شهادات

عن كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سورية لراتب شعبو – ثلاثة وجهات نظر

———————————

قراءة أولية في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا/  منيف ملحم

<<الكتابة عن تجربة سياسية نضالية معارضة مهزومة بالقمع، وتوثيق هذه التجربة، هي مساهمة في حمايتها ً من الضياع أولاً، ثم من التشويه الذي تمارسه آلة ضخمة من الإنتاج الكتابي الذي لا يحفظ من التاريخ سوى النسخة التي تبدو للعين المسيطرة، عين السلطات الغالبة، فيما تذهب إلى العدم رواية المغلوبين، ونسختهم من التاريخ. من الإنصاف للتاريخ وللأجيال القادمة أن يتولى المغلوبون أيضاُ سلطة الراوي. أن يُروى التاريخ من موقعهم وكما يظهر في عيونهم >>.

بهذه المقدمة الجميلة والمؤثرة يبدأ الصديق راتب شعبو كتابة فصل من اليسار الجديد: قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا.

وإذ يكتب التاريخ دائماً المنتصرون فإنه قلما أتيح للحركات المعارضة أن تكتب تاريخها. وإذ ينطبق هذا على كل الحركات والقوى المعارضة بشكل عام فإنه يرخي بثقله أكثر على الحركات والتنظيمات السرية. ومن ضمنها التيارات المعارضة داخل حزب العمل الشيوعي سواء ما عرف بالأقلية اليسارية أو ما عرف بالحلقات التروتسكية بعد عام 1985. يكفي أن يتذكر الرفاق في حزب العمل الشيوعي المعتقلين في سجن صيدنايا ما كتبه الرفيق فاتح جاموس ووافق عليه الرفيق أصلان عبد الكريم حول تاريخ التروتسكيين في الحزب في كراس صدر عام 1990 ووزع على الرفاق بمناسبة الندوة التي تمت الدعوة لها من قبلي في جناح ج يسار ط2 بمناسبة الذكرى ال 50 لاغتيال تروتسكي.

يكتب الصديق راتب: حول حضور شعار إسقاط السلطة في بعض الأعداد وغيابه في أعداد أخرى من الراية الحمراء.

<<في كل حال تبقى هذه المفارقة لغزاً محيراً، ويزيد في صعوبة الاطمئنان إلى تفسير، أنه في الاجتماع التالي لم تجمد الرابطة الشعار المذكور وهذا يقلل من الاطمئنان إلى التفسير الذي ذهبنا إليه وهو أن الرابطة تسرعت في رفع الشعار تحت ضغط الحماس وأنها أدركت تسرعها وعالجته بأن دفعت شعار إسقاط السلطة إلى الخلف. ولكن من جهة ثانية كانت السلطات الأمنية تحاول من خلال كوادر الرابطة المعتقلين في تلك الفترة، الضغط على التنظيم من أجل تجميد ذلك الشعار، كما كشف هؤلاء الكوادر، هذا يعني أنه كان لهذا الشعار حضور ملموس يدفع السلطات الأمنية إلى الضغط من أجل تجميده -لم نتوصل إلى تفسير لهذه المفارقة -وفي التواصل الخاص مع قياديي تلك الفترة للحصول على تفسير لهذه المفارقة، لم نتوصل إلى تبرير محدد، وقد فوجئ بعضهم بحقيقة أن أعداد الراية الحمراء الصادرة بعد اجتماع بيروت 1979 لا تحمل الشعار على صفحتها الأولى >>.

أنا أدرك الصعوبات التي واجهت الصديق راتب والتي ستواجه كل باحث في تاريخ الخط السياسي والتكتيكي لرابطة العمل الشيوعي. كما كل التنظيمات والحركات السرية. لذا فان وجود ألغاز محيرة يصعب فهمها من القرائن(الكتابات) وحدها ليس أمراً مستغرباً. إذ أن بعض الكتابات والنصوص العائدة للحركات والتنظيمات السرية هي أقرب إلى اللقى الأثرية والألواح الموجودة في بعض القبور والمواقع الأثرية وقد مضى عليها قرون مدفونة تحت ركام من غبار التاريخ. لذلك فإن فك رموزها وألغازها يحتاج إلى جهد كبير وعمل جماعي غير متحزب ومنحاز. وحتى في حال استحضار الشهود فإن الأكثرية المنتصرة قادرة على لي عنق الواقع. ناهيك عن العبث الذي قام به لصوص المقابر.

سأنشر لاحقاً مقالة مخصصة للغز الذي يتحدث عنه كتاب قصة حزب العمل الشيوعي حول شعار إسقاط النظام وبيان الحرية للشعب أولاً. ومع العلم أنني قد بينت للكاتب في حديث معه بعض خفايا هذا اللغز والذي اختصره الكاتب بكلمتين<< الغرض من الاستعراض السابق البحث عن الأهمية التي أولتها الرابطة لشعار إسقاط السلطة في الشهور التي فصلت اجتماع بيروت أيلول 1979، الذي تقرر فيه رفع الشعار، واجتماع آذار 1980 الذي واجه فيه الشعار محاولة تجميد فاشلة قادها أصلان عبد الكريم>>.

أما الآن فسأكتفي ببعض الملاحظات على قراءة الصديق نصار يحيى لما ورد في الكتاب:

يقول الصديق نصار يحيى في ملاحظاته بصدد مشروع فاتح جاموس حول التسليح<< وأيضاً هنا تم التناغم بين “التروتسكيين” والأغلبية الأخرى>>. في الواقع فان الأقلية اليسارية صوتت ضد مشروع فاتح جاموس وتلقت سخرية واستهجان من الكثير من الرفاق في المؤتمر لتصويتها ضد المشروع يا صديقي. كما يضيف الصديق نصار يحيى بعض الأسماء مثل (علي الشهابي، أكثم نعيسة) إلى الأقلية اليسارية ويشطب أسماء أخرى مثل (الشهيد إحسان عزو). الأقلية اليسارية أُطلقت تحديداً على الرفاق الذين قاطعوا الانتخابات وانسحبوا من الجلسة المقررة لانتخاب اللجنة المركزية وعددهم 15 رفيقاً ومن ضمنهم إحسان عزو أما الرفيقان علي الشهابي وأكثم نعيسة لم يكونا ضمن ال 15 رفيقاً فهما لم يقاطعا الانتخابات وعلي الشهابي كان من المرشحين للجنة المركزية. لذلك فهما لم يكونا من ضمن ما عرف بالأقلية اليسارية ولكن مع ذلك كسبا عداء الأكثرية بسبب دعمهم الأقلية في بعض المشاريع. ليس كل من صوت على أحد المشاريع التي طرحتها الأقلية اليسارية كان محسوباُ على الأقلية. ولو كان الأمر كذلك لكان عبد العزيز الخير ووجيه غانم من الأقلية اليسارية كونهما صوتا أكثر من مرة لبعض المشاريع التي طرحتها الأقلية اليسارية.

وأخيراً في ظل غياب محاضر جلسات لاجتماعات الهيئات وضياع كثير من الوثائق يبقى عمل المؤرخ يعتريه النقص مهما بذل من جهد. لذلك تبقى شهادات من عايشوا المرحلة تسد بعض النقص والثغرات. والكاتب في موضوع الشهادات لم يكن موفقاً دائماً ولاسيما في مواضيع كانت مفصلية في تاريخ الحزب. وباعتقادي أنه بعمله هذا سواء كان مقصوداً أو غير ذلك فإنه فتح ذاكرتنا جميعاً، فالكثير من الشكر له.

هذه بعض من الملاحظات الأولية وآمل أن تستكمل مستقبلاً.

—————————————

قراءة أولية في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا-2-(1)/ منيف ملحم

 لغز شعار إسقاط النظام

قراءة أولية في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا-2-(1)

منيف ملحم

لغز شعار إسقاط النظام

<<في كل حال تبقى هذه المفارقة لغزاً محيراً، ويزيد في صعوبة الاطمئنان إلى تفسير، أنه في الاجتماع التالي للمركزية في آذار 1980، لم تجمد الرابطة الشعار المذكور، وهذا يقلل من الاطمئنان إلى التفسير الذي ذهبنا إليه وهو أن الرابطة تسرعت في رفع الشعار تحت ضغط الحماس وأنها أدركت تسرعها وعالجته بأن دفعت شعار إسقاط السلطة إلى الخلف(1)

سبب شعار إسقاط النظام الديكتاتوري الذي طرحته رابطة العمل الشيوعي في اجتماع المركزية المنعقد في بيروت أيلول 1979، ومن ثم تجميده في جلسة الهيئة المركزية المنعقدة في آب 1980 الكثير من اللغط والاتهامات والتأويلات، وصلت إلى حد أن بعض القوى السياسية المعارضة اتهمت الرابطة بالتحالف مع النظام في الصراع الذي جرى بين هذا الأخير والإخوان المسلمين في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. في نفس الوقت اتهم النظام وبعض القوى السياسية الأخرى الرابطة بالتحالف مع الإخوان المسلمين (بعد تأسيسي لمنتدى اليسار في أواخر عام 2000 استدعيت من قبل الأمن السياسي، وعند مثولي أمام رئيس الفرع كان أول ما واجهني به: أنتم (الرابطة) تحالفتم مع الإخوان المسلمين!!).

باعتقادي فإن كل تنظيم سياسي عندما يتأسس يكون هدفه الرئيسي هو السلطة، امتلاكاً أو مشاركة أو بالحد الأدنى أن يكون فاعلاً فيها، وإلا امتنع عن أن يكون كذلك، ورابطة العمل الشيوعي التي تأسست في آب 1976 لم تكن استثناءً في ذلك، فالعدد الأول للراية الحمراء الذي صدر في كانون الأول 1979 كان لديه الهدف ذاته. فقد قالت الرابطة في النظام الديكتاتوري ومن خلال صحيفتها المركزية أو من خلال البيانات والمنشورات والملصقات أكثر مما قاله (مالك) في الخمر، بل إنها تجاوزت خطوطاً حمراء دأبت جميع القوى السياسية في سوريا على عدم تخطيها ألا وهي تناول شخصية رأس النظام ومسؤوليته عما يجري في السياسة الداخلية والخارجية لسوريا. كما أن وعي الرفاق جميعاً في تلك المرحلة كان يتمحور عند ذلك الهدف (إسقاط النظام الديكتاتوري). وإن لم يرد ذلك الهدف برنامجياً فالسبب يعود لوعي مضمر أو محكي فيه. وعي لينيني يقول: يجب كخطوة أولى بناء حزب ثوري يمثل الطبقة العاملة وتكون مهمته تحقيق برنامج الطبقة العاملة الثوري. لقد استفاض وأجاد الصديق راتب شعبو (مؤلف كتاب قصة حزب العمل الشيوعي) في البحث في هذه المسألة (وعي المؤسسين لتلك القضية)، سواء في بحثه حول جدل بناء الحزب الشيوعي في سوريا (كراس صدر عام1977) أو في المهمات البرامجية الصادرة عن الاجتماع الثالث الموسع للحلقات الماركسية أب 1976.

قصة الشعار/ في جريدة التنظيم/ في البرنامج الانتقالي

بعد حملة أيلول 1978 لم يبق من قيادة التنظيم سوى ثلاثة رفاق، لذا قام ما تبقى منهم باستكمال أعضاء الهيئة المركزية وتم عقد اجتماع للهيئة في حمص في كانون أول 1978. حضر الاجتماع كل من الرفاق: أصلان عبد الكريم، فاتح جاموس، نهاد نحاس، زياد مشهور، مصطفى خليفة، أحمد رزق، وائل السواح، كامل عباس، وجيه غانم، حسام علوش، علي الكردي، جهاد عنابة، منيف ملحم. انتخب الاجتماع لجنة عمل مؤلفة من الرفاق: أصلان عبد الكريم، فاتح جاموس، نهاد نحاس، زياد مشهور، منيف ملحم.

تقرر حينها إصدار الراية الحمراء كل 15 يوماً بدلاً من إصدارها كل شهر، لكن في نيسان 1979 شن الأمن العسكري حملة اعتقالات شملت اللاذقية وطرطوس وحلب، اعتقل على إثرها كل من أعضاء الهيئة المركزية: جهاد عنابة، مصطفى خليفة، وجيه غانم، حسام علوش.

شهدت الأشهر الفاصلة بين اجتماع الهيئة المركزية في كانون أول 1978 /حمص وحملة الاعتقالات في نيسان 1979 نشاطاً مكثفاً للتنظيم، إضافة لإصدار الراية الحمراء كل 15 يوماً، كان هناك ملصق أو بيان يوزع كل أسبوع تقريباً.

<<اجتمعت الهيئة المركزية في آذار 1979، لتحديد السياسة المناسبة في هذا الجو القمعي الكثيف. اعتبر غالبية المجتمعين أن التحدي والتوزيع القطاعي والتحريضي السابق كان خطأً ناجماً عن نزوع يساري ساد المنظمة في المرحلة السابقة. <<كان الاجتماع عاصفاً ومتوترا ًومشحوناً بالخوف والغضب معاً وقد طرحت فيه آراء عديدة متباينة ومتناقضة تماماً منها مثل رأي يطالب بحل المنظمة والعودة إلى مرحلة الحلقات الماركسية، الوجه المقابل له، مزيداً من النشاط السياسي والتحريض مهما كانت النتائج (2)>>.

الاجتماع كان في نيسان وليس في آذار لأن الاجتماع جاء عقب حملة نيسان. نعم كان الجو متوتراً. وكان هناك قلق من إمكانية تصفية التنظيم. ولكن لم يطرح أيٌ كان حل التنظيم والعودة للحلقات الماركسية. قرر الاجتماع قسم ما تبقى من الهيئة المركزية إلى قسمين، قسم يذهب إلى لبنان كقيادة احتياطية (أصلان عبد الكريم، وائل السواح، كامل عباس، أحمد رزق، نهاد نحاس) إذا ما تم اعتقال لجنة العمل (فاتح جاموس، زياد مشهور، علي الكردي، منيف ملحم). كانت مهمة القيادة الاحتياطية فقط التنسيق مع لجنة العمل لإصدار الراية الحمراء.

مع أوائل حزيران 1979 كان قد تم ترميم منظمات التنظيم واستقر الوضع التنظيمي مع التغيير الجديد في هيكليته ونمت منظماته في حلب ودمشق واللاذقية.

كان الجو السياسي في سوريا قبل مجزرة المدفعية وبعد التقارب ومن ثم التباعد ما بين البعثين الحاكمين في دمشق وبغداد ملبداً بغيوم عزاها النظام السوري إلى نشاط نظام البعث في العراق ومنها بشكل خاص العمليات العسكرية من الاغتيالات التي طالت بعض رموز النظام. بينما رأت رابطة العمل الشيوعي أن النظام يتعامى قصداً عن مبعث ومدبر الاغتيالات التي تحدث في سوريا، وهي اغتيالات تقوم بها القوى الدينية (الإخوان المسلمون) مستخدمة السمة الطائفية للنظام التي تتعزز يوماً بعد يوم كمادة لعملياتها.

شكلت مجزرة المدفعية التي ارتكبتها القوى الدينية في حزيران 1979 وما تلاها من تطورات على الساحة السورية (اعتراف النظام بوجود معارضة مسلحة من القوى الدينية، لقاء أعضاء من الجبهة التقدمية للنظام مع أعضاء من اتحاد الكتاب العرب) بداية تبلور خط سياسي ومهام جديدة لرابطة العمل الشيوعي يمكن تكثيفها في: إن استمرار النظام والصراع الذي تخوضه القوى الدينية معه ينذر بكارثة محدقة بالوطن. لذا كان على القوى الديمقراطية والشيوعية العمل من أجل إسقاط هذا النظام من خلال بناء جبهة شعبية متحدة تكون الأداة التنظيمية للطبقات الشعبية.(4)

منذ العدد 34 آب 1979 وحتى العدد 43 شباط 1980 بدأ يظهر شعار إسقاط النظام على صفحات الراية الحمراء بمواقع مختلفة من صفحاتها وبمضامين مختلفة منها: إسقاط النظام الديكتاتوري، إسقاط الديكتاتورية البعثية، إسقاط السلطة الديكتاتورية البعثية، إسقاط سلطة الطبقات السائدة، إسقاط الحكم الديكتاتوري البعثي، إسقاط الأنظمة البورجوازية العربية الديكتاتورية. بالإضافة لشعارات أخرى مثل إسقاط الإرهاب اليميني الطائفي المتطرف، تحيا الجبهة الشعبية المتحدة أداة السلطة الشعبية…إلخ.

أنا أتحمل مسؤولية رفع شعار إسقاط السلطة على صفحات الراية الحمراء من العدد 34 وحتى العدد 43 شباط 1980 الذي ظهر فيه شعار من <<أجل إسقاط الأنظمة البورجوازية العربية الديكتاتورية>> بالإضافة للشعارات الأخرى المذكورة سابقاً، والذي جعل نهاد نحاس (ولم يكن في حينها عضواً في لجنة العمل) يسأل في اجتماع للجنة العمل عن سبب رش هذه الشعارات بدون ضوابط.

لم يكن وعيي في حينها يرى أي تمييز بين إسقاط الحكم وإسقاط النظام وإسقاط سلطة الطبقة البورجوازية، فجميعها واحد باختلافات بسيطة (ومازال هذا لدي حتى اليوم في الحالة الراهنة للوضع في سوريا). وهي عندما ترد في الأدبيات فهي شعارات للتحريض والتعبئة حولها وليس للتنفيذ المباشر. وطرحها لم يكن يعني أننا أمام ثورة اشتراكية مطروحة على جدول الأعمال راهناً. واستخدامنا لتعبير الجبهة الشعبية بوصفها<< الأداة التنظيمية للطبقات الشعبية القادرة على صنع الثورة الاجتماعية>> جاء في سياق الحديث عن الجبهة الشعبية ومهامها وليس في إطار الحديث عن إسقاط النظام. ولو كان الحديث يجري هنا عن ثورة اجتماعية (ثورة اشتراكية) كما تم فهم ذلك لما كان هناك من معنى لطرحنا البرنامج الانتقالي ( 5).باعتباره برنامجاً ديمقراطياً ثورياً.

كما لم يكن لدي أي تمييز بين أهمية كون الشعار في الصفحة الأولى أو في نهاية المقالات أو في الصفحة الأخيرة. كان الأمر بالنسبة للشعار (كما كنت أعتقد في حينها) أن يكون تكثيفاً لافتتاحية الراية الحمراء فإذا كانت الافتتاحية تدور حول الجبهة الشعبية فيتطلب الأمر أن يكون الشعار: نحو بناء الجبهة الشعبية. وهكذا تأتي الشعارات. وهكذا كان الأمر بالنسبة لي (بالطبع الآن أدرك أهمية موقع الشعار(6)

في كل الأحوال، لم يعترض أحد من الرفاق على وجود الشعار بالصيغة التي ورد فيها، وبالمكان الذي ورد فيه في الراية الحمراء، سواء قبل اجتماع بيروت أيلول 1979 أو بعده لولا ملاحظة الرفيق نهاد نحاس.

محاولة التجميد الفاشلة لشعار إسقاط النظام-“قضايا الخلاف”

كان اجتماع الهيئة المركزية في أواخر أيلول بيرت 1979 أكثر الاجتماعات هدوءاً وحميميةً وثقةً بالتنظيم. فنحن إلى حد ما بعيدون عن قبضة النظام، والتقينا بعد طول غياب، ووضع البنية التنظيمية استقر ونما. واستطاعت أعداد الراية الحمراء التي صدرت بالأشهر الأخيرة أن توحد الآراء حول المهام القادمة وخطة العمل القادمة(7)

تمت الموافقة على برنامج انتقالي، النقطة المركزية فيه إسقاط النظام. كما تم التركيز على العمل من أجل بناء جبهة شعبية متحدة مع القوى السياسية الشيوعية والديمقراطية المعارضة، وتقرر عقد مؤتمر للتنظيم في آذار 1980.

عدنا إلى دمشق بعد اجتماع أيلول 1979 في بيروت (أعتقد كان الاجتماع في 24 و25 أيلول). وأمضينا التشرينيين في شرح رؤيتنا ومهامنا السياسية للرفاق والأصدقاء والقوى السياسية التي نطمح أن تشاركنا هذه الرؤيا للتصدي لما كنا نعتقده. إن الصراع بين النظام والقوى الدينية المتطرفة سيؤدي لكارثة إذا بقي هذا النظام. لذا توجب العمل على بناء قطب ثالث من القوى السياسية الوطنية في إطار جبهة شعبية متحدة تأخذ على عاتقها إسقاط هذا النظام وقطع الطريق على القوى الدينية المتطرفة (اختصاراً الإخوان المسلمون).

تم تكليف الرفيق أصلان عبد الكريم بالحوار مع انقسامات بكداش والرفيق فاتح جاموس بالحوار مع ما عرف لاحقاً بالتجمع الوطني الديمقراطي من خلال الدكتور جمال الأتاسي.

في شهر كانون الأول 1979 بدأت تظهر خلافات مصحوبة بتوترات داخل لجنة العمل بسبب خلافي مع الرفاق حول قضايا لها علاقة بموقف ” الرفاق السوفييت” من بعض الأنظمة (أثيوبيا، اليمن الجنوبي) ودعم بعض الرفاق لهذا الموقف. جاء التدخل السوفييتي في أفغانستان ليزيد من حدة الخلاف. ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر التوافق ضمن لجنة العمل ورفعت حدة الخلاف بيني وبين الرفيق أصلان إلى أعلى مستوياته. فقد توارد إلي أخبار على شكل تساؤلات من خلايا في منظمة دمشق أن هناك تغيراً وانعطافاً في الخط السياسي والبرنامج للتنظيم ينشره الرفيق أصلان عبد الكريم بين الرفاق وبين حتى القوى السياسية، مضمونه الرئيسي تجميد شعار إسقاط النظام واتباع تكتيك لينين في مواجهة عصيان كورنيلوف.

تم في اجتماع للجنة العمل سؤال الرفيق عن الموضوع فأقر بالموضوع ودافع عن وجهة نظره بضرورة اتباع التكتيك المذكور. رفضت لجنة العمل وجهة نظر الرفيق وطلبت منه الكف عن طرح وجهة نظره الشخصية خارج إطار جريدة الحزب الداخلية (البروليتاري).

في الواقع أصبح الجو متوتراً(8) بيني وبين الرفيق وبصراحته المعهودة وبثقة بالنفس بمواقفه السياسية أكثر من اللازم أعلن في أحد اجتماعات لجنة العمل في كانون الثاني 1980: أنه سيعمل كل ما في وسعه لإبعاد منيف ملحم عن لجنة العمل (9). فكان ردي عليه سأفعل نفس الشيء اتجاهك (كنا ننتظر عقد مؤتمر الحزب المقرر في آذار1980).

كانت آخر مواجهاتنا صياغة بيان الترحيب بالرفاق الذين أطلق سراحهم في 4 شباط 1980. في وقت أراد الرفيق أصلان عبد الكريم أن يكون عنوان البيان الحرية للقوى الوطنية. طلبت أن يكون العنوان الحرية للشعب أولاً. ولأن الفرحة كانت كبيرة والاستعدادات لاجتماع الهيئة المركزية بكامل أعضائها أصبح يقترب وبالتالي تحسم الخلافات بشكل ديمقراطي فقد تمت الموافقة على اقتراحي (10)

اجتماع 29 شباط 2 آذار 1980

اجتمعت الهيئة المركزية بكامل أعضائها بتاريخ 29 شباط وبعد تثبيت عضوية الأعضاء انتقل الاجتماع إلى مناقشة نقطتين أساسيتين:

الأولى كانت تجميد شعار إسقاط النظام أما الثانية فكانت تخص التحالفات والقوى السياسية المطلوب العمل معها.

كان هناك اتجاهان وليس ثلاثة كما تم ذكره في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي (شهادة لفاتح جاموس): الأول كان على رأسه الرفيق أصلان عبد الكريم ومعه الرفاق: أكرم البني، نهاد نحاس، وائل السواح، وعلي الكردي. طرح هذا الاتجاه ضرورة تجميد شعار إسقاط النظام والاتجاه صوب القوى المتفرعة عن بكداش لتحقيق التحالف. والاتجاه الثاني وكان على رأسه منيف ملحم وزياد مشهور وضم جميع الرفاق الخارجين من المعتقل تقريباً بالإضافة إلى الرفيق فاتح جاموس. هذا الاتجاه رفض مشروع التجميد وطالب بالتوجه صوب القوى المعارضة (عرفت فيما بعد بالتجمع الوطني الديمقراطي(11).

خسر مشروع التجميد لشعار إسقاط النظام الذي قاده الرفيق أصلان عبد الكريم فأعلن الرفيق أصلان عبد الكريم أنه لن يرشح نفسه لعضوية لجنة العمل وقد أثنيت أنا على قراره ولكن تدخل الرفيق فاتح جاموس لإقناع الرفاق بالضغط على الرفيق أصلان عبد الكريم لترشيح نفسه.

انتخبت الهيئة المركزية لجنة العمل من الرفاق: أصلان عبد الكريم، فاتح جاموس، محمد معمار، زياد مشهور، منيف ملحم.

ثم قدم الرفيق فاتح جاموس مشروعاً يتضمن تجميد شعار إسقاط السلطة على صفحات الراية الحمراء ريثما يتم ترتيب الوضع التنظيمي الجديد فنال الموافقة. (12)

********

1-ينبغي التنويه إلى أنني لست بصدد إجراء دراسة نقدية للكتاب (في هذا المقال وفي مقالات أخرى) وإنما الهدف من ذلك هو تسليط الضوء على أهم المنعطفات التي مر بها التنظيم كما جرت بالواقع مستخدماً وعيي كما كان حينها وليس كما هو الأن.

2-من كتاب قصة حزب العمل الشيوعي. للصديق راتب شعبو ص84

3- من كتاب قصة حزب العمل الشيوعي. شهادة لكامل عباس ص.80

4-سلط الصديق راتب شعبو في كتابه: قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا الضوء على الخط السياسي الذي انتهجته رابطة العمل الشيوعي وطبيعة الصراع الجاري منذ وقوع مجزرة المدفعية وحتى اجتماع آب 1980 بشكل وافٍ.

5-سأتحدث في مقال قادم عن البرنامج الانتقالي الذي تم طرحه في اجتماع بيروت أيلول 1979 والخلافات مع الأكثرية حوله.

6-لم تول قيادة التنظيم أهمية للشعار وموقعه على صفحات الراية الحمراء إلا بعد تقرير آب عام 1980

7-عقد الاجتماع بغياب زياد مشهور بسبب بعض الخلافات التنظيمية وعلي الكردي بسبب الاعتقال وتم انتخاب لجنة عمل من: أصلان عبد الكريم، فاتح جاموس، زياد مشهور، وائل السواح، منيف ملحم.

8-في الواقع كان يأخذ الاجتماع لتقرير إصدار عدد من الراية الحمراء أو بيان، جلستين: الأولى لتقرير المواضيع والثانية للموافقة عليها. ولكن بسبب هذا التوتر أصبح إصدار عدد من الراية الحمراء يأخذ جلسات وسابقاً كنا نلجأ للتوافق وقليل ما نلجأ للتصويت ثم أصبح التصويت هو القاعدة.

9-جرى التقليد في رابطة العمل الشيوعي أن يعاد انتخاب لجنة العمل في كل اجتماع للهيئة المركزية. وقد حاول الرفيق إقصائي عن لجنة العمل من خلال اجتماعات الهيئة المركزية ولكنه لم ينجح. لذا قدم مشروعاً في المؤتمر التأسيسي لحزب العمل الشيوعي آب 1981 يمنع على المعارضة أن تمثل في المكتب السياسي. وقد رأت الأقلية اليسارية في القرار فعلاً غير ديمقراطي وكان هذا القرار بالإضافة لأمور أخرى أحد الأسباب التي دعت الأقلية اليسارية لمقاطعة انتخابات اللجنة المركزية.

10- شكلت الخلافات التي تصاعدت ضمن لجنة العمل منذ أواخر عام 1979 بداية تشكيل تيار في رابطة العمل الشيوعي ومن بعدها حزب العمل الشيوعي. تيار يقترب شيئاً فشيئاً من الخط السوفييتي وهو ما استتبع مواقف ستشكل مفارقات وسقطات في خط الحزب تم الحديث عنها ونقدها في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي من قبل الصديق راتب شعبو دون الإشارة إلى الأساس الذي بنيت عليه هذه المواقف. من الأمثلة عليها شعار الحرية للقوى الوطنية والتقدمية في مواجهة نظام ديكتاتوري استبدادي.

11-طلب الرفيق فاتح من الاجتماع السماح له بمغادرة الاجتماع للقاء الدكتور جمال الأتاسي لمعرفة آخر التطورات لديهم. وقد خرج الرفيق الساعة السادسة مساءً وعاد في الثامنة مساءً بوعد من الدكتور الأتاسي بأنهم في حال القيام بأي خطوة جديدة فلا بد أن نكون على علم بها. طبعاً بعد أيام من هذا اللقاء صدر بيان آذار للتجمع الوطني الديمقراطي!!!

12-إن الحديث الذي تناقلته بعض القوى السياسية حول تحالف الرابطة مع النظام لا يعود إلى ما صدر في تقرير آب1980 وإنما يرجع إلى زمن أسبق أساسه وجهة النظر التي أشاعها الرفيق أصلان عبد الكريم (تكتيك لينين- كورنيلوف) بين القوى السياسية منذ كانون الأول 1979 باعتبارها وجهة نظر الحزب. نعم لم يكن ذلك الدخان بلا نار ولكنها لم تكن سوى النار التي أشعلها الرفيق قبل تقرير آب.

* سأكتب في مقال قادم ظروف تجميد الشعار باجتماع آب 1980.

————————————–

———————————————–

قراءة في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا/ نصار يحيى

قراءة في كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا

فصل من تاريخ اليسار السوري.

/للكاتب الصديق راتب شعبو/

في البدء استوقفتني كلمات الإهداء:إلى المعنى النضالي لهذه التجربة الجسورة.

ثم تبدأ الكلمة الأولى لتقول:إذا كان كاتب هذه السطور،غير حيادي عاطفياً تجاه تجربة الرابطة والحزب ،لأنه كان أحد عناصرها ودفع ثمناً باهظاً جراء انتمائه هذا،فإنه سعى أن يكون حيادياً تجاهها من ناحية العقل والتحليل.

ولعل تجربة الكاتب مع الرابطة..ساهمت لصالح هذه التجربة مرتين:

الاولى لأنها أتاحت له رؤية الرابطة /الحزب من الداخل.

الثانية لأنها أعطته درساً مهما في في ضرورة النظر إلى الواقع بعين عملية وموضوعية بعيداً عن المكابرة والمبالغة وشتى أمراض الذات السياسية.

وأنا مثلك صديقي راتب،لن أكون قارئاً يضطلع على تلك التجربة السياسية من مكان “خارجي”،إنما أيضاً من التجربة المعيوشة ،تلك التي لازمتني قرابة العقد ونيف بين انتماء ثم تخفي ثم اعتقال ثم خروج عن التجربة والنص من داخل السور/السجن/.

هل تتشابه حالتنا هذه بين السطور،خارج الخطاب السياسي المباشر -وكتابة التجربة على أهميتها-أن نمضي مع “أوليس “ورحلته التي استنزفت عقدين من العمر بين الجحيم والأمل،كانت “إيثاكا ” مدينته/وطنه/ طريق العودة ” / تماشياً مع الشاعر اليوناني كافافي/.

عندما أقرأ التجربة بكتابك، يراودني الشعور بالمكان والزمان وكأنه يسكنني من جديد،لربما لخصوصية هذه التجربة التي لم تزَلْ بين شظايا العمر، ولربما ايضاً اللغة الرشيقة التي ترتشف من الحميمية والصدق في تناول الظاهرة.

وهل يمكننا هنا الاستعارة من “غاستون باشلاروجمالية مكانه”وبعض التصرف:

“حين نحلم بالبيت الذي ولدنا فيه /يمكن هنا القول التجربة السياسية التي عشنا /،وبينما نحن في أعماق الاسترخاء القصوى،ننخرط في ذلك الدفء الآصلي، في تلك المادة لفردوسنا المادي..سوف نعود الى الملامح الامومية للبيت..”

قد يكون الاسترخاء هنا في غير مكانه..هو على سبيل المونولوج الداخلي..

مايميز كتابك ايضاً هذا الجهد الحثيث في استحضار النص كما ورد، وليس على طريق “العنعنة”،انما تبقى بعض الثغرات حين الاعتماد على رواية “شهادات” بعض الذين عايشوا التجربة،اعتقد أنك لن تلام هنا ، من حقك الاستئناث بهم ،من حقهم ايضا أن يعبروا بطريقتهم، خاصةً أنهم الآن يتكلمون بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود على الاقل..

اعتمدت في قراءتي كما الكتاب التوقف عند الفقرات بتسلسل الصفحات مع ذكر رقم الصفحة..

جمعت الرابطة في سوريا بين ميلين:

1-الميل الى تأصيل الفهم الماركسي للواقع بالعودة الى “الاصول”ماركس اولاً لينين ثانياً..كراسات الخط الاستراتيجي .

2-الميل الى الفعل وفرض الذات والتأثير في اللحظة السياسية ..وهذا الميل جعل الرابطة هدفاً لحملات قمع متواصلة..واجهتها الرابطة بفروسية وبروح متحدية كانت في الواقع أكبر من قدرة الجسد على الصمود..ص2 .

لا أختلف معك القول،ربما أضيف خاصةً لجهة الميل الاول، تأصيل الأصول بما هو التعبير عن اليقين أنّ المرجعية الحقيقية والمرشدة بامتياز،تكمن هناك عند هؤلاء المؤسيسين/ماركس،انجلز،لينين/ ،الذين نالهم الكثير من الفهم الخاطئ بممارسة تحريفية،خاصة من قبل الحركة الشيوعية الرسمية..بما هو تعبير مكثف عن التكرار التقليدي :لم تزَل النظرية ثورية ولديها الاجابة الشاملة عن كل تساؤلات الواقع،إنما “الشذوذ “في تلك الحركة او الاحزاب ..

لم استصغ كلمة “جرثومة ثورية”التي وردت اكثر من مرة ابتداءا من الصفحة الثالثة؟!

واضح ان المقصود بها تحريك الاحجار الراكدة ،بصيص الامل لدى مجموعة من المثقفين الثوريين الذين تمردوا على هذا الوجع المستبطن والمستشري خاصة من زعموا أنهم تمثيل الارث الشيوعي الثوري،بجناحيه البكداش والمكتب السياسي من الحزب الشيوعي السوري..

أو بتعبير الكاتب :قاد الالحاح والنفس الاقتحامي والكفاحية العالية لهذه الفئة من الشباب الى توليد الصد لدى قوى ذات عطالة ولا تمتلك الجاهزية نفسها على دفع الضريبة في جو القمع المسيطر..

في الصفحات الاولى ايضا ص4..ليس مفاجئاً أن الخلافات الداخلية بين رفاق الحزب الواحد،وجدتْ بيئتها المناسبة للظهور في السجون التي رغم قسوتها أعطت للمعتقلين فرصة للتأمل والمراجعة والنظر الهادئ الى الأمام..لكن -التعبير للكاتب-لابد من الاضافة هنا، انّ السجن ليس مكاناً طبيعياً لتبلور الخيارات السياسية الحرة، فلظروف السجن دوراً قسرياً في في تحديد الموقف وارأي السياسي للاشخاص؟!

لاخلاف ياصديقي ان ظروف السجن ليست بالمكان الطبيعي لظهور الآخر المتبلور بعموم آرائه، خاصة انه سيتم رشقه بحجارة الثقة والرخاوة النضالية،والتعبير الدارج المألوف لدى شتى التجارب السياسية،لماذا الآن ؟!

اعتقد أنه في ظروف العمل السري وفي مناخ الاعتقال المديد الذي قد يبدأ بحد أدنى خمس سنوات، ولاينتهي بخمسة عشر او ثمانية عشر سنة سجن،في ظل هكذا معطيات وقراءة معمقة للخطأ والصواب،يصبح السجن المكان الأكثر نضجاً لمجمل الآراء بما فيها تناول قدسية “الأصول”،هو المكان الذي يتيح لك ممكنات التفكير ان رغبت بذلك،وان توفر الكتاب خارج “البرنامج التثقيفي الحزبي”..

والى الكتاب أعودُ :

الحلقات الماركسية:

نعم كما سيقول الكتاب وفي صفحته 13..نشأت الحلقات الماركسية تحت ضغط الهم الوطني أكثر مما تحت ضغط الهم الاجتماعي..

ولم يخطر بالبال حتى من الكاتب نفسه في تساؤله عن الهم الديمقراطي؟؟

إنّ الحلقات الماركسية مثلها كمثل الكثير من تلك التجارب التي حاولت الاستنهاض من جديد ردا على الهزائم المتتالية خاصة للمشروع الوطني وهزيمته الاقصى بحزيران 1967.والذي كان يقوده بتعابير تلك الفترة “الانظمة الوطنية التقدمية،!،او بتعبير الحالقات الماركسية بانظمة البرجوازية الصغيرة الجبانة واللاديمقراطية..

وكان من الطبيعي لدى أكثر المتمردين على الهزيمة من منظمات فلسطينية وكتل داخل الاحزاب الحاكمة نفسها،أن تلجأ الى الماركسية اللينينية حيث يصعد نجمها ويتألق ببلدان من طبيعة تتشابه وعالمنا العربي/كوبا،فيتنام كمبوديا..الخ/،وكان من مألوف الخطاب السياسي الثوري كما يزعم،أن آخر همومه الهم الديمقراطي..

انظر وهكذا كنا نتسلح بكتاب لينين “ما العمل “عن دور الطليعة الثورية او بتعبير لينين المحترفين الثوريين الذين باتوا بمرحلة وعي الضرورة التاريخية لدور الطبقة العاملة ،كونهم هم من يدخلون الوعي للطبقة من الخارج ،مثلها تستنسخ الحلقات:

ان الحلقات الماركسية..ظاهرة موضوعية بمعنى كونها استجابة لضرورة تاريخية ..واعضائها بمعنى ما مترجموها او حملتها،انهم حملة واعون ومدركون لذاتهم ولدورهم..وفي مكان آخر يرد استشهاد آخر ص56 يؤكد هذا المعنى المقصود”..الجرثومة الثورية تحل برنامجيا محل الطبقة العاملة الهزيلة التكوين وتمثلها افتراضياً” .

ص16 تم ذكر الحلقات كأسماء ومناطق،اعتمادا على مقالة كتبها الصديق كامل عباس..

تبين أنّ هناك عدم ذكر لمدينة السلمية وحلقتها،الا اصلان عبد الكريم حيث أدرج اسمه مع حلقة دمشق..

أنا شخصيا لم أكن في الحلقات في السلمية اوغيرها، ولكن من خلال الاتصال بالصديق أكرم القصير وهو أحد الناشطين في حلقة السلمية، حيث أكد :

حلقة السلمية كانت تضم قبل الاجتماع الموسع الذي عقد بعام 1974..حسن زهرة،تاج الدين ريشة،علي نايف عجوب، أكرم القصير،رياض الجندي،ابو سليم أرناؤط ،علي فطوم،جمال حسينو،بالاضافة الى اصلان عبد الكريم صلة الوصل مع دمشق.

.في العلاقات التنظيمية الداخلية:

من الاهمية بمكان وتأكيداً مع “الكتاب”، قدمت الرابطة مثالاً فريداً في الساحة السورية،من حيث العلاقات التنظيمية والنظام الداخلي،الذي تميز بالقيادة الجماعية فعلاً لا قولاً،وبالمجلة /البروليتاري/ التي كانت منبر جدل ونقد داخلي واسع وحر الى حد بعيد.

واما النظام الداخلي الذي كان يطمح الى اعلى منسوب للمركزية الديمقراطية ،من ناحية انتخاب كل الهيئات وقصر المدة الزمنية بين المؤتمرات اقصاها سنة واحدة للمؤتمر العام،أعتقد ان ذلك كان من المرحلة الحلقية بعيداً عن العمل السياسي المباشر،كما حصل بعد تأسيس التنظيم بآب 76 ثم حملات الاعتقال التي انهالت ابتداءا من آذار عام 1977،سوف يذكر الكاتب ذلك اكثر من مرة..

أو كما يقول المثل العامي:حساب السرايا ما انطبق على حساب القرايا..

“البروليتاري “كمنبر داخلي، استطاعت أن تشكل ذلك المنبر،خاصة بين عامي 1980-1981المرحلة التي شهدت تقرير آب الشهير،ثم مشاريع موضوعات المؤتمر التأسيسي بآب 1981./أتكلم عن معايشتي قبل الاعتقال ب 1982/.

نعم حاولت هذه التجربة تأسيس عاداتها بالتمايز عن كل المأثور السياسي عالميا ومحلياً، بغياب ماسمي بموقع الآمين العام/مشروع الزعيم”الطاغية”الذي يَسأل ولا يُسالْ /،ولاشك بأن هذه العادة حاولت ان يكتب لها النجاح،لكن في ظل القمع الشديد واستنزاف الكادر الرئيس ،من الطبيعي أن ينبري للقيادة الاكثر حضورا وتميزا ومبادرةً،لايعني ذلك أنه استطاع الانفراد ب “كرسيه”..

رفع ثم تجميد شعار إسقاط السلطة

يستطرد “الكاتب ” بروحية نقدية صحيحة ،مدى التهافت النظري وعدم الالمام المعمق لما كان يطرح من شعار اسقاط السلطة قبل تقرير آب 1980،ثم عدم التمييز بالطرح بين الشعار التكتيكي القابل للتنفيذ وفق موازين قوى تفرض نفسها على الارض،وبين كون الشعار للتعبئة الاستراتيجية كمهمة برنامجية تعبر عن الثورة الاجتماعية المنشودة،واحياناً أخرى التداخل مرة بشعار اسقاط الدكتاتورية البعثية،وشعار سلطة الطبقات السائدة، لبناء جبهة شعبية متحدة؟ص82..الراية الحمراء العدد 36 من شهر ايلول.

ستتم متابعة الحوار حول الشعار بعد الافراج الذي تم في 4 شباط 1980،وذلك في اجتماع موسع للهيئة المركزية التي ستضم القائمون والعائدون ممن ارتأى العودة للتنظيم، بقي الالتباس قائما حول الشعار،لكن صدر بيان سيكون بمثابة رد على اي استدعاء امني وهل ستفكرون بالحوار مع النظام؟..

كان البيان بعنوان الحرية للشعب اولاً..المطالبة برفع الاحكام العرفية واطلاق الحريات العامة للشعب، يبدو هنا ان كلمة الشعب غيرمحددة وفق منطوق الرابطة ، سيظهر لاحقا وبلغة اكثر وضوح: إنّ الحرية التي نطالب بها، هي حرية الطبقات الشعبية وقواها الثورية الوطنية،وليس حرية البرجوازية والرجعية السوداء..تقرير آب.

تقرير آب وتجميد شعار اسقاط السلطة

التقرير عبارة عن 24 صفحة،أقر التقرير بأغلبية الهيئة المركزية ،وكما يقول “المؤلف “،هو التقرير الوحيد الذي جرى توقيعه :التقرير المقدم بأغلبية الهيئة المركزية لرابطة العمل الشيوعي.للدلالة على رأي مغاير ضمن الهيئة نفسها قبل ان تتعرف عليه بعد المنظمة ككل.

حاول التقرير الاستفاضة بمسوغات وجوده-الظروف التي دفعته الى رفع شعار اسقاط السلطة بوصفه شعارا للتنفيذ المباشر:

إننا لم نأخذ في حينه ..إمكانات الرجعية المحلية التقليدية ،إمكانات تصعيد طرق ووسائل حلها لصراعها مع النظام.وكانت الحركة الوطنية السورية اقل تمزقاً وتشرذما ..الامر الذي كان يسمح لنا بالامل والعمل على ان نكون قطبا ثالثاً فعالاً..وتأكيداً على مركزية موضوع التسوية ،فلا نرى أنه يجب علينا أن نساهم في إسقاط هذه السلطة لحساب البرجوازية التقليدية التي ستذهب بالتأكيد الى التسوية من أقصر وأسرع الطرق اليها.

التقرير سيلخص الاسباب بجملة واحدة “الجذر الثوري والمد الرجعي في كامل المنطقة العربية”.لهذه الاسباب تم تجميد الشعار،استعيض عنه “النضال ضد الدكتاتورية والظفر بالحريات السياسية “كشعار تنفيذي مركزي.

يمكن هنا التوضيح اكثر أن الشعار الذي تبناه تقرير آب هو: دحر الحلف الرجعي الاسود،وشعار آخر يقابله دحر الدكتاتورية والظفر بالحريات السياسية.

أثار تقرير آب الكثير من اللغط في توقيته ومدى اهمية خروجه للعلن بهذا الشكل “الشفاف”،أقلها الاتهام ان الرابطة سوف تذهب بعيدا بانحيازها جهة النظام،لم تقتصر الاتهامات والانتقادات من اطراف صديقة /التجمع الشيوعي الثوري في لبنان/انما ايضا سوف تبدأ البلبلة داخل التنظيم خاصةً منظمتي دير الزور والسلمية،حيث رفضتا التقرير جملة وتفصيلاً واعلنتا “التمرد”(يذكر الكاتب بعض الاسماء من دير الزور والسلمية،احب ان أضيف هنا انه بمنظمة السلمية كان القطب الرئيس حسن زهرة/ابو عصام/ ومعه كما يذكر الكاتب علي صبر درويش/ابو الصبر /.

حاول “الكاتب “تقديم بعض الانتقادات وهي محقة، أن هذا التقرير بما معناه لم يجلب الا سوء الفهم والاعتبار داخل الرابطة نفسها،ثم علاقتها بالمحيط السياسي بما فيها السلطة،عداك عن قوى التجمع الوطني الديمقراطي الذي بدأ بالحضور، خاصةً وأن الممارسة السياسية للرابطة كانت تنزاح دائما صوب التحريض على السلطة،مع التذكير الدائم بخطورة الحلف الرجعي الاسود كحامل للمشروع التسووي،بسلطة سياسية فاشية الطابع بالعموم .

 ثورة شباط 1917 والتي اطاحت بالقيصرية، واتت بكرنسكي ممثلا عن “الديمقراطيين الثوريين”، فمن المعروف أن لينين قال كلمته الشهيرة: اننا سنقف مع كيرينسكي ضد الجنرال كورنيلوف/كورنيلوف قام بمحاولة انقلاب فاشلة بشهر آب 1917.

الانتقاد كان مبعثه القول الذي صدر في طيات التقرير،أن حافظ الاسد كمثل كيرينسكي،عصام العطار-كان حينها الرمز الفصيح لحركة الاخوان المسلمين-مثله مثل الجنرال كورنيلوف،لذلك سنقف مع الرئيس ممثلا عن البرجوازية البيروقراطية اللاوطنية الدكتاتورية والتي تقف الأن حجرة عثرة بمواجهة المشروع التسووي الامبريالي الرجعهي،بالوقت الذي يمثل /عصام العطار/ المشروع الآخر -الحلف الرجعي الاسود-بما يعني ذلك صعودا للبرجوازية التقليدية ذات الهوى التسووي وبنظام حكم فاشي سيعود بالبلاد الى القروسطية.

على الارض لم يتقدم “العطار”ولم يحصل كورنيلوف سوري،لذلك بقيت الرابطة ببياناتها السياسية وجريدتها المركزية الراية الحمراء مع مجلتها النظرية/الشيوعي/،بقيت هذه الآدبيات تقف على الضد من طرفي الصراع،بل كما يقول الانتقاد انها زادت من حدة التحريض على الطبيعة اللاوطنية والدكتاتورية للنظام مع التذكير ان النظام لديه سمات طائفية،وليس نظام طائفي طبعاً،يمكن الاستئناء الوحيد كانت جريدة “النداء الشعبي”خاصة بعددها الخامس كما يذكر الكتاب ذلك.

يا صديقي راتب ،ان حاولنا الآن قراءة تلك المرحلة وضمن سياقها وبعدة معرفية يفترض أن تختلف،سنجد أنّ هذا التقرير وتداعياته -على الرغم من جديته وخروجه للعلن ككشف جديد،غير مأولوفاً عليه حتى داخل الرابطة، عداك عن ممارسة سياسية تعتمد “التقية”الولاء والطاعة لدى شتى الطيف السياسي الموالي والمعارض- سنجد أنّ التقرير كان بمثابة إعادة التدوين-اذا افترضنا ان كراسات الخط الاستراتيجي هي مرحلة التدوين الاساسية-أقصد هنا الاستغراق والمغالاة في التحليل الطبقوي إمعانا من النص بالأمانة والاصالة للنص الاصل الماركسي-اللينيني،هذا الاستغراق بالمقول الايديولوجي بافتراض ان المجتمع السوري وكأنه يستبطن الحالة الرأسمالية ككنمط انتاج كما هو واقع الحال بالمجتمعات الراسمالية الاوربية،لن اتغافل هنا عن “التدوين واعادته” للرابطة بالقول هذه الراسمالية شكل ما من الراسمالية الكولونيالية بتسمية مهدي عامل المحببة،او الراسمالية المتخلفة التي عجزت برجوازيتها كبيرها وصغيرها عن انجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية بنمطها الانقى الاوربي،مع كل تلك الاشارات المتكررة لخصوصية الحالة السورية،نجد هذا التوزيع الطبقي خاصة بالذهاب بعيداً لشرائح البرجوازية “الكبيرة “بين برجوازية بيرواقيطية تشكلت تاريخيا مع صعود البرجوازية الصغيرة الى السلطة عام 1963،من خلال القطاع العام والذي تحول الى قطاع دولة كبقرة حلوب لهذه الشريحة،واخرى تقليدية هزمت تاريخيا وبعد الانفتاح الاقتصادي وتدفق اموال النفط بعد حرب تشرين 1973،بدأت هذه الشريحة تستعيد مواقعها،ممثلة بكبار التجار وبعض الكومبرادور “اصحاب الوكالات الاجنبية”،وعند اول حراك لحركة الاخوان المسلمين بين عامي 1979-1982،حاولت صعود الموجة كشكل ما من التمثيل البرنامجي لهذه الشريحة، وكمشروع استراتيجي لاستلام السلطة السياسية،بما تعني اعادة ترتيب للوضعية البرجوازية ولكن ليس بتمثيل سياسي مباشر،انما بالوساطة عبر التحالف مع حركة الاخوان المسلمين وامتداداتها الرجعية العربية والعالمية /الحلف الرجعي الاسود/.

هنا التشريح والقولبة الذهنية،او “سرير بروكست “الشهير والحبيب جداً باستعماله من قبل المفكر السوري الدكتور /طيب تيزيني/،هذا السرير أخذ ابعاده القصوى في سيرورة “التدوين واعادته “من قبل الرابطة/الحزب.

بمعنى آخر حتى تكتمل الصورة الذهنية المجردة للرؤى الماركسية وفق صيرورة الصراع الطبقي،ووفق مأثور يعتبر نفسه صحيح ومطلق بحقائقه /إنّ مبدأ ماركس صحيح لآنه كلي القدرة/،ويصبح قياس الغائب على الشاهد هو سيد الموقف؟!

ونعاود القراءة..

في الصفحة رقم 93 وضمن فقرة الرابطة والمكتب السياسي:علاقة مريضة.

..سعت الرابطة بعد تشكلها الى اقامة حوار مع المكتب السياسي..المرة الاولى عبر “آمنة غزاوي “قيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،حيث قامت بالاتصال مع “الدكتور سلطان ابازيد “عضو هيئة الرقابة في حزب المكتب السياسي،..ولكن عبثا ولا جدوى ..

اما المرة الثانية فكانت بمبادرة من “ذوقان قرقوط “خلال عام 1977،ووافقت الرابطة على المبادرة -سوف يظهر الكلام هنا على لسان فاتح جاموس عضو لجنة العمل آنذاك- : “في هذا السياق ناقشنا جدياً داخل قيادة الرابطة،كان ذلك حتماً قبل اعتقالات ايار 1978،التي لم تكن بحد ذاتها خطرة ومخيفة ومهددة لوجود الرابطة كما كانت اعتقالات آذار 1977،وهكذا لم يأتِ موضوع وفكرة انضمام الرابطة الى المكتب السياسي بدافع الخوف من التوقف النشاط السياسي والموت القسري،بل كان طرحاً يقوم على اساس مفهومي محدد..فراحت غاليبيتنا الى الحد الادنى من الاشتراط،والاكتفاء باستلامنا نشرة داخلية لنديرها كمجموعة خاصة في حوار داخلي على قضايا الخلاف…كنا على ثقة بأنّ قيادة المكتب السياسي ستحتقر كل تلك النوايا والتوجه..وهذا ما حصل “.

يعلق الكاتب أن هذا الاعتلال بالعلاقة بين الطرفين،قد اعتمدت وجهة نظر الحلقات والرابطة،بسبب غياب رواية مقابلة من المكتب السياسي، سوى وبتصرف من عندياتي بعض الشذرات والاتهامات التي كانت تصدر عن قيادة المكتب السياسي.

كنت آمل من الكاتب والمشهود بموضوعيته،أن يظهر بعضاً من قراءته الخاصة لطبيعة كلا التنظيمين، وأنه من الاستحالة بمكان أن يلتقيا حتى بمقهى ثقافي،طريقتين في الممارسة والقراءة النظرية والسياسية،تتشابهان فقط ببعض الكلمات/أنهما من الماركسية-اللينينية يلتزما/..

المكتب السياسي يعتبر نفسه الوريث الشرعي والثوري لحزبٍ تأسس بعام 1924،وهوحينما تمرد على “بكداش “ليعود بالحزب لثوريته التي انحرفت عن خطها الثوري المستقل،والتي هيمنت عليها قبل “الانشقاق،التمرد”القيادة الستالينية المستبدة /خالد بكداش واعوانه/،أي انه لايعير اي ادنى اهتمام لمجموعة من الشباب الجدد /الحلقاتالماركسية،الرابطة/،خاصة وأنها ليل نهار تحاولُ اعطاء الدروس،وتطالبه بموقف راديكالي من النظام ،والا فهو حزب اصلاحي متردد وعاجز،وينحو في الكثير من مواقفه صوب احياء “اليقظة العروبية”..

وحينما أعلن موقفه الجديد في مؤتمره الخامس بشهر كانون الاول 1978،متخلياً عن الرهان على النظام ومقولة التطور اللارأسمالي،خرج باستراتيجيات ذات طابع عمومي-من وجهة نظر الرابطة -مثل القول بالتغيير الجوهري او التغيير الوطني-الديمقراطي،تحديدا لطبيعة المرحلة بانها استكمال لمهام الثورة البرجوازية الديمقراطية،غاب عن هذه الاستراتيجيات ” التحليل الماركسي-اللينيني “،باتجاه أدوات تحليل تنهل من الماركسية لكنها تقترب أكثر من الخصوصية المحلية،مثل /الياس مرقص،ياسين الحافظ/،ثم المحاكاة هنا وهناك لظاهرة الشيوعية الاوربية.

ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال،كانت مع الموقف الضبابي للصراع الجاري بين النظام وحركة الاخوان المسلمين،خاصة مع /مجزرة المدفعية/التي كانت بمثابة ساعة الصفر للجناح الاكثر تشددا  /الطليعة المقاتلة/في حزيران 1979..

المكتب السياسي أعلن موقفه عبر رسالة داخلية خاصة بالاعضاء ووسطهم الصداقي،يعلن فيها أنّ من قام بالعمل،ابراهيم يوسف

ضابط امن المدرسة المدفعية/المكان الذي حصلت فيها المجزرة/،وهو ضابط بعثي-حسب تعبير الرسالة-هذا سيدلل بالنسبة للرابطة،تمييع الحدث والسكوت عن المجرم،وعدم ذكر الفاعل الحقيقي  “الطليعة المقاتلة”..

الحلقات/الرابطة أتت من ارضية مختلفة كلياً-يؤكد الكاتب ذلك مراراً وتكراراً-، لست بصدد اجترارها،وفي سياق تكونها قرابة منتصف عقد من الزمن،كانت تحمل في ممكنات وجودها طرح الاسئلة،مستلهمة بذلك المأثور الماركسي-اللينيني،بما يعني ذلك الماركسيات المتعددة من قراءات مختلفة/جورج لوكاش،غرامشي،مدرسة فرانكفورت انتهاءا بالبنيوية الماركسية خاصة التوسير ونيكوس بولنتزاس،وايضا “المغضوب عليهم والضالين  “/تروتسكي ثم أمميته الرابعة/..

يمكنني القول هنا ليس هناك من فيتو على القراءة،اللهم الا تلك التي تنهل من منظومة تفكير أخرى “الفلسفات المثالية وتوابعها”حسب التوصيف الماركسي-ليست تابو مباشر انما لم تكن محبذة ولا تليق بالكائن الذي يحلم بالحرية السياسية وان يكون فاعلاًاجتماعياً مستلهماً النموذج البلشفي-..

سيتراجع منسوب القراءة كما جرت وتجري العادة حين الانخراط بالمواحهة السياسية مع آليات الاعتقال،لصالح الروح الكفاحية العالية الشرط اللازم للعمل السري،والالتفات الدائم للسلف الصالح ماركس-لينين بكتبهما السياسية بشكل خاص/سنجد تكرار ذلك بالبرامج الثقافية الالزامية الداخلية..

هذا المناخ العام الذي نشأت واستمرت من خلاله التجربة /الحلقات،الرابطة،الحزب/عزز البعد الآحادي في التفكير خاصة بعد صمودها بحملات اعتقال متعددة،وطاقات شبابية متجددة تعاود الالتزام رغم كل المخاطر والقلق من الاعتقال والتشرد..

سيتجلى ذلك عبر الممارسة السياسية مع شتى الطيف السياسي الأخر،بلغةً نظرية سياسية سجالية بامتياز/لينينية الطابع بسجالها مع المختلف -أقصد هنا البعد الايقاني كتكثيف للاشعور ديني-سياسي “الفرقة الناجية “،هو الوحيد القابض على الجمر-وهو الوحيد المؤهل ان يسمى “الحزب الشيوعي الثوري”،سيتوضح ذلك بقوة بعد المؤتمر التأسيسي شهر آب 1981،واعلان الاسم الجديد/حزب العمل الشيوعي/..

لتلك وعوامل أخرى كان من الصعوبة بمكان أن “تتصافى “العلاقة،وهذا لايقلل من الاشارة الى مواقف المكتب السياسي ذات الطابع الاستبدادي-البيروقراطي،تارةً بالاتهامات الباطلة دون الحجة والدليل،واخرى صيغتها العامة الرشق بعبارات عرجاء عداك عن الانكار الدائم حتى لوجود الظاهرة..

يمكن هنا ايضاً المرور على شدة الخلاف والرؤى بين التشكيلين/المكتب،الرابطة/من خلال التذكير بوثيقة التجمع الوطني-الديمقراطي،ثم البيان اليتيم للتجمع الذي صدر بآذار 1980،لكنني سأتجاوز ذلك واعتمد “الكتاب”حيث قام بالتوضيح والتفاصيل ص111،ثم قدم رأياً مهماً : “في مناقشة الرابطة لطروحات المكتب السياسي،تلمس في الغالب تماسكاً نظرياً وحرصا على دقة المفهوم،..اي تلمس ثقافة كتبية بحماس ويقين يظهر في كثرة استخدام لغة اطلاقية شديدة الوثوق،مقابل نمط من التحليل الضبابي لدى المكتب السياسي..”.

المؤتمر الاول لرابطة العمل الشيوعي وولادة حزب العمل الشيوعي.

في التفاصيل الجزئية، في الصفحة 116 وردت أسماء اللجنة المركزية المنتخبة واعضاء الاحتياط، المنبثقة عن المؤتمر التأسيسي/آب 1981/،حصل بعض الالتباس عند ذكر الاسماء،طبعا كما يذكر الكاتب الاعضاء 15 أساسيين،6 احتياط:

اصلان عبد الكريم،فاتح جاموس،محمد المعمار”ابو خلدون”،عبدالعزيز الخير،أكرم البني،نزيه النحاس،وجيه غانم،كامل عباس،فراس يونس،باسل الحوراني،صفوان عكاش،عبدالله طعمة،نبيل ابراهيم،حسام علوش،نصار يحيى.

كان هناك خطأ لدى الكاتب بادراج عباس عباس “ابو حسين “بين اعضاء المركزية،وتسفيري الى اعضاءالاحتياط ههه،الحقيقة أنّ ” أبو حسين “لم يحالفه الحظ ولم يكن بين اعضاء المركزية الاساسية او الاحتياط.

الاعضاء الاحتياط هم :وائل السواح،أحمد رزق،ياسر مخلوف،جهاد عنابة،عصام دمشقي..

تم عدم ذكر عصام دمشقي،ونظراً لوجود حسام علوش بالسجن،حل محله وائل السواح،”الكتاب” يذكر احمد رزق.

أما الاهم من تلك التفاصيل،تصنيف “الكاتب “للتيارات التي كانت داخل المؤتمر،ووجيز القول باعتماده رواية الصديق /كامل عباس /،كان يمكن تمييز ثلاثة تيارات في المؤتمر:

الاول:تيار تروتسكي متماسك وموحد قدم نقداً لأطروحات الحزب جميعها من منظور الآممية الرابعة..حصد هذا التيار(15) مندوباً قاطعوا الانتخابات في نهاية المؤتمر ..

الثاني :تيار عقلاني اذا صحت التسمية مفكك وضعيف ..يزيد او ينقص تبعاً لهذه النقطة أو تلك،ينسجم مع تقرير آب ..ويطالب الحزب بأن يضبط ايقاعه السياسي على ايقاع الحركة الشيوعية العالمية..لايطرح التحالف مع السلطة ،انما السير معاً ضد الامبريالية الامريكية..

الثالث :تيار اليسار الجديد /الاصولية اللينينية ،والاسقاطات الميكانيكية التاريخية في المنظمة،والذي قدم برنامجاً سياسيا /استراتيجي وانتقالي/ مفعماً بالجمل الثورية، والاستشهادات اللينينية..

أعتقد أن رؤية الصديق /كامل عباس /خاصةُ ماسماه التيار الثاني والثالث، فيها بعض الالتباس، واقع الحال يقول ومن داخل أروقة المؤتمر، أنّ الصيغة العامة للمندوبين هي صيغة تميل للنصوص والاستشادات النصية اللينية بخاصة،ينطبق ذلك بما فيها التيار الاول” التروتسكي”،كان للاسف دائماً الاحتكام الى النص،على العكس مما هو متداول في ادبيات التنظيم/التحليل الملموس للواقع الملموس/..

أما وانّ هذه التقسيمات واضحة؟..لربما باتت متداولة بعد المؤتمر وخاصة في السجن..

نعم كان هناك بعض العقلانيين داخل المؤتمر،لكنّ صوتهم كان يذهب أدراج الاجماع الأخر،حيث ترى التكاتف والتضامن حتى بين “الاقلية “والبقية،أبسط مثال على ذلك،حينما قدم مشروع تغيير التسمية من الرابطة الى الحزب،وكان بالمناسبة مشروعاً شخصياً من قبل فاتح جاموس “مروان المؤتمر “،اعترض على هذا المشروع بضعة اصوات من هنا وهناك/من الاقلية او الاغلية/.

كذلك ينطبق هذا الوضع على المشروع الآخر،حول امكانية بعض العمليات ذات الطابع المسلح في الجولان او في الجنوب اللبناني-للصدفة ايضاً قدم بصفته مشروعا خاصاً /مروان المؤتمر/،تلك الاصوات العقلانية التي تم ذكرها فوق،اعترضت ولكنها لم تستطِعْ طي المشروع، انما تم التحايل من قبل الأخرين على أن يأخذ صيغة التوصية،والتأكيد أنّ ذلك يعني فقط الجنوب اللبناني من خلال بعض الحلفاء الفلسطينيين،وأيضا هنا تم التناغم بين “التروتسكيين” والاغلبية الاخرى..

حاولت أن ألفت الانتباه، نعم كان التيار الاول “التروتسكي”-وانا مع الكاتب حين يسميه بالتيار اليساري -متماسك بمعنى تدرج بذلك عبر الايام الستة،وكانت الكلمة المفتاح لدى الاكثر فاعلية ضمن التيار/منيف ملحم/،الموقف من السوفييت ،حيث الاعتراض على ان هناك داخل المشاريع السياسية،والممارسة التي سبقت المؤتمر،حالة غزل وتقرب من السوفييت غير مبررة،وان تكلمت الأن وبالنيابة عن التيار،انها عودة الابن الضال كي ينال الثقة والاعتراف من الآب..

وكانت ايضا نقاط اجتماع التيار اليساري “التروتسكي “،بعد تردد هنا وهناك لدى البعض بنقد البرنامج الانتقالي وصيغته/حكومة مؤقتة ذات توازن قلق /،الى الصيغة الاستراتيجية دون المرور بالمرحلة الانتقالية /الثورة الاشتراكية عبر الجبهة الشعبية بقيادة دكتاتورية البروليتاريا/،لاحظ هنا ان “النغم “لينيني أكثر منه تروتسكي،خاصة لينين وكتابه (موضوعات نيسان)،الذي كانت الرابطة تستنسخه خاصة بعدد نيسان من الراية الحمراء عام 1978،حينما بدون سابق انذار باتت طبيعة الثورة القادمة اشتراكية بقيادة البروليتاريا والتي يقع على عاتقها استكمال مهام الثورة الديمقراطية،التي عجزت البرحوازية بشتى “ابنائها “عن الانجاز..

تفصيل صغير حول ذكر اسماء(15)للتيار التروتسكي،تم اضافة اسم المرحوم/احسان عزو/مع الاقلية،احسان لم يكن مع الاقلية علماً انه بطبيعته “يسراوي “أكثر من غيره..ايضا تم عدم ذكر :علي الشهابي، أكثم نعيسة.هامش رقم 169 ص 117.

أما ماتمت تسميته /تيار ثاني وثالث /فهو في الحقيقة حكم قيمة ذا طابع اتهامي احيانا،واخرى توصيف لما هم هكذا تشكل الانطباع عندهم ،أقصد هنا أعضاء الأقلية /التيار اليساري /،حيث تم التصنيف على الشكل التالي:

الآول :التيار الثوري يقصدون أنفسهم”التيار التروتسكي-اليساري”،الاعضاء(15)،هم الوحيدون “الفرقة الناجية”، وعلى الأخرين اللحاق بهم خوفا عليهم من الغوص في الاصلاحية ثم الانتقال الى الانتهازية اليمينية.يسمون هنا /منيف ملحم /الابرز للتيار.

الثاني: التيار الوسطي، حسب اعتقادهم انه يمثل الاكثرية ضمن كتلة الاغلبية الاعضاء (40)،هذا التيار كان بمثابة بيضة القبان حسب زعمهم خوفا من الانجرار يميناً أو يساراً..طبعا يسمون هنا اصلان عبد الكريم، ممثلا لهذا التيار..

الثالث:التيار اليميني،يمثل ماتبقى ويريد جر الرابطة الى مواقف اكثر يمينية بما يعني ذلك التناغم مع المشروع السوفييتي بالمنطقة،دون أن يعني ذلك الدعوة الى حوار مع النظام، أو تصنيفه نظاماً وطنياً..يسمون هنا فاتح جاموس الاكثر حضورا لهذا التيار..

تعقيب:

كما أشرتُ قبل قليل، أن الاغلبية ال (40)،لم تكن بهذه الحدود والتفاصيل،كانت مجتمعة على تبني مشروعي البرنامجين الانتقالي والاستراتيجي،بما يعني ذلك حكومة انتقالية ذات طبيعة انتقالية ممثلة للعمال والفلاحين، دون الوضوح لمن تكن القيادة،هذه الوضعية التي ستؤسس للبرنامج الاستراتيجي /الثورة الاشتراكية/بقيادة البروليتاريا عبر شكل جبهوي /الجبهة الشعبية/..

وضمن نفس هذه الاغلبية من كان مع “الهلوانية “لبعض الاعمال المسلحة، وتلك التي انتظرت وتنتظر ان تكون حزبا بديلا حيث يتطابق الشكل والمحتوى حسب لغة عصر الماركسيات،تتلهف للتسمية”حزب “ذا طنين وصوت اكثر ضجيجا للسامعين؟!

 وعلى مرأى من هذه الفقرة،لابد من الاشارة أنه لم يتجرأ أحد وطالب بتغيير التوصيف لطبيعة النظام،بما أنه نظام لاوطني-دكتاتوري سيذهب عاجلاً أم آجلاًً للتسوية المطروحة،واقصى ما وصلت اليه بعض الاراء-وهذا سوف نجده في الراية الحمراء- أنّ هناك بعض المواقف للنظام السوري بحكم عوامل خارج ارادته وطبيعته،هذه المواقف تخدم المسالة الوطنية موضوعياً../من البدهيات بادبيات الرابطة/الحزب،التمييز بين الوطنية واللاوطنية ثم الخيانة الوطنية، على ارضية المسألة الوطنية والتسوية مع العدو الصهيوني../.

بعض النهفات : يروي الصديق راتب بكتابه،في الصفحة 116 ، عن انسحاب “التيار التروتسكي “من الترشح والانتخاب للمركزية،أنّ اصلان عبد الكريم ،قال ان المركزية التي انبثقت عن المؤتمر خسرت بعدم مشاركة الآقلية..نعم حصل ذلك وأنا شاهد على ذلك، بينما كنا نحضر أنفسنا كأعضاء جدد للجنة المركزية بعد ان غادر الجميع،لحضور اجتماع كي ننتخب المكتب السياسي وبعض اللجان الاخرى /اللجنة التنظيمية المركزية/،توجه الي بالقول (اصلان ) بصوت متهدج وكأنه في قاعة التلاميذ-يمكن لآنه والاخرين يعتبرونه الاب الروحي للتجربة-:هذه مركزية يا “وليم ” اسمي الحركي،ليست منطقية ، يقصد هنا أنني لازمت اللجنة المنطقية لدمشق على مدى ثلاث السنوات الماضية،هززتُ رأسي بابتسامة ساخرة :”الله بيعين “.

(اصلان ) كان متأثراً جدا بانسحاب البعض من الاقلية ولا اعتقد انه كان حزينا على (منيف ملحم)هههه.

تصحيح صغير:

وردت عبارة وفي الصحة رقم 123،ونقلاً عن البرنامج السياسي الصادر عن المؤتمر التأسيسي :ولآن الاوضاع تغيرت الان تماما عما كانت عليه في العصر الذي كتب فيه لينين ” ما العمل “1905، ..نقول في هذه الحال اذا تمكنت البروليتاريا من خلال حلف طبقي من الاستيلاء على السلطة،فإن الثورة هي ثورة اشتراكية..

أعتقد ان هناك خطأ بالاصل في البرنامج من ناحية كتاب لينين ” ما العمل “انه كتب عام 1905،من المعروف ان الكتاب صدر عام 1902،وكانت افكار الكتاب الاساسية المسالة التنظيمية الحزبية ،ثم ضرورة وجود المحترفين الثوريين،.. ثانيا وهذا الاهم أنّ لينين قد ناقش هذه الفكرة-طبيعة الثورة القائمة والتي حددها آنذاك بما هي ثورة برجوازية ديمقراطية-قد طرحها في كتابه الآخر الذي صدر عام 1905 “خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية”..

وفي سياق فقرة الاختبار الاول بعد المؤتمر التأسيسي ص 129-130:

سوف اقف هنا عما حصل بذاك الاستفتاء الشهير،الصادر عن المركزية الى الحزب،/لن أكرر ما أورده “الكتاب “حول الاعتقال الذي جرى وانكشاف المؤتمر للجهات الامنية /شعبة المخابرات العسكرية/،لكنني سأعرج بعض الشيء عن ظروف ملابسات “الاستفتاء “ولماذا اضطرت اللجنة المركزية الاستعانة بالحزب ككل،/ موضوع الرسالة الامنية التي حملها نزيه النحاس وفحواها،اما الحوار واما الاعتقال/..

يورد الكتاب هنا : ” ..تجنب المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب اتخاذ القرار بهذا الشأن، وفضلا العودة الى القاعدة الحزبية عبر صيغة استفتاء داخلي ..بين مناورتين تنظيمية وأخرى سياسية..

واقع الحال أنّ اللجنة المركزية اجتمعت كما “حالة الطوارئ “بمن حضر وكان العدد (12) من اصل (15)، وكان المكان “سيران كما التقليد الشامي بعين الخضرة او الفيجة “،وذلك لخصوصية هذا الامر العاجل الذي وضعتْ به اللجنة المركزية.

نعم جرى نقاش مطول وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق الجديد،حيث طرحت صيغة “المناورة “بشقيها التنظيمي والسياسي،وبعد طول انتظار جرى التصويت، كانت الاصوات متعادلة /6،6 /،مما اضطر الحضور لقبول اقتراح الاستفتاء على الحزب ككل، وان يتم توضيح المسوغات لكلتا “المناورتين “، /كان بين الحضور نزيه نحاس الوحيد الذي طالب بقبول المبادرة الامنية، على ارضية تقول انّ الامن سوف يشن حملة اعتقالات واسعة،وان البيت الداخلي للحزب الآن لايتحمل العواقب،لم يجد لرأيه آذان صاغية مع ذلك صوت لصالح “المناورة السياسية”،لكن بعد اقل من اسبوع قال:لكم طريقكم ولي طريقي،ثم غادر الحزب..

تعقيبا لما بعد هذا “الشواش ” :

عاد الحزب لسابق عهده بشدة النشاط التحريضي، “بغزارة الانتاج للبيانات السياسية ،وتكثيف التحريض على طرفي الصراع ،النظام والحلف الرجعي الاسود،/ بما يترجم ذلك بحالة استرخاء تجاه الاعتقالات على تنظير يقول :ان معركة النظام هي مع الاخوان المسلمين باعتبارها معركة “كسر العظم “،والنظام لن يقوم باية حملة واسعة الان؟!

بداهة يعني ذلك انه لامناورة تنظيمية ولا مناورة سياسية، / في 28 كانون الثاني 1982،جرى اجتماع للجنة المركزية بكافة اعضائها (15)،وجرى تقييم وتقويم للاشهر الماضية التي تلت “اعلان الطوارئ “اقصد ذاك الاستفتاء،وكانت اكثرية المركزية (12) من الاعضاء:علينا ان نخرج من الخوف وان نتوسع بالنشاط الشعبي والسياسي،لا اعتقالات سوف تحصل ،مادامت المعركة مستمرة ،كان ذلك قبل ” مجازر حماه الشهيرة “ب أربعة ايام او يزيد،وقبل ان تنتهي  المعارك والقصف بحماه، بدأت الاعتقالات في مدينتي اللاذقية و دير الزور -مع ذلك المكتب السياسي للحزب حيث دمشق-يعاند ويقول انها ليست حملة؟!الى ان كان مساء اليوم الاخير من شباط وصباح الواحد من آذار-حيث الربيع ينثر مفرداته على المدينة- كنا نساق الى فرع التحقيق العسكري/حيث بلغ العدد(36 بينهم 14 عضو مؤتمر 7 اعضاء لجنة مركزية،ورأس القائمة فاتح جاموس عضو المكتب السياسي،ثم المطبعة/.”حديث ذو شجون يا صديقي راتب “.

في الكتاب الكثير من المحطات المهة بتاريخ الحزب خاصة بعد عام 1983-1992 تارخ آخر الحضور للحزب ،واهمها الحزب وتمرد يسار فتح ص143،الذي حاول ” الكتاب ” بيان مكامن الضعف والتهور وراء هكذا قراءات لواقع الساحة الفلسطينية خاصة ،ثم الرهان على انشقاق /ابو موسى وخالد العملة/ الذي سيتبين لاحقاً انها مواقف لم تأخذ بعين الاعتبار هوية وماهية الانشقاق خاصة بارتباطه بالنظامين السوري والليبي ،مع انه يشير الكتاب انه كان لدى الحزب تخوف من العلاقة مع النظام السوري بخاصة،على اعتبار ان ” الليبي ” وطني وممكن تفهم التحالف معه؟!

نجد النص : ” في افتتاحية العدد(82) من الراية الحمراء،تمرد يسار فتح خطوة صائبة على الطريق الطويل، ..هذا التمرد فرصة تاريخية لوضع حد للقيادة الفلسطينية اللاوطنية..”

ثم نقرأ :رفع الحزب على صفحات الراية الحمراء،شعارات :فلنناضل من أجل الاطاحة بالقيادة اللاوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية(القيادة الخائنة)..

قراءتي الخاصة -علما انني كنت بالسجن ،وهذا يقلل من المامي بكل الحيثيات والتفاصيل-بأن ما حصل هو ترجمة ما لتلك التوصية “سيئة الذكر”التي جرى تدوالها في المؤتمر بامكانية القيام ببعض الاعمال الوطنية ذات الطابع المسلح،ومن جهة اخرى هذه الترسيمة الايديولوجية الصرفة ذات الافق المغلق لقراءة الحركات السياسية التي تخلو برامجها وقيادتها من التمثل المباشر او رديفه من البروليتاريا او”الماركسية اللينينية”،فلا غرابة وبجرة قلم يقال عن فتح ياسر عرفات ،انها  كانت تمثل البرجوازية الصغيرة لكنها تتحول الان للاندماج مع البرجوازية الكبيرة الفلسطينية،وهي في وضعها الراهن باتت في الخانة اللاوطنية ،مثلها مثل اي نظام عربي آخر انتقل لمواقع البرجوازية البيروقراطية ببنية لاوطنية،التي تهادن المشروع التسووي ثم الانخراط الكلي، والطبيعي أن يكون الرهان على /ابو موسى،خالد العملة،الياس شوفاني/هؤلاء الذين يرفعون راية الماركسية-اللينينية عالياً؟!

سوف يترتب على هذا الموقف من الحزب تجاه “التمرد “الكثير من الضحايا بين قتيل وجريح وعطب نفسي للبعض،عداك عن تداعيات الموقف لاحقا بعد أن تبين وكما يقال الخيط الأبيض من الخيط الأسود..

في الفقرة المعنونة :التمرد والبحث عن هوية وانتماء ص 168-169:

” يمكن تلمس خيط غير سياسي في تجربة الرابطة والحزب،خيط تمرد اجتماعي يشكل قاسماً مشتركاً للشباب الباحثين عن معنى غير تقليدي لحياتهم..وبشكل ما ترجمة للشعار الذي كتبه الطلاب في باريس على جدران جامعاتهم ايار 1968: ” اركض يا رفيق، العالم القديم وراءك “.

هذه الرؤية للصديق / راتب /تلامس الكثير من الحقيقة، واعتقد انها من العناصر الرئيسة التي دفعت الكثير من الشباب والصبايا، للانخراط واختيار الحزب بعينه رغم الخطورة المدمرة للشخص وعائلته حين الانتساب ،إنها تنتمي والبحث عن معنى وجود للذات خارج مألوف القيم والممارسة الجمعية،تحاول تزويد حياتها بمخيال ما عن “الحرية “لربما تحققت مثلا لدى بعض التجارب المماثلة ،هكذا كانت التصورات والتمثلات اللاشعورية السياسية، عن “يوتيوبيا “الحلم بمستقبل ما لكل البشرية حيث لا استلاب ولا ظلم ولا اغتراب /كما تصور ذلك ماركس بحتمية الانتصار، الانسان اللاعب الحر والسعيد “،انه  الحنين للزمن المفقود ولربما الفردوس الذي سوف يأتي..

الكتاب غني واستوفى المراحل التاريخية للحلقات/الرابطة/الحزب 1976-1992،حاولت القراءة والتوقف عند بعض المحطات المهمة من هذا التأريخ،لكنني لم أفِ كل الكتاب تفاصيله،الكتاب مع الملحق باسماء معتقلي التجربة /من اللحظات الاولى حتى آخر الاعتقال عام 1993/،وصل لغاية 133 صفحة..

تجاوزت الكثير من النقاط-لايعني ذلك التقليل من أهميتها-وعند العتبة قبل الاخيرة من الكتاب،أقف قليلاً..

التركيبة الاجتماعية للحزب ص 185:

أقرأ في الصفحة 187 من هذه الفقرة:

“..إنّ نسبة الأقليات المذهبية والدينية كانت لها النسبة الغالبة/حوالي الثلثين/ في صفوف الحزب،يمكن رد انخفاض نسبة الناشطين السنة الى حقيقة أنّ الاحزاب الاسلامية بتنوعاتها، تمتص نسبة الشباب السنة الذين لديهم استعداد للعمل السياسي المعارض..في حين لاتجد أصحاب الميول السياسية من أبناء الأقليات الدينية سوى الاحزاب العلمانية للنشاط..”

محق في قراءتك صديقي راتب، إنها إشكالية عامة قد تجدها هنا وهناك بين شتى صفوف اليسار العربي قديمه وجديده،ما خلا بعض الاحزاب الشيوعية العربية في فترة الخمسينات من القرن الماضي،قد اخترقت ذاك الجدار خاصة بين حواضر المدن الرئيسة كدمشق وحلب في سوريا مثلاً،..

ويمكن اختزال الاشكالية كما ارتأى العض،نتيجة للتعالي بين اليساريين وجموع اهل ” الدين “خاصة وانّ “السنة” تشكل الاغلبية الساحقة ،او نتيجة للمارسة التاريخية للاحزاب الشيوعية العربية-عادة يستثنى هنا الحزبين الشيوعيين العراقي والسوداني-تجاه المعتقدات الدينية بإشهارها للالحاد على مرأى من الجمهور المتدين..

أعتقد أن تلك الأراء تجانب الحقيقة،لكن بظاهر للأشياء وليس ببواطنها،لريثما نقرأ ووفق الرؤى المعاصرة للانظمة الاستبدادية الشمولية كما النظام السوري،أنها عملت على تأسيس -كذلك الانظمة الاخرى وخاصة منظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها “الرفاق السوفييت”-منظومة الغاء واقصاء لكل المجتمع بما فيه معتقداته الدينية،هذا ما جعل من السهولة بمكان النفور العام والخوف من هكذا نماذج يمكن ان تتحقق ،حتى لو كان دعاتها واصحابها قديسيين/خاصة الحاضنة الاجتماعية العامة/..

يبدو لي أنّ الجماعات البشرية،حينما تختار أحزابها السياسية وبكامل ارادتها،تحتاج لمناخ هادئ وديمقراطي،وليس بظروف عمل سرية،تنتمي لوعي سياسي ما عندما تتحرر من الخوف بشقيه الديني والسياسي،عندما تصبح دور العبادة محض حرية شخصية..

والختام عود ولربما أحمدُ..:

سأذكر هنا مثالاً بسيطاً عن رجل الدين الدمشقي “محمد عوض “ودرسه الاسبوعي على ما أذكر /الثلاثاء من كل اسبوع/وذلك قبل اشتداد المعارك بين السلطة والاخوان المسلمين-بين عامي1978-1979- كان يقدم درسه في جامع “زيد بن ثابت في دمشق”،أول ماكان يلفت انتباهنا هذا الحشد “الشعبي “من دمشق وريفها خاصة دوما وحرستا،وتجد الحضور يمتد الى المدخل الخارجي،لدرجة تضطر شرطة المرور كحجّاب لتنظيم السير أمام هذه “الخطبة العصماء”،/ لاشك ان الاجهزة الامنية كانت تراقب،لكنها حينها لم تكنْ لتعاقب/..

نحن الواقفون على خط العمل السري ونختار الشارع للقاءات التنظيمية،كنا نتساءل ،كيف لهذا الرجل وحيداً” لكنه لايشرب القهوة ههه”، يحشد المئات ان لم نقل الآلاف بساعة صخب واجترار واحاديث صفتها الرئيسة “العنعنة”..؟!

كنا ننحت من صخر كما “الفرزدق “،وشيخنا “الجليل “يغرف من بحر انه ” جرير “عصره.

هل كان بمقدورنا قرع الأجراس؟؟

https://docs.google.com/document/d/1nSqrC2PUqDBYhqUqIEWAa6ZgPpqa1JyXlBb19K59OfA/edit

—————————————————

حزب العمل الشيوعي في سورية.. نكسة حزيران وتعقيد الواقع/ عمار ديوب

نكسة حزيران/ يونيو، “كهزيمة بحجم أمة بحالها”، سبب مركزي لولادة الحلقات الماركسية في سورية. والكاتب السوري الصديق راتب شعبو لا يكتفي ذلك، في كتابه الجديد “قصة حزب العمل الشيوعي السوري .. 1976 – 1992 فصل من تاريخ اليسار في سوريا”، (دار المرايا للإنتاج الثقافي، القاهرة، 2019)، بل يرى أيضا أن تلك الحلقات جاءت متزامنة مع بروز يسار عالمي جديد، وانتصارات متعدّدة لليسار في أكثر من بلد. على الرغم من ذلك، يستغرب كيف ليسارٍ جديد أن ينهض، ويخوض الصراع مع نظام بلده، الذي يَدَّعِي بدوره الانتماء لليسار، وهناك حزب شيوعي سوري قديم؛ أي كيف ليسارٍ أن ينهض، وهو محاط بكل هذا الفشل المحلي “السوري اليساري”. لا ينتبه راتب إلى أن واقع سورية حينها، وربما الواقع العربي، لا يعطي خياراتٍ تاريخية إلّا ضمن حقل اليسار المقترن بالماركسية، أي أن الطبقة البرجوازية التقليدية لم تعد نموذجاً في حقل النهوض الاقتصادي ولا السياسي ولا الوطني، وبالتأكيد لا مكان لها في الحقل المعرفي. وبالتالي، تصبح الخيارات اليسارية محتومة بالضرورة، للناشطين والفاعلين والمثقفين الأميز. ولهذا، وعلى الرغم من النكسة، تكاثرت هذه الفعاليات اليسارية، في أوائل السبعينات.

الشعب السوري في جعبة السلطة

لم تنتبه تلك الفعاليات، والتي يغلب عليها العنصر المثقف، إلى أن الشعب أو أغلبية الطبقات المفقرة أصبحت في جعبة النظام حينها، وتمَّ ذلك عبر الإصلاح الزراعي والتأميم والتعليم العام والصحة العامة وسواه كثير، وكذلك بأحلام العيش الرغيد، أي عبر الحاجات والقيم التي كانت محرومة منها! وبالتالي قُطِعَ الطريق على إمكانية تشكل حركاتٍ سياسيّة جماهيريّة، وكذلك أمام البرجوازية التقليدية. يضاف إلى ذلك أن الجنرال حافظ الأسد، وقد استلم الحكم بانقلاب عسكري، سمّاه الحركة التصحيحية 1970، اخترع جبهة وطنية تقدّمية، وأدخل فيها أقوى الحركات السياسية اليسارية حينها، أي حاول تدجينها في إطار سلطته وعبر الامتيازات، والتلويح بسيف الأجهزة الأمنية. وبالتالي، أصبح النضال حينها يتطلب رؤية عميقة لقضايا الواقع، وللطبقات، ولطبيعة السلطة، وبالتأكيد للواقع الإقليمي والعالمي، وأيّ فضاءات ممكنة.

الحلقات الماركسية التي كتب عنها راتب شعبو كتاباً ممتازاً، وأرّخَ لها ولتاريخ سورية في تلك الفترة، يوضح، في كتابه، طبيعتها، وكيفية تشكلها، وانتقالها من حلقات مبعثرة إلى حلقات مترابطة بالتدريج، ووصولاً إلى الاجتماع الثالث الموسع لها، وإطلاق اسم جديد، يجمع بينها وضمن إطار تنظيمي واحد، أي رابطة العمل الشيوعي، وظهرت في عام 1976. جاءت الحلقات هذه من حركات اشتراكية أو قومية أو شيوعية، وكلها مخفقة في معركتها مع إسرائيل ومع النظام السوري. وبالتالي، هي ذاتها لا تملك بديلاً عما كانته. انتقلت، كما يشير راتب، إلى الحقل الماركسي، ولكن الأخير لم يعطها أبعاداً جديدة، أو أفقاً جديداً، ولا سيما أنّها لم تتجاوز عبر القضايا التي طرحتها، وجُمعت لاحقاً بكراسات وطبعت عبر منشورات الرابطة، الدوران في الحقل المعرفي والسياسي للحقل الماركسي واليساري بعامة. المقصد من هذه النقطة أنها لم تحسم بشكل العمل التنظيمي، ولا بأهم القضايا السياسية والفكرية، المتوافقة مع الواقع المعقد، ولم تأت بجديدٍ نوعيٍّ، وبما يحدث تغييراً في الواقع. غلبة الاستشهادات بالماركسية في منشورات الرابطة توضح نصوصيتها وربما أصوليتها، أو سلفيتها، كما يشير الكاتب. هذا ليس مثلبة تُرمَى على الرابطة، بل هو للتوضيح، ويدعم إخفاقها ذاك، أن انشقاقات الحزب الشيوعي حينها، وأيديولوجية السلطة ذاتها، أيضاً لم تقدّم جديداً لا بالحقل القومي ولا اليساري، وبالتأكيد ليس بالحقل الديمقراطي أو المعرفي. وبالتالي، وجدت الرابطة نفسها في وضعٍ تاريخيٍّ معقد، وخاضت نضالاتها من خلاله، ولكنها لم تفهم بعمقٍ شديدٍ الإمكانات المتاحة لها حينها، أي أن الجانب الدعوي والنظري الذي كانت تلحُّ عليه، وأنه صفتها الأساسية إلى مرحلة تشكل الرابطة، ورافقها، حينما تحولت إلى حزب سياسي في 1981، لم يسعفها في تحديد الممكنات، والتموقع حصراً في الجانبين، الدعوي والتنويري.

الفكرة الأخيرة، طرحتها شخصية قيادية في الرابطة، والحلقات من قبل، أحمد جمول، كما يشير راتب. ما طرحه جمول، العمل مجدّداً في إطار الثقافة والتنوير والنقد وتأصيل الماركسية، ربما هو أدق رؤية للواقع وللممارسة فيه، أي في أثناء صعود الأسد الأب. لا ينطلق هذا التفسير من زاوية شمولية النظام حينها، وعدم القدرة على مجابهته، أو بسبب صراعه مع التيارات الإسلامية في الثمانينيات، بل من طبيعة التطور التاريخي حينها، حيث أغلبية الشعب في عباءة النظام كما ذكرت. وبالتالي، ردّ الاعتبار للعرب، والتخلص من آثار نكسة حزيران، لا يكون عبر حركاتٍ سياسيٍّة صلبةٍ وجذرية، وهو ما كانته رابطة العمل الشيوعي، ولاحقاً الحزب، بل يتمّ الأمر عبر عملٍ دعوي وثقافي، وبعيداً عن الارتباط بمؤسسات السلطة الثقافية. لم تستطع الأوساط الثقافية الناقدة حينها، وعلى أهميتها، تغطية هذه الفكرة، فكانت تتحرّك ضمن المتاح السلطوي، ومن دون أيِّ صراعٍ حقيقيٍّ معه. هذه الفرضية لا تقلّل من شأن المصائر المأساوية لأفراد الرابطة والحزب، ولا تقلّل من كفاحيتها العالية، ولا من أهمية (وخطورة) المسؤولية التي وضعتها أمامها، في التصدي للنظام وفضحه، ولكنها تنتقد الرؤية التي سارت عليها القوى الراديكالية تلك.

السخرية من السياسة الإراديّة

في أكثر من موضع في كتابه، ينتقد راتب شعبو ويسخر بمرارةٍ من تعظيم الإرادة في العمل السياسي، أي يشير إلى ضعف تبصر الحلقات والرابطة والحزب للواقع وموضوعيته، وممكناته. هناك شعور كبير بالهزيمة في استنتاجات كهذه، وهي حق للمؤلف، حيث خضع هو وتنظيمه إلى كوارث حقيقيّة “اعتقالاً وسجناً، ولعشرات السنين، وبزهوة الشباب، وتعاساتٍ للأهالي”، ولكن راتب، وبدلاً من أن يولي الواقع “الموضوعي” أهمية في تحليله، يقدم بديلاً سياسيّاً، وأن ما تجاهلته الرابطة، برأيه، كان هو الأقرب إلى الصواب، أي العمل السياسي ضمن الحقل الديمقراطي “ثورة ديمقراطية”، وليس ثورة اشتراكية أو مهمات تتعلق بالماركسية. ويتجاهل راتب الفكرة التي بينتها من قبل، أي غياب برجوازية تقليدية وطنية، تنهض بمشروعٍ تاريخيٍّ، وبالتالي من سينتصر لتلك الديمقراطية المشتهاة لدى صديقنا؟ أيضاَ في ثنايا الكتاب، وحينما يحلّل طبيعة الصراع في الثمانينيات، وأنّه دار بين البرجوازية البيروقراطية (النظام) والبرجوازية التقليدية (الإخوان المسلمين)، أقصد كأحد الممثلين لها، وقسم منها دعم الإخوان، يتجاهل غياب البعد الديمقراطي في برنامج تلك التقليدية؟

إذاً، هناك تعقيد كبير في الواقع السوري حينها، وكرّاسات الرابطة الإحدى عشر “ملامح الصراع الطبقي العالمي، المسألة الأممية والحركة الشيوعية العالمية، مسألة أشكال النضال والانتقال إلى الاشتراكية، الوحدة العربية ومسألة الأقليات، الثورة العربية والحزب الشيوعي العربي، المسألة الفلسطينية، البرجوازية الصغيرة والسلطة السورية، الطبقة العاملة السورية، الحركة الشيوعية المحلية، الجبهة والتحالفات، جدل بناء الحزب الشيوعي في الساحة السورية”، هذه الكراسات لم يطلع عليها معظم السوريين، بسبب عدم توفرها طبعاً، ولكنها لم تقدم جديداً نوعياً يشرح ذلك التعقيد الذي لم يُدرس جيداً، وكذا طبيعة السلطة المستبدة، والمناخ الأيديولوجي لحركات المعارضة، وقد منعت هذه العوامل كلها الوصول إلى رؤية خصائص الواقع المركب وممكناته. وبالتالي، حرقت الصراعات السياسية بين النظام والمعارضة وجود إمكانية مختلفة عمّا حصل! وتكرّر الأمر في الثمانينيات، وما بعد عام 2000، وما بعد 2011 أيضا، أي لم تفتح السلطات أيّ نوافذ للحوار أو الحريات، وأيضاً لم تتمترس المعارضة في ضرورة فتح تلك النوافذ، ومنها من التحق بالخارج، كما فعل النظام ذاته عبر التبعية لإيران أو روسيا؛ أن يقول آخرون قولاً مختلفاً، وينطلق من أن الصراع كان يجب أن يتحدّد سياسياً ووطنياً، وألّا يُسمح بأقلمته أو تدويله، فهذا لم يكن مسموعاً أو عاماً أو مؤثراً، وربما ليس ممكناً.

عدا عن عدم تقييم الواقع الموضوعي جيداً، والذي كانت تشكله السلطة في السبعينيات، فهناك إشكالية الوعي “المتأخر والمتخلف”، وهي قضيةٌ حاولت أقلام سورية التصدّي لها، ولكن لم يتم التوسع بها، ولم تفض المحاولات إلى نظرياتٍ معرفيةٍ جادّة في حقل الفكر والوعي، وكيفية الانتقال به إلى فضاء آخر، أي إلى حقل حقوق الإنسان ومفهوم المواطنة والعصر الحديث، وحتى العلم بشكليه، الوضعي والإنساني، لم يتحقق في واقعنا. وبالتأكيد لا وجود للنظريات الفلسفية بصيغتها العقلانية الحداثية؛ أقوى القراءات حينها ذهبت إلى التراث، متوهمة أنها تبحث عن أجوبة لأزمات الواقع المعاصر!

المسألة الوطنية لا تنتج أحزاباً ماركسية

يكرّر راتب شعبو أن الحلقات الماركسية كانت نتاج المسألة الوطنية وليس القضية الاجتماعية، وهذا صحيح، فقد كان المجتمع لدى النظام عملياً، للأسباب أعلاه. إذاً، ليس هناك من إمكانية للتوسع الجماهيري، وهي حالة كل القوى السياسية اليسارية حينها، وليس الأمر خاصاً بالرابطة وحزب العمل الشيوعي. والسؤال: ما دامت القضية محصورة بالوطنية، والخوف من التسوية على حساب فلسطين والأراضي المحتلة، فكيف ستستطيع الرابطة أن تكون ممثلة بالفعل للطبقات الكادحة التي كانت تدّعي تمثيلها. طبعاً كانت تحاول استقطاب كوادر في الأحزاب الشيوعية، وتستغل أي مشكلات كبيرة تواجه السلطة لتقوية نفوذها، ولكنها، كما بقية القوى خارج الجبهة، جوبهت بكل أشكال القمع والاعتقال والتضييق. أيضاً رفضتها كل القوى اليسارية حينها، وقد اعترض الأمين العام للجزب الشيوعي السوري، المكتب السياسي، رياض الترك، على أيّ صلاتٍ سياسيّة معها، ورفض مقترحاً لحل الرابطة والدخول في حزبه، وبالتالي لم يكن أمام الرابطة إلّا السير منفردة، وقد اتخذت هذا المسار بعدما فقدت الثقة بإمكانية أن تكون قطباً أو تساهم في تشكيل الحزب الشيوعي الثوري، وتخوض نضالاً جماهيرياً ضد السلطة. ودفعتها هذه الأجواء إلى تشكيل حزب العمل الشيوعي في العام 1981.

ما الصحيح تاريخياً؟ هل هي سياسات السلطة، وقد استدعت الخارج لحمايتها بعد 2011، أم الحزب الشيوعي الرسمي الذي انقسم شيعاً، وكان تأثيره هامشياً وتابعاً للروس، أم من صارع النظام دونكيشوتياً، أم من حيّد نفسه عن الصراع، ولاذ بالثقافة أو الادب أو الصمت؟ غلبتُ أعلاه، خيار العمل عبر الجانب الدعوي الثقافي في السبعينيات، إلى أن تتغيّر الشروط الواقعية، وتبتعد الطبقات المفقرة عن السلطة، فيصبح للناشطين والمثقفين دور تاريخي، ولكن ليس كذلك يسير التاريخ، بل يسير عبر ممكناته الواقعية، والتي تشكلها السلطة الحاكمة بأغلبيتها. وبالتالي لعبت السلطة الشمولية، ولا سيما عبر الجهة الوطنية القديمة وكل مؤسساتها السياسية والأيديولوجية دوراً تقييدياً لحركة المجتمع، وضبطته، ونبذت كل من يخرج عن تقييداتها تلك، وهذا بالضبط ما منع تطوّر أيّ ممكنات سياسية خارج المحدّد مسبقاً، وبالتالي عُزِلت الفئات المُعارضة عن الشعب، وهو ما ساعد في التخلص منها بسهولة عبر الاعتقال والسجون والقتل.

طرح راتب شعبو قضية تتعلق بكيف يمكن لفئاتٍ سياسيّة غير عمالية أو كادحة أن تدّعي الدفاع عن قضايا الطبقات العمالية والفلاحية، وأن ذلك لن يكون حقيقياً، حيث لا بد للأصول الطبقية لتلك الفئات، أي الأصول البرجوازية، من أن تتغلب على رؤيتها المدّعاة، وتقودها إلى تلاقٍ مع موقعها الطبقي. رابطة العمل الشيوعي وبعدها الحزب والحزب الشيوعي بانقساماته، فعلاً تعاني من هذه القضية، فأغلبية أفراد هذه القوى تنتمي إلى الطبقات البرجوازية، وتحديداً الصغيرة، بينما هي تدّعي تمثيل الطبقات المفقرة، وبالتالي ستفشل بالضرورة. الحقيقة أن ذلك الفشل لا يتعلق بالتركيب الطبقي لهذه الأحزاب فقط، بل أيضا بانعدام أيّ شروطٍ موضوعية “سياسية”، وبغياب أيّ شكلٍ للحريات، وهذا يعني أن كل الفئات المعارضة ستفشل بالضرورة، وهو ما كان. القصد أن تلك القوى، وعلى الرغم من فشلها، لم تختبر رؤاها بشكلٍ حقيقيٍّ … نضيف إلى ذلك كله، هناك الأساس الطبقي للفشل، حيث سيطر النظام، عبر سياساته الاقتصادية والاجتماعية، على أكثرية الطبقات الكادحة، وهذا لعب دوراً ليس في عزل القوى السياسية اليسارية فقط، بل وحتى القوى الإسلامية، حيث وعلى الرغم من قوة الصراع السياسي والعسكري في الثمانينيات، وتوفر دعم خارجي، لم تستطع جذب الأغلبية إليها، وحتى فئاتٍ كثيرة من البرجوازية التقليدية، والتي لا تحوز على أيّ أدوارٍ سياسيّة، لم تلتحق بالإخوان المسلمين، ولا الأخيرين فهموا ما فعلته السلطات الجديدة في مطلع السبعينيات، الانفتاح على البرجوازية التجارية، وما تبقى منها في البلاد، إثر حركة 8 آذار/ مارس 1963.

إذاً، شكل غياب رؤية الواقع في سورية بشكل موضوعي إشكالية كبرى، وهي قضية فشلَ النظام ذاته في رؤيتها في 2011، حيث خرجت أغلبية المجتمع ضدّه، وكان الحلّ باستقدام الدول لمواجهة المجتمع، ورهن البلاد لصالح تلك الدول. على ضفة المعارضة، لم تستطع تشكيل مؤسسات فاعلة ومقتدرة، ففشلت على الرغم من توفر كل الفرص لإسقاط النظام. القصد هنا أن معالجة تاريخ ممكنات أيّ حركة سياسيّة أو دراسة هذه الممكنات يتطلبان دراية دقيقة، وشغلاً نظرياً واسعاً. وبالتالي، التأريخ والدراسة والبحث الفردي، وعلى الرغم من أهميته، لا يقدم معرفة دقيقة وإلماماً جيداً بالمسائل المناقشة، واستخراج قانونيتها أو أسباب سير التاريخ بهذا المنحى، وليس بسواه.

بطريركية العقلية البكداشية

لا يمكن للتحليل أن يتطرّق لمشكلة اليسار في سورية، إلّا بإبداء ملاحظات بشأن وضع القوى الشيوعية في سورية. لقد أوضح المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري في 1969 الحالة المأساوية التي كان الحزب عليها، فهو يعاني أزمات مركبة، عصفت فيه لاحقاً انشقاقات متتالية، التحاقاً بالنظام، وحتى تيار المكتب السياسي كان هامشياً، وكذلك بقية التيارات؛ أسوأ ما عانته الحلقات والرابطة وحزب العمل لاحقاً، رفض الاعتراف بها من الوسط الشيوعي ذاك، وهذا ما دفعها، ربما، إلى مواقف راديكالية وصلبة، وكانت نتيجتها، وعلى الرغم من أن ممارساتها كانت سلمية بامتياز، اعتقال الأغلبية الساحقة من كوادرها. الحياة في المعتقل والسجون كارثية بكل المقاييس، وهي حالة المعتقلين السياسيين، ولا سيما الإسلاميين منهم. أما لماذا لم يستطع الحزب الشيوعي السوري تجاوز أزمته في 1969، فالأمر متعلقٌ بطبيعة القيادة البكداشية، الأبوية، البطريركية، والتي كانت ذيليةً وذليلة للسوفييت، وطبعاً موثوقة منهم، ويضاف إلى ذلك التحاقه بالنظام مع الحركة التصحيحية، وهناك الهشاشة النظرية والسياسية التي كان يمتاز بها الأمين العام، وأكثر من ستة عقود، خالد بكداش.

العوامل المانعة لأي حوارات داخل الحزب الشيوعي حتمت الانشقاقات، وانعكس هذا على الحلقات الماركسية التي بدأت تتشكل بعد الهزيمة في 1967 سلباً، وما تطوّرت إليه تنظيمياً، حيث تمَّ تجاهلها بشكل كامل، وكأنّها لم تكن موجودة، ولم يجتثها النظام بشكل كامل.

تميّزت الحلقات وما أفضت إليه برفضٍ حاسم للممارسات البيروقراطية والفردية، ولم تنتخب مطلقاً أميناً عاماً لها، وكانت قيادتها دائماً جماعية، وللأقلية كل حقوق الأغلبية، مع حق الأغلبية برسم السياسات والمواقف العامة والرسمية، وغلب على مراحل هذا التنظيم، الإنتاج النظري وإصدار صحف ومجلات عديدة، ومنها ما هو عام، ومنها ما هو داخلي. أي أنها عاشت أجواءً ديمقراطية فعليّة. وأتاحت ديمقراطيتها هذه لها التغيير المستمر في مواقفها، وفي المسألة التنظيمية، وإنْ شهدت رسوخاً نظرياً متماسكاً.

ودفعت أجواء اليسار هذه كلا منها إلى أن يتخذ اتجاهاً مختلفاً تقريباً. الحزب الشيوعي بكل انشقاقاته ظلَّ يستفيد من مكرمات النظام، ويُستثنى منه الحزب الشيوعي، المكتب السياسي، ومنذ 1976، وقبل ذلك كان ممثلاً في الجبهة والبرلمان! المكتب السياسي انخرط مع قوى “ديمقراطية” وشكلوا تجمعاً سياسيّاً، سموه التجمع الوطني الديمقراطي، 1979، بينما أجبر حزب العمل على التغريد وحيداً، واجتهد لتكون له شعبية من خارج أطر القوى السياسية، وعلى الرغم من نجاحه في الوسطين، الكردي والفلسطيني، بتشكيل لجانٍ شعبيّة، فقد أخفق في الوسط السوري. حتى ذلك الوسط، إضافة إلى “الوسط الاجتماعي” الحزبي، تراجع بسبب الحملات الأمنية المتلاحقة، والتي أَجهزت عليه في 1993، حيث اعتقل كل أفراده.

ملاحظة أخيرة في توضيح حالة اليسار الراهنة: الوجود الهش لكل قوى اليسار السوري منعه من أن يشكل أيّ حالةٍ سياسيّةٍ متطورة بين عامي 2000 و2011، وكذلك في إطار الثورة، وبالتالي كان وجوده هامشياً بامتياز، ومُلحقاً بالقوى السياسيّة الأخرى، وهي حالة النسخ الجديدة من حزب العمل “الجديد” والمكتب السياسي. الأخير أصبح، بعد انشقاق فيه، حزب الشعب الديمقراطي السوري، وهناك مجموعات يسارية صغيرة، وحتى الانشقاقات التي فرضتها الثورة على الأحزاب الشيوعية لم تشكل حالة نوعيّة؛ أقسام الحزب “البكادشة والفياصلة والقدادرة”، ظلّت تدور بفلك السلطة وتنال الامتيازات.

العربي الجديد

———————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى