شعر

قصائد مختارة لجوان مارجريت

أحمد عبد اللطيف

خطابات الحب

هن لن يهجرنك.

الزمن سيمر، وستُمحى الرغبة

– سهم الظل هذا-

والوجوه الحسية، الجميلة والذكية،

ستتوارى فيك، في عمق مرآة.

السنوات ستسقط. والكتب سترهقك.

ستنحدر أكثر فأكثر

وحتى الشعر سيضيع منك.

ضجيج المدينة في الفترينات

سيكون في النهاية موسيقاك الوحيدة،

وخطابات الحب التي ربما احتفظت بها

ستكون أدبك الوحيد

أيام أبريل

عصافير ذاك الربيع

هي الشيء الوحيد الذي أنصت إليه في صمتي،

عصافير تستعد لاستبدال الدموع بالغناء.

منذ ذلك الحين

لا يمكن فصل التابوت عن غناء العصافير.

الذكاء وحده ما يغذيني،

يختار الشتاء بمستنقعاته المجمدة،

بوجوهه الرمادية والناعمة من أثر البرد.

الحقول التي تبدو ميتة

شجرات الشوح التي تصمت لسنوات

مرت بدون كريسماس،

لأنه سيكون أكثر حزناً

أن نغني وحدنا الأغنيات.

الأفكار التي فصلها ظلام العاطفة والجنس،

لم تعثر على السلام حتى الشيخوخة.

العجز هو ما يسعفنا.

لكونه يصنع من المستقبل مستحيلاً،

ينقذ الحاضر القصير، ويمجّد الأمس.

صورة ذاتية مع البحر

ذاك الطفل الصامت، يلعب وحيداً.

قابعاً لا يزال وراء عينيّ العجوز هاتين،

يقاوم هجمات الظهيرة الوحشية

ويسمع آيات البحر المضطربة

وصرخات الأجساد العارية والمؤكسدة

عند دخولها في الماء البلوري والبارد

لشاطئ من الحجارة. وخجولاً،

يركض من مخبأ لمخبأ داخل الحكايات.

ينام بداخلي، مخلوق عاجز:

ينام بداخلي، في ليلة الملوك،

حيث تطير المقشات في صمت

وتخلّف الذئاب بصماتها في الثلج.

وبالخارج تومض سماء مترعة بالمشمش،

والسماء الزرقاء المترعة بالبرقوق

تتحلل في سكاكين سوداء من الصخور.

الصيف ببرودة الكحول في العيون

يجعلني أشعر بحياتي مثل لب ثمرة

أسود وذهبي تتعفن

حول عظام الذاكرة.

داخلي اختبئ، أيها المخلوق العاجز.

داخلي احمِ نفسك من الفجر الوحشي.

أتلُو الأسطورة التي تتحدث عن الطفل الرمادي

وعن الدراجة البائسة

التي امتطاها سائق حزين من الضواحي.

يبحث عنك ويقترب. يبدّل في الطريق إلى هنا.

لحظة تعيسة

الموت ليس إلا ذلك: غرفة النوم،

مساء مضيء في النافذة،

والراديو على الكومودينو

-مطفئاً مثل قلبك-

بكل أغانيه المغناة للأبد.

تنهيدتك الأخيرة لا تزال بداخلي

متوقفة: لا أسمح لها بالانتهاء.

هل تعرفين يا جوانا ما الحفل الموسيقي القادم؟

هل تسمعين لعب الأطفال في فناء المدرسة؟

هل تعرفين، بعد المساء، كيف سيكون الليل،

ليل الربيع؟ سيأتي أناس.

والبيت سيضيء كل أنواره.

فوز جوان مارجريت بجائزة ثيربانتس.. شاعر الهوية المزدوجة

في لحظة سياسية محتدمة تتواصل فيها المظاهرات في كتالونيا مطالبةً بالانفصال، أعلنت جائزة ثيربانتس (نوبل الآداب الإسبانية) فوز الشاعر الكتالوني المرموق جوان مارجريت بها لهذا العام. وهي بالطبع جائزة مستحقة لمشروعه الشعري الطويل والمؤثر والفارق.

وتلقت الجرائد الخبر بكثير من الارتياح والترحيب، لكن السياسة تلقي بظلالها في هذه الأجواء المأزومة، إذ أن مارجريت من الأصوات البارزة التي تعترف بالهوية المزدوجة: الكتالونية والإسبانية معاً، وهو الخطاب الذي تتبناه الدولة الإسبانية، كما يتبناه المناهضون للانفصال، فيما يعد خطاباً معادياً للانفصاليين الذين يرون في أنفسهم أبناء هوية واحدة هي الهوية الكتالونية. وليس مارجريت هو الكتالوني الوحيد في الفوز بهذه الجائزة، إنما الخامس، حيث سبقه إليها خوان جويتيسولو وإدواردو مندوثا وآنا ماريا ماتوتي وخوان مارسيه، لكنه الوحيد الذي حقق إنجازاً في اللغة الكتالونية يعادل إنجازه في اللغة الإسبانية، على عكس الباقين الذين كانت الإسبانية هي لغة منجزهم.

التفت جوان مارجريت لتوقيت منح الجائزة، وللسياق السياسي لهذا التوقيت، لذلك كانت كلمته المرتجلة عند إعلان فوزه تدور حول نفس سؤال الهوية، وتركّز في اللغة، باعتبارها إحدى أبرز علامات الهوية. وتأكيد الشاعر الكتالوني أنه ابن لغتين، واحدة هي لغة البيت والشارع، والثانية تعلمها في المدرسة وطورها باعتبارها اللغة الرسمية للدولة الإسبانية، يشير إلى الوحدة في لحظة المطالبة بالانفصال. لقد انصهرت اللغتان فيه، وكانتا قادرتين على التعبير عنه، رغم أن بداياته كانت باللغة الكتالونية. مارجريت اعتبر نفسه منذ البداية ابناً لثقافتين، وكان محظوظاً أن استطاع التعبير بهما، خاصةً أن النوع الأدبي الذي اختاره هو الشعر، الفن الذي يلتصق كثيراً بالوجدان، ويصعب استيراد لغة ليست الأم للتعبير من خلالها.

حياة ومسيرة

ولد جوان مارجريت بليدا عام 1938، في عز الحرب الأهلية. عمل كمهندس معماري وبدأ مبكراً في كتابة الشعر. شهرته كشاعر باللغة الإسبانية انطلقت في عام 1963 بديوان “أغانٍ من أجل كورال رجل وحيد”، بمقدمة كاميلو خوسيه ثيلا ورسومات جوزيب سوبيرشس. وفي عام 1980 نشر ديوانه بالكتالونية “ظل الرجل الآخر”. والعام الماضي نشر سيرة شبابه بعنوان “لتملك بيتاً يجب أن تربح الحرب”، بالكتالونية والإسبانية. تتسم مسيرة جوان بأنها مزدوجة اللغة، كشاعر وباحث وناثر. جمع كل أشعاره في كتاب سماه “كل القصائد”، ونشرت باللغتين. من بعض أشهر دواوينه “محطة فرنسا” (1999)، “جوانا” (2002)، “حساب البُنيات” (2005)، “بيت الرحمة” (2007)، “الحب هو أين” (2015) و”شتاء مذهل” (2017).

قالت لجنة التحكيم في حيثيات الفوز إنها تقدر “التجاوز العميق واللغة المبصرة المجددة على الدوام” التي استطاع الفائز “أن يثري بها كلاً من اللغة الإسبانية والكتالونية… ما يمثل التنوع الثقافي لشبه الجزيرة الآيبيرية في بعد عالمي”.

فاز مارجريت من قبل بالعديد من الجوائز الهامة، مثل الجائزة الوطنية للنقد (1984 و2008)، وجائزة روساليا دي كاسترو (2008)، والجائزة الوطنية للشعر (2008) وجائزة بيكتور ساندوبال لشعراء العالم اللاتيني والجائزة الإيبيروأميركية للشعر بابلو نيرودا (2017) وجائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبيروأميركي (2019) وتلقاها في أيار/مايو الماضي.

تقدر جائزة ميجيل دي ثيربانتس بـ 125 ألف يورو، وتمنحها وزارة الثقافة الإسبانية عن مجمل المسيرة الأدبية لكاتب. فازت بها العام الماضي إيدا بيتالي، ما كسر تقليد أن تمنح بالتبادل لإسبانيا وأميركا اللاتينية، وسبقها سيرخيو راميريث (2017) والكتالوني إدواردو مندوثا (2016) والمكسيكي فرناندو دل باسو (2015) والكتالوني خوان جويتيسولو (2014).

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى