منوعات

حكومات العالم تعلن التعبئة..لإحتواء مخاطر الأسلحة الذكية/ سامي خليفة

تمكن الذكاء الاصطناعي من اختراق كل مناحي الحياة اليومية، وبات أساسياً لدعم تحليل البيانات العسكرية المتدفقة، واتخاذ القرارات الفورية في سلسلة القيادة والسيطرة، ومعالجة البيانات وقوة الحوسبة والخوارزمية. وهذا ما أدخل تهديداً جديداً لا يقل خطورة عن التهديدات النووية، ما يفرض اللجوء إلى معاهدةٍ شبيهة بمعاهدتيّ الحد من انتشار الأسلحة النووية والأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية.

سباق عالمي

أصبح تطوير أسلحة بتقنيات الذكاء الاصطناعي مضماراً جديداً تتسابق فيه القوى العسكرية المؤثرة في العالم. ويرافق ذلك الكثير من القلق والجدل والضجيج حول أسلحة بيولوجية مستقبلية فتّاكة، وروبوتات مقاتلة مرعبة، وطائرات مسيّرة تتخذ قرارات مستقلة خاطئة.

وهكذا، فإن استخدام الأسلحة المستقلة استقلالاً ذاتياً تاماً من دون تحكم بشري معقول قد يفتح فجوة في مجال المحاسبة، إذا كانت هذه الأسلحة مصممة لتتخذ قراراتها بنفسها. وهنا، يناشد عددٌ كبيرٌ من العلماء والخبراء العسكريون ضرورة التنبه لمسألة المخاطر التي قد يحملها إنتاج الأسلحة الذكية من دون ضوابط.

اجتماعات حكومية هي الأولى من نوعها

ونظراً لخطورة تفلت الأسلحة المستقلة على الأمن العالمي، اجتمعت مجموعة الخبراء الحكوميين التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنسيق نشر أسلحة تقليدية معينة، في أواخر شهر أيلول المنصرم، لمناقشة الأسلحة الفتاكة والمستقلة. وتُعد الاجتماعات نصف السنوية، أول جهد من نوعه، تلجأ إليه الحكومات العالمية للسيطرة على الأسلحة المستقلة.

لم يتوانَ الخبراء في الاجتماع عن تكرار وتفصيل المخاطر الجسيمة التي تشكلها الأسلحة المستقلة، على البشرية. وقد عبّروا أيضاً عن قلقهم من أنه حتى أفضل ذكاء اصطناعي ليس مناسباً تماماً للتمييز بين المزارعين والجنود، كون تدريبه يقتصر على البيانات المختبرية، التي تعد بديلاً ضعيفاً لساحات القتال الحقيقية.

بدوره، غرّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على موقع تويتر، تزامناً مع الاجتماع، قائلاً “الأسلحة المستقلة التي تتمتع بالسلطة التقديرية لاختيار الأهداف من دون تدخل بشري وتزهق أرواح الناس، غير مقبولةٍ سياسياً وبغيضة أخلاقياً ويجب حظرها بموجب القانون الدولي”. 

مقاطعة روسية

تختلف الدول في بعض الجوانب الحاسمة حول كيفية تأطير ومعالجة مجموعة من الأبعاد القانونية المتعلقة بالأسلحة المستقلة. ولذلك كان الانقسام واضحاً مرة أخرى، وتجلى بمقاطعة روسيا للاجتماعات التي عُقدت عبر الإنترنت، في مقر الأمم المتحدة في جنيف بين 21 و25 أيلول المنصرم. 

من الناحية النظرية، يفترض الخبراء أن روسيا ستعود عن قرار مقاطعتها للاجتماعات، إذ أن غيابها قد يؤخر عمل فريق الخبراء الحكوميين، ويعطي مؤشراً بأنها ستنسحب تماماً من فريق الخبراء. وإذا ما انسحبت روسيا، سيكون من الصعب على بقية المشاركين المضي قدماً في جهودهم، لأن دولاً أخرى، ليس أقلها تلك التي لديها قدرات تكنولوجية متقدمة، قد لا ترغب في الالتزام بشيء لا تشارك فيه روسيا بالحدود الدنيا.

مقاتلات يقودها الذكاء الاصطناعي

دعت منظمات مثل حملة “وقف الروبوتات القاتلة”، واللجنة الدولية للحد من أسلحة الروبوت، ومنظمة “هيومان رايتس ووتش”، إلى فرض حظرٍ شامل على جميع الأسلحة المستقلة. لكن على أرض الواقع، من غير المرجح أن ينجح هذا الحظر. فالإمكانات العسكرية للأسلحة المستقلة كبيرة جداً ولا يمكن الاستغناء عنها ببساطة. خصوصاً إذا علمنا أن بإمكانها أن تحرس السفن من هجمات القوارب الصغيرة، وتبحث عن الإرهابيين، وتدمر الدفاعات الجوية للعدو.

قبل بضعة أسابيع وحسب، هزم أحد برامج الذكاء الاصطناعي طياراً متمرساً يقود مقاتلة من طراز “إف-16” في معارك جوية، وفاز في جميع الجولات الخمس للقتال الافتراضي. وفي السنوات المقبلة، ستمكن هذه الاختبارات الجيش الأميركي من تطوير طائرات حربية ومقاتلات يقودها الذكاء الاصطناعي تماماً، تنتفي فيها الحاجة إلى وجود الطيارين من البشر.

وهنا، بديهي القول أن أي قوة عسكرية لن تكون جادة في التخلي عن مثل هذه القدرات. لذلك، وبدلاً من فرض حظر واسع على جميع الأسلحة المستقلة، يناشد خبراء عالميون اليوم، المجتمع الدولي تحديد وتركيز القيود على الأسلحة الأكثر خطورة: أسراب الطائرات من دون طيار، والأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية المستقلة.

أسراب المسيّرات الذكية

في عام 2018، دخلت شركة “إيهانغ إيغرت” للطائرات من دون طيار الصينية موسوعة غينيس للأرقام القياسية لعدد الطائرات من دون طيار التي يتم إطلاقها في وقت واحد بعدما أطلقت 1374 طائرة لمدة 13 دقيقة وفي نطاق مساحة تمتد لكيلومتر مربع. مسجلةً رقماً جديداً بفارق 156 طائرة عن شركة “إنتل” الأميركية للتكنولوجيا التي سبق وأطلقت 1218 طائرة بلا طيار في وقت واحد، خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية في شباط من العام نفسه.

شكّل هذا الحدث المرتبط بالذكاء الاصطناعي عامل قلقٍ عند العاملين في مجال التكنولوجيا، فسرب مكّون من ألف طائرة من دون طيار، يمكن أن يحمل باعتقادهم، ألف نقطة من الخطأ المحتمل. وبما أن الطائرات من دون طيار الموجودة في سرب حقيقي تتواصل مع بعضها البعض، فقد تنتشر الأخطاء في جميع أنحاء السرب. وعلى سبيل المثال، قد تخطئ إحدى الطائرات من دون طيار في تعريف سفينة الرحلات على أنها حاملة طائرات، ثم تطلق العنان للقوة الكاملة للسرب وتتسبب بمصرع آلاف من المدنيين.

وفي السياق، يمكن القول أن أسراب الطائرات من دون طيار تشكل تهديداً أكبر للجيوش القوية، لأنها رخيصة ويمكن أن تنطلق واحدة تلو الأخرى ضد منصات باهظة الثمن حتى تسقطها. وهذا تحديداً ما حدث عام 2018، عندما أعلنت جماعة تُطلق على نفسها اسم “حركة أحرار العلويين”، مسؤوليتها عن إطلاق 13 طائرة من دون طيار مصنوعةً إلى حدٍ كبير من محركات جزازات العشب، هاجمت قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا. ليقر المسؤولون الروس لاحقاً بأن هذه الطائرات حلقت بشكلٍ مستقل وتمت برمجتها مسبقاً لإلقاء قنابل على القاعدة، مدّعين عدم وقوع أي أضرار تُذكر.

وعليه، لا يمكن لأي مراقبٍ خارجي أن يتحكم بشكل معقول في سربٍ من آلاف الطائرات من دون طيار. فالتعقيدات كبيرة، تبدأ بمراقبة المئات من مقاطع الفيديو أو الأشعة تحت الحمراء، ولا تنتهي بالتخطيط لأعمال السرب وتحديد من سيقتل. ناهيك أن مثل هذا السرب الهائل، قد يكون سلاح دمار شامل في حد ذاته، ويمكن أن يحمل أسلحة دمار شامل تقليدية. وحدث سابقاً أن أفادت تقارير عن اهتمام خلايا تنظيم داعش في العراق وسوريا، باستخدام طائرات من دون طيار لتنفيذ هجمات إشعاعية وربما كيميائية.

مخاطر الحرب النووية

عندما تتخذ الروبوتات قرارات بشأن الأسلحة النووية، فإن مصير البشرية يصبح على المحك. في ذروة الحرب الباردة عام 1983، خلص نظام الإنذار المبكر السوفياتي إلى أن الولايات المتحدة أطلقت خمسة صواريخ نووية على الاتحاد السوفياتي. وأبدى الكمبيوتر أعلى درجة من الثقة في الاستنتاج. والرد المحتمل كاد أن يكون: انتقاماً نووياً فورياً لتدمير المدن الأميركية وقتل ملايين المدنيين الأميركيين. لحسن الحظ، استنتج ستانيسلاف بيتروف، الضابط السوفايتي المسؤول عن نظام الإنذار، أن الكمبيوتر كان مخطئاً، ما حال حينذاك دون وقوع كارثة مفجعة.

وانطلاقاً من الحرص على عدم وقوع كارثة نووية أو بيولوجية، طلب الخبراء الحكوميون في اجتماع أيلول المنصرم، فرض قيودٍ جديدة على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية المستقلة. وهذا ما يعني اضطرار روسيا التخلي عن نظام “اليد الميتة”، الذي يوجه الضربة النووية الجوابية في حال لم يبقَ في روسيا من يتخذ قرار الرد.

صمم الروس هذا النظام متخيلين أسوأ الاحتمالات، ومنها سقوط الرؤوس الحربية النووية على المدن والمنشآت العسكرية، ودخول القيادة الروسية في حالة صدمة وهلع، وتضرر المناطق الرئيسية الكبرى والمراكز الصناعية والعسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات. عند وقوع هذا السيناريو المرعب، يصدر نظام “اليد الميتة” أوامره إلى القوات النووية الروسية لتوجيه ضربة نووية جوابية مدمرة.

القوى العظمى ومعضلة الأمن

الجدل الدائر حالياً في العالم حول ضرورة السيطرة على الأسلحة المستقلة، تقابله ضبابية في رؤية المستقبل. وإذا اعتبرنا وضع الأسلحة المستقلة على جدول الأعمال العالمي في المقام الأول هو نجاحٌ مؤكد، يبقى السؤال ماذا سيحدث بعد ذلك… هل يواصل الخبراء الحكوميون النقاش ببساطة، أم أن هذه الاجتماعات ستؤدي إلى معاهدات قابلة للتنفيذ؟

كما أن ما طرحناه سابقاً يولد أسئلة أخرى حول مجموعة الحوافز، وضوابط التصدير، وتدابير الشفافية، والعقوبات، واستخدام القوة الأنسب لمنع التهديد. لا سيما أن الحظر الشامل استغرق عبر التاريخ عقوداً للتنفيذ، واستغرق المجتمع العالمي حوالي 70 عاماً للانتقال من بروتوكولات جنيف ضد استخدام الأسلحة الكيميائية إلى بداية تخلي الدول عن هذه الأسلحة.

وبينما لا تبدو دول العالم على استعداد لحظر الأسلحة المستقلة تماماً، إلا أن حظر الأسلحة الأكثر خطورة منها كأسراب الطائرات من دون طيار والأسلحة المستقلة المسلحة بعوامل كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية، يمكن أن يوفر أساساً لتقليل مخاطر الأسلحة المستقلة. ويمكن أن نتوقع عدم تقديم القوى العظمى سوى القليل من التنازلات في هذا الصدد، بحجة العمل على تحسين أمنها.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى