سياسة

إيران التي تهيمن على 4 عواصم عربية!/ ماجد كيالي

أي رد من النظام الإيراني أقل من المستوى اللازم، لن يعتبر سوى “فشة خلق”، في حين أن رداً كبيراً سيكون بمثابة عملية انتحارية، وهو ما تدركه القيادة الإيرانية.

يقول قادة إيران إنهم يهيمنون على 4 عواصم عربية، هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء (وبعضهم يضيف غزة)، لكنهم يتناسون في غمرة حماستهم، أو تبجّحاتهم، أنهم ومنذ سنوات يتلقون الضربة تلو الضربة، والإهانة تلو الإهانة، من إسرائيل، من دون أن يردوا على واحدة منها، كأنهم أصيبوا بأعراض “الحكمة”، التي باتت علامة يتميز بها النظام الأسدي بمقولته الأثيرة والشهيرة ومفادها “أن الرد سيكون في المكان والزمان المناسبين”، وأن إسرائيل لن تنجح في استدراجهم إلى المعركة التي تريدها!

حصل ذلك راهناً، إثر اغتيال محسن فخري زاده مهندس المشروع النووي الإيراني، في قلب إيران ذاتها، كما حصل سابقاً إثر اغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، وبعض من قادة الميلشيات العراقية- الإيرانية في بغداد، مطلع العام الماضي؛ كأن هذا العام فتح وأقفل على اغتيالين كبيرين، أصابا في الصميم قادة أهم مشروعين لتعزيز نفوذ إيران على الصعيد الإقليمي.

وللتذكير فقد مر عام كامل على اغتيال سليماني من دون أي رد إيراني يذكر، باستثناء التهديد والوعيد، وقذائف قليلة من ميليشيات عراقية، تشتغل كذراع إقليمية لإيران في العراق، على السفارة الأميركية في بغداد، ما يعني أن التهديد والوعيد الصادرين عن طهران بعد اغتيال زاده، لن يكونا أعلى أو أكثر جرأة من ذلك.

ثمة ملاحظات ثلاث هنا، الأولى، أن العملية الأخيرة حصلت في قلب إيران لا خارجها. ثانياً، أن إيران سارعت هذه المرة إلى اتهام إسرائيل، في حين كانت (وذراعها “حزب الله”) نأت بنفسها عن أي اتهام لإسرائيل في تفجير مرفأ بيروت (4/8/2020) في موقف لافت وغير مسبوق. ثالثاً، الرواية الإيرانية عن طريقة الاغتيال شابها الاضطراب، بين حديث عن رصاص ومتفجرات، وبين الحديث عن هجمات بوسائط الكترونية من بعد (بحسب تصريحات شامخاني رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني).

الجدير ذكره أن تلك العملية ليست الأولى من نوعها التي تستهدف النظام الإيراني، في المواقع والمنشآت الحيوية (مركز تخصيب نووي ومصانع ومحطات طاقة وأنابيب غاز)، في عقر داره، والتي ظل باستمرار يتستر عليها. بيد أن هناك عمليتين هما الأكثر أهمية، الأولى، التي نفذها الموساد الإسرائيلي مطلع عام 2018، والتي استولى فيها على قسم كبير من الأرشيف النووي لإيران (نصف طن من الوثائق والمواد السرية الخاصة بالبرنامج النووي)، وهو ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية (15/7/2018). وكان بنيامين نتانياهو كشف عن العملية الأولى (سرقة الأرشيف) في مؤتمر صحافي عقده لهذا الغرض في نيسان/ أبريل من ذلك العام، في حين التزمت إيران الصمت، علماً أن نتانياهو وجه تهديدات صريحة لإيران من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في اجتماعها الدوري السنوي (أواخر 2018). وهو الخطاب ذاته الذي بين فيه بالخرائط مواقع المنشأت في طهران، ومخازن تسلح “حزب الله” في بيروت. (لمزيد من التفاصيل تمكن مراجعة يوسي ميلمان في “هآرتس”، ورونين برغمان في “يديعوت أحرونوت”، 30/11/2020)

أما العملية الثانية، فهي تلك التي أسفرت عن تفجير المنشأة النووية في ناتانز (مطلع تموز/ يوليو من هذا العام)، التي استأنفت فيها إيران نشاطات التخصيب بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ونشرت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” أن المسؤول عن هذا ربما كان مدير الموساد يوسي كوهين (نيويورك تايمز، 14/7/2020). وفي حينه ربط الصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان الانفجارات والحرائق (في شهري حزيران/ يونيو وتموز 2020)، التي حدثت في إيران بسياق تاريخي أكبر، يعود بحسب تصوره إلى عام 2002، إذ كُشِف وقتها عن مخطط إيران المتمثل في بناء مصنع لتخصيب اليورانيوم في ناتانز، ونتيجة لذلك تم تنفيذ الكثير من أعمال التخريب والتدمير. “كما تم استخدام فايروس الكمبيوتر المسمى Stuxnet لهذا الغرض ما أدى عام 2010 إلى شل أجهزة الكمبيوتر التي كانت تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في ناتانز” (هآرتس، 13/7/2020).

مر عام كامل على اغتيال سليماني من دون أي رد إيراني يذكر، باستثناء التهديد والوعيد، وقذائف قليلة من ميليشيات عراقية، تشتغل كذراع إقليمية لإيران في العراق.

وللتذكير، أيضاً، فقد كانت إسرائيل وجهت ضربات قوية للوجود العسكري التابع لإيران في سوريا، طوال الأعوام الثلاثة الماضية، أهمها تلك التي حصلت في شهر أيار/ مايو (2018)، والتي كتب عنها المحلل الإسرائيلي آفي يسخاروف في حينه (تايمز اوف إسرائيل 4/5/2018) بأنها كانت بمثابة “هزّة أرضية غامضة – 2.6 درجة على سلم ريختر… صواريخ مخترقة للخنادق، والتي لا تنفجر عند ارتطامها بالأرض وإنما عميقاً داخل الأرض، أصابت قواعد في منطقتي حماة وحلب… القاعدة التي هوجمت في منطقة حماة تابعة للواء 47 في الجيش السوري.” كما يأتي ضمن ذلك قيام إسرائيل باستهداف مواقع لـ”حزب الله” في الضاحية الجنوبية (صيف 2019)، إضافة إلى استهداف مواقع الميلشيات التي تتبع إيران، في سوريا بشكل دائم في السنوات القليلة الماضية.

ويمكن تفسير الاستنكاف الإيراني عن أي رد، بأسباب عدة، أهمها: أولاً، أن إيران لا يمكنها أن ترد بما يوازي عمليتي اغتيال سليماني أو زاده، اللتين كشفتا تبجّحها وانكشافها ومدى ضعفها، قياساً بالجبروت الذي تتمتع به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل (في مجالها الإقليمي). والمعنى أن أي رد من النظام الإيراني أقل من المستوى اللازم، لن يعتبر سوى “فشة خلق”، في حين أن رداً كبيراً سيكون بمثابة عملية انتحارية، وهو ما تدركه القيادة الإيرانية. ثانياً، عوّدنا نظام “الولي الفقيه” على امتصاص الضربات الأميركية والإسرائيلية، والاكتفاء برد من الأذرع الميليشياوية التابعة له، أو التي تشتغل وفق أجندته، فمستعد للقتال حتى آخر لبناني وسوري وعراقي ويمني، المهم ألا تصل الحرب إلى أرضه، أو المهم أن يبقى نائياً عنها، لأنه يدرك أن تورطه في حرب مع الولايات المتحدة أو إسرائيل ستكون بالنسبة إليه بمثابة حرب على وجوده. ثالثاً، شهدنا أن إيران استجابت في الفترات الماضية للمطالب الإسرائيلية، المتعلقة بإبعاد ميليشياتها من الحدود مع إسرائيل لمسافة 100 كلم، تحت ضغط الضربات الإسرائيلية، ونتيجة لاشتراطات إسرائيل في تنسيقها مع روسيا، بهذا الشأن، وإن ظلت إيران تحاول التدخل تحت مسميات أخرى، محاولة منها للحفاظ على التغطية المتعلقة بمصارعة إسرائيل.

اللافت أن الحديث لا يتعلق بدولة عادية تعتمد الديبلوماسية والحوار السياسي والقوة الناعمة في علاقاتها، أو لتعزيز مكانتها، على الصعيدين الدولي والإقليمي، وإنما عن دولة مقاتلة، وتدخلية، تعتمد القوة العسكرية لفرض ذاتها وتوسيع نفوذها، لا سيما أن الحديث يتعلق بدولة دخلت في حرب طويلة مع العراق (1980- 1988)، وهي تخوض حرباً وحشية ضد الشعب السوري منذ 10 أعوام دفاعاً عن مصالحها وعن بقاء نظام الأسد.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى