وجها لوجه

سهير الأتاسي: من أخطاء المعارضة اتباع سياسة المحاصصات في تشكيل الأجسام السياسية

غسان ناصر

يستضيف (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) اليوم المعارضة والناشطة السياسية سهير الأتاسي، العضو السابق في الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض، وعضو الهيئة العامة للثورة السورية، ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، ونائب سابق في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وُلدتْ الأتاسي عام 1971 في العاصمة دمشق، ويُعدُّ والدها الدكتور جمال الأتاسي (1922 – 2000) من المفكرين القوميين المعروفين في بلده وفي الوطن العربي، شارك مع صلاح البيطار وميشيل عفلق في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947، وشغل منصب وزير في الحكومة السورية، وشغل منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي المعارض. وكان حامل لواء المعارضة في عهد الأسد الأب حتى تاريخ وفاته.

تخرجت من “جامعة دمشق” مجازةً باللغة الفرنسية وآدابها، وعملت في الترجمة وتدريس اللغة الفرنسية. وكان لها دور بارز في تأسيس منتدى جمال الأتاسي الذي كان واحدًا من أهم المنتديات التي انطلقت في مرحلة “ربيع دمشق”، سعى إلى إعادة الحراك السياسي في سورية، وتعزيز مشاركة المواطنين في المجال العام. ومع انطلاق موجة الربيع العربي في البلدان العربية المجاورة، شاركت في اعتصامات ميدانية عدة دعمًا للمتظاهرين في تونس ومصر وليبيا، واعتقلت من أمام وزارة الداخلية في دمشق في 16 آذار/ مارس 2011، بعد أن شاركت في وقفةٍ احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ومنهم أطفال درعا.

ثم ساهمت في تأسيس اتحاد تنسيقيات الثورة السورية والهيئة العامة للثورة السورية التي ضمّت عددًا كبيرًا من الناشطين السياسيين والحقوقيين والثوريين.

اضطّرت إلى الخروج من سورية في أواخر عام 2011 بعد أن أصبحت تصفيتها مطلوبة من نظام بشار الأسد، وتابعت نشاطها في السياسة من خارج البلاد، ساهمت في تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وشغلت منصب نائب الرئيس فيه دورتين متتاليتين، واختيرت رئيسًا للمؤسسة المختصة بالمساعدات الإنسانية وعملت على تأسيسها، وهي “وحدة تنسيق الدعم” (ACU) التابعة للحكومة المؤقتة.

ساهمت الأتاسي في تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات في عقب (مؤتمر الرياض لقوى الثورة والمعارضة)، ومثّلت الائتلاف الوطني فيها، ثم اختيرت لتكون عضوًا في الوفد المفاوض في “جنيف 3″، وسبق أن كانت أيضًا عضوًا في الوفد المفاوض في “جنيف 2” عام 2014.

معها كان هذا الحوار

 عُرف عن والدك المرحوم الدكتور جمال الأتاسي أنه كان حاملًا للواء المعارضة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى تاريخ وفاته. فهل ورثت عنه معارضة النظام في عهد الأسد الأب ومن ثم عهد الابن الوارث؟

القضية ليست قضية توريث معارضة نظام مستبدّ كنظامي الأسد الأب والابن، بقدر ما هي وراثة إيمان والدي جمال الأتاسي بحق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، وبدور الشباب في ساحة الشأن العام، الأمر الذي لا بدّ أن يتصادم مع وجود نظام أراد أن يطبق صمت السوريين في البلاد، واستعدّ لارتكاب الانتهاكات، بل المجازر وجرائم الحرب بحقّ السوريين الذين قرروا أن يعلنوا أنفسهم مواطنين لا رعايا في “مملكة الصمت”.

وورثت عن والدي -الذي كان وما زال بحقّ مَثَلي الأعلى والأنبل في الحياة أيضًا- أهمية تطابق السلوك مع الأفكار والمبادئ، وضرورة المباشرة، وعدم المواربة في الطرح، والصدق والجرأة فيه، وتلك الضرورة تجعل المقتنع بها يعاني  مواجهة نظام كنظام الأسد، بل لاحقًا في ممارسة العمل العام مع بعض الشركاء الذين يعتقدون أنّ السياسة هي فن المواربة والغموض والقفز على الحبال الإقليمية والدولية حتى في زمن الثورة السورية التي أصبحت أمّ الثورات العربية لشعب قدم تضحيات كثيرة على مذبح الحرية والكرامة، ولثوار كانوا أقرب إلى الأسطورة في التاريخ الحديث لسورية.

الشباب وإرهاصات الثورة السورية

إلى أي مدى كنتِ وفية وحريصة على تنفيذ وصية والدك (رحمه الله) بأن يبقى منزله من بعد رحيله الجسدي منارة للفكر والديمقراطية، ومنتدى لألوان الطيف المدني والأهلي والسـياسي في سورية؟ وهل كان لهذا الوفاء والحرص ثمن في دولة الاستبداد الأسدي؟

في الحقيقة لقد كنت في البداية متطفلة ربما على منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي الذي بادر إلى تأسيسه مجموعة من رفاق دربه بعد رحيله في 30 آذار/ مارس عام 2000 بالمشاركة مع أختي البكر سراب ووالدتي نوار الأتاسي، وكنت أجلس في حينها على كرسي منزوية في إحدى زوايا صالون منزلنا أتابع عن بعد الاجتماعات التأسيسية، وأنا مفعمة بالشغف الذي جعلني أتسلل إلى المنتدى عبر البدء بتفريغ أشرطة تسجيل ندواته، وكان عمري حينذاك 28 عامًا، أي كنت من الجيل الذي يندر نشاطه في العمل العام وسط قطيعة متعدّدة الأسباب بينه وبين جيل المعارضة.

لم أرث موقعي في منتدى الأتاسي بصفتي ابنة له، كما يعرف كثيرون ممن عايشوا تلك المرحلة، بل اختبرت استحقاقات هذا الدور الذي تدرّجت فيه ابتداءً من مقاومة مضايقات الأمن السياسي واستدعاءاته وتهديداته في إثر ندوة رياض الترك واعتقاله واعتقال رموز من “ربيع دمشق”، بمن فيهم حبيب عيسى الناطق الرسمي باسم المنتدى. في حينها بدأ الضغط من جانب مخابرات نظام الأسد لإغلاق المنتدى بأنفسنا، وذلك كان الاختبار الأول الحقيقي للوفاء لربيع دمشق ومعتقليه ولفكر جمال الأتاسي ونضاله وروحية كلماته التي كتبها عام 1979 عن الحوار الديمقراطي، وحاولنا تجسيدها من خلال المنتدى الذي حمل اسمه: “جزيرة صغيرة نلتقي فيها خروجًا بأفكارنا ومحاوراتنا من الغرف الضيقة والأطر المحدودة والخاصة. بودّنا أن نقوى على حمايتها، لا بإقامة أسوار من العزلة والكتمان من حولها، وإنما بفتحها للتيارات الوطنية الديمقراطية المختلفة. فليس لدينا ما نحرص على إخفائه وكتمانه، وليس إلا الوضوح طريقًا إلى الحقيقة”. وأعتقد أننا نجحنا في هذا الاختبار عندما قاومنا تلك الضغوط ورفضناها، وأصررنا على إبقاء منتدى جمال الأتاسي علنيًا مفتوحًا للجميع، وقلنا إننا لن نغلقه بأيدينا، وليتحمّل نظام الأسد مسؤولية إجراء المنع القسري لآخر ساحة حوار تبقت من ملامح “ربيع دمشق”.

استمر المنتدى بنشاطه العلني العام، وشاركت فيه أحزاب المعارضة وتياراتها ومنظماتها ولجان إحياء المجتمع المدني، وحرص على استمرار حضورها ممثّلو حزب البعث (الحاكم) وعناصر المخابرات الذين يسجلون التقارير ويكتبونها بشكلٍ بات مكشوفًا لعلهم يتمكّنون من ترهيب التواقين إلى استمرار تلك المساحة من الحرية والحوار.

لقد كسرنا في منتدى جمال الأتاسي الخطوط الحمر التي وضعها نظام الأسد سواء عبر توسيع ساحة المشاركة لتضمّ الشباب -وبالأخص شباب الجامعات بوصفهم المحرك الأساس للتغيير في سورية- أم عبر قراءة ورقة جماعة الإخوان المسلمين في ندوة مفتوحة ناقشت “الإصلاح في سورية” بمشاركة 15 جهة سياسية وحقوقية ومدنية بمن فيهم حزب البعث، وذلك بوصف الجماعة طيفًا من المجتمع السوري، وبهدف السير خطوة عملية باتّجاه كسر الحظر الذي فرضه عليهم النظام، والحرص على الدور الجامع لتيارات المعارضة في سورية.

رفضنا قرار السلطة إغلاق منتدى جمال الأتاسي عام 2005 في إثر اعتقالنا بوصفنا أعضاء في مجلس إدارته الذي كنت رئيسته، وبقينا أشهرًا عدة نعلن عن انعقاد الندوات المفتوحة التي باتت قوات أمن النظام تمنعها بالقوة عبر حصار منزلي وهو مقر المنتدى، ومنع الوافدين إليه. الأمر الذي دفعني لاحقًا إلى إعادة تأسيس المنتدى على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في كانون الأول/ ديسمبر 2009، ليستقطب شريحة واسعة من الشباب الذين قدموا أوراق عمل مهمّة نوقشت عبر هذا الفضاء. ولم يحتمل نظام الاستبداد تلك الظاهرة لتعود الضغوط من جديد وتتطور إلى مصادرة بطاقة هويتي وتهديدي بالاعتقال ومنعي من السفر خارج سورية.

لا بدّ من القول في هذا الإطار إنّ ما سبق كله لا يعادل شيئًا من الأثمان الباهظة التي دفعها شباب ثورة الحرية في سورية.

كيف تقييمين تجربة منتدى جمال الأتاسي من موقعك اليوم؟ وماذا عن موقف الأجهزة الأمنية آنذاك من نشاط المنتدى؟

أرى في تلك المرحلة -“ربيع دمشق” بما تخللته من دخول الشباب إلى ساحة العمل العام- عاملًا مهمًا من عوامل التراكم الذي أوصلنا إلى إرهاصات الثورة السورية. فهؤلاء الشباب شاركوا جيلهم في النزول إلى الشارع منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، سبقوا أحزاب المعارضة وشاركوا في الثورة السورية منذ بداياتها، وكانوا قد راكموا الخبرات والتجارب في حراكهم الذي تضمن نشاطهم في إطار منتدى الأتاسي.

وكان جليًا الاختلاف منذ ذلك الحين بين تيارين: تيار لا يمثّل فقط شريحة من المعارضة التقليدية، بل إستراتيجيتها في الاكتفاء بهامش الحركة المحدود والضيق الذي سمح به النظام ليستغلّه ويتغنّى به في وسائل الإعلام الأجنبية، وتيار شبابي يريد توسيعه عبر طرح القضايا الساخنة والآنية والملحّة المباشرة. وفي الوقت الذي ساهم فيه انتخابي أول مرة رئيسًا لـلمنتدى في افتراض الأعضاء أنّ وجودي في هذا المنصب يمكن أن يحمي المنتدى من تعسف السلطة كوني ابنة الراحل جمال الأتاسي الذي حرص حافظ الأسد على التضييق عليه وترهيبه من دون اعتقاله، لكنني في الدورة الثالثة من الانتخابات عام 2005 نجحت رئيسًا للمنتدى في إثر تنافس فعلي وعملي بين برنامجين للعمل، وكان برنامجي يمثّل التيار الذي أنتمي إليه، ويكرّس دور الشباب في فعاليّات المنتدى، ويدعو إلى إنجاز خطوات تتجاوز ما يسمح به نظام الأسد. عندها كشف النظام جوهره القمعي المستبدّ من جديد، وعمل على اعتقال أعضاء مجلس إدارة المنتدى كلهم بحجة قراءة ورقة الإخوان المسلمين في ندوة المنتدى الأخيرة، ثم أغلق المنتدى قسريًا عبر حصار مقره.

أقول إنّ تلك التجربة ساهمت في عمل تراكمي وصولًا إلى إرهاصات الثورة لما كشفته من الفارق بين تيارين نلحظهما اليوم أيضًا، بعد مرور تسع سنوات على انطلاق الثورة السورية: تيار ينشغل بقضية تداول السلطة ويدور في فلك الهامش الذي يضيق ويتوسع بحسب التوافقات الإقليمية والدولية، وتيار جذري يهتم بالمجتمع السوري الذي لا يمكن أن ينهض من جديد وتتوحد أطيافه من دون حلّ حقيقي عادل يبدأ بمحاسبة مجرمي الحرب، ذلك الحلّ لا يسمح بالتواطؤ على طموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة عبر تقاسم سلطة.

أما عن موقف النظام والأجهزة الأمنية آنذاك فقد كان بيّنًا حسمه في تعطيل أي عملية تراكمية تعيد الثقة في قيم المواطنة وتجسر الهوة بين تيارات المجتمع السوري وأطيافه المختلفة، على الرغم من أنه حاول في البداية استغلال وجود المنتدى مع الإبقاء عليه محاصرًا ووحيدًا في مواجهة أي تساؤلات يطرحها عليه الإعلام الغربي والمجتمع الدولي بخصوص القضاء على “ربيع دمشق” واستمرار آلة القمع.

حدثينا عن إرهاصات الثورة السورية التي عايشتها قبل مخاض ولادة الثورة منذ تولي بشار الأسد مقاليد الحكم في مطلع الألفية الثالثة

لم يكن نشاط منتدى جمال الأتاسي هو النشاط الوحيد الذي شاركتُ فيه في مرحلة “ربيع دمشق” التي جاءت في إثر خطاب القسم لبشار الأسد، خطاب حمل بعض الملامح الإصلاحية بوصفها ضرورات تمرير توريث السلطة، بل شاركتُ أيضًا في اعتصامات التضامن مع الفلسطينيين في مواجهة حصار الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين عام 2001، وكنت من الذين بدؤوا بصوغ آليّات جديدة لتلك الاعتصامات لتواكب في الوقت نفسه اعتقالات رموز من “ربيع دمشق”. ففي أول اعتصام من تنظيمنا بوصفنا تيارًا شبابيًا، كبّلنا أنفسنا بأصفاد حديدية ووضعنا الكمامات على أفواهنا وجلسنا على الرصيف رافعين لافتات بعبارة واحدة فقط: “سامحينا فلسطين، فما زلنا مكبّلين”، في إشارة منا إلى أنه لا يمكن المشاركة في تحقيق تطلّعات الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال الإسرائيلي ونحن في ظل نظام مستبدّ.

أظن أن الحراك الطلابي المطلبي في جامعة حلب ودمشق عام 2004 -احتجاجًا على المرسوم الرئاسي رقم 6 القاضي بإنهاء التزام الدولة بتوظيف المهندسين خمس سنوات بعد تخرجهم، والمشاركة في إفساح المجال لتعبير ذلك الحراك عن قضيته من خلال ساحة منتدى الأتاسي، بل الدفاع عنها بعد أن تجلّت ردّة فعل النظام عليه بالاعتقال والطرد من الجامعة والتجريد من الحقوق المدنية- كان من أهم الإرهاصات التي راكمت وصولًا إلى الثورة السورية. وقد كان السبب الحقيقي والأول وراء قرار سلطة الأسد منع المنتدى قسريًا هو تأسيس التيار الشبابي للمنتدى، للعمل على كسر احتكار السلطة للإطار الجامعي، وحصد الاستثمار الأقصى لاستغلال النظام لوجود المنتدى عبر توسيع هامشه الضيق المسموح به واختراق الخطوط الحمر التي يؤطر من خلالها النظام نشاط المعارضة السورية لتصبح أكثر فاعلية وملامسة للقضايا الجوهرية المباشرة والساخنة التي تهم المواطن السوري.

وساهمتُ مع التيار الشبابي أيضًا في استثمار فضاء “فيسبوك” للحديث الجريء والمباشر عن الأوضاع في سورية، وفي طرح قضية المدونة طلّ الملوحي التي كانت أصغر معتقلة في حينها في سجون الأسد، وتشاركنا مع ناشطي مصر في تظاهرة إلكترونية كانت الأولى من نوعها في سورية في 02/ 10/ 2010 للمطالبة بإطلاق سراح طلّ الملوحي في إثر الحملة التي حملت العنوان: “أسيرة حرة ووطن سجين”، وأصبح الفضاء الإلكتروني مساحة واسعة لحملات عدة منها: “حملة أكياس الدفء”، “من أجل نقل عام يحترم المواطن” التي قادها تيار شبابي يتوق إلى انتزاع دوره في المواطنة.

وأطلقتُ دعوة -بمشاركة مجموعة من التيار الشبابي نفسه- إلى اعتصام سلمي لكل من يعاني سوء الأحوال المعيشية وازدياد البطالة وارتفاع الأسعار والنهب المنظم والاحتكار المستمر من شركتي “إم تي إن” و”سيرياتيل” المملوكتين لرامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وذلك في يوم 03/ 02/ 2011 أمام مجلس الشعب في دمشق.

واستفدنا من فضاء “فيسبوك” في الدعوة إلى الاعتصامات التضامنية مع ثورات الربيع العربي: التونسية والمصرية والليبية، ومن أبرز الأحداث التي عايشتها في تلك المرحلة إرسال اللواء علي مملوك رئيس جهاز المخابرات العامة (أمن الدولة) أقرباء لي إلى منزلي لوضعي في ما يشبه الإقامة الجبرية كي لا أشارك في أولى تلك الاعتصامات، وذلك في 29/ 01/ 2011، ولكنني أصررت على الخروج والمشاركة. وبدأنا منذ ذلك اليوم مجموعة من الشباب بتنظيم الاعتصامات تلك وأماكنها ومواعيدها ولافتاتها، فاعتصمنا في ساحتي “عرنوس” و”باب توما” والحميدية وأمام السفارة المصرية وأمام السفارة الليبية وفي حديقة المدفع. ومن أبرز الأحداث التي كشفت إستراتيجية النظام التي سيواجه بها حراك السوريين ما حصل معي في اعتصام ساحة “باب توما” تضامنًا مع الثوار المصريين في 02/ 02/ 2011، إذ احتُجزتُ في المخفر وأتى مسؤول أمني رفيع واعتدى عليّ بالضرب، واتهمني بالعمالة لإسرائيل ووصفني بأنني جرثومة أعمل ضد البلد، وهددني بالقتل في حال نزلت إلى الشارع مجددًا. في 20/ 02/ 2011 وفي إثر استمراري في النزول إلى الشارع تلقت والدتي اتصالًا يحمل التهديدات لي برشقي بـ “ماء النار” ويتهمني بأنني عميلة لإسرائيل وأميركا وبريطانيا.

وبالحديث عن الإرهاصات التي سبقت الثورة لا بدّ من ذكر الاعتصام أمام السفارة الليبية في 22/ 02/ 2011، والهتاف: “خاين يللي بيقتل شعبه، خاين يللي بيسرق شعبه، خاين يللي بيقمع شعبه”، والهتاف في اليوم التالي في حديقة المدفع: “ما في خوف ما في خوف، ويا حرية فداك الموت”، والهتاف: “خاين يللي بيذل شعبه”.. وكان الحضور من الشباب الذين يعرفون تمامًا من هو المقصود بتلك الهتافات التي يصدحون بها بملء حناجرهم، وهم واثقون أنّ الثورة السورية قادمة وقريبة.

ومع إعلان إضراب معتقلي سجن عدرا عن الطعام في 07/ 03/ 2011 مطالبين بإغلاق ملف الاعتقال السياسي ورفع المظالم وردّ الحقوق، مضيفين أنه قد “حان الوقت لإلغاء الحالة الاضطهادية الشمولية تماشيًا مع رياح التغيير الديمقراطي التي تجتاح العالم العربي”، بدأنا بالدعوة إلى التضامن معهم ومع عائلاتهم بعنوان “أنا رح أنزل معكم”، وذلك للاعتصام أمام وزارة الداخلية في 16/ 03/ 2011.

وكان يوم 15/ 03/ 2011 مفصليًا، إذ شاركت مجموعة من الشباب في سوق الحميدية في تظاهرة طيارة هتفوا فيها “الله، سورية، حرية وبس”، فسارعتُ إلى المكان لأجد عناصر أمن النظام منتشرين بكثافة بعد أن نظموا حملة اعتقالات وتفريق للمتظاهرين، ومن هناك، وبينما كان الأمن حولي وبعضهم يصورني، تواصل معي عدد من القنوات الإخبارية قلت لهم في حينها إنّ الثورة السورية قد بدأت، وإنّ الشارع السوري سبق المعارضة، وإنّ السوريين أعلنوا عن أنفسهم مواطنين لا رعايا، وإنّ سورية ليست ملكًا ومزرعة لعائلة، بل يجب أن تكون للسوريين كلهم. يومها انهالت عليّ رسائل البريد الإلكتروني التي تتهمني بالعمالة وتشتمني وتهدّدني بالخطف والاغتصاب والقتل..

الشارع السوري سبق في حراكه أحزاب المعارضة

في 16 آذار/ مارس بعد أيام قليلة من انتفاضة أحرار سورية وحرائرها في وجه طغيان النظام الطائفي الأسدي اعتقلت من جانب الأجهزة الأمنية في عقب حديث لك مع قناة “الجزيرة” أشدتِ فيه بحراك الشارع السوري الشعبي السلمي. ما الذي بقي في ذاكرتك من تلك الأيام؟ وكيف كان أن خرجتِ من سورية نحو الأردن؟

في تلك الأيام كانت التهديدات على أشدها، ولم يكن التهديد باعتقالي فحسب بل بتصفيتي، وكان بعض عناصر الأمن يقولون للشباب الذين أتشارك معهم الاعتصامات والفعاليّات إنّ سهير الأتاسي عميلة وهي تحرّض على الفتنة في سورية.

لقد كنتُ من الداعين والمنظمين لوقفة 16/ 03/ 2011 كما سبق وذكرت، وما إن وقفنا للاعتصام أمام وزارة الداخلية، ورفعنا صور معتقلي الرأي والضمير واللافتات التي تطالب بإطلاق سراحهم، ومنهم طلّ الملوحي وأطفال درعا الذين اعتقلهم نظام الأسد في إثر الكتابات على جدر المدرسة “إجاك الدور يا دكتور”، انهال علينا عناصر أمن النظام بالضرب والتشبيح والشتائم، وبعد أن واجهناهم بالشعار “خاين يللي بيضرب شعبه”، اخترقونا بمسيرة لعناصرهم تهتف للأسد “الله سورية بشار وبس”، وبعضهم مشى فوق جسدي بعد أن رموني أرضًا. خلصني من بين أرجلهم الصديق عساف عساف، وأشار إلي الصديق خليل معتوق أن أغادر الساحة حيث وجدت مجموعة من عناصر الأمن ترتب الاعتقالات وينتظرون اعتقالي، ولكنني كنت أصرخ داعية إلى الذهاب والاعتصام أمام قصر العدل بينما كان عناصر الأمن يعتقلون بوحشية وهمجية عددًا كبيرًا من النساء والصبايا والشباب، ثم هجم عليّ أربعة من الشبيحة وسحلوني أرضًا مسافة بعيدة وصولًا إلى حافلة الاعتقال وهم ينهالون عليّ بالضرب بالهراوات وبالشتائم القذرة والاتهامات بالعمالة، لأجد في الحافلة شبابًا عدة أصيب بعضهم من شدة الضرب، وكذلك الصديقة ناهد بدوية..

فور دخولنا إلى فرع الأمن العسكري قال لي العقيد حسام سكر: “وأخيرًا، هل اعتقدتِ عندما تركناكِ البارحة أننا لن نعتقلك اليوم؟”، وكان في غاية السفاهة في التعامل ومسار التفتيش، وما تبع ذلك، وبالطبع في التحقيق كانوا يقولون إنني “أتعامل مع الإخوان المسلمين والخارج للتحريض على سورية”.. كثير من التفاصيل ما زالت عالقة في الذاكرة من تلك الأيام، منها أنهم أخذوني في اليوم التالي، وقبل إحالتنا على القضاء، للقاء اللواء رستم غزالة رئيس جهاز الأمن العسكري الذي أعلن إستراتيجيتهم في مواجهة الثورة، حين أخذ يتباهى بما لديهم من عدّة وعتاد عسكري، وأضاف أنّ ما يجري في ليبيا سيكون بسيطًا أمام ما سيفعلونه هم في سورية.

كنت آخر من تبقى من معتقلي اعتصام الداخلية، وكان الصديق خليل معتوق يقول لي إنّ القاضي يدعوه إلى التوقف عن تقديم طلبات إخلاء السبيل لي تحديدًا، لأنّ الأمر مستحيل. وبالفعل نُقلتُ من سجن دوما للنساء إلى منفردة في سجن عدرا بطريقة أقرب إلى البوليسية، وكنت طوال الطريق أعتقد أنهم سينفذون تهديدهم بقتلي على الطريق، ولذلك تنفست الصعداء عندما وصلنا إلى سجن عدرا. ولم أصدق أذني يوم قالوا لي بعد مدّة وجيزة إنني سأخرج إلى منزلي، وأخلوا سبيلي مع الإبقاء على القضية والتهم التي وُجهت إلي ومنها: “التفريق بين عناصر الأمة” سيفًا مسلطًا على رقبتي، لأجد في انتظاري في خارج سجن عدرا مجموعة كبيرة من الصديقات والأصدقاء وأناس لا أعرفهم سابقًا، ولأجد منزل والدتي عامرًا بالسياسيين والثوار في استقبالي فجرًا.

في المرحلة الأولى من خروجي من المعتقل كنت -إضافة إلى بعض الصديقات والأصدقاء- القناة الإعلامية التي تنشر تفاصيل يوميات الثورة السورية وتنقلها بعد التواصل مع المناطق المختلفة الثائرة، وفي 25/ 04/ 2011 صرحت لوكالة “رويترز” في إثر مجازر عدة ارتكبها نظام الأسد، أنّ بشار الأسد بدأ حرب إبادة على السوريين المطالبين بالحرية والديمقراطية عبر مهاجمة ثلاث مدن في آنٍ واحد، وقلت إنّ نياته كانت واضحة منذ أن أعلن استعداده للحرب في الكلمة التي ألقاها في 30 آذار/ مارس 2011. وبدأت حملة شديدة يديرها عناصر النظام تطالب بإعدامي، فأتاني أحد أصدقاء والدي، وهو الصديق مازن عدي، ليصرّ على ضرورة أن أتوارى مضيفًا أنهم في هذه المرة بالتأكيد سيقتلونني. وبدأت رحلتي مع التواري، وتنقلت بين بيوت لم أكن أعرف أصحابها في بعض الأحيان، ولهم فضل كبير في بقائي على قيد الحياة، وساهم بعض الأصدقاء في تأمين أماكن أخرى وهاتف ثريا وإنترنت فضائي. وفي بعض الأحيان، كان بين انتقالي من المنزل ومداهمته لاعتقالي أقل من ساعة، فقد كان بين عناصر النظام أشخاص مع الثورة استمروا في مواقعهم للعمل مع الثوار وتحذيرهم قبل مداهمة أو كمين اعتقال أو اجتياح منطقة.

ساهمت في خلال رحلة التواري في تأسيس اتحاد تنسيقيات الثورة السورية، ثم الهيئة العامة للثورة السورية، وكانا كيانين من قلب الثورة، وعملنا عبرهما على توحيد الشعارات والرسائل السياسية في التظاهرات في أنحاء سورية معظمها، ومنها على سبيل المثال حمل تابوت كتب عليه “شرعية نظام الأسد”، وكذلك الدعوة إلى عصيان مدني.

دخلتْ الهيئة العامة للثورة السورية في خضم المشاورات التي سبقت تأسيس المجلس الوطني، ودفعت بالمشاركة مع لجان التنسيق المحلّية والمجلس الأعلى لقيادة الثورة في اتّجاه أن يكون للحراك الثوري الثلث الضامن لأهداف الثورة في المجلس، وكان رأيي الشخصي الذي قلته لعدد من شباب الثورة أن يأخذوا زمام تمثيلهم بأيديهم، وذلك بسبب البراغماتية التي لمستها عند بعض أطياف المعارضة وشخصياتها، فالوضع هنا مختلف؛ إذ إنها ثورة دفع فيها السوريون أرواحهم ثمنًا للوصول إلى مستقبل أفضل تسود فيه الحريات والكرامة والمواطنة، وذلك لم يعد ممكنًا من دون الخلاص من نظام الأسد. رفض القائمون على تأسيس المجلس الوطني إعطاء الحراك الثوري تلك النسبة من مقاعد المجلس الوطني، ومن ثم أن يكون له تأثير كبير في القرارات، وقال لنا أحد الأعضاء المؤسسين للمجلس: “تركنا لكم الشارع، اتركوا لنا السياسة”، ولذلك كان قرار الهيئة العامة للثورة تأييد المجلس الوطني من دون الانضمام إليه، كي تتمكّن من أداء دور الضغط من الخارج عندما يكون ذلك واجبًا.

في مرحلة لاحقة طلب مني بعض أعضاء الهيئة العامة للثورة، ومنهم على وجه الخصوص شباب من مدينتي حمص، الخروج من سورية، إذ رأوا أنّ حركتي الحرة في الخارج يمكن أن تكون أكثر فائدة لهم من بقائي متوارية في الداخل، وكانت التهديدات الأمنية تزداد شراسة على والدتي في دمشق، وابني في بيروت، مع كل تصريح أدلي به. وبعد تصويت المجلس الثوري بالموافقة على الموضوع، اتّخذت قراري بالمغادرة، وكانت تلك العملية في غاية الدقة والخطورة التي لم أدركها إلا وأنا في المعبر على الحدود السورية الأردنية. خرجت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011 من دمشق إلى درعا بداية وأنا منقبة عن طريق عناصر من الجيش الحر، وبقيت في درعا يومين حيث التقيت ببعض الثوار الأوائل الذين ساهموا في انطلاق الثورة، وعندما حان وقت المغادرة كانت اللحظات العصيبة والمؤلمة، عبرت البساتين المحاطة بالقناصة وكان شباب درعا دليلي في ذلك العبور، ومنها إلى الساتر الترابي حيث مررت بدقائق عصيبة لأنني كنت مكشوفة بشكلٍ كامل للقناصة. عندما أعود بالذاكرة إلى الوراء لا أصدق أنني فعلًا نجوت، وأنّ تلك السنوات كلها مرت وما زلت في المهجر.

لم تحقق المعارضة السياسية السورية نصرًا سياسيًا ولا عسكريًا في معاركها المستمرة مع النظام منذ نحو عشر سنوات. فما هي برأيك الأخطاء التي وقعت فيها قوى المعارضة وأطيافها، وبخاصة أنكِ توليتِ منصب نائب رئيس الائتلاف، في المدة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وكانون الأول/ ديسمبر 2013؟

أعتقد أنّ الإشكالية الأولى في بدايات الثورة السورية كانت في الهوة بين الثوار والمعارضة الكلاسيكية، فالشارع السوري سبق في حراكه أحزاب المعارضة والتحالفات التي استمرت بسياسة البيانات إما للتبشير برياح التغيير في سورية أو لتأييدها، من دون محاولة العمل المشترك الجاد والتراكمي على تنظيم الحراك وصوغ خطاب سياسي يتبلور معه، لذلك نجد أنّ الرسائل السياسية للثورة في البدايات كان أساس تعبيرها العام الهتافات واللافتات، بينما كان العمل السياسي شبه غائب، وكانت السياسة بالنسبة إلى شباب الثورة مفهومًا سلبيًا، لا يعني إلا التسويات والمناورات على حساب جوهر الثورة التي يمكن أن “تلوث” الحراك الثوري، لذلك رفضوا العمل بها، ولم يكن سهلًا، على سبيل المثال، إقناعهم بتشكيل مكتب سياسي في الأجسام الثورية وإصدار رؤى ومواقف سياسية.

لقد حقّق الثوار انتصارات مهمّة، وخصوصًا في البدايات، على صعد عدة، منها كسر حاجز الخوف، وإسقاط شرعية نظام الأسد، والتفوق الأخلاقي لشعارات الثورة التي تبتعد عن المناطقية والتمييز الطائفي والقومي، بل تنبذها، فقد رأينا روح التضامن بين المحافظات وهتافات “الشعب السوري واحد”، ورفض الشباب الأكراد رشوة النظام بإعطاء الجنسية السورية للمحرومين منها مقابل فصلهم عن الطيف الوطني الثوري، فهتفوا “ما بدنا الجنسية، بدنا الحرية”، وغيرها من الشعارات، ولكن ذلك كله لم يثمر سياسيًا في ظل غياب إطار سياسي موحد يمثّل الثورة السورية.

وترافقت بداية تشكيل الأطر السياسية تلك مع تجربة المجلس الوطني في الثورة الليبية وإسقاطها على المشهد السوري، والوهم السائد بسرعة انتصار الثورة وسهولته والخلاص من نظام الأسد، فاكتفت تلك الأطر بدورها كوزارة خارجية للثورة السورية، وركزت اهتمامها كله على التواصل مع المجتمع الدولي لإقناعه بمطالب الثورة، ومطالبته بالتدخل لمصلحتها، وأدارت ظهرها للمسؤولية المهمة في العمل على تنظيم الساحة الداخلية وترتيب أوراقها وتثمين تضحياتها سياسيًا لمصلحة الشعب السوري وترسيخ عمل مؤسساتي من الضروري أن يقدم نموذجًا مختلفًا عن نموذج النظام، ومثال ذلك كانت ردة فعل الائتلاف الوطني بعد تحرير الرقة وطلب أهاليها وثوارها نزول الائتلاف إلى أول مدينة محررة وإدارتها والعمل من مقرها، فاكتفى الائتلاف بإرسال ممثّل المجلس المحلّي في الرقة وعدد محدود من الأشخاص لعدد من الأيام، ثم عادوا إلى إسطنبول حيث مقر الائتلاف. أما الأخطر فكان تجاهل تلك الأطر السياسية في البدايات ظهور العمل العسكري والتخلي عن دورها في أن تكون جسرًا لدعمه وتنظيمه، ليصبّ ذلك في مصلحة الدول التي بدأت تضغط لتوظيفه لمصلحة أجنداتها مقابل الدعم، فساهمت في عشوائيته وصراعاته تبعًا لصراع الأجندات والمحاور الإقليمية والدولية. وعندما استفاقت تلك الأجسام الممثّلة للثورة السورية على خطورة فوضى السلاح، وحاولت العمل مع فصائل الجيش الحر كان الوقت متأخرًا، وكانت تلك الفصائل أغلبها قد انخرطت في سياسة المحاور التي لم يكن في مصلحتها أن يكون للفصائل إطار سياسي وطني يحصّنها من التبعية ويحميها من انعكاس صراعات الدول على الأراضي السورية. وبدأت الفصائل الإسلامية تتشكّل أيضًا بشعارات تختلف عن شعارات الثورة في ظل صمت الأجسام السياسية عن ذلك المنعطف بحجّة أنّ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع النظام”، وأنّ أي بندقية تتوجّه إلى صدر النظام هي بندقية وطنية ويمكننا لاحقًا بعد الخلاص من النظام أن نحلّ معضلة الأسلمة.

وانتقلنا بتلك الأجسام السياسية الممثّلة للثورة من تجاهل العمل العسكري إلى الركون إليه عندما حررت الفصائل الجزء الأكبر من الأراضي السورية، بل الالتحاق به لعله يعطي الشرعية للأجسام التي بدأت تفقد شرعيتها على الأرض بسبب الهوة التي تركتها تتسع معها، بالتوازي مع تقلص الشرعية الدولية بحجة “عدم وحدة المعارضة” وعدم تمكّنها من التأثير في مجريات الأرض وقيادة الأحداث. فانتقلنا من التطرّف في تجاهل العمل العسكري إلى التطرّف في محاولة أخذ الشرعية من الفصائل، ثم إلى التطرّف الأخير بنبذها على أساس أنها خسرت المعركة العسكرية عندما استعاد نظام الأسد الأراضي المحررة معظمها عبر سياسة الأرض المحروقة التي تمكّن من اتباعها عن طريق التدخل العسكري الروسي لمصلحته وعبر مسار “الهدن المحلّية” وما سُمي بـ”اتفاقيات خفض التصعيد”، وكأنّ السياسيين كسبوا المعركة.

أعتقد أيضًا أنّ سياسة تحرير الأراضي التي اتبعتها الفصائل كانت سلبية في نتائجها، حيث خففت عن النظام عبء الخسارة التي كانت تلحق بعناصره وحواجزه العسكرية ومقراته الأمنية في داخل المناطق الثائرة عبر العمليات النوعية التي كانت تعتمدها الفصائل في البدايات، وكانت تكلفتها البشرية بالنسبة إلى الثورة محدودة جدًا، فأتت استراتيجية النظام بمحاصرة تلك المناطق وقصفها وتجويعها وتأليب الحاضنة الشعبية على الفصائل، وكانت سياسة التجويع هي الأكثر وبالًا على المناطق الثائرة، لنرى أنّ المناطق المحاصرة هي تحديدًا تلك التي اضطّرت لاحقًا إلى عقد اتفاقات الهدن المحلّية التي كانت نتيجتها التهجير القسري والتغيير الديموغرافي واستعادة النظام لتلك المناطق، إضافة إلى التكلفة المادية الهائلة لعمليات التحرير التي استدعت أكثر فأكثر الدعم الدولي للسلاح، بل التدخل في خطط البندقية والمعارك وعمليات الكر والفر، كذلك التكلفة البشرية الموجعة لما سبق كله، وتحوّل أساس قتال بعض الفصائل من مشروع الثورة إلى مشروعات السلطة والنفوذ على الأراضي المحررة التي أصبحت السيطرة عليها سببًا في تبدّل بوصلة البنادق في اقتتال دموي بين فصائل الثورة في بعض الأحيان.

ومن أخطاء المعارضة أيضًا اتباع سياسة المحاصصات في تشكيل الأجسام السياسية الممثّلة للثورة السورية، بدلًا من اعتماد معايير محدّدة تتعلق بالموقف الواضح من الثورة والكفاءة والنزاهة، وتحوّل تلك الأجسام إلى انتخابية لتبدأ التكتلات والشللية والصراعات وسياسة الولاءات والمحسوبيات واستخدام المال السياسي، وقبول الدعم من الشخصيات التي لم تكن واضحة في مواقفها حتى في تاريخها القريب منذ انطلاق الثورة، وأدّت لاحقًا دورًا متقدمًا في تنفيذ أجندات الدول النافذة في الملف السوري، بل الانخراط في محاورها المتصارعة بحجة “الواقعية السياسية”، وبدأت تنشر روح “هزيمة الثورة” لتدفع باتّجاه ما يُعرض عليها على أساس أنّ “الحلّ لم يعد في يد السوريين، ويجب ألا نفقد -على الرغم من ذلك- دورنا بصفتنا لاعبين سياسيين”، ولكنهم للأسف كانوا يفسحون المجال أمام نظام الأسد لكسب الوقت، ويلعبون في المساحة التي جرّتهم إليها روسيا حليفة النظام.

أما عن رفض “بيان جنيف” وقرار مجلس الأمن 2254 أو قبوله، فهذه معضلة، والتاريخ وحده من سيحدد مدى صواب قبول المعارضة السورية بعملية سياسية قائمة على صياغات غامضة ومبهمة وتفسيرات متناقضة بين روسيا وأميركا تكشف تفاهمات هشّة تجريبية كحال “بيان جنيف” والقرار 2254، مع الأخذ بالحسبان قفز المجتمع الدولي على قرار مجلس الأمن 2118 لأنه كان أكثر وضوحًا في ما يتعلّق بتأسيس هيئة حكم انتقالي تنتقل إليها السلطات التنفيذية كافة، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262/ 67 لعام 2013 الذي ينص على: “تحوّل إليها مهمات الرئاسة والحكومة جميعها بما فيها المهمات المتعلّقة بالمسائل العسكرية والأمنية”. والأكثر خطرًا كان الاستمرار في عملية سياسية أصبح من الواضح للجميع أنها وهمية وفاشلة ومعطِّلة للحلّ السياسي الحقيقي كونها لم تحقّق أيًا من أهداف الشعب السوري في الدولة المدنية والمواطنة والكرامة والسلام، بل أضحت عملية عبثية يستغلها النظام وحلّفاؤه في كسب الوقت واسترجاع الأراضي المحررة ومحاولة كسر إرادة الشعب السوري في الحرية والتغيير والخلاص من نظام ارتكب جرائم حرب بحق شعبه، وتحوّلت إلى ورقة توت تستر عجز المجتمع الدولي في الضغط على نظام كهذا.

إضافة إلى فكرة تأسيس مكاتب سياسية للفصائل العسكرية، وانزلاقها إلى ساحة مفاوضات من دون مرجعية قانونية وبمعزل عن الأجسام السياسية في البدايات، مفاوضات بشأن ملفات سيادية حيث لمسنا نتائج اتفاقات الهدن المحلّية التي عقدتها الفصائل مع النظام وحلّفائه من تهجير قسري واسترجاع النظام للمناطق المحررة، من دون أن ننسى انخراط الفصائل في مسار آستانة ومآلاته، ذلك المسار الذي حرف العملية السياسية في جنيف عن مسارها لتتوافق مع مصالح الترويكا القائمة على مسار آستانة، وعلى وجه الخصوص روسيا، اليد الطولى في هذا المسار.

كانت الخطيئة في قبول المعارضة الرسمية ضمّ منصّتي القاهرة وموسكو بوصفهما جزءًا أساسًا في الجسم المفاوض في ظل انحياز الأمم المتحدة إلى تلك اليد الطولى الروسية على العملية السياسية والضاغطة على المعارضة لانتزاع التراجع تلو الآخر. أما الخطيئة الأخرى فتمثلت في قبول المعارضة الرسمية بمخرجات مؤتمر سوتشي، أي اللجنة الدستورية، ذلك المؤتمر الذي رعته روسيا الاتحادية وأصرّت على تسميته “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في كانون الثاني/ يناير عام 2018. وفي محاولة لإضفاء شرعية مفقودة على تلك اللجنة، عملت المعارضة على ليّ عنق القرارات الدولية المتعلّقة بالحلّ السياسي في سورية، وتبنت التفسير الروسي لها في ما يتعلّق بمناقشة الدستور أولًا، فروسيا هي أول من طرح مشروع دستور على طاولة مفاوضات آستانة وقدمته إلى الفصائل العسكرية التي رفضت النقاش فيه في ذلك الوقت.

ولم تتبع شخصيات المعارضة الجذرية آليّات المحاسبة اللازمة تجاه الأطراف والأشخاص الذين تواطؤوا مع أطراف من المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإدخال منصّتي موسكو والقاهرة، ولحرف مسار العملية السياسية، بداعي أنه ليس الوقت الملائم لتفريق الصفوف التي بات من الواضح أنها في الأساس متمايزة، وأنّ وحدتها لم تكن على أساس متين وتوافقات حقيقية، بل كانت على حساب الثورة السورية وتطلّعات من ضحّى لأجلها.

وعندما انسحبت تلك الشخصيات من ذلك المسار لم تعمل في المقابل -وبالمشاركة مع القاعدة الشعبية في داخل سورية وفي المنافي، تلك الرافضة لمسار اللجنة الدستورية وانخراط قوى الثورة والمعارضة الرسمية في ملامح الحلّ الروسي- على تنظيم تيار ضاغط يصوّب مسار العملية السياسية ويعلن نفسه الحامل الأساس لتنفيذ أي حلّ سياسي لا يمكن القبول به من دون أن يكون منصفًا بحقّ السوريين وتضحياتهم.

ربما أخطأت وملتزمة بالعمل لأجل الثورة

اسمحي لنا بالتوقف عند استقالتك من الائتلاف، هل لنا أن نعرف ما هي الأسباب التي دفعتك إلى اتخاذ هذا القرار؟

انسحابي من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أتى بعد أن كان هو الرافعة الأساسية في ضمّ منصّتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض، وفي إثر إعلانه القبول بمخرجات مؤتمر سوتشي، ومنها اللجنة الدستورية، الأمر الذي يعني انخراطه في مسار يتطابق مع المقاربة الروسية للعملية السياسية، ذلك المسار الذي يقوّض الحلّ السياسي الفعلي والجوهري والعادل، فيحيله إلى تقاسم سلطات ومنافع لقوى وشخصيات ودول، ويقزّم القضية السورية ويحصرها في الدستور وينقلها من جوهر الصراع بين الشعب السوري والنظام الاستبدادي السفاح إلى صراع بين المكوّنات المجتمعية، ويبيع الوهم بوجود عملية سياسية، ويلتفّ على القرارات الأممية، خصوصًا قرار مجلس الأمن 2118، تلك القرارات التي كانت حصيلة طبيعية لتضحيات السوريين وبالكاد أنصفت حق الشعب السوري في التغيير الديمقراطي الحقيقي عبر انتقال سياسي يستبعد السفاحين ومجرمي الحرب بمن فيهم بشار الأسد المعطّل الأساسي لما سبق كله، والشخصية التي رهنت مصالح الدولة السورية وثرواتها ومؤسساتها ومقدّراتها للمحتلّين الضامنين لبقائه على كرسي الحكم.

ما تزال القرارات الأممية تلك جليّة في الترتيب الزمني للخطوات التفاوضية والتطبيقية للحلّ السياسي؛ بدءًا من الانتقال السياسي وتأسيس هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات التنفيذية لتشرف على البيئة المحايدة الضرورية لصوغ الدستور بأدوات ديمقراطية، وإجراء الانتخابات ضمن مناخ آمن وبضمانات قانونية وإشراف دولي.    

أعتقد -للأسف- أن بعض تلك المؤسسات الرسمية للمعارضة قد خسرت التحدّي الذي فرضه عليها المجتمع الدولي إذ وضعها أمام ازدواجية الخضوع أو الزوال، فاختار بعضها أولوية البقاء والتعايش مع أوهام تحقيق الممكن وانتهاج ما يسمونه بـ “الواقعية السياسية” وتسويقها في الشارع السوري بافتراض أنها انتصارات تودي بنا إلى تحقيق تطلّعات السوريين وإنهاء معاناتهم في نهاية المطاف، بينما هي تشارك في عملية كسب الوقت التي ينتهجها نظام الأسد وحلّفاؤه كما سبق وذكرت.

أعلنت انسحابي من الائتلاف، وبقائي في الوقت نفسه ملتزمة بالعمل لأجل الثورة حتى تحقيق أهدافها في تحرير بلادنا من الأسد ومنظومة حكمه ومحاسبة المجرمين، كما تحريرها من الاحتلالين الروسي والإيراني، واستقلالها من دول تقاسمت النفوذ فيها، وصولًا إلى التأسيس لسورية دولة الحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.

ما هي حقيقة ما وُجه إليك من اتهامات بالتورط في ملفات فساد في المرحلة التي شغلتِ فيها منصب رئيس “وحدة تنسيق الدعم” (ACU) التي تهتم بإدارة الأموال والمساعدات التي تصل إلى السوريين، ما هي تفاصيل هذه الحادثة، وهل تشعرين اليوم في مراجعة نقدية للذات والمرحلة أنك ظُلمتِ؟

لا تستهويني المظلوميات، ربما كنت أدفع استحقاق اعتقادي أنّ الصمت والاستمرار في العمل أكثر جدوى من الردّ على حملات تشويه يدير أغلبها نظام الأسد، وبعض آخر يديره من أدخل “ثقافة المال السياسي” إلى بعض مؤسسات الثورة والمعارضة. كان بعض الأصدقاء يقولون لي إنّ الانطباع الذي يُكرّس عبر حملات ممنهجة يصبح في بعض الأحيان أقوى من الحقيقة، وبعض آخر كان يقول لي إنهم يهابون الدفاع عني لأنهم يرون أنّ “الماكينات الممولة” التي تعمل باستمرار على تشويهي، كما سمّوها، سوف تلتفت إليهم أيضًا في حال فعلوا ذلك.

وفي سياق تلك الاتهامات، أقول أولًا إنني ربما أخطأت عندما تسلمت مهمّة رئاسة “وحدة تنسيق الدعم” التي لم تكن مؤسسة تدير الأموال والمساعدات كما ورد في السؤال وكما يُعتقد، بل تعمل على التنسيق بين الجهات المانحة والمشروعات التي تقدمها إلينا المؤسسات المدنية الفاعلة على الأرض، وكذلك بينها وبين أولويات احتياجات المناطق، لذلك على سبيل المثال كنا نخصص المبالغ النقدية للمناطق المحاصرة حيث يصعب إدخال المواد العينية. لقد كنت من أصحاب مشروع ضرورة تنظيم الدعم وتنسيقه وتحريره من الولاءات، ولذلك قبلت هذه المهمّة التي طلبها مني زملائي في الائتلاف في حينها، مع الاعتراف الذي قلته لهم وبكل بساطة وصراحة “إنني لست إدارية”، وكان جوابهم أنه سيكون هناك كادر إداري احترافي في الوحدة، وأنني سأعمل على التنسيق بينهم وبين الدول الداعمة فحسب ضمن النهج والرؤية التي اعتمدناها وتتمثل في “عدم تشتيت الدعم وتنسيقه على أساس أولويات الاحتياجات، وتحرير الدعم من ولاءات الدول”.

ولكنني اصطدمت هنا بشخصيات سياسية في داخل الائتلاف لا يتقنون إلا لغة الولاءات والشللية والمال السياسي والعمل على محاولة كسب الشرعية لها ولتياراتها وكتلها عن طريق الدعم المستحق للسوريين، تلك الشخصيات كانت مسنودة من طرف دول بالتأكيد وبكل أسف. وهنا بدأت حملات التشويه تنال مني ومن المؤسسة بسبب عدم خضوعنا إلى سياساتهم وضغوطهم، وللأسف ساهم بعضهم في عملية توسيع انتشارها وتسويقها من دون التدقيق فيها، ولم يبحث من يتناقلها في مصدرها، درجة أنّ مصدر إحدى تلك الحملات كانت صحيفة “الديار” اللبنانية وصاحبها شارل أيوب وثيق الصلة بنظام الأسد، وامتلأت بعض صفحات الثوار أيضًا بمضمونها من دون معرفة المصدر أو ذكره.

أقول اليوم لمن صدّق الانطباع الذي جرى العمل عليه في ما يتعلّق بي من دون السعي وراء الحقيقة، ربما من الضروري البحث في أكثر شخصيتين معلنتين على الأقل ساهمتا في عمليات التشويه تلك: أشرف مقداد ومحمود بيطار؛ من هما، وما دورهما في الثورة، وأين هما الآن.

لا أريد أن أزيد على ذلك سوى أنّ “وحدة تنسيق الدعم” كانت تقدم تقاريرها بانتظام إلى المؤسسة التي تتبع لها، وكانت تخضع بقرار ذاتي إلى رقابة “مؤسسة ديلويت” المعروفة والمعتمدة دوليًا، والتقارير التي صدرت عنها كلها كانت وما زالت تُنشر إلى العلن، ولكن بعض الناس يستسهل تناقل بضع كلمات تشويهية بدلًا من قراءة تقارير يمكن تفنيدها ومساءلتنا على أساسها. ولو كنت أتبع سياسة المحسوبيات كما أُشيع أيضًا في حملات التشويه تلك، لربما كان هناك مجموعات من المدافعين عني وعن المؤسسة، ولكنها سياسة مرفوضة ومبتذلة ولا تليق بكرامة السوريين.

ماذا بعد هذا التطرّف الطائفي كله في المجتمع السوري والنزعات الجهادية في صفوف الثورة في تقديرك، وهل تعتقدين أن قوى الثورة وأطياف المعارضة قادرة اليوم على أداء أيّ دور نقدي فاعل أو ضابط تجاه تطرّف كهذا؟

من الخطيئة أن نساوي اليوم بين الضحية والجلاد، وألا نحدد المسؤول الفعلي عن جريمة الشحن الطائفي التي بدأت منذ انطلاق الثورة السورية، هو ذاته الذي استخدم فزاعة الطائفية في مواجهة الأحرار الطامحين إلى الكرامة لأطياف الشعب السوري كلها، وهو نفسه الذي رهن بلاده للميليشيات الطائفية ومنها حزب الله ليشاركوه في عمليات إبادة ومجازر اتسمّت بالطائفية. ثم بدأت تتحوّل الفزاعة إلى واقع فعلي بالتزامن مع انتشار أجواء الاحتقان الطائفي الذي عمل النظام على تجذيره بالوسائل الممكنة كافة، بما فيها السكاكين التي ذبحت أطفال مجزرة الحولة، والصبغة الطائفية التي عمل على وسم الثوار بها لاستمالة الأقليات في سورية وحشدها واستخدامها ورقة في مواجهة المجتمع الدولي عبر ادّعائه تمثيل مصالحها وحمايتها، بينما جعلها قربانًا في حربه ضد الشعب السوري مقابل بقائه في الحكم.

وعلى الرغم مما سبق كله لم يتمكّن نظام الأسد من حشر الثورة بعنوانها العريض في زاوية الطائفية، فاستمرت شعاراتها تتحدث عن المطالب المشروعة للسوريين كلهم، وتُرفع في لافتات التظاهرات حتى أيامنا هذه لتذكّرنا بروح الثورة الحقيقية التي عبّرت عن نفسها في بداياتها عبر شعارات متنوعة بعيدة عن الطائفية تعبّر عن مطالب سياسية لأفراد المجتمع بأطيافه كلها، حيث صدحت حناجر الثوار “الشعب السوري واحد، نحنا بدنا الحرية إسلام ومسيحية ودروز وعلوية”. إنها الثورة السورية التي أتت لإعادة الاعتبار إلى المواطنة بحد ذاتها، وللخلاص من ثوب الرعية الذي ألبسه الأسد للسواد الأعظم من السوريين، أتت ردًا على الطائفية السياسية التي مارسها نظامه في زمن الأب حافظ الأسد والابن بشار الأسد، التي تجلّت في القطاعات المختلفة؛ الجيش والأمن والنقابات والجامعات والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي أضعف الشعور بالمواطنة وجعل الانتماء الوطني ينحدر إلى ما دونه من انتماء طائفي وعشائري وأسري.

لقد أعطى نظام الأسد وحلفاؤه -عبر إذكاء نار الاحتقان الطائفي- المبرر اللازم لتغلغل شخصيات وتيارات حملت شعارات طائفية وخطابًا متشددًا تسرّب أيضًا عبر الثغرات التي دخل منها المهاجرون والغرباء، ومكّنتها رائحة الدم وآلة الموت من نشر خطابها والتأثير في محيطها، في ظل غياب مؤسسات فاعلة للثورة السورية تضع الاستراتيجيات والخطط لتحمي المجتمع من الانحدار وراء العنف والتطرّف، وغياب شخصيات فكرية اكتفت بكونها تبرّأت من تلك المظاهر من دون أن تنزل إلى أرض الواقع لتعالجها ولتعيد الاعتبار إلى الخطاب والمشروع الوطني والوطنية السورية المتصدّعة.

عندما نتحدث عن التطرّف، علينا أن نتحدث عنه بتنوّعاته، فلقد كان هناك تطرّف علماني أيضًا توجّس أصحابه بشكلٍ مبالغ فيه من خروج التظاهرات من الجوامع ومن شعار “الله أكبر”، متناسين طبيعة المجتمع السوري المحافظ بأغلبيته، وأخذوا موقفًا عدوانيًا ساهم هو أيضًا في انقسام الثورة بين علمانيين وإسلاميين، متطرّفين ومعتدلين.

لا أعتقد أنّ المؤسسات الرسمية الحالية لقوى الثورة والمعارضة قادرة على معالجة الشروخ والتصدّعات التي أصابت المجتمع السوري، لأنها لم تنقد تجربتها ولم تراجع نفسها لتتمكّن من تحديد الأخطاء والأسباب الذاتية والموضوعية لما جرى كله في سياق الثورة السورية في مناحيها المختلفة، المدنية والسياسية والعسكرية، وأنا هنا لا أبرئ نفسي وزملائي إذ إن الانسحاب من المشهد الذي كان يمكن أن يجعلنا شهود زور لا يمكن أن يعطينا وحده براءة الذمة. فهل نتجاوز اليوم ذريعة “عدم نشر الغسيل القذر”، و”عدم تفريق صفوف الثورة”، ونعمل حقيقة على نقد أخطائنا وتجربتنا ومساراتنا لنعالجها ونقويها، من دون أن نكتفي بجلد ذواتنا وجلد الآخرين بدلًا من المضي قدمًا في التصويب والتصحيح.

(النصرة) وأخواتها إفرازات لوحشية نظام الأسد

هل لديك مخاوف من أن يتحوّل إرهابيو اليوم (النصرة وأخواتها) إلى زعماء يتحكمون في مصير سورية في المستقبل المنظور؟

يتعلّق الأمر بدايةً بآليّات الوصول إلى سورية المستقبل، فإذا نجحنا في رسم ملامح ذلك المستقبل عبر اتفاق سياسي يعتمد على “بيان جنيف” والقرارات الدولية ذات الصلة، لا أعتقد أنّ مفرداته المتعلّقة بالديمقراطية والانتخابات وصندوق الاقتراع هي من أدبيات تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام أساسًا.

من ناحية أخرى، نحن نشهد اليوم تراجعًا مهمًا لإيقاع الخطاب الجهادي المتطرّف في الساحة السورية، ترافق مع مواجهات حصلت بين فعاليّات الثورة والأطراف التي سبق وحملت فكر (القاعدة) ومارست سياسة القمع والاغتيال بحق عدد من الثوار، فكشفت أنّ بندقيتها لم تتوجه إلى صدر العدو فحسب، بل ركزت أيضًا على الثورة فساهمت في تشتتها وإضعافها. لقد تنبّهت حاضنة الثورة، وهنا أيضًا سبقت المعارضة التقليدية، ونبذت مبكرًا النصرة وداعش، ورفعت الشعارات المناهضة لها وهي في عقر دارها، وتمكّنت في بعض الأحيان من طردها.

إضافة إلى كون تلك التشكيلات إفرازات لوحشية نظام الأسد وممارساته الطائفية وانسداد الأفق وفوضى السلاح، ومن ثم من الطبيعي أن تنخفض وتيرتها، بل أن تذوب تلك الظاهرة عندما تنتهي العوامل التي تغذّت عليها.

وعلى افتراض أن هيئة تحرير الشام أجرت مراجعة حقيقية وجذرية لنهجها وأدبياتها وممارساتها، ولم تفعل ذلك بدافع التملّص من تصنيف المجتمع الدولي لها فحسب، أعتقد أن المتعاطفين معها أقلية، وأنها ما زالت ظاهرة سطحية لم تتجذر في المجتمع السوري، وستبقى أقلية لا يمكن أن تتحكّم في نظام برلماني ستكون أغلبيته التمثيلية من مصلحة الوسط في سورية.

لم يشهد التاريخ الحديث بؤرة صراع دموي أُهملت من جانب المجتمع الدولي، وعرفت هذا الاستهتار المخزي، وباتت مرتعًا لصراعات النفوذ وتقاسم الحصص، مثل الكارثة السورية. سؤالي: لماذا تُركت سورية لهذا المصير المرعب؟

أعتقد أننا في سورية دفعنا ثمن المستنقعين العراقي والليبي، وبات المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، يستخدم تجربة العراق وبعدها ليبيا ذريعة ليبرّر تخاذله وعجزه عن التعامل مع القضية السورية. ولكن هذا السبب لا يمكن أن يكون كافيًا لتفسير ما قارب التواطؤ في سلوك المجتمع الدولي أمام الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه بحق الشعب السوري.

وفي الحديث عن العوامل التي ساقها المجتمع الدولي في تبرير تواطئه، هناك إشهار المجتمع الدولي تخوّفه من فزاعة مجيء الإسلاميين إلى الحكم منذ الأشهر الأولى للثورة السورية على الرغم من الشعارات المدنية والديمقراطية التي رفعتها الثورة وطالبت فيها بالحرية والكرامة لأطياف الشعب السوري كلها، وعلى الرغم من عدم ظهور تيارات وشخصيات متشددة دينيًا في تلك المرحلة؛ إذ كانت السمة العامة لهوية الثوار على الأرض هي نفسها سمة المجتمع السوري المحافظ الذي تشارك مع التيارات الأخرى في التظاهرات والفعاليّات الثورية، ولم نلمس في البدايات أي تنابذ أو تفريق بين علماني وإسلامي، بل كان التصنيف السائد حينها ثوري/ عوايني (بمعنى أنه يعين النظام على الثوار). تطورت تلك الفزاعة لاحقًا عندما بدأت تظهر معالم العمل على أسلمة الثورة السورية، وبعد أن أطلق الأسد سراح معتقلين إسلاميين من سجن صيدنايا سرعان ما حملوا السلاح وشكّلوا فصائل إسلامية في مواجهة قوات الأسد، وبعد أن تكشفت تصريحات بعض شخصيات الإخوان المسلمين في مؤسسات المعارضة بأنهم يستخدمون الشخصيات العلمانية بوصفهم واجهة فحسب لا شركاء حقيقيين في العمل الوطني، وبدأ يسود التصنيف علماني/ إسلامي.

لقد ساهم تخاذل المجتمع الدولي تجاه الثورة السورية ودعمها في هذا التحوّل، فالإخوان منظمة لها مفردات تمويلها وقدرتها على التنظيم؛ الأمر الذي أخلّ بموازين قوى الثورة على الأرض.

ومن العوامل الأخرى أيضًا التي يسوقها المجتمع الدولي في تبرير تقاعسه عسكرة الثورة وفوضى السلاح، في الوقت الذي ساهم فيه هو بنفسه في الوصول إلى تلك الفوضى عبر امتناعه عن الدخول والتدخل في تقديم الدعم العسكري ضمن إطار منظم ومعايير واضحة وعبر قناة وطنية واحدة تعمل على تنظيم السلاح وضبطه ضمن استراتيجية محدّدة وتحت مظلة سياسية، وترك الساحة لدول متصارعة استثمرت في بعض الفصائل وتدخلت في سير المعارك وأسمائها وأهدافها، وعكست صراعاتها على الأرض؛ ليصبح مشروع بعض التحركات في سورية هو الصراع على النفوذ والسلطة وليس مشروع ثورة كما سبق وذكرت.

ومن تلك العوامل أيضًا ذريعة عدم وحدة المعارضة السورية، تلك الذريعة التي ارتُكبت باسمها جريمة إدخال منصّات وشخصيات لا علاقة لها بالثورة، لكنها تمثّل إرادات دول، وفي بعض الأحيان دول حليفة لنظام الأسد، كمنصّة موسكو وقدري جميل. وباسم تلك الذريعة أيضًا استمر العمل على خلط المعارضة، فضلًا عن ملهاة المحاصصات التي انخرطت فيها مؤسسات الثورة والمعارضة بذريعة ضرورة تمثيل الأقليات، ثم انسحبت إلى محاصصات بين مكوّنات المعارضة والثورة السورية كافة.

وأما العامل الذي أتفق فيه مع تحفظات المجتمع الدولي هو أننا بالفعل لم نقدم نموذجًا ناجحًا في إدارة المناطق المحررة، على العكس، قدمت بعض قوى الأمر الواقع نموذجًا مستنسخًا مبسّطًا عن نظام الأسد في القمع والاعتقال والاستبداد، ولست هنا في معرض التبرير لأنفسنا عبر التذرع بالعوامل الموضوعية والذاتية لهذا الفشل.

وأما في ما يخص الأسباب الحقيقية لموقف المجتمع الدولي المخزي بحق الإنسانية أولًا وبحق السوريين ثانيًا، فمنها الموقع الجيوسياسي الحيوي لسورية الذي استغله نظام الأسد في تحالفاته الإقليمية والدولية، ومكّنه من ضمان دوره عبر عمليات ابتزاز لطالما مارسها في مناطق عدة، وتحالفات تنازل فيها للحلفاء عن مؤسسات الدولة ومواردها وثرواتها مقابل بقائه في كرسي الحكم.

ومن تلك الأسباب أيضًا أولوية ضمان أمن (إسرائيل) بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي اتبعت مع القضية السورية استراتيجية غياب الاستراتيجية الأميركية وسياسة الانسحاب من الشرق الأوسط، مع الحفاظ على إدارة مصالحها وثوابتها عبر وكلاء من دون التخلي عن الإمساك بالخيوط لإدراك النتائج واستثمار المخرجات، وكذلك سياسة الخطوات التجريبية عبر عقد الصفقات وتطبيق العقوبات واعتماد قانون قيصر، وفي الوقت نفسه تسليم مفاتيح الصراع للروس مع الإبقاء على القرار النهائي والعصا الغليظة في أيدي الأميركان يستخدمونها بحسب مصالحهم ومصالح إسرائيل.

وأما روسيا التي امتلكت إستراتيجية التدخل العسكري المباشر في سورية لحسم الصراع عسكريًا وإنقاذ نظام الأسد المتهالك، واليد السياسية الطولى في مسار آستانة وجنيف ومؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية لشرعنة بقاء النظام وإعادة إنتاجه واستمراره، نراها قد تمكّنت انطلاقًا من الساحة السورية من فرض نفسها شريكًا في إدارة الأزمات وتجارة السلاح وقطبًا منافسًا للولايات المتحدة الأميركية، واستخدمت حق الفيتو (النقض) في مجلس الأمن لعرقلة صدور قرارات تخدم قضية الشعب السوري وتنصفه وتدين نظام الأسد، وجَرّت الأمم المتحدة وبعض مؤسسات المعارضة إلى تفسيرها وتأويلها ومقاربتها للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص الحلّ السياسي في سورية بما يضمن استمرار مصالحها على الأراضي السورية.

أما الاتحاد الأوروبي فيبقى الحلقة الأضعف في هذا الصراع الدولي، خصوصًا في ظل غياب الاستراتيجية الأميركية وتدخل روسيا عسكريًا في سورية، على الرغم من نقاط القوة التي يمتلكها وتتمثّل في المسار القانوني الذي بدأ على أراضيه الذي يتعلّق بمحاسبة مجرمي الحرب في سورية ومحاكمتهم، كذلك دوره في إعادة الإعمار المرتبط بالحلّ السياسي. والحال أدهى بالنسبة إلى المنظومة العربية الهشة والغائبة والغارقة في كونها مادة للصراعات وتصفية الحسابات والمشروعات الإقليمية والدولية وساحة لها، ومنها المشروع الإيراني، وذلك في ظل غياب المشروع العربي لحماية مصالح الدول العربية.

ومع ذلك، لم تتمكّن روسيا من استثمار ما سلف كله سياسيًا على الرغم من يدها الطولى في الملف السوري، يدها غير مطلقة العنان، حيث تمسك الولايات المتحدة على وجه الخصوص ويتبعها الاتحاد الأوروبي بزمام تعطيل ذلك الاستثمار الروسي عبر أداة قانون قيصر، والتحذير المستمر من التطبيع مع نظام الأسد والتذكير الدائم بأن ملف إعادة الإعمار لن يكون قابلًا للتداول قبل الحلّ السياسي الجذري والشامل في سورية. ولكن تكتيك التعطيل وحده ليس كافيًا مع عدم وجود الإرادة الحقيقية والدفع الفعلي للمسار الذي ينهي عذابات السوريين في ظل تعارض مصالح الدول الحليفة لقضية الشعب السوري، وظهور محور الثورة المضادة الداعمة لإعادة تأهيل الأسد بحجة اجتثاث قوى الإسلام السياسي؛ بينما الأساس بالنسبة إلى هذا المحور هو الصراع والتنافس في المحاور والأدوار.

كيف تنظرين إلى التدخلات العسكرية الخارجية في سورية، ومن المسؤول عنها، وما هو السبيل للخلاص من حالات الاحتلال هذه كلها للحفاظ على وحدة الجغرافيا الوطنية السورية التي مزقتها الحروب؟

لقد كشفت التدخلات العسكرية الخارجية، على تعدّدها وتنوّعها وانقساماتها، زيف ادّعاء نظام الأسد الحفاظ على سيادة سورية، فهو الذي سلّم موانئ الدولة ومواقعها ومناطقها ومؤسساتها ومواردها لحلفائه في حربه على الشعب السوري مقابل الحفاظ على كرسي الحكم القائم على أشلاء السوريين وعذاباتهم، وفي ظل حكمه أصبحت السماء السورية مستباحة أمام الطيران (الإسرائيلي)، وأضحت الأراضي السورية مباحة أمام جيوش عدة، ليصبح تفسير محمد الماغوط جليًّا بخصوص معنى نظام الصمود والتصدّي ومغزاه: “صمود على الكراسي، والتصدّي لكل من يقترب منها”.

وبينما كانت قوات نظام الأسد تستعين بالميليشيات الطائفية الأجنبية والحليف الروسي بما لديه من ترسانة عسكرية وتجارة سلاح ازدهرت على حساب دمائنا وأرضنا وسمائنا التي أصبحت ساحة تجريبية للأسلحة الروسية، وصولًا إلى التدخل العسكري الروسي المباشر لحماية النظام من السقوط على الرغم من امتلاكه الجيش والقوات المسلّحة والدفاع الوطني والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وسلاح الحصار والتجويع والاعتقال والتعذيب والأسلحة الكيمياوية، لم تطالب فصائل الجيش الحر في البداية إلا بكفّ سلاح الطيران عن المدنيين، أو بدعمها بالأسلحة، ومنها تلك المضادة للطيران لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

وأتت معادلة لا غالب ولا مغلوب، أي منع أي طرف من تحقيق الانتصار وإحالة الثورة إلى أزمة مفتوحة، تلك المعادلة التي اعتمدها المجتمع الدولي سعيًا وراء كسب الوقت حتى يحين أوان الحلّ السياسي، لتريق مزيدًا من دماء السوريين وتعطي الأطراف المعنية بالملف السوري الوقت اللازم لحساب مكتسباتها ومصالحها، وليصبح الاتفاق السياسي المنتظر محض اتفاق على تقاسم المصالح والنفوذ بين تلك الأطراف في ظل تغييب جوهر القضية السورية: صراع شعب سوري يتوق إلى الحرية والكرامة في مواجهة نظام قاتل مستبدّ، بل تشويهه ليصبح حرب وكالة بين الدول المتصارعة على المكاسب على أرضٍ سورية وبدماء سورية.

لم تكن دول أصدقاء الشعب السوري حقيقية وجادّة في دعمها له، ولطالما تحدثنا معها عن ضرورة تغيير موازين القوى على الأرض في خطوة أولى للحلّ السياسي، حيث بات من المعلوم أن نظام الأسد لا يفهم إلا لغة القوة، ومن غير الممكن أن يأتي إلى طاولة المفاوضات إلا في حال استشعر هزيمته على بعد خطوة منه، وكنا نُتهم حينها بأننا من أنصار الحلّ العسكري. وها هو الاستعصاء الذي وصل إليه اليوم مسار المفاوضات في ظل تعنت الأسد وحلفائه يبرهن خطيئة المجتمع الدولي في السماح للتدخل العسكري الروسي واتفاقات خفض التصعيد والهدن المحلّية بقلب موازين القوة لمصلحة نظام الأسد.

لقد قبض الروس ثمنًا غاليًا لهذا التدخل العسكري الذي أنقذ الأسد، وأطال أمد الأزمة السورية، قبضه من مستحقات الشعب السوري. والثمن الأغلى هو ذلك الذي قبضه حكم الملالي الإيراني بميليشياته الطائفية التي باتت تتغلغل في جذور المجتمع السوري وتنشر فيه النزعات المذهبية والطائفية، وتغيّر في تركيبته الديموغرافية بهدف السير بخطوات متسارعة نحو تحقيق حلمهم القومي ومشروع الهلال الشيعي وترسيخ نفوذهم الإقليمي.

كنت أعتقد أنه يمكن لمقاومة الاحتلال الخارجي أن تبدّل خطوط الانقسام في داخل المجتمع السوري، وأن توحد صفوف الثورة مع الرماديين، بل حتى الموالين الذين صدقوا أكاذيب نظام الأسد بشأن المؤامرة والعصابات المسلّحة واستهداف الأقليات، بعد أن أدركوا أنهم لم يكونوا سوى وقود للحفاظ على كرسي الحكم، لكن من الواضح أن تشعب التدخلات العسكرية وتشابك مصالحها جعل المشهد السوري أكثر تعقيدًا.

أما السبيل الوحيد للخلاص من حالات الاحتلال تلك فهو استعادة البوصلة الوطنية والقرار الوطني المستقل وإيماننا بإرادتنا وإعادة الاعتبار إلى أولوياتنا ومصلحة شعبنا وبلدنا، وحساب تقاطعاتها مع مصالح الحلفاء، من دون أن نصبح وكلاء لهم على حساب قضيتنا.

شروط مسار انتقال الحكم ومراحله

يتطلب الانتقال السياسي في سورية وفق بيان جنيف والقرار الدولي 2254، وجود رؤى سياسية بديلة لرؤية نظام بشار الأسد وفكره. هذه البدائل -في حال حدوث أي انتقال سياسي محتمل- تحملها مشروعات سياسية تطرح نفسها في عملية انتخابية لتغيير الواقع السوري. سؤالي: هل لك أن تحددي الملامح الأولية لطبيعة الحياة السياسية المتوقعة بعد حدوث استقرار نسبي داخلي في سورية؟

لقد صدرت عن قوى الثورة والمعارضة وثائق عدة في هذا الخصوص، ربما أبرزها وثيقتا مؤتمر القاهرة المنعقد برعاية الجامعة العربية عام 2012، الرؤية السياسية المشتركة لملامح المرحلة الانتقالية ووثيقة العهد الوطني، وكذلك الوثيقة التي أصدرتها الهيئة العليا للمفاوضات عام 2016 بعنوان الإطار التنفيذي للحلّ السياسي وفق بيان جنيف، ولقد كنتُ من الفاعلين في تلك المراحل.

إنّ المرحلة الانتقالية التي تتبع التوافق على المبادئ الأساسية للعملية الانتقالية وإقرارها، وتوقيع الاتفاق السياسي الذي يعتمد على الشرعية الدولية وبيان جنيف والقرارات ذات الصلة، وأبرزها القرار الدولي 2118، هي مرحلة مفصلية ودقيقة بكل تأكيد، وهي ممرّ العبور من محنتنا الحالية إلى سورية المستقبل.

لذلك حدّدنا ملامحها في وثيقة الهيئة العليا للمفاوضات ووثائق القاهرة، وأكّدنا -وما زلنا نؤكّد- أنها تستوجب رحيل بشار الأسد وزمرته الذين تورطوا في إصدار أوامر بارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب السوري، ووقفًا شاملًا ودائمًا لإطلاق النار، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية وفق المادة 16 من القرار 2118/ 2013 والفقرة 4 من القرار 2258/ 2015 والمادة 2 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/ 67 بتاريخ 15 أيّار/ مايو 2013 التي تقضي بنقل سلطات رئيس الجمهورية والحكومة وصلاحياته إليها، بما في ذلك سلطات رئيس الجمهورية على الجيش والأمن.

لا مصالحة من دون الحد المقبول من العدالة، ولا بدّ من إنشاء منظومة حكم جديدة تحقّق التمثيل العادل للشعب السوري بوصفه مصدر السلطات، وهي سلطة مؤقتة لا تقرّر عوضًا عن السوريين، إنما تقتصر مهمّاتها على تأمين الشروط اللازمة لتمكينهم من التعبير عن إرادتهم الحرة في تحديد مستقبل بلادهم، وتوقف العمل بالدستور الحالي (الصادر عام 2012)، وتصدر إعلانًا دستوريًا يحكم المرحلة الانتقالية ويضمن حق السوريين في المشاركة الكاملة في العملية السياسية وفي صوغ السياسات الوطنية وينصّ على فصل السلطات واستقلال القضاء، وإصدار قوانين مؤقتة تنظم الحياة العامة وتصون الحقوق الفردية والممارسة الديمقراطية والتعدّدية وحق المواطنة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتشمل حريات الإعلام والتظاهر وتشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات.

وتلغي منظومة الحكم الجديدة، المراسيم والقوانين والمحاكم الاستثنائية جميعها التي تعارض القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومنها القانون رقم 49 لعام 1980 وجميع ما ترتب عليه من نتائج وأحكام، وتزيل آثار السياسات التميّيزية السابقة إضافة إلى إزالة الإجحاف بحق نازحي الجولان وضحايا أحداث الثمانينيات، وتتعامل مع القضية الكردية بوصفها قضية وطنية سورية، وتعمل على ضمان حقوق الكرد القومية واللغوية والثقافية دستوريًا، ورعاية الحقوق الثقافية والدينية المشروعة للمكوّنات السورية كلها في إطار وحدة الدولة والشعب، وتلغي المراسيم والقوانين التمييزية المجحفة وتداعياتها بحق القوميات الكردية والتركمانية والآشورية وأي طيفٍ آخر من أطياف الشعب السوري. وتعتمد تلك المنظومة مبدأ اللامركزية الإدارية الموسعة في إدارة شؤون البلاد؛ بما يمنح أهالي كل محافظة ومنطقة دورًا في إدارة شؤونهم المحلّية الاقتصادية والمجتمعية والحياتية، ولا يؤثر سلبًا في وحدة البلاد.

ولا بدّ في خلال المرحلة الانتقالية من تشكيل حكومة تصريف أعمال، وإنشاء مجلس عسكري مشترك لضبط الأمن، وإعادة تشكيل مجلس قضاء أعلى حر ومستقل، إضافة إلى محكمة دستورية عليا مستقلة ومحايدة، وتشكيل هيئة لإعادة الإعمار وهيئة للمصالحة الوطنية. ولا بدّ من إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وبنائها على أسس وطنية وتأمين إدماج المنشقين وقوى الثورة وفعاليّاتها ضمنها، والعمل على جمع السلاح وضمان حصر حق حيازته بيد الدولة الشرعية، وإعادة هيكلة القطاع الأمني على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية بهدف ضمان خضوع تلك القطاعات للقانون والمساءلة والتزامها بالدستور وحقوق الإنسان، وضمان الاحترافية وتعزيز التنوّع.

ولا بدّ من عقد مؤتمر وطني جامع يتكوّن من أشخاص يمثّلون مكوّنات الشعب السوري وقوى المجتمع المدني ومنظماته المختلفة، وشخصيات دينية وسياسية وثقافية ونقابية وفكرية لها حضور على الصعيد الوطني، إضافة إلى السوريين في المهجر والشتات لإطلاق عملية حوار وطني شامل، وتشكيل لجنة لصوغ مسودة دستور جديد للبلاد بقرار من هيئة الحكم الانتقالي.

وتعمل هيئة الحكم الانتقالي على تأكّيد الحياد السياسي للجيش والقوات المسلّحة وخضوعهما للحكومة الشرعية وحصر مهمّتهما في الدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقلاله وسلامة أراضيه، وتحويل المؤسسات الأمنية من أجهزة قمعية إلى مؤسسات احترافية تصون سيادة الدولة واستقلالها وتحمي الحريات العامة. كذلك تشكّل لجنة لتقصّي الحقائق تعمل على جمع الإفادات والتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، والتحقيق في الجرائم طويلة المدى وكشف الحقائق في ما يتعلّق بجرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري كمجزرة حماة وملف الاعتقالات السياسية والإعدامات الميدانية وملف المهجرين قسريًا والمسرّحين تعسفيًا وملف التغيير الديموغرافي. وتعمل الهيئة على إعادة اللاجئين والنازحين والمبعدين والمفصولين تعسفيًا من أعمالهم.

وتبني هيئة الحكم الانتقالي برامج المصالحة الوطنية، وتضع الضوابط الدستورية والقانونية التي تتولى تطبيقها مؤسسات نزيهة تعتمد آليّات واضحة وفاعلة للمساءلة والمحاسبة وتطبيق العدالة الانتقالية بصفتها شرطًا أساسًا لنجاح عملية الانتقال السياسي، بما تتضمّنه من تحقيق العدالة للضحايا جميعهم الذين تعرّضوا إلى انتهاكات منهجية لحقوقهم الإنسانية وإلى إساءة المعاملة، وتعويضهم ومحاسبة الفاعلين وإيجاد آليّات تعويض إضافية تمنع تفاقم النزاعات الاجتماعية وتعالج التأثيرات الفردية والجماعية للعنف والقمع والاستبداد وتوفّر الدعم النفسي للأطفال والنساء وضحايا العنف. وتعمل تلك المؤسسات على منع حصول انتهاكات جديدة في أثناء تطبيق العدالة الانتقالية، وعلى استعادة إيمان المواطنين وثقتهم في مؤسسات الدولة، والمساهمة في تعزيز سلطة القانون والمؤسسات الديمقراطية ومشروعيتها.

ومن تحدّيات المرحلة التي يجب العمل عليها إعادة الإعمار، واستعادة البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وتنفيذ القرارات الدولية بشأن العودة الطوعية غير المشروطة للسوريين جميعهم إلى وطنهم ومناطق سكناهم الأصلية، وإلغاء القرارات المتّخذة بعد آذار/ مارس عام 2011 وما ترتب عليها من عمليات التجنيس (باستثناء تجنيس المواطنين الكرد في تلك المرحلة) والاستملاك والتغيير الديموغرافي والترحيل الفردي والجماعي، وإبطال قرارات مصادرة الممتلكات والتهجير القسري وتدابيرها، وإعادة الجنسية إلى السوريين جمعهم الذين جُرّدوا منها بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 ومعالجة الآثار المترتبة على ذلك، بمن فيهم المكتومون الذين لم يسجلوا  من السوريين وأبنائهم نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد.

ومن الضروري ضمن هذا السياق أن يرفع المجتمع الدولي فور الخلاص من نظام الأسد العقوبات الاقتصادية عن المؤسسات الحكومية والعامة بالتزامن مع البدء في المرحلة الانتقالية، من دون أن يشمل ذلك مجرمي الحرب ومن ساهم في انتهاك حقوق الشعب السوري والمدرجين على قوائم العقوبات الدولية والأوروبية والأميركية، وتقديم مساعدات لتأمين عودة كريمة للاجئين والنازحين والمبعدين، وأن يلتزم المجتمع الدولي بإعادة إعمار سورية والمساعدة على استعادة الدولة أموال السلطة المحتجزة في الخارج، وأن تدعو هيئة الحكم الانتقالي إلى مؤتمر للمانحين، وإنشاء صندوق لإعادة الإعمار.

في هذا السياق، يرى معارضون سوريون أنه من أساسيات الانتقال السياسي في سورية، في الوقت الذي تسوق فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لما يسمّى صفقة القرن في المنطقة العربية، السعي إلى تغيير موقف نظام الحكم في سورية من الكيان الإسرائيلي، وتقديم رؤية لإبرام اتفاق سلام سوري – إسرائيلي. ما هو رأيك بهذا الطرح؟ وهل تؤيدين إبرام اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الأسد؟

في هذا الإطار علينا أن نطرح بداية السؤال الآتي: ما هو موقف نظام الحكم الحالي، نظام الأسد، من الكيان الإسرائيلي؟ لقد أصبح واضحًا منذ أمد بعيد كذب مقولة إنه نظام صمود وتصدّي، وإنه النظام الممانع والمقاوم، وأتت شعارات وهتافات الثورة السورية جليّة بهذا الخصوص عندما قالت إنّ الأسد باع الجولان، وعندما صدحت أيضًا: يا ماهر يا جبان، ابعت جنودك عالجولان، كذلك التظاهرات التي انطلقت في مجدل شمس في الجولان، وردّدت شعارات الثورة ومنها سورية لينا وما هي لبيت الأسد، وطالبت بإسقاط نظام الأسد. وأصبح معلومًا الدور الأساسي لإسرائيل في دعم بقاء نظام الأسد، وفي استدراج تدخل إيران وحزب الله والميليشيات الطائفية لحمايته وتثبيته، في ظل تصريحات رامي مخلوف في الأشهر الأولى للثورة عندما ربط استقرار إسرائيل باستقرار سورية، ورهن الاستقرار الأخير بحماية النظام في سورية، وهدّد أنّ البديل هم السلفيون ما يعني الحرب في سورية وفي خارجها أيضًا، بحسب قوله.

وبإمكاننا عدّ الاحتلال الإسرائيلي من ضمن الأوائل في قائمة المستفيدين مما يجري في سورية من تدمير أركان الدولة بيد الأسد وحلفائه، وانهيار مؤسساتها واستباحة الأراضي والموارد وتفتيت البنية المجتمعية وصولًا إلى استغلال تلك المحنة لتصبح سورية أرض المواجهة مع النفوذ الإيراني وميليشيا حزب الله من دون أدنى استهداف لنظام الأسد. وأصبح من الممكن لإسرائيل الاستفادة من الدرك الذي وصل إليه هذا النظام لتكون هي المنقذ له ولكرسي حكمه مقابل اتفاق تسليم علني ورسمي وكامل للجولان، وليس اتفاق سلام. ويساعد في هذا السياق انخراط بعض الأنظمة العربية الحالي في مخططات الولايات المتحدة وإسرائيل في مشروع صفقة القرن، وإقامة علاقات وتواصل بينها وبين (الكيان الإسرائيلي) تحت ستار إضعاف النفوذ الإيراني.

أنا من الجيل الذي نشأ على أخبار الانتفاضة الفلسطينية الذي ردّد في الشوارع السورية أناشيدها يوم حصار جنين، وآمن بثورتنا السورية بوصفها ثورة كرامة وحرية، فللشعب السوري الحق في النضال من أجل استعادة الأراضي المحتلة منها بالطرائق المشروعة كافة التي كفلها ميثاق الأمم المتحدة، وسورية المستقبل هي دولة مستقلة ذات سيادة، ولا يجوز اقتطاع أي جزء من أراضيها أو التخلي عنه.

أخيرًا،بعد هذا المخاض كله إلى أين يتّجه مسار الأزمة السورية؟ وما هو تصورك لنموذج الدولة الأفضل في سورية المستقبل، وإنجاز تسوية مرضية لأطراف الصراع السوري جميعها؟

لا يتّجه مسار الأزمة السورية باتّجاه الحلّ الجوهري الحقيقي في ظل المشهد الحالي الذي ترسم ملامحه روسيا لمصلحتها من جهة، وتعطّلها الولايات المتحدة في استكمال تلك الملامح من جهة أخرى، خصوصًا بعد العمل على تشويه طبيعة الصراع وتغييره من ثورة شعب في مواجهة نظام قتْل وتدمير وقمع واستبداد، إلى تقاسم مصالح ونفوذ دول متصارعة. ومن دون تصويب هذا المسار لن يكون هناك حلّ، وسيبقى استنزاف السوريين واستلابهم مستمرًا في ظل نظام هزيل تحوّل إلى محض ورقة بازار سياسي في أيدي الروس، يشكّل استمرار وجوده عائقًا في سبيل تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تعدّدية، دولة المساواة في المواطنة والحريات.

لا بدّ من العمل على مشروع إنقاذ وطني وبلورة إرادة شعبية حرة غير خاضعة لإرادات الدول وصراعاتها وأجنداتها المتناقضة، بهدف إعادة الاعتبار إلى أهداف الثورة السورية واستعادة التعبير عن مصالح السوريين وتطلعاتهم بمكوّناتهم كافة، وصوغ خطاب سياسي متماسك ومستقل يتوجه إلى السوريين كافة ويتشارك معهم استكمال مفرداته ليجيب على مقترحاتهم وهواجسهم وآمالهم، ويشكّل رأيًا عامًا سوري الهوية والانتماء، ضاغطًا على المجتمع الدولي والدول المعنية بالقضية السورية وصولًا إلى إيقاف مهزلة العملية السياسية الإيهامية التي تحفظ ماء وجه المجتمع الدولي والأمم المتحدة والروس على وجه الخصوص الذين يكتفون بالضغط على المعارضة السورية للانخراط في هذه المهزلة التي تغطي حقيقة تعطيل نظام الأسد للحلّ السياسي، في ظل الترتيبات التي تجري على الأرض من طرف الروس والإيرانيين والدول ذات المصلحة بفضل كسب الوقت الذي يتيحه وهم العملية السياسية.

الحلّ في سورية سياسي بالدرجة الأولى وبرعاية الأمم المتحدة، لكن لا بدّ من العودة إلى التنفيذ الفعلي والشامل لـ بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة، مع الحفاظ على تراتبية قرار مجلس الأمن الأخير 2254 المتعلّق بهذا الخصوص وتراتبية خطوات تنفيذ الحلّ السياسي ووضع الجدول الزمني الضابط لها، ومع ضرورة توفير الضمانات الدولية لإقرار هذا الحلّ وتنفيذه، وذلك بالتزامن مع التطبيق الفوري وغير المشروط لإجراءات بناء الثقة، وأبرزها إطلاق سراح المعتقلين، وكشف مصير المغيبين قسرًا، ووقف أحكام الإعدام، والعودة الطوعية للنازحين واللاجئين إلى ديارهم، وإعادة المفصولين والمبعدين بسبب آرائهم من دون قيد أو شرط، وسحب القوات غير السورية كلها وفق جدول زمني محدّد وبإشراف قوات دولية محايدة.

وأما عن سورية المستقبل التي خضنا غمار الثورة في سبيلها، ودفع السوريون ثمنًا باهظًا للوصول إليها، فهي دولة مدنية ديمقراطية، السيادة فيها للشعب، تقوم على الحق والقانون. وهي دولة المؤسسات والتداول السلمي للسلطة عن طريق انتخابات دورية حرة ونزيهة وفق قانون عصري، تشرف عليها هيئة انتخابات مستقلة ومتخصصة، تضمن اختيار الشعب ممثليه الحقيقيين في مؤسسات الحكم ومراكز صنع القرار، وهي جمهورية برلمانية، يتولى المجلس النيابي فيها مهمّة التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، وتقوم على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وعلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتحترم كيانات الأفراد وحرياتهم ومعتقداتهم ومكوّنات الشعب السوري، وتضمّن حقوقهم الإنسانية والثقافية والسياسية والمدنية المتساوية، وتحترم حقوقهم القومية والدينية، وتعمل على معالجة القضية الكردية بوصفها قضية وطنية، وتصحّح أشكال الظلم والتعسف والتمييز كلها التي صنعها نظام الأسد، وتعالج أشكال العنصرية والطائفية والتمييز والتعصب والكراهية والتطرّف.

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى