مقالات

كتّاب عالميون يدينون قرار سحب جائزة «ساكس» من الكاتبة كاملة شمسي

سحب جائزة ألمانية بـ”شبهة” دعم حركة مقاطعة إسرائيل!/ سناء عبد العزيز

في عام 1961 أسست مدينة دورتموند الألمانية “جائزة نيلي زاكس”، وهي جائزة أدبية تمنح كل عامين وتحمل اسم الشاعرة والأديبة الألمانية نيلي زاكس المُتوجة بجائزة نوبل في الأدب عام 1966 عن مجمل أعمالها الشعرية والمسرحية. وتصل قيمة الجائزة إلى 15 ألف يورو، وتُمنَح للكتاب والمؤلفين الذين تروج أعمالهم للمصالحة والتسامح بين الشعوب، وقد فاز بها من قبل الروائي الفرنسي من أصول تشيكية ميلان كونديرا 1987، والكندية مارغريت أتوود 2010. وفي هذا العام أعلنت لجنة التحكيم اسم الفائز النهائي في 6 أيلول/سبتمبر الحالي وهي الكاتبة البريطانية من أصل باكستاني كاملة شامسي، معلقة على رواياتها بأنها: “تبني جسوراً بين المجتمعات والثقافات”.

ولكن حين تناهى إلى علم لجنة التحكيم المكونة من 8 أشخاص دعم شامسي للحركات المؤيدة لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS، قررت إلغاء التصويت وسحب الجائزة، مصرحة في بيان “عندما صوتنا لكتاب شامسي لم نكن نعلم أنها تشارك في الحملات الداعية إلى مقاطعة الحكومة الإسرائيلية”، حيث إنها بدعمها لمقاطعة اسرائيل تتناقض مع كتابتها وتتعارض بوضوح مع الأهداف المعلنة للجائزة والتي تنص على نشر المصالحة والتقارب بين الشعوب والثقافات وتجسيدها، وذلك لأن البرلمان الألماني اعتبر في أيار/مايو الماضي حملات مقاطعة إسرائيل “معاداة للسامية”.

رد شامسي على قرار اللجنة

جاء تعليق شامسي على قرار سحب الجائزة، حسبما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية، يحمل إحباطاً وسخرية من حيثيات السحب، مستنكرة أن يُنظر إلى حملات مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها بسبب أعمالها التمييزية والوحشية ضد الفلسطينيين بأنه أمر مخز يدفع بلجنة التحكيم إلى العدول عن قرارها بمنحها الجائزة، وقالت بأنه “شيء مثير للغضب” أن يأتي هذا الرد فقط لأنها تمارس حقها الطبيعي في حرية التعبير وإبداء الرأي.  وذكرت شامسي: “في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، أعلن بنيامين نتنياهو عن نيته ضم ثلث الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة وهو ما يتعارض مع القانون الدولي، كما أن رئيس قائمة “كاحول لافان”، بيني غانتس، الذي حلّ أولا في الانتخابات الأخيرة، أصدر وعوداً مماثلة، وكل هذه الوعود جاءت فور قتل فتاتين فلسطينيتين على يد القوات الإسرائيلية، بينما تسحب مني الجائزة لأني أدعم حملة سلمية تدافع عن حقوق شعب منتهك”.

الفن والثقافة إذاً رفاهية بلا معنى

في خطاب نُشر منذ أيام في المجلة اللندنية لمراجعات الكتب أعلن كثير من الكتاب، بمن فيهم نعوم تشومسكي وأميت شودوري وويليام دالريمبل ويان مارتل وجانيت وينترسون وبن أوكري، أن “جائزة نيلي زاكس” اختارت “معاقبة مؤلف لدفاعه عن حقوق الإنسان”. وكان مايكل أونداتجي، الفائز السابق بالجائزة، أحد الموقعين على الرسالة. وكذلك أرونداتي روي وجون ماكسويل كويتزي وسالي روني، وهم من بين أكثر من 250 كاتباً دافعوا عن كاملة شامسي بعد سحب الجائزة الأدبية الألمانية التي حصلت عليها.

في البداية اختار المحكمون شامسي لأن كتابتها “تبني جسوراً بين المجتمعات”، لكنهم غيروا رأيهم عندما علموا أنها تدعم حركة المقاطعة، قائلين إن “موقفها السياسي بالمشاركة في المقاطعة الثقافية يتناقض مع أهداف جائزة نيلي زاكس لنشر التصالح بين الشعوب والثقافات وتجسيدها”. وهنا يتساءل أنصار شامسي: “ما معنى الجائزة الأدبية التي تقوض الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان، ومبادئ حرية الضمير والتعبير وحرية النقد؟… بدون ذلك، يصبح الفن والثقافة رفاهية بلا معنى”. كما دان “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، قرار اللجنة في بيان أشار فيه إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية تنتهك بشكل مستمر القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة في تعاملها مع الفلسطينيين. وأضاف المرصد أن سحب الجائزة يُعدّ سابقة خطيرة، واعتداءً صارخاً على الحق في حرية التعبير في ألمانيا، مشيراً إلى أنّ مشاركة شامسي في حركة مقاطعة إسرائيل سببها الانتهاكات الأخيرة تجاه المدنيين.

ليكن صوت العالم أعلى

بعد يوم واحد من نشر الرسالة المذكورة، قام أكثر من 100 كاتب بالتوقيع عليها منهم الكاتبة أهداف سويف وعمر روبرت هاملتون، المؤسسان لمهرجان فلسطين للأدب. وردا على إلغاء جائزة شامسي بسبب الاقتراح الذي أصدره البرلمان الألماني في شهر أيار/مايو الماضي والذي وصف حركة المقاطعة بأنها معادية للسامية، أشار كاتبو الرسالة إلى قرار صدر في وقت سابق من هذا الشهر في المحكمة الإدارية لكولونيا يفيد بأن قرار مجلس مدينة بون الذي ينص على استبعاد جمعية المرأة الألمانية الفلسطينية من المهرجان الثقافي بسبب دعمها لحركة المقاطعة لم يكن مبرراً. وسلط الكُتاب الضوء على البيان الذي أصدرته العام الماضي أكثر من 40 منظمة يهودية تقدمية محتجا على أن الخلط بين العنصرية المعادية لليهود ومعارضة سياسات إسرائيل ونظام الاحتلال والفصل العنصري “يقوض النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة والنضال العالمي ضد معاداة السامية”.

وانتقدت الرسالة أيضاً مدينة دورتموند الألمانية، التي تدير الجائزة، لرفضها نشر رد شامسي المكتوب على القرار.

وفي ردها على طلب تعليق، قالت المتحدثة باسم مدينة دورتموند إن هيئة التحكيم قررت عدم الإدلاء بأي تصريحات أخرى. وأضافت: “لقد شرع المجلس في لجنة تحكيم جائزة نيلي زاكس باختيار أحد الفائزين”، و”هيئة التحكيم مستقلة في قرارها وقدمت أسبابها في البيان الصحافي. ولم يعقد أي اجتماع للمجلس بعد قرار هيئة التحكيم، وبالتالي لم يتم طرح موضوع سحب الجائزة على المجلس بعد”.

ضفة ثالثة

كتّاب عالميون يدينون قرار سحب جائزة «ساكس» من شمسي/ ندى حطيط

يهود تقدميون أعربوا عن قلقهم من توظيف تهمة «العداء للسامية»

الجائزة التي ترعاها مدينة دوسلدورف الألمانية تخليداً لذكرى نيللي ساكس، الشاعرة اليهودية الحاصلة على «نوبل للآداب»، وتُعدّ من الأهم أوروبيّاً، أصبحت موضع جدل عاصف، الأسبوع الماضي، بعد إعلان لجنة التحكيم تراجعها عن قرارها بمنح نسخة هذا العام لكاملة شمسي، الروائية البريطانية من أصل باكستاني، بعدما تنامى إلى علمها معلومات عن دعم الأخيرة لحركة المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل المعروفة بالـBDS.

وأشارت اللجنة إلى أنها مضطرة للالتزام بقانون ألماني أُقِر مايو (أيار) الماضي يصنف الحركة المذكورة بأنها معادية للسامية، وبأن مواقف شمسي تلك تتعارض مع روح الجائزة. ولتجنُّب مزيد من التعقيدات، يبدو أن اللجنة قررت في سابقة حجب التكريم هذا العام، وعدم تسمية أي فائزين بديلين.

وقد أدان مثقفون حول العالم (بمن فيهم شخصيات يهودية مرموقة) القرار، واعتبروه غير لائق بمؤسسة ثقافية تسعى إلى تشجيع التسامح والتفاهم بين الشعوب، ويشكل هجوماً سافراً على حرية التعبير. بينما سارعت الصحافة الإسرائيلية والمواقع الإلكترونية الصهيونية إلى الهجوم على شمسي، واصفة سلوكها المناصر لحقوق الفلسطينيين بأنه «لا يتماشى مع روح صاحبة الجائزة، التي كانت بالفعل مؤيدة لإسرائيل، لا سيما لناحية رفضها المستمر منح حقوق ترجمة أعمالها إلى اللغة العبرية، على يد ناشرين إسرائيليين، وأن جهود حركة المقاطعة تؤثر سلبياً على المجتمع الإسرائيلي، بغضّ النظر عن تنوع المواقف السياسية والثقافية داخله».

وقد توسعت دائرة الانتقادات لقرار لجنة التحكيم بعدما تنادى نحو ثلاثمائة من كبار الكتاب والمثقفين العالميين في رسالة مفتوحة لهم (نشرتها «مجلة لندن» لمراجعات الكتب على موقعها الإلكتروني) إلى وصف موقف اللجنة بـ«المخجل». ومن الموقعين على الرسالة نعوم تشومسكي، وسالي روني، وجانيت وينترستون، وجنيفير كليمنت، وجون بيرنسايد، وأرونداتي روي، إلى جانب روائيين اثنين فازا سابقاً بجائزة نيللي ساكس.

وبينما لوحظت مشاركة واسعة من مثقفين ومفكرين يهود تقدميين في إضافة توقيعاتهم، فإن عدداً محدوداً من الشخصيات الألمانية أضافت أسماءها (أبرزهم الكاتب وصانع الأفلام المعروف أليكسندر كلوغ). ويمكن قراءة ذلك في إطار التردد المعهود للمثقفين الألمان في انتقاد إسرائيل، خصوصاً بعد صدور القانون الجديد بشأن حركة المقاطعة.

ويشير اتساع دائرة نجوم الصف الأول في الثقافة والأدب العالميين الذين تداعوا إلى الدفاع عن شمسي تجاه بلورة توجه مناهض في الغرب للسلوك الإسرائيلي العدواني ضد الفلسطينيين، على نحو بدأ يثير قلق المجتمعات اليهودية هناك. ويتحدث مثقفون يهوديون تقدميون بشكل متكرر عن خطورة توظيف فكرة العداء للسامية لمنح الحكومة الإسرائيلية حصانة من ممارساتها العنصرية والبربرية ضد سكان فلسطين الأصليين، مما سيؤدي بالمحصلة إلى إفراغ المعاناة اليهودية على يد النازيين من رصيدها الأخلاقي، ويعرّض يهود العالم إلى خطر الكراهية الزائدة من قبل مواطنيهم.

وقد أشارت الرسالة المفتوحة إلى الموقف الجماعي المعلن، العام الماضي، من قبل بضع وأربعين منظمة يهودية تقدمية في «التحذير من خلط مسألة العداء لليهود بموضع انتقاد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات العنصرية للكيان العبري، لأن ذلك لا يسيء فقط إلى عذابات الفلسطينيين ونضالهم من أجل الحرية والعدالة والمساواة، بل وأيضاً للنضال العالمي ضد العداء للسامية».

شمسي (46 عاماً) الفائزة بـ«جائزة الكتابة الأدبية النسوية البريطانية»، عام 2018، على روايتها «حرائق داخلية»، وتُعدّ أهم التكريمات الأدبية المخصصة للمبدعات النساء في العالم الأنغلوفوني، واشتهرت أعمالها بمعالجة قضايا الهويات المتعددة، وتعارض الولاءات، والعلاقة بالآخر، عبرت في رسالة لها إلى لجنة تحكيم نيللي ساكس عن «شعورها بغصة من الحزن الشديد بسبب الخضوع لضغوط سياسية وسحب التكريم من كاتبة مارست حرية التعبير بما يمليه عليها ضميرها، في الوقت الذي أعلن بنيامين نتانياهو عزمه على ضم ثلث الضفة الغربية المحتلة حال فوزه بالانتخابات، بينما يهاجمه منافسه الجنرال بيني غانتس على أساس أن نتنياهو سرق فكرته هو بهذا الخصوص». وأعلنت الكاتبة «عن استيائها من أن حركة مقاطعة إسرائيل التي بُنيت على نسق مقاطعة حكومة جنوب أفريقيا العنصرية وتسعى للضغط بوسائل سلمية على سلطات الكيان العبري لوقف اعتداءاتها الوحشية على الفلسطينيين وسياساتها العنصرية تجاههم، تحولت في عرف لجنة التحكيم إلى تهمة سلبية». وقد تساءلت الروائية في رسالتها التي رفضت الجائزة نشرها «عن معنى جائزة أدبية تعاقب الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان، وأساسيات حرية التعبير والضمير، وإمكان الانتقاد، وأنه ماذا يتبقى بعد ذلك من الفن والأدب سوى أن يكونا ترفاً زائداً، لا معنى لهما أو قيمة».

ويتطابق موقف شمسي مع أدباء ومثقفين غربيين كثيرين امتنعوا عن نشر أعمالهم بالعبرية عبر مؤسسات إسرائيلية، ونجحت حركة مقاطعة إسرائيل (تأسست عام 2005)، في استعادة المزيد منهم إلى حيز تأييد الفلسطينيين عبر امتناعهم عن التعاطي ثقافياً مع الكيان العبري. ومن هؤلاء البريطاني تشانيا ميلفيل، الذي رفض عدة عروض لترجمة أعماله إلى العبرية، رغم عرض أحد الناشرين له بتضمين الترجمة تقديماً يكتبه ميلفيل كما يشاء، والأميركية أليس وولكر الفائزة بجائزة «بوليتزر»، والأسترالي كريستوس تسايولكاس الذي اشترط نشر نسخة عربية متزامنة مع أي نسخة عبرية من أعماله واسعة الانتشار.

الشرق الأوسط

لتحميل رواية الكاتبة نار الدار اتبع أحد الروابط التالية

نار الدار/ كاملة شامسي

نار الدار/ كاملة شامسي

لتحميل رواية الظلال المحترقة اتبع أحد الروابط التالية

الظلال المحترقة

الظلال المحترقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى