سياسة

ربيع لا ينقضي/ ميشيل كيلو

شكر بعض الساسة الذين واجهوا مظاهرات الشعبين، السوداني والجزائري، ربهم، لأنها لا تشبه ما حدث في سورية، وحذّروا من تكرار الحدث السوري في بلديهما.

صارت سورية أنموذجاً يخوف الحكام شعوبهم به. وصارت ثورتها واقعا يخشاه أعداء الحرية في كل مكان. يخوف هؤلاء شعوبهم، لأنهم هم خائفون من الربيع العربي الذي يزهر ويورق في بلدانهم، ويوشك أن “يفوّتهم بالحيط”، كما يقول اللسان الشعبي، بعد أن وضعهم في مواجهة شعوبٍ تطالب بالحرية، تبين في الحالة السورية أن إرادتها عصية على الكسر، على الرغم من أنها تواجه، منذ نيف وثمانية أعوام، أحد أشرس نظم القتل في التاريخ، من دون أن تستسلم له، حتى في المناطق التي توهم أن عودة أجهزته إليها تعني قبولها به. وها هي تخبره يوميا أنه منبوذ ومرفوض، وأن ناسها هجروا السلاح، لكنهم لم يهجروا حريتهم، وخرجوا من الحرب، لكنهم لم يخرجوا من ثورتهم، وأن عليه إرسال قوى أمنية لحراسة تمثال الطاغية، حافظ الأسد، من شعب الجنوب السوري.

ليست ثورات السودان والجزائر غير امتداد لثورة الشعب السوري العظيمة. هذا ما يؤكده مطلب الحرية الذي رفعه الحراك الشعبي في الحالتين، وخوف الحاكمين الذين لا يخشون من طرح السؤال التالي على أنفسهم: إذا كان رفع سعر الخبز أو تجديد ولاية الرئيس بوتفليقة هو سبب المظاهرات المباشرة، وكان سيستجيب للمتظاهرين، لو طالبوا بإلغاء القراريْن، لماذا لا يطالب الشعب بما يمكنه تحقيقه، وينزل إلى الشوارع من أجل ما يرفضه النظامان: الحرية؟ أليس لأنه يرى فيها الخبز الذي لا تستقيم حياة بدونه، فإن فقده الإنسان غدا بهيمةً تعيش لتأكل: إن نقص طعامها توسلت، وإن كفى أو زاد شكرت؟

ومثلما ارتفعت قبضات ملايين السوريين، من أجل الحرية، وهتفوا لها، وصدحت حناجرهم بأغانيها، كذلك يفعل شبان السودان والجزائر، وهم يهتفون للحرية سلميا، مثلما فعل أقرانهم السوريون، الذين استشهد عشرات الآلاف منهم تحت الرصاص، وهم يقولون بآخر أنفاس الحياة المتلاشية: سلمية، سلمية. ومثلما تدفق البشر من جميع المنابت والبيئات كالطوفان إلى أزقة قرى وبلدات ومدن سورية وشوارعها، غير آبهين بما سيتعرّضون له من رصاص واعتقال وتعذيب، كذلك يفعل السودانيون والجزائريون الذين غزوا الشوارع بالملايين، شأن إخوتهم السوريين الذين نزل منهم، ذات يوم من عام 2012، ثمانية ملايين إنسان إلى الشوارع، رفضا للاستبداد والطغيان، في واحدةٍ من أندر ما عرفته الثورات على مر التاريخ، هتف خلالها واحدٌ من كل ثلاثة سوريين للحرية، وهو يعلم علم اليقين أنه يعرّض نفسه للاغتيال برصاص السلطة.

ومثلما ثبت في سورية أن الرصاص ليس علاجا ناجعا لمن يضنيهم شوقهم إلى الحرية، وعيشهم بدونها، كذلك لن يجدي السلطة استخدام العنف، ومواجهة الشعب برصاص الطغاة وأجهزتهم الأمنية والعسكرية، وتهمة الإرهاب الذي ينسبونه إلى شعب الحرية، على غرار ما فعل القتلة ضده في سورية، حين بدأ حراكه السلمي، ورد الطغاة عليه بعنفٍ مفرط، ليجبروه على الرد بعنفٍ مماثل، ويفصلوا مطلب الحرية عن السلمية ودورهما في توحيد الشعب، ويمزّقوه بعنفهم وعنفه المقابل، ويضعوا حجر الأساس لحرف الثورة عن هدفها الذي تعاون النظام واختراقاته المسلحة لإنجازه.

يخوّف بعض الساسة السودانيين والجزائريين مما وقع في سورية، خشية أن تسقط السلمية مسوّغات عنفهم، ويجدوا أنفسهم مجبرين على الاستماع لنداء الحرية الذي انطلق قبل أعوام من درعا، وما زال صداه يتردّد في آذان من يريدون حريتهم في كل مكان، ودخلوا في الحالة السورية، تاركين لحكامهم أن يختاروا بين أن يكونوا جلادين وقتلة، أو ما يزعمونه دوما: خدما لأوطانهم، ويتنحوا في الحالتين.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى