أبحاث

هل القوات المسلّحة السورية موثوقة في حالتها الراهنة؟/ عبد الرحمن المصري

ترجمة:  بسام جوهر

 كان للجيش السوري، على مدار السنوات التسع الماضية، دوراً فعّالاً في ضمان بقاء نظام بشار الأسد، ليس بسبب أدائه في ساحات القتال، بل بسبب ولائه المستمر للنظام، حيث حافظت القوات المسلّحة السورية على ولائها للنظام على عكس جيوش الدول التي واجهت أنظمتها تحديات مع انتفاضات الربيع العربي عام 2011 .

منذ أن استولت عائلة الأسد على السلطة في سوريا عام 1970،

شهد الجيش السوري تحولاً هيكلياً على مستوى آليات السيطرةوالموقع المهيّمن للأقلية العلوية في الجيش.

شهد الجيش السوري تحولاً هيكلياً على مستوى آليات السيطرة والموقع المهيّمن للأقلية العلوية في الجيش، حيث كفل ضمان قوة الولاء ودعم الدور المركزي للجيش في استدامة النظام الاستبدادي السوري.

على أية حال، فإن الصراع الحالي كان له تأثير، وبشكل حقيقي، على صورة نظام الأسد كما ترك تأثيره عل بنية وتوجّه مؤسسته العسكرية، مما جعل ولاء هذه المؤسسة موضع تساؤل.

اليوم، أصبحت القوات المسلحة مفتتة ومجزأة وآلية صنع القرار متنازع عليها مع ازدياد اللامركزية، كما أن دائرة الولاء اتسعت بطريقة لم يسبق لها مثيل. إضافة إلى ذلك، أدى انتشار الجهات الأمنية والتدخل الأجنبي، إلى تعقيد الوضع غير المستقر لقطاع الأمن والدفاع السوري، مما جعل العلاقات المدنية – العسكرية أقل قابلية للتنبؤ وأكثر هشاشة أمام التحديات التي تواجه النظام.

الجيش السوري قبل عام 2011:

يجب على المرء، قبل مناقشة التغييرات، أن يعرف ويفهم القوة العسكرية لنظام الأسد قبل عام 2011

كانت العلاقات المدنية – العسكرية، قبل تولي حافظ الأسد للسلطة عام 1970، على درجة حادة من عدم التوازن، حيث كان للجيش توجّه سياسي قوي ويمتلك سلطة قوية وفعلية.

استطاع الأسد الأب، خلال بناء نظامه، وضع حدّ لهذه القضية سيئة السمعة للجيش والمتمثّلة بالتحريض على تغيير النظام من خلال الانقلابات، لكنه لم يفعل ذلك عن طريق إنهاء الدور السياسي للجيش، بل قام بمأسسة هذا الدور بحيث أصبح الجيش يشكّل العمود الفقري والأساس لنظامه.

خضعت القوات المسلّحة السورية لتحوّل جذري في عهد الأسد الأب خيث غيّرت طبيعتها من قوة تتحدى  النظام تاريخياً إلى دعامة وركيزة أساسية من ركائز نظام الأسد البعثي.

وهكذا خضعت القوات المسلّحة السورية لتحوّل جذري في عهد الأسد الأب، حيث غيّرت طبيعتها من قوة تتحدى النظام تاريخياً إلى دعامة وركيزة أساسية من ركائز نظام الأسد البعثي وضمان لسيطرة عائلة الأسد على هياكل الدولة السورية.

وسّع حافظ الأسد حجم الجيش بشكل كبير، وذلك في خطة لإعادة ترتيب الجيش بما يتناسب مع أهداف نظامه. وفقاّ لتقديرات أعدّها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فقد ارتفع العدد الاجمالي للقوات المسلّحة بحوالي 162% في السنوات العشر الأولى من حكم حافظ الأسد، ونحو 264% عند وفاته عام 2000. كما أدخل الأسد سلسلة قيادية موازية وأعطى تفويضات متداخلة وفائضاً مؤسسياً على التشكيلات العسكرية الرئيسية. وبهذه الطريقة تم بناء مختلف أجهزة النظام القمعية، بمستويات متعددة من الولاء والتنافس والانضمام معاً من أجل بقاء النظام.

بالإضافة إلى ذلك، والأهم من ذلك، فقد استفاد الأسد من حالة الانقسام الشديد في المجتمع السوري، وعمل على رفع عدد ودور العلويين- الأقلية التي تنتمي إليها الجذور الاجتماعية والدينية لعائلة الأسد- حيث أدرك حافظ الأسد ومن بعده بشار، التأثير الذي يمكن أن يحدثه التضمين الاثني في الجيش على الولاء بين صفوفه. وكنتيجة لذلك، فإن تمثيل العلويين في القوات المسلّحة وفي قطّاع الأمن بشكل عام، غير متناسب مع نسبتهم في المجتمع. وهذا الأمر شكّل مشكلة في الشرعية فيما يتعلّق بنظرة الجمهور السوري إلى طبيعة الدفاع الوطني للجيش،

كما أنتج أيضاً حلقة مؤسساتية من الخوف وانعدام الثقة في المجتمع السوري، والتي لم تقدم للنظام الهيمنة والولاء فحسب، بل جعلت العلويين يعتمدون عل النظام في بلد منقسم بالعدوات الشديدة.

كما أنه أنتج أيضاً حلقة مؤسساتية من الخوف وانعدام الثقة في المجتمع السوري، والتي لم تقدم للنظام الهيمنة والولاء فحسب، بل جعلت العلويين أيضاً يعتمدون على النظام في بلد منقسم بالعداوات الشديدة.

مع تعزيز نظام الأسد لسلطته، اتضحت المهمة الرئيسية للجيش وهي: ضمان استمرارية النظام وأمنه فوق أي اعتبارات تتعلّق بالدفاع والأمن الوطني.

الجيش السوري اليوم: تفكك واختراق أجنبي

واجه نظام الأسد، قبل عام 2011، تحديات داخلية هائلة، مثل تمرد الإخوان المسلمين في حماة عام 1982 ومحاولة الانقلاب الفاشلة لرفعت الأسد عام 1984، حيث لعب الجيش السوري دوراً مركزياً في قمع التمردين. ومع ذلك، لم يكن أي منهما يشبه التحدي المستمر الذي بدأ عام 2011، والذي أجبر بشار الأسد على إعادة النظر والتخلّي عن بعض سيادته على هياكل السلطة الرئيسية، وذلك للحفاظ على بقاء النظام.

أثبتت الهياكل، التي صممها حافظ الأسد، فائدتها وفعّاليتها في مكافحة الاستياء العام، خلال السنوات الأولى من الصراع، إلا أن زيادة قدرة تشكيلات المتمردين الرئيسية وما ترتب على ذلك من عدم فعّالية الجيش السوري في ساحات القتال، تسبب في التوسّع غير المقصود واللاإرادي لقوات الأمن المحلية ومن ثم استيراد قوات أمن أجنبية فعّالة مثل ورسيا وإيران.

اتضح اليوم أن هذا النمو المضطرب للمؤسسة العسكرية السورية، تسبب في مشاكل عدة مثل: الولاء وتنويع مصادر التمويل والانقسام الإقليمي والأيديولوجي، بالإضافة إلى عمليات صنع القرار الموازية والاعتماد على الرعاة الأجانب.

بغية التكيّف مع ديناميات الصراع الجديدة، ظهر مشهد من الميليشيات غير النظامية والقوات المسلّحة شبه العسكرية، والتي تعتمد مصادر تمويل مختلفة وذات مهام مختلفة، خاصة بعد المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2013، الخاص بإضافة ملحقات إلى الجيش السوري. هذا وقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على بعض الميليشيات وإلحاقها بالجيش النظامي، كقوة مساعدة، مثل قوات الدفاع الوطني،

إلا أن العديد من الميليشيات الموالية للنظام بقيت في المنطقة الرمادية من الناحية القانونية.

إلا أن العديد من الميليشيات الموالية للنظام بقيت في المنطقة الرمادية من الناحية القانونية والمؤسساتية والعملية، حيث تنتظر الشكل الذي سيكون عليه الحال ما بعد الحرب. بعض هؤلاء الميليشيات تتلقى تمويلاً ودعماً من رجال أعمال مشبوهين موالين للنظام، وأخرى يتم تمويلها حصرياً من قبل جهات أجنبية مثل روسيا وإيران. ونظراً لأن هذه الميليشيات تقوم بأدوار أمنية محلية فقد اعتمدت أنماط من التجنيد في صفوفها يرتكز إلى العلاقات الدينية والمناطقية والأيديولوجية، الأمر الذي تسبب في زيادة الاستقلالية المحلّية وتوسيع دائرة الولاء فضلاً عن عدم التنسيق الأمني والدفاعي.

فرض هذا الهيكل الهجين لقطاع الأمن السوري، اللامركزية في عملية صنع القرار العسكري، في نظام كان لفترة طويلة جداً شديد المركزية، وأصبحت الميليشيات الموالية للنظام تؤثر على مفاتيح القرارات في قطاع الدفاع الرئيسي، بما في ذلك التجنيد والتعبئة العسكرية وانتشار الجنود وتوزيع الموارد. هذا وهناك تقارير عن اشتباكات مسلّحة بين هذه الميليشيات خلال الصراع السوري وعلى مختلف الجبهات، كما أن العلاقة بين هذه الميليشيات والدولة السورية محفوفة بالمخاطر نتيجة تمتع هذه الميليشيات بعلاقة رعاية ومحسوبية وحماية من الأجهزة الاستخباراتية المتنافسة، ويمكن لهذا الأمر أن يؤدي، في ظل الفساد المتجذّر والمصالح التجارية، إلى صراعات داخل المؤسسة العسكرية.

من ناحية أخرى، فقد استثمرت روسيا وإيران حصصاً كبيرة في الجيش السوري والأجهزة الأمنية، لذلك فهما تمارسان حالياً نفوذاً واسعاً على الجيش والأمن.

مع قيام موسكو وطهران بتحسين فعّالية الجيش السوري في ميادين القتال وعكس خسائره على الأرض إلى نصر، فإن هذا النصر جاء بثمن باهظ مع تضاؤل احتكار نظام الأسد الحصري للقرار في الجيش، إذ تشارك القوتان الأجنبيتان، موسكو وطهران، وبشكل متزايد في تعيين كبار الضباط وقادة الوحدات المقاتلة، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية، كما عملتا، وبشكل تنافسي، على إضفاء الطابع المؤسساتي على العديد من الميليشيات ودمجها في هياكل وقيادة الجيش السوري.

تكاد تسيطر روسيا بالكامل على صنع القرار بشأن العمليات الاستراتيجية، وبدرجة أقل إيران، أما وحدات الجيش السوري، المرتبطة بشكل أو بآخر بالقوى الأجنبية، فإنها تشارك وتخوض المعارك التي يتم التخطيط لها من قبل الحلفاء الأجانب. وهكذا يمكن الافتراض أن موسكو لها تأثير أيضاً على المخصصات والموارد داخل الجيش، وتمنحها إلى الوحدات والضباط الموالين لها.

الجانب الآخر للجيش السوري هو حضور العلويون وولاؤهم في الجيش، فقد تصاعدت هيمنة العلويين على الجيش بعد عام 2011، بسبب انشقاقات الضباط السنّة، لذلك فإن علاقة المجتمع بالمؤسسة العسكرية وبالنظام قد تغيّرت.

بينما يضحي العلويون بأنفسهم من أجل نظام غير قادر على تزويدهم بالضرورات الرئيسية.

جاء دعم العلويين العسكري للنظام بتكلفة باهظة، لقد فقدوا، وبشكل غير متناسب، الكثير من شبابهم في ساحات القتال، كما أن مجتمعاتهم تعاني من التدهور المتزايد في الظروف المعيشية. بينما يضحي العلويون بأنفسهم من أجل نظام غير قادر على تزويدهم بالضرورات الأساسية، فإن دائرة الولاء تتسع لتشمل شخصيات جديدة يستبدلون الخدمات العسكرية المحفوفة بالمخاطر بميليشيات أكثر أماناً، كما يستبدلون خدمات الدولة بجمعيات خيرية محلية.

ومع ذلك لا يزال العلويون مخدوعين ومحاصرين في دائرة الخوف التي اخترعها النظام، والتي عزلت الأقلية العلوية عن بقية المجتمع السوري.

ربما تشهد الحملة الأخيرة على رجل الأعمال والممول للنظام، رامي مخلوف، حيث تم الاستيلاء على أصوله وممتلكاته وحل جميع الميليشيات التي مولها وإغلاق جمعيته الخيرية، على تنامي نفوذه بين العلويين كما تشير إلى الضعف المتزايد الذي يشعر به الأسد فيما يتعلّق بدعم مجتمعه. ومع ذلك لا يزال العلويون مخدوعين ومحاصرين في دائرة الخوف التي اخترعها النظام، والتي عزلت الأقلية العلوية عن بقية المجتمع السوري، وهذا الأمر جعل الأسد، على الأقل في الوقت الحالي، ضرورة موضوعية لبقائهم والحفاظ عليهم.

لعب الجيش السوري دوراً مهماً ورئيسياً في بقاء النظام، لكن الهيكلية التي كانت مصممة في السابق للحفاظ على ولاء القوات المسلّحة بدأت تنهار تدريجياً على مدى السنوات التسع الماضية.

بالرغم من اللامركزية المفروضة والقسرية وتكاثر الجهات الأمنية والتدخل الأجنبي، الذي أنقذ النظام السوري من الهزيمة العسكرية، ما زال بشار الأسد ينظر ويقيس نوعية وجودة قواته من خلال ولائهم المستمر واستعدادهم لاستخدام القوة للدفاع عنه وعن نظامه، وليس من خلال أدائهم في ساحة المعركة.

في حين أن الانقلاب على بشار الأسد أو انهيار حكمه، أمر غير مرجح، لكنه لم يعد لديه المصداقية التي كانت موجودة في الخمسين عاماً الماضية.

الكاتب : عبد الرحمن المصري، محلل مستقل يركز على قضايا السياسة والأمن في الشرق الأوسط.

عن: ATLANTIC  COUNCIL.

بسام جوهر… ضابط سابق وممعتقل سياسي سابق

رابط المقال :

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى