سياسة

قُتِلَ البغدادي.. فلم لا يفرح السوريون؟/ محمد ديبو

أين الصندوق الأسود للإرهاب؟

يتأمل السوري اليوم مستقبله فلا يرى أي أفق أو أمل، الاقتصاد مدمر، التعليم مدمر، الاجتماع السوري في أسوأ أوضاعه… والأسوأ أن السياق الذي تجري فيه الأمور في سورية تشي بأنها تذهب نحو إعادة تعويم النظام الذي دفع كل تلك الأثمان لأجل رحيله، فيتأمل خسائره/ كوارثه ويسأل: هل ثمن الحرية المزيد من العبودية؟

لا يعرف السوري اليوم: هل يبكي أم يضحك وهو يتفرج على مقتل زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، على يد الأميركان، إذ يأتي مقتله وسط طوفان الأخبار التي تصفعنا كل صباح، دون أن نقدر على التقاط أنفاسنا، حيث لا نتمكن من محاولة فهم أبعاد وخفايا حدث ما حتى يليه حدث آخر، يزيدنا تشوشا وتخبطا، فنركن لمزيد من اليأس والغضب والأسى والتأفف، فيما العالم كله يفرح لمقتل البغدادي..

حقا لماذا نشعر بالتأفف والأسى فيما العالم كله سعيد، ويطالبنا بأن نكون سعداء؟ بل ألا يجب أن نكون سعداء لمقتل زعيم الشر والإرهاب في العالم؟ أو آخر “كلب” وفق تعبير ترامب؟

لا شك أن مقتل البغدادي أمر مفرح للسوريين، ليس لأن السوريين ذاقوا منه الويلات فحسب، بل لأنه وتنظيمه كانا سببا في تشويه وجه ثورتهم وخلطها بالإرهاب والعنف والفوضى حتى ضاع وجه الثورة الجميل دون أن يكون البغدادي سببا في ذلك وحده بالطبع. ومع ذلك، إن السوريين ليسوا سعداء بذلك كما يفترض ترامب والعالم؟ فلماذا؟

وداعاً سورية… وداعاً لا لقاء بعده

يتأمل السوري خريطة بلده اليوم: محتل تركي وأميركي في الشمال والغرب، محتل روسي وإيراني في الشرق والجنوب، قوات فرنسية وغيرها، وميليشيات تكاد تضم عددا لا يحصى من جنسيات العالم، فيما النظام ودكتاتوره يتحدث عن السيادة واستعادة كل شبر من الأرض السورية!

يتأمل السوري سكان بلده وجغرافيا بلده: سوريون منفيون ومهجرون في كل بقاع الأرض، داخلا وخارجا، قرى ومدن محيت عن الوجود، حفلات التهجير والتغيير الديموغرافي لا تزال قائمة، نقل سكان من تلك المنطقة إلى أخرى، وكأن البشر مجرد سلع للبيع، بل حتى السلع يجري تغليفها حين نقلها حفاظا عليها من التلف أو الكسر أثناء عملية النقل، ويتم تجهيز مستودعات مناسبة لحفظها في المكان الجديد، فيما “الإنسان” السوري يهجّر ويشرّد ليرمى في الفراغ والجوع والهلاك متمنيا الموت دون أن يحصل عليه.

يتأمل السوري اليوم معارضته وممثليه السياسيين والناطقين باسمه فلا يكاد يتعرف على لكنة أو لغة تشبه جرحه أو وجعه، فمن هؤلاء؟ وكيف أصبحوا ناطقين باسمه وممثلين له؟

يتأمل السوري اليوم مستقبله فلا يرى أي أفق أو أمل، الاقتصاد مدمر، التعليم مدمر، الاجتماع السوري في أسوأ أوضاعه… والأسوأ أن السياق الذي تجري فيه الأمور في سورية تشي بأنها تذهب نحو إعادة تعويم النظام الذي دفع كل تلك الأثمان لأجل رحيله، فيتأمل خسائره/ كوارثه ويسأل: هل ثمن الحرية المزيد من العبودية؟

يتأمل السوري جواره العربي والإقليمي: رئيس منتخب في السودان، ثورة في لبنان، ثورة في العراق، انتقال سياسي في السودان، ثورة في الجزائر.. فيما في سورية يتصارع المحتلون فيما بينهم: ينسحب ترامب أم يبقى؟ روسيا تشكك في عملية مقتل البغدادي على يد الأميركان وتقصف محافظة إدلب مستغلة الانشغال التركي بتوغله/ احتلاله شمال شرق سورية، وانشغال الإيراني اليوم بالحرائق المشتعلة في حدائقه الخلفية: لبنان والعراق.. يتأمل كل هذا فيما أمله مقفل وطرقه مغلقة، إذ يتحدث الجميع عن دحر “الإرهاب” الخاص به، فيما الإرهاب الجاسم على صدر السوريين، ونعني إرهاب الاستبداد/ الأسد جاثم على صدور السوريين ولا أحد يفكر برحيله!

هُوِيّة الثَّورة السُّوريّة وتحوُّلاتها

بالعودة إلى مقتل البغدادي، ثمة كلام كثير يقال هنا، خاصة أن مقتله الغامض هذا يذكرنا بمقتل أسامة بن لادن، ما يثير أسئلة شتى، منها: لم يقتل أمثال هؤلاء ولا يعتقلون؟ أية أسرار يراد لها أن تموت معهم؟ من صنع هؤلاء؟ ما دور الاستبداد والدول الإقليمية والعالمية في صناعتهم وهي التي حققت أجندتها على ظهورهم وبسببهم؟ هل انتهى دور البغدادي بعد أن حقق الجميع أجندتهم؟ تركيا وإيران وروسيا وتركيا والخليج وأميركا؟ ومتى سيأتي دور شريكه زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، هل بعد أن يدخل الروسي إدلب، ينتهي دوره ويصبح لازما التخلص منه؟

هنا في هذه الأسئلة يكمن الصندوق الأسود لمسألة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي بات يصنّع في مختبرات خاصة، تبدأ من سجون الأسد وأجهزة مخابرات الدول الشريكة في الدم السوري ولا ينتهي عند تلك الحرب المفتوحة عالميا ضد الإسلام، والتي قادها المحافظون الجدد بعد أحداث سبتمبر، والتي لا تزال مستمرة بطرق مختلفة، وليس حديث ترامب وهو يعلن مقتل البغدادي بتلك الطريقة المستفزة إلا استمرارا لتلك السياسة، وكأنه يستفز بقايا داعش كي ترد، وهي حتما ستفكر بالرد، وهكذا نبقي تائهين بين رد من هنا ورد من هناك وهذا ما يريده المتطرفون من الطرفين: ترامب وأمثاله والبغدادي وأمثاله، وهذه بيئة مناسبة جدا ليعيش فيها أمثال الأسد وبوتين وخامنئي وحسن نصر الله، فلم لا يفرح السوريين إذن لمقتل البغدادي؟

حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى