتمعية، وقبل ذلك تحقيق مكسب مهم لبوتين الذي لا يقترح فقط حلاً لقضية اللاجئين وإنما يبرر أيضاً تدخله في سوريا بتلك الوحشية التي كلما أبادت أكثر أنقذت الغرب من لاجئين محتملين.

إذا كانت الرواية الأقرب إلى المنطق السليم هي أن التغيير الديموقراطي يتكفل بعودة قسم من اللاجئين السياسيين القدامى، ويمنع تدفق لاجئين جدد من البؤر القديمة أو الجديدة، فإن الرواية الروسية التي يُراد تكريسها هي بالضبط على الضد، ومفادها أن سجانين متوحشين وجلادين مثل بشار الأسد “برعاية من نظام مثل نظام بوتين” هم الحل الأمثل لقضية اللاجئين، الذين يُستعادوا أو يمنعوا من المغادرة أصلاً، حيث يوضعون في السجن الكبير اللائق بهم كإرهابيين محتملين. وليس بجديد أن تجافي السياسة المنطق أو الأخلاق أو الاثنين معاً، والحل الذي يقدّمه بوتين هو الأسهل لنخب غربية لا تريد الانخراط في مشروع تغيير ديموقراطي للمنطقة غير مضمون النتائج على النحو الذي يضمنه طغاة متوحشون من أمثال بشار وبوتين. على سبيل المثال، يكاد الربط بين قضيتي اللجوء والإرهاب أن يصبح أوتوماتيكياً بفضل الضخ الإعلامي، وبسببه ينعدم التمييز بين اللاجئين ليصبحوا جميعاً محل شبهة.

لقد كنا قبل أسابيع أمام تمرين يستفيد منه بوتين بفضل الانقياد إلى الجانب الذي يُراد التركيز عليه، فعندما ارتكب عبدالله أنزوروف جريمة ذبح المدرس صامويل باتي جرى إهمال السياق الكامل للقاتل واختزاله بذلك الإسلامي المتطرف. تنسى، أو تتناسى، الأغلبية الساحقة من متابعي الحدث أن الجاني شيشاني، من بلد خضع لسياسة الأرض المحروقة التي كان بطلها بوتين شخصياً، ولولا جرائم الإبادة الجماعية تلك لما وصلت عائلته إلى فرنسا طالبة اللجوء. أبعد من تلك الجريمة، رغم غياب الإحصائيات، لا يصعب علينا ملاحظة البلدان المصدرة للاجئين في المرحلة التالية على الاستعمار، وغالبيتهم أتت من بلدان حكمها الاتحاد السوفيتي ثم روسيا أو دعما طغاتها، من دون نسيان مساهمة الصين على هذا الصعيد أو آثار العهد الكولونيالي في بعض الحالات. وكما هو معلوم، لا نفتقر إطلاقاً إلى إسلاميين وأنصار لهم تقودهم غرائزهم إلى الإرهاب أو تشجيعه، أي إلى السلوك الذي يغطي على جرائم أكبر لأمثال بوتين وبشار، بل يكاد يصنع منهما أبطالاً مشاركين في محاربة الإرهاب.

تنظيم مؤتمر فاشل بكافة المعايير، ثم الإصرار على أنه حقق نجاحاً، لا يندرجان ضمن غباء روسي خاص. المطلوب من المؤتمر كان إطلاق تلك الرسائل التي لا يجب عزلها عن عمل الماكينة الإعلامية الروسية ككل، الماكينة التي لا تهمل تفاصيل صغيرة من نوع استخدام بشار كساعي بريد لتعليم الغرب كيفية التعامل مع اللاجئين، وصولاً إلى مستويات أرفع من الانقضاض على الديموقراطية كتصريح وزير الخارجية لافروف قبل يومين أن النظام الانتخابي الأمريكي عفا عليه الزمن، ويشوه إلى حد كبير إرادة الأمريكيين! 

المدنيين

————————

مؤتمر التهجير “الطوعي”/ بسام مقداد

نجحت روسيا في جمع “جحا وأهل بيته” من أهل الممانعة ، في المؤتمر الدولي لعودة المهجرين السوريين ، بمن فيهم صنيعة روسيا جمهورية أبخازيا ، إلى جانب الصين وإيران وباكستان وأربع دول أخرى . وشكل المؤتمر فرصة للأسد والكرملين وإيران لنفي مسؤوليتهم في تهجير السوريين ، وتحميلها للغرب وعقوباته ، وللسوريين المنتفضين على النظام السوري . ورفض الأسد الإعتراف بوجود مشكلة مهجرين سوريين ، وقال بانها مشكلة مصطنعة يستغلها الأميركيون والأوروبيون لتشديد الحصار والعقوبات على النظام ، كما أنها ليست مشكلة إنسانية ، كما يسميها الروس ، بل هي قضية وطنية ، تشكل الأولية لعمل جميع مؤسساته وإداراته .

وكان بوتين والأسد استبقا المؤتمر باتصال عبر آلية الفيديو كونفرنس ، أراده الكرملين دعماً قوياً للمؤتمر ، وتأكيداً من الأسد على “اقتناعه” بأهمية المبادرة الروسية لعقد المؤتمر ، وعلى العمل لإنجاحه . وشكل هذا التواصل دافعاً لإحدى كبريات الصحف السياسية الإتحادية “kommersant” لنشر تعليق ساخر بعنوان “النزوح العفوي” وعنوان ثانوي “روسيا تحاول مرة أخرى تصفية آثاره” ،  تساءلت فيه لماذا كل هذه العملية تجري الآن بالذات ، ولماذا هي محكومة بالفشل . واعترض التعليق ساخراً على تسمية الكرملين لتواصل بوتين الأسد باللقاء ، بينما هو موعد “rendezvous” ، لأن “القلبين غير الغريبين عن بعضهما ، لم يمسكا حتى بأيدي بعضهما” ، واعترف بوتين للأسد بقوله “أنا سعيد برؤيتك” .

والموعد تم تحديده ، ليس قبل انطلاق المؤتمر الدولي في دمشق ، بل في تلك الأيام ، التي ألقى فيها الشعب الأميركي بحمله الثقيل على كاهل جو بايدن ، المتحمس لتأكيد نفسه . ومن قال أنه لن يريد تأكيد نفسه في سوريا أيضاً ؟

ورأى الكاتب بين سطور نص الحديث : ” أجل ، نحن بالذات سنلتقي ونتحدث ، نحن ، فلاديمير بوتين وبشار الأسد . وسوف يكون كل شيئ عندنا في سوريا على هذا النحو بالذات ، وليس على نحو آخر. نعم عندنا بالذات ، وليس عندكم … وعلى كاهل من يقع هناك كل الحمل الثقيل ، لا يعنينا إطلاقاً ولا بأي شكل ، ولو للحظة واحدة ” .

ويتساءل الكاتب ، لكن بسخرية أقل ، هل كان لهذا اللقاء أن يترك تأثيراً على شيئ ما ؟ وهل نسي جو بايدن حتى أن يفكر بسوريا؟ الجواب ليس مؤكداً ، بالطبع ، لكن “كان يجب أن نريهم من نحن ومن هم”، على قول الكاتب.

أوجز الكاتب ما قاله بوتين في اللقاء ، بأن الجهود ، التي بُذلت في سوريا أعطت ثمارها ، وهذا جيد، لكن حجم الكارثة الإنسانية ـــــــ ولا يمكن تسميتها بغير ذلك ــــــــ يبقى كبيراً جداً ، وهذا ما يتمحور حوله المؤتمر . وأطلع بوتين الأسد ، أن روسيا ترسل مع وفدها الكبير، الذي يضم ممثلي أكثر من 30 وزارة وإدارة ،  65  طناً من المساعدات الإنسانية ، لكنه لم يذكر له ، أن روسيا ستخصص مبلغ مليار دولار لمساعدة سوريا في الإعداد لعودة المهجرين والنازحين الداخليين .

ورد الأسد بقوله ، أن الكثيرين فروا بسبب الخوف من الإرهاب ، والآخرون بسبب دمار البنية التحتية وفقدان منازلهم ، وأنهم لا يستطيعون العودة بسبب حصار سوريا الإقتصادي ، الذي فرضه الغرب بزعامة الولايات المتحدة ، بسبب الدور التاريخي الشخصي لبشار الأسد في التسوية السورية . ويرى الكاتب ، أن الأسد لا يعنيه من هذا المؤتمر أي أمر ، ولا حتى 65 طناً من المساعدات الروسية الإنسانية ، بل هو معني فقط بخرق هذا الحصار ، أي أنه لا غنى عن جو بايدن ، مع أنه “كان بودنا ذلك كثيرا ” .

الإعلام الروسي ، الذي نادراً ما تذكر المدنيين السوريين ومآىسيهم خلال سنوات الحرب ، وكان منهمكاً في تعداد إنتصارات القوات الروسية وبطولات الطيارين الروس في قصف الأهداف المدنية السورية ، فجأة عاد وتذكر هؤلاء المدنيين ، لكن فقط من باب تحميل الغرب وعقوباته وحصاره مسؤولية تهجيرهم ومآسيهم.

أسبوعية “AIF” الأكبر في روسيا ، غطت مراسلتها نشاطات المؤتمر في دمشق ، ونشرت مقالة بعنوان “أعيدوا البيت للأطفال . في دمشق يناقشون عودة المهجرين السوريين” ، وصفت فيها المؤتمر ، بأنه المؤتمر الدولي الأول بشأن هذه المشكلة ، و”بهذا الحجم الكبير” . وذكرت ، أنه في صالة المدخل إلى قاعة المؤتمرين ، أقيم معرض لرسومات الأطفال السوريين المولودين خارج سوريا ، والذين طُلب منهم رسم أهم شيئ بالنسبة لهم . وجاءت جميع الرسومات تحمل رسم البيت الموروث عن الجدود ، الذي يريده كل صغير سوري مبعد عن وطنه بإرادة الكبار الغرباء .

وقالت الأسبوعية ، بأن الحرب السورية ، التي استمرت عشر سنوات ، واندلعت بإرادة الغرباء ، الذين يعيشون في بلدان أخرى غنية وهادئة ، اتسمت بالقتل الوحشي للمدنيين ، والمعارك المتواصلة ، والجوع ، والمنازل المدمرة ، وفقدان العمل ، مما أجبر السوريين على ترك وطنهم . وقد فروا أسراً كاملة لا تعلم ماذا ينتظرها ، وكانت تنتظرها شوادر مخيمات اللاجئين ، والصدقات الهزيلة من البلدان الغنية تلك ، والمستقبل المجهول .

صحيفة كومسومولسكايا برافدا المخضرمة ، والتي توصف بالصفراء ، نشرت بمناسبة المؤتمر نصاً بعنوان “تم العثور على الأماكن ، حيث تُربي الولايات المتحدة وتركيا مقاتلين من أجل القفقاز” ، وعنوان ثانوي “كل هذا يجري في “مخيمات المهجرين” من سوريا . كيف يمكن القضاء على هذا” . وكباقي المواقع الإعلامية الروسية ، وصفت الصحيفة المؤتمر ، بأنه “مبهر” بحجمه ، ويناقش مشكلة “هائلة” أيضا بحجمها. وتنقل الصحيفة عن مدير الوكالة الإتحادية لشؤون الروس خارج روسيا يفغيني بريماكوف (حفيد يفغيني بريماكوف المعروف) قوله ، بأنه كان يريد لو أن البلدان (الغربية) ، التي استثمرت في تدمير سوريا ، تدفع ديونها تجاه هذا البلد . وتعلق الصحيفة على قوله ، بأن أحداً من المؤتمرين لا يأمل بمثل هذه الرحمة ، وفي الشرق الأوسط مضى إلى غير رجعة زمن الامال المعقودة على الغرب .

موقع نوفوستي لترجمات الصحف العالمية “INOSMI” ، وحين أُعلنت فكرة المؤتمر في مطلع الشهر المنصرم ، نشر نصاً خاصاً بعنوان “المؤتمر الروسي بشأن مشكلة اللاجئين السوريين أثارت الإرتباك وسط الأطراف المعنية” . وقال الموقع بأن قرار وزارة الدفاع الروسية عقد مؤتمر دولي في دمشق بشأن مشكلة اللاجئين السوريين ، أثار ردة فعل متناقضة وسط الأطراف المعنية المحلية والدولية . الحكومة السورية عبرت عن “بعض الإنزعاج من هذه المبادرة” ، المنظمات الدولية والبلدان الغربية اعترتهم الحيرة بشأن سبل تنفيد المقررات المفترضة للمؤتمر ، خاصة تلك المتعلقة بشروط عودة اللاجئين ، والتسوية السياسية وإعادة إنعاش الإقتصاد السوري .

كلمات المشاركين في مؤتمر “جحا واهل بيته” توزعت بين إتهامات روسيا للغرب بعدم تقدير جهودها لمعالجة مشكلة اللاجئين السوريين ، الذين يترعرع وسطهم الإرهابيون ، الذين يرعبون الحواضر الأوروبية بجرائمهم ، وبين رد الغرب على روسيا ، بأن مبادرتها لعقد مؤتمر عودة اللاجئين سابقة لأوانها ، وأن النظام السوري غير مستعد لعودة المهجرين ، وبين تنصل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين من المسؤولية عن تهجير السوريين . وتفيد هذه الكلمات ، بأن السوريين قرروا اختبار سياحة النزوح إلى أرجاء الأرض ، فشدوا الرحال في تهجير طوعي  ، وليس فراراً من عسف النظام وسجونه وآلته للقتل والتعذيب .

المدن

—————————

تحت سقف سيادة الرئيس/ رشا عمران

من يستمع إلى كلمة بشار الأسد في مؤتمر خاص بعودة اللاجئين السوريين، عقد قبل يومين في دمشق، يظن أن كائنات فضائية هجّرت هؤلاء اللاجئين من بلادهم، أتت ودمرت سورية وقتلت من قتلت وهجّرت من هجّرت، ثم اختفت، وها هو “السيد الرئيس”، الذي يرى “مسألة اللاجئين إنسانية”، يعقد مؤتمراً خاصاً باللاجئين، طالباً منهم العودة إلى ديارهم، واعداً إياهم بحياة هانئة ورغيدة، إذ يمتلك سوري الداخل حالياً بطاقة ذكية تمكّنه من الحصول على أنبوبة غاز وبعض وقود التدفئة، كما يمكن للسوري أن يحصل على ربطة خبز كل أسبوع… يا لهذه النعم! ويمكنه أيضاً أن يستخدم الكهرباء عدة ساعات متفرّقة خلال يومه. ما الذي يريده اللاجئون أكثر من هذا حتى يعودوا إلى سورية الأسد، التي “يخلو تاريخها من هجرة جماعية”، كما قال، محملاً دول الغرب مسؤولية عدم عودة اللاجئين إلى بلادهم، بسبب “ما تمارسه عليهم من ضغوط”!

المفارقة أنه، باستثناء لبنان، ولا دولة من الدول المشاركة في المؤتمر استقبلت لاجئين سوريين، لا روسيا ولا إيران ولا الهند ولا باكستان ولا الصين ولا البرازيل ولا عُمان. ولا الإمارات، أول من بدأ بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري من الدول العربية، وأول المطبعين، في هذا الموسم، مع العدو الإسرائيلي الذي كان يجب أن يرسل مندوباً عنه إلى المؤتمر كي تكتمل الهستيريا.

ما الذي يريده نظام الأسد من هذا المؤتمر الذي قاطعه الاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم؟ أو بالأحرى ما الذي تريده روسيا، كونها هي من دعت إلى المؤتمر، وكونها بمثابة دولة الوصاية على سورية حالياً؟ ومن هم اللاجئون المعنيون بالمؤتمر؟ هل هم الذين يعيشون في المخيمات في الدول المحيطة؟ إن كان هؤلاء المقصودون، فإلى أين يعودون؟ لم يعد لغالبيتهم أماكن للعيش. بيوتهم هدمت، أو احتلتها مليشيات الأسد ومليشيات الفصائل الإسلامية. ثم وجود هؤلاء يخالف نظرية التجانس التي حكى عنها الأسد سابقاً. وحتماً الروس أذكى من أن يعتقدوا أن من لجأوا إلى أوروبا سوف يعودون فعلاً إلى سورية، ويتركون حياتهم الآمنة المستقرة، وهم يرون القهر الذي يعانيه المواطن السوري داخل سورية، حتى مؤيدي نظام الأسد والمدافعين عنه لن يتركوا أمانهم ليعودوا إلى حيث الفلتان الأمني والفوضى وانعدام شروط الحياة الإنسانية، فما بالك بمعارضيه المطلوبين لمعظم الفروع الأمنية، أو الهاربين من الجيش من الرافضين الخضوع لقانون الحرب الذي يجعل منهم قتلة أو مقتولين.

لو افترضنا حسن النية في المؤتمر، كيف سيتم تأمين البيئة المناسبة لعودة الراغبين فعلاً في العودة؟ هل تم الإعلان عن عفو عام عن ملايين المطلوبين في الداخل والخارج؟ والأهم هل تم أي بحث بشأن مئات آلاف المعتقلين في سجون الأسد، والمختفين منذ سنوات طويلة؟ هل تم الكشف عن المقابر الجماعية التي دفن فيها آلاف المقتولين تحت التعذيب، والذين تم إعدامهم في السجون من دون أن تسلم جثثهم إلى عائلاتهم؟ ما هي الضمانات التي وضعت لكي لا يتم التنكيل بمن يرغب بالعودة، كما حدث مع عشرات العائدين ممن فقدت أخبارهم إثر عودتهم؟

السياسة الروسية أذكى من أن تعتقد أن شيئاً كهذا سوف يحدث من دون حل سياسي شامل، ومن دون توافق دولي على حل القضية السورية حلاً نهائياً. هل الأمر إذاً أن روسيا أرادت استباق ما قد يكون معدّاً لسورية بعد استلام جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً وأن الرئيس الروسي، بوتين، تربطه علاقات وثيقة مع ترامب، وامتنع حتى اللحظة عن تهنئة بايدن بالفوز؟ هل أراد بوتين أن يقول لبايدن أن لا حل سورياً سوف ينجز إلا وروسيا جزءٌ أساسيٌّ منه، بما فيها إعادة الإعمار، والذي تتحضر له الدول والشركات المستثمرة منذ مدة؟

في كل حال، ليس هذا المؤتمر سوى كوميديا سوداء أخرى تحدُث في سورية، كما سابقاتها: مؤتمر عن عودة اللاجئين وهناك عشرات من السوريين عالقون على الحدود بين سورية ولبنان، لأنهم لا يملكون مائة دولار، المبلغ الذي فرضه النظام على كل سوري يريد الدخول إلى سورية، في سابقةٍ لم تحدث في التاريخ. وهناك آلاف في الداخل السوري يحلمون بالخروج من سورية الأسد. يكفي إلقاء نظرة على تعليقات سوريي الداخل على المؤتمر، ليرى من لم يرد أن يرى يوماً ماذا يحدث في سورية تحت سقف سيادة الرئيس.

العربي الجديد

——————————-

لماذا يعود اللاجئون لزريبة وخربة بشار الأسد؟/ د. فيصل القاسم

زريبة وعزبة، بشار أو «سوريا سابقاً» نعم، وعذراً لقبح وبشاعة وفظاظة التعبير، فسوريا الأسد، اليوم، ليست أكثر من مجرد عزبة خاصة وحظيرة لا تصلح للعيش اليوم حتى للبهائم، والتيوس الحيوانات، في ظل انعدام الأمن والأمان وسيطرة القتلة والشبيحة والزعران والمافيات، والانهيار التام لأي شكل من أشكال الخدمات، فلا كهرباء ولا ماء، ولا محروقات، ولا غذاء، ولا دواء، ولا مواصلات يواكب ذلك كله ارتفاع جنوني بالأسعار، بموازاة تردٍ غير مسبوق للعملة الأسدية. وكان أبو البراميل رأس النظام الإرهابي الذي بات يناديه السوريون بالمهرّج والطرطور والمجرم السفاح، زعيم المافيا السورية وحامي حمى اللصوص وعصابات النهب والحرامية الذي صرح علناً أن لا مشانق للصوص والفاسدين، قد دعا المهجّرين والهاربين السوريين من بطشه وبراميله ممن شرّدهم في أصقاع المعمورة للعودة إلى سوريا وذلك في لقاء ثنائي افتراضي جمعه مع مجرم الحرب الآخر رئيس روسيا فلاديمير بوتين، وذلك عشية إقرار «المختار» لقانون وباب سرقة وابتزاز جديد يطال المكلفين فيه بخدمة العلم بفرض أتاوات وخوّات باهظة جداً تصل لعشرة آلاف دولار يدفعها للعصابات الحاكمة كل من لا يرغب بأداء خدمة العلم، الأمر الذي أثار موجة عارمة من السخط والغضب في صفوف السوريين.

ولا يدري المرء، إذ يسمع مثل هذا العجن والخلط، هل الرجل جاد وواع بما يقول، وهل هو بكامل ملكاته العقلية، إذ يدعو من قتلهم وشردهم وسرق لقمة عيشهم والفرحة من وجوهم ويتـّمهم ورمّل نساءهم وثكل أمهاتهم للعودة والعيش ثانية تحت رحمته، وبعد أن حوّل حياتهم إلى جحيم وكابوس لا يطاق هو والعصابات والمافيات والعائلات المجرمة التي تتحكم بلقمة الخبز وتجبر المواطن على دفع خوة وأتاوة عن كل حبة سكر ورز تتناولها لآل الأخرس وآل الدباغ وسواهم من ورثة العرش المافيوزي المخلوفي المجرم، وبات المواطن السوري اليوم، فعلياً، تحت رحمة هذه العائلات والسلالات القدرية التي لا تتورع، أبداً، عن إذلال وقهر وقمع وإهانة المواطن السوري ومرمطته وشرشحته أمام الأفران ومحطات الوقود وما تسمى السورية للتجارة (شركة سلب ونهب تملكها إيما الأخرس وآل الدباغ أقرباء الطرطور من أصوله الكردية من خانقين و«الدم بيحن» كما يقولون وهم نجوم المافيا السورية الجدد الصاعدون بعد الانقلاب على مافيا الطائفة العلوية التي أدارها آل مخلوف لخمسة عقود.

ويتساءل، كثير من السوريين، والحال، مع دعوة بشار هذه، إلى أين سيعود المواطن والمهجّر السوري الذي نجح في الهرب والإفلات من قبضة هذه المجرم وعصاباته، وتذوّق طعم الحرية، وعرف معنى ولذة الكرامة، وشبع الأكل ونام قرير العين مع أسرته وأطفاله بحضن «الإمبرياليين» و«الصهاينة» الذين كان يسمع عنهم في إعلام العصابة المجرمة، وبات يستلم معونات ورواتب خرافية قياساً بالليرات الهزيلة التي كان يتلقاها في كنف الطرطور الذيل ويحظى بتعويضات شهرية بالعملات الصعبة له ولكل أفراد عائلته دون أن يساومه عليها أحد أو يقتطع منها و«يلهط» نصفها ذيل الكلب وزمرته الفاشية المنحطة الحاقدة على السوريين، أو يحاسبه أحد بأسعار تصل لأقل من نصف قيمتها الحقيقية ويسأله من أين أتيت بالدولارات؟

وهل بعد أن عرف هذا السوري الناجي من محرقة عصابة «خانقين» الإيرانية التي ادعت الانتماء لسوريا والسوريين زوراً وبهتاناً، طعم الحرية، ونعمة العيش الرغيد، ولذة الأمان من بطش الجلاوزة والمحققين والمخبرين السريين، وحلاوة البحبوحة، ونور الكهرباء، وسلاسة المواصلات، ويسر الحياة، ووداعة السلطات، وتلمس لمس اليد معنى الدولة و«الوطن» هل سيعود للقفص، و«عزبة إيما» والزريبة والحظيرة والسجن وللقبر والمعاناة اليومية مع الجوع والقهر والخوف والرعب والذعر والتشبيح بالشوارع من قبل الزعران والقتلة والمجرمين الذين يحظون بغطاء قانوني وحماية خاصة من ذيل الكلب المجرم ويستشهد، ويستذكر السوريون، وخاصة بمناطق سيطرة المجرم، وتحديداً بالساحل السوري، كيف يصول ويجول الشبيحة القتلة الزعران المجرمون بالشوارع بسياراتهم الفخمة «المفيمة» والتي تسير بلا لوحات بالطرقات وينصبون الحواجز الطيارة لخطف السكان وإنزالهم من وسائط النقل العامة وخاصة الشبان وسوقهم وزجهم في ساحات القتال للدفاع عن ذيل الكلب الذليل، وينتهكون أعراض النساء وحرمات البشر، ويستهدفون الآمنين ويصطادونهم برشاشاتهم ومسدساتهم وهم يتدربون على إطلاق النار على المدنيين الأبرياء بالشوارع، ويستذكرون كيف قام المجرم الموتور سليمان الأسد ابن المجرم المقبور الإرهابي هلال الأسد أحد أكبر المجرمين الذين عرفتهم المنطقة، في شهر آب/أغسطس، من العام 2015، باصطياد وقنص العميد المهندس الدكتور الشهيد حسان الشيخ، الضابط العامل بالجيش السوري، واغتياله، أمام المارة، وهو على رأس عمله، وفي وضح النهار، وبالشارع العام، ودون أن تقوم السلطات الأسد باعتقال المجرم، أو محاكمته، بل ظل حتى اليوم، حراً طليقاً، ينعم بحماية ورعاية خاصة و«دعم» مباشر، من والي المهاجرين جزار سوريا، وأكبر مجرم معروف في العصر الحديث الذي قتل وشرد ملايين السوريين.

والسؤال البديهي البسيط، هل يعود هذا السوري المثقل بالهموم والذكريات السوداء والمعاناة اليومية الشاقة لتأمين لقمة العيش المرة، لزريبة وحظيرة مهجورة مدمـّرة مقفرة متسخة مظلمة خاوية على عروشها وتصفر فيها الرياح، ولسجن كبير لا قانون ولا دستور ولا مؤسسات فيه، استباحته شراذم وطغم ومافيات وعائلات النظام المجرم المنحط الذي بات يساوم المواطن ويبتزه بكل حب رز وسكر ورغيف خبز ولا ينعم فيه بالكهرباء بأكثر من ساعتين باليوم؟

هل يعود لتبتزه السلطات على الحدود وتسرق منه 100 دولار و«على عينك يا تاجر» كما يقال؟ أم هل يعود ليقف على طوابير الذل والمهانة والعار الطويلة التي لا أول ولا آخر لها أمام الأفران ومحطات الوقود ويقضي الساعات هناك؟ وهل هذا السوري على استعداد لأن يستبدل «بطاقات الائتمان» والفيزا الغربية الأنيقة ببطاقة «إيما» وابن الدباغ الغبية الشريرة التي تسرقه كيفما تحرك وتبتزه برغيف الخبز؟ أم سيعود، وفي ذاكرته صور التعذيب التي التقطها قيصر، ليضع نفسه، مجدداً، تحت رحمة وتسلط ورعونة وتجبر وإجرام المخابرات السورية وانتظار الموافقات الأمنية لشهور ودهور من أجل شراء علبة متة وجرزة بقلة، والوقوع مجدداً تحت جبروت الأجهزة الأمنية الفاشية المجرمة وجنرالاتها الفاشيست المطلوبين بالجملة والمفرق للجنائية الدولية ومحاكم مجرمي الحرب الذين زربوا ملايين السويين بالسجون والأقبية التي باتت تغص بالأحرار والشرفاء والوطنيين السوريين؟

ختاماً، من منكم لم يرَ «أقفاص» الحديد والشبك الحديدية الحقيقية، التي تشبه «اقفاص» زرب والاتجار بالعبيد في رواية أليكس هيلي الشهيرة «الجذور» تلك الصور المؤلمة التي تناقلتها، وعلى نطاق واسع، وسائل التواصل، لسوريين زُربوا وحشروا كالبهائم والطرش والحيوانات بأقفاص حديدية لا تليق بالبهائم، في زريبة وعزبة بشار الخانقيني من أجل رغيف خبز مغمس بالذل والدم والقهر والعار؟

أفيدونا يا ناس يا عالم يا «هووو» من هو المجنون والأهبل والمغفل و«الأجدب» الذي سيعود لزريبة بشار وقفص المجرمين والجلادين والسجانين وسفاحي العصر الكبار؟

القدس العربي

—————————–

مؤتمر اللاجئين..روسيا تربك النظام والمعارضة!

بينما كان فرن ابن العميد في حي المزة في دمشق يكتظ بطابور السوريين المكافحين للحصول على رغيف الخبز، كان المشاركون في مؤتمر عودة اللاجئين المنعقد في قصر المؤتمرات على بعد مئات الأمتار من هذا الطابور يدبجون بيانهم الختامي مساء الخميس.

لم يحمل البيان ما يمكن الوقوف عنده، وانما اكتفى بسرد العبارات المكررة التي تصف الصراع في سوريا من وجهة نظر النظام، باعتباره “حرباً على الإرهاب الذي تسبب بفرار الناس وتهجيرهم، وأن الحل السياسي يجب أن يقرره السوريون ويقوده بأنفسهم، وأن الغرب وغيره من القوى والدول التي رفضت المشاركة في هذا المؤتمر، إنما يريدون المتاجرة بقضية اللاجئين السوريين والاستثمار السياسي بمأساتهم”.

ولعل اللافت الوحيد في البيان هو الحديث عن “استعداد الحكومة السورية لإعادة مواطنيها إلى أرض الوطن ومواصلة جميع الجهود لتوفير عيش كريم لهم”.

تبدو العبارة الأخيرة كاريكاتورية بالفعل، لكنها لم تظهر فجأة بين سطور البيان الختامي للمؤتمر الذي اقتصر الحضور فيه على دول قليلة، بل كان واضحاً التركيز عليها من قبل إعلام ومسؤولي النظام بشكل مكثف مع انطلاق أعمال المؤتمر، من دون أن يقدموا تفسيراً واحداً لكيفية تحقيق هذه الوعود، في الوقت الذي تعجز فيه حكومة النظام عن توفير مستوى العيش الكريم لمن بقي من السوريين.

اللافت أيضاً هو التحول السريع من التهجم المستمر على من غادر البلاد وتوجيه اتهامات مختلفة له، بل وغالباً تهديدات أيضاً، إلى الدعوة الحميمة لعودته (إلى الوطن) والتعهد بتقديم كل التسهيلات والخدمات له، وهو تحول يستجيب حكماً للموقف الروسي الذي أصر على عقد هذا المؤتمر رغم كل المؤشرات على فشله.

إصرارٌ جعل المعارضة تصاب بالإرباك وهي تحاول فهم أسبابه، لذلك هربت باتجاه الاكتفاء بالسخرية منه والتقليل من أهميته، وهو ما يرفضه رئيس الهيئة السياسية في إدلب رضوان الأطرش، الذي يعتبر في تصريح ل”المدن”، أن هذا التعاطي يذكر بتعاطي الثوار والمعارضين السوريين مع مؤتمر سوتشي الذي عقد عام 2018 برعاية روسية، ليتبين لاحقاً أن الروس كانوا يخططون لأمر آخر عرفه الجميع لاحقاً، وهو تكريس مسار الاصلاح الدستوري بدل تغيير النظام من خلال اللجنة الدستورية.

وأضاف أن “ردة فعل الثورة وبعض المعارضة تجاه مؤتمر اللاجئين شبيه تماماً بردة الفعل السابقة حول مؤتمر سوتشي، لكن السؤال الأهم هو: هل ألقت روسيا بالاً لهذه الردود أم تابعت مخرجات مؤتمر سوتشي، وهل ستلقي بالاً للسخرية من مؤتمر اللاجئين أم ستتابع مقرراته ونتائجه؟”. ويتابع: “ما أخشاه أن يتم مباركة هذا المؤتمر بعد فترة قريبة وتكون بداية المباركات من اجتماع أستانة المقبل ومن بعدها الوسيط الأممي، ومن بعده الدول المتدخلة بالشأن السوري تباعاً”.

أمر يتفق معه به الكاتب السوري المعارض غياث كنعو الذي ينبه في حديث ل”المدن”، من خطورة الرغبة الروسية في التشجيع على عودة اللاجئين وفي التحريض من أجل إعادتهم، برغبتها في جعل أكبر عدد ممكن من السوريين يشاركون في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة صيف 2021 لإضفاء شرعية أكبر على هذه الانتخابات. ويضيف أن “الإصرار الروسي على عقد هذا المؤتمر رغم كل مؤشرات فشله ليس أمراً ساذجاً بل ينطوي على أهداف سياسية واقتصادية بكل تأكيد”.

اقتصادياً، فإن معن طلاع، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، يقول ل”المدن”، إن روسيا تعمل على تحويل كافة الاستحقاقات السياسية (إعادة الإعمار وعودة اللاجئين والبيئة الآمنة وما تتطلبه من تغييرات) إلى تحديات اقتصادية ينبغي على المجتمع الدولي الانخراط مع النظام لتنفيذها.

ويضيف أن “موسكو تدرك أن ملف اللاجئين يشكل ضغطاً على الدول المستقبلة، وحاولت أن تستثمر هذه النقطة ودفع هذه الدول للانخراط ببرنامجها المتعلق بعودة اللاجئين. وبعد فشل هذا البرنامج تأتي الدعوة اليوم مرة أخرى لمؤتمر للاجئين في دمشق كمحاولة تسويق سياسي للنظام، من جهة ورسائل للدول المستقبلة بقدرة موسكو على تنفيذ هذه العودة من جهة ثانية، ومن جهة أخرى فإن أي عودة للاجئين، لا سيما “النوعيين” من أصحاب رؤوس الأموال تشكل نقطة تحريك مهمة لعجلة الاقتصاد”.

ويذكّر المحلل الاقتصادي عبد الرحمن أنيس بأن “روسيا تدخلت في الحرب لحماية النظام، واليوم تدرك أنها إذا لم تدفع نحو المزيد من الجهود لاستقرار الوضع في سوريا فستكون خارج دائرة المستفيدين”. ويضيف ل”المدن”، أن “روسيا، ككل الدول التي تدخلت مباشرة في الملف السوري، لها أطماع اقتصادية، وخلال سنوات تدخلها بسطت موسكو سيطرتها على كثير من مصادر الثروة السورية، كحقول الفوسفات والموانىء البحرية والمطارات، وتتطلع إلى خطوط تجارة المواد الاساسية الواردة لسوريا، إلا أن العقوبات الأميركية حالت دون هذا، وبالتالي فهي تحاول من خلال هذا المؤتمر تجاوز هذا العائق”.

يمكن القول إن الارباك هو القاسم المشترك الذي يجمع كلاً من النظام والمعارضة في تعاطيهم مع الإصرار الروسي على عقد مؤتمر اللاجئين في دمشق، بل والتأكيد على أنه الأول وستتبعه مؤتمرات أخرى، يعزز فكرة أن لدى موسكو مخططاً متكاملاً على هذا الصعيد لا تكترث معه لردود فعل المعارضة الساخرة وصقور النظام الغاضبة.

المدن

—————————–

عن مؤتمر عودة اللاجئين/ معبد الحسون

يومَ كنّا أطفالاً، كنا نسمع نكتة متداولة من عديد النكات الشائعة؛ نكتة تقول: إن جحا قد طلب منه ابنُه أن يخطب له بنت الملك. فوافق جحا على مشروع ابنه، وفي صباح اليوم التالي خرج هو وزوجته وابنه متجهين إلى قصر الملك، ليخطب ابنته لابنه. في الطريق سأله الناس عن وجهته، فأجابهم دون لبس أو تكتم عن قصده لقصر الملك، ودون لبسٍ أيضاً اعترف على ملأ من الناس بنيته خطبة ابنة الملك لابنه. مضيفاً هذه الملاحظة: حتى الآن نصف الأطراف المعنية بالموضوع موافقة على مسألة هذه الخطوبة؛ أنا وابني وزوجتي. بقي أن نعلم رأي النصف الآخر: الملك وابنته وزوجته.

الواقع أن هذه النكتة لم تعد نكتة بعد اليوم. فقد أثبتت الوقائع أنها تقترب من أن تكون ممارسة سياسية، تشارك فيها دولٌ عظمى وإقليمية ومتوسطة. منها مثلاً روسيا وإيران ونيجيريا والصين وكوريا الشمالية ولبنان والإمارات وباكستان وعُمان. وهي النصف الأول الموافق على خطبة ابنة الملك. أو هي بالأحرى، الأطراف المتحمسة والساعية لعودة اللاجئين، مقابل رفض واستهانة تصل إلى حدود السخرية الممتزجة بالدهشة، من قبل النصف الآخر، المعني بالمسألة أساساً، وهي ـ أو معظمها ـ الدول المضيفة للاجئين، إضافة إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا ومعظم دول الخليج والأردن. وفضلاً، وقبلاً عن كل هؤلاء؛ اللاجئون أنفسهم، أصحاب العلاقة في الموضوع.. ودعْكَ من نظام الأسد الذي عَوَّدَنا قبل هذه النكتة بزمن طويل، على أنه نظام غير مسؤول عن تصرفاته، وعن كثير من المسالك الغرائبية التي لا تستقيم وفق أي حساب منطقي، ولا عن كل سلوك غريب مفاجئ وشاذ وغير متوقع.

تَسَجَّلَ النظام الأسدي الذي لا يزال يعدُ نفسَه حاكماً في دمشق وما حولها ـ مع شكنا الكبير بذلك ـ أو سجَّلَ نفسه كأول نظام في تاريخ البشرية قاطبة، يقدم على تهجير نصف شعبه. وهو ما يزال مثابراً على السلوك نفسه، المستهدِف للنصف الآخر، الذي لمّا يزلْ يرزح تحت تحويطة سيطرته. المنظمات الدولية صنّفت سوريا بأنها البلد الذي يشكل فيه اللاجئون ما نسبته 8% من نسبة اللاجئين حول العالم. (وهذه الأرقام مسجلة قبل سنتين). وهي نسبة باتت تقارب عُشْر سكان البشرية الذين هَجَروا أرضهم نتيجة الصراعات والحروب الأهلية، والتي كان من أبرز نتائجها على المستوى السوري، الاعتقال

والخطف والتعذيب في غياب تام لأي قانون سوى قوانين الغاب. فضلاً عن القتل الفردي والجماعي، بما في ذلك استخدام أسلحة حربية محظورة ـ كالأسلحة الكيماوية ـ لإبادة المدنيين، وتدهور الحاجات الأساسية الغذائية للسكان، فضلاً عن دمار البنية التحتية وتعطلها الكامل. وكذلك بسبب الفقر وانعدام الأمن.

المدهش في الذاكرة والمشهد العام، أن كلَّ لاجئي العالم اليوم، وعبر التاريخ الماضي، كانوا يفرون من أعداء خارجيين، أو من قوى متسلطة ثائرة على الدولة والمجتمع، ولم يعرف العالم قط حاكماً أقدم على تهجير نصف شعبه قبل بشار الأسد. وفي ظروف مواتية أو مشابهة، لو أتيح له أن يهجره كله لفعل بلا تردد.

القيادة الروسية الحالية، وهي ربما كانت الساعي الأول، والمتحمس الأول لجر النظام إلى هذا المؤتمر، وإلى الدفع بكل ما لديها من نفوذ، لا لنجاحه نسبياً، (وهو أمرٌ لا يتوقعه أحد)، ولا لمداراة خيبتها السياسية والعسكرية وغرقها في الوحل السوري، وليس محاولة يائسة منها لتخييط الجرح السوري على قيحه، ونزيز روائحه التي زكمت أنوف العالم أجمع، وإنما فقط لعقده وتظهيره دولياً، بحسبانه/ـها أن نجاحه/ـها المفترض إعلامياً، قد يصبُّ في صالحها. فالروس متحمسون كثيراً ليبرهنوا على أن تدخلهم في سوريا أفضى إلى إعادة الاستقرار “للدولة السورية” ـ كما يفضلون استعمال المصطلحات ـ ويثبتوا للعالم كله نهاية مساعيهم التي تكللت بالنجاح؛ فها هي سوريا قد استقرت وسكنت فيها المعارك، وتوشك أن تخلو من “الإرهاب والإرهابيين”، وها هو نظامها “الشرعي الوحيد”، ما يزال حياً يرزق، كما تؤكد على ذلك كل شاشات التلفزة والصور الصحفية المنقولة عنه؛ الصور الصادقة والمفبركة، والمُحَسَّنَة والمُقَبَّحَة، والأخبار المبشِّرة والمستبشرة المنقولة عنه، صحيحُها وكاذبُها، ومسْندُها وضعيفها وموضوعها.

أحسبُ تظنناً بأن المؤتمر الذي يتوقع الروس، ومعهم نظام الأسد، بأنه لن يحصد إلا الفشل والسخرية، لا يهدف إلى افتعال علاقات عامة تُحَسِّن، ولو قليلاً، من صورة القيادة الروسية فحسب، بل لعل له أهدافاً أخرى غير منظورة، وهي هذه المرة تُصَوِّب عيناً خفية على انتخابات صيف عام 2021 الرئاسية، والتي اشترط المجتمع الدولي لموافقته عليها، عودة اللاجئين إلى بلادهم، شرطاً مُلزماً قبل التفكير في إجراء انتخابات رئاسية، والذهاب شوطاً في هذه الخطوة. فالمؤتمر سوف يربك أرقام المهجرين والنازحين و”العائدين”، ولو لبعض الوقت، فإذا نجحت حملات العلاقات العامة، المصحوبة بحملات أكاذيب إعلامية ذات طابع مُشَوِّش، تؤكد بأن “العائدين” قد تجاوزوا عشرات الآلاف إلى الملايين، وحين سيغدو شرط عودة اللاجئين قضية خلافية، لا يستطيع أحد أن يبرهن على حجمها وحقيقتها، ولا مقدار أعداد العائدين، عندئذٍ فقط سيكون متاحاً شرط إعادة ترشيح الأسد للاستحقاق الرئاسي المتوقع. خاصة وأن النظام اللبناني، الحليف للأسد ونظامه، على أتم الجاهزية والاستعداد لأية شهادة زوْر قد تطلب منه بخصوص عودة أكثر من مليون لاجئ في لبنان وحده.

بقية النكتة التي بدأت بها هذا المقال، حول جحا وابنه وخطوبة ابنة الملك، متروكة للمخيلة العامة للمتلقي السامع. في أقل تقدير، إن ابن جحا حين سيُصْدم بفشل مشروع خطبته لبنت الملك، سوف يوازي إخفاقُه نجاحَ والده جحا، بحيث ستسجل الذاكرة الشعبية له يوماً ما، ملاحظة مهمة، فيكتب في سيرته التاريخية: هذا هو جحا الذي ذهب يوماً لكي يخطب لابنه ابنة الملك، ولكن النصيب والظروف لم تسعفه. خاصة أن روسيا أعلنت أنها قد “ترصد” مبلغ مليار دولار لمشاريع إعادة الإعمار، قابلاً للزيادة إذا تطلب الأمر. ولاحظ بأنها أعلنت أنها “ترصد”، ولم تقل “دفعت أو سوف تدفع”. والحياة فيها من “المجازي” أكثر مما تحفِلُ به من الواقعي والحَرْفي لفظاً.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية ويبقى بلا جواب: لماذا تحضر نيجيريا مثلاً هذا المؤتمر، بينما تغيب عنه جمهورية أفريقيا الوسطى أو الغابون أو ساحل العاج؟ ولماذا تحضر باكستان ولا تحضره بنغلادش؟ ولماذا كوريا الشمالية وليس توأمها كوريا الجنوبية؟ ولماذا عُمان وليس جزر القمر؟ خاصة أن المُعَوَّل عليه أن يعقب المؤتمر حملة دولية واسعة لإعادة الإعمار، يشارك فيها من الدول “الأخيار والأشرار”، والجن الأزرق والملائكة الأبرار.

تلفزيون سوريا

————————-

بشار الأسد يحتقر عقول السوريين بالتحليل الاقتصادي أيضاً/ عبد الناصر الجاسم

لا شك أن قصة أموال السوريين تشابه آلامهم وأحلامهم، فهي منهوبة ومغتصبة ومهربة منذ أواخر الستينيات، حيث إن تدفق الأموال لخارج سوريا لم يتوقف يوماً، وإن كانت الأرقام والمبالغ متباينة ومرتبطة بسياق السياسات والبلطجة الاقتصادية في الدولة السورية، وعلى اعتبار أن لبنان يمثل الخاصرة الحيوية والمُتنفس الاقتصادي والمالي لأصحاب الأموال والأعمال فقد كانت الوجهة الأولى للتدفقات المالية السورية، وربما لن تكن الأخيرة في كثير من الأحيان..

وكان الرقم الذي صرح به بشار الأسد أمام جمهوره حول حجم ودائع السوريين في لبنان يفتقر للمنطق والدقة حيث تأرجح بين 20 و40 مليار دولار، إلا أن هذا التصريح غني باللؤم والتنصل من مسؤولية الخراب الذي حل بالاقتصاد والمال السوري ومحاولة لرمي الكرة في ملعب المصارف اللبنانية والمودعين الهاربين بأموالهم وكرامتهم..

تناسى وأغفل عشر سنوات من الحرب العبثية والمدمرة للسوريين بدمائهم ومالهم وأرضهم، وما رافقها من آثار حصار وعقوبات وتعطل عجلة الاقتصاد الكلي بنسبة تزيد على 65٪ مما دفع ببعض السوريين بالفرار بأموالهم إلى لبنان ومصر وتركيا والإمارات، ولم يخطر بباله أن هناك بيئة اقتصادية طاردة وغير آمنة في سوريا، وذلك قبل عام 2011 حيث كانت مافيات المال تعبث بمقدرات البلاد بصيغة لا شريك لنا إلا الأسد، وحسب مصادر داخلية في سوريا فإن حجم ودائع السوريين في لبنان قبل اندلاع الثورة بلغ 16 مليار دولار، وشهدت مرحلة الثمانينيات تدفق مبالغ مالية كبيرة فرّت من سوريا وجزء منها توجه إلى المصارف اللبنانية، وحسب مصادر لبنانية مصرفية فإن حجم ودائع السوريين  في لبنان لا تتجاوز 8 مليارات دولار بعد 2011، وعموماً لكون عمليات الإيداع تتمتع بسرية مصرفية وجزء منها جاء بطرق غير رسمية فمن الصعب تحديد مبلغ ورقم دقيق، إلا أن تضخيم الرقم يأتي لاستخدامات سياسية.

ونظراً للتداخل الكبير في الأنشطة المالية بين سوريا ولبنان ووجود حوالي 40 فرعا لمصارف لبنانية في سوريا، والسمعة الائتمانية النظيفة للمصارف اللبنانية، وغياب الوعاء المصرفي الخاص لمدة طويلة في سوريا، وحالة انعدام الثقة بين السلطة السورية ومواطنيها من أصحاب الفعاليات والأموال، والدور التداخلي السافر للدولة في النشاط الاقتصادي فمن الطبيعي أن يكون هناك حجم ودائع للسوريين في الأوعية المالية اللبنانية، وللمعلومات لابد من الإشارة إلى أن المصارف اللبنانية كانت تحاول عدم قبول المزيد من الإيداعات السورية في مصارفها بعد 2012 خشية من عمليات تبييض أموال وسلوكيات لها تبعات سياسية وملاحقات دولية.

ومن زاوية ثانية وهي الأكثر خطورة فقد كان شركاء السلطة في سوريا في نهب خيرات ومقدرات البلاد من نفط وثروة معدنية وباطنية واتصالات واستثمارات مختلفة، يهربّون الأموال المنهوبة عبر لبنان إلى جهات واتجاهات أكثر أماناً، وكثير من السوريين يعرفون ويتداولون فيما بينهم – سراً آنذاك – قصص وحكايا الخط العسكري إلى لبنان الذي لا يخضع لأي نوع من الرقابة والتفتيش في حين يُساق مجند بسيط وسائق إلى سجون تدمر بتهمة تهريب فناجين القهوة وعلبة سجائر تضر بالاقتصاد الوطني، وإمبراطورية آل مخلوف التي يريد بشار الأسد توريثها لزوجته، تنقل الدولارات بأكياس الشعير والقمح لخارج الحدود وكأنها تنقل البرتقال.

وتعود الإيداعات السورية في المصارف اللبنانية إلى فئتين: أصحاب رؤوس أموال وحسابات الرواتب، ولازال الكثير من السوريين المهاجرين واللاجئين يرسلون تحويلاتهم المالية لذويهم في الداخل السوري عبر الأوعية المالية اللبنانية، ومن كل ما تقدم ذكره وما لم يتم الإشارة إليه تبقى معاناة السوريين هي عنوان المشهد المستمر.

والمثير للشفقة وللدهشة أن كل الأطراف المعنية بالحرب على الساحة السورية تعلمت واستفادت من الدروس، وغيرت وطورت بخطابها وطريقة تعاطيها مع الأحداث والأزمات المتلاحقة، بما في ذلك التنظيمات المتشددة والجهادية والمؤدلجة، باستثناء نظام الحكم في سوريا لازال في ذات العقلية العدائية والناكرة والمحتقرة لإرادة السوريين وفي نفس الخطاب الممجوج، فمنذ مجسمات للمتظاهرين في قطر والتظاهر مقابل الصندويش، وتخوين 75٪ من السوريين، وخلصت الأزمة، حتى آخر إطلالة لسيادته محللاً اقتصادياً فذاً يستغبي جميع السوريين ويحاول لفت أنظارهم فأثار سخريتهم وشفقتهم عليه.

تلفزيون سوريا

——————-

العودة برحيل الأسد لا بمؤتمر الاحتلال الروسي/ ماجد عزام

أفرغت حملة العودة تبدأ برحيل الأسد ضمن أسباب أخرى سياسية وأمنية واقتصادية ذاتية وموضوعية مؤتمر الاحتلال الروسي الذي عقد الأسبوع الماضي في دمشق حول عودة المهجّرين والنازحين من محتواه وجدواه، علماً أنه أي المؤتمر اختصر المشهد الراهن في سوريا، حيث الهيمنة الكاملة للاحتلال الروسي وتبعية نظام بشار الأسد التامة له، ورفض الغالبية العظمى والساحقة من أبناء سوريا العظيمة التخلي عن أحلامهم وأمالهم المشروعة التي انتفضوا من أجلها في ثورة الحرية والكرامة مطالبين بدولة مدنية ديموقراطية عادلة لكل مواطنيها.

أكد المؤتمر وبدون أدنى شك هيمنة الاحتلال الروسي الكاملة على مناطق سيطرة النظام، حيث دعت روسيا القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا إلى المؤتمر، كما شنت حملة سياسية وإعلامية واسعة للحشد والترويج له.

طبعاً الأهداف من عقد المؤتمر “الروسي” واضحة تماماً وتتمثل بتكريس الأمر الواقع الذي فرضته روسيا – ولا تزال – بالحديد والنار بعدما اتبعت سياسة الأرض المحروقة وارتكبت جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية بحق البشر والحجر في سوريا.

المؤتمر الروسي سعى كذلك إلى تعويم نظام بشار الأسد وإسباغ الشرعية عليه، وفي السياق طبعاً قطع الطريق على أي عملية سياسية جادة وعادلة وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما في ذلك إعلان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254، والدعوة لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار وفق الواقع الراهن، تأتي بغرض ترويج مزاعم انتهاء القضية السورية أو أنها في طريقها للانتهاء.

ثمة أهداف اقتصادية طبعاً للمؤتمر الروسي المشبوه تتعلق بجلب تمويل خارجي لإعادة الاعمار وإغراء بعض الشركات والدول “الهامشية والجشعة” للاستثمار بحجة تحقيق مكاسب مالية رغم أن النظام مفلس بالمعنى الحقيقي للكلمة، والأوضاع منهارة في مناطق سيطرته وعلى كل المستويات خاصة الاقتصادية والأمنية.

في هذه النقطة تحديداً لا يمكن تجاهل حقيقة عجز روسيا عن قيادة عملية عودة اللاجئين وإعادة الإعمار دون الحاجة لمؤتمرات وحشد دولي ولو امتلكت الإرادة والقدرة السياسية والاقتصادية لبادرت بنفسها إلى البناء والإعمار، كما تتصرف تركيا في الصومال وليبيا مثلاً والانتباه إلى أن القياس مع الفارق كون تركيا أخلاقياً وسياسياً إلى جانب الشرعية الدولية ومطالب الشعوب المحقة في الحرية والكرامة وتقرير المصير.

إلى ذلك كرس المؤتمر تبعية نظام الأسد التامة للاحتلال الروسي، حيث بدا وكأنه ذراع للاحتلال يشبه تماماً كيان العميل أنطوان لحد وسلطته الوهمية بجنوب لبنان في تسعينيات القرن الماضي، ومن خلال

الاتصال الهاتفي المصوّر بين الرئيس فلاديمير بوتين وبشار الأسد للإعلان عن المؤتمر، بدا الثاني كما في اللقاءات المباشرة السابقة بينهما تابع وموظف عند الأول ومن الدرجات الدنيا طبعاً.

الأسد ألقى خطابا في افتتاح المؤتمر “الروسي” أكد مرة أخرى حالة الانفصام والإنكار التي يعيشها في مواجهة الشعب المنتفض والثائر منذ عشر سنوات تقريباً، حيث كرّر أوهامه وترهاته عن الثورة، مخوّناً ملايين المهجّرين قسراً، وملقياً التبعية والمسؤولية على الخارج في سعي لإخفاء قيام نظامه بالتهجير المتعمد للسوريين عبر جرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية عقاباً لهم على الثورة ضده وفق قاعدة شبيحته سيئة الصيت، الأسد أو نحرق البلد.

فشل النظام في هزيمة الثورة دفعه للاستقواء بالخارج ولتحديث المعادلة سيئة الصيت لتصبح الأسد أو نحرق المنطقة. ومن هنا فإن التهجير المتعمد خارج الحدود هدف أساساً إلى الضغط على الدول المجاورة وابتزازها بورقة المهجرين للتعاون مع النظام ضد الثورة والثوار، أو مواجهة أعباء سياسية واقتصادية وأمنية وحتى تفجيرات وعمليات إرهابية، وقف النظام خلفها بشكل مباشر وصريح كما حصل في تركيا ولبنان في مناطق أخرى خارج الإقليم.

عموماً يشبه المؤتمر الروسي حول عودة اللاجئين السوريين الورشة الاقتصادية لصفقة القرن – رؤية ترامب – التي سعت الإدارة الأميركية من ورائها إلى شطب القضية الفلسطينية وتصفيتها، وفي الحد الأدنى إعطاء انطباع أنها حلت أو في طريقها للحلّ، وبالإمكان تهميشها والمضي قدماً وفق الأمر الواقع، حيث الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي سعت وتسعى الصفقة الأميركية لشرعنته تماماً، كما يسعى مؤتمر عودة اللاجئين المزعوم إلى شرعنة الاحتلال الروسي وتصفية القضية السورية العادلة.

طبعاً الجزء الملآن من الكوب تمثل برفض القوى الإقليمية والدولية المؤثرة والكبرى المشاركة في المؤتمر الروسي، كانت استثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها لجهة حضور دول وجهات مأزومة لا تستطيع سياسياً ولا اقتصادياً الانخراط في حملات الاحتلال الروسي للترويج لعودة اللاجئين وإعادة الاعمار. وعموماً بدت المشاركة الدولية أقرب إلى العلاقات العامة العبثية وعديمة الجدوى.

في هذا الصدد كان موقف لافت جداً للرئيس رجب طيب أردوغان الذي رفض مشاركة تركيا في المؤتمر، أعرب فيه عن أمله في بداية مسيرة سلام في سوريا على غرار ما حدث في قره باغ بأذربيجان ومؤكداً أن تحقيق ذلك يستوجب بالضرورة إقصاء نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية، ومبدياً استعداد تركيا الجاد للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية الفاعلة من أجل إنشاء سوريا جديدة تلبي تطلعات شعبها بشكل مباشر.

وفي هذا الصدد بالنسبة إلى التطلعات الشعبية يمكن القول أن البقعة بل المساحة المضيئة في المشهد السوري فيما يخص المؤتمر الروسي تجسدت بالرفض الشعبي الواسع له عبر حملة سياسية وإعلامية أفرغته من محتواه وجدواه، كما فضحت ضعف النظام وتبعيته وارتهانه للاحتلال الأجنبي. وفي السياق ثبتت القاعدة السياسية الصحيحة والواقعية لعودة المهجرين والنازحين قسراً عن بيوتهم ووطنهم المتمثلة برحيل بشار الأسد والتطبيق العادل والنزيه والأمين لقرارات الشرعية الدولية من خلال عملية سياسية عادلة بضمان وإشراف الأمم المتحدة ومرحلة انتقالية تقودها هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات بغياب الأسد ونظامه الإجرامي الساقط، كما التنظيمات الإرهابية الرديفة المتعاونة معه.

—————————–

اكذب اكذب حتى تصدّق.. مؤتمر اللاجئين نموذجاً/ ريما فليحان

هكذا نحن قاب قوسين أو أدنى من فقدان القدرة على الدهشة بشكل نهائي، يدهشنا نظام الأسد مرة أخرى بقدرته غير التقليدية على إدهاشنا مجدداً، نعم، إدهاشنا بمدى قدرته على الكذب ومدى ارتباط فعل الكذب هذا بالوقاحة والبلادة غير المسبوقة على الإطلاق.

يمارس النظام سياسة اكذب اكذب حتى تصدّق، وهي مقولة شهيرة لبوق النازية ووزير الدعاية الإعلامية، جوبلز، وما بنيت عليه البربوغندا النازية في حينه، ويبدو أنّهم يتشاركون فكرياً مع النظام السوري بسياسة الكذب والإجرام الممنهج كأساس لسياستهم، ولكن الأسد يتفوّق في هذا العقد دون أي منازع بالمقدرة على الكذب ضمن قالب من الوقاحة غير المسبوقة، فهم مثلاً “النازيون” وبعد ارتكابهم لأبشع الجرائم بحق اليهود الأوربيين في أوربا وألمانيا النازية، مثلاً لم يعقدوا مؤتمراً يدعون فيه الناجين من الهولوكست والمحارق للعودة الى ألمانيا النازية على سبيل المثال، لأنّهم يعلمون أّن اليهود ممن نجوا بأعجوبة لن يعودوا وهم يحكمون وهم لا يريدونهم أن يعودوا، لكن النظام السوري فعلها مع حلفائه الروس بكثير من الوقاحة غير المسبوقة تاريخياً، ليس محبة باللاجئين، فهو من هجرهم بالأساس ولم يكن يمانع موتهم أصلاً، ولكنه يقوم بهذا الطرح الآن ليدعم إعادة طرح نسخة جديدة منه، يحاول الروس تنقيحها للمجتمع الدولي وإظهارها لهم بمدى قابليته للتدوير كرئيس، فها هو يعقد مؤتمراً يدعو فيه لعودة الناجين من محرقته إليها من جديد، وفي قلب دمشق وبمشاركة دول حليفة له أو لحليفه الروسي والإيراني، بل إنّه فعل أكثر من ذلك، حيث أنّ بشار الأسد زعم في مؤتمره المدهش هذا أنّ اللاجئين السوريين ترغمهم الدول التي يقيمون بها على البقاء فيها، وتمنعهم من العودة إلى حضن الوطن بالترهيب والإغراءات، وأنّهم غادروا سوريا بسبب الوضع الاقتصادي والإرهاب، محاولاً عبر تلك التصريحات مسح ذاكرة البشرية جمعاء من كل ما ارتكبه خلال السنوات العشر التي انقضت، ممارساً سياسة النازيين الإعلامية إياها، اكذب اكذب حتى يصدقك الناس مرة أخرى، وهو من قصف ودمر أكثر من ثلثي البلاد بالطائرات الحربية مستخدماً أسلحة محرمة دولية والبراميل المتفجرة هو وحلفائه، والسلاح الكيماوي عشرات المرات، وحيث ارتكب المجازر الجماعية، واعتقل مئات الآلاف من الناس الذين قضى الآلاف منهم تحت التعذيب، كما أنّه خنق الناس اقتصادياً وحاصر المدن والبلدات المعارضة حتى خرّت جوعاً فسلمت واستسلمت وهجرت، هذا النظام وبسلوكه الأرعن هذا فتح الباب على مصراعيه للفوضى التي شكلت بدورها بؤرة خصبة للتطرّف وفوضى السلاح، وشارك في هذه الجريمة التي يتحمل المسؤولية الأكبر منها النظام فصائل مسلحة وقوى متعددة الانتماءات والتبعيات.

وحتى لا ننسى، اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، مارسها النظام منذ اليوم الأول للحراك الشعبي فقال إعلامه: “لا يوجد مظاهرات وكلها أكاذيب، ومجسمات، وحبوب هلوسة، ليس هناك أحد في الشوارع، حيث تصور الشوارع الفارغة بعد فض المظاهرات طبعاً مع موسيقا رومانسيّة في الخلفية، ثم يقول الناس في الشوارع ممن شاهدتم لا يتظاهرون بل يشكرون الله على نعمة المطر، ثم يعرضون على شاشاتهم ونحن نعيش قمة الحدث في الشارع فيلم وثائقي عن التكاثر عند الثعالب، وحين تحتدم الأمور ولا يمكنهم إنكار ما يحصل، كان إعلاميو النظام يجبرون الناس على الإدلاء بما يريدون منهم قوله على الشاشات من اعترافات مكتوبة لهم أو اعتذارات مهينة تخدم سياستهم، في تلك اللقاءات كان هؤلاء الإعلاميون يظهرون كمحققين في فروع الامن، وهم في غاية الانفعال، وكأنّهم فعلا يرتكسون لأقوال المجبرين على إدلاء تلك الشهادات، وكأنّهم يصدقون ما قد لقنوه بأنفسهم للمساكين ممن كانوا يضعونهم أمام الكاميرات ليدلوا بشهادات تتناغم مع أكاذيب النظام تحت التهديد، أو بعد اعتقالهم أو ابتزازهم.. كل هذا لم يكن يدهشني بقدر دهشتي بعقد مؤتمر اللاجئين إياه، حيث يمكن للمرء أن يتخيّل أنّ خارج أسوار مكان انعقاد هذا المؤتمر، وربما على بعد أمتار فقط وأثناء انعقاده لحثّ من خرجوا على العودة، يئنّ السوريون الآخرون وجعاً وبرداً وخوفاً من القادم، حيث تضيق فسحة الحياة يوماً بعد يوم، ويصبح التنفس عملاً شاقاً، وهم لا يستطيعون تأمين الخبز والمواد التموينية ولا أبسط متطلبات الحياة، هؤلاء يحلمون بالرحيل والخروج من سوريا بمعظمهم.. ومع هذا أدرك تماماً أنّه من الممكن أنّ بعض اللاجئين في دول الجوار ممن يعانون شظف العيش ومرارة الخيمة، قد يرغب بالعودة وهو حق لهم، وهم يعلمون حتماً حجم المجازفة في ذلك، ولا يحق لأحد المزاودة عليهم مهما كان قراراهم بشرط أن يكون طوعياً وبملء إرادتهم، ولكن الثابت والحقيقة أنّ الملايين من اللاجئين الموزعين في كل العالم ودول الجوار لا يمكنهم أن يعودوا، وهم خائفون من الملاحقة والاعتقال والتصفية ومن هذا النظام، لا يمكنهم أن يعودوا قبل تحقيق تسوية سياسية تحقق لهم بيئة آمنة للعودة الاختيارية والمناسبة للعيش، وهذا لا يمكن أن يتحقق إن لم يتم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالعملية السياسية في سوريا، وهو ما سيكون أيضاً بداية عملية إنعاش الاقتصاد والخدمات مجدداً.

أخيراً، يحقّ لكل اللاجئين أن يعودوا لوطنهم متى أرادوا، ولكن بشرط أن تكون عودتهم اختيارية وآمنة، وبإشراف الأمم المتحدة وضمن مسار اتفاقات سياسية تضمن وتكفل لهم عدم الملاحقة والتعرّض للأذى، وهو ما لا يمكن حصوله إن لم يتم تحقيق الحل السياسي المتوافق عليه في جينيف 1، ووفقاً لقرارات الأمم المتّحدة ذات الصلة.. اكذب اكذب حتى تصدّق.. ولكن ماذا إن صدّق المجتمع الدولي؟

ليفانت- ريما فليحان

—————————-

أمريكا تعلّق على “مؤتمر اللاجئين” بدمشق: مجرد عروض مسرحية

علّقت الولايات المتحدة الأمريكية على “مؤتمر اللاجئين” الذي عقده نظام الأسد بدعمٍ روسي في العاصمة دمشق، منذ يومين، واصفةً إياه بـ”العروض المسرحية”.

ونشرت “الخارجية الأمريكية” بياناً، اليوم السبت، قالت فيه: “لم يكن مؤتمر اللاجئين الذي استضافه نظام الأسد وروسيا في دمشق يومي 11 و 12 نوفمبر / تشرين الثاني محاولة ذات مصداقية لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى سورية”.

وأضافت “الخارجية” أن نظام الأسد يسعى بدعم روسي إلى استخدام ملايين اللاجئين المستضعفين كـ”بيادق سياسية، في محاولة للادعاء زوراً أن الصراع السوري قد انتهى”.

وكان نظام الأسد وروسيا قد نظما مؤتمراً في دمشق يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وفق رواية النظام وروسيا، وسط رفض معظم الدول ذات الثقل في الملف السوري للمشاركة.

وتأتي تعهدات النظام بتوفير “حياة كريمة” للعائدين، في ظل أزمات معيشية متفاقمة يعاني منها المواطنون في مناطق سيطرته، وعلى رأسها طوابير الخبز والبنزين وانقطاع التيار الكهرباء وغلاء الأسعار في الأسواق، ما جعل التفكير بالعودة أمراً مستحيلاً لمعظم اللاجئين.

ولاقى المؤتمر تنديداً شعبياً وحقوقياً، في الأيام الماضية.

وانتقدت منظمات مجتمع مدني، حقوقية وإعلامية وإنسانية وغيرها المؤتمر، معتبرةً أنه “رغم كل الإجرام والوحشية التي مارستها روسيا لمحاولة إنقاذ نظام الأسد، تدعو اليوم وبمنتهى الوقاحة لعقد مؤتمر للاجئين متناسية منع نظام الأسد للسوريين من دخول مناطقهم والعودة لبيوتهم”.

ونظام الأسد هو مسؤول عن مقتل أكثر من 500000 من مواطنيه، وقصف العديد من المستشفيات، ومنع الدعم الإنساني لملايين المواطنين السوريين، بحسب “الخارجية الأمريكية”.

وأضافت: “هذه ليست تصرفات حكومة يمكن الوثوق بها لتحديد متى قد يعود اللاجئون بأمان، ولا ينبغي أن يمتلك الأسد السلطة على توجيه أموال إعادة الإعمار الدولية”.

وكانت الدول المشاركة في “المؤتمر” قد اقتصرت على “الدول الصديقة” لنظام الأسد، وهي روسيا والصين وإيران وباكستان وسلطنة عمان ولبنان، حيث وجه النظام دعوة لجميع الدول باستثناء تركيا.

فيما رفضت دول الاتحاد الأوروبي المشاركة، وكذلك رفضت كندا والولايات المتحدة.

وجددت أمريكا في بيان الخارجية التزامها بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254، على أنه “السبيل الوحيد لحل سياسي للصراع السوري”.

————————

======================

===========================

تحديث 15 تشرين الثاني 2020

———————————–

مؤتمر اللاجئين السوريين طبخة بحص/ بشير البكر

لم يأت “مؤتمر اللاجئين” الذي انعقد في دمشق يومي 11و12 من الشهر الحالي كما أرادته روسيا لجهة الحضور والنتائج، وجاء بحصيلة عكس التي كانت تطمح إليها موسكو من حيث فتح ملف إعادة الإعمار. ولاحظنا أن المؤتمر شهد مقاطعة أميركية أوروبية وغالبية عربية، واقتصر الحضور على روسيا وإيران وبعض الدول التي ليست على تماس مباشر مع ملف اللاجئين مثل الباكستان والإمارات وسلطنة عمان، الأمر الذي لم يفسح المجال لروسيا كي تغلق ملف الحرب وتنتقل إلى الإعمار.

مقومات فشل المؤتمر كانت متوافرة قبل أسبوعين من عقده، ومع ذلك أصرت روسيا، في وقت سرت فيه تخمينات بتأجيل الموعد أو نقل مكان المؤتمر إلى سوتشي، وتغيير عنوانه حتى يتم تلافي الفشل. وكان الحضور الروسي الكبير الذي تمثل ب 35 شركة هو الطاغي على أعمال المؤتمر، في حين كان تمثيل البلدان الأخرى متواضعا أو محدودا وبلا حماس كبير كما هو حال إيران، والتي يبدو أنها لا تشارك روسيا ذات الأجندة بخصوص توقيت قطف نتائج تدخلها في سوريا، وتتصرف على أساس أن تثبيت وجودها على الأرض في أكثر من منطقة له الأولوية.

لا يمكن أن يعزو المراقب عوامل الفشل إلى سوء في التخطيط فقط، بل هنالك أسباب تتعلق برؤية موسكو لإدارة الوضع السوري ككل، ومن ذلك فلسفة المؤتمر الذي بدا استنسابيا في التعامل مع ملف اللاجئين. ومن دون شك فإن موضوع اللاجئين داخل سوريا وفي دول الجوار يحتل الأولوية في أي حل راهن أو مستقبلي. فهؤلاء يتجاوز عددهم 10 ملايين، وهم يشكلون الكتلة الأكبر من السوريين الذين تركوا بيوتهم وأراضيهم، بالإضافة إلى أنهم يعيشون في أوضاع صعبة ضاغطة، إلا أن عودة هؤلاء لا تبدو مدرجة على برامج موسكو وطهران. ولم يظهر من خلال مجريات المؤتمر أن المنظمين أولوا هذه المسألة أي اهتمام، والمثال الصارخ على ذلك عدم توجيه الدعوة إلى تركيا التي تستضيف قرابة 4 ملايين لاجئ سوري، بل على العكس كان خطاب رأس النظام بشار الأسد تجاه هذه النقطة خارج الموضوع، حيث اتهم تركيا بـ “خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين للخروج الجماعي من سوريا، لتكون مبررا للتدخل في الشؤون السورية”. ومهما بلغت درجة سوء العلاقة بين النظام وتركيا، فإن وجود أنقرة في مؤتمر دولي يخص اللاجئين أولوية تفوق كل الأولويات، كونها تستقبل أكبر نسبة من اللاجئين السوريين. ولو كانت نوايا روسيا والنظام صادقَين لكانت تركيا أول المدعوين.

تسمية المؤتمر بأنه خاص بعودة اللاجئين ليست معبرة عن واقع الحال، لأن الملايين التي تركت بيوتها لم تقم بذلك بمحض إرادتها، بل حصل الأمر بصورة قسرية، ولذلك فإن التصنيف الأدق هو التهجير القسري المنظم والمنهجي، والذي تم على أسس واضحة ومدروسة، ولأسباب بعضها طائفي بهدف التغيير الديموغرافي، والآخر من أجل الاستيلاء على الأراضي والأملاك.. إلخ. ومارست ذلك إيران وروسيا والنظام، ولذلك تم إحلال سكان آخرين في بعض المناطق في دمشق وحلب وحتى دير الزور التي شهدت حملة تشييع واسعة. وتجب الإشارة إلى أن روسيا تقصد باللاجئين أولئك الذين نزحوا إلى أوروبا، وهي نظمت المؤتمر لتفاوض أوروبا على عودة هؤلاء، مستغلة توظيف اليمين العنصري للهجرة السورية، وجاء الرد على روسيا قويا من طرف ألمانيا الدولة التي تستضيف أعلى نسبة من اللاجئين السوريين خارج دول الجوار، وحددت وزارة الخارجية الألمانية ثمانية معايير لعودة اللاجئين السوريين أبرزها ضرورة “أن تكون الأعمال العدائية قد انخفضت بشكل كبير ودائم”، وأن يحصل “اتفاق رسمي بين سوريا والدول المضيفة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لاستقبال العائدين”.

يشكل المؤتمر درسا بليغا لروسيا من قبل الأطراف الدولية المؤثرة، أي الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. والرسالة الصريحة هي نفسها التي جرى توجيهها في مرات سابقة، وفحواها أن الأولوية للحل السياسي.

تلفزيون سوريا

———————–

هل تستطيع روسيا تعويم بشار الأسد؟/ بسام يوسف

سواء اعترف الروس أم لم يعترفوا بعجزهم عن الخروج من الوحل السوري كما يشتهون، فإنّ حقيقة وخطة تدخلهم المباشر في الصراع السوري، لم تجرِ كما أرادوا لها، وتزداد أعوامها عاماً بعد آخر، وكلما امتد زمن هذا التدخل ضاقت خياراتهم، ووجدوا أنفسهم أكثر عجزاً وأكثر استنزافاً، وما كدّسوه على أنه حصادهم من الملف السوري، ومن تدخلهم فيه، تضيق فرص استثماره.

يأمل الروس ويخططون ويعملون لكي تكون السنة القادمة (2021م)، هي سنة الحل السياسي في سوريا، ويُهيئون ما يعتقدون أنه يساعد بالوصول إلى هذا الحل، مستندون في خطتهم تلك إلى نقاط أساسية بنظرهم، ويتوقعون أنها ترضي الأطراف الأخرى الفاعلة، أميركا، والاتحاد الأوروبي وتركيا.

ترتكز خطة الروس على حل يبقي بشار الأسد في موقع الرئاسة، مع تقليص مهم في صلاحياته، ومشاركة ترضي جهات محسوبة على المعارضة في الحكومة المقبلة، وإشراك أطراف عسكرية معارضة على الأرض فيها، كمقدمة لإنهاء وجود أي سلاح خارج سيطرة الدولة السورية، باستثناء مناطق نفوذ الأتراك والأميركيين، مع محاولة لتمييع ملفات بالغة الأهمية كملف المعتقلين، وملف اللاجئين.

يعتقد الروس أن أوروبا قد تقبل الموافقة على صيغة ما قريبة من الخطة الروسية، فهي قد لا تمانع في بقاء بشار الأسد، لكن ليس وفق الصيغة التي يقترحها الروس. فأوروبا اليوم أمام مأزق التطرف المتصاعد في مجتمعاتها، والذي يتعمد اليمين إرجاعه إلى وجود اللاجئين، الأمر الذي سيدفع معظم الحكومات الأوروبية المهددة بتصاعد هذا اليمين للذهاب إلى خطاب مختلف فيما يخص قضية اللاجئين.

ما تريده أوروبا هو حل سياسي يمكّنها من إعادة قسم كبير من اللاجئين، ومنع احتمالات إغراقها بموجة أخرى، فيما لو تفاقم الوضع سوءا داخل سوريا، لكن هل يمكن لسلطة الأمر الواقع في سوريا أن تقدم لها الضمانات الكافية لعودة هؤلاء اللاجئين؟ لا سيما أن أوروبا تعرف جيدا طبيعة هذه السلطة، وبنيتها!

يبدو أن الروس مستعدون لتقديم ضمانات للأوربيين بهذا الخصوص، ومن أجل ذلك يضغطون على “النظام” من أجل الإسراع بترتيبات تسبق موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا في نيسان من العام القادم، ويحاولون استغلال الأشهر الضائعة في التوقيت الأميركي، والتي ستستمر إلى ما بعد خروج “ترامب” من البيت الأبيض، أي حتى تمكّن الرئيس الجديد من بدء عمله بشكل فعلي.

تبدو هذه الخطة – وفق رأي الروس- قابلة للحياة إلى حد معقول، محاولين التعمية ما أمكن على عقبات أخرى كثيرة، لا يمكن حلها على الطريقة السورية، ولا حتى على الطريقة الروسية، وأقصد طريقة الكذب والتلفيق وتزييف الحقائق، فاللاجئون العائدون ليسوا بضع مئات من الآلاف، إنهم بالملايين، وما تحتاجه سوريا ليس عشرات مليارات الدولارات، لتستعيد قدرتها على ترميم الحد الأدنى من مقومات الحياة، إنها مئات مليارات الدولارات، فهل ستغامر دول أوروبية بمقامرة كهذه دون ضمانات كافية؟

هنا تكمن مشكلة الأوروبيين، العالقين بين سندان اللاجئين ومطرقة عدم ثقتهم بالضمانات الروسية من جهة، وعدم ثقتهم بقدرة النظام على القيام بما يطلبه الروس منه من جهة أخرى، يُضاف إلى هواجس الأوروبيين أن أميركا القابضة على عنق الملف السوري عبر قانون “قيصر”، لم تعطِ موافقتها الصريحة، فهل يتجه الأوروبيون لاشتراط قبولهم الأولي بالخطة مع وقف مشاركتهم بإعادة الإعمار، إلى حين اقتناعهم بقدرة الروس على الالتزام بضماناتهم، وهل يقبل الروس بهذا الاشتراط؟

ضمن سياق المحاولات الروسية طمأنة المجتمع الدولي، جاء مؤتمر دمشق حول عودة اللاجئين، وجاء حديث “بشار الأسد” الذي أزاح جانباً مفردات المجتمع المتجانس، والنصر، والتخوين، واستبدلها بمفردات الإنسانية والمواطنين السوريين المعذبين في غربتهم، وحرصه عليهم، وأيضاً ضمن هذا السياق تحاول روسيا محاباة تركيا، حتى لو اضطرها الأمر إلى الضغط على حليفتها “أرمينيا” من أجل اتفاق اعتبره الأرمينيون مُذلاً، فتركيا أقوى في الملف السوري من أن تُخاصَم.

أما إيران، فهي وإن بدت أكثر ارتياحاً لفوز “بايدن”، إلا أنها تدرك تماماً أنها مقدمة على تنازلات لابدّ منها، وهي تدرك أيضاً أن حوارها مع القيادة الأميركية الجديدة سيرتكز على ركيزتين لا تنازل عن أي منهما، وهما: إنهاء الملف النووي، وسحب أذرعها من الدول الأخرى، لهذا يحاول الروس عدم الاصطدام مع الإيرانيين، تاركين الأمر للإدارة الأميركية.

بانتظار عودة الإدارة الأميركية إلى فعاليتها الكاملة في الساحة الدولية، وعلى ضوء فوز “بايدن” وما يعني ذلك من مقاربات مختلفة عن سابقه “ترامب”، تتجه أوروبا إلى تصعيد مواجهتها

مع الإسلام السياسي على أراضيها، وتقف وجهاً لوجه أمام تداعيات ذلك على ملف اللاجئين، ويمضي الروس إلى ترتيب ملفات عديدة في مقدمتها الملف السوري، أما تركيا التي تعرف جيداً أن “بايدن” سيختلف عن “ترامب” في تعامله معها، لذلك تحاول تخفيف حدة التوتر مع محيطها، ويصرّح رئيسها بالانفتاح على كل الجوار، ضمن كل هذه التفاصيل سيحاول الروس تمرير ربيبهم السوري لكن هل سيستطيعون؟

حتى اللحظة لا شيء يعزز احتمال موافقة أوروبا وغيرها على الخطة الروسية، وقد أعلنت عبر تصريح لمسؤول في الاتحاد الأوروبي، أنها لم تشارك بمؤتمر عودة اللاجئين، لأنها ترى الحل في تنفيذ القرار 2254، وساندتها في ذلك الإدارة الأميركية، والتي اعتبرت المؤتمر تحايلاً على الحل السياسي، وبالتالي فإن سوريا لن تخرج من مشكلتها المستعصية فعلاً وفق السيناريو الروسي، أضف إلى ذلك أن ظرف أوروبا يزداد تعقيداً، فعدا عن معركتها التي اشتعلت بمواجهة الإرهاب، هناك مواجهة استحقاق “كورونا” وتداعياته الاقتصادية، ولن تستطيع روسيا التحمل طويلاً أمام إحجام الأطراف الفاعلة عن موافقتها على تفاصيل خطتها، وستجد نفسها مضطرة لقبول ما حاولت إزاحته جانباً ما استطاعت، وهو المساومة على رأس بشار الأسد، والمضي باتجاه القرار الدولي 2254.

وسط كل هذا السيناريو أين تقف المعارضة السورية؟ وأين يقف السوريون عموماً؟ وهل سيقبلون بأن يتولَ من هم مرتهنون من الجهتين لهذا الطرف أو ذاك، أن يذهبوا لتقرير مصير سوريا؟

يبدو أن السوريين لن يستطيعوا فعل أي شيء، سوى الانتظار.

تلفزيون سوريا

———————-

تناقضات مؤتمر اللاجئين/ عبسي سميسم

أظهرت الطريقة التي تم بها إعداد ما سمي بالمؤتمر الدولي للاجئين، الذي نظمه النظام السوري برعاية روسية، العديد من التناقضات التي تثبت أن اللاجئين هم أبعد ما يكونون عن أهداف هذا المؤتمر. وبدا واضحاً أن للمؤتمر أهدافاً أخرى، تتعلق برغبة روسيا في الاستمرار بتعويم نظام بشار الأسد، واستخدامه كوسيلة لإظهار النظام بمظهر المتماسك والمستقر، ومحاولة إقناع الدول المانحة المساهمة بإعادة الإعمار في سورية، وصولاً إلى هدف تمرير انتخاب الأسد لفترة رئاسية جديدة، بعيداً عن قرارات الأمم المتحدة ومسار جنيف لحل القضية السورية.

وعلى الرغم من التسويق الروسي الكبير للمؤتمر، ومحاولة حشد أكبر قدر ممكن من التأييد الدولي له، إلا أن مشاركة النظام جاءت على مستوى منخفض جداً. وقد افتتح المؤتمر أيمن سوسان الرجل الثالث في وزارة خارجية النظام، فيما لم يحضر رئيس النظام المؤتمر الذي عقد على بعد بضعة كيلومترات من قصره. كما بدا واضحاً سوء التنسيق في المواقف بين روسيا والنظام. ففي الوقت الذي قال فيه قائد المركز الوطني لإدارة الدفاع بوزارة الدفاع الروسية ميخائيل ميزينتسيف إنه لا بد من ضمان تفكيك جميع مخيمات النازحين داخلياً، وإعادة أهاليها إلى المناطق التي اختاروا السكن فيها، أكد محافظ ريف دمشق التابع للنظام علاء إبراهيم أن استقبال اللاجئين سيتم ضمن مخيمات، ولن يسمح لهم بالعودة لمناطقهم إلى حين إتمام عملية إعادة الإعمار، ما يشير بوضوح إلى أن موضوع اللاجئين مجرد وسيلة لفتح ملف إعادة الإعمار.

كما أن دعوة النظام اللاجئين للعودة إلى خيام في مناطق على أطراف المدن تؤكد أنه لا يريد إعادة أي لاجئ، ويريد توجيه رسالة لمن يفكر بالعودة أنه لن يعود إلى منطقته وإنما إلى السكن في خيمة. طبعاً هذا عدا عن العراقيل الكبيرة التي يضعها النظام أمام النازحين داخلياً للعودة إلى مناطقهم، وعن الملاحقات الأمنية التي قد يتعرض لها من يفكر بالعودة إلى مناطق النظام. ولكن رغم كل الجهود التي بذلها الروس لإعطاء المؤتمر زخماً دولياً، فإن عدم توافر الإمكانات والإرادة لدى النظام وروسيا لإعادة أي لاجئ ساهم في إفشال المؤتمر، وأظهره كمهرجان خطابي غير قابل للتطبيق. إلا أن تحقيق الأهداف غير المعلنة للمؤتمر يبقى مرتبطاً بمدى تجاوب المجتمع الدولي مع المساعي الروسية.

العربي الجديد

————————-

واشنطن:النظام وروسيا يستخدمان اللاجئين كبيادق سياسية

اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أنّ مؤتمر اللاجئين الذي نظمّته كل من روسيا ونظام الأسد، في العاصمة السورية دمشق، لم يكن ذا مصداقية لتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين الآمنة والطوعية إلى بلادهم.

وأعربت الخارجية الأميركية في بيان، عن أسفها من سعي النظام بدعم روسي إلى استخدام ملايين اللاجئين المستضعفين ك”بيادق سياسية” ليزعم انتهاء الصراع الدائر في سوريا، محمّلة إيّاه مسؤولية  مقتل أكثر من 500 ألف مواطن، فضلاً عن قصف العديد من المستشفيات، ومنع الدعم الإنساني لملايين السوريين.

وشددت على أنّ كل ذلك يجعل الحكومة السورية غير موثوق بها لجهة عودة اللاجئين بأمان، ولا يحق للأسد توجيه أموال إعادة الإعمار الدولية، مؤكّدةً دعمها لعودة اللاجئين عندما تسمح الظروف لهم بالعودة الطوعية والآمنة.

وأضافت الخارجية “نحن نقف مع الدول التي تواصل استضافة ملايين اللاجئين، ولا نزال أكبر مانح إنساني منفرد للأزمة السورية”، لافتة إلى أنّه “على مدار العام الماضي، قدمت الولايات المتحدة حوالى 1.6 مليار دولار أميركي من المساعدات الإنسانية، نصفها يدعم احتياجات اللاجئين السوريين والمجتمعات  التي تستضيفهم”.

وأشارت إلى أنّ المساعدات تشمل أكثر من 121 مليون دولار لدعم التصدي لجائحة فيروس كورونا، وأنّ إجمالي المساعدات الأميركية منذ بدء الأزمة السورية، بلغ أكثر من 12 مليار دولار.

وختمت الخارجية بيانها بالقول: “لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة تجاه الشعب السوري  بمضمون قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، باعتبار أنّ الحل السياسي هو السبيل الوحيد للصراع السوري”.

المدن

———————-

عرضوه بالخطأ.. ميكروفون مفتوح يفضح كواليس خفية عن مؤتمر عودة اللاجئين السوريين

تواصل التفاعل على المنصات السورية على وسم “العودة تبدأ برحيل الأسد”، وذلك بعد انتهاء مؤتمر عودة اللاجئين السوريين، الذي نُظم في العاصمة السورية دمشق برعاية روسية ومقاطعة أوروبية وأميركية.

“نشرتكم” بتاريخ (2020/11/14) رصدت الوسم الذي ما زال النشطاء مستمرين من خلاله في تناقل الصور والمقاطع، التي تظهر ما وصفوه بجرائم نظام الأسد الممنهجة ضد الشعب السوري، في حين قال آخرون إن الوقت قد حان لعودة اللاجئين إلى سوريا بعد عودة الأمان إليها.

وعلى منصات التواصل، تناقل ناشطون مقطعا يظهر حديثا جانبيا، قال الناشطون إنه لمترجمين في المؤتمر، تم بثه عن طريق الخطأ، وأظهر المقطع استياء المتحدثين من المؤتمر، وعدم اقتناعهم به، مما أثار موجة جدل واسعة.

وفي المقطع، الذي تم تسريبه، تروي إحدى المترجمات تساؤل البعض عن الهدف من كل هذا الحضور، ساخرة من عدم علم البعض بهدف المؤتمر ومحاوره.

وكان رد زميلها التذكير بمؤتمر سوتشي أو مؤتمر الحوار الوطني السوري المنعقد في سوريا عام 2018، حيث تم جلب ما يقارب 500 شخص، وكانت مهمتهم التصفيق والهتاف بعبارة “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”.

كما عبّر عن استغرابه من موضوع الجلسة، وعدم ارتباطه بمحاور المؤتمر وأهدافه، وكان يتحدث هنا عن علاقة كوفيد-19 بعودة اللاجئين السوريين.

إذن، ما المطلوب لعودة اللاجئين؟ ورد الناشطون السوريون على هذا التساؤل بإعادة تداول واسعة لكلمات أغنية انتشرت في بدايات الثورة السورية في مدينة حمص، تقول بعض كلماتها “بدنا أصابع نصر، نرفعها فوق القصر، بدنا دم الشهداء، ويرجع نهر بردى”.

——————————

شفافيّة “أبو حَسِن”.. بروباغاندا الأسد/ مالك داغستاني

من خلف الباب، سمع السجان أحدنا، نحن نزلاء المهجع 9 في فرع فلسطين عام 1988، يشتم حافظ الأسد. إن لم تخنّي الذاكرة كان مُطلق الشتيمة صديقنا المرحوم عبد الكريم كرديّة… سريعاً فتح الباب وعيناه تدوران وراح يسأل بذهول: “مين عم يحكي على سيادة الرئيس ولااا؟”. بعد تكرار السؤال عدة مرات دون تلقي أية إجابة، أغلق الباب وغادر مسرعاً وأرسل بطلب مدير السجن عبر الصراخ عليه من القبو: “يا أبو حسِن.. يا أبو حسِن”، وكانت غرفة مدير السجن “أبو حسن” في أعلى الدرج. كان من الواضح أن السجان القادم حديثاً لقضاء خدمته العسكرية في الفرع، من بيئة مغلقة تعتبر حافظ الأسد واجب التقديس، وهو في مرتبة ومصاف الآلهة، وأقلّه من مرتبة الأئمة الأبرار، لم يكن يتوقع في جيلهِ الحالي، أن يسمع من يتجرأ على شتمه بمثل هذا الاستسهال، وكأن شتيمته جزء من لغو الكلام المعتاد للسجناء.

قطع مدير السجن عمله، ونزل مسرعاً تلبية للصراخ المتكرر، وعند وصوله كان السجان قد أعاد فتح باب المهجع. أبو حسن الذي سيُسجَن في سجن المزّة بعد سنوات بتهمة السرقة، بادَرَ وهو يتلصص بنظره داخل المهجع، بالسؤال عما يجري.. أجاب السجان الغرّ وهو يلهث وكل عضلات جسده تنتفض من جسامة الموقف: “سيدي.. سيدي.. ما يسبّو سيادة الرئيس!”. المدير المزمن لسجن فرع فلسطين، الذي كان قد احتكًّ وقابل في حياته من المعارضين للسلطة أضعاف ما قابل من باقي البشر، التفت إليه بغضب وأجابه بازدراء: “ولاك، لَكَن نحنا ليش حابسينهم يا جحش؟!”.

تذكرت هذه الحادثة اليوم بعد مضي اثنين وثلاثين عاماً، وأنا أستمع إلى كلمة بشار الأسد التي تم بثها مُسجّلةً أمام المشاركين في المؤتمر “الدولي” حول عودة اللاجئين السوريين، ولكم أن تتصوروا قساوة الاضطرار إلى سماعها. لم يكن الأسد غرّاً كسجان فرع فلسطين حين قال ما قاله، من أن الإرهاب هو من دمّر البنية التحتية في سوريا، متجاهلاً براميله وصواريخ السكود والقصف بالأسلحة الكيماوية ومتجاهلاً القصف اليومي لطيرانه الحربي وطيران حليفه وولي نعمته بوتين الذي طال معظم الجغرافيا السورية. الأسد كان يكذب وهو يعرف ذلك، كما نعرفه نحن والعالم أجمع بما فيهم حلفاؤه بطبيعة الحال. وحين سرّبت موسكو التعليقات الجانبية لبعض المشاركين في المؤتمر واستخفافهم بالمؤتمر وبالكذب المتداول فيه وبشعاراته، تذكرتُ مدير السجن “أبو حسن”، فلو قُيِّض له أن يجلس أمام الكاميرا، لقال ربما ما يشبه الذي قاله الأسد، ولو أني أجزم بأن “أبو حسن” أكثر حصافة من بشار حين يتعلق الأمر بالبديهيات المعلنة لعموم الناس. على الأقل لم يكن ليقول ما ذكره الأسد في إحدى المرات، دون أن يدرك إلى ماذا سيودي قوله بأن “موضوع اللاجئين في سوريا هو قضية مفتعلة، فتاريخ سوريا ولقرون مضت يخلو من أية حالة لجوء جماعية بالرغم من أن سوريا عانت عبر تاريخها الحديث والقديم من احتلالات متتالية واضطرابات مستمرة حتى نهايات ستينيّات القرن الماضي” مشيراً إلى أن وصول أبيه إلى الحكم عام 1970 قد أوقف الاضطرابات لتتحول سوريا إلى “دولة ميّتة” أريد لمواطنيها أن يتحولوا جميعاً إلى “مواطنين أموات”، ومؤكداً في الوقت ذاته، أن شيئاً في تاريخ السوريين القديم والحديث لم يحدث لهم ليجبرهم على ترك وطنهم، إلا همجية ردّه الدموي والمدمّر على مطالبتهم بأبسط حقوق البشر عام 2011.

 ولكن ماذا كان لص فرع فلسطين الشهير الذي سرق طعام ومال المعتقلين “أبو حسن” ليقول للأسد لو اجتمع به في قبو فرع فلسطين. وكما يعلم كلّ من مرّ بها من سوريين و”أشقاء عرب”، ففي أقبية المخابرات السورية تبدو الأمور والأحاديث واللغة والأفعال بالغة الوضوح، وعلى الأغلب فإنها المكان الأمثل لاكتشاف سوريا الأسد بمنتهى الشفافيّة، ودون أية تذويقات كلاميّة. “أبو حسن” لو تحدث بوضوحِ وفصاحةِ أقبية فرع فلسطين لكانَ ردَّ على كلمة الأسد، وهو يطالب بالدعم لتسهيل عودة اللاجئين السوريين من أربع جهات الأرض إلى وطنهم، بذات السؤال الذي باغتَ به ذاك السجان المسكين بعقله المُغلق والمحدود، وبذات اللهجة المستغرِبة: “لكان نحنا ليش قصفناهم وقتلناهم وهجّرناهم واعتقلناهم وموّتناهم تحت التعذيب وخنقناهم بالكيماوي يا ….. أسد؟”.

مالك داغستاني

تلفزيون سوريا

——————-

العودة المستحيلة: على صفاف مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق/ عزام الخالدي

السؤال الذي لا يزال عالقًا في ذاكرة السوريين الذين استمعوا إلى خطاب الأسد ضمن مؤتمر عودة اللاجئين هو: كيف لمن تعاونوا على قتلي ذات مرة، أن يكونوا هم أنفسهم من يتسابقون لعودتي لأحضانهم؟ كيف يكون الخصم هو الحكم إلا عند هذا المستبد، وكيف من يجرح هو من يداوي؟!

عُقد في الحادي من نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2020 مؤتمرًا بقصر الأمويين للمؤتمرات في دمشق، تنظمه سوريا بدعم من الدولة الروسية للبحث في قضية عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد، وتوفير إمكانيات تحقيق هذا الغرض.

يأتي المؤتمر بعد أن هُجّر ملايين من السوريين منذ بداية الثورة السورية إلى مختلف دول العالم، بعد تعرّضهم لكل طرق العنف الوحشية: القتل، القصف، الاعتقال، التهجير… من قبل قوات النظام السوري.

أُجبر الكثير من السوريين على مغادرة البلاد بعد أن تصاعدت وتيرة الأحداث، حيث بلغ عدد المهجرين قرابة 10 مليون نسمة حسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

مارس النظام السوري الإجرام الوحشي بمختلف الأساليب والطرق، مما جعل البلد خاوية على عروشها، لا يسمع فيها غير صوت “الأسد أو نحرق البلد”، فتوّزع الملايين بين نازح من مدينة لأخرى هربًا من يد حزب البعث الحاقدة، ولاجئ من آلة الدمار الوحشية، التي لا تفرق بين بشر وحجر وشجر!

مطالب هذا الشعب ليس العودة فحسب، بل أن تنزاح أنت ونظامك من على كرسيي الحكم، وأن تسود العدالة وحرية الكلمة والرأي، وأن تعود الأرض المغتصبة.

مبادئ قضيتنا التي لا يمكن أن نساوم عليها مهما حدث، هي إزاحة أوجه الظلم المستبدة، وكسر قيود المعتقلين المغيّبين منذ سنين، وإعادة المهجرين قسرًا إلى ديارهم التي أُخرجوا منها مرغمين، ومحاسبة كلَّ من توغل في إهراق دم هذا الشعب الأعزل طيلة السنوات الماضية. لكن السؤال الذي لا يزال عالقًا في ذاكرة السوريين: كيف لمن تعاونوا على قتلي ذات مرة، أن يكونوا هم أنفسهم من يتسابقون لعودتي لأحضانهم، كيف يكون الخصم هو الحكم إلا عند هذا المستبد، وكيف من يجرح هو من يداوي؟!

مُحال أيها المساوم أن يعود هؤلاء قبل أن تسقط أنت وحكمك وجلادك، قبل أن تكسر القضبان، ويخرج المعتقلين، قبل أن تعيد لنا حمزة الخطيب، وعبد الباسط الساروت، ومجهول الهوية الذي فتتت طائراتك أعضاءه.

كاتب ومدون سوري لدى مجلة إشراقات ومدير القسم الاجتماعي لجريدة شامنا، ومعد ومقدم برنامج “من الذاكرة”

حكاية ما انحكت

———————–

=====================

تحديث 16 تشرين الثاني 2020

———————————-

مؤتمر اللاجئين..روسيا لا تعبث/ العقيد عبد الجبار العكيدي

“مرّت على الشعب السوري خلال القرون الماضية احتلالات عديدة لكنها لم تتسبب في نزوحه، والنزوح الحالي هو أول نزوح للشعب السوري”. هذا ما اعترف به رئيس النظام بشار الأسد في كلمته الافتتاحية لمؤتمر اللاجئين الذي انتهى الخميس، وهو بذلك يقرّ أن له السبق في تهجير الشعب السوري بشكل لم يفعله حتى المحتلون.

الأسد الذي تجاهل أنه وحلفاءه الروس والإيرانيين السبب الرئيسي في قتل وتهجير الشعب السوري، استجدى في كلمته المسجلة روسيا والدول المشاركة على قلتها وتواضع إمكانيات غالبيتها العمل على تقديم المساعدة الاقتصادية للنظام من أجل تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة التي جعلت حتى مؤيديه يحلمون بالهجرة.

فالمؤتمر عُقد بغياب أبرز الدول التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، واقتصر على مشاركة 27 دولة من أصدقاء النظام وحلفائه، وبينها بلدان لا تستضيف أي لاجئ سوري، لكن معظمها تتقاطع مع النظام بالاستبداد والدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، وتتربع على مؤشرات الفساد والفقر العالمية، وتعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها وتدهور في سعر صرف عملاتها، ومعظمها يعيش حروباً داخلية، وبالتالي أي عون يمكن أن تقدمه هذه الدول؟!

ومع ذلك كان إصرار موسكو على عقد مؤتمر اللاجئين كبيراً، ما جعل الكثيرين في حيرة يتساءلون عن سبب هذا الإصرار، لكن بعض المعطيات ربما تشكل إجابة.

فروسيا التي وضعت يدها على المقدرات الاقتصادية لسوريا من خلال اتفاقيات وقوانين وعقود لعشرات السنين، تطمح من خلال هذا المؤتمر للاستحواذ على عقود إعادة الإعمار التي يُتوقع أن تزيد على 500 مليار دولار، والضغط بورقة اللاجئين ربما يسهم بإقناع الدول المستضيفة بإعادتهم والمساهمة أيضاً بتكاليف إعادة الاعمار.

وأيضاً رغم معرفة سيد الكرملين بأن عودة المهجرين وإعادة الاعمار تحتاجان الى أموال طائلة لا تستطيع تأمينها الدول التي حضرت مؤتمره، بل تحتاج تحديداً لمساهمة دول الخليج والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وكندا واليابان وغيرها من الدول الغنية، إلا أنه أصر على عقد المؤتمر في دمشق لتوجيه رسائل لكل الفاعلين بالملف السوري مفادها أن موسكو هي من تمسك بالقضية السورية، وأن هذا المؤتمر لن يكون الأخير، وأن الأسد أمر واقع، وإذا أردتم التخلص منه فعليكم التفاوض معنا ودفع الثمن لنا ولن يكون رفع الغطاء عنه مجاناً.

لكن مفتاح عملية إعادة الاعمار وعودة اللاجئين تكمن عملياً في الإصرار الأميركي-الأوروبي على توفير البيئة الآمنة والانخراط الجدي للنظام في العملية السياسية على أساس القرار 2254، وهذا ما تشترطه الدول الرئيسية الحاضنة للاجئين التي اعتبرت المؤتمر سابقاً لأوانه، وأن سوريا غير جاهزة لعودة اللاجئين، فلا النظام قادر على استقبال اللاجئين ولا اللاجئين مستعدين للعودة والاصطفاف في طوابير الخبز والنبزين وسوء الخدمات، ناهيك عن الفقر والقهر والاعتقال وانعدام الأمن والأمان.. باختصار لا يوجد سبب واحد من أسباب هجرتهم قد تمت معالجته.

المعارضة التي لم تعِر المؤتمر الكثير من الاهتمام ولم تأخذه على محمل الجد واعتبرته مسرحية هزلية فاشلة يقوم بها الروس والنظام، يجب أن يكون لديها مخاوف جدية بحكم التجارب السابقة مع مثل هذه الخطوات الروسية التي بدأت مثيرة للسخرية لفرط عدم واقعيتها، لكنها أحدثت بمرور الوقت تبدلات في المواقف السياسية لدى الدول والأطراف الفاعلة في الملف السوري.

ولذا على المعارضة الحذر من أن يكون لدى روسيا أهدافٌ أخرى من وراء هذا المؤتمر، مثل الاستمرار في تكريس النظام كممثل شرعي للسوريين. فروسيا والنظام يسعيان لسحب ورقة اللاجئين التي تشكل ورقة ضغط على النظام، من المجتمع الدولي، وبالتالي التحرك سياسياً وعسكرياً بحرية أكبر، إضافة لتسويق النظام عالمياً على أنه مهتم بحل قضية اللاجئين كما تم تسويقه على أنه شريك بمكافحة إرهاب تنظيم “داعش”.

إن تجربة مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت اليه روسيا ورعته في سوتشي 2018 والذي رفضت معظم المعارضة حضوره وسخرت منه، ثم قبلت بمخرجاته التي حرفت مسار العملية السياسية واختصرتها بلجنة دستورية ما زالت تراوح في مكانها منذ عامين، تعزز المخاوف من نتائج سلبية قد تترتب لاحقاً على التعاطي المماثل مع مؤتمر اللاجئين، مع حضور ممثل عن الأمم المتحدة بصفة مراقب، يعطي ما يذكر بحضور المبعوث الدولي السابق ستيفان دي مستورا مؤتمر سوتشي وما آلت اليه الأمور بعد ذلك.

إن لحضور ممثل الأمم المتحدة المؤتمر دلالات تشير ربما إلى ابتزاز الروس للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي تنتهي دورته الرئاسية نهاية هذا العام، ولا يمكن التمديد له من دون موافقة روسيا، وأيضاً ابتزاز النظام للمبعوث الدولي غير بيدرسن وربط دمشق موافقتها على إرسال وفدها لحضور اجتماعات اللجنة الدستورية في دورتيها الرابعة والخامسة نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، واستمرار العملية السياسية التي لم تثمر حتى الان عن أي نتائج إيجابية، بحضور الأمم المتحدة لمؤتمر اللاجئين في دمشق.

ما يجب أن تعرفه المعارضة هو أن النظام عقد هذا المؤتمر بضغط روسي، إذ أنه لا يكترث بعودة اللاجئين، بل يحاول عرقلة هذه العودة من خلال الممارسات التعسفية التي تعرض لها من جرّب حظه وعاد إلى “حضن الوطن” من اعتقال وتعذيب وتجنيد إجباري وفرض رسوم مالية على دخول للبلاد، ما يؤكد أن مصلحة النظام تقتضي عدم عودتهم بسبب عدم قدرته على تأمين الخدمات لما تبقى من الشعب المقدر بأقل من نصف عدد سكان سوريا، فكيف إذا ما بات مسؤولا عن أكثر من عشرين مليوناً.

وهنا لا يمكن إلا ان نستحضر تصريحات رأس النظام عن المجتمع المتجانس الذي يريده في سوريا. هذا المجتمع الذي يرى الأسد هو الوطن، ولا يرى الوطن الا من خلال الأسد، وأيضاً تهديدات أحد جنرالاته عصام زهر الدين اللاجئين حين قال قبل مقتله عام 2017: “اسمعوا من هذه الدقن ولا تعودوا… إذا الدولة سامحت فنحن لن نسامح”.

تشترك المعارضة والنظام إذاً في الموقف السلبي من مؤتمر عودة اللاجئين، كما اشتركا قبل ذلك بالموقف من مؤتمر سوتشي ومن تفاهمات الطرق الدولية بين تركيا وروسيا أيضاً، وهي ترتيبات أقرتها موسكو وفرضت تبعاتها على الجميع، وإذا كانت في البداية قد تلقت الرفض والسخرية فإنها وفي كل مرة كانت تجني المكاسب في النهاية، وهي دروس توجب عدم الاستهانة بما تقدم عليه موسكو في الملف السوري مهما بدا غير منطقي.

المدن

————————-

عودة اللاجئين المتجانسة/ عروة خليفة

لم يفعل الأسد منذ العام 2011 أي شيء لحقن دماء السوريين، في الحقيقة هو فعل عكس ذلك دوماً. أيضاً، منذ خطابه الشهير في شهر آب عام 2017 الذي أطلق فيه عبارة «التجانس»، والتي كانت إشارةً إلى الاحتفال بمقتل مئات آلاف السوريين وتهجير الملايين وصولاً إلى مرحلة «التجانس» بعد التخلّص من «الإرهابيين»؛ لم يفعل أو يقل بشار الأسد منذ ذلك الخطاب أي شيء باتجاه السماح للسوريين بالعودة إلى موطنهم. هو تماماً يفعل العكس في كل لحظة، سواءً عبر ارتفاع معدّل الاعتقالات بين السوريين منذ العام 2018 بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة من البلاد، كما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أو من خلال منع النازحين في مناطق سيطرته من العودة إلى مدنهم وبلداتهم المدمّرة ليعيشوا على أنقاض بيوتهم؛ لم يحصل هذا في داريا التي أعاد احتلالها منذ قرابة الأربع سنوات، ولا في العديد من المدن والبلدات التي لم يعُد إليها أهلها الموجودون في مناطق سيطرته.

إذاً ما الذي تغيَّرَ حتى يقوم نظام الأسد اليوم بتنظيم مؤتمر لعودة اللاجئين؟ الجواب: لم يتغير شيء، كل المؤشرات والأدلة تشير إلى أنّ النظام لا يريد عودة أحد من اللاجئين إلى البلد، ولا حتى عودة النازحين داخلياً إلى بلداتهم الأصلية في كثير من الحالات.

لم يكن الهدف من المؤتمر هو بدء عملية دولية لتسهيل عودة اللاجئين السوريين في الخارج، هؤلاء الذين جرى تسجيل اعتقال عدد منهم فور وصولهم إلى سوريا خلال العام الماضي والعام الذي سبقه. ولن تكفي المليار دولار التي أعلنت موسكو عن تقديمها، دعماً للبنية التحتية في سوريا، لإعادة إعمار سوى 0.25% من الدمار الذي قُدِّرت تكلفته الكليّة بحوالي 400 مليار دولار، وهو ما لن يشكّل أي فرق حتماً في عملية تحسين ظروف الحياة في سوريا.

وفي الوقت نفسه، لم يكسر هذا المؤتمر أي نوع من العزلة الدولية المفروضة حول النظام، إذ لم تشارك أي من الدول التي اتخذت قرار المقاطعة لنظام الأسد تباعاً منذ عام 2011. حتى أنّ دولاً عربية، من بينها الإمارات، كانت تنوي الحضور، لكنها لم تستطع ذلك بسبب ضغط غربي وأميركي، حسب ما قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد في كلمته ضمن فعاليات افتتاح المؤتمر. وهكذا، عدا عن روسيا وإيران والصين، حضرت فقط دول مثل البرازيل والأرجنتين وكوريا الشمالية التي لم تقطع علاقاتها مع النظام أصلاً في أي وقت، فيما لم يشهد المؤتمر حضور أي من الدول الرئيسية التي تضمّ أعداداً كبيرة من اللاجئين في المنطقة وأوروبا، إذا ما استثنينا لبنان طبعاً.

وحتى على صعيد المنظمات الدولية، على الرغم من تصريح معاون وزير الخارجية أيمن سوسان بأنّ عدداً كبيراً من المنظمات الدولية سيحضر المؤتمر، لم يحضره في نهاية المطاف سوى عمران رضا المنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة والشؤون الإنسانية في سوريا بصفة مراقب. رضا، الذي وصفه عاملون في منظمات إنسانية دولية وسورية، في حديث لهم مع الجمهورية، بأنه مقرب من النظام، لم يستطع أن يصطحب أي ممثل عن منظمات الأمم المتحدة العاملة في دمشق. ويقول مصدر مطلّع على عمل تلك المنظمات للجمهورية: «حتى المنظمات المعروف عنها تأييد مواقف النظام في منصات الدعم الإنساني لسوريا رفضت الحضور، ونعلم أنّ إحداها قالت للنظام بصراحة إنّ تمويلها سيتوقف إذا حضر ممثلون عنها المؤتمر». وحسب المصدر نفسه، لم يصرّ النظام كثيراً أو يستخدم التهديد الذي يستعمله عادةً مع المنظمات العاملة في مناطق سيطرته لإجبارها على المشاركة في المؤتمر، الذي اقتصر حضوره على منظمات مثل الصليب الأحمر بناءً على ارتباطها بمنظمة الهلال الأحمر السوري التي يرأسها رجل عيَّنَه بشار الأسد بشكل مباشر.

لم يبقَ أمام هذا المؤتمر من إنجازات إذاً، سوى تغذية المواد الصحفية التي تنتجها وسائل إعلام تابعة لموسكو وتنشط في الدول الغربية، لتعزيز رؤية أحزاب اليمين التي تهدف إلى إعادة اللاجئين من أوروبا، والتي لا تعارض التواصل الدبلوماسي المباشر مع نظام الأسد، ليبدو الأمر وكأنه طقس جديد من طقوس «الحل الروسي» للمسألة السورية، الذي لا يحل شيئاً، وليكون أيضاً طريقة مسرحية للضغط غير المباشر على الحكومات الأوروبية لزيادة مخصصات مناطق سيطرة النظام من الدعم الإنساني، بهدف مساعدته على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، وتظهر آثارها بشكل فادح على طوابير الخبز والوقود في البلاد. إلى جانب كل هذا، كان المؤتمر أداةً جيدةً لإظهار دولة الأسد المتهالكة، باعتبارها حكومة شرعية ترعى مؤتمرات وتنجح في عقدها.

بالتأكيد كان مؤتمر «عودة اللاجئين» فاشلاً إذا ما كان الهدف منه الضغط لإعادة اللاجئين السوريين في الخارج ضد رغبتهم إلى البلاد. لكنّ الحقيقة أن المطلوب منه لم يكن سوى إكمال شكليات الحل الروسي، الذي لا يقول شيئاً اليوم سوى أنّ بوتين مصرٌّ على تعزيز انتصاره فوق أنقاض بلاد لا يملك القدرة على إعمارها، وأنّ تجاهل ركام داريا وحرستا ومعرة النعمان سهلٌ للغاية على من دمرها، وأنّ الحلّ الوحيد الذي في جعبة موسكو هو اللاحلّ. في الأثناء، فإن النقاش الحقيقي لمسألة حقوق اللاجئين السوريين بالعودة الآمنة والكريمة يدور بعيداً عن أي مسارات يرسمها من هجرهم ودمّر بيوتهم.

موقع الجمهورية

———————–

صور من العيش في سوريا 2020/ قاسم البصري

من دون أية إضافاتٍ كلامية، يمكن لبعض الصور القادمة من مناطق سيطرة النظام أن تُلخِّصَ حال أهلنا الذين يعيشون هناك. هذه الصور، بكلّ ما فيها من قسوة، تقول إنّ السوريين يحتاجون إلى وقتٍ طويلٍ للشفاء من عطبٍ يأكل من أرواحهم وأعمارهم. هنا أربع صورٍ من يوميات الناس، قد نجدها صادمةً، غير أنها كذلك للمشاهدين فقط، أما بالنسبة لسكان البلاد المعايشين لها، فقد صارت من عاديات أيامهم:

الصورة الأولى

عشرون ألف سوريٍّ وسوريّة، هم من المصابين بإعاقاتٍ دائمة ومن ذوي القتلى، تجمّعوا في الملعب البلدي (الباسل) بحي بابا عمرو الحمصي، حتى توزِّعَ عليهم مؤسسة العرين، حديثة التأسيس، بعض المساعدات. نصبت المؤسسة صورتين عملاقتين متماثلتين في الحجم لأسماء الأسد وزوجها في صدر الملعب، في حين امتلأ الملعب ومحيطه بكثيرٍ من صور أسماء الأسد وقليلٍ من صور زوجها، وذلك في فعاليةٍ نظّمتها المؤسسة، تقول من خلالها إنها باتت بديلةً عن مؤسسة البستان التي أنشأها رامي مخلوف، ويُقال إن أسماء الأسد هي التي حلّتها. ولأنّ أسماء الأسد ليست أقلّ حرصاً على الشهداء وذويهم من خصمها رامي، فلا بدّ أن يكون على رأس اهتماماتها رعاية أُسر أولئك الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل بقاء زوجها ونظامه.

أُشيعَ قبل التجمّع بأنّ أسماء، وربما زوجها، سيحضرون إلى الملعب ليُعاينوا حال الأسر الفقيرة عن قرب، تماماً كما فعلت السيدة الأولى قبل ذلك بأيامٍ حين اتّجهت إلى الساحل السوري لتعاين أثر الحرائق، ولتقف «شخصياً» على حجم الخسائر. في النهاية، لم تحضر أسماء الأسد، بل حضرت عبوات مياهٍ بلاستيكية وصناديق بسكويت عوضاً عنها، ووزِّعَت على الألوف المتجمهرين في الملعب. في هذا الحي نفسه، وقبل ثماني سنوات، كانت أجهزة الأمن والإعلام الأسدي تتهم المتظاهرين بالتجمّع للتظاهر لقاء ألف ليرة سورية وسندويشة. هذه قيمة السوريين بالنسبة للأسدية كما خبرنا طوال السنوات الماضية، ولكن لا بدّ هنا أن نتذكّر أيضاً رجل الأعمال والبرلماني محمد قبنض، الذي قايض صيحات الهتاف لبشار الأسد ببضع سندويشاتٍ ألقى بها في وجوه مهجّرين من ريف دمشق. كانت هذه هي الدراما الحقيقية التي يموّلها محمّد قبنض، وليس تلك المعروضة في المسلسلات التي يتاجر بها.

الصورة الثانية

حصدت نيران الحرائق عشرات ألوف الأشجار المعمّرة في الساحل السوري، كما حصدت عشرات ألوف أشجار الزيتون ومعها محاصيل وبيوت بلاستيكية ينتظر المزارعون عوائد بيع ثمارها طوال العام. لم يجنِ كثيرٌ من المزارعين هذا العام سوى الخيبة والألم ومزيداً من فقر الحال. قَدَّرَت وزارة زراعة النظام عدد الأشجار المحترقة بالملايين، وذهب البعض إلى أنها ضخّمت الرقم قليلاً لتسخير ذلك إنسانياً وسياسيّاً وأخلاقياً ضد دول «التكبّر والاستعمار» التي تحاصر شعباً تحاصره الحرائق.

ليس بوسع المزارعين تعويض خسائرهم، كما أنّ أشجار زيتونهم لن تنمو قبل أعوام، وهم لا يدرون من أين سيأكلون في هذا الشتاء، ولا في السنوات القادمة. الحكومة وعدت بتعويضاتٍ بعد أن زار بشار الأسد بعض الأراضي التي طالتها الحرائق، على أن تُوزَّعَ المساعدات على ثلاثة أعوام: 50% لهذا العام، و25% في كلٍّ من العامين القادمين. يأمل المزارعون أن تفي الحكومة بوعودها بخصوص التعويضات، ويأملون أن تفي بالتزامها منحَ القروض والتسهيلات والغراس كما وعدت، لكنّ مثالاً قريب العهد يقفز إلى البال فيدفعهم للتشاؤم. بعد الحرائق التي شهدتها البلاد في العام 2019، وعدت الحكومة بالوقوف على الأضرار وتعويض المتضررين، لكنها لم تفعل شيئاً، فما الذي سيتغير بين العام الفائت وهذا العام؟ من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ مزارعاً واحداً لم يُعوَّض بشيءٍ حتى الآن.

الصورة الثالثة

بينما تزداد وطأة الفقر أكثر فأكثر على السوريين، باتت مؤسسات السورية للتجارة خياراً لا بديل عنه للحصول على بعض المخصصات الغذائية بموجب البطاقات الذكية. الانتظار وحده ليس كافياً للحصول على المُخصصات، فثمّة بعده وقبله مزاجية الموظفين الذين يتوقفون عن العمل متى أرادوا، وبحججٍ ليس بوسع جموع المنتظرين سوى تصديقها. اثنان من المنتظرين على أبواب إحدى نقاط التوزيع في دمشق رفضوا الانصراف دون الحصول على مخصصاتهم، وبعد جدالٍ مع الموظف المسؤول تدخّلت المدام فاتن لتضع حداً للسيدين المواطنين اللذين أساءا التقدير، وظنّا نفسيهما طلاب حق. تبيّنَ للمدام فاتن بعد أن فردت عضلاتها أنّ أحد الشخصين عسكري، فطلبت منه الوقوف جانباً حتى تنتهي من إهانة وتقريع المدني ثم تفرغ لتأدية طلبه.

تعوّدت المدام فاتن وأضرابها إهانة المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، أما العسكريون فلا، ربما نتيجة قناعةٍ بدور هؤلاء في صدّ الإرهاب، وربّما خوفاً من شكاوى يقدّمونها إلى الضباط المسؤولين عنهم. هناك تراتبية تشبيحٍ في سوريا الأسد، وكل شبيحٍ يخشى الشبيح الآخر نتيجة جهله بمن يقف وراءه ويدعمه. عموماً، المدام فاتن وأشباهها يقفون قدماً بقدم مع الجيش والقوات المسلحة فوق رقاب المدنيين والعزل.     

الصورة الرابعة

في أقفاصٍ حديديةٍ تشبه تلك الموجودة في عشرات السجون التي خبرها السوريون جيداً طوال العقود الماضية، يتكدّس العشرات قبالة أحد أفران دمشق في انتظار الحصول على رغيف الخبز. هذا المنظر البائس شديد الشبه بسوريا التي يعيش فيها هؤلاء الناس: سجنٌ كبيرٌ يمتد على مساحة البلاد، فيه صنوف العذاب جميعها، وباتت أقصى أحلام المودعين فيه أن يحصلوا على متطلبات حياتهم الأساسية من غذاءٍ وماءٍ وكهرباء. أُزيلت لاحقاً هذه الأقفاص بعد ردود الفعل الغاضبة، وبقيت الطوابير على حالها في الهواء الطلق.

في مكانٍ آخر، يتجمّع العشرات أملاً في الحصول على أحدث إصدارات هواتف شركة آبل الأميركية، التي استوردتها شركةٌ قيل إنها مملوكةٌ لأسماء الأسد. تمنع العقوبات الدولة الأسدية من استيراد القمح بحسب ما يدعيه النظام، وتَعَدم الحكومة وتجارها وشركات واجهتها سُبُل تأمينه، لكنّ كبار التجار المرتبطين بالعائلة الحاكمة قادرون على الالتفاف على العقوبات نفسها ليستوردوا الهواتف المحمولة بغية بيعها بأضعاف ثمنها الحقيقي.

لم يكن القمح، مع نهاية موسم الحصاد الفائت، صَعبَ التأمين من مصادر محلية لتغطية احتياجات سكان مناطق سيطرة النظام، وذلك عبر شرائه بأثمانٍ عادلةٍ من المزارعين في الجزيرة السورية، ولا عقوبات تطاله فعلياً لو أن النظام قرّر استيراده من الخارج، ولكنه ليس استثماراً رابحاً مثل السيارات الفاخرة وأحدث القطع الإلكترونية، ولذا لا بأس في جعل الطوابير مشهداً يومياً يذكّر السوريين في كل يومٍ أنهم كانوا بخير، ولكنهم ثاروا فخرّبوا على أنفسهم بعد أن كانوا يعيشون هناءً لا ينقصهم فيه شيء!

موقع الجمهورية

————————-

أوهام موسكو وحقيقة القضية السورية/ يحيى العريضي

يعكس سلوك روسيا تجاه القضية السورية هاجساً يدفعها لتقديم نفسها بأنها الأكثر حرصاً على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسوريا عسكرياً وسياسياً وإنسانياً. فتراها تتفاخر بإيجاد مسار “أستانا” لوقف إطلاق النار، وبمؤتمر “سوتشي” لتنفيذ الشق السياسي من القرار 2254، وفِي الجانب الإنساني، تعقد مؤخراً مؤتمراً في دمشق لإعادة السوريين إلى بلدهم.

مع انخفاض منسوب القتل والتدمير والتشريد، وانحسار حجة الإرهاب، التي أسبغها القَتَلَة والمستبدون على ثورة سوريا؛ ومع الإجماع العالمي على الحل السياسي، واقتناع قوى الأمر الواقع المسيطرة على الأوصال السورية المبعثرة، ومع إفلاس تحالف الاحتلال الأسدي- الخامينئي- البوتيني في حسم الأمور لصالحه؛ ومع اقتناعه المر بأنه ما من مخرج من أزمته وحالته المستعصية إلا بحل سياسي سعوا لتوليده قيصرياً عبر دستور “أستانا” أولاً ثم “سوتشي” تالياً عبر محاولات مستميتة لتعطيل مسار “جنيف” دائماً؛ ومع تدهور الحال الاقتصادي الداخلي السوري مرفقاً بتفلت أمني وضياعٍ لهيبة الأسدية التي تعطي البوتينية والخامينائية شرعية الوجود في سوريا… مع كل ذلك تستمر روسيا بعلك الصوف الممزوج بالدم والدمار السوري محاولة تفصيل “حل سياسي” على مقاس مصالحها حصراً مستخدمة ضعف وتدهور نظام الاستبداد الأسدي والنقمة على الوجود الإيراني.

من هنا عادت موسكو إلى أحد البنود الإنسانية والسياسية في القرار الدولي، وخرجت بفكرة عقد مؤتمر لإعادة اللاجئين السوريين، غير متّعظة بـفشل “مؤتمر سوتشي للشعوب السورية” الذي اجتزأ الحل السياسي الشامل في القرار 2254 بتشكيل لجنة دستورية أرادت روسيا أن تكون مرجعيتها واضعة نفسها بديلاً للأمم المتحدة صاحبة القرار؛ لتعود الأخيرة وتقمع تفردها، ولتكون المرجعية. وها هو مؤتمر اللاجئين يفشل أمام أعينها. فكما دأبت على عرقلة عمل الدستورية سراً، لعدم امتلاكها كلياً، ولخروجها من يدها، ستعمل على عرقلة أي عودة حرة كريمة للاجئين السوريين إلى بلدهم.

من كل هذا يستخلص المرء جملة من الإشارات؛ إما أن سياسة موسكو في /الخارجية/ أو /الدفاع/ مربكة غبية خبيثة سطحية تكتيكية؛ أو أنها تتصرف عن وعي وإدراك وحصافة لتسجل نقاط في مقاربة تطبيقية للقرار الدولي 2254، دون الدخول الحقيقي في جوهره مستفيدة من “مطاطيته” ومن غياب قوى فاعلة لفرضه. ومن هنا كل محاولاتها ابتداءً من “أستانا” إلى “سوتشي” وصولاً إلى “دمشق” في تفريغ القرار الدولي من مضامينه الجوهرية.

الآن، ومع تكرار “الفشل” أكثر من مرة، ربما تكون عين موسكو على عنصر آخر في القرار الدولي، لتجهضه- وتحديداً “الانتخابات”. وبهذا تكون قد قاربت مسألة /وقف إطلاق النار/ بتشويهها وتحويلها إلى “خفض تصعيد”؛ و/الانتقال السياسي/ بتقزيمه إلى “لجنة دستورية” و”عودة لاجئين” ثم “انتخابات رئاسية” لذر الرماد في عيون الغضب السورية؛ وبذا تدفن القضية السورية والحق الشرعي في استعادة السوريين لبلدهم، وكأن شيئاً لم يكن…

ما يعطي دلالة على دقة تصوير المقاربة الروسية بأنها هكذا، هو أنها بالأمس أعطت الضوء الأخضر للمبعوث الدولي للإعلان عن جولتين، وليس واحدة لانعقاد اللجنة الدستورية (واحدة هذا الشهر وثانية في الشهر الأول من العام القادم) حتى تبقي اللعبة مستمرة. والمفارقة أن ذلك يأتي بعد أن رفض النظام علنياً اللجنة، واعتبرها “لعبة”؛ لكن الضغط الموسكوفي، والإغراء بانتخابات رئاسية “تشرعن” النظام، ولّد موافقة عند منظومة الاستبداد الأسدية.

ليعلم السيد بوتين أنه حتى لو وصلنا إلى “الانتخابات الرئاسية”، فلن يكون مَن يريد شرعنته أو إعادة تكراره شرعياً، تماماً كحال “مجلس الشعب” الذي تم تعيينه. معظم السوريين رافضون لذلك، وكذلك المجتمع الدولي وقراراته بخصوص سوريا، تماماً كما يرفضون عودة اللاجئين، أو إعادة الإعمار، أو إغفال ملفات الإجرام المتراكمة، أو مناطق خفض التصعيد التي أجهضت وقفاً شاملاً لإطلاق النار، أو الضحك على السوريين في “مناقشات للدستور”. الحلول التكتيكية الترقيعية ليست تطبيقاً للقرارات الدولية، ولن تشرعن نظاماً قاتلاً، ولن تنقذ سوريا التي تدهورت اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً.

ينقذ سوريا فهم حقيقي لجوهر الصراع فيها؛ للمرة المليون، سيد بوتين، ليس صراعاً بين /معارضة/ و/نظام/ بل صراعاً بين الحرية والديموقراطية والكرامة والحياة من جانب، والاستبداد والذل والموت من جانب آخر. إنه صراع يتسلح السوريون فيه بقرارات دولية تنصفهم، وبإرادة لا تموت.

قد يغري السيد بوتين أن هذا الحق السوري لا يجد من يتمترس عنده بقوة وصلابة وانتظام، وقد يغريه التناقضات والمصالح الدولية المتضاربة، وقد يكبّر رأسه امتلاكه لقوة عسكرية- طالما تفاخر بفاعليتها في الساحة السورية- وقد يتوهم أن المسألة السورية لا تحتل أولوية في السياسات الدولية؛ ولكن عليه أن يتيقّن أن هناك من يتمترس عند جمر القضية السورية، وأن الدول تسجّل عليه سقطاته، وخاصة حمايته للإجرام عبر “فيتو” مجلس الأمن، ولا هي ستشبعه اقتصادياً في إعمار ما خرّبه في سوريا، وإعادة من شردهم بصحبة الأسدية والخامينائية سيعودون؛ والأهم من كل ذلك، ليعلم أن ثورة السوريين مستمرة، وأن النخب والقوى السورية التي تغلي على مدار الساعة، و بالتكاتف ومراجعة الحسابات مع مؤسسات معارضة قائمة؛ وبالتنسيق مع قوى تريد عودة حرة كريمة لسوريا وشعبها إلى الحياة، على وشك الخروج بجسد قوي عفيّ صادق راشد يحرص ويعمل على استعادة بلده من الاستبداد والاحتلال.

تلفزيون سوريا

———————–

روسيا وعودة اللاجئين إلى جحيم الأسد/ ميشال شماس

تصرُّ روسيا على أن الوضع في سورية بات مهيّأً ومناسبًا لعودة اللاجئين السوريين إلى سورية، وهي تستعجل عودتهم، وتسعى إلى إرغامهم على العودة إلى جحيم الأسد، بالتهديد تارة والترغيب تارة أخرى، من خلال الضغط على دول اللجوء، وتخويفها من تحوّل مخيمات اللجوء إلى مركز لنشر التطرف، وتستغل تزايد التذمّر الشعبي حيال وجود اللاجئين في دول إقليمية وغربية، خاصة مع تفاقم الحركات الشعبوية واليمنية المتطرفة في أوروبا، وتضغط أيضًا على ما يسمّى “المعارضة الداخلية” المقربة منها، كي تنخرط في دعوة اللاجئين للعودة إلى سورية، وقد تبيّن هذا من تصريح أحد أعضاء اللجنة المركزية في حوران، ويُدعى أبو أحمد، إذ ردّ على الطلب الروسي قائلًا: “كيف لنا أن ندعو المعارضة إلى إقامة مؤتمر في دمشق، ونشجّع اللاجئين على العودة، ونحن نعيش أوضاعًا اقتصادية وأمنية سيئة، والاعتقالات والاغتيالات تطال المعارضين، رغم إجراء تسويات؟!”.

أين هي الظروف المناسبة التي تتحدث عنها روسيا لعودة اللاجئين؟ وإلى أين سيعودون؟ أإلى بيوتهم التي نُهبتْ محتوياتها وهُدمتْ حتى سوّيت بالأرض؟! ومن سيُعوضهم عن نهب بيوتهم وتدميرها؟ ومن يضمن لهم توفير الحد الأدنى من المعيشة، إذا كان الأسد نفسه عاجزًا عن تأمين رغيف الخبز للناس القاطنين في مناطق سيطرته، والذين يئنون من وطأة الجوع والحرمان وانقطاع المياه والحرمان من الكهرباء ووسائل التدفئة.. إلخ، وأصبحوا بدورهم يبحثون عن طريق يساعدهم للخروج من جحيم الأسد؟ ومن هي الجهة التي ستضمن ألاّ يتعرض أيّ من اللاجئين العائدين للملاحقة والاعتقال، إذا كان السوريون الذين عقدوا مصالحات مع الأسد برعاية روسية لا يأمنون على حياتهم، من عمليات القتل والاغتيال التي استهدفت كثيرين منهم، فضلًا عن أن مجرد الكتابة على “فيسبوك” باتت تعرّض كاتبها للملاحقة والاعتقال والتعذيب؟ ومن يضمن عدم قيام نظام الأسد بسوق اللاجئين من الشباب إلى الخدمة العسكرية، لسدّ النقص الحاصل في صفوف جيشه، نتيجة عزوف كثير من الشباب الذين يعيشون في مناطق سيطرته عن المشاركة في الخدمة العسكرية، وفضّلوا الهرب خارج البلاد أو الاختباء عن أعين المخابرات أو دفع الرِّشا الباهظة؟

إن المتتبع للأوضاع الحالية في سورية يكتشف -من دون عناء- أنها ما زالت غير مهيّأة لاستقبال اللاجئين، بل إن الأوضاع تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، في ظل تفاقم الأزمة المعيشية، وعجز الأسد عن توفير رغيف الخبز حتى للموالين له، مع استمراره في سياسته الأمنية التي كانت سببًا في انتفاضة السوريين عليه، وما تزال تشكل سببًا إضافيًا في تهجير ملايين السوريين.

على مدى الأشهر الماضية، وردتني اتصالات من أصدقاء وأقرباء يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد، يطلبون منّي مساعدتهم في الخروج من سورية، إلى أيّ بلد في هذا العالم.. يريدون الخروج من سورية بأي طريقة ممكنة، ليس لأنهم معارضون لنظام الأسد، أو لأنهم يتعرضون لمضايقات أمنية، بل لأنهم باتوا عاجزين عن تأمين رغيف الخبز، ولم يعد لديهم القدرة على تحمّل ظروف الحياة في سورية التي أصبحت جحيمًا لا يطاق.

صفحات التواصل الاجتماعي لسوريين يعيشون في مناطق سيطرة الأسد تتحدث، بوضوح وبعفوية، عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية في سورية، وهي تعكس بمرارة كيف يقضي السوريون أيامهم في البحث عن رغيف خبز يسدّ جوعهم إلى حين، قصص يومية مؤلمة وحكايات تُبكي من أهوالها الصخور والأحجار.. يكفي أن يطّلع المرء على صفحة الكاتبة سلوى زكزك حتى يكتشف أن سورية لم تعُد مكانًا صالحًا للعيش بل أمست جحيمًا حقيقيًا، فمن يستطيع أن يُقنع لاجئًا للعيش في الجحيم مجددًا؟

تقول السيدة سلوى زكزك، معبّرة عن إحدى مشاهداتها اليومية للجحيم السوري: “لم يعُد ممكنًا أن نشرح ونعلن بأننا جوعى ومُحزنون، فقد استوفت اللغة سقفها في التعبير.. لم يعد ذا قيمة أن نرثي أحوالنا ونعلن موتنا المعلن، فقد استولى اليباس والهمجية على كل مفاصل العيش.. ثمة حالة لا يمكن وصفها، مع أن الشعور بها غامر، إنك لا تعني شيئًا حتى لنفسك، إنك جبل المحامل الصخري الذي ينوء حتى تحت رغبته في الفرار ولا يجد اليه سبيلا”.

وفي مشهد مأساوي، يعبّر عن الحال التي وصل إليها القاطنون في مناطق سيطرة الأسد، تصف لنا السيدة زكزك، في إحدى مشاهداتها كيفَ أن السوريات والسوريين انتقلوا من مرحلة محاكاة أنفسهم إلى محاكاة قوت يومهم.. تقول زكزك: “اليوم بكراجات حلب، رجلٌ يحاكي ربطة الخبز، ويقول لها بعد أن ألصقها بصدره: بتستاهلي يا قاسية خمس ساعات وقفة عقصب رجلي؟ سيدة في سوق الطبالة للخضار بعد أن أحصت عدد الخيارات التي يتألف منها الكيلو.. أمسكت خيارة، وقالت لها بحدة بالغة طلع حقك مية يا معوّدة.. معقول القرطة منك بخمسين ليرة؟!”.

المحامي ناهل المصري كتب من دمشق على صفحته، معترضًا على عقد مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق: “أنا عندي مشكلة وحيدة مع المؤتمر، مشكلتي أنه سينعقد في دمشق، دمشق اليوم غير مؤهلة لاستضافة المؤتمرات، لأسباب نعرفها جميعًا، وغير مؤهلة لعودة أحد، مو حلوة تنقطع الكهرباء أربع ساعات على المؤتمرين، ما عندهم وقت، بدهم يرجعوا على بلادهم وبلاد اللجوء، وماذا سنفعل بالبطاقة الذكية ودور الخبز والغاز والبنزين والمازوت لو عاد اللاجئون؟! لو عقد مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في دولة أجنبية، وقُدِّرَ أن أُدعى إليه، لحضرته فورًا ودونما تردده، وألقيتُ خطبة عصماء أدعو بها كلّ أبناء بلدي للعودة.. وعند انتهاء المؤتمر، سأطلب اللجوء في الدولة التي جرى فيها”. وفي منشور آخر يسأل المصري: “كيف نقنع الموجودين في سورية بعدم مغادرتها واللجوء لدولة أخرى، إن سنحت لهم الفرصة بذلك؟”.

السيد فوزي هايل عريج كتبَ أيضًا من دمشق معلقًا على منشور المحامي ناهل المصري: “مؤتمر ماذا؟ وعن أي عودة يتحدثون؟ وإلى أين سيأتون؟ وإلى أي مصير أسود يسيرون؟ هيئوا لنا نحن القابعين هنا فوق أرض الوطن وتحت سقفه سبلَ العيش الكريم، ثم اعقدوا ما شئتم من مؤتمرات”.

إن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم هي حقٌ لهم، لا يجادلهم فيه أحد، لكن حلّ قضيتهم لا يتم إلا من خلال تنفيذ القرارات الدولية، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254، وليس من خلال روسيا التي ساهمت في تشريد السوريين وتدمير ممتلكاتهم، ولا يمكن فهم استعجال روسيا اليوم لعودة اللاجئين السوريين إلا باعتباره محاولة منها للفصل بين مسار اللاجئين من جهة، والعملية السياسية التي نص عليها القرار 2254 من جهة أخرى، أيّ قلب العملية السياسية التي نصّ عليها بيان جنيف 2012 وجميع قرارات مجلس الأمن، وصولًا إلى القرار 2254، رأسًا على عقب، وتحويل الإنجازات العسكرية التي حققتها الآلة العسكرية الروسية إلى قبول سياسي، وتبييض صفحة النظام وتلميع صورته وإعطائه صك براءة، وإعادة تأهيله من جديد، وكأن شيئًا لم يكن، تمهيدًا لفتح الطريق أمام ملف إعادة الإعمار.

ما لم تتغيّر طبيعة الحكم وسلوكه، فإن اللاجئين السوريين لن يعودوا، وليس هناك من طريق لعودة اللاجئين كل اللاجئين إلا الإصرار على تنفيذ القرار الدولي 2254 كما هو، لا كما تريد روسيا، هذا القرار الذي يشدد على قيام عملية انتقال سياسي حقيقي، وفقًا للخطوات التي نصّ عليها بيان جنيف، تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية وتشكيل حكومة انتقالية تنحصر مهمتها بتهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين، كتأمين أماكن سكن بديلة ولائقة، ومنحهم التعويضات المناسبة عن بيوتهم التي نُهبت وهُدمت، وتوفير الخدمات الأساسية من أمنٍ ومأكل وملبس وماء وكهرباء وتدفئة، وضمان حرّيتهم في الرأي والتعبير والتنقل، دون أي عوائق، وإطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسريًا، والبدء بعملية إصلاح وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش والقضاء وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية، وفي مقدّمها محكمتا الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب، وصياغة قانوني أحزاب وانتخابات جديدين، وصولًا إلى صياغة عقد اجتماعي جديد بين السوريات والسوريين، على أساس مبدأ المواطنة المتساوية، بصرف النظر عن آرائهم ومعتقداتهم وأجناسهم وألوانهم.

مركز حرمون

————————–

النخوة المفاجئة/ بسام جوهر

ما هذه النخوة المفاجئة التي دبت في عروق النظام السوري وجعلته يوافق على عقد مؤتمر يرحب به بعودة اللاجئين السوريين الذين هجّرهم (الإرهاب)؟!!!

هل يعتقد بشار الأسد أن السوريين نسوا كلماته في خطاباته المتكررة عندما قال: (خسرنا خيرة شبابنا والبنية التحتية لكننا ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وتجانساً)؟؟

ولماذا يريد بشار الأسد، ومن ورائه بوتين (تخريب) هذا التجانس الذي أفنى الأسد عشر سنوات من عمره في الحصول عليه، هذا إذا وضعنا جانباً كل الصواريخ والقذائف والبراميل التي خسرها وكل الشباب الذين فقدوا حياتهم لتحقيق هذا التجانس، ولا ننسى كل القتلى الروس والإيرانيين الذين قدموا حياتهم وخبراتهم في إنجاز هذا الهدف الثمين!!!

ثم ألم يفكر الأسد، ومن دفعه لعقد هكذا مؤتمر، ماذا سيفعل بهؤلاء (المندسين والمتآمرين والجراثيم)، حسب قوله، غير المتجانسين والذين كانوا بالأمس القريب وراء (المؤامرة الكونية)؟.

على حد علمي أن معظم هؤلاء اللاجئين هم من المعارضين وهم (ساقطون أخلاقياً وشعبياً)، كما قال، فلماذا يريد عودة هؤلاء (الساقطين)؟؟ هل انتهت (المؤامرة الكونية)؟ التي أدت الى (إثارة الفتن)؟

ثم أليس بشار الأسد صاحب نظرية (التنظيف الذاتي)، عندما قال أن الحزب (نظف نفسه) وأن الجيش أيضاً قام بعملية (التنظيف الذاتي) وتخلّص من العناصر الشاذة وأصبح أكثر قوة؟؟

هل ما زالت سوريا هي وطن هؤلاء اللاجئين أم أصبحت وطن لغيرهم؟ بعد أن سمعوا بشار الأسد يقول، وبكل صراحة: (الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره، بل لمن يدافع عنه ويحميه). حسب هذا الزعم، أليست ميليشيات حزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية أحق من هذا السوري اللاجئ (والعاق) الذي تأخر وتردد في الدفاع عن الوطن ورفض (نعمة القائد وعطاياه السخية)؟؟

هل يكفي رفع شعارات (وطنية وإنسانية) في المؤتمر كي يقتنع هؤلاء اللاجئين بالعودة ويحزمون حقائبهم ويصطفون طوابير على الحدود حاملين بيدهم اليسرى جوازات سفرهم وبيدهم اليمنى المئة دولار رسم الدخول إلى سوريا، الجنة المنشودة؟؟ أم أن ذاكرتهم ما زالت حية وتعرض عليهم صور ضباط المخابرات بوجوههم الكالحة وابتسامة النصر الصفراوية والشامتة على محياهم، وهم بانتظار كل فرد منهم للتحقيق وقياس مدى الولاء للقائد (الرمز) الذي بنى سوريا وجعلها جنة الله على الأرض!!! خاصة وأن الدول الراعية (للإرهاب) التي احتضنت هؤلاء بعد فرارهم من الوطن، ربما تكون قد لعبت بعقولهم وعلمتهم بعض (الأكاذيب) مثل الحرية والديمقراطية وتداول السلطة وغيرها من الخزعبلات التي عفا عليها الزمن.

من المؤكد أن اللاجئين الشباب على أحر من الجمر للعودة إلى حضن الوطن وسيقفون طوابير أمام شُعب التجنيد للالتحاق بالجيش العربي السوري الذي (حمى الوطن وحافظ على سيادته) وانتصر على (الأعداء).

ومن المؤكد أيضاً أن النظام سيسامح هؤلاء على خروجهم في مظاهرات ضده وسيبني لهم بيوتهم التي دمرها (الإرهاب) ويعيد لهم أراضيهم التي استولى عليها من (دافع عن الوطن)، وبدورهم، اللاجئون سيسامحون ولن يقولوا، حتى في سرهم، أنه نظام قاتل وبراميلي وسيشكرون إيران وحزب الله وعلى رأسهم روسيا أبو علي بوتين الصديقة على عودتهم الميمونة والمظفّرة إلى أرض الوطن الذي لم يبارحهم لحظة واضحة.

ولا شك أن هؤلاء العائدين سيكونون مواطنين مسالمين وسيقدمون الطلبات للحصول على (البطاقة الذكية) وسينتظرون دورهم للحصول على جرة الغاز أو بضع ليترات من البنزين أو ربطة خبز، خاصة وأن خبز الوطن له رائحة خاصة افتقدوه في غربتهم (اللعينة).

سوريا تنتظرهم بكل جمالها وبهائها  وضباط مخابراتها وأفرعها الأمنية وميليشياتها الشيعية والسنّية  وجيشها الباسل وعلى رأس هؤلاء جميعاً القائد الرمز وصاحب اليد (البيضاء) في جعل سوريا على كل شفة ولسان، وله يعود الفضل في تصدّر أخبار سوريا  عناوين الصحف والأخبار المحلية والعربية والعالمية.

ضابط ومعتقل سياسي سابق.

موقع نواة

—————————–

بوتين وعودة اللاجئين السوريين/ سمير العيطة

مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم قضيّة إشكاليّة شائكة. لا تخفى تحدّياتها المحليّة والدوليّة على الإدارتين الروسيّة والصينيّة. لماذا إذا أصرّ الرئيس الروسى بوتين على عقد مؤتمرٍ يخصّ هذه القضيّة فى دمشق؟ وفى هذا الأوان بالذات، مع علمه الأكيد أنّ مشهد المؤتمر سيبدو باهتا، بل مدعاةً للسخرية من قبل الكثيرين.

صحيحٌ أنّ وتيرة الحرب والضحايا قد خفّت كثيرا، إلاّ أنّه لا يُمكن الحديث عن أمان فى بلدٍ تشرذم واقعيّا إلى ثلاث مناطق متباعدة ذهنيّا وفى السياسات المهيمنة عليها. هذه المناطق الثلاث تشهد يوميا عمليّات قتل واعتقال، يعود جزءٌ منها إلى الضائقة التى أفلتت عقال السلاح على حساب الاقتصاد وسبل العيش. ويُمكن حتّى التساؤل: لماذا لم يعُد لاجئو ونازحو منطقة الشمال الشرقى إلى ديارهم، وهى الأقلّ ضائقةً معيشيّا و«تتمتع» بالوصاية الأمريكيّة؟ وكذلك هو الأمر بالنسبة لمناطق درع الفرات الواقعة تحت الوصاية التركيّة أو حوران التى أجريَت «المصالحة» فيها؟

الأوضاع المعيشيّة سيّئة للغاية فى كلّ سوريا، بكلّ أصقاعها وحتّى سيّئة للغاية مقارنةً مع أسوأ أيّام القتال، نتيجة الأزمة المالية والاقتصاديّة فى لبنان.. وبسبب الاضطرابات الاقتصاديّة اليوم فى تركيا. أضِف لذلك تداعيات وباء كوفيد 19. وتعيش كلّ أنحاء البلاد أوضاع تضخّم متسارِع hyperinflation لا يكبحه التحوّل للتعامل بالليرة التركية هنا وبالدولار الأمريكى هناك. ولا يلوح أفق تحسُّن الأمور، بل تزايد انتشار الفقر المدقع والعوز.

وربّما تكمُنُ هنا إحدى رسائل بوتين إلى الولايات المتحدة وأوروبا. فكم ستبقى قادرة على تحمّل نفقات مساعدة السوريين وزيادتها، لأولئك المقيمين والنازحين واللاجئين إلى دول الجوار فى ظّل أزماتها هى أيضا؟ ومتى ستنتقل من المساعدات الإنسانيّة المعيشية الراهنة إلى مساعدات الاستدامة، أى إعادة بناء البنى التحتيّة والحياة الاقتصاديّة؟ وهل ستتحمّل مسئوليّة كارثة معيشيّة أكبر من تلك التى نشهدها اليوم؟

***

الإجابة على هذه الأسئلة تهمّ لبنان أكثر من غيره، وهذا ما يفسِّر حضوره مؤتمر دمشق. إنّ اللاجئين السوريين يعدّون ثلث سكّانه وتبدو البلاد ذاهبةً إلى تدهورٍ اقتصاديّ أكبر، فكيف يُمكن مساعدة لاجئيه دون مساعدة مواطنيه، والعكس بالعكس. وهذا ما تبرز ملامحه واضحة بعد تعثّر المبادرة الفرنسيّة. ليس فقط أنّ كون لا مستقبل اقتصاديا للبنان دون تعاونٍ مع سوريا، بل إنّ تفجّر الأوضاع الاجتماعيّة والأمنيّة فى لبنان قد يؤدّى إلى طرد اللاجئين منه. وهذا تحدٍّ آخر يضعه بوتين عبر المؤتمر على طاولة «الغرب».

الأمر مختلف بالنسبة للأردن الذى شغّل اللاجئين السوريين فى الزراعة كى ينافسوا أقرباءهم الباقين فى سوريا، وكذلك بالنسبة لمصر التى لم تقبل سوى الميسورين حالا والذين نشَّطوا اقتصادها. أمّا تركيا فحساباتها مختلفة، وأبعد من قضيّة عودة لاجئين إلى سوريا موحّدة، رغم الأعداد الكبيرة للاجئين لديها. هنا يُمكن التأكيد أنّ بوتين لم يقصُد حقّا اللاجئين إلى أوروبا. إذ إنّ أغلب هؤلاء أصحاب كفاءات يتأقلمون هناك ويعيشون ظروفا لن يشهدوا مثيلها فى المشرق. لكنّ إثارة القضيّة فى المناخ السياسيّ الأوروبى تشجِّع اليمين المتطرّف وتزيد من صعوبات الحكومات القائمة.

كذلك يعلم بوتين جيّدا أنّ الرئيس السوريّ سيستغلّ المؤتمر سياسيا، خاصّة فيما يتعلّق بتسويق إعادة «انتخابه» فى الصيف القادم ورفع شرط إعادة اللاجئين عن كاهله، واضعا اللوم على من لم يحضَر المؤتمر. ويعرِف أيضا أنّ إعادة الانتخاب لا وزن لها فى ظلّ ابتعاد ظروف ما يسمّى «الحلّ السياسيّ» مع غياب القوى الفاعلة فى الشمال الشرقى عن مفاوضات جنيف التى أُدخِلَت فى أساسها فى نفقٍ دستوريّ لا نهاية له. كما يعلم أنّ «المعارضة» ستستغلّ الأمر أيضا سياسيّا لتعود إلى الساحة عبر الإعلام أنّ لا عودة للاجئين دون رحيل الأسد رغم أنّها تتفاوض معه فى الأستانة كما فى جنيف. وكأنّ رحيل الأسد واستلام «المعارضة» السلطة شرطٌ كافٍ لعودة اللاجئين والنازحين، بحجّة أنّ مئات مليارات الدولارات ستتدفّق حينها.

قضيّة عودة اللاجئين قضيّة شائكة أكثر، خاصّة فى ظلّ واقع أنّ آخر موجات اللجوء مضى عليها خمس سنوات وأكثر.

***

بالطبع تحتاج هذه العودة قبل كلّ شيء إلى مناخٍ من الأمن وثقة المواطنين. ويرتبط هذان الأمران حُكما بوقف هيمنة السلاح وبعودة مؤسسات دولة إلى فعاليّتها الدستوريّة على المستوى المركزى والمحليّ. إلاّ أنّه يرتبط أيضا بنبذ التجاذب «الهويّاتى» والفكريّ بين المناطق الثلاث فى سوريا، وبإعادة الثقة بين من تَهَجَّر ومن بقى، حيث يحمِّل كلّ طرفٍ الأطراف الأخرى مسئوليّة مآسى الصراع التى يعيشها الجميع. فما الخطاب الجامع وما صيغة الحكم القادران على رأب الصدع؟

ولا يقلّ عن هذا التحدّى تحدٍّ آخر يُمكن اختصاره بالسؤال التالى: إلى أين سيعودون ولماذا سيعودون؟ كثيرٌ من لاجئى لبنان أتوا من حمص وجوارها. لكنّ وسط حمص ما زال مدمّرا والمدينة انقسمت طائفيّا دون وسط مدينة تجاريّ وثقافيّ يجمعها. وكثيرٌ من أبناء حمص نزحوا إلى أريافها، خاصّة الغربيّة منها، وشيّدوا منازل هناك ونقلوا نشاطاتهم الاقتصاديّة إلى هناك. هم أيضا لا يرون دافعا حقيقيّا للعودة إلى مدينتهم التى لم تعُد حاضرة جاذبة كما كانت فى الماضى. والمقيمون حاليّا فى حمص هم فى قسمٍ كبيرٍ منهم نازحون ضمن المدينة، بل ويسكنون شققا تركها أهلها، برضاهم أو عنوةً. وتبرز هنا إشكاليّات الملكيّات العقاريّة وتعويضات الدمار فى مدنٍ كان العمران غير المنظّم قد انتشر فيها واسعا قبل الصراع، وإشكاليّات أكبر حول سبل العمل فى بلدٍ تشوّهت آليّاته الاقتصاديّة بشكلٍ كبير مع الصراع. فكيف سيكسب العائدون رزقهم عندما يعودون؟ وهل سيستبدلون سكنهم ومخيّماتهم فى لبنان بمخيّمات سوريّة؟!

***

إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار وجهان لمشروعٍ أكبر يخوض إعادة النهوض بالبلد اقتصاديا واجتماعيا وكذلك سياسيا. لا يتعلّق فقط بحجم المساعدات المطلوبة له بالأرقام المضخّمة المتداولة، فالأهمّ هو أن يكون هناك بالفعل مشروع جدّى بحدّ ذاته. بالتأكيد لا بدّ من تحقيق شروط تواجد مثل هذا المشروع بوجود سلطة سياسيّة وإدارة قادرة وعادلة وحياديّة يصيغان من خلال حوار مجتمعيّ أسسا توافقيّة على مضمون المشروع. لكنّه مشروع ينطلق أوّلا وأساسا من الواقع المحليّ، وخاصّةً من أكثر الحالات تعقيدا، كما هى حمص. وحين يعود «الحماصنة» إلى حمص يُمكن أن يعود بقيّة السوريين إلى مدنهم وقراهم.

يعرف بوتين هذا كلّه. لكنّه وضع تحديا يأتى ضمنيّا من استغراب الساخرين عن سبب عقد المؤتمر رغم كلّ شيء. لعلّ جوهر المسألة موجّه للآخرين من قادة العالم، من «أصدقاء الشعب السوريّ» وغيرهم، وبعد مسافةٍ طويلة موجّه للمعنيّين المباشرين، أى للسوريين، المقيمين والنازحين واللاجئين فى المخيّمات. ما سورية التى تريدونها حقّا؟

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب

بوابة الشروق

—————————

مؤتمر عودة اللاجئين.. رهان روسي خاسر/ أسامة آغي

لا يمكن قراءة الدعوة الروسية الخاصة بعودة اللاجئين، والتي تمخضت عن عقد مؤتمر لها في دمشق، بعيدًا عن إدارة موسكو لملف الحل السياسي للصراع في سوريا، فهذه الإدارة تمخضت سابقًا بعد التدخل العسكري الروسي في الربع الأخير عن مسارين اثنين، هما مسار “أستانة” الخاص بالوضع العسكري، ومسار “سوتشي” الخاص بالجانب السياسي.

دعوة موسكو لعقد هذا المؤتمر، تكشف بالملموس أن الروس لا يزالون قيد أجندتهم الخاصة بحل الصراع السوري، أي أنهم يريدون تمرير رؤيتهم للحل السياسي خارج مربع الحل المستند إلى القرار “2254”.

الروس يدركون تمامًا أنهم لن ينجحوا بتحقيق أهداف يسوّقها إعلامهم، منها ضرورة عودة اللاجئين لإعمار البلاد، وكأن هؤلاء اللاجئين لم يتم تهجيرهم تحت وقع عمليات القصف والدمار، التي مارسها النظام بحق السوريين، ومارسوها هم، وفق سياسة الأرض المحروقة، التي عمدوا إلى استخدامها لحسم الصراع لمصلحة حليفهم نظام الأسد.

الروس، الذين استقطبوا عددًا من الدول الهامشية بالنسبة لمسألة اللاجئين، يعرفون مسبقًا أن مؤتمرًا كهذا يحتاج بالضرورة إلى دعم أمريكي وأوروبي وتركي لنجاحه، وهؤلاء لم يحضروا المؤتمر، بل رفضوا حضوره دون تفعيل عمل اللجنة الدستورية وتنفيذ القرار “2254”.

الدول التي حضرت المؤتمر لا قرار لها في حل الصراع السوري، أو التأثير بعودة اللاجئين، وفق الشروط الروسية الداعمة للنظام السوري، باستثناء لبنان، الذي يضم على أرضه قرابة مليون لاجئ سوري، يعيشون أسوأ معيشة، ويتعرضون لتضييق في هذا البلد، ولهذا، يمكن اعتبار الحالة اللبنانية حالة رخوة، في اعتبارات وحسابات المعارضة السورية، لأن لبنان محكوم من حلفاء النظام السوري، ولن تستطيع هذه المعارضة منع حكومة هذا البلد تسهيل عودة اللاجئين، إلا إذا مورست ضغوط أمريكية أو أوروبية على الحكومة اللبنانية، لمنعها من تنفيذ المخطط الروسي الذي يتقاطع مع مصالح حكام لبنان.

إذًا، ما دام الروس يدركون هذه الحقيقة، لماذا أصروا على عقد مؤتمر عودة اللاجئين، وهم يعرفون أن اللاجئين لن يعودا في ظل نظام قتلهم، وهجّرهم، ودمّر بيوتهم، ولا يزال يعتقل عشرات الآلاف من أبنائهم في معتقلات الموت والعذاب الدائم.

الروس أرادوا إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أننا لن نقدم أي تنازل على مستوى الحل السياسي للصراع في سوريا، ما دام الغرب والأمريكيون لا يزالون بعيدين عن التوافق مع الأجندة الروسية، التي اشتقت خطًا لحل هذا الصراع، عبر محطتي “أستانة” و”سوتشي”، لذلك، فهذا المؤتمر هو محطة ثالثة في المسار الروسي لاجتراح الحل.

الروس، الذين سيكفرون بالضغوط الاقتصادية، ونظام العقوبات الأمريكي والغربي على النظام ومحازبيه، يدركون أن هذه العقوبات ستراكم شيئًا فشيئًا من عدم قدرتهم على دفع تكاليف محاولتهم تعويم النظام، أو تأهيله ولو لفترة ما، فالنظام وفق قواعد الحصار المطبقة بحقه، يتآكل شيئًا فشيئًا دون قدرة على تجاوز عجزه، ودون قدرة على الاستمرار في رفضه تقديم تنازلات سياسية بموجب قرارات الأمم المتحدة، التي ستطيح إلى الأبد بمملكة آل الأسد.

والسؤال الذي يعتبر مشروعًا وبريئًا، لماذا أصر الروس على عقد هذا المؤتمر؟

الجواب بسيط وفق ذهنية الحسابات الروسية، التي لا يزال الكرملين أسير مفرداتها، فهذا المؤتمر يمكن أن يحقق نتائج مادية مباشرة بعد حين، في الخاصرة الرخوة من قضية اللاجئين السوريين، هذه الخاصرة تتعلق بوجود اللاجئين السوريين في لبنان، فعودة مليون لاجئ تعني كسر تنفيذ القرارات الدولية، ونجاح الحل الروسي.

والروس يتبعون سياسة تجزيء الحل، عبر مربعات يمكنهم تنفيذها والربح فيها، وهو أمر فعلوه في معاركهم ضد فصائل الثورة السورية في الغوطة الشرقية وحلب وشمال حماة، والآن يريدون تنفيذه في إدلب.

المعارضة الرسمية السورية لا تمتلك برنامج عمل خاصًا بها يتصدى لسياسة الروس، لأنها لا تمتلك برنامجًا كهذا، بسبب انتقال الصراع السوري من حيّزه الداخلي بينها وبين نظام الأسد، إلى حيّز الصراع الدولي في سوريا، وهذا أمر يجب إعادة النظر ببعض مفرداته، خارج نسق التفكير الذي تمّ تبنيه طوال سنوات الصراع التسع المنصرمة.

إذًا، الروس يريدون إحداث شرخ ولو بسيط في جدار الممانعة الدولية لأجندتهم، دون إيمانهم بضرورة أن يغير النظام من بنيته، هذه البنية التي دمرت البلاد والعباد، وجعلتهم (أي الروس) يغرقون بعض الشيء في المستنقع السوري.

الروس يدركون أن الزمن لا يعمل لمصلحتهم، فكلما طال زمن الصراع، هناك متغيرات يرونها بأم عينهم، تحدث دون قدرة على مجابهتها، مثل هزيمة حليفهم أرمينيا في حربها ضد أذربيجان، فالمجابهة في صراع كهذا جرى في ناغورني كاراباخ، يعني أن الروس سيزيدون من أعباء تكاليف تدخلاتهم في مناطق عالمية، مثل ليبيا، وسوريا، وكاراباخ، وأوكرانيا…

إن إحداث شرخ في موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، يتطلب سياسة أخرى من المعارضة الرسمية السورية، هذه المعارضة يجب أن تعيد حساباتها بعلاقتها بحاضنتها الشعبية عمومًا، وحاضنتها في لبنان خصوصًا، وهو أمر يتطلب دورًا فاعلًا أوسع من بنية هذه المعارضة بصورتها الحالية، وبهيمنة أطر عاجزة عن فعلها المطلوب.

الدور المطلوب يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تضعها مؤسسات المعارضة بكل تقسيماتها (ائتلاف، حكومة مؤقتة، هيئة تفاوض، منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية…)، بحيث يكون هذا الدور فاعلًا في منع اختراقات الروس جدران المعارضة وبيتها الداخلي، من خلال تجزئة مربع الحل الشامل إلى مربعات صغيرة ومتعددة.

ولكن ينبغي القول، إن الروس ذهبوا إلى عقد مؤتمر عودة اللاجئين ليس من أجل عودة اللاجئين الآمنة، لأن شروط مثل هذه العودة لم تتوفر بعد في ظل استمرار النظام السوري، بل عقدوا المؤتمر ليقولوا للغرب، يجب وضع الملفات التي يجري الصراع عليها بيننا وبينكم على طاولة مفاوضات واحدة، وإن الحل في سوريا هو جزء من حل لقضايا أخرى، فهل يتمكن الروس من إجبار الغرب على القبول بهذه المعادلة، في ظل رفض غربي للمؤتمر ونتائجه؟

الروس ربحوا بعض الوقت للمناورة، ولكنهم غفلوا أن عدّاد الزمن يراكم من الصعوبات لديهم ولدى نظام الأسد الذي لم يتمكن من توفير أي مرونة حيال مصالح السوريين الثائرين عليه.

النظام الذي دخل مغامرة قاتل أو قتيل، هو نظام أثبتت الحياة أنه غير صالح للحياة، وهذا ما يجب أن تبني عليه قوى الثورة برنامج مستقبلها، لا الرقص في مربعها الأول الذي فات زمنه. ن تنتقل في هذه المرحلة إلى التلاحم مع قاعدتها الشعبية،

عنب بلدي

——————–

====================

تحديث 17 تشرين الثاني 2020

—————————–

مؤتمر دمشق الذي حسم كل شيء/ رستم محمود

خلا المزيد من الخطابات الجوفاء والشعارات الرعناء التي يرددها النظام السوري منذ نصف قرن كامل، من مثل “أنها مؤامرة” “الكرة في ملعب الآخرين” “الحياة في سوريا وردية”، لم يقل ويفعل مؤتمر عودة اللاجئين السوريين، الذي نظمته روسيا برعاية النظام السوري في العاصمة السورية دمشق قبل أيام قليلة، أي شيء آخر ذو معنى ومضمون. لأجل ذلك بالضبط، فأنه كشف وأعلن كل شيء، بوضوح تام، فضح حقيقة وجوهر ما ينوي ويخطط الفاعلون الرئيسيون في الملف السوري تنفيذه في المستقبل المنظور، روسيا إيران والنظام السوري، من حيث إبقاء كل الأشياء على ما هي عليها: إن عبر المزيد من العنف المادي والرمزي تجاه المجتمع والقوى الداخلية السورية، أو من خلال خلق الكثير من الابتزاز للدول والمؤسسات الدولية.

حسب ذلك، وحينما لا تأبه روسيا بغياب كل القوى العالمية، التي تعتبر روسيا نفسها واحدة منها، عن مؤتمر من المفترض أن ينشغل بمعضلة ذات أبعاد وتأثيرات على مستوى العالم، فإنها بذلك تُقول حرفياً بأنها دولة احتلال مباشر، لسوريا ومجتمعها ومسألتها، أي أن مسألة ملايين اللاجئين السوريين لا تخرج عن كونها ملفاً سيادياً روسياً داخلياً. وتالياً فإن روسيا هي بحلٍ عن أي التزام قانوني أو أخلاقي تجاه هذا الملف، بالذات قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

تُسقط تلك الحقيقة مجموعة من الديناميكيات التي تروج لها روسيا وتحيط بالفضاء السياسي السوري، أشياء مثل الاجتماعات الماراثونية اللجنة السورية، التي صارت بالتقادم مجرد قصة مكاذبة مفتوحة. إلى مستوى قريب من ذلك، فأن آلية آستانة التوافقية، التي كانت تُراعي النفوذ التركي نوعاً ما، فأنها أيضاً صارت بحكم الملغية. فتركيا كشريك عضوي لكل من إيران وروسيا في الملف السوري، غدت مُبعدة وغير مرئية في أهم قضية سورية، وأكثرها تأثيراً على تركيا بالذات، الدولة المستضيفة للكتلة الأكبر من اللاجئين السوريين (قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري).

على أن أهم تفصيل ودلالة في السلوك الروسي هذا إنما هو انحدار مكانة ودور روسيا الكلي في المسألة السورية، ليكون شيئاً قريباً ومشابهاً لما تفعله إيران من استراتيجيات قطعية.

فروسيا طوال السنوات الماضية كانت حريصة على خلق تمايز ما لها عن إيران، بدرجة أو أخرى. فقد ظلت مواظبة على التمييز بين القوى السياسية والعسكرية المناهضة لنظام الأسد، وتصر على أن الحل السياسي وحده هو الحل النهائية، وأنها لا تدافع عن شخص رأس النظام السوري، ولا عن هذا الشكل من النظام الحاكم. وأنها يمكن أن ترضى بغير الأسد لحكم البلاد بطريقة توافقية، وأن تُدخل تحولات جوهرية في بنية النظام. على عكس إيران، التي بقيض مصرة بوضوح بأن بقاء الأسد ونظامه، بالشكل الذي كان وما يزال عليه، هو مسألة أمن قومي بالنسبة لها، وأنها في سبيل ذلك مستعدة لفعل كل شيء، بما في ذلك إيقاظ وإدارة حروب الكراهية الطائفية والقومية، وأن تغير طبيعة الأشياء والديموغرافيات والمناطق، فقط ليبقى من تعتبره حليفها الاستراتيجي.

راهناً، وحسب نتائج هذا المؤتمر، تهبط روسيا لأن تكون في تلك المكانة الإيرانية بالضبط، بكل فروضها ومما قد تجره من نتائج مستقبلية، بالذات من حيث المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن المظلومية السُنية التي تشكل المجريات السورية أهم تمظهرات وآليات تشكلها. تلك النتائج التي قد تنفجر داخل روسيا، تنفجر وليس أي أمر آخر.

هذا الموقع الجديد، الجامع بين روسيا وإيران، أنما يقول للمجتمع الدولي، بالذات للمنظومة الأوربية والولايات المتحدة الأميركية، بأن جميع رهاناتها على صراع روسي إيراني في الملف السوري، أو أية تعهدات روسيا بإيجاد حلول موضوعية وعقلانية للمسألة السورية، أنما هي فقط أضغاث أحلام. وأن هذه القوى الدولية يجب أن تعترف بروسيا وإيران كدولتين منتصرتين في الحرب السورية وكل استطالاتها، وفقط كذلك.

مقابل ذلك، فإن الموقع الوحيد الذي تستطيع هاتان الدولتان أن توفره للقوى الدولية هو قبول عودة اللاجئين السوريين، لكن فقط لتكون تلك العودة شكلاً من أشكال إعادة التوطين. أي أن يتكفل المجتمع الدولي، بالذات المنظومة الأوروبية، ما قد يترتب على ذلك مالياً، من إعادة إعمار للمدن السورية، أو تقديم الخدمات للمخيمات التي قد تُشيدها هاتان الدولتان لملايين اللاجئين السوريين هؤلاء، داخل بلدانهم. وإن لم تقبل القوى الدولية بذلك، فعليها فقط أن تتوقع مزيداً من اللاجئين، شيء يطابق ابتزاز إردوغان التقليدي بملف اللاجئين.

خلاصة كل ذلك كانت كامنة في كلمة رأس النظام السوري أثناء المؤتمر، الذي سرد خطاباً متخماً بالثقة بالذات وراحة الضمير، متغاضياً تماماً عن كل الوقائع السورية، التي ظهرت وكأنها تجري في كوكب آخر، لا في بلد محكوم منه ومن والده، منذ نصف قرن تماماً (اليوم هو الذكرى الخمسين لحُكم العائلة الأسدية لسوريا).

بسرده لذلك الخطاب السلطوي الأرعن في مؤتمر اللاجئين، فأن أية مراهنة على أن تؤثر الوقائع السورية على خيارات الأسد، هي مجرد أوهام. حتى لو صار شبح الجوع يهدد ملايين السوريين، قرابة نصفهم على الأقل، وصارت طوابير الخبز والبنزين والأدوية بعدة كيلومترات، وطبعاً لو بيقت المدن السورية مدمرة وصارت البلاد محكومة من قادة الميليشيات والعصابات الحاكمة، ودخلت مناطق مثل السويداء وحوران في حروب أهلية، وحتى لو حدث أي شيء، فأن الأسد سيبقى على ما هو عليه، مجرد غول للسلطة المطلقة.

الحرة

————————-

عودة اللاجئين السوريين… الشعار والإمكانية/ فايز سارة

ربما هي واحدة من مرات قليلة، أن يتوافق متناقضون ومختلفون حول قضية واحدة من مجريات الصراع السوري ومخلفاته، وهي عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. أما المتناقضون فهم نظام الأسد والحلفاء من جهة وغالبية السوريين من جهة أخرى، والمختلفون هم نظام الأسد والحلفاء ولا سيما الروس من جهة ثانية.

وسط التمايز السابق، فإن من البديهي أن يقف أغلب السوريين إلى جانب قضية عودة اللاجئين إلى بلدهم، بما تعنيه من عودتهم إلى مدنهم وقراهم، وبيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم، التي غادروها تحت ضغط السلاح، أو خوفاً من الموت المعمم الذي كرسه نظام الأسد وتابعه حلفاؤه لاحقاً، قبل أن تباشر جماعات التطرف والإرهاب وعصابات الإجرام نسخاً أخرى من إرهاب النظام، يدفع المزيد من السوريين إلى اللجوء للخارج.

الروس من جانبهم رفعوا شعار عودة اللاجئين في السنوات الأخيرة، وتابعوه على مدى الأعوام الثلاثة الماضية وخاصة في علاقاتهم مع بلدين من دول الجوار، اتخذت فيهما قضية اللاجئين أبعادا سياسية وأمنية إلى جانب ظروفهما الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وهما لبنان والأردن، وكلاهما لم يوفر فرصة للشكوى والتشكي في قضية اللاجئين للمطالبة بحلها، أو بحثا عن مساعدات تخفف من مشاكلها بما فيها مشكلة اللاجئين، غير أن المساعي الروسية، لم تحقق نجاحات ملموسة لأسباب متعددة، لعل الأهم فيها ممانعة النظام المساعي الروسية.

وبخلاف موقف موسكو ومساعيها، فقد أظهر نظام الأسد وقوفه ضد عودة اللاجئين، وكان ذلك معلناً ومكرراً من جانب قادة النظام وأركانه، ليس فقط لأن النظام مسؤول عن تهجير غالبية اللاجئين مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وزادها رأس النظام، أن أكد علناً بعد قتل وتهجير ملايين السوريين، أنهم وصلوا إلى «المجتمع المتجانس» مجتمع مؤيدي النظام، وكرس النظام مساراً عملياً لعودة اللاجئين في منع عودة المهجرين في مناطق سيطرة النظام، كما في ريف دمشق وحمص وريفها إلى بيوتهم وقراهم، وأضاف إلى ما سبق تصعيب عودة اللاجئين في لبنان الذين ضغطت السلطات اللبنانية لإعادتهم، وسعى الروس لدى النظام لأجل عودتهم من دون نجاحات تذكر.

غير أن انعقاد ما سمي بـ«المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين» الذي انعقد مؤخراً بدمشق في حضور باهت بعد جهود روسية كبيرة، أكد أن تغييراً طرأ على موقف النظام، خاصة في ظل قيام بشار الأسد بتوجيه كلمة للمؤتمرين، أكد فيها قبول نظامه بالفكرة، مما يشكل دافعاً للوقوف عند هذا التحول الذي يشكل استجابة للموقف أو ما يسميه البعض الضغط الروسي.

وللحقيقة، فإن تحول موقف النظام إزاء فكرة عودة اللاجئين مرتبط بالفهم الروسي للشعار، والهدف الذي جعل الروس يطرحونه في إطار استراتيجيتهم في التعامل مع القضية السورية، والتفسير كله يبدأ من حقيقة أساسية، جوهرها أن روسيا هي الشريك الرئيسي لنظام الأسد، مما يعني موافقتها على ما قام ويقوم به، وصولاً إلى مشاركتها هذه السياسة وما تم في إطارها من ممارسات بينها حرب روسية على أماكن سيطرة المعارضة، بدأت في الهجوم على حلب 2015، وإخضاعها لسيطرة النظام، وانتقلت لاحقاً إلى الغوطة للاستيلاء عليها، وإخضاع حوران عبر خطي الهجوم العسكري والتسويات، وصولاً إلى الحرب الراهنة على آخر مناطق خفض التصعيد في إدلب وجوارها، وقد تسببت تلك الفصول من حرب روسيا في سوريا بنزوح سوريين من تلك المناطق، وبعضهم استطاع وسط ظروف شديدة القسوة عبور الحدود ليصير لاجئاً في دول الجوار، التي لو كانت فتحت حدودها، لذهب ملايين آخرون من السوريين في مسارات اللجوء.

إن الضرورات السياسية، جعلت روسيا تطرح فكرة وشعار عودة اللاجئين، وليس وضع اللاجئين السيئ ومعاناتهم، ولا مصالح الدول التي استقبلت اللاجئين وخاصة الأردن ولبنان، والأهم في ضرورات روسيا، أمران أولهما أن هناك حاجة لمشاركة دولية في تسويق إعادة إعمار سوريا، وفي توفير أموال من مساعدات واستثمارات في تلك العملية المكلفة، ولو فشلت الجهود المشتركة للنظام والروس في إقناع المجتمع الدولي بإعادة الإعمار، فإن الروس يفكرون أن فكرة عودة اللاجئين، يمكن أن تحل المشكلة، فتصير عودتهم بوابة استثمارات ومساعدات دولية، تمضي في قناة إعادة إعمار سوريا سواء جاءت الأموال من مخصصات تدفعها الدول لإغاثة اللاجئين حالياً، أو مما يحتمل تقديمه من أموال تصرف في تمويل عودة اللاجئين، والأمر في كل الأحوال، سيوفر أموالاً كثيرة، يراهن الروس على حصولهم وإيران على جزء منها، ويفكرون أن الباقي سيجعل نظام الأسد، يقف على قدميه مجدداً.

أما الشق الثاني في الضرورات السياسية الروسية من وراء فكرة وشعار عودة اللاجئين إلى سوريا، فيتصل بالنتائج العملية التي يمكن أن تتمخض عنها المساعي العملية. ولو استطاع الروس تنفيذ الفكرة، فإن العائدين الذين سيكونون تحت سلطة نظام الأسد، يضافون إلى قائمة الناخبين الذين سيصوتون على طريقة الديمقراطية البعثية البوتينية لصالح الأسد عند حدوث انتخابات التجديد الرئاسة في منتصف عام 2021، وهو تصويت مستحيل، إذا بقي اللاجئون في بلدان لجوئهم. أما إذا لم تحصل عودة اللاجئين لسبب أو لآخر، فإن الروس الذين تقطعت سبل تواصلهم مع السوريين بفعل مواقفهم وممارساتهم، يراهنون على تغيير ولو كان محدوداً في مواقف اللاجئين من روسيا على اعتبارها مهتمة بموضوع حيوي، يهم أكثرية السوريين، ويغازل رغباتهم في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، التي طردوا منها أو أجبروا على مغادرتها تحت تهديدات الموت.

لقد أدرك نظام الأسد جوهر الموقف الروسي في موضوع عودة اللاجئين، مما دفعه إلى تغيير المعلن في موقفه، لكنه من الناحيتين السياسية والعملية، لن يكون قادراً على الانخراط في عملية إعادة اللاجئين، التي تحتاج إلى 3 خطوات لا بد منها، أولها توفير أفق سياسي لعودتهم وهذا غير ممكن، وإجراء تغييرات هيكلية ووظيفية للجهاز الأمني العسكري واستعادة الوضع في هياكله ووظائفه إلى ما كان عليه قبل انخراطه في الحرب على السوريين عام 2011، وكلاهما أمر يستحيل على نظام الأسد القيام به من دون الانخراط في عملية تسوية سياسية، تكون إعادة هيكلة الجيش والأمن جزءاً منها لا حالة منفصلة عنها، والأمر الثالث توفير الأموال اللازمة لإعادة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، والتي ستحتاج مبالغ كبيرة، لا يرغب أحد حتى الآن في دفعها أو المشاركة في عملية الدفع بصورة جدية.

خلاصة الأمر، فإن فكرة عودة اللاجئين، وإن كانت تدغدغ رغبات قسم كبير من السوريين خصوصاً اللاجئين، فإنها فكرة وشعار للمغرضين من جانب الروس ونظام الأسد، وكلاهما لا يستطيع الدخول على خط تنفيذ المشروع لصعوبة متطلبات القيام به، خاصة في ظل الرفض الدولي الواسع لتمويل إعادة الإعمار قبل دخول النظام في مسار حل سياسي للقضية السورية، والتي لا شك أن عودة اللاجئين ستكون أحد محاورها المهمة.

الشرق الأوسط

—————————-

من “مشروع مارشال” إلى “مشروع كهرباء بوريسوف”!/ أسامة قاضي

ليس غريباً على العقل “السياسي- العسكري” الروسي أن لا يفقه حقيقة الأزمة السورية، كونها أزمة حرية وكرامة وأمن، وقضية بناء عقد اجتماعي جديد مع حكومة تحترم إنسانيته، تكون الدولة محكومة مدنياً وليس أمنياً وعسكرياً، فالمهجّرون قسرياً من السوريين لم يخرجوا بسبب إعصار أو فيضان أو كارثة طبيعية! وحتى لو كان كذلك فالناس عادةً تعود إلى بيوتها فور انتهاء الكارثة ولا يُجبر الناس للعودة ولازال الزلزال والإعصار ينسف بيوتهم!

يعجب المراقب من حالة الإنكار الروسي والإصرار على سردية أن 12 مليون سوري خرجوا بسبب “الإرهاب”! طبعاً “مؤتمر عودة اللاجئين” غير معني بإرهاب النظام وحلفائه وقتل وتعذيب عشرات الألوف من السوريين بالأدلة القطعية، بل على العكس يحاول منظمو المؤتمر أن يقنعوا العالم أن الروسي هو “ملاك الرحمة” حيث طائراته تسكن كالملائكة سماء سوريا مهمتها الوحيدة ليس المساعدة في إطفاء حرائق 156 غابة بل تمشيط الأرض السورية بـ316 نوعاً من أنواع الأسلحة حسب وزير الدفاع الروسي “ملاك الرحمة” سيرغي شويغو.

المؤتمر يريد أن يطوي صفحة تدمير سوريا بالطائرات الروسية وما تبقى من الطائرات السورية التي ترمي حممها من براميل القتل، وتساعده الميليشيات الإيرانية وأذرعها في قتل وتهجير السوريين، وليس آخرها في الشهر 12 من عام 2019 حيث صرحت الأمم المتحدة – قبل عشرة أشهر من انعقاد المؤتمر- إلى أن أكثر من 235 ألف شخص نزحوا في غضون أسبوعين من شمالي غربي سوريا جراء التصعيد العسكري، ولم يذكر أحد من المهجرين قسراً أن سبب إخراجهم وتدمير منازلهم هو “الإرهاب” بل الآلة العسكرية والقصف الجوي لهم.

بعد 64 يوماً من زيارته الأولى مع وزير الخارجية لافروف إلى دمشق عاد نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف في الحادي عشر من نوفمبر إلى دمشق إلى ما سمي “مؤتمر اللاجئين” وذلك من أجل استكمال “شرعنة” الاتفاقيات الموقعة ومحاولة البدء بها، محاكياً “مشروع مارشال” لأوروبا، ولكن الفرق أن مبلغ مليار دولار الذي يمثل قمة السخاء الروسي من أجل إعادة الإعمار لا يشكل 1 بالمئة مما أنفقته الولايات المتحدة على ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، التي دخلت بحرب نظامية بجيوش متقابلة، وليس قصفاً لمدنيين عزل ليس لديهم جيش نظامي، وهم فقط مادة للتهجير.

مشروع مارشال بدأ بعد أن تحررت ألمانيا من السلطة السياسية الحاكمة التي كانت تحمل مشروعاً استعلائياً واستعمارياً، ولم تبدأ أميركا مشروعها الإعماري إلا بعد أن تخلصت

من هتلر ولم يعد موجوداً في “القصر الجمهوري”، وربما هذا الفرق الذي استعصى على الفهم الروسي صاحب الفكرة الإبداعية لمؤتمر إعادة المهجّرين!

الطريف هو البداية الهزيلة لمشروع عودة المهجرين من خلال “تعهد” السيد ميزينتسيف بمبلغ مليار دولار الذي يُشك أن تدفعه أي شركة روسية خاصة في أرض مدمرة لا يملك أهلها قوت يومهم، بل هي ستخصص حسب ميزينتسيف “لترميم الشبكات الكهربائية والمجمعات الصناعية ومشاريع إنسانية أخرى في سوريا” بمعنى أنها محاولة لتنفيذ مشاريع الكهرباء التي تم التوقيع عليها من أجل سحب البساط من تحت الشركات الإيرانية التي وقعت العديد من الاتفاقيات التي لم تحل شيئا يذكر من مشكلة الكهرباء السورية.

والصراع الإيراني الروسي على ما بقي من الضرع الاقتصادي السوري واضح للعيان وقد صرح به الجنرال محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أن بلاده ستستعيد ضعف الأموال التي أنفقتها على نظام الأسد حيث قال لموقع “انتخاب” الإيراني في أواخر فبراير/ شباط 2018 إن بلاده أنفقت 22 مليار دولار على الحرب السورية، للحفاظ على الأمن القومي الإيراني، والدفاع عن مصالحها بالمنطقة موضحاً: ” لم نحقّق انتصارنا بالأموال، ولكنّنا إذا أعطينا دولارا واحدا لشخص ما، فإننا سنأخذ ضعفه”، وقبله طالب اللواء يحيى رحيم صوفي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، نظام الأسد بتسديد فاتورة بقاء الأسد في السلطة، حيث قال صوفي في ندوة بمعهد الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي: “نحن جادون في الدفاع عن سوريا وسلامة أراضيها، لكن على النظام تسديد فاتورة التكاليف، يوجد في سوريا نفط وغاز ومناجم فوسفات، ويمكن لهذه الثروات الطبيعية تسديد الفاتورة، وكذلك انتقد موقع “تابناك” نظام الأسد بسبب إعطاء اتفاقات هامة للروس وتهميش دور إيران في مرحلة الإعمار، مطالبًا باتفاقات طويلة المدى لتغطية تكاليف التدخل الإيراني.

الجدير بالذكر أن وزارة الكهرباء السورية عام 2017 وقعت بروتوكولات مع الروس من أجل مشاريع لرفع الطاقة الكهربائية باستطاعة إجمالية 2300 ميغاواط، منها 500 ميغاواط ستنفذ في محطة توليد كهرباء بدير الزور، إضافة إلى أربع مجموعات بخارية باستطاعة 1200 ميغاواط لمحطتي محردة وتشرين، و600 ميغاواط لإعادة تشغيل محطة توليد حلب بقيمة إجمالية تقدر بنحو تريليون ليرة.

كذلك وقعت شركة “مبنا غروب” الإيرانية عقود بنحو تريليون ليرة سورية في نفس العام أيضاً لتوريد 5 مجموعات توليد عاملة على الغاز والمازوت لمحطة توليد حلب باستطاعة إجمالية 125 ميغاواط، إضافة لعقد لتأهيل العنفة الغازية 34 ميغاواط في محطة توليد بانياس وتحويلها للعمل على الغاز الطبيعي والمازوت ورفع استطاعتها إلى 38 ميغاواط.

الإيرانيون أرادوا الحصول على عقود الكهرباء بدل الروس فسعوا للحصول على مشروع محطة توليد اللاذقية باستطاعة 508 ميغاواط، بدارة مركبة في مدينة اللاذقية، وتنفيذ مجموعتين بخاريتين تعملان على الغاز والفيول في محطة توليد بانياس باستطاعة إجمالية 650 ميغاواط، كذلك حصلوا على عقود إعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة في محطة توليد حلب باستطاعة إجمالية 400 ميغاواط، وإجراء الصيانة العامة لمجموعات التوليد الغازية المركبة في محطة توليد جندر وتحسين استطاعتها من 162 ميغاواط إلى 182 ميغاواط لكل مجموعة.

ويأتي بوريسوف في مؤتمره ليتعهد بمليار دولار في نفس القطاع ليوصل رسالة للإيرانيين أنه الأولى بمشاريع الكهرباء، رغم أن كل المشاريع السابقة معظمها لم تنجز بعد منذ ثلاث سنوات بدليل انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير إلى الآن، وليته قبل أن يعقد مؤتمراً لعودة اللاجئين بدون ضمان عودتهم الآمنة والكريمة، أن يشحن باقي كمية شحنة القمح التي تعهد الروس بها أول عام 2020 وهي 200 ألف طن من القمح حيث تم وصول باخرة إلى مرفأ طرطوس في الشهر الخامس وتم البدء بتفريغ حمولتها البالغة 26 ألف طن قمح، ولازال السوريون ينتظرون بقية الشحنة.

إن أقل التقديرات المتحفظة لإعادة إعمار سوريا هي 400 مليار دولار، تعهد الروس منها بمليار دولار يتيم! والذي هو عبارة عن مشاريع تعهدوا بإنجازها منذ سنوات وتعذر إنجاز معظمها بسبب ضعف التمويل.

لعل المخطط الروسي لإقامة مؤتمر إعادة اللاجئين لم يخطر بباله حجم الفشل الممكن تحقيقه، وحسبَ أنه سيقوم بشيء أشبه بـ”مشروع مارشال” لإعادة بناء ألمانيا حيث تتقاطر الدول إلى إعادة إعمار منطقة النفوذ الروسي في سوريا كي تساعده على استعادة شيء من ديونه، من تكاليف عسكرية لمدة خمسة سنوات، والتي كان من المفروض أن تكون “نزهة” مدتها ثلاثة أشهر كما حسب الروس عام 2015.

إن عدد السوريين الحالي 12 مليون نسمة تقريباً في منطقة النفوذ الروسي، تسعين بالمئة منهم تحت خط الفقر ونسبة البطالة تجاوزت الـ80 بالمائة، ولديهم مشكلة في الطاقة والوقود والخبز وانقطاع الكهرباء والمياه وسوء الخدمات الصحية والتي ازدادت سوءاً مع جائحة الكورونا، فكيف سيكون الحال لو عاد لها فقط خمسة ملايين سوري إضافيين، من أين للنظام السوري أن يضمن لهم العودة الكريمة؟ ويؤمن لهم الخدمات اللازمة وهو عاجز عن تقديمها، فضلاً عن انعدام الثقة في إمكانية ضمانة أمنهم وعدم القبض عليهم وإيداعهم سجون فروع الأمن؟

وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفيه حسب أن هناك أموال طائلة قادمة لـ”مشروع مارشال” الروسي فقام فوراً بإعلان أن تقدير “الأكلاف المباشرة وغير المباشرة للنزوح منذ 9 سنوات بأكثر من 40 مليار دولار نتيجة الضغط على الخدمات العامة والمواد المدعومة والبنى التحتية وفرص العمل” لعله يضمن حصته من الغنائم القادمة! ولكنه ربما أصيب بالإحباط عندما لم يجد متحدثين في المؤتمر سوى كلمتين للوفد الإيراني وكلمتين للوفد الروسي وهو يعلم حجم الكوارث الاقتصادية في البلدين والتي آخرها انخفاض الروبل الروسي لمستوى 80 روبلا للدولار الواحد لأول مرة منذ مارس، وكذلك ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في روسيا بنحو 400%  ما بين مارس وسبتمبر2020، وأن عدد العاطلين في روسيا سجل 3.6 ملايين عاطل مقارنة بنحو 727 ألفا في مارس/آذار حسب وزارة العمل الروسية.

العجيب أن الروسي والإيراني يريدان “إعادة إعمار” سوريا عام 2020 ولكن كل طرف منهم وقع على ما يزيد على خمسين اتفاقية معلنة عدا الاتفاقيات غير المعلنة، فيكفي أن نعرف أن إيران نكاية في الروس وقعت دفعة واحدة على 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم في يناير 2019 في المجال الاقتصادي والعلمي

والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان، وذلك في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة، إضافة لعشرات الاتفاقيات الأخرى، والسؤال ماذا سيبقى لأي مستثمر يريد إعادة الإعمار في سوريا بعد أن ذهب الروس والإيرانيون بكل ما يمكن استثماره في سوريا؟

حاول الروس استعجال المؤتمر كنوع من تطبيق واحد من طلبات قانون قيصر وهو إعادة اللاجئين ونسيان شرطي العودة الآمنة والكريمة، بعد حل سياسي حقيقي وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وبعد إطلاق سراح مئات ألوف المعتقلين، وحاول منظمو المؤتمر التذاكي على دول العالم التي لم تحضر بل قاطعت علناً مهزلة مؤتمر إعادة اللاجئين، وكانت أولى ثمار المؤتمر أن هبطت سعر الليرة السورية من 2400 إلى 2600 ليرة للدولار الواحد!

أنصح السيد بوريسوف بإقناع نظام الأسد بإلغاء المرسوم 3 لعام 2020 لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية لأنه حرم سوريا من أكثر من مليار ونصف دولار سنوياً من تحويلات العاملين السوريين في الخارج لمساعدة أهلهم، وكذلك إلغاء أطرف رسم في التاريخ وهو رسم الدخول للسوريين لعل هذا يكون أنفع من هذا المؤتمر الذي لم يسمن ولم يغن من جوع، حيث أنه لا يعقل أن يرحب الروسي بعودة السوري لأرضه شرط أن يدفع رسماً لعودته لبيته بطريقة مخالفة لدساتير الأرض!

تلفزيون سوريا

———————–

====================

تحديث 19 تشرين الثاني 2020

—————————–

يحرمون الأسد من السوريين!/ بكر صدقي

(دول المؤامرة الكونية على سوريا تمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم. إنها نفس الدول التي حاربت سوريا وحاولت حرمان السوريين من نظامهم ورئيسهم بواسطة الإرهاب. والآن، بعدما فشلت مخططاتهم الشيطانية لإسقاط سوريا، وبعدما انتصرت سوريا على الإرهاب، وراحت تضمد جراحها بنفسها، بدون أي مساعدة من تلك الدول الشريرة، يلعبون ورقتهم الأخيرة من خلال تسييس موضوع اللاجئين بمنعهم من المغادرة، وهناك أخبار مقلقة تتسرب بصعوبة مفادها أن حرس الحدود في تلك الدول يطلقون النار على جموع اللاجئين السوريين الذين يحاولون اختراق الجدران العازلة السميكة باتجاه وطنهم الذي ينتظرهم بشوق الأم لأبنائها.

وتضع تلك الدول المتآمرة شروطاً سياسية تمس السيادة الوطنية للسماح لسبعة ملايين سوري بالعودة إلى وطنهم، كقرارات مجلس الأمن التي يراد فرضها على الشعب السوري، هذا الشعب الذي طرد الاستعمار وبنى دولته المستقلة قبل سبعين عاماً يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه السيادية كتغيير الحكومة أو التدخل في مسارات الانتخابات الديموقراطية أو مراقبة صرف أموال إعادة الإعمار مع العلم أن تلك الدول ترفض أصلاً أي مساهمة في ذلك مشترطة مساهمتها بما تسميه «انتقالاً سياسياً» ليس إلا محاولة لفرض عملاء سوريين لتلك الدول حكاماً على شعب يأبى الخضوع.

لذلك تداعت مجموعة من الدول الصديقة وعقدت اجتماعاً في دمشق بمبادرة من الأصدقاء الروس هدفه التباحث حول سبل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتأمين كل ما يمكن أن يحتاجوه من بيئة مناسبة وخدمات لتيسير تلك العودة التي يتوق إليها السوريون على طرفي خط اللجوء: من حرموا من وطنهم طوال سنوات بسبب الإرهاب وبسبب عرقلة الدول التي لجأوا إليها لعودتهم، وأهاليهم ممن صمدوا في الداخل على رغم كل الصعوبات ولم يهربوا تاركين وطنهم للإرهابيين متعددي الجنسية الذين أرسلتهم تلك الدول نفسها بهدف إسقاط سوريا التي لا يمكنها أن تسقط بحكم التاريخ والجغرافيا والجينات المملوءة بالوطنية الصافية. معروف للقاصي والداني أن السوري يموت ولا يتخلى عن بشار الأسد.)

هذا على وجه التقريب ما يمكن أن تكون عليه رواية النظام وأبواقه لمشكلة الهاربين السوريين من جحيم الأسد. الجحيم الذي تعكسه صور آلاف السوريين المحتشدين في أقفاص «الطابور» أمام المخابز للحصول على حصتهم المقننة من الخبز بموجب البطاقة «الذكية» التي شكلت الإنجاز الأبرز لأسماء الأسد بوصفها أحد أعمدة العصابة الحاكمة، أو الطوابير المحتشدة للحصول على أبسط وسائل الحياة العادية كالوقود والمواد الغذائية، هذا إذا كانوا يملكون أصلاً ما يدفعونه مقابل الحصول عليها.

الموصوف أعلاه هو فقط المنطقة «الأبرد» من الجحيم الأسدي، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أعماق هذا الجحيم المتمثل في غياب أي حصانة للسوري تحت الحكم الأسدي من الاعتقال الكيفي أو القتل أو الخطف بغرض تحصيل فدية، أو الاستيلاء على الممتلكات أو التهجير إلى مناطق أخرى، وغير ذلك من الأعمال الوحشية التي تفوق فيه النظام على أقرانه من الأنظمة المتوحشة أو الإرهاب الأعمى.

وعلى ذكر الإرهاب، أعمى كان أو مبصراً، يمكن القول إن اختيار توقيت عقد «مؤتمر اللاجئين» من قبل دولة الاحتلال الروسي، له صلة مباشرة بالعمليات الإرهابية التي وقعت مؤخراً في فرنسا والنمسا. فالمؤتمر، وفقاً لهذا التفسير، شكل رسالة إلى الدول الأوروبية التي استقبلت قسماً من اللاجئين السوريين في السنوات الماضية، رسالة تفهمها تيارات يمينية معادية للاجئين، تستخدم «الإرهاب الإسلامي» كورقة رابحة في دعاواها المعادية للاجئين، على شكل مقايضة خسيسة على النمط الروسي: نريد أن نخلصكم من اللاجئين، فادعمونا! لحسن الحظ أن التيارات المذكورة لا تشكل غالبية اجتماعية وازنة، وإن كانت بعض الحكومات قريبة من تبني سياسات من هذا النوع، وأبرزها حكومة ماكرون الفرنسية التي تلعب على استمالة الناخب اليميني الكاره للأجانب، متنافسة في ذلك مع حزب الحركة الوطنية لصاحبتها ماري لوبان. وعموماً بالنظر إلى صعود حكام شعبويين يمينيين في عدد من الدول الأوروبية، تبدو الصفقة الروسية المطروحة بشأن تخليص أوروبا من عبء اللاجئين السوريين، صفقة عقلانية ورابحة بمقاييس السوق. فمهما كان التمويل المطلوب لتأمين شروط إعادة اللاجئين كبيراً فهو لن يكون أكبر من الكلفة التي تتحملها تلك الدول لمساعدة قسم من اللاجئين أو المساعدات الموجهة للاجئين في المخيمات داخل سوريا أو في الدول المجاورة. وعلى سبيل المثال خضع الاتحاد الأوروبي لابتزاز الحكومة التركية وتعهد بدفع 6 مليارات يورو للاحتفاظ بملايين اللاجئين السوريين على أراضيها ومنعهم من العبور باتجاه أوروبا. وتشجع الحكومة الدانماركية العدد القليل من اللاجئين السوريين على أراضيها على العودة إلى سوريا من خلال إغرائهم بمبلغ بسيط (يقال عشرة آلاف يورو للشخص الواحد) ليبدأوا به حياتهم… في جحيم الأسد.

كذلك يمكن ربط توقيت عقد المؤتمر بالفترة الانتقالية في واشنطن قبل انتقال السلطة من ترامب إلى بايدن، على أمل روسي بتجاوب الإدارة الأمريكية الجديدة مع هذا «الجهد» الروسي لتخليص العالم من وجع الرأس المسمى مشكلة سوريا. هذا العالم الذي تعامل طوال السنوات العشر الماضية مع هذه «المشكلة» ولسان حاله يتبرم ويضيق ذرعاً بأنها لم تجد حلاً لها بعيداً عنه. أما اللاجئون السوريون أنفسهم، موضوع مؤتمر دمشق، فلا أحد يسألهم عن رأيهم فيما إذا كانوا يريدون حقاً العودة إلى بلدهم أم لا، فهذا يقع خارج اهتمامات المؤتمر المذكور وخارج اهتمامات العالم أيضاً. والحال أن من نجا من السوريين من جحيم الأسد لن يعودوا إليه طواعيةً، حتى لو تغير النظام في دمشق وأعيد إعمار ما دمره الطيران الروسي والأسدي، فقسم مهم منهم أسس حياة جديدة في بلدان اللجوء لن يتخلى عنها ليبدأ من جديد كرمى لرائحة ياسمين دمشق. يبقى أن القسم الأكبر من اللاجئين المقيمين في مخيمات العار سيرحبون بالعودة إلى مدنهم وقراهم، ولكن من المشكوك فيه أن يسهل النظام هذه العودة، فإذا حدث وتساهل معهم، سيكون مصيرهم كمصير السوريين المحكوم عليهم بالاحتشاد داخل الأقفاص الحديدية أمام المخابز.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————-

تسعى سورية لإعادة اللاجئين لكنّهم يخافون بطش القائد

ترجمة أحمد عيشة

قال الرئيس بشار الأسد إن الملايين من المواطنين الذين فرّوا إبّان الحرب يُمنعون من العودة، لكنه تجاهل السبب الرئيس لعدم عودتهم: إنه الأسد نفسُه…

الرئيس بشار الأسد يخاطب افتراضيًا المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين إلى سورية الذي نظمته روسيا في دمشق، الصورة وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عبر أسوشيتد برس.

هذا الأسبوع، استضافت الحكومة السورية مؤتمرًا باذخًا في العاصمة دمشق، بهدف محاولة إعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ، فرّوا من الحرب الأهلية في البلاد، إلى ديارهم.

قال الرئيس بشار الأسد للحاضرين إن الدول الغربية التي ألحقت الضرر بالاقتصاد السوري من خلال العقوبات منعتهم من العودة، وعملت على إبقاء اللاجئين في الدول المجاورة. لكنه تجاهل السبب الرئيس الذي يجعل كثيرًا من اللاجئين يقولون إنهم غير مستعدين للعودة: إنه الرئيس نفسه، فمعظم اللاجئين يخافون من العودة إلى ديارهم، ما دام الأسد وحكومته باقين في السلطة.

يسرى عبدو، 40 عامًا، التي فرّت إلى لبنان بعد اندلاع الصراع في عام 2011، قالت: “أنا لا أثق في النظام، ولا في بشار”. فمنذ بداية الصراع، اختفى صهرها بعد أن جُندّ في الجيش السوري، واستولى الموالون للحكومة على منزلها. وتابعت قائلة: “مع وجود هذا النظام، لا يوجد أمان، ولا عودة”.

لاجئون سوريون يقطفون البقدونس في تركيا العام الماضي. إنهم من بين أكثر من ستة ملايين لاجئ فروا من الحرب الأهلية في البلاد. صورة موريشيو ليما لصحيفة نيويورك تايمز

منذ أن بدأت الحرب في سورية، مع احتجاجات الربيع العربي التي دعت إلى الإطاحة بالسيد الأسد، هُجرّ أكثر من نصف سكان البلاد قبل الحرب، وأصبحت أزمة اللاجئين في سورية واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا في الشرق الأوسط. فقد سجلت الأمم المتحدة أكثر من (5,5) مليون سوري كلاجئين، يعيش معظمهم في لبنان وتركيا والأردن. وهاجر أكثر من مليون شخص آخر إلى أوروبا، ويقول خبراء اللاجئين إنهم لا يتوقعون عودة أعداد كبيرة من المهجرين إلى ديارهم، ما لم تكن هناك تغييرات أساسية داخل سورية نفسها.

ناصر ياسين، أستاذ السياسة والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، الباحث في قضايا مجتمعات اللاجئين، قال: “لن يعودوا. إن عوامل العودة إلى الوطن: الأمان، إعادة بناء المنازل، إتاحة الفرصة للعمل، وتوفير الخبز للناس.. كلها غيرُ متوفرة في سورية”. وكحال كثير من الخبراء، لم يتوقع تحسنًا في هذه القضايا، من دون تغيير سياسي في دمشق وإعادة إعمار كبيرة، ولا يبدو أن أيًا منهما أمرٌ محتمل.

غادر معظم اللاجئين في الأعوام الأولى من الحرب، عندما دمّرت المعارك بين القوات الحكومية والمتمردين المسلحين البلداتِ والمدن. واستمر النزوح الجماعي مع استغلال الجماعات الجهادية -مثل تنظيم الدولة الإسلامية- الفوضى لتتوسع، وأرسلت دول عديدة، منها تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، قواتٍ لدعم حلفائها السوريين.

مقاتلو الجيش السوري الحر في ضواحي دمشق في كانون الثاني/ يناير 2012، في المراحل الأولى من الحرب ضد الأسد، صورة توماس منيتا لصحيفة نيويورك تايمز

الآن، يبدو أن السيد الأسد آمنٌ، وأن حدّة المعارك الكبيرة قد خفّت، لكن هذا الهدوء النسبي لم يتسبب في عودة أعداد كبيرة من اللاجئين، على الرغم من أن معظمهم يعيشون في فقر مدقع، في البلدان التي ترغب في أن يغادروها.

وفقًا للأمم المتحدة، منذ عام 2016، عاد حوالي (65) ألف لاجئ فقط من لبنان إلى سورية، بينما اختار أكثر من (879) ألفًا البقاء في بلدٍ يعاني أزمات سياسية واقتصادية. وعدد اللاجئين في الأردن لم ينخفض إلى أقل من (650) ألفًا منذ عام 2016. وتقول تركيا إن أكثر من (400) ألف لاجئ انتقلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها في شمال سورية في السنوات الأخيرة، لكن هذا العدد جزء بسيط من أصل (3,6) مليون لاجئ تستضيفهم البلاد. ويتفق خبراء اللاجئين على أن معظم المهجرين يرغبون في العودة إلى ديارهم، لكنهم يذكرون عددًا من الأسباب التي تجعلهم لا يفعلون ذلك.

سورية بلدٌ ممزّق، ولا يحكم الأسد سوى جزءٍ من أراضيها. مدنها متضررة، أي أن بعض اللاجئين ليس لديهم منازل يعودون إليها، إضافة إلى أن انهيار اقتصادها ومقاومة العديد من الحكومات للتعامل مع الأسد منعا إعادة الإعمار على نطاق واسع. وعلاوة على المخاوف المادية، فرّ معظم اللاجئين من العنف الذي ارتكبته حكومة الأسد، وهم يخشون الآن أن تكون العودة إلى ديارهم سببًا للاعتقال أو التجنيد الإجباري في جيشه.

لم تُناقش أيٌّ من هذه القضايا في مؤتمر سورية الذي استمر يومين حول عودة اللاجئين، واختتم أعماله في دمشق يوم الخميس، 21 تشرين الثاني/ نوفمبر. وبدلًا من ذلك، أكّد رهطٌ من المتحدثين وخطاب بالفيديو للسيد الأسد روايته للحرب، حيث ألقى باللوم فيها على مؤامرة دولية، هدفها إطاحة حكومته، بواسطة الجماعات الإرهابية. وشكر السيد الأسد في خطابه كلًا من روسيا وإيران اللتين ترسلان دعمًا عسكريًا لقواته، واتهم الدول العربية والغربية باستخدام اللاجئين، كـ “مصدر دخل مربح لمسؤوليهم الفاسدين”، ومنعهم من العودة إلى سورية.

وقال الأسد: “بدلًا من اتخاذ إجراءات فعالة لتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم، استخدمت هذه الدول كل الوسائل الممكنة، من الرشوة إلى الترهيب، لمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم”.

حتى قبل افتتاح المؤتمر، في مركز المؤتمرات الكهفي، حيث ملأ المندوبون المختارون للمناسبة القاعة، مع ترك فراغات بين المقاعد لمنع انتشار فيروس كورونا، واجه الحدث مقاومة من الأطراف ذات الرهانات العميقة في قضية اللاجئين.

من بين الحاضرين في المؤتمر الذي عُقد في دمشق يوم الأربعاء 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ووليد المعلم، وزير الخارجية السوري. صورة لؤي بشار / وكالة الصحافة الفرنسية صور جيتي

رفضت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الحضور، وكذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي ووصفت المؤتمر بأنه “سابق لأوانه”. وأوردت الكتلة في بيان أسباب عدم تمكن اللاجئين من العودة إلى ديارهم بأمان، ومن ضمنها حالات الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية والتجنيد الإجباري وسوء الخدمات الاجتماعية أو انعدامها والعنف الجسدي والجنسي والتعذيب.

أرسلت حوالي 20 دولة أخرى ممثلين، من ضمنها الصين وروسيا وباكستان والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا. لكن تلك الدول تستضيف القليل من اللاجئين، إن وجد في بلدانها لاجئون أصلًا. ومن بين الدول الثلاث التي تستضيف الغالبية العظمى من اللاجئين، أرسل لبنان ممثلًا له. ولاحظ المشاركون في المؤتمر وجودًا روسيًا قويًا، بدا في بعض الأحيان أنه يفوق حضور الحكومة السورية، حيث قام حرّاس الأمن الروس المزودين بأجهزة اتصال لاسلكي بدوريات في مركز المؤتمرات، بينما كان المسؤولون المدنيون والعسكريون الروس يحضرون الجلسات في الداخل. وقام مسعفون روس بقياس درجات حرارة الأشخاص الذين يدخلون الباب الرئيس، ووزعوا أقنعة الوجه على الحضور من الروس.

وقال محللون إن المؤتمر بدا وكأنه كان مدفوعًا بدرجة أقل بالاهتمام باللاجئين من الحسابات السياسية والاقتصادية الروسية والسورية. فروسيا سعت بجد لضمان انتصار الأسد، منذ تدخلها لمساعدة قواته في عام 2015، وهو استثمار لا يؤتي أُكُله، إذا ظلت سورية في حالة من الفوضى. وترى الحكومة السورية أن الترحيب باللاجئين في الوطن وسيلة لتجديد قواها وربما إطلاق المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.

خضر خضور، الباحث غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، قال: “النظام بالكاد ينجو من الناحية الاقتصادية، ويحتاج إلى أشخاص جدد للحفاظ على بنيته التحتية العسكرية تعمل. وكل دولار يدخل دمشق يصبّ في مصلحة النظام”. لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن المؤتمر أثار أي حماسة بين اللاجئين أنفسهم.

مهند الأحمد، الذي فرّ إلى لبنان في وقت مبكر من الحرب، تساءل: “إذا دعتنا الحكومة السورية للعودة، فهل سيقدمون لي ضمانات بعدم اعتقالي بسبب الخدمة العسكرية؟ وهل يمكن للحكومة أن توفر لي منزلًا وطعامًا وعملًا في سورية؟”.

اسم المقال الأصلي         Syria Seeks Return of Refugees, but They Fear Leader’s Wrath

الكاتب   بن هبارد، Ben Hubbard

مكان النشر وتاريخه         نيويورك تايمز، The New York Times، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020

ترجمة   قسم الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

—————————–

روسيا والأسد .. تشويه الحقائق والبعد عن الواقع/ محمود الوهب

لفهم طبيعة ما سمي “مؤتمر عودة اللاجئين السوريين” الذي دعت إليه روسيا، قافزة فوق دماء السوريين وجراحهم، يجب التذكير ببدايات التدخّل السياسي الروسي في الشأن السوري، لتأكيد فكرة أن من هدَّم لا يعمر، فمنذ بداية الاحتجاجات السورية وجدتها روسيا مناسبة لتمكين وجودها الذي أخذ يتراجع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. صحيح أن بعض قادتها دعا بشار الأسد، في البداية، إلى القيام بإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكنها أفهمته أنها لن تتخلى عنه، مهما حصل. وعلى ذلك، باركت خطواته حين أخذ بالحل الأمني، وراح جيشه “الباسل” يحصد المتظاهرين العزَّل منذ الأسابيع الأولى للاحتجاجات السورية، (مجزرة الساعة في حمص في 17 إبريل/ نيسان 2011) أي قبل أن يكون في سورية أي معارض مسلح، وبعد أن فشل الشبّيحة في قمع المظاهرات بالعصي والأدوات الحادة. وحين استفحلت جرائم النظام واستنكرها العالم، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) الأول في الرابع من أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2011 ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدين النظام السوري لما يرتكبه من جرائم تنافي حقوق الإنسان والشرائع الدولية كافة، وتتجاوز مواد الدستور السوري نفسه. واستمر الروس، بعدئذٍ، في مواجهة الشعب السوري، والعالم أجمع سياسياً، إلى أن فشل النظام، وشارف على السقوط. بدأت، عندئذ، حملاتها العسكرية في 30 سبتمبر/ أيلول عام 2015، فكانت الإرهاب بعينه، إذ انهالت بأسلحتها الحديثة تجرِّبُها بأجساد الأطفال والنساء، تقذف بها الأحياء المدنية المزدحمة بالناس، ولم توفر الأسواق العامة، ولا المدارس أو المستوصفات، مرتكبة مجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين وملايين المهجّرين، فضلاً عن سياسة النفاق التي مارستها، فيما بعد، باسم المصالحات الوطنية، فغدرت بالوطن والمواطنين، مخرجة إياهم من ديارهم، ثم أخذت باغتيال كثيرين منهم.

وإذا كانت روسيا لم تقبض ما تستحقه من نفقات الحرب التي تقدر ما بين خمسة وسبعة مليارات دولار، وحولتها إلى ديون طويلة الأجل، أو اختارت بديلاً عنها اتفاقياتٍ مميزة تضمن مصالحها، وتؤمن وجودها الطويل في المنطقة. وما تلك الاتفاقيات إلا عقود عسكرية واستثمارات اقتصادية في مجالات الطاقة والصناعة تفوق ما أنفقته بكثير. ولكن تلك العقود لن تعطي النتائج المرجوّة منها، وإن ثبتت جدواها الاقتصادية، ما لم يتحقق الأمن الدائم، والاستقرار الاقتصادي والسياسي والعسكري في سورية. ومن هنا لهفتها على عقد المؤتمر الذي سمّي مؤتمر عودة اللاجئين وهو هزيل، إذ لا أرضية لتنفيذ رغبات الروس وهو فاشل، لأن مسألة اللاجئين ليست غايته أو مبتغاه، بل غايته تعويم النظام لبقائه، والاستمرار في ابتزازه. فمن دعا إليه ومن استضافه ومن حضره، بعضهم مسؤولون في الأساس عن تدمير سورية، وعن قتل السوريين وتهجيرهم، سواء على نحو مباشر أم غير ذلك.

المشكلة السورية دولية بكل تعقيداتها، وقد قال العالم كلمته من خلال القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015. وقد نصّ، فيما نصّ عليه، على الإفراج عن المعتقلين والكشف عن المغيبين والمفقودين وعودة اللاجئين، وقبل هذا وذاك، إيجاد هيئة حكم انتقالية تمثل السوريين كافة (داخلاً وخارجاً، نظاماً ومعارضة). ولكن النظام والروس عرقلوا أعماله. ومن هنا، فإن الاتحاد الأوروبي رفض حضور المؤتمر في دمشق، مبيناً الأسباب، وجوهرها عدم توفر الأرضية المناسبة.

النظام اليوم في حالة مزرية، ولم يعد في وسعه البقاء أمام وضع اقتصادي متهالك، بسبب الحرب إياها والعقوبات الدولية وقانون قيصر واستمرار النهب والفساد والمليارات المودعة في الإمارات والدول الأوروبية، وخصوصا أموال الأسرة الحاكمة وحاشيتها، لا في البنوك اللبنانية، كما برّر بشار الأسد. ومن هنا، تحاول روسيا إنقاذه بحلول قاصرة لا تلبي مطالب السوريين، وتطمح إلى البدء بإعادة الإعمار منفردة، ولكنها غير قادرة على المساهمة فيه، فكل ما فعلته في المؤتمر أن تعهدت بدفع مليار دولار، بينما تقدَّر تكلفة إعادة الإعمار بأربعمئة مليار دولار.

وإذا كان ذلك رأي الروس وإمكاناتهم، فإن بشار الأسد قد بيَّن رأيه بالمهجّرين، إذ قال في افتتاح المؤتمر: “إذا كانت قضية اللاجئين بالنسبة للعالم هي قضية إنسانية، فبالنسبة لنا إضافة لكونها إنسانية، فهي قضية وطنية”، متناسياً أحاديثه السابقة التي اتهمت المهجَّرين بالخيانة والإرهاب، وامتدح التجانس الذي حصل بعد أن بلغ عددهم ما بين سبعة إلى ثمانية ملايين مواطن سوري من المدن والأديان والقوميات والطوائف كلها دونما استثناء. وقال أيضاً إن “موضوع اللاجئين في سورية هو قضية مفتعلة”، لكنَّ الوقائع والأمكنة والأرقام والمؤتمر الذي عقده “الأشقاء الروس” كل ذلك يؤكد حقيقة اللاجئين. أما قوله إن “تاريخ سورية يخلو من أي حالة لجوء جماعية” فهذا صحيح، ولكنه قد حصل في عهده “الميمون”.

والسؤال البديهي: ما الذي سيشجع اللاجئين على العودة؟ وجود الماء والكهرباء ووقود التدفئة، أم التزاحم حدَّ الاقتتال من أجل ربطة خبز، أم إن رخص الأسعار وتوفر الدواء كفيلان بذلك؟ وكل ما ذكر في كفّة وغياب الأمن ووجود المليشيات وتعدد جرائمها من قتل وسرقة وسطو وترويج مخدّرات وتعاطيها في كفّة أخرى. ولنفترض أنَّ شروط الحياة هذه قد توفرت، فهل هذا ما اختلف حوله السوريون؟ لا يكمن عمق مشكلة السوريين في تلك الضرورات، على أهميتها، ولكن في ما طالب به المحتجون عام 2011، ولخّصوه بكلمتي الحرية والكرامة، وترجمتهما أن السوريين يتطلعون إلى دولة مدنية وديمقراطية، تنظمها قوانين تحقق لهم المواطنة الكاملة. دولة لا تمييز فيها ولا ظلم، بل مساواة مواطنية تامة، فالرئيس موظف لا مالك مزرعة أو إقطاعية. والوعي الجديد، وخصوصاً لدى جيل الشباب منهم، جعلهم ينظرون إلى أفراد قيادة الدولة على أنهم موظفون يخدمون الشعب برواتب محدّدة، ويقيَّمهم الشعب وفق أعمالهم، والرئيس واحد منهم، فإما أن يكون ناجحاً فيستمر مدة محدّدة وفق ما يقرّره دستور بلاده. ومعظم دساتير العالم اليوم تحدّد فترة الرئاسة بأربع سنوات، ولا تزيد عن خمس، ولفترتين فقط في حال نجاحه في الفترة الثانية، أما سوى ذلك فيغادر من حيث أتى، ويبقى مواطناً يتشرّف بوطنه.

العربي الجديد،


“أنا في سورية وأريد العودة إلى وطني”/ راتب شعبو
كتب صحافي سوري على صفحته في “فيسبوك” “أنا في سورية وأريد العودة إلى وطني”. لا يوجد رد أبلغ من هذه العبارة على “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين”. استطاع نظام الأسد، بمسعى ثابت يجمع بين الاستبداد والفساد والتمييز والعنف، أن يحقق اغتراباً بين السوري وبلده، أكان السوري خارج سورية أو في بلده، حتى بات السوري في الداخل لا يشعر بأنه في وطنه. يريد النظام وحلفاؤه من المؤتمر المذكور أن يكون أحد مداخل التطبيع بين طغمة الأسد والمجتمع السوري الذي أمعنت في تمزيقه. في الحق، هذا المؤتمر هو التكملة الطبيعية للكذبة القديمة التي فسّر بها الأسد هجرة السوريين بالملايين إلى أطراف المعمورة، والتي تقول إنهم “يفرّون من الإرهابيين”. التتمة الطبيعية لهذه الكذبة أن يعود السوريون بعد طرد “الإرهابيين” وانتصار “البطل” المتحمس للفوز في انتخابات الرئاسة في الربيع المقبل (بين 16 إبريل/ نيسان و16 مايو/ أيار 2021)، الموعد الذي حدّدته السلطة للانتخابات.
على هذا، جعل فشل المؤتمر الكذبة القديمة تبدو عاريةً في القاعة، ما دفع رأس النظام إلى سترها بالتأكيد أن عدم عودة اللاجئين ناجم عن “العقوبات اللاشرعية” وعن تحويل “قضيتهم الإنسانية إلى ورقة للمساومة السياسية”. أما نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، فقد اجتهد برأي آخر، يقول إن مسؤولية عدم عودة اللاجئين تقع على فيروس كوفيد 19. هكذا نفهم أن سبب فرار السوريين من بلدهم هو الخوف من الإرهابيين، وسبب عدم عودتهم هي العقوبات وكورونا والتلاعب السياسي لبعض الدول. لا محل ولا دور إذن للنظام نفسه في كل هذه العملية.
السهو التقني خلال إحدى الاستراحات جعل كلام بعض السوريين الذين يقومون بمهمة الترجمة في المؤتمر مسموعاً من دون علم منهم، الشيء الذي نقل إلى العالم آراءهم الحقيقية. قال أحد هؤلاء المترجمين، في لحظة تحرّرهم من الرقابة، إنه لو أتيح للسوريين الباقين أن يخرجوا لخرجوا غداً. من الطريف أن تسمع هذا القول من شخصٍ يشارك في مؤتمر لعودة اللاجئين. ولكن الحقيقة أنه قول يعبّر عن حال غالبية السوريين المتورّطين في الحياة تحت ظل نظام الأسد.
لا تخفى على أحد قائمة العوامل التي تدفع السوري اليوم إلى الهجرة، من الاعتقال السياسي الذي يفتح فمه لابتلاع أي سوري في الداخل، من دون أي ضمان لخروجه حياً، إلى العنف الذي لا يوفر أحداً، إلى التشبيح الذي يسرق حقوق الناس البسطاء أو الأقل قوة، على أيدي زعرانٍ تسندهم الأجهزة الأمنية، إلى البؤس الاقتصادي الذي وصل إليه الشعب السوري على يد نظامٍ لم يكن يرضى بشعار أقل من الوحدة والحرية والاشتراكية مجتمعة، فاكتشف السوريون أن هذه الشعارات كانت تترجم، طوال عقود، إلى مدخرات بمليارات الدولارات باسم أبناء النظام في الجنّات الضريبية أو ملاجئ السرية المالية، مثل بنما أو سويسرا أو الولايات المتحدة الأميركية.
يقول بشار الأسد، في خطابه أمام المؤتمر، إن “موضوع اللاجئين في سورية هو قضية مفتعلة”. لم ينتبه كاتب الخطاب إلى التعارض بين أن تكون قضية اللاجئين مفتعلة وأن يكون السوريون قد فرّوا للنجاة بأنفسهم من الإرهابيين. هل فرّ السوريون من بلدهم لأسباب وجيهة أم أن فرارهم كان افتعالاً؟ لم يكن المنطق، في أي يوم، مرجعاً لكلام سياسيين يرون البلاد من منظور مصالحهم الخاصة. ولن تجد طغمة النظام تناقضاً بين دعوتها اللاجئين إلى العودة، وفرض ضريبة مالية باهظة على من يعود. كما لن تجد الطغمة التي فرّ الناس من حكمها وعنفها المنفلت مشكلة في أن تدعو اللاجئين الفارّين إلى العودة.
غالبية اللاجئين السوريين يرغبون، ككل اللاجئين في العالم، بالعودة إلى وطنهم، لكن السؤال الذي يجتهد الأسد ودائرته في إشاحة النظر عنه: من يجرؤ من السوريين على أن يعود طوعاً إلى بلدٍ تحكمه طغمة أوصلت البلاد إلى هذه الحال؟ يعلم كل لاجئ سوري أن عودته محفوفة بخطر الاعتقال المفتوح على الموت، وأن عودته تعني أن يُكمل حياته وهو يدفع ثمن موقفه من الطغمة التي تدرك جيداً، على الضد من مزاعمها، أن السوريين فرّوا من آليات حكمها وبطشها وتشبيح أزلامها.
ما يحرّك قضية اللاجئين السوريين اليوم هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي سيكون للاجئين السوريين دور فيها وهم خارج قبضة الأسد. تخشى طغمة الأسد أن يعبّر السوريون عن خيارهم بعيداً عن إملاءاتها، لذلك فإن عودة اللاجئين، ولو اضطر النظام إلى وضعهم في خيم بسبب دمار بيوتهم ومدنهم وبلداتهم، كما صرّح محافظ ريف دمشق، مطلوبة اليوم للنظام، لكي يكون هؤلاء في لحظة الانتخابات تحت سيطرة أجهزة الأسد. ليس هناك من يشك اليوم في أن قضية اللاجئين السوريين، التي اعتبرها رأس النظام في خطابه “قضية إنسانية ووطنية”، لا تنطوي، في منظوره، على شيءٍ من الإنسانية والوطنية سوى بقدر ما تخدم مسعاه إلى ولاية جديدة، بعد أن ألمح الاتحاد الأوروبي، في اجتماع له في بروكسل أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى موافقةٍ أوليةٍ على ترشّح الأسد للانتخابات الرئاسية شريطة إشراك المعارضة في الحكم.
يبقى السؤال: هل حقاً تريد طغمة الأسد عودة اللاجئين السوريين؟ ألم تر فيهم “بيئة حاضنة” للإرهاب؟ ألم يحبّذ رأس النظام خروج معارضيه من البلد لأن في هذا تحقيقاً لفكرته عن المجتمع المتجانس؟ في الحق، عودة اللاجئين لا تعني طغمة النظام إلا بقدر ما يمكن لعودة نسبة منهم أن تعطي انطباعاً بحل الموضوع السوري.
ينبغي أن يشعر السوريون في الداخل بأنهم في وطنهم، قبل أن ينتظر أحدٌ عودةً طوعيةً للاجئين. ولا يحتاج الأمر كثيراً كي يشعر المرء بأنه في وطنه، يحتاج فقط إلى وجود حدودٍ معقولةٍ من دولة القانون، إلى اطمئنان السوري، وهو في بلده، أن مؤسسة الدولة تحميه حين يحترم القانون، وأن القانون ليس ورقةً يمكن لأي شبيحٍ أن يعجكها ويرميها في وجه خصمه الذي سوف يجد الدولة في صف الشبّيح، وليست في صف القانون. لكن طغمة الأسد لا تستطيع توفير هذا الحد الأولي من مفهوم الدولة، ولا تجد، مع ذلك، قيمةً أخلاقيةً تردعها عن الاستمرار في الحكم، وعن دعوة الفارّين من حكمها إلى العودة.

العربي الجديد


لماذا مؤتمر اللاجئين السوريين؟/ حسين عبد العزيز
اختيار توقيت عقد مؤتمر اللاجئين في دمشق كان محسوبا بدقة لجهة حالة الشلل السياسي التي تصيب الإدارة الأمريكية عقب الانتخابات الرئاسية.
المقاربة الروسية بنيت على اعتقاد أن هذه الفترة التي تضعف فيها الفعالية الأمريكية في العالم، قد تدفع بعض الدول للمشاركة في المؤتمر وتقديم الدعم له، على اعتبار أن الرئيس الديمقراطي المقبل سيكون متساهلا حيال هذا الملف.
بدأت المحاولات في هذا الملف قبل عامين عندما دعت روسيا إلى عقد مؤتمر للاجئين، واضطرار بوتين للقيام بجولة شملت دولا عدة على رأسها ألمانيا لإقناعها بضرورة المشاركة في المؤتمر، لكن الموقف الغربي المتصلب حال دون انعقاده عام 2018.
خلال الأشهر الماضية حاولت روسيا إجراء متغيرات في الجغرافية العسكرية، في إدلب أولا ثم في شرق الفرات ثانيا من خلال محاولة توسيع نطاق عمل دورياتها العسكرية: في الحالة الأولى، اصطدمت روسيا بالغضب التركي الذي ترجم بدخول آلاف المدرعات العسكرية إلى إدلب، وفي الحالة الثانية اصطدم التمدد الروسي بالمدرعات الأمريكية.
لجأت موسكو إلى اختراق الصف الكردي برعايتها اتفاقا مع مجموعة روسيا (قدري جميل)، غير أن هذا الاتفاق ولد ميتا في مهده مهما حاول الكرملين إنعاشه.
في ظل حالة الجمود التي تعتري الملف السوري كله، جاءت فكرة عقد مؤتمر للاجئين، على أمل إحداث خرق ما من شأنه أن يعيد روسيا إلى الواجهة الدولية من البوابة السورية من جهة، وعلى أمل إضعاف هذا الملف الذي يشكل أحد الحوامل الرئيسية للأزمة السورية في عواصم القرار الدولي من جهة ثانية، وعلى أمل أن يشكل المؤتمرا مدخلا لدعم اقتصادي يساعد في منع انهيار اقتصاد النظام من جهة ثالثة.
لكن أهم هدف تريد روسيا تحقيقه من المؤتمر هو إحداث خرق في جدار الموقف الدولي من اللاجئين، بما يؤدي إلى وقوع شرخ في هذا الجدار، من أجل إخراج الملف الإنساني من ورقة التداول السياسي الدولي.
بعبارة أخرى، إن إحداث خرق ما في ورقة اللاجئين سيُفقد الملف السوري أحد أهم حوامله، مع ما يعني ذلك من حصر الأزمة في بعدها السياسي والاقتصادي، ليصبح الصراع السوري-السوري صراعا سياسيا بامتياز، وحله يجب أن يكون وفق ضوابط وأدوات السياسة فقط، وليس وفق مقولات الحقوق والواجبات الإنسانية.
هذا هو هدف النظام السوري أيضا، لكن الخلاف بينهما يكمن في الأولويات: بالنسبة لروسيا، ملف اللاجئين هو الأولوية في هذه المرحلة، ولذلك، جاء في البيان الروسي حول المؤتمر أن “الأزمة السورية استقرت نسبيا”، مع ما يعني ذلك أن مرحلة المعارك العسكرية الكبيرة انتهت، في حين يضع النظام استعادة الأراضي من “قوات سورية الديمقراطية” شرق الفرات، والأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب ضمن أولوياته القصوى.
وعلى هذا الأساس جاء نص الدعوة التي وجهها النظام للدول لحضور المؤتمر مختلفا عن النص الروسي، حيث أكد “.. تمثل عودة الأمن والاستقرار إلى مساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية وكذلك عمليات إعادة إعمار وتجديد البنية التحتية، خطوة جوهرية لتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمشردين السوريين إلى مدنهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية”.
يضع النظام السوري أولوية استعادة الأراضي وإعادة الإعمار في الأولوية، ثم يأتي لاحقا موضوع عودة اللاجئين الذي يشكل خطرا عليه، ذلك أن عودة جماعية تعني وجود قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة بسبب حالة استياء اللاجئين من النظام.
فضلا عن ذلك، يدرك النظام أن اللاجئين الذين قد يعودون هم اللاجئين المعدومين الذين تقطعت بهم السبل، ومثل هؤلاء لا يريدهم النظام في مناطق سيطرته، لأنهم يشكلون عبئا أمنيا واقتصاديا عليه.
يتحمل النظام عودة فردية للاجئين لاظهار انطباع أن لا مشكلات أمنية تجاه اللاجئين، طالما أن هذه العودة الفردية لا تشكل تهديدا له.
الهدف الرئيسي لمؤتمر اللاجئين بالنسبة لدمشق هو أن يكون بوابة لتدفق العملة الصعبة، ولتدفق الاستثمارات من هذه الدول بالقدر المستطاع من أجل الحد من تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية-الأوروبية.
بدا ذلك واضحا من عناوين المؤتمر: استقطاب أكبر عدد ممكن من الدول، وإمكانية تحسين ظروف الحياة المعيشة.
أهداف المؤتمر هي أهداف سياسية بالنسبة لروسيا واقتصادية بالنسبة للنظام، ولهذه الأسباب امتنعت الإمارات عن المشاركة في المؤتمر بعدما تلمست الرياح السياسية الجديدة القادمة من خلف الأطلسي.
كاتب وإعلامي سوري

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى