الناس

أسباب الطلاق في ريف إدلب…زواج مبكر وبطالة وضرب و”خيانة” على وسائل التواصل/ أحمد السليم (اسم مستعار)

لماذا بات الطلاق ظاهرة ملحوظة بين السوريين، سواء في الداخل أو الخارج؟ هل الأمر يعود إلى الحرب ونتائجها؟ أم أن هناك أسباب أعمق من ذلك؟ هذا التحقيق من ريف إدلب يسلط الضوء على هذه الظاهرة وأبعادها.

(ريف إدلب)، ينتهي عبد الله الكامل (40 عام) للتو من جلسة للحكم بين زوجين من أجل محاولة الإصلاح بينهما أو الانفصال بشكل كامل بعد شهر كامل من المنازعات بين الطرفين، انتهت بانفصال الطرفين عن بعضهما، رغم كل الجهود المبذولة.

عبد الله، وهو حامل شهادة في الشريعة الإسلامية من قبل جامعة الأزهر في مصر ويعمل منذ 15 عشر عاماً في الإصلاح بين الأزواج وحل القضايا العالقة أو الطلاق بينهما في حال تعثر التوافق بينهم، يحضر دائما الجلسات في منطقة ريف إدلب الجنوبي، التي يعيش فيها، وذلك تحت رغبة جميع الأطراف المتخاصمين.

وعند أحد جلسات الطلاق التي حضرها الكامل يقول لموقع حكاية ما انحكت وقد تواصلنا معه بشكل شخصي: “قمنا باستدعاء الزوج والزوجة وقمت بالجلوس مع كل طرف منهما على انفراد والاستماع للشكوى من كل طرف منهم، حيث كان السبب المؤدي إلى الطلاق هو تدخل أهل الزوج في حياة الزوجين، حيث أن الزوجة تحتاج إلى مسكن وبسبب حالة الزوج المادية لم يستطيع بناء منزل، حيث أن أم الزوج تقوم بتقييد حريتها بشكل كبير مما أدى إلى تفاقم المشكلة التي انتهت بالطلاق”.

وأضاف “في أحد الجلسات الأخرى تقدم أب الزوجة بدعوى طلاق وبعد جمع الطرفين كان السبب الذي أدى إلى الانفصال هو عدم قدرة الزوج على الانفاق والمسؤولية، حيث يخرج من الصباح ويعود في المساء دون الاعتراف على مصروف المنزل وغير قادر على جلب حاجيات الزوجة، وهو بنفس الوقت عاطل عن العمل حيث تم الطلاق بتوافق الطرفين”.

لا علاقة لهذه الحالة بزواج القاصرات، هذه حالة تتعلق بالطلاق بشكل عام ويرجى التركيز على حالات متعلقة فقط بزواج القاصرات.

الزواج المبكّر

انتشرت في الفترة الأخيرة حالات زواج القاصرات في محافظة ادلب والشمال السوري بشكل عام، حيث بات أغلب المتزوجين يرتبطون بفتيات تتراوح أعمارهن بين 12 إلى 15 عاما وسط رضى عائلاتهم بسبب حالات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وانخفاض وجود الشبان، خشية على فتياتهم من عدم وجود شبان يتقدمون للزواج مستقبلاً في حال رفضهم.

وبسبب هذا الأمر لوحظ بشكل كبير حالات الطلاق بين هذه الفئات وخصوصا الفتيات اللواتي يتزوجن شبانا تتراوح أعمارهم بين 16-20 عاما بسبب عدم وعيهم لثقافة الزواج وغلاء المعيشة، وعدم قدرتهم على تحمل أعباء المنزل بحسب الباحثين في الشؤون الاجتماعية وعلماء الدين الذين يقومون بالبت وحل المشاكل بين الزوجين.

سمر الياسر (اسم مستعار)، فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، قام أهلها بتزوجيها لشاب يبلغ من العمر 18 عاماً بعد ترك مدرستها في الصف السابع، حيث تمت خطبتها لمدة 6 شهور، ومن ثم تزوجت لمدة 7 شهور وبعدها انفصلت عن زوجها بعد طردها لمنزل والدها لأكثر من 5 مرات، وذلك بسبب عصبيته والضرب المبرح الذي تعرّضت له خلال فترة الزواج.

تقول سمر لموقع حكاية ما انحكت، وقد تواصلنا معها عن طريق الهاتف: ” بعد مرور 15 يوماً من الزواج بدأ يتكشف لي وجهه الأخر، حيث بدأ يدقق على جميع التصرفات التي أقوم بها، في حين يقوم بتكسير أثاث المنزل عند الغضب، بالإضافة إلى أن معاملته أثناء الخطوبة كانت مختلفة تماماً، ووعوده أنه سيجعلني أسعد امرأة، حيث كانت تلك الوعود مختلفة تماماً بعد الزواج”.

(تقول سمر لحكاية ما انحكت: “بعد مرور شهرين على الزواج بدأ يضربني عند أي مشكلة تحصل حتى لو كانت صغيرة، بالإضافة إلى أنه يقوم بطردي إلى منزل والدي بحجة عدم إطاعة أوامره)

وأضافت: “بعد مرور شهرين على الزواج بدأ يضربني عند أي مشكلة تحصل حتى لو كانت صغيرة، بالإضافة إلى أنه يقوم بطردي إلى منزل والدي بحجة عدم إطاعة أوامره، إضافة إلى أنه لا يعاملني بلطف إلا أثناء المعاشرة ليلاً وبعد الانتهاء يعود لتعامله العصبي، حيث أن هذه التصرفات أجبرتني على الطلاق لأني لم أعد أستطيع العيش معه”.

يتجه الكثير من الناس إلى الزواج المُبكّر رغبةً في الاستقرار، وإقامة بيت مُستقلّ، ولكنّهم يجهلون عواقب هذا الزواج، والمشاكل الناتجة عنه، ومنها ما يأتي تحمّل المسؤولية في سن صغيرة جداً، فإن المسؤوليّة تكون كبيرةً عند تكوين الأسرة، وتتضاعف عند إنجاب الأطفال، خاصّةً عند عدم وجود شخص بالغ لتقديم النصح والتوجيه وتخطّي مرحلة مهمّة من مراحل الحياة، وهي مرحلة المُراهقة التي تبدأ فيها الشخصيّات بالتشكّل، واستكشاف الحياة التأثير السلبي للحمل على صحّة الفتاة في سن مُبكّرة.

جهل وبطالة

وتعد احتماليّة انهيار الزواج بسبب الجهل، وعدم القدرة على التكيُف وصعوبة إكمال التعليم نتيجة زيادة المسؤوليّات بالإضافة إلى عدم الحصول على فرص عمل جيّدة، وذلك بسبب مُستويات التعليم المُنخفضة للمُقبلين على الزواج المُبكّر كذلك مواجهة صعوبة في تربية الأطفال، وذلك لنقص الإلمام الكافي بأساليب التربية.

ياسمين علي (اسم مستعار) تبلغ من العمر 17 عاماً تزوجت قبل عامين من أحد الشبان الذي يبلغ من العمر 22 عاماً وهي من ريف إدلب الشمالي حيث لم تدم علاقتهما سوى عام وشهر، بعد أن قام برمي يمين الطلاق عليها لمرتين وانتهت العلاقة بشكل كامل بعد جلسة في المحكمة في مدينة إدلب وذلك بسبب خلافات بسيطة بنظر الزوجة.

تقول ياسمين لموقع حكاية ما انحكت وقد تواصلنا معها عن طريق الهاتف: “بعد زواجنا بثلاثة أشهر أصبح يتعمد منعي من الذهاب إلى منزل أهلي، وذلك تحت ضغط من أمه التي تطلب منه التعامل معي بقسوة، بسبب عدم العمل معها في منزل أهله رغم أني كنت أعمل كل صباح بشكل مجهد، بالإضافة إلى قيامه بسب والداي أثناء المشاكل بيننا وهذا الأمر كان يضايقني بشكل كبير، وقمت بشكوته إلى والدي، ولكن كان يطلب مني التريث من أجل الحفاظ على علاقتنا الزوجية”.

وأضافت: “من الأسباب التي أدت إلى الطلاق هي أنه يعمل في مواد البناء يوماً في الإسبوع ويعطل باقي الأيام بسبب عدم وجود عمل، وكذلك لا يقوم بالبحث عن فرص عمل أخرى تسد احتياجات المنزل، لذلك كان والده يصرف علينا وتقوم والدة زوجي بالطلب منا بتقليل المصروف، رغم أني كنت لا أطلب سوى الأشياء الضرورية”.

“خيانة” على وسائل التواصل

محمد سامر (اسم مستعار)، مهندس مدني يبلغ من العمر 29 عاماً قام بالزواج من إحدى قريباته، وهي طالبة جامعية من مدينة إدلب، بعد فترة قصيرة جدا من زواجهم، اكتشف خيانة زوجته.

التقينا محمد سامر بشكل شخصي، يقول لموقع حكاية ما انحكت: “بعد زواجنا ب 5 أيام كانت تطلب مني الذهاب إلى الجامعة رغم رفضي لهذا الأمر من أجل الاستمتاع بشهر العسل. ولكن مع كثرة الطلب وافقت على الذهاب ل 4 أيام أسبوعياً وبقاء 3 أيام في المنزل، ولكن بعد عودتها من الجامعة كانت لا تهتم بي، وتمنعني من إقامة العلاقة الجنسية التي يطلبها كل رجل، وخصوصاً في بداية الزواج”.

وأضاف: “شككت بالأمر، لذلك قمت بالتجسس على هاتفها ومحادثتها عن طريق الواتس، لأكتشفت كلاماً غزلياً مع الرجل التي تقيم معه علاقة بعد الانتهاء من دوامها، إضافة إلى عبارات جنسية، فقمت بعد ذلك بضربها ضرباً مبرحاً، بالإضافة إلى إطلاع أهلها على التصرفات التي قامت بها، ومن ثم قمت بطلاقها على الفور، وامتنعت عن إعطائها أي حقوق بسبب الخيانة التي قامت بها”.

ضغط المخيمات!

خالد العمر (اسم مستعار) لشاب يبلغ من العمر21 عاماً نزح مع أهله وزوجته قبل أربعة أشهر إلى المخيمات الحدودية بعد تهجيرهم نتيجة القصف. وبعد نزوحهم ب 20 يوماً قام بالانفصال مع زوجته، بسبب عدم تحملها لضغط المعيشة والعيش في خيمة واحدة مع أهله وحالة الفقر التي تعاني منها العائلة.

(يقول خالد العمر/ اسم مستعار/ لحكاية ما انحكت: “قبل نزوحنا من المنطقة كنت مستأجراً لمنزل أنا وزوجتي وأطفالي الاثنين، وكانت علاقتنا لا تخلو من المشاكل الطفيفة، في حين أنه بعد نزوحنا من البلدة باتجاه المخيم، أصبحت المشاكل تتجدد بشكل يومي حتى انتهت بالانفصال بعد ما يقارب 3 أسابيع على النزوح”. الصورة من مخيم موريا في اليونان. خاص حكاية ما انحكت)

وقد التقينا مع خالد العمر بشكل شخصي ويقول لموقع حكاية ما انحكت: “قبل نزوحنا من المنطقة كنت مستأجراً لمنزل أنا وزوجتي وأطفالي الاثنين، وكانت علاقتنا لا تخلو من المشاكل الطفيفة، في حين أنه بعد نزوحنا من البلدة باتجاه المخيم، أصبحت المشاكل تتجدد بشكل يومي حتى انتهت بالانفصال بعد ما يقارب 3 أسابيع على النزوح”.

وأضاف: “السبب الرئيسي للطلاق هو استمرار الخلاف بين زوجتي ووالدتي وقيام الزوجة بتوجيه كلام سيء لوالدتي عن حالتنا الفقيرة وعدم قدرتها على تحمل المعيشة، وأحياناً تقوم بالذهاب إلى منزل والدها ولا تعود كل يومين رغم منعي لها من ذلك، وبعد ردها على الأشياء التي أطلبها منها قررت الطلاق منها بعد استنفاذ كل الحلول لهذا الأمر”.

هل يصلح الوجهاء ما أفسده الخلاف!

يحاول الوجهاء والمصلحون في المجتمع ورجال الدين بالتوفيق بين الطرفين من خلال الاستماع لمشاكلهم ومحاولة إزالة العقبات بين الطرفين، من أجل عودة الحياة الزوجية إلى مسارها، وذلك خوفاً من تدمير الأسرة وضياع الأطفال ولكن حين يكون الطريق مسدوداً بين الطرفين يتم البدأ بإجراءات الطلاق مع محاولة إنهاء الأمر بشكل ودي.

محمد الشاكر، وهو من مدينة حماة ويعيش في ريف إدلب ويحمل ماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق (38 عام) وحاصل على إجازة في القراءات الإسلامية، ويعمل خطيباً لإحدى المساجد في ريف إدلب، وضمن اللجان الصلحية التي تحل مشاكل الطلاق والميراث والخلافات الشخصية.

ويحاول الشاكر وضع بعض الحلول من أجل تجنب حالات الطلاق، وقد التقينا معه بشكل شخصي ويقول لموقع حكاية ما انحكت: “للتغلب على مشكلة الطلاق لا بد من تربية الأولاد منذ الصغر على تحمل المسؤولية وإعداد بعض مراكز الإصلاح التي تعطي النصائح وإرشادهم إلى الأسباب التي تؤدي إلى الانفصال بين الزوجين، ومحاولة تجنبها بالإضافة إلى أنه على الأهل اتخاذ موقف إيجابي من المشاكل بين الزوجين ومحاولة التوفيق بينهما”.

فيصل المحمد وهو من منطقة معرة النعمان (59عام) يحمل شهادة في الهندسة الكهربائية وكان يعمل في دولة الكويت حيث كان يحضر جلسات للصلح بين الأزواج أثناء عمله، وبعد عودته قبل 14 عاماً إلى إدلب بدأ بالاشتراك في جلسات للصلح والتوفيق بين الأزواج.

يطرح المحمد بعض المشاكل و الحلول الوقائية لمخاصمات الزوجين بعد خبرته الطويلة في هذا الأمر وقد التقينا فيه بشكل شخصي ويقول لموقع حكاية ما انحكت: “الجهل بكيفيّة التعامل بين الأزواج، غالباً ما يُفضي إلى العديد من المشكلات، أبرزها عدم فهم متطلبات الزوجة أو الزوج، والإصرار على التمسك بالرأي مقابل إذعان الطرف الآخر، واعتبار الحياة الزوجيّة مجالاً مفتوحاً للشروط؛ كأن تشترط الزوجة على زوجها زيادة مصروفها الشهري، فيوافق الزوج مقابل فرضه شرطاً جديداً على الزوجة؛ كأن توافق على قطع علاقتها بإحدى الصديقات أو الأقارب مقابل زيادة نفقتها، وهذا ما لا يقبله الدين ولا المنطق؛ فالحياة الزوجية قائمة على أساس الود والتفاهم وليس الشرط والتفاوض”.

وأضاف: “كثيراً من الشباب لا يكترثون لمعايير اختيار الزوج أو الزوجة، فتلهيهم المظاهر الشكليّة أحياناً، كالمظهر الجميل للشخص، أو غنى أهل الزوج أو الزوجة، ولا يراعون بذلك الشكل الذي سترسى عليه حياتهم في المُستقبل، لذا يجب معرفة كيفيّة الاختيار السليم للشريك المناسب، والتأني والتفكير المكثف والمنطقي من أجل ذلك ويجب على الأزواج الفهم بأنّ الطرف الآخر ليس مُلكاً له ويحق فرض السيطرة عليه بكلّ تفاصيل حياته الشخصيّة، حيثُ يبالغ بعض الأزواج بحصر زوجاتهم بحدود التحدث مع الآخرين، والتعامل مع الناس عموماً أو العكس”.

أي دور للمجتمع المدني والطب النفسي؟

تحاول منظمات المجتمع المدني ومراكز الدعم النفسي والاجتماعي إقامة ندوات توعوية وفعاليات متواصلة في عدد من مراكز الدعم النفسي في إدلب للتحذير من خطورة ظاهرة الطلاق المنتشرة بين الأزواج في الشمال السوري، محاولة توعية الزوجين عن مخاطر الأمر على مستقبل العائلة والأطفال.

نائلة الشيخ (26عاماً) من قرية البشيرية بريف إدلب الغربي، تحمل شهادة في علم الاجتماع وتعلم في مركز الدعم النفسي وهي إحدى المحاضرات في الندوات التوعوية التي يقيمها المركز للحد من انتشار ظاهرة الطلاق من خلال دعوة النساء إلى المركز بشكل دوري وإعطائهن النصائح المطلوبة.

تقول لحكاية ما انحكت التي التقتها بشكل شخصي: “بعد انتشار ظاهرة الطلاق بشكل كبير كان لزاماً علينا التحرك في حث المجتمع على محاربة هذه الظاهرة من خلال توجيه دعوات للنساء في مراكز مختلفة للدعم النفسي وإقامة ندوات عن طريقة التعامل مع الزوج، وحث الأمهات على تربية أولادهم على معالجة مشاكلهم دون التفكير بالانفصال فيما بينهم وجعل هذا الامر في أخر الحلول الممكنة”.

وأضافت: “قمنا بطباعة بروشورات توعية وتوزيعها على النساء الذي يحضرن إلى المراكز، بالإضافة إلى قيامنا بجولات على المخيمات تحذر من ظاهرة الطلاق وخطورتها على العائلة وحياة الأطفال المستقبلية، ووضع بعض النصائح للطرفين والتي تمكنهم من الحد من المشاكل والتفكير بالانفصال عن بعضهما البعض”.

ويذكر بأن الشمال السوري شهد في الأونة الأخيرة زواج العشرات من الشبان ما دون 20 عاماً من فتيات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً، وذلك لعدة أسباب منها عدم استطاعتهم إكمال دراستهم بسبب ظروف الحرب، وكذلك محاولة الأهل تزويج فتياتهم من أجل الحد من المصروف الذي يثقل كاهل الأهالي.

حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى